المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود

السبكي، محمود خطاب

المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود تأليف الإمام الجليل المحقق، والعارف الرباني المدقق محيي السنة وقامع البدعة، صاحب الفضيلة والإرشاد الشيخ: محمود محمد خطاب السبكي تاج العلماء الأعلام بالأزهر المعمور [الجزء الأول]

مقدمة الشارح

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، الذي شرح صدور من اصطفاهم من خيار المؤمنين، لنصرة وكشف اللثام عن هدي سيد الأولين والأخرين، فبذلوا الجهد في بيان ما ورد عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من معالم الدين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها صمدا ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خير بشير ونذير القائل {نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمع، فربّ مبلغ أوعى من سامع} (¬1) والقائل {اللهم ارحم خلفائي قلنا يا رسول الله ومن خلفاؤك قال الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي ويعلمونها الناس} (¬2) والقائل {من أدّى إلى أمّتي حديثا لتُقَامَ به سُنّةٌ، أو تُثْلَمَ به بِدْعَةٌ، فله الجنّةُ} (¬3) صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعلى كل من نهج نهجه القويم. {أما بعد} فيقول محمود بن محمد بن أحمد بن خطاب السبكي (¬4): إني لما شرعت بعون الله تعالى وتيسيره في قراءة سنن الإمام الورع الثبت الحجة أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني في ربيع الثاني من سنة 1343 ثلاث وأربعين وثلاثمائة وألف هجرية، وكانت نسخ ذلك الكتاب نادرة الوجود، وقد صعب على الطلبة اقتناؤها، أردت طبعه ليسهل الحصول عليه، ويعمّ النفع به، فطلب مني أن أكتب عليه شرحا يكشف عنه النقاب، ويوضح ما فيه للطلاب، إذا لم يكن مشروحا شرحا وافيا، فشمرت عن ساعد الجدّ والاجتهاد، واستعنت بالملك المقتدر الهادي إلى سبيل الرشاد، وشرحته شرحا واضحا غاية الإيضاح؛ مفصحا عن معانيه كلّ الإفصاح ¬

_ (¬1) رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه. (¬2) رواه الطبراني في الأوسط عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. (¬3) أخرجه أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. (¬4) نسبة إلى سبك الأحد مركز أشمون بمديرية المنوفية.

مقدمة تشتمل على مبادى علم الحديث، وشذرات من علم المصطلح

وتوخيت فيه تأييد الحق، وقوّيته حسبما وصل إليه الجهد، وسميته (المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبى داود) وقد عنيت فيه بيان تراجم رجال الحديث، وشرح ألفاظه وبيان معناه، وما يستفاد منه من الأحكام والفوائد، مبينا أوجه الخلاف وأدلته إن كان ثم أذكر من أخرج الحديث غير المصنف سواء أكان من الأئمة الستة أم غيرهم، وأبين حاله من صحة أو حسن أو غيرهما، سالكا في كل ذلك سبيل الإنصاف، منتكبا طريق الاعتساف ولإتمام الفائدة بدأت الشرح بذكر مقدمة تشتمل على نبذة من مصطلح الحديث وعلى ترجمة المصنف وتلاميذه وبيان النسخ المرويّة عنه وأسانيد روايتى هذه السنن عن المصنف وأسأل الله تعالى أن يجعله عملا مقبولا لديه خالصا لوجهه الكريم ولا اعتماد لى في شئ إلا عليه وهو حسبى ونعم الوكيل مقدمة تشتمل على مبادى علم الحديث، وشذرات من علم المصطلح، وترجمة الإمام أبى داود والتعريف بسننه، وشرطه؛ وطريقته فيها؛ والكلام على ما سكت عليه والنسخ المروية عنه، وتراجم رواتها؛ وسندنا إليه . . . . . . . . . . . . . . . (مبادئ علم الحديث). . . . . . . . . . . . . . . . . . . (الحديث) لغة ضد القديم، واصطلاحا ينقسم إلى قسمين علم الحديث رواية، وعلم الحديث دراية. أما علم الحديث رواية فهو علم يشتمل على نقل ما أضيف إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا أو صفة خلقية بكسر فسكون ككونه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليس بالطول ولا بالقصير أو خلقية بضمتين ككونه لا يواجه أحدا بمكروه، وليس المراد بالعلم هنا القواعد الكلية بل هو قضايا جزئية يتبين بها ما ذكر (وموضوعه) أقوال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأفعاله وتقريراته وصفاته (وفائدته) الاحتراز عن الخطأ في نقل ما أضيف إلى النبى صلى لله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومعرفة كيفية الاقتداء به في أفعاله وغير ذلك (وواضعه) أعنى أول من جمعه محمد بن مسلم ابن شهاب الزهرى بأمر سيدنا عمر بن عبد العزيز (وحكمه) الوجوب العينيّ على من انفرد به؛ والكفائى عند التعدد وأما علم الحديث دراية فهو علم يعرف به أحوال السند والمتن من صحة وحسن وضعف ورفع ووقف وقطع وعلوّ ونزول وغيرها. فالعلم هنا عبارة عن القواعد كقولهم

تقسيم الخبر باعتبار طرقه

كل حديث صحيح أو حسن يستدلّ به (والسند) الطريق الموصل إلى المتن وهو الرواة (والمتن) ما انتهى إليه السند من الكلام (وموضوعه) السند والمتن من حيث إثبات هذه الأحوال لهما (وفائدته) معرفة المقبول والمردود منهما (وواضعه) القاضي أبو محمد الرّامَهُرمُزي بشدّ الراء وفتح الميم الأولى وضم الهاء والميم الثانية بينهما راء ساكنة. ثم الحاكم ثم آخرون كأبي نعيم وابن الصلاح (واسمه) علم مصطلح الحديث وله تعريف آخر وهو علم يعرف به حقيقة الرواية وشروطها وأنواعها وحكمها وحال الرواة وشروطهم وأصناف المرويات وما يتعلق بها. فحقيقة الرواية نقل السنة ونحوها وإسناد ذلك إلى من عزى إليه بتحديث أو إخبار أو غير ذلك (وشرطها) تحمل راويها لما يرويه بنوع من أنواع التحمل من سماع وإجازة ونحوهما (وأنواعها) الاتصال والانقطاع ونحوهما (وأحكامها) القبول والردّ (وحال الرواة) العدالة والجرح (وشروطهم) في التحمل وفى الأداء ما هو مذكور في المصطلح (وأصناف المرويّات) المصنفات والمسانيد والمعاجم والأحاديث والآثار وغيرها (وما يتعلق بها) هو معرفة اصطلاح أهلها. شذرات من علم مصطلح الحديث الخبر مرادف للحديث على الصحيح وله تقسيمان التقسيم الأول له باعتبار طرقه ينقسم الخبر إلى متواتر وآحاد (فالمتواتر) ما رواه عدد كثير تحيل العادة تواطؤهم على الكذب عن مثلهم وكان مستند انتهائهم الحسّ كسماع أو رؤية ولا يتعين عددهم على الصحيح. وحكمه أنه يفيد العلم الضرورىّ على المشهور. وهو مقبول لإفادته القطع بصدق مخبره (والآحاد) ما ليس بمتواتر: وأقسامه ثلاثة (الأول المشهور) وهو ما رواه عدد فوق اثنين عن أكثر من اثنين وهكذا بحيث لم يجتمع فيه شروط المتواتر. (والثاني العزيز) وهو ما رواه اثنان عن اثنين ولو في طبقة واحدة عن متعدد فالزيادة عنهما أحيانا لا تضر إذ الحكم للأقل (الثالث الغريب) وهو ما تفرد بروايته واحد في أى موضع من السند. وينقسم إلى مطلق ونسبىّ. فالمطلق ما تفرد فيه الصحابى أو التابعى. والنسبىّ ما تفرد فيه غيرهما. وأقسام الآحاد منها المقبول والمردود لتوقف الاستدلال بها على البحث عن أحوال رواتها. الحديث المقبول هو ما ترجح صدق المخبر به، وينقسم إلى أربعة أقسام. صحيح لذاته ولغيره. وحسن لذاته ولغيره لأنه إن اشتمل من أوصاف القبول على أعلاها فالصحيح لذاته. وإن اشتمل على

فوائد مهمة في علم المصطلح

أوسطها أو أدناها ووجد ما يجبر القصور ككثرة الطرق فهو الصحيح لغيره. وإن اشتمل على أوسطها أو أدناها ولم يوجد ما يجبر القصور فهو الحسن لذاته. وإن لم يشتمل على شئ من أوصاف القبول لكن كثرت طرقه أو تقوّى بمتتابع أو شاهد (¬1) فهو الحسن لغيره. وصفات القبول هى العدالة، والضبط، واتصال السند، والسلامة من العلة والشذوذ. فالعدالة ملكة تحمل من اتصف بها على ملازمة التقوى والمروءة. والضبط ضبط صدر وهو أن يحفظ ما سمعه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء. وضبط كتاب وهو تصحيحه وصيانته عنده منذ سمع فيه إلى أن يؤدّى منه. واتصال السند سلامته من سقوط راو منه أو أكثر بحيث يكون كل من رواته سمع ذلك المروىّ من شيخه أو أخذه عنه إجازة على المعتمد. والعلة أمر قادح مؤثر في ردّ الحديث يظهر للنقاد عند جمع طرقه كإرسال ووقف مرفوع: والشذوذ مخالفة الثقة من هو أرجح منه حفظا أو عددا بزيادة أو نقص مع عدم إمكان الجمع. وتتفاوت رتب الصحيح بتفاوت هذه الأوصاف في القوة، فما كانت رواته في الدرجة العليا من العدالة والضبط وتحرّى مخرّجيه كان أصح مما دونه ولهذا اتفقوا على أن أصح الحديث ما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم ثم ما انفرد به البخارى في صحيحه على رأى الجمهور إلا أن الصفات التى تدور عليها الصحة من كتابه أتمّ منها في مسلم ولأن شرطه أن يكون الراوى قد ثبت لقاؤه بمن روى عنه ولو مرة وأما مسلم فاكتفى بمطلق المعاصرة مع إمكان اللقى عادة. ثم ما انفرد به مسلم. ثم ما كان على شرطهما ثم ما كان على شرط البخارى ثم ما كان على شرط مسلم ثم ما كان على شرط غيره واتفقوا أيضا على أن صحيح ابن خزيمة أصح من صحيح ابن حبان وهو أصح من مستدرك الحاكم لتفاوتهم في الاحتياط وفائدة هذا الترتيب الترجيح عند التعارض وعدم مرجح آخر (فوائد) (الأولى) إذا جمع بين وصفين كأن يقال حديث حسن صحيح فذلك لكون الحديث له إسنادان: أحدهما حسن. والآخر صحيح. أو له إسناد واحد وتردّد في وصفه بالحسن أو الصحة وغاية ما فيه أنه حذف منه حرف الترديد إذ حقه أن يقال فيه حسن أو صحيح (الثانية) لا تلازم بين السند والمتن في الصحة والحسن إذ قد يصح السند أو يحسن لاجتماع شروط الصحة أو الحسن دون المتن لشذوذ أو علة قادحة فيه وقد لا يصح السند ويصح المتن من طريق آخر (الثالثة) زيادة الثقة مقبولة ما لم تناف رواية من هو أوثق منه على الصحيح. فإن خولف بأرجح منه لمزيد ضبط ¬

_ (¬1) المتابع بالفتح هو الفرد النسبىّ الذى تبين بعد ظن فرديته أن غيره قد وافقه حتى انتهيا إلى صحابيّ واحد؛ والمتابع بالكسر هو هذا الغير الموافق للفرد النسبيّ وهذا هو المراد هنا؛ والمتابعة قسمان: تامة وهي ما حصلت للراوى نفسه في الأخذ عن شيخه؛ وناقصة وهى ما حصلت لشيخه فما فوقه دون الراوى. والشاهد هو ما خالف الفرد النسبيّ الصحابى وشابه متنه متنه لفظا ومعنى أو معنى فقط

أو كثرة عدد أو غير ذلك من المرجحات فالراجح يقال له المحفوظ. والمرجوح يقال له الشاذ فالمحفوظ ما رواه الثقة مخالفا من هو أقلّ منه بزيادة أو نقص مع عدم إمكان الجمع بينهما. والشاذ ما رواه الثقة مخالفا من هو أوثق منه بزيادة أو نقص في المتن. وإن خولف براو ضعيف لسوء حفظه أو نحوه. فالراجح يقال له المعروف. ومقابله المنكر. فالمعروف ما رواه الثقة مخالفا الضعيف والمنكر مارواه الضعيف مخالفا للثقات ويطلق على ما تفرد به الضعيف وإن لم يخالف غيره (الرابعة) إذا روى العدل الضابط المتقن حديثا انفرد به فمقبول اتفاقا. وإذا رواه بعض الثقات متصلا وبعضهم مرسلا أو رواه بعضهم موقوفا وبعضهم فوعا أو وصله هو في وقت وأرسله في وقت آخر أو رفعه في وقت ووقفه في وقت آخر فالصحيح الذى قاله المحققون أن الحكم لمن وصله أو رفعه ولو كان المخالف له أكثر أو أحفظ. وقيل الحكم للأكثر. وقيل للأحفظ. وينقسم المقبول أيضا إلى معمول به وغير معمول به: فالمعمول به المحكم ومختلف الحديث؛ والناسخ؛ والراجح: وغير المعمول به المنسوخ؛ والمرجوح، والمتوقف فيه لأن الخبر إن سلم من المعارض فهو الحكم ومن هذا الباب أكثر الأحاديث فإن أكثرها غير معارض والمعارض منها قليل وإن عورض بمثله وأمكن الجمع بلا تعسف فهو مختلف الحديث كحديث جابر رضي الله تعالى عنه مرفوعا {لا عدوى ولا طيرة (¬1) ولا هامة (¬2) ولا صفر (¬3) ولا غول (¬4)} رواه أحمد ومسلم. وحديث أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عند البخارى وفيه {وفرّ من المجذوم كما تفرّ من الأسد} فهذان الحديثان ظاهرهما التعارض وجمع بينهما بأن الأمراض لا تعدى بطبعها لكن الله سبحانه وتعالى جعل مخالطة المريض سببا لسريان المرض إلى الصحيح وقد يتخلف ذلك عن سببه كما في غيره من الأسباب. أو بأن الأول محمول على كامل العقيدة والثاني على خلافه. وإن لم يمكن الجمع وعرف التاريخ فالمتأخر ناسخ كحديث ثوبان رضي الله تعالى عنه عن النبى صلى الله تعالى عليه على آله وسلم {أفطر الحاجم والمحجوم} رواه أحمد والمصنف والنسائى وابن ماجه وابن حبان والحاكم وهو متواتر صحيح. وحديث ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم {احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم} أخرجه الشيخان ¬

_ (¬1) بكسر ففتح من التطير وهو التشاؤم بالطيور. (¬2) بالتخفيف اسم طائر قيل هى البومة كانوا يتشاءمون بها إذا وقعت على بيت أحدهم يقول نعت إليّ نفسى أو أحد من أهل دارى. (¬3) بفتحتين وهو تأخير المحرم إلى صفر وهو النسيء وذلك أن العرب كانت تحرّم صفر وتستحلّ المحرم فجاء الإسلام بردّ ما كانوا يفعلونه. (¬4) بضم فسكون قال النووي كانت العرب تزعم أن الغيلان في الفلوات وهي جنس من الشياطين تتراءى للناس وتتغوّل تغّولا أى تتلون تلوّنا فتضلهم عن الطريق فتهلكهم فأبطل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك.

(الخبر المردود)

والمصنف والترمذى وصححه. فقد بين الشافعي أن الثانى ناسخ للأول لأنه كان في سنة عشر والأول في سنة ثمان. وإن لم يعرف التاريخ وأمكن الترجيح بوجه من الوجوه ككون راوى أحد الحديثين أزيد ثقة أو فطانة أو أكثر عددا عن الآخر فالأقوى هو الراجح؛ وإن لم يمكن الترجيح وجب التوقف عن العمل بأحدهما. (الخبر المردود) هو ما لم يترجح صدق الخبر به ولا يعمل به. والردّ إما لحذف من السند أو لطعن في راو من رواته فالمردود للحذف أنواع (الأول المعلق) وهو ما حذف من أول سنده من جهة المحدّث واحد أو أكثر ولو كل السند حذفا لا خفاء فيه وإنما وإنما كان المعلق مردودا للجهل بحال المحذوف. وقد يقبل إذا علم أن المحذوف ثقة كأن يجئ من طريق آخر مصرّحا فيه باسمه أو كنيته أو لقبه. (الثانى المرسل) وهو ما سقط منه الصحابى كأن يقول التابعى قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كذا. ولم يحتج به كثير من المحدّثين وعدّوه من المردود لاحتمال أن التابعى روى عن تابعى ضعيف وأسقطه أيضا. وذهب مالك وأحمد في المشهور عنهما إلى الاحتجاج به وكذا أبو حنيفة إن عرف أن التابعى لا يرسل إلا عن ثقة. وقال الشافعى لا بقبل إلا إنا تقوّى بمجيئه من وجه آخر. (الثالث المعضل) وهو ما سقط من سنده اثنان فصاعدا على التولي سواء أكان السقوط من أول السند أم أثنائه أم آخره. (الرابع المنقطع) وهو على المشهور ما سقط من سنده راو واحد قبل الصحابى في أى موضع ولو تعددت المواضع فيكون منقطعا من مواضع. وقيل هو ما لم يتصل إسناده ولو سقط منه أكثر من واحد فهو أعمّ عموما مطلقا من المرسل والمعلق والمعضل وينقسم الحذف من السند إلى واضح وخفىّ. فالواضح يعلم بدون بحث كأن يروى البخارى عن ابن عمر أو عن أبي حنيفة. والخفي ما لا يعلم إلا بالبحث. وينقسم إلى مدلس ومرسل وخفىّ فالمدلس ثلاثة أنواع: الأول مدلس الإسناد. وهو ما أسقط فيه المحدّث من سمعه منه ورواه عن شيخ لم يسمعه منه موهما أنه سمعه منه بصيغة لا تقتضى اتصالا كعن وقال. فإن أتى بصيغة تقتضى الاتصال كحدثنى كان كاذبا. الثاني: مدلس الشيوخ وهو ما لم يسقط فيه المحدّث من سمعه منه لكن وصفه بغير ما اشتهر به من اسم أو كنية أو لقب. الثالث: مدلس التسوية. وهو ما أسقط فيه الراوى ضعيفا بين ثقتين لقى أحدهما الآخر ورواه عن شيخه الثقة عن الثقة الثانى بلفظ محتمل كعن فسوّى بين الرجال بجعلهم ثقات. وهذا القسم أشدّ الأنواع ذما. وظاهر كلام شعبة حرمته لأنه يوهم الاحتجاج بما لا يحتج به. ويليه النوع الأول. وأخفها النوع الثانى. ومن عرف منه هذا التدليس وأتى بحديث بلفظ يقتضي الاتصال فهو مقبول على الصحيح إذا كان المدلس عدلا وقيل من عرف منه هذا التدليس صار مجروحا لا تقبل روايته في شيء وإن بين السماع. ثم هذا الحكم في المدلس جار فيمن دلس ولو مرة واحدة. والمرسل الخفيّ ما رواه المحدث عمن عاصره

المردود للطعن

ولم يلقه. (والمردود للطعن) ما طعن في راويه بواحد من عشرة. خمسة منها تتعلق بالعدالة. وهي الكذب. وتهمته. وظهور الفسق. والجهالة بأن لا يعرف تعديل الراوى ولا تجريحه. والبدعة. وهي اعتقاد ما أحدث على خلاف المعروف عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا بمعاندة بل بنوع شبهة. فإن كانت بمكفر لا يقبل صاجها كأن يعتقد أن النار تؤثر بطبعها. وإن كانت بمفسق يقبل كأن يعتقد أن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية ما لم يكن داعيا إلى بدعته. وخمسة تتعلق بالضبط هي فحش الغلط أى كثرته، وفحش الغفلة وهى كثرة ذهوله عن الإتقان، والوهم بأن يروى عن توهم وتردّد لا عن يقين. ومخالفة الثقات، وسوء الحفظ وهو إن كان ملازما للراوى لم يقبل حديثه وإن كان طارئا عليه لنحو كبر سنّ أو ضعف أو ضياع كتبه قبل ما حدّث به قبل الاختلاط لا ما عرف أنه حدّث به بعده. (والمردود للطعن أنواع) (الأول الموضوع) وهو المطعون فيه بكذب الراوى بأن يروى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما لم يقله متعمدا ذلك. (الثانى المتروك) وهو على ما اختاره السيوطى ما تفرد بروايته واحد مجمع على ضعفه لتهمته بالكذب أو فحش غلطه أو كثرة غفلته أو ظهور فسقه. (الثالث المعلّ) وهو ما أوهم الراوى سلامته ثم اطلع فيه بعد البحث على قادح خفىّ من وصل مرسل أو منقطع أو إبدال ثقة بضعيف أو إدخال حديث في حديث. (الرابع مدرج الإسناد) وهو ما خالف راويه الثقات بتغيير سياق إسناده وهو أقسام: - (أولها) أن يسمع الراوى حديثا من جماعة مختلفين في إسناده فيرويه عنهم بإسناد واحد بدون بيان الاختلاف. - (ثانيها) أن يروى الشيخ بعض المتن بإسناد وباقيه بآخر فيرويه كله عنه راو واحد بالإسنادين. - (ثالثها) أن يروى شخص حديثين بإسنادين فيرويهما عنه راو بأحد الإسنادين أو يروى أحدهما بإسناده ويزيد عليه بعضا من الثانى (الخامس مدرج المتن) وهو ما خالف راوية الثقات بأن يزيد فيه ما ليس منه لتفسير كلمة غريبة بدون تمييز بينهما كحديث الزهرى عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا (كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتحنث في غار حراء. وهو التعبد الليالى ذوات العدد) (¬1) فقوله وهو التعبد مدرج لتفسير التحنث (السادس المقلوب) وهو ما خالف راويه الثقات بتقديم أو تأخير في السند أو المتن كأن يقع في الإسناد كعب بن مرة غلطا بدل مرة بن كعب وفى المتن كحديث أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ في السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه ففيه (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله) فهذا مما انقلب على أحد الرواة وإنما هو (حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) (السابع المزيد في متصل الأسانيد) وهو ما خالف راويه الثقات بزيادة راو فأكثر في موضع من سنده ¬

_ (¬1) رواه البخارى في صحيحه ضمن حديث طويل في بدء الوحى.

المضطرب

قد صرّح فيه الأكثر إتقانا بالسماع أما إن عنعن الأتقن في موضع الزيادة ترجحت رواية الزيادة كأن يقول الأتقن حدثنا مالك حدثنا نافع حدثنا ابن عمر ويقول الأقلّ منه إتقانا حدثنا مالك حدثنا الزهرى حدثنا نافع (الثامن المضطرب) وهو ما وقع الاختلاف في سنده أو متنه أو فيهما مع تساوى الروايتين وتعذّر الجمع بينهما فالاختلاف في السند كحديث سنده هكذا قال الثورىّ حدثنا إسماعيل بن أمية حدثنا أبو عمرو حدثنا محمد بن أحمد حدثنا أبو هريرة وقال بشر حدثنا إسماعيل بن أمية حدثنا أبو عمرو حدثنا أبو سلمة حدثنا أبو هريرة. والاختلاف في المتن كحديث فاطمة بنت قيس عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (إن في المال حقا سوى الزكاة) فقد روى عنها بهذا اللفظ. وروى عنها أيضا بلفظ (ليس في المال حق سوى الزكاة) فقد حكم بعض المحدّثين باضطرابه وجمع بعضهم بينهما فأوّل الحق المثبت بالمستحب والمنفى بالواجب فلا اضطراب (التاسع المصحف) وهو ما كانت المخالفة فيه بالنقط كحديث (من صام رمضان وأتبعه ستا من شوّال) الخ صحفه أبو بكر الصولى فقال شيئا بالشين المعجمة والمثناة التحتية بدل ستا (العاشر المحرف) وهو ما كانت المخالفة فيه بالشكل مع بقاء صورة الخط كحديث جابر (رمى أبىّ يوم الأحزاب على أكحله فكواه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) حرّفه غندر فقال فيه أبى بالإضافة وإنما هو أبيّ بن كعب. والأكحل عرق في الذراع يفصد (الحادى عشر المبهم) وهو ما جهل فيه راو لعدم تسميته كأن يقال روى الزهرىّ عن رجل ويستدلّ على معرفة اسمه بوروده من طريق آخر مسمى فيه أو من بعض الأئمة المطلعين. التقسيم الثانى للخبر باعتبار نهاية السند ينقسم الخبر إلى ثلاثة أقسام (الأول المرفوع) وهو ما أضيف إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة تصريحا أو حكما (¬1) سواء اتصل سنده أم لا أضافه صحابى أم غيره فدخل فيه المرسل والمعضل والمنقطع والمعلق دون الموقوف والمقطوع. فالمرفوع إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صريحا من القول قول الراوى قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (إنما الأعمال بالنيات) ومن الفعل قول الراوى (سها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسجد) ومن التقرير: كأن يفعل الصحابيّ شيئا بحضرته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويسكت عليه، ومن الصفة كأن يقال (كان النبى ¬

_ (¬1) كقول الصحابىّ أمرنا أو نهينا أو أوجب أو حرّم أو رخص لنا لظهور أن فاعلها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم.

الموقوف

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حليما كريما) (الثانى الموقوف) وهو ما أضيف إلى الصحابى من قوله أو فعله أو تقريره متصلا أو منقطعا وكان للرأى فيه مجال أما ما ليس للرأى فيه مجال فهو في حكم المرفوع كما في رواية البخارى (كان ابن عمر وابن عباس يفطران ويقصران في أربعة برد) فمثل هذا لا يقال من قبل الرأى (الثالث المقطوع) وهو ما أضيف إلى التابعى فمن دونه من قول أو فعل أو تقرير كأن يقول الراوى قال ابن المسيب كذا أو فعل كذا مما للرأى فيه مجال. وعدّه من أنواع الحديث فيه تسامح كما قاله الزركشى ومثله الموقوف. (فائدة) إذا قال الصحابى كنا نقول أو نفعل كذا أو كنا لا نرى بأسا بكذا فعند الجمهور أنه إن لم يضفه إلى زمن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فهو موقوف وليس بمرفوع وإن أضافه فقال كنا نفعل في حياة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو وهو فينا فهو مرفوع مطلقا. وقيل إن كان ذلك الفعل مما لا يخفى غالبا كان مرفوعا كأن يقول الصحابى (كنا نكبر على الجنائز في عهد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربع تكبيرات) وإن كان مما يخفى كان موقوفا كقوله (كنا نعزل المنىّ عن الإماء بغير إذنهنّ وعن الزّوجات بإذنهنّ في عهد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) وإلا كان موقوفا. وأما إذا قال الصحابى أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا أو من السنة كذا فهو في حكم المرفوع على الصحيح. وإذا قال التابعى من السنة كذا فالصحيح أنه مرفوع أيضا مرسل. ولو قال التابعى عن الصحابى يرفعه أو ينهيه أو يبلغ به أو يرويه أو ينميه أو رواية أو رواه فهو مرفوع متصل اتفاقا كحديث مسلم عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة يبلغ به (الناس تبع لقريش) وقوله " ينميه " فتح المثناة التحتية وسكون النون أى ينسبه. وهذه من الصيغ التى يكنى بها أصحاب الحديث عن قولهم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لكونه روى بالمعنى أو اختصر. (أقسام السند) ينقسم السند إلى عال ونازل. وكل منهما مطلق ونسبىّ. فالعالى المطلق هو سند قلّ عدده بالنسبة لسند آخر وانتهى إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والمتن فيهما واحد. والنازل المطلق هو ما كثر عدده من هذين السندين وانتهى إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والعالى النسبىّ هو سند قلّ عدده بالنسبة لسند آخر وانتهى إلى إمام ذى صفة علية من نحو حفظ وضبط، كمالك والبخارى، والمتن واحد. والنازل النسبىّ هو ما كثر عدده من هذين السندين وانتهى إلى الإمام صاحب الصفة العلية ويقدّم العالى على النازل لكونه أقرب إلى الصحة وقلة الخطأ إذ ما من راو من رجال الإسناد إلا ويجوز عليه الخطأ فكلما كثرت الوسائط كثرت

العلو النسبى

مظانّ تجويز الخطأ وكلما قلت الوسائط قلت المظانّ فإن كان في النازل مزيّة ليست في العالى كأن يكون رجاله أوثق أو أحفظ أو أفقه كان مقدّما على العالى (والعلوّ النسبىّ أنواع) (الأول) الموافقة وهي الوصول إلى شيخ أحد المؤلفين من طريق آخر أقلّ عددا من طريقه كما لو روى البخارىّ عن قتيبة عن مالك حديثا فلو رواه ابن حجر من طريق البخارى كان بينه وبين قتيبة ثمانية. ولو رواه من طريق أبى العباس السرّاج عن قتيبة كان بينه وبين قتيبة سبعة (الثانى) البدل وهو الوصول إلى شيخ شيخ أحد المؤلفين من طريق آخر أقلّ عددا من طريقه مثلا لو روى ابن حجر حديثا من طريق البخارى عن قتيبة عن مالك كان بينه ويين مالك تسعة ولو رواه من طريق أبى العباس عن القعنبىّ عن مالك كان بينه وبينه ثمانية (الثالث) المساواة وهي استواء عدد سند راو إلى ذى صفة علية مع عدد سند أحد المصنفين إلى ذى الصفة كأن يروى أبو داود حديثا سنده إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تسعة ورواه ابن حجر بسند آخر عدده تسعة ولو رواه بطريق أبى داود لزاد العدد (الرابع) المصافحة وهي استواء عدد السند من الراوى إلى ذى صفة علية مع عدد سند من تلميذ أحد المصنفين إلى ذى الصفة. وسميت مصافحة لأن العادة جرت بمصافحة المتلاقيين فكأن الراوى صافح التلميذ المذكور (أنواع الرواية) وهي كثيرة: منها - رواية الأقران وهي رواية الشخص عن قرينه أى مشاركه في السنّ أو اللقىّ أى الأخذ عن المشايخ والمراد بالمشاركة في السنّ المساواة فيه أو المقاربة وهي قسمان: المدبّج وهي رواية كل من القرينين عن الآخر إما مباشرة كرواية أبى هريرة عن عائشة ورواية عائشة عنه وإما بواسطة كرواية الليث عن يزيد عن مالك ورواية مالك عن يزيد عن الليث. ويشترط في هذا القسم المشاركة في السنّ واللقىّ معا. وغير المدبّج وهو أن يروى أحدهما عن الآخر فقط بشرط التشارك في السنّ أو اللقىّ كرواية الأعمش عن التيمىّ وهما قرينان - (ومنها) رواية الأكابر عن الأصاغر وهى أن يروى الراوى عن دونة في السنّ واللقىّ أى زمن التلقى كرواية الزهرىِّ عن مالك ويدخل فيها رواية الآباء عن الأبناء كرواية العباس عمّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ابنه الفضل حديث الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة. وهذا النوع قليل. وفائدة ضبط هذا النوع الأمن من ظنّ الانقلاب في السند وتنزيل الناس منازلهم - (ومنها) رواية الأصاغر عن الأكابر وهو كثير - (ومنها السابق واللاحق) وهو أن يشترك اثنان في الرواية عن شيخ مع تقدم موت أحدهما على الآخر بزمن بعيد. وفائدة ضبط هذا النوع الأمن من ظن سقوط شيء من إسناد المتأخر بينه وين شيخه - (ومنها المهمل) وهو أن يروى الراوى عن اثنين متفقَين في الاسم أو غيره مما به التمييز ولم يتميزا كأن يكون له شيخان كل منهما اسمه أحمد وقال حدثنى أحمد ولم يعلم من هو منهما فإن كانا ثقتين فلا يضرّ ذك وإلا ضرّ

المتفق والمفترق

على الصحيح. وفائدة ضبط هذا النوع أمن اللبس. والفرق بين المهمل والمبهم السابق أن المبهم لم يذكر له اسم والمهمل ذكر اسمه مع الاشتباه - (ومنها المتفق والمفترق) أى المتفق في الاسم والمفترق في المسمى وهو ما رواه قوم اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم فصاعدا أى ما كان بعض سنده بهذه الصفة وهو أقسام (منها) ما اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم كالخليل بن أحمد فإن المسمى بهذا ستة رجال (ومنها) ما اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم وأجدادهم كأحمد بن جعفر بن حمدان. إلى غير ذلك من باقى الأقسام المبينة في المبسوطات. وفائدة ضبط هذا النوع أمن اللبس - (ومنها) المؤتلف والمختلف وهو ما اتفقت فيه الأسماء خطا واختلفت نطقا كسلام بتشديد اللام وسلام بتخفيفها وفائدة ضبط هذا النوع الاحتراز عن التصحيف والتحريف في الأسماء - (ومنها) المتشابه وهو ما اتفقت فيه أسماء الأبناء خطا ونطقا واختلفت فيه أسماء الآباء نطقا مع ائتلافهما خطا أو بالعكس كمحمد ابن عقيل بفتح العين ومحمد بن عقيل بضمها وكشريح بن النعمان بالشين المعجمة والحاء المهملة وسريج بن النعمان بالسين المهملة والجيم - (ومنها المسلسل) وهو ما اتفقت رواته على صفه من الصفات سواء أكانت صفة للرواة أم للإسناد، مثال الأول حدثنى فلان وهو قائم قال حدثنى فلان وهو قائم وهكذا إلى آخر السند، ومثال الثانى حدثنى فلان قال حدثنى فلان وهكذا إلى آخر السند بصيغة التحديث ومثل صيغة التحديث غيرها من صيغ الأداء. والأصل أن يكون التسلسل من أول السند إلى آخره وقد يكون في أكثره كحديث المسلسل بالأوّلية وهو (الرّاحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) فقد قال الراوى سمعت حديث الرحمة المسلسل بالأوّلية من شيخى فلان وهو أوّل حديث سمعته منه ويقول شيخ شيخه سمعت حديث الرحمة المسلسل بالأوّلية من شيخى فلان وهو أوّل حديث سمعته منه وهكذا إلى أن انتهت السلسلة بالأوّلية إلى سفيان بن عيينة وانقطع بالأوّلية في سماع ابن عيينة من عمرو بن دينار وفى سماع ابن دينار من أبى قابوس وفي سماع أبى قابوس من عبد الله بن عمرو ابن العاص من الرسول صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم. (طرق تحمل الحديث) هى سبعة (الأول) السماع من لفظ الشيخ إملاء أو تحديثا أو من حفظه أو كتابه (الثانى) القراءة على الشيخ وتسمى عرضا (الثالث) الإجازة وهى أنواع: إجازة معين في معين كأجزتك كتاب البخارى وأجزت فلانا جميع ما اشتملت عليه كل كتبى. والصحيح جواز الرواية بالإجازة مطلقا. وإجازة معين في غير معين كأجزتك مسموعاتى أو مروياتي، والجمهور على جوازها وإجازة العموم كأجزت للمسلمين أو لمن أدرك زمانى. والصحيح جوازها، وإجازة المجاز كأجزت لك ما أجازنى به فلان. وينبغى لمن يروى بها أن يتأمل كيفية إجازة شيخ شيخه فليس له أن

المناولة

يروى الحديث عن شيخه عن شيخ شيخه حتى يتيقن أنه بما صح عند شيخه كونه في مسموعات شيخة. وتستحب الإجازة إذا كان المجيز والمجاز له من أهل العلم. وينبغى للمجيز بالكتابة التلفظ بها ويصح الاقتصار على الكتابة (الرابع) المناولة وأعلاها ما تقرن بالإجازة بأن يدفع إليه أصل سماعه أو فرعا مقابلا عليه ويقول هذا سماعي أو روايتى عن فلان أجزت لك روايته ثم يتركه في يده. ومنها أن يناول الطالب الشيخ سماعه فيتأمله وهو عارف متيقظ ثم يناوله الطالب ويقول هو حديثى وسماعي أو روايتى فاروه عنى (الخامس) الكتابة وهي أن يكتب مسموعه أو يأذن بكتابته للغير ولو حاضرا وهي إما مقرونة بالإجازة أو مجرّدة عنها (السادس) الإعلام وهو أن يعلم الشيخ الطالب أن هذا الكتاب روايته أو سماعه غير قائل اروه عنى. والأصح أنه لا تجوز روايته لاحتمال أن الشيخ عرف خللا فيه لكن يصح العمل به إذا صح سنده عند المطلع (السابع) الوجادة وهي أن يقف على كتاب بخط الشيخ فيه أحاديث فله أن يقول وجدت أو قرأت بخط فلان أوفى كتاب فلان بخطه حدثنا فلان ويسوق بقية السند والمتن وعليه العمل قديما وحديثا ولا يقول أخبرنى أو حدثنى فلان إلا إن كان له منه إذن بالرواية عنه. صيغ الأداء هي مراتب: سمعت وحدثنى ثم أخبرنى وقرأت عليه، وكان الإخبار أقل من التحديث لأنه أعمّ منه لصدقه على السماع من الشيخ مشافهة أو بواسطة بخلاف التحديث فلا يكون إلا مشافهة ثم قرئ عليه وأنا أسمع ثم أنبأنى ونبأنى وكانتا أقلّ من الإخبار لأنهما في عرف المتأخرين للإجازة ثم ناولنى ثم شافهنى بالإجازة كأجزتك بالبخارى، ثم كتب إلىّ بالإجازة ثم عن فلان وقال ونحوهما من الصيغ المحتملة للسماع وعدمه والإجازة إلا إذا كانت العنعنة من معاصر ثبت لقاؤه بالشيخ ولو مرة فتكون بمعنى السماع فقط ما لم يكن مدلسا ثم أوصى إلىّ أى بكتاب عند موته أو سفره. والجمهور على عدم الاكتفاء بالوصية في الرواية إلا إذا كان له منه إجازة تم وجدت بخطه (فوائد) (الأولى) جرت عادة أهل الحديث بحذف قال ونحوه فيما بين رجال الإسناد في الخط وينبغى للقارئ أن يلفظ بها وإذا كان في الكتاب قرئ علي فلان أخبرك فلان فليقل القارئ قرئ على فلان قيل له أخبرك فلان وإذا كان فيه قرئ على فلان أخبرنا فلان فليقل قرئ على فلان قيل له قلت أخبرنا فلان وإذا تكررت كلمة قال كقوله حدثنا صالح قال قال الشعبى فإنهم يحذفون إحداهما في الخط فليلفظ بهما القارئ فلو ترك القارئ لفظ قال في هذا كله فقد أخطأ والسماع صحيح للعلم بالمقصود ويكون هذا من الحذف لدلالة الحال عليه (الثانية) جرت العادة بالاقتصار على الرّمز في حدثنا وأخبرنا واشتهر ذلك فيكتبون من حدثنا (ثنا) وهى الثاء والنون والألف وربما حذفوا الثاء ويكتبون من أخبرنا (أنا) ولا تحسن زيادة الباء قبل

(نا) وإذا كان للحديث إسنادان أو أكثر كتبوا عند الانتقال من إسناد إلى إسناد (ح) وهي حاء مهملة مفردة والمختار أنها مأخوذة من التحوّل لتحوّله من إسناد إلى إسناد وأنه يقول القارئ إذا انتهى إليها (ح) ويستمر في قراءة ما بعدها. وقد كتب جماعة من الحفاظ موضعها صح وهو حسن لئلا يتوهم أنه سقط متن الإسناد الأول (الثالثة) ليس للراوى أن يزيد في نسب غير شيخه ولا صفته على ما سمعه من شيخه لئلا يكون كاذبا عليه فإن أراد تعريفه وإيضاحه وزوال اللبس المتطرّق إليه لمشابهة غيره فطريقه أن يقول قال حدثنى فلان يعنى ابن فلان أو الفلانى أو هو ابن فلان أو الفلانى أو نحو ذلك فهذا جائز حسن قد استعله الأئمة وهذا مبحث نفيس يعظم الانتفاع به فإن من لا يعانى هذا الفن قد يتوهم أن قوله يعنى وقوله هو زيادة لا حاجة إليها وأن الأولى حذفها وهذا جهل بصناعة الفنّ (الرابعة) يستحب لكاتب الحديث إذا مرّ بذكر الله تعالى أن يكتب عزّ وجل أو تعالى أو سبحانه وتعالى أو تبارك وتعالى أو جلّ ذكره أو تبارك اسمه أو جلت عظمته أو ما أشبه ذلك وكذلك يكتب عند ذكر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بتمامها لا رامزا إليها ولا مقتصرا على الصلاة أو السلام وكذلك يقول في الصحابى رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. وإن كان صحابيا ابن صحابى قال رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما وكذلك يترضى أو يترحم على سائر العلماء والأخيار ويكتب كل هذا وإن لم يكن مكتوبا في الأصل الذى ينقل منه فإن هذا ليس رواية وإنما هو دعاء. وينبغى للقارئ أن يقرأ كل ما ذكرناه وإن لم يكن مذكورا في الأصل الذى يقرأ منه ولا يسأم من تكرار ذلك، ومن أغفل هذا حرم خيرا عظيما وفوّت فضلا جسيما (الخامسة) إذا أراد رواية الحديث بالمعنى فإن لم يكن خبيرا بالألفاظ ومدلولاتها لم يحز له ذلك اتفاقا وإن كان عالما بذلك فالجمهور على جواز الرواية بالمعنى إذا جزم بأنه أدّى المعنى وهذا هو الصواب الذى تقتضيه أقوال الصحابة فمن بعدهم في روايتهم القضية الواحدة بألفاظ مختلفة. ثم هذا في الذى يسمعه في غير المصنفات. أما المصنفات فلا يجوز تغييرها وإذا وقع في الرواية أو التصنيف غلط لاشك فيه فالصواب الذى عليه الجمهور أنه لا يغير في الكتاب بل ينبه عليه حال الرواية في حاشية الكتاب فيقول كذا وقع والصواب كذا (السادسة) من الألفاظ التى ينبغى معرفتها الأثر والسند والمسند بالفتح والجامع والجزء والمسند بالكسر والمحدّث والحافظ والحجة. فالأثر لغة البقية واصطلاحا الحديث مرفوعا أو موقوفا. وقيل هو الموقوف. والسنة لغة الطريقة. واصطلاحا مرادفه للحديث وهي كل ما أضيف إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وقيل الحديث خاص بقوله وفعله والسنة أعمّ. والمسند بفتح النون اسم مفعول ما اتصل سنده من أوله إلى منتهاه ولو موقوفا. وقيل ما أضيف إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم متصلا أو منقطعا. ويطلق أيضا على الكتاب الذى جمع فيه مروىّ كل

(ترجمة الإمام الحافظ أبي داود)

صحابىّ على حدة. والجامع ما كان مرتبا على أبواب الفقة كالكتب الستة أو على ترتيب الحروف في أوائل الترجمة ككتاب الإيمان والبر والتوبة والثواب. وهكذا كما فعله صاحب الجامع الأصول أو باعتبار رعاية الحروف في أوائل الحديث كما فعل السيوطى في الجامع الصغير وقد جمع في جامعه الكبير بين الجامع والمسند فجعل القسم القولى على ترتيب الحروف والقسم الفعلى على ترتيب المسانيد. والجزء يطلق على ما هو أعمّ من الجامع والمسند وقد يطلق على ما ألف في نوع خاص. والمسند بكسر النون من يروى الحديث بإسناده. والمحدّث بضم ففتح فشد الدال مكسورة هو العالم بطرق الحديث وأسماء الرواة والمتون. والحافظ من حفظ مائة ألف حديث متنا وإسنادا وإن تعددت الطرق ووعى ما يجتاج إليه. والحجة من أحاط بثلاثمائة ألف حديث. والحاكم من أحاط علمه بجميع الأحاديث المروية متنا وإسنادا وجرحا وتعديلا وتاريخا (ترجمة الإمام الحافظ أبي داود) هو الإمام الحافظ العلم أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو ابن عمران الأزدى السجستانى الشافعى أو الحنبلى أحد حفاظ الحديث ونقاده وهو في الدرجة العليا من الصلاح والورع والإتقان والفقه. قال ابن حبان: أبو داود أحد أئمة الدنيا فقها وعلما وحفظا ونسكا وإتقانا وهو أحد من رحل وطوّف البلاد وجمع وصنف وسمع بخراسان والعراق والجزيرة والشام والحجاز ومصر. ولد سنة اثنتين ومائتين. وأخذ الحديث عن الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وقتيبة بن سعيد وغيرهم ممن ستقف على تراجمهم في أثناء الكتاب إن شاء الله تعالى. قال أحمد بن محمد بن الليث جاء سهل بن عبد الله إلى أبى داود فرحب به وأجلسه فقال له سهل يا أبا داود لى إليك حاجة قال وما هي قال حتى تقول قضيتها مع الإمكان قال قضيتها مع الإمكان قال أخرج إلىّ لسانك الذى حدثت به أحاديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى أقبله فأخرج إليه لسانه فقبله. وقال أبو سليمان بسنده إلى أبى بكر بن جابر خادم أبى داود قال كنت معه ببغداد فصلينا المغرب إذ قرع الباب ففتحته فإذا الأمير أبو أحمد الموفق يستأذن فأذن له أبو داود فدخل وقعد تم أقبل أبو داود وقال ما جاء بالأمير في مثل هذا الوقت قال خلال ثلاث قال وما هي قال تنتقل إلى البصرة فتتخذها وطنا لترتحل إليك طلبة العلم من أقطار الأرض قال هذه واحدة هات الثانية قال تروى لأولادى كتاب السنن قال نعم هات الثالثة فقال تفرد لهم مجلسا للرواية فإن أولاد الخلفاء لا يقعدون مع العامة فقال أما هذه فلا سبيل إليها فإن الناس شريفهم ووضيعهم في العلم سواء، قال ابن جابر فكانوا يحضرون ويضرب بينهم

التعريف بكتاب السنن لأبى داود

وبين الناس ستر فيسمعون مع العامة. وقد أخذ الحديث عنه ابنه أبو بكر عبد الله وكان من أكابر الحفاظ عالما متفقا على علمه. وأخذ عنه أيضا الحافظ أبو عبد الرحمن النسائى صاحب السنن وعبد الرحمن النيسابورى وأبو عيسى الترمذى وغيرهم وروى عنه الإمام أحمد بن حنبل حديثا واحدا وهو حديث العتيرة (¬1) وكان أبو داود يفتخر بذلك، توفى أبو داود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بالبصرة ودفن بها يوم الجمعة منتصف شوال سنة خمس وسبعين ومائتين والسجستانى منسوب إلى سجستان بكسر السين المهملة فالجيم فسكون السين المهملة إقليم معروف بين خراسان وكرمان ويقال في النسبة إلى سجستان سجزى أيضا وهو من عجيبب التغيير في النسب. . . . . . . . . . . . . . . . . التعريف بكتاب السنن لأبى داود. . . . . . . . . . . . . . . . . . قال الخطابى إن كتاب السنن لأبى داود رحمه الله تعالى كتاب شريف لم يصنف في علم الدين كتاب مثله وقد رزق القبول من كافة الناس فصار حكما بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء فلكل فيه ورد ومنه شرب وعليه معوّل أهل العراق ومصر وبلاد المغرب وكثير من أقطار الأرض، وهو أحسن وضعا وأكثر فقها من الصحيحين. والحديث منه صحيح وحسن. وكتاب أبى داود جامع لهما ومنه سقيم وهو على طبقات شرّها الموضوع ثم المقلوب ثم المجهول وكتاب أبى داود خلىّ منها فإن وقع فيه شئ منها لضرب من الحاجة فإنه يبين أمره ويذكر علته ويخرج من عهدته. وقال أبو العلاء المحسن الوادادى رأيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المنام فقال من أراد أن يستمسك بالسنن فليقرأ سنن أبى داود اهـ. وقال النووى في قطعة كتبها في شرح سنن أبى داود وينبغى للمشتغل بالفقه وغيره الاعتبار بسنن أبى داود وبمعرفته التامة فإن معظم أحاديث الأحكام التى يحتج بها فيه مع سهولة تناوله وتلخيص أحاديثه وبراعة مصنفه واعتنائه بتهذيبه اه وقال أبو بكر أحمد بن على الخطيب كان أبو داود قد سكن البصرة وقدم بغداد غير مرة روى كتابه المصنف في السنن بها ونقله عنه أهلها ويقال إنه صنفه قديما وعرضه على أحمد بن حنبل رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فاستجاده واستحسنه. وقال أبو بكر محمد بن بكر بن داسه سمعت أبا داود يقول كتبت عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خمسمائة ألف حديث انتخبت منها ما تضمنه كتاب السنن وهو أربعة آلاف وثمانمائة حديث ليس فيها ¬

_ (¬1) رواه الإمام أحمد والبخارى ومسلم والمصنف والترمذي والنسائى عن أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مرفوعا (لا فرع ولا عتيرة) وفرع بفاء وراء وعين مهملة مفتوحات هو أول نتاج الناقة كانت الجاهلية تذبحه لطواغيتها. وعتيرة بفتح المهملة وكسر المثناة الفوقية فمثناة تحتية ساكنة فراء ما يذبح أول رجب تعظيما له فنهى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ذلك

شرط أبى داود وطريقته فى سننه

حديث أجمع الناس على تركه اه وقال ابن الأعرابى من كان عنده كتاب الله وسنن أبى داود لم يجتج إلى شئ معهما من العلم. ومن ثمّ صرّح الغزالى وغيره بأنه يكفى المجتهد في أحاديث الأحكام. وسنن أبى داود وجامع الترمذى ومجتبى النسائى في الطبقة الثانية من كتب الحديث بعد الصحيحين وموطأ مالك. قد عرف مصنفوها بالوثوق والعدالة والحفظ والتبحر في فنون الحديث ولم يرضوا في كتبهم هذه بالتساهل فيما اشترطوا على أنفسهم فتلقاها من بعدهم بالقبول وعلى هاتين الطبقتين اعتماد المحدّثين اه. وقال أبو داود في رسالته لأهل مكة يصف كتابه السنن هو كتاب لا يرد عليك سنة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا وهي فيه، ولا أعلم شيئا بعد القرآن ألزم للناس من هذا الكتاب ولا يضرّ رجلا أن لا يكتب من العلم شيئا بعد ما يكتب هذا الكتاب وإذا نظر فيه وتدبّره وتفهمه حينئذ يعلم مقداره . . . . . . . . . . . . . . . . شرط أبى داود وطريقته في سننه. . . . . . . . . . . . . . . . . . قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده شرط أبى داود والنسائى إخراج حديث أقوام لم يجمع على تركهم إذا صح الحديث باتصال السند من غير قطع ولا إرسال. وقال أبو داود في رسالته لأهل مكة سلام عليكم فإنى أحمد الله الذى لا إله إلا هو وأسأله أن يصلى على محمد عبده ورسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. أما بعد عافانا الله وإياكم عافية لا مكروه معها ولا عقاب بعدها فإنكم سألتموني أن أذكر لكم الأحاديث التى في كتاب السنن أهى أصح ما عرفت في الباب ووقفت على جميع ما ذكرتم، فاعلموا أنه كله كذلك إلا أن يكون قد روى من وجهين أحدهما أقوى إسنادا والآخر صاحبه أقدم في الحفظ فربما كتبت ذلك. وإذا أعدت الحديث في الباب من وجهين أو ثلاثة مع زيادة كلام فيه أو كلمة على الحديث الطويل لأنى (¬1) لو كتبته بطوله لم يعلم بعض من سمعه ولا يفهم موضع الفقه منه فاختصرته لذلك. أما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى، مثل سفيان الثورى ومالك والأوزاعى حتى جاء الشافعى فتكلم فيها وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل وغيره. فإذا لم يكن مسند غير المراسيل فالمرسل يحتج به وليس هو مثل المتصل في القوة. وليس في كتاب السنن الذى صنفته عن رجل متروك الحديث شئ. وإذا كان فيه حديث منكر بينت أنه منكر وليس على نحوه في الباب غيره. وما كان في كتابى من حديث فيه وهن شديد فقد بينته. ومنه ما لا يصح سنده؛ وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح من بعض اه ¬

_ (¬1) قوله لأنى لو كتبته الخ لعله علة لمحذوف تقديره اقتصرت على الزائد أو على محل الشاهد بدليل قوله فاختصرته لذلك

ما سكت عليه أبو داود

. . . . . . . . . . . . الكلام على ما سكت عليه أبو داود. . . . . . . . . . . . . . . . قال الحافظ ابن حجر إن قول أبي داود وما فيه وهن شديد بينته يفهم منه أن ما يكون فيه وهن غير شديد لم يبينه ومن هنا تبين لك أن جميع ما سكت عليه أبو داود لا يكون من الحسن الاصطلاحى بل هو على أقسام. منها ما هو صحيح أو على شرط الصحة. ومنها ما هو حسن لذاته. ومنها ما هو حسن لغيره وهذان القسمان كثير في كتابه جدًّا. وفيه ما هو ضعيف لكنه من رواية من لم يجمع على تركه غالبا وكل من هذه الأقسام تصلح عنده للاحتجاج بها كما نقل ابن منده عنه أنه يخرّج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره وأنه أقوى عنده من رأى الرجال وكما حكاه ابن العربى عنه أنه قال لابنه إن أردت أن أقتصر على ما صح عندى لم أرو من هذا المسند إلا الشئ بعد الشئ ولكنك يا بنىّ تعرف طريقتى في الحديث أنى لا أخالف ما يضعف إلا إذا كان في الباب ما يدفعه، ومن هنا يظهر لك طريق من يحتج بكل ما سكت عليه أبو داود فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عليها كابن لهيعة وصالح مولى التوءمة وموسى بن وردان فلا ينبغى للناقد أن يتابعه في الاحتجاج بأحاديثهم بل طريقه أن ينظر هل لذلك الحديث متابع يعتضد به أو هو غريب فيتوقف فيه لا سيما إن كان مخالفا لرواية من هو أوثق منه فإنه ينحط إلى قبيل المنكر. وقد يخرّج أحاديث من هو أضعف من هؤلاء بكثير كالحارث بن وجيه وصدقة الدقيقى ومحمد بن عبد الرحمن البيلمانى. وكذا ما فيه من الأسانيد المنقطعة وأحاديث المدلسين الضعفاء والأسانيد التى فيها من أبهمت أسماؤهم فلا يتجه الحكم على أحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبى داود لأن سكوته تارة يكون اكتفاء بما تقدم له من الكلام في ذلك الراوى وتارة يكون لذهول منه وتارة يكون لظهور شدة ضعف ذلك الراوى واتفاق الأئمة على طرح روايته كأبى الحدير ويحيى بن العلاء، وتارة يكون لاختلاف الرواة عنه وهو الأكثر فإن في رواية أبى الحسن بن العبد عنه من الكلام على جماعة من الرواة والأسانيد ما ليس في رواية اللؤلؤى وإن كانت روايته عنه أشهر. ثم قال والصواب عدم الاعتماد على مجرّد سكوته لما وصفنا من أنه يحتج بالأحاديث الضعيفة ويقدّمها على القياس هذا إن حملنا قوله "وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح" على أن مراده صالح للحجية وهو الظاهر وإن حملناه على ما هو أعمّ من ذلك وهو الصلاحية للحجية وللاستشهاد أو المتابعة فلا يلزم منه أنه يحتج بالضعيف ويجتاج إلى تأمل ما سكت عليه وهو ضعيف أله أفراد أم لا فإن وجد له أفراد تعين الحمل على الأول وإلا تعين الحمل على الثانى اه بتصرف من التحفة المرضية للقاضى المحدث حسين بن محسن اليمانى . . . . . . . . . . . . . . . . . . النسخ المروية عن أبى داود وتراجم رواتها. . . . . . . . . . . اعلم أنه روى كتاب السنن عن أبى داود خمسة حفاظ من تلاميذه ولهذا تعدّدت نسخ السنن

أسانيد الكتاب منى إلى المؤلف رضى الله تعالى عنه

في ديار العرب وغيرها (النسخة الأولى نسخة اللؤلؤى) وهي المنتشرة في بلاد المشرق والمعروفة بسنن أبى داود عند الإطلاق. واللؤلؤى هو الإمام الحافظ أبو على محمد بن أحمد بن عمرو البصرى اللؤلؤى نسبة إلى اللؤلؤ لأنه كان يبيعه، روى هذه السنن عن أبى داود في المحرّم سنة خمس وسبعين ومائتين، وروايته من أصح الروايات لأنها من آخر ما أملي أبو داود وعليها مات وعليها عوّلنا في كتابتنا لهذا الشرح. وأخذ عن اللؤلؤى الإمام أبو عمرو القاسم بن جعفر ابن عبد الواحد الهاشمى والحافظ عبد الله الحسين بن بكر بن محمد الورّاق (النسخة الثانية نسخة ابن داسة) وهى مشهورة في بلاد المغرب وتقارب نسخة اللؤلؤى وإنما الاختلاف بينهما بالتقديم والتأخير. وهو الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرزاق التمار البصرى المعروف بابن داسة بفتح السين المهملة المخففة، وقيل بتشديدها، وقيل إن روايته أكمل الروايات أخذ عنه الإمام أبو سليمان الخطابى وأبو محمد عبد الله بن عبد المؤمن القرطبى وأبو عمر أحمد بن سعيد ابن حزم وجماعة (النسخة الثالثة نسخة الرملى) وهى تقارب نسخة ابن داسة، والرملى هو الإمام الحافظ أبو عيسى إسحاق بن موسى بن سعيد الرملى منسوب إلى الرملة مدينة بفلسطين. روى عنه الإمام الحافظ أبو عمر أحمد بن دحيم بن خليل (النسخة الرابعة نسخة ابن الأعرابى) وهو الإمام الحافظ أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن بشر المعروف بابن الأعرابى وقد سقط من نسخته كتاب الفتن والملاحم والحروف والقراءات والخاتم ونحو النصف من كتاب اللباس وفاته أيضا من كتاب الوضوء والصلاة والنكاح أوراق كثيرة. أخذ عنه أبو إسحق إبراهيم بن على بن محمد التمار وأبو عمر أحمد بن سعيد بن حزم اه ملخصا من بعض الشروح (النسخة الخامسة نسخة العبدى) وهو أبو الحسن بن العبد فيها من الكلام على جماعة من الرواة والأسانيد ما ليس في رواية اللؤلؤى كما تقدم عن ابن حجر. وقال السخاوى ومما ينبه عليه أن سنن أبى داود تعددت رواتها عن مصنفها ولكل أصل وبينها تفاوت حتى في وقوع البيان في بعضها دون بعض ولا سيما رواية أبى الحسن العبدى ففيها من كلامه أشياء زائدة على رواية غيره اه من التحفة . . . . . . . . . . . (أسانيد الكتاب منى إلى المؤلف رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ). . . . . . . . . . اعلم أن كتاب السنن للإمام الحافظ أبى داود قد أجزت به من شيخنا العلامة المحدث المفسر الفقيه محيى السنة إمام الأئمة. ذى التآليف المفيدة الجمة. سيدى أبى عبد الله الشيخ محمد عليش الشهير. وهو مجاز من الإمام الجليل سيدى محمد الأمير الصغير. وهو مجاز من والده شيخ أكابر المحققين سيدى محمد الأمير الكبير. وهو مجاز من قدوة العارفين سيدى محمد الحفنى. عمهم جميعا بزائد رحمته الواحد القدير. ونص عبارة الأمير الكبير في كتاب الأسانيد له: سنن الحافظ أبى داود بن الأشعث السجستانى الأزدى أرويها عن البدر

الحفنى إجازة عن العلامة البديرى عن الملاّ إبراهيم الكردى النقشبندى عن شيخه صفىّ الدين القشاش المدنى بإجازته العامة عن الشمس الرملى عن زكريا بن محمد عن مسند الديار المصرية عزّ الدين بن عبد الرحيم المعروف بابن الفرات عن أبى حفص عمر بن الحسن بن يزيد المراغي عن الفخر على بن أحمد بن عبد الواحد عن أبى حفص عمر بن محمد بن طبرزد البغدادى أنبأنا به الشيخان إبراهيم بن محمد بن منصور الكرخى وأبو الفتح مفلح بن أحمد الرومى سماعا عليهما ملفقا قالا أنبأنا به الحافظ الكبير أبو بكر أحمد بن على بن ثابت الخطيب البغدادى أنبأنا به أبو عمرو القاسم بن جعفر الهاشمى أنبأنا به أبو على محمد بن اللؤلؤى أنبأنا به أبو داود "يعنى المؤلف" وبه قال حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عبد السلام بن أبى حازم أبو طالوت قال شهدت أبا برزة دخل على عبيد الله بن زياد فحدثنى فلان سماه مسلم وكان في السماط (¬1) فلما رآه عبيد الله قال إن محمد يكم هذا الدّحداح ففهمها الشيخ فقال ما كنت أحسب أنى أبقى في قوم يعيرونى بصحبة محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال له عبيد الله إن صحبة محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لك زين غير شين قال إنما بعثت إليك لأسألك عن الحوض هل سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يذكر فيه شيئا فقال أبو برزة نعم لا مرة ولا ثنتين ولا ثلاثا ولا أربعا ولا خمسا فمن كذّب به فلا سقاه الله منه ثم خرج مغضبا. وهذا من الرباعيات التى في حكم الثلاثيات وهو أن يروى تابعى عن تابعى عن الصحابى أو صحابى وهو عن صحابي آخر فيحسب التابعيان أو الصحابيان بدرجة واحدة فهما اثنان في حكم الواحد فإذا كان معهم راو أخذ عنه المؤلف يقال فيه رباعى في حكم الثلاثى. وهذا أعلى ما عند أبى داود (وأرويه) أيضا من طرق أخر منها طريق شيخنا السقاط بسنده إلى أبى بكر محمد البصرى التمار المعروف بابن داسة وهو آخر من حدّث عن أبي داود اه كلام الشيخ الأمير الكبير (وكما) أجزت برواية هذا الكتاب من هذا الطريق أجزت به أيضا من الأستاذ الكبير والعلامة النحرير الألمعى الأوحد واللوذعي المفرد إمام علماء الأزهر وشيخ شيوخه ذى التآليف الكثيرة والتحقيقات المفيدة مولانا شيخ الإسلام الشيخ محمد ابن الحاج محمد ابن الحاج حسين الإنبابى الشافعىّ الحائز قصب السبق في الأصول والفروع وصاحب اليد الطولى في التفسير والبيان الثبت في الرواية والتخريج والتأويل. ولد سنة أربعين ومائتين وألف هجرية وتوفى بمصر ليلة السبت الحادى والعشرين من شوّال سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة وألف هجرية فرحمه الله تعالى رحمة واسعة (وأجزت) به أيضا من العلامة المحقق والفهامة المدقق تاج العلماء الأعلام شيخ الأزهر والإسلام أستاذنا الشيخ سليم البشرى المالكي. تولى مشيخة الأزهر مرتين وتوفى أوائل شهر ذى الحجة ¬

_ (¬1) بوزن كتاب الجماعة من الناس

بداية الشرح

سنة خمس وثلاثين وثلثمائة بعد الألف من الهجرة عليه سحائب الرحمة والرضوان (وكذا أجزت) برواية جميع كتب السنة المحمدية من هذه الطرق. وبسندى إلى المؤلف رحمه الله تعالى قال: . . . . . . . . . . . . . . (بسْمِ اللهِ الرَّحمْن الرَّحيِمِ). . . . . . . . . . . . . . بدأ بها لما هو معلوم من أن البدء بها مندوب إليه كتابا وسنة. واقتصر عليها كأكثر المتقدمين كمالك في الموطأ، وعبد الرزاق في المصنف، وأحمد في المسند، والبخارىّ في الصحيح. ولم يذكر الحمد والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والشهادة مع ورود حديث (كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه بحمد الله والصلاة علىّ فهو أبتر أقطع ممحوق من كل بركة) رواه الديلمى من حديث أبى هريره رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وقال الحافظ الرهاوى غريب ضعيف وحديث (كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع) وحديث (كل خطبة ليس فيها شهادة فهى كاليد الجذماء) أخرجهما أبو داود وغيره عن أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. لأن في كل منهما مقالا ولو سلمنا صلاحيتهما للحجية فليس فيهما ما يدل على تعين كتابة ذلك بل قد يكتفى بالنطق بها كما ذكر الخطيب في الجامع عن الإمام أحمد أنه كان يتلفظ بالصلاة على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا كتب الحديث ولا يكتبها. أو أنهم رأوا أن الافتتاح بالحمدلة وما بعدها مختص بالخطب دون الكتب ويؤيده ما وقع من كتب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى الملوك وكتبه في القضايا من افتتاحها بالتسمية دون الحمدلة كما في حديث هرقل وقصة سهيل بن عمرو في صلح الحديبية، أو لأن القدر الذى يجمع الأمور المذكورة هو ذكر الله تعالى وقد حصل بالتسمية (ص) حَدَّثَنَا أَبوُ عَلىٍّ محمدُ بن عمرٍو اللؤْلُؤِى حدَّثَنَا أَبوُ دَاوُدَ سُليمان بْن الْأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِىُّ في المحرَّمِ سَنةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتيَن (ش) هذا من كلام أحد تلاميذ اللؤلؤى وقد تقدمت ترجمته وترجمة المصنف وهذا ما في النسخ المصرية وفى النسخ الهندية بعد البسملة أخبرنا الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن على بن ثابت الخطيب البغدادى قال أنبأنا الإمام القاضى أبو عمرو القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمى قال أنا أبو على محمد بن أحمد بن عمرو الؤلؤى الخ وليس في النسخ القديمة هذه العبارة إنما فيها (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) كتاب الطهارة) وهي نسخة المؤلف الأصلية. ولما كانت الطهارة من أقوى شروط الصلاة التى هي أفضل العبادات وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين قدم المؤلف الكلام على الطهارة فقال

كتاب الطهارة

(كتاب الطهارة) لفظا كتاب وباب استعملا في زمن التابعين رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم، والكتاب في اللغة مصدر بمعنى الجمع والضمّ. وفى الاصطلاح اسم لجملة من العلم مشتملة علي أبواب وفصول غالبا. والطهارة بالفتح مصدر طهر من بابى قتل وقرب وهي لغة النظافة والخلوص من الأدناس حسية كالأنجاس أو معنوية كالعيوب والذنوب، وشرعا زوال حدث أو خبث بمطهر. قال الإمام الغزالى للطهارة مراتب منها تطهير الظاهر من الحدث والخبث ثم تطهير الجوارح من الحرام ثم تطهير القلب من الأخلاق المذمومة ثم تطهير السرّ عما سوى الله تعالى اه ولما كان الخارج من السبيلين أكثر موجبات الطهارة وقوعا بدأ بالكلام على ما يطلب لقضاء الحاجة فقال (باب التخلي عند قضاء الحاجة) أى هذا باب في بيان حكم التخلى أى التفرّد والبعد عن الناس عند قضاء الحاجة. يعنى البول والغائط. وترجم بما ذكر لما أخرجه الجماعة من حديث أنس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال (كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا دخل الخلاء قال اللهم إنى أعوذ بك من الخبث والخبائث) ويعبر عنه بباب التبرّز لما سيأتى للمصنف من حديث جابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما (أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد) ويعبر عنه أيضا بقضاء الحاجة لما سيأتى للصنف أيضا عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما (أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض) وبباب الاستطابة لما سيأتى أيضا للمصنف من حديث أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مرفوعا وفيه (ولا يستطب بيمينه) ولو عبر بالمذهب لكان له وجه لما سيأتى للمصنف أيضا عن المغيرة بن شعبة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا ذهب المذهب أبعد) (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ الْقَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا ذَهَبَ الْمَذْهَبَ أَبْعَدَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم وسكون السين المهملة (قوله قعنب) بفتح فسكون ففتح (قوله القعنبىّ) نسبة إلى جده قعنب أبو عبد الرحمن الحارثى المدنى نزيل البصرة أحد الأعلام في العلم والعمل. روى عن ماك الموطأ وغيره وعن أفلح بن حميد وشعبة وغيرهم. وعنه البخارى ومسلم وأبو حاتم وقال ثقة حجة لم أر أخشع منه. وأعلم مالك

بقدومه فقال قوموا إلى خير أهل الأرض. وقال ابن سعد كان عابدا فاضلا. مات سنة إحدى وعشرين ومائتين بالبصرة وقيل بمكة (قوله عبد العزيز يعنى ابن محمد) بن عبيد الجهنى مولاهم المدنى الدراوردى أحد الأعلام. روى عن زيد بن أسلم وصفوان بن سليم وسهيل بن أبى صالح وغيرهم وعنه ابن وهب وابن مهدى وسعيد بن منصور وغيرهم وثقه مالك وابن معين والعجلى وقال أحمد إذا حدّث من كتابه فهو صحيح وإذا حدّث من كتاب غيره فهو وهم. وقال أبو زرعة سيئ الحفظ يخطئ. وقال الساجى صدوق إلا أنه كثير الوهم. وأتى المصنف بالعناية لبيان أن شَيخه لم يقل ابن محمد ولولاها لتوهم أن لفظ ابن محمد من قول شيخه وليس كذلك وهذا يجرى في سائر المواضع التى يؤتى فيها بالعناية. وقال ابن سعد ثقة كثير الحديث يغلط. توفى سنة تسع وثمانين ومائة (قوله محمد يعنى ابن عمرو) بن علقمة الليثى المدنى مشهور من شيوخ مالك صدوق أحد أئمة الحديث تكلم فيه من قبل حفظه وثقه النسائى، وقال الجوزجانى ليس بالقوى، وقال ابن عدى أرجو أنه لا بأس به، وعن ابن معين أنه ثقة، وقال أبو حاتم صالح الحديث روى عن أبيه وعبد الرحمن بن يعقوب وطائفة، وعنه موسى بن عقبة وشعبة والسفيانان وغيرهم روى له البخارى مقرونا حديثا واحدا ومسلم متابعة. توفى سنة أربع أو خمس وأربعين ومائة. والعناية هنا من المصنف أو من شيخه (قوله عن أبى سلمة) هو ابن عبد الرحمن بن عوف الزهرى المدنى أحد الأعلام قيل اسمه كنيته وقيل عبد الله من الطبقة الثالثة نقل الحاكم أبو عبد الله أنة أحد الفقهاء السبعة وقال ابن سعد كان ثقة فقيها كثير الحديث روى عن أبيه وأسامة بن زيد وأبى أيوب وغيرهم، وعنه ابنه عمر وعروة والأعرج والشعبى وخلق، مات سنة أربع وتسعين (قوله المغيرة بن شعبة) بن أبى عامر بن مسعود أبو محمد أو أبو عبد الله الثقفى أسلم عام الخندق وشهد الحديبية. روى عنه من الصحابة أبو أمامة الباهلى والمسور بن مخرمة وقرّة المزنى ومن التابعين ابناه عروه وحمزة والشعبى وغيرهم، له ستة وثلاثون حديثا ومائة حديث اتفق الشيخان على تسعة وانفرد البخارى بحديث ومسلم بحديثين كان أديبا فطنا. توفى بالكوفة سنة خمسين (قوله كان إذا ذهب المذهب) بفتح الميم والهاء بينهما ذال معجمة ساكنة مفعل من الذهاب وهو هنا يحتمل أن يكون مصدرا أو اسم مكان وعلى الوجهين فتعريفه للعهد الخارجى والمعهود محل التخلى أو الذهاب إليه يدلّ على إرادة المصدر قوله أبعد وقوله في رواية الترمذى (أتى حاجته فأبعد في المذهب) فإنه يتبين منها أن يراد بالمذهب المصدر والمنقول عن أهل العربية إرادة المكان وبه قال أبو عبيدة وغيره وجزم به في النهاية وأيضا فقد صار المذهب في العرف اسما لموضع التغوّط كالخلاء والمرفق والمرحاض (قوله أبعد) يعنى أكثر المشى حتى بعد عن الناس والمعنى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا أراد قضاء

الحاجة ذهب ذهابا بعيدا أو إلى مكان بعيد حتى يتوارى عن أعين الناس (فقه الحديث) والحديث يدلّ على طلب البعد عن الناس عند قضاء الحاجة بولا أو غائطا حفظا لكرامتهم وبعدا للأذى عنهم وراحة لقاضى الحاجة لأنه مع قربه من الناس يمنعه الحياء من إخراج الريح ونحوه. وعلي مكارم أخلاق النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وحفظه لكرامة الناس وأنه بعث مبينا لعظائم الأمور وغيرها (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارمى والنسائي وابن ماجه والترمذى وقال حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ الْبَرَازَ انْطَلَقَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ» (ش) (رجال الحديث) (قوله مسدّد) بضم الميم وفتح السين والدال المشددة المهملتين (قوله مسرهد) بضم الميم وفتح السين المهملة وسكون الراء وفتح الهاء ابن مسربل بن مرعبل ابن أرندل بن سرندل بن غرندل الأسدى أبو الحسن البصرى يقال إنه أوّل من صنف المسند بالبصرة. روى عن حماد بن زيد وابن عيينة ويحيى القطان وأبى عوانة، وعنه أبو حاتم الرازى ومحمد بن يحيى وأبو زرعة وغيرهم، قال ابن معين صدوق ثقة ووثقه أحمد والنسائى والعجلى وأبو حاتم. توفى سنة ثلاث أو ثمان وعشرين ومائتين (قوله عيسى بن يونس) بن أبى إسحاق السبيعى أبو عمرو الكوفى أحد الأعلام. روى عنه أبيه وأخيه إسرائيل وإسماعيل بن أبى خالد وعدّة. وعنه حماد بن سلمة وابن وهب وابن المدينى وعلى بن حجر وثقه أبو حاتم وقال ابن المدينى بخ بخ ثقة مأمون جاء يوما إلى ابن عيينة فقال مرحبا بالفقيه ابن الفقيه ابن الفقيه وقال أحمد وأبو حاتم ويعقوب بن شيبة وابن خراش ثقة وقال العجلى ثقة ثبت في الحديث وقال أبو زرعة كان حافظا مات سنة إحدى وتسعين ومائة وقيل سنة سبع وثمانين ومائة (قوله إسماعيل بن عبد الملك) بن أبى الصغير مصغرا الكوفى ثم المكي. روى عن سعيد بن جبير وعطاء، وعنه الثورى ووكيع قال البخارى يكتب حديثه وعن يحيى بن معين أنه لا بأس به وقال أبو حاتم ليس بقوى، وقال في التقريب صدوق كثير الوهم وقال المنذرى قد تكلم فيه غير واحد (قوله عن أبى الزبير) هو محمد بن مسلم بن تدرس بفتح المثناة الفوقية وسكون الدال المهملة وضم الراء الأسدى مولاهم المكي روى عن ابن عباس وعائشة وغيرهما. وعنه السفيانان ومالك وعطاء وهو من شيوخه، وثقه ابن معين والنسائى وابن عدىّ قال أبو حاتم وأبو زرعة لا يحتج به وقال يعقوب بن شيبة ثقة صدوق

باب الرجل يتبوأ لبوله

وقال الحافظ في المقدمة أبو الزبير المكي أحد التابعين مشهور وثقه الجمهور وضعفة بعضهم لكثرة التدليس وغيره. مات سنة ثمان وعشرين ومائة (قوله جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام بفتح الحاء المهملة ابن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة أبو عبد الله أو أبو عبد الرحمن الأنصارى الصحابي المشهور. له أربعون وخمسمائة وألف حديث اتفق الشيخان على ثمانمائة وخمسين وانفرد البخارى بستة وعشرين ومسلم بستة وعشرين ومائة. له ولأبيه صحبة. شهد العقبة وغزا مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تسع عشرة غزوة وقال استيغفر لى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الجمل خمسا وعشرين مرة رواه أحمد وغيره. وفى رواية ليلة البعير وهي ليلة اشترى فيها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منه جمله. روى عنه بنوه وطاوس والشعبى وعطاء وغيرهم، مات سنة ثمان وسبعين بالمدينة عن أربع وتسعين سنة (قوله البراز) بفتح الموحدة والكسر لغة قليلة الفضاء الواسع الخالى من الشجر ثم كنى به عن النجو اه مصباح والنجو العذرة وما يخرج من البطن. وقد خطأ الخطابىّ الكسر لأنه بمعنى المبارزة في الحرب وخالفه الجوهرى وغيره من أئمة اللغة والحديث فجعلوه مشتركا بينهما، وقال النووى في شرحه بعد ذكر عبارة الخطابى وقلد الخطابى في ذلك جماعة وليس الكسر غلطا كما قال بل هو صحيح أو أصحّ فقد ذكر الجوهرى وغيره أن البراز بكسر الباء اسم للغائط الخارج من الإنسان فيظهر الكسر حينئذ لا سيما والرواية بالكسر، وفى تهذيب الأسماء واللغات أن ضبطها بالكسر هو الظاهر والصواب (فقه الحديث) دلّ الحديث على استحباب التباعد عند قضاء الحاجة عن الناس إذا كان في مراح من الأرض ويدخل في معناه الاستتار بالأبنية والحجب ونحوها مما يستر العورة عن الناس. ودلّ أيضا على طلب إخفاء ما لا يليق والبعد عما يؤذى أو يستهجن (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه. والحديث لا ينحط عن درجة الحسن (باب الرجل يتبوّأ لبوله) أى يتخذ لبوله مكانا لا يرجع إليه منه رشاش كأن يكون منخفضا أو رخوا قال في النهاية تبوأت منزلا أى اتخذته اه (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، أَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، حَدَّثَنِي شَيْخٌ قَالَ لَمَّا قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ الْبَصْرَةَ، فَكَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى فَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى أَبِي مُوسَى يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو مُوسَى إِنِّي كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَرَادَ أَنْ يَبُولَ، فَأَتَى دَمِثًا فِي أَصْلِ جِدَارٍ فَبَالَ، ثُمَّ قَالَ: صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَبُولَ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ مَوْضِعًا» (ش) (رجال الحديث) (قوله موسى بن إسماعيل) التميمى المنقرى بكسر فسكون ففتح أبو سلمة التبوذكي بفتح المثناة الفوقية وضم الموحدة وبعد الواو ذال معجمة البصرى الحافظ. روى عن شعبة حديثا واحدا وعن حماد بن سلمة وجماعة. وعنه البخارى وأبو داود وابن معين وقال ثقة مأمون ووثقه أبو حاتم وابن سعد. مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين (قوله حماد) بن سلمة بن دينار أبو سلمة البصرى. روى عن ثابت البنانى وسلمة بن كهيل وابن أبى مليكة وقتادة وحميد وآخرين. وعنه ابن جريج وابن إسحاق شيخاه وشعبة ومالك والقعنبى وغيرهم قال وهيب بن خالد كان حماد بن سلمة سيدنا وأعلمنا وقال القطان إذا رأيت الرجل يقع في حماد فاتهمه على الإسلام وقال ابن المبارك ما رأيت أشبه بمسالك الأول من حماد وقال ابن حبان لم ينصف من جانب حديثه ولم يكن من أقرانه بالبصرة مثله في الفضل والدين والنسك والعلم والكتب والجمع والصلابة في السنة والقمع لأهل البدع ووثقه كثيرون قال البيهقى هو أحد الأئمة إلا أنه لما كبر ساء حفظه فلذا تركه البخارى وأما مسلم فأخرج له ما رواه عن ثابت قبل تغيره. مات سنة سبع وستين ومائة (قوله أبو التياح) بفتح المثناة الفوقية والمثناة التحتية المشددة هو يزيد بن حميد الضبعى بضم المعجمة البصرى أحد الأئمة. روى عن أنس ومطرّف بن عبد الله وأبى عثمان النهدى وجماعة. وعنه همام والحمادان وطائفة قال أحمد ثقة ثبت ووثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائى. مات سنة ثمان وعشرين ومائة (قوله شيخ) هو مجهول لم يعرف اسمه ولا صفته (قوله قال) أى الشيخ المجهول (قوله لما قدم عبد الله بن عباس) بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمى أبو العباس المكي ثم المدنى ابن عم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وصاحبه وحبر الأمة وفقيهها وترجمان القرآن له ستون وستمائة وألفا حديث اتفق الشيخان على خمسة وسبعين وانفرد البخارى بثمانية وعشرين ومسلم بتسعة وأربعين لكنه لم يسمع من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا خسمة وعشرين حديثا. روى عنه أبو العالية وسعيد بن جبير وابن المسيب وعطاء بن يسار وكثيرون قال موسى بن عبيدة كان عمر يستشير ابن عباس ويقول غوّاص وقال سعد ما رأيت أحضر فهما ولا ألبّ لبا ولا أكثر علما ولا أوسع حلما من ابن عباس ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات وقال مسروق كنت إذا رأيت ابن عباس قلت أجمل الناس وإذا نطق قلت أفصح الناس وإذا

حدّث قلت أعلم الناس، وروى الترمذى من طريق ليث عن أبى جهضم عن ابن عباس أنه رأى جبريل عليه السلام مرتين، وفى الصحيح عنه أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم ضمه إليه وقال اللهم علمه الحكمة، وفى معجم البغوىّ عن زيد بن أسلم عن ابن عمر أنه كان يقرّب ابن عباس ويقول إنى رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دعاك فسح رأسك وتفل في فيك وقال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل، وعن عبد الله بن دينار أن رجلا سأل ابن عمر عن قوله تعالى (كانتا رتقا ففتقناهما) فقال اذهب إلى ذلك الشيخ فسله ثم تعال فأخبرنى فذهب إلى ابن عباس فسأله فقال كانت السموات رتقا لا تمطر والأرض رتقاء لا تنبت ففتق هذه بالمطر وهذه بالنبات فرجع الرجل فأخبر ابن عمر فقال لقد أوتى ابن عباس علما صدقا هكذا لقد كنت أقول يعجبنى جرأة ابن عباس على تفسير القرآن فالآن قد علمت أنه أوتى علما وقال عمرو بن حبشىّ سألت ابن عمر عن آية فقال انطلق إلى ابن عباس فاسأله فإنه أعلم من بقى بما أنزل الله تعالى على محمد صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم، وعن عطاء ما رأيت قط أكرم من مجلس ابن عباس أكثر فقها وأعظم خشية إن أصحاب الفقه عنده وأصحاب القرآن عنده وأصحاب الشعر عنده يصدرهم كلهم من واد واسع، وعن طاوس أدركت خمسين أو سبعين من الصحابة إذا سئلوا عن شئ فخالفوا ابن عباس لا يقومون حتى يقولوا هو كما قلت وصدقت (وعلى الجملة) فمناقبه جمة لا تحصى. ولد قبل الهجرة بثلاث لسنين. ومات بالطائف سنة ثمان وستين عن إحدى وسبعين سنة وصلى عليه محمد بن الحنفية، وعن ميمون أنه جاء طائر أبيض فدخل بين النعش والكفن فلما وضع في قبره سمعنا تاليا يتلو (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعى إلى ربك راضية مرضية فادخلى في عبادى وادخلى جنتى) اهـ ملخصا من الإصابة (قوله البصرة) وزان تمرة على الأشهر وقد تكسر باؤها أو تضم وهي في الأصل الحجارة الرخوة وبها سميت البلدة التى بنيت في خلافة عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سنة ثمانى عشرة من الهجرة عند ملتقى دجلة والفرات ويعرف ملتقاهما بشط العرب (قوله يحدّث عى أبى موسى) بالبناء للمجهول أى كان ابن عباس يحدّثه أهل البصرة عن أبى موسى بأحاديث ففي رواية البيهقى سمع أهل البصرة يحدّثون عن أبى موسى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم بأحاديث. وأبو موسى هو عبد الله بن قيس بن سليمان الأشعرى وقيل ابن سليم بن حضار بفتح الحاء المهملة وتشديد الضاد المعجمة ابن حرب صاحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هاجر إلى الحبشة واستعمله رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على زبيد وعدن وولاه عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ على البصرة والكوفة (ودعا له النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما) رواه

البخارى في غزوة أوطاس وقال ابن المدينى قضاة الأمة أربعة عمر وعلى وأبو موسى وزيد بن ثابت رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم وروى البخارى عن الحسن قال ما أتاها يعنى البصرة راكب خير لأهلها منه يعنى من أبى موسى وكان حسن الصوت بالقرآن وفى الصحيح مرفوعا (لقد أوتى مزمارا من مزامير آل داود) وكان عمر إذا رآه قال ذكرنا ربنا يا أبا موسى وفي رواية شوّقنا إلى ربنا فيقرأ عنده. روى عنه من الصحابة ابن عباس وأبو سعيد وأنس ومن كبار التابعين فمن بعدهم زيد بن وهب وعبيد بن عمير وقيس بن أبى حازم وسعيد بن المسيب وآخرون. له ستون وثلثمائة حديث اتفق الشيخان على خمسين وانفرد البخارى بأربعة ومسلم بخمسة وعشرين مات بالكوفة وقيل بمكة سنة اثنتين وأربعين (قوله يسأله عن أشياء) أي يسأل ابن عباس أبا موسى مكاتبة عن أحاديث أخبره بها أهل البصرة (قوله فكتب إليه) أى كتب أبو موسى إلى ابن عباس مجيبا له عن كل ما سأله عنه فاقتصر الراوى على جواب سؤال واحد، ويحتمل أنه أجابه عن سؤال واحد فقط (قوله ذات يوم) ذات ظرف زمان غير منصرف تقول لقيته ذات يوم وذات ليلة وذات غداة وذات العشاء وذات مرة وذا صباح وذا مساء بلا تاء فيهما ولم يقولوا ذات شهر ولا ذات سنة اه مختار وإضافة ذات إلى يوم للبيان (قوله دمثا) بفتح فكسر أو سكون وهو الأرض السهلة الرخوة يقال دمث المكان دمثا فهو دمث من باب تعب لأن وسهل وقد يخفف المصدر فيقال دمث بالسكون ودمث الرجل دماثة سهل خلقه اه مصباح ونهاية وفيها ومنه الحديث أنه مال إلى دمث من الأرض فبال فيه وإنما فعل ذلك لئلا يرتدّ عليه رشاش البول اه (قوله في أصل جدار) أى أسفل حائط وجمع الجدار جدر ككتاب وكتب والمراد ما قاربه لعدم إمكان البول أسفل الجدار حقيقة ولما في رواية أحمد (مال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى دمث إلى جنب حائط فبال) الحديث قال الخطابى يشبه أن يكون ذلك الجدار غير مملوك لأحد فإن البول يضرّ بأصل البناء ويوهن أساسه وهو صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يفعل ذلك في ملك أحد إلا بإذنه أو يكون قعوده متراخيا عنه بحيث لا يصيبه البول اه زاد النووىّ أو يكون علم رضاء صاحب الجدار بذلك (قوله فليرتد لبوله موضعا) أى يطلب له مكانا سهلا لينا يقال ارتاد الرجل الشئ طلبه وراده يروده ريادا مثله، وفى الحديث (إذا بال أحدكم فليرتد لبوله) أى فليطلب مكانا لينا أو منحدرا (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز الرواية بالكتابة، وعلى أنه ينبغى لمن أراد قضاء الحاجة أن يعمد إلى مكان لين لا صلابة فيه ليأمن من رشاش البول وإذا كانت الأرض صلبة يستحب أن يعالجها بنحو عود لينثر ترابها ليصير المكان دمثا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد عن أبى التياح قال حدثني رجل أسود طويل أنه قدم مع

باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء

ابن عباس البصرة فكتب إلى أبى موسى يسأله عن أشياء فكتب إليه أبو موسى (أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يمشى فمال إلى دمث في جنب حائط فبال تم قال كان بنو إسرائيل إذا بال أحدهم فأصابه شئ من بوله يتبعه فقرضه بالمقاريض وقال إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله) وهو وإن كان ضعيفا لأن فيه مجهولا فقد تقوّى بأحاديث الأمر بالتنزه عن البول كما قاله الشوكانىّ (باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء) أى هذا باب في بيان الدعاء الذى يقوله الشخص إذا أراد دخول الخلاء وهو بفتح الخاء المعجمة والمدّ في الأصل المكان الخالى ثم كثر استعماله في موضع قضاء الحاجة سمى بذلك لخلائه في غير أوقات قضائها ويسمى الكنيف والمرفق والمرحاض والحشّ، وفى المصباح والخلاء أيضا المتوضأ اه (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ: عَنْ حَمَّادٍ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ» وَقَالَ: عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ قَالَ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» (ش) (رجال) الحديث) (قوله حماد بن زيد) بن درهم الأزدى أبو إسماعيل الأزرق البصرى الحافظ مولى جرير بن حازم أحد الأئمة الأعلام. روى عن أنس بن سيرين وثابت وابن واسع وأيوب وكثيرين، وعنه سفيان الثورى وعبد الرحمن بن مهدى وعلى ابن المدينى وآخرون قال ابن مهدى ما رأيت بالبصرة أحفظ ولا أعلم بالسنة ولا أفقه منه وقال أحمد هو من أئمة المسلمين وقال ابن سعد كان ثقة ثبتا حجة كثير الحديث وقال الخليلى ثقة متفق عليه رضيه الأئمة. روى له الجماعة مات سنة تسع وسبعين ومائة وعمره إحدى وثمانين سنة (قوله عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمى العنبرى مولاهم أبو عبيدة البصرى أحد الأعلام رمى بالقدر ولم يصح. روى عن أبى التياح وأيوب وسليمان التميمى وآخرين. وعنه ابنه عبد الصمد والقطان وعفان بن مسلم وجماعة قال الذهبى أجمع المسلمون على الاحتجاج به وقال النسائى ثقة ثبت مات سنة ثمانين ومائة (قوله عبد العزيز بن صهيب) بالتصغير البنانى البصرى. روى عن أنس وشهر بن حوشب وأبى نضرة العبدى ومحمد بن زياد الجمحى. وعنه شعبة والحمادان وابن المبارك وأبو عوانة وطائفة وثقه النسائى والعجلى وابن معين وأحمد، مات سنة ثلاثين ومائة (قوله أنس بن مالك) بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام

أبو حمزة الأنصارى خدم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عشر سنين وشهد بدرا. له ستة وثمانون ومائتان وألف حديث اتفق الشيخان على ثمانية وستين ومائة وانفرد البخارى بثلاثة وثمانين ومسلم بأحد وسبعين. روى عن طائفة من الصحابة. وعنه بنوه موسى والنضر وأبو بكر والحسن البصرى وثابت البنانى وروى الطبرانى عن حفصة عن أنس قال (قالت أم سليم يا رسول الله ادع الله لأنس فقال اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه قال أنس فلقد دفنت من صلبى سوى ولد ولدى مائة وخمسة وعشرين وأن أرضي لتثمر في السنة مرّتين) وقال جعفر بن سليمان عن ثابت (عن أنس جاءت بى أم سليم إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنا غلام فقالت يا رسول الله أنس ادع الله له فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اللهم أكثر ماله وولده وأدخله الجنة قال قد رأيت اثنتين وأنا أرجو الثالثة) وقال جعفر أيضا عن ثابت كنت مع أنس فجاء قهرمانه فقال يا أبا حمزة عطشت أرضنا فقام أنس فتوضأ وخرج إلى البرية فصلى ركعتين ثم دعا فرأيت السحاب تلتئم ثم مطرت حتى ملأت كل شيء فلما سكن المطر بعث أنس بعض أهله فقال انظر أين بلغت السماء فنظر فلم تعد أرضه إلا يسيرا وذلك في الصيف، وقال على بن الجعد عن شعبة عن ثابت قال أبو هريرة (ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من ابن أم سليم يعنى أنسا) وقال محمد بن عبد الله الأنصارى حدثنا ابن عون عن موسى بن أنس أن أبا بكر لما استخلف بعث إلى أنس لوجهه إلى البحرين على السعاية فدخل عليه عمر فاستشاره فقال ابعثه فإنه لببب كاتب فبعثه (وبالجملة) فمناقب أنس وفضائله كثيرة مات سنة تسعين أو بعدها وقد جاوز المائة وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم (قوله إذا دخل الخلاء) أى أراد دخوله لأنه بعد الدخول لا يقول ذلك وقد صرحّ بهذا البخارى في الأدب المفرد من حديث أنس قال (كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أراد أن يدخل الخلاء) الحديث وهذا في الأمكنة المعدّة لذلك أما في غيرها فيقوله عند تشمير الثياب (قوله قال الخ) أى قال مسدّد في روايته عن حماد بن زيد قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اللهم إنى أعوذ بك من الخبث والخبائث بزيادة اللهم بخلاف روايته عن عبد الوارث، وقوله اللهم أصله يا ألله حذفت منه ياء النداء وعوّض عنها الميم، وقوله أعوذ بك أى ألجأ إليك من العوذ، يقال عذت به أعوذ عوذا وعياذا ومعاذا أى لجأت إليه (قوله من الخبث) بضمتين قال في الفتح كذا في الرواية اهـ وجاءت بإسكان الموحدة جمع خبيث والمراد به ذكور الشياطين (قوله والخبائث) جمع خبيثة والمراد إناث الشياطين. قال الخطابيّ وعامة أصحاب الحديث يقولون الخبث بسكون الباء

الحكمة في طلب الاستعاذة من مريد قضاء الحاجة

وهو غلط والصواب الخبث بضم الباء اهـ قال العينى وفيه نظر لأن أبا عبيد القاسم بن سلام حكى تسكين الباء وكذا الفارابى والفارسى ولأن فعلا بضمتين قد تسكن عينه قياسا اهـ وقال النووى في شرح مسلم وأما الخبث فبضم الباء وإسكانها وهما وجهان مشهوران وقد صرحّ جماعة من أهل المعرفة بأن في رواية هذا الحديث الباء هاهنا ساكنة منهم الإمام أبو عبيد إمام هذا الفنّ والعمدة فيه، واختلفوا في معناه فقيل هو الشرّ وقيل الكفر وقيل الخبث الشياطين والخبائث المعاصى اهـ قال في الفتح قال البخارى ويقال الخبث أى بإسكان الباء فإن كانت مخففة عن المحرّكة فقد تقدّم توجيهه وإن كانت بمعنى المفرد فعناه كما قال ابن الأعرابى المكروه قال فإن كان من الكلام فهو الشتم وإن كان من الملل فهو الكفر وإن كان من الطعام فهو الحرام وإن كان من الشراب فهو الضارّ وعلى هذا فالمراد بالخبائث المعاصى أو مطلق الأفعال المذمومة ليحصل التناسب اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث علي طلب الاستعاذة بالله تعالى عند إرادة دخول الخلاء لقضاء الحاجة وعليه الإجماع، ومثل الخلاء في ذلك الصحراء لأن الشياطين تحضر تلك الأمكنة وهى مواضع يهجر فيها ذكر الله تعالى فيقدّم لها الاستعاذة تحصنا منهم لأن لهم فيها تسلطا على ابن آدم لم يكن في غيرها لبعد الحفظة عنه والصحراء تصير مأوى لهم بخروج الخارج، ومن نسى حتى دخل يستعيذ بقلبه لا بلسانه عند الجمهور. ونقل عن بعض المالكية يستعيذ بلسانه ما لم يخرج الخارج. وروى ابن وهب أن عبد الله ابن عمرو بن العاص كان يذكر الله تعالى في المرحاض وقال العزرمى قلت للشعبى أعطس وأنا في الخلاء أحمد الله قال لا حتى تخرج فأتيت النخعى فسألته عن ذلك فقال لى أحمد الله فأخبرته بقول الشعبى فقال النخعى الحمد يصعد ولا يهبط وهو قول ابن عمر. وذهب ابن عباس وغيره إلى كراهته في المرحاض أفاده العينى. وظاهر الحديث أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يجهر بهذا الذكر فشرع الجهر به. وتسنّ التسمية قبل التعوذ لما أخرج سعيد بن منصور في سننه (أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقول باسم الله اللهم إنى أعوذ بك من الخبث والخبائث) ولما ذكره في الفتح قال قد روى المعمرى حديث أنس من طريق عبد العزيز بن المختار عن عبد العزيز بن صهيب بلفظ الأمر قال (إذا دخلتم الخلاء فقولوا باسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث) وإسناده على شرط مسلم وفيه زيادة التسمية ولم أرها في غير هذه الرواية اهـ واستعاذته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إظهار للعبودية وتعليم للأمة وإلا فهو معصوم من الجن والإنس (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الترمذى من طريق حماد بن زيد وقال حديث حسن صحيح وأخرجة مسلم من طريق حماد بن زيد وهشيم كلاهما عن عبد العزيز عن أنس وقال في حديث

هشيم (إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا دخل الكنيف قال اللهم إنى أعوذ بك من الخبث والخبائث) وأخرجه هو والنسائى وابن ماجه من طريق إسماعيل بن علية عن عبد العزيز بلفظ (أعوذ بالله من الخبث والخبائث) (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو يَعْنِي السَّدُوسِيَّ، قَالَ أَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ هُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ» وَقَالَ شُعْبَةُ: وَقَالَ مَرَّةً: «أَعُوذُ بِاللَّهِ» (ش) هذا طريق آخر لحديث أنس (قوله الحسن بن عمرو) البصرى. روى عن جرير وهشيم ووكيع. وعنه أبو داود قال ابن حجر في التقريب من العاشرة وذكره ابن حبان في الثقات وقال صاحب حديث متعبد. مات سنة أربع وعشرين ومائتين (قوله يعنى السدوسى) هذا التفسير من المصنف بينه لئلا يشتبه بالحسن بن عمرو بن سيف البصرى فإنه من العاشرة أيضا، ويحتمل أن يكون من تلميذه وهو الأقرب. والسدوسى بفتح السين وضم الدال المهملتين نسبة إلى سدوس بن ذهل (قوله وكيع) بن الجرّاح بن مليح أبو سفيان الرداسى الكوفى الحافظ أحد الأئمة. روى عن أبيه والأعمش والأوزاعي ومالك وكثيرين. وعنه أحمد بن حنبل وإسحاق والحسن بن عرقة وجماعة قال أحمد ما رأيت أوعى منه ولا أحفظ ما رأيت مثله علما وحفظا وإتقانا ووثقه العجلى وابن سعد وقال ابن المدينى كان يلحن وفيه تشيع قليل قيل لأحمد إن أبا قتادة تكلم في وكيع فقال من كذّب بأهل الصدق فهو الكذاب وكيع إمام المسلمين في وقته عليكم، بمصنفاته وقال ابن حبان كان حافظا متقنا وقال محمد بن نصر المروزى كان يحدّث أخيرا من حفظه فيغير ألفاظ الحديث كأنه يحدث بالمعنى ولم يكن من أهل اللسان وقال ابن معين الثبت بالعراق وكيع ما رأيت في زمانه أفضل منه ولا أحفظ. ولد سنة ثمان وعشرين ومائة. ومات سنة ست وتسعين ومائة (قوله شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام أحد أئمة الإسلام. روى عن أنس بن سيرين وثابت البنانى وحميد الطويل وحميد بن هلال وكثيرين. وعنه أيوب وابن إسحاق من شيوخه والثورى وابن المبارك وجماعة قال ابن المدينى له نحو ألفى حديث وقال أحمد كان أمة وحده وقال ابن معين إمام المتقنين وقال سفيان الثورى مات الحديث بموت شعبة وكان أحسن حديثا وقال العجلى ثقة ثبت في الحديث يخطئُ قليلا في أسماء الرجال وهو أوّل من تكلم في رجال الحديث وقال ابن حبان كان من سادات أهل زمانه حفظا وإتقانا وورعا

وفضلا وهو أوّل من فتش بالعراق عن أمر المحدّثين وجانب الضعفاء والمتروكين وصار علما يقتدى به وقال ابن سعد كان ثقة مأمونا ثبتا حجة صاحب حديث. ولد سنة ثمانين. ومات سنة ستين ومائة (قوله بهذا الحديث) أى المذكور آنفا بقوله كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا دخل الخلاء الخ (قوله قال اللهم الخ) أى قال شعبة مرة عن شيخه عبد العزيز اللهم إنى أعوذ بك وقال شعبة مرة أخرى وقال عبد العزيز مرة أخرى أعوذ بالله من الخبث والخبائث (من أخرج هذه الرواية أيضا) أخرجها البخارى من طريق آدم عن شعبة والترمذى من طريق وكيع عن شعبة بلفظ (كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا دخل الخلاء قال اللهم إنى أعوذ بك قال شعبة مرة أعوذ بالله من الخبث والخبيث أو الخبث والخبائث) وقال حديث أنس أصح شئ في هذا الباب وأحسن (ص) وَقَالَ وُهَيْبٌ عَنْ عَبْدِ العزِيزِ فَلْيتَعَوَّذْ باِللهِ (ش) هذا تعليق لم نقف على وصله في كتب الحديث ويحتمل أن يكون سند المؤلف في هذا إلى وهيب سنده إلى شعبة في الحديث السابق. ووهيب هو ابن خالد الباهلى أبو بكر البصرى أحد الحفاظ الأعلام. روى عن أيوب ومنصور بن المعتمر وأبى حازم وآخرين. وعنه حبان ابن هلال ومسلم بن إبراهيم وعبد الأعلى بن حماد قال ابن سعد ثقة حجة كثير الحديث ووثقه أبو حاتم والعجلى وأبو داود الطيالسى. مات سنة خمس وستين ومائة (وحاصل) ما أشار إليه المصنف في حديثى أنس أن عبد العزيز بن صهيب روى عنه أربعة حماد بن زيد وعبد الوارث بن سعيد في السند الأول وشعبة ووهيب في السند الثانى وقد اختلفوا فيما رووه عن عبد العزيز فقال حماد عنه اللهم إنى أعوذ بك من الخبث والخبائث وقال عبد الوارث عن عبد العزيز أعوذ بالله من الخبث والخبائث أما شعبة فوافق مرة حماده ومرة عبد الوارث غير أن الرواية الأولى صريحة في أن الاختلاف إنما وقع بين حماد وعبد الوارث، والاختلاف في رواية شعبة إنما هو من عبد العزيز، أما وهيب فلم يوافق واحدا منهم لأنهم رووا فعل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، ووهيب روى أمره بلفظ فليتعوذ وهو يشمل كل ألفاظ الاستعاذة كاللهم إنى أعوذ بك وأعوذ بالله من الخبث والخبائث وأعوذ بك وأستعيذ بالله وعياذا بالله وعياذا بك وهذا ظاهر في أن رواية وهيب مستقلة سندا ومتنا. وما ذكر في حديث أنس هو على ما في أكثر النسخ. وفى بعضها تقديم رواية شعبة معلقة ثم وصلها عن الحسن بن عمرو بعد ذكر تعليق وهيب وهذا لفظها بعد حديث أنس الأول قال أبو داود ورواه شعبة عن عبد العزيز اللهم إنى أعوذ بك وقال مرة أعوذ بالله وقال وهيب فليتعوذ بالله حدثنا الحسن بن عمرو يعنى السدوسى الخ. ومنه تعلم أن النسخ الأولى أوفق لوضوحها واتساقها وخلوّها عن التكرار

(ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضِرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْخَلَاءَ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ " (ش) (رجال الحديث) (قوله عمرو بن مرزوق) الباهلى أبو عثمان البصرى. روى عن عكرمة بن عمار وشعبة ومالك بن مغول وزائدة. وعنه البخارى مقرونا بآخر وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود وجماعة، وثقه ابن سعد وأبو حاتم وقال لم نلق أحدا من أصحاب شعبة أحسن حديثا منه وقال أحمد وابن معين ثقة مأمون وقال الساجى كان صدوقا وأبو الوليد يتكلم فيه وقال الدارقطنى صدوق كثير الوهم وقال ابن المدينى تركوا حديثه وقال الحاكم سيئ الحفظ وذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ وكان يحيى القطان لا يرضاه في الحديث. مات سنة أربع وعشرين ومائة (قوله قتادة) بن دعامة السدوسى أبو الخطاب البصرى الأكمه التابعى. روى عن أنس وابن المسيب وابن سيرين والنضر بن أنس وجماعة. وعنه أيوب السختيانى وحميد الطويل وشعبة وغيرهم كان يضرب به المثل في الحفظ قال ابن المسيب ما أتانا عراقيّ أحفظ من قتادة وقال ابن معين حافظ ثقة ثبت لكنه مدلس وقال أبو حاتم سمعت أحمد أطنب في ذكره فجعل ينشر من علمه وفقهه ومعرفته بالاختلاف والتفسير وقال قلما نجد من يتقدمه وقال ابن حبان كان من حفاظ أهل زمانه وكان مدلسا على قدر فيه وقال الذهبى احتج به أصحاب الصحاح مات سنة سبع عشرة ومائة (قوله النضر بن أنس) بن مالك أبو مالك الأنصارى. روى عن أبيه وابن عباس وأبى بردة. وعنه بكر المزنى وقتادة وحميد الطويل وجماعة وثقه النسائى والعجلى وابن سعد. توفى سنة بضع ومائة (قوله زيد بن أرقم) بن زيد بن قيس بن النعمان ابن مالك بن الأغرّ بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج شهد الخندق وغزا مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آلة وسلم سبع عشرة غزوة. روى عنه أنس مكاتبه وابن عباس وعبد الرحمن بن أبى ليلى وطاوس. له تسعون حديثا اتفق الشيخان على أربعة وانفرد البخارى بحديثين ومسلم بستة وله قصة في سورة المنافقين ففى البخارى عنه قال كنت في غزاة فسمعت عبد الله بن أبىّ يقول لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله ولئن رجعنا من عنده ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ فذكرت ذلك لعمى أو لعمر فذكره للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فدعانى فحدّثته فأرسل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى عبد الله بن أبىّ وأصحابه فحلفوا ما قالوا فكذّبني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وصدّقه فأصابنى همّ لم يصبنى

باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة

مثله قط فجلست في البيت فقال لى عمى ما أردت إلى أن كذّبك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومقتك فأنزل الله تعالى إذا جاءك المنافقون إلى قوله هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله إلى قوله ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ فبعث إلىّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقرأ فقال إن الله قد صدقك يا زيد اهـ وكان من خواصّ علىّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما وشهد معه صفين. توفى بالكوفة سنة ست أو ثمان وستين (قوله إن هذه الحشوش) بضم الحاء المهملة والشين المعجمة يعنى الكنف ومواضع قضاء الحاجة الواحد حش بفتح أوله وهو أكثر من الضم. والحش في الأصل البستان ثم سمى به الكنيف لأنهم كانوا يقضون حاجاتهم في البساتين فلما اتخذوا الكنف وجعلوها خلفا عنها أطلقوا عليها ذلك الاسم (قوله محتضرة) بضم الميم وفتح الضاد المعجمة أي تحضرها الشياطين لقصد الأذى ولأنها تميل إلى القاذورات (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن محلات قضاء الحاجة ونحوها تحضرها الشياطين فيتحصن منهم بذكر اسم الله تعالى لما تقدم ولما أخرجه ابن ماجه من حديث على (أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ستر ما بين الجنّ وعورات بنى آم إذا دخل الكنيف أن يقول باسم الله) (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه والنسائى في السنن الكبرى وأشار إليه الترمذى وقال في إسناده اضطراب وبين وجهه بقوله روى هشام الدستوائىّ وسعيد بن أبى عروبة عن قتادة وقال سعيد عن القاسم بن عوف الشيبانى عن زيد بن أرقم وقال هشام عن قتادة عن زيد بن أرقم ورواه شعبة ومعمر عن قتادة عن النضر بن أنس وقال شعبة عن زيد بن أرقم وقال معمر عن النضر بن أنس عن أبيه (وحاصله) أن سعيد بن أبى عروبة وهشاما ومعمرا وشعبة يروونه عن قتادة على اختلاف بينهم فسعيد يرويه عن قتادة عن القاسم بن عوف الشيبانى عن زيد بن أرقم، وهشام الدستوائىّ يرويه عن قتادة عن زيد بن أرقم، فبين قتادة وزيد واسطة وهو القاسم ابن عوف في رواية سعيد دون رواية هشام، وشعبة ومعمر يرويانه عن قتادة عن النضر بن أنس ثم اختلفا فشيخ النضر في رواية شعبة زيد بن أرقم وفي رواية معمر أبوه أنس وهو وهم والصواب رواية شعبة فالاضطراب في موضعين. الأول في شيخ قتادة، فشيخه في رواية سعيد القاسم وفى رواية هشام زيد بن أرقم، وشيخه في رواية شعبة ومعمر النضر بن أنس، والثانى في شيخ النضر فشيخه في رواية شعبة زيد بن أرقم وفى رواية معمر أبوه أنس، قال أبوعيسى الترمذى سألت محمدا يعنى البخارى عن هذا فقال يحتمل أن قتادة روى عنهما جميعا يعنى عن القاسم والنضر بن أنس (باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة) أى في بيان قبح استقبال القبلة عند قضاء الحاجة. والكراهية بتخفيف الياء المثناة التحتية مصدر كره بالضم يقال كره الأمر والمنظر كراهة فهو كريه مُثل قبح قباحة فهو قبيح وزنا ومعنى

وكراهية بالتخفيف أيضا وتكون بالتخفيف أيضا من كره من باب سمع وفيها التشديد حينئذ كما في القاموس، والاستقبال المواجهة، والقبلة بكسر القاف في الأصل الجهة يقال أين قبلتك أى إلى أىّ جهة تتوجه (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قِيلَ لَهُ لَقَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ، قَالَ: أَجَلْ لَقَدْ «نَهَانَا صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، وَأَنْ لَا نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، وَأَنْ لَا يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ» (ش) (رجال الحديث) (قوله أبو معاوية) الضرير هو محمد بن خازم بخاء معجمة التميمى مولاهم مشهور بكنيته أحد الأعلام. روى عن سهيل بن أبى صالح وعاصم الأحول وأبى مالك الأشجعى وهشام بن عروة وكثيرين. وعنه أحمد وإسحاق وابن المدينى وابن معين وأبو خيثمة وجماعة. وعنه من شيوخه الأعمش وابن جريج قال النسائى وابن خراش ثقة وقال يحيى بن معين كان أثبت أصحاب الأعمش بعد شعبة وسفيان وقال أبو حاتم أثبت الناس وقال يعقوب بن شيبة وابن سعد كان ثقة وربما دلس وقال أبو داود كان مرجئا والمرجئة فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضرّ مع الإيمان معصية كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة وسموا مرجئة لاعتقادهم أن الله أرجأ تعذيبهم على المعاصى أى أخره عنهم اهـ من النهاية وقال أحمد بن حنبل وغيره أحاديثه عن غير الأعمش فيها اضطراب وقال العجلى ثقة. مات سنة خمس وتسعين ومائة. روى له الجماعة (قوله الأعمش) هو سليمان بن مهران الكاهلى مولاهم أبو محمد الكوفى أحد الأعلام الحفاظ والقراء. روى عن عبد الله بن أبى أوفى وعكرمة ولم يسمع منهما وعن زيد بن وهب وأبى وائل والشعبى وآخرين. وعنه أبو إسحاق والحكم من شيوخه وسليمان التيمى من طبقته وشعبة وسفيان وزائدة ووكيع وغيرهم قال سفيان بن عيينة سبق أصحابه بخصال، كان أقرأهم للقرآن، وأحفظهم للحديث، وأعلمهم بالفرائض وقال العجلى ثقة ثبت في الحديث وكان محدّث أهل الكوفة في زمانه وقال النسائى ثقة ثبت وقال ابن عمار ليس في المحدّثين أثبت منه قيل مات سنة ثمان وأربعين ومائة عن أربع وثمانين سنة (قوله إبراهيم) بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعى أبو عمران الكوفى الفقيه. روى عن علقمة والأسود وعبد الرحمن بن يزيد وشريح القاضى. وعنه الحكم بن عتيبة والأعمش

وابن عون وغيرهم يرسل كثيرا. قال ابن معين مراسيل إبراهيم أحبّ إلىّ من مراسيل الشعبى وقال الشعبى ما ترك إبراهيم بعده أعلم منه وقال العجلى كان مفتى أهل الكوفة صالحا فقيها متوقيا قليل التكلف وذكره ابن حبان في ثقات التابعين وقال سمع المغيرة بن شعبة وأنس بن مالك ودخل على عائشة. ولد سنة خمسين. وتوفى سنة خمس أو ست وتسعين (قوله عبد الرحمن ابن يزيد) بن قيس النخعى أبو بكر الكوفى من كبار الثالثة. روى عن ابن مسعود وأبى مسعود الأنصارى وأبى موسى وعائشة. وعنه ابنه محمد والشعبى وسلمة بن كهيل وغيرهم وثقه ابن معين والعجلى والدارقطنى وابن سعد وقال له أحاديث كثيرة قيل مات سنة ثلاث وثمانين (قوله سلمان) هو أبو عبد الله الفارسى ويعرف بسلمان الخير مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد سئل عن نسبه فقال أنا سلمان ابن الإسلام أصله من "جبا" قرية من قرى أصبهان. وقيل من رامهرمز وكان أبوه دهقانها وسيدها قال ابن إسحاق وغيره ما معناه: مرّ سلمان على النصارى المجاورين للفرس وهم في الكنائس فأعجبه دينهم فلزمهم فقيده أبوه على ذلك وطلب منه خدمة بيت النار ففكّ القيد وخرج إلى الشام فسأل عن عالم النصارى فدلّ عليه فخدمه واطلع منه على خيانة في دينه فأخبر النصارى بذلك فرجموه وأقاموا مكانه رجلا صالحا فصحبه سلمان حتى قارب الموت فسأله أن يوصيه فذكر له رجلا صالحا بالموصل فلما مات الأوّل أى هذا وصحبه فلما حضرته الوفاة قال له أوصنى فذكر له رجلا بعمورية فصحبه فلما أشرف على الوفاة سأله الوصية فقال لا أجد اليوم أحدا على مثل ما كنا عليه ولكن قد أطلّ زمان نبيّ يبعث بدين إبراهيم مهاجره بأرض ذات نخل له آيات وعلامات لا تخفى بين كتفيه خاتم النبوة يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة فلما مات مرّ به ركب من العراق من كلب فصحهم فباعوه بوادى القرى من يهودىّ ثم اشتراه يهودى آخر من بنى قريظة وقدم به إلى المدينة فأقام بها إلى أن قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأسلم بعد أن رأى الصفات التى وصفت له وكان من خيار الصحابة (قال فيه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سلمان منا أهل البيت) رواه الطبرانى والحاكم عن عمرو بن عوف وقال سنده ضعيف وفى حديث آخر (سلمان سابق فارس) أخرجه ابن سعد عن الحسن مرسلا وعن بريدة (أن النبى صلى الله تعالى علية وعلى آله وسلم قال إن الله أمرنى بحب أربعة وأخبرنى أنه يحبهم قيل يا رسول الله من هم قال علىّ منهم يقول ذلك ثلاثا وأبو ذرّ وسلمان والمقداد) أخرجه الترمذى وابن ماجه. وعن أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال (تلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذه الآية وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم فقالوا من يستبدل بنا فضرب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على منكب سلمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ثم قال هذا وقومه والذى نفسى بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لناله رجال من فارس) أخرجه الترمذى، قال

حكمة النهى عن الاستقبال حال قضاء الحاجة

الحسن كان سلمان أميرا على ثلاثين ألفا يخطب فيهم في عباءة يفترش نصفها ويلبس نصفها وقال سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال (آخى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين أبى الدرداء وسلمان وقال لأبى الدّرداء سلمان أفقه منك) وكان سلمان إذا خرج عطاؤه تصدّق به وينسج الخوص ويأكل من كسب يده. له ستون حديثا اتفق الشيخان على ثلاثة وانفرد البخارى بواحد ومسلم بثلاثة. روى عنه ابن عباس وأنس وعقبة بن عامر وأبو سعيد وغيرهم. قال ابن الأثير صحّ أنه أدرك وصىّ عيسى وقرأ الكتابين وذكر البغوىّ أن سلمان لما حضره الموت بكى وقال (إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عهد إلينا عهدا فتركنا عهده أن تكون بلغة أحدنا كزاد الراكب) فلما مات نظر فيما ترك فإذا هو نحو ثلاثين درهما. توفى سنة خمس أو ست وثلاثين عن مائتين وخمسين سنة وقيل ثلاثمائة وخمسين (قوله قال) أى عبد الرحمن بن يزيد (قوله قيل له) أى لسلمان والقائل المشركون ففى رواية لمسلم قال يعنى سلمان قال لنا المشركون وفى ابن ماجه (قال قال له بعض المشركين وهم يستهزئون به إنى أرى صاحبكم يعلمكم كل شئ حتى الخراءة الخ) (قوله الخراءه) بالكسر والمدّ التخلى والقعود للحاجة، قال الخطابى وأكثر الرواة يفتحون الخاء، وقال الجوهرى إنها بالفتح والمدّ يقال خرئَ خراءة مثل كره كراهة. ويحتمل أن يكون بالفتح المصدر وبالكسر الاسم. اهـ نهاية (قوله أجل) بسكون اللام مثل نعم وزنا ومعنى يعنى نعم علمنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كل شئ نحتاج إليه في ديننا، قال الطيبى جواب سلمان من باب أسلوب الحكيم لأن المشرك لما استهزأ كان من حقه أن يهدّد أو يسكت عن جوابه لكن ما التفت سلمان إلى استهزائه وأجاب جواب المرشد للسائل المجدّ اهـ ويحتمل أنه ردّ له بأن ما زعمه سببا للاستهزاء ليس بسبب له بل المسلم يصرّح به عند الأعداء لأنه أمر يحسنه العقل عند معرفة تفصيله فلا عبرة بالاستهزاء به لإضافته إلى أمر مستقبح ذكره والجواب بالردّ لا يسمى أسلوب الحكيم (قوله أن نستقبل القبلة) أى بفروجنا كما في الموطأ، لا تستقبلوا القبلة بفروجكم. وأل في القبلة للعهد والمعهود الكعبة كما فسرها حديث أبى أيوب في قوله فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف ونستغفر الله اهـ (قوله بغائط) قال العراقى ضبطناه في سنن أبى داود بالباء الموحدة وفي مسلم باللام اهـ ومثله للنووى في شرح مسلم وزاد وروى للغائط باللام والباء وهما بمعنى اهـ والغائط في الأصل المكان المنخفض من الأرض ثم صار اسما للخارج المعروف من دبر الآدمى (قوله أو بول) هو في الأصل مصدر بال من باب قال ثم استعمل في الخارج المعروف من القبل وقد اختلف العلماء في علة النهى عن استقبال القبلة بما ذكر. فمنهم من قال إنه لإظهار احترام وتعظيم

مذاهب العلماء في حكم الاستقبال حال قضاء الحاجة

القبلة وهو الظاهر لما روى من حديث سراقة بن مالك (أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا آتى أحدكم الغائط فليكرم قبلة الله عزّ وجلّ ولا يستقبلها) أخرجه الدارمى وغيره بسند ضعيف مرسلا. ومنهم من علله بأنه لا يخلو من أن يراه مصلّ. فعن عيسى الحناط عن نافع عن ابن عمر قال (رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في كنيفه مستقبل القبلة) قال عيسى فقلت للشعبى عجبت لقول ابن عمر هذا وقول أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها فقال الشعبى أما قول أبى هريرة ففي الصحراء لأن لله خلقا من عباده يصلون في الصحراء فلا تستقبلوهم ولا تستدبروهم وأما بيوتكم هذه التى تتخذونها للنتن فإنة لا قبلة لها. وذكر الدارقطنى أن عيسى الحناط ضعيف. وينبنى على الخلاف في التعليل خلافهم فيما إذا كان في الصحراء فاستتر بشئ هل يجوز الاستقبال والاستدبار فالتعليل باحترام القبلة يقتضى المنع والتعليل برؤية المصلين يقتضى الجواز، وقد اختلفوا أيضا في محل العلة. فمنهم من قال المنع للخارج المستقذر. ومنهم من قال المنع لكشف العورة. وينبنى على هذا الخلاف خلافهم في جواز الوطء مستقبل القبلة مع كشف العورة. فمن علل بالخارج أباحه إذ لا خارج ومن علل بالعورة منعه. أفاده ابن دقيق العيد (قوله وأن لا نستنجى باليمين) يحتمل أن لا زائدة لما في رواية مسلم والنسائى أو أن نستنجى باليمين بإسقاط لا. وعليه فالمعنى ونهانا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن نستنجى باليمين، ويحتمل أن لا أصلية ويقدّر عامل مناسب أى أمرنا أن لا نستنجى كما في رواية ابن ماجه أمرنا أن لا نستقبل القبلة ولا نستنجى بأيماننا. والاستنجاء في الأصل إزالة الأذى بالماء أو الحجارة، يقال استنجيت غسلت موضع النجو أو مسحته، وفى العرف إزالة الخارج النجس من الفرج بماء أو حجر أو مدر، والأول مأخوذ من استنجيت الشجر إذا قطعته من أصله لأن الغسل يزيل الأثر، والثانى من استنجيت النخلة إذا التقطت رطبها لأن المسح لا يقطع النجاسة بل يبقي أثرها (قوله وأن لا يستنجى أحدنا الخ) بإثبات لا والذى في مسلم أو أن نستنجى بأقلّ من ثلاثة أحجار بإسقاطها فيقال هنا ما قيل في سابقه (قوله أو أن نستنجى) أو بمعنى الواو أى ونهانا أن نستنجى (قوله برجيع أو عظم) أو ليست للشك بل لأحد الشيئين أى نهانا عن الاستنجاء بأحدهما أو بهما، والرجيع الروث والعذرة فعيل بمعنى فاعل لأنه رجع عن حالته الأولى بعد أن كان طعاما أو علفا، والروث رجيع ذوات الحافر (فقه الحديث) دل الحديث على المنع من استقبال القبلة مطلقا عند قضاء الحاجة وقد اختلف الفقهاء في هذا على أقوال (أحدها) أنه يحرم استقبال القبلة في الصحراء عند قضاء الحاجة ولا يحرم ذلك في البنيان وهو قول العباس بن عبد المطلب وعبد الله بن عمر والشعبى وإسحاق ابن راهويه ومالك والشافعى وأحمد في رواية واستدلوا علي جوازه في البنيان بحديث ابن عمر

رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما وحديث جابر الآتيين في الباب الآتى وبحديث مروان الأصفر الآتى آخر هذا الباب وبحديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا الذى أخرجه ابن ماجة قال حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة وعلى ابن محمد قالا حدثنا وكيع عن حماد بن سلمة عن خالد الحذّاء عن خالد بن أبى الصلت عن عراك ابن مالك عن عائشة قالت (ذكر عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قوم يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة فقال أراهم قد فعلوها استقبلوا بمقعدتى القبلة) ورواه أحمد أيضا وقوله استقبلوا الخ أى حوّلوا موضع قضاء حاجتى إلى جهة القبلة، قالوا فهذه أحاديث صحيحة مصرّحة بالجواز في البنيان (ثانيها) أنه لا يجوز ذلك لا في البنيان ولا في الصحراء وهو قول أبى أيوب الأنصارى ومجاهد وإبراهيم النخعى وسفيان الثورى وعطاء وأبى حنيفة وأحمد في رواية وبعض السلف من الصحابة والتابعين ورجحه من المالكية ابن العربى، واستدلوا بالأحاديث الصحيحة الواردة في النهى مطلقا كحديث سلمان المذكور وأحاديث أبى هريرة وأبى أيوب الأنصارى ومعقل بن أبى معقل رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم الآتية بعده وحديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدى (قال أنا أول من سمع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول لا يبولنّ أحدكم مستقبل القبلة وأنا أول من حدّث الناس بذلك) رواه ابن ماجه وابن حبان وصححه وفى الزوائد إسناده صحيح وأصله في الصحيحين فلا التفات إلى قول ابن يونس هو حديث معلول قالوا لأن النهى عام ولأن المنع ليس إلا لتعظيم القبلة وهو موجود في الصحراء والبنيان ولو جاز في البنيان لوجود الحائل لجاز في الصحراء النائية عن الكعبة لوجود الحائل أيضا لأن بينها وبين الكعبة جبالا وأودية وأبنية ولا سيما عند من يقول بكرّيّة الأرض فإنه لا موازاة إذ ذاك بالكلية وما ورد عن الشعبى من أنه علل الجواز في البنيان بأن لله خلقا من عباده يصلون في الصحراء فلا تستقبلوهم ولا تستدبروهم وأما بيوتكم هذه التى تتخذونها للنتن فإنه لا قبلة لها فهو تعليل في مقابلة النص. وأجابوا عن أحاديث مروان الأصفر وابن عمر وجابر بأجوبة يأتى ذكرها إن شاء الله تعالى في الكلام عليها، وعن حديث عائشة بأنه من طريق خالد بن أبى الصلت وهو مجهول لا ندرى من هو قاله ابن حزم، وقال الذهبي هذا الحديث منكر، وقال ابن القيم في تهذيب سنن أبى داود إن هذا حديث لا يصح وإنما هو موقوف على عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا حكاه الترمذى في كتاب العلل عن البخارى. ومن هذا تعلم ما في قول النووى في شرح مسلم إسناده حسن (ثالثها) جواز ذلك في البنيان والصحراء جميعا وهو مذهب عروة بن الزبير وربيعة بن عبد الرحمن شيخ مالك وداود الظاهرى واستدلوا بحديث ابن عمر (أنه رأى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مستقبلا بيت المقدس مستدبرا القبلة) رواه الجماعة. وبحديث عائشة المتقدم في أدلة القول الأول ورأى هؤلاء أن حديث أبى أيوب منسوخ وزعموا أن ناسخه

حديث جابر قال رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُنهانا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن نستقبل القبلة ببول ثم رأيته قبل أن يقبض بعام يستدبرها رواه الترمذى وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والدارقطنى والحاكم وقال إنه صحيح علي شرط مسلم وسيأتى في الباب بعد هذا وقال الترمذى حديث حسن غريب وصححه البخارى لما سأله الترمذى عنه فقال حديث صحيح وعليه فالطعن فيه غير مسلم لما سيأتى في الكلام عليه إن شاء الله تعالى. وفيما استدلوا به نظر. أما حديث ابن عمر فهو أخص من الدعوى، وأما حديث عائشة فهو ضعيف كما علمت فلا يصلح للاحتجاج به، وأما دعوى النسخ فليست بظاهرة لأنه لا يصار إليه إلا عند تعذّر الجمع وهو ممكن هنا لأن ما في حديث جابر حكاية فعل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو لا يصلح لنسخ التشريع القولي لجواز الخصوصية وقد تقرّر في الأصول أن فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يعارض قوله الخاص بنا. وأيضا فإنه يمكن حمل حديثى جابر وابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم على أنهما رأياه في ساتر لأن ذلك هو المعهود من حال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لمالغته في التستر وحمل النهى في حديث أبى أيوب ونحوه على الصحراء، وأما تنحيه هو في البنيان عن القبلة فيحتمل أنه اجتهاد منه رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، على أنا لو سلمنا عدم إمكان الجمع فلا نسلم النسخ أيضا لأن الناسخ لا بدّ أن يكون في قوّة المنسوخ وحديث جابر وإن صح لا يقاوم حديث أبى أيوب وغيره مما اتفق عليه الستة (رابعها) أنه لا يجوز الاستقبال مطلقا لا في البنيان ولا في الصحراء ويجوز الاستدبار فيهما وهو رواية عن أبى حنيفة وأحمد رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما ودليله حديث سلمان المذكور لاقتصاره على النهي عن الاستقبال. وردّ بأن النهى عن الاستدبار ثابت في الأحاديث الصحيحة وهو زيادة يتعين الأخذ بها (خامسها) جواز الاستدبار في البنيان فقط تمسكا بظاهر حديث ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال رقيت يوما على بيت حفصة فرأيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قاعدا لحاجته مستقبل الشام مستدبر القبلة رواه الجماعة واللفظ لمسلم وهو مروى عن أبى يوسف وهو مردود بورود النهي عن الاستقبال والاستدبار على السواء وبما تقدم من أن فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يعارض القول الخاص بنا (سادسها) تحريم الاستقبال والاستدبار للكعبة ولبيت المقدس عملا بحديث معقل الأسدىّ الآتى آخر الباب وهو محكيّ عن إبراهيم وابن سيرين وسيأتى ردّه في الكلام على حديث معقل إن شاء الله تعالى (سابعها) أن التحريم مختص بأهل المدينة ومن كان على سمتها بخلاف من كانت قبلته إلى الشرق أو الغرب فيجوز له الاستقبال والاستدبار مطلقا لعموم قوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام شرّقوا أو غرّبوا، وهو قول أبى عوانة صاحب المزنى، واستدلاله في غاية الرّكة والضعف لأن المراد من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شرّقوا أو غرّبوا التحوّل عن استقبال الكعبة

وجه المختار من هذه الأقوال

واستدبارها لا فرق بين أهل المدينة وغيرهم (ثامنها) أن النهي للتنزيه فيكون ما ذكر مكروها وإليه ذهب القاسم بن إبراهيم ونسبه في البحر إلى المؤيّد بالله وأبى طالب والناصر والنخعى وهو رواية عن أبى حنيفة وأحمد وأبى ثور وأبى أيوب الأنصارى واستدلّ له بأحاديث عائشة وجابر وابن عمر المتقدم ذكرها قالوا إنها صارفة للنهى عن التحريم إلى الكراهة وهو لا يتمّ في حديث ابن عمر وجابر لأنه ليس فيهما إلا مجرّد الفعل وهو لا يعارض القول الخاص بنا كما تقدّم، نعم إن صحّ حديث عائشة صلح لذلك، وأقرب هذه الأقوال أولها وثانيها، أما الأول فلأن أحاديث الإباحة وردت في العمران فحملت عليه وأحاديث النهي عامة خص خص منها العمران بأحاديث الإباحة فبقيت الصحارى على التحريم قال الحافظ في الفتح وهو أعدل الأقوال لإعماله جمع الأدلة ويؤيّده من جهة النظر ما قاله ابن المنير من أن الاستقبال في البنيان مضاف إلى الجدار عرفا وأن الأمكنة المعدّة لذك مأوى الشياطين فليست صالحة لكونها قبلة بخلاف الصحراء فيهما اهـ وأما الثانى فسيأتى وجه اختياره في الكلام على حديث أبى أيوب إن شاء الله تعالى، ودلّ الحديث أيضا علي النهى عن الاستنجاء باليمين لرفع قدرها وتنزيها لها عن مباشرة الأقذار لأنه لو باشر النجاسة بها ربما تذكر عند تناوله الطعام ما باشرت يمينه من الأقذار فيعاف الطعام فقد كان النبى عليه وعلى آله الصلاة والسلام يجعل اليمنى لطهوره وطعامه وشرابه ولباسه مصونة من مباشرة أسافل بدنه ومماسة الأعضاء التى هي مجارى النجاسات واليسرى لخدمة أسافل بدنه وإماطة ما هناك من الأقذار وتنظيف ما يحدث فيها من الأدناس، وهذا النهى للتنزيه عند الجمهور وحمله أهل الظاهر على التحريم حتى قال الحسين بن عبد الله الناصرى الظاهرى في كتابه البرهان ولو استنجى بيمينه لا يجزئه وهو وجه عند الحنابلة وطائفة من الشافعية وقال النووى وقد أجمع العلماء على أنه منهىّ عن الاستنجاء باليمين ثم الجماهير على أنه نهى تنزيه وأدب لا نهى تحريم، وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه حرام وأشار إلى تحريمه جماعة من أصحابنا ولا تعويل على إشارتهم قال أصحابنا ويستحب أن لا يستعين باليد اليمنى في شئ من أمور الاستنجاء إلا لعذر فإذا استنجى بماء صبه باليمنى ومسح باليسرى وإذا استنجى بحجر فإن كان في الدّبر مسح بيساره وإن كان في القبل وأمكنه وضع الحجر على الأرض أو بين قدميه بحيث يتأتى مسحه أمسك الذكر بيساره ومسحه على الحجر فإن لم يمكنه ذلك واضطرّ إلى حمل الحجر حمله بيمينه وأمسك الذكر بيساره ومسح بها ولا يحرّك اليمنى هذا هو الصواب، وقال بعض أصحابنا يأخذ الذكر بيمينه والحجر بيساره ويمسح ويحرّك اليسرى وهذا ليس بصحيح لأنه يمس الذكر بيمينه بغير ضرورة وقد نهى عنه اهـ ودلّ الحديث أيضا على أن الاستنجاء بالأحجار. مطهر وعلى أنه لا يجزئ أقل من ثلاثة أحجار وقد ورد كيفية استعمال الثلاثة في حديث ابن عباس

أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال حجر للصفحة اليمنى وحجر للصفحة اليسرى وحجر للوسط رواه الدارقطنى وحسنه العقيلى في الضعفاء والبيهقى وسيأتى تمام الكلام على إلاستنجاء بالحجارة في بابه. ودلّ الحديث أيضا على النهى عن الاستنجاء بالرجيع والعظم ويأتى الكلام عليه وافيا في باب ما ينهى عن الاستنجاء به (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى وابن ماجه والدارقطنى والترمذى وقال حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، قال ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ، أُعَلِّمُكُمْ فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلَا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا وَلَا يَسْتَطِبْ بِيَمِينِهِ، وَكَانَ يَأْمُرُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، وَيَنْهَى عَنِ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عبد الله بن محمد) بن على بن نفيل أبو جعفر الحمرانى أحد الأئمة الحفاظ. روى عن مالك وزهير بن معاوية وعلي بن ثابت وابن المبارك وغيرهم وعنه أبو داود وأبو حاتم وأحمد وابن معين وأبو زرعة وآخرون وثقه النسائى وابن قانع وأبو حاتم وقال أبو داود ما رأيت أحفظ منه وقال الدارقطنى ثقة مأمون يحتج به. مات سنة أربع وثلاثين ومائتين (قوله النفيلى) نسبة إلى نفيل جدّه الأعلى (قوله ابن المبارك) هو عبد الله بن المبارك بن واضح أبو عبد الرحمن الحنظلى المروزى أحد الأئمة الأعلام وشيوخ الإسلام. روى عن حميد وسليمان التيمى وهشام بن عروة وغيرهم. وعنه السفيانان من شيوخه وبقية وابن مهدى وسعيد بن منصور وآخرون قال ابن عيينة ابن المبارك عالم المشرق والمغرب وما بينهما وقال شعبة ما قدم علينا مثله وقال أبو إسحاق الفزارى ابن المبارك إمام وقال ابن معين ثقة صحيح الحديث ولد سنة ثمانى عشرة ومائة. ومات سنة إحدى وثمانين ومائة (قوله محمد بن عجلان) هو أبو عبد الله القرشى المدنى أحد العلماء العاملين إمام صدوق مشهور، روى عن أنس وأبى حازم والأعرج وعكرمة وغيرهم. وعنه منصور وشعبة والثورى ومالك وآخرون، وثقه أحمد وابن معين وابن عيينة وأبو حاتم والنسائى وأبو زرعة وذكره البخارى في الضعفاء وروى له تعليقا وسلم متابعة ولم يحتج به وقال يحيى القطان كان مضطربا في حديث نافع وقال مالك لما بلغه أن ابن عجلان حدّث بحديث خلق الله آم على صورته لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء ولم يكن عالما ولكن لابن عجلان فيه متابعون

وقال الذهبي كان ابن عجلان من الرفعاء والأئمة أولى الصلاح والتقوى ومن أهل الفتوى ومع كونه متوسطا في الحفظ فقد كان جيد الذكاء مجاب الدعوة. توفى سنة ثمان وأربعين ومائة (قوله القعقاع بن حكيم) الكنانى المدنى. روى عن ابن عمر وجابر وعائشة وعلى بن الحسين وغيرهم. وعنه سعيد المقبرى وزيد بن أسلم وعمرو بن دينار ومحمد بن عجلان وكثيرون. وثقه أحمد وابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم ليس بحديثه بأس (قوله عن أبى صالح) هو ذكوان السمان المدنى. روى عن أبى سعيد وأبى الدرداء وعائشة وأبى هريرة وغيرهم وعنه بنوه سهيل وعبد الله وصالح وعطاء بن أبي رباح والزهرى وسمع منه الأعمش ألف حديث قال أحمد ثقة من أجلّ الناس وأوثقهم ووثقه ابن معين وأبو حاتم وقال صالح الحديث يحتج بحديثه وقال أبو زرعة ثقة مستقيم الحديث توفى سنة إحدى ومائة. روى له الجماعة (قوله عن أبى هريرة) الدوسى الصحابى الجليل اختلف في اسمه واسم أبيه على أقوال قال النووى اسم أبى هريرة عبد الرحمن بن صخر على الأصح من ثلاثين قولا. وقد أجمع أهل الحديث على أنه أكثر الصحابة حديثا قال ابن حزم إن مسند تقىّ بن مخلد احتوى من حديث أبى هريرة على خمسة آلاف وثلثمائة حديث وكسر وقال في الخلاصة له أربعة وسبعون وثلثمائة وخمسة آلاف حديث اتفقا على خمسة وعشرين وثلثمائة وانفرد البخارى بتسعة وسبعين ومسلم بثلاثة وتسعين. روى عنه إبراهيم بن حنين وأنس وبشر بن سعيد وابن المسيب وتمام ثمانمائة نفس ثقات اهـ. وقال وكيع كان أبو هريرة أحفظ أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأخرج البغوى بسند جيد أن ابن عمر قال لأبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُأنت كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأعلمنا بحديثه، وقال الشافعى أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره، وقال أبو الزعيزعة كاتب مروان أرسل مروان إلى أبى هريرة فجعل يحدّثه وكان أجلسنى خلف السرير أكتب ما يحدّث به حتى إذا كان في رأس الحول أرسل إليه فسأله وأمرنى أن أنظر فما غير حرفا عن حرف، وفى البخارى عن أبى هريرة قال لم يكن من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أكثر حديثا منى إلا عبد الله بن عمر فإنه كان يكتب ولا أكتب، وفى مسلم عنه رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال كنت أدعو أمى إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتنى في رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما أكره فأتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنا أبكي قلت يا رسول الله إني كنت أدعو أمى إلى الإسلام فتأبى علىّ فدعوتها اليوم فأسمعتنى فيك ما أكره فادع الله أن يهدى أمّ أبى هريرة فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

اللهم اهد أمّ أبى هريرة فخرجت مستبشرا بدعوة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف "يعنى مغلقا" فسمعت أمى خشفة قدمى فقالت مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها وفتحت الباب ثم قالت يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قال فرجعت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأتيته وأنا أبكي من الفرح قال قلت يا رسول الله أبشر فقد استجاب الله دعوتك وهدى أمّ أبى هريرة فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا قال قلت يا رسول الله ادع الله أن يحببنى وأمى إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين فما خلق الله مؤمنا سمع بى ولا يرانى إلا أحبنى، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم عنه قال يقولون إن أبا هريرة قد أكثر والله الموعد ويقولون ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدّثون بمثل أحاديثه وسأخبركم عن ذلك إن إخوانى من المهاجرين والأنصار كان يشغلهم الصفق بالأسواق وكنت ألزم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علي ملء بطنى فأشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا ولقد قال لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوما أيكم يبسط ثوبه فيأخذ من حديثى هذا ثم يجمعه إلى صدره فإنه لم ينس شيئا سمعه فبسطت بردة كانت على جنبى حتى فرغ من حديثه ثم جمعتها إلى صدرى فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثنا به فلولا آيتان أنزلهما الله تعالى في كتابه ما حدّثت شيئا أبدا إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى إلى آخر الآيتين ومع ذلك فقد أمسك عن بعض ما أسمع خشية الفتنة وأن لا تبلغه الأفهام، وأخرج البخارى عنه قال حفظت من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله ولسلم وعاءين فأما أحدهما فبثثته فيكم وأما الآخر فلو حدثتكم به لقطعتم هذا البلعوم. وأخرج الإمام أحمد رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ في الزهد بسند صحيح عن أبى عثمان النهدى قال تضيفت أبا هريرة سبعا فكان هو وامرأته وخادمه يقيمون الليل أثلاثا يصلى هذا ثم يوقظ هذا. وأخرج ابن سعد بسند صحيح عن عكرمة أن أبا هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كان يسبح كل يوم اثنى عشر ألف تسبيحة يقول أسبح بقدر ذنبى وأخرج ابن أبى الدنيا من طريق مالك عن سعيد المقبرى قال دخل مروان على أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ في شكواه الذى مات فيها فقال شفاك الله فقال أبو هريرة اللهم إنى أحب لقاءك فأحبب لقائى فلما بلغ مروان يعني وسط السوق حتى مات رضي الله تعالى عنه، وكانت وفاته سنة سبع أو ثمان أو تسع وخمسين (قوله إنما أنا لكم بمنزلة الوالد) لفظ النسائي وابن ماجة إنما أنا لكم مثل الوالد وزاد ابن ماجة لولده أي في الشفقة والحنوّ لا في الرتبة والعلوّ لأنه

لا يماثل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيهما أحد (قوله أعلمكم) أى كل ما تحتاجون إليه من أمر دينكم ولا يمنعنى من ذلك التصرج بما يستهجن ولا أبالى بما يستحى من ذكره وهذا التمهيد لما يبين لهم من آداب الخلاء إذ الإنسان كثيرا ما يستحى من ذكرها ولا سيما في مجلس العظماء (قوله الغائط) هو في الأصل اسم للمكان المطمئن من الأرض ثم اشتهر في نفس الخارج المعروف من دبر الآدمى كما تقدم والمراد هنا هو الأول إذ لا يحسن استعمال الإتيان في المعنى الثانى ولا يحسن النهى عن الاستقبال والاستدبار إلا قبل إخراج الخارج وذلك عند حضور المكان لا عند إخراج ذلك (قوله ولا يستطب) بالجزم على أن لا ناهية أى يستنج والاستطابة الاستنجاء يقال استطاب وأطاب إطابة أيضا لأن المستنجى تطيب نفسه بإزالة الخبث عن المخرج، وفى نسخة ولا يستطيب بالرفع على أنه بلفظ الخبر كقوله تعالى (ولا تضارّ والدة بولدها) بالرفع على قراءة ابن كثير وأبى عمرو وكحديث ابن عمر عند البخارى مرفوعا (لا يبيع بعضكم على بيع أخيه) وهذا أبلغ في النهى لأن خبر الشارع محقق وقوعه وأمره قد يخالف فكأنه قال عامل هذا النهى معاملة الخبر المحقق وقوعه. ولفظ ابن ماجه ونهى أن يستطيب الرجل بيمينه. ولفظ البيهقي وإذا استطاب فلا يستطب بيمينه (قوله وكان يأمر بثلاثة أحجار) أى كان النبى صلى الله تعالى عليه ولى آله وسلم يأمر بالاستنجاء بثلاثة أحجار كما سيأتى التصريح بذلك في حديث عائشة في باب الاستنجاء بالحجارة (قوله وينهى عن الرّوث) بفتح فسكون رجيع ذوات الحافر والأشبه أن المراد هنا رجيع الحيوان مطلقا فيكون من إطلاق اسم الخاص على العام (قوله والرّمة) بكسر الراء وتشديد الميم هي العظم البالى وتجمع على رمم مثل سدرة وسدر والرميم مثل الرّمة والمراد هنا مطلق العظم لما تقدم من عموم النهى عن الاستنجاء به، ونص على الرّمة بخصوصها لدفع توهم أن الجن لا ينتفعون بها فيجوز الاستنجاء بها حينئذ (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يطلب من الأبناء طاعة الآباء ومن الآباء إرشاد أولادهم وتعليمهم ما يحتاجون إليه من الدين. وعلى أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالنسبة لجميع الأمة كالأب كما أن أزواجه أمهاتهم لأن منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومن أزواجه تعلم أحكام الدين فبرّه وبرّهنّ أوجب من برّ الوالدين لقوله تعالى (النبىّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) ولحديث أنس (أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) رواه مسلم ودلّ على المنع من استقبال القبلة واستدبارها بالبول أو الغائط وقد تقدم بيانه. وقد استنبط ابن التين منه منع استقبال الشمس والقمر حال قضاء الحاجة. وكأنه قاسه على استقبال القبلة وقياسه غير ظاهر على ما لا يخفى ومردود بما يؤخذ من حديث أبى أيوب إلآتى فإن قوله فيه

ولكن شرّقوا أو غرّبوا صريح في جواز استقبال القمرين واستدبارهما إذ لا بدّ أن يكونا في الشرق أو الغرب غالبا. وبهذا تعلم أنه لا وجه لمن قال من الفقهاء بكراهة استقبال الشمس أو القمر أو استدبارهما عند قضاء الحاجة. وما رواه الترمذى عن الحسن قال حدثنى سبعة رهط من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهم أبو هريرة وجابر وعبد الله بن عمرو وعمران بن حصين ومعقل بن يسار وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك يزيد بعضهم على بعض في الحديث "أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى أن يبال في المغتسل ونهى عن البول في الماء الرّاكد ونهى عن البول في الشارع ونهى أن يبول الرجل وفرجه باد إلى الشمس والقمر" قال الحافظ هو حديث باطل لا أصل له بل هو من اختلاق عباد بن كثير وذكر أن مداره عليه، وقال النووى في شرح المهذب هذا حديث باطل، وقال ابن الصلاح لا يعرف وهو ضعيف اهـ ودلّ الحديث أيضا على المنع من الاستنجاء باليمنى وتقدم بيانه. وفيه أيضا النهى عن الاستنجاء بالنجاسات والمطعومات فإنه نبه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالرّوث على النجاسات وبالرّمة على المطعومات ويلتحق بهما المحترمات كأجزاء الحيوان وأوراق كتب العلم على ما سيأتى تفصيله (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وابن ماجه وماجه وأحمد وليس في روايته الأمر بالأحجار وأخرجه مسلم بلفظ إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها وأخرحه ابن حبان كلهم في الطهارة بألفاظ متقاربة وفيه محمد بن عجلان وفيه كلام وقد علمت ردّه في ترجمته (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، رِوَايَةً قَالَ: «إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» فَقَدِمْنَا الشَّامَ، فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ قِبَلَ الْكعبةِ، فَكُنَّا نَنْحَرِفُ عَنْهَا وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ (ش) (رجال الحديث) (قوله سفيان) بن عيينة بن أبى عمران الهلالى أبو محمد الكوفى أحد أئمة الإسلام. روى عن عمرو بن دينار وزيد بن أسلم وصفوان بن سليم والزهرى وآخرين، وعنه شعبة ومسعر من شيوخه وابن المبارك من أقرانه وأحمد وإسحاق وغيرهم. قال العجلى هو أثبتهم في الزهرى كان حديثه نحو سبعة آلاف وقال ابن وهب ما رأيت أعلم بكتاب الله من ابن عيينة وقال الشافعى لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز وقال العجلى ثقة ثبت في الحديث وكان

حسن الحديث يعدّ من حكماء أصحاب الحديث وقال ابن سعد كثير الحديث حجة وقال ابن حبان كان من الحفاظ المتقنين وأهل الورع والدين وقال الذهبى أجمعت الأمة على الاحتجاج به وكان يدلس لكن المعهود فيه أنه لا يدلس إلا عن ثقة ولد سنة سبع ومائة ومات سنة ثمان وتسعين ومائة، روى له الجماعة (قوله الزهرى) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله ابن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة القرشى أبو بكر المدني الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه روى عن ابن عمر وسهل بن سعد وجابر وأنس وكثيرين، وعنه عمر بن عبد العزيز وابن جريج والليث ومالك وآخرون قال علي بن المدينى له نحو ألفي حديث وقال الليث ما رأيت عالما قط أجمع من ابن شهاب وقال أيوب ما رأيت أعلم من الزهرى وقال مالك كان ابن شهاب من أسخى الناس وأتقاهم ما له في الناس نظير وقال ابن سعد ثقة كثير الحديث والعلم والرواية فقيها جامعا وقال مكحول ما بقي على ظهرها أعلم بسنة ماضية من الزهرى، توفى سنة ثلاث أو أربع وعشرين ومائة (قوله عطاء بن يزيد الليثى) أبو محمد المدنى نزيل الشام. روى عن تميم الدارى وأبى أيوب وأبى سعيد الخدرى وأبى هريرة وجماعة، وعنه أبو صالح السمان وسهيل بن أبى صالح وهلال بن ميمون والزهرى وكثيرون وثقه ابن المدينى والنسائى. مات سنة خمس ومائة. روى له الجماعة (قوله عن أبي أيوب) هو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة الأنصارىّ النجارىّ معروف باسمه وكنيته وهو من السابقين شهد العقبة الثانية وبدرا وما بعدها نزل عليه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما قدم المدينة فأقام عنده حتى بنى بيوته ومسجده واستخلفه علىّ على المدينة لما خرج إلى العراق ثم لحق به وشهد معه قتال الخوارج، وعن أبى أيوب قال لما نزل علىّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال قلت بأبى أنت وأمى إنى أكره أن أكون فوقك وتكون أسفل منى فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنى أرفق بى أن أكون في السفلى لما يغشانا من الناس قال فلقد رأيت جرّة لنا انكسرت فأهريق ماؤها فقمت أنا وأمّ أيوب بقطيفة لنا ما لنا لحاف غيرها ننشف بها الماء فرقا أن يصل إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شئ يؤذيه أخرجه الحاكم، وقال صحيح. وعن سعيد بن المسيب أن أبا أيوب أخذ من لحية رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال له لا يصيبك السوء يا أبا أيوب أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد. له مائة وخمسون حديثا اتفق الشيخان على سبعة وانفرد البخارى بحديث ومسلم بخمسة. روى عنه البراء وابن عباس وجابر بن سمرة وأنس وغيرهم من الصحابة والتابعين. توفى في غزاة الأستانة سنة اثنتين وخمسين (قوله رواية) هي مصدر منصوب بفعل مقدر أى يروى رواية وهذا اللفظ يفيد أن الحديث مرفوع حكما لأنه

منع استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة ولو في المكان المعد اقضائها

من الصيغ التى يكنى بها أصحاب الحديث عن قولهم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لكونه روى بالمعنى أو اختصر كما تقدم في المقدمة (قوله الغائط) المراد به هنا المكان المطمئن من الأرض (قوله بغائط) متعلق بمحذوف حال من فاعل تستقبلوا أى لا تستقبلوا الكعبة حال كونكم متلبسين بقضاء الحاجة فالمراد بالغائط هنا الخارج المعروف. وفى رواية البخارى ومسلم فلا تستقبلو االقبلة ولا تستدبروها (قوله ولكن شرّقوا) أى توجهوا إلى ناحية المشرق أو المغرب حال قضاء حاجتكم لئلا تستقبلوا أو تستدبروا القبلة. وهذا خطاب لأهل المدينة ومن على هيئتهم من أهل كل جهة إذا شرّقوا أو غرّبوا لا يكونون مستقبلى القبلة ولا مستدبريها فلا يدخل معهم أهل ناحية يكونون مستقبلى القبلة ومستدبريها إذا شّرقوا أو غربوا (قوله أو غرّبوا) هو في أكثر النسخ والكتب الستة ومختصر المنذرى بأو وفى بعض النسخ بالواو فتكون بمعنى أو (قوله فقدمنا الشام) أى عام فتحها وهو من كلام أبى أيوب كما صرّح به مسلم والضمير له ولمن معه (قوله مراحيض) بفتح الميم وبالحاء المهملة والضاد المعجمة جمع مرحاض بكسر الميم وهو في الأصل موضع الرحض أى الغسل ثم كنى به عن البيت المتخذ لقضاء حاجة الإنسان من الغائط والبول لأنه موضع غسل النجاسة (قوله قبل الكعبة) أى جهتها وفى نسخة قبل القبلة وقبل بكسر القاف وفتح الموحدة (قوله ونستغفر الله) أى نسأله المغفرة أى محو الذنوب أو سترها عن أعين الملائكة فلا يؤاخذنا بها وفى شرح عمدة الأحكام ونستغفر الله قيل يراد به ونستغفر الله لمن بنى الكنف على هذه الصورة الممنوعة عنده وإنما حملهم علي هذا التأويل أنه إذا انحرف عنها لم يفعل ممنوعا فلا يحتاج إلى الاستغفار. والأقرب أنه استغفار لنفسه ولعل ذلك لأنه استقبل واستدبر بسبب موافقته لمقتضى النهى غلطا أو سهوا فيتذكر فينحرف ويستغفر الله "فإن قلت" فالغالط والساهي لم يفعلا إثما فلا حاجة بهما إلى الاستغفار، "قلت" أهل الورع والمناصب العلية في التقوى قد يفعلون مثل هذا لنسبتهم النقص إلى أنفسهم في عدم التحفظ ابتداء اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على تعظيم القبلة ومنع استقبالها ببول أو غائط. وعلى أنه تطلب المحافظة على الآداب ومراعاتها في كل حال بما يقدر عليه. وبظاهر الحديث أخذ أبو حنيفة ومجاهد وإبراهيم النخعى وسفيان الثورى وغيرهم من أصحاب القول الثانى المذكور في شرح حديث سلمان الفارسى القائلين بحرمة استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة في الصحراء والبنيان قال الحافظ السيوطى قال القاضى أبو بكر بن العربى وهو المختار لأنا إذا نظرنا إلى المعانى فالحرمة للقبلة فلا يختلف في البنيان ولا في الصحراء وإن نظرنا إلى الآثار فحديث أبى أيوب عام وحديث ابن عمر لا يعارضه لأنه قول وهذا فعل ولا معارضة بين القول والفعل ولأن الفعل لا صيغة له وإنما هو حكاية حال وحكاية الأحوال معرّضة للأعذار والأسباب، والأقوال لا تحتمل ذلك اهـ بتصرف قال بن دقيق العيد في شرح العمدة إن حمل حديث أبى أيوب على الصحارى مخالف لما حمله عليه أبو أيوب من العموم فإنه قال فأتينا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قبل القبلة فننحرف عنها فرأى النهى عاما وأبو أيوب من أهل

أقوال العلماء في استقبال بيت المقدس حال قضاء الحاجة

اللسان والشرع وقد استعمل قوله لا تستقبلوا ولا تستدبروا عاما في الأماكن وهو مطلق فيها لأنه إذا أخرج عنه بعض الأماكن فقد خالف صيغة العموم في النهي عن الإستقبال والاستدبار اهـ باختصار ويؤخذ من قول أبي أيوب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فننحرف ونستغفر الله الحث على طلب الاجتهاد في البعد عن المخالفات والإكثار من التوبة والاستغفار (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشيخان ومالك والنسائي وابن ماجه والبيهقي والترمذي وقال حديث أبي أيوب أحسن شيء في هذا الباب وأصح (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا وُهَيْبٌ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِي زَيْدٍ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ أَبِي مَعْقِلٍ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَتَيْنِ بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَأَبُو زَيْدٍ هُوَ مَوْلَى بَنِي ثَعْلَبَةَ (ش) (رجال الحديث) (قوله وهيب) بن خالد بن عجلان (قوله عمرو بن يحيى) بن عمارة بن أبي حسن المازني المدني سبط عبد الله بن زيد. وثقه أبو حاتم والنسائي والعجلي وابن سعد وقال كان كثير الحديث وقال يحيى بن معين ليس بقوي صويلح. روى عن أبيه وعباد بن تميم وعباس بن سهل وسعيد بن يسار وغيرهم، وعنه يحيى بن سعيد ويحيى بن أبي كثير من أقرانه وابن جريج ومالك وجماعة (قوله عن أبي زيد) مولى بني ثعلبة كما في رواية ابن ماجة وسيأتي للمصنف واسمه الوليد روى عن معقل بن أبي معقل الأسدي. وعنه عمرو بن يحيى بن عمارة قال ابن المديني ليس بالمعروف وقال في التقريب مجهول من الرابعة (قوله معقل بن أبي معقل) بفتح الميم وكسر القاف والأسدي بفتحتين أو بفتح فسكون ويقال معقل ابن أبي الهيثم ويقال معقل بن أم معقل يعدّ في أهل المدينة. توفي في أيام معاوية، وله ولأبيه صحبة وله في السنن حديثان (قوله نهى) كمنع وزنا ومعنى يقال نهيته عن الشيء أنهاه نهيا فانتهى عنه ونهوته نهوا لغة ونهى الله تعالى أي حرّم (قوله القبلتين) أي الكعبة وبيت المقدس (فقه الحديث) فيه دلالة على طلب تعظيم القبلتين وبظاهره أخذ إبراهيم النخعي وابن سيرين فقالا بحرمة استقبال بيت المقدس ببول أو غائط. لكن الحديث ضعيف لأن فيه راويا مجهول الحال وعلى تقدير صحته فالمراد بذلك أهل المدينة ومن على سمتها لأن استقبالهم بيت المقدس يستلزم استدبارهم الكعبة فالعلة في النهي استدبار الكعبة لا استقبال بيت المقدس وقد ادّعى الخطابىّ والنووىّ الإجماع على عدم تحريم استقبال بيت المقدس لمن لا يستدبر الكعبة إذا استقبله وفيه نظر لما ذكر عن إبراهيم وابن سيرين وبه قال بعض الشافعية أيضا أفاده الحافظ في الفتح، والجمهور على أن النهي للتحريم بالنسبة للكعبة وللتنزيه بالنسبة لبيت المقدس وإنما نهى عن استقباله احتراما له إذ كان قبلة لنا وقيل لعله نهي عن استقباله حين كان قبلة ثم عن استقبال الكعبة حين صارت قبلة فجمعهما الراوي ظنا منه أن النهي مستمرّ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقي وقد سكت عنه أبو داود

النهي عن الاستقبال حال التخلي في الفضاء

والمنذرى في تلخيصه فيؤخذ من السكوت عليه أنه صالح للاحتجاج به (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، ثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إِلَيْهَا، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا؟ قَالَ: بَلَى إِنَّمَا «نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُكَ فَلَا بَأْسَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن يحيى بن فارس) نسب يحيى إلى جدّ أبيه لشهرته به وإلا فهو يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلى أبو عبد الله النيسابوري الحافظ أحد الأعلام الكبار روى عن ابن مهدى وعلى بن عاصم ويزيد بن هارون وعبد الصمد بن عبد الوارث، وعنه أبو داود والنسائى والترمذى وأبو حاتم وآخرون وله رحلة واسعة وهو الذى جمع حديث الزهرى في مجلدين قال أبو حاتم محمد بن يحيى إمام زمانه وقال النسائى ثقة مأمون وقال الخطيب كان أحد الأئمة العارفين والحفاظ المتقنين والثقات المأمونين وقال ابن خزيمة إمام أهل عصره بلا مدافعة. مات سنة ثمان وخمسين ومائتين (قوله صفوان بن عيسى) الزهرى أبو محمد البصرى، روى عن يزيد بن أبى عبيد وهشام بن حسان وثور بن يزيد وابن عجلان، وعنه أحمد وإسحاق بن راهويه وعمرو بن على ومحمد بن بشار قال أبو حاتم صالح وقال ابن سعد ثقة مات سنة مائتين (قوله الحسن بن ذكوان) البصرى أبو سلمة روى عن الحسن وعطاء وابن سيرين وأبى إسحاق السبيعى وطاوس. وعنه يحيى القطان وابن المبارك وصفوان بن عيسى ومحمد بن راشد وجماعة قال النسائى ليس بالقوى وضعفه ابن معين وأبو حاتم وابن المدينى وأحمد وقال أحاديثه أباطيل وقال ابن عدىّ يروى أحاديث لا يرويها غيره وقال الساجى في أحاديثه بعض المناكير وقال أبو داود كان قدريّا روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه وكذا البخارى حديثا واحدا في كتاب الرقاق من حديث عمران بن حصين يخرج قوم من النار الحديث ولكن له شواهد كثيرة (قوله مروان الأصفر) البصرىّ أبو خلف يقال ابن خاقان. روى عن ابن عمر وأبى هريرة وأنس بن مالك وجماعة، وعنه الحسن بن ذكوان وخالد الحذّاء وشعبة وعوف الأعرابى وغيرهم، وثقه أبو داود وقال في التقريب ثقة من الرابعة وذكره ابن حبان في الثقات (قوله ابن عمر) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل أبو عبد الرحمن القرشى المكي أسلم مع أبيه وهو صغير لم يبلغ الحلم وهاجر وعرض على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بدر ثم أحد فاستصغره ثم أجازه في الخندق وهو يومئذ ابن خمس عشرة سنة كما في البخارى، وهو من المكثرين عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم له ثلاثون وستمائة وألف حديث اتفق الشيخان على سبعين ومائة وانفرد البخارى بأحد وثمانين ومسلم بأحد

وثلاثين وروى عن أبى بكر وعمر وعثمان وأبى ذرّ وعائشة وغيرهم، وعنه من الصحابة ابن عباس وجابر ومن التابعين بنوه سالم وعبد الله وحمزة وسعيد بن المسيب وكثيرون وله فضائل عدّة فعنه رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال رأيت كأن بيدى قطعة من إستبرق وليس مكان أريده من الجنة إلا طارت بى إليه قال فقصصتها على حفصة فقصتها على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال إن أخاك رجل صالح لو كان يقوم من الليل قال فما تركت قيام الليل بعد ذلك رواه الشيخان والترمذى، وفى الزهد لأحمد عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر، وأخرج أبو سعيد بن الأعرابى بسند صحيح عن جابر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال ما منا من أحد أدرك الدنيا إلا مالت به ومال بها غير عبد الله بن عمر وكان كثير الاتباع لآثار رسول الله صلى الله تعالى علي وعلى آله وسلم حتى أنه لكان ينزل منازله ويصلى في كل مكان صلى فيه، ونزل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تحت شجرة فكان ابن عمر يتعاهدها بالماء لئلا تيبس، قال مالك عن الزهرىّ قد أقام ابن عمر بعد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ستين سنة يقدم عليه وفود الناس فلم يخف عليه شئ من أمر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا أصحابه، وقال أيضا كان ابن عمر من أئمة المسلمين وكان شديد الاحتياط والتوقى لدينه في الفتوى، قال أبو نعيم مات سنة اثنتين أو ثلاث أو أربع وسبعين (قوله أناخ راحلته) أى أبركها يقال أنخت الجمل فاستناخ أى أبركته فبرك، والراحلة المركب من الإبل ذكرا كان أو أنثى وبعضهم يقول الراحلة الناقة التى تصلح أن ترحل وجمعها رواحل (قوله يبول إليها) أى إلى جهة راحلته وجعلها أمامه حائلا بينه وبين القبلة (قوله أليس قد نهى الخ) أى أليس قد نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، ونهى يحتمل كونه مبنيا للمجهول وهو الأقرب أو أن يكون مبنيا للفاعل (قوله قال بلى) أى قال ابن عمر مجيبا مروان بلى أى نهى عنه، وبلى حرف جواب يرفع حكم النفى ويوجب نقيضه وهو الإثبات فإذا قيل ما قام زيد وقلت في الجواب بلى فمعناه إثبات القيام وإذا قيل أليس قد قام زيد وقلت بلى فعناه التقرير والإثبات أيضا ولا تكون إلا بعد نفي وهذا النفى إما في أول الكلام كما تقدم وإما في أثنائه كقوله تعالى (أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى) التقدير بلى نجمعها، وقد يكون مع النفى استفهام وقد لا يكون، فالمعنى هنا على تقرير النهى عن استقبال القبلة إلا أنه غير عام في الفضاء والبنيان كما فهم السائل ولذا أجابه ابن عمر بما يفيد قصر النهى على الفضاء حيث قال إنما نهى عن ذلك في الفضاء بلا ساتر، والفضاء بالمدّ المكان الواسع يقال فضا المكان فضوّا من باب قعد إذا اتسع فهو فضاء (قوله بينك وبين القبلة) بين ظرف مبهم لا يتبين معناه إلا بإضافته إلى اثنين فصاعدا أو ما يقوم مقام ذلك كقوله تعالى (عوان بين ذلك) والمشهور في العطف بعدها أن يكون بالواو أنها للجمع المطلق ويقال جلست بين القوم أى وسطهم (قوله فلا بأس) أى لا حرج في الاستقبال حينئذ (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يطلب ممن أشكل عليه شئ في أمر دينه أن يسأل عنه من هو أعلم

باب الرخصة فى ذلك

منه ولا يمنعه من ذلك نحو حياء. وعلى أن النهى عن الاستقبال والاستدبار إنما هو في الصحراء مع عدم الساتر، وهو يصلح دليلا لمن فرّق بين الصحراء والبنيان فأجاز في البنيان ومنع في الصحراء لأن قول ابن عمر إنما نهى عن ذلك في الفضاء يدلّ على أنه قد علم ذلك من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويحتمل أنه قال ذلك استنادا إلى ما شاهده من جلوس النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بيت حفصة مستدبرا الكعبة كما في الحديث الآتى فكأنه فهم منه اختصاص النهى بالفضاء فلا يكون فهمه حجة ولا يصلح قوله للاستدلال به لأن الدليل إذا تطرّقه الاحمال لا يصلح للاستدلال (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه والدارقطني والبيهقى والحاكم وقال صحيح على شرط البخارى، وفى نسخة على شرط مسلم، وقال الحازمى في كتاب الناسخ والمنسوخ هو حديث حسن. أقول يردّ هذا أن الحديث في سنده الحسن بن ذكوان وقد علمت أنه مطعون فيه طعنا بليغا لا تقوم به معه حجة ولا يقوى من أمره تخريج البخارى له فإنه ممن طعن على البخارى في التخريج له وقد ذكر الحافظ في المقدّمة وجه الطعن فيه ولم يجب عنه مع شدّة حرصه على الإجابة على الطعن، وإذاً فالحديث ضعيف لا تقوم به حجة (باب الرخصة في ذلك) أى في بيان ما ورد في التسهيل في استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة، والرخصة كغرفة جمعها رخص التسهيل في الأمر والتيسير يقال رخص الشرع لنا في كذا ترخيصا وأرخص إرخاصا إذا يسره وسهله (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَقَدْ ارْتَقَيْتُ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ، «فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ» (ش) مطابقة الحديث للترجمة من حيث إنه دلّ على جواز استدبار الكعبة فيفهم منه جواز الاستقبال أيضا (رجال الحديث) (قوله مالك) بن أنس بن مالك بن أبى عامر بن عمرو بن الحارث أبو عبد الله المدنى الفقيه المحدّث أحد الأئمة الأعلام وإمام دار الهجرة رأس المتقين وكبير المثبتين، ولد سنة ثلاث وتسعين على الأشهر وأخذ عن تسعمائة شيخ فأكثر وما أفتى حتى شهد له سبعون إماما أنه أهل لذلك وكتب بيده مائة ألف حديث وجلس للدرس وهو ابن سبعة عشر عاما وكان مبالغا في تعظيم العلم إذا أراد أن يحدّث توضأ أو اغتسل وتطيب ولبس ثيابا جددا وجلس على منصته بخشوع وخضوع ووقار تعظيما للحديث حتى قيل إنه لدغته عقرب ست عشرة مرة فلم يقطع حديثه، وسأله جرير بن عبد الحميد

عن حديث قائما فأمر بحبسه فقيل له إنه قاض فقال القاضى أحقّ من أدّب، وكان إذا رفع أحد صوته في مجلسه زجره ويقول قال الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبىّ" فمن رفع صوته عند حديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكأنما رفع صوته فوق صوت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حال حياته، وكان يحتاط ويتوقى لدينه في الفتوى فقد كان يقول للسائل انصرف حتى أنظر فقيل له في ذلك فبكى وقال أخاف أن يكون لى من السائل يوم وأىّ يوم وإذا أكثروا سؤاله منعهم وقال حسبكم من أكثر فقد أخطأ ومن أحب أن يجيب عن كل مسألة فليعرض نفسه على الجنة والنار ثم يجيب، وسئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في ثنتين وثلاثين منها لا أدرى وقال ينبغى للعالم أن يورّث جلساءه لا أدرى ليتخذوه أصلا في أيديهم يفزعون إليه، وكان مهيبا حتى إذا أجاب في مسألة لا يقال له من أين، روى عن عامر بن عبد الله بن الزبير وزيد بن أسلم ونافع مولى ابن عمر وحميد الطويل وغيرهم مما يبلغ نحو التسعمائة شيخ. وعنه خلق لا يحصون منهم الشافعى ومحمد بن إبراهيم بن دينار. وعنه من شيوخه من التابعين ابن شهاب وأيوب السختيانى ويحيى بن سعيد وهشام بن عروة، ومن أقرانه السفيانان والحمادان والليث والأوزاعي وأبو حنيفة، وله مناقب جليلة، روى الترمذى عن أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة قال هذا حديث حسن، قال عبد الرزاق وسفيان بن عيينة إنه مالك بن أنس، قال يحيى بن سعيد القطان ما في القوم أصح حديثا من مالك، وقال الشافعى إذا ذكر العلماء فمالك النجم وهو حجة الله تعالى على خلقه، وقال ابن مهدى ما رأيت أحدا أشدّ تقوى من مالك وروى أن المنصور منعه من رواية الحديث في طلاق المكره ثم دس عليه من يسأله فروى على ملأ من الناس ليس على مستكره طلاق فضربه بالسياط، ولم يترك رواية الحديث، ولما حج الرشيد سمع عليه الموطأ وأعطاه ثلاثة آلاف دينار ثم قال له ينبغى أن تخرج معنا فإنى عزمت على أن أحمل الناس على الموطأ فقال أما حمل الناس على الموطأ فليس إلى ذلك سبيل فإن أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تفرّقوا بعده في البلاد فعند كل أهل مصر علم وقد قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اختلاف أمتى رحمة. ذكره البيهقى في الرسالة الأشعرية وأورده الحليمى وإمام الحرمين وغيرهما وأما الخروج معك فلا سبيل إليه قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وهذه دنانيركم كما هي فلا أوثر الدنيا على مدينة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم، وقال الشافعى رأيت على باب مالك كراعا من أفراس خراسان وبغال مصر ما رأيت أحسن منه فقلت له ما أحسنه فقال هو هدية منى إليك فقلت دع لنفسك منها دابة تركبها فقال إنى أستحى من الله تعالى أن أطأ تربة فيها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحافر دابة، وأخرج ابن عبد البر وغيره عن مصعب بن عبد الله الزبيرى عن أبيه قال كنت جالسا بمسجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مع مالك فجاء رجل

فقال أيكم أبو عبد الله مالك فقالوا هذا فجاء فسلم عليه واعتنقه وقال والله لقد رأيت البارحة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جالسا في هذا الموضع فقال هاتوا مالكا فأتى بك ترتعد فرائصك فقال ليس عليك بأس يا أبا عبد الله وقال اجلس فجلست فقال افتح حجرك ففتحته فملأه مسكا منثورا وقال ضمه إليك وبثه في أمتى فبكى مالك طويلا وقال الرؤيا تسرّ ولا تغرّ وإن صدقت رؤياك فهو العلم الذى أودعنيه الله عزّ وجلّ (وعلى الجملة) فمناقبه لا تحصى، مات رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لعشر أو أربع عشرة من ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة ودفن بالبقيع (قوله يحيى ابن سعيد) بن قيس بن عمرو بن سهل الأنصارى التابعى قاضى المدينة. روى عن أنس وسعيد ابن المسيب وأبى الزبير وحميد الطويل وغيرهم، وعنه الزهرى والسفيانان والحمادان ومالك وآخرون قال ابن سعد ثقة حجة كثير الحديث وقال ابن معين والعجلى والنسائى ثقة ثبت مأمون وقال أحمد أثبت الناس ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم. مات سنة ثلاث وأربعين ومائة (قوله محمد بن يحيى بن حبان) بفتح الحاء المهملة والموحدة المشددة ابن منقذ بن عمرو الأنصارى التابعى المازنى أبو عبد الله المدنى الفقيه. روى عن رافع بن خديج وأنس وعباد بن تميم والأعرج وطائفة. وعنه الزهرى وابن إسحاق ومالك والليث، وثقه أبو حاتم وابن معين والنسائى والواقدى. توفى سنة إحدى وعشرين ومائة (قوله عن عمه واسع بن حبان) المدنى قيل إن له رؤية. روى عن ابن عمر ورافع بن خديج وأبى سعيد وجابر. وعنه ابنه حبان وابن أخيه محمد ابن يحيى وثقه أبو زرعة وقال العجلى تابعى ثقة (قوله لقد ارتقيت على ظهر البيت) أى بيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما في رواية ابن خزيمة دخلت على حفصة بنت عمر فصعدت ظهر البيت. وفى رواية لمسلم رقيت على بيت أختى حفصة. وفي رواية البخارى والنسائى على ظهر بيتنا، ويجمع بين الروايات بأن الإضافة في قوله بيتنا مجازيّة باعتبار أنها أخته بل الإضافة إلى حفصة كذلك باعتبار أنه البيت الذى تسكنه وإلا فالبيت كان ملكا للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وأقسم ابن عمر لما في رواية البخارى من أن ناسا يقولون إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس فقال ابن عمر لقد ارتقيت الخ (قوله على لبنتين) تثنية لبنة بفتح اللام وكسر الموحدة ويجوز تسكينها مع فتح اللام وكسرها وهو ما يعمل من الطين ويبنى به، ولابن خزيمة فأشرفت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو على خلائه، وفي رواية له فرأيته يقضى حاجته محجوبا عليه بلبن (قوله مستقبل بيت المقدس لحاجته) أى لقضائها والمقدس فيه لغتان الأولى فتح الميم وسكون القاف وكسر الدال المخففة وهو إما مصدر أو مكان، والثانية ضم الميم وفتح القاف والدال المهملة المشددة المفتوحة من التقديس وهو التطهير وتطهيره إبعاده عن الأصنام وإخلاؤه عنها، قال في النهاية ومنه الأرض المقدسة قيل هي الشام وفلسطين وسمي بيت المقدس لأنه الموضع الذى يتقدّس فيه من الذنوب يقال بيت المقدس والبيت المقدس وبيت القدس اهـ وفي رواية للبخارى مستقبل الشام مستدبرا الكعبة، وفى صحيح ابن حبان مستقبل القبلة مستدبر

الشام وكأنه مقلوب "فإن قلت" كيف نظر ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما ما إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو في تلك الحالة وهو لا يجوز "قلت" وقع ذلك منه اتفاقا لأنه إنما صعد السطح لضرورة له فحانت منه التفاتة كما في رواية للبخارى والبيهقى فنقل ما رآه، وقال الكرمانى يحتمل أن يكون ابن عمر قصد ذلك ورأى رأسه دون ما عداه من جسده ثم تأمل قعوده فعرف كيف هو جالس ليستفيد فعله فنقل ما شاهده وفيه نظر (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه ينبغى الوقوف على هدى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى فيما يطلب إخفاؤه وعلى شدة حرص سيدنا عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما على معرفة أحوال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعلى جواز الإخبار عن مثل ذلك للاقتداء والعمل، وعلى الرخصة في استدبار القبلة عند قضاء الحاجة في البنيان حيث كان جلوسه في البنيان أخذا مما تقدم عن ابن خزيمة والترمذى وهو من جملة ما استدل به مالك والشافعى وإسحاق وآخرون على جواز استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة في البنيان وأنه مخصص لعموم النهى كما ذكرناه في الباب السابق غير أنه أخص من مدّعاهم لأنه قاصر على الاستدبار وللمانع من الاستقبال والاستدبار مطلقا أن يحمله على أنه قبل النهى أو بعده لكنه مخصوص بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والنهى لغيره أو كان للضرورة والنهى عند عدمها إذ الفعل لا عموم له فلا يعارض القول لما تقدم من أن فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يعارض القول الخاص بنا كما تقرر في الأصول، وأما أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل ذلك لبيان الجواز فبعيد وكيف ولم تكن رؤية ابن عمر له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في تلك الحالة عن قصد من ابن عمر ولا من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بل كانت اتفاقية كما تقدم ومثله لا يكون لبيان الجواز. وقد تقدم بيان الخلاف في ذلك وأن الأرجح أن النهى عام في الصحراء والبنيان وأن تعظيم حرمة القبلة يقتضى التسوية بينهما (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والشيخان والنسائى وابن ماجه والبيهقى والترمذى وقال حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، ثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «نَهَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ، فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا» (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن بشار) بن عثمان بن داود بن كيسان العبدى أبو بكر البصرى المعروف ببندار والبندار الحافظ أحد الثقات المشهورين. روى عن روح بن عبادة ومعاذ بن هشام ويحيى القطان وابن مهدى وجماعة. وعنه الأئمة الستة وأبو زرعة وبقىّ ابن مخلد وغيرهم. وثقه العجلى والنسائى وابن خزيمة وقال أبو حاتم صدوق وقال الذهبى

انعقد الإجماع بعد على الاحتجاج ببندار وكذّبه الفلاس فما أصغى أحد إلى تكذيبه لثقتهم أن بندارا صادق أمين. ولد سنة سبع وستين ومائة. ومات سنة اثنتين وخمسين ومائتين (قوله وهب بن جرير) بن حازم الأزدى أبو عباس البصرى الحافظ. روى عن أبيه وعكرمة وابن عون وشعبة وآخرين. وعنه أحمد وإسحاق وابن معين وابن المدينى وطائفة، وثقه ابن معين والعجلى وابن سعد وابن حبان وقال كان يخطئُ وقال النسائى ليس به بأس. توفى سنة ست ومائتين (قوله حدثنا أبي) هو جرير بن حازم بن عبد الله أبو النضر البصرى أحد الأعلام. روى عن الحسن وابن سيرين وطاوس وابن أبى مليكة وآخرين. وعنه أيوب وابن عون وأبو نعيم ووكيع وغيرهم، وثقه ابن معين إلا في قتادة وقال أبو حاتم صدوق صالح وقال ابن عدى مستقيم الحديث صالح فيه إلا روايته عن قتادة فإنه يروى عنه أشياء لا يروجها عنه غيره وقال الساجى صدوق حدّث بأحاديث وهم فيها وهى مقلوبة. مات سنة سبعين ومائة بعد أن اختلط ولم يحدّث في حال اختلاطه (قوله محمد بن إسحاق) بن يسار بن خيار ويقال ابن كومان أبو بكر ويقال أبو عبد الله المدنى أحد الأئمة الأعلام ولا سيما في المغازى رأى أنسا. روى عن أبيه ومكحول وعطاء والزهرى وطائفة. وعنه يحيى الأنصارى والسفيانان وشعبة والحمادان وآخرون وثقه العجلى وابن سعد وقال ابن نمير كان يرمى بالقدر وقال على بن المدينى حديثه عندى صحيح ولم أجد له سوى حديثين منكرين وقال أيضا سمعت ابن عيينة يقول ما سمعت أحدا يتكلم في ابن إسحاق إلا في القدر ولا ريب أن أهل عصره أعلم به ممن تكلم فيه بعده وقال شعبة لو كان لى سلطان لأمرت ابن إسحاق على المحدّثين وهو أمير المؤمنين في الحديث لحفظه وقال ابن عدى لم يتخلف في الرواية عنه الثقات الأئمة وهو لا بأس به وقال الدارقطنى اختلفت الأئمة فيه وليس بحجة وقال ابن نمير إذا حدّث عن سمع منه من العروفين فهو حسن الحديث صدوق وإنما أتى الطعن فيه من أنه يحدّث عن المجهولين أحاديث باطلة وقال أحمد بن حنبل كان رجلا يشتهى الحديث فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه وكان يدلس وليس بحجة وقال ابن معين ثقة وليس بحجة وقال النسائى ليس بالقوى وقال ابن المدينى ثقة لم يضعفه عندى إلا روايته عن أهل الكتاب وكذبه وقال ابن حبان في الثقات تكلم فيه رجلان هشام ومالك فأما قول هشام إنه كان يروى عن النساء فليس مما يجرّح به الإنسان لأن التابعين سمعوا من عائشة من غير أن ينظروا إليها وأما مالك فإنه قدح فيه مرة واحدة ولم يكن يقدح فيه من أجل الحديث وإنما كان ينكر تتبعه غزوات النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أولاد اليهود الذين أسلموا وحفظوا قصة خيبر وغيرها (والحاصل) أن الكلام في محمد بن إسحاق أنه صدوق حسن الحديث لكنه يدلس فإن صرح بالتحديث قبلت روايته وها هنا صرحّ بالتحديث. قيل مات سنة إحدى وخسين

ومائة ببغداد ودفن في مقابر الخيرزان (قوله أبان) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة مصروف لأصالة ألفه ونونه، وقيل ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل هو ابن صالح بن عمير بن عبيد القرشى مولاهم أبو بكر المدنى. روى عن أنس وعمر بن عبد العزير والحسن وعطاء وغيرهم وعنه ابن جريج وعبد الله بن أبى جعفر ومحمد بن عجلان وسعد بن إسحاق وكثيرون، وثقه يحيى بن معين وأبو حاتم وأبو زرعة والعجلى والنسائى وقال الحافظ في التلخيص وضعفه ابن عبد البر ووهم في ذلك فإنه ثقة باتفاق وادّعي ابن حزم أنه مجهول فغلط، روى له البخارى وأبو داود والترمذي وابن ماجه، مات سنة خمس عشرة ومائة (وقوله مجاهد) بن جبر أبو الحجاج المكي المخزومى مولى السائب بن أبى السائب. روى عن ابن عباس وقرأ عليه وعن أبى سعيد الخدرى وعلى وسعد بن أبى وقاص وغيرهم. وعنه أيوب السختيانى وأبو إسحاق السبيعى وعطاء وقتادة وكثيرون، وثقه ابن معين والعجلى وأبو زرعة وابن سعد وقال كان فقيها عالما كثير الحديث وقال ابن حبان كان فقيها ورعا عابدا متقنا. روى له الجماعة. مات بمكة سنة اثنتين أو ثلاث ومائة وهو ساجد. ومولده سنة إحدى وعشرين (قوله نهى نبى الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. أن نستقبل القبلة) أى بفروجنا ففى رواية البيهقي أن نستقبل القبلة أو نستدبرها بفروجنا إذا أهرقنا الماء (قوله ببول) أى أو غائط فهو من باب الاكتفاء على حدّ قوله تعالى (سرابيل تقيم الحرّ) أى والبرد (قوله فرأيته) أى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله قبل أن يقبض بعام) بالبناء للمجهول أى قبل أن يموت بسنة (قوله يستقبلها) أى يستقبل القبلة حين قضاء حاجته. وبهذا الحديث استدلّ من قال بجواز الاستقبال والاستدبار عند قضاء الحاجة في الصحارى والبنيان وجعله ناسخا لحديث النهى وقد تقدم ردّه. واستدلّ به أيضا من فرّق بين البنيان والصحراء وهو غير ظاهر لعدم تقييده بالبنيان. قال الحافظ في التلخيص في الاحتجاج به "يعنى بحديث جابر" نظر لأنها حكاية فعل لا عموم لها فيحتمل أن يكون لعذر ويحتمل أن يكون في بنيان ونحوه اهـ وقال ابن القيم في تهذيب سنن أبى داود وأما الحديث (يعنى حديث جابر) فقد انفرد به محمد بن إسحاق وليس هو ممن يحتج به في الأحكام فكيف يعارض بحديثه الأحاديث الصحاح أو تنسخ به السنن الثابتة مع أن التأويل فيه ممكن وهو لو صح فهو حكاية فعل لا عوم لها ولا يعلم أكان في فضاء أم بنيان أو كان لعذر من ضيق مكان ونحوه أم اختيارا فكيف يقدّم على النصوص الصحيحة الصريحه في المنع مطلقا اهـ بتصرف (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبزّار والترمذى وابن ماجه وابن الجارود وابن حبان والبيهقى والحاكم والدارقطنى وصححه ابن السكن وتوقف فيه النووى لعنعنة ابن إسحاق لكن قد صرّح بالتحديث في رواية المصنف وأحمد وغيرهما. قال في التلخيص ضعفه

باب كيف التكشف عند الحاجة

ابن عبد البر بأبان بن صالح ووهم في ذلك فإنه ثقة باتفاق (باب كيف التكشف عند الحاجة) أى في بيان كيفية رفع الثوب عند إرادة قضاء الحاجة وفى أى وقت يكون، وكيف يستفهم بها عن حال الشئ وصفته وهي هنا من هذا القبيل والتكشف مصدر تكشف مطاوع كشف بمعنى رفع والكشف رفعك الشئ عما يواريه ويغطيه (ص) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ حَاجَةً لَا يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الْأَرْضِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله زهير بن حرب) بن شداد أبو خيثمة النسائى الحافظ روى عن جرير بن عبد الحميد وهشيم وابن عيينة وحفص بن غياث وآخرين. وعنه أبو حاتم والبخارى ومسلم وابن ماجه وكثيرون، قال الخطيب كان ثقة حافظا متقنا وقال الحسين بن فهم ثقة ثبت وقال النسائى ثقة مأمون. مات ببغداد سنة أربع وثلاثين ومائتين وهو ابن أربع وسبعين سنة (قوله وكيع) بن الجراح (قوله الأعمش) سليمان بن مهران (قوله عن رجل) هو القاسم بن محمد كما صرّح به في رواية للبيهقي من طريق أحمد بن محمد بن أبى رجاء المصيصى عن وكيع عن الأعمش عن القاسم بن محمد عن ابن عمر، والقاسم ابن محمد هو ابن أبي بكر الصديق أبو محمد. روى عن أبيه وعائشة وعن العبادلة وأبى هريرة وغيرهم. وعنه الشعبى وسالم بن عبد الله ويحيى بن سعيد وعكرمة وكثيرون، قال ابن سعد كان ثقة عالما فقيها، إماما ورعا كثير الحديث وقال أبو الزّناد ما رأيت أحدا أعلم بالسنة منه ولا أحدّ ذهنا وقال يحيى بن سعيد ما أدركت أحدا بالمدينة نفضله على القاسم وقال العجلى كان من خيار التابعين ثقة وقال ابن حبان كان من سادات التابعين من أفضل أهل زمانه علما وأدبا وفقها. قيل توفى سنة ست ومائة. روى له الجماعة. ولا وجه لما قيل من أنه غياث بن إبراهيم أحد الضعفاء فإنه إنما وقع في رواية الأعمش عن أنس وما هنا من رواية الأعمش عن ابن عمر (قوله كان) هي من الأفعال الناقصة تدلّ على الزمان الماضى بلا تعرّض لزواله في الحال أو عدمه وبهذا تفترق من صار فإن معناها الانتقال من حال إلى حال ولذا يجوز أن يقال كان الله دون صار (قوله إذا أراد حاجة) أى قضاءها والمراد أراد القعود لبول أو غائط (قوله لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض) يعنى ما كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يرفع ثوبه دفعة واحدة بل كان يرفعه شيئا فشيئا حتى يقرب من الأرض مبالغة في دوام الستر استحياء من الله تعالى

(فقه الحديث) دلّ الحديث على أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يبالغ في ستر العورة حال قضاء الحاجة فينبغى لنا الاقتداء به. وعلى جواز كشف العورة في الخلوة للضرورة أما كشفها لغير حاجة فلا يجوز (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى من طريق المصنف ومن طريق أحمد بن محمد ابن أبى رجاء المصيصى قال حدثنا وكيع ثنا الأعمش عن القاسم بن محمد عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أراد الحاجة تنحى ولا يرفع ثيابه حتى يدنو من الأرض. والحديث صالح للاحتجاج به ولا يضرّه إبهام شيخ الأعمش في سند المصنف لما علمت من أنه القاسم بن محمد ولذا سكت عليه المصنف (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ (ش) هذا تعليق وصله البيهقي قال أخبرنا أبو عبد الله الحافظ نا عمرو بن محمد بن منصور العدل ثنا صالح بن محمد الرازى قال حدثنا سهل بن نصر ثنا عبد السلام بن حرب عن الأعمش الخ. وعبد السلام ابن حرب هو النهدى الملائى أبو بكر الكوفى الحافظ من كبار مشايخ الكوفة وثقاتهم ومسنديهم روى عن أيوب وعطاء بن السائب ويونس بن عبيد وغيرهم. وعنه أبو نعيم وهناد وابن معين وقتيبة وجماعة، قال الترمذى ثقة حافظ وقال الدارقطنى ثقة حجة وقال ابن سعد فيه ضعف وقال يعقوب بن شيبة ثقة في حديثه لين وقال ابن معين ثقة صدوق ووثقه أبو حاتم والعجلي وقال أحمد ابن حنبل كنا ننكر منه شيئا. روى له الجماعة. مات سنة ست أو سبع وثمانين ومائة (قوله وهو ضعيف) أى وطريق عبد السلام بن حرب ضعيف لأن الأعمش لم يسمع من أنس ولا من أحد من الصحابة فهو منقطع وليس المراد تضعيف عبد السلام لأنه ثقة كما علمت. وفى النسخة المصرية بعد قول المصنف وهو ضعيف زيادة قال أبو عيسى الرملى حدثناه أحمد بن الوليد حدثنا عمرو بن عون أنا عبد السلام به اهـ وهذه العبارة من رواية الرملى أحد تلاميذ المصنف أشار بها إلى وصل الحديث عن غير طريق المصنف وقد رواه الترمذى عن ابن عمر وأنس قال حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد السلام بن حرب عن الأعمش عن أنس قال كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض هكذا روى محمد بن ربيعة عن الأعمش عن أنس هذا الحديث وروى وكيع والحمانى عن الأعمش قال قال ابن عمر كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض وكلا الحديثين مرسل ويقال لم يسمع الأعمش من أنس ولا من أحد من أصحاب

باب كراهية الكلام عند الخلاء

النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد نظر إلى أنس بن مالك قال رأيته يصلى فذكر عنه حكاية في الصلاة اهـ قال المنذرى في تلخيصه ذكر أبو نعيم الأصفهاني أن الأعمش رأى أنس ابن مالك وابن أبى أوفى وسمع منهما والذى قاله الترمذى هو المشهور اهـ وقول الترمذى كلا الحديثين مرسل مبنىّ على ما درج عليه بعض المحدّثين من أن المرسل ما سقط منه راو ولو غير صحابى والمشهور أن المرسل ما سقط منه الصحابى وما سقط منه التابعى يسمى منقطعا. (باب كراهية الكلام عند الخلاء) أى في بيان قبح الكلام وقت قضاء الحاجة فالمراد بالخلاء الحاجة من بول أو غائط تسمية للحالّ باسم المحل، وفى نسخة عند الحاجة (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، ثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، ثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عِيَاضٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عبيد الله الخ) أبو سعيد البصرى القواريرى. روى عن حماد بن زيد وأبى عوانة وفضيل بن عياض وسفيان بن عيينة وغيرهم. وعنه البخارى ومسلم وأبو داود وأبو زرعة وأبو حاتم وكثيرون. وثقه النسائي والعجلى وابن معين وابن سعد وقال كان كثير الحديث وقال أبو حاتم صدوق. مات ببغداد سنة خمس وثلاثين ومائتين (قوله ابن مهدى) هو عبد الرحمن بن مهدى بن حسان العنبرى أبو سعيد البصرى الحافظ الإمام روى عن الحمادين والسفيانين وشعبة ومالك وآخرين. وعنه أحمد وابن ماجه وابن معين وابن المبارك وجماعة، قال ابن المدينى كان أعلم الناس بالحديث وما شبهت علمه بالحديث إلا بالسحر وقال أبو حاتم إمام فقة وقال ابن حبان كان من الحفاظ المتقنين وأهل الورع في الدين عن حفظ وجمع وتفقه وصنف وحدّث وأبى الرواية إلا عن الثقات وقال الشافعى لا أعرف له نظيرا في الدنيا. توفى سنة ثمان وتسعين بالبصرة عن ثلاث وستين سنة (قوله عكرمة بن عمار) أبو عمار الحنفي العجلى البصرى أحد الأئمة. روى عن عطاء وطاوس وسالم ابن عبد الله وهشام بن حسان وطائفة، وعنه شعبة والسفيانان ويحيى القطان وابن المبارك وآخرون، وثقه ابن معين والعجلى والدارقطنى ووكيع وقال أبو حاتم كان صدوقا وربما وهم

في حديثه وربما دلس وفى حديثه عن يحيى بن أبى كثير بعض أغاليط وقال ابن عدى مستقيم الحديث إذا روى عنه ثقة وقال ابن خراش كان صدوقا وفى حديثه نكرة وتكلم البخارى وأحمد والنسائى في روايته عن يحيى بن أبى كثير وأحمد في روايته عن إياس بن سلمة. مات سنة تسع وخمسين ومائة (قوله يحيى بن أبى كثير) أبو النضر اليمامى الطائى مولاهم أحد الأعلام روى عن أنس مرسلا وأبى نضرة العبدى وعكرمة والسائب بن يزيد وآخرين. وعنه يحيى بن سعيد وهشام بن حسان والأوزاعي ومعمر بن راشد وغيرهم وقال العجلى ثقة كان يعدّ من أصحاب الحديث وقال أبو حاتم إمام لا يحدّث إلا عن ثقة. روى له الجماعة. مات سنة تسع وعشرين ومائة (قوله هلال بن عياض) ويقال عياض بن هلال وهو الصحيح قال ابن حبان من زعم أنه هلال بن عياض فقد وهم ورجح الشيخان تسميته بعياض قال الحافظ المنذرى في الترغيب وعياض هذا روى له أصحاب السنن ولا أعرفه. بجرح ولا عدالة وهو في عدد المجهولين وقال الذهبى لا يعرف وقال في التقريب مجهول من الثالثة (قوله أبو سعيد) هو سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبحر وهو خدرة بضم الخاء المعجمة ابن عوف في الحارث بن الخزرج الأنصارى الخدرى مشهور بكنيته من مشاهير الصحابة وفضلائهم ومن المكثيرين من الرواية عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم له سبعون ومائة وألف حديث اتفق الشيخان على ثلاثة أو ستة وأربعين وانفرد البخارى بستة وعشرين وقيل بستة عشر ومسلم باثنين وخمسين وأول مشاهده الخندق وبايع تحت الشجرة وغزا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم اثنتى عشرة غزوة. روى عن أبى بكر وعمر وعثمان وأبى قتاده وغيرهم. وعنه من الصحابة جابر وزيد بن ثابت وابن عباس وأنس ومن التابعين سعيد بن المسيب وأبو سلمة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وآخرون. روى له الجماعة، وله مناقب جليلة فقد روى الهيثم في مسنده عن سهل بن سعد قال بايعت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنا وأبو ذرّ وعبادة بن الصامت ومحمد بن مسلمة وأبو سعيد الخدرى وسادس على أن لا تأخذنا في الله لومة لائم، وروى ابن سعد من طريق حنظلة بن سفيان الجمحى عن أشياخه قال لم يكن أحد من أحداث أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أفقه من أبى سعيد الخدرى وروى أحمد وغيره عن أبى سعيد قال قتل أبى يوم أحد شَهيدا وتركنا بغير مال فسرّحتني أمى إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأتيته وقعدت فاستقبلني وقال من استغنى أغناه الله عزّ وجلّ ومن استعفّ أعفه الله عزّ وجلّ ومن استكفى كفاه الله عز وجل ومن سأل الناس وله قيمة أوقية فقد ألحف فقلت ناقتى الياقوتة خير من أوقية فرجعت ولم أسأله. وقال شعبة عن أبى سلمة سمعت أبا نصرة عن أبى سعيد يرفعه لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يتكلم بالحق إذا

حكم الكلام حال التخلي

رآه أو علمه قال أبو سعيد فحملنى ذلك على أن ركبت إلى معاوية فملأت أذنيه ورجعت. توفي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بالمدينة يوم الجمعة سنة أربع وستين وهو ابن أربع وسبعين سنة ودفن بالبقيع (قوله سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) أى سمعت كلامه حال كونه يقول لأن الذات لا تسمع، وسمع من باب فهم تتعدى إلى مفعول واحد كما عليه الجمهور والجملة الواقعة بعد المفعول في موضع الحال، وقال الفارسى إن كان ما يليها مما يسمع تعدّت إلى مفعول واحد مثل سمعت القرآن وإن كان مما لا يسمع كما هنا تعدت إلى مفعولين (قوله لا يخرج الرجلان) بالجزم على أن لا ناهية، ويحتمل رفعه على أنها نافية فيكون خبرا بمعنى النهى، وخص الرجلين بالذكر جريا على الغالب وإلا فالمرأتان والمرأة والرجل كذلك بل أولى بالنهى (قوله يضربان الغائط) أى يمشيان إلى قضائه، قال في النهاية يقال ذهب يضرب الغائط والخلاء والأرض إذا ذهب لقضاء الحاجة (قوله كاشفين عن عورتهما) أى رافعين ثوبهما عن عورتهما وينظر كل منهما إلى عورة صاحبه كما جاء في رواية ابن ماجه عن أبى سعيد أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يتناجى اثنان على غائهما ينظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه الخ. والعورة كل ما يستحيا منه إذا ظهر وهي من الرجل ما بين السرّة والركبة ومن المرأة الحرّة جميع جسدها إلا الوجه والكفين وفى قدمها خلاف، والأمة مثل الرجل إلا أن ظهرها وبطنها عورة أيضا. وستر العورة في الصلاة وغيرها واجب وفيه عند الخلوة خلاف يأتى بيانه إن شاء الله تعالى في محله (قوله فإن الله يمقت على ذلك) أى يغضب أشدّ الغضب ويعذب على كشف العورة والتحدّث حال قضاء الحاجة، ويمقت مضارع مقت من باب نصر من المقت وهو في الأصل أشدّ الغضب (فقه الحديث) فيه دليل على وجوب ستر العورة وحرمة الكلام حال قضاء الحاجة والتعليل بمقت الله لفاعل ذلك يؤكد التحريم، قال في النيل وقيل إن الكلام في هذه الحالة مكروه والصارف للنهي عن التحريم الإجماع على عدم حرمة الكلام في تلك الحالة ذكره الإمام المهدى في الغيث، فإن صح الإجماع صلح للصرف ولكن يبعد حمل النهى على الكراهة ربطه يتلك العلة اهـ بتصرف. أقول ربط النهى بتلك العلة لا يبعد حمل النهى على الكراهة لأن سياق الحديث يدلّ على أن المقت على مجموع الكلام والنظر لا على مجرد الكلام وذكر النظر في الحديث لزيادة التقبيح ضرورة أن النظر حرام مع قطع النظر عن الكلام والتخلى، ومحل النهى عن الكلام حال قضاء الحاجة ما لم تدع إليه ضرورة كإرشاد أعمى يخشى تردّيه في نحو حفرة أو رؤية نحو عقرب يقصد إنسانا فإن الكلام حينئذ جائز بل قد يكون واجبا (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا لَمْ يُسْنِدْهُ إِلَّا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ

باب أيرد السلام وهو يبول

(ش) يريد المصنف بهذا بيان أن الحديث ضعيف لانفراد عكرمة بإسناده وقد تقدم أن عكرمة تكلم غير واحد في روايته عن يحيى بن أبى كثير قال المنذرى في تلخيص السنن ضعف بعض الحفاظ حديث عكرمة هذا عن يحيى بن أبى كثير. قال في النيل لكنه لا وجه للتضعيف بهذا فقد أخرج مسلم حديثه عن يحيى واستشهد بحديثه البخارى عن يحيى أيضا اهـ. على أن انفراد عكرمة بإسناده غير مسلم لأن أبان بن يزيد تابعه على ذلك كما ذكره ابن دقيق العيد في الإمام وتابعه أيضا الأوزاعي عن يحيى بن أبى كثير عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرسلا كما في سنن البيهقي بل ضعف الحديث جاء من هلال بن عياض أو عياض ابن هلال فإنه مجهول كما علمت، هذا ويوجد في النسخة المصرية بعد قول المصنف لم يسنده إلا عكرمة ما نصه حدثنا أبان ثنا يحيى بهذا يعنى حديث عكرمة. وهو غلط من بعض النساخ لما علمت أن رواية الحديث من طريق أبان إنما أخرجها ابن دقيق العيد في الإمام وأنها تردّ قول المصنف لم يسنده إلا عكرمة فتعين أنها ليست من كلام المصنف وإلا لتنافى (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه بلفظ المصنف وكذا البيهقى وأخرجه أيضا من طريق مسلم بن إبراهيم الورّاق عن عكرمة عن يحيى بن أبى كثير عن عياض ابن هلال وكذا أخرجه من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبى كثير عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرسلا. وأخرجه ابن السكن وصححه وابن القطان من حديث جابر بلفظ إذا تغوّط الرجلان فليتوار كل واحد منهما عن صاحبه ولا يتحدّثا فإن الله يمقت على ذلك. قال الحافظ وهو معلول وأخرجه ابن ماجه عن أبى سعيد بلفظ تقدم وأخرجه ابن حبان في صحيحه بلفظ لا يقعد الرجلان على الغائط يتحدّثان يرى كل واحد منهما عورة صاجه فإن الله يمقت على ذلك، وأخرجه الطبرانى في الأوسط عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يخرج اثنان إلى الغائط فيجلسان يتحدّثان كاشفين عن عورتهما فإن الله عزّ وجلّ يمقت على ذلك، قال المنذرى إسناده لين (باب أيردّ السلام وهو يبول) أى في بيان الأحاديث الدالة على جواب هذا الاستفهام، وفى بعض النسخ باب في الرجل يردّ السلام وهو يبول وهى على تقدير الاستفهام، وفى نسخة باب لا يردّ السلام وهو يبول (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، وَأَبُو بَكْرِ ابْنَا أَبِي شَيْبَةَ قَالَا: ثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «مَرَّ رَجُلٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى

وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَغَيْرِهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَيَمَّمَ ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلَامَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عثمان) بن محمد بن أبى شيبة إبراهيم بن عثمان أبو الحسن العبسى الكوفى الحافظ نزل بغداد ورحل إلى مكة والرّىّ. وكتب الكثير وصنف المسند والتفسير روى عن ابن المبارك وابن عيينة ووكيع بن الجراح وعبد الله النخعى وغيرهم. وعنه الشيخان وأبو داود وابن ماجه وأبو حاتم وجماعة، قال ابن معين ثقة أمين ووثقه أحمد بن عبد الله العجلى وقال أبو حاتم صدوق وأنكر عليه أحمد أحاديث. مات لثلاث مضين من المحرم سنة تسع وثلاثين ومائتين (قوله أبو بكر) هو عبد الله بن محمد بن أبى شيبة الكوفى الحافظ أحد الأعلام روى عن هشيم وابن المبارك وجرير بن عبد الحميد وابن عيينة وآخرين. وعنه الشيخان وأبو داود وأبو حاتم وأحمد وغيرهم، قال أبو زرعة ما رأيت أحفظ منه وقال الخطيب كان متقنا حافظا صنف التفسير وغيره وقال أحمد صدوق وقال العجلى ثقة وكان حافظا للحديث وقال ابن حبان كان حافظا متقنا دينا ممن كتب وجمع وصنف وقال أبو حاتم كان أحد حفاظ الدنيا والمكثرين من الحديث مع ثبت وإتقان. ولد سنة تسع وخمسين ومائة. ومات سنة أربع أو خمس وثلاثين ومائتين (قوله عمر بن سعد) بن عبيد الحفرى بفتح الحاء المهملة والفاء نسبة إلى حفر موضع بالكوفة أبو داود الكوفى. روى عن صالح بن حسان وشريك النخعى وسفيان الثورى وغيرهم وعنه أحمد وإسحاق وأبو بكر بن أبى شيبة وابن المدينى وقال لا أعلم أني رأيت بالكوفة أعلم منه ووثقه ابن معين وقال أبو حاتم صدوق. مات سنة ثلاث ومائتين (قوله سفيان) بن سعيد ابن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهب الثورى أبو عبد الله الكوفى أحد الأئمة الأعلام. روى عن أبيه وحبيب بن أبى ثابت وأبى إسحاق السبيعى وأيوب السختيانى وكثيرين وعنه ابن عجلان من شيوخه ومالك من أقرانه وابن عيينة ويحيى القطان وغيرهم، قال ابن المبارك كتبت عن ألف ومائة شيخ ما كتبت عن أفضل من سفيان وقال ابن معين ما خالف أحد سفيان في شئ إلا كان القول قول سفيان وقال شعبة إن سفيان ساد الناس بالورع والعلم وقال ابن سعد كان ثقة مأمونا عابدا ثبتا وقال النسائى هو أجلّ من أن يقال فية ثقة وهو أحد الأئمة الذين أرجو أن يكون الله جعلهم إماما للمتقين وقال العجلى كان لا يسمع شيئا إلا حفظه وقال الخطيب كان إماما من أئمة المسلمين مجمعا على إمامته مع الإتقان والضبط والحفظ والمعرفة والزهد والورع وقال أبو عاصم سفيان الثورى أمير المؤمنين في الحديث

روى له الجماعة (¬1) ولد سنة سبع وتسعين. وتوفى سنة إحدى وستين ومائة بالبصرة (قوله الضحاك ابن عثمان) بن عبد الله بن خالد بن حرام بن خويلد بن أسد أبو عثمان المدنى. روى عن نافع وعبد الله ابن دينار وسعيد المقبرى وزيد بن أسلم وغيرهم. وعنه يحيى القطان والثورى والواقدى وابن وهب وجماعة، وثقه أحمد وابن المدينى وابن معين وأبو داود وابن سعد وقال أبو زرعة ليس بالقوى وقال ابن عبد البر كان كثير الخطأ ليس بحجة. روى له الجماعة إلا البخارى. مات سنة ثلاث وخمسين ومائة بالمدينة (قوله نافع) العدوى أبو عبد الله المدنى مولى ابن عمر بن الخطاب التابعى الجليل الثقة الثبت الفقيه. روى عن مولاه ابن عمر وأبى هريرة وعائشة وأبى سعيد الخدرى وغيرهم من الصحابة والتابعين. وعنه أيوب وابن جريج ومالك ويحيى بن سعيد وطائفة. قال البخارى أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر ووثقه العجلى وابن خراش والنسائى وقال ابن عمر لقد منّ الله علينا بنافع وقال مالك كنت إذا سمعت من نافع يحدّث عن ابن عمر لا أبالى أن لا أسمع من غيره وقال الخليلى هو من أئمة التابعين بالمدينة متفق عليه صحيح الرواية ولا يعرف له خطأ في جميع ما رواه. روى له الجماعة. قيل مات سنة عشرين ومائة (قوله مرّ رجل) هو أبو الجهيم بالتصغير عبد الله بن الحارث بن الصمة كما بينه الشافعى رحمه الله تعالى في روايته لهذا الحديث من طريق الأعرج وصرّح به في مشكاة المصابيح قال في باب التيمم وعن أبى الجهيم بن الحارث ابن الصمة قال مررت على النبى صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم وهو يبول فسلمت عليه فلم يردّ علىّ حتى قام إلى جدار فحته بعصا كانت معه ثم وضع يديه على الجدار فمسح وجهه وذراعيه ثم ردّ علىّ، ذكره البغوى في شرح السنة وقال هذا حديث حسن اهـ. ويحتمل أن المراد بالرجل المهاجر بن قنفذ راوى الحديث الآتى (قوله فسلم عليه فلم يردّ عليه) وفي رواية النسائى فلم يرد عليه السلام. والمراد أنه أخر الردّ حتى تطهر كما في الرواية والحديث الآتيين لأن السلام اسم من أسماء الله تعالى ففي حديث أنس مرفوعا إن السلام اسم من أسماء الله تعالى وضع في الأرض فأفشوا السلام بينكم رواه البخارى في الأدب. ولذا كره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يذكر اسم الله تعالى في تلك الحالة، ويحتمل أنه ترك الردّ عليه أصلا تأديبا له ويؤيده ما أخرجه ابن ماجه من طريق جابر قال إن رجلًا مرّ على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو يبول فسلم عليه فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا رأيتنى على مثل هذه الحالة فلا تسلم علىّ فإنك إن فعلت ذلك لم أردِّ عليك. وهو ضعيف لأن في سنده سويد بن سعد وفيه مقال ¬

_ (¬1) المراد بالجماعة في تراجم رجال الحديث فيما تقدم وما سيأتي الستة البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه

(فقه الحديث) دلّ الحديث على كراهة ذكر الله تعالى حال قضاء الحاجة ولو كان واجبا باعتبار الأصل كردّ السلام. وعلى أن المسلم في هذا الحال لا يستحقّ جوابا وهذا متفق عليه وأما ردّه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد ذلك فمن مكارم أخلاقه ولذا نهى ذلك الرجل أن يعود كما في رواية ابن ماجه عن جابر المتقدمة. وكما أنه لا يردّ السلام حال قضاء الحاجة لا يشمت العاطس ولا يحمد الله تعالى إذا عطس ولا يجيب المؤذن. وكذا لا يأتى بشيء من ذلك حال الجماع وإذا عطس في هذه الأحوال يحمد الله تعالى في نفسه ولا يحرّك به لسانه، وكراهة الذكر في هذه الأحوال كراهة تنزيه لا تحريم كما عليه الأكثرون، وحكي عن إبراهيم النخعى وابن سيرين أنه لا بأس بالذكر حال قضاء الحاجة، لكن لا وجه لهما (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم وأحمد وابن ماجه بلفظ المصنف والنسائى والبيهقى والترمذى وقال حديث حسن صحيح وأخرجه أيضا ابن ماجة عن أبى هريرة قال مرّ رجل على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يردّ عليه فلما فرغ ضرب بكفيه الأرض فتيمم ثم ردّ عليه السلام (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَغَيْرِهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ تَيَمَّمَ ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلَامَ» (ش) هذان تعليقان وصلهما المصنف في باب التيمم في الحضر. أما رواية ابن عمر فقد وصلها من طريق ابن الهاد أن نافعا حدّثه عن ابن عمر قال أقبل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الغائط فلقيه رجل عند بئر جمل وسلم عليه فلم يردّ عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى أقبل على الحائط فوضع يده على الحائط ثم مسح وجهه ويديه ثم ردّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الرجل السلام. ومراد المصنف بغير ابن عمر ابن عباس وأبو الجهيم. فرواية ابن عباس وصلها من طريق ثابت العبدى قال أخبرنا نافع قال انطلقت مع ابن عمر في حاجة إلى ابن عباس فقضى ابن عمر حاجته فكان من حديثه يومئذ أن قال مرّ رجل على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في سكة من السكك وقد خرج من غائط أو بول فسلم عليه فلم يردّ عليه حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى في السكة ضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه ثم ضرب ضربة أخرى فسح ذراعيه ثم ردّ على الرجل السلام وقال إنه لم يمنعني أن أردّ عليك السلام إلا أنى لم أكن على طهر. ورواية أبى الجهيم وصلها من طريق عيد الرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول أقبلت أنا وعبد الله ابن يسار مولى ميمونة زوج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى دخلنا على أبى الجهيم

ابن الحارث بن الصمة الأنصارى فقال أبو الجهيم أقبل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يردّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السلام حتى أتى على جدار فمسح بوجهه ويديه ثم ردّ عليه السلام. وهذه الرواية أخرجها الشيخان بلفظ المصنف وأخرجها البغوى في شرح السنة عن أبى الجهيم بلفظ تقدم (قوله تيمم ثم ردّ الخ) أى قصد صعيدا طاهرا فمسح وجهه ويديه ثم ردّ السلام، وإنما تيمم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما تقدم من أن السلام اسم من أسمائه تعالى فكره أن يذكره على غير طهارة اختيارا للأفضل فإنه وإن كان ردّ السلام بعد الفراغ من قضاء الحاجة جائزا بلا طهارة لحديث الباب الآتى كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يذكر الله على كل أحيانه لكن الذكر على الطهر أفضل ولعله لم يتوضأ لخوف فوات ردّ السلام ويدلّ له ما تقدم في رواية ابن عباس من قوله حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى في السكة ضرب بيديه على الحائط الخ. وقول النووى في شرح رواية أبى الجهيم هذا الحديث محمول على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تيمم لعدم وجود الماء فان التيمم مع وجوده لا يجوز للقادر على استعماله ولو خاف فوات الوقت لا فرق في ذلك بين صلاة الجنازة والعيدين ونحوهما عند الجمهور اهـ إنما يظهر في عبادة تتوقف على طهارة وليس ردّ السلام منها، وسيأتى بيان ذلك في باب التيمم إن شاء الله تعالى وقد دلت هذه الروايات زيادة على ما تقدم على أن الأفضل لمن سلم عليه عقب فراغه من قضاء الحاجة أن يؤخر الردّ حتى يتطهر، قال النووى في شرح مسلم وفيه دليل على جواز التيمم للنوافل والفضائل كسجود التلاوة والشكر ومس المصحف ونحوها كما يجوز للفرائض وهذا مذهب العلماء كافة إلا وجها شاذا منكرا لبعض أصحابنا أنه لا يجوز التيمم إلا للفرائض وليس هذا الوجه بشئ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حُضَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ أَبِي سَاسَانَ، عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ "إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِلَّا عَلَى طُهْرٍ أَوْ قَالَ: عَلَى طَهَارَةٍ" (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن المثنى) بن عبيد بن قيس بن دينار أبو موسى البصرى الحافظ. روى عن معتمر وابن عيينة ووكيع ويحيى بن سعيد وكثيرين. وعنه الأئمة الستة وأبو زرعة وأبو حاتم وآخرون، قال محمد بن يحيى حجة وقال الخطيب كان ثقة ثبتا احتج سائر الأئمة

بحديثه وقال مسلمة ثقة مشهور من الحفاظ وقال النسائى لا بأس به كان يغير في كتابه وقال أبو حاتم صالح الحديث صدوق. مات بالبصرة سنة اثنتين وخمسين ومائتين (قوله عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامى بالسين المهملة القرشى أبو همام ويقال أبو محمد البصرى أحد الكبار. روى عن يونس بن عبيد والجريرى وحميد الطويل وسعيد بن أبى عروبة وجماعة. وعنه أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو بن على ومحمد بن المثنى والفضل بن يعقوب وطائفة، وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائى والعجلى وابن نمير وغيرهم. قال أبو حاتم صالح الحديث وكان ممن سمع من سعيد بن أبى عروبة قبل اختلاطه وقال ابن حبان في الثقات كان متقنا قدريًّا وكان لا يدعو إليه وقال محمد ابن سعد لم يكن بالقوى. روى له الجماعة. مات سنة تسع وثمانين ومائة (قوله سعيد) بن أبي عروبة أبو النضر البصرى الحافظ. روى عن أبى التياح ومطر الورّاق والحسن وابن سيرين وسمع النضر بن أنس وقتادة وغيرهم. وعنه شعبة وابن علية ويزيد بن زريع والثورى وطائفة، قال الحافظ هو من كبار الأئمة وثقه الأئمة كلهم إلا أنه رمى بالقدر وقال العجلى كان لا يدعو إليه وكان قد كبر واختلط وقال أبو عوانة ما كان عندنا في ذلك الوقت أحفظ منه وقال أبو حاتم سمعت أحمد بن حنبل يقول لم يكن لسعيد بن أبى عروبة كتاب إنما كان يحفظ ذلك كله وقال ابن معين والنسائى ثقة وقال أبو زرعة ثقة مأمون وقال الأزدى اختلط اختلاطا قبيحا وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث ثم اختلط في آخر عمره. روى له الجماعة مات سنة ست وخمسين ومائة (قوله قتادة) بن دعامة (قوله الحسن) أبو سعيد بن أبى الحسن يسار البصرى ثقة فقيه فاضل يرسل ويدلس. روى عن عبد الله بن عمر وأنس بن مالك وجندب ابن عبد الله وعبد الرحمن بن سمرة وآخرين. وأرسل عن خلق من أصحابة، وعنه أيوب وحميد الطويل ويونس بن عبيد وقتادة وغيرهم، قال أنس اسألوا الحسن فإنه حفظ ونسينا وقال قتادة ما جالست فقيها قط إلا رأيت فضل الحسن عليه وقال ابن سعد كان عالما جامعا رفيعا ثقة مأمونا عابدا كثير العلم فصيحا جميلا وما أسند من حديثه وروى عمن سمع فهو حجة وما أرسل فليس بحجة قال ابن المدينى ومرسلات الحسن البصرى التى رواها عنه الثقات صحاح قلّ ما يسقط منها وقال يونس بن عبيد سألت الحسن قلت يا أبا سعيد إنك تقول قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإنك لم تدركه قال يا ابن أخى إنى في زمان كما ترى "وكان في عمل الحجاج" كل شئ سمعتنى أقول قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فهو عن على بن أبى طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ غير أنى في زمن لا أستطيع أن أذكر عليا. روى له الجماعة. مات سنة عشر ومائة (قوله عن حضين في المنذر أبى ساسان) حضين بضاد معجمة وأبو ساسان لقب له على صورة الكنية وكنيته أبو محمد مثل أبى التراب فإنه لقب علي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ

على صورة الكنية وكنيته الحسن وهكذا أبو الزناد وأبو الأحوص وأبو ثور وأبو المساكين فإنها ألقاب ولهم كنى غير هذه، وهذا باب معروف في كتب أسماء الرجال. روى عن عثمان وعلى وأبى موسى ومجاشع بن مسعود وغيرهم. وعنه الحسن البصرى وداود بن أبى هند وعبد الله ابن فيروز وجماعة، وثقه العجلى والنسائى وقال ابن خراش صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن سعد كان قليل الحديث. مات سنة سبع وتسعين. روى له مسلم وأبو داود (قوله المهاجر ابن قنفذ) بن عمير بن جدعان بضم فسكون القرشى التميمى. قيل إن اسم المهاجر عمرو واسم قنفذ خلف وإن مهاجرا وقنفذا لقبان، وإنما قيل له المهاجر لأنه لما أراد الهجرة أخذه المشركون فعذّبوه ثم هرب منهم وقدم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسلما فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا المهاجر حقا، وقيل إنه أسلم يوم فتح مكة وسكن البصرة ومات بها. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه (قوله وهو يبول) كذا في رواية النسائى وظاهر حديثى الباب ورواية أبى الجهيم عند البغوى ورواية أبى هريرة عند ابن ماجه المتقدمتين أن السلام كان حال قضاء الحاجة، وظاهر رواية أحمد وابن ماجه والبيهقي من حديث المهاجر ابن قنفذ أنه سلم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو يتوضأ فلم يردّ عليه الحديث، وما تقدم من رواية المصنف والشيخين من حديث أبى الجهيم وابن عمر وابن عباس أن السلام كان بعد قضاء الحاجة. ولا تنافى بين هذه الروايات لأن الواقعة متعدّدة (قوله ثم اعتذر إليه) عطفا منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الرجل وتطييبا لقلبه إذ أخر ردّ سلامه إلى أن فرغ من الوضوء إلا فترك الردّ حال البول لا يحتاج إلى اعتذار. وهذا هو اللائق بمكارم أخلاقه العالية عليه وعلى آله الصلاة والسلام (قوله تعالى ذكره) أى تنزّه ذكره عما لا يليق به، وفى نسخة عزّ وجلّ (قوله إلا على طهر) يعنى إلا متوضئا وعلى هنا للمصاحبة على حدّ قوله تعالى (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم) والطهر بضم فسكون مصدر طهر الشئ طهارة من بابى قتل وقرب وهو في الأصل النقاء من الدنس والنجس (قوله أو قال على طهارة) الشك من المهاجر أو ممن دونه (فقه الحديث) دلّ الحديث على كراهة ذكر الله تعالى حال قضاء الحاجة. وعلى أنه ينبغى لمن سلم عليه في حال قضاء الحاجة أن لا يردّ السلام بل ينتظر حتى يقضى حاجته ثم إذا أراد الردّ فالأفضل أن يؤخره حتى يتطهر. وعلى ما كان عليه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من حسن الخلق وعظيم الشيم وكمال الشفقة وقد تقدم بيان ذلك في الحديث قبله (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى عن المهاجر بن قنفذ أنه سلم على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسم وهو يبول فلم يردّ عليه حتى توضأ فلما توضأ ردّ عليه، وأخرجه ابن ماجه والبيهقى بلفظ تقدمت الإشارة إليه

باب في الرجل يذكر الله تعالى على غير طهر

(باب في الرجل يذكر الله تعالى على غير طهر) أى في بيان ما يدلّ على جواز ذكر الله تعالى حال عدم الطهارة، ومثل الرجل في هذا المرأة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، ثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ يَعْنِي الْفَأْفَاءَ، عَنِ الْبَهِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن العلاء) بن كريب أبو كريب الهمدانى الكوفى الحافظ أحد الأثبات المكثرين. روى عن ابن المبارك وابن عيينة ووكيع ويحيى بن زكريا وكثيرين وعنه الشيخان والأربعة وأبو حاتم وغيرهم، قال أبو حاتم صدوق وقال أبو عمرو الخفاف ما رأيت من المشايخ بعد إسحاق بن إبراهيم أحفظ منه وقال النسائى ثقة لا بأس به. مات سنة ثمان وأربعين ومائتين (قوله ابن أبى زائدة) هو يحيى بن زكرياء بن أبى زائدة أبو سعيد الكوفى الحافظ. روى عن أبيه وعاصم الأحول وعكرمة وداود بن أبى هند وكثيرين. وعنه أحمد وابن معين وابن المديني وأحمد بن منيع وآخرون، وثقه النسائى وأبو حاتم وابن معين وقال لا أعلمه أخطأ إلا في حديث واحد. ووثقه أحمد والعجلى وابن المدينى وقال لم يكن بالكوفة بعد الثورى أثبت منه وإليه انتهى العلم في زمانه وقال ابن نمير كان في الإتقان أكثر من ابن إدريس وقال أبو حاتم مستقيم الحديث ثقة صدوق يعدّ من حفاظ الكوفيين للحديث وكان متقنا ثبتا صاحب سنة وقال أبو زرعة قلما يخطئُ فإذا أخطأ أتى بالعظائم. مات سنة ثلاث أو أربع وثمانين ومائة وهو ابن ثلاث وستين سنة (قوله عن أبيه) هو زكريا بن أبي زائدة خالد بن ميمون بن فيروز الهمدانى الوداعي الكوفي الحافظ. روى عن الشعبى وخالد بن سلمة وعبد الرحمن بن الأصبهانى وأبى إسحاق وغيرهم. وعنه شعبة والثورى ويحيى القطان ووكيع وآخرون، وثقه أحمد والنسائى وأبو داود وقال يدلس وقال ابن معين صالح. روى له الجماعة. مات سنة ثمان وأربعين ومائة (قوله عن خالد بن سلمة) بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومى القرشى أبو سلمة الكوفي. روى عن سعيد بن المسيب وأبى بردة وعروة بن الزبير وعبد الله بن رافع وغيرهم. وعنه شعبة والسفيانان ويحيى الأنصارى وآخرون، وثقه ابن المدينى وأحمد ويعقوب بن شيبة وابن معين والنسائى وقال أبو حاتم شيخ يكتب حديثه وذكره ابن حبان في الثقات. روى له البخارى في الأدب ومسلم والترمذى والنسائي وأبو داود وابن ماجة، قتل بواسط مظلوما سنة اثنتين وثلاثين ومائة (قوله يعني الفأفاء) هو لقب يعرف به خالد بن سلمة، وهذا التفسير يحتمل أن يكون من يحيى أو ممن دونه وهو ساقط في بعض النسخ

(قوله (ص) عن البهى) بفتح الموحدة وكسر الهاء آخره ياء تحتية مشدّدة وهو لقب لعبد الله بن بشار مولى مصعب بن الزبير أبى محمد. روى عن عائشة وفاطمة بنت قيس وابن عمر وابن الزبير وعنه إسماعيل السدّى وأبو إسحاق السبيعى ويزيد بن أبى زياد، قال ابن معين وغيره هو من الطبقة الأولى من الكوفيين صدوق يخطئُ وذكره ابن حبان في الثقات ووثقه ابن سعد وقال أبو حاتم لا يحتج به وهو مضطرب الحديث. روى له مسلم وأبو داود والترمذى وابن ماجه (قوله عروة) بن الزبير بن العوام أبو عبد الله المدنى التابعى أحد الفقهاء السبعة، روى عن خالته عائشة وعليّ وأبى هريرة وعبد الله بن عباس وغيرهم من الصحابة والتابعين. وعنه عطاء وعمر بن عبد العزيز وجعفر الصادق وابن أبى مليكة وطائفة، قال ابن سعد ثقة كثير الحديث فقيه عالم ثبت مأمون وقال العجلى لم يدخل نفسه في شيء من الفتن قال عروة لو ماتت عائشة اليوم ما ندمت على حديث عندها فقد وعيت كل حديثها وقال الزهرى عروة بحر لا تكدّره الدّلاء. روى له الجماعة ولد سنة تسع وعشرين. ومات سنة نيف وتسعين (قوله عائشة) أم المؤمنين أم عبد الله بنت أبى بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما كانت من أعلم الناس وأفقههم وأحسنهم رأيا فقد أخرج الترمذى عن موسى بن طلحة قال ما رأيت أحدا أفصح من عائشة، وأخرج أيضا عن أبي موسى قال ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما وقال حديث حسن صحيح، وفى الإصابة عن مسروق رأيت مشيخه أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الأكابر يسألونها عن الفرائض، وقال هشام بن عروة عن أبيه ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا بطبّ ولا بشعر من عائشة وكان مسروق إذا حدّث عن عائشة قال حدّثتني الصدّيقة بنت الصدّيق البريئة المبرّأة، وقال الزهرى لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل وفى البخارى عن أبي موسى الأشعرى مرفوعا فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، وقد حسنه الترمذي وفى الصحيح عن عروة عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت كان الناس يتحرّون بهداياهم يومى الحديث وفيه فقال لأم سلمة لا تؤذينى في عائشة فإن الوحى لم يأتنى وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة، وأخرج الترمذى عن أبى سلمة عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام قلت وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ترى ما لا نرى وقال حديث حسن صحيح، وكانت رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا في الجود كالريح المرسلة فقد أخرج ابن سعد من طريق أم درّة قالت أتيت عائشة بمائة ألف ففرّقتها وهى يومئذ صائمة، ولدت سنة أربع أو خمس من البعثة. وتزوجها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهى بنت ست ودخل بها وهي بنت تسع في شوال في السنة الأولى من الهجرة ففى

الصحيح عنها قالت تزوّجنى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنا بنت ست سنين وبنى بي وأنا بنت تسع وقبض وأنا بنت ثمانى عشرة سنة، وكانت أحب النساء إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، فعن عمرو بن العاص قال سألت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت يا رسول الله أي الناس أحب إليك قال عائشة قال من الرجال قال أبوها رواه الترمذى وقال حديث حسن صحيح، روت عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الكثير الطيب، لها عشرة ومائتان وألفا حديث اتفق الشيخان على أربعة وسبعين ومائة حديث وانفرد البخارى بأربعة وخمسين ومسلم بمانية وستين. ماتت ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان سنة ثمان وخمسين عند الأكثر وقيل سنة سبع وخمسين ودفنت بالبقيع (قوله يذكر الله تعالى على كل أحيانه) وفى نسخة يذكر الله عزّ وجلّ الخ أى في كل أوقاته فعلى بمعنى في، وعموم الأحيان يستلزم عموم الأحوال وهي حالة التطهر والحدث أصغر أو أكبر والقيام والقعود وغير ذلك. والمراد بالذكر الذكر اللسانى وعليه فيستثنى من عموم الأحوال حال الجنابة فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان لا يقرأ القرآن حينئذ لحديث على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال كان سول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرئنا القرآن ما لم يكن جنبا رواه أحمد والأربعة وهذا لفظ الترمذى وحسنه وصححه وابن حبان وابن السكن وعبد الحق والبغوى، وكذا يستثنى حال كشف العورة للجماع وقضاء الحاجة فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آلة وسلم ما كان يتكلم حينئذ إلا لداع. وأما ما تقدم في الباب السابق مما يدلّ على كراهته ذكر الله تعالى إلا على طهر فحمول على الأفضل كما تقدم. ويحتمل أن يراد بالذكر الذكر القلبي فيبقى العموم على حاله لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان دائم التفكر لا يفتر عن الذكر القلبى لا في يقظة ولا نوم. قال في المرقاة الذكر نوعان قلبى ولسانى والأول أعلاهما وهو المراد في الحديث وفى قوله تعالى (اذكروا الله ذكرا كثيرا) وهو أن لا ينسى الله تعالى في كل حال وكان للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حظ وافر من هذين النوعين إِلا في حالة الجنابة ودخول الخلاء فإنه كان يقتصر. في الأول على ما عدا القرآن وفي الثانية على الذكر القلبى ولذلك كان إذا خرج من الخلاء قال غفرانك اهـ بتصرف (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يذكر الله تعالى متطهرا ومحدثا ولو حدثا أكبر وقائما وقاعدا ومضطجعا وماشيا وراكبا، والذكر عام يشمل جميع أنواعه من تهليل وتكبير وتحميد وتسبيح واستغفار ومثله الصلاة والسلام على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعلى آله، وهذا مشروع بإجماع المسلمين من غير محل القاذورات وحال الجماع فإنه يكره فيهما كما تقدم، وأما قراءة القرآن فحكمها كما ذكر إلا في حق الجنب والحائض فالجمهور على تحريمها عليهما، وسيأتى تمام الكلام على ذلك في باب الجنب يقرأ القرآن. وفى الحديث

باب الخاتم يكون فيه ذكر الله تعالى يدخل به الخلاء

تنبيه على طلب ذكر الله تعالى في جميع الأوقات الممكنة وذلك لأنه أعظم وسيلة إلى الحصول على خيرى الدنيا والآخرة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم وأحمد وابن ماجه والبيهقى والترمذى وقال حديث حسن غريب وذكره البخارى تعليقا (باب الخاتم يكون فيه ذكر الله تعالى يدخل به الخلاء) وفى نسخة باب الخاتم يكتب فيه ذكر الله عزّ وجل الخ أى في بيان حكم دخول الخلاء بالخاتم الذى يكون مكتوبا عليه اسم الله تعالى. والخاتم بفتح المثناة الفوقية وكسرها والكسر أشهر هو حلقة ذات فص من غيرها فإن لم يكن لها فص فهي فتحة بفتحات كقصبة (ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله نصر بن علي) بن نصر بن على بن صهبان الأزدى أبو عمرو الصغير الجهضمى البصرى الحافظ أحد أئمة البصرة. روى عن المعتمر وابن عيينة ووهب بن جرير ويحيى بن سعيد وغيرهم. وعنه أبو زرعة وأبو حاتم وعبد الله بن أحمد والأئمة الستة وكثيرون قال أبو حاتم هو عندى أوثق من الفلاس وأحفظ وقال النسائى وابن خراش ثقة وقال أحمد ما به بأس، مات سنة خمسين ومائتين (قوله عن أبى علىّ الحنفىّ) هو عبد الله بن عبد المجيد الحنفي أبو على البصرى مشهور بكنيته وهو من نبلاء المحدّثين. روى عن هشام الدستوائى وقرّة ابن خالد وعباد بن راشد ومالك بن أنس وغيرهم. وعنه محمد بن بشار والدارمى ومحمد بن المثنى وعلى بن المدينى، قال ابن معين وأبو حاتم لا بأس به ووثقه العجلي والدارقطنى وغير واحد وضعفه العقيلى. مات سنة تسع ومائتين (قوله عن همام) بن يحيى بن دينار الأزدى أبى عبد الله البصرى أحد الأئمة وثقاتهم. روى عن عطاء ونافع ويحيى بن أبى كثير وثابت البنانى وغيرهم. وعنه الثورى وابن المبارك وأبو نعيم وأبو داود وأبو الوليد الطيالسيان وآخرون، قال ابن سعد كان ثقة ربما غلط في الحديث وقال يزيد بن هارون كان همام قويًّا في الحديث وقال أبو حاتم ثقة صدوق في حفظه شئ وقال أحمد بن حنبل ثبت في كل المشايخ وقال ابن معين ثقة صالح وكان ابن مهدى حسن الرأى فيه. روى له الجماعة. قيل مات سنة أربع وستين ومائة (قوله ابن جريج) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموى المكي الفقيه أبو الوليد أو أبو خالد أحد الأئمة الأعلام. روى عن نافع وعطاء بن أبى رباح والزهرى وهشام بن عروة وغيرهم. وعنه

الأوزاعي والسفيانان ويحيى بن سعيد الأنصارى ويحيى القطان وجماعة، قال ابن المدينى لم يكن في الأرض أحد أعلم بعطاء من ابن جريج وقال أحمد إذا قال أخبرنا أو سمعت فحسبك به وإذا قال قال فلان وقال فلان وأخبرت جاء بمناكير وقال الدارقطني تجنب تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح وقال ابن حبان كان من فقهاء أهل الحجاز وقرّائهم ومتقنيهم وكان يدلس وقال ابن خراش كان صدوقا وسئل عنه أبو زرعة فقال بخ من الأئمة وقال ابن معين ثقة إذا روى من الكتاب. مات سنة تسع وأربعين أو خمسين ومائة روى له الجماعة (قوله إذا دخل الخلاء) أى أراد دخوله (قوله وضع خاتمه) أى ألقاه يقال وضع الشئ من يده يضعه وضعا إذا ألقاه. وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يضع خاتمه وقتئذ صيانة لاسم الله تعالى واسم رسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن محل القاذورات لأن نقشه (محمد رسول الله) (فقة الحديث) دلّ الحديث على أنه يندب لمن يريد التبرّز أن ينحى عنه كل ما عليه معظم من اسم الله تعالى أو اسم نبيّ أو ملك، وبهذا قالت الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة فإن خالف كره له ذلك إلا لحاجة كأن يخاف عليه الضياع وهذا في غير القرآن أما القرآن فقالوا يحرم استصحابه في تلك الحالة كلا أو بعضا إلا إن خيف عليه الضياع أو كان حرزا فله استصحابه ويجب ستره حينذ إن أمكن (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى والنسائى وقال هذا حديث غير محفوظ والترمذى وقال حديث حسن صحيح غريب وأخرجه ابن حبان والحاكم والدارقطنى وذكر الاختلاف فيه وأشار إلى شذوذه وقال المنذرى الصواب عندى تصحيحه فإن رواته ثقات أثبات (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، ثُمَّ أَلْقَاهُ» وَالْوَهْمُ فِيهِ مِنْ هَمَّامٍ، وَلَمْ يَرْوِهِ إِلَّا هَمَّامٌ " (ش) أشار المصنف إلى أن علة إنكار الحديث السابق أمران (الأول) ترك الواسطة بين ابن جريج والزهرى فقد قيل إن ابن جريج لم يسمع من الزهرى وإنما رواه عن زياد بن سعد (الثانى) تغيير المتن بآخر. وردّ الأول بأن المنكر ما رواه الضعيف مخالفا الثقة أو ما تفرّد به الضعيف وإن لم يخالف غيره كما تقدم، وهمام ثقة حافظ خرّج له الشيخان واحتجا به وقال أحمد ثبت في كل المشايخ فليس بضعيف فلا يعدّ حديثه منكرا. على أن هماما لم ينفرد بهذه الرواية

فقد تابعه عليها يحيى بن المتوكل البصرى. عن ابن جريج عن الزهرى كما عند البيهقى. ويحيى ابن المتوكل أخرج له الحاكم في المستدرك وذكره ابن حبان في الثقات وقال الحافظ في التقريب صدوق يخطئُ وقال ابن معين لا أعرفه. وليس هو المعروف بأبى عقيل فإنه ضعيف، وتابعه أيضا يحيى بن الضريس البجلى عن ابن جريج عن الزهرى كما ذكره الدارقطنى في كتاب العلل وابن الضريس ثقة ولذا لما قويت رواية همام بمتابعة من ذكر حكم الترمذى بصحة الحديث أما حكمه بغرابته فلعله مبنىّ على الاختلاف في يحيى بن المتوكل فعلى رأى من وثقه حكم بالصحة وعلى رأى من ضعفه كابن المدينى والنسائى وابن معين فكأن وجوده كالعدم ولم يقف على متابعة ابن الضريس فحكم بالغرابة. وردّ الثانى بأن الحديثين مختلفان متنا وسندا لأن الأول رواه ابن جريج عن الزهرى بلا واسطة والثانى بواسطة، فدعوى المصنف أن الرواية الثانية هى المعروفة وأن ذهن همام انتقل منها إلى الأولى مع اختلافهما متنا وسندا مردودة لأن ذلك لا يكون إلا عن غفلة شديدة لا يحتملها حال همام، والقواعد تقتضى قبول حديثه. ولو قال المصنف إن الحديث الأول مدلس لعدم سماع ابن جريج من الزهرى لكان له وجه. قال السيوطي في درجات مرقاة الصعود شرح سنن أبى داود لا مانع أن يكون هذا متنا آخر وقد مال إليه ابن حبان فصححهما معا فلا علة له عندى إلا تدليس ابن جريج فإن وجد عنه تصريحه بالسماع فلا مانع من الحكم بصحته اهـ. أقول قد نقل الحافظ في تهذيب التهذيب عن قريش ابن أنس عن ابن جريج لم أسمع من الزهري شيئا إنما أعطانى جزءا فكتبته وأجاز له اهـ وقد وجه ابن القيم في تهذيب السنن كلام المصنف وجمع بينه وبين كلام الترمذى حيث قال وهمام وإن كان ثقة صدوقا احتج به الشيخان فإن يحيى بن سعيد كان لا يحدّث عنه ولا يرضى حفظه قال أحمد ما رأيت يحيى أسوأ رأيا منه في حجاج يعنى ابن أرطاة وابن إسحاق وهمام لا يستطيع أحد أن يراجعه فيهم وقال يزيد بن زريع وقد سئل عن همام كتابه صالح وحفظه لا يساوى شيئا وقال عفان كان همام لا يكاد يرجع إلى كتابه ولا ينظر فيه وكان يخالف فلا يرجع إلى كتابه وكان يكره ذلك قال ثم رجع بعد فنظر في كتبه فقال يا عفان كنا نخطئُ كثيرا فنستغفر الله عزّ وجلّ، ولا ريب أنه ثقة صدوق ولكنه خولف في هذا الحديث فلعله مما حدّث به من حفظه فغلط فيه كما قال أبو داود والنسائى والدارقطنى وكذا ذكر البيهقي أن المشهور عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهرى عن أنس أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اتخذ خاتما من ورق ثم ألقاه، وعلى هذا فالحديث شاذ أو منكر كما قال أبو داود وغريب كما قال الترمذى "فان قيل" فغاية ما ذكر في تعليله تفرّد همام به وجوابه من وجهين (أحدهما) أن هماما لم ينفرد به كما سيأتي (الثانى) أنه ثقة وتفرّد الثقة لا يوجب نكارة الحديث فقد تفرّد عبد الله بن

دينار بحديث النهى عن بيع الولاء وهبته وبه يكون غريبا كما قال الترمذى لا منكرا أو شاذا "قلت" التفرّد نوعان: تفرّد لم يخالف فيه الثقة كتفرد عبد الله بن دينار بحديث بيع الولاء، وتفرّد خولف فيه المتفرّد كتفرّد همام بهذا المتن على هذا السند فقد خولف فيه كما ذكره المصنف فتفرّد همام يوجب نكارة الحديث وليس كتفرّد عبد الله بن دينار (فإن قيل) هذا الحديث قد روى عن الزهرى من وجوه كثيرة كلها قد رويت عنه في قصة الخاتم فالظاهر أن الزهرى حدّث بها في أوقات فما الموجب لتغليط همام وحده (قلت) الروايات كلها تدلّ على غلط همام لأنها مجمعة على أن الحديث إنما هو في اتخاذ الخاتم ولبسه وليس في شئ منها نزعه إذا دخل الخلاء فهذا هو الذى حكم لأجله هؤلاء الحفاظ بنكارة الحديث وشذوذه، والمصحح له لما لم يمكنه دفع هذه العلة حكم بغرابته لأجلها فلعل الترمذى موافق للجماعة فإنه صححه من جهة السند لثقة الرواة واستغربه لهذه العلة وهي التى منعت أبا داود من تصحيح متنه فلا اختلاف بينهم بل هو صحيح السند لكنه معلول اهـ بتصرف. أقول قد علمت أن هماما قد تابعه على رواية نزع الخاتم عند دخول الخلاء يحيى بن المتوكل البصرى عند البيهقي ويحيى بن الضريس البجلى فدعوى أن الروايات تدلّ على غلط همام لأنها مجمعة على أن الحديث إنما هو في اتخاذ الخاتم ولبسه غير مسلمة (قوله وإنما يعرف) بالبناء للمفعول أى إنما يعرف حديث وضع الخاتم عن ابن جريج عن زياد باللفظ الآتى دون ما ذكره همام عنه وقد عرفت ما فيه (قوله زياد بن سعد) ابن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الخراسانى المكي ثم اليمنى. روى عن أبى الزبير المكي وعمرو بن دينار والزهرى وحمزة بن سعيد المازنى وغيرهم. وعنه ابن جريج ومالك ابن أنس وابن عيينة وأبو معاوية الضرير وآخرون، وثقه النسائى وأحمد وابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم. روى له الشيخان وأبو داود والنسائى (قوله من ورق) بفتح فكسر أو سكون وبكسر فسكون هو الفضة، وهذا الحديث أخرجه المصنف في باب ترك الخاتم عن إبراهيم ابن سعد وزياد بن سعد وشعيب وابن مسافر كلهم عن الزهرى عن أنس أنه رأى في يد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خاتما من ورق يوما واحدا فصنع الناس فلبسوا وطرح النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فطرح الناس. وغلط جميع أهل الحديث الزهرى في هذا اللفظ وقالوا إن المعروف أن المطروح خاتم الذهب كما جاء في حديث ابن عمر عند المصنف وغيره قال اتخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خاتما من ذهب وجعل فصه مما يلى بطن كفه ونقش فيه محمد رسول الله فاتخذ الناس خواتيم الذهب فلما رآهم قد اتخذوها رمى به وقال لا ألبسه أبدا ثم اتخذ خاتما من فضة نقش فيه محمد رسول الله الحديث، وسيأتى تمام الكلام عليه في كتاب الخاتم إن شاء الله تعالى (قوله والوهم فيه من همام) أى

باب الاستبراء من البول

الغلط في الإتيان في هذا الحديث. بجملة إذا دخل الخلاء وضع خاتمه إنما هو من همام ابن يحيى بن دينار يعنى أن أصحاب ابن جريج أخرجوا عنه عن زياد بن سعد عن الزهرى عن أنس أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اتخذ خاتما من ورق ثم ألقاه فغير همام هذا المتن بمتن آخر هو كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه ولم يروه بهذا اللفظ إلا همام فكان غالطا. لكن قد علمت أنهما حديثان مختلفان سندا ومتنا وأن هماما لم ينفرد برواية الحديث الأول بل تابعه في روايته عن ابن جريج يحيى بن المتوكل البصرى وقد أخرج البيهقى من طريق يعقوب بن كعب الأنطاكي قال ثنا يحيى بن المتوكل البصرى عن ابن جريج عن الزهرى عن أنس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لبس خاتما نقشه محمد رسول الله فكان إذا دخل الخلاء وضعه وتابعه أيضا يحيى بن الضريس فقد روى الحديث عن ابن جريج كرواية همام فدعوى غلط همام وتفرّده غير مسلمة، فالوهم الغلط يقال وهم في الحساب يوهم وهما مثل غلط وزنا ومعنى (قوله ولم يروه إلا همام) أي لم يرو حديث أنس باللفظ الذى ذكره المصنف أولا إلا همام فقد خالف همام جميع الرواة عن ابن جريج (باب الاستبراء من البول) أى في بيان ما ورد في طلب البراءة من أثر البول. والاستبراء استفراغ بقية البول وإنقاء موضعه ومجراه يقال استبرأ ذكره من بقية بوله بالنتر والتحريك حتى يعلم أنه لم يبق فيه شيء واستبرأت من البول تنزّهت عنه، وفى بعض النسخ باب الاستنزاه من البول وهو بمعنى الاستبراء (ص) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَا: ثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يُحَدِّثُ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ، فَقَالَ: " إِنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا هَذَا فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ، ثُمَّ غَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا، وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا، وَقَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا "، قَالَ هَنَّادٌ: يَسْتَتِرُ مَكَانَ يَسْتَنْزِهُ، (ش) (رجال الحديث) (قوله هناد بن السرىّ) بن مصعب بن أبى بكر بن شبر بفتح الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة التميمي الكوفى الدارمى الحافظ الصالح أبو السرىّ. روى عن ابن عيينة وأبى الأحوص ووكيع ويونس بن بكير وغيرهم. وعنه أصحاب السنن الأربعة ومسلم وكثيرون، وثقه النسائي وأبو زرعة وأبو حاتم. مات في جمادى الأولى سنة ثلاث وأربعين

ومائتين (قوله وكيع) بن الجراح (قوله الأعمش) هو سليمان بن مهران (قوله مجاهد) ابن جبر (قوله طاوس) بن كيسان اليمانى الإمام العلم أبو عبد الرحمن الحميرى. روى عن ابن عباس وابن عمر وجابر بن عبد الله وأبى هريرة وكثيرين، قال طاوس أدركت خمسين من الصحابة. وعنه الزهرى وعمرو بن دينار وسليمان الأحول ومجاهد وغيرهم. روى له الجماعة قال ابن عباس إنى لأظن طاوسا من أهل الجنة وقال عمرو بن دينار ما رأيت مثله وقال الليث ابن أبى سليم يعدّ الحديث حرفا حرفا ووثقه أبو زرعة وابن معين وغيرهما مات بمكة سنة ست ومائة (قوله مرّ على قبرين) تثنية قبر وهو موضع دفن الميت وأقله حفرة توارى الميت وأكمله اللحد، وفي رواية ابن ماجه بقبرين جديدين (قوله إنهما يعذبان) أى اللذين في القبرين من إطلاق المحل وإرادة الحالّ لأن المعذب حقيقة صاحبا القبرين، ويحتمل عود الضمير على معلوم من المقام وهو من في القبر لأن سياق الكلام يدلّ عليه فهو على حذف مضاف على حدّ واسأل القرية، ويعذبان في محل رفع خبر إن، وفي رواية ليعذبان باللام ففيه التأكيد بها أيضا، وإنما سيق الكلام مؤكدا على خلاف مقتضى الظاهر لما فيه من الإخبار بمغيب وما كان هكذا شأنه أن ينكر بقطع النظر عن الخبر به ولتأكيد التنفير من هذا الصنيع الشنيع المؤدّى إلى العذاب والعذاب أصله في كلام العرب الضرب ثم استعمل في كل عقوبة مؤلمة (قوله في كبير) أى بسبب أمر كبير ففى للسببية على حدّ دخلت امرأة النار في هرّة، ومعناه أنهما لا يعذبان في أمر كبير يشق عليهما تركه فإنه لا يشق على أحدهما التنزّه من البول وعلى الآخر ترك المنيمة وإلا لكانا معذورين كصاحب سلس البول، أو أنهما لا يعذبان في أمر يستعظمه الناس بل يتهاونون به ويجترئون عليه ولم يرد أن الذنب فيهما هين غير كبير في الدّين كيف لا يكون كبيرا وقد جاء في رواية البخارى في كتاب الوضوء وما يعذبان في كبير بلى إنه كبير وفى كتاب الأدب في باب النميمة وما يعذبان في كبير وإنه لكبير، أى عظيم عند الله تعالى ومصداقه قوله تعالى (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) وقال القاضى عياض معناه أنه ليس بأكبر الكبائر، وعليه يكون المراد الزجر والتحذير عن ارتكاب أىّ معصية أى لا يتوهم أحد أن التعذيب لا يكون إلا في أكبر الكبائر كالقتل والزنا بل يكون في غيرها. وسبب كونهما كبيرتين أن عدم التنزّه من البول يلزم منه بطلان الصلاة فتركه كبيرة والمشى بالنميمة والسعى بالفساد من القبائح فهو كبيرة ولا سيما مع قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يمشى بلفظ كان التى هي للحالة المستمرّة غالبا وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يدخل الجنة قتات أى نمام رواه الشيخان عن حذيفة (قوله أما هذا) أما هنا للتفصيل وفيها معنى الشرط بدليل لزوم الفاء بعدها والإشارة لمن في أحد القبرين على ما تقدم (قوله لا يستنزه) بنون ساكنة

فزاى فهاء، هذه رواية المصنف والنسائى وابن ماجه ورواية لمسلم، وفي رواية ابن عساكر لا يستبرئ بالموحدة وهمزة بعد الراء أى لا يستفرغ بقية بوله ولا ينقى موضعه ومجراه حتى يبينه عنهما فالروايتان بمعنى، قال في النهاية وفى حديث المعذّب في قبره كان لا يستنزه من البول أى لا يستبرئُ ولا يتطهر ولا يستبعد منه اهـ وفي رواية للشيخين والمؤلف لا يستتر بمثناتين فوقيتين وهو يحتمل أن يكون من الاستتار أى لا يستتر حال البول عن الأعين ويكون العذاب على كشف العورة والأقرب أن معنى يستتر لا يجعل بينه وبين البول سترا أي مانعا يمنع وصوله إليه حتى لا يصيبه فيكون المراد بعدم الاستتار عدم التنزّه عن البول والاستبراء منه فتكون موافقة للروايات الأخر. وروى لا يستنتر بنون بين تاءين من النتر وهو جذب فيه قوّة وفى الحديث إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاث نترات رواه أحمد وأبو داود مرسلا عن يزداد. وروى لا يستنثر بتاء مثناة من فوق مفتوحة ونون ساكنة وثاء مثلثة مكسورة أى لا ينثر بوله من قناة الذكر كما ينثر الماء من أنفه بعد استنشاقه. وفى رواية أبى نعيم في المستخرج من طريق وكيع عن الأعمش كان لا يتوقى وهي تفسر المراد من كل الروايات (قوله يمشى بالنميمة) أى يسعى بالفساد بين القوم بأن ينقل لكل واحد منهم ما يقوله الآخر من الشتم والأذى، والنميمة نقل الحديث من قوم إلى قوم لقصد الإفساد والشرّ يقال نمّ الرجل الحديث نما من بابى قتل وضرب سعى به ليوقع فتنة أو وحشة فالرجل نمّ تسمية بالمصدر ونمام مبالغة والاسم النميمة والنميم أيضا (قوله ثم دعا بعسيب) بفتح فكسر الجريدة والغصن من النخل، وقيل الجريدة التى لم ينبت عليها خوص فإن نبت فهى السعفة كقصبة (قوله رطب) بفتح فسكون خلاف اليابس (قوله فشقه باثنين) أى جعل العسيب مشقوقا اثنين فالباء زائدة للتأكيد واثنين حال (قوله فغرس) يعنى غرز بالزاى كما في رواية للبخارى، وموضع الغرس كان بإزاء الرأس، قال في الفتح وقع في مسند عبد بن حميد من طريق عبد الواحد بن زياد عن الأعمش ثم غرز عند رأس كل واحد منهما قطعة (قوله وقال) أى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما قيل له لم صنعت هذا كما في رواية البخارى (قوله لعله) أى العذاب الذى دلّ عليه قوله يعذبان (قوله يخفف) بضم المثناة التحتية وفتح الفاء الأولى أو كسرها فالضمير لله أو للغرس مجازا (قوله عنهما) أى عن المقبورين قال الحافظ في الفتح لم يعرف اسمهما ولا أحدهما والظاهر أن ذلك كان على عمد من الرواة لقصد الستر عليهما وهو عمل مستحسن فينبغى أن لا يبالغ في الفحص عن اسم من وقع في حقه ما يذمّ به، ثم قال وقد اختلف فيهما فقيل كانا كافرين وبه جزم أبو موسى المدينى واحتج بما رواه من حديث جابر بسند فيه ابن لهيعة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرّ على قبرين من بنى النجار هلكا في الجاهلية فسمعهما يعذبان في البول

حكمة وضعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الجريد الأخضر على القبر

والنميمة قال أبو موسى هذا وإن كان ليس بقويّ لكن معناه صحيح لأنهما لو كانا مسلمين لما كان لشفاعته إلى أن تيبس الجريدتان معنى ولكنه لما رآهما يعذبان لم يستجز للطفه وعطفه حرمانهما من إحسانه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فشفع لهما إلى المدّة المذكورة لكن الحديث ضعيف وقد رواه أحمد بسند صحيح على شرط مسلم وليس فيه سبب التعذيب فهو من تخليط ابن لهيعة، وجزم ابن العطار في شرح العمدة بأنهما كانا مسلمين وهو الظاهر من مجموع طرق حديث الباب ففى رواية ابن ماجه مرّ بقبرين جديدين، فانتفى كونهما في الجاهلية، وفى حديث أبى أمامة عند أحمد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرّ بالبقيع فقال من دفنتم اليوم ها هنا، فهذا يدل على أنهما كانا مسلمين لأن البقيع مقبرة المسلمين والخطاب لهم لجريان العادة بأن كل فريق يتولاه من هو منهم اهـ بتصرف (قوله ما لم ييبسا) ما مصدريّة زمانية وييبس يجف يقال يبس ييبس من باب تعب وفى لغة بالكسر فيهما إذا جف بعد رطوبته فهو يابس وشئ يبس ساكن الباء بمعنى يابس والمعنى يخفف عنهما العذاب مدّة عدم يبس العسيب، وفى رواية للبخارى ما لم تيبسا بالمثناة الفوقية أى الشقتان، قال في الفتح قال المازرى يحتمل أن يكون أوحى إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن العذاب يخفف عنهما هذه المدة اهـ وعلى هذا فلعل هنا للتعليل اهـ ووضع العسيب على القبر إما لأنه عليه وعلى آله الصلاة والسلام سأل الشفاعة للقبرين فأجيب إليها كما في رواية مسلم عن جابر قال فأجيبت شفاعتى أن يرفعا عنهما ما دام الغصنان رطبين. وإما لأنه عليه وعلى آله الصلاة والسلام يدعو لهما تلك المدّة. وقيل لكونهما يسبحان ما داما رطبين وليس لليابس تسبيح قالوا في قوله تعالى (وإن من شئ إلا يسبح بجمده) معناه وإن من شئ حىّ، وحياة كل شئ بحسبه فحياة الخشب ما لم ييبس والحجر ما لم يقطع، وذهب المحققون إلى أن الآية على عمومها. ثم اختلفوا في الجمادات والحيوانات العجم. فذهب الجمهور إلى أنها تسبح حقيقة لمجئ النص به والعقل لا يحيل جعل التمييز فيها فيترجح المصير إليه عملا بظاهر الآية مع عدم المقتضى للعدول عنه. وقيل إنها تسبح بلسان الحال فهى دالة على أن لها صانعا متصفا بالكمالات منزّها عن النقائص فكان ذلك تسبيحا لها، وعلى هذا فليس التقييد بالرطب لمعنى يخصه ليس في اليابس بل التخفيف لدعاء النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم به فكأنه عليه وعلى آله الصلاة والسلام جعل مدة بقاء النداوة فيهما حدّا لما وقع له الدعاء من تخفيف العذاب عنهما (قوله قال هناد) هو أحد شيخى المؤلف (قوله يستتر مكان يستنزه) قد سبق ذكر هذه الرواية وتفسيرها وأن المراد بالروايتين واحد (فقه الحديث) دل الحديث على أن عذاب القبر حق يجب الإيمان به وهو مذهب أهل السنة والجماعة والمحققين من المعتزلة فقد قال القاضى عبد الجبار رئيس المعتزلة في كتاب الطبقات

ما ورد في عذاب القبر

إن قيل مذهبكم أدّاكم إلى إنكار عذاب القبر وقد أطبقت عليه الأمة. قيل إن هذا الأمر إنما أنكره أولا ضرار بن عمرو لما كان من أصحاب واصل فظنوا أن ذلك مما أنكرته المعتزلة وليس الأمر كذلك بل المعتزلة رجلان أحدهما يجوّز ذللك كما وردت به الأخبار، والثانى يقطع بذلك وأكثر شيوخنا يقطعون به وإنما ينكرون قول بعض الجهلة إنهم يعذبون وهم موتى. والعقل يمنع ذلك اهـ بتصرف. فيجب الإيمان بأن الله تعالى يحيى العبد ويردّ إليه الحياة والعقل كما نطقت به الأخبار وكذا يكمل العقل للصغار ليعلموا منزلتهم وسعادتهم وقد جاء أن القبر ينضم عليه كالكبير، والمعذب عند أهل السنة الجسد كله أو بعضه بعد إعادة الروح إلي إليه أو إلى جزئه أفاده العينى في شرح البخارى، وقد جاء في عذاب القبر أحاديث كثيرة (منها) حديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا أن يهودية دخلت عليها فذكرت عذاب القبر فقالت لها أعاذك الله من عذاب القبر قالت عائشة فسألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن عذاب القبر فقال نعم عذاب القبر حق قالت فما رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد صلى صلاة إلا تعوّذ من عذاب القبر رواه البخارى ومسلم (ومنها) حديث ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن الموتى ليعذبون في قبورهم حتى أن البهائم لتسمع أصواتهم رواه الطبرانى في الكبير بإسناد حسن (ومنها) حديث أنس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر رواه مسلم. وخلاف بعض المعتزلة في ذلك من الأباطيل التى لا مستند لها إلا لمجرد الهوى. ودلّ الحديث أيضا على نجاسة بول الإنسان قليله وكثيره وهو مذهب عامة الفقهاء غير أنه يعفى عما لا يمكن الاحتراز عنه، وليس فيه دليل على نجاسة بول الحيوان مطلقا من مأكول اللحم وغيره. قال الحافظ في الفتح قال ابن بطال أراد البخارى أن المراد بقوله في رواية الباب كان لا يستتر من البول بول الناس لا بول سائر الحيوان فلا يكون فيه حجة لمن حمله على العموم في بول جميع الحيوان وكأنه (يعنى ابن بطال) أراد الردّ على الخطابىّ حيث قال فيه دليل على نجاسة الأبوال كلها، ومحصل الردّ أن العموم في رواية من البول أريد به الخصوص لقوله في الرواية الأخرى من بوله، أو الألف واللام عوض عن الضمير لكن يلتحق ببوله بول من هو في معناه من الناس لعدم الفارق وكذا غير المأكول وأما المأكول فلا حجة في هذا الحديث لمن قال بنجاسة بوله ولمن قال بطهارته حجج أخرى اهـ ببعض تصرف، ودلّ أيضا على وجوب الاستبراء من البول لما يترتب على تركه من بطلان الصلاة والعذاب في القبر. فعن أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أكثر عذاب القبر من البول رواه ابن خزيمة في صحيحه وأحمد وابن ماجه واللفظ له والحاكم وقال صحيح على

حكم وضع الجريد على القبر

شرط الشيخين، وعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عامة عذاب القبر من البول استنزهوا من البول رواه البزار والطبرانى في الكبير والحاكم والدارقطنى، وعن أبى أمامة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال اتقوا البول فإنه أوّل ما يحاسب به العبد في القبر رواه الطبرانى في الكبير بسند لا بأس به. وعلى غلظ تحريم النميمة وأنها من أعظم أسباب عذاب القبر قال ابن دقيق العيد هو محمول على النميمة المحرّمة فإن النميمة إذا اقتضى تركها مفسدة تتعلق بالغير أو فعلها مصلحة يستضرّ الغير بتركها لم تكن ممنوعة كما نقول في الغيبة إذا كانت للنصيحة أو لدفع المفسدة لم تمنع فلو أن شخصا اطلع من آخر على قول يقتضى إيقاع ضرر بإنسان فإذا نقل إليه ذلك القول احترز عن ذلك الضرر لوجب ذكره له اهـ وليس في الحديث دليل على استحباب ما اعتيد من وضع الرّيحان والجريد على القبور لأنه واقعة حال خاصة لا تفيد العموم ولذا قال الخطابى في كتابة معالم السفن وأما غرسه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شقة العسيب على القبر وقوله يخفف عنهما ما لم ييبسا فإنه من ناحية التبرّك بأثر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ودعائه بالتخفيف عنهما فكأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جعل مدّة بقاء النداوة فيهما حدّا لما وقعت به المسألة من تخفيف العذاب عنهما وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس، والعامة في كثير من البلدان يغرسون الخوص في قبور موتاهم وأراهم ذهبوا إلى هذا وليس لما تعاطوه من ذلك وجه والله تعالى أعلم اهـ. وقال الحافظ في الفتح قد استنكر الخطابى ومن تبعه وضع الناس الجريد ونحوه في القبر عملا بهذا الحديث قال الطرطوشى لأن ذلك خاص ببركة يده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وقال القاضى عياض لأنه علل غرزهما على القبر لأمر مغيب وهو قوله ليعذبان. ثم قال الحافظ وليس في السياق ما يقطع على أنه باشر الوضع بيده الكريمة بل يحتمل أن يكون أمر به، وقد تأسى بريدة بن الحصيب الصحابى بذلك فأوصى أن يوضع على قبره جريدتان كما سيأتى في الجنائز من هذا الكتاب وهو أولى أن يتبع من غيره اهـ. وفيه أن الحديث صريح في أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو الذى شق الجريدة اثنتين ووضع على كل قبر منهما قطعة ولم يثبت أنه عليه وعلى آله الصلاة والسلام فعل هذا الوضع على قبر أحد غير هذين فدلّ ذلك على أنها واقعة حال وشفاعة خاصة وليست سنة عامة، ويدل على ذلك أنه لم يثبت عن أحد من الصحابة غير بريدة ولا سيما الخلفاء الراشدين أنه وضع جريدا ولا غيره على القبور ولو كان ذلك سنة ما تركه أولئك الأئمة وقد قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ الحديث رواه المصنف وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والترمذى وقال حديث حسن

صحيح. ووصية بريدة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ليست حجة على غيره كما هو معلوم فما قاله الخطابى ومن ذكر معه هو الأولى ولا سيما أن غالب الناس اعتقد في وضع هذا الجريد ونحوه اعتقادا تأباه الشريعة المطهرة كما هو معروف من حالهم ونطقهم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والبيهقى وكذا الترمذى مختصرا لم يذكر ثم دعا بعسيب الخ وقال هذا حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ، قَالَ: «كَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ» (ش) هذا طريق آخر لحديث ابن عباس أشار المصنف بذكره إلى أن مجاهدا روى الحديث عن ابن عباس بلا واسطة كما رواه عنه بواسطة طاوس، وكذا أخرجه البخارى من الطريقين وهو يقتضى صحة الطريقين عندهما فيحمل على أن مجاهدا سمعه من طاوس عن ابن عباس ثم سمعه من ابن عباس بلا واسطة أو العكس ويؤيده أن في سياقه عن طاوس زيادة على ما في روايته عن ابن عباس، وصرّح ابن حبان بصحة الطريقين معا ويؤيده أيضا كما في العينى أن شعبة بن حجاج رواه عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس ولم يذكر طاوسا اهـ وقال الترمذى ورواية الأعمش أصح أى روايته بذكر طاوس بين مجاهد وابن عباس، وقال في العلل سألت محمدا يعنى البخارى أيهما أصح فقال رواية الأعمش أصح اهـ (رجال الحديث) (قوله جرير) هو ابن عبد الحميد بن قرط بضم فسكون فطاء مهملهَ ابن هلال الضبى أبو عبد الله الرازى. روى عن عبد الملك بن عمير ويحيى بن سعيد ومالك بن أنس والثورى وغيرهم. وعنه ابن المبارك وأبو داود الطيالسى وأحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبى شيبة وآخرون، قال في تهذيب الهذيب ثقة يرحل إليه وقال أبو القاسم اللالكائى مجمع على توثيقه وقال ابن عمار حجة وقال ابن المدينى كان صاحب ليل. مات سنة ثمان وثمانين ومائة وهو ابن ثمان وسبعين. روى له الجماعة (قوله منصور) بن المعتمر ابن عبد الله بن ربيعة بضم الراء السلمى أبو عتاب الكوفى أحد الأعلام المشاهير. روى عن زيد بن وهب وإبراهيم النخعى والحسن البصرى والشعبى وغيرهم. وعنه أيوب السختيانى والأعمش وسليمان التيمى وهم من أقرانه والثورى وهو أثبت الناس فيه وسفيان ابن عيينة وآخرون، قال أبو حاتم متقن لا يخلط ولا يدلس وقال العجلى ثقة ثبت في الحديث كان أثبت أهل الكوفة وقال أبو داود لا يروى إلا عن ثقة. توفى سنة اثنتين وثلاثين ومائة (قوله مجاهد) بن جبر (قوله بمعناه) أى بمعنى حديث الأعمش المتقدم، ولفظه عند البخارى عن

ابن عباس قال مرّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحائط من حيطان المدينة أو مكة فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعذبان وما يعذبان في كبير ثم قال بلى كان أحدهما لا يستتر من بوله وكان الآخر يمشى بالنميمة ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين فوضع على كل قبر منهما كسرة فقيل له يا رسول الله لم فعلت هذا قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لعله أن يخفف عنهما ما لم تيبسا (قوله قال كان لا يستتر من بوله) أى قال منصور في روايته بسنده إلى ابن عباس قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان أحدهما لا يستتر من بوله بدل لا يستنزه في رواية الأعمش السابقة (ص) وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: «يَسْتَنْزِهُ» (ش) أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير. وهذا تعليق وصله البخارى قال حدثنا محمد ابن المثنى ثنا محمد بن خازم ثنا الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال مرّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير. أما أحدهما فكان لا يستتر من البول وأما الآخر فكان يمشى بالنميمة تم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين فغرز في كل قبر واحدة قالوا يا رسول الله لم فعلت قال لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا. ووصله ابن ماجه قال حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال مرّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقبرين جديدين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله وأما الآخر فكان يمشى بالنميمة. وظاهر صنيع المصنف أن رواية أبى معاوية عن منصور وليس كذلك بل هى عن الأعمش كما رأيت في روايتي البخارى وابن ماجه فكان الأنسب له أن يذكرها بعد رواية وكيع عن الأعمش السابقة ولعله ذكرها هنا ليقابل بها رواية جرير عن منصور فإن فيها لا يستتر وفى هذه يستنزه (قوله يستنزه) أى أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله كما في رواية ابن ماجه المتقدمة والذى في رواية البخارى أما أحدهما فكان لا يستتر من البول (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ وَمَعَهُ دَرَقَةٌ ثُمَّ اسْتَتَرَ بِهَا، ثُمَّ بَالَ، فَقُلْنَا: انْظُرُوا إِلَيْهِ يَبُولُ كَمَا تَبُولُ الْمَرْأَةُ، فَسَمِعَ ذَلِكَ، فَقَالَ: «أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا لَقِيَ صَاحِبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَانُوا إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَوْلُ

قَطَعُوا مَا أَصَابَهُ الْبَوْلُ مِنْهُمْ، فَنَهَاهُمْ فَعُذِّبَ فِي قَبْرِهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عبد الواحد بن زياد) العبدى مولاهم أبو بشر ويقال أبو عبيدة البصرى أحد الأعلام. روى عن يونس بن عبيد وعاصم الأحول والأعمش وعمارة ابن القعقاع وغيرهم. وعنه عفان بن مسلم وقتيبة بن سعيد وأبو هشام المخزومى وأبو داود الطيالسي وكثيرون، قال ابن معين أثبت أصحاب الأعمش شعبة وسفيان ثم أبو معاوية ثم عبد الواحد ابن زياد وهو ثقة. ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم وابن سعد والنسائى وأبو داود والعجلى والدارقطنى حتى قال ابن عبد البرّ لا خلاف بينهم أنه ثقة ثبت وقد احتج به الجماعة. مات سنة ست أو سبع وسبعين ومائة (قوله الأعمش) سليمان بن مهران (قوله عن زيد بن وهب) الجهنى أبى سليمان الكوفى هاجر إلى المدينة فمات النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو في الطريق. روى عن عمر وعثمان وعلى وجماعة. وعنه حبيب بن أبى ثابت وإسماعيل بن أبى خالد والأعمش ومنصور بن المعتمر وكثيرون. وثقه ابن معين وابن خراش وابن حبان والعجلى وابن سعد وقال كان كثير الحديث وقال في التقريب لم يصب من قال في حديثه خلل وقال الأعمش إذا حدّثك زيد بن وهب عن أحد فكأنك سمعته من الذى حدّثك عنه. روى له الجماعة. مات سنة ست وتسعين (قوله عبد الرحمن بن حسنة) قيل هو أخو شرحبيل بن حسنة وحسنة أمهما واسم أبيه على الصحيح عبد الله بن المطاع بن عبد الله الغطريف تفرّد بالرواية عنه زيد بن وهب قاله مسلم وابن عبد البر والحاكم وغيرهم من الحفاظ، وتعقب بأنه روى عنه أيضا إبراهيم بن عبد الله ابن قارظ وروايته عنه في معجم الطبرانى قال في تهذيب التهذيب لكن في الإسناد ابن لهيعة ولا تقوم به حجة (قوله عمرو بن العاص) بن وائل بن هاشم بن سعيد بضم السين وفتح العين المهملتين ابن سعد القرشى السهمى يكنى أبو عبد الله ويقال أبو محمد أسلم عند النجاشى وقدم مهاجرا في صفر سنة ثمان وكان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرّ به لمعرفته ولشجاعته وبعثه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أميرا على سرية إلى ذات السلاسل، وأخرج أحمد بسند حسن عن عمرو بن العاص قال قال لى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا عمرو استزد عليك سلاحك وثيابك وائتنى ففعلت فجئته وهو يتوضأ فصعد فىّ البصر وصوّبه وقال يا عمرو إنى أريد أن أبعثك وجها فيسلمك الله ويغنمك وأرغب لك من المال رغبة صالحة قال قلت يا رسول الله إنى لم أسلم رغبة في المال إنما أسلمت رغبة في الجهاد والكينونة معك قال يا عمرو نعما بالمال الصالح للرجل الصالح. وروى عن عقبة بن عامر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص أخرجه الترمذى وقال حديث

غريب وقال إبراهيم بن مهاجر عن الشعبى عن قبيصة بن جابر صحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلا أبين قرآنا ولا أكرم خلقا ولا أشبه سريرة بعلانية منه كان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حادّ الذكاء عظيم الدّهاء قال الشعبى دهاة العرب في الإسلام أربعة فعدّ منهم عمرا وقال فأما عمرو فللمعضلات وهو الذى افتتح مصر وولاه عمر عليها، وأخرج مسلم في صحيحه عن ابن شماسة المهرى قال حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياق الموت فبكى طويلا وحوّل وجهه إلى الجدار فجعل ابنه يقول ما يبكيك أما بشرك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بكذا فأقبل بوجهه فقال إن أفضل ما نعدّ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إني كنت على أطباق ثلاث لقد رأيتنى وما أحد أشدّ بغضا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منى ولا أحب إلىّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار فلا جعل الله الإسلام في قلبى أتيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسم فقلت ابسط يمينك فلأبايعك فبسط يمينه فقبضت يدى قال مالك يا عمرو قال قلت أردت أن أشترط قال تشترط بماذا قلت أن يغفر الله لى قال أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله وأن الهجرة تهدم ما قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله وما كان أحد أحب إليّ من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا أجلّ في عينى منه وما كنت أطيق أن أملأ عينى منه إجلالا ولو شئت أن أصفه ما أطقت لأنى لم أكن أملأ عينى منه ولو مت على تلك الحالة لرجوت أن أكون من أهل الجنة ثم ولينا أشياء ما أدرى ما حالى فيها فإذا مت فلا تصحبنى نائحة ولا نار فإذا دفنتمونى فشنوا علي التراب شنا ثم أقيموا حول قبرى قدر ما يذبح جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربى (وعلى الجملة) ففضائله أكثر وأشهر من أن تذكر. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبعة وثلاثون حديثا اتفق الشيخان على ثلاثة أحاديث ولمسلم حديثان وللبخارى طرف من حديث. روى عنه أبو عثمان النهدى وعروة بن الزبير وقيس مولاه وابنه عبد الله وقبيصة بن ذؤيب وغيرهم. مات بمصر سنة اثنتين وقيل ثلاث وأربعين يوم الفطر ودفن بالمقطم وعمره تسعون أو تسع وتسعون سنة، روى له الجماعة (قوله ومعه درقة) هذه الجملة حال من فاعل خرج والدرقة بفتحات الترس من جلد ليس فيه خشب ولا عصب وهو ما تعمل منه الأوتار، وإنما استتر بها لئلا يطلع أحد على عورته (قوله فقلنا انظروا الخ) أى قال بعض القوم كما في رواية أحمد والنسائى، وفي رواية ابن ماجه فقال بعضهم وقالوا ذلك تعجبا لما رأوه مخالفا لما عليه عادتهم في الجاهلية من بول الرجال قياما وكانوا قريب العهد بها، ولم يقولوا هذا استهزاء وسخرية لأن الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم لا يقع منهم ذلك (قوله كما تبول المرأة) فإنهم كانوا يزعمون أن شهامة الرجل لا تقتضى التستر على ما كانوا

عليه في الجاهلية، وفى رواية البغوى في معجمه فقال بعضنا لبعض يبول رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما تبول المرأة وهو قاعد، ورواية الطبرانى في معجمه يبول رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو جالس (قوله فقال) أى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مجيبا لهم بقوله "ألم تعلموا الخ" فكأنهم قالوا نعم أخبرنا، هذا على أن الاستفهام حقيقى فلذلك بين لهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقوله كانوا الخ. ويحتمل أن يكون للتوبيخ والتقريع نظرا لشناعة مقالتهم فيكون بيانه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من باب التنبيه علي ما هو معلوم رأفة بهم (قوله صاحب بنى إسراءيل) برفع صاحب على أنه فاعل لقى ويكون نظم الكلام عليه ألم تعلموا العذاب الذى لقيه صاحب بنى إسرائيل هذا على كون ما موصولة، أما على كونها موصوفة فيكون التقدير ألم تعلموا عذابا لقيه صاحب بنى إسراءيل ويجوز نصبه على أنه مفعول لقى وتقدير الكلام عليه ألم تعلموا العذاب الذى لقى (أى هو) صاحب بنى إسرائيل والمتبادر أن المراد بصاحب بنى إسرائيل واحد منهم وعلى هذا فلا إشكال في الحديث، وقيل المراد به موسى عليه الصلاة والسلام كما ذكره العينى، وعلى هذا يشكل قوله فنهاهم فعذّب في قبره، وطريق دفعه أن يقال فنهاهم عن التهاون في البول فعذّب في قبره من لم ينته عنه، ولا يخفى بعده وبنو إسرائيل أولاد يعقوب بن إسحاق وإسرائيل هو يعقوب ومعناه بالسريانية عبد الله لأن إسرا بمعنى عبد وإيل بمعنى الله (قوله إذا أصابهم البول الخ) أى أصاب جسدهم أو ثيابهم البول قطعوا الموضع الذى أصابه يعنى أنهم ما كان يجوز لهم أن يطهروا موضع النجاسة بالماء إنما كان التطهير في دينهم بقطع المتنجس (قوله فنهاهم الخ) أى نهى الرجل المذكور بنى إسراءيل عن هذا القطع وقال هذا تكليف شديد فاتركوا العمل به فعذّبه الله تعالى بسبب هذه المخالفة فحذر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أصحابه من إنكار ما هو مقرّر في الشرع فكأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لهم لا تستثقلوا ما أبينه لكم من الأحكام ولو كان على خلاف معتادكم في الجاهلية كما استثقل صاحب بنى إسراءيل وإلا فيخشى أن يصيبكم مثل ما أصابه وهذا على أن القائل انظروا الخ من الصحابة أما على أنه مشرك أو منافق كما قاله في المرقاة فيكون قصد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بذلك توبيخه وتهديده وأنه من أصحاب النار حيث عيره بالحياء وفعل النساء (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز ترك التباعد عن الناس عند قضاء الحاجة مع التستر وإن كان غالب أحواله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم التباعد كما تقدم. وعلى أنه لا يجوز لأحد التكلم في شئ من أمر الدين حتى يعلم حكم الله فيه، وعلى طلب التلطف في المخاطبة عند التعليم فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما سمع مقالتهم لم يقابلهم بالغلظة بل تلطف بهم

شفقة عليهم ورحمة بهم. وعلى طلب التحرز عن النجاسات والاحتياط في ذلك، وعلى طلب التستر عند قضاء الحاجة ولا سيما إذا كان قريبا من الناس. وعلى أن المخالفة سبب في الضرر والهلاك خصوصا في الدار الاخرة فقد نبه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن صاحب بنى إسرائيل نهاهم عن المعروف في دينهم فتسبب عنه عذابه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن حبان في صحيحه وأبو بكر بن أبى شيبة والنسائى ولفظه عن عبد الرحمن بن حسنة قال خرج علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفى يده كهيئة الدّرقة فوضعها ثم جلس خلفها فبال إليها فقال بعض القوم انظروا يبول كما تبول المرأة فسمعه فقال أو ما علمت ما أصاب صاحب بنى إسراءيل كانوا إذا أصابهم شئ من البول قرضوه بالمقاريض فنهاهم صاحبهم فعذب في قبره، وأخرجه البيهقى ولفظه عن عبد الرحمن بن حسنة قال كنت أنا وعمرو بن العاص جالسين فخرج علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في يده درقة فبال وهو جالس فتكلمنا فيما بيننا فقلنا يبول كما تبول المرأة فأتانا فقال أما تدرون ما لقى صاحب بني إسرائيل كان إذا أصابهم بول قرضوه فنهاهم فتركوه فعذب في قبره (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ مَنْصُورٌ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: جِلْدِ أَحَدِهِمْ (ش) هذا تعليق وصله مسلم قال حدثنا يحيى بن يحيى قال أخبرنا جرير عن منصور عن أبي وائل قال كان أبو موسى يشدّد في البول ويبول في قارورة ويقول إن بنى إسراءيل كان إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه بالمقاريض. والقارورة الزجاجة (قوله قال منصور) بن المعتمر (قوله عن أبى وائل) هو شقيق بن سلمة الأسدى أدرك النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يره وهو أحد سادة التابعين قال ابن عبد البر أجمعوا على أنه ثقة قال ابن معين ثقة لا يسأل عن مثله. روى عن أبى بكر وعمر وعثمان وعلى وابن مسعود وآخرين. وعنه الشعبى وعمرو بن مرة والأعمش وجماعة. مات في خلافة عمر بن عبد العزيز سنة تسع وتسعين (قوله عن أبى موسى) عبد الله أبن قيس الأشعرى، وعلى هذه الرواية يحتمل أن يكون المراد بالجلد الجلود التى كانوا يلبسونها إليه ذهب القرطبى، ويحتمل إبقاء اللفظ على ظاهره فيكون من الأمر الشاق الذى حملوه. والذى في رواية البخارى من طريق شعبة عن منصور عن أبى وائل قال كان أبو موسى الأشعرى يشدّد في البول ويقول إن بنى إسراءيل كان إذا أصاب ثوب أحدهم قرضه. الحديث: والمراد بالقرض القطع ويؤيده رواية الأصيلي قرضه بالمقراض. خلافا لمن حمل القرض على الغسل بالماء (ص) وَقَالَ عَاصِمٌ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «جَسَدِ أَحَدِهِمْ»

باب البول قاثما

(ش) هذا تعليق لم نقف على من وصله من المحدثين. وعاصم هو ابن بهدلة المعروف بابن أبى النجود الأسدى مولاهم أبو بكر الكوفى أحد القراء السبعة. روى عن أبى صالح السمان وحميد الطويل وأبى وائل وغيرهم. وعن شعبة والحمادان والسفيانان وزائدة وآخرون، وثقه أحمد والعجلي وأبو زرعة ويعقوب بن سفيان وقال الدارقطنى في حفظه شئ وقال ابن سعد كان ثقة إلا أنه كثير الخطأ في حديثه وقال ابن خراش في حديثه نكرة وقال العقيلى لم يكن فيه إلا سوء الحفظ وقال أبو حاتم محله عندى الصدق صالح الحديث ولم يكن بذاك الحافظ. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه. مات سنة تسع وعشرين ومائة (قوله جسد أحدهم) أى إذا أصاب البول جسد أحدهم الخ. ومراد المصنف بذكر هذين التعليقين بيان الاختلاف في سند الحديث ومتنه فرواية عبد الرحمن بن حسنة مرفوعة وفيها قطعوا ما أصابه بلا بيان المقطوع من ثوب أو جلد أو جسد. ورواية منصور عن أبى وائل عن أبى موسى موقوفة عليه وفيها أن المقطوع جلد أحدهم، وفى رواية البخارى أن المقطوع ثوب أحدهم، ورواية عاصم عن أبي وائل عن أبي موسى مرفوعة بلفظ جسد أحدهم. ولا تنافى بين هذه الروايات لأنهم كانوا يقطعون ما أصابته نجاسة من ثوب أو جسد (باب البول قائما) أى في بيان حكم البول قائما (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَا: ثَنَا شُعْبَةُ، ح وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ وَهَذَا لَفْظُ حَفْصٍ عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ سُبَاطَةَ قَوْمٍ «فَبَالَ قَائِمًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ مُسَدَّدٌ: قَالَ: فَذَهَبْتُ أَتَبَاعَدُ فَدَعَانِي حَتَّى كُنْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ (ش) (رجال الحديث) (قوله حفص بن عمر) بن الحارث الأزدىّ أبو عمر الحوضى البصرى. روى عن شعبة وهمام وحماد بن زيد وأبى عوانة وطائفة. وعنه أبو حاتم والبخارى وأبو داود وإبراهيم بن يعقوب الجوزجانى وغيرهم، قال أحمد ثقة ثبت متقن لا يؤخذ عليه حرف واحد ووثقه أيضا ابن قانع وابن وضاح ومسلمة والدارقطنى ويحيى بن معين مات سنة خمس وعشرين ومائتين (قوله مسلم بن إبراهيم) الأزدى الفراهيدى مولاهم أبو عمرو القصاب البصرى الحافظ

ووى عن مالك بن مغول وشعبة وهشام وابن المبارك وغيرهم. وعنه البخارى وأبو داود وأبو إسحاق وأبو زرعة ويحيى بن معين وطائفة، قال الترمذى سمعت مسلم بن إبراهيم يقول كتبت عن ثمانمائة شيخ وقال ابن معين ثقة مأمون وقال العجلى وأبو حاتم ثقة زاد أبو حاتم صدوق، روى له الجماعة. مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين (قوله شعبة) بن الحجاج (قوله أبو عوانة) اسمه الوضاح بن عبد الله الواسطىّ أحد الأئمة قال الحاكم هو أحد المشاهير وثقه الجماهير وقال أحمد وأبو حاتم كان يغلط كثيرا إذا حدّث من حفظه وقال ابن المدينى في أحاديثه عن قتادة لين لأن كتابه كان قد ذهب وقال ابن عبد البر أجمعوا على أنه ثقة ثبت حجة فيما حدّث من كتابه وقال إذا حدث من حفظه ربما غلط قال أحمد ويحيى كان ثقة روى عن محمد بن المنكدر وعمرو بن دينار وقتادة وأيوب السختيانى وغيرهم وعنه شعبة ووكيع وأبو داود الطيالسى ومسدّد وجماعة. مات سنة ست وقيل خمس وسبعين ومائة. روى له الجماعة (قوله وهذا لفظ حفص) أى اللفظ المذكور فيما بعد هو لفظ حفص بن عمر، ورواه مسلم بن إبراهبم ومسدد بالمعنى (قوله عن سليمان) بن مهران الأعمش شيخ شعبة وأبى عوانة (قوله عن أبى وائل) هو شقيق بن سلمة (قوله حذيفة) ابن حسيل مصغرا أو حسل بكسر فسكون المعروف باليمان ابن جابر بن ربيعة بن فروة بن الحارث أبى عبد الله الكوفى حليف بنى عبد الأشهل صحابى جليل من السابقين شهد أحدا والخندق وفتوح العراق وله بها آثار شهيرة. روى مسلم عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أعلمه بما كان ويكون إلى يوم القيامة من الفتن والحوادث. وعنه أيضا قال سألتنى أمى متى عهدك برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قلت منذ كذا وكذا فدعينى آتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأصلى معه المغرب وأسأله أن يستغفر لى ولك فأتيته فصليت معه المغرب ثم قام فصلى حتى صلى العشاء فتبعته فسمع صوتى فقال من هذا حذيفة قلت نعم قال ما حاجتك غفر الله تعالى لك ولأمك الحديث، وعنه أيضا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال قالوا يا رسول الله لو استخلفت فقال إنى إن استخلفت فعصيتم خليفتى عذبتم ولكن ما حدّثكم به حذيفة فصدّقوه وما أقرأكم عبد الله بن مسعود فاقرأوه أخرجهما الترمذي وفى الصحيحين أن أبا الدرداء قال لعلقمة أليس فيكم صاحب السرّ الذى لا يعلمه غيره يعنى حذيفة، وفى صحيح مسلم عن إبراهيم التيمى عن أبيه قال كنا عند حذيفة فقال رجل لو أدركت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قاتلت معه وأبليت فقال له حذيفة أنت كنت تفعل ذلك لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقرّ فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معى يوم القيامة فسكتنا فلم يجبه منا

أحد فقال ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معى يوم القيامة فسكتنا فلم يجبه منا أحد فقال قم يا حذيفة وائتنا بخبر القوم فلم أجد بدّا إذ دعانى باسمى أن أقوم قال اذهب فأتنى بخبر القوم ولا تذعرهم عليّ فلما وليت من عنده جعلت كأنى أمشى في حمام حتى أتيتهم فرأيت أبا سفيان يصطلى علي النار فوضعت سهما في كبد القوس فأردت أن أرميه فذكرت قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تذعرهم علىّ ولو رميته لأصبته فرجعت وأنا أمشى في مثل الحمام فلما أتيته فأخبرته خبر القوم وفرغت قررت فألبسنى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلى فيها فلم أزل نائما حتى أصبحت فلما أصبحت قال قم يا نومان، قال ورواه ابن إسحاق بزيادات وفيه فلما رأى أبو سفيان ما فعل الريح وجنود الله بهم لا تقرّ لهم قدرا ولا بناء قام فقال يا معشر قريش ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فلينظر من هو قال حذيفة فأخذت بيد جليسى فقلت من أنت فقال سبحان الله أما تعرفنى أنا فلان بن فلان فإذا رجل من هوازن فقال أبو سفيان يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذى نكره ولقينا من هذه الريح ما ترون فارتحلوا فإنى مرتحل ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث فما أطلق عقاله إلا وهو قائم فسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم قال فرجعت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كأنى أمشى في حمام فأتيته وهو قائم يصلى فلما سلم أخبرته فضحك حتى بدت أنيابه في سواد الليل فلما أخبرته وفرغت قررت وذكر بعد ذلك تمام القصة بنحو ما تقدم في حديث مسلم. وله مائة حديث اتفق الشيخان على اثنى عشر وانفرد البخارى بثمانية ومسلم بسبعة عشر. وروى عن عمر. وعنه جابر وجندب وعبد الله بن يزيد وأبو الطفيل وابنه بلال وزيد بن وهب وأبو وائل وغيرهم. روى له الجماعة. مات رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سنة ست وثلاثين قبل وفاة عثمان بأربعين ليلة (قوله سباطة قوم) بضم السين المهملة وبعدها موحدة مخففة هي الموضع الذى يرمى فيه التراب والأوساخ، وقيل هى الكناسة نفسها وإضافتها إلى القوم إضافة تخصيص لا ملك لأنها كانت مواتا مباحة والسباطة في العادة تكون قريبة من البيوت مرفقا لأهلها والشأن فيها أن تكون رخوة غير صلبة لا يعود البول منها على البائل فيها، وكون السباطة مواتا غير مملوكة لأحد هو الظاهر، ويحتمل أنها كانت مملوكة لأولئك القوم وأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم رضاهم بذلك ولو بطريق المسامحة العاديّة خصوصا وأنهم كانوا يتبرّكون بآثاره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم له أن يتصرف في ملك أمته بدون إذن لأنه أولى بهم من أنفسهم وأموالهم قال الحافظ وهذا وإن كان صحيح المعنى لكن لم يعهد ذلك من سيرته ومكارم أخلاقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وبما تقدم من

الحكمة في بوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قائما

الاحتمالات يسقط ما يقال كيف يبول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ملك أولئك القوم بدون إذنهم (قوله فبال قائما) اختلف العلماء في سبب بوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قائما فقال الشافعى إن العرب كانت تستشفى لوجع الصلب بالبول قائما فلعله كان به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذ ذاك، وقيل إنه لم يجد مكانا للقعود لامتلاء السباطة بالنجاسة، وقيل فعل ذلك لبيان الجواز، وكانت عادته المستمرّة البول قاعدا، وقيل غير ذلك قال في الفتح وسلك أبو عوانة في صحيحه وابن شاهين فيه مسلكا آخر فزعما أن البول عن قيام منسوخ واستدل عليه بما رواه أبو عوانة في صحيحه والحاكم عن عائشة قالت ما بال قائما منذ أنزل عليه القرآن، وبما رواه أحمد والترمذى والنسائى وابن ماجه عنها أيضا قالت من حدّثكم أنه كان يبول قائما فلا تصدقوه ما كان بيول إلا قاعدا، والصواب أنه غير منسوخ، والجواب عن حديث عائشة أنه مستند إلى علمها فيحمل على ما وقع منه في البيوت وأما في غير البيوت فلم تطلع هي عليه وقد حفظه حذيفة وهو من كبار الصحابة وقد بينا أن ذلك كان بالمدينة فتضمن الردّ على ما نفته من أن ذلك لم يقع بعد نزول القرآن وقد ثبت عن على وعمر وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قياما وهو دالّ على الجواز من غير كراهة إذا أمن الرشاش ولم يثبت عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في النهى عنه شئ اهـ بتصرف، وقال الترمذى في جامعه وقد رخص قوم من أهل العلم في البول قائما ومعنى النهى عن البول قائما على التأديب لا على التحريم، وقال الدارمى في سننه قال أبو محمد لا أعلم فيه كراهة، وقال النووى وقد روى في النهى عن البول قائما أحاديث لا تثبت ولكن حديث عائشة هذا ثابت فلهذا قال العلماء يكره البول قائما إلا لعذر وهي كراهة تنزيه لا تحريم. قال ابن المنذر في الأشراف اختلفوا في البول قائما فثبت عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وابن عمر وسهل بن سعد أنهم بالوا قياما قال وروى ذلك عن أنس وعلي وأبى هريرة وفعل ذلك ابن سيرين وعروة بن الزبير وكرهه ابن مسعود والشعبى وإبراهيم بن سعد، وكان إبراهيم بن سعد لا يجيز شهادة من بال قائما، وقال ابن المنذر البول جالسا أحب إلىّ وقائما مباح وكل ذلك ثابت عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ وقال مالك إن كان في مكان لا يتطاير عليه منه شئ فلا بأس به وإلا فمكروه، "فإن قلت" قد روى أنه علية الصلاة والسلام كان إذا أراد حاجة أبعد فكيف بال في السباطة التى بقرب الدور "قلت" لعله كان مشغولا بأمور المسلمين والنظر في مصالحهم وطال عليه المجلس حتى اضطرّه البول ولم يمكنه التباعد فلو أبعد لتضرر، وقصد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السباطة لدمثها (قوله ثم دعا بماء) أى بعد أن فرغ من البول طلب ماء ليتوضأ (قوله فمسح على خفيه) أى فتوضأ به ومسح على خفيه كما في رواية أحمد وهذا المسح بدل عن الغسل

وسيأتى بيان ذلك في باب المسح على الخفين (قوله قال مسدّد الخ) أى قال مسدّد في روايته زيادة على رواية حفص بن عمر فذهبت أتباعد أى شرعت أتباعد عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لئلا يسمع شيئا مما يقع حال قضاء الحاجة (قوله فدعاني) أى فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا حذيفة استرنى كما في رواية الطبرانى من حديث عصمة بن مالك قال خرج علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بعض سكك المدينة فانتهى إلى سباطة قوم فقال يا حذيفة استرنى فذكر الحديث (قوله حتى كنت عند عقبه) أى فأتيت إلى أن كنت عند عقبه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعقب بالإفراد، وفى بعض الروايات عقبيه بالتثنية. واستتر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحذيفة لأن السباطة إنما تكون في أفنية البيوت المسكونة أو قريبا منها، وهي لا تكاد تخلو عن مارّ. قال النووى في شرح مسلم وجاء في حديث آخر لما أراد قضاء الحاجة قال تنحّ لكونه كان يقضيها قاعدا ويحتاج إلى الحدثين جميعا فتحصل الرائحة المستكرهة وما يتبعها ولهذا قال بعض العلماء، في هذا الحديث من السنة القرب من البائل إذا كان قائما فإذا كان قاعدا فالسنة الإبعاد عنه اهـ وقوله الرائحة المستكرهة أى ما شأنه ذلك بحسب العادة وإلا ففضلات النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليست مستكرهة وقوله من السنة القرب من البائل إذا كان قائما محله إذا دعت الحاجة لذلك وطلبه البائل (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز البول من قيام لسبب من الأسباب المتقدمة، وعلى مشروعة المسح على الخفين في الحضر لأن السباطة كانت بالمدينة كما أخرجه ابن عبد البر في التمهيد بإسناد صحيح، وعلى جواز استخدام الغير والاستعانة به عند الدّاعية، وعلى طلب التستر عند قضاء الحاجة ولو بآدمىّ، وعلى جواز البول بقرب الديار إذا دعت الحاجة إلى ذلك وعلى جواز قرب الإنسان من البائل وقت الاحتياج (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبخارى ومسلم والنسائى والترمذى وابن ماجه وأبو بكر بن أبى شيبة في مصنفه بألفاظ متقاربة وأخرجه البيهقى من عدّة طرق (منها) طريق الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى سباطة قوم فبال قائما فتنحيت عنه فقال ادنه فدنوت ثم توضأ ومسح على خفيه، وروى نحوه من طريق منصور بن المعتمر عن أبى وائل، وأخرجه الترمذى من طريق الأعمش عن أبى وائل عن حذيفة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتى سباطة قوم فبال عليها قائما فأتيته بوضوء فذهبت لأتأخر عنه فدعانى حتى كنت عند عقبيه فتوضأ ومسح على خفيه قال أبو عيسى وهكذا روى منصور وعبيدة الضبىّ عن أبي وائل عن حذيفة مثل رواية الأعمش وروى حماد بن أبى سليمان وعاصم بن بهدلة عن أبى وائل عن المغيرة بن شعبة عن النبى صلى الله

باب فى الرجل يبول بالليل فى الاناء ثم يضعه عنده

تعالى عليه وعلى آله وسلم وحديث أبى وائل عن حذيفة أصح اهـ (باب في الرجل يبول بالليل في الإناء ثم يضعه عنده) وفى نسخة في الإناء يضعه عنده أى في بيان حكم ذلك (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ حُكَيْمَةَ بِنْتِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ، عَنْ أُمِّهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَدَحٌ مِنْ عِيدَانٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ، يَبُولُ فِيهِ بِاللَّيْلِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن عيسى) بن نجيح أبو جعفر بن الطباع البغدادى روى عن محمد بن مطرّف وابن المبارك ومالك بن أنس وحماد بن زيد وغيرهم. وعنه أبو داود والدارمى والبخارى تعليقا وأبو حاتم الرازى وكثيرون، قال أبو حاتم ثقة مأمون وقال أبو داود كان يحفظ نحوا من أربعين ألف حديث وكان ربما دلس وقال النسائي ثقة. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه مات سنة أربع وعشرين ومائتين (قوله حجاج) بن محمد مولى سليمان بن مجالد البغدادى الحافظ الأعور أبو محمد المصيصى بكسر فشدّ. روى عن شعبة وابن جريج والليث بن سعد وحمزة الزيات وطائفة. وعنه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وقتيبة ويحيى بن يحيى وغيرهم، قال أبو داود بلغنى أن يحيى كتب عنه نحوا من خمسين ألف حديث ووثقه ابن المدينى والنسائى والعجلى وابن قانع ومسلمة بن قاسم وابن حبان. مات ببغداد في ربيع الأول سنة ست ومائتين وكان تغير بعد أن اختلط قال ابن سعد وكان تغير في آخر عمره وكان ثقة صدوقا وقال الحربى منع يحيى بن معين ابنه أن يدخل عليه أحدا بعد أن اختلط. روى له الجماعة (قوله ابن جريج) بالتصغير هو عبد الملك بن عبد العزيز (قوله حكيمة بنت أميمة بنت رقيقة) كلهنّ بالتصغير واسم أبيها حكيم نقل الذهبى أنها لم ترو إلا عن أمها ولم يرو عنها سوى ابن جريج ذكرها ابن حبان في الثقات وقال في التقريب إنها غير معروفة (قوله عن أمها) أميمة بنت رقيقة أبوها عبد الله بن بجاد بكسر الموحدة ابن عمير بن الحارث الأنصارى ورقيقة أمها بنت أبى صيفى ابن هاشم بن عبد مناف أخرج أبو نعيم في ترجمتها تبعا للطبرانى حديث ابن جريج عن حكيمة بنت أميمة عن أمها أميمة بنت رقيقة قالت كان للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قدح من عيدان يبول فيه "الحديث" خلافا لما قالة ابن منده من أن أمها رقيقة بنت خويلد ولا بن السكن القائل إنهما واحدة. روت عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أزواجه وروى عنها محمد بن المنكدر وابنتها حكيمة. روى لها أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه

وكانت ممن بايع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بيعة النساء. روى الترمذى وغيره من طريق ابن عيينة عن محمد بن المنكدر أنه سمع أميمة بنت رقيقة تقول بايعت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في نسوة فقال لنا فيما استطعتن وأطقتن قلن الله ورسوله أرحم منا بأنفسنا (قوله قدح) بفتحتين إناء يكون من خشب أو غيره وجمعه أقداح (قوله من عيدان) بفتح العين المهملة وسكون المثناة التحتية جمع عيدانة هي الطوال من النخيل المتجرّدة من السعف قال في القاموس والعيدان بالفتح الطوال من النخل واحدتها بهاء ومنها كان قدح يبول فيه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقيل بكسر العين وسكون الياء جمع عود قال الزركشى اختلف في ضبطه أهو بالكسر والسكون جمع عود أو بالفتح والسكون جمع عيدانة بالفتح وقيل الكسر أشهر رواية، وردّ بأنه خطأ معنى لأنه جمع عود وإذا اجتمعت الأعواد لا يتأتى منها قدح لحفظ الماء بخلاف من فتح العين فإن المراد حينئذ قدح من خشب هذه صفته ينقر ليحفظ ما يجعل فيه اهـ بتصرف، أقول دعوى أن الأعواد لا يتأتى منها قدح يحفظ فيه الماء غير مسلمة بل هو متأتّ وواقع كما هو مشاهد (قوله بالليل) الباء بمعنى في ويفهم من التقييد بالليل أن البول نهارا غير مشروع في القدح إلا لضرورة لأن الليل محل الأعذار غالبا، وإنما اتخذ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قدحا للبول رفقا بنفسه وتعليما لأمته، قال المناوى والظاهر كما قال العراقى أن هذا كان قبل اتخاذ الكنف في البيوت فإنه لا يمكنه التباعد بالليل للمشقة أما بعد اتخاذها فكان يقضى حاجته فيها ليلا ونهارا اهـ وفيه نظر لأن الليل محل مشقة غالبا فالأولى إبقاء الحديث على إطلاقه فيجوز اتخاذ إناء للبول فيه ليلا ولو مع وجود الكنيف. وحديث الباب وإن كان فيه مقال لكنه تقوّى بطرق أخر فقد أخرج الحسن بن سفيان في مسنده والحاكم والدارقطنى والطبرانى وأبو نعيم من حديث أبى مالك النخعى عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزىّ عن أم أيمن قالت قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الليل إلى فخارة له في جانب البيت فبال فيها فقمت من الليل وأنا عطشانة فشربت ما فيها وأنا لا أشعر فلما أصبح النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال يا أم أيمن قومى فأهريق ما في تلك الفخارة قلت قد والله شربت ما فيها قالت فضحك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال أما والله إنه لا تبجعن بطنك أبدا، وتبجعنّ بالموحدة، ورواه أبو أحمد العسكرى بلفظ لن تشتكي بطنك، وأبو مالك ضعيف ونبيح لم يدرك أم أيمن، وله طريق أخرى رواها عبد الرزاق عن أبي جريج أخبرت أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يبول في قدح من عيدان ثم يوضع تحت سريره فجاء فإذا القدح ليس فيه شئ فقال لامرأة يقال لها بركة كانت تخدم أم حبيبة جاءت معها من أرض الحبشة أين البول الذى كان في القدح قالت شربته قال صحة يا أم يوسف

باب المواضع التى نهى عن البول فيها

وكانت تكنى أم يوسف فما مرضت قط حتى كان مرضها الذى ماتت فيه كذا في التلخيص الحبير وفيه وصحح ابن دحية أنهما قضيتان وقعتا لامرأتين وهو واضح من اختلاف السياق ووضح أن بركة أم يوسف غير بركة أم أيمن مولاته "فإن قيل" يعارض حديث الباب ما أخرجه أبو يعلى الموصلى في مسنده وابن أبى حاتم في العلل والعقيلى في الضعفاء وابن عدىّ في الكامل وابن السنى وأبو نعيم معا في الطب وأبو نعيم أيضا في الحلية وابن مردويه في تفسيره والرامهرمزي في الأمثال والمستغفرى في الطب النبوى وعثمان الدارمى في الأطعمة عن علىّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من فضلة طينة أبيكم آم وليس من الشجر شجرة أكرم على الله تعالى من شجرة ولدت تحتها مريم بنت عمران فأطعموا نساءكم الولد الرطب فإن لم يكن رطب فتمر لأن اتخاذ القدح منها للبول ينافى الإكرام يجاب عنه بأن طرق حديث على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كلها ضعيفة حتى أورده ابن الجوزى في الموضوعات كما ذكره المناوى في شرحه الكبير فلا يعارض حديث الباب. وعلي فرض صحته فاتخاذ القدح منها للبول فيه لا ينافى إكرامها إذ إكرامها سقيها وتلقيحها ونحو ذلك فإذا انفصلت واتخذت قدحا زال اسم النخلة عنها "فإن قلت" يعارضه أيضا ما رواه الطبرانى في الأوسط بسند جيد كما قاله العراقى عن عبد الله بن زيد عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا ينقع البول في طست في البيت فإن الملاكة لا تدخل بيتا فيه بول منتقع. وما رواه ابن أبى شيبة في مصنفه عن ابن عمر قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه بول. أى منتقع "قلنا" المراد بانتقاعه طول مكثه يقال نقع الماء نقعا من باب نفع طال مكثه، وما يجعل في الإناء لا يطول مكثه غالبا (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز إعداد الآنية واتخاذها للبول فيها بالليل في البيوت وعلى جواز بول الرجل بقرب أهل بيته للحاجة. وعلى جواز اتخاذ السرير وأنه لا ينافى الزهد والتواضع (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وابن حبان والحاكم وأبو ذرّ الهروى في مستدركه والدارقطنى والبيهقى. والحديث ضعيف لأن فيه حكيمة وفيها جهالة لكنه تقوّى بطرق أخر تقدم بيانها ولذا حسنه النووى والحافظ ابن حجر والمناوى في شرحه الكبير. وصححه الحاكم في مستدركه وابن حبان في صحيحه (باب المواضع التى نهى عن البول فيها) وفى نسخة باب المواضع التى نهى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن البول فيها أى في بيان الأماكن التى نهى الشارع عن قضاء الحاجة فيها فالمراد بالبول ما يشمل الغائط (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ

أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «اتَّقُوا اللَّاعِنَيْنِ»، قَالُوا: وَمَا اللَّاعِنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ» (ش) (رجال الحديث) (قوله قتيبة بن سعيد) بن جميل بن طريف بن عبد الله أبو رجاء الثقفي مولاهم وقال ابن عدى اسمه يحيى بن سعيد وقتيبة لقب وقال ابن منده اسمه علىّ أحد أئمة الحديث. روى عن مالك والليث وإسماعيل بن جعفر وأبى عوانة وغيرهم. وعنه يحيى بن معين وأبو حاتم وأبو بكر بن أبى شيبة وأحمد بن حنبل وكثيرون، وثقه ابن معين وابن حبان ومسلمة ابن قاسم وأبو حاتم والنسائى وقال صدوق والحاكم وقال ثقة مأمون. روى له الشيخان والنسائى والترمذى وابن ماجه. مات في شعبان سنة أربعين ومائتين (قوله إسماعيل بن جعفر) بن أبى كثير الزرقى الأنصارى مولاهم المدنى القارئُ أحد الأئمة الكبار. روى عن عبد الله بن دينار وربيعة وحميد الطويل ومالك بن أنس وغيرهم. وعنه على بن حجر ويحيى بن يحيى النيسابورى وقتيبة ابن سعيد ويحيى ابن أيوب وجماعة. له نحو خمسمائة حديث. وثقه أحمد بن حنبل وأبو زرعة والنسائى وابن سعد وابن المدينى وابن حبان. وقال ابن معين ثقة مأمون قليل الخطأ صدوق. روى له الأئمة الستة. مات ببغداد سنة ثمانين ومائة (قوله العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب الحرقى بضم الحاء المهملة وفتح الراء الجهنى المدنى مولاهم أبو حنبل أحد الأئمة. روى عن أبيه وابن عمر وأنس وسالم بن عبد الله وغيرهم. وعنه ابن جريج وشعبة وابن عيينة ومالك وآخرون وثقه أحمد وقال لم أسمع أحدا يذكره بسوء وقال النسائى ليس به بأس وقال ابن معين وابن عدى ليس بالقوى وقال أبو حاتم صالح روى عنه الثقات ولكنه أنكر من حديثه أشياء وذكره ابن حبان في الثقات وحسن الترمذى حديثه في مواضع وقال هو ثقة عند أهل الحديث وقال ابن سعد ثقة كثير الحديث ثبت وقال الذهبى في الميزان هو صدوق مشهور احتج به الأئمة الستة إلا البخارى مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة (قوله عن أبيه) هو عبد الرحمن بن يعقوب الجهنى المدنى مولى الحرقة بفتحات. روى عن أبيه أبى هريرة وأبى سعيد وابن عباس وابن عمر وهانئ مولى على وغيرهم. وعنه ابنه العلاء ومحمد بن إبراهيم التيمى وسالم أبو النضر ومحمد بن عجلان ومحمد بن عمرو بن علقمة وغيرهم. وثقه ابن حبان والعجلى وقال النسائى لا بأس به (وقوله اتقوا اللاعنين) اتقوا من الوقاية وهي الحفظ فتاؤه الأولى بدل من واو أى احفظوا أنفكسم من الوقوع في الفعل الذى يترتب عليه اللعن وهو التغوط في طريق الناس أو ظلهم واللاعنين تثنية لا عن من اللعن وهو الطرد والإبعاد أو السبّ قال في المصباح لعنه لعنا من باب نفع طرده وأبعده أو سبه. وفى رواية مسلم اللعانين تثنية لعان بصيغة المبالغة واللاعنان يحتمل أن يراد بهما الملعونان فيكون من باب إسناد الفاعل

أقوال العلماء في حكم قضاء الحاجة في الطريق والظل

للملفعول على حدّ قولهم سرّ كاتم أى مكتوم وعيشة راضية أى مرضية أى اتقوا الفعلين الملعون فاعلهما ويحتمل أن يكون المراد بهما الأسباب الموجبة للعن وهي قضاء الحاجة في طريق الناس أو ظلهم لأن من فعل هذا سُبّ ولُعن عادة فهو من باب المجاز العقلى على كلا الاحتمالين (قوله وما اللاعنان) الواو عاطفة على محذوف فكأنهم قالوا سمعنا وأطعنا وما اللاعنان يا رسول الله (قوله قال الذى يتخلى الخ) أى قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مجيبا لهم أحدهما الذى يتخلى في طريق الناس وثانيهما الذى يتخلى في ظلهم هذا على أن المراد باللاعنين الملعونان وأما على أن المراد بهما الأسباب الموجبة للعن فيكون الكلام على تقدير مضاف أى أحدهما تخلى الذى يتخلى في الطريق والثانى تخلى الذى يتخلى في الظلّ ويتخلى من التخلى وهو التفرّد لقضاء الحاجة من غائط أو بول. وإلى التعميم في الحاجة ذهب الأكثر وهو الظاهر من الحديث لأن التأذى بالرائحة والاستقذار والتنجس يحصل بهما وذهب النووى إلى أن المراد بالتخلى التغوّط فقط ولعل وجهه أن التضرر في الغائط محقق بخلاف البول فقد لا يحصل به التضرر (قوله في طريق الناس) الطريق فعيل بمعنى مفعول أى مطروق وسمى موضع المرور به لطرقه بالأرجل والحوافر وتذكر في لغة نجد وبها جاء القرآن فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا وتؤنث في لغة الحجاز تقول الطريق سلكته وسلكتها وجمعه طرق وأطرق وأطرقة والمراد بها المسلوكة غالبا لا المهجورة (قوله أو ظلهم) قال في النهاية الظل الفئ الحاصل من الحاجز بينك وبين الشمس أىّ شئ كان وقيل هو مخصوص بما كان منه إلى زوال الشمس وما كان بعده فهو الفئ اهـ وهو عام يتناول، كل ظل وعومه ليس مرادا بل هو مخصوص بما يتخذ مقيلا ومنزلا ينزلونه يؤيده ما في رواية أحمد أو ظل يستظل به وما ورد من أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قعد لحاجته تحت حائش من النخل وللحائش لا محالة ظل والحاثش النخل الملتف المجتمع (فقه الحديث) دلّ الحديث على تحريم قضاء الحاجة فيما ذكر من المواضع لما فيه من إيذاء المسلمين بالتنجيس والاستقذار والنتن. وإليه ذهب النووى والرافعى من الشافعية وقال المناوى قال الذهبى إنه من الكبائر وعدّه ابن حجر في الزواجر من الكبائر وذهب جماعة إلى الكراهة والظاهر الأول نظرا للنهى المستفاد من الأمر في الحديث ولحديث من سلّ سخيمته على طريق عامر من طرق المسلمين فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين رواه البيهقى والطبرانى في الأوسط عن أبى هريرة بسند رجاله ثقات وفيه محمد بن عمرو الأنصارى وثقه ابن معين والسخيمة بفتح السين المهملة العذرة. ولحديث من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم رواه الطبرانى بإسناد حسن واللعنة من أمارات التحريم. ومحل الخلاف إذا كانت تلك المواضع

حكم الدعاء باللعن

مباحة كما تفيده إضافتها إلى الناس فإن الإضافه للمنفعة لا للملك أما إذا كانت مملوكة فيحرم اتفاقا حيث لا إذن. ودلّ الحديث على جواز لعن من فعل ذلك إذا لم يكن معينا أما إذا كان معينا ففى جواز لعنه خلاف والأصح عدمه قال في الخازن أما العصاة من المؤمنين فلا يجوز لعن أحد منهم على التعيين وأما على الإطلاق فيجوز لحديث لعن الله السارق يسرق البيضة والحبل فتقطع يده رواه أحمد والشيخان وفيه قال العلماء لا يجوز لعن كافر معين لأن حاله عند الوفاة لا يعلم فلعله يموت على الإسلام وقيل يجوز لعن كافر معين بدليل جواز قتاله اهـ أما لعن الكفار بلا تعيين فجائز اتفاقا لحديث لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد رواه الشيخان عن أبى هريرة، وعلى أنه يطلب من المتعلم أن يسأل عن الشئ الذى يخفى عليه ولا تمنعه مهابة المعلم من السؤال، وعلى أنه يحوز للمعلم الإجمال في عباراته تشويقا للمتعلم ليثبت الحكم عنده وعلى أنه يطلب البعد مما يؤذى الناس ويدعوهم إلى السبّ واللعن (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد ومسلم في صحيحه والبيهقى وابن حبان بلفظ وفى أفنيتهم بدل ظلهم وابن الجارود في صحيحه بلفظ أو مجالسهم (ص) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْدٍ الرَّمْلِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبُو حَفْصٍ، وَحَدِيثُهُ أَتَمُّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْحَكَمِ، حَدَّثَهُمْ أَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْحِمْيَرِيَّ، حَدَّثَهُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: " اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ " (ش) (رجال الحديث) (قوله إسحاق) بن إبراهيم (بن سويد) أبو يعقوب (الرملى) روى عن آدم بن أبى إياس وسعيد بن الحكم بن أبي مريم وإسماعيل بن أبى أويس والوليد بن نصر وعنه أبو داود ومحمد بن محمد الباغندى ومكحول البيروتى والنسائى ووثقة هو ومسلمة بن قاسم وأبو بكر بن أبى داود، مات في المحرم سنة أربع وخمسين ومائتين (قوله عمر بن الخطاب أبو حفص) السجستانى نزيل الأهواز. روى عن عبيد الله بن موسى ومحمد بن يوسف الفريابي وسعيد بن الحكم بن أبى مريم ومحمد بن كثير وغيرهم. وعنه أبو داود وأبو بكر بن أبى عاصم وأحمد بن عبد الكريم وجماعة قال ابن حبان مستقيم الحديث وقال في التقريب صدوق من الحادية عشرة. مات سنة أربع وستين ومائتين (قوله سعيد بن الحكم) بن محمد أبو محمد بن أبى مريم الجمحى المصرى الحافظ الفقيه. روى عن مالك بن أنس والليث بن سعد وابن وهب

وسفيان بن عيينة وغيرهم. وعنه البخارى وأبو حاتم وابن معين ومحمد بن يحيى وجماعة وثقه العجلى وأبو حاتم وقال أبو داود حجة. مات سنة أربع وعشرين ومائتين عن ثمانين سنة. روى له الجماعة (قوله حدّثهم) أى حدّث إسحاق وعمر وغيرهما أو المراد بالجمع ما فوق الواحد (قوله نافع بن يزيد) الكلاعي بفتحتين أبو يزيد المصرى روى عن يزيد بن عبد الله بن الهاد وأبى سفيان وأبى هانئ الخولانى وقيس بن الحجاج. وعنه بقية وابن وهب وعبد الله بن صالح وجماعة. روى له الجماعة إلا الترمذى. وثقه أحمد بن صالح وقال أبو حاتم والنسائى لا بأس به مات سنة ثمان وستين ومائة (قوله حيوة بن شريح) بضم الشين المعجمة ابن صفوان بن مالك التجيبى بالتصغير أو بفتح فكسر أبو زرعة المصرى الزاهد العابد الفقيه أحد الأئمة. روى عن أبيه وربيعة بن يزيد ويزيد بن أبى حبيب وحميد بن هانئ وغيرهم. وعنه الليث وابن المبارك وأبو زرعة ونافع بن يزيد وآخرون. وثقة أحمد وابن معين قال ابن وهب كان يأخذ عطاء كل سنة ستين دينارا فما يطلع منزله حتى يتصدق بها ثم يجيء منزله فيجدها تحت فراشه. روى له الجماعة مات سنة ثمان أو تسع وخمسين ومائة (قوله أن أبا سعيد الحميرى) قال الذهبى في الميزان أبو سعيد الحميرى روى عن معاذ في النهى عن البراز في الموارد لا يدرى من هو روى عنه حيوة بن شريح اهـ وقال الحافظ هو شامى مجهول من الثالثة. روى له أبو داود وابن ماجه وروايته عن معاذ بن جبل مرسلة (قوله عن معاذ بن جبل) بن عمرو بن أوس بن عائذ بن كعب الخزرجى الأنصارى ثم الجشمى أبى عبد الرحمن أسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة وشهد العقبة وبدرا والمشاهد كلها بعثه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أميرا على اليمن يعلم الناس القرآن وشرائع الإسلام ويقضى بينهم وجعل إليه قبض الصدقات من عمال اليمن وقال له لما ودّعه حفظك الله من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك ومن فوقك ومن تحتك وردّ عنك شرور الإنس والجن وقد كتب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأهل اليمن إنى بعثت إليكم خير أهلى، وعدّه أنس بن مالك فيمن جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما في الصحيح، وفيه عن عبد الله بن عمرو رفعه اقرأوا القرآن من أربعة فذكر معاذا فيهم. قال الشعبي عن مسروق كنت جالسا مع ابن مسعود فقال إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين فقلت يا أبا عبد الرحمن إنما قال الله تعالى (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا) فأعاد قوله إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا فلما رأيته أعاد عرفت أنه تعمد الأمر فسكتّ فقال أتدرى ما الأمة وما القانت قلت الله أعلم قال الأمة الذى يعلم الخير ويؤتم به ويقتدى والقانت الطيع لله وكذلك كان معاذ بن جبل معلما للخير مطيعا لله ولرسوله اهـ وقال أبو نعيم في الحلية كان معاذ إمام الفقهاء وكنز العلماء وكان

أفضل شباب الأنصار حلما وحياء وسخاء جميلا وسيما اهـ وقال عبد الرزاق كان معاذ شابا جميلا سمحا لا يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه اهـ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأتى معاذ يوم القيامة إمام العلماء، وقال ابن عمر حدّثونا عن العالمين العاقلين قيل ومن هما قال معاذ بن جبل وأبو الدرداء، وعن أنس عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أرحم أمتى بأمتى أبو بكر وأشدّهم في أمر الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأفرضهم زيد بن ثابت وأقرؤهم أبىّ بن كعب وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح رواه أحمد والترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح. له سبعة وخمسون ومائة حديث اتفق الشيخان على حديثين وانفرد البخارى بثلاثة ومسلم بواحد. روى عنه من الصحابة ابن عباس وابن عمروا بن عمرو وأنس، ومن التابعين ابن عدى وابن أبى أوفى الأشعرى وعبد الرحمن بن سمرة وجابر بن أنس وآخرون، قدم من اليمن في خلافة أبى بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وكانت وفاته بناحية الأردن في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة وهو ابن ثمان وثلاثين سنة وقيل ثمان وعشرين وقيل ثلاث وثلاثين. وعمواس قرية بين الرملة وبيت المقدس (قوله الملاعن) جمع ملعنة والمواضع التى يرتفق الناس بها فيلعنون من يقضى حاجته فيها ويسبونه قال في المصباح والملعنة بفتح الميم والعين موضع لعن الناس لما يؤذيهم كقارعة الطريق ومتحدثهم والجمع الملاعن اهـ والمعنى اجتنبوا مجالب اللعن لأن أصحابها تلعنهم المارّة على فعلهم القبيح ولأنهم يفسدون على الناس منفعتهم وهو ظلم والظالم ملعون ويحتمل أن يراد بها الفعلات التى يتسبب عنها اللعن فيكون مجازا مرسلا أطلق فيه اسم المسبب على السبب قال في النهاية والملاعن جمع ملعنة وهي الفعلة التى يلعن بها فاعلها كأنها مظنة للعن ومحل له وهي أن يتغوّط الإنسان على قارعة الطريق أو ظلّ الشجر أو جانب النهر فإذا مرّ بها الناس لعنوا فاعلها اهـ. وقيل إنه جمع ملعن مصدر ميمى والمعنى اتقوا اللعنات أى أسبابها أو المصدر بمعنى الفاعل أى الحاملات على اللعن (قوله الثلاثة) كذا في أكثر النسخ وهو واضح على القول بأن الملاعن جمع ملعن أما على أنها جمع ملعنة فإن مقتضى القياس حذف التاء كما في بعض النسخ ورواية ابن ماجه لأن المعدود مؤنث فتحذف التاء من اسم العدد ولكنه ليس بواجب إلا إذا ذكر المعدود مؤخرا وهنا ذكر مقدما (قوله البراز) بفتح الموحدة وقيل بكسرها منصوب على البدلية من الملاعن ويجوز رفعه على أنه خبر لمبتدإ محذوف أى أحدها البراز وهو في الأصل الفضاء الواسع الخالى من الشجر أطلق على العذرة لأنهم كانوا يقضونها فيه إطلاقا لاسم المحل على الحالّ فهو مجاز مرسل كما تقدم (قوله في الموارد) أى المجارى والطرق إلى الماء واحدها مورد يقال وردت الماء إذا حضرته لتشرب والورد

باب فى البول فى المستحم

الماء الذى ترد عليه اهـ من النهاية وقال الخطابى هي طرق الماء واحدها موردة اهـ وقال الطيبى المورد هو الماء الذى ترد عليه الناس من عين أو نهر اهـ ويؤيده ما في رواية أحمد أو نقع ماء بدل الموارد والنقع الماء المجتمع وقيل الموارد الأمكنة التى تأتيها الناس كالأندية ولا مانع من إرادة جميعها (قوله وقارعة الطريق) بالجر عطفا على الموارد أى والبراز في قارعة الطريق أى وسطه وقيل أعلاه والمراد بها هنا نفس الطريق وقارعة مشتقة من القرع وهو الضرب فهى قارعة بمعنى مقروعة فاعلة بمعنى مفعولة سميت بذلك لقرعها وضربها بالنعال والحوافر فالإضافة فيه من إضافة الصفة للموصوف أى الطريق المقروعة (قوله والظلّ) بالجر عطفا على الموارد أيضا وتقدم بيانه والمراد منه (فقه الحديث) دلّ الحديث على تحريم قضاء الحاجة في مجارى الماء والطرق التى تمرّ فيها الناس والأمكنة التى يؤخذ منها الماء لما فيه من الإيذاء للناس بالتقذير ونحوه وتقدمت بقية الفوائد في الحديث الذى قبله (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه، وقال هو مرسل والحاكم وابن السكن والطبرانى والبيهقى. ثم قيل إن الحديث ضعيف لأنه من رواية أبى سعيد الحميرى وهو لم يدرك معاذا فهو منقطع ولا يعرف بغير هذا الإسناد كما قاله الحافظ ابن حجر وبه ردّ تصحيح الحاكم وابن السكن له، وقال العراقى ارتقى إلى درجة الحسن بوجود الشواهد اهـ فمن الشواهد ما رواه أحمد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اتقوا الملاعن الثلاث أن يقعد أحدكم في ظلّ يستظلّ به أو في طريق أو نقع ماء وقوْله أن يقعد أحدكم أى لحاجته كما في بعض الروايات وفيه ضعف لأجل ابن لهيعة والراوى عن ابن عباس مبهم، وما رواه ابن ماجه عن جابر بإسناد حسن مرفوعا إياكم والتعريس على جواد الطريق فإنها مأوى الحيات والسباع وقضاء الحاجة عليها فإنها الملاعن، وما روى عن ابن عمر نهى أن يصلى على قارعة الطريق أو يضرب عليها الخلاء أو يبال فيها وفى إسناده ابن لهيعة إلى غير ذلك مما تقدّم من الأحاديث (باب في البول في المستحم) أى في بيان حكم البول في المستحم وهو بضم الميم وفتح الحاء المهملة في الأصل الموضع الذى يغتسل فيه بالحميم وهو الماء الحارّ ثم أطلق على مكان الاغتسال بأى ماء كان وهو المراد بالمغتسل المصرحّ به في رواية الطبرانى في الأوسط بإسناد حسن وفي رواية الحاكم بإسناد صحيح بلفظ ولا تبولن في مغتسلك وفى رواية المصنف الآتية بعد وفى بعض النسخ إسقاط هذه الترجمة

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَا: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: " لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ قَالَ أَحْمَدُ: ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ " (ش) (رجال الحديث) (قوله أحمد بن محمد بن حنبل) هو الإمام الجليل أبو عبد الله الشيبانى المروزى البغدادى الحافظ الحجة الفقيه المجتهد إمام أهل السنة والجماعة قال فيه الشافعى خرجت من بغداد وما خلفت فيها أفقه ولا أورع ولا أزهد ولا أعلم من أحمد وقال إبراهيم الحربى رأيت أحمد كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين وقال قتيبة خير أهل زماننا هذا الشاب يعنى أحمد بن حنبل وقال لولا أحمد لأحدثوا في الدين وقال أو مسهر لما قيل له هل تعرف أحدا يحفظ على هذه الأمة أمر دينها قال لا أعلمه إلا شابا في ناحية المشرق يعنى أحمد ابن حنبل وعن إسحاق أحمد حجة بين الله وخلقه. وكان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يقول لا تكتبوا العلم عمن يأخذ عليه عرضا من الدنيا وكان يضرب به المثل في اتباع السنة واجتناب البدعة وكان لا يدع قيام الليل قط وله في كل يوم وليلة ختمة وقال أبو عصمة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بتّ ليلة عند أحمد بن حنبل فجاء بماء فوضعه فلما أصبح نظر إلى الماء كما هو فقال يا سبحان الله رجل يطلب العلم ولا يكون له ورد. وكان مجلسه خاصا بالآخرة لا يذكر فيه شئ من أمر الدنيا وتعرّت أمه من الثياب فجاءته زكاة فردّها وقال العرى لهم خير من أوساخ الناس وإنها أيام قلائل ثم نرحل من هذه الدار. وكان إذا جاع أخذ الكسرة اليابسة فنفضها من الغبار ثم صبّ عليها الماء حتى تبتلّ ثم يأكلها بالملح. وكان أكثر إدامه الخلّ. وكان من أصبر الناس على الوحدة لا يراه أحد إلا في المسجد أو جنازة أو عيادة. وكان ورده في كل يوم وليلة ثلثمائة ركعة فلما ضرب بالسياط ضعف فكان يصلى مائة وخمسين ركعة. وكان سبب ضربه بالسياط امتناعه عن القول بخلق القرآن وسبب هذه الفتنة أن القاضى أحمد بن أبى دؤاد كان ممن نشأ في العلم وتضلع بعلم الكلام وصحب فيه هياج بن العلاء السلمى صاحب واصل بن عطاء أحد رءوس المعتزلة وكان ابن أبى دؤاد رجلا فصيحا معظما عند المأمون يقبل شفاعاته ويصغى إلى كلامه فدسّ له القول بخلق القرآن وحسنه عنده وصيره يعتقده حقا مبينا فجمع رأيه سنة ثمان عشرة ومائتين على الدعاء إليه فكتب إلى نائبه على بغداد كتابا يقول فيه سل العلماء عن القرآن

أهو مخلوق أم غير مخلوق فمن أجاب بخلقه فخلّ سبيله ومن لم يجب فاحمله إلينا فأجاب إلى خلقه جماعة وامتنع آخرون وكان ممن امتنع أحمد بن حنبل رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فحمل إلى المأمون مسلسلا بالقيود قال أحمد بن عسان لما حملت مع أحمد بن حنبل إلى المأمون تلقانا الخادم وهو يبكي ويقول عزّ علىّ يا أبا عبد الله ما نزل بك قد جرّد أمير المؤمنين سيفا لم يجرّده قط وبسط نطعا لم يبسطه قط ثم قال وقرابتى من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لارفعت السيف عن أحمد وصاحبة حتى يقولا القرآن مخلوق فجثا أحمد على ركبتيه ولحظ السماء بعينيه ودعا فما مضى الثلث الأول من الليل إلا ونحن بصيحة وضجة فأقبل علينا خادمه وهو يقول صدقت يا أحمد القرآن كلام الله غير مخلوق قد مات والله أمير المؤمنين. وكان قد لقيه قبل أن يدخل المدينة رجل من العباد فقال احذر يا أحمد أن يكون قدومك مشئوما على المسلمين فإن الله تعالى قد رضى بك لهم وافدا والناس إنما ينظرون إلى ما تقول فيقولون به فقال أحمد حسبنا الله ونعم الوكيل. وقال الربيع بن سليمان إن الشافعى قال يا ربيع خذ كتابى هذا فامض به وسلمه إلى أبى عبد الله وأتنى بالجواب قال الربيع فدخلت بغداد ومعى الكتاب فصادفت أحمد في حنبل في صلاة الصبح فلما انفتل من المحراب سلمت إليه الكتاب وقلت هذا كتاب أخيك الشافعى من مصر فقال لى أحمد نظرت فية فقلت لا فكسر الختم فقرأ وتغرغرت عيناه فقلت (إيش) فيه أبا عبد الله فقال يذكر فيه أنه رأى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في النوم فقال له اكتب إلى أبى عبد الله فاقرأ عليه السلام وقل له إنك ستمتحن وتدعى إلى خلق القرآن فلا تجبهم فيرفع الله لك علما إلى يوم القيامة قال الربيع فقلت له البشارة يا أبا عبد الله فخلع أحد قميصيه الذى يلى جسده فأعطانيه فأخذت الجواب وخرجت إلى مصر وسلمته إلى الشافعى فقال (إيش) الذى أعطاك فقلت قميصه فقال لست أفجعك فيه ولكن بله وادفع إليّ الماء أتبرّك به. ولما سجنوه وضعوا في رجليه أربعة قيود. وكان ابن أبى دؤاد هو الذى تولى جدال أحمد عن الخليفة وقال للخليفة إن أحمد ضال مبتدع ثم يلتفت إلى أحمد ويقول له قد حلف الخليفة أن لا يقتلك بالسيف وإنما هو ضرب بعد ضرب إلى أن تموت فما زالوا بأحمد رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يناظرونه بالليل والنهار إلى أن ضجر الخليفة فلما طال بهم الحال قال ابن أبى دؤاد يا أمير المؤمنين اقتله ودمه في أعناقنا فرفع الخليفة يده ولطم بها وجه أحمد فخرّ مغشيا عليه فخاف الخليفة على نفسه ممن كان من الشيعة مع أحمد فدعا بماء فرش منه على وجه أحمد ولما قدم إلى السياط أغاثه الله تعالى برجل يقال له أبو الهيثم العيار فوقف عنده وقال يا أحمد أنا فلان اللص ضربت ثمانية عشر ألف سوط لأقرّ فما أقررت وأنا أعرف أنى على الباطل فاحذر أن تتقلق وأنت على الحق من حرارة السوط فكان أحمد كلما أوجعه الضرب تذكر كلام اللص. وقال الفضيل بن عياض حبس الإمام

أحمد رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ثمانية وعشرين شهرا وكان فيها يضرب كلّ قليل إلى أن يغمى عليه وينخس بالسيف ويرمى بالأرض ويداس عليه ولم يزل كذلك إلى أن مات المعتصم وتولى بعده الواثق فاشتد الأمر على أحمد حتى مات الواثق وتولى المتوكل فرفع المحنة عن أحمد وأمر بإحضاره وإكرامه وإعزازه وكتب إلى الآفاق برفع المحنة وإظهار السنة وأن القرآن غير مخلوق وخمدت المعتزلة (وبالجملة) ففضائله كثيرة. روى عن إبراهيم بن سعد وعبد الرزاق ووكيع ويحيى بن سعيد القطان وكثيرين. وعنه الشافعى من شيوخه والشيخان وأبو داود وأكثر عنه في كتابه هذا وابن معين وآخرون. ولد ببغداد ونشأ بها ومات فيها ودخل الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والجزيرة. ولما مرض رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ اجتمع الناس على بابه لعيادته حتى امتلأت الشوارع. ولما قبض صاح الناس وعلت الأصوات بالبكاء وارتجت الدنيا لموته وخرج أهل بغداد إلى الصحراء يصلون عليه فحزروا من حضر جنازته من الرجال ثمانمائة ألف ومن النساء ستين ألفا سوى من كان في الأطراف والسفن والأسطحة فإنهم بذلك يكونون أكثر من ألف ألف. وأسلم يوم وفاته عشرون ألفا من اليهود والنصارى والمجوس. وكانت وفاته رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سنة إحدى وأربعين ومائتين وقد استكمل سبعا وسبعين سنة (قوله الحسن بن علي) بن محمد الهذلى أبو على الخلال المكي الحافظ. روى عن عبد الصمد ووكيع وعبد الرّزاق بن همام وأبى أسامة وآخرين. وعنه إبراهيم الحربى والبخارى ومسلم والترمذى وابن ماجه وكثيرون، قال يعقوب بن شيبة كان ثقة ثبتا متقنا ووثقه النسائى والخطيب وابن حبان وقال الترمذى كان حافظا. مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين (قوله عبد الرزاق) بن همام ابن نافع أبو بكر الحميرى مولاهم الصنعاني أحد الحفاظ الأثبات صاحب التصانيف. روى عن ابن جريج والأوزاعي ومالك وسعيد بن مسلم وكثيرين. وعنه ابن عيينة وإسحاق وأحمد ابن حنبل وابن معين وغيرهم .. ووثقه الأئمة كلهم إلا العباس بن عبد العظيم العنبرى وحده فتكلم بكلام أفرط فيه ولم يوافقه عليه أحد وقال ابن معين كان عبد الرزّاق أثبت في حديث معمر من هشام بن يوسف وقال هشام بن يوسف كان عبد الرزاق أعلمنا وأحفظنا وقال الذهلى كان أيقظهم في الحديث وكان يحفظ وقال ابن عدىّ رحل إليه ثقات المسلمين وكتبوا عنه إلا أنهم نسبوه إلى التشيع وهو أعظم ما رموه به وقال إبراهيم بن عباد كان يحفظ نحوا من سبعة عشر ألف حديث وقال الأثرم عن أحمد من سمع منه بعد ما عمى فليس بشئ. روى له الجماعة. مات سنة إحدى عشرة ومائتين (قوله قال أحمد حدثنا معمر الخ) فيه إشارة إلى بيان الاختلاف في السندين بأن رواية أحمد فيها التصريح بتحديث عبد الرزاق عن معمر وبإخبار معمر عن أشعث بخلاف رواية الحسن فإنها بالعنعنة فيهما وبأن الأشعث في رواية الحسن منسوب إلى أبيه بخلاف رواية

أحمد. أما ما في النسائى من قوله عن الأشعث بن عبد الملك فهو خطأ أو سهو من النساخ والصحيح ما في المصنف وكتب الرجال من أنه ابن عبد الله (ومعمر) هو ابن راشد الأزدى أبو عروة البصرى ثم اليماني أحدا الأئمة الأعلام. روى عن الزهرى وهمام بن منبه وقتادة وعمر وبن دينار وغيرهم. وعنه سفيان الثورى من أقرانه وأيوب من شيوخه وشعبة وابن عيينة وآخرون، قال العجلى ثقه صالح وقال النسائى ثقة مأمون وقال أبو حاتم حدّث من حفظه بالبصرة بأحاديث غلط فيها وقال يحيى بن معين حديث معمر عن ثابت البنانى ضعيف. مات سنة ثلاث أو أربع وخمسين ومائة وله ثمان وخمسون سنة. روى له الجماعة (قوله عن أشعث بن عبد الله) بن جابر الأعمى أبى عبد الله البصرى. روى عن أنس وشهر بن حوشب والحسن بن أبى الحسن ومحمد بن سيرين وغيرهم. وعنه معمر وشعبة ونصر بن على ويحيى القطان وطائفة. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه. وثقه النسائى وابن معين وقال الدارقطنى يعتبر به وقال البزار ليس به بأس مستقيم الحديث وأورده العقيلى في الضعفاء وقال في حديثه وهم لكن قال الذهبى في الميزان قول العقيلى في حديثه وهم ليس بمسلم وأنا أتعجب كيف لم يخرج له الشيخان (قوله الحسن) بن يسار البصرى (قوله عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح الغين المعجمة والفاء المشددة ابن عبد نهم بن عفيف المزنى أبو سعيد كان من أصحاب بيعة الشجرة قال الحسن البصرى كان أحد العشرة الذين بعثهم إلينا عمر يفقهون الناس وكان من البكائين في غزوة تبوك الذين أنزل الله تعالى فيهم، ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم إلى قوله تعالى وأعينهم تفيض من الدمع حزنا. وفضائله كثيرة. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثلاثة وأربعون حديثا اتفق الشيخان منها على أربعة وانفرد البخارى بحديث ومسلم بآخر وروى عن أبى بكر وعثمان وعبد الله بن سالم، وعنع أبو العالية وسعيد بن جبير والحسن البصرى وثابت البنانى وغيرهم. سكن المدينة ثم تحوّل إلى البصرة وابتنى بها دارا ومات بها سنة تسع وخمسين أو ستين. روى له الجماعة (قوله لا يبولنّ أحدكم) النهى فيه متوجه لجميع الأمة وإن كان ظاهر الخطاب لمن كان حاضرا من الصحابة (قوله في مستحمه) الإضافة فيه لأدنى ملابسة لأن المراد مكان الاغتسال ولو غير مملوك (قوله ثم يغتسل فيه) ثم استبعادية يعنى يستبعد من العاقل أن يغتسل أو يتوضأ في محل بال فيه لما يترتب على ذلك من الوسوسة ونظيره قوله تعالى (الحمد لله الذى خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) أى يستبعد كفر من كفر بعد قيام الأدلة على وحدانية الله تعالى ويغتسل الرواية فيه بالرفع فيكون خبرا لمبتدإ محذوف أى ثم هو يغتسل فيه والمعنى عليه لينته أحدكم عن البول في المستحم وله أن يغتسل فيه وإن لم ينته فليس له أن يغتسل فيه، ويجوز نصبه

حكمة النهي عن البول في المستحم

في جواب النهى على أن ثم بمعنى الواو، وقول النووى لا يجوز النصب لأنه يقتضى أن المنهى عنه الجمع بينهما دون إفراد أحدهما وهذا لم يقل به أحد بل البول منهيّ عنه سواء أراد الاغتسال فيه أو منه أم لا غير مسلم فإن النهى عن الجمع بين البول والاغتسال في مكان واحد لا مانع من إرادته في الحديث بدليل التعليل الآتى وكونه يترتب عليه جواز البول في المستحم ولم يقل به أحد هذا وإن كان مسلما إلا أنه جاء من طريق المفهوم وهو معارض بالتعليل المذكور في الحديث فإنه لو بال في المغتسل أحد واغتسل فيه آخر أورثه ذلك الوسوسة ومعارض أيضا بنحو قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا ضرر ولا ضرار رواه أحمد وابن ماجه عن ابن عباس، وقال ابن دقيق العيد النهى عن الجمع بينهما يؤخذ من هذا الحديث إن ثبتت رواية النصب ويؤخذ النهى عن الإفراد من حديث آخر اهـ وأما لو بال في المستحم وهجره من الاغتسال فيه جاز له ذلك، ويجوز جزم يغتسل عطفا على يبولنّ والمعنى عليه النهى عن البول في المستحم وهو ظاهر وعن الاغتسال فيه على معنى الانغماس فيه لما يترتب عليه من قذارة الماء وعليه فالنهى للتنزيه (قوله قال أحمد ثم يتوضأ) أى قال أحمد بن محمد بن حنبل في روايته ثم يتوضأ بدل يغتسل في رواية الحسن وهذا ظاهر كلام المصنف والذى في رواية البيهقى من طريق أحمد ثم يغتسل فيه ثم يتوضأ (قوله فإن عامة الوسواس منه) أى من الغسل أو الوضوء في محل البول، وهو علة للنهى وعامة الشئ جميعه أو أكثره وهو المراد هنا والوسواس حديث النفس بما لا خير فيه أو بما فيه شرّ وهو مصدر وسوس يقال وسوس يوسوس وسوسة ووسواسا بكسر الواو ووسواسا بفتحها والوسواس بالفتح اسم للشيطان أيضا وكل منهما يصح إرادته هنا أما الأول ظاهر وأما الثانى فعلى تقدير مضاف أى فإن عامة فعل الوسواس منه والمراد بفعل الوسواس وسوسته. قال العراقى علل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا النهى بأن هذا الفعل يورث الوسواس ومعناه أن المغتسل يتوهم أنه أصابه شئ من رشاشه فيحصل له وسواس. وروى ابن أبى شيبة في مصنفه عن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أنه قال إنما يكره البول في المغتسل مخافة اللمم، وذكر صاحب الصحاح وغيره أن اللمم طرف من الجنون وهذا يقتضى أن العلة في النهى عن البول في المغتسل خشية أن يصيبه شئ من الجن وهو معنى مناسب لأن المغتسل محل حضور الشياطين لما فيه من كشف العورة فهو في معنى البول في الجحر. لكن المعنى الذى علل به النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أولى بالاتباع قال ويمكن جعله موافقا لقول أنس بأن يكون المراد بالوسواس في الحديث الشيطان وفيه حذف تقديره فإن عامة فعل الوسواس أى الشيطان منه وفعل الوسواس هنا اللمم لكنه خلاف ما فهمه العلماء من الحديث ولا مانع من التعليل بهما فكل منهما علة مستقلة اهـ وقال السيوطي هما علة واحدة ولا منافاة فإن اللمم الذى ذكره أنس هو الوسواس بعينه وذلك طرف من الجنون فإنه قد كثر في الحديث والآثار وأشعار العرب إطلاق الوسواس مرادا به الجنون فمن ذلك حديث أحمد عن عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُقال لما توفى النبى صلى

حرص النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على هداية الأمة

الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حزن أصحابه حتى كاد بعضهم يوسوس أى يجنّ، وقيل لولا مخافة الوسواس لكنت بأرض ليس فيها ناس، فالذى قاله أنس هو عين الذى قاله النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ قال الشيخ العراقى حمل جماعة من العلماء هذا الحديث على ما إذا كان المغتسل لينا وليس فيه منفذ بحيث إذا نزل فيه البول شربته الأرض واستقرّ فيها فإن كان صلبا ببلاط ونحوه بحيث يجرى عليه البول ولا يستقر أو كان فيه منفذ كالبالوعة فلا نهى. فقد روى ابن أبى شيبة عن عطاء قال إذا كان يسيل فلا بأس، وقال ابن المبارك فيما نقله عنه الترمذي قد وسع في البول في المغتسل إذا جرى فيه الماء، وقال النووى إنما نهى عن الاغتسال فيه إذا كان صلبا يخاف منه إصابة رشاشه فإن كان لا يخاف ذلك بأن يكون له منفذ أو غير ذلك فلا كراهة اه ونحوه لابن الأثير والخطابى. قال الشيخ ولى الدين وهو عكس ما ذكره الجماعة فإنهم حملوا النهى على الأرض اللينة وحمله هو على الصلبة وقد لمح هو معنى آخر وهو أنه في الصلبة يخشى عود الرشاش وهم نظروا إلى أنه في الرخوة يستقرّ موضعه وفى الصلبة بحرى ولا يستقرّ فإذا صب عليه الماء ذهب أثره بالكلية، والحديث ليس مقيدا بشئ مما ذكر بل الظاهر إبقاؤه على عمومه ما بقى أثر النجاسة لينقطع سبيل الوسواس فلا فرق في المستحم بين أن يكون صلبا أو رخوا له منفذ أو لا. أما إذا زال أثرها فلا نهى (واعلم) أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان أحرص الناس على هداية الأمة وإرشادهم إلى ما فيه فلاحهم دنيا وأخرى فلم يدع سبيلا يرشد إلى الخير إلا وقد أمر به ولا طريقا يوصل إلى الشرّ إلا وقد نهى عنه كما قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما تركت شيئا يقربكم إلى الله تعالى إلا وقد أمرتكم به ولا شيئا يبعدكم عن الله تعالى إلا وقد نهيتكم عنه رواه الطبرانى في الكبير عن زيد بن أرقم، وقد امتن الله سبحانه وتعالى على أمته ببعثته فقال تعالى (لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين) فهو صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رحمة عامة ونعمة تامة فمن هدايته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وشفقته علينا نهيه لنا عن البول في محل الطهارة وإعلامه أن عامة الوسواس منه ذلك الأمر الذى يترتب عليه الخروج عن هدى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واستحواذ الشيطان على من قام به حتى يوقعه في المشقة والعناء فيخيل لمن رآه أن به جنونا وحسبك أن فحول العلماء المحققين قد ألفوا في ذم الوسواس كتبا مستقلة وأطالوا الكلام بما يشفى ويكفي، فمن ذلك ما ذكره ابن قدامة المقدسى في كتابه ذمّ الموسوسين قال إن طائفة الموسوسين قد تحقق منهم طاعة الشيطان حيث اتصفوا بوسوسته وقبلوا قوله وأطاعوه ورغبوا عن اتباع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وصحابته حتى إن أحدهم ليرى أنه إذا توضأ وضوء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو صلى كصلاته فوضوؤه باطل وصلاته غير صحيحة ويرى أنه إذا فعل مثل فعل

رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في مؤاكلة الصبيان وأكل طعام عامة المسلمين أنه قد صار نجسا يجب عليه تسبيع يده وفمه كما لو ولغ فيهما كلب، ثم إنه بلغ من استيلاء إبليس عليهم أنهم أجابوه إلى ما يشبه الجنون ويقارب مذهب السوفسطائية الذين ينكرون حقائق الموجودات والأمور المحسوسات وعلم الإنسان بحال نفسه من الأمور الضروريات اليقينيات وهؤلاء يغسل أحدهم عضوه غسلا يشاهده ببصره ويكبر ويقرأ بلسانه بحيث تسمعه أذناه ويعلمه قلبه بل يعلمه غيره منه ويتيقنه ثم يشك هل فعل ذلك، وكذلك يشككه الشيطان في نيته التى يعلمها من نفسه يقينا بل يعلمها غيره منه بقرائن أحواله ومع هذا يقبل قول إبليس له إنه ما نوى الصلاة ولا أرادها مكابرة منه لعيانه وجحدا ليقين نفسه حتى تراه متردّدا متحيرا كأنه يعالج شيئا يجتذبه أو يجد شيئا في باطنه يستخرجه كل ذلك مبالغة في طاعة إبليس وقبول وسوسته، ومن انتهت طاعته لإبليس إلى هذا الحد فقد بلغ النهاية في طاعته، ثم إنه يقبل قوله في تعذيب نفسه ويطيعه في الإضرار بجسده تارة بالغوص في الماء البارد وتارة بكثرة استعماله وإطالة العرك وربما فتح عينيه في الماء البارد وغسل داخلهما حتى يضرّ ببصره وربما أفضى إلى كشف عورته للناس وربما صار إلى حال يسخر منه الشيطان ويستهزئُ به من يراه (وذكر) أبو الفرج بن الجوزى عن أبي الوفاء بن عقيل أن رجلا قال له أنغمس في الماء مرارا كثيرة وأشك هل صح لى الغسل فما ترى في ذلك فقال له الشيخ اذهب فقد سقطت عنك الصلاة قال وكيف قال لأن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ والنائم حتى يستيقظ والصبى حتى يبلغ رواه أحمد وأبو داود عن على وعمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما، ومن ينغمس في الماء مرارا وشك هل أصابه الماء فهو مجنون، قال وربما شغله بوسواسه حتى تفوته الجماعة وربما فاته الوقت ويشغله بوسوسته في النية حتى تفوته التكبيرة الأولى وربما فوّت عليه ركعة أو أكثر، ومنهم من يحلف أنه لا يزيد على هذه ويكذب، وحكى لى من أثق به عن موسوس عظيم رأيته أنا يكرر عقد النية مرارا فيشق على المأمومين مشقة كبيرة فعرض له أن حلف بالطلاق أنه لا يزيد على تلك المرة فلم يدعه إبليس حتى زاد ففرّق بينه وبين امرأته فأصابه لذلك غمّ شديد وأقاما متفرقين دهرا طويلا حتى تزوجت تلك المرأة برجل آخر وجاءه منها ولد ثم إنه حنث في يمين حلفها ففرّق بينهما وردّت إلى الأول بعد أن كاد يتلف لمفارقتها، وبلغنى عن آخر كان شديد التنطع في التلفظ بالنية فاشتدّ به التنطع والتشديد يوما إلى أن قال أصلى أصلى مرارا صلاة كذا وكذا وأراد أن يقول أداء فأعجم الدال وقال أذاء لله فقطع الصلاة رجل إلى جانبه فقال ولرسوله وملائكته وجماعة المصلين. قال ومنهم من يتوسوس في إخراج الحرف حتى يكرّره مرارا قال فرأيت منهم من يقول لله أكككبر. قال

وقال لى إنسان منهم قد عجزت عن قولى السلام عليكم فقلت له قل مثل ما قد قلت الآن وقد استرحت، وقد بلغ الشيطان منهم أن عذبهم في الدنيا والآخرة وأخرجهم عن اتباع الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأدخلم في جملة أهل التنطع والغلوّ وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. فمن أراد التخلص من هذه البلية فليستشعر أن الحق في اتباع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في قوله وفعله وليعزم على سلوك طريقته عزيمة من لا يشك أنه على الصراط المستقيم وأن ما سوى ذلك فهو من تسويل إبليس ووسوسته ويوقن أنه عدوّ له لا يدعوه إلى خير إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير وليترك التعرج على كل ما خالف طريقة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كائنا ما كان فإنه لا شك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان على الصراط المستقيم ومن شك في هذا فليس بمسلم اهـ ملخصا وقد أطال البحث في هذا المقام (فقه الحديث) دل الحديث على منع البول في محل التطهير، وعلى أنه يطلب ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يبين السبب ليقع كلامه عند المأمور والمنهى موقع القبول وعلى أنه يطلب من الإنسان البعد عما يضرّه، وعلى أنه يطلب إيقاع الغسل والوضوء في محل طاهر، وعلى أنه يطلب من الرئيس أن يرشد رعيته إلى ما فيه صلاحهم وترك ما لا خير فيه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه وابن حبان والحاكم وعبد الرزاق في الجامع والعقيلى والضياء المقدسى وأخرجه البيهقى من عدّة طرق مرفوعا وموقوفا وأخرجه الترمذى وقال حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث أشعث بن عبد الله، وذكر في العلل أنه سأل عنه البخارى فقال لا أعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، وقال ابن سيد الناس وهو مع غرابته يحتمل أن يكون من قسم الحسن لأن أشعث مستور اهـ وقال المناوى في شرحه الكبير جزم النووى بأنه حسن وقال المنذرى إسناده صحيح متصل وأشعث بن عبد الله ثقة صدوق وكذا بقية رواته (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُمَيْدٍ الْحِمْيَرِيِّ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَمَا صَحِبَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنْ يَمْتَشِطَ أَحَدُنَا كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ يَبُولَ فِي مُغْتَسَلِهِ»

(ش) (رجال الحديث) (قوله أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس بن عبد الله بن قيس التميمى الكوفى الحافظ. روى عن ابن أبي ذئب وابن أبى ليلى والثورى وهشام بن عروة وغيرهم وعنه الشيخان وأبو داود وأبو زرعة وابن أبى حاتم الرازى وطائفة، قال أحمد هو شيخ الإسلام وقال الدارقطنى صدوق ثقة وقال عثمان بن أبى شيبة كان ثقة وليس بحجة وقال ابن سعد كان ثقة صدوقا صاحب سنة وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم كان ثقة متقنا. مات سنة سبع وعشرين ومائتين (قوله زهير) بن معاوية بن حديج بالحاء المهملة مصغرا أبو خيثمة الكوفى أحد الحفاظ. روى عن سماك بن حرب والأسود بن قيس وموسى بن عقبة وأبى إسحاق السبيعى وغيرهم. وعنه ابن مهدى وأبو داود الطيالسى ويحيى بن يحيى النيسابورى وعمرو بن خالد وآخرون. قال ابن معين ثقة وقال أبو زرعة ثقة إلا أنه سمع من أبى إسحاق بعد الاختلاط وقال أبو حاتم ثقة متقن صاحب سنة وقال العجلى ثقة مأمون وقال النسائى ثبت وقال ابن سعد كان ثقة ثبتا مأمونا كثير الحديث، روى له الجماعة، مات سنة ثلاث وسبعين ومائة (قوله داود ابن عبد الله) الأودى بفتح فسكون الزعافرى أبو العلاء الكوفى. ووى عن أبيه وحميد بن عبد الرحمن الحميرى والشعبى وغيرهم. وعنه أبو عوانة ومحمد بن فضيل وأبو خالد الدالانى ووكيع وكثيرون. وثقه أحمد وأبو داود وابن معين وقال مرة ليس بشئ وقال النسائى ليس به بأس (قوله حميد) بالتصغير ابن عبد الرحمن البصرى الفقيه. روى عن أبى هريرة وأبي بكرة وابن عمر وابن عباس وكثيرين. وعنه ابنه عبيد الله وعبد الله بن بريدة وأبو التياح وابن سيرين وغيرهم وثقه العجلى وابن سعد وقال ابن سيرين هو أفقه أهل البصرة وقال أحمد بن عبد الله تابعى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان فقيها عالما روى له الجماعة إلا البخارى، والحميرى بكسر فسكون نسبة إلى حمير قبيلة باليمن (قوله لقيت رجلا) لم يعرف ذلك الرجل وهذا لا يضرّ لأن الصحابة كلهم عدول لثناء الله تعالى عليهم ورسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وقيل هو حكم بن عمرو الغفارى وقيل عبد الله بن سرجس وقيل عبد الله ابن مغفل (قوله كما صحبه أبو هريرة) يعنى صحبه مدّة طويلة، وفى رواية النسائى لقيت رجلا صحب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربع سنين (قوله نهى) النهى ضدّ الأمر وهو الكفّ يقال نهاه ينهاه نهيا أى كفه، وفى العرف اقتضاء كف عن فعل لا بقول كف والأداة الموضوعة له لا الجازمة، والنهى في حديث الباب محمول على الكراهة عند العلماء (قوله أن يمتشط أحدنا) أى معشر الرجال، والفعل في تأويل مصدر مجرور بعن مقدرة أى نهى عن امتشاط أحدنا، والامتشاط تسريح الشعر بالمشط لتحسينه يقال مشطت الشعر مشطا من بابي قتل وضرب سرحته والتثقيل مبالغة والمشط الذى يمتشط به بضم الميم، وتميم كسرها وهو القياس لأنه آلة

حكمة النهي عن كثرة الامتشاط

والجمع أمشاط، وإنما نهى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الامتشاط كل يوم لما يترتب عليه من تساقط شعر اللحية المأمور بإعفائها ولما فيه من الترفه المنافى لشهامة الرجال قال ابن حجر في شرح الشمائل إنما نهى عن الترجل إلا غبا لأن إدمانه يشعر بمزيد الإمعان في الزينة والترفه وذلك إنما يليق بالنساء وهو ينافى شهامة الرجال اهـ. وقال ابن العربى موالاته تصنع وتركه تدليس وإغبابه سنة اهـ، وإغبابه أن يفعله يوما ويتركه يوما، ويؤيده ما روى عن عبد الله بن مغفل قال نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الترجل إلا غبا رواه أحمد والنسائى والترمذى وسيأتى للمصنف في أول كتاب الترجل وصححه الترمذى وابن حبان، والترجل تسريح الشعر وفي ترك الترجيل أياما نوع من البذاذة التى هي من الإيمان كما جاء عند المصنف في كتاب الترجيل وابن ماجه من حديث أبى أمامة قال ذكر أصحاب رسول الله صلى الله تعالى علية وعلى آله وسلم يوما عنده الدنيا فقال ألا تسمعون ألا تسمعون إن البذاذة من الإيمان إن البذاذة من الإيمان، والبذاذة رثاثة الهيئة، ولا يعارض حديث الباب ما رواه النسائى باسناد رجاله رجال الصحيح عن أبى قتادة أنه كانت له جمة ضخمة فسأل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأمره أن يحسن إليها وأن يترجل كل يوم، لإمكان الجمع بينهما بأن النهى مخصوص بمن لا يحتاج شعره إلى الترجل كل يوم أما من يحتاج إلى ذلك كل يوم كأبى قتادة فلا يشمله النهى وكذا لا يعارضه حديث أنس الذى أورده الترمذى في الشمائل كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يكثر تسريح لحيته، لأن إكثار التسريح لا يستلزم الفعل كل يوم بل لو فعله يوما وتركه يوما يعدّ مكثرا، وما ذكره الغزالى في الإحياء من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسرّح لحيته في اليوم مرتين، لم يرد بهذا اللفظ كما قاله شارحه الزبيدى (قوله أو يبول في مغتسله) أى ونهى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يبول أحدنا في مغتسله، فأو فيه بمعنى الواو والمغتسل بضم الميم وفتح السين المهملة موضع الاغتسال كما تقدم (فقه الحديث) دلّ الحديث على كراهة امتشاط الرجال كل يوم لما فيه من المبالغة في الترفه والزينة وكل منهما مناف لشهامة الرجال بخلاف النساء فإنه لا يكره ذلك في حقهن لأنهن محل الزينة والترفه، وعلى أنه يطلب من كل شخص المحافظة على وقته من الضياع فلا يصرفه في غير المطلوب شرعا، وعلى أنه طلب البعد عن تنجيس محل الطهارة وقد تقدم بسط ذلك في الحديث الذى قبله (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى وكذا أحمد ضمن حديث وأخرجه النسائى في كتاب الزينة بلفظ نهانا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم (باب النهى عن البول في الجحر) بجيم مضمومة فحاء مهملة ساكنة أى الشق في الأرض أو في الحائط كما يأتي

(ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، ثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْجُحْرِ»، قال قَالُوا لِقَتَادَةَ: مَا يُكْرَهُ مِنَ الْبَوْلِ فِي الْجُحْرِ؟ قَالَ: كَانَ يُقَالُ إِنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ (ش) (رجال الحديث) (قوله معاذ بن هشام) بن أبى عبد الله الدستوائى البصرى نزيل اليمن. روى عن أبيه وشعبة وابن عون ويحيى بن العلاء وجماعة، وعنه ابن المدينى وعفان ابن مسلم وأحمد بن حنبل ومحمد بن المثنى وغيرهم. روى له الجماعة وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن قانع ثقة مأمون وقال ابن معين صدوق وليس بحجة وقال ابن عدى ربما يغلط في الشئ وأرجو أنه صدوق. مات بالبصرة سنة مائتين (قوله حدثنى أبى) هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائى أبو بكر البصرى. روى عن قتادة ومطر الورّاق وأبى الزبير ويحيى بن أبى كثير وغيرهم، وعنه شعبة بن الحجاج وابن المبارك وابن مهدى وبشر بن المفضل وجماعة، قال أبو داود الطيالسى كان أمير المؤمنين في الحديث وقال شعبة ما من الناس أحد أقول إنه طلب الحديث يريد به وجه الله تعالى إلا هشام وذكره ابن علية في حفاظ البصرة وقال أحمد بن حنبل ما أرى الناس يروون عن أحد أثبت منه أما مثله فعسى وأما أثبت منه فلا وقال العجلى ثقة ثبت في الحديث حجة إلا أنه يرى القدر وقال ابن سعد حجة لكنه يرى القدر. مات سنة اثنتين أو ثلاث أو أربع وخمسين ومائة. روى له الجماعة (قوله قتادة) بن دعامة (قوله عبد الله بن سرجس) بفتح أوله وسكون الراء وكسر الجيم بعدها سين مهملة غير منصرف للعلمية والعجمة المزنى المخزومى البصرى له سبعة عشر حديثا. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن عمر وأبى هريرة، وعنه عثمان بن حكيم وعاصم الأحول وقتادة ومسلم بن أبى مريم. روى له مسلم والنسائى والترمذى وأبو داود وابن ماجه، قال أبو عمر بن عبد البرّ صحابى صحيح السماع من حديثه عند مسلم وغيره رأيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأكلت معه خبزا ولحما ورأيت الخاتم "الحديث" وفيه فقلت استغفر لى يا رسول الله، وقال البخارى وابن حبان له صحبة (قوله نهى أن يبال في الجحر) الفعل في تأويل مصدر مجرور بعن مقدّرة أى نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن البول في الجحر ومثل البول الغائط بل هو أولى، والجحر بضم الجيم وسكون الحاء المهملة في الأصل ما تحتفره السباع والهوام لأنفسها والمراد به في الحديث الشق في الحائط أو في الأرض أو غيرهما وجمعه جحرة كعنبة وأجحار كأقفال، ومحل النهى عن البول فيه ما لم يكن معدًّا لقضاء الحاجة (قوله قال) أى هشام الدستوائى

الكلام عن الجن

تلميذ قتادة (قوله ما يكره من البول) ما استفهامية ويكره بضم أوله مبنى لما لم يسمّ فاعله أى يبغض ومن زائدة والبول نائب فاعل أى قالوا لأى شئ يكره البول في الجحر فالاستفهام إنما هو عن سبب كراهة البول في الجحر (قوله قال كان يقال الخ) أي قال قتادة يقال في سبب كراهة البول في الجحر إنها مساكن الجن فينبغى اجتناب البول فيها منعا للإيذاء والضرر وفى رواية البيهقى والحاكم فقال إنها مساكن الجن بدون قوله كان يقال. قال المناوى في شرحه الكبير ويؤيده الأثر الصحيح أن سعد بن عبادة الخزرجى بال في جحر ثم خرّ ميتا فسمعت الجن تقول نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهم فلم يخطئ فؤاده، قال في المرقاة شرح المشكاة بعد أن ذكر هذا الأثر الله أعلم بصحته اهـ والضمير في أنها يحتمل أن يكون عائدا على الأجحار المفهومة من السياق بدليل الجمع في قوله مساكن، ويحتمل أن يكون عائدا على الجحر بمعنى الفرجة، وجمع الخبر باعتبار الجنس، والمراد بالجن كل ما هو مستور عن أعين الناس لا خصوص أحد الثقلين فيشمل الحشرات والهوام، والجن في الأصل ضدّ الإنس مأخوذ من الاجتنان وهو الاستتار سموا بذلك لاستتارهم عن أعين الناس وهو اسم جنس واحده جنى وهم أجسام يغلب عليها الجزء النارى وقيل الهوائي من شأنهم الخفاء ولهم قدرة على التشكل بالصور الشريفة والخسيسة وتحكم عليهم الصورة بخلاف الملائكة فإنهم أجسام نورانية لهم قدرة على التشكل بالصور الشريفة فقط ولا تحكم عليهم الصورة. قال في آكام المرجان الجنّ ثلاثة أصناف كما جاء في الحديث، روى ابن أبى الدنيا عن أبى الدرداء قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خلق الله تعالى الجن ثلاثة أصناف صنف حيات وعقارب وخشاش الأرض وصنف كالريح في الهواء وصنف عليهم الحساب والعقاب اهـ وهذا القسم الأخير هو المكلف من حين الخلقة فمنهم المؤمن ومنهم الكافر قال تعالى حكاية عنهم (وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا) قال المفسرون أى فرقا مختلفة الأديان يهودا ونصارى وعبدة أوثان، وقال الألوسى في روح المعاني، أخرج البيهقى في الأسماء وأبو نعيم والديلمى وغيرهم بإسناد صحيح كما قاله العراقى عن أبى ثعلبة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الجن ثلاثة أصناف صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء وصنف حيات وكلاب وصنف يحلون ويظعنون، وقال وهب إن من الجن من يولد له ويأكلون ويشربون بمنزلة الآدميين ومنهم من هو بمنزلة الريح لا يتوالدون ولا يأكلون ولا يشربون وهم الشياطين اهـ واختلف في أصل الجن فقيل هم ذرية إبليس كما قاله الحسن وعليه فالمتمرّد منهم يسمى شيطانا وقيل هم ذرية غيره كما قاله مجاهدا والشياطين ولد إبليس يموتون معه عند النفخة، والراجح الأول فمن آمن من الجن فقد انقطعت نسبته من أبيه والتحق بآدم ومن كفر من

باب ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء

الإنس فقد انقطعت نسبته من أبيه والتحق بإبليس، ومن أراد زيادة البيان فعليه بكتاب آكام المرجان في أخبار الجان (فقه الحديث) دلّ الحديث على كراهة البول في الحفر التى تسكنها السباع والهوام خشية الأذى، ومحل الكراهة ما لم يغلب على الظن أذى له أو لما في الجحر من حيوان محترم وإلا حرم كما هو ظاهر النهى، وعلى أنه يطلب من العاقل البعد عما يخشى منه الضرر، وعلى مزيد رأفة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالأمة. وعلى أنه يطلب ممن تولى أمر جماعة أن يأمرهم بما فيه نفعهم وينهاهم عما فيه ضررهم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والنسائى وكذا الحاكم والبيهقى مطولا بلفظ لا يبولن أحدكم في الجحر وإذا نمتم فأطفئوا السراج فإن الفأرة تأخذ الفتيلة فتحرق على أهل البيت وأوكئوا الأسقية وخمروا الشراب وأغلقوا الأبواب فقيل لقتادة وما يكره من البول في الجحر فقال إنها مساكن الجن، قال الحافظ في التلخيص قيل إن قتادة لم يسمع من عبد الله، ابن سرجس حكاه حرب عن أحمد، وأثبت سماعه منه علي ابن المديني وصححه ابن خزيمة وابن السكن اهـ وقال في البدر المنير ثبت سماع قتادة من ابن سرجس، وقال المنذرى رجال إسناده كلهم ثقات، وقال الطبرانى سمعت محمد بن أحمد بن البراء قال على ابن المدينى سمع قتادة من ابن سرجس، وعن أبى حاتم لم يلق قتادة من الصحابة إلا أنسا وعبد الله بن سرجس، وقال الحاكم إن الحديث صحيح على شرط الشيخين (باب ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء) وفى نسخة باب ما يقول إذا خرج من الخلاء، ومثل الرجل في ذلك المرأة، والمراد بالخلاء المكان الذى تقضى فيه الحاجة كما تقدم (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، ثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الغَائِطِ قَالَ: «غُفْرَانَكَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عمرو بن محمد الناقد) ابن بكير بن سابور بالسين المهملة وفى الخلاصة بالشين المعجمة أبو عثمان البغدادى الحافظ. روى عن هشيم وابن عيينة وحاتم ابن إسماعيل وعيسى بن يونس وغيرهم. وعنه أبو زرعة وأبو حاتم والشيخان وأبو داود قال أبو حاتم ثقة صدوق مأمون وقال عبد الله بن أحمد عمرو يتحرّى الصدق وقال ابن

معين لما قيل له إن خلفا يقع فيه فقال ما هو من أهل الكذب بل هو صدوق وقال الحسين ابن فهم ثقة ثبت صاحب حديث وكان من الحفاظ المعدودين. توفى ببغداد في ذى الحجة قيل سنة اثنتين وثلاثين مائتين كما في تهذيب التهذيب وفى الخلاصة سنة اثنتين وعشرين ومائتين (قوله هاشم بن القاسم) بن مسلم بن مقسم الليثى أبو النضر البغدادى الخراسانى الأصل الحافظ روى عن شعبة جميع ما أملاه ببغداد وهو أربعة آلاف حديث وعن ابن أبى ذئب وشريك ابن عبد الله النخعى وشيبان بن عبد الرحمن وغيرهم. وعنه أحمد وإسحاق وأبو بكر ابن أبى شيبة وأبو خيثمة وكثيرون، قال العجلى ثقة صاحب سنة كان أهل بغداد يفتخرون به وقال ابن عبد البر اتفقوا على أنه صدوق وقال النسائى لا بأس به وقال الحاكم حافظ ثبت في الحديث. ولد سنة أربع وثلاثين ومائتين. ومات ببغداد سنة خمس أو سبع ومائتين. روى له الجماعة (قوله إسراءيل) بن يونس بن أبى إسحاق السبيعى الهمدانى أبو يوسف الكوفى. روى عن زياد بن علاقة وسماك بن حرب وعبد العزيز بن رفيع وعبد الملك بن عمير وطائفة. وعنه يزيد بن زريع ووكيع وأبو نعيم وأبو داود الطيالسى وغيرهم. روى له الجماعة قال أبو حاتم صدوق من أتقن أصحاب أبى إسحاق وقال أحمد بن حنبل كان شيخا ثقة وجعل يتعجب من حفظه وقال العجلى ثقة وقال يعقوب بن شيبة صالح الحديث وفى حديثه لين وقال في موضع آخر ثقة صدوق وليس في الحديث بالقوى ولا بالساقط وقال ابن عدى هو ممن يحتج به وذكره ابن حبان في الثقات وقال النسائى ليس به بأس وضعفه ابن المدينى وابن حزم وعن عبد الرحمن بن مهدى إسراءيل لص يسرق الحديث. ولد سنة مائة. ومات سنة ستين أو اثنتين وستين ومائة (قوله يوسف بن أبى بردة) بن أبى موسى الأشعرى الكوفي. روى عن أبيه. وعنه إسراءيل وسعيد بن مسروق وثقه العجلى وابن حبان وقال في التقريب ثقة من السادسة، روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه (قوله عن أبيه) هو أبو بردة ابن أبى موسى اسمه الحارث أو عامر بن عبد الله بن قيس الأشعرى ورجح هذا ابن حبان وقيل اسمه كنيته وهو قاضى الكوفة ومن فقهائها، روى عن علي وعبد الله بن سلام وعروة بن الزبير وحذيفة وطائفة، وعنه الشعبي وثابت البنانى وقتادة وأبو إسحاق السبيعى وغيرهم، وثقه ابن سعد وابن خراش والعجلى وابن حبان، مات سنة ثلاث أو أربع ومائة (قوله كان إذا خرج إلخ) أى كان من عادته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا فارق محل قضاء الحاجة قال غفرانك وكان تفيد التكرار لغة وبه جزم القاضيان أبو بكر وأبو الطيب، وقيل تفيده عرفا وإليه ذهب ابن الحاجب وابن دقيق العيد، وقيل لا تفيده مطلقا وإليه ذهب الإمام الرازى والأكثر وهي هنا للتكرار لتكرّر خروجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الخلاء. ولفظ خرج يشعر بأن هذا خاص بالخروج من المكان المعدّ لقضاء الحاجة

الحكمة في طلب المغفرة بعد قضاء الحاجة

وليس مرادا بل المراد منه الانتقال عن محل قضاء الحاجة فيشمل ما لو كان في الصحراء (قوله غفرانك) مصدر بمعني الستر والتغطية يقال غفر يغفر غفرا وغفرانا ومغفرة والمغفرة العفو عن المذنبين وقال النووى المراد بغفران الذنب إزالته وإسقاطه وهو منصوب إما على أنه مفعول لفعل محذوف تقديره أسألك أو أطلب منك أو على أنه مفعول مطلق أى اغفر غفرانك وعلى كل فالجملة مقول القول وإضافته للضمير من إضافة المصدر لفاعله والمفعول محذوف أى أسألك أن تغفر لى ذنوبى قال المناوى وظاهر الحديث أنه يقوله مرة وقال القاضى وغيره مرتين وقال المحب الطبرى ثلاثا اهـ ولم نقف على ما يدل على التكرار. وفى سبب طلب المغفرة هنا احتمالات (الأول) أنه سأل المغفرة لتركه ذكر الله تعالى في تلك الحالة فإنه كان لا يترك ذكر الله تعالى إلا عند قضاء الحاجة فكأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأى ذلك تقصيرا فتداركه بالاستغفار. فإن قيل ترك الذكر حال قضاء الحاجة مأمور به فكيف يستغفر الله منه فالجواب أن قضاء الحاجة مسبب عن تناول الغذاء وهو ناشئ عن الشهوة (الثانى) لعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سأل المغفرة لظنه العجز عن القيام بتمام شكر النعمة من تيسير الغذاء وهضمه وإبقاء منفعته وإخراج فضلته على سهولة (الثالث) أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقول هذا القول تعليما لأمته وهو الأنسب بمقامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإن قلبه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما كان يغفل عن مراقبة الله تعالى لا حال قضاء الحاجة ولا غيرها (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يطلب ممن قضى حاجته أن يقول غفرانك سواء أكان في الصحراء أم البنيان. وعلى أن الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم كانوا حريصين على حفظ آثاره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى حين خروجه من الخلاء (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والنسائى في كتاب عمل اليوم والليلة وابن ماجه والترمذى وقال هذا حديث حسن غريب ولا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة اهـ وأخرجه البيهقى بزيادة ربنا وإليك المصير ثم قال الأشبه أنه لا أصل لهذه الزيادة. وأخرجه البخارى في الأدب والضياء المقدسى في المختارة والأصفهانى وابن عبد البر في سننه والطحاوى والدارمى وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وابن الجارود والنووى في مجموعه، وقد جاء في القول بعد قضاء الحاجة أحاديث أخر (منها) ما أخرجه النسائي عن أبي ذرّ وابن ماجه عن أنس ابن مالك عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بلفظ كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذى أذهب عنى الأذى وعافانى، وهو ضعيف لأن في سنده إسماعيل بن مسلم أجمع على ضعفه وعدم التعويل على حديثه (ومنها) ما أخرجه الطبرانى في الدعاء من طريق سلمة بن وهرام عن طاوس رفعه كان إذا خرج قال الحمد لله الذى أذهب عنى ما يؤذينى وأبقى علىّ ما ينفعنى، وفى نسخة وأبقى فىّ ما ينفعنى قال الطبرانى لم نجد من

باب كراهية مس الذكر باليمين فى الاستبراء

وصل هذا الحديث قال الحافظ وفيه مع إرساله ضعف (ومنها) حديث أنس بن مالك بلفظ كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا خرج من الغائط قال الحمد لله الذى أحسن إلىّ في أوله وآخره أخرجه ابن السنى في عمل اليوم والليلة قال الحافظ العراقى فيه عبد الله بن محمد العدوى ضعيف وجزم المنذرى أيضا بضعفه وذكره العقيلي في الضعفاء (ومنها) حديث ابن عمر أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا خرج قال الحمد لله الذى أذاقنى لذته وأبقى على قوّته وأذهب عنى أذاه أخرجه أبو بكر ابن السنى في عمل اليوم والليلة من طريق إسماعيل بن أبي رافع عن دويد بن نافع عن ابن عمر. قال المنذرى هذا حديث ضعيف. وقال العراقى إسماعيل مختلف فيه ورواية دويد بن نافع عن ابن عمر منقطعة. وقال أبو حاتم إسماعيل بن أبي رافع منكر الحديث وقال الترمذى ضعفه بعض أهل العلم وسمعت محمدا يقول هو ثقة مقارب الحديث وقال النسائي والدارقطنى متروك الحديث. وقال ابن عدى أحاديثه كلها مما فيها نظر إلا أنه يكتب حديثه في جملة الضعفاء وهذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة يقوى بعضها بعضا، على أن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال (باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء) وفى نسخة باب كراهية مس الذكر في الاستبراء باليمين، والمراد بالاستبراء ما يعم الاستنجاء (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَا: ثَنَا أَبَانُ، ثَنَا يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ نبي اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا أَتَى الْخَلَاءَ فَلَا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ فَلَا يَشْرَبْ نَفَسًا وَاحِدًا» (ش) (رجال الحديث) (قوله أبان) بن يزيد العطار أبو يزيد البصرى أحد الأثبات المشاهير روى عن قتادة ويحيى بن سعيد وهشام بن عروة ويحيى بن أبى كثير وغيرهم. وعنه ابن المبارك ويحيى القطان ويزيد بن هارون وعفان بن مسلم، وثقه ابن المدينى والعجلى وقال كان يرى القدر ولا يتكلم فيه وقال الذهبىّ أبان حافظ صدوق إمام وثقه ابن حبان وابن معين والنسائى وقال ابن عدى هو حسن الحديث متماسك يكتب حديثه وعامتها مستقيمة وأرجو أن يكون من أهل الصدق وقال أحمد بن حنبل كان ثبتا في كل المشايخ. مات في بضع وستين ومائة. روى له الشيخان وأبو داود والنسائى (قوله عن عبد الله بن أبى قتادة) أبي إبراهيم الأنصارى السلمى، روى عن أبيه وجابر. وعنه عبد العزيز بن رفيع وزيد بن أسلم وحصين بن عبد الرحمن وسعيد بن أبى سعيد المقبرى وجماعة، وثقه النسائى وابن سعد وقال كان قليل الحديث، مات سنة خمس وتسعين، روى

حكمة النهي عن مس الذكر باليمين

له الجماعة (قوله عن أبيه) هو أبو قتادة الحارث وقيل النعمان وقيل عمرو بن ربعى بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها عين مهملة ابن بلدمة بضم الموحدة والدال المهملة بينهما لام ساكنة الأنصارى الخزرجى السلمى كان يعرف بأنه فارس رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واختلف في شهوده بدرا واتفقوا على شهوده أحدا وما بعدها وذكر الواقدىّ عنه أنه قال أدركنى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم ذى قرد ونظر إلىّ وقال اللهم بارك في شعره وبشره وقال أفلح وجهك فقلت ووجهك يا رسول الله قال ما هذا الذى بوجهك قلت سهم رميت بة قال ادن فدنوت فبصق عليه فما ضرب علىّ وما فاح، وعنه أيضا أنه حرس النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ليلة فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اللهم احفظ أبا قتادة كما حفظ نبيك هذه الليلة، وعنه أيضا قال انحاز المشركون على لقاح رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأدركتهم فقتلت مسعدة فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين رآنى أفلح الوجه قال الطبرانى لم يروه عن أبى قتادة إلا ولده وعن سلمة بن الأكوع أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "خير فرساننا أبو قتادة" وفضائله رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كثيرة شهيرة، له مائة وسبعون حديثا اتفق الشيخان علي أحد عشر حديثا وانفرد البخارى بحديثين ومسلم بثمانية، روى عن معاذ وعمر، وعنه أنس بن مالك وجابر وعبد الله بن رباح وعطاء بن يسار وآخرون، مات سنة أربع وخمسين وهو ابن سبعين سنة بالمدينة (قوله فلا يمس ذكره بيمينه) أى فلا يفض بباطن كفه اليمنى إلى ذكره لظاهر رواية البخارى إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه، فيمس مجزوم بلا الناهية ويجوز رفعه على أنها نافية وكذا الأفعال بعده ومثل الذكر في ذلك فرج المرأة والدبر، وخرج بإضافة الذكر إلى البائل ذكر غيره ممن يشتهى فيحرم مسه إلا لضرورة، قال المناوى والنهى فيه للتنزيه عند الشافعية وللتحريم عند الحنابلة والظاهرية اهـ، وإنما نهى عن مسّ الذكر باليمين حال البول أو بعده لاستبراء أو استنجاء تكريما وتنزيها لها عن مباشرة العضو الذى يكون منه النجاسات ولأنها معدّة لتناول نحو الطعام فإذا مس بها فرجه ربما تذكر عند التناول فتعافه نفسه وقد كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يجعل يمينه لطعامه وشرابه ولباسه ونحوها من الأمور الشريفة ويسراه لما سوى ذلك، قال المناوى وأفهم تقييده المس بحالة البول عدم كراهته في غير تلك الحالة وبه أخذ بعضهم قال ووجه التخصيص أن مجاور الشئ يعطى حكمه فلما منع الاستنجاء باليمين منع مس ذكره في تلك الحالة، ولا ينافيه ما في مسلم والترمذى والنسائى من إطلاق النهى لوجوب حمل المطلق على المقيد فإن الحديث واحد والمخرّج واحد ولا خلاف في حمل المطلق على المقيد عند اتحاد الواقعة اهـ لكن الأصح كما قال النووى أنه لا فرق بين حال الاستنجاء وغيرها ولا يلزم منه ترك حمل العامّ على الخاص إذ لا محذور فيه هنا لأن ذاك محله إذا لم يخرج القيد مخرج الغالب ولم يكن العام أولى بالحكم وإنما

لا يشرب نفسا واحدا

ذكر حالة الاستنجاء في الحديث تنبيها على ما سواها لأنه إذا كره المس باليمين حالة الاستنجاء مع مظنة الحاجة فغيره أولى ولأن الغالب أنه لا يحصل مس الذكر إلا في تلك الحالة فخصت بالذكر لغلبة حضورها في الذهن وما خرج مخرج الغالب لا مفهوم له، والحق أن هذا من ذكر بعض أفراد العام لا من المطلق والمقيد لأن الأفعال في حكم النكرات والنكرة في سياق النفى تعمّ (قوله وإذا أتى الخلاء فلا يتمسح بيمينه) أى إذا حضر محل قضاء الحاجة فبال أو تغوّط فلا يستنجى بيمينه كما في رواية البخارى والبيهقى بل بيساره، والتمسح في الأصل إمرار اليد ونحوها على الشئ كما في القاموس والمراد به هنا الاستنجاء كما في حديث سلمان السابق نهانا أن نستنجى باليمين، وهذا النهى للتنزيه أو التحريم كما تقدم بيانه وافيا في باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة "فإن قيل" النهى عن مس الذكر والاستنجاء باليمين مشكل لأنه إن استنجى بيساره احتاج إلى مس ذكره بيمينه وإن استنجى بيمينه احتاج إلى مسه بيساره فهو واقع في المنهى عنه بكل حال "أجيب" بأنه يمسك الحجر ونحوه بيمينه والذكر بيساره ويمرّ عليه العضو ولا يحرّك يمينه فلا يعدّ مستجمرا باليمين ولا ماسا بها، قال الحافظ ابن حجر ومن ادّعى أنه مستجمر بمها فقد غلط وإنما هو كمن صب الماء بيمينه على يساره اهـ (قوله وإذا شرب الخ) أى شرع في الشرب فلا يشرب نفسا واحدا بل يشرب نفسين أو ثلاثا مع فصل القدح عن فيه مخافة سقوط شئ من الفم أو الأنف فيه وهذا من آداب الشريعة. وذكر هنا أدب الشرب لأن الغالب من أخلاق المؤمنين التأسى بأفعال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد كان إذا بال توضأ وثبت أنه شرب من فضل وضوئه فالمؤمن بصدد أن يفعل ذلك فعلمه أدب الشرب مطلقا لاستحضاره غالبا عند الوضوء. والنهى في الحديث محمول على الكراهة عند العلماء. ونهى عن الشرب نفسا واحدا لأنه إذا استوفى شربه نفسا واحدا تكاثر الماء في موارد حلقه وأثقل معدته وأضعف الأعصاب فيخشى منه الضرر وهكذا هو العبّ المنهى عنه فقد روى سعيد بن منصور وابن السنى وأبو نعيم والبيهقى عن أبى حسين مرسلا إذا شرب أحدكم فليمص الماء مصا ولا يعبّ عبا فإن الكباد من العبّ. وأبو حسين هو عبد الله ابن عبد الرحمن بن الحارث المكي النوفلى ثقة خرج له الجماعة. وأخرج البيهقى عن ابن شهاب مرسلا أيضا نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن العبّ نفسا واحدا وقال ذلك شرب الشيطان. وفى الاحتجاج بالمرسل خلاف، وفي مسند الفردوس عن على مرفوعا إذا شربتم الماء فاشربوه مصا ولا تشربوه عبا فإن العبّ يورث الكباد. وفيه محمد بن خلف قال الذهبى عن الدارقطنى متروك يتقوّى بما روى عن أبى حسين. وأخرج البيهقى عن أنس بن مالك مصوا الماء مصا ولا تعبوه عبا وفى سنده لين. والكباد بضم الكاف وجع الكبد. والعبّ الشرب

استحباب جعل اليمنى للطعام والشراب والثياب، واليسرى للاستنجاء وما كان من أذى

بلا تنفس فإذا جعل شربه على نفسين أو ثلاثة كان أخف على معدته وأنفع لريه وأحسن في الأدب وأقمع للعطش وأقوى في الهضم وأبعد من فعل أرباب الشره. والسنة فيه أن يشرب على نفسين أو ثلاثة يسمى الله تعالى في بداية كل واحدة ويحمده في آخرها. فقد روى الترمذى عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تشربوا واحدا كشرب البعير ولكن اشربوا مثنى وثلاث وسموا إذا أنتم شبتم واحمدوا إذا أنتم رفعتم قال الترمذى هذا حديث غريب. وورد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يشرب في ثلاثة أنفاس إذا أدنى الإناء إلى فيه سمى الله تعالى وإذا أخره حمد الله يفعل ذلك ثلاثا قال الحافظ في الفتح أخرجه الطبرانى في الأوسط بسند حسن عن أبى هريرة اهـ قال ابن القيم للتسمية في الأول والحمد في الآخر سرّ عجيب في نفع الطعام والشراب ودفع مضرّته اهـ ويستوى فما ذكر الماء واللبن وجميع المائعات (فقه الحديث) دلّ الحديث على النهى عن مس الفرج باليمين حال قضاء الحاجة، وعلى النهى عن الاستنجاء بها، وعلى كراهة الشرب في نفس واحد لما فيه من الضرر، وعلى شرف اليمين وطلب صونها عن النجاسات (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والبيهقى والترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح ورواه أحمد في مسنده وأبو داود الطيالسى وابن حبان وقال ابن منده حديث قتادة مجمع على صحته (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ آدَمَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمِصِّيصِيُّ، ثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ يَعْنِي الْإِفْرِيقِيَّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، وَمَعْبَدٍ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَثِيَابِهِ، وَيَجْعَلُ شِمَالَهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن آدم بن سلمان) الجهنى. روى عن على بن هاشم وابن المبارك وحفص بن غياث ومروان بن معاوية وغيرهم. وعنه الفضل بن العباس وعبد الله ابن محمد بن بشر وأبو داود وأبو حاتم وقال هو صدوق وقال النسائى ثقة صدوق لا بأس به

مات سنة خمس ومائتين (قوله المصيصي) بكسر الميم وتشديد المهملة الأولى نسبة إلى مصيصة بلد بالشام (قوله ابن أبي زائدة) هو يحيى بن زكريا (¬1) (قوله أبو أيوب) هو عبد الله ابن على الكوفى الأزرق. روى عن صفوان بن سليم والزهرى وأبى إسحاق السبيعى وجماعة وعنه موسى بن عقبة ويحيى بن زكريا ومروان بن معاوية، قال أبو زرعة لين في حديثه إنكار ليس بالمتين وقال ابن معين ليس به بأس. روى له أبو داود والترمذى (قوله الإفريقي) بكسر الهمزة والراء بينهما فاء ساكنة نسبة إلى إفريقية بلاد واسعة قبالة الأندلس (قوله عن المسيب ابن رافع) الأسدى أبى العلاء الكوفى. روى عن جابر بن سمرة وأبى سعيد الخدرى وأبى إياس والأسود بن يزيد وجماعة، وعنه منصور والأعمش وأبو إسحاق السبيعى وإسماعيل بن أبى خالد وغيرهم. ذكره ابن حبان في الثقات وقال العجلى تابعى ثقة. روى له الجماعة قال ابن معين لم يسمع من صحابى إلا من البراء وعامر بن عبدة. مات سنة خمس ومائة (قوله معبد) بن خالد بن مرير بالتصغير ابن حارثة الجدلى القيسى العابد الكوفى. روى عن المستورد بن شدّاد ومسروق وحارثة بن وهب والنعمان بن بشير وغيرهم، وعنه الأعمش وعاصم بن بهدلة وشعبة والثورى وكثيرون. روى له الجماعة وثقه ابن معين ويعقوب بن سفيان والنسائى وابن عدى والعجلى وقالا تابعى وقال أبو حاتم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان عابدا صابرا على التهجد يصلى الغداة والعشاء بوضوء واحد مات في ولاية خالد على العراق سنة ثمانى عشرة ومائة (قوله حارثة بن وهب الخزاعي) هو أخو عبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه صحابى نزل الكوفة له ستة أحاديث اتفق البخارى ومسلم على أربعة. روى عن جندب الخيرى وحفصة بنت عمر، وعنه أبو إسحاق السبيعى ومعبد بن خالد الجدلى الكوفى والمسيب بن رافع. روى له الجماعة (قوله حفصة) بنت عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما من المهاجرات كانت قبل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تحت خنيس بالتصغير ابن حذافة السهمى فقد أخرج الشيخان عن ابن عمر قال تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمى وكان من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد شهد بدرا وتوفى بالمدينة قال عمر فلقيت عثمان فقلت إن شئت أنكحتك حفصة قال سأنظر في أمرى فلبث ليالى ثم لقينى فقال قد بدا لى أن لا أتزوج في يومى هذا قال عمر فلقيت أبا بكر فقلت إن شئت أنكحتك حفصة فصمت فلم يرجع إلى شيئا فكنت عليه أوجد منى على عثمان فلبثت ليالى ثم خطبها رسول الله على الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأنكحتها إياه فلقينى أبو بكر فقال لعلك وجدت علىّ حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك شيئا فقلت نعم قال فإنه لم يمنعنى أن أرجع عليك فيما عرضت عليّ إلا أنى قد علمت أن رسول الله صلى الله تعالى عليه ¬

_ (¬1) (تنبيه) إن لم نذكر ترجمة أحد رجال الحديث فليعلم أنها تقدمت

وعلى آله وسلم قد ذكرها فلم أكن لأفشى سرّه ولو تركها لقبلتها، تزوجها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد عائشة واختلف في طلاقها فقد أخرج النسائى عن ابن عباس والمصنف عن ابن عمر أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان طلق حفصة ثم راجعها وأخرج أبو يعلى عن ابن عمر قال دخل عمر على حفصة وهى تبكي فقال لعلّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد طلقك إنه كان قد طلقك ثم راجعك من أجلى فإن كان قد طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبدا، وذكر البغوى في تفسيره عن مقاتل بن حيان أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يطلقها وإنما همّ بطلاقها فأتاه جبريل عليه السلام وقال لا تطلقها فإنها صوّامة قوامة وإنها من جملة نسائك في الجنة فلم يطلقها. روت عن النبى صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أبيها ولها ستون حديثا اتفق البخارى ومسلم على ثلاثة وانفرد مسلم بستة وروى عنها أخوها عبد الله وحارثة بن وهب وأم مبشر الأنصارية وعبد الرحمن بن الحارث والمطلب بن أبى وداعة وآخرون، ولدت قبل البعثة بخمس سنين وماتت في شعبان سنة إحدى أو خمس وأربعين في خلافة معاوية وصلى عليها مروان بن الحكم أمير المدينة وحمل سريرها بعض الطريق ثم حمله أبو هريرة إلى قبرها (قوله يجعل يمينه لطعامه الخ) يعنى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يتناول بيمينه المطعوم والمشروب والملبوس ونحوها من كل ما هو من باب التكريم والتشريف ويجعل شماله لغير ذلك من الأمور الخسيسة كالاستنجاء والامتخاط. والطعام في الأصل يطلق على كل ما يساغ حتى الماء وعلى ذوق الشئ، وفى العرف اسم لما يؤكل وجمعه أطعمة والشراب ما يشرب من المائعات (قوله وثيابه) جمع ثوب وهو مذكر ويجمع أيضا على أثواب وهو ما يلبسه الناس من كتان وصوف وقطن ونحو ذك (قوله وشماله) بكسر الشين خلاف اليمين وهى مؤنثة وجمعها أشمل مثل ذراع وأذرع وشمائل أيضا (قوله لما سوى ذلك) كالاستنجاء والامتخاط وذكر الثلاثة في الحديث لا يفيد الحصر فإن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يحب التيمن في الأمور الشريفة كلها فقد روى الشيخان عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعجبه التيمن في ترجله وتنعله وطهوره في شأنه كله كذا في أكثر الروايات بغير واو وفى بعضها وفى شأنه كله بإثبات الواو واعتمد عليها صاحب العمدة وسيأتى الكلام على هذا الحديث في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى. وروى النسائى عن عائشة أيضا كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يحب التيامن يأخذ بيمينه ويعطى بيمينه ويحب التيمن في جميع أموره. قال النووى هذه قاعدة مستمرّة في الشرع وهي أن ما كان من باب التكريم والتشريف كلبس الثوب والسراويل والخف ودخول المسجد والسواك والاكتحال وتقليم الأظفار وقص الشارب وترجيل الشعر ونتف الإبط وحلق الرأس والسلام من الصلاة

وغسل أعضاء الطهارة والخروج من الخلاء والمصافحة والأكل والشرب واستلام الحجر الأسود وغير ذلك مما هو في معناه يستحب التيامن فيه وأما ما كان بضدّه كدخول الخلاء والخروج من المسجد والامتخاط والاستنجاء وخلع الثوب والسراويل والخف وما أشبه ذلك فيستحب التياسر فيه وذلك كله لكرامة اليمين وشرفها اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب التيامن في كل ما كان من باب التكريم والتشريف والتياسر فيما سوى ذلك وهذا لكرامة اليمين وشرفها والله عزّ وجلّ يفضل ما شاء على ما شاء ويؤخذ من نقل أم المؤمنين حفصة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا الحديث عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه يطلب من أهل العلم والفضل نقل آثار الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى الناس للتأسى به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (من روى الحديث أيضا) رواه ابن حبان والحاكم والبيهقى والإمام أحمد بلفظ كان يجعل يمينه لأكله وشربة وثيابه وأخذه وعطائه وشماله لما سوى ذلك. قال ابن محمود شارح أبى داود هو حسن لا صحيح لأن فيه أبا أيوب الإفريقى لينه أبو زرعة ووثقه ابن حبان. وقال ابن سيد الناس هو معلل وقال النووى إسناده جيد (ص) حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ، وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلَائِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى» (ش) (رجال الحديث) (قوله أبو توبة الربيع بن نافع) الحلبى الطرسوسى. روى عن يزيد بن المقدام ومحمد بن مهاجر وهشام بن يحيى وإبراهيم بن سعد وغيرهم. وعنه أبو داود وأحمد ابن حنبل والبخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه وكثيرون. قال أبو حاتم ثقة صدوق حجة وذكره ابن حبان في الثقات وقال أحمد ويعقوب بن سفيان ليس به بأس وقال يعقوب بن شيبة ثقة صدوق. مات سنة إحدى وأربعين ومائتين (قوله ابن أبى عروبة) هو سعيد (قوله عن أبي معشر) هو زياد بن كليب التميمى الحنظلى الكوفى. روى عن سعيد بن جبير والنخعى وفضيل ابن عمرو والشعبى. وعنه المغيرة وخالد الحذاء وقتادة وأيوب السختيانى وغيرهم. روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى ووثقه وقال العجلى وابن المدينى ثقة وقال ابن حبان ثقة كان من الحفاظ المتقنين وقال أبو حاتم صالح ليس بالمتين في حفظه. مات سنة تسع عشرة أو عشرين ومائة (قوله إبراهيم) النخعى (قوله كانت يد رسول الله الخ) أى كان النبى صلى الله تعالى

عليه وعلى آله وسلم يستعمل يده اليمنى في الأمور الشريفة من الطهور والطعام والشراب وغيرها واليد مؤنثة وهي من المنكب إلى أطراف الأصابع ولامها محذوفة وأصلها يدى بفتح الدال وقيل بسكونها وجمع القلة أيد وجمع الكثرة أيادى (قوله لطهوره) بضم الطاء المهملة وفتحها روايتان بمعنى وهو مصدر مضاف إلى الفاعل وقيل بالضم الفعل وبالفتح اسم لما يتطهر به وعليه فيقدّر مضاف أى لاستعمال طهوره وقال سيبويه الطهور بالفتح يقع على الماء والمصدر معا (قوله وكانت يده اليسرى لخلائه) أى كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يجعل يده اليسرى لاستنجائه وغيره مما يستقذره الطبع وتكرهه النفس كالمخاط والرعاف. والأذى ما يستقذر من النجاسة ونحوها يقال أذى الشئ أذى من باب تعب بمعنى قذر. ومما يطلب استعمال اليد اليسرى فيه حمل النعل فما يقع من بعض أهل العلم وغيرهم من حملهم كتبهم بشمائلهم ونعالهم بأيمانهم مخالف للسنة المطهرة، قال في شرح المشكاة وكثيرا ما رأينا عوام طلبة العلم يأخذون الكتاب باليسار والنعال باليمين إما لجهلهم أو غفلتهم اهـ (من روى الحديث أيضا) رواه أحمد والطبرانى عن إبراهيم عن عائشة وهو منقطع فإن إبراهيم لم يسمع من عائشة كما قال المنذرى فهو ضعيف لكن يقوّيه حديث حفصة الذي قبله وحديث عائشة الآتى بعده فما يوجد في بعض النسخ من ذكر الأسود في هذا السند بين إبراهيم وعائشة غلط من الناسخ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بُزَيْعٍ، ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن حاتم بن بزيع) بفتح فكسر البصرى أبو بكر ويقال أبو سعيد نزيل بغداد. روى عن قبيصة والأسود بن عامر ويحيى بن بكير وجعفر بن عون وغيرهم. وعنه البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى وقال ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. مات في رمضان سنة تسع وأربعين ومائتين (قوله عبد الوهاب بن عطاء) الخفاف أبو نصر البصرى العجلى مولاهم نزيل بغداد. روى عن حميد الطويل وابن جريج وشعبة ومالك ابن أنس وغيرهم. وعنه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعمرو بن زرارة النيسابورى وطائفة وثقه ابن معين وقال مرة لا بأس به وقال النسائي ليس بالقوى وقال الساجى صدوق ليس بالقوى وقال ابن العلاء يكتب حديثه وقال أبو حاتم يكتب حديثه محله الصدق ووثقه الدارقطنى ومحمد ابن سعد والحسن بن سفيان وابن حبان وقال البخارى يكتب حديثه قيل له يحتج به قال أرجو أنه كان يدلس عن ثور وأقوام أحاديث مناكير وضعفه أحمد بن حنبل وقال صالح بن محمد

باب الاستتار فى الخلاء

الأسدى أنكروا على الخفاف حديثا في فضل القتلى وما أنكروا عليه غيره. مات سنة أربع أو ست ومائتين .. روى له الجماعة إلا البخارى (قوله سعيد) بن أبى عروبة (قوله عن أبي معشر) هو زياد بن كليب (قوله الأسود) بن يزيد بن قيس النخعى الكوفى أبو عمرو ويقال أبو عبد الرحمن الفقيه. روى عن عائشة وأبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب وغيرهم. وعنه ابنه عبد الرحمن وإبرهيم النخعى وأبو إسحاق السبيعى وطائفة، وثقه ابن معين وأحمد بن حنبل وقال هو من أهل الخير وقال ابن سعد كان ثقة وله أحاديث صالحة وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان فقيها زاهدا وقال العجلى ثقة صالح وذكره إبراهيم النخعى فيمن كان يفتى من أصحاب ابن مسعود. مات سنة أربع أو خمس وسبعين. روى له الجماعة (قوله بمعناه) أى بمعنى الحديث الذى قبله، ولفظه عند البيهقى عن عائشة قالت كانت يد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اليمنى لطهوره وطعامه وشرابه وكانت اليسرى لخلائه وما كان من أذى (باب الاستتار في الخلاء) الاستتار في الأصل مصدر استتر يستتر بمعنى احتجب، والمراد بالخلاء هنا موضع قضاء الحاجة والمقصود من هذا الباب بيان طلب الاستتار عن أعين الناس عند قضاء الحاجة ومن باب التخلى عند قضاء الحاجة المتقدم بيان طلب التفرّد عن الناس عند قضائها فهما متغايران ويؤخذ منهما طلب التفرّد عن الناس عند قضاء الحاجة والاستتار عن أعينهم (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنَا عِيسَى عَنْ ثَوْرٍ، عَنِ الْحُصَيْنِ الْحُبْرَانِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقْدَ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ أَكَلَ فَمَا تَخَلَّلَ فَلْيَلْفِظْ، وَمَا لَاكَ بِلِسَانِهِ فَلْيَبْتَلِعْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَدْبِرْهُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله إبراهيم بن موسى) بن يزيد بن زاذان التميمى أبو إسحاق الفرّاء يعرف بالصغير، روى عن أبى الأحوص ويحيى بن زكريا وخالد بن عبد الله الواسطى والوليد بن مسلم وغيرهم. وعنه الشيخان وروى له بقية الجماعة بواسطة والذهلى وأبو حاتم وأبو زرعة وقال كتبت عنه مائة ألف حديث وهو أتقن وأحفظ من أبى بكر

ابن أبى شيبة وأصح حديثا منه لا يحدّث إلا من كتابه وهو أتقن من صفوان بن صالح وقال أبو حاتم والنسائى من الثقات وقال الحافظ كان أحمد ينكر على من يقول له الصغير ويقول هو كبير في العلم والجلالة وقال الخليلى ومن الحفاظ الكبار الذين يقرنون بأحمد إبراهيم بن موسى الصغير ثقة إمام. مات بعد العشرين ومائتين (قوله الرازى) نسبة إلى الرّى على غير قياس (قوله عيسى) بن يونس (قوله عن ثور) بن يزيد بن زياد الكلاعي أبي خالد الحمصى أحد الحفاظ الأثبات. روى عن خالد بن معدان وعطاء والزهرى وابن جريج وغيرهم. وعنه الثورى ومالك وابن عيينة ويحيى القطان وجماعة. قال ابن معين ما رأيت شاميا أوثق منه وقال ابن سعد ثقة في الحديث وقال ابن عدىّ لا أرى في حديثه بأسا إذا روى عنه ثقة أو صدوق وقال دحيم ثقة وما رأيت أحدا يشك أنه قدرىّ وهو صحيح الحديث وقال وكيع كان صحيح الحديت وقال النسائى ومحمد بن عوف ثقة وقال أبو حاتم صدوق حافظ وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان قدريا وقال العجلى كان شاميا ثقة وكان يرى القدر وقال الساجى صدوق قدري قال فيه أحمد ليس به بأس قدم المدينة فنهى مالك عن مجالسته وليس لمالك عنه رواية (قوله عن الحصين الخ) يقال إنه ابن عبد الرحمن. روى عن أبى سعيد الحبرانى. وعنة ثور ابن يزيد. قال الذهبى لا يعرف وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود وابن ماجه هذا الحديث فقط. والحبرانى نسبة إلى حبران بضم فسكون بطن من حمير (قوله عن أبى سعيد) يعنى الحبرانى الحميرى الحمصى قيل اسمه زياد ويقال عامر ويقال عمر بن سعد. روى عن أبى هريرة وعنه حصين الحبرانى. قال عبد الرحمن بن أبى حاتم سألت أبا زرعة عن أبى سعيد الحبرانى فقال لا أعرفه وذكره ابن حبان في الثقات. وما يقال من أنه أبو سعيد أو أبو سعد الخير فخطأ فقد قال الحافظ الصواب التفريق بينهما فقد نص على كون أبى سعد الخير صحابيا البخارى وأبو حاتم وابن حبان والبغوى وابن قانع وجماعة وأما أبو سعيد الحبرانى فتابعى قطعا وإنما وهم بعض الرواة فقال في حديثه عن أبى سعد الخير ولعله تصحيف (قوله من اكتحل) أى أراد الاكتحال والاكتحال وضع الشخص الكحل في عينه بنفسه يقال كحلت الرجل كحلا من باب قتل واكتحلت فعلت ذلك بنفسى والمراد هنا ما هو أعمّ سواء أفعل ذلك بنفسه أم فعله غيره به (قوله فليوتر) أى ثلاثا متوالية في كل عين وقيل ثلاثا في اليمنى واثنتين في اليسرى ليكون المجموع وترا، ففى شمائل الترمذى أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كانت له مكحلة يكتحل منها كل ليلة ثلاثة في هذه وثلاثة في هذه. وروى الطبراني عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا اكتحل يجعل في اليمنى ثلاثة مراود وفى الأخرى مرودين، فالتثليث علم من فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإلا فالوتر

صادق بمرّة. وقال العينى قوله من اكتحل فليوتر أى فليجعل الاكتحال فردا إما واحدة أو ثلاثا أو خمسا، وإنما أمر بالإيتار لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن الله وتر يحب الوتر وهذا الأمر من الأمور الندبية كقوله تعالى فكتبوهم، والأولى أن يكون للإرشاد، والفرق بينهما أن الندب لثواب الآخرة والإرشاد لمنافع الدنيا غير مشتمل على ثواب الآخرة فافهم اهـ وقوله فليجعل الاكتحال فردا إما واحدة الخ بيان للوتر في الأصل فلا ينافى ما قدّمناه عن صاحب الشمائل والطبرانى، وفيما قاله من الأولوية وقصر الثواب على الندب دون الإرشاد نظر لأنه لا مانع من ترتب الثواب على الفعل المرشد إلية إذا قصد المرشد "بصيغة المفعول" الامتثال لإرشاد الشارع (قوله من فعل فقد أحسن) أى فعل فعلا حسنا يثاب عليه لأنه سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولتضمن من معنى الشرط دخل في جوابها الفاء (قوله ومن لا فلا حرج) أى من لم يوتر فلا إثم عليه وقد دلّ نفى الحرج علي أن الإيتار ليس بواجب وعلى أن أصل الأمر للوجوب وإلا لما احتاج إلى بيان سقوط وجوبه بقوله ومن لا فلا حرج قال ابن العربى الكحل يشتمل على منفعتين إحداهما زينة والثانية تطبب فإذا استعمل للزينة فهو مستثنى من التصنع الذى يلبس الصنعة بالخلقة كالوصل والوشم رحمة من الله تعالى لخلقه ورخصة منه لعباده وإذا استعمل بنية التطبب فهو لتقوية البصر من ضعف يعتوره واستنبات الشعر الذى يجمع النور للإدراك ويصدّ الأشعة الغالبة له، ثم إن كحل الزينة لا حدّ له شرعا وإنما هو بقدر الحاجة في بدوّه وخفائه وأما كحل المنفعة (أى التطبب) فقد وقته صاحب الشرع كل ليلة كما تقرّر، وفائدته أن الكحل عند النوم يلتقى عليه الجفن يسكن حرارة العين ويتمكن من السراية في تجاويف العين ويظهر تأثيره في المقصود منه اهـ. وقال ابن القيم في الكحل حفظ لصحة العين وتقوية للنور الباصر وجلاء لها وتلطيف للمادّة الرديّة واستخراج لها مع الزينة في بعض أنواعه وله عند النوم مزيد فضل لاشتمالها على الكحل وسكونها عقيبه عن الحركة المضرّة بها وخدمة الطبيعة لها وللإثمد من ذلك خاصية ففى سنن ابن ماجه عن سالم عن أبيه يرفعه "عليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر" وفيها أيضا عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما يرفعه "خير أكحالكم الإثمد يجلو البصر وينبت الشعر" وفى كتاب أبى نعيم "فإنه منبتة للشعر مذهبة للقذى مصفاة للبصر" اهـ (قوله ومن استجمر) أى استنجى بالحجر مأخوذ من الاستجمار وهو قلع النجاسة بالجمار وهي الأحجار الصغار، قال العينى في شرح البخارى الاستجمار هو مسح محل البول والغائط بالجمار وهي الأحجار الصغار ويقال الاستطابة والاستنجاء والاستجمار لتطهير محل البول والغائط والاستجمار مختص بالمسح بالأحجار والاستنجاء والاستطابة يكونان بالماء والأحجار، وقال ابن حبيب وكان ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما يتأول الاستجمار

استحباب تخليل الأسنان بعد الأكل وطرح ما خرج بالخلال

هنا على إجمال الثياب بالمجمر ونحن نستحب الوتر في الوجهين جميعا وحكى عن مالك أيضا والأظهر الأول، ويقال إنما سمى به التمسح بالجمار التى هى الحجارة الصغار لأنه يطيب المحل كما يطيبه الاستجمار بالبخور اهـ (قوله فليوتر) أى فليجعل الحجارة التى يستنجى بها وترا واحدا أو ثلاثا أو خمسا، وقال الكرمانى المراد بالإيتار أن يكون عدّة المسحات ثلاثا أو خمسا أو فوق ذلك من الأوتار (قوله ومن لا فلا حرج) أى من لم يوتر في الاستجمار فلا إثم عليه لأن المقصود الإنقاء، وهو دليل لأبى حنيفة وأصحابه ومالك فيما ذهبوا إلية من أن الاستنجاء يجوز بأقلّ من ثلاثة أحجار إذا حصل الإنقاء به وأن الاستجمار لا يشترط فيه عدد مخصوص لأن الإيتار يقع على الواحد كما يقع على الثلاث وإنما يدل على مجرّد الإيتار فقط وسيأتى تمام الكلام على هذا في باب الاستنجاء بالأحجار إن شاء الله تعالى (قوله ومن أكل فما تخلل فليلفظ) الفاء في قوله فما تخلل للترتيب واقعة في جواب من والتخلل إخراج ما بين أسنانه بالخلال وهو العود، يقال خلل الشخص أسنانه تخليلا إذا أخرج ما يبقى من المأكول بينها واسم الخارج خلالة بالضم، وقوله فليلفظ بكسر الفاء أى فليرم ما يخرجه الخلال من بين أسنانه والفاء فاء الجزاء على أن ما شرطية أو واقعة في خبرها على أنها موصولة، وإنما أمر برمى الخلالة لأنها تتغير بين الأسنان فتصير مستقذرة وربما خرج بها دم، وعن ابن عمر أن تركها يوهن الأضراس (قوله ومالاك بلسانه الخ) عطف على تخلل يعنى ما أخرجه بلسانه من بين أسنانه ولحمها وسقف حلقه فليبتلعه ويحتمل أن يكون المعنى إن ما أخرجه من بين أسنانه يرميه مطلقا سواء أخرجه بلسان أو خلال وما بقى من أثر الطعام على لحم الأسنان وسقف الحلق إذا أخرجه بلسانه ينبغى أن يبتلعه ولا يرميه والفرق بينه وبين ما استقرّ بين أسنانه أن هذا يتغير باستقراره بينها بخلاف ما كان عليها وعلى سقف الحلق. واللوك في الأصل إدارة الشئ بلسانه في الفم يقال لاك اللقمة يلوكها لوكا من باب قتل مضغها (قوله من فعل الخ) أى من رمى ما أخرجه بالعود من الأسنان وابتلع ما أداره بلسانه فقد أحسن إلى نفسه حيث امتثل أمر الشارع (قوله ومن لا فلا حرج) أى من لم يلفظ ما أخرجه بالعود من بين أسنانه بل أكله ومن لم يبتلع ما أخرجه بلسانه بل طرحه فلا إثم عليه ونفى الحرج بالنسبة إلى الأول إذا لم يتيقن خروج الدّم معه وإلا حرم (قوله فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا) أى إن لم يجد شيئا يستتر به إلا رملا مجتمعا ليستتر به فليفعل. فالكثيب المجتمع من الرمل. وفي رواية ابن ماجه فإن لم يجد إلا كثيبا (قوله فليستدبره) أى فليجعله خلفه لئلا يراه أحد. وفى رواية ابن ماجه فليمدده عليه (قوله فإن الشيطان يلعب بمقاعد بنى آدم) أى يقصد أسافل بدن بنى آدم بالشرّ إن لم يستتر وقت قضاء الحاجة أو يوسوس له في موضع قضاء الحاجة لخلوّه عن الذكر والشيطان فيعال من شطن أى

بعد عن الرحمة والحق أو فعلان من شاط إذا احترق وأل فيه للجنس. والمقاعد جمع مقعد يطلق على أسفل البدن وعلى موضع القعود لقضاء الحاجة وكلاهما تصح إرادته هنا وعلى الأول الباء في قوله بمقاعد للإلصاق ويحتاج إلى قيد أى يلعب بمقاعد الإنسان إذا وجدها مكشوفة وعلى الثانى تكون للظرفية أى يلعب في مواضع قضاء الحاجة لخلوّها عن ذكر الله تعالى فلذا أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالتستر ما أمكن وأن لا يكون قعود الإنسان لقضاء حاجته في براح من الأرض يقع عليه أعين الناظرين فيتعرض لانتهاك الستر أو تهبّ الرياح عليه فيصيبه البول فيلوّث بدنه أو ثيابه وكل ذلك من لعب الشيطان به وقصده إياه بالأذى والفساد (قوله من فعل فقد أحسن) أى من جمع كثيبا ليستتر به فقد أحسن بإتيان السنة المأمور بها وإساءته للشيطان ودفع وسوسته ومن لم يجمع الكثيب فلا إثم عليه في عدم استدباره الكثيب ونحوه وأما ستر العورة عن الناس فواجب وفى تركه الحرج اللهم إلا إذا كان في حالة لا يقدر فيها على التستر أصلا فيكون حينئذ لا حرج عليه ويكون المعنى على هذا ومن لم يفعل ذك لأجل الضرورة فلا حرج عليه بل الحرج على من نظر إليه حينئذ (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن الاكتحال مندوب. وعلى ندب إيتاره، وعلى أن الاستجمار مشروع ويطلب أن يكون وترا، وعلى ندب تخليل الأسنان وطرح ما خرج بالخلال وبلع ما خرج من الأسنان إذا كان خروجه بدون خلال على ما تقدم تفصيله، وعلى أن الاستتار وقت قضاء الحاجة مطلوب، وعلى أن الشياطين تحضر أمكنة قضاء الحاجة وترصدها بالأذى والفساد لأنها مواضع يهجر فيها ذكر الله تعالى وتكشف فيها العورات كما يدل عليه ما تقدم من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن هذه الحشوش محتضرة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه والدارمى وأحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقى والطحاوى وهو حديث صحيح رجاله ثقات ولا عبرة بقول ابن حزم والبيهقى ليس إسناده بالقائم لأن فيه مجهولين (يقصدان حصينا الحبرانى وأبا سعيد لما تقدم في ترجمتهما) (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ ثَوْرٍ، قَالَ: حُصَيْنٌ الْحِمْيَرِيُّ (ش) هذا تعليق وصله الدارمى قال أخبرنا أبو عاصم ثنا ثور بن يزيد ثنا حصين الحميرى أخبرنا أبو سعيد الخير عن أبى هريرة وذكر الحديث. وغرض المصنف بذكره بيان أن أبا عاصم في روايته عن ثور وصف حصينا بالحميرى وعيسى بن يونس وصفه بالحبرانى ولا منافاة بينهما فإن حبران بطن من حمير كما تقدم، والحميرى بكسر الحاء المهملة وسكون الميم نسبة إلى حمير بن سبأ قبيلة يمانية وموضع قريب من صنعاء اليمن (وأبو عاصم) هو الضحاك بن مخلد بن الضحاك النبيل

البصرى الحافظ. روى عن يزيد بن أبى عبيد وبهز بن حكيم والأوزاعي وعبد الله بن عون وغيرهم. وعنه البخارى وإسحاق بن راهويه ومحمد بن المثنى وأحمد بن حنبل وطائفة، وثقه ابن معين والعجلى وقال كثير الحديث وكان له فقه وقال أبو حاتم صدوق وقال ابن سعد كان ثقة فقيها وقال ابن خراش لم ير في يده كتاب قط وقال أبو داود كان يحفظ قدر ألف حديث من جيد حديثه وقال ابن قانع ثقة مأمون وقال الخليلى متفق عليه زهدا وعلما وديانة وإتقانا. ولد سنة اثنتين وعشرين ومائة. ومات سنة اثنتى عشرة ومائتين بالبصرة وهو ابن تسعين سنة احتج به الأئمة الستة (ص) وَرَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الصَّبَّاحِ، عَنْ ثَوْرٍ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخَيْرُ (ش) هذا التعليق وصله ابن ماجه قال حدثنا محمد بن بشار ثنا عبد الملك بن الصباح ثنا ثور ابن يزيد عن حصين الحميرى عن أبى سعيد الخير عن أبى هريرة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من استجمر فليوتر من فعل ذلك فقد أحسن ومن لا فلا حرج ومن تخلل فليلفظ ومن لاك فليبتلع من فعل ذاك فقد أحسن ومن لا فلا حرج ومن أتى الخلاء فليستتر فإن لم بجد إلا كثيبا من رمل فليمدده عليه فإن الشيطان يلعب بمقاعد ابن آدم من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج. وغرض المصنف بهذا بيان أن عبد الملك بن الصباح خالف عيسى بن يونس وأبا عاصم في روايته عن ثور حيث وصف أبا سعيد بالخير وهما لم يصفاه به وهذا هو الحق كما تقدم (قوله عبد الملك بن الصباح) المسمعى بكسر الميم الأولى أبو محمد الصنعانى نزيل البصرة. روى عن أبيه وابن عون وشعبة وهشام بن حسان وآخرين. وعنه إسحاق ومحمد بن بشار ومحمد بن المثنى ونعيم بن حماد وغيرهم. روى له البخارى ومسلم وابن ماجه وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم صالح ووثقه ابن قانع. مات سنة تسع وتسعين ومائة (قوله فقال أبو سعيد الخير) أى قال عبد الملك بن الصباح في روايته عن ثور عن أبى سعيد الخير بزيادة لفظ الخير. وأبو سعيد يقال السمه عمرو وقال أبو أحمد الحاكم لا أعرف السمه ولا نسبه وذكر أنه أبو سعيد الأنماري قال في الإصابة وليس كذلك فإن لهذا حديثين غير الحديث الذى اختلف فيه في الأنمارى بل هو أبو سعد أو أبو سعيد (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «أَبُو سَعِيدٍ الْخَيْرُ هُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ» (ش) غرض المصنف بهذا بيان أن عبد الملك بن الصباح قد أخطأ في وصف أبى سعيد بالخير وذلك أنه صحابى كما تقدم وأن الذى روى الحديث عن أبى هريرة هو أبو سعيد الحبرانى الحميرى الحمصى وهو تابعى اتفاقا قال الحافظ في التقريب بعد ذكر أبى سعيد الحبرانى ما نصه أبو سعيد الخير بفتح المعجمة وسكون التحتانية الأنمارى صحابى له حديث ووهم من خلطه بالذى

باب ما ينهى عنه أن يستنجى به

قبله اهـ وأيضا فإن من كتب في معرفة الصحابة لم يخرج حديث الباب من طريق أبى سعيد الخير بل أخرجوا عنه أحاديث أخر فعلم أن المحفوظ هو رواية عيسى بن يونس وأبى عاصم. ولا يقال إن الحديث قد أخرجه أحمد والطحاوى في الآثار من طريق عيسى بن يونس عن ثور عن الحصين عن أبي سعيد الخير لأن هذا تحريف كما علمت. وقد أخرج البيهقى الحديث في سننه من طريق عيسى بن يونس وعمرو بن الوليد قالا ثنا ثور بن يزيد عن حصين الحبرانى عن أبى سعيد الخير عن أبى هريرة عن النبى صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من أتى الغائط فليستتر فإن لم يجد إلا كثيبا من رمل يجمعه تم يستدبره فإن الشياطين يلعبون بمقاعد بنى آدم من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، وفى سنده تصحيف وحذف إذ أصله عن أبى سعيد الحبرانى فحذفت الياء من سعيد وجعلت الحاء المهملة خاء والموحدة مثناة تحتية وحذفت الألف والنون والياء التحتية، ومما تقدم تعلم أنه وقع هنا اختلافات ثلاثة. الأول أهو أبو سعيد بالياء أو أبو سعد بحذفها. الثانى أهو صحابى أم تابعى. الثالث أهو ملقب بالخير أم لا. وقد علمت أن الذى في سند الحديث إنما هو أبو سعيد الحبرانى التابعى فأما أبو سعد أو أبو سعيد الخير الأنمارى فصحابى (باب ما ينهى عنه أن يستنجى به) أى في بيان الأشياء التى نهى الشارع عن الاستنجاء بها، وفى نسخة ما ينهى أن يستنجى به (ص) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ الْهَمْدَانِيُّ، ثَنَا الْمُفَضَّلُ يَعْنِي ابْنَ فَضَالَةَ الْمِصْرِيَّ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيِّ، أَنَّ شِيَيْمَ بْنَ بَيْتَانَ، أَخْبَرَهُ عَنْ شَيْبَانَ الْقِتْبَانِيِّ، أنَّ مَسْلَمَةَ بْنَ مُخَلَّدٍ اسْتَعْمَلَ رُوَيْفِعَ بْنَ ثَابِتٍ عَلَى أَسْفَلِ الْأَرْضِ، قَالَ شَيْبَانُ: فَسِرْنَا مَعَهُ مِنْ كَوْمِ شَرِيكٍ، إِلَى عَلْقَمَاءَ أَوْ مِنْ عَلْقَمَاءَ إِلَى كَوْمِ شَرِيكٍ يُرِيدُ عَلْقَامَ فَقَالَ رُوَيْفِعٌ: «إِنْ كَانَ أَحَدُنَا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ لَيَأْخُذُ نِضْوَ أَخِيهِ عَلَى أَنَّ لَهُ النِّصْفَ مِمَّا يَغْنَمُ، وَلَنَا النِّصْفُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَطِيرُ لَهُ النَّصْلُ وَالرِّيشُ، وَلِلْآخَرِ الْقِدْحُ» ثُمَّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «يَا رُوَيْفِعُ لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ بَعْدِي، فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ، أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا، أَوْ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ،

أَوْ عَظْمٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مِنْهُ بَرِيءٌ» (ش) (رجال الحديث) (قوله يزيد الخ) هو أبو طالب الرملى عابد زاهد. روى عن الليث بن سعد ويحيى بن حمزة وعبد الله بن وهب ويحيى بن زكريا وغيرهم. وعنه أبو داود وأحمد ابن إبراهيم وأبو زرعة وجعفر بن محمد الفريابى وآخرون، ذكره ابن حبان في الثقات قال أحمد ابن محمد بن السجزى ما رأيت أحدا من أهل الحديث أخشع لله من يزيد بن موهب وقال ابن قانع صالح وقال بقى بن مخلد كان ثقة جدا. مات سنة اثنتين وثلاثين ومائتين. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه (قوله الهمدانى) نسبة إلى همدان بوزن سكران قبيلة من حمير من عرب اليمن (قوله المفضل الخ) بن عبيد بن ثمامة بن مرثد الرعينى ثم القتبانى قاضى مصر. روى عن يزيد بن أبى حبيب ومحمد بن عجلان وعقيل بن خالد وعبد الله بن عياش وغيرهم. وعنه الوليد ابن مسلم وحسان بن عبد الله الواسطى وزكرياء بن يحيى وقتيبة بن سعيد وجماعة، قال ابن سعد منكر الحديث وقال أبو زرعة لا بأس به وقال ابن معين ثقة صدوق وقال أبو حاتم وابن خراش صدوق في الحديث قال ابن يونس ولى القضاء بمصر مرتين وكان من أهل الفضل والدين والورع ثقة في الحديث ذكره أحمد بن شعيب يوما وأنا حاضر فأحسن الثناء عليه ووثقه وقال أبو داود كان مجاب الدعوة. ولد سنة سبع ومائة، ومات في شوال سنة إحدى أو اثنتين وثمانين ومائة وصلى عليه إسماعيل بن صالح أمير البلد، روى له الجماعة (قوله عياش بن عباس) بن جابر بن يس أبو عبد الرحيم أو أبو عبد الرحمن الحميرى المصرى. روى عن أبى سلمة وأبى الخير اليزنى وأبى عبد الرحمن الحبلى والضحاك وغيرهم. وعنه سعيد بن أبى أيوب والليث بن سعد وحيوة ابن شريح وآخرون، وثقه أبو داود وابن معين وقال أبو حاتم صالح وذكره ابن حبان في الثقات وقال النسائى ليس به بأس وقال أبو بكر البزار مشهور. توفى سنة ثلاث وثلاثين ومائة. روى له الجماعة إلا البخارى، والقتبانى نسبة إلى قتبان بكسر فسكون بطن من رعين قبيلة باليمن (قوله شييم) مصغر بياءين وفي التقريب بكسر الشين المعجمة وفتح التحتانية وسكون مثلها بعدها هو ابن بيتان مثنى بيت سمى به القتبانى المصرى. روى عن جنادة بن أبى أمية ورويفع بن ثابت وأبى سالم الجيشانى وغيرهم. وعنه خير بن نعيم وعياش بن عباس القتبانى، وثقه ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو بكر البزار شييم غير مشهور وقال في التقريب ثقة من الثالثة. روى له أبو داود والترمذى والنسائى (قوله أخبره) أى أخبر شييم عياش بن عباس (قوله شيبان) هو ابن أمية ويقال ابن قيس القتبانى أبو حذيفة المصرى. روى عن رويفع بن ثابت ومسلمة بن مخلد الزرقى. وعنه بكر بن سوادة وشييم القتبانى قال في التقريب مجهول من الثالثة. روى له أبو داود هذا الحديث فقط

(قوله (ص) مسلمة بن مخلد) بفتح المعجمة على وزن محمد الأنصارى الزرقى، ولد حين قدم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آلة وسلم المدينة مهاجرا وقيل كان له لما قدم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة أربع سنين وشهد فتح مصر وكان واليا عليها من قبل معاوية ثم تحوّل إلى المدينة، روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وعنه على بن رباح ومجاهد وشيبان بن أمية وعبد الرحمن بن شماسة قال أحمد وأبو حاتم ليست له صحبة وقال البخارى والذهبى له صحبة وقال العسكرى له رؤية وليست له صحبة. مات في ذى القعدة سنة اثنتين وستين بالمدينة وله ستون سنة وقيل مات بمصر (قوله استعمل رويفع الخ) أى جعل مسلمة رويفعا عاملا، ورويفع بن ثابت بن السكن بن عدى ابن حارثة بن النجار الأنصارى صحابى يعدّ في المصريين أمره معاوية سنة ست وأربعين على طرابلس فغزا منها إفريقية سنة سبع وأربعين، له ثمانية أحاديث. روى عنه حنش الصنعانى ووفاء بن شريح وشيبان بن أمية القتبانى ومرثد بن عبد الله. قال ابن يونس توفى ببرقة سنة ست وخمسين وهو أمير عليها من قبل مسلمة بن مخلد. روى له أبو داود والترمذى والنسائى (قوله على أسفل الأرض) يعنى به الوجه البحرى من أرض مصر، وقيل الغربى والمعنى أن مسلمة كان أميرا على بلاد مصر من جهة معاوية فاستعمل رويفعا على الجهة المذكورة (قوله من كوم شريك) قال العراقى هو بضم الكاف على المشهور وقيل بفتحها وأصل الكوم الرمل المرتفع، وقال ابن شميل الكومة الرمل المجتمع ارتفاعه ذراعان ويكون من الحجارة والرمل والجمع كوم وهو اسم لمواضع بمصر تضاف إلى أربابها أو إلى ما عرفت به، منها كوم شريك قرب الاسكندرية كان عمرو بن العاص أنفذ فيه شريك بن سمى الغطيفى المرادى الصحابى علي مقدمة جيشه في فتح مصر فكثرت عليه الروم بهذا الموضع فخافهم على أصحابه فلجأ إلى هذا الكوم واعتصم به ودافعهم حتى أدركه عمرو بن العاص فاستنقذهم فسمى كوم شريك لذلك (قوله إلى علقماء) بفتح العين المهملة وسكون اللام وفتح القاف والميم بعدها ألف ممدودة وقد تقصر بلدة في طريق الإسكندرية (قوله أو من علقماء إلى كوم شريك) شك من شيبان أى من أى موضع كان ابتداء السير من الكوم أو من علقماء وعلى كلّ فمن أحد الموضعين كان ابتداء السير وإلى الآخر انتهاؤه (قوله يريد علقام) أى يريد رويفع بسيره الذهاب إلى علقام، فعلقام غير علقماء كما يفهم من قوله يريد علقام وعلى أنهما موضعان جرى العينى، وفى النهاية كوم علقام وفى رواية كوم علقماء بضم الكاف موضع بأسفل ديار مصر اهـ ويؤخذ منه أن علقام وعلقماء موضع واحد (قوله إن كان أحدنا الخ) إن مخففة من الثقيلة واجبة الإهمال لدخولها على الفعل بخلاف ما لو دخلت على الجملة الإسمية فيقلّ عملها (قوله نضو أخيه) النضو بكسر النون وسكون المعجمة البعير المهزول يقال بعير نضو وناقة نضو ونضوة كذا في المصباح، وقال

في النهاية النضو الدابة التى أهزلتها الأسفار وأذهبت لحمها اهـ (قوله مما يغنم) أى يصيبه في الجهاد، يقال غنمت الشئ أغنمه غنما من باب شرب أصبته غنيما والغنيمة ما نيل من أهل الشرك عنوة والحرب قائمة بخلاف الفئ فإنه ما أخذ منهم بعد أن تضع الحرب أوزارها (قوله ولنا النصف) أى للآخذ والمستأجر النصف. قال العينى وفى هذا حجة لمن أجاز أن يعطى الرجل فرسه أو بعيره على شطر ما يصيبه المستأجر من الغنيمة وهو قول أحمد والأوزاعى ولم يجوّز ذلك أكثر العلماء وأوجبوا مثل هذا أجرة المثل اهـ ومثله للخطابى في معالم السنن (قوله ليطير له) أى يحصل له في القسمة يقال طار لفلان النصف ولفلان الثلث إذا وقع له ذلك في القسمة (قوله النصل) بفتح فسكون حديدة السهم والرمح والسيف ما لم يكن له مقبض وجمعه أنصل ونصال ونصول اهـ قاموس (قو له والريش) بكسر الراء سن السهم يركب في النصل يقال راش السهم يريشه ريشا إذا ركب عليه الريش وريشت السهم ألزقت عليه الريش فهو مريش كمبيع ومريش (قوله وللآخر القدح) بكسر القاف وسكون الدال المهملة خشب السهم ويقال للسهم أول ما يقطع قطع بكسر القاف ثم ينحت ويبرى فيسمى بريا ثم يقوّم فيسمى قدحا ثم يراش ويركب نصله فيسمى سهما (وحاصل) الحديث أنه كان يقتسم الرجلان السهم فيقع لأحدهما نصله وريشه وللآخر قدحه قال الخطابى في هذا دليل على أن الشئ المشترك بين الجماعة إذا احتمل القسمة فطلب أحد الشركاء مقاسمته كان له ذلك ما دام ينتفع بالشئ الذى يخصه منه وإن قلّ وذلك أن القدح قد ينتفع به عريانا من الريش والنصل وكذلك قد ينتفع بالريش والنصل وإن لم يكونا مركبين في قدح فأما ما لا ينتفع بقسمته أحد من الشركاء وكان في ذلك الضرر والإفساد للمال كاللؤلؤة تكون بين الشركاء فإن المقاسمة تمنع فيه لأنها حينئذ من باب إضاعة المال فيبيعون الشئ ويقتسمون الثمن بينهم على قدر حقوقهم منه اهـ (قوله لعلّ الحياة الخ) لعلّ للترجى والمعنى أرجو أن تطول بك الحياة بعدى فإذا طالت ورأيت الناس قد ارتكبوا أمورا من المخالفات فأخبرهم الخ وقد حقق الله تعالى رجائه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فطالت به الحياة حتى مات سنة ست وخمسين بإفريقية وهو آخر من مات بها من الصحابة، ويحتمل أن تكون لعل للتحقق ففيه إخبار بالغيب معجزة له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقد طالت به الحياة وما مات حتى رأى كثيرا من المخالفات (قوله أنه من عقد لحيته) الضمير في أنه للشأن والعقد في الأصل الربط يقال عقدت الحبل عقدا فانعقد يعنى ربطته من باب ضرب، واللحية بكسر اللام شعر الخدين والذقن وتجمع على لحى بكسر اللام مثل سدرة وسدر وبضمها أيضا مثل حلية وحلى واللحى عظم الحنك الذى عليه الأسنان وهو من الإنسان حيث ينبت الشعر وهو أعلى وأسفل والمعنى كما قاله في النهاية من عالج

لحيته حتى تتعقد وتتجعد وقال في المرقاة قال الأكثرون هو معالجتها حتى تتعقد وتتجعد وهذا مخالف للسنة التى هي تسريح اللحية، وقيل كانوا يعقدونها في الحرب زمن الجاهلية فأمرهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بإرسالها لما في عقدها من التشبه بالنساء، وقيل كان ذلك من دأب العجم أيضا فنهوا عنه لأنه تغيير لخلق الله عزّ وجلّ، وقال الأبهرى كان من عادة العرب أن من له زوجة واحدة عقد عقدة واحدة صغيرة ومن كان له زوجتان عقد عقدتين اهـ (قوله أو تقلد وترا) أى جعل الوتر في عنقه كالقلادة، والوتر بفتحتين ما يشدّ به القوس أو مطلق الحبل، وقيل المراد به الخيط الذى يعلق فيه التمائم أو خرزات لدفع العين والحفظ من الآفات كانوا يعلقونها في رقاب الأولاد والخيل، وفى شرح العينى هي التمائم التى يشدّونها بالأوتار وكانوا يرون أنها تعصمهم من الآفات وتدفع عنهم المكاره فأبطل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك اهـ وقال أبو عبيدة الأشبه أنه نهى عن تقليد الخيل أوتار القسىّ نهوا عن ذلك إما لاعتقادهم أن تقليدها بذلك يدفع عنها العين وإما لمخافة اختناقها به لا سيما عند شدة الركض بدليل ما روى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بقطع الأوتار عن أعناق الخيل تنبيها على أنها لا تردّ القدر اهـ ملخصا (قوله أو استنجى برجيع دابة) الرجيع الروث والعذرة سمى رجيعا لأنه رجع عن حالته الأولى من كونه طعاما أو علفا، ونهى عن الاستنجاء بروث الدابة لأنه نجس ولأنه طعام دواب الجن (قوله أو عظم) عطف على رجيع، ونهى عنه لأنه زاد الجن والتنكير فيه للعموم فيشمل عظم الميتة والمذكى (قوله فإن محمدا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منه برئ) خبر من في قوله من عقد لحيته إن كانت موصولة أو جواب إن كانت شرطية. وهو وعيد شديد على فعل أىّ واحد مما ذكر نعوذ بالله تعالى من كل ما لا يرضى الله عزّ وجلّ ورسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وإنما قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإن محمدا دون فأنا أو فإنى لئلا يتوهم أن البراءة من الراوى المخبر مع الإشارة إلى أن المسمى بهذا الاسم المعظم الذى حمده الأولون والآخرون منه برئ فيكون دلالة على غاية ذمه وأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يتبرأ إلا من مذموم (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز الاستعانة بالغير عند الحاجة لا سيما في مهمات الأعمال، وعلى جواز إجارة الدابة بجزء مما ينتج من عملها، وعلى أن الشئ المشترك المحتمل للقسمة يصح قسمته بطلب أحد الشركاء، وعلى أن الله تعالى يكرم نبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بتحقيق رجائه، وعلى منع عقد اللحية والتقلد بالوتر، وعلى منع الاستنجاء بالرجيع والعظم، وعلى أن ارتكاب الجرائم سبب في هلاك مركبها وبراءة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منه

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والبيهقى، قال في المرقاة سنده حسن (ص) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا مُفَضَّلٌ، عَنْ عَيَّاشٍ، أَنَّ شُيَيْمَ بْنَ بَيْتَانَ، أَخْبَرَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي سَالِمٍ الْجَيْشَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، يَذْكُرُ ذَلِكَ وَهُوَ مَعَهُ مُرَابِطٌ بِحِصْنِ بَابِ أَلْيُونَ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «حِصْنُ أَلْيُونَ بِالْفسْطَاطِ عَلَى جَبَلٍ» (ش) (قوله أخبره بهذا الحديث إلخ) أى أخبر شييم عياشا بالحديث عن أبى سالم الجيشانى عن عبد الله بن عمرو كما أخبره به عن شيبان القتبانى عن مسلمه بن مخلد عن رويفع بن ثابت (وأبو سالم) هو سفيان بن هانئ بن جبر بن عمرو بن سعد المصرى تابعى شهد فتح مصر ووفد على علىّ بن أبى طالب وروى عنه وعن عقبة بن عامر وزيد بن خالد وأبى ذرّ وغيرهم. وعنه الحارث بن يزيد ووهب بن عبد الله وبكر بن سوادة وعبيد الله بن جعفر وكثيرون، ذكره ابن حبان في الثقات وقال العجلى تابعى ثقة وذكره ابن منده في الصحابة وقال اختلف في صحبته. مات بالإسكندرية زمن عبد العزيز بن مروان (والجيشانى) بفتح الجيم وسكون المثناة التحتية منسوب إلى جيشان ابن عبدان أبى قبيلة باليمن (قوله عبد الله بن عمرو) بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمر وأبو محمد وقيل أبو عبد الرحمن صحابى جليل أسلم قبل أبيه ولم يكن بينه وبين أبيه في السن إلا إحدى عشرة سنة شهد فتح مصر روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبعمائة حديث اتفق الشيخان على سبعة عشر حديثا وانفرد البخارى بثمانية ومسلم بعشرين. روى عن أبى بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبى الدرداء وسراقة بن مالك، وعنه أنس بن مالك وعبد الله بن الحارث وجبير بن نفير وثابت بن عياض وغيرهم، كان من أكثر الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم حديثا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وممن يقرأ التوراة والقرآن، فعنه قال رأيت فيما يرى النائم كأن في إحدى يدىّ عسلا وفي الأخرى سمنا وأنا ألعقهما فذكرت ذلك للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال تقرأ الكتابين التوراة والقرآن وكان يقرؤهما رواه أحمد والبغوى، وأمره في انقطاعه للعبادة وتشديده على نفسه فيها ونهى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم له عن ذلك مشهور فعن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال زوّجنى أبى امرأة فجاء يزورها فقال كيف ترين بعلك فقالت نعم الرجل من رجل لا ينام الليل ولا يفطر النهار فوقع بى وقال زوّجتك امرأة من المسلمين فعضلتها قال فجعلت لا ألتفت إلى قوله مما عندى من القوّة والاجتهاد فبلغ ذلك النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال لكنى أنا أقوم وأنام وأصوم وأفطر فقم ونم وصم وأفطر قال صم من كل شهر

ثلاثة أيام فقلت إنى أقوى من ذلك قال صم صوم داود عليه السلام صم يوما وأفطر يوما قلت أنا أقوى من ذلك قال اقرأ القرآن في كل شهر ثم انتهى إلى خمس عشرة وأنا أقول أنا أقوى من ذلك، رواه النسائى، وعن عبد الله بن عمرو رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال قال لى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل فقلت بلى يا رسول الله قال فلا تفعل صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا وإن لزورك عليك حقا وإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام فإن لك بكل حسنة عشرة أمثالها فإذاً ذلك صيام الدهر كله فشدّدت فشدّد علىّ قلت يا رسول الله إنى أجد قوّة قال فصم صيام نبى الله داود عليه السلام ولا تزد عليه قلت وما كان صيام نبي الله داود عليه السلام قال نصف الدهر، وكان يقول بعد ما كبر يا ليتنى قبلت رخصة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رواه البخارى، وقال ابن عبد البر نازل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ختم القرآن فقال اختمه في شهر فقال إنى أطيق أفضل من ذك فلم يزل يراجعه حتى قال لا تقرأه في أقل من سبع. واعتذر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عن شهوده صفين وأقسم أنه لم يرم فيها برمح ولا سهم وأنه إنما شهدها لعزمة أبيه عليه في ذلك وأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال له أطع أباك. فعن ابن أبى مليكة عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه كان يقول مالى ولصفين مالى ولقتال المسلمين والله لوددت أن مت قبل هذا بعشر سنين ثم يقول أما والله ما ضربت فيها بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم ولوددت أنى لم أحضر شيئًا منها وأستغفر الله عزّ وجلّ من ذلك وأتوب إليه، مات رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بمكة وقيل بالطائف وقيل بمصر سنة خمس وستين وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، روى له الجماعة (قوله يذكر ذلك وهو معه الخ) أى يذكر عبد الله بن عمرو الحديث لأبى سالم حال كونه معه مرابطا بحصن باب أليون، ومرابط اسم فاعل من رابط مرابطة إذا أقام في ثغر العدوّ وفى النهاية المرابطة أن يربط الفريقان خيولهم في ثغر كل منهما معدّ لصاحبه اهـ. والحصن المكان الذى لا يقدر على الارتقاء عليه لارتفاعه وجمعه حصون. والمراد به هنا الحصن الذى أقامه الفرس على ضفة النيل الشرقية مقابل الأهرام وفى مكانه الآن دير النصارى ويقال له قصر الشمع أو دير مارى جرجس. ومن حديثه أن الفرس لما اشتد ملكها وقويت على الروم حتى تملكت الشام ومصر أخذت في بناء هذا القصر وجعلت فيه هيكل لبيت النار ولكن لم يتمموا بناءه فلما ظهرت الروم تممت بناءه وحصنته فلم يزالوا فيه إلى أن نازلهم المسلمون مع عمرو بن العاص ففتحه وأليون بفتح الهمزة وسكون اللام وضم الياء اسم مدينة مصر قديما فتحها المسلمون وسموه الفسطاط بضم الفاء وكسرها وسكون السين المهملة وهو في الأصل المدينة التى فيها مجتمع الناس وكل مدينة

فسطاط، وقال الزمخشرى هو ضرب من الأبنية وبه سميت المدينة ويقال لمصر والبصرة الفسطاط اهـ وقول أبى داود حصن أليون بالفسطاط على جبل لا ينافى ما ذكر لأن الذى على جبل هو الحصن لا نفس أليون. وفى شرح العينى قوله حصن أليون بالفسطاط الفسطاط مدينة مصر وفى الأصل الفسطاط بيت من شعر ولكن سميت بها مدينة مصر لأن عمرو بن العاص لما فتحها ضرب فسطاطه على موضع الجامع المعروف باسمه فبنى الجامع وبنى المسلمون حواليه دورا ومساجد وأسواقا ولم تزل مصر وهي الفسطاط كرسى المملكة حتى تولى مصر أحمد بن طولون من جهة المعتز بالله سنة أربع وخمسين ومائتين فبنى له ولعسكره القطائع في شمالى مصر وبنى عند القطائع جامعه المعروف به سنة تسع وخمسين ومائتين ثم لم يزل الأمر كذلك حتى بنيت القاهرة سنة ثمان وخمسين وثلثمائة على يد جوهر القائد المعزى اهـ. والذى يؤخذ من كتب التاريخ أنه لم يزل الفسطاط مقرّ الولاة حتى تولى مصر صالح بن على من قبل ابن أخيه أبى العباس سنة ثلاث وثلاثين ومائة هجرية فأقام بالفسطاط سبعة أشهر ثم انتقل إلى مدينة بناها شمال الفسطاط سماها العسكر ومحلها الآن أبنية خط فم الخليج وأبى السعود والماوردى وزينهم والبغالة إلى طولون تجاه جبل قلعة الكبش فكانت العسكر مقراً لولاة العباسيين حتى بنى أحمد بن طولون القطائع شرقى العسكر سنة ثمان وخمسين ومائتين وهي تمتدّ من قلعة الكبش إلى المقطم وبنى مسجده المشهور سنة أربع وستين ومائتين فصارت القطائع مقراً للمملكة حتى بنى جوهر الصقلى القائد لجيوش المعز لدين الله الفاطمى القاهرة سنة ثمان وخمسين وثلثمائة وبنى بها الأزهر سنة تسع وخمسين وثلثمائة (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَهُوَ شَيْبَانُ بْنُ أُمَيَّةَ يُكْنَى أَبَا حُذَيْفَةَ» (ش) أى أن شيبان المذكور في السند السابق هو ابن أمية وكنيته أبو حذيفة. وغرض المصنف بهذا بيان كنيته واسم أبيه وكان المناسب ذكر هذه العبارة عقب الحديث السابق (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، ثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَمَسَّحَ بِعَظْمٍ أَوْ بَعْرٍ» (ش) (رجال الحديث) (قوله روح بن عبادة) بن العلاء بن حسان بن عمرو ابن مرثد القيسى أبو محمد البصرى الحافظ أحد الرؤساء الأشراف روى عن حسين المعلم وشعبة والأوزاعي ومالك بن أنس وجماعة. وعنه أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم وأحمد بن منيع

وعبد بن حميد، وثقه الخطيب وقال يعقوب بن شيبة كان كثير الحديث صدوقا وقال ابن معين ليس به بأس صدوق وقال أبو مسعر الرازى طعن على روح بن عبادة ثلاثة عشر أو اثنا عشر فلم ينفذ قولهم فيه. مات سنة خمس أو سبع ومائتين. روى له الجماعة (قوله زكريا بن إسحاق) المكي. روى عن عمرو بن دينار وعطاء بن أبى رباح ويحيى بن عبد الله وعنه وكيع وأبو عاصم النبيل وابن المبارك وجماعة، وثقه أحمد والبخارى ومسلم وأبو داود وابن معين وقال كان يرى القدر وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث، روى له الجماعة (قوله أبو الزبير) محمد بن مسلم (قوله أن نتمسح) التمسح إمرار اليد على الشيء والمراد به هنا الاستنجاء كما تقدم، وجاء من باب التفعل إشارة إلى أن لا نتكلف المسح بالعظم والبعر، وإيماء إلى أن ارتكاب غير المشروع طريق شاق لا يسهل سلوكه عند العقلاء (قوله أو بعر) بفتحتين معروف والسكون لغة، واحده بعرة وهو من كل ذى ظلف وخف وجمعه أبعار مثل سبب وأسباب (فقه الحديث) فيه دليل على حرمة الاستنجاء بالعظم والبعر (من روى الحديث أيضا) رواه أحمد ومسلم والبيهقى (ص) حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحِمْصِيُّ، ثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ الْجِنِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ: انْهَ أُمَّتَكَ أَنْ يَسْتَنْجُوا بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثَةٍ أَوْ حُمَمَةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَنَا فِيهَا رِزْقًا، قَالَ: «فَنَهَى النبي صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله الحمصى) نسبة إلى حمص بلد بالشام (قوله ابن عياش) هو إسماعيل بن عياش بن سليم أبو عتبة الحمصى عالم الشام وأحد مشايخ الإسلام. روى عن ثور بن يزيد والأوزاعى وهشام بن عروة ويحيى بن سعيد وآخرين. وعنه الثورى والأعمش من شيوخه وأبو اليمان ويحيى بن معين وكثيرون، وثقه أحمد وابن معين ودحيم والبخارى وابن عدى في أهل الشام وضعفوه في الحجازيين قال يزيد بن هارون ما رأيت أحفظ من إسماعيل وقال أحمد ليس أحد أروى لحديث الشاميين من إسماعيل بن عياش والوليد بن مسلم وقال يعقوب ابن سفيان تكلم قوم في إسماعيل وهو ثقة عدل أعلم الناس بحديث الشاميين وقال على ابن المدينى كان يوثق فيما روى عن أصحابه أهل الشام فأما ما رواه عن غيرهم ففيه ضعف وهو في الجملة

ممن يكتب حديثه ويحتج به في حديث الشاميين خاصة وقال أبو حاتم لين يكتب حديثه وقال الجوزجانى فما أشبه حديثه بثياب نيسابور يرقم على الثوب المائة وأقلّ وشراؤه دون عشرة وكان أروى الناس عن الكذابين وهو في حديث الثقات من الشاميين أحمد منه في حديث غيرهم. روى له الترمذى والنسائى وابن ماجه. مات سنة إحدى وثمانين ومائة (قوله يحيى بن أبى عمرو) أبو زرعة الحمصى. روى عن عبد الله بن الديلمى وعبد الرحمن بن خالد والوليد بن سفيان وغيرهم، وعنه الأوزاعي وضمرة بن ربيعة وعاصم بن حكيم وابن المبارك وطائفة، وثقه أحمد ودحيم وابن خراش والعجلى. توفى سنة ثمان وأربعين أو خمسين ومائة، روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (قوله السيبانى) بفتح السين المهملة والموحدة بينهما مثناة تحتية ساكنة نسبة إلى سيبان بن الغوث بن سعد الشامى أو إلى سيبان بطن من حمير (قوله عبد الله بن الديلمي) بن فيروز المقدسى أبو بسر بسين مهملة أو شين معجمة. روى عن حذيفة وعبد الله بن مسعود وأبى سعيد الخدرى وأبىّ بن كعب ومعاذ بن جبل وغيرهم وعنه أبو إدريس الخولانى وربيعة بن يزيد ومحمد بن سيرين وعروة بن رويم وجماعة. وثقه ابن معين والعجلى وابن حبان. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه، والديلمى نسبة إلى ديلم اسم ماء لبنى عبس وقيل اسم جبل سموا باسم أرضهم (قوله عبد الله بن مسعود) ابن غافل، بن حبيب بن شمخ بن مخزوم أبو عبد الرحمن الهذلى أحد السابقين في الإسلام، فعنه قال لقد رأيتنى سادس ستة وما على الأرض مسلم غيرنا رواه الحاكم والبغوى، شهد بدرا والمشاهد بعدها وهاجر الهجرتين. روى ثمانية وأربعين وثمانمائة حديث اتفق البخارى ومسلم منها على أربعة وستين وانفرد البخارى بأحد وعشرين ومسلم بخمسة وثلاثين. روى عنه من الصحابة. أبو موسى وأبو رافع وجابر وأنس وأبو سعيد وغيرهم، ومن التابعين علقمة ومسروق والأسود وقيس بن أبى حازم، تلقن من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبعين سورة وهو أول من جهر بالقرآن بمكة وفى الحديث من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد رواه الحاكم عن عليّ. قال علقمة كان يشبه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في هديه ودله وسمته، فعن حذيفة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال ما نعلم أحدا أقرب سمتا ولا هديا ولا دلا من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من ابن أم عبد رواه البخارى والترمذى، وكان أعلم الصحابة بكتاب الله تعالى، فعنه والذى لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله تعالى إلا وأنا أعلم أين أنزلت وما أنزلت آية من كتاب الله تعالى إلا وأنا أعلم فيم أنزلت ولو أعلم أحداً أعلم منى بكتاب الله تعالى تبلغه الإبل لركبت إليه رواه الشيخان والنسائى وكان من الملازمين لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وخادم نعله. فعن أبي موسى

قصة وفد الجن على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال قدمت أنا وأخى من اليمن فمكثنا حينا وما نرى ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من كثرة دخولهم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولزومهم له رواه الشيخان والترمذى، شهد له النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالإيمان والتقوى. فعنه قال لما نزل قوله تعالى "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا" الآية قال لى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنت منهم رواه مسلم والترمذى. توفي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين وصلى عليه عثمان بن عفان ودفن بالبقيع، وقيل نزل الكوفة ومات بها سنة ثلاث وثلاثين، روى له الجماعة (قوله قدم وفد الجن) الوفد قوم يجتمعون ويردون البلاد، الواحد وافد وكذا من يقصد الأمراء لزيارة أو طلب عطاء وانتجاع أى طلب الكلأ في موضعه أو غير ذلك، يقال وفد يفد فهو وافد وأوفدته فوفد وأوفد على الشئ فهو موفد إذا أشرف، والجن خلاف الإنس الواحد جني سموا بذلك لاستتارهم عن أعين الناس وتجوز رؤيتهم يثاب الطائع منهم ويعذب العاصى وهم مكلفون من حين الخلقة، وقد تقدم الكلام عليهم والخلاف فيهم، وهذا الوفد تسع أو سبع من جن نصيبين مدينة في الشمال الغربى للموصل على منبع نهر الفرات جنها سادات الجن وأكثرهم عددا وهم أول بعث بعثه إبليس حين بعث جنوده ليتعرفوا له الأخبار عن سبب منعهم من استراق السمع فلما سمعوا قراءة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم آمنوا وولوا إلى قومهم منذرين فقص الله تعالى على نبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خبرهم فقال "وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن" الآية وكان حضورهم بوادى نخلة على نحو ليلة من مكة، فعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال ما قرأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الجن ولا رآهم انطلق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسل عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا ما لكم قالوا حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب قالوا ما ذاك إلا من شئ حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فمرّ النفر الذين أخذوا نحو تهامة بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو يصلى بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له وقالوا هذا الذى حال بيننا وبين خبر السماء فرجعوا إلى قومهم وقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا، فأنزل الله تعالى على نبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، قل أوحى إلىّ أنه استمع نفر من الجن، أخرجه الشيخان والترمذى، وقد وردت أحاديث أخر تدلّ على تكرر اجتماعهم بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. فعن علقمة قلت لابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هل صحب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منكم أحد ليلة الجن قال ما صحبه أحد منا ولكنا كنا معه

أقوال العلماء في الاستنجاء بالنجاسة والعظم وما في معناه

ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب فقلنا استطير أو اغتيل فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم فلما أصبحنا فإذا هو جاء من قبل حراء فقلنا يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم فقال أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن قال فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وسألوه الزاد فقال لكم كل عظم ذكر اسم الله تعالى عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علف لدوابكم فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم أخرجه مسلم والمصنف والترمذى، ورواية ابن مسعود مثبتة قراءته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الجن فهى مقدّمة على رواية ابن عباس السابقة النافية لها لأن المثبت مقدّم على النافى (قوله انه أمتك إلخ) بفتح الهاء أمر من النهى يقال نهيته عن الشئ أنهاه نهيا فانتهى ونهوته نهوا لغة ونهى الله تعالى أى حرّم، أى امنع أتباعك من الإنس من الاستنجاء بعظم أو روث أو لحم. والأمة جمعها أمم كغرفة وغرف، والحممة بضم الحاء المهملة وميمين مفتوحتين على وزن رطبة ما أحرق من خشب ونحوه والجمع حمم كرطب قال الخطابى الحمم والفحم ما أحرق من الخشب والعظام ونحوهما والاستنجاء به منهىّ عنه لأنه رزق الجن فلا يجوز إفساده عليهم اهـ (قوله جعل لنا فيها) أى في العظم وما بعده. وظاهره أنهم يرزقون من هذه الأشياء فلذلك منع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الاستنجاء بها ولا ينحصر الرزق في الأكل فلعلهم ينتفعون بالحممة ونحوها بوجه آخر (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يسوغ للشخص أن يسعى إلى تحصيل ما ينفعه ودفع ما يضره، وعلى أنه يجوز لمن هضم حقه أن يسعى لدى الولاة للحصول على حقه، وعلى أنه يطلب من الرئيس مساعدة المظلوم حتى يحصل على حقه. وعلى أن للجن حقوقا يقضى بها كالإنس، وعلى أنه يطلب البعد عما يؤذيهم كغيرهم، ودلت أحاديث الباب على منع الاستنجاء بالنجاسات والعظم ومثل العظم ما في معناه من المطعومات ومثل الفحم غيره مما يلوّث ولا ينقى (واختلف) العلماء في ذلك فقال الثورى والشافعى وأحمد وإسحاق والظاهرية لا يصح الاستنجاء بها، واستدلوا بظاهر أحاديث الباب وحديث سلمان المتقدم في باب كراهية استقبال القبلة عند الحاجة، وبما رواه البخارى عن أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال اتبعت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وخرج لحاجته فكان لا يلتفت فدنوت منه فقال له ابغنى أحجارا أستنفض بها ولا تأتنى بعظم ولا روث "الحديث" وأستنفض بالنون والفاء المكسورة يعنى أنظف بها نفسى من الحدث، وفى رواية رزين عن أبى هريرة قلت ما بال العظم والروثة قال هما من طعام الجن وإنه أتانى وفد جن نصيبين ونعم الجن فسألونى عن الزاد فدعوت الله تعالى لهم أن لا يمرّوا بعظم ولا بروث إلا وجدوا عليها طعاما، وبما رواه البخارى أيضا عن ابن مسعود

قال أتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الغائط فأمرنى أن آتيه بثلاثة أحجار فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجد فأخذت روثة فأتيته بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال هذا ركس. يعنى نجسا كما فسره الترمذى. قال النووى في شرح مسلم نبه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالرجيع على جنس النجس فإن الرجيع هو الروث، وأما العظم فلكونه طعاما للجن فنبه به على جميع المطعومات وتلحق به المحترمات كأجزاء الحيوان وأوراق كتب العلم ولا فرق في النجس بين المائع والجامد فإن استنجى بنجس لم يصح استنجاؤه ووجب عليه بعد ذلك الاستنجاء بالماء ولا يجزئه الحجر لأن الموضع صار نجسا بنجاسة أجنبية ولو استنجى بمطعوم أو غيره من المحترمات الطاهرات فالأصح أنه لا يصح استنجاؤه ولكن يجزئه الحجر بعد ذلك إن لم يكن نقل النجاسة من موضعها، وقيل إن استنجاءه الأول يجزئُ مع المعصية اهـ وقالت المالكية لا يجوز الاستنجاء بالنجس كأرواث الخيل والحمير وعظم الميتة والعذرة ولا بمحترم لكونه مطعوما لآدمى كخبز أو مكتوبا لحرمة الحروف ولو بخط غير عربى أو مشرّفا لذاته كذهب وفضة أو حقا للغير كجدار مملوك للغير ولو وقفا، وأجزأ الاستنجاء بما ذكر مع الحرمة إن حصل الإنقاء قالوا ويكره الاستنجاء بعظم وروث طاهرين. قال العينى وذهب بعض البغداديين إلى جواز ذلك وهو قول أبى حنيفة، وفى البدائع فإن فعل ذلك يعنى الاستنجاء بالعظم يعتدّ به عندنا فيكون مقيما سنة ومرتكبا كراهية، وشذ ابن جرير فأجاز الاستنجاء بكل طاهر ونجس اهـ ويكره بالذهب والفضة عند أبى حنيفة، وقال في الهداية ولا يستنجى بعظم ولا بروث لأن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى عن ذلك ولو فعل يجزئه لحصول المقصود ومعنى النهى في الروث النجاسة وفى العظم كونه زاد الجن، ولا يستنجى بطعام لأنه إسراف وإهانة اهـ وقال في فتح القدير واذا كرهوا وضع المملحة على الخبز للإهانة فهذا أولى فلو فعل فأنقى أثم وطهر المحل على إحدى الروايتين اهـ وقال الحافظ في الفتح من قال علة النهى عن الروث كونه نجسا الحق به كل نجس ومتنجس وعن العظم كونه لزجا فلا يزيل إزالة تامة ألحق به ما في معناه كالزجاج الأملس، ويؤيده ما رواه الدارقطنى وصححه من حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى أن يستنجى بروث أو بعظم وقال إنهما لا يطهران، وفى هذا ردّ على من زعم أن الاستنجاء بهما يجزئُ وإن كان منهيا عنه اهـ وفى سبل السلام شرح بلوغ المرام في الكلام على حديث أبى هريرة قال إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى أن يستنجى بعظم أو روث وقال إنهما لا يطهران رواه الدارقطنى وصححه ما نصه وعلل هنا بأنهما لا يطهران وعلل بأنهما طعام الجن وعللت الروثة بأنها ركس والتعليل بعدم التطهير فيها عائد إلى كونها ركسا وأما عدم تطهير العظم فلأنه لزج لا يكاد يتماسك فلا ينشف النجاسة ولا يقطع البلة، ولما علل صلى

باب الاستنجاء بالأحجار

الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأن العظم والروثة طعام الجن قال له ابن مسعود وما يغنى عنهم ذلك يا رسول الله قال إنهم لا يجدون عظما إلا وجدوا عليه لحمه الذى كان عليه يوم أخذ ولا وجدوا روثا إلا وجدوا فيه حبه الذى كان يوم أكل رواه أبو عبد الله الحاكم في الدلائل. ولا ينافيه ما ورد أن الروث علف لدوابهم كما لا يخفى اهـ أى لإمكان حمل الطعام فيه على طعام الدواب (من روى الحديث أيضا) رواه البيهقى وقال إسناد شامى غير قوى اهـ يعنى لأن في إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال كما تقدم. ولكن هذا لا يقدح في الحديث لما تقدم من أنه محتج بحديثه المروى عن الشاميين وشيخه هنا يحيى الحمصى. ورواه من طريق مولى بن على بن رباح عن أبيه عن ابن مسعود وقال علي بن رباح لم يثبت سماعه من ابن مسعود، وردّ بأن مسلما قال اتفاق أهل العلم على أنه يكفى في الاتصال إمكان اللقاء والسماع وعلى بن رباح ولد سنة خمس عشرة فسماعه من ابن مسعود ممكن لأن ابن مسعود توفى سنة اثنتين أو ثلاث وثلاثين وكذا رواه الترمذى بسند آخر حسن عن ابن مسعود بلفظ لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجنّ، ورواه النسائى عنه بلفظ نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يستطيب أحدكم بعظم أو روث (باب الاستنجاء بالأحجار) وفى نسخة بالحجارة أى في بيان ما يدلّ على مشروعية الاستنجاء بالأحجار جمع حجر وقد تقدم الاتفاق على أنه ليس متعينا بل يقوم مقامه الخرق والخشب ونحوها من كل جامد طاهر مزيل للعين غير محترم ولا هو جزء من حيوان خلافا لمن قال من الظاهرية إن ما ذكر لا يقوم مقام الحجر لنصه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليه (ص) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَا: ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ قُرْطٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ، فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ يَسْتَطِيبُ بِهِنَّ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراسانى المروزى أو الطالقانى. يقال ولد بجوزجان ونشأ ببلخ وسكن مكة ومات بها سنة سبع وعشرين ومائتين. روى عن مالك بن أنس وابن عيينة والليث بن سعد وعبد العزيز الدراوردى وغيرهم

وعنه أحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم والبخارى ومسلم وأبو وداود وآخرون، قال سلمة ابن شبيب ذكرته لأحمد فأحسن الثناء عليه وفخم أمره وقال هو من أهل الفضل والصدق وقال أبو حاتم ثقة من المتقنين الأثبات (قوله يعقوب بن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله المدنى ثم الإسكندرانى. روى عن أبيه وأبى حازم وموسى بن عقبة ومحمد بن عجلان وغيرهم. وعنه عبد الله بن وهب وقتيبة بن سعيد ويحيى بن يحيى ويزيد بن سعيد الصباحى وكثيرون. روى له الجماعة إلا ابن ماجه، وثقه ابن معين وأحمد وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة إحدى وثمانين ومائة (قوله عن أبى حازم) هو سلمة بن دينار مولى الأسود بن سفيان الأعرج المدنى الزاهد القاضى العابد، وثقه ابن معين ومحمد بن إسحاق وأبو حاتم وأحمد بن حنبل والنسائى والعجلى وابن خزيمة وقال لم يكن في زمانه مثله ومن قال إنه التمار فقد وهم. روى عن سهل بن سعد الصحابى وعطاء ابن أبى رباح وسعيد بن المسيب وغيرهم، وعنه ابناه عبد العزيز وعبد الجبار والزهرى وهو أكبر منه ومالك ومحمد بن إسحاق وجماعة. قيل توفى سنة خمس وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (قوله مسلم بن قرط) بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة المدنى ذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئُ لم يرو عنه غير أبى حازم ولا يعرف هذا الحديث بغير هذا الإسناد وقال في تهذيب التهذيب هو مقلّ جدا وإذا كان مع قلة حديثه يخطئ فهو ضعيف وقال الذهبى لا يعرف وحسن الدارقطنى حديثه وقال السيوطى ولا نعرفه بأكثر من أنه روى عن عروة قال وفى هذا الإسناد رواية تابعى عمن ليس بتابعى لأن أبا حازم تابعى أكثر الرواية عن سهل بن سعد ومسلم بن قرط لا يعرف بغير روايته عن عروة ولذلك ذكره ابن حبان في الطبقة الثالثة وهي طبقة أتباع التابعين. روى له أبو داود والنسائى (قوله إذا ذهب أحداً إلى الغائط) أى إذا أراد أحدكم الذهاب إلى مكان قضاء الحاجة، والخطاب وإن كان للذكور لكنه غير مختص بهم بل مثلهم الإناث لأنهنّ شقائق الرجال (قوله فليذهب الخ) اللام لام الأمر أى فليمض بثلاثة أحجار حال كونها مصحوبة معه فالباء للتعدية ومع متعلقة بمحذوف حال (قوله يستطيب بهنّ) أى يستنجى بالأحجار فإنها تكفى عن الماء المفهوم من المقام، والاستطابة الاستنجاء يقال استطاب وأطاب إطابة أى استنجى لأن المستنجى تطيب نفسه بإزالة الخبث عن الفرج وجملة يستطيب في محل جر صفة لأحجار أو في محل رفع مستأنفة علة للأمر أو في محل نصب حال مقدرة أى عازما على الاستطابة بهن وبه يندفع قول العينى لا يجوز أن تكون حالا لأن الاستطابة لا تحصل حالة الذهاب (قوله فإنها تجزئ عنه) بضم المثناة الفوقية من الإجزاء بمعنى الكفاية، وقال الزركشى ضبطه بعضهم بفتح التاء ومنه قوله تعالى (لا تجزى نفس عن نفس شيئا) اهـ أى تغنى وتنوب فهو من باب قضى

مذاهب العلماء فيما يلزم في الاستنجاء بالأحجار

يقضى، وفي هذا دليل على أن الاستطابة بالأحجار الثلاثة تكفى عن الماء لكن محله إذا زالت عين النجاسة ولا يضرّ بقاء أثرها فإنه رخصة (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن الاستنجاء بالاحجار مجزئ واختلف العلماء في هذا فذهب الشافعى وأحمد وإسحاق بن راهويه وأبو ثور إلى أنه لا بدّ في الاستنجاء بالحجر من إزالة عين النجاسة واستيفاء ثلاث مسحات فلو مسح مرة أو مرتين وحصل الإنقاء لا يجزئه ولا بدّ من مسحة ثالثة. واستدلوا بحديث الباب وحديثى سلمان وأبى هريرة المذكورين في باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة. قال الخطابى ولو كان القصد الإنقاء فقط لخلا اشتراط العدد عن الفائدة وأن الإنقاء يحصل بالمسحة والمسحتين فلما اشترط العدد لفظا وعلم الإنقاء فيه معنى دلّ على إيجاب الأمرين اهـ قالوا وإذا استنجى في القبل والدبر وجب ست مسحات والأفضل أن يكون بستة أحجار فإن اقتصر على جر واحد له ستة أحرف أجزأه وتجب الزيادة على ثلاثة أجار إن لم يحصل الإنقاء بها، وذهب مالك وأبو حنيفة وداود إلى أنه لا يلزم عدد معين بل المدار على الإنقاء وهو قول عمر، قال النووى وهو وجه لبعض الشافعية واستدلوا بحديث ابن مسعود قال أتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الغائط فأمرنى أن آتيه بثلاثة أحجار فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجده فأخذت روثة فأتيت بهن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال هذه ركس رواه البخارى وابن ماجه والبيهقى والنسائى واللفظ له، قال الطحاوى لأنه لو كان (يعنى العدد) شرطا لطلب ثالثا. وقال الخطابى فيه (يعنى حديث ابن مسعود) إيجاب عدد الثلاث في الاستنجاء لأنه إنما استدعاها ليستنجى بها كلها وليس في قوله فأخذ الحجرين دليل علي أنه اقتصر عليهما لجواز أن يكون بحضرته ثالث فيكون قد استوفاها عددا اهـ، قال العينى لا نسلم أن فيه إيجاب عدد الثلاث بل كان ذلك للاحتياط لأن التطهير بواحد أو اثنين لم يكن محققا فلذلك نص على الثلاث لأن بها يحصل التطهير غالبا ونحن نقول إذا تحقق شخص أنه لا يطهر إلا بالثلاثة تعينت عليه لا لأجل التوفية بل للإنقاء الحاصل في العدد حتى إذا احتاج إلى رابع أو خامس وهلم جرا تعين عليه ذلك، وعلى أن الحديث متروك الظاهر فإنه لو استنجى بحجر له ثلاثة أحرف جاز بالإجماع وقوله وليس في قوله فأخذ الحجرين دليل على أنه اقتصر عليهما غير مسلم لأنه لو كان الثالث شرطا لطلبه فحيث لم يطلبه دلّ على ما قلناه، وتعليله بقوله لجواز أن يكون بحضرته ثالث ممنوع لأن قعوده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للغائط كان في مكان ليس فيه أجار إذ لو كانت هناك أجار لما قال له ائتنى بثلاثة أحجار، ومن أمعن النظر في أحاديث الباب ودقق ذهنه في معانيها علم وتحقق أن الحديث حجة عليهم وأن المراد الإنقاء لا التثليث اهـ بتصرف

ما ورد في الاستنجاء بثلاثة أحجار

وما قاله العينى في توجيه حديث ابن مسعود مجرد احتمال في المقام وحديث سلمان نص في أنه لا يقتصر على ما دون الثلاث، وأيضا فحديث سلمان قول وحديث ابن مسعود فعل وإذا تعارضا قدم القول لا سيما وقد ورد الأمر بالاستنجاء بثلاثة أحجار في غير حديث (منها) حديث الباب (ومنها) ما رواه ابن خزيمة وابن حبان والدارمى والشافعى من حديث أبى هريرة وفيه وليستنج أحدكم بثلاثة أحجار (وما رواه) مسلم من حديث سلمان بلفظ أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن لا نجتزئَ بأقل من ثلاثة أحجار، قال في النيل في سائر الأحاديث الناصة على وجوب الثلاثة زيادة يجب المصير إليها مع عدم منافاتها بالاتفاق ولم تقع هنا منافية فالأخذ بها متحتم اهـ، ويدل الحديث أيضا على وجوب الاستنجاء وبة قال الشافعى وأحمد وأبو ثور وإسحاق وداود ومالك في المشهور عنه وقالوا باشتراطه في صحة الصلاة محتجين بظاهر الأوامر الواردة في مثل حديث الباب وحديث خلاد بن السائب عن أبيه أنه سمع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول إذا تغوّط الرجل فليتمسح ثلاث مرات رواه النسائى والطبرانى والبغوى، وذهب أبو حنيفة ومالك في رواية والمزنى من أصحاب الشافعى إلى أنه سنة محتجين بما تقدم من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج. قالوا النفى في قوله ومن لا مسلط على أصل الاستنجاء لا على الإيتار فقط فقد نفي الشارع الحرج عن تارك الاستنجاء فدلّ على عدم وجوبه وقالوا إن الأمر بالاستنجاء في بعض الأحاديث للاستحباب جمعا بين الأحاديث، وهذا كله ما لم تتجاوز النجاسة المخرج وإلا تعين الماء، وقالت الحنفية يجب غسله إن كان المتجاوز درهما فأقل ويفترض غسله إن زاد على ذلك، وقال الأولون إن النفى في قوله ومن لا فلا حرج راجع إلى الإيتار لا إلى أصل الاستنجاء فإنه خلاف ظاهر الحديث وعلى فرض أنه ظاهره فليس بمتعين فلا يصلح لصرف الأوامر المتعلقة بالاستنجاء عن ظاهرها (من روى الحديث أيضا) رواه أحمد والنسائى والدارمى والبيهقى والدارقطنى وقال إسناده صحيح (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خُزَيْمَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ، عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الِاسْتِطَابَةِ، فَقَالَ: «بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ لَيْسَ فِيهَا رَجِيعٌ» (ش) (رجال الحديث) (قوله أبو معاوية) هو محمد بن خازم (قوله هشام بن عروة) ابن الزبير بن العوام الأسدى أبو المنذر وقيل أبو عبد الله أحد الأئمة الأعلام رأى ابن عمر ومسح على رأسه ودعا له ورأى سهل بن سعد وجابرا وأنسا. روى عن أبيه وعمه عبد الله وزوجه

وأبى سلمة بن عبد الرحمن ووهب ابن كيسان وغيرهم، وعنه أيوب السختياني والليث بن سعد ومالك ابن أنس والسفيانان والحمادان وابن المبارك وآخرون، قال ابن المديني له نحو أربعمائة حديث وقال ابن سعد ثقة حجة كثير الحديث وقال أبو حاتم ثقة إمام في الحديث وقال يعقوب بن شيبة ثقة ثبت لم ينكر عليه شئ إلا بعد ما صار إلى العراق فإنه توسع في الرواية عن أبيه بإسقاط الواسطة فكان يرسل عن أبيه مما كان يسمعه من غيره عنه فأنكر ذلك عليه وقال ابن خراش كان صدوقا تدخل أخباره في الصحيح بلغنى أن مالكا نقم عليه حديثه لأهل العراق وقال الذهبى في الميزان هو أحد الأعلام حجة إمام لكن في الكبر تناقض حفظه ولم يختلط أبدا ولا عبرة بما قاله أبو الحسن ابن القطان من أنه وسهيل بن أبى صالح اختلطا. مات ببغداد سنة ست وأربعين ومائة ودفن في مقبرة الخيزران. روى له الجماعة (قوله عمرو بن خزيمة) المزنى أبو خزيمة المدنى. روى عن عمارة بن خزيمة. وعنه هشام بن عروة. روى له أبو داود وابن ماجه حديثه عن أهل المدينة وثقه ابن حبان وقال في التقريب مقبول (قوله عمارة بن خزيمة) بكسر العين المهملة ابن ثابت الأنصارى أبو عبد الله ويقال أبو محمد المدنى، روى عن أبيه وعمه وعثمان بن حنيف وعمرو بن العاص وجماعة وعنه الزهرى ويحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن وعمرو بن خزيمة ومحمد بن زرارة، وثقه النسائى وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث قال وغفل ابن حزم في المحلى فقال إنه مجهول لا يدرى من هو. مات سنة خمس ومائة. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه. (قوله خزيمة بن ثابت) بن الفاكه بالفاء وكسر الكاف ابن ثعلبة بن ساعدة الأنصارى أبو عمارة، كان من السابقين الأولين شهد بدرا وما بعدها. قد جعل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شهادته بشهادة رجلين. فعنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ابتاع فرسا من أعرابى فاستتبعه إلى منزله ليقضيه فأسرع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبطأ الأعرابى وطفق رجال يعترضون الأعرابى يساومونه بالفرس ولا يشعرون أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد ابتاعه فنادى الأعرابى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال إن كنت مبتاعا هذا الفرس وإلا بعته فقام النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين سمع نداء الأعرابى فقال أوليس قد ابتعته منك فقال الأعرابى والله ما بعتكه فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بل قد ابتعته منك فطفق الأعرابى يقول هلمّ شاهدك فقال خزيمة أنا أشهد أنك بايعته فأقبل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على خزيمة فقال بم تشهد قال بتصديقك يا رسول الله فجعل شهادة خزيمة شهادة رجلين أخرجه أبو داود والنسائى وزاد رزين فقال الأعرابى أهذا رسول الله فقال أبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كفى بك جهلا أن لا تعرف نبيك صدق الله (الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله) فاعترف الأعرابى بالبيع

وروى الدارقطنى عن أبى عبد الله الجدلى عن خزيمة بن ثابت أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين. له ثمانية وثلاثون حديثا. روى عنه ابنه عمارة وإبراهيم ابن سعد بن أبى وقاص. قتل سنة سبع وثلاثين مع عليّ بصفين. روى له الجماعة إلا البخارى (قوله سئل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) بالبناء للمفعول أى سأله بعض الصحابة استرشادا ولم يذكر السائل إما لجهل الراوى به وإما لعدم تعلق الغرض بذكره (قوله عن الاستطابة) أى عن المستطاب به فهو من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول (قوله فقال بثلاثة أحجار) أى قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يكون الاستنجاء بثلاثة أحجار وهو صريح في أن الإيتار مطلوب: شرعا وأن أقله ثلاثة (قوله ليس فيها رجيع) الجملة صفة مؤكدة للأحجار مزيلة لتوهم عموم المجاز في الأحجار وذلك أنه قد يتوهم أن المراد منها كل ما يزيل الأثر وينقى ولو نجسا أو محترما فنبه بإخراج الرجيع والعظم كما تقدم على أن الحجر بعد التجوّز فيه لا يشملهما وإن شمل غيرهما من كل جامد طاهر منق غير محترم خلافا لبعض الظاهرية والحنابلة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى من طريق المصنف وأحمد من طريق وكيع عن هشام (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَذَا رَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ (ش) أفاد المصنف بهذا أن أبا أسامة وابن نمير قد تابعا أبا معاوية في أن شيخ هشام عمرو ابن خزيمة وهذا تعريض بردّ رواية سفيان بن عيينة عند البيهقى في المعرفة قال أخبرنا أبو زكريا وأبو بكر وأبو سعيد قالوا حدثنا أبو العباس فال أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعى قال أخبرنا سفيان قال أخبرنى هشام بن عروة قال أخبرنى أبو وجزة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "الحديث" قال البيهقى في المعرفة هكذا قال سفيان أبو وجزة وأخطأ فيه إنما هو ابن خزيمة واسمه عمرو بن خزيمة كذلك رواه الجماعة عن هشام ابن عروة وكيع وابن نمير وأبو أسامة وأبو معاوية وعبدة بن سليمان ومحمد بن بشر العبدى اهـ وقال في السنن وكذلك رواه محمد بن بشر العبدى ووكيع وعبدة بن سليمان عن هشام. ورواه ابن عيينة عن هشام عن أبى وجزة عن عمارة وكان علي ابن المديني يقول الصواب رواية الجماعة عن هشام عن عمرو بن خزيمة. ورواه أبو معاوية مرة عن هشام عن عبد الرحمن ابن سعد عن عمرو بن خزيمة أخبرناه أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد ابن عبد الجبار نا أبو معاوية فذكره قال أبو عيسى قال البخارى أخطأ أبو معاوية في هذا الحديث إذ زاد فيه عن عبد الرحمن بن سعد. قال البخارى والصحيح ما رواه عبدة ووكيع عن هشام

باب فى الاستبراء

ابن عروة عن أبى خزيمة عن عمارة بن خزيمة عن خزيمة اهـ (أقول) قد روى الحديث ابن ماجه من طريق وكيع وابن عيينة كما رواه الجماعة قال حدثنا محمد بن الصباح أنبأنا سفيان بن عيينة ح وحدثنا على بن محمد ثنا وكيع جميعا عن هشام بن عروة عن أبى خزيمة عن عمارة بن خزيمة عن خزيمة بن ثابت قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الاستنجاء ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع. ورواه الطحاوى من طريق عبد الرحمن بن سليمان عن هشام بن عروة عن عمرو ابن خزيمة عن عمارة بن خزيمة عن خزيمة بن ثابت قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الاستجمار بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع. وروى الدارمى أيضا بسنده عن على ابن مسهر عن هشام مثل رواية الجماعة عن عمرو بن خزيمة (قوله أبو أسامة) هو حماد ابن أسامة بن يزيد الهاشمي الكوفى. روى عن هشام بن عروة والأعمش وابن جريج وغيرهم. وعنه أحمد والشافعى وقتيبة وإسحاق بن راهويه وجماعة، قال أحمد ثقة ما أثبته وكان صحيح الكتاب ضابطا للحديث كيسا صدوقا لا يكاد يخطئُ وقال ابن سعد كان ثقة مأمونا كثير الحديث يدلس ويبين تدليسه وقال العجلى كان ثقة يعدّ من حكماء الحديث. توفى سنة إحدى ومائتين. روى له الجماعة (قوله وابن نمير) هو عبد الله بن نمير بالتصغير الهمدانى أبو هشام الكوفى. وثقه ابن معين والعجلي وقال صالح الحديث وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث صدوقا وقال أبو حاتم مستقيم الأمر، روى عن هشام بن عروة وإسماعيل ابن أبى خالد والثورى والأوزاعي، وعنه ابنه محمد وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وابن المدينى وغيرهم. توفى في ربيع الأول سنة تسع وتسعين ومائة، روى له الجماعة (باب في الاستبراء) يعنى الاستنجاء بالماء أهو مطلوب عقب قضاء الحاجة أم لا، فلا يقال إن هذه الترجمة مكررة مع باب الاستبراء من البول المتقدم لأن ذاك في التحذير من التهاون بالاستبراء وهذه في أن الاستنجاء بالماء عقب البول ليس بلازم، وترجم ابن ماجه للحديث بقوله باب من بال ولم يمس ماء (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْمُقْرِئُ، قَالَا: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى التَّوْأَمُ، ح وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَنَا أَبُو يَعْقُوبَ التَّوْأَمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: بَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَقَامَ عُمَرُ خَلْفَهُ بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا عُمَرُ»، فَقَالَ: هَذَا مَاءٌ تَتَوَضَّأُ بِهِ، قَالَ: «مَا أُمِرْتُ كُلَّمَا بُلْتُ أَنْ أَتَوَضَّأَ، وَلَوْ فَعَلْتُ لَكَانَتْ سُنَّةً»

(ش) (رجال الحديث) (قوله خلف بن هشام) بن ثعلب بالمثلثة ويقال ابن طالب ابن غراب أبو محمد البزار البغدادى. روى عن مالك وأبى عوانة وحماد بن زيد وشريك ابن عبد الله النخعى وآخرين. وعنه مسلم وأبو داود وأحمد بن حنبل وأبو زرعة وغيرهم، وثقه ابن معين والنسائى وقال أحمد هو عندنا الثقة الأمين وقال ابن حبان كان خيرا فاضلا عالما بالقراءات وقال أبو عمر والدانى ثقة مأمون. مات سنة تسع وعشرين ومائتين، والمقرئُ اسم فاعل من أقرأ هو الذى له معرفة ودراية بالقراءة (قوله عبد الله بن يحيى) ويقال عباد ويقال عبادة ابن سليمان الثقفى أبو يعقوب البصرى ضعفه يحيى بن معين والعقيلى وقال النسائى صالح وقال مرة ضعيف ووثقه ابن حبان. روى عن عبد الله بن أبى مليكة وعبد الملك بن عمير وجعفر بن محمد وغيرهم، وعنه عمرو بن عون وقتيبة بن سعيد وأبو أسامة ومسلم بن إبراهيم وطائفة، روى له أبو داود وابن ماجه (قوله التوأم) بمثناة فوقية مفتوحة وواو ساكنة وهمزة مفتوحة من ولد مع غيره في بطن واحد ويقال توأم للذكر وتوأمة للأنثى (قوله ح) هو علامة التحويل إلى الرجوع من سند إلى سند آخر سواء أكان الرجوع من أول السند أم وسطه أم آخره (قوله عمرو بن عون) بن أوس بن الجعد أبو عثمان الواسطى الحافظ قال أبو زرعة قلّ من رأيت أثبت منه وقال أبو حاتم ثقة حجة وقال العجلى ثقة وكان رجلا صالحا وذكره ابن حبان في الثقات وقال يزيد بن هارون عمرو بن عون ممن يزداد كل يوم خيرا وأطنب في الثناء عليه ابن معين روى عن الحمادين وأبى عوانة ووكيع وابن أبي زائدة وجماعة، وعنه البخارى وعبد الله الدارمى وأبو حاتم وابن معين وغيرهم، مات سنة خمس وعشرين ومائتين (قوله أبو يعقوب التوأم) هو عبد الله بن يحيى المتقدم، ولما ذكره عمرو بن عون بكنيته وذكره قتيبة وخلف باسمه ذكر المصنف التحويل وإلا كان يكفيه أن يقول حدثنا قتيبة وخلف وعمرو بن عون قالوا الخ (قوله عبد الله بن أبى مليكة) هو عبد الله بن عبيد الله بن أبى مليكة أبو بكر كان قاضيا لعبد الله ابن الزبير ومؤذنا له، روى عن عائشة وابن الزبير وابن عباس وابن عمرو وآخرين، وعنه عطاء ابن أبي رباح وعمرو بن دينار وأيوب السختيانى وهشام بن عروة وغيرهم، وثقه أبو حاتم وأبو زرعة والعجلى وابن سعد وقال كان كثير الحديث وذكره ابن حبان في الثقات، توفى سنة سبع عشرة ومائة، روى لة الجماعة (قوله عن أمه) ميمونة بنت الوليد بن الحارث الأنصارية تابعية ذكرها ابن حبان في الثقات (قوله بال الخ) أى ذهب ليبول فسار خلفه عمر بماء كما في رواية ابن ماجه انطلق النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يبول فاتبعه عمر بماء الخ (وعمر) بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى ينتهى نسبه إلى عدىّ بن كعب بن لؤىّ بن غالب القرشى العدوى أبو حفص أمير المؤمنين، ولد قبل البعثة بثلاثين سنه وقيل بسبع وعشرين وكان من أشراف

قريش وإليه كانت السفارة في الجاهلية، وذلك أن قريشا كانت إذا وقعت في حرب بعثوه سفيرا وإذا نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر بعثوه منافرا أو مفاخرا، أسلم سنة خمس منن البعثة فكان إسلامه عزّا ظهر به الإسلام إجابة لدعوة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وسبب إسلامه ما ذكره أهل السير عن أنس بن مالك قال خرج عمر متقلدا سيفه فلقيه رجل من بنى زهرة فقال أين تعمد يا عمر قال أريد أن أقتل محمدا فقال وكيف تأمن في بنى هاشم وبنى زهرة وقد قتلت محمدا فقال له عمر ما أراك إلا قد صبأت وتركت دينك الذى أنت عليه قال أفلا أدلك على العجب يا عمر إن أختك وختنك سعيد بن زيد قد أسلما فمشى مغضبا حتى أتاهما وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب فلما سمع خباب صوت عمر توارى في البيت فدخل عليهما فقال ما هذه الهينمة التى سمعتها عندكم قال وكانوا يقرءون (طه) فقال ما عدا حديثا تحدّثناه بيننا قال فلعلكما قد صبأتما فقال له ختنه أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك فوثب عمر على ختنه فوطئه وطأ شديدا فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فضرب رأسها فأدماه فقالت وهي غضبى كان ذلك على رغم أنفك أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فلما يئس عمر قال أعطوني هذا الكتاب الذى عندكم، فأقرؤه وكان عمر يقرأ الكتب فقالت له أخته إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ فقام فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأ (طه) حتى انتهى إلى قوله تعالى "إننى أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدنى وأقم الصلاة لذكرى" فقال عمر دلوني على محمد، وفى رواية أخرى أنه وجد في الكتاب سورة الحديد فقرأ حتى بلغ قوله تعالى "آمنوا بالله ورسوله" فقال دلونى على محمد، ولما قال ذلك خرج إليه خباب ووعظه وقال له سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمس يقول اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك بأبى جهل أو بعمر بن الخطاب رواه الترمذى من حديث ابن عمر، قال خباب فالله الله يا عمر فقال له دلنى على محمد فقال له هو في بيت عند الصفا مع نفر من أصحابه فجاء فاستأذن فارتاع من هناك لاستئذانه فقال حمزة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ نأذن له فإن كان يريد خيرا بذلناه له وإن كان يريد شرّا قتلناه بسيفه ولما دخل لقيه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وجبذه جبذة شديدة وقال ما جاء بك يا ابن الخطاب فوالله ما أرى أن تنتهى حتى ينزل الله بك قارعة فقال جئتك لأومن بالله فكبر رسول الله صلى الله تعالى علية وعلى آله وسلم فرحا، وبقدر شدّته التى كانت على المسلمين صار بأضعاف ذلك على المشركين. قال ابن مسعود كان إسلام عمر فتحا وهجرته نصرا وإمارته رحمة ولقد كنا وما نصلى عند الكعبة حتى أسلم عمر فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى عندها وصلينا معه وقال ما زلنا أعزّة منذ أسلم عمر، وعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال لما أسلم عمر نزل جبريل فقال يا محمد لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر رواه

ابن ماجه وابن حبان في صحيحه، ولما أذن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الهجرة صار المسلمون يخرجون خفية إلا عمر فقد تنكب قوسا وتقلد رمحا وجاء إلى قريش وهم مجتمعون حول الكعبة فقال من أراد أن تثكله أمه ويأتم ولده وترمل زوجته فليتبعنى وراء هذا الوادى فإنى مهاجر فلم يتبعه أحد، وقد شهد المشاهد كلها وخرج في عدّة سرايا وكان أمير بعضها، ولما توفى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كانت له اليد الطولى في تهدئة الفتنة والإسراع إلى مبايعة أبى بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما وكان له في خلافته المشير الأمين ثم بويع بالخلافة يوم مات أبو بكر فسار أحسن سيرة فتح الله له الفتوح بالشام والعراق ومصر ودوّن الدواوين وأرّخ التاريخ، وكان لا يخاف في الله لومة لائم، وهو أول من تسمى بأمير المؤمنين، وكان نقش خاتمه كفى بالموت واعظا يا عمر، ونزل القرآن بموافقته في أمور كأسرى بدر والحجاب وتحريم الخمر واتخاذ مقام إبراهيم مصلى. فعن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن الله تعالى جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وقال ابن عمر ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال فيه عمر إلا نزل القرآن فيه على نحو ما قال عمر رواه الترمذى وصححه وعن عمر قال وافقت ربى ثلاث. قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزل (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) وقلت يا رسول الله يدخل عليك البرّ والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين يحتجبن فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الغيرة فقلت عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن فنزلت كذلك رواه الشيخان، وزاد في رواية وفى أسارى بدر، وقد وردت أحاديث كثيرة في فضله. ولى الخلافة عشر سنين ونصف وقتل يوم الأربعاء لأربع أو ثلاث بقين من ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين طعنه أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة وذلك أنه شكا إلى عمر ارتفاع الخراج الذى ضربه عليه المغيرة فقال ألا تكلم مولاى يضع عنى من خراجى فقال كم خراجك قال درهمان في كل يوم فقال عمر وما صناعتك قال نحاس نقاش حدّاد قال فما أرى خراجك بكثير إنك لعامل محسن فقال وسع عدلك الناس غيرى ثم قال له عمر ألا تعمل لى رحى قال بلى فلما ولى أبو لؤلؤة قال لأعملن لك رحى يتحدّث بها ما بين المشرق والمغرب فقال عمر توعدنى العبد فاصطنع له الغلام خنجرا ذا حدّين وشحذه وسمه تم تحين عمر فجأة في صلاة الصبح وقام وراءه فلما كبر عمر طعنه الغلام في كتفه وفى خاصرته فسقط وطعن الغلام ثلاثة عشر رجلا ممن حاولوا القبض عليه فمات منهم سبعة ولما رأى أنه مغلوب على أمره طعن نفسه بخنجره فمات ثم قال عمر أين عبد الرحمن ابن عوف فقالوا هو ذا يا أمير المؤمنين قال تقدم فصلّ بالناس فصلى بهم واحتملوا عمر فأدخلوه منزله فقال لابنه عبد الله انظر من قتلنى فقال أبو لؤلؤة فقال الحمد لله الذى لم يجعل قتلى بيد رجل

يحاجنى بلا إله إلا الله فقد كان الغلام مجوسيا أو نصرانيا. ودفن رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بيت عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا. وكان سنه حين قتل ستين أو ثلاثا وستين سنة. وبقتله انكسر الباب الذى كان يحول بين الإسلام والفتن وتحقق ما أخبر به النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. فعن حذيفة قال كنا عند عمر فقال أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الفتنة فقلت أنا قال إنك لجرئ وكيف قال قلت سمعته يقول فتنة الرجل في أهله وماله وولده ونفسه وجاره يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فقال عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ليس هذا أريد إنما أريد التى تموج كموج البحر فقلت مالك ولها يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها بابا مغلقا قال فيكسر الباب أو يفتح قلت بل يكسر قال ذلك أحرى أن لا يغلق أبدا فقلنا لحذيفة هل كان عمر يعلم عن الباب قال نعم كما يعلم أن دون غد الليلة إنى حدثته حديثا ليس بالأغاليط فقيل لحذيفة من الباب قال عمر رواه الشيخان والترمذى، وقال سعيد بن زيد إن موت عمر ثلم الإسلام ثلمة لا ترتق إلى يوم القيامة، وقال حذيفة كان الإسلام في زمن عمر كالرجل المقبل لا يزداد إلا قربا فلما قتل عمر رحمه الله تعالى كان كالرجل المدبر لا يزداد إلا بعدا، وهذا هو المراد من قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لى جبريل ليبك الإسلام على موت عمر رواه الطبرانى في الكبير من حديث أبيّ بن كعب (وعلى الجملة) فتاريخه رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حافل بالأمور الجسام التى جعلت كبار أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يشعرون بأن الإسلام فقد بفقده أثبت أركانه. قال أبو طلحة ما من أهل بيت من العرب حاضر ولا باد إلا قد دخل عليهم بقتل عمر نقص. قال عبد الله بن سلام نعم أخو الإسلام أنت يا عمر كنت جوادا بالحق بخيلا بالباطل ترضى حين الرضا وتغضب حين الغضب عفيف الطرف طيب الظرف لم تكن مدّاحا ولا مغتابا (قوله بكوز من ماء) الكوز بالضم جمعه كيزان وأكواز وهو ما له عروة من أوانى الشرب وما لا عروة له يسمى كوبا وجمعه أكواب (قوله فقال هذا ماء تتوضأ به) أى قال عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مجيبا النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا ماء تتطهر به، فيشمل الاستنجاء بالماء وهو المراد هنا. وفى نسخة توضأ بتاء واحدة وأصله تتوضأ فحذفت إحدى التاءين (قوله قال ما أمرت) بصيغة المجهول أى ما أمرنى الله تعالى وجوبا (قوله كلما بلت) بضم الموحدة من باب قال حذفت عينه بعد نقل حركتها إلى الفاء لإسناده إلى ضمير رفع متحرك وهو ضمير المتكلم (قوله أن أتوضأ) يعنى أستنجى بعد البول بالماء بل جوّز لى الاكتفاء بالحجر ونحوه، وبهذا يظهر وجه مطابقة الحديث للترجمة (قوله ولو فعلت الخ) أى لو توضأت كلما أحدثت لكانت فعلتى هذه سنة، وفى نسخة لكان (أى الفعل) سنة أى طريقة واجبة لازمة لأمتى

فيمتنع عليهم الترخص في استعمال الحجر فيلزم الحرج وهو مرفوع لقوله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) أو المراد السنة المؤكدة وإلا فالاستنجاء بالماء مستحب بلا خلاف. والأصل في السنة الطريقة والسيرة، وفى عرف الشرع يراد بها ما أمر به النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو نهى عنه أو ندب إليه قولا أو فعلا مما لم يأت به الكتاب العزيز، وقد يراد بها المستحب سواء دلّ عليه كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس ومنه سنن الصلاة، وقد يراد بها ما واظب عليه النبى صلى الله تعالى وعلى آله وسلم مما ليس بواجب، ومن الأول حديث الباب، ويحتمل الثالث أى لو فعلته مرّة للزمنى المواظبة عليه لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا عمل عملا داوم عليه. والتحقيق أن المراد هنا المعنى الأول فيحتمل على الوجوب. قال المناوى في فتح القدير وما ذكر من حمله الوضوء على المعنى اللغوى هو ما فهمه أبو داود وغيره وبوّبوا عليه وهو مخالف للظاهر بلا ضرورة والظاهر كما قاله العراقى حمله على الشرعي المعهود فأراد عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن يتوضأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عقب الحدث فتركه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم تخفيفا وبيانا للجواز، ولا يقال قوله ولو فعلت الخ يقتضى أن الوضوء عقب الحدث ليس بسنة لكونه لم يفعله مع أنه سنة بدليل قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لبلال لما قال ما أحدثت قط إلا توضأت بهذا بلغت "الحديث" لأنا نقول ليس المراد بالسنة هنا ما هو مصطلح الفقهاء بل المراد بها الواجب فمعناه لو فعلت ذلك الوضوء عقب الحدث لواظبت عليه ولو واظبت عيه لزم الأمة اتباعي اهـ لكن يلزم على حمل الوضوء على الشرعي أن يكون الحديث مناسب للترجمة فالأولى حمله على الوضوء اللغوى كما فهم المصنف فإنه المتبادر من ذهاب عمر بالماء خلف النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى محل قضاء الحاجة (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز القرب من قاضى الحاجة لتقديم ما يحتاج إليه، وعلى مشروعية خدمة أهل الفضل وإن كان الخادم كاملا ولا يعدّ ذك خللا في منصبه بل شرفا وعلى أنه لا يتعين الاستنجاء بالماء ولو كان حاضرا وعلى طلب الاقتداء بأفعاله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كأقواله، وعلى أن حكم فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حقنا كحكمه في حقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن واجبا فواجب وإن مندوبا فمندوب وإن مباحا فمباح ما لم يقم دليل على الخصوصية، وعلى وجوب اتباع فعله حتى يدلّ دليل على عدم الوجوب وعلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عبد مأمور وإن جلّ مقامه، وعلى أن سنته مأمور بها وإن لم تكن فرضا، وعلى أن أصل الأمر للوجوب فإنه علل عدم استعمال الماء بكونه لم يؤمر به فدلّ على أنه لو أمر به ما جاز له تركه، وعلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يترك في بعض الأحيان ما هو أولى وأفضل تخفيفا على الأمة وأن الأمر مبنىّ على اليسر (من روى الحديث أيضا) رواه أحمد والبيهقي وكذا ابن ماجة ولفظه عن عائشة قالت

باب فى الاستنجاء بالماء

انطلق النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يبول فاتبعه عمر بماء فقال ما هذا يا عمر قال ماء قال ما أمرت الخ وسنده حسن كما في المرقاة، وقال النووى في شرح أبى داود هو ضعيف لضعف عبد الله بن يحيى التوأم، لكن قال العراقى المختار أنه حديث حسن اهـ يعنى لما تقدم من أن ابن حبان وثق عبد الله بن يحيى التوأم (باب في الاستنجاء بالماء) أى بعد قضاء الحاجة، وفى نسخة باب الاستنجاء بالماء، ولما فرغ من بيان الاستنجاء بالأحجار ونحوها شرع في بيان الاستنجاء بالماء وقدّم الاستنجاء بالأحجار مع كونه رخصة اهتماما به ليقوى أمره في القبول فلا يترك (ص) حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ يَعْنِي الْوَاسِطِيَّ، عَنْ خَالِدٍ يَعْنِي الْحَذَّاءَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ دَخَلَ حَائِطًا، وَمَعَهُ غُلَامٌ مَعَهُ مِيضَأَةٌ، وَهُوَ أَصْغَرُنَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ السِّدْرَةِ، فَقَضَى حَاجَتَهُ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا وَقَدْ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله وهب بن بقية) بن عثمان بن سابور بالسين المهملة ابن عبيد بن آدم بن زياد أبو محمد المعروف بوهبان الواسطى. روى عن هشيم بن بشير وجعفر ابن سليمان وخالد ونوح بن قيس وطائفة، وعنه مسلم وأبو يعلى الموصلى وأبو زرعة وأبو داود وغيرهم، وثقه أبو زرعة وابن معين والخطيب وابن حبان. ولد سنة خمس وخمسين ومائه ومات سنة تسع وثلاثين ومائتين (قوله خالد) بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان أبو الهيثم ويقال أبو محمد. روى عن سليمان التيمى وحميد الطويل وعمرو بن يحيى وداود بن أبى هند وآخرين وعنه يحيى القطان ومسدّد وعمرو بن عون وسعيد بن منصور وكثيرون، قال أحمد كان ثقة صالحا في دينه ووثقه ابن سعد وأبو زرعة والنسائى وأبو حاتم وقال صحيح الحديث وقال الترمذى ثقة حافظ. ولد سنة خمس عشرة ومائة. وتوفى سنة تسع وسبعين أو اثنتين وثمانين ومائة (قوله يعنى الواسطى) هو بيان من المصنف. والواسطى نسبة إلى واسط ويطلق على جهات كثيرة ولعل المراد منها هنا واسط العراق (قوله خالد) بن مهران أبو المنازل البصرى القرشى رأى أنس بن مالك. وروى عن عبد الله بن شقيق ومحمد وأنس وحفصة أولاد سيرين وعطاء بن أبى رباح وغيرهم. وعنه شعبة وابن جريج والثورى والحمادان وكثيرون

قال ابن سعد كان ثقة مهيبا كثير الحديث. ووثقه ابن معين والنسائى وذكره ابن حبان في الثقات وقال أحمد ثبت وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به وأنكر حماد بن زيد حفظه وضعفه ابن علية. مات سنة ثنتين وأربعين ومائة. روى له الجماعة (قوله يعنى الحذاء) هو بيان من المصنف أو من وهب بن بقية، والحذاء بياع الأحذية قال ابن سعد ولم يكن خالد حذاء بل كان يجلس إلى باعة الأحذية وقال فهد بن حيان إنما كان يقول احذ على هذا النحو فلقب بالحذاء (قوله عطاء بن أبى ميمونة) مولى أنس بن مالك وقيل مولى عمران بن حصين أبو معاذ البصرى روى عن جابر بن سمرة وعمران بن حصين وأنس، وأبى رافع الصائغ وغيرهم. وعنه ابناه إبراهيم وروح وشعبة وخالد الحذاء وحماد بن سلمة وطائفة. وثقه ابن معين والنسائى وأبو زرعة وقال أبو حاتم صالح لا يحتج بحديثه وقال ابن عدى في أحاديثه بعض ما ينكر عليه وقال البخارى وغير واحد كان يرى القدر. توفى سنة إحدى وثلاثين ومائة. روى له الجماعة إلا الترمذى (قوله دخل حائطا) أى بستانا قال في النهاية الحائط البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار وجمعه حوائط اهـ والحائط بمعنى الجدار يجمع على حيطان (قوله ومعه غلام) حكى الزمخشري أن الغلام هو الصغير الى حدّ الالتحاء فإن قيل له بعد الالتحاء غلام كان مجازا والغلام الابن الصغير ويطلق على الرجل مجازا باعتبار ما كان كما يقال للصغير شيخ مجازا باعتبار ما يؤول إليه وقد أشار البخارى الى أن الغلام هو ابن مسعود حيث قال قال أبو الدرداء أليس فيكم صاحب النعلين والطهور والوسادة وساق حديثا لأنس نحو حديث الباب قال في الفتح إيراد المصنف لحديث أنس مع هذا الطرف من حديث أبى الدرداء يشعر إشعارا قويا بأن الغلام المذكور في حديث أنس هو ابن مسعود وقد قدمنا أن لفظ الغلام يطلق على غير الصغير مجازا ويبعده قول أنس وهو أصغرنا اهـ ويحتمل أن يراد بالغلام جابر لما رواه مسلم في آخر صحيحه في حديث جابر الطويل وفيه قال جابر فذهب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقضى حاجته فأتبعته بإداوة من ماء، فيحتمل أن يكون هو المراد هنا. ولا سيما وهو أنصارى وقد قال أنس في رواية البخارى تبعته أنا وغلام منا أى من الأنصار، والأقرب أن المراد بالغلام أبو هريرة لحديثه الآتى في الباب بعده ولما رواه البخارى في ذكر الجن من حديث أبى هريرة أنه كان يحمل مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الإداوة لوضوئه وحاجته، ويكون المراد بقول أنس وهو أصغرنا دخولا في الإسلام لقرب عهده به (قوله ميضأة) بكسر الميم وسكون المثناة التحتية وبهمزة بعد الضاد المعجمة هي الإناء الذى يتوضأ به كالإبريق، والجملة صفة لغلام (قوله فوضعها عند السدرة) أى وضع الغلام الميضأة عند السدرة التى كانت في البستان، والسدرة بكسر السين المهملة شجرة النبق (قوله وقد استنجى بالماء)

رد ما قيل من منع الاستنجاء بالماء وذكر بعض ما ورد في استنجاءه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالماء

جملة فعلية وقعت حالا وقرنت بقد لما هو مقرّر من أن الجملة الفعلية إذا وقعت حالا وكان فعلها ماضيا مثبتا لابدّ من قرنه بقد ظاهرة أو مقدرة نحو قوله تعالى (أو جاءوكم حصرت صدورهم) أى قد حصرت وذلك لأن الماضى من حيث إنه منقطع الوجود عن زمن الحال مناف للحال المتصف بالثبوت. فلا بدّ من قد ليقرب به من الحال فإن القريب من الشئ في حكمه، وجوّز بعضهم ترك قد مطلقا إذا وجدت الواو والأصح خلافه. وبهذا الحديث يردّ على من كره الاستنجاء بالماء، وعلى من نفى وقوعه من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مستدلين بما رواه ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن حذيفة بن اليمان أنه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال إذاً لا يزال في يدى نتن، أى لو استنجيت بالماء لاستمر النتن في يدى، وعن نافع أن ابن عمر كان لا يستنجى بالما، وعن ابن الزبير قال ما كنا نفعله. ونقل ابن التين عن مالك أنه أنكر أن يكون النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم استنجى بالماء، وعن ابن حبيب من المالكية أنه منع الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم كذا في الفتح وغيره. قال الحطاب وهذان النقلان (يعنى ما عن مالك وابن حبيب) غريبان والمنقول عن ابن حبيب أنه منع الاستجمار مع وجود الماء بل لا أعرفهما في المذهب اهـ (أقول) السنة تقضى على هذه الأقوال وتبطلها فقد تظاهرت الأحاديث على استنجاء النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالماء والأمر به (منها) حديث الباب (ومنها) ما رواه الحاكم عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بيت ميمونة فوضعت وضوءا فقالت له ميمونة وضع لك عبد الله بن عباس وضوءا فقال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل (ومنها) ما رواه مسلم لما عدّ الفطرة عشرة عدّ منها انتقاص الماء وفسر بالاستنجاء به (ومنها) ما رواه ابن حبان في صحيحه عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت ما رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج من غائط قط إلا مسّ ماء (فقه الحديث) دلّ الحديث على استحباب التباعد عند قضاء الحاجة عن الناس، وعلى طلب الاستتار عن أعين الناظرين، وعلى جواز استخدام الرجل الفاضل بعض أصحابه في حاجته، وعلى استحباب خدمة الصالحين وأهل الفضل والتبرك بذلك، وعلى جواز الاستعانة في أسباب الوضوء وعلى جواز اتخاذ آنية للوضوء كالإبريق وحمل الماء معه إلى محل قضاء الحاجة، وعلى مشروعية الاستنجاء بالماء ورجحانه على الاقتصار على الحجر (وقد) اختلف العلماء في هذه المسألة فالذى عليه الجمهور من السلف والخلف أن الأفضل أن يجمع بين الماء والحجر فيستعمل الحجر أولا لتخفيف النجاسة ثم يستعمل الماء فإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل لأصالته في التنقية ولإزالته العين والأثر وقد قيل إن الحجر أفضل ولا يخفى بعده، وقال ابن حبيب المالكي لا يجزئ الحجر

إلا لمن عدم الماء، وهو خلاف ما ورد عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وما عليه الإجماع (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم بلفظ المصنف وبألفاظ أخر والبخارى عن أنس بلفظ كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا خرج لحاجته أجئ أنا وغلام معنا بإداوة من ماء يعنى يستنجى به، ورواه النسائى بنحو لفظ البخاري (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، أَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ: " نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءٍ: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] "، قَالَ: «كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله معاوية بن هشام) الأزدى أبو الحسن الكوفى. روى عن الثورى وعلي بن صالح وابن عيينة وحمزة الزيات وغيرهم. وعنه أبو بكر وعثمان ابنا أبى شيبة وأحمد وإسحاق وآخرون. وثقه أبو داود وقال ابن معين صالح وليس بذاك وذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ وقال أبو حاتم صدوق وقال عثمان بن أبى شيبة صدوق وليس بحجة وقال ابن سعد كان صدوقا كثير الحديث وقال أحمد كثير الخطأ. مات سنة أربع أو خمس ومائتين. روي له الجماعة إلا البخاري (قوله يونس بن الحارث) الثقفى. روى عن إبراهيم ابن أبى ميمونة وأبى بردة بن أبى موسى وعامر الشعبى وطائفة. وعنه الثورى ووكيع بن هشام ووكيع بن الجراح وقتيبة وغيرهم، ضعفه أحمد والنسائى وابن معين وقال أبو حاتم ليس بالقوى وقال الساجى ضعيف إلا أنه لا يتهم بالكذب وقال ابن عدى ليس به بأس وقال أبو داود مشهور وذكره ابن حبان في الثقات. روى له الترمذى وأبو داود وابن ماجه (قوله إبراهيم بن أبى ميمونة) الحجازى. روى عن أبى صالح السمان. وعنه يونس بن الحارث. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبن القطان مجهول الحال (قوله عن أبى صالح) هو ذكوان السمان (قوله نزلت) أى نزل بها جبريل فهو مجاز عقلى من باب إسناد ما للفاعل للمفعول (قوله أهل قباء) بضم القاف وبموحدة خفيفة وألف ممدودة أو مقصورة قال في المصباح قباء موضع بقرب مدينة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من جهة الجنوب نحو ميلين وهو بضم القاف يقصر ويمدّ ويصرف ولا يصرف اهـ وقال صاحب المطالع قبا على ثلاثة أميال من المدينة وأصله اسم بئر هنالك وألفه واو اهـ (قوله فيه رجال)

سبب نزول آية "فيه رجال يحبون أن يتطهروا"

أى في مسجد قباء وهو المسجد الذى أسس على التقوى يوم أن قدم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة وصلى فيه وهو أول مسجد بني في الإسلام. وقد ورد في فضله أحاديث فعن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من خرج حتى يأتي مسجد قباء فصلى فيه ركعتين كان له كعدل عمرة رواه النسائي وعن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليزور مسجد قباء كل سبت راكبا وماشيا ويصلى فيه ركعتين رواه الستة إلا الترمذى (قوله يحبون أن يتطهروا) أى يحبون المبالغة في الطهارة (ومنها) الاستنجاء بالماء فعن جابر بن عبد الله وأنس بن مالك وأبي أبوب الأنصاري لما نزلت فيه رجال يحبون أن يتطهروا قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم في الطهور فما طهوركم قالوا نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة ونستنجى بالماء قال هو ذاكم فعليكموه رواه ابن ماجه والدارقطني والحاكم وابن أبي حاتم (قوله قال كانوا يستنجون بالماء) أي قال أبو هريرة في بيان سبب نزول الآية في شأن أهل قباء إنهم كانوا يستنجون بالماء فقط للاقتصار عليه في أكثر الروايات بحديث جابر ومن معه وما أخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن عويمر بن ساعدة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتاهم في مسجد قباء فقال إن الله تعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم فما هذا الطهور الذي تطهرون به قالوا والله يا رسول الله ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا. وما رواه الحاكم والطبراني وغيرهما عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية بعث النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى عويمر بن ساعدة فقال ما هذا الطهور الذى أثنى الله به عليكم فقالوا يا رسول الله ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل دبره فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو هذا وروي أنهم كانوا يجمعون بين الحجارة والماء فقد أخرج البزار في مسنده قال حدثنا عبد الله بن شبيب ثنا أحمد بن محمد ابن عبد العزيز قال وجدت في كتاب أبي عن الزهرى عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في أهل قباء "فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين" فسألهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالوا إنا نتبع الحجارة الماء. وقال البزار لا نعلم أحدا رواه عن الزهرى إلا محمد بن عبد الغزيز ولا عنه إلا ابنه قال في التلخيص ومحمد ابن عبد العزيز ضعفه أبو حاتم فقال ليس له ولا لأخويه عمران وعبد الله حديث مستقيم وعبد الله بن شييب ضعيف أيضا اهـ. قال الزيلعي وذهل الشيخ محيى الدين النووي عن هذا الحديث فقال في الخلاصة وأما ما اشتهر في كتب التفسير والفقه من جمعهم بين الأحجار والماء فباطل لا يعرف اهـ وقال الحافظ في التلخيص وقد روى الحاكم من حديث مجاهد عن ابن عباس

باب الرجل يدلك يده بالأرض إذا استنجى

أصل هذا الحديث وليس فيه إلا ذكر الاستنجاء بالماء حسب ولهذا قال النووى في شرح المهذب المعروف في طرق الحديث أنهم كانوا يستنجون بالماء وليس فيها أنهم يجمعون بين الماء والأحجار. وتبعه ابن الرفعة فقال لا يوجد هذا في كتب الحديث وكذا قال المحب الطبرى نحوه، ورواية البزار واردة عليهم وإن كانت ضعيفة اهـ. قال في سبل السلام يحتمل أنهم يريدون لا توجد في كتب الحديث بسند صحيح ولكن الأولى الردّ بما في الإمام لابن دقيق العيد فإنه صحح ذلك قال في البدر المنير والنووى معذور فإن رواية ذلك غريبة في زوايا وخبايا لو قطعت إليها أكباد الإبل لكان قليلا (قلت) يتحصل من هذا كله أن الاستنجاء بالماء أفضل من الحجارة والجمع بينهما أفضل من كلّ بعد صحة ما في الإمام، ولم نجد عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه جمع بينهما اهـ. قال ابنه عبد الله رحمه الله تعالى، ووهم والدى في قوله إنه صحح ذلك فلم يصححه بل ضعفه كما هنا وإنما، الردّ على النووى لما قل إنه لم يرد في كتب الحديث جمع أهل قباء بين الماء والحجارة فرد عليه بأنه قد ورد، وقوله لم نجد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جمع بينهما كأن والدى أراد الاعتراض على ابن القيم فإنه قال في الهدى وكان يعنى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يستنجى بالماء تارة ويستجمر بالأحجار تارة ويجمع بينهما تارة اهـ. فأما الأولان فثابتان. وأما الجمع من فعله فلم يثبت ولو ثبت لما احتاج من قال إن الأفضل الجمع بينهما إلى الاستدلال بحديث أهل قباء الذى أخرجه البزار مع ضعفه ولكان الدليل على الأفضلية لو ثبت والله أعلم اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على ثبوت الاستنجاء بالماء والثناء على فاعله لما فيه من كمال التطهير (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه والبيهقي والترمذى وقال حديث غريب، وسنده ضعيف كما في التلخيص وروى أحمد وابن حزيمة والطبرانى والحاكم عن عويمر بن ساعدة نحوه (باب الرجل يدلك يده بالأرض إذا استنجى) أى في بيان حكم دلك اليد بالأرض بعد الاستنجاء لتزول الرائحة الكريهة يقال دلكت الأرض بالنعل دلكا من باب نصر إذا مسحتها بها (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، ثَنَا شَرِيكٌ ح وثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي الْمُخَرَّمِيَّ، ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ إِذَا أَتَى الْخَلَاءَ، أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فِي تَوْرٍ أَوْ

رَكْوَةٍ فَاسْتَنْجَى ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِإِنَاءٍ آخَرَ فَتَوَضَّأَ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدِيثُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَامِرٍ أَتَمُّ (ش) (رجال الحديث) (قوله إبراهيم بن خالد) بن اليمان الكلبى أبو ثور البغدادى الفقيه أحد الأئمة المجتهدين. روى عن ابن عيينة وأبى معاوية والشافعى وإسماعيل بن علية وآخرين وعنه مسلم في غير الصحيح وأبو داود وابن ماجه والترمذى وغيرهم، قال النسائى ثقة مأمون أحد الفقهاء وقال ابن حبان كان من أئمة الدنيا فقها وعلما وورعا وقال الحاكم كان فقيه أهل بغداد وأحد أعيان المحدّثين، المتقنين بها وقال أبو حاتم الرازى يتكلم بالرأى فيخطئُ ويصيب وليس محله محل المتسعين في الحديث وقال ابن عبد البر كان حسن الطريقة فيما روى من الأثر إلا أن له شذوذا فارق فيه الجمهور. مات سنة أربعين ومائتين وله سبعون سنة (قوله حدثنا أسود الخ) هكذا في النسخ التى بأيدينا بدون أل وسيذكره المصنف في آخر الحديث بإثباتها وهو كذلك في تهذيب التهذيب بإثباتها فلعلها سقطت في أول السند من النساخ، والأسود بن عامر هو أبو عبد الرحمن الشامى سكن بغداد. روى عن شعبة وزهير والحمادين والثورى وغيرهم. وعنه أحمد وأبو كريب وبقية بن الوليد ومحمد بن حاتم وجماعة، وثقه أحمد وابن المديني وقال أبو حاتم صدوق صالح وقال ابن معين لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة ثمان ومائتين روى له الجماعة (قوله شريك) بفتح الشين المعجمة ابن عبد الله بن أبى شريك النخعى أبو عبد الله الكوفى القاضى. روى عن زياد بن علاقة وسلمة بن كهيل وأبى إسحاق السبيعى وسماك بن حرب وغيرهم. وعنه على بن حجر ووكيع بن الجراح ويحيى بن سعيد القطان وابن المبارك وكثيرون قال ابن معين ثقة صدوق إلا أنه يغلط وإذا خالف فغيره أحب إلينا منه وقال ابن سعد كان ثقة مأمونا كثير الحديث يغلط وقال إبراهيم بن سعيد أخطأ في أربعمائة حديث وقال يحيى بن سعيد رأيت في أصول شريك تخليطا وقال ابن حبان كان في آخر أمره يخطئُ فيما روى تغير حفظه فسماع المتقدمين منه ليس فيه تخليط وسماع المتأخرين منه بالكوفة فيه أوهام كثيرة وقال النسائى ليس بالقوى وقال يعقوب بن سفيان ثقة سيئُ الحفظ وقال أبو زرعة يغلط أحيانا ووثقه العجلى ولد سنة تسعين. ومات بالكوفة سنة سبع أو ثمان وسبعين ومائة. روى له الجماعة إلا البخارى وروى له مسلم في المتابعات (قوله محمد بن عبد الله) بن المبارك القرشى أبو جعفر البغدادى الحافظ. روى عن أبى معاوية الضرير ويحيى القطان وابن مهدى ووكيع وغيرهم. وعنه البخارى وأبو داود والنسائى وأبو حاتم وابن خزيمة وجماعة، وثقه أبو حاتم والنسائى وابن حبان والدارقطنى وقال كان حافظا وقال مسلمة بن قاسم كان أحد الثقات جليل القدر. مات

سنة أربع أو خمس وخمسين ومائتين (قوله يعنى المخرمى) هذا التفسير من اللؤلؤى تلميذ المؤلف والمخرمى بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وكسر الراء المشددة نسبة إلى مخرم محلة ببغداد ليزيد بن مخرم (قوله وكيع) بن الجراح (قوله إبراهيم بن جرير) بن عبد الله البجلى. روى عن أبيه وقيس ابن أبى حازم وابن أخيه أبى زرعة. وعنه أبان بن عبد الله وشريك وحميد بن مالك وغيرهم قال ابن عدى أحاديثه مستقيمة تكتب وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن القطان مجهول الحال. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه (قوله عن أبى زرعة) بن عمرو بن جرير ابن عبد الله البجلى اسمه هرم وقيل عبد الله الكوفى. روى عن جده جرير وأبى هريرة ومعاوية وابن عمرو بن العاص وغيرهم. وعنه حفيده جرير ويحيى وإبراهيم النخعى وجماعة، كان من كبار التابعين وثقه ابن معين وابن خراش وقال صدوق وذكره ابن حبان في الثقات. روى له الجماعة (تنبيه) يوجد في النسخ المطبوعة بين إبراهيم بن جرير وأبى زرعة لفظ المغيرة ولم يعرف من المغيرة وهو غير موجود في النسخ الصحيحة الخطية وهي التى كتب عليها العينى وهو الصواب لوجوه (الأول) أن الحديث أخرجه النسائى وابن ماجه ولم يذكرا في إسناده المغيرة ففي النسائي أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمى قال حدثنا وكيع عن شريك عن إبراهيم بن جرير عن أبى زرعة عن أبى هريرة وذكر الحديث. وفى ابن ماجه حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة وعلى بن محمد قالا حدثنا وكيع عن شريك عن إبراهيم بن جرير عن أبى زرعة بن عمرو بن جرير عن أبى هريرة (الثاني) أن الحافظ جمال الدين المزى ذكر في تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف في مسند أبى هريرة هذا الحديث ولم يذكر المغيرة، وذكر الزيلعى أيضا هذا الحديث في فضل الاستنجاء من تخريجه ولم يذكر المغيرة في السند (الثالث) قال الطبرانى لم يروه عن أبى زرعة إلا إبراهيم ابن جرير تفرّد به شريك، وهذا نص على أن المغيرة لم يروه عن أبى زرعة. وكذا أخرجه البيهقى من طريق المصنف ولم يذكر المغيرة (قوله الخلاء) بالمدّ محل قضاء الحاجة (قوله في تور) بفتح المثناة الفوقية وسكون الواو إناء صغير من نحاس أو حجارة يشرب منه ويتوضأ منه ويؤكل فيه الطعام (قوله أو ركوة) بفتح فسكون إناء صغير من جلد يتوضأ منه ويشرب فيه الماء والجمع ركاء مثل ظبية وظباء. وأو للشك من الراوى عن أبى هريرة أو للتنويع أى أن أبا هريرة كان يأتيه تارة بالركوة وتارة بالتور (قوله ثم مسح يده على الأرض) وفى رواية ابن ماجه دلك يده بالأرض، وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعل ذلك عند غسلها مبالغة في تنظيفها وتعليما لما به تدفع الرائحة الكريهة وأثر النجاسة، وأما النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ففضلته طاهرة ليس لها رائحة كريهة (قوله ثم أتيته إلخ) أى قال أبو هريرة ثم أتيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بإناء غير الإناء الذى كان

يستنجى منه فيتوضأ منه، وكان يأتي بالإناء الآخر إما لعدم بقاء الماء الكافى للوضوء في الإناء الذى استنجى منه. وإما أن يكون اتفاقيا. وإما أن يكون لعلمه أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان بحب أن يكون إناء الاستنجاء غير إناء الوضوء (قوله قال أبو داود وحديث الأسود بن عامر أتم) أى أطول من حديث وكيع فإن ما ذكره المؤلف هو لفظ حديث الأسود وأما حديث وكيع عن شريك فقد ذكره النسائى بلفظ إن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ فلما استنجى دلك يده بالأرض اهـ وكذا أخرجه ابن ماجه بلفظ إن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخل الغيضة فقضى حاجته فأتاه جرير بإداوة من ماء فاستنجى منها ومسح يده بالتراب. ويوجد في بعض النسخ بين قوله فاستنجى وقوله ثم مسح يده على الأرض (قال أبو داود في حديث وكيع) وهو غلط لما علمت أن رواية وكيع أخرجها النسائى وابن ماجه وليس فيها ثم أتيته بإناء آخر فتوضأ. ولقول المصنف في آخر الحديث وحديث ألأسود بن عامر أتم فإنه يدل على أن رواية وكيع أقل من رواية الأسود فلو كان ما ذكر من رواية وكيع لكنت أتم من رواية الأسود (فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على استحباب دلك اليد بالأرض بعد الفراغ من الاستنجاء لتزول الرائحة الكريهة، وعلى أنه يستحب أن يكون إناء الوضوء غير إناء الاستنجاء فإن توضأ من الإناء الذى استنجى منه جاز (من روى الحديث أيضا) رواه البيهقى من طريق المصنف بلفظه ورواه ابن ماجه والنسائى من طريقين (أحدهما) من طريق وكيع عن شريك بلفظ تقدم (والثانى) من طريق أبان بن عبد الله عن إبراهيم بن جرير عن أبيه ولفظه عند ابن ماجه إن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخل الغيضة فقضى حاجته فأتاه جرير بإداوة من ماء فاستنجى منها ومسح يده بالتراب، وعند النسائى قال كنت مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأتى الخلاء فقضى الحاجة ثم قال يا جرير هات طهورا فأتيته بالماء فاستنجى بالماء وقال بيده فدلك بها الأرض، وقال هذا أشبه بالصواب من حديث شريك ورواه البيهقي من هذا الطريق بلفظ أتيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بوضوء فاستنجى ثم دلك يده بالأرض ثم توضأ ومسح على خفيه قلت يا رسول الله رجليك قال إنى أدخلتهما طاهرين. وأخرجه أيضا من طريق أبان بن عبد الله قال حدثنى مولى لأبى هريرة قال سمعت أبا هريرة يقول قال لى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وضئنى فأتيته بوضوء فاستنجى بماء ثم أدخل يده في التراب فمسحها به ثم غسلها ثم توضأ ومسح على خفيه فقلت إنك توضأت ولم تغسل رجليك قال إنى أدخلتهما وهما طاهرتان. قال ابن المواق معنى كلام النسائى أن كون الحديث من مسند جرير أولى من كونه من مسند أبى هريرة لا أنه حديث صحيح في نفسه فإن إبراهيم بن جرير لم يسمع من أبيه شيئا قاله يحيى بن معين. وقال أبو حاتم

باب السواك

وأبو داود إن حديثه عنه مرسل لكن ابن خزيمة لم يلتفت إلى هذا فأخرج روايته عنه في صحيحه قال الشيخ ولي الدين وفى ترجيح النسائى رواية أبان على رواية شريك نظر فإن شريكا أعلى وأوسع رواية وأحفظ وقد أخرج له مسلم في صحيحه ولم يخرج لأبان المذكور مع أنه اختلف عليه فيه فرواه الدارقطنى والبيهقى من طريقين عنه وعن مولى لأبى هريرة عن أبى هريرة وهذا الاختلاف على أبان مما يضعف روايته، على أنه لا يمتنع أن يكون لإبراهيم فيه إسنادان (أحدهما) عن أبى زرعة (والآخر) عن أبيه وأن يكون لأبان فيه إسنادان (أحدهما) عن إبراهيم بن جربر (والآخر) عن مولى لأبى هريرة اهـ وفيه قال ابن القطان لهذا الحديث (يعنى حديث المصنف) علتان (إحداهما) شريك فهو سيئُ الحفظ مشهور بالتدليس (والثانية) إبراهيم بن جرير فإنه لا يعرف حاله. وردّ بأن ابن حبان ذكره في الثقات وقال ابن عدىّ لم يضعف في نفسه وإنما قيل لم يسمع من أبيه شيئا وأحاديثه مستقيمة تكتب قال الذهبى وضعف حديثه جاء من جهة الانقطاع لا من قبل سوء الحفظ وهو صدوق اهـ (باب السواك) لما فرغ من بيان الاستنجاء وأحكامه أعقبه بالكلام على السواك لأنه يكون غالبا بعد الاستنجاء، ومناسبته للاستنجاء أن كلا منهما يشتمل على الإزالة غير أن الاستنجاء به إزالة النجاسة والسواك به إزالة رائحة الفم، وذكر قبل الوضوء لأنه يقع عنده، والسواك بكسر السين المهملة والمسواك ما تدلك به الأسنان من العيدان من ساك فاه يسوكه سوكا إذا دلكه بالسواك فإذا لم تذكر الفم قلت استاك ويتسوّك، ويذكر ويؤنث، وأنكر الأزهرى تأنيثه، وجمعه سوك بسكون الواو وأصله بضمتين ككتاب وكتب، وذكر صاحب المحكم أنه يجوز سؤك بالهمزة، ويطلق على الفعل والآلة والأول هو المراد هنا، وهو في اصطلاح العلماء استعمال عود أو نحوه في الأسنان ليذهب الصفرة وغيرها عنها. ويستحب بله إن كان يابسا وغسله بعد الاستياك وأن يكون في غلظ الخنصر طول شبر مستويا قليل العقد وأن يكون من شجر مرّ، وأفضله الأراك ثم الزيتون. فعن أبى خيرة الصباحى قال كنت في الوفد فزودنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالأراك وقال استاكوا بهذا رواه البخارى في تاريخه، وعن معاذ بن جبل قال سمعت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول نعم السواك الزيتون من شجرة مباركة يطيب الفم ويذهب بالحفر وهو سواكي وسواك الأنبياء من قبلى رواه الطبرانى في الأوسط، والحفر بفتح فسكون وفى لغة بفتحتين داء يفسد أصول الأسنان، وفضله يحصل بالأصبع وكل خشن طاهر يزيل الوسخ عند فقده أو فقد أسنانه أو ضرر بفمه، فعن عائشة قلت يا رسول الله الرجل يذهب فوه أيستاك قال نعم قلت كيف يصنع قال يدخل أصبعه في فيه رواه الطبرانى في الأوسط، وعن أنس أن

النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال يجزئُ من السواك الأصابع رواه الضياء والطبراني في سننه وضعفه وإسناده لا بأس به كما في العزيزى، والعلك (أى اللبان) يقوم مقام السواك للمرأة ولا يستاك بعود من الريحان لما روى عن ضمرة بن حبيب قال نهى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن السواك بعود الريحان وقال إنه يحرّك الجذام رواه الحارث في مسنده (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَرْفَعُهُ، قَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، لَأَمَرْتُهُمْ بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ، وَبِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» (ش) (رجال الحديث) (قوله سفيان) بن عيينة (قوله عن أبى الزناد) بكسر الزاى المعجمة والنون المخففة هو عبد الله بن ذكوان المدنى المكي القرشى أحد الأئمة. روى عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والأعرج وغيرهم. وعنه مالك والليث والسفيانان وجماعة، قال أحمد ثقة أمير المؤمنين في الحديث وقال ابن معين ثقة حجة وقل ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال أبو حاتم ثقة فقيه صالح الحديث صاحب سنة وقال ابن عدى أحاديثه مستقيمة وقال البخارى أصح الأسانيد أبو الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة. مات فجأة في مغتسله ليلة الجمعة لسبع عشرة خلت من رمضان سنة ثلاثين ومائة. روى له الجماعة (قوله الأعرج) هو عبد الرحمن بن هرمز الهاشمى أبو داود المدنى مولى ربيعة بن الحارث. روى عن ابن عباس ومعاوية وأبى سعيد الخدرى وأبى هريرة وطائفة. وعنه الزهرى وصالح بن كيسان وأيوب ويحيى بن سعيد وغيرهم، قال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال العجلى وأبو زرعة ثقة. مات بالإسكندرية سنة سبع عشرة ومائة. روى له الجماعة (قوله يرفعه) جملة مضارعية مثبتة وقعت حالا فيتعين ربطها بالضمير، وهذا من كلام الأعرج أى يرفع أبو هريرة هذا الحديث إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وهذه من الصيغ التى يكنى بها عن نسبة الصحابى الحديث إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وروايته إياه عنه ولا يختلف أهل العلم في أن الحكم في هذه العبارة وفيما صرّح بروايته مرفوعا عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سواء في وجوب القبول والتزام العمل كما تقدم، وإنما قال الأعرج ذلك لتحققه أن أبا هريرة رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غير أنه شك هل قال له أبو هريره سمعت رسول الله أو قال رسول الله فلما لم يجزم بما قاله له أتى بلفظ يرفعه، وفى مسلم من طريق الأعرج عن أبى هريرة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وفى النسائى من طريقه عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال الخ (قوله قال) أى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله لولا أن أشق) أن مصدرية والفعل مسبوك بها مرفوع على الابتداء والخبر محذوف

الأوقات التي يطلب فيها الاستياك

وجوبا والكلام على قدير مضاف أى لولا خوف المشقة موجود فلا يرد أن لولا لامتناع شئ لوجود غيره ولا وجود للمشقة هنا (قوله على المؤمنين) كذا في رواية لمسلم وفى رواية له والنسائى على أمتى، وفى البخارى على أمتى أو على الناس (قوله لأمرتهم بتأخير العشاء) أى أمرت المؤمنين بتأخير العشاء الآخرة إلى ثلث الليل أو نصفه لما في رواية الترمذى وأحمد من حديث زيد بن خالد لولا أن أشق على أمتى لأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل ولما رواه الحاكم من حديث أبى هريرة بلفظ لأخرت صلاة العشاء إلى نصف الليل والمنفى أمر الإيجاب وإلا فتأخيرها مأمور به على سبيل الندب (قوله وبالسواك) أى لأمرتهم باستعمال السواك لأن السواك هو الآلة وقد يطلق على الفعل أيضا فعلى هذا لا تقدير (قوله عند كل صلاة) أى عند إرادة الصلاة فرضا أو نفلا وهو كذلك في رواية الشيخين والنسائى من طريق أبى الزناد عن الأعرج بلفظ عند كل صلاة أيضا، وفى رواية مالك والشافعى والبيهقي وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد وذكره البخارى تعليقا في كتاب الصوم عن أبى هريرة مرفوعا لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء، والتوفيق بين الروايتين أن السواك الواقع عند الوضوء واقع للصلاة لأن الوضوء شرع لها، على أن المعوّل عليه أنه يطلب عند كل صلاة ووضوء عملا بالروايتين كما يطلب عند كل شئ يغير الفم وعند القيام من النوم. لما رواه أحمد والنسائى والترمذى عن عائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال السواك مطهرة للفم مرضاة للرب، وعنها قالت كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يرقد من ليل ولا نهار فيستيقظ إلا يتسوّك قبل أن يتوضأ رواه أحمد ويأتى للمصنف. قال في المرقاة فظهر أن ما ذكر في بعض الكتب من التصريح بالكراهة عند الصلاة معللا بانه قد يخرج الدم فينقض الوضوء ليس له وجه، نعم من يخاف ذلك فليستعمل بالرفق على نفس الأسنان واللسان دون اللثة اهـ قال الحافظ قال البيضاوى لولا كلمة تدل على انتفاء الشئ لثبوت غيره والحق أنها مركبة من لو الدالة على انتفاء الشئ لانتفاء غيره ولا النافية فدلّ الحديث على انتفاء الأمر لثبوت المشقة لأن انتفاء النفي ثبوت فيكون الأمر منفيا لثبوت المشقة، وفيه دليل على أن الأمر للوجوب من وجهين (أحدهما) أنه نفي الأمر مع ثبوت الندبية ولو كان للندب لما جاز النفي (ثانيهما) أنه جعل الأمر مشقة عليهم وذلك إنما يتحقق إذا كان الأمر للوجوب إذ الندب لا مشقة فيه لأنه جائز الترك وقال الشيخ أبو إسحاق في اللمع في هذا الحديث دليل على أن الطلب على جهة الندب ليس بأمر حقيقة لأن السواك عند كل صلاة مندوب إليه وقد أخبر الشارع أنه لم يأمر به اهـ، ويؤيده ما في رواية سعيد المقبرى عن أبى هريرة عند النسائى من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لفرضت عليهم السواك مع الوضوء بدل لأمرتهم، وقال الشافعى فيه دليل على أن السواك ليس بواجب

أقوال العلماء فيه

لأنه لو كان واجبا لأمرهم به شق أو لم يشق، وإلى القول بعدم وجوبه ذهب أكثر أهل العلم بل ادّعى بعضهم فيه الإجماع، لكن حكى الشيخ أبو حامد وتبعه الماوردى عن إسحاق بن راهويه أنه قال هو واجب لكل صلاة فمن تركه عامداً بطلت صلاته، وعن داود إنه واجب لكن ليس شرطا، واحتج من قال بوجوبه بورود الأمر به فعند ابن ماجه من حديث أبى أمامة مرفوعا تسوّكوا، ولأحمد نحوه من حديث العباس، وعن ابن عمر مرفوعا عليكم بالسواك فإنه مطيبة للفم مرضاة للرب رواه أحمد، ولا يثبت شئ منها، وعلى تقدير الصحة فالمنفى في مفهوم حديث الباب الأمر به مقيدا بكل صلاة لا مطلق الأمر ولا يلزم من نفي المقيد نفي المطلق ولا من ثبوت المطلق التكرار اهـ ببعض تصرف. وقال النووى قد أنكر أصحابنا المتأخرون على الشيخ أبي حامد وغيره نقل الوجوب عن داود وقالوا مذهبه أنه سنة كقول الجماعة ولو صح إيجابه عن داود لم تضر مخالفته في انعقاد الإجماع وأما إسحاق فلم يصح هذا المحكي عنه اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على ندبية تأخير صلاة العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه كما علمت وذلك ليحصل للمصلين فضل الانتظار لأن الإنسان في صلاة ما انتظرها لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها رواه البخارى من حديث أنس. وعلى ندب الاستياك عند إرادة الصلاة، والسرّ فيه أنا مأمورون في كل حالة من أحوال التقرب إلى الله تعالى أن نكون في حالة كمال ونظافة إظهارا لشرف العبادة. وقد ورد ما يدل على إنه لأمر يتعلق بالملك الذى يستمع القرآن من المصلى فقد روى أبو نعيم برواة ثقات من حديث جابر إذا قام أحدكم من الليل يصلى فليستك فإنه أذا قام يصلى أتاه ملك فيضع فاه على فيه فلا يخرج شيء من فيه إلا وقع في في الملك. ودل أيضا على بيان ما كان عليه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الرفق بأمته والشفقة عليها لأنه لم يأمر بالسواك على سبيل الوجوب مخافة المشقة عليهم. قال المهلب فيه جواز الاجتهاد من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيما لم ينزل عليه فيه نص لكونه جعل المشقة سببا لعدم أمره فلو كان الحكم متوقفا على النص لكان سبب انتفاء الوجوب عدم ورود النص لا وجود المشقة اهـ قال ابن دقيق العيد وفيه. بحث، قال الحافظ وهو كما قال اهـ لأنه يجوز أن يكون صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبر أمته بأن سبب عدم ورود النص وجود المشقة فيكون معنى قوله لأمرتهم أى عن الله تعالى بأنه واجب اهـ ودلّ على استحباب السواك للفرائض والنوافل لعموم الحديث وعلى إباحة الاستياك في المسجد لأن عند تقتضى الظرفية حقيقة فيقتضى استحبابه في كل صلاة سواء في المسجد وغيره، ويدلّ أيضا بعمومه على استحباب الاستياك للصائم بعد الزوال

لأن الصلاتين بعده داخلتان تحت عموم الصلاة فلا تتم دعوى الكراهة إلا بدليل يخصص هذا العموم، وسيأتى لذلك مزيد بيان إن شاء الله تعالى (من روى الحديث أيضا) رواه مسلم والبيهقي بلفظ المصنف ورواه الشيخان والترمذى والنسائى وابن ماجه بلفظ لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ورواه الحاكم والبيهقى بلفظ لولا أن أشق على أمتى لفرضت عليهم السواك مع الوضوء ولأخرت صلاة العشاء الآخرة إلى نصف الليل، وإسناده صحيح، وقال ابن منده إسناده مجمع على صحته (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ»، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَرَأَيْتُ زَيْدًا يَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنَّ السِّوَاكَ مِنْ أُذُنِهِ مَوْضِعَ الْقَلَمِ مِنْ أُذُنِ الْكَاتِبِ، فَكُلَّمَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ اسْتَاكَ (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد في إبراهيم) بن الحارث بن خالد بن صخر أبو عبد الله القرشي المدنى. روى عن عبد الله بن عمر بن الخطاب وأنس بن مالك وعروة بن الزبير وعطاء ابن يسار وطائفة. وعنه يحيى بن سعيد ومحمد بن إسحاق ومحمد بن مسلم وأسامة بن زيد الليثى وغيرهم، قال ابن سعد كان فقيها محدّثا ووثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائى وابن خراش وقال يعقوب في شيبة كان ثقة وقال أحمد في حديثه شئ يروى أحاديث مناكير، توفى بالمدينة سنة إحدى وعشرين ومائة، روى له الجماعة (قوله التيمى) بفتح المثناة الفوقية وسكون المثناة التحتية نسبة إلى جدّه تيم بن مرّة الذى سميت باسمه القبيلة (قوله زيد بن خالد) أبو عبد الرحمن أو أبو طلحة المدنى من مشاهير الصحابة وأكابرهم شهد الحديبية مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكان معه لواء جهينة يوم الفتح، له أحد وثمانون حديثا اتفق الشيخان على خمسة روى عنه يزيد مولى المنبعث وعبد الرحمن بن أبى عمرة وابن المسيب وغيرهم. مات بالكوفة وقيل بالمدينة سنة ثمان وسبعين. روى له أبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه (قوله الجهنى) بضم الجيم وفتح الهاء ونون منسوب إلى جهينة بن زيد أبى قبيلة (قوله فرأيت زيدا إلخ) أى رأيت زيدا حال كونه جالسا في المسجد منتظرا الصلاة والحال أن السواك

حكم الاستياك وتسريح اللحية والوضوء في المسجد

موضوع من أذنه في موضع القلم من أذن الكاتب. قال ابن حجر وحكمته أن وضعه في هذا الموضع يسهل تناوله ويذكر صاحبه به فيسن اهـ، قال ملا علي ولا يخفى ما في هذا الوضع من التكلف المؤدّى إلى الحرج، ورواية كان محل السواك من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم محل القلم، محمولة على تقدير صحتها على بعضهم الصادق على الواحد فلا يفيد السنية اهـ ولعل الرواية التى أشار إليها ما روى الخطيب من طريق يحيى بن ثابت عن مالك عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة قال كان أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يضعون أسوكتهم خلف آذانهم يستنون بها لكل صلاة، وما رواه ابن أبى شيبة عن صالح بن كيسان أن عبادة بن الصامت وأصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كانوا يروحون والسواك على آذانهم. لكن حمل هاتين الروايتين على البعض الصادق على الواحد وأنهما لا يفيدان السنية خلاف المتبادر منهما فالأولى إبقاؤهما على ظاهرهما فهما مفيدان لسنية الوضع المذكور كما قال ابن حجر ودعوى أن في ذلك الوضع تكلفا يؤدى إلى الحرج لا يخفى بعدها لمخالفتها للحسّ (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن الاستياك سنة ثابتة عند الصلاة كما تقدم، وعلى أنه مشروع في المسجد، وقال بعض المالكية يكره فيه لاستقذاره والمسجد ينزّه عنه، لكن قد علمت أن بعض الصحابة كان يضع سواكه على أذنه في المسجد يستاك به كلما قام إلى الصلاة فلا وجه للقول بكراهته في المسجد، وفى فتاوى شيخ الإسلام تقي الدين ما نصه (مسألة) في السواك وتسريح اللحية في المسجد هل هو جائز أم لا (الجواب) أما السواك في المسجد فما علمت أحدا من العلماء كرهه بل الآثار تدل على أن السلف كانوا يستاكون في المسجد، ويجوز أن يبصق الرجل في ثيابه في المسجد ويتمخط في ثيابه باتفاق الأئمة وبسنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الثابتة عنه بل يجوز التوضؤ في المسجد بلا كراهة عند جمهور العلماء فإذا جاز الوضوء فيه مع أن الوضوء يكون فيه السواك وتجوز الصلاة فيه والصلاة يستاك عندها فكيف يكره السواك وإذا جاز البصاق والامتخاط فيه فكيف يكره السواك (وأما) التسريح فإنما. كرهه بعض الناس بناء على أن شعر الإنسان المنفصل عنه نجس ويمنع أن يكون في المسجد شئ نجس أو بناء على أنه كالقذاة، وجمهور العلماء على أن شعر الإنسان المنفصل عنه طاهر كمذهب مالك وأبى حنيفة وأحمد في ظاهر مذهبه وأحد الوجهين في مذهب الشافعى وهو الصحيح فإن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حلق رأسه وأعطى نصفه لأبى طلحة ونصفه قسمه بين الناس وباب الطهارة والنجاسة يشارك النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيه أمته بل الأصل أنه أسوة لهم في جميع الأحكام إلا ما قام

فيه دليل يوجب اختصاصه به، وإيضا الصحيح الذى عليه الجمهور أن شعور الميتة طاهرة بل في أحد قولى العلماء وهو ظاهر مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين أن جميع الشعور طاهرة حتى شعر الخنزير، وعلى القولين إذا سرّح شعره وجمع الشعر فلم يترك في المسجد فلا بأس بذلك وأما ترك شعره في المسجد فهذا يكره وإن لم يكن نجسا فإن المسجد يصان حتى عن القذاة التى تقع في العين والله تعالى أعلم اهـ. وقوله يجوز التوضؤ في المسجد بلا كراهة محله ما لم يترتب على ذلك ضرر للمصلين وإلا فلا يجوز (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي من طريق المصنف والترمذى ولفظه عن زيد ابن خالد الجهنى قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ولأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل قال فكان زيد بن خالد يشهد الصلوات في المسجد وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب لا يقوم إلى الصلاة إلا استن ثم ردّه إلى موضعه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ تَوضِّي ابْنِ عُمَرَ لِكُلِّ صَلَاةٍ طَاهِرًا، وَغَيْرَ طَاهِرٍ، عَمَّ ذَاكَ؟ فَقَالَ: حَدَّثَتْنِيهِ أَسْمَاءُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ، حَدَّثَهَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أُمِرَ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، طَاهِرًا وَغَيْرَ طَاهِرٍ، فَلَمَّا شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، أُمِرَ بِالسِّوَاكِ لِكُلِّ صَلَاةٍ»، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَى أَنَّ بِهِ قُوَّةً، فَكَانَ لَا يَدَعُ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن عوف) بن سفيان أبو جعفر الحافظ الحمصى روى عن أبى عاصم ومحمد بن يوسف الفريابى والهيثم بن جبل وأحمد بن خالد وجماعة، وعنه أبو داود والنسائى وأبو زرعة الرازى وأبو حاتم وغيرهم، وثقه النسائى وقال أبو حاتم صدوق وقال ابن حبان في الثقات كان صاحب حديث يحفظ وقال الخلال إمام حافظ في زمانه معروف بالتقدّم في العلم والمعرفة كان أحمد يعرف له ذلك ويقبل منه وقال ابن عدىّ عالم بحديث الشام صحيحا وضعيفا. توفى سنة اثنتين وسبعين ومائتين (قوله الطائى) منسوب إلى طيئ قبيلة (قوله أحمد بن خالد) بن موسى ويقال ابن محمد الوهبى الكندى أبو سعيد الحمصى. روى عن

يونس بن أبي إسحاق ومحمد بن إسحاق وعبد العزيز الماجشون وآخرين، وعنه البخارى في جزء القراءة والذهلى وعمرو بن عثمان ومحمد بن عوف وغيرهم، قال ابن معين ثقة وقال الدارقطني لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات ونقل أبو حاتم الرازي أن أحمد امتنع من الكتابة عنه مات سنة أربع عشرة أو خمس عشرة ومائتين. روى له أبو داود وابن خزيمة في صحيحه والترمذي والنسائي وابن ماجه (قوله عبد الله بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب أبو عبد الرحمن المدني. روى عن أبيه وأبي هريرة وأخيه حمزة، وعنه الزهري ونافع ومحمد بن عباد وعبد الله بن أبي سلمة وغيرهم وثقه وكيع وأبو زرعة والنسائي وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث وقال العجلى تابعى ثقة وذكره ابن أبي عاصم في الصحابة من أجل حديث أرسله. توفي في أول خلافة هشام بن عبد الملك سنة خمس ومائة. روى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي (قوله قال قلت الخ) أى قال محمد بن يحيى قلت لعبد الله بن عبد الله أخبرني عن توضؤ ابن عمر، وأرأيت بفتح المثناة الفوقية في الواحد وغيره واستعماله في طلب الإخبار مجاز علاقته السببية أو المسببية وذلك أنه لما كان العلم بالشئ أو الإبصار به سببا للإخبار عنه استعملت الصيغة التي لطلب العلم أو لطلب الإبصار في طلب الإخبار لاشتراكهما في الطلب ففيه مجازان استعمال رأي التي بمعنى علم أو أبصر في الإخبار واستعمال الهمزة التي هى لطلب الرؤية في طلب الإخبار، وقوله توضى بضاد معجمة مكسورة وياء منقلبة عن همزة وصوابه توضؤ بضاد مضمومة وهمزة على واو وهو مصدر من التفعل (قوله طاهرا وغير طاهر) حال من ابن عمر أو خبر لكان المحذوفة أي سواء كان ابن عمر طاهرا وغير طاهر والواو بمعنى أو (قوله عمّ ذاك) بإدغام نون عن في ميم ما الاستفهامية، والمعني لأى شيء كان توضؤه لكل صلاة طاهرا كان أو محدثا وهو تأكيد لما قبله (قوله فقال حدثتنيه أسماء الخ) أي قال عبد الله ابن عبد الله حدثتني أسماء بسبب وضوء ابن عمر لكل صلاة، وفي نسخة حدثتني، وفي أخرى حدثته (وأسماء بنت زيد بن الخطاب) القرشية العدوية. روت عن عبد الله بن حنظلة. وروى عنها عبد الله ابن عبد الله بن عمر ذكرها ابن حبان وابن منده في الصحابة. روى لها أبو داود (قوله عبد الله ابن حنظلة بن أبي عامر) أبو عبد الرحمن أو أبو بكر له صحبة. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن عمر وعبد الله بن سلام وكعب الأحبار. وعنه عبد الله بن يزيد الخطمى وقيس بن سعد وابن أبي مليكة وأسماء بنت زيد وغيرهم، وفد إلى يزيد بن معاوية ومعه ثمانية من بنيه فأعطاه مائة ألف وأعطى بنيه كل واحد عشرة آلاف فلما قدم المدينة فرّق ما وهب له على أهلها وقالوا له ما وراءك قال أتيتكم من عند رجل والله لو لم أجد إلا بنيّ هؤلاء لجاهدته بهم فبايعوه على، خلع يزيد وخرجوا بجموع كثيرة فبعث يزيد إليه مسلم بن عقبة فكانت وقعة

حكم الاستياك في حقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

الحرّة. ولد سنة أربع من الهجرة وقتل يوم الحرّة سنة ثلاث وستين. روي له أبو داود (قوله أمر بالوضوء الخ) بالبناء للمجهول أى أمره الله تعالى به أمر إيجاب لكل صلاة مفروضة لأنه كان يجب عليه تجديد الوضوء خاصة لما يأتي للمصنف عن أنس قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ لكل صلاة وكنا نصلى الصلوات بوضوء واحد ثم نسخ بحديث عبد الله بن حنظلة هذا وبحديث بريدة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يتوضأ لكل صلاة فلما كان عام الفتح صلى الصلوات كلها بوضوء واحد رواه الشيخان والحاكم بهذا اللفظ، ويحتمل أن هذا الأمر له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولأمته عملا بظاهر قوله تعالى "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم" فقد فهم علي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ منها لزوم الوضوء لكل صلاة. فقد أخرج الدارمى في مسنده حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا شعبة حدثنا مسعود بن علي عن عكرمة أن سعدا كان يصلى الصلوات كلها بوضوء واحد وأن عليا كان يتوضأ لكل صلاة وتلا هذه الآية "إذا قمتم إلي الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم" الآية (قوله فلما شق ذلك عليه الخ) أي ثقل الوضوء لكل صلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم طاهر أو غير طاهر نسخ وجوب الوضوء إذا كان متطهرا وأمر باستعمال السواك لكل صلاة أمر إيجاب على وجه الخصوصية، لما رواه أحمد وابن خزيمة وصححه والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك عند كل صلاة ووضع عنه الوضوء إلا من حدث وكان ابن عمر يرى أن به قوة على ذلك فكان يفعله حتى مات. لحديث عائشة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ثلاث هن على فريضة وهن لكم تطوّع الوتر والسواك وقيام الليل رواه البيهقي وهو وإن كان ضعيفا فقد تقوّى بما جعله حسنا وبه تعلم أنه لا وجه لمن استدلّ بحديث الباب على أن السواك واجب علينا لكل صلاة لأن الوجوب كان خاصا بالنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ويحتمل أن هذا الأمر له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على سبيل الاستحباب لحديث أبي أمامة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ما جاءني جبريل إلا أوصاني بالسواك حتى خشيت أن يفرض عليّ وعلى أمتي رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف وعن واثلة بن الأسقع أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب عليّ رواه أحمد بإسناد حسن. لكن قال المنذرى فيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة مدلس وقد عنعنه، والمعتمد وجوبه عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند الشافعية والمالكية (قوله يرى أن به قوة) أي كان عبد الله بن عمر يظن أنه قادر على الوضوء لكل صلاة ولو كان متطهرا، وهذا من كلام عبد الله بن عبد الله، وجملة أن به قوة قائمة مقام مفعولي يرى، والظاهر

أن سبب توضؤ ابن عمر هذا ورود الأمر به قبل النسخ ففيه دليل على أنه إذا نسخ الوجوب بقى الجواز (قوله لا يدع) أى لا يترك يقال ودعته أدعه ودعا تركته وأصل المضارع الكسر ومن ثم حذفت الواو ثم فتحت عينه لأن لامه حرف حلق. قال بعض المتقدمين وزعمت النحاة أن العرب أماتت ماضى يدع ومصدره واسم الفاعل وقد قرأ مجاهد وعروه ومقاتل وابن أبي عبلة ويزيد النحوى (ما ودعك ربك) بالتخفيف، وفي الحديث لينتهين قوم عن ودعهم الجمعات رواه أحمد ومسلم أى عن تركهم، وقد رويت هذه الكلمة عن أفصح العرب ونقلت من طريق القرّاء فكيف يقال إن العرب أماتت ذلك أفاده في المصباح (فقه الحديث) دلّ الحديث على استحباب تجديد الوضوء لكل صلاة. وعلى تأكيد الاستياك ولا سيما عند الصلاة. وعلى أن الله تعالى ينسخ ما يشاء من الأحكام ويثبت ما يشاء وأنه بنبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رءوف رحيم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي من طريق المصنف وابن خزيمة وصححه وقال المنذرى في إسناده محمد بن إسحاق بن يسار وقد اختلف الأئمة في الاحتجاج بحديثه اهـ وتقدم أنه صدوق حسن الحديث إلا أنه يدلس فإن صرح بالتحديث قبلت روايته وإلا فلا وقد روى هنا بالعنعنة (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ رَوَاهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (ش) أراد المصنف بذكر، هذا الطريق بيان أن الحديث رواه أحمد بن خالد وإبراهيم ابن سعد كلاهما عن ابن إسحاق غير أن أحمد قال في روايته عن عبد الله بن عبد الله بن عمر مكبرا وقال إبراهيم في روايته عبيد الله بن عبد الله مصغرا. وهذه الرواية أخرجها البيهقي من طريق سعيد بن يحيى اللخمى عن محمد بن إسحاق، والدارمى من طريق أحمد بن خالد عن محمد بن إسحاق وكذا الحاكم وفيه بياض لم يعلم منه تلميذ ابن إسحاق ولفظه بعد البياض أبي عن ابن إسحاق ثنا محمد ابن يحيى بن حبان الأنصارى ثم المازني مازن بني النجار عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر قال قلت له أرأيت وضوء عبد الله بن عمر لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر عمن هو قال حديثه أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الغسيل حدّثها أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان أمر بالوضوء عند كل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر فلما شق ذلك على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بالسواك عند كل صلاة ووضع عنهم الوضوء إلا من حدث وكان عبد الله يرى أن به قوة على ذلك ففعله حتى مات. وقد صرّح هنا محمد بن إسحاق بالتحديث ولذا قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (قوله إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهرى القرشي المدني أبو إسحاق. روى

باب كيف يستاك

عن أببه والزهرى وشعبة وهشام بن عروة وغيرهم، وعنه شعبة ويزيد بن الهاد من شيوخه وأحمد والليث وجماعة، وثقه يحيى ين معين وأبو حاتم والعجلى وأحمد وقال أحاديثه مستقيمة وقال ابن خراش صدوق، ولد سنة ثمان ومائة، وتوفي ببغداد سنة اثنتين أو ثلاث وثمانين ومائة، روى له الجماعة (قوله رواه عن محمد الخ) أى روى الحديث المذكور إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق بالسند المتقدم غير أنه قال عن عبيد الله مصغرا لا مكبرا كما في الرواية الأولى (وعبيد الله بن عبد الله) ابن عمر بن الخطاب أبو بكر أخو عبد الله بن عبد الله بن عمر أسنّ منه، روى عن أبيه وأبي هريرة وغيرهم، وعنه ابنه القاسم والزهرى والوليد بن كثير وابن إسحاق وطائفة، وثقه أبو زرعة والنسائي والواقدى والعجلى وقال تابعى، روى له الجماعة، مات سنة ست ومائة (باب كيف يستاك) أى في بيان كيفية الاستياك (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ، قَالَا: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ غَيْلَانَ ابْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ نَسْتَحْمِلُهُ فَرَأَيْتُهُ يَسْتَاكُ عَلَى لِسَانِهِ» وَقَالَ سُلَيْمَانُ: قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَسْتَاكُ، وَقَدْ وَضَعَ السِّوَاكَ عَلَى طَرَفِ لِسَانِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: «إهْ إِهْ» يَعْنِي يَتَهَوَّعُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ مُسَدَّدٌ: وَكَانَ حَدِيثًا طَوِيلًا وَلَكِنِّي اخْتَصَرْتُهُ (ش) (رجال الحديث) (قوله سليمان بن داود) أبو الربيع البصرى الزهراني الحافظ سكن بغداد، روى عن مالك حديثا واحدا وعن إسماعيل بن جعفر وحماد بن زيد وابن المبارك وغيرهم، وعنه أحمد وإسحاق بن راهويه والبخارى ومسلم وكثيرون، وثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم وقال ابن قانع ثقة صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن خراش تكلم الناس فيه وهو صدوق وقال الحافظ لا أعلم أحدا تكلم فيه بخلاف ما زعمه ابن خراش، مات بالبصرة في رمضان سنة أربع وثلاثين ومائتين (قوله العتكي) بفتحتين نسبة إلى العتيك بطن من الأزد على غير قياس والقياس عتيكي بالمثناة التحتية (قوله غيلان بن جرير) الأزدى البصرى، روى عن عامر الشعبى وأنس بن مالك ومطرف وأبي بردة، وعنه شعبة وجرير بن حازم وحماد بن زيد وغيرهم، وثقه العجلي وأبو حاتم والنسائي ويحيى بن معين وأحمد وابن سعد وذكره ابن حبان في الثقات، مات سنة تسع وعشرين ومائة، روى له الجماعة (قوله عن أبي بردة)

اسمه الحارث أو عامر بن عبد الله (قوله عن أبيه) هو أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس (قوله قال أتينا) وفي نسخة قال مسدد قال أتينا أى قال مسدد في روايته قال أبو موسى أتينا الخ والضمير لأبي موسى وجماعة من الأشعريين لما في رواية الشيخين وغيرهما أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في رهط من الأشعريين إلخ (قوله نستحمله) جملة حالية أي أتيناه طالبين أن يحملنا إلى غزوة تبوك، فقال لا والله لا أحملكم ولا أجد ما أحملكم عليه ثم أتى له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بإبل فأرسلها إليهم ليركبوها فقالوا لا نركب حتى نسأل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإنه قد حلف أن لا يحملنا فأتوه فقال ما أنا حملتكم بل الله حملكم (قوله يستاك على لسانه) جملة في محل نصب حال أى رأيته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حال كونه يستاك على لسانه طولا لما في رواية أحمد وطرف السواك على لسانه يستن إلى فوق قال الراوى كأنه يستنّ طولا، وبهذا يظهر وجه مطابقة الحديث للترجمة (قوله وقال سليمان الخ) وفي نسخة قال أبو داود وقال سليمان أى قال سليمان بن داود في روايته بسنده قال أبو موسى دخلت (قوله على طرف لسانه) أى طرفه الداخل لما عند أحمد يستن إلى فوق (قوله وهو يقول) جملة في محل نصب حال أيضا من فاعل يستاك فهي حال مترادفة (قوله إهـ إهـ) بهمزة مكسورة أو مفتوحة أو مضمومة وهاء ساكنة وفي رواية البخارى أع أع بضم الهمزة وسكون العين المهملة، وفي رواية النسائي وابن خزيمة والبيهقى عأ عأ بتقديم العين المهملة المفتوحة على الهمزة الساكنة وللجوزقي بخاء معجمة أو حاء مهملة بعد الهمزة المكسورة، قال الحافظ ورواية أع أع أشهر وإنما اختلف الرواة لتقارب مخارج هذه الأحرف وكلها ترجع إلى حكاية صوته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذ جعل السواك على طرف لسانه (قوله يعني يتهوّع) أي يتقيأ وهو من باب التفعل يقال هاع يهوع هوعا إذا قاء بلا تكلف فإذا تكلف يقال تهوّع والاسم الهواع بالضم، وهذا تفسير لقوله إهـ إهـ من أحد الرواة دون أبي موسى لقوله يعني ولما في مختصر المنذري أراه يعني يتهوع وفى رواية البخارى كأنه يتهوع فيكون من كلام أبي موسى (قوله وكان حديثا طويلا الخ) وفي نسخة فكان أى كان حديث أبى بردة عن أبيه حديثا طويلا فاختصره مسدد بحذف ما في رواية سليمان من قوله وقد وضع السواك إلخ (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه لا يختص السواك بالأسنان وأنه من باب التنظيف والتطيب لا من باب إزالة القاذورات لكونه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يختف به، وعلى جواز الاستياك بحضرة الغير، وعلى مشرعية السواك في اللسان طولا أما الأسنان فالأحب فيها أن تكون عرضا لحديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى

كيفية إمساك السواك

آله وسلم يستاك عرضا ولا يستاك طولا رواه أبو نعيم وفي إسناده عبد الله بن حكيم وهو متروك وفي مراسيل أبي داود من طريق عطاء إذا شربتم فاشربوا مصا وإذا استكتم فاستاكوا عرضا وفيه محمد بن خالد القرشي قال ابن القطان لا يعرف وقال الحافظ وثقه ابن معين وابن حبان ورواه البغوى والعقيلى والطبراني وغيرهم من حديث سعيد بن المسيب عن بهز بن حكيم بلفظ كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يستاك عرضا وفي إسناده ثبيت بن كثير وهو ضعيف واليمان بن على وهو أضعف منه. وعن إمام الحرمين أنه يمرّ السواك على طول الأسنان وعرضها فإن اقتصر على أحدهما فالعرض أولى اهـ. والسنة إمساكه باليمين وأن يكون خنصرها أسفله والبنصر والوسطى والسبابة فوقه والإبهام أسفل رأسه كما رواه ابن مسعود. وفى حجة الله البالغة ينبغى للإنسان أن يبلغ بالسواك أقاصى الفم فيخرج بلاغم الحلق والصدر والاستقصاء في السواك يذهب بالقلاع أى داء الفم ويصفي الصوت ويطيب النكهة اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى مختصرا ولفظه عن أبي بردة عن أبيه قال أتيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فوجدته يستن بسواك ييده يقول أع أع والسواك في فيه كأنه يتهوّع. وأخرجه البيهقي بهذا اللفظ إلا أنه قال عأ عأ بدل أع أع. وأخرجه مسلم بلفظ دخلت على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وطرف السواك على لسانه. والنسائي بلفظ دخلت على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو يستنّ وطرف السواك على لسانه وهو يقول عأ عأ عأ. ومنه تعلم أن هؤلاء الأئمة اقتصروا في روايتهم على قصة السواك، أما قصة الاستحمال فقد رووها منفردة في أحاديث أخر. ففد أخرج البخارى ومسلم والنسائي عن أبى موسى قال أتيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في رهط من الأشعريين نستحمله فقال والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم ثم لبثنا ما شاء الله فأتى بإبل فأمر لنا بثلاث ذود فلما انطلقنا قال بعضنا لبعض لا يبارك الله لنا أتينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نستحمله فحلف أن لا يحملنا قال أبو موسى أتينا النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذكرنا ذلك له فقال ما أنا حملتكم بل الله حملكم إني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذى هو خير، وأخرج البخارى ومسلم من حديث أبي موسى قال أقبلت على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومعى رجلان من الأشعريين أحدهما عن يميني والآخر عن يسارى فكلاهما سأل العمل والنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يستاك فقال ما تقول يا أبا موسى فقلت والذى بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما وما شعرت أنهما يطلبان العمل وكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته وقد قلصت. فهذه القصة فيها ذكر السواك وطلب العمل لا الاستحمال فذكره مع السواك في حديث واحد كما فعل المصنف غير محفوظ

باب في الرجل يستاك بسواك غيره

ولم نجده فيما تتبعناه من كتب الحديث (باب في الرجل يستاك بسواك غيره) وفي نسخة باب فيمن يستاك بسواك غيره، وفي أخرى باب الرجل يستاك الخ أى في حكم الاستياك بسواك الغير (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَسْتَنُّ وَعِنْدَهُ رَجُلَانِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ، فَأُوحِيَ إِلَيْهِ فِي فَضْلِ السِّوَاكِ، أَنْ كَبِّرْ أَعْطِ السِّوَاكَ أَكْبَرَهُمَا»، (ش) (رجال الحديث) (قوله عنبسة بن عبد الواحد) بن أمية بن عبد الله بن سعيد الكوفي أبو خالد، روى عن عبد الملك بن عمير وعوف بن الأعرابي وهشام ويحيى بن سعيد وغيرهم، وعنه إبراهيم بن موسى الرازى والفضل بن الموفق وأبو عبيد القاسم وطائفة، وثقه أبو حاتم وابن معين وقال أحمد وأبو زرعة وأبو داود لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات (قوله يستن) بفتح أوله وسكون السين المهملة وفتح المثناة الفوقية وتشديد النون أى يستاك من الاستنان الذى هو دلك الأسنان وحكها بما يجلوها وقال ابن الأثير الاستنان استعمال السواك افتعال من الأسنان أى يمرّه عليها اهـ (قوله أحدهما أكبر من الآخر) يعني سنا أو فضلا والظاهر الأول لما في رواية الشيخين فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر فناولت السواك الأصغر منهما فقيل لي كبر (قوله فأوحى إليه إلخ) وفي نسخة فأوحى الله إليه أى أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في شأن باقي أثر الاستياك أن يقدّم الأكبر في إعطائه السواك ليستعمله بعده، وأوحى من الإيحاء وهو والوحى الرسالة ويجيء بمعنى الإلهام والإشارة والكتابة وكل ما ألقيته لغيرك ليعلمه ثم غلب استعماله يما يلقى إلى الأنبياء وهو المراد هنا ويكون بالرؤيا المنامية أو بالإلهام أو بسماع كلام الله تعالى بلا واسطة أو بإرسال ملك ويؤخذ ذلك من قوله تعالى "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا" وأن في قوله أن كبر مفسرة بمنزلة أى نظير قوله تعالى "فأوحينا إليه أن اصنع الفلك" ويلحق بالسواك في تقديم الأكبر الطعام والشراب والكلام ونحو ذلك. وهذا ما لم يترتب القوم في الجلوس وإلا فالسنة تقديم الأيمن لما رواه الشيخان من حديث أنس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتي بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن شماله أبو بكر فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن (قوله أعط السواك أكبرهما) يحتمل أنه تفسير من الراوى وأنه من قول

النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الموحى به إليه. والحديث يقتضى أن الوحى كان في اليقظة ويشهد له ما رواه أحمد والبيهقي عن ابن عمر بلفظ رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يستنّ فأعطاه أكبر القوم ثم قال إن جبريل أمرني أن كبر، وما رواه الطبراني في الأوسط بلفظ أمرني جبريل أن كبر (وأما) ما رواه البخاري تعليقا قال وقال عفان حدثنا صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أراني أتسوّك بسواك فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر فناولت السواك الأصغر منهما فقيل لي كبر فدفعته للأكبر منهما اهـ وأراني بفتح الهمزة من الرؤيا (وما رواه) مسلم في كتاب الرؤيا من طريق على بن نصر عن صخر عن نافع أن عبد الله بن عمر حدّثه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أراني في المنام أتسوّك بسواك فجذبني رجلان أحدهما أكبر من اللآخر فناولت السواك الأصغر منهما فقيل لى كبر فدفعته إلى الأكبر (فهما) صريحان في أن الوحى حصل في غير اليقظة، وجمع الحافظ بينهما بأن ذلك لما وقع قي اليقظة أخبرهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بما رآه في النوم تنبيها على أن أمره بذلك بوحى متقدّم فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظه البعض الآخر (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية السواك وفضيلته، وعلى طلب تقديم الأكبر من الحاضرين على الأصغر، وهو السنة أيضا في المصافحة والتحية والكلام ونحو ذلك وعلى جواز استعمال سواك الغير بإذنه بدون كراهة غير أنه طلب غسله لما يحتمل من استقذار ريق المستعمل ويدل عليه حديث الباب الآتي (من أخرج الحديث أيضا) أما من طريق عائشة فلم يروه أحد من أصحاب الصحاح غير المصنف وسنده حسن كما في التلخيص وأخرجه من حديث ابن عمر مسلم وأحمد والبيهقى والطبرانى وكذا البخاري تعليقا بألفاظ تقدّمت وأخرجه أيضا أبو عوانه وأبو نعيم، ويوجد في بعض النسخ الهندية والنسخة المصرية بعد الحديث السابق ما نصه قال أحمد بن حزم قال لنا أبو سعيد هو ابن الأعرابي هذا مما تفرد به أهل المدينة، والمعنى أن أحمد بن حزم يروى عن أبي سعيد ابن الأعرابي أحد تلاميذ المصنف أنه قال إن رجال هذا الحديث كلهم مدنيون، وهذه من لطائف الإسناد وهي كما ترى ليست من رواية اللؤلؤى فذكرها في نسخته غلط من بعض النساخ، وكذا يوجد في بعض النسخ زيادة قوله حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى ابن يونس عن مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيِه قال قلت لعائشة بأى شيء كان يبدأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا دخل بيته قالت بالسواك، وهو مقدّم من تأخير وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى قبيل باب فرض الوضوء

باب غسل السواك

(باب غسل السواك) أى في بيان طلب غسل السواك بعد الاستياك للنظافة مما أصابه من الفم لئلا ينفر منه الطبع (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، ثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ الْكُوفِيُّ الْحَاسِبُ، حَدَّثَنِي كَثِيرٌ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَاكُ، فَيُعْطِينِي السِّوَاكَ لِأَغْسِلَهُ، فَأَبْدَأُ بِهِ فَأَسْتَاكُ، ثُمَّ أَغْسِلُهُ وَأَدْفَعُهُ إِلَيْهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن عبد الله الأنصارى) ابن المثنى بن عبد الله بن أنس ابن مالك أبو عبد الله البصرى الفقيه قاضى البصرة وبغداد. روى عن أبيه وحميد الطويل ومالك ابن دينار وابن جريج وغيرهم، وعنه قتيبة بن سعيد وأحمد بن حنبل والبخارى والترمذى وجماعة وثقه ابن معين وقال أبو حاتم صدوق وقال النسائي لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو داود تغير تغيرا شديدا وقال الساجى رجل عالم غلب عليه الرأى وقال ابن المثنى سمعت بشر ابن آدم يقول سمعت الأنصارى يقول وليت القضاء مرتين والله ما حكمت بالرأى. مات بالبصرة في رجب سنة خمس عشرة ومائتين. روى له الجماعة (قوله عنبسة بن سعيد) بن كثير بن عبيد ابن العنبس القرشى. روى عن جده كثير، وعنه محمد بن عبد الله الأنصارى وأبو الوليد الطيالسي وقال كان ثقة ووثقه أيضا ابن معين وأبو حاتم وقال النسائي ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات. روى له الجماعة (قوله كثير) بن عبيد القرشي التيمى مولى أبي بكر الصديق أبو سعيد روى عن زيد بن ثابت وأبى هريرة وعائشة وأختها أسماء، وعنه ابنه سعيد ومجالد بن سعيد وعبد الله بن دكين وغيرهم، وثقه ابن حبان (قوله فأبدأ به) أى باستعماله في فمى قبل الغسل للتبرّك بأثر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والاستشفاء بريقه (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز الاستياك بسواك الغير برضاه بدون كراهة، وعلى جواز التبرّك بآثار الصالحين ولذلك لم تغسله أم المؤمنين قبل أن تستاك به وهذا يدلّ على كمال فطنتها وحرصها على الخير، وعلى أنه يسن غسل السواك بعد الاستياك به (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي من طريق المصنف قال في المرقاة وسنده جيد (باب السواك من الفطرة) بكسر الفاء بمعنى الخلقة اسم من الفطر بفتح فسكون وهو الخلق والابتداء والاختراع، يقال فطر الله الخلق فطرا من باب نصر خلقهم، والمراد بها هنا السنة التي اختارها الله تعالى لعباده وفي مقدّمتهم الأنبياء والمرسلون

حديث عشر من الفطرة

(ص) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ " عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ بِالْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ - يَعْنِي الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ - "، قَالَ زَكَرِيَّا: قَالَ مُصْعَبٌ: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ «الْمَضْمَضَةَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله يحيى بن معين) بفتح الميم وكسر العين المهملة ابن عون ابن زياد أبو زكرياء البغدادى ثقة حافظ مشهور إمام أهل الحديث والجرح والتعديل. روى عن عبد الله بن المبارك وحفص بن غياث وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان وجماعة، وعنه أبو حاتم والبخارى ومسلم وأبو داود وكثيرون، قال ابن المديني لا أعلم أحدا كتب ما كتب ابن معين وانتهى العلم إلى يحيى بن آدم وبعده إلى يحيى بن معين، وقال الدورى عن ابن معين لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها ما عقلناه، وقال صالح بن محمد يحيي أعلم بالرجال والكنى، وقال عمرو الناقد ما كان في أصحابنا أعلم بالإسناد من يحيى بن معين ما قدر أحد أن يقلب عليه إسنادا قط وقال عبد الخالق بن منصور قلت لابن الرومى سمعت أبا سعيد الحدّاد يقول الناس كلهم عيال على يحيى بن معين فقال صدق ما في الدنيا مثله وقال أحمد بن حنبل السماع من يحيى بن معين شفاء لما في الصدور وهو رجل خلقه الله تعالى لهذا الشأن يظهر كذب الكذابين وكل حديث لا يعرفه يحيى فليس بحديث وقال الفلاس إذا رأيت الرجل يقع في ابن معين فاعلم أنه كذاب إنما يبغضه لما بين من أمر الكذابين وقال ابن حبان كان من أهل الدين والفضل وممن رفض الدنيا في جمع السنن وكثرة عنايته بها وحفظه إياها حتى صار علما يقتدى به في الأخبار وإماما يرجع إليه في الآثار ولد سنة ثمان وخمسين ومائة. ومات بالمدينة سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وغسل على أعواد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وله سبع وسبعون سنة إلا نحوا من عشرة أيام وحمل على سرير النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله وكيع) ابن الجراح (قوله مصعب) بضم الميم وسكون الصاد المهملة (ابن شيبة) بن جبير بن شيبة ابن عثمان بن أبي طلحة القرشي. روى عن أبيه وصفية بنت شيبة وطلق بن حبيب. وعنه عبد الملك ابن عمير وعبد الله بن أبي السفر وابن جريج وغيرهم، وثقه ابن معين وقال ابن سعد كان قليل الحديث وقال أبو حاتم ليس بالقوي وقال النسائي منكر الحديث وقال أحمد بن حنبل روى

أحاديث مناكير وقال أبو داود ضعيف. روي له الجماعة إلا البخارى (قوله طلق بن حبيب) بفتح الطاء المهملة وسكون اللام العنزي البصري. روى عن عبد الله بن عباس وابن عمرو بن العاص وجابر بن عبد الله وأنس وكثيرين. وعنه عمرو بن دينار وسعد بن إبراهيم ومصعب بن شيبة وغيرهم، قال أبو حاتم صدوق في الحديث وكان يرى الإرجاء وقال طاوس كان ممن يخشى الله تعالى وقال أبو زرعة هو ثقة لكن كان يرى الإرجاء وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان مرجئا عابدا وقال العجلى تابعى ثقة كان من أعبد أهل زمانه وقال أبو الفتح الأزدي كان داعية إلى مذهبه اتركوه. مات ما بين التسعين والمائة. روى له الجماعة إلا البخارى (قوله ابن الزبير) هو عبد الله ابن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد أبو بكر أول مولود في الإسلام بالمدينة وكان مولده بعد الهجرة بعشرين شهرا على قول الأكثر والأصح أنه ولد في السنة الأولى من الهجرة كما قاله الحافظ وحنكه النبي صلى الله اتعالى عليه وعلى آله وسلم وسماه باسم جدّه أبي بكر وكناه بكنيته، وقد جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليبايعه وهو ابن سبع سنين أو ثمان فتبسم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين رآه وبايعه وكان قويا شجاعا وسبب ذلك ما روى أنه أتى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو يحتجم فلما فرغ قال يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد فلما برز شرب الدم فلما رجع قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا عبد الله ما صنعت بالدم قال جعلته في أخفى مكان علمت أنه يخفى على الناس قال لعلك شربته قال نعم قال ولم شربت الدم ويل للناس منك وويل لك من الناس رواه أبو يعلى والبيهقي قال أبو موسى قال أبو عاصم فكانوا يرون أن القوّة التي به من ذاك الدم. ولي الخلافة بعد موت يزيد بن معاوية سنة أربع أو خمس وستين وكانت ولايته تسع سنين وخلافته صحيحة خرح عليه مروان بعد أن بويع له في الآفاق إلا بعض قرى الشام فغلب مروان على دمشق ثم غزا مصر فملكها ثم مات ثم غزا بعده عبد الملك بن مران العراق فقتل مصعب بن الزبير ثم أمر الحجاج بغزو مكة فقتل عبد الله بمكة في النصف من جمادى الثانية سنة ثلاث وسبعين وهو ابن اثنتين وسبعين سنة قتله الحجاج وصلبه. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثلاثة وثلاثون حديثا اتفق البخارى ومسلم على ستة وانفرد مسلم بحديثين. روى عنه أخوه عروة وعطاء وعباس ابن سهل وغيرهم. روى له الجماعة (قوله عشر من الفطرة) أى عشر خصال من خصال الدين فالكلام على تقدير مضاف أو هو صفة لموصوف محذوف أى خصال عشر من خصال الدين وأتى بمن التبعيضية إشارة إلى عدم انحصار خصال الدين في العشر لأن خصاله كثيرة. قال الخطابي فسر أكثر العلماء الفطرة في هذا الحديث بالسنة والمعنى أن هذه الخصال من سنن الأنبياء الذين أمرنا أن نقتدى بهم بقوله تعالى "فبهداهم اقتده" وأول من أمر بها إبراهيم صلى الله

كيفية قص الشارب

تعالى عليه وعلى آله وسلم وهي المرادة من قوله تعالى "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن" قال ابن عباس أمره بعشر خصال ثم عدّهن فلما فعلهنّ قال إني جاعلك للناس إماما ليقتدى بك ويستن بسنتك، وقد أمرت هذه الأمة بمتايعته خصوصا لقوله تعالى "ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا" اهـ (قوله قص الشارب) أى أحد الخصال العشرة قص الشارب فهو مرفوع على أنه خبر لمبتدإ محذوف أو بدل من عشرة، ويصح أن يقرأ بالجر على البدلية من الفطرة وكذا يقال في المعطوفات، والقص القطع يقال قصصت الشعر قصا من باب قتل قطعته، والشارب الشعر النابت على الشفة العليا، قال العيني يستحب أن يبدأ بالجانب الأيمن وهو مخير بين القص بنفسه وبين أن يولى ذلك غيره لحصول المقصود بخلاف الإبط والعانة، واختلف في حد ما يؤخذ من الشارب. فقال الطحاوي قص الشارب حسن والحلق سنة وهو أحسن من القص وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد لحديث أحفوا الشوارب، وقال ابن القاسم عن مالك إحفاء الشارب عندى مثلة والمراد بالحديث المبالغة في أخذ الشارب حتى يبدو حرف الشفة، وقال أشهب سألت مالكا عمن يحفى شاربه فقال أرى أن يوجع ضربا وقال لمن يحلق شاربه هذه بدعة ظهرت في الناس اهـ وقال النووى المختار في قص الشارب أن يقصه حتى يبدو طرف الشفة ولا يحفه من أصله وأما رواية أحفوا فعناها أزيلوا ما طال على الشفتين، قال ابن دقيق العيد ما أدري هل نقله عن المذهب أو قاله اختيارا منه لمذهب مالك، قلت صرح في شرح المهذب بأن هذا مذهبنا اهـ وقال الأثرم كان أحمد يحفي شاربه إحفاء شديدا ونص على أنه أولى من القص اهـ كلامهم (والحاصل) أن السنة دلت على الأمرين ولا تعارض فإن القص يدل على أخذ البعض والإحفاء يدل على أخذ الكل وكلاهما ثابت فيختار المكلف أيهما شاء فينبغى لمن يريد المحافظة على السنن أن يستعمل هذا مرة وهذا مرة فيكون قد عمل بكل ما ورد، وقد ذهب بعض الحنفية وابن حزم إلى وجوب أخذ الشارب لحديث أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى رواه الستة عن ابن عمر، وحديث من لم يأخذ من شاربه فليس منا رواه أحمد والترمذي والنسائي وصححه عن زيد بن أرقم، أما قول ابن دقيق العيد لا أعلم أحدا قال بوجوب قص الشارب من حيث هو فكأنه لم يقف على ما ذ كر وفى شرح الشرعة لا بأس بترك سباليه وهما طرفا الشارب فعل ذلك عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ اهـ ومحل جواز ترك السبالين ما لم يفحش ذلك (قوله وإعفاء اللحية) إرسالها وتوفيرها وأصله من عفى الشئ إذا كثر وزاد ومنه قوله تعالى "حتى عفوا" أى كثروا، ويستعمل متعديا بالهمزة وبعدمها يقال أعفيته وعفيته، واللحية بكسر اللام اسم لما نبت على الخدين والذقن وجمعها لحى بكسر اللام وضمها كسدرة وسدر وحلية وحلى والذقن مجتمع لحييه، وقد ورد في إعفاء اللحية أحاديث كثيرة (منها) ما رواه البخارى في صحيحه بسنده عن ابن عمر عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى

أقوال العلماء في حلق اللحية واتفاقهم على حرمته

آله وسلم قال خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب (ومنها) ما رواه أيضا عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى، وقد أخرج هذا الحديث أيضا الأئمة الستة، وفي رواية لمسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى، وفي رواية له عن ابن عمر أيضا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال خالفو المشركين أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى، وروى أيضا بسنده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جزوا الشوارب وأرخوا اللحى وخالفوا المجوس. وفي رواية لأحمد والبخارى ومسلم عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال خالفوا المجوس وفروا اللحى وأحفوا الشوارب، إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة التي يطول ذكرها في الأمر بإعفاء اللحية، وأصل الأمر الوجوب ولا يصرف عنه إلا بدليل كما هو مقرر في علم الأصول فلذلك كان حلق اللحية محرّما عند أئمة المسلمين المجتهدين أبي حنيفة ومالك والشافعى وأحمد وغيرهم. وهاك بعض نصوص المذاهب فيها قال في كتاب الصوم من الدرّ المختار للحنفية لا يكره دهن شارب إذا لم يقصد الزينة أو تطويل اللحية إذا كانت بقدر المسنون وهو القبضة. وصرّح في النهاية بوجوب قطع ما زاد على القبضة (بالضم) ومقتضاه الإثم بتركه إلا أن يحمل الوجوب على الثبوت وأما الأخذ منها وهي دون ذلك كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال فلم يبحه أحد وأخذ كلها فعل يهود الهند ومجوس الأعاجم اهـ وقال في البحر الرائق ويستحسن دهن الشارب إذا لم يكن من قصده الزينه لأنه يعمل عمل الخضاب ولا يفعل لتطويل اللحية إذا كانت بقدر المسنون وهو القبضة كذا في الهداية وكان ابن عمر يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف رواه أبو داود في سننه وما في الصحيحين عن ابن عمر عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى فحمول على إعفائها من أن يأخذ غالبها أو كلها كما هو فعل مجوس الأعاجم من حلق لحاهم فيقع بذلك الجمع بين الروايات، وأما الأخذ منها وهي دون ذلك كما يفعله بعض المغاربة والمحنثة من الرجال فلم يبحه أحد كذا في فتح القدير، ونحوه في شرح الزيلعى على الكنز وحاشية الشرمبلالى على الدرر وغيرهما من كتب السادة الحنفية (وقال) العلامة الشيخ أحمد بن قاسم العبادى في آخر فصل العقيقة من حاشيته على تحفة المحتاج بشرح المنهاج ردّا على من قال من الشافعية إن القول بحرمة حلق اللحية خلاف المعتمد (ما نصه) في شرح العباب (فائدة) قال الشيخان يعني الرافعى والنووى يكره حلق اللحية واعترضه ابن الرفعة في حاشية الكافية بأن الشافعى رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ نص في الأم على التحريم، قال الزركشى وكذا الحليمى في شعب الإيمان وأستاذه القفال الشاشي في محاسن الشريعة. وقال الأذرعي الصواب تحريم

حلقها جملة لغير علة بها اهـ ونحوه في حاشية العلامة الشيخ عبد المجيد الشرواني. على الكتاب المذكور، ومنه تعلم أن الشافعى نفسه نص على حرمة حلق اللحية وأن القول بالكراهة خطأ لقول الأذرعي الصواب تحريم حلقها الخ (وقال) العلامة الشيخ أحمد النفراوى المالكي في باب الفطرة والختان من شرحه على رسالة الإمام ابن أبي زيد ما نصه، وفي قص الشوارب وإعفاء اللحى مخالفة لفعل الأعاجم فإنهم كانوا يحلقون لحاهم ويعفون الشوارب وآل كسرى أيضا كانت تحلق لحاها وتبقي الشوارب فما عليه الجند في زماننا من أمر الخدم بحلق لحاهم دون شواربهم لا شك في حرمته عند جميع الأئمة لمخالفته لسنة المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولموافقته لفعل الأعاجم والمجوس، والعوائد لا يجوز العمل بها إلا عند عدم نص من الشارع مخالف لهما وإلا كانت فاسدة يحرم العمل بها ألا ترى لو اعتاد الناس فعل الزنا أو شرب الخمر لم يقل أحد بجواز العمل بها اهـ ثم قال (وأمر النبي) صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما في الموطأ (أن تعفى اللحية) أى يوفر شعرها ويبقي من غير إزالة لشئ منها والمتبادر من قوله وأمر الوجوب وهو كذلك إذ يحرم حلقها إذا كانت لرجل وأما قصها فإن لم تكن طالت فكذلك وأما لو طالت كثيرا فأشار إلى حكمه بقوله (قال مالك) رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (ولا بأس بالأخذ من طولها إذا طالت) طولا (كثيرا) بحيث خرجت عن المعتاد لغالب الناس فيقص الزائد لأن بقاءه يقبح به المنظر وحكم الأخذ الندب والمعروف أنه لا حدّ للمأخوذ وينبغى الاقتصار على ما تحسن به الهيئة، وقال الباجى يقص ما زاد على القبضة ويدلّ عليه فعل ابن عمر وأبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما فإنهما كانا يأخذان من لحيتهما ما زاد على القبضة، والمراد بطولها طول شعرها فيشمل جوانبها فلا بأس بالأخذ منها أيضا (وقاله) أى ندب الأخذ من الطويلة قبل مالك (غير واحد من الصحابة والتابعين) رضى الله تعالى عن الجميع فيكون هذا هو الراجح ولا يعارضه ما روى عن مالك من ترك طولها حتى تبلغ حدّ التشويه لأنه بيان للطول كثيرا لأن المطلق يحمل على المقيد، ثم قال ظاهر كلام المصنف أنه لا يجوز إلا أخذ الزائد على المعتاد فيفهم منه أنه لا يجوز حلق ما تحت الحنك وهو كذلك فقد نقل عن مالك كراهته حتى قال إنه من فعل المجوس، ونقل عن بعض الشيوخ أن حلقه من الزينة فتكون إزالته من الفطرة، وأقول يمكن الجمع بحمل كلام الإمام على ما لا يلزم على بقائه تضرّر الشخص ولا تشويه خلقته وكلام غيره على ما يلزم على بقائه قبح منظر صاحبه او تضرّره به وقد روى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يأخذ من عرض لحيته وطولها وكان يأمر أن يؤخذ من باطن اللحية، وأما شعر الخدّ فالذى اختاره ابن عرفة جواز إزالته، وأما شعر الأنف فقد استحب بعض الفضلاء قصه لا نتفه لأن بقاءه أمان من الجذام ونتفه يورث الأكلة وأما شعر العنفقة فيحرم إزالته كحرمة

إزالة شعر اللحية وقيدنا ذلك بالرجل لما مرّ من أن المرأة يجب عليها إزالة ما عدا شعر رأسها وأما نتف الشيب من اللحية فقد قال مالك حين سئل عنه لا أعلمه حراما وتركه أحب إليّ أى وإزالته مكروهة على الصواب كما يكره تخفيف اللحية والشارب بالموسى تحسينا وتزيينا وإن قصد بذلك التلبيس على النساء كان أشدّ في النهى اهـ كلام النفراوى ببعض تصرف، وقال العلامة الشيخ أحمد الفاسى المعروف بزرّوق في شرحه على قول الإمام ابن أبي زيد (وأمر أن تعقى اللحية وتوفر ولا تنقص قال مالك ولا بأس بالأخذ من طولها إذا طالت كثيرا وقاله غير واحد من الصحابة والتابعين) ما نصه: فاعل أمر هو النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لحديث أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى، أى اتركوها موفورة وذكر النووى في همزة أعفوا وإسقاطها قولين. ومعني توفر تترك على حالها دون نقص لأنها وجه الإنسان وزينته. ويمنع حلقها وحلق الشيب منها ونتفه ويحرم عقدها وضفرها يعني للمثلة في ذلك ويستحب تسريحها لأنه جمال، وقيل لا يكره ولا يستحب، وقال مالك ولا بأس بالأخذ من طولها، قال الباجى يؤخذ منها ما زاد على القبضة، وعن مالك أنه كره حلق ما تحت الذقن من الشعر وقال هو من فعل المجوس وكره حلق الحاجب والقفا وقال لا أراه حراما ولم أقف على شيء بدائر اللحية وما يحصرها مما يلى الوجه لكنه من الجمال ويعارضه الأمر بالإعفاء فانظره اهـ ونحوه في شرح أبي الحسن للرسالة وحاشية العدوى عليه (وقال) في باب السواك من شرح مختصر المقنع للسادة الحنابلة ما نصه: ويعفي لحيته ويحرم حلقها ذكره الشيخ تقي الدين ولا يكره أخذ ما زاد على القبضة وما تحت حلقه ويحف شاربه وهو أولى من قصه اهـ. وقال العلامة الشيخ منصور بن إدريس الحنبلى في فضل الامتشاط وغيره من كتابه كشاف القناع على متن الإقناع ما نصه (وإعفاء اللحية) بأن لا يأخذ منها شيئا قال في المذهب ما لم يستهجن طولها (ويحرم حلقها) ذكره الشيخ تقي الدين (ولا يكره أخذ ما زاد على القبضة) ونصه لا بأس بأخذه (ولا أخذ ما تحت حلقه) لفعل ابن عمر لكن إنما فعله إذا حج أو اعتمر رواه البخارى (وأخذ) الإمام (أحمد من حاجبيه وعارضيه) نقله ابن هانئ اهـ ونحوه في شرح المنتهى للعلامة الشيخ منصور بن يونس. وقال العلامة الشيخ محمد السفاريني الحنبلى في كتاب غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب ما نصه -المعتمد في المذهب حرمة حلق اللحية قال في الإقناع ويحرم حلقها كذا في شرح المنتهى وغيره قال في الفروع ويحرم حلقها ذكره شيخنا اهـ وذكره في الإنصاف ولم يحك فيه خلافا (وفي الصحيحين) عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب زاد البخاري وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه اهـ (وقد) ذكرنا هذه النصوص ليتنبه من شرح الله صدره للعمل بالدين إلى أن أقوال الفقهاء الذين تصدّوا لاستنباط الأحكام صريحة في

فوائد الاستياك

التحريم كما هو مقتضى الأحاديث فيعمل على مقتضاها إذ الواجب على المكلف ولا سيما أهل العلم أن لا يخرجوا عن العمل بالأحكام الواردة على لسان الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بوحى من رب العالمين قال تعالى "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" ففى ذلك شرفهم وفضلهم، وقد تساهل في هذا الزمان كثير من المتعلمين فحلقوا لحاهم ووفروا شواربهم، وتشبه جماعة منهم ببعض الكافرين. فحلقوا أطراف الشارب ووفروا ما تحت الأنف واغترّ بهم كثير من الجاهلين، وأما المرأة إذا نبتت لها لحية فيطلب منها إزالنها. فهل اعتقد الذين يحلقون لحاهم أنهم نساء ففعلوا ما يطلب فعله من النساء فلا حول ولا قوّة إلا بالله العلى العظيم إنا لله وإنا إليه راجعون (قوله والسواك) وكان ذلك من الفطرة لأنه مطهرة للفم مرضاة للرب، قال العيني في شرحه ويستحب أن يكون من شجر مرّ لأنه يطيب النكهة ويشدّ الأسنان ويقوّى المعدة سواء أكان مبلولا أم رطبا صائما أم غير صائم قبل الزوال وبعده وعند تغير الفم يستحب بالإجماع ولا يسن في حق النساء لضعف أسنانهن اهـ وفيه أن الحديث لم يفرق في طلب السواك بين الرجال والنساء بل الفوائد المترتبة على الاستياك مطلوبة للنساء كالرجال بل هي في النساء أشدّ كما لا يخفى، وضعف أسنانهن لا يقتضى عدم طلبه في حقهن إذ تستاك المرأة بلطف وحالة تليق بها والرجل كذلك وقد تقدم في الحديث الذى قبل هذا أن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا استاكت بسواك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله والاستنشاق) هو إيصال الماء إلى خيشوم الإنسان فيما طلب الشارع فعله فيه كالوضوء وعند القيام من النوم وحصول أوساخ في الأنف ويأتي الكلام عليه في الوضوء إن شاء الله تعالى (قوله وقص الأظفار) أى تقليمها وإطلاق الحديث يقتضى القص مطلقا سواء البدء بالخنصر وغيره ولا توقيت فيه فمتى استحق القص فعل هذا هو المعوّل عليه، وقال النووى ويستحب أن يبدأ باليدين قبل الرجلين فيبدأ بمسبحة يده اليمنى ثم الوسطى ثم البنصر ثم الخنصر ثم الإبهام ثم يعود إلى اليسرى فيبدأ بخنصرها ثم ببنصرها الخ ثم يعود إلى الرجل اليمنى فيبدأ بخنصرها ويختم بخنصر اليسرى اهـ. وقال ابن دقيق العيد وما اشتهر من قصها على وجه مخصوص لا أصل له في الشريعة ولا يجوز اعتقاد استحبابه لأن الاستحباب حكم شرعي لا بد له من دليل وليس استسهال ذلك بصواب اهـ ملخصا (قوله وغسل البراجم) بفتح الموحدة وكسر الجيم جمع برجمة بضم الموحدة والجيم وهي العقد التى في ظهور الأصابع والمراد بها هنا عقد الأصابع ومفاصلها كلها وغسلها تنظيف المواضع التي يجتمع فيها الوسخ. ويلحق بذلك ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن والصماخ فيزيله بالمسح لأن الغسل ربما أضر بالسمع. وكذلك ما يجتمع في داخل الأنف وجميع الوسخ

نتف الإبط

المجتمع على أيّ موضع من البدن بالعرق والغبار ونحوهما، وغسل ما ذكر سنة مستقلة ليست مختصة بالوضوء (قوله ونتف الإبط) المشهور أنه بكسر الهمزة والموحدة وسكونها وهو يذكر ويؤنث والمستحب البداءة فيه باليمنى ويحصل أصل السنة بالحلق ولا سيما من يؤلمه النتف، قال العيني والأفضل فيه النتف لمن قوى عليه ويحصل أيضا بالحلق والنورة، وحكى عن يونس بن عبد الأعلى قال دخلت على الشافعى وعنده المزيّن يحلق إبطه فقال علمت أن السنة النتف ولكن لا أقوى على الوجع ويستحب أن يبدأ بالإبط اليمنى اهـ وقال الغزالى هو في الابتداء موجع ولكن يسهل على من اعتاده قال والحلق كاف لأن المقصود النظافة، وتعقب بأن الحكمة في نتفه أنه محل للرائحة الكريهة وإنما ينشأ ذلك من الوسخ الذي يجتمع بالعرق فيتلبد ويهيج فشرع فيه النتف الذى يضعفه فتخف الرائحة به بخلاف الحلق فإنه يقوى الشعر ويهيجه فتكثر الرائحة لذلك. وقال ابن دقيق العيد من نظر إلى اللفظ وقف مع النتف ومن نظر إلى المعنى أجازه بكل مزيل (قوله وحلق العانة) قال النووى المراد بالعانة الشعر الذى فوق ذكر الرجل وحواليه وكذلك الشعر الذى حوالي فرج المرأة. ونقل عن أبي العباس ابن سريج أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر فيحصل من مجموع هذا استحباب حلق جميع ما على القبل والدبر وما حولهما اهـ وقال ابن دقيق العيد كأن الذى ذهب إلى استحباب حلق ما حول الدبر ذكره بطريق القياس والأولى في إزالة الشعر ها هنا الحلق اتباعا اهـ والأفضل فيه الحلق ويجوز القص والنتف والنورة ولا يوقت بل يضبط بالحاجة فإذا طال حلق. وكذلك الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار أما حديث أنس الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا يترك أكثر من أربعين ليلة، فمعناه لا يترك تركا يتجاوز به أربعين لا أنه وقت لهم الترك أربعين، وقال في المرقاة قال ابن الملك لو أزال شعرها بغير الحلق لا يكون على وجه السنة، وفيه أن إزالته فد تكون بالنورة وقد ثبت أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم استعمل النورة على ما ذكره السيوطى في رسالته نعم لو أزالها بالمقص مثلا لا يكون آتيا بالسنة على وجه الكمال، ثم قال قال ابن حجر وحلق العانة ولو للمرأة كما اقتضاه الإطلاق بل حديث "تستحدّ المغيبة" ظاهر فيه لكن قيده كثيرون بالرجل وقالوا الأولى للمرأة النتف لأنه أنظف لنفرة الحليل من بقايا أثر الحلق ولأن شهوة المرأة أضعاف شهوة الرجل إذ جاء أن لها تسعا وتسعين جزءا منها وللرجل جزء واحد، والنتف يضعفها والحلق يقوّيها فأمر كل بما هو الأنسب به اهـ (قوله وانتقاص الماء) بالقاف والصاد المهملة وقد فسره المصنف، وقيل إنه بالفاء والضاد المعجمة أو الصاد المهملة وهو الانتضاح بالماء كما في رواية للمصنف. قال النووى أما انتقاص الماء فهو بالقاف والصاد المهملة وقد فسره وكيع في الكتاب

حكم الخصال التي في الحديث

(يعنى مسلما) بأنه الاستجاء. وقال أبو عبيدة وغيره معناه انتقاص البول باستعمال الماء في غسل المذاكير وقيل هو الانتضاح. وقد جاء في رواية الانتضاح بدل انتقاص بالماء قال الجمهور الانتضاح نضح الفرج بماء قليل بعد الوضوء لينفي عنه الوسواس وقيل هو الاستنجاء بالماء اهـ وذكر ابن الأثير أنه روى انتفاص الماء بالفاء والصاد المهملة وقال المشهور في الرواية بالقاف وقيل الصواب بالفاء والمراد نضحه على الذكر من قولهم لنضح الدم القليل نفصة وجمعها نفص اهـ وقال النووي هذا الذي نقله شاذ يعنى به ضبطه بالفاء والصواب ما سبق اهـ (أقول) والذى في كتب للغة أن الانتقاص بالقاف والانتفاص بالفاء بمعنى قال في القاموس الانتفاص بالفاء رشّ الماء من خلل الأصابع على الذكر والانتقاص الانتفاص اهـ وعليه فكلام النووي وابن الأثير في بيان أن الرواية بالقاف أو الفاء (قوله يعنى الاستنجاء بالماء) هذا التفسير من وكيع كما بينه قتيبة في رواية مسلم وعليه فالمراد بالماء في قوله وانتقاص الماء الماء المستنجى به فهو من إضافة المصدر لفاعله وكذا إذا فسر الانتقاص بالانتضاح، وعلى تفسير أبي عبيدة المتقدم المراد بالماء البول فيكون من إضافة المصدر لمفعوله (قوله ونسيت العاشرة) بالتخفيف والبناء للفاعل وفى نسخة بالتشديد والبناء للمفعول (قوله إلا أن تكون المضمضة) استثناء مفرغ ونسي مضمن معنى النفى أي لم أتذكر شيئا يتم الخصال عشرا إلا أن تكون المضمضة لأنها تذكر مع الاستنشاق غالبا يريد أنه يظن العاشرة هى المضمضة. وهذا شك من مصعب في العاشرة، وقال العيني يجوز أن تكون إلا زائدة ويكون قوله أن تكون المضمضة بدلا من العاشرة ويكون المعنى نسيت كون العاشرة مضمضة ويكون نبه به على أن الخصلة العاشرة هى المضمضة مع نسيانه إياها اهـ قال القاضي عياض لعلها الختان المذكور في رواية الخمس قال النووى وهو أولى اهـ ومراده بالخمس ما رواه البخاري عن أبي هريرة رواية خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وقص الأظفار وقص الشارب. (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية هذه الخصال المذكورة وقد علمت أن منها الواجب وغيره، قال النووى إن معظم هذه الخصال ليس بواجب عند العلماء وفي بعضها خلاف في وجوبه كالختان والمضمضة والاستنشاق ولا يمنع قرن الواجب بغيره كما قال الله تعالى "كلوا من ثمره إذا أثمر وآتو حقه يوم حصاده" فإن الإتيان واجب والأكل ليس بواجب اهـ ودلّ الحديث على أن هذه الخصال ليست خاصة بهذه الأمة، وبهذا تعلم أن السواك من سنن الدين العامة خلافا لمن قصره على الوضوء والصلاة فقط ويقويه ما روى عن أبي أيوب أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أربع من سنن المرسلين الحياء ويروى الختان والتعطر والسواك والنكاح رواه أحمد والترمذي وقال حسن غريب وما روى عن أبي هريرة أن النبي صلى

الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال الطهارات أربع قص الشارب وحلق العانة وتقليم الأظفار والسواك رواه البزار وكذا الطبراني من حديث أبي الدرداء فإن تلك الأحاديث ظاهرة في العموم فلا تصرف عنه إلا بدليل. (من روى الحديث أيضا) رواه أحمد ومسلم والدارقطني والبيهقي وابن ماجه والترمذى وقال هذا حديث حسن ورواه النسائي من طريقين آخرين (أحدهما) طريق المعتمر عن أبيه (يعني سلمان التيمى) قال سمعت طلقا الخ (ثانيهما) طريق قتيبة عن أبي عوانة عن أبي بشر (يعني جعفر بن إياس) ثم قال وحديث سليمان التيمى وجعفر بن إياس أشبه بالصواب من حديث مصعب بن شيبة ومصعب منكر الحديث اهـ وكذا رجح الدارقطني في العلل روايتهما فقال هما أثبت من مصعب بن شيبة وأصح حديثا، وقال ابن منده أخرجه مسلم ولم يخرجه البخارى وهو حديث معلول رواه سليمان التيمى عن طلق بن حبيب مرسلا. قال ابن دقيق العيد ولم يلتفت مسلم إلى هذا التعليل لأنه قدّم وصل الثقة عنده على الإرسال، وقد يقال في تقوية رواية مصعب إن تثبته في الفرق بين ما حفظه وبين ما شك فيه جهة مقوّية لعدم الغفلة، ومن لا يتهم بالكذب إذا ظهر منه ما يدلّ على التثبت قويت روايته وأيضا لروايته شاهد صحيح مرفوع في كثير من هذا العدد من حديث أبي هريرة أخرجه الشيخان. (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَدَاوُدُ بْنُ شَبِيبٍ، قَالَا: ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ دَاوُدُ: عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنَ الْفِطْرَةِ الْمَضْمَضَةَ، وَالِاسْتِنْشَاقَ»، فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ إِعْفَاءَ اللِّحْيَةِ، وَزَادَ «وَالْخِتَانَ»، قَالَ: «وَالِانْتِضَاحَ» وَلَمْ يَذْكُرِ انْتِقَاصَ الْمَاءِ - يَعْنِي الِاسْتِنْجَاءَ - (ش) (رجال الحديث) (قوله داود بن شبيب) الباهلى أبو سليمان البصرى. روى عن همام بن يحيى وحماد بن سلمة وإبراهيم بن عثمان وحبيب بن حبيب وجماعة، وعنه البخارى حديثا واحدا وأبو داود ومحمد بن أيوب وعبد القدوس بن بكر وغيرهم، قال أبو حاتم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وقال الدارقطني ما علمت عنه إلا خيرا. توفي سنة إحدى أو ثنتين أو ثلاث وعشرين ومائتين (قوله حماد) بن سلمة (قوله على بن زيد) بن جدعان بن عمرو بن زهير

القرشي التيمى البصرى أبو الحسن. روى عن أنس بن مالك وأبي عثمان النهدى وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وغيرهم، وعنه قتادة والثورى وابن عيينة وشعبة والحمادان وكثيرون. روى له مسلم مقرونا بثابت البناني وأبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه قال أحمد وأبو زرعة ليس بالقوى وقال ابن خزيمة سيئُ الحفظ وقال يعقوب بن شيبة ثقة. وقال الترمذى صدوق إلا أنه ربما رفع الشئ الذى يوقفه غيره وقال شعبة حدثنا على بن زيد قبل أن يختلط. توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة (قوله سلمة بن محمد بن عمار بن ياسر) روى عن جده عمار وقيل عن أبيه عن جده، وعنه على بن زيد قال البخارى لا نعرف أنه سمع من عمار. روى له أبو دارد وابن ماجه وقال ابن معين حديثه عن جده مرسل يعني أنه لم يسمع من جده وقال ابن حبان لا يحتج به (قوله قال موسى) بن إسماعيل أحد شيخى المؤلف (قوله عن أبيه) هو محمد ابن عمار بن ياسر العنسى. روى عن أبيه، وعنه ابناه سلمة وأبو عبيدة، ذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم سأله المختار أن يحدّث عن أبيه بحديث كذب فلم يفعل فقتله (قوله وقال داود عن عمار) أى قال داود بن شبيب في روايته عن سلمة بن محمد بن عمار عن عمار بن ياسر، وغرض المصنف بذلك بيان أن شيخيه لم يتفقا في شيخ سلمة. فموسى بن إسماعيل روى الحديث بسنده عن سلمة بن محمد بن عمار عن أبيه محمد أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم قال الخ وعليه فالحديث مرسل لأن محمد بن عمار لم تثبت له صحبة، وأما داود بن شبيب فرواه بسنده عن سلمة بن محمد بن عمار عن جده عمار أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال الخ وعليه فالحديث منقطع لأن سلمة لم ير جده عمارا (قوله عمار بن ياسر) بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين أبو اليقظان صحابي جليل شهد بدرا والمشاهد كلها وكان أحد السابقين الأولين هو وأبوه وأمه سمية وأخته كانوا يعذبون في الله تعالى فكان المشركون يأخذونهم فيقلبونهم في الرمضاء ظهرا لبطن فيمرّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهم يعذبون فيقول صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة وماتت أمه بذلك فكانت أول شهيد في الإسلام. ومات ياسر وابنته بعدها قال مسدد لم يكن من المهاجرين من أبواه مسلمان غير عمار بن ياسر وفي الإصابة عن عبد الله ابن مسعود أن أول من أظهر إسلامه سبعة فذكر منهم عمارا، وعنه قال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر رواه البخارى (ومناقبه) كثيرة. فعن على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال استأذن عمار على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال ائذنوا له مرحبا بالطيب المطيب رواه الترمذي وابن ماجه وعن هانئ بن هانئ قال دخل عمار على عليّ فقال مرحبا بالطيب المطيب سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول ملئَ عمار إيمانا إلى مشاشه رواه ابن ماجه ومثله عند النسائي. والمشاش جمع مشاشة وهي

رءوس العظام اللينة التى يمكن مضغها، وعن عكرمة قال لى ابن عباس وابنه على انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا من حديثه فانطلقنا فسمعناه يحدّث حتى أتى على ذكر بناء المسجد فقال كنا نحمل لبنة لبنة وعمار رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يحمل لبنتين لبنتين فرآه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فجعل ينفض التراب عنه ويقول ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار رواه البخارى ولم يذكر تقتله الفئة الباغية وأخرجها أبو يكر البرقاني والإسماعيلى، وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أبشر عمار تقتلك الفئة الباغية رواه الترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح غريب، وعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أيسرهما رواه الترمذى والحاكم وفي ابن ماجه إلا اختار الأرشد منهما وفي هذا الحديث إشارة إلى ما وقع له وقت تعذيبه فعن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس أكان المشركون يبلغون من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما يعذرون به في ترك دينهم قال نعم والله إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر على أن يستوى جالسا من الضرب حتى يقولوا له اللات والعزى إلهك من دون الله فيقول نعم وكذلك فعل معهم عمار حين غطوه في بئر ميمون وقالوا له اكفر بمحمد فأعطاهم ذلك فأخبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال كلا إن عمارا ملئَ إيمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه ثم أتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأخبره فقال كيف وجدت قلبك قال مطمئنا بالإيمان فجعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمسح دمعه وقال إن عادوا لك فعد لهم بما قلت. ونزل فيه وفي أمثاله قوله تعالى "من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان". روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اثنان وستون حديثا اتفق البخارى ومسلم على حديثين وانفرد البخارى بثلاثة ومسلم بحديث. روى عنه على بن أبي طالب وعبد الله ابن عباس وأبو موسى الأشعري وغيرهم من الصحابة قتل بصفين مع على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سنة سبع وثلاثين وهو ابن أربع وتسعين سنة. روى له الجماعة (قوله المضمضة) هى لغة تحريك الماء في الفم واصطلاحا استيعاب الماء جميع الفم ولو بلا إدارة ولا مج والأكمل مجه (قوله فذكر نحوه) أى ذكر عمار بن ياسر أو ابنه محمد نحو حديث عائشة ولفظه عند ابن ماجه من الفطرة المضمضة والاستنشاق والسواك وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط والاستحداد وغسل البراجم والانتضاح والاختتان، والتقليم من القلم وهو القطع. والاستحداد استعمال الحديدة وهى الموسى والمراد به حلق العانة (قوله ولم يذكر إعفاء اللحية الخ) أى لم يذكر الراوى في هذا الحديث إعفاء اللحية ولا انتقاص الماء وزاد فيه على

أقوال العلماء في حكم الختان ووقته

حديث عائشة الختان والانتضاح. والختان بكسر المعجمة وتخفيف المثناة من فوق مصدر ختن من باب ضرب أي قطع ويطلق على موضع الختان، وفي رواية والاختتان (واختلف) العلماء في حكمه فقال بوجوبه على الرجال والنساء الشافعى وجمهور أصحابه وعطاء وهو المشهور عن أحمد وقول لبعض المالكية. وعن أبي حنيفة أنه واجب وليس بفرض. ومشهور مذهبه أنه سنة من شعائر الإسلام فلو اجتمع أهل بلدة على تركه حاربهم الإمام فلا يترك إلا لعذر، والمشهور عند مالك أنه سنة في حق الذكور مندوب في حق الإناث محتجين بحديث شدّاد بن أوس مرفوعا الختان سنة للرجال مكرمة للنساء رواه أحمد والبيهقي وفي إسناده حجاج بن أرطاة ولا يحتج به وله شاهد رواه الطبراني من طريق سعيد بن بشر إلى ابن عباس وسعيد مختلف فيه. وأخرجه أبو الشيخ والبيهقي من طريق آخر عن ابن عباس. وضعفه البيهقي في السنن. وقال في المعرفة لا يصح رفعه ورواته موثقون إلا أن فيه تدليسا. وأخرجه البيهقي أيضا من حديث أبي أبوب. والحديث وإن تقوّى بكثرة طرقه وبالشاهد فهو أعم من مدعاهم لأن لفظ السنة في لسان الشارع أعم من السنة في اصطلاح الأصوليين. واحتج من قال بالوجوب بأدلة (منها) حديث ابن جريج قال أخبرت عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال قد أسلمت فقال له النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ألق عنك شعر الكفر، يقول احلق قال وأخبرني آخر معه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آنه وسلم قال لآخر معه ألق عنك شعر الكفر واختتن رواه أحمد والطبراني وغيرهم وسيأتي للمصنف. وسنده ضعيف لأن عثيما وأباه مجهولان وفيه انقطاع (ومنها) حديث أبي هريرة أن النيى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من أسلم فليختتن ولو كان كبيرا رواه حرب بن إسماعيل كما قال الحاكم في التلخيص ولم يضعفه وتعقب بقول ابن المنذر ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع (ومنها) حديث أم عطية وكانت خافضة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لها إشهى ولا تنهكى رواه الحاكم والطبراني وغيرهما من حديث الضحاك بن قيس. وقد اختلف فيه على عبد الملك بن عمير. فقيل عنه عن الضحاك وقيل عنه عن عطية القرظى كما في أبي نعيم. وقيل عنه عن أم عطية كما في أبي داود وأعله بأن في سنده محمد بن حسان وهو مجهول ضعيف، ورواه ابن عدى من حديث سالم بن عبد الله ابن عمر عن أبيه مرفوعا بلفظ يا نساء الأنصار اختضبن غمسا واختفضن ولا تنهكن وإياكنّ وكفران النعمة وفى إسناده خالد بن عمرو القرشى وهو ضعيف جدا أفاده الحافظ في الفتح والشوكاني وقال والحق أنه لم تقم دليل صحيح يدلّ على الوجوب والمتيقن السنة كما في حديث خمس من الفطرة، والواجب الوقوف على المتيقن إلى أن يقوم ما يفيد خلافه اهـ واحتجاج الخطابى على وجوب الختان بأنه من شعائر الدبن وبه يعرف المسلم من الكافر حتى لو وجد مختون بين

كيفية الختان

جماعة قتلى غير مختونين صلى عليه ودفن في مقابر المسلمين تعقبه أبو شامة بأن شعائر الدين ليست كلها واجبة وما ادّعاه في المقتول مردود لأن اليهود وكثيرا من النصارى يختنون فليقيد ما ذكر بالقرينة، وكذا استدلاله على الوجوب بأنه لو لم يجب الختان لما جاز كشف العورة من المختون تعقبه القاضى عياض بأن كشف العورة مباح لمصلحة الجسم والنظر إليها يباح للمداواة وليس ذلك واجبا إجماعا وإذا جاز في المصلحة الدنيوية كان في المصلحة الدينية أولى قاله الحافظ، وهناك أدلة أخرى على الوجوب قد ردّها الحافظ في الفتح، والمطلوب في الرجل أن تقطع جميع الجلدة التي تغطى الحشفة وفى المرأة تقطع الجلدة التي فوق محل الإيلاج وهي تشبه عرف الديك، ويستحب أن لا تؤخذ كلها لحديث الضحاك بن قيس مرفوعا يا أم عطية اخفضى ولا تنهكي فإنه أنضر للوجه وأحظى عند الزوج رواه الطبراني والحاكم، واختلف في وقت الختان فروى ابن حبيب عن مالك أنه من سبع سنين إلى عشر، وروى اللخمى أن وقته يوم يطيقه ونقل الباجى أنه وقت الإثغار (أي سقوط أسنان الصبي) وقال مالك يكره يوم الولادة واليوم السابع لأنه من فعل اليهود، فإن بلغ الشخص ولم يختن فإن أمكنه أن يختن نفسه فعل وإلا سقط وسقوطه عن الأنثى أولى حينئذ، وقالت الحنابلة يستحب من بعد السابع إلى التمييز أما قبل السابع فمكروه فإن بلغ وجب عليه ما لم يخف على نفسه، وقال أبو حنيفة لا علم لي بوقته ولم يرو عن صاحبيه فيه شئ ولذا اختلف في وقته عند الحنفية فقيل سبع سنين أو تسع أو عشر أو اثنتا عشرة أو حين البلوغ، والصحيح عند الشافعى أنه في حال الصغر جائز وفي وجه أنه يجب على الولى أن يختن الصغير قبل بلوغه وفي وجه يحرم ختانه قبل عشر سنين، وعلى الصحيح يستحب أن يختن يوم السابع من ولادته، وإذا ولد مختونا لا يختن إلا إذا كان شئ يوارى بعض الحشفة واختلفت الشافعية في اختتان الخنثى، فقيل يختن في فرجيه قبل البلوغ، وقيل لا يختن حتى يتبين وهو الأظهر، والحق عند المالكية أنه لا يختن حتى يتبين، وعند الحنفية تشترى له أمة تختنه ويكره أن يختنه رجل أو امرأة، وعند الحنابلة يختن في فرجيه عند البلوغ، والشيخ الكبير اذا أسلم ولم يطق الختان يترك وكذا إذا مات الشخص بلا ختان، وعن الشافعية ثلاثة أقوال الصحيح أنه لا يختن صغيرا كان أو كبيرا، وقيل يختن إذا كان صغيرا، وقيل بالعكس، ومن له ذكران فإن كانا عاملين وجب ختانهما وإن كان أحدهما عاملا دون الآخر يختن العامل، وفيما يعتبر العمل به وجهان أحدهما بالبول والآخر بالجماع أفاده النووى وغيره (قوله والانتضاح) هو رش الفرج بماء بعد الوضوء لدفع الوسواس، وقيل هو الاستنجاء بالماء (من روى الحديث أيضا) رواه ابن ماجه بلفظ تقدم وأحمد في مسنده والطحاوى بنحوه

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرُوِيَ نَحْوُهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: «خَمْسٌ كُلُّهَا فِي الرَّأْسِ»، وَذَكَرَ فِيهِ «الْفَرْقَ»، وَلَمْ يَذْكُرْ إِعْفَاءَ اللِّحْيَةِ (ش) هذا أثر وصله الطبرى في تفسيره من طريق عبد الرزاق بسند صحيح قال حدثنا الحسن ابن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات" قال ابتلاه الله بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد، في الرأس قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس وفي الجسد تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء (قوله وروى نحوه الخ) أى روى طاوس عن ابن عباس نحو الحديث السابق عن عائشة وذكر في حديثه فرق شعر الرأس بدل إعفاء اللحية المذكور في حديث عائشة. وهذا هو الغرض من ذكر هذا الأثر. وفي نسخة وذكر فيها أى في الخمس التي في الرأس. والفرق بفتح الفاء وسكون الراء من فرق الشعر إذا جعله نصفا عن يمينه ونصفا عن يساره فتظهر جبهته وجبينه من الناحيتين ولا يكون إلا مع كثرة الشعر وهو أولى من ترك الشعر مرسلا على هيئته المعروف بالسدل لأنه آخر ما كان عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم. (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرُوِيَ نَحْوُ حَدِيثِ حَمَّادٍ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَنْ بَكْرِ الْمُزَنِيِّ، قَوْلُهُمْ وَلَمْ يَذْكُرُوا إِعْفَاءَ اللِّحْيَةِ (ش) أشار بهذا إلى ثلاثة آثار عن طلق بن حبيب ومجاهد بن جبر وبكر بن عبد الله المزني ذكروا فيها الخصال العشرة بدون إعفاء اللحية. أما قول طلق فقد أخرجه النسائي في كتاب الزينة من طريقين بعد أن ذكر حديث عائشة السابق وليس في أحدهما إعفاء اللحية وذكره في الآخر قال أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا المعتمر عن أبيه (سليمان التيمى) قال سمعت طلقا يذكر عشرة من الفطرة السواك وقص الشارب وتقليم الأظافر وغسل البراجم وحلق العانة والاستنشاق وأنا شككت في المضمضة. أخبرنا قتيبة قال حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر (جعفر ابن إياس) عن طلق بن حبيب قال عشرة من السنة السواك وقص الشارب والمضمضة والاستنشاق وتوفير اللحية وقص الأظفار ونتف الإبط والختان وحلق العانة وغسل الدبر. وأما قول مجاهد وبكر المزني فلم نقف على من أخرجهما من أئمة الحديث (قوله وروى نحو حديث حماد الخ) أى روى سليمان التيمى عن طلق بن حبيب ومجاهد وبكر بن عبد الله من قولهم موقوفا عليهم

باب السواك لمن قام من الليل

ولم يذكروا إعفاء اللحية، فقولهم منصوب بنزع الخافض ويصح رفعه بدل من نحو (وبكر) ابن عبد الله بن عمرو أبو عبد الله البصرى. روى عن أنس وعروة بن المغيرة وابن عباس وابن عمر وغيرهم. وعنه قتادة وثابت وحميد وحبيب بن الشهيد وأبو الأشهب وجماعة. قال ابن سعد كان ثقة مأمونا حجة فقيها ووثقه أبو زرعة والنسائي وابن معين. مات سنة ثمان ومائة. روى له الجماعة. والمزني نسبة إلى مزينة قبيلة. (ص) وَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِيهِ: «وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ» وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، نَحْوُهُ وَذَكَرَ: «إِعْفَاءَ اللِّحْيَةِ، وَالْخِتَانَ» (ش) غرض المصنف بهذا بيان أن حديث عشر من الفطرة روى من طريق محمد بن عبد الله عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا وفيه إعفاء اللحية وروي عن إبراهيم النخعى موقوفا عليه وفيه إعفاء اللحية والختان. ولم نقف على هاتين الروايتين فيما لدينا من كتب الحديث وقوله في حديث محمد بن عبد الله خبر مقدم وقوله فيه تأكيد له وإعفاء اللحية مبتدأ مؤخر (ومحمد ابن عبد الله بن أبي مريم) الخزاعي مولى بني سليم قال أبو حاتم شيخ صالح وقال يحيى القطان لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات، روى عن سعيد بن المسيب وابن دارة مولى عثمان، وعنه مالك ويحيى بن سعيد وصفوان بن عيسى (والحاصل) أن المصنف أشار في هذا الباب إلى أن حديث خصال الفطرة روى من عدّة طرق مرفوعا وموقوفا (الأول) طريق طلق بن حبيب عن ابن الزبير عن عائشة مرفوعا (الثاني) طريق سلمة بن محمد بن عمار عن أبيه أو جده مرفوعا لكنه مرسل أو منقطع على ما تقدم (الثالث) طريق ان عباس موقوفا (الرابع) طريق طلق بن حبيب ومجاهد بن جبر وبكر بن عبد الله المزني موقوفا عليهم (الخامس) طريق أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا (السادس) طريق إبراهيم النخعى موقوفا. (باب السواك لمن قام من الليل) أى في بيان ما يدل على استحباب السواك لمن قام في الليل، ومن في قوله من الليل بمعنى في على حدّ قوله تعالى "إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة" وفي بعض النسخ باب السواك لمن قام بالليل (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَحُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ،

«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن كثير) العبدى أبو عبد الله البصري. روي عن أخيه سليمان وشعبة والثورى وإسراءيل بن يونس، وعنه أبو حاتم وأبو زرعة والبخاري والذهلي وغيرهم، ذكره ابن حبان في الثقات وقال كان تقيا فاضلا وقال أبو حاتم صدوق وقال ابن معين لم يكن بالثقة ووثقه أحمد بن حنبل، توفي سنة ثلاث وعشرين ومائتين (قوله سفيان) الثورى (قوله منصور) بن المعتمر (قوله وحصين) بن عبد الرحمن أبي الهذيل السلمى الكوفي. روى عن جابر بن سمرة وعمرو بن ميمون وعياض بن سلمة وعبد الرحمن بن أبي ليلى وغيرهم وعنه شعبة وأبو عوانة وهشيم والأعمش وجماعة. وثقه أحمد والعجلى وابن معين وأبو حاتم وقال صدوق ساء حفظه في آخر عمره وقال ابن أبي حاتم سألت أبا زرعة عنه فقال ثقة قلت يحتج بحديثه قال إى والله. مات ستة ست وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (قوله عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (قوله إذا قام من الليل) ظاهره يقتضى تعليق الحكم بمجرد القيام فيكون عاما في كل حالة سواء أكان القيام للصلاة أم غيرها ويؤيده أن الغرض من السواك النظافة وهى مطلوبة في كل حال ولا ينافيه ما في بعض الروايات إذا قام يتهجد لأنه من باب الحكم على بعض أفراد العام وهو لا يخصصه، أو يقال إن التقييد بما ذكر جرى على الغالب من أحواله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أنه كان إذا قام من الليل يتهجد ومثل القيام من الليل القيام من النوم نهارا لما يأتي عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان لا يرقد من ليل ولا نهار فيستيقظ إلا يتسوّك قبل أن يتوضأ (قوله يشوص فاه) بفتح المثناة التحتية وضم الشين المعجمة وبالصاد المهملة من الشوص وهو دلك الأسنان بالسواك وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعل ذلك تعليما للأمة ولإزالة الرائحة الكريهة المتصاعدة إلى فم النائم من أبخرة المعدة. (فقه الحديث) دلّ الحديث على استحباب الاستياك عند القيام من النوم للتنظف. (من روى الحديث أيضا) رواه البخارى ومسلم والنسائي والبيهقي وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، أَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ يُوضَعُ لَهُ وَضُوءُهُ وَسِوَاكُهُ، فَإِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ تَخَلَّى ثُمَّ اسْتَاكَ»

(ش) (رجال الحديث) (قوله بهز بن حكيم) بن معاوية بن حيدة القشيري أبو عبد الملك البصرى، روي عن أبيه وزرارة بن أوفى وهشام بن عروة، وعنه الثوري وابن علية وعبد الله ابن عون وحماد بن سلمة وغيرهم، وثقه ابن معين وابن المديني والنسائي وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به وقال الحاكم كان من الثقات ممن يجمع حديثه وإنما أسقط من الصحيح روايته عن ابيه عن جدّه لأنها شاذة لا متابع له عليها وقال ابن عدى قد روى عنه ثقات الناس كالزهرى ولم أر له حديثا منكرا وإذا حدّث عنه ثقة فلا بأس به وقال أبو داود هو عندى حجة وقال ابن حبان كان يخطئُ كثيرا وتركه جماعة من أئمتنا واحتج به أحمد وإسحاق روى له الأربعة (قوله زرارة بن أوفى) العامري أبو حاجب البصرى. روى عن ابن عباس وأبي هريرة وعمران بن حصين وأنس بن مالك وغيرهم. وعنه أيوب السختياني وقتادة وبهز بن حكيم وجماعة، وثقه النسائي والعجلى وابن سعد وذكره ابن حيان في الثقات. مات سنة ثلاث وتسعين، روى له الجماعة (قوله سعد بن هشام) بن عامر الأنصارى المدني ابن عم أنس بن مالك. روى عن أبيه وأنس بن مالك وعائشة وأبي هريرة وغيرهم. وعنه زرارة بن أوفي والحسن البصرى وحميد بن عبد الرحمن الحميرى وآخرون. وثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات وذكر البخارى أنه قتل في أرض مكران غازيا، روي له الجماعة إلا البخاري، ومكران بضم الميم بلدة بالهند (قوله وضوءه) بفتح الواو أي الماء الذى يتوضأ به (قوله ثم تخلى ثم استاك) أى قضى حاجته من بول أو غائط، ثم استاك، وهذا لا ينافي ما تقدم من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى، آله وسلم كان يستاك عقب القيام من النوم لأنه لا مانع من أن يستاك بعد القيام من النوم وبعد قضاء الحاجة وقبل الوضوء. (فقه الحديث) دلّ الحديث على استحباب الاستياك والوضوء بالليل والاستعداد لذلك قبل النوم، وعلى جواز الاستعانة على ذلك بالغير. (من روي الحديث أيضا) رواه أحمد والبيهقي وسنده حسن كما في المرقاة قال الحافظ في التلخيص ورواه ابن ماجه والطبراني من وجه آخر عن ابن أبي مليكة عن عائشة وصححه الحاكم وابن السكن وابن منده قال المنذرى وفي إسناده بهز بن حكيم وفيه مقال (أقول) قد علمت أنه حجة عند المؤلف وأنه إذا روى عنه الثقة فحديثه يحتج به وهنا قد روى عنه الثقه حماد بن سلمة. (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، ثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أُمِّ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَرْقُدُ مِنْ لَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ، فَيَسْتَيْقِظُ إِلَّا تَسَوَّكَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله همام) بن يحيى (قوله أم محمد) اسمها آمنة أو أمينة

قراءته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العشر آيات من آخر سورة آل عمران عند القيام من النوم

بنت عبد الله امرأة زيد بن جدعان. روت عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا، وروى عنها ربيبها على بن زيد. روى لها أبو داود رالترمذى وابن ماجه (قوله لا يرقد) بضم القاف أى لا ينام يقال رقد رقدا ورقودا ورقادا نام ليلا كان أو نهارا، وبعضهم يخصه بنوم الليل، والأول هو الحق (قوله من ليل) أي في ليل أو بعض ليل فمن بمعنى في أو تبعيضية (قوله فيستيقظ) بالرفع عطف على قوله يرقد ويكون النفى منصبا عليهما، وقيل بالنصب على أنه جواب للنفى لأن الاستيقاظ مسبب عن النوم، والمعنى لا يوجد منه نوم في ليل أو نهار واستيقاظ أو لا يوجد منه نوم يتسبب عنه الاستيقاظ إلا يوجد منه التسوّك قبل أن يتوضأ. (فقه الحديث) دلّ الحديث على تأكد الاستياك ليلا ونهارا عند القيام من النوم قبل الوضوء، وعلى أن ذلك كان دأب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وعلى أن السواك سنة مؤكدة لمواظبته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليه ليلا ونهارا. (من روي الحديث أيضا) رواه البيهقي من طريق المصنف ورواه أبو نعيم من حديث هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يرقد فإذا استيقظ تسوّك ثم توضأ. قال المنذرى في إسناده على بن زيد بن جدعان ولا يحتج به اهـ. (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا هُشَيْمٌ، أَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنَامِهِ، أَتَى طَهُورَهُ فَأَخَذَ سِوَاكَهُ فَاسْتَاكَ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَاتِ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} حَتَّى قَارَبَ أَنْ يَخْتِمَ السُّورَةَ - أَوْ خَتَمَهَا - ثُمَّ تَوَضَّأَ فَأَتَى مُصَلَّاهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى فِرَاشِهِ فَنَامَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى فِرَاشِهِ فَنَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى فِرَاشِهِ فَنَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَفَعَلَ مِثْل ذَلِكَ كُلُّ ذَلِكَ، يَسْتَاكُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ. (ش) (رجال الحديث) (قوله هشيم) بالضغير ابن بشير بن القاسم بن دينار أبو معاوية السلمى الواسطي. روى عن عبد الله بن عون والزهرى والأعمش وعمرو بن دينار

وغيرهم، وعنه أحمد وابن معين ومالك بن أنس والثورى وطائفة، وثقه أبو حاتم وقال هو أحفظ من أبي عوانة وقال العجلى ثقة يدلس وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان مدلسا وقال ابن سعد ثقة كثير الحديث ثبت يدلس كثيرا فما صرّح فيه بالتحديث فهو حجة وإلا فلا وقال مالك ليس بالعراق أحد يحسن الحديث إلا ذا الواسطي يعني هشيما وقال حماد بن زيد ما رأيت في المحدّثين أنبل من هشيم وقال عبد الرحمن بن مهدي كان هشيم أحفظ للحديث من سفيان الثورى وقال يحيى بن أبي يحيى ما رأيت في الشيوخ أحفظ من هشيم، توفي ببغداد في شعبان سنة ثلاث وثمانين ومائة وهو ابن تسع وسبعين سنة. روى له الجماعة (قوله حصين) بن عبد الرحمن (قوله حبيب بن أبي ثابت) بن قيس بن دينار أبو يحيى الأسدي مولى بني أسد الكوفي روى عن زيد بن أرقم وابن عباس. وابن عمر وطاوس وغيرهم من الصحابة والتابعين، وعنه عطاء، بن أبي رباح والأعمش وحصين بن عبد الرحمن والثورى وطائفة، وثقه النسائي وأبو حاتم وأبو زرعة وذكره ابن حبان في الثقات وقال هو وابن خزيمة كان مدلسا، وقال العقيلى له أحاديث عن عطاء لا يتابع عليها وقال الأزدي ثقة صدوق وقال ابن عدى وابن معين ثقة حجة وقال العجلى كان ثقة ثبتا في الحديث. توفي سنة ثنتين وعشرين ومائة. روى له الجماعة (قوله محمد بن على الخ) أبو عبد الله الهاشمى المدني. روي عن أبيه وعمر بن عبد العزيز وابن الحنفية وسعيد بن جبير وغيرهم، وعنه ابناه السفاح وأبو جعفر المنصور والحسن البصرى وهشام بن عروة وعبد الله بن سليمان النوفلى وكثيرون، ذكره ابن حبان في ثقات التابعين وقال مصعب كان ثقة ثبتا مشهورا توفي في خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك سنة خمس وعشرين ومائة وهو بن ستين سنة، روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه (قوله عن أبيه) هو على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أبو محمد أو أبو الفضل القرشى، روى عن أبيه وأبي هريرة وابن عمر وأبي سعيد الخدرى وجماعة، وعنه بنوه محمد وعيسى وداود وسليمان ومنصور بن المعتمر والزهرى وغيرهم، قال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث وقال العجلى وأبو زرعة ثقة وذكره ابن حبان في الثقات، ولد ليلة قتل على بن أبي طالب في شهر رمضان سنة أربعين فسمى باسمه، وتوفي بالشام سنة سبع عشرة أو ثماني عشرة ومائة، روى له الجماعة (قوله بت ليلة عند النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) وفي رواية الشيخين بت ليلة عند خالتي ميمونة، وإنما فعل ذلك ليعرف كيف كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقوم الليل (قوله أتي طهوره) بفتح الطاء المهملة الماء الذى يتطهر به (قوله إن في خلق السموات والأرض) أى في إيجادهما وإنشائهما على ما هما عليه من العجائب والبدائع أو في الخلق الكائن فيهما، فالخلق على الأول مصدر باق على مصدريته وعلى الثاني بمعنى المخلوق، وأتى بإن تأكيدا لتحقيق مضمون الجملة

الترغيب في التفكر في خلق المساوات والأرض واختلاف الليل والنهار

وجمع السماوات وأفرد الأرض للانتفاع بجميع أجزاء الأولى باعتبار ما فيها من نور الكواكب وغيره دون الثانية فإنه إنما ينتفع بواحدة منها وهي ما نشاهده منها أو لأن كل طبقة من طبقات السماوات ممتازة عن الأخرى بذاتها كما يدل عليه قوله تعالى "فسواهن سبع سموات" سواء أكانت متماسة كما هو رأى الحكماء أم لا كما جاء في الآثار من أن بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام وأيضا فإن طبقاتها مختلفة الحقيقة بخلاف الأرض فإن طبقاتها ليست مختلفة الحقيقة اتفاقا سواء أكانت متصلة كما هو رأي الحكماء أم منفصلة كما جاء في الآثار من أن ما بين كل أرضين كما بين كل سماءين. وقدّم السموات لما قيل إنها أشرف من الأرض لكونها مسكن المطهرين لا غير (قوله واختلاف الليل والنهار) أي تعاقبهما وكون كل منهما خلفا للآخر أو اختلاف كل منهما في أنفسهما ظلمة ونورا ونحو ذلك، وقدم الليل لسبقه في الخلق على الصحيح ولا ينافيه قوله تعالى "ولا الليل سابق النهار" لأن المعنى ليس الليل يسبق النهار يحيث يأتي قبل انقضاء النهار فلا يأتي في أثنائه (قوله لآيات) أى علامات ودلائل على وحدانية الله تعالى وكمال علمه وعظيم قدرته. والتنوين فيه للتفخيم كما وكيفا أي آيات كثيرة عظيمة وجمع القلة هنا قائم مقام جمع الكثرة (قوله لأولى الألباب) أي لذوي العقول الكاملة فالألباب جمع لبّ وهو العقل، ووجه دلالة المذكورات على وحدانية الله تعالى أنها تدلّ على وجود الصانع لتغيرها المستلزم لحدوثها واستنادها لمؤثر قديم. ووجه دلالتها على كمال علمه وعظيم قدرته أنها في غاية الإتقان ونهاية الإحكام لمن تأمل فيها وتفكر في ظاهرها وباطنها وذلك يستدعي كمال العلم والقدرة، والاقتصار على هذه الثلاثة لأنها أمهات الدلائل إذ الآيات مع كثرتها منحصرة في السماوية والأرضية والمركبة منهما، وقد ورد عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما يحمل العاقل على التفكر في هذه الآية والجدّ في الطاعة فقد أخرج ابن حبان في صحيحه وابن عساكر وغيرهما عن عطاء قال قلت لعائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا أخبريني بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالت وأيّ شأنه لم يكن عجبا إنه أتاني ليلة فدخل معى في لحافي ثم قال ذريني أتعبد لربي فقام فتوضأ ثم قام يصلى فبكى حتى سالت دموعه على صدره ثم ركع فبكى ثم سجد فكى ثم رفع رأسه فبكى فلم يزل كذلك حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة فقلت يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله تعالى لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال أفلأ أكون عبدا شكورا ولم لا أفعل وقد أنزل الله تعالى على في هذه الليلة "إن في خلق السموات والأرض" إلى قوله "سبحانك فقنا عذاب النار" ثم قال ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها (قوله أو ختمها) الشك من هشيم لما في رواية ابن فضيل عن حصين الآتية حتى ختم السورة بدون شك. والحكمة في تلاوة هذه الآيات ما فيها من اللطائف العظيمة والمعارف الجسيمة لمن

تأمل في مبانيها وتبين له بعض معانيها (قوله فأتى مصلاه) بضم الميم أى الموضع الذى كان يصلى فيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ببيته (قوله كل ذلك يستاك ويصلى ركعتين) تفسير لقوله مثل ذلك فجموع صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ست ركعات كما صرّح به في الحديث الآتي في باب صلاة الليل (قوله ثم أوتر) أى صلى الوتر ثلاثا لما سيأتي في هذا الحديث من رواية ابن فضيل في صلاة الليل وفيه ثم أوتر بثلاث ركعات (فقه الحديث) دلّ الحديث على استحباب تهيئة الطهور في كل وقت والتأهب لأسباب العبادة قبل وقتها والاهتمام بها. وعلى استحباب الاستياك عند القيام من النوم. وعلى استحباب قراءة هذه الآيات "إن في خلق السموات" إلى آخر سورة آل عمران عقب القيام من النوم. وعلى جواز قراءة القرآن للمحدث حدثا أصغر وعليه الإجماع. قال ابن بطال فيه ردّ على من كره قراءة القرآن على غير طهارة إذا كان غير جنب لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قرأ هذه الآيات بعد قيامه من النوم قبل أن يتوضأ. وتعقبه ابن المنير وغيره بأن ذلك مفرع على أن النوم ينقض وضوءه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وليس كذلك لأنه قال تنام عيناى ولا ينام قلبي. وأما كونه توضأ عقب ذلك فلعله جدد الوضوء أو أحدث بعد ذلك فتوضأ. وعلى استحباب صلاة الليل. وعلى استحباب تأخير الوتر إلى آخر الليل لمن عنده عزم على التهجد. وعلى جواز نوم الرجل مع أهله بحضرة بعض محارمها وإن كان مميزا، وعلى تواضعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وما كان عليه من مكارم الأخلاق، وعلى جواز المبيت عند العالم لمراقبة أفعاله فيقتدى به. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم مطولا والنسائي مختصرا وسيأتي للمصنف في باب صلاة الليل بأتم منه. (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، قَالَ: فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ، وَهُوَ يَقُولُ: «{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ}» حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ (ش) هذا تعليق أشار المصنف بذكره إلى بعض الاختلاف الواقع في روايتي هشيم ومحمد ابن فضيل عن حصين، فهشيم قال في روايته فاستاك ثم تلا هذه الآيات حتى قارب أن يختم السورة أو ختمها بالشك، وابن فضيل قال في روايته فتسوّك وتوضأ وهو يقول "إن في خلق السموات والأرض" حتي ختم السورة بلا شك، وقد وصل المصنف هاتين الروايتين في باب صلاة الليل وبين بعض الاختلاف الواقع فيهما وهو اختلاف لفظي لا يضرّ لجواز الرواية بالمعنى عند المحدّثين، وأخرّج مسلم في التهجد رواية ابن فضيل قال حدثنا واصل بن عبد الأعلى ثنا محمد بن

فضيل عن حصين بن عبد الرحمن عن حبيب بن أبي ثابت عن محمد بن على بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن عبد الله بن عباس أنه رقد عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فاستيقظ فتسوك وتوضأ وهو يقول "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" فقرأ هؤلاء الآيات حتى ختم السورة ثم قام فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام والركوع والسجود ثم انصرف فنام حتى نفخ ثم فعل ذلك ثلاث مرات بست ركعات كل ذلك يستاك ويتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات ثم أوتر بثلاث فأذن المؤذن فخرج إلى الصلاة وهو يقول اللهم اجعل في قلبي نورا وفي لساني نورا واجعل في سمعى نورا واجعل في بصري نورا واجعل من خلفي نورا ومن أمامى نورا واجعل من فوفي نورا ومن تحتي نورا اللهم أعطني نورا (وابن فضيل) هو محمد بن فضيل بن غزوان بن جرير أبو عبد الرحمن. روى عن المغيرة والأعمش وعمارة بن القعقاع والمختار بن فلفل وغيرهم، وعنه أحمد والثوري وإسحاق بن راهوبه وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة وآخرون. قال النسائي ليس به بأس وقال أحمد كان يتشيع وكان حسن الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان يغلو في التشيع وقال ابن سعد كان ثقة صدوقا كثير الحديث متشيعا وبعضهم لا يحتج به وقال العجلى ثقة شيعى وقال ابن المديني كان ثقة ثبتا في الحديث وقال ابن معين ثقة وقال أبو زرعة صدوق. توفى سنة أربع أو خمس وتسعين ومائة. روي له الجماعة (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، ثنَا عِيسَى ثَنَا مِسْعَرٍ، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ: لِعَائِشَةَ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ: «بِالسِّوَاكِ» (ش) مناسبة الحديث للترجمة من حيث إن دخوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم البيت يعم الليل والنهار فإذا كان كلما دخل البيت بدأ بالسواك لزم منه أن يستاك ليلا عند دخول البيت وأنه إذا قام ليلا وخرج ثم دخل يستاك. يدل على ذلك ما في رواية مسلم من طريق أبي المتوكل عن ابن عباس أنه بات عند نبى الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة فقام نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من آخر الليل فخرج فنظر إلى السماء ثم تلا هذه الآية "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار" حتى بلغ فقنا عذاب النار ثم رجع إلى البيت فتسوك وتوضأ الخ. وحديث المصنف من رواية أبي بكر بن داسة كما ذكره الحافظ المزّى في تحفة الأشراف لا من رواية اللؤلؤى فذكره في بعض النسخ المروية عن اللؤلؤى خطأ

الحكمة في بدئه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالسواك عند دخول البيت

من النساخ ولذا لم يوجد في مختصر المنذرى ولا في معالم السنن للخطابي، وقد اختلفت فيه النسخ ففي بعضها ذكر هنا وفى بعضها ذكر في باب الرجل يستاك بسواك غيره ولا يخفى أنه لا يطابق هذه الترجمة، وفي بعضها ذكر تحت ترجمة باب مطلق، ولعل الأصل باب السواك في كل حين كما عند النسائي أو السواك عند دخول البيت. (رجال الحديث) (قوله عيسى) بن يونس (قوله مسعر) بكسر الميم وفتح العين المهملة ابن كدام بكسر الكاف ابن ظهير بن عبيدة أبو سلمة الكوفي أحد الأئمة الأعلام. روى عن عطاء ابن أبي رباح وقتادة وسماك بن حرب والأعمش وغيرهم، وعنه شعبة ويحيى القطان وسفيان الثوري ووكيع وآخرون، وثقه أحمد وأبو زرعة وابن معين وقال يحيى القطان ما رأيت مثله كان من أثبت الناس وقال العجلى ثقة ثبت في الحديث وقال ابن عمارة حجة وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان مرجئا ثبتا في الحديث وقال أبو نعيم كان مسعر شكاكا في حديثه ولم يخطئْ إلا في حديث واحد وقال الأعمش شيطان مسعر يستضعفه فيشككه في الحديث وقال وكيع شك مسعر كيقين غيره، مات سنة خمس وخمسين ومائة، روى له الجماعة (قوله المقدام بن شريح) بكسر الميم ابن هانئ الحارثي الكوفي، روى عن أبيه وقمير امرأة مسروق، وعنه ابنه يزيد والأعمش، والثورى وشعبة وغيرهم، ذكره ابن حبان في الثقات ووثقه أحمد بن حنبل والنسائي وأبو حاتم وقال صالح الحديث، روى له الجماعة إلا البخارى (قوله عن أبيه) هو شريح بالتصغير ابن هانئ بن يزيد بن نهيك بن كعب الحارثي أبو المقدام من أهل اليمن نزيل الكوفة من كبار أصحاب على أدرك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يره روى عن أبي هريرة وعمر وعلى ابن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وعائشة وكثيرين، وعنه ابناه محمد والمقدام والشعبي والحكم ابن عتيبة وغيرهم، وثقه ابن معين وأحمد والنسائي وقال ابن خراش صدوق وذكره ابن حبان في الثقات، قتل بسجستان مع عبيد الله بن أبي بكرة سنة ثمان وسبعين، وعاش عشرين ومائة سنة روى له الجماعة إلا البخاري (قوله بأىّ شيء الخ) أى بأىّ فعل من الأفعال وأىّ، استفهامية (قوله بالسوك) أي يبدأ بالاستياك، والحكمة في ذلك المبالغة في النظافة ولأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يبدأ بصلاة النافلة عند دخول البيت وقلما كان يتنفل في المسجد وتعليما للأمة ولحسن معاشرة الأهل لأنه ربما تغيرت رائحة الفم عند محادثة الناس أو طول سكوت فيتأكد على من دخل منزله أن يبدأ بالسواك لذلك. (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية الاستياك عند دخول المنزل، وعلى أنه لا يختص بالوضوء والصلاة لأن دخول البيت لا يختص بوقت دون وقت ولذا ترجم له النسائى بقوله السواك في كل حين.

باب فرض الوضوء

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائي ومسلم وابن ماجه وابن حبان (باب فرض الوضوء) أى في ذكر ما يدل على فرضية الوضوء، والفرض لغة التقدير والقطع، وشرعا ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه، ويقال ما ثبت لزومه بدليل قطعى، والوضوء بضم الواو اسم للفعل وبالفتح اسم للماء الذى يتوضأ به على المشهور فيهما، وحكى في كل منهما الأمران. وهو لغة مأخوذ من الوضاءة وهي الحسن والنظافة، وشرعا غسل ومسح أعضاء مخصوصة على وجه مخصوص وسمى هذا الفعل وضوءا لأنه ينظف المتوضئ ويحسنه. ويطلق أيضا على غسل اليدين فقط ومنه حديث بركة الطعام الوضوء قبله وبعده رواه الترمذي عن سلمان وسيأتي للمصنف في باب غسل اليدين عند الطعام من كتاب الأطعمة وضعفه، وقدّم على الغسل وغيره لكثرة وقوعه ولتقدّمه في قوله تعالى "إذا قمتم إلى الصلاة" الآية. (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ، وَلَا صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ» (ش) (رجال الحديث) (قوله شعبة) بن الحجاج (قوله عن أبي المليح) بفتح الميم وكسر اللام عامر بن أسامة بن عمير وقيل زيد بن عامر بن عمير بن حنيف بن ناجية الهذلي روى عن عائشة وابن عباس وابن عمرو وأنس وجابر بن عبد الله وغيرهم، وعنه أبو قلابة وخالد الحذاء وسالم بن أبي الجعد وأيوب السختياني وكثيرون، قال أبو زرعة ثقة، قيل توفي سنة اثنتي عشرة ومائة، روى له الجماعة (قوله عن أبيه) هو أسامة بن عمير بن عامر الهذلي البصرى قال البخارى له صحبة. روى حديثه أصحاب السنن وأحمد وأبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم في صحاحهم قال خليفة نزل البصرة ولم يرو عنه إلا ولده كذا في الإصابة وفي الخلاصة صحابي له سبعة أحاديث (قوله لا يقبل الله الخ) يعني لا يثيب عليها بل يعاقب فاعل ذلك لتصرّفه في ملك الغير بدون وجه شرعي، والصدقة العطية التي يريد بها صاحبها الثواب من الله تعالى وهي نكرة في سياق النفي فتعم الفرض والنفل، والغرض منها طهارة النفس من رذيلة البخل والقسوة وعود البركة على المال قال الله تعالى "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" والغلول بضم الغين المعجمة مصدر غل يغل من باب قعد السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة، ويطلق أيضا على أخذ مال الغير خفيه مطلقا من غنيمة أو غيرها، والمراد به هنا مطلق المال الحرام أخذ خفية أم لا، وسمى غلولا لأن الأيدى يجعل فيها الغلّ بسببه، والغلّ الحديدة التي تجمع يد

توقف صحة الصلاة على الطهارة

الأسير إلى عنقه (والحاصل) أن كل مال يأخذه الشخص من غير حلّ ثم يتصدق به لا يقبل منه وكذلك إن نوى التصدق عن صاحبه ولا تسقط عنه تبعته اللهم إلا إذا رضى صاحبه وجعله في حلّ من ذلك، ويدخل فيه صدقة المرأة من مال زوجها بغير رضاه وصدقة العبد من مال سيده بغير إذنه وصدقة الوكيل من مال موكله، والشريك من مال شريكه والوصى الذى وكل إليه التصدق بمال فأنفقه على نفسه أو أخرجه في غير مصرفه ونظار الأوقاف الذين يتناولون من ريعها من غير استحقاق ثم يتصدقون بها أو يصرفون ريعها في غير مصرفه ومن هذا قالوا إن من أخذ مال غيره بلا وجه شرعي لزمه ردّه لصاحبه إن كان حيا وإلا ردّه على ورثته فإن لم يكن له ورثة يتصدّق به عنه ويرجى له الخلاص بوم القيامة وكذا إذا لم يدر صاحبه أو استولى عليه بعقد فاسد ولم يتمكن من فسخه فإنه يتصدق به على الفقراء تخلصا من الحرام لا طمعا في الثواب. وهذا لا ينافي الحديث ولا قوله تعالى "ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون" لأنهما يدلان على حرمة التصدق بالمال الحرام طمعا في الأجر والثواب (قوله ولا صلاة بغير طهور) أى ولا يقبل الله تعالى صلاة بغير طهور، وصلاة نكرة في سياق النفي تعمّ الفرض والنفل، والطهور بضم الطاء المهملة المراد به الفعل وهو التطهر على قول الأكثرين وقيل يجوز فتحها، وهو بعمومه يتناول التطهر بالماء والتراب، وقال ابن الأثير الطهور بالضم التطهر وبالفتح الماء الذى يتطهر به، وقال سيبويه الطهور بالفتح يقع على الماء والمصدر معا فعلى هذا يجوز أن يكون الحديث بفتح الطاء وضمها والمراد التطهر اهـ وهذا إن لم تعلم الرواية وإلا اتبعت، وضبطه ابن سيد الناس بضم الطاء لا غير، والحديث نص على فرضية الطهارة للصلاة لأنه تعالى إذا لم يقبل الصلاة إلا بالطهارة تكون صحتها موقوفة على وجود الطهارة فتكون شرطا والمشروط لا يوجد بدون شرطه، وقال النووى في شرح مسلم هذا الحديث نص في وجوب الطهارة للصلاة وقد أجمعت الأمة على أن الطهارة شرط في صحة الصلاة اهـ، وقال القاضى عياض واختلفوا متي فرضت الطهارة للصلاة، فذهب ابن الجهم إلى أن الوضوء في أول الإسلام كان سنة ثم نزل فرضه في آية التيمم، وقال الجمهور بل كان قبل ذلك فرضا، واختلفوا في أن الوضوء فرض على كل قائم إلى الصلاة أم على المحدث خاصة، فذهب بعض السلف إلى أن الوضوء لكل صلاة فرض بدليل قوله تعالى "إذا قمتم إلى الصلاة" الآية وذهب الجمهور إلى أن ذلك قد كان ثم نسخ، وقيل الأمر به لكل صلاة على الندب، وقيل لم يشرع إلا لمن أحدث ولكن تجديده لكل صلاة مستحب وعلى هذا أجمع أهل الفتوى ولم يبق بينهم فيه خلاف بعد ذلك ومعنى الآية عندهم إذا قمتم محدثين ويدلّ على هذا التأويل ما أخرجه أحمد وأبو داود عن عبد الله ابن حنظلة الأنصارى أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

سبب وجوب الطهارة

أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر فلما شق عليه وضع عنه الوضوء إلا من حدث. ولمسلم من حديث بريدة كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ عند كل صلاة فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد فقال له عمر إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله فقال عمدا فعلته "وفعله لبيان الجواز" واستدل الدارمى في مسنده على ذلك بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا وضوء إلا من حدث، والمعوّل عليه أن سبب وجوب الطهارة إرادة المحدث ما لا يحل إلا بها كالصلاة وسجدة التلاوة، وتقدم بعض ذلك في باب السواك، قال العيني "فإن قلت" ما سبب وجوب الطهارة "قلت" إرادة الصلاة بشرط الحدث لقوله تعالى "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم" الآية أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون فاغسلوا. لا القيام مطلقا كما هو مذهب أهل الظاهر ولا الحدث مطلقا كما هو مذهب أهل الطرد وفسادهما ظاهر اهـ وقال النووي اختلف أصحابنا في الموجب للوضوء على ثلاثة أوجه (أحدها) أنه يجب بالحدث وجوبا موسعا (والثاني) لا يجب إلا عند القيام إلى الصلاة (والثالث) يجب بالأمرين وهو الراجح اهـ. والحكمة في جمعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين الصدقة والصلاة في هذا الحديث أن العبادة نوعان مالى وبدني فاختار من المالية الصدقة لكثرة نفعها وعموم خيرها ومن البدنية الصلاة لكونها تالية الإيمان في الكتاب والسنة ولكونها عماد الدين والفارقة بين الإسلام والكفر ولكون كل منهما محتاجا إلى الطهارة. أما الصدقة فلاحتياجها إلى طهارة المال وأما الصلاة فلاحتياجها إلى طهارة البدن من الحدث (فقه الحديث) دل الحديث على أن الصدقة من المال الحرام غير مقبولة ولا ثواب فيها وعلى أن الصلاة بغير طهارة لا تصح لا فرق في ذلك بين صلاة الجنازة وغيرها خلاقا لما حكى عن الشعبي والطبري من أنهما أجازا صلاة الجنازة بلا طهارة فإنه باطل لعموم هذا الحديث وإجماع العلماء على خلافه فلو صلى محدثا متعمدا بلا عذر أثم ولا يكفر عند الجمهور. وحكى عن أبي حنيفة أنه يكفر لتلاعبه. أما المعذور كمن لم يجد ماء ولا ما يقوم مقامه كالتراب فالأقوى دليلا وجوب الصلاة عليه بلا إعادة. أما الوجوب فلحديث وما أمرتكم بأمر فافعلوا منه ما استطعتم رواه البخاري ومسلم، وأما عدم الإعادة فلأنها إنما تجب بأمر جديد والأصل عدمه وهو قول أحمد واختاره المزني من الشافعية، ويجب عليه أن يقتصر في صلاته على ما لا تصح إلا به، وقيل بوجوب الصلاة في الوقت ووجوب الإعادة عند التمكن من الطهارة، وهو مشهور مذهب الشافعية وقول لبعض المالكية، والمعتمد عندهم سقوط الصلاة أداء وقضاء، وقيل باستحباب الصلاة ووجوب القضاء. وقيل بحرمة الصلاة في الحال ووجوب القضاء عند التمكن وبه قال أبو حنيفة وقال أبو يوسف يتشبه بالمصلى فلا ينوي ولا يقرأ ويركع ويسجد ويعيد الصلاة متى قدر على إحدى الطهارتين

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائي وكذا البيهقي من طريقين وابن ماجه من عدة طرق ومسلم والطبراني والترمذى من حديث ابن عمر. قال الترمذى هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن. (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ محمد بن حَنْبَلٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ، حَتَّى يَتَوَضَّأَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عبد الرزاق) بن همام (قوله معمر) بن راشد (قوله همام بن منبه) بن كامل أبو عقبة الصنعاني. روى عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبي هريرة ومعاوية وغيرهم، وعنه أخوه وهب ومعمر بن راشد وعقيل بن معقل وطائفة. قال ابن معين ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال العجلى تابعى ثقة. توفي سنة إحدى أو اثنتين وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (قوله لا يقبل الله) وفي رواية للبخارى لا تقبل بالبناء لما لم يسم فاعله والمراد بالقبول الإجزاء الذى يرادف الصحة، ولما كان الإتيان بالعبادة مستوفية لشروطها مظنة إجزائها عبر عنه بالقبول مجازا فلا يرد ما قيل من أنه لا يلزم من نفي القبول نفى الإجزاء والصحة بخلاف القبول المنفي في حديث "من أتى عرافا لم تقبل له صلاة" وحديث المسبل إزاره والعبد الآبق فإن معناه فيها عدم حصول الثواب لهم وإن سقط بها الفرض لأنه المعنى الحقيقى (قوله إذا أحدث) أى وجد منه الحدث قبل الصلاة أو في أثنائها وهو كل ناقض للطهارة فيشمل الأكبر كالجنابة والحيض، وفسره أبو هريرة بأخص من هذا لما قيل له ما الحدث يا أبا هريرة قال فساء أو ضراط كما في البخارى تنبيها بالأخف على الأغلظ ولأنهما يقعان في الصلاة أكثر من غيرهما، أو لأنه لم يرد بذكرهما قصر الحكم عليهما فيدخل ما كان في معناهما من كل ما خرج من السبيلين، وقد يطلق الحدث على المنع المترتب على خروج الخارج وعليه يصح قولهم رفعت الحدث ونويت رفعه لأن الشارع حكم بالمنع من العبادة ومدّ غايته إلى استعمال الطهور فباستعماله يرتفع المنع وبهذا يقوى قول من قال إن التيمم يرفع الحدث لكون المرتفع هو المنع وهو مرتفع بالتيمم لكنه مخصوص بحالة أو بوقت ما ولا غرابة في ذلك فإن الأحكام تختلف باختلاف محلها، وقد كان الوضوء في صدر الإسلام واجبا لكل صلاة فقد ثبت أنه كان مختصا بوقت مع كونه رافعا للحدث اتفاقا ولا يلزم من انتهائه في ذلك الوقت بانتهاء وقت الصلاة أن لا يكون رافعا للحدث ثم نسخ وجوب الوضوء لكل صلاة كما

تقدّم، نعم هنا معنى آخر يدّعيه كثير من الفقهاء وهو أن الحدث وصف حكمى مقدّر قيامه بالأعضاء على مقتضى الوصف الحسى وينزلون الوصف الحكمى منزلة الحسي في قيامه بالأعضاء فمن يقول إن التيمم لا يرفع الحدث يقول إن المعنى المقدّر القائم بالأعضاء حكما باق لم يزل والمنع المترتب عليه زائل أفاده ابن دقيق العيد. ثم قال ردّا على ما ادّعاه بعض الفقهاء هم مطالبون بدليل شرعي يدل على إثبات هذا المعنى الذي ادّعوه مقدرا قائما بالأعضاء فإنه منفى بالحقيقة والأصل موافقة الشرع لها ويبعد أن يأتوا بدليل على ذلك اهـ (قوله حتى يتوضأ) أى يتطهر بماء أو ما يقوم مقامه كالتراب عند عدم الماء أو عدم القدرة على استعماله، وإنما اقتصر على الوضوء لكونه الأصل أو لكونه الغالب أو لأن الوضوء يطلق على التيمم. فعن أبي ذرّ الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين رواه النسائي بإسناد جيد، وهنا قيد آخر ترك للعلم به، وحتى هنا لانتهاء الغاية والمعنى عدم قبول الصلاة مستمر إلى أن يتطهر مع باقى الشروط فتقبل حينئذ. (فقه الحديث) دلّ الحديث على عدم صحة الصلاة بالحدث سواء أكان خروجه اختياريا أم اضطراريا لعدم التفرقة في الحديث بين الحدث الاختيارى وغيره، وعلى أن الطهارة شرط في صحة الصلاة، وعلى أن الوضوء لا يجب لكل صلاة لأن القبول انتفى لغاية الوضوء مطلقا ما دام متوضئا، وليس في الحديث ردّ على الحنفية القائلين إن من سبقه الحدث وهو في الصلاة يتوضأ ويبني على ما فعل منها خلافا لمن زعم ذلك لأن من سبقه الحدث إذا توضأ وبنى على صلاته يصدق عليه أنه صلى بالوضوء وإن كان القياس يقتضى بطلان صلاته، لكنه خولف لما روى عن ابن أبي مليكة عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذى فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم رواه ابن ماجه، وفي رواية الدارقطني ثم ليبن على صلاته ما لم يتكلم، وسيأتي تمام الكلام على هذه المسألة في باب الشك في الحدث إن شاء الله تعالى. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والترمذى وقال هذا حديث غريب حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ»

(ش) (رجال الحديث) (قوله وكيع) بن الجراح (قوله سفيان) الثورى كما في تهذيب التهذيب (قوله ابن عقيل) بقتح العين المهملة هو عبد الله بن محمد بن عقيل ابن أبي طالب أبو محمد المدني الهاشمي، وأمه زينب الصغرى بنت على بن أبي طالب كرّم الله وجهه. روى عن ابن عمر وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك والزهرى وغيرهم، وعنه السفيانان ومحمد بن عجلان وابن جريج وشريك وآخرون، قال النسائي ضعيف وقال أحمد ومحمد ابن سعد كان منكر الحديث لا يحتج بحديثه وكان كثير العلم وقال يعقوب صدوق وفي حديثه ضعف شديد جدّا وكان ابن عيينة يقول أربعة من قريش يترك حديثهم فذكره منهم وقال رأيته يحدّث نفسه فحملته على أنه قد تغير وقال ابن معين لا يحتج بحديثه وقال الترمذى صدوق وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه وسمعت محمد بن إسماعيل يقول كان أحمد بن حنبل وإسحاق والحميدى يحتجون بحديث ابن عقيل وقال ابن عدى روى عنه جماعة من المعروفين الثقات يكتب حديثه وقال ابن عبد البر هو أوثق من كل من تكلم فيه اهـ. قال الحافظ وهذا إفراط اهـ. توفي سنة اثنتين أو خمس وأربعين ومائة. روى له الأربعة (قوله محمد بن الحنفية) هو ابن على بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبو القاسم الإمام، والحنفية أمه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية نسب إليها وكانت من سبي اليمامة الذين سباهم أبو بكر وقيل كانت أمة لبني حنيفة ولم تكن منهم. روى عن أبيه وعثمان وأبي هريرة وابن عباس. وعنه بنوه الخمسة إبراهيم وعبد الله والحسن وعمر وعون ثم أبو يعلى وعبد الأعلى بن عامر وسالم ابن أبي الجعد والثورى وآخرون، وثقه العجلى وغيره وقال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد لا نعلم أحدا أسند عن على عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أكثر ولا أصح مما أسند محمد ابن الحنفية مات سنة ثمانين. روى له الجماعة (قوله على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ) ابن أبي طالب ابن عبد المطلب بن هاشم الهاشمى أبو الحسن ابن عم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وزوج ابنته وهو أول من أسلم من الصبيان، ولد قبل البعثة بعشر سنين وتربى في حجر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يفارقه شهد بدرا والمشاهد كلها سوى تبوك فإنه استخلفه فيها على المدينة فعن سعد بن أبي وقاص رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال خلف النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليا في غزوة تبوك فقال يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان فقال أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدى رواه الشيخان والترمذى وفي الصحيحين من طرق أن علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كان قد تخلف عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في خيبر وكان به رمد فقال أنا أتحلف عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فخرج فلحق بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلما كان

الليلة التي فتح الله عليه في صباحها قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه فبات الناس يتحدثون ليلتهم أيهم يعطاها قال عمر ما أحببت الإمارة إلا يومئذ فتساورت لها (أى حرصت عليها) رجاء أن أدعى لها فلما أصبح الناس غدوا على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أين علي بن أبي طالب فقالوا يا رسول الله يشتكي عينه قال فأرسلوا إليه فأتي به فبصق صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع ودفع إليه الراية ففتح الله عليه، وروى أنه لما دنا من حصنهم أشرف عليه رجل من اليهود فقال من أنت فقال على بن أبي طالب فقال اليهودى علوتم وما أنزل على موسى، وفى مسلم عن سلمة بن الأكوع أنه خرح إليه مرحب يقول * قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرّب * إذا الحرب أقبلت تلهب قال علي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: * أنا الذى سمتني أمي حيدرة * كليث غابات كريه المنظرة * أوفيهم بالصاع كيل السندرة ثم ضرب رأس مرحب فقتله وكان الفتح على يديه، والسندرة مكيال واسع وقيل هي العجل والسرعة، فالمعنى أقتلهم قتلا واسعا أو عاجلا سريعا، ولما آخى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين أصحابه قال له أنت أخى، فعن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال آخى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين أصحابه فجاءه على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فقال آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد فقال أنت أخى في الدنيا والآخرة رواه الترمذى، وعن زيد بن أرقم رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من كنت مولاه فعلي مولاه رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح. وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال ما يمنعك أن تسبّ أبا تراب قال أما ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم فلن أسبه سمعت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول لعلى وقد خلفه في بعض مغازيه فقال له على يا رسول الله تخلفني مع النساء والصبيان فقال أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي. وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فتطاولنا لها فقال ادع لي عليا فأتاه وبه رمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه، وأنزلت هذه الآية "قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناكم ونساءنا ونساءكم" فدعا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهم هؤلاء أهلى رواه الترمذى بسند قوى وقال هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وعن زرّ بن حبيش قال سمعت

عليا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يقول والذى فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله تعالى عليه وسلم إليّ أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق رواه الترمذى ومسلم والنسائى وابن ماجه وعن عمران بن حصين قال بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم جيشا واستعمل عليهم على بن أبي طالب فمضى في السرية فأصاب جارية فأنكروا عليه وتعاقد أربعة من الصحابة فقالوا إذا لقينا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبرناه بما صنع على فلما قدمت السرية سلموا على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقام أحد الأربعة فقال يا رسول الله ألم تر إلى علي صنع كذا وكذا فأعرض عنه ثم قام الثاني فقال مثل مقالته فأعرض عنه ثم قام الثالث فقال مثل مقالته فأعرض عنه ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا فأقبل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والغضب يعرف في وجهه فقال ما تريدون من على ما تريدون من على ما تريدون من على إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدى رواه الترمذى بسند قوى وقال هذا حديث حسن غريب (فإن قيل) كيف اختص على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بهذه الجارية حتى أساء به الظن من ذكروا ورفعوا أمره إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قلنا) هذه الجارية أخذها من حقه في سهم ذوى القربى وكان قد فوض إليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صرفه على مستحقيه وكان على من أساءوا الظن به أن يبينوا الأمر قبل شكايتهم ولذا تغير النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليهم وأعرض عنهم ولم يبين لهم وجه ما حصل من سيدنا على، قال الإمام الفقيه عماد الدين يحيى بن أبي بكر العامرى في كتابه بهجة المحافل روينا في صحيح البخارى عن بريدة بن الحصيب الأسلمى قال بعث النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليا عليه السلام إلى خالد ليقبض منه الخمس وكنت أبغض عليا وقد اغتسل فقلت لخالد ألا ترى إلى هذا فلما قدمنا على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وذكرت له ذلك فقال يا بريدة أتبغض عليا فقلت نعم فقال لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك، والمراد أنه أخذ جارية من المغنم واغتسل منها ظن أنه غلّ، فلما أعلمه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه أخذ أقل من حقه أحبه وروى خارج الصحيحين أن الجارية وقعت في الخمس ثم خمس فصارت في سهم ذوى القربى ثم صارت في سهم عليّ، وبهذا يزول الإشكال اهـ. وقد بعث النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليا إلى اليمن قاضيا وضرب يده في صدره وقال اللهم اهد قلبه وسدّد لسانه (وبالجملة) ففضائله شرحها يطول، روى عنه أولاده الحسن والحسين ومحمد وفاطمة ثم عمر وابن عباس وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وأبو سعيد الخدرى وغيرهم من الصحابة والتابعين. ولي الخلافة خمس سنين. قال العيني قتل رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ليلة الجمعة لسبع عشرة بقيت من رمضان سنة أربعين وهو ابن ثلاث وستين سنة اهـ

تحقيق لابن القيم فيما اشتمل عليه الحديث من الأحكام

له رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ستة وثمانون وخمسمائة حديث اتفق البخارى ومسلم منها على عشرين وانفرد البخاري بتسعة ومسلم بخمسة روى له الجماعة (قوله مفتاح الصلاة الطهور) أي أن أول ما يفتتح به من أعمالها الطهور والمفتاح بكسر الميم مفعال من الفتح، شبه الصلاة بالخزانة المقفولة بجامع اشتمال كل على الغرض المقصود ثم حذف المشبه به ورمى إليه بشئ من لوازمه وهو المفتاح، والطهور بالضم والفتح وسماه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مفتاحا مجازا لأن الحدث مانع من الصلاة فهو على المحدث كالقفل على الباب فإذا توضأ زال ذلك المانع. ونحو حديث الباب حديث أحمد مفتاح الجنة الصلاة، لأن أبواب الجنة مغلقة تفتحها الطاعات وأعظم الطاعات بعد الشهادتين الصلاة (قوله وتحريمها التكبير) أى تحريم ما حرّم الله فيها من الأفعال فالإضافة لأدنى ملابسة والمراد بالتحريم المحرّم من إطلاق المصدر وإرادة اسم الفاعل وإسناد التحريم للتكبير مجاز والمحرم في الحقيقة هو الله تعالى، ويمكن أن يكون التحريم بمعنى الإحرام أى الدخول في حرمتها ولا بدّ من تقدير مضاف أى سبب الدخول في حرمتها التكبير (قول وتحليلها التسليم) أى تحليل ما حرّم فيها من الأفعال، ويقال فيه ما قيل في الذى قبله قال ابن القيم في تهذيب السنن ما ملخصه: اشتمل هذا الحديث على ثلاثة أحكام (الأول) أن مفتاح الصلاة الطهور والمفتاح ما يفتح به الشئ المغلق فيكون فاتحا له ومنه مفتاح الجنة لا إله إلا الله، وقوله مفتاح الصلاة الطهور يفيد الحصر وأنه لا مفتاح لها سواه من طريقين (الأول) حصر المبتدأ في الخبر لأنه إذا كان المبتدأ معرّفا بما يقتضى عمومه كاللام ثم أخبر عنه بخبر اقتضى صحة الإخبار أن يكون إخبارا عن جميع أفراد المبتدأ، إذا عرف هذا لزم الحصر وأنه لافرد من أفراد ما يفتح به الصلاة إلا وهو الطهور (الثاني) أن المبتدأ مضاف إلى الصلاة والإضافة تعمّ فكأنه قيل جميع مفتاح الصلاة هو الطهور وإذا كان الطهور هو جميع ما يفتتح به لم يكن لها مفتاح غيره، وإذا عرفت هذا ثبت أن الصلاة لا يمكن الدخول فيها إلا بالطهور وهذا أدل على اشتراط الطهارة للصلاة من قوله لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ من وجهين (الأول) أن نفي القبول قد يكون لفوات الشرط وعدمه وقد يكون لمقارنة محرّم يمنع من القبول كالإباق وتصديق العرّاف وشرب الخمر وتطيب المرأة إذا خرجت للصلاة ونحوه (الثاني) أن عدم الافتتاح بالمفتاح يقتضى أنه لم يحصل له الدخول فيها وأنه مصدود عنها كالبيت المقفل على من أراد دخوله بغير مفتاح، وأما عدم القبول فمعناه عدم الاعتداد بها وأنه لم يرتب عليها أثرها المطلوب منها بل هي مردودة عليه وهذا قد يحصل بعدم ثوابه عليها ورضا الرب عنه بها وإن كان لا يعاقبه عليها عقوبة تاركها جملة بل عقوبة ترك ثوابه وفوات الرضا لها بعد دخوله

فيها بخلاف من لم يفتحها أصلا بمفتاحها فإن عقابه عليها عقوبة تاركها وهذا أوضح (فإن قيل) فهل في الحديث حجة لمن قال إن عادم الطهورين لا يصلى حتى يقدر على أحدهما لأن صلاته غير مفتتحة بمفتاحها فلا تقبل منه (قيل) قد استدل به من يرى ذلك ولا حجة فيه. ولا بدّ من تمهيد قاعدة يتبين بها مقصود الحديث. وهي أن ما أوجبه الله ورسوله أو جعله شرطا للعبادة أو ركنا فيها أو أوقف صحتها عليه هو مقيد بحال القدرة لأنها الحال التي يؤمر فيها به وأما في حال العجز فهو غير مقدور ولا مأمور به فلا تتوقف صحة العبادة عليه وهذا كوجوب القيام والقراءة والركوع والسجود عند القدرة وسقوط ذلك بالعجز وقد قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار، ولو تعذر عليها الخمار صلت بدونه وصحت صلاتها وكذلك قوله لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ، فإنه لو تعذر عليه الوضوء صلى بدونه وكانت صلاته مقبولة فيكون الطهور مفتاح الصلاة أى عند الإمكان لكن هنا نظر آخر وهو أنه إذا لم يمكن اعتبار الطهور عند تعذره فإنه يسقط وجوبه فمن أين لكم أن الصلاة تشرع بدونه في هذه الحال وهذا وجه المسألة، وهلا قلتم إن الصلاة بدونه كالصلاة مع الحيض غير مشروعة حينما كان الطهور غير مقدور للمرأة فلما صار مقدورا لها شرعت لها الصلاة وترتبت في ذمتها فما الفرق بين العاجز عن الطهور شرعا والعاجز عنه حسا مع أن كلا منهما غير متمكن من الطهور. والجواب أن زمن الحيض جعله الشارع منافيا لشرعية العبادات من الصلاة والصوم والاعتكاف فليس وقتا لعبادة الحائض فلا يترتب عليها فيه شئ. وأما العاجز فالوقت في حقه قابل لترتب العبادة المقدورة في ذمته فالوقت في حقه غير مناف لشرعية العبادة بحسب قدرته بخلاف الحائض. فالعاجز ملحق بالمريض المعذور الذى يؤمر بما يقدر عليه ويسقط عنه ما يعجز عنه. والحائض ملحقة بمن هو من غير أهل التكليف فافترقا. وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعث أناسا لطلب قلادة أضلتها عائشة فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء فأتوا النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذكروا ذلك له فنزلت آية التيمم فلم ينكر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليهم ولم يأمرهم بالإعادة وحالة عدم التراب كحالة عدم مشروعيته ولا فرق فإنهم صلوا بغير تيمم لعدم مشروعية التيمم فمقتضى القياس والسنة أن العادم يصلى على حسب حاله فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ولا يعيد لأنه فعل ما أمر به فلم تجب عليه الإعادة كمن ترك القيام والاستقبال والسترة والقراءة لعجزه عن ذلك (فإن قيل) القيام له بدل وهو القعود فقام بدله مقامه كالتراب عند عدم الماء والعادم هنا صلى بغير أصل ولا بدل (قيل) هذا هو مأخذ المانعين من الصلاة والموجبين للإعادة ولكنه منتقض بالعاجز عن ستر العورة فإنه يصلى من غير اعتبار بدل وكذلك العاجز عن الاستقبال وأيضا

بيان العلماء فيما تفتتح به الصلاة

فالعجز عن البدل في الشرع كالعجز عن المبدل وإذا كان عجزه عن المبدل لا يمنعه من الصلاة فكذلك لعجزه عن البدل. وفي الحديث دليل على اعتبار النية في الطهارة بوجه بديع لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جعل الطهور مفتاح الصلاة التي لا تفتتح ولا يدخل فيها إلا به وما كان مفتاحا للشئ كان قد وضع لأجله وأعدّ له ومن المعلوم أن ما شرع للشئ ووضع لأجله لا بدّ أن يكون الآتي به قاصدا ما جعل مفتاحا له ومدخلا إليه هذا هو المعروف حسا كما هو ثابت شرعا، ومن المعلوم أن من سقط في ماء وهو لا يريد التطهر لم يأت بما هو مفتاح الصلاة فلا تفتح له الصلاة وصار هذا كمن حكى عن غيره أنه قال لا إله إلا الله وهو غير قاصد لقولها فإنه لا تكون مفتاحا للجنة منه لأنه لم يقصدها، وهكذا هذا لما لم يقصد الطهور لم يحصل له مفتاح الصلاة (الحكم الثاني) قوله وتحريمها التكبير يفيد حصر التحريم في التكبير نظير ما تقدم وهو دليل بين على أنه لا تحريم لها إلا التكبير وهذا قول الجمهور وعامة أهل العلم قديما وحديثا، وقال أبو حنيفة ينعقد بكل لفظ يدل على التعظيم فاحتج الجمهور عليه بهذا الحديث. ثم اختلفوا فقال أحمد ومالك وأكثر السلف تتعين لفظة الله أكبر وحدها. وقال الشافعى يتعين أحد اللفظين الله أكبر أو الله الأكبر. وقال أبو يوسف يتعين التكبير وما تصرّف منه نحو الله الكبير، وحجته أنه يسمى تكبيرا حقيقة فيدخل في قوله تحريمها التكبير، وحجة الشافعى أن المعرّف في معنى المنكر فاللام لم تخرجه عن موضوعه بل هى زيادة في اللفظ غير مخلة بالمعنى بخلاف الله الكبير وكبرت الله ونحوه فإنه ليس فيه من التعظيم والتفضيل والاختصاص ما في لفظه الله أكبر. والصحيح قول الأكثرين وأنه يتعين الله أكبر بخمس حجج (الأولى) قوله تحريمها التكبير واللام هنا للعهد فهى كاللام في قوله مفتاح الصلاة الطهور، وليس المراد به كل طهور بل الطهور الذي واظب عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وشرعه لأمته وكان فعله له تعليما وبيانا لمراد الله تعالى من كلامه وهذا التكبير هنا هو التكبير المعهود الذى نقلته الأمة نقلا ضروريا خلفا عن سلف عن نبيها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان يقوله في كل صلاة لا يقول غيره ولا مرّة واحدة فهذا هو المراد بلا شك من قوله تحريمها التكبير وهذا حجة من جوّز الله الأكبر والله الكبير فإنه وإن سمى تكبيرا لكنه ليس التكبير المعهود المراد بالحديث (الثانية) أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال للمسيء في صلاته إذا قمت إلى الصلاة فكبر ولا يكون ممتثلا للأمر إلا بالتكبير وهذا أمر مطلق يتقيد بتعليمه الذي لم يخلّ به هو ولا أحد من خلفائه ولا أصحابه (الثالثة) ما روى أبو داود من حديث رفاعة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر (الرابعة) أنه لو كانت تنعقد الصلاة بغير هذا

حكمة افتتاح الصلاة بالتكبير

اللفظ لتركه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في عمره ولو مرّة واحدة لبيان الجواز فحيث لم ينقل أحد عنه قط أنه عدل عنه حتى فارق الدنيا دلّ على أن الصلاة لا تنعقد بغيره (الخامسة) أنه لو قام غيره مقامه لجاز أن يقوم غير كلمات الأذان مقامها وأن يقول المؤذن كبرت الله أو الله الكبير أو الله أعظم ونحوه بل تعين لفظة الله أكبر في الصلاة أعظم من تعينها في الأذان لأن كل مسلم لابدّ له منها وأما الأذان فقد يكون في المصر مؤذن واحد أو اثنان والأمر بالتكبير في الصلاة آكد من الأمر بالتكبير في الأذان. وأما حجة أصحاب الشافعى على ترادف الله أكبر والله الأكبر فجوابها أنهما ليسا بمترادفين فإن الألف واللام اشتملت على زيادة في اللفظ ونقص في المعنى، وبيانه أن أفعل التفضيل إذا نكر وأطلق يتضمن من عموم المفضل عليه وإطلاقه ما لم يتضمن المعرّف فإذا قيل الله أكبر لكان معناه أكبر من كل شئ وأما أذا قيل الله الأكبر فإنه يتقيد معناه ويتخصص ولا يستعمل هذا إلا في مفضل معين على مفضل عليه معين كما إذا قيل من أفضل أزيد أم عمرو فيقال زيد الأفضل هذا هو المعروف في اللغة والاستعمال فإن من لا يمكن أن يؤتى بها مع اللام وأما بدون اللام فيؤتى بها فإذا حذف المفضل عليه مع من أفاد التعميم وهذا لا يتأتى مع اللام وهذا المعنى مطلوب من القائل الله أكبر بدليل ما روى الترمذى من حديث عدى بن حاتم الطويل أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال له ما يضرك أيضرك أن يقال الله أكبر فهل تعلم شيئا أكبر من الله، وهذا مطابق لقوله تعالى "قل أى شئ أكبر شهادة" وهذا يقتضى جوابا هو لا شئ أكبر شهادة من الله فالله أكبر شهادة من كل شئ كما أن قوله لعدىّ هل تعلم شيئا أكبر من الله يقتضى جوابا هو لا شئ أكبر من الله فالله أكبر من كل شئ، وفي افتتاح الصلاة بهذا اللفظ المقصود منه استحضار هذا المعنى وتصوره سرّ عظيم يعرفه أهل الحضور المصلون بقلوبهم وأبدانهم فإن العبد إذا وقف بين يدى الله عزّ وجلّ وقد علم أنه لا شيء أكبر منه وتحقق قلبه ذلك وأشربه سرّه استحيا من الله وكبريائه أن يشتغل قلبه بغيره وما لم يستحضر هذا المعنى فهو واقف بين يديه بجسمه وقلبه يهيم في أودية الوساوس والخطرات والله المستعان، ولو كان الله أكبر من كل شئ في قلب هذا لما اشتغل عنه وصرف كلية قلبه إلى غيره كما أن الواقف بين يدى الملك المخلوق لما لم يكن في قلبه أعظم منه لم يشتغل قلبه بغيره ولم يصرفه عنه اهـ (أقول) ما ذكر من أن حديث الباب ونحوه حجة على أبي حنيفة غير مسلم بل هو حجة له لأنه حديث آحاد لا تثبت به الفرضية بل الوجوب وبه يقول (وحاصل) مذهب الحنفية أن التحريمة شرط لصحة الصلاة عندهم لقوله تعالى (وربك فكبر) أجمع المفسرون على أن المراد به تكبيرة الإحرام وعليه انعقد الإجماع وقال تعالى (وذكر اسم ربه فصلى) والمراد ذكر اسم الرب لافتتاح الصلاة لأنه عقب الذكر بالصلاة بحرف

مذاهب العلماء في التسليم من الصلاة

يوجب التعقب بلا فاصل والذكر الذى تعقبه الصلاة بلا فاصل هو تكبيرة الافتتاح، ولإطلاق الآية قالوا يصح الشروع بكل ذكر خالص دال على التعظيم لله تعالى لكن مع الكراهة التحريمية لحديث وتحريمها التكبير ونحوه ومواظبة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الافتتاح بالله أكبر، فالحاصل أن الثابت بالنص عندهم الافتتاح بذكر يدل على التعظيم ولفظ التكبير ثبت بدليل ظنيّ يفيد الوجوب فيكره تحريما الافتتاح بغيره لمن يحسنه (قال ابن القيم) الحكم الثالث قوله وتحليلها التسليم والكلام في إفادته الحصر كالذي قبله وهو يدل على أنه لا ينصرف من الصلاة إلا بالتسليم وهذا قول جمهور العلماء، وقال أبو حنيفة لا يتعين التسليم بل يخرج منها بالمنافي لها من حدث أو عمل مبطل ونحوه، وروى هذا الترمذى عن أحمد وإسحاق بن راهويه. وروى عن على وعبد الله بن مسعود واحتج بما جاء عن زهير بن معاوية عن الحسن بن الحرّ عن القاسم بن مخيمرة قال أخذ علقمة بيدى فحدثني أن عبد الله بن مسعود أخذ بيده وأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخذ بيد عبد الله فعلمه التشهد في الصلاة ثم قال إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد رواه أحمد وأبو داود والدارقطني، وبأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته ولو كان فرضا لعلمه إياه، هذا غاية ما يحتج له به. وأجاب الجمهور عن ذلك فقالوا: أما حديث ابن مسعود فقال الدارقطني والخطيب والبيهقي وأكثر الحفاظ الصحيح أن قوله إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك من كلام ابن مسعود فصله شبابة عن زهير وجعله من كلام ابن مسعود وقوله أشبه بالصواب ممن أدرجه وقد اتفق من روى تشهد ابن مسعود على حذفه، وأما كون النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يعلمه المسئ في صلاته فما أكثر ما يحتج بهذه الحجة على عدم واجبات في الصلاة ولا تدل لأن المسيء لم يسيء في كل جزء من الصلاة فلعله لم يسيء في السلام بل هذا هو الظاهر فإنهم لم يكونوا يعرفون الخروج منها إلا بالسلام اهـ بتصرف، وسيأتي تمام الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى في باب الإمام يحدث بعد ما يرفع رأسه. (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن الطهارة شرط في صحة الصلاة وعلى أن الدخول فيها لا يكون إلا بالتكبير. وعلى أن الخروج منها لا يكون إلا بالتسليم لأنها جمل معرّفة الطرفين تفيد الحصر كما علمت، ولا سيما وأن المقام مقام بيان والاقتصار فيه يفيد الحصر كما هو معلوم (من روى الحديث أيضا) رواه ابن ماجه والترمذى وقال هذا الحديث أصح شئ في هذا الباب وأحسن ورواه الشافعى وأحمد والبزار وصححه الحاكم وابن السكن قال الحافظ في التلخيص قال البزار لا نعلمه عن علىّ إلا من هذا الوجه وقال أبو نعيم تفرّد به ابن عقيل عن ابن الحنفية عن عليّ وقال العقيلى في إسناده لين ورواه الترمذى وابن ماجه من حديث أبي سعيد وفي إسناده

باب الرجل يجدد الوضوء من غير حدث

أبو سفيان طريف وهو ضعيف قال الترمذى وحديث على أجود إسنادا من هذا اهـ ببعض تصرف ورواه محمد بن أسلم في مسنده بلفظ وإحرامها التكبير وإحلالها التسليم (باب الرجل يجدد الوضوء من غير حدث) أى في بيان ما يدل على الترغيب في تجديد الوضوء لمن لم يكن محدثا طلبا لزيادة الثواب، ويجدّد من التجديد، وفي بعض النسخ باب الرجل يحدث الوضوء من غير حدث، وهما بمعنى واحد. (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، ح وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، قَالَا: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَأَنَا لِحَدِيثِ ابْنِ يَحْيَى أَضْبَطُ عَنْ غُطَيْفٍ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَنْ أَبِي غُطَيْفٍ الْهُذَلِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَلَمَّا نُودِيَ بِالظُّهْرِ تَوَضَّأَ فَصَلَّى، فَلَمَّا نُودِيَ بِالْعَصْرِ تَوَضَّأَ، فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَذَا حَدِيثُ مُسَدَّدٍ وَهُوَ أَتَمُّ. (ش) (رجال الحديث) (قوله عبد الله بن يزيد المقرئُ) العدوى مولى آل عمر أبو عبد الرحمن القصير، روى عن أبي حنيفة وموسى بن على وابن عون والليث وشعبة وكثيرين وعنه أحمد بن حنبل والحسن بن على الخلال وسلمة بن شبيب ومحمد بن يحيى الذهلى وعبد الله ابن فضالة وجماعة. وثقه النسائي والخليلي وقال حديثه عن الثقات يحتح به ويتفرد بأحاديث وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث. توفي سنة اثنتي أو ثلاث عشرة ومائتين. روى له الجماعة (قوله عبد الرحمن بن زياد) بن أنعم الإفريقي الشعباني أبو أيوب. روى عن أبيه وعبد الرحمن ابن رافع وزياد بن نعيم وعبادة بن نسىّ وجماعة. وعنه الثورى وابن المبارك وعيسى بن يونس ومروان بن معاوية وغيرهم، قال أحمد منكر الحديث وقال ابن معين ضعيف يكتب حديثه وإنما أنكر عليه الأحاديث الغرائب التي يحدثها وقال الجورجاني كان صادقا غير محمود في الحديث وقال ابن عدى عامة حديثه لا يتابع عليه وقال ابن خراش متروك وضعفه النسائي والحاكم وغيرهما وقال ابن حبان يروى الموضوعات عن الثقات. توفى سنة خمس أو ست وخمسين ومائة روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه والبخارى في الأدب (قوله وأنا لحديث ابن يحيى) يعني محمد بن يحيى بن فارس (أضبط) أى أتقن وأحفظ (قوله وقال محمد) أى ابن يحيى في حديثه

(عن أبي غطيف) والحاصل أن المؤلف روي الحديث من طريقين (أحدهما) طريق محمد بن يحيى بن فارس قال فيه حدثنا عبد الله بن يزيد عن عبد الرحمن بن زياد عن أبي غطيف الهذلي (ثانيهما) طريق مسدد قال في إسناده عن غطيف بدون لفظ أبي (وأبو غطيف) بضمم الغين المعجمة ويقال غضيف بالضاد المعجمة قال في التقريب مجهول من الثالثة وضعفه الترمذى. روى عن عبد الله بن عمر حديث الباب ولم يتابع عليه. وعن حاطب بن بلتعة وعبيد بن رويفع. وعنه عبد الرحمن بن زياد وبكر بن سوادة. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه. والهذلى نسبة إلى هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر (قوله فلما نودى بالظهر) أى أذن في وقت الظهر أو بسبب دخول وقت الظهر فالباء للظرفية أو السببية (قوله فقلت له الخ) يعني سألت ابن عمر عن سبب تجديد الوضوء فقال سمعت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول من توضأ على طهر أى مع كونه متطهرا لم ينتقض وضوؤه الأول، فعلى بمعنى مع على حدّ قوله تعالى "وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم" (قوله كتب الله له عشر حسنات) أى جعل الله له ثواب عشر حسنات، والحسنة الخصلة التي يعملها العبد من الخير وما يعطاه عليها يسمى جزاء وثوابا. والعشر أقل ما وعد الله به على فعل الحسنة وإلا فقد يجازى عليها إلى سبعين وإلى سبعمائة وإلى أكثر من ذلك (قوله وهذا حديث مسدد وهو أتم) أى أكمل وأزيد من حديث محمد بن يحيى وهذا لا ينافي قوله وأنا لحديث ابن يحيى أضبط لأن الضبط الإتقان والحفظ وهما غير الكمال والزيادة. وكون حديث مسدد أتم من حديث محمد بن يحيى باعتبار ما وقع للمصنف وإلا فالذي في سنن ابن ماجه أن حديث ابن يحيى أتم، ولفظه حدثنا محمد بن يحيى ثنا عبد الله بن يزيد المقرئُ ثنا عبد الرحمن بن زياد عن أبي غطيف الهذلي قال سمعت عبد الله ابن عمر بن الخطاب في مجلسه في المسجد فلما حضرت الصلاة قام فتوضأ وصلى ثم عاد إلى مجلسه فلما حضرت العصر قام فتوضأ وصلى ثم عاد إلى مجلسه فلما حضرت المغرب قام فتوضأ وصلى ثم عاد إلى مجلسه قلت أصلحك الله أفريضة أم سنة الوضوء عند كل صلاة قال أو فطنت إليّ وإلى هذا مني فقلت نعم قال لا لو توضأت لصلاة الصبح لصليت به الصلوات كلها ما لم أحدث ولكني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول من توضأ على طهر فله عشر حسنات وإنما رغبت في الحسنات. (فقه الحديث) دلّ الحديث على استحباب تجديد الوضوء لكل صلاة لا فرق بين المقيم والمسافر وهو مذهب جمهور العلماء والمحدّثين خلافا لمن ذهب من الظاهرية والشيعة إلى وجوب الوضوء لكل صلاة في حق المقيم دون المسافر محتجا بحديث بريدة بن الحصيب أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يتوضأ لكل صلاة فلما كان يوم الفتح صلى

باب ما ينجس الماء

الصلوات بوضوء واحد فقال له عمر فعلت شيئا لم تكن تفعله فال عمدا فعلته يا عمر رواه الطحاوى وابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن ماجه والنسائي وهذا لفظه، وردّ بأنه يجوز أن يكون وضوؤه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لكل صلاة طلبا للفضل لا على الوجوب وأن ذلك كان فرضا ثم نسخ لما تقدّم عن عبد الله بن حنظلة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك لكل صلاة وصححه ابن خزيمة، وخلافا لمن قال بعدم استحباب تجديد الوضوء لكل صلاة من غير حدث متمسكا بشبهة مهدومة هي مخافة الوقوع بذلك في الوعيد الذى ورد في حديث "فمن زاد فقد أساء وتعدّى وظلم" وسيأتى للمصنف وهي شبهة واهية مردودة بالأدلة الكثيرة الصريحة في أن الوضوء على الوضوء مطلوب كحديث الباب وحديث أبي هريرة مرفوعا لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء بسواك رواه أحمد وحديث أنس كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ عند كل صلاة رواه الجماعة إلا مسلما، وزاد الترمذى طاهرا وغير طاهر، وسيأتي بيان الحديث في موضعه إن شاء الله تعالى، فهل يجمل بطالب الحق الراغب في الأجر أن يدع هذه الأدلة التي لا تحتجب أنوارها ويتمسك بأذيال تشكيك منهار وشبهة ساقطة. (من روى الحديث أيضا) رواه ابن ماجه بلفظ تقدم والترمذى وقال روى هذا الحديث الإفريقي عن أبي غطيف عن ابن عمر وهو إسناد ضعيف يعني لأن مداره على عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وهو ضعيف مدلس ورواه الطحاوى وابن أبي شيبة من حديث أبي غطيف بلفظ صليت مع عبد الله بن عمر الظهر فانصرف في مجلس في داره فانصرفت معه حتى إذا نودى بالعصر دعا بوضوء فتوضأ فقلت له أىّ شيء هذا يا أبا عبد الرحمن الوضوء عند كل صلاة فقال وقد فطنت لهذا مني ليست بسنة إن كان لكافيا وضوئي لصلاة الصبح وصلواتي كلها ما لم أحدث ولكن سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول من توضأ على طهر كتب الله له بذلك عشر حسنات ففي ذلك رغبت يا ابن أخى، وقوله ليست بسنة أى ليست طريقة لازمة، ولما فرغ من بيان فرضية الوضوء شرع في بيان أحوال المياه لتقدّم معرفة المياه على معرفة صفة الوضوء فقال (باب ما ينجس الماء) أى في بيان الأمور التي تنجس الماء إذا حلت فيه يعني وما لا تنجسه، وفي نسخة باب الماء لا ينجس (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَغَيْرُهُمْ، قَالُوا: حَدَّثَنَا

مقدار القلة

أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سُئِلَ النبي اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ عَنِ الْمَاءِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ، فَقَالَ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ» هَذَا لَفْظُ ابْنُ الْعَلَاءِ، وَقَالَ عُثْمَانُ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: والصَّوَابُ محمد بن جعفر. (ش) (رجال الحديث) (قوله أبو أسامة) حماد بن أسامة (قوله الوليد بن كثير) أبو محمد القرشى المدني المخزومى مولاهم. روى عن الزهري ومحمد بن كعب ووهب بن كيسان ونافع مولى ابن عمر وغيرهم، وعنه إبراهيم بن سعد وعيسى بن يونس وأبو أسامة وسفيان بن عيينة وآخرون، وثقه ابن معين وقال ابن سعد ليس بذاك وقال ابن عيينة كان صدوقا وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن يونس كان متقنا في الحديث وقال الساجى قد كان ثقة ثبتا يحتج بحديثه لم يضعفه أحد إنما عابوا عليه الرأي وقال أبو داود ثقة إلا أنه أباضى اهـ والأباضية فرقة من الخوارج. توفي بالكوفة سنة إحدى وخمسين ومائة (قوله محمد بن جعفر بن الزبير) ابن العوام. روى عن عميه عروة وعبد الله ولم يسمع منه وعن ابن عمه عباد بن عبد الله وزياد ابن سعد، وعنه عبيد الله بن أبي جعفر وابن جريج وابن إسحاق وعبد الرحمن بن الحارث وآخرون وثقه النسائي والدارقطني وقال البخارى كان من فقهاء المدينة وقرائها، قيل مات سنة عشر ومائة (قوله عبيد الله) بالتصغير ابن عبد الله بن عمر. وفي بعض النسخ عبد الله بالتكبير وهو وهم لأن محمد بن جعفر إنما روى هذا الحديث عن عبيد الله المصغر والذى رواه عن عبد الله المكبر محمد بن عباد بن جعفر. قال الحافظ في التلخيص وعند التحقيق أنه (يعني هذا الحديث) عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عمر مكبرا وعن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله مصغرا ومن رواه على غير هذ الوجه فقد وهم (قوله عن أبيه) هو عبد الله بن عمر (قوله وما ينوبه الخ) عطف على الماء أى سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الماء الذى ترد عليه الدواب والسباع مرة بعد أخرى للشرب منه وتبول فيه وتروث فهل يتنجس، والدواب جمع دابة وهي لغة ما يدب على وجه الأرض. وفي العرف تطلق على ذوات الأربع مما يركب، وقال في الصحاح الدابة التي تركب، والسباع جمع سبع وهو كل حيوان عاد مفترس (قوله إذا كان الماء قلتين) تثنية قة بضم القاف وتشديد اللام وهي الجرّة العظيمة والجمع قلال مثل برمة وبرام أو قلل مثل غرفة وغرف، واختلفوا في مقدار

مذاهب العلماء في مقدار الماء الذي ينجس إلا بالتغير

القلة فقيل خمس قرب كل قربة خمسون منا والمن رطلان، وقيل القلة خمسة وعشرون وتسعمائة منّ، وقال الخطابي القلة تطلق على الإناء الصغير الذي تنقله الأيدى وتتعاطى فيه الشراب كالكيزان وتطلق على الجرة الكبيرة التي يقلها القوى من الرجال، وسياق الخبر دلّ على أن المراد النوع الثاني لأنه إنما سئل عن الماء الذى يكون بالفلاة من الأرض في الوهاد والغدران ونحوها ومثل هذه المياه لا تحدّ بالكوز والكوزين في العرف والعادة لأن النجس إذا أصابه نجسه. وقد روى من غير طريق أبي داود من رواية ابن جريج إذا كان الماء قلتين بقلال هجر، وقلال هجر مشهورة الصنعة معلومة المقدار وهي أكبر ما يكون من القلال وأشهرها ولذلك قيل قلتين على لفظ التثنية ولو كان وراءها قلة في الكبر لأشكلت دلالته فلما ثناها دلّ على أنها أكبر القلال لأنه لا قائدة في تقديره بقلتين صغيرتين مع القدرة على التقدير بواحدة كبيرة اهـ ببعض تصرّف، وهجر التي تنسب إليها اسم لناحية البحرين كلها، وقيل هي قاعدتها وهي إما أن تكون عملت بها وجلبت إلى المدينة وإما أن تكون عملت في المدينة على مثلها (قوله لم يحمل الخبث) بفتح الخاء المعجمة والموحدة أى لم يحمل النجس كما وقع تفسيره بالنجس في الروايات الأخر، والمعنى لم يقبل النجاسة بل يدفعها عن نفسه ولو كان المعنى أنه يضعف عن حملها لم يكن للتقييد بالقلتين معنى فإن ما دونهما أولى بذلك. وقيل معناه لا يقبل حكم النجاسة، وللخبث معان أخرّ ذكرها في النهاية والمراد هنا ما ذكرنا كذا في نيل الأوطار، واحتج الشافعى وأصحابه بهذا الحديث على أن الماء إذا بلغ قلتين لا ينجس إلا بالتغيير وهو مذهب أحمد وأبي ثور وقالوا معنى قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يحمل الخبث أنه يدفعه عن نفسه كما يقال فلان لا يحمل الضيم إذا كان يأباه ويدفعه عن نفسه ويؤكد ذلك الرواية الأخرى فإنه لا ينجس وقالوا إذا لم يبلغ القلتين وحلت فيه نجاسة نجسته ولو لم يتغير. وقال أبو حنيفة وأصحابه إن كان الماء راكدا قليلا ووقعت فيه نجاسة تنجس ولا يتطهر به. أما الجارى فتصح به الطهارة إذا لم يظهر فيه أثر النجاسة، والكثير إذا وقعت نجاسة في إحدى جانبيه تصح الطهارة من الجانب الآخر، واختلفوا في حدّ الكثير على أقوال أشهرها أن يكون عشرة أذرع في عشرة وعمقه ذراع وقيل شبر قال الزيلعى الصحيح أنه إذا أخذ الماء وجه الأرض يكفي ولا تقدير فيه في ظاهر الرواية وقال وظاهر الرواية عن أبي حنيفة أنه يعتبر أكبر الرأى يعني رأى المتوضئ أو المغتسل فإن غلب على ظنه أن النجاسة وصلت إلى الجانب الآخر من الماء لا يجوز التطهر به وإلاجاز، ذكره في الغاية قال وهو الأصح. وهذا لأن المذهب الظاهر عند أبي حنيفة التحرّى والتفويض إلى رأى المستعمل من غير تحكم بالتقدير بما لا تقدير فيه من جهة الشارع اهـ ببعض تصرف، قال العيني وأما حديث القلتين ففيه اضطراب لفظا ومعنى أما اضطرابه في اللفظ

بيان ما في الاستدلال بحديث القلتين

فمن جهة الإسناد والمتن اهـ ويأتي بيانه بعد روايات الحديث إن شاء الله تعالى، وقال الحافظ في التلخيص قال ابن عبد البر في التمهيد ما ذهب إليه الشافعى من حديث القلتين مذهب ضعيف من جهة النظر غير ثابت من جهة الأثر لأنه حديث تكلم فيه جماعة من أهل العلم ولأن القلتين لم يوقف على حقيقة مبلغهما في أثر ثابت ولا إجماع، وقال في الاستذكار حديث معلول ردّه إسماعيل القاضى وتكلم فيه، وقال الطحاوى إنا لم نقل به لأن مقدار القلتين لم يثبت، وقاله ابن دقيق العيد هذا الحديث قد صححه بعضهم وهو صحيح على طريقة الفقهاء لأنه وإن كان مضطرب الإسناد مختلفا في بعض ألفاظه فإنه يجاب عنه. بجواب صحيح بأن يمكن الجمع بين الروايات ولكني تركته لأنه لم يثيت عندنا بطريق استقلالي يجب الرجوع إليه شرعا في تعيين مقدار القلتين، وأما التقييد بقلال هجر فلم يثبت مرفوعا إلا من رواية المغيرة بن صقلاب عند ابن عدى وهو منكر الحديث قال النفيلي لم يكن مؤتمنا على الحديث وقال ابن عدى لا يتابع على عامة حديثه، قال الحافظ في التلخيص لكن أصحاب الشافعى قوّوا كون المراد قلال هجر بكثرة استعمال العرب لها في أشعارهم كما قال أبو عبيد في كتاب الطهور، وكذلك ورد التقييد بها في الحديث الصحيح، قال البيهقي قلال هجر كانت مشهورة عندهم ولهذا شبه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما رأى ليلة المعراج من نبق سدرة المنتهى بقلال هجر، قال الخطابي قلال هجر مشهورة الصنعة معلومة المقدار والقلة لفظ، مشترك وبعد صرفها إلى أحد معلوماتها وهى الأواني تبقى متردّدة بين الكبار والصغار والدليل على أنها من الكبار جعل الشارع الحدّ مقدّرا بعدد فدلّ على أنه أشار إلى أكبرها لأنه لا فائدة في تقديره بقلتين صغيرين مع القدرة على تقديره بواحدة كبيرة وقد تبين بذلك ثبوت كون القلة تزيد على قربتين، وقد طعن في ذلك ابن المنذر من الشافعية وإسماعيل القاضى من المالكية بما محصله أنه أمر مبنيّ على ظنّ بعض الرواة والظن لا يجب قبوله ولا سيما من مثل محمد بن يحيى المجهول ولهذا لم يتفق السلف والفقهاء على الأخذ بذلك التحديد اهـ كلام الحافظ ملخصا (قوله وهذا لفظ ابن العلاء الخ) أي ما تقدّم من أن شيخ الوليد بن كثير هو محمد بن جعفر بن الزبير هو رواية محمد بن العلاء أحد شيوخ المصنف قال عثمان بن أبي شيبة والحسن ابن عليّ إن شيخ الوليد محمد بن عباد بن جعفر لا محمد بن جعفر بن الزبير (ومحمد بن عباد ابن جعفر) بن رفاعة بن أمية القرشي المخزومى المكي. روى عن أبي هريرة وجابر بن عبد الله وعائشة وابن عباس وغيرهم. وعنه ابن جريج وعبد الحميد بن جبير والأوزاعي والزهرى وخالد الحذاء وجماعة. وثقة ابن معين وأبو زرعة وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث وقال أبو حاتم لا بأس به. روى له الجماعة (قوله والصواب محمد بن جعفر) أى الصواب أن راوى الحديث عن عبيد الله مصغرا هو محمد بن

جعفر لا محمد بن عباد بن جعفر، وفي بعض النسخ وهو الصواب، وعليها فالضمير راجع إلى محمد ابن عباد بن جعفر، وقد علمت أنه إنما روى الحديث عن عبد الله مكبرا كما رواه الحميدى عن أبي أسامة قال حدثنا الوليد عن محمد بن عباد عن عبد الله الخ، وذكر عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب العلل عن أبيه أنه قال محمد بن عباد ثقة ومحمد بن الزبير ثقة والحديث لمحمد بن جعفر أشبه وكذا ابن منده صوب كون الحديث لمحمد بن جعفر وكذا رواه إسحاق بن راهويه وجماعة عن أبي أسامة عن الوليد عن محمد بن جعفر، أما الدارقطني فجمع بين الروايتين فقال ولما اختلف على أبي أسامة في إسناده أحببنا أن نعلم من أتى بالصواب فنظرنا في ذلك فإذا شعيب بن أيوب قد رواه عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير على الوجهين جميعا عن محمد بن جعفر بن الزبير ثم أتبعه عن محمد بن عباد بن جعفر فصح القولان جميعا عن أبي أسامة وصح أن الوليد بن كثير رواه عن محمد بن جعفر بن الزبير وعن محمد بن عباد بن جعفر جميعا عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه فكان أبو أسامة مرّة يحدث به عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير ومرة يحدّث به عن الوليد عن محمد بن عباد بن جعفر اهـ وهو جمع حسن. (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن سؤر السباع والدواب نجس وإلا لم يمكن لسؤالهم والجواب عنه معنى، وعلى نجاسة بولها وروثها لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قيد عدم تنجس الماء الذى ترده السباع بالقلتين فإن المعتاد من السباع إذا وردت الماء أن تخوض فيه وتبول وقد لا تخلو أعضاؤها من التلوث بأبوالها ورجيعها، وفي ذلك اختلاف يأتي بيانه إن شاء الله تعالى، ودلّ بمنطوقه على أن الماء الكثير كالقلتين إذا حلت فيه نجاسة طهور لكن ما لم يتغير لحديث ثوبان "الماء طهور إلا ما غلب على ريحه أو على طعمه" رواه الدارقطني، ولما جاء عن أبي أمامة مرفوعا "إن الماء لا ينجسه شئ إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه" رواه ابن ماجه والطبراني، وهما وإن كانا ضعيفين لأن في سندهما رشدين بن سعد وهو متروك فقد قام الإجماع على العمل بمعناهما، ودلّ بمفهومه على أنه إذا كان الماء دون القلتين ينجس بملاقاة النجاسة وإن لم يتغير وهذا المفهوم يخصص حديث جابر مرفوعا "إن الماء لا ينجسه شيء" رواه ابن ماجه وفي إسناده طريف بن شهاب وهو ضعيف متروك عند من قال بالمفهوم كالشافعى ومن لم يقل به كمالك أجراه على عمومه فإن الماء قلّ أو كثر لا ينجس عنده إلا بالتغير، وما قاله الشافعى من تخصيص منطوق هذا الحديث بمفهوم حديث القلتين غير مسلم فإنه مفهوم مخالفة وهو أضعف من دلالة المنطوق لا يقوى على تخصيصه (من روى الحديث أيضا) رواه النسائي وابن ماجه والشافعى وأحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقى والطحاوى والدارمى والترمذي، قال الحافظ في التلخيص قال

الحاكم صحيح على شرطهما وقد احتجا بجميع رواته وقال ابن منده إسناده على شرط مسلم ومداره على الوليد بن كثير فقيل عنه عن محمد بن جعفر بن الزبير وقيل عنه عن محمد بن عباد بن جعفر وتارة عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر وتارة عن عبد الله بن عبد الله بن عمر (والجواب) أن هذا ليس اضطرابا قادحا فإنه على تقدير أن يكون الجميع محفوظا انتقال من ثقة إلى ثقة، وعند التحقيق الصواب أنه عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله بن عمر المكبر، وعن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر المصغر ومن رواه على غير هذا الوجه فقد وهم. (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، ح وثَنَا أَبُو كَامِلٍ، ثَنَا يَزِيدُ ابْنَ زُرَيْعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ أَبُو كَامِلٍ: ابْنُ الزُّبَيْرِ: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلَاةِ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ. (ش) غرض المصنف من ذكر هذه الرواية تقوية رواية الوليد بن كثير، وابن كثير وابن إسحاق وإن كان فيهما مقال فالضعيف يقوّى بعضه بعضا (رجال الحديث) (قوله أبو كامل) فضيل بن حسين بن طلحة الجحدرى بفتح الجيم وإسكان الحاء المهملة البصرى. روى عن حماد ابن زيد ويحيى القطان وأبي عوانة وحماد بن سلمة وغيرهم. وعنه أبو زرعة وأبو داود ومسلم والنسائي عن زكريا السجزى عنه والبخارى تعليقا والبزار وطائفة. وثقه ابن المديني وابن حبان وقال أحمد بصير بالحديث متقن. ولد سنة خمس وأربعين ومائة ومات سنة سبع وثلاثين ومائتين (قوله يزيد بن زريع) أبو معاوية التميمي البصرى الحافظ. روى عن هشام ابن عروة وعبد الله بن عون وأيوب السختياني وشعبة والثوري وكثيرين، وعنه ابن عون وقتيبة ابن سعيد ومسدّد وابن المديني وجماعة، قال ابن معين هو الصدوق الثقة المأمون وقال أبو حاتم ثقة إمام وقال أحمد بن حنبل ما أتقنه ما أحفظه وإليه المنتهى في التثبت صدوق متقن وقال أبو عوانة صحبته أربعين سنة يزداد في كل يوم خيرا وقال ابن سعد كان ثقة حجة كثير الحديث وقال ابن حبان كان من أورع أهل زمانه وقال النسائي ثقة وقال عفان كان من أثبت الناس قيل إنه تغير في آخر عمره. ولد سنة إحدى ومائة، وتوفي بالبصرة. لثمان خلت من شوّال سنة اثنتين وثمانين ومائة. روى له الجماعة (قوله قال أبو كامل ابن الزبير) أى قال أبو كامل في إسناده إلى محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير يزيادة جدّ محمد، أما موسى بن إسماعيل

من أخرج هذه الرواية أيضا

فلم يذكره ثم اتفقا فقالا عن عبيد الله بالتصغير ابن عبد الله بن عمر، فلفظ ابن الزبير مجرور صفة لمحمد بن جعفر وهو مقول قول أبي كامل (قوله يكون في الفلاة) أى يوجد فيها، والفلاة الأرض التي لا ماء فيها جمعها فلا محصاة وحصا وجمع الجمع أفلاء كسبب وأسباب (قوله فذكر معناه) أى ذكر محمد بن إسحاق في روايته عن محمد بن جعفر معنى الحديث السابق عن الوليد بن كثير عنه، ولفظه كما في ابن ماجه بسنده إلى محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر عن عبيد الله ابن عبد الله عن أبيه قال سمعت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سئل عن الماء يكون بالفلاة من الأرض وما ينوبه من الدوابّ والسباع فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شئ. (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، أَنَا عَاصِمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَنْجُسُ» (ش) هذه رواية ثالثة لحديث ابن عمر مقوّية أيضا لرواية الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر عن عبيد الله (رجال الحديث) (قوله عاصم بن المنذر) ين الزبير بن العوّام القرشى الأسدى المدني روى عن جدته أسماء بنت أبي بكر الصديق وعميه عبد الله وعروة وعن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعنه الحمادان وإسماعيل بن علية وهشام بن عروة، وثقه أبو زرعة وقال أبو حاتم صالح الحديث. روى له أبو داود وابن ماجه (قوله لا ينجس) بفتح الجيم وقد تضم من بابي تعب وقتل وهو تفسير لقوله في الرواية الأولى لم يحمل الخبث كما تقدّم، ومناسبة الحديث للترجمة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سئل عن الماء وما ينوبه من الدّوابّ والسباع فأجاب بأن الماء إذا بلغ قلتين لا ينجس فدلّ بمفهومه على أن الماء إذا خالطه شيء من النجاسات التي تحصل غالبا عند مخالطة الدوابّ للماء وكان أقل من قلتين يتنجس (من أخرج هذه الرواية أيضا) أخرجها البيهقي من عدّة طرق وقال فيه قوّة لرواية ابن إسحاق، وأخرجها أيضا. ابن ماجه والحاكم بلفظ إذا كان الماء قلتين أو ثلاثا لم ينجسه شئ قال الحاكم هكذا حدثنا عن الحكم بن سفيان وقد رواه عفان بن مسلم وغيره من الحفاظ عن حماد بن سلمة ولم يذكروا فيه أو ثلاثا اهـ وقال الحافظ في التلخيص وله طريق ثالثة رواها الحاكم وغيره من طريق حماد بن سلمة عن عاصم بن المنذر عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه وسئل ابن معين عن هذه الطريق فقال إسنادها جيد، قيل فإن ابن علية لم يرفعه بل رواه عن

بيان الاختلاف في سند الحديث

ابن عمر موقوفا فقال وإن لم يحفظه ابن علية فالحديث جيد الإسناد اهـ وقال أبو بكر البيهقي هذا الإسناد صحيح موصول اهـ وقال ابن القيم ومع صحة سنده فهو غير صحيح المتن لأنه لا يلزم من صحة السند صحة الحديث ما لم ينتف عنه الشذوذ والعلة ولم ينتفيا عن هذا الحديث: أما الشذوذ فإن هذا الحديث مع شدّة حاجة الأمة إليه لفصله بين الحلال والحرام والطاهر والنجس لم يروه غير ابن عمر ولا عن ابن عمر غير ابنيه، فأين نافع وسالم وأيوب وسعيد بن جبير وأين أهل المدينة وعلماوها لم يعلموا هذه السنة وهم إليها أحوج الخلق لعزّة الماء عندهم، ومن البعيد جدّا أن تكون هذه السنة عند ابن عمر وتخفى على علماء المدينة ولا يذهب إليها أحد منهم ولا يروونها ومن أنصف لم يخف عليه امتناع هذا فلو كانت هذه السنة العظيمة المقدار عند ابن عمر لكان أصحابه وأهل المدينة أوّل من يقول بها ويرويها وحيث لم يقل بهذا التحديد أحد من أصحاب ابن عمر علم أنه لم يكن فيه عنده سنة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأما علته فالاختلاف فيه على عبد الله رفعا ووقفا، وقد رجح شيخ الإسلام أبو الحجاج المزّى وأبو العباس ابن تيمية وقفه، ويدلّ على وقفه أن مجاهدا وهو العلم المشهور والثبت المعروف رواه عنه موقوفا كما صوّبه الدارقطني فقد قال في السنن حدثنا محمد بن إسماعيل الفارسى أنا عبد الله بن الحسين بن جابر أنا محمد بن كثير المصيصى عن زائدة عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا كان الماء قلتين فلا ينجسه شئ، رفعه هذا الشيخ عن محمد بن كثير عن زائدة ورواه معاوية بن عمرو عن زائدة موقوفا وهو الصواب اهـ قال ورجح البيهقي في سننه وقفه من طريق مجاهد وجعله هو الصواب. قال شيخنا أبو العباس تقي الدين هذا كله يدل على أن ابن عمر لم يكن يحدّث به عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولكن سئل عن ذلك فأجاب. بحضرة ابنه فنقل ابنه ذلك عنه اهـ كلام ابن القيم بتصرف، وقد يقال إن ما ذكره من الشذوذ والعلة ليس بقادح في صحة الحديث فإن انفراد الصحابي بحديث وسكوت بقية الصحابة عنه لا يستلزم ردّ ذلك الحديث وإلا لسقط كثير من الأحاديث الصحيحة التي تفرد بها الصحابي ولا يخفي بعده، وأما كونه موقوفا على ابن عمر من طريق مجاهد فلا ينافي ما ثبت عن الثقات من رفعه إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. قال الخطابي ويكفي شاهدا على صحة هذا الحديث أن نجوم أهل الحديث صححوه وقالوا به واعتمدوه في تحديد الماء وهم القدوة وعليهم المعوّل في هذا الباب اهـ ببعض تصرّف (والحاصل) أن الحديث قد اختلف في سنده ومتنه وفي معناه ورفعه ووقفه، أما الاختلاف في السند فقد جاء من ثلاث روايات (إحداها) رواية الوليد بن كثير رواها أبو داود عن محمد بن العلاء الخ ورواه عن أبي أسامة عن الوليد عن محمد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله جماعة منهم إسحاق بن راهوية وأحمد بن جعفر

بيان الاختلاف في متنه

الوكيعى وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو عبيدة بن أبي السفر ومحمد بن عباد وحاجب بن سليمان وهناد ابن السرىّ والحسين بن حريث، وذكر ابن منده أن أبا ثور رواه عن الشافعى عن عبد الله بن الحارث المخزومى عن الوليد بن كثير قال ورواه موسى بن أبي الجارود عن البويطي عن الشافعى عن أبي أسامة وغيره عن الوليد بن كثير فدلت روايته على أن الشافعى سمع هذا الحديث من عبد الله بن الحارث وهو من الحجازيين ومن أبي أسامة وهو كوفي جميعا عن الوليد بن كثير (والرواية الثانية) رواية محمد بن إسحاق وقد أخرجها الترمذى من حديث هناد وأبو داود من حديث حماد بن سلمة ويزيد بن زريغ وابن ماجه من حديث يزيد بن هارون وابن المبارك كلهم عن ابن إسحاق ورواه أحمد بن خالد الوهبي وإبراهيم بن سعد الزهرى وزائدة بن قدامة ورواه عبيد الله بن محمد بن عائشة عن حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق بسنده وقال فيه إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سئل عن الماء يكون بالفلاة وترده السباع والكلاب فقال إذا كان الماء قلتين لا يحمل الخبث رواه البيهقي وقال كذا قال السباع والكلاب وهو غريب. وقال إسماعيل بن عياش عن محمد بن إسحاق الكلاب والدوابّ، ورواه محمد بن وهب عن ابن عياش عن ابن إسحاق عن الزهرى عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه سئل عن القليب تلقى فيه الجيف وتشرب منه الكلاب والدوابّ فقال ما بلغ الماء قلتين فما فوق ذلك لم ينجسه شئ رواه الدارقطني (والرواية الثالثة) رواية حماد بن سلمة عن عاصم بن المنذر واختلف في إسنادها ومتنها. أما الإسناد فرواه أبو داود وابن ماجه عن موسى بن إسماعيل عن حماد عن عاصم عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر قال حدّثني أبي أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا كان الماء قلتين فإنه لا ينجس قال الدارقطني وخالفه "أي حماد بن سلمة" حماد بن زيد فرواه عن عاصم بن المنذر عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه موقوفا على ابن عمر وكذلك رواه إسماعيل بن علية عن عاصم بن المنذر عن رجل لم يسمه عن ابن عمر موقوفا أيضا اهـ وأما الاختلاف في متنه فإن يزيد بن هارون رواه عن حماد بن سلمة فاختلف فيه على يزيد فقال الحسن بن محمد الصباح عن حماد عن عاصم قال دخلت مع عبيد الله بن عبد الله بن عمر بستانا فيه مقرى ماء فيه جلد بعير ميت فتوضأ فيه فقلت له أنتوضأ منه وفيه جلد بعير ميت فحدّثني عن أبيه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا بلغ الماء قلتين أو ثلاثا لم ينجسه شيء أخرجه أحمد والدارقطني، وقوله مقرى ماء أي حوض فيه ماء، وكذلك رواه وكيع عن حماد بن سلمة وقال إذا بلغ الماء قلتين أو ثلاثا لم ينجسه شيء رواه ابن ماجه في سننه. وروى الدارقطني في سننه وابن عدىّ في الكامل والعقيلي في كتابه عن القاسم بن عبد الله العمرى عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا

الجواب عن دعوى الاضطراب في سنده ومتنه

بلغ الماء أربعين قلة فإنه لا يحمل الخبث، وقال الدارقطني القاسم العمرى وهم في إسناده وكان ضعيفا كثير الخطأ. وروى الدارقطني أيضا عن بشر بن السريّ عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سليمان بن سنان عن عبد الرحمن بن أبي هريرة عن أبيه قال إذا كان الماء قدر أربعين قلة لم يحمل خبثا، قال وخالفه غير واحد رووه عن أبي هريرة فقالوا أربعين غربا، ومنهم من قال أربعين دلوا اهـ من العيني بتصرف، وقد أجيب عن دعوى الاضطراب في الإسناد بأنه لا يقدح فيه إذ لا مانع من سماع الوليد بن كثير له عن محمد بن عباد ومحمد بن جعفر فقد قال الدارقطني قد صح أن الوليد بن كثير رواه عنهما جميعا فحدّث به أبو أسامة على الوجهين. وكذلك لا مانع من رواية عبيد الله وعبد الله له كلاهما عن أبيهما فرواه المحمدان عن هذا تارة وعن هذا تارة أفاده ابن القيم، وعن دعوى الاضطراب في المتن بأن رواية أو ثلاث شاذة ورواية أربعين قلة مضطربة وقيل إنهما موضوعتان. ورواية أربعين قلة أيضا ضعفها الدارقطني بالقاسم بن عبد الله العمري. وأما الاختلاف في معناه فقد قال العيني قيل إن القلة اسم مشترك يطلق على الجرّة وعلى القربة وعلى رأس الجبل، وقد روى الشافعى في تفسيرها حديثا فقال في مسنده أخبرني مسلم بن خالد الزنجى عن ابن جريج بإسناد لا يحضرني ذكره أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا كان الماء قلتين لم يحمل خبثا وقال في الحديث بقلال هجر قال ابن جريج وقد رأيت قلال هجر فالقلة تسع قربتين أو قربتين وشيئا. قال الشافعى فالاحتياط أن تكون القلة قربتين ونصفا. فإذا كان الماء خمس قرب كبار كقرب الحجاز لم يحمل نجسا إلا أن يظهر في الماء ريح أو طعم أو لون، والجواب عن ذلك أن في هذا الحديث ثلاثة أشياء (أحدها) أن مسلم بن خالد ضعفه البيهقي وجماعة (الثاني) أن الإسناد الذى لم يحضره ذكره مجهول فهو كالمنقطع فلا تقوم به حجة (الثالث) أن قوله وقال في الحديث بقلال هجر يوهم أنه من لفظ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والذى في رواية ابن جريج أنه قول يحيى بن عقيل، وأما ما أسنده البيهقى عن محمد بن يحيى عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا ولا بأسا قال فقلت ليحي بن عقيل قلال هجر قال قلال هجر قال فأظن أن كل قلة تسع فرقين زاد أحمد بن على في رواية والفرق ستة عشر رطلا فالجواب عنه أن فيه أشياء (الأول) أنه مرسل (والثاني) أن محمد بن يحيى يحتاج إلى الكشف عن حاله كما قاله أبو أحمد الحافظ (والثالث) أنه ظن من غير جزم (والرابع) أنه إذا كان الفرق ستة عشر رطلا يكون مجموع القلتين أربعة وستين رطلا وهذا لا يقول به البيهقي وإمامه، ولما وضح هذا الطريق وعرف أن حجة أصحابنا هي أقوى أوّلنا قوله عليه الصلاة والسلام لم يحمل الخبث بمعنى يضعف عن احتمال النجاسة يريد أنه لقلته يضعف عن احتمال الخبث كما يقال

باب ما جاء في بئر بضاعة

فلان لا يحتمل الضرب وهذه الدّابة لا تحتمل هذا المقدار من الحمل وهذه الأسطوانة لا تحتمل ثقل السقف اهـ بتصرّف، وأما الاختلاف في رفعه ووقفه فقد تقدم عن ابن القيم وقد علمت ما فيه وأشار له المصنف بقوله. (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَقَفَهُ (ش) هذه العبارة ساقطة من بعض النسخ والغرض منها بيان أن الحمادين رويا الحديث عن عاصم واختلفا في رفعه ووقفه فرفعه ابن سلمة ووقفه ابن زيد وقد قوى الدارقطني وقفه برواية إسماعيل بن علية حيث قال بعد إخراج رواية حماد بن سلمة وخالفه حماد بن زيد رواه عن عاصم بن المنذر عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر موقوفا غير مرفوع وكذلك رواه إسماعيل بن علية عن عاصم بن المنذر عن رجل لم يسمه عن ابن عمر موقوفا أيضا اهـ (باب ما جاء في بئر بضاعة) أى في بيان حكم مائها، وبضاعة بكسر الموحدة وضمها وهو المحفوظ في الحديث والأكثر لغة دار لبني ساعدة بالمدينة وهم بطن من الخزرج وبئرها معلومة، قال في البدر المنير بضاعة اسم لصاحب البئر، وقيل اسم لموضعها وهى بئر بالمدينة بصق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وبرّك وتوضأ في دلو وردّه فيها وكان إذا مرض مريض يقول له اغتسل بمائها فيغتسل فكأنما نشط من عقال وهى في ديار بني ساعدة معروفة اهـ. (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيُّ، قَالُوا: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ بِئْرٌ يُطْرَحُ فِيهَا الْحِيَضُ وَلَحْمُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَافِعٍ. (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن سليمان الأنبارى) بن أبي داود أبو هارون. روى عن أبي معاوية الضرير ووكيع وابن مهدى ومحمد بن يزيد الواسطى وغيرهم، وعنه يعقوب بن شيبة وابن أبي عاصم ومحمد بن وضاح وبقيّ بن مخلد وغيرهم. وثقه الخطيب ومسلمة. مات سنة أربع

وثلاثين ومائتين، والأنبارى نسبة إلى أنبار بفتح الهمزة مدينة قرب بلخ (قوله أبو أسامة) حماد بن أسامة (قوله محمد بن كعب) بن سليم بن أسد أبو حمزة القرظى المدنى. روى عن العباس بن المطلب وعلى وابن مسعود وأبي ذرّ وأبي هريرة وجابر وأنس وكثيرين، وعنه الحكم بن عتيبة وابن عجلان ويزيد بن الهاد والوليد بن كثير وآخرون، قال العجلى تابعى ثفة وقال ابن سعد كان ثقة عالما كثير الحديث وقال ابن حبان كان من أفضل أهل المدينة علما وفقها وقال عون بن عبد الله ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن منه، قيل توفي سنة ثماني عشرة ومائة. روى له الجماعة (قوله عبيد الله بن عبد الله الخ) أبو الفضل الأنصارى، وقيل عبد الله ابن عبد الله ذكره البيهقي. روى عن أبيه وأبي رافع وأبي سعيد وجابر، وعنه هشام بن عروة وسليط بن أبي أيوب ومحمد بن كعب وعبد الله بن أبي سلمة، صحح أحمد حديثه وعدّه ابن حبان في الثقات وقال ابن منده مجهول وقال ابن القطان لا يعرف حاله. مات سنة إحدى عشرة ومائة (قوله أتتوضأ) بتائين بصيغة الخطاب للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفي نسخة أنتوضأ بالنون والتاء على صيغة المتكلم مع الغير أى أيجوز لنا التوضؤ منها وقول النووى إن الثانية تصحيف ردّه العراقى في شرح أبي داود (قوله يطرح فيها الحيض) أى يلقى. فيها الخرق التي تمسح بها المرأة دم الحيض أو تجعلها. على الفرج بين فخذيها والحيض بكسر الحاء المهملة وفتح المثناة التحتية جمع حيضة بكسر ففتح (قوله والنتن) بنون مفتوحة فتاء مثناة ساكنة وتكسر أو بفتحتين وهو الشئ الذى له رائحة كريهة من قولهم نتن ينتن من بابي ضرب وتعب فهو نتن بفتح فكسر ويقال أنتن فهو منتن ونتن نتونة ونتانة من باب قرب فهو نتين كقريب، والمراد أن الناس يلقون الحيض ولحوم الكلاب والنتن في الصحارى خلف بيوتهم فيجرى عليها السيل ويلقيها في تلك البئر لأنها كانت منخفضة وكان ماؤها كثيرا لا تغيره هذه الأشياء، وليس المراد أن الناس يلقونها فيها لأنه كان من عادتهم في الجاهلية والإسلام تنزيه الماء وصونه عن النجاسات فلا يتوهم أن الصحابة وهم أطهر الناس وأنزههم كانوا يفعلون ذلك عمدا مع قلة الماء عندهم، أو أن الذى كان يفعل ذلك المنافقون (قوله الماء طهور) أل في الماء للعهد والمعهود ماء بئر بضاعة ويحتمل أن تكون للاستغراق وهو الأقرب، وطهور بفتح الطاء المهملة أي طاهر مطهر كما تفيده صيغة المبالغة (قوله لا ينجسه شيء) أى ما لم يتغير وإلا تنجس بالإجماع لأنه بالتغير خرج عن كونه ماء مطهرا فلم يبق على الطهورية، وما جاء في بعض الطرق من أن ماء هذا البئر كان كنقاعة الحناء فهو محمول على لون مائها (قال العيني) وبهذا الحديث استدل مالك على أن الماء لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه وإن كان قليلا ما لم يتغير أحد أوصافه (والجواب) عن هذا أن هذه البئر كانت

مذاهب العلماء فيما يتنجس به الماء

في حدور من الأرض والسيول كانت تكسح هذه الأقذار من الطرق والأفنية وتحملها فتلقيها فيها وكان الماء لكثرته لا يؤثر فيه وقوع هذه الأشياء ولا تغيره فسألوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن شأنها ليعلموا حكمها في الطهارة والنجاسة فكان من جوابه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لهم أن الماء لا ينجسه شئ يريد الكثير منه الذى صفته صفة ماء هذه البئر في غزارته لأن السؤال إنما وقع عنها فخرج الجواب عليها، على أن بعضهم قد تكلم في هذا الحديث منهم ابن القطان في كتابه الوهم والإيهام وضعفه وقال إن في إسناده اختلافا فقوم يقولون عبيد الله بن عبد الله بن رافع وقوم يقولون عبد الله بن عبد الله بن رافع ومنهم من يقول عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع ومنهم من يقول عبد الله ومنهم من يقول عن عبد الرحمن بن رافع قال فتحصل فيه خمسة أقوال وكيفما كان فهو لا يعرف له حال اهـ وقوله يريد الكثير منه الخ فيه نظر لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر (قوله وقال بعضهم عبد الرحمن بن رافع) أى قال بعض الرواة وهو محمد بن سلمة في السند الآتي عن عبيد الله ابن عبد الرحمن بن رافع بدل ابن عبد الله بن رافع في السند أو قال عن عبد الرحمن بن رافع بدل عبيد الله بن عبد الله بن رافع وقد نص البخارى على أن هذا وهم وقال البيهقي بعد سياق السند الآتي للمصنف وقيل عن محمد بن سلمة في هذا الإسناد عن عبد الرحمن بن رافع الأنصارى بصيغة التضعيف (فقه الحديث) دل الحديث على أن الماء لا يتنجس بوقوع شئ فيه سواء أكان قليلا أم كثيرا ولو تغيرت أوصافه، لكن قام الإجماع على أن الماء إذا تغير أحد أوصافه بالنجاسة خرج عن الطهورية فكان الاحتجاح به على نجاسة ما تغير بحلول نجاسة فيه لا بالاستثناء في حديث إن الماء طهور إلا إن تغير ريحه أو لونه أو طعمه بنجاسة تحدث فيه رواه البيهقي عن أبي أمامة ورجح أبو حاتم إرساله، وقال الدارقطني لا يثبت هذا الحديث، فلذا لم يحتج بهذا الاستثناء فلا ينجس الماء بما لاقاه ولو كان قليلا إلا إذا تغير. وقد ذهب إلى ذلك ابن عباس وأبو هريرة والحسن البصرى وابن المسيب. وعكرمة وابن أبي ليلى والثورى وداود الظاهرى والنخعى وجابر بن زيد ومالك والغزالى ومن أهل البيت القاسم والإمام يحيى، والحديث وإن ورد على سبب خاص وهو بئر بضاعة فلفظه عام والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وذهب ابن عمر ومجاهد وإسحاق ومن أهل البيت الهادى والمؤيد بالله وأبو طالب والناصر، وكذا الشافعية وأحمد والحنفية إلى أنه ينجس القليل بما لاقاه من النجاسة وإن لم تتغير أوصافه إذ تستعمل النجاسة باستعماله لحديث إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها فإنه لا يدرى أين باتت يده وسيأتي للمصنف فنهى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم النائم عن غمس يده وعلل النهى بخشية النجاسة ومعلوم أن النجاسة التي قد تكون على يده وتخفي عليه لا تغير الماء، ولخبر إذا ولغ الكلب

مذاهب العلماء في حد الماء القليل

في إناء أحدكم فليغسله سبعا، وفي رواية فليرقه ثم ليغسله سبعا، فإن الأمر بالغسل والإراقة دليل النجاسة، ولحديث لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم، رواهما المصنف، ولحديث القلتين، ولحديث استفت قلبك وإن أفتاك المفتون، عند أحمد وأبى يعلى والطبراني وأبى نعيم مرفوعا. ولحديث دع ما يريبك إلى ما لا يريبك أخرجه النسائي وأحمد وصححه ابن حبان والحاكم والترمذي من حديث الحسن بن على. قالوا فحديث الماء طهور لا ينجسه شئ مخصص بهذه الأدلة، واختلفوا في حدّ القليل الذي يجب اجتنابه عند وقوع النجاسة فيه، فقيل ما ظن استعمالها باستعماله، وإليه ذهب أبو حنيفة والمؤيد بالله وأبو طالب، وقيل ما دون القلتين على اختلاف في قدرهما، وإليه ذهب الشافعى وأصحابه والناصر والمنصور بالله. وأجاب القائلون بأن القليل لا يتنجس بالملاقاة للنجاسة إلا إن تغير بأن ما استدلوا به من الأحاديث لا يدلّ دلالة جازمة على مدّعاهم، وعلى فرض أنها تدلّ فهى محمولة على ما إذا تغير أحد أوصاف الماء جمعا بين الأدلة وبأن الاستدلال بهذه الأحاديث على ظنّ استعمال النجاسة باستعمال ذلك الماء موجب للدور لأنه لا يعرف القليل إلا بظنّ الاستعمال ولا يكون ذلك الظن إلا بمعرفة القلة، على أن الظن لا ينضبط بل يختلف باختلاف الأشخاص. وأيضا جعل ظن الاستعمال مناطا يستلزم استواء القليل والكثير، وأجابوا عن حديث القلتين بأنه مضطرب الإسناد والمتن كما تقدم، وعلى تسليم صحته فلا معارضة أيضا بينه وبين حديث الباب لأن ما بلغ مقدار القلتين فصاعدا لا يحمل الخبث ولا ينجس بملاقاة النجاسة إلا إن تغير أحد أوصافه فنجس إجماعا فيخص بهذا الإجماع حديث القلتين وعموم حديث الباب، أما ما دون القلتين فإن تغير خرج عن الطهارة بالإجماع وبمفهوم حديث القلتين وإن لم يتغير بأن وقعت فيه نجاسة لم تغيره فحديث الباب يدلّ بعمومه على عدم خروجه عن الطهارة لمجرّد ملاقاة النجاسة وحديث القلتين يدلّ بمفهومه على خروجه عن الطهورية بملاقاتها والمنطوق مقدّم على المفهوم. قال في الروضة الندية قد دلّ حديث القلتين على أن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث وإذا كان دون القلتين فقد يحمل الخبث ولكنه كما قيد حديث الماء طهور لا ينجسه شئ بتلك الزيادة التي وقع الإجماع عليها كذلك يقيد حديث القلتين بها فيقال إنه لا يحمل الخبث إذا بلغ قلتين في حال من الأحوال إلا في حال تغير بعض أوصافه بالنجاسة فإنه حينئذ قد حمل الخبث بالمشاهدة وضرورة الحسّ فلا منافاة بين حديث القلتين وبين تلك الزيادة المجمع عليها، وأما ما كان دون القلتين فهو مظنة لحمل الخبث وليس فيه أنه يحمل الخبث قطعا وبتا ولا أن ما يحمله من الخبث يخرجه عن الطهورية لأن الخبث المخرج عن الطهورية هو خبث خاصّ وهو الموجب لتغير أحد أوصافه أو كلها لا الخبث الذى لم يغير (وحاصله) أن ما دلّ عليه مفهوم حديث القلتين من أن ما دونهما قد يحمل الخبث لا يستفاد منه

بيان أنه لا منافاة بين مفهوم حديث القلتين وبين سائر الأحاديث

إلا أن ذلك المقدار إذا وقعت فيه نجاسة قد يحملها وأما أنه يصير نجسا خارجا عن كونه طاهرا فليس في هذا المفهوم ما يفيد ذلك، ولا ملازمة بين حمل الخبث والنجاسة المخرجة عن الطهورية لأن الشارع قد نفى النجاسة عن مطلق الماء كما في حديث أبي سعيد المتقدّم وما شهد له، ونفاها عن الماء المقيد بالقلتين كما في حديث عبد الله بن عمر المتقدّم أيضا، وكان النفي بلفظ هو أعم صيغ العام فقال في الأول لا ينجسه شئ وقال في الثاني أيضا كما في تلك الرواية لم ينجسه شيء فأفاد ذلك أن كل ماء على وجه الأرض طاهر إلا ما ورد فيه التصريح بما يخصص هذا العام مصرّحا بأنه يصير الماء نجسا كما وقع في تلك الزيادة التي وقع الإجماع عليها فإنها وردت بصيغة الاستثناء من ذلك الحديث فكانت من المخصصات المتصلة بالنسبة إلى حديث أبي سعيد ومن المخصصات المنفصلة بالنسبة إلى حديث عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما على القول الراجح في الأصول وهو أنه يبني العام على الخاص مطلقا، فتقرر بهذا أنه لا منافاة بين مفهوم حديث القلتين وبين سائر الأحاديث بل يقال فيه إن ما دون القلتين إن حمل الخبث حملا استلزم تغير ريح الماء أو لونه أو طعمه فهذا هو الأمر الموجب للنجاسة والخروح عن الطهورية وإن حمله حملا لا يغير تلك الأوصاف فليس ذلك الحمل مستلزما للنجاسة اهـ وقال الشوكاني في الدرر البهية الماء طاهر ومطهر لا يخرجه عن الوصفين إلا ما غير ريحه أو لونه أو طعمه من النجاسات ولا فرق بين قليل وكثير وما فوق القلتين وما دونهما ومتحرّك وساكن، قال شارحه في الروضة الندية لا يخرج الماء عن الوصفين أى عن كونه طاهرا ومطهرا إلا ما غير أحد أوصافه الثلاثة من النجاسات لا من غيرها وهذا المذهب هو أرجح المذاهب وأقواها والدليل عليه ما أخرجه أحمد وصححه وأبو داود والترمذى وحسنه والنسائي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي والحاكم وصححه وصححه أيضا يحيى بن معين وابن حزم من حديث أبي سعيد قال قيل يا رسول الله أتتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الماء طهور لا ينجسه شيء، وقد أعله ابن القطان باختلاف الرواة في اسم الراوى له عن أبي سعيد واسم أبيه وليس ذلك بعلة. وقد اختلف في أسماء كثير من الصحابة والتابعين على أقوال ولم يكن ذلك موجبا للجهالة، على أن ابن القطان نفسه قال بعد ذلك الإعلال وله طريق أحسن من هذه ثم ساقها عن أبي سعيد وقد قامت الحجة بتصحيح من صححه من أولئك الأئمة، وله شواهد منها حديث سهل بن سعد عند الدارقطني وحديث ابن عباس عند أحمد وابن خزيمة وابن حبان وحديث عائشة عند الطبراني في الأوسط وأبي يعلى والبزار وابن السكن كلها بنحو حديث أبي سعيد، وأخرجه يزيادة الاستثناء الدارقطني من حديث ثوبان بلفظ الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه أو طعمه، وأخرجه أيضا مع

الزيادة ابن ماجه والطبراني من حديث أبي أمامة بلفظ إن الماء طهور إلا إن تغير ريحه أو لونه أو طعمه بنجاسة تحدث فيه، وفي إسنادهما من لا يحتج به، وقد اتفق أهل الحديث على ضعف هذه الزيادة لكنه قد وقع الإجماع على مضمونها كما نقله ابن المنذر وابن الملقن في البدر المنير والمهدي في البحر، فمن كان يقول بحجية الإجماع كان الدليل عنده على ما أفادته تلك الزيادة هو الإجماع، ومن كان لا يقول بحجية الإجماع كان ذلك الإجماع مفيدا لصحة تلك الزيادة لكونها قد صارت مما أجمع على معناها بالقبول فالاستدلال بها لا بالإجماع اهـ. (من روى الحديث أيضا) رواه الشافعى وأحمد والنسائي والترمذي والدارقطني والحاكم والبيهقي وصححه يحيى بن معين وأبو محمد ابن حزم. قال المنذرى تكلم فيه بعضهم وحكى عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال حديث بئر بضاعة صحيح اهـ وقال الترمذى حديث حسن وقد جوّد أبو أسامة هذا الحديث فلم يرو أحد حديث أبي سعيد في بئر بضاعة أحسن مما روى أبو أسامة وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد اهـ وقال في التلخيص وفي الباب عن جابر عند ابن ماجه بلفظ إن الماء لا ينجسه شيء، وفي إسناده أبو سفيان طريف بن شهاب وهو ضعيف متروك وعن ابن عباس بلفظ الماء لا ينجسه شيء رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان وعن سهل بن سعد عند الدارقطني وعن عائشة بلفظ إن الماء لا ينجسه شئ رواه الطبراني في الأوسط وأبو يعلى والبزار وابن السكن في صحاحهم ورواه أحمد من طريق أخرى صحيحة لكنه موقوف وأخرجه أيضا بزيادة الاستثناء الدارقطني من حديث ثوبان بلفظ الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه أو طعمه، وفي إسناده رشدين بن سعد وهو متروك وعن أبي أمامة مثله عند ابن ماجه والطبراني وفيه أيضا رشدين ورواه الييهقى بلفظ إن الماء طاهر إلا إن تغير ريحه أو لونه أو طعمه بنجاسة تحدث فيه، أو رده من طريق عطية بن بقية عن أبيه عن ثور عن راشد بن سعد عن أبي أمامة وفيه تعقب على من زعم أن رشدين بن سعد تفرّد بوصله ورواه الطحاوي والدارقطني من طريق راشد بن سعد مرسلا وصحح أبو حاتم إرساله وقال الشافعى لا يثبت أهل الحديث مثله وهو قول العامة لا أعلم بينهم خلافا وقال الدارقطني لا يثبت هذا الحديث وقال النووي اتفق المحدّثون على تضعيفه اهـ ملخصا فتلخص أن الاستثناء المذكور ضعيف فتعين الاحتجاج بالإجماع. قال ابن المنذر أجمع العلماء على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له طعما أو لونا أو ريحا فهو نجس اهـ. (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِيَّانِ، قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَلِيطِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ

الْأَنْصَارِيِّ ثُمَّ الْعَدَوِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُقَالُ لَهُ: إِنَّهُ يُسْتَقَى لَكَ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا لُحُومُ الْكِلَابِ، وَالْمَحَايِضُ وَعَذِرُ النَّاسِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» (ش) (رجال الحديث) (قوله أحمد بن أبي شعيب) هو أحمد بن عبد الله بن أبى شعيب مسلم القرشى أبو الحسن الأموي مولي عمر بن عبد العزيز. روى عن زهير بن معاوية وموسى بن أبي الفرات وموسى بن أعين ومحمد بن سلمة وغيرهم. وعنه أبو زرعة وأبو حاتم والبخارى وأبو داود والنسائي وطائفة، قال أبو زرعة وأبو حاتم صدوق ثقة وذكره ابن حبان في الثقات، توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين (قوله عبد العزيز بن يحيى) ابن يوسف أبو الأصبغ. روى عن عيسى بن يونس ومحمد بن سلمة والوليد بن مسلم ومخلد بن يزيد وجماعة. روى عنه البخارى في كتاب الضعفاء وأبو داود وأبو زرعة وأبو حاتم وبقية بن مخلد وجعفر الفريابي وآخرون، وثقه أبو داود وقال النسائي وأبو حاتم صدوق. وقال البخارى يروي عن عيسى بن يونس ولا يتابع عليه وقال ابن عدى وابن الحذّاء لا بأس بروايته وذكره ابن حبان في الثقات. توفي سنة خمس وثلاثين ومائتين (قوله الحرانيان) صفة لأحمد وعبد العزيز تثنية حرّاني بالفتح والتشديد نسبة إلى حرّان مدينة بالجزيرة بينها وبين الرّها يوم وبينها وبين الرّقة يومان وهى على طريق الموصل والشام فتحت في عهد عمر بن الخطاب على يد عياض بن غنم (قوله محمد بن سلمة) بن عبد الله أبو عبد الله الباهلى الحراني مولى بني قتيبة. روى عن هشام بن حسان وابن عجلان ومحمد بن إسحاق وسعيد بن سنان وآخرين وعنه أحمد بن حنبل وأبو داود وعبد العزيز بن يحيى وموسى بن عبد الرحمن وآخرون قال ابن سعد كان ثقة فاضلا عالما وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو عروبة أدركنا الناس لا يختلفون في فضله وحفظه ووثقه النسائي والعجلى، توفي سنة إحدى أو اثنتين وتسعين ومائة روى له الجماعة إلا البخاري (تنبيه) قال النووى سلمة كله بفتح اللام إلا عمرو بن سلمة إمام قومه وبني سلمة القبيلة من الأنصار فبكسرها (قوله سليط) بفتح السين المهملة وكسر اللام (ابن أيوب) بن الحكم الأنصارى المدني. روي عن عبد الرحمن بن أبي سعيد وعبيد الله بن عبد الله بن رافع والقاسم بن محمد، وعنه خالد بن أبى نوف الشيبانى ومحمد بن إسحاق أخرج له

بيان أن ماء بئر بضاعة كان كثيرا لا يتغير

أبو داود والنسائي ووثقه ابن حبان قال في التقريب مقبول من السادسة (قوله ثم العدوى) بالعين والدال المهملتين منسوب إلى عدي بن يزيد جد أبيه (قوله إنه يستقي لك) بصيغة المجهول أى يخرج لك الماء من بئر بضاعة والمعنى قال أبو سعيد سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والحال أنه يقول له قائل إنه يستقي لك الخ وضمير إنه للشأن أو عائد على الماء المعلوم من السياق والجملة مقول يقال (قوله والمحايض) عطف على اللحوم جمع محيضة وهي خرقة الحيض كما تقدم (قوله وعذر الناس) بفتح العين المهملة وكسر الذال المعجمة وبالعكس جمع عذرة ككلمة وكلم وهو الغائط (قوله إن الماء طهور لا ينجسه شيء) قال العيني أكد الكلام في هذه الرواية بأنّ التي للتأكيد وقد قلنا إن ماء هذه البئر كان جاريا في البساتين وذكر عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا أنها كانت قناة ولها منفذ إلى بساتينهم ويسقى منها خمسة بساتين أو سبعة وكان الماء لكثرته لا يؤثر فيه وقوع هذه الأشياء ولا تغيره اهـ. (من أخرج هذه الرواية أيضا) أخرجها البيهقى وأخرجها الدارقطني من طريق محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن سليط بن أيوب عن عند الرحمن بن رافع عن أبي سعيد ثم قال خالفه إبراهيم بن سعد رواه عن ابن إسحاق عن سليط فقال عن عبيد الله بن عبد الرحمن (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وسَمِعْت قُتَيْبَةَ بْنَ سَعِيدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ قَيِّمَ بِئْرِ بُضَاعَةَ عَنْ عُمْقِهَا؟ قَالَ: أَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِيهَا الْمَاءُ إِلَى الْعَانَةِ، قُلْتُ: فَإِذَا نَقَصَ، قَالَ: دُونَ الْعَوْرَةِ. (ش) غرض المصنف بهذا بيان أن ماء بئر بضاعة كان كثيرا لا يتغير بما وقع فيها من النجاسات فلذا حكم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بطهارته (قوله قيم) بفتح القاف وتشديد المثناة التحتية المكسورة أى من كان يقوم بأمر البئر ومنه قيم المسجد وأصله قيوم اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء (قوله عن عمقها) بضم فسكون أى بعد قعرها يقال عمقت البئر عمقا من باب قرب وعماقة بالفتح أيضا بعد قعرها فهى عميقة والعمق بفتح العين المهملة اسم منه (قوله أكثر ما يكون فيها الماء إلى العانة) وفي بعض النسخ فقلت أكثر ما يكون فيها الماء قال إلى العانة والعانة الموضع الذى ينبت الشعر فيه حول قبل الرجل والمرأة (قوله دون العورة) قال ابن رسلان يشبه أن يكون المراد به عورة الرجل أى دون الركبة لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عورة الرجل ما بين سرّته وركبته ولا ينافي هذا ما تقدم من أن ماءها كان جاريا إلى البساتين لأن الجريان يكون بكثرة النزح أو بكثرة الماء النابع فيسيل من أعلى

مساحة بئر بضاعة

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: " وَقَدَّرْتُ أَنَا بِئْرَ بُضَاعَةَ بِرِدَائِي مَدَدْتُهُ عَلَيْهَا، ثُمَّ ذَرَعْتُهُ فَإِذَا عَرْضُهَا سِتَّةُ أَذْرُعٍ، وَسَأَلْتُ الَّذِي فَتَحَ لِي بَابَ الْبُسْتَانِ فَأَدْخَلَنِي إِلَيْهِ، هَلْ غُيِّرَ بِنَاؤُهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ؟ قَالَ: لَا، وَرَأَيْتُ فِيهَا مَاءً مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ ". (ش) غرض المصنف بهذا بيان أنه رأى بئر بضاعة وقاسها بردائه ثم قاسه بالذراع فإذا عرضها ستة أذرع وأنها باقية على ما كانت عليه زمانه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأن ماءها كثير فلذا حكم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بطهارة مائها مع وقوع النجاسات فيها أما ما رآه من تغير لون مائها فلعل سببه طول المكث أو لما وقع فيها من أوراق الشجر (قوله مددته عليها الخ) هذا بيان لكيفية تقديره إياها أى بسطت ردائي على البئر وقست الرداء بالذراع فوجدت عرض البئر ستة أذرع بالذراع الشرعي ويقدّر بنحو نصف متر (قوله ورأيت فيها ماء متغير اللون) قال النووى يعني بطول المكث وأصل المنبع لا بوقوع شئ أجنبي فيه اهـ وإنما فسر بذلك لقول ابن المنذر أجمع العلماء على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له طعما أو لونا أو ربحا فهو نجس. (باب الماء لا يُجنِب) أى في بيان أن الماء لا يوصف بالجنابة أى النجاسة ويجنب بضم المثناة التحتية وكسر النون من أجنب ويجوز فتح الياء وضم النون من جنب من باب قرب وكذا فتحهما من بابي منع وفرح أفاده في القاموس، والجنابة في الأصل البعد وصف بها المحدث حدثا أكبر لأنه يبعد عن مواطن الصلاة ونحوها من الطاعات ثم استعملت في النجاسة لأنها تبعد وتجتنب فلا تستعمل (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، ثَنَا سِمَاكٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي جَفْنَةٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لِيَتَوَضَّأَ مِنْهَا أَوْ يَغْتَسِلَ، فَقَالَتْ: لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَاءَ لَا يُجْنِبُ». (ش) (رجال الحديث) (قوله أبو الأَحوص) هو سلام بن سليم الكوفي الحافظ روى عن الأسود بن قيس وزياد بن علاقة وأبي إسحاق السبيعى وعاصم بن سليمان وجماعة

وعنه ابن مهدى وسعيد بن منصور وأبو نعيم وقتيبة بن سعيد وطائفة، قال ابن معين ثقة متقن وقال العجلى كان ثقة صاحب سنه واتباع ووثقه أبو زرعة والنسائي وقال أبو حاتم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن سعد كان كثير الحديث صالحا فيه، توفي سنة تسع وسبعين ومائة، وأما ما ذكره العيني من أن أبا الأحوص هذا هو عوف بن مالك بن نصلة فخطأ لأن مسددا ليس من تلاميذه بل من تلاميذ سلام بن سليم وكذا سماك ليس من شيوخ عوف بل من شيوخ سلام كما في تهذيب التهذيب، وأيضا فإن عوفا من التابعين ويبعد أن يكون بينه وبين الصحابي شيخان (قوله سماك) بكسر أوله وتحفيف الميم ابن حرب بن أوس بن خالد الذهلى وقيل الهذلى أبو المغيرة الكوفي أحد أعلام التابعين. روى عن جابر بن سمرة والنعمان بن بشير وأنس بن مالك وسعيد بن جبير وغيرهم، وعنه شعبة والثوري وداود بن أبي هند وحماد بن سلمة وغيرهم، قال سماك أدركت ثمانين من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكان قد ذهب بصرى فدعوت الله عز وجل فردّ عليّ بصرى قال ابن المديني له نحو مائتي حديث وروايته عن عكرمة مضطربة ووثقه ابن معين وأبو حاتم وقال صدوق وقال ابن عدى لسماك حديث كثير مستقيم وأحاديثه حسان وهو صدوق لا بأس به وضعفه شعبة وابن المبارك والثورى وقال النسائي ليس به بأس في حديثه شيء وقال البزار لا أعلم أحدا تركه. توفي سنة ثلاث وعشرين ومائة. روى له الجماعة إلا البخارى (قوله عكرمة) هو أبو عبد الله القرشى المدني مولى ابن عباس أصله من البربر من أهل المغرب. روى عن مولاه ابن عباس وعلى ابن أبي طالب وابن عمر وأبي سعيد الخدرى وكثيرين. وعنه عمرو بن دينار والزهرى والنخعى وقتادة وآخرون، وثقه أحمد وأبو حاتم والنسائي وقال ابن سعد كان كثير العلم ولا يحتج بحديثه وقال ابن عدى إذا روى عنه الثقات فهو مستقيم الحديث ولم تمتنع الأئمة من الرواية عنه اهـ وتكلم فيه بعضهم لكن قال العجلى ثقة بريء مما يرميه الناس به وقال ابن معين إذا رأيت إنسانا يقع في عكرمة وحماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام وقال البخارى ليس أحد من أصحابنا إلا وهو يحتج بعكرمة وقال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي قد أجمع عامة أهل العلم بالحديث على الاحتجاج بحديث عكرمة وقال إسحاق بن راهويه عكرمة عندنا إمام الدنيا. توفي سنة سبع ومائة. روى له الجماعة (قوله بعض أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) هى ميمونة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا لما أخرجه الدارقطني من حديث ابن عباس عن ميمونة قالت أجنبت فاغتسلت من جفنة ففضلت فيها فضلة فجاء النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يغتسل منه فقلت له إني قد اغتسلت منه فقال الماء ليس عليه جنابة فاغتسل منه، ولما رواه ابن ماجه من حديث ميمونة أيضا أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ بفضل

مذاهب العلماء في الماء المستعمل

غسلها من الجنابة (قوله في جفنة) بفتح الجيم وسكون الفاء هى القصعة الكبيرة وجمعها جفان وجفنات وهو متعلق بمحذوف حال من فاعل اغتسل أى مدخلة يدها في جفنة تغترف منها ليطابق قوله إن الماء لا يجنب، ويحتمل أن تكون في بمعنى من أي اغتسلت مغترفة من جفنة (قوله أو يغتسل) شك من أحد الرواة. والذى في الترمذى فأراد أن يتوضأ بدون شك (قوله إني كنت جنبا) تعني وقدا غتسلت منها والجنب بضم الجيم والنون من يجب عليه الغسل بالجماع أو خروج المني ويطلق على الواحد وغيره والمذكر وغيره بلفظ واحد وقد يجمع على أجناب وجنبين (قوله لا يجنب) أى لا ينجس لما في النسائي من حديث ابن عباس أن بعض أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اغتسلت من الجنابة فتوضأ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بفضلها فذكرت ذلك له فقال إن الماء لا ينجسه شيء. وعبر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقوله يجنب بدل ينجس مشاكلة وكأن ميمونة فهمت أن العضو الذى عليه الجنابة في الحكم كالعضو الذى عليه النجاسة فيحكم بنجاسة الماء من غمس العضو الجنب كما يحكم بنجاسته من غمس العضو المتنجس فيه فبين لها أن الأمر بخلاف ذلك. قال في النهاية في حديث ابن عباس الإنسان لا يجنب وكذا الثوب والأرض يريد أن هذه الأشياء لا يصير شئ منها جنبا يحتاج إلى الغسل لملامسة الجنب إياها اهـ واحتج مالك والنخعى والحسن البصرى والثورى بحديث الباب على طهورية الماء المستعمل، وأجاب القائلون بأن الماء المستعمل طاهر غير مطهر بأن ميمونة إنما اغترفت من الجفنة ولم تنغمس فيها إذ يبعد الاغتسال داخل الجفنة عادة وعلى فرض أنها اغتسلت في نفس الجفنة فلا يصلح دليلا لهم للاحتمال والدليل متى تطرّقه الاحتمال سقط به الاستدلال وهذا كله مع قطع النظر عما ورد في حديث ابن عباس عن ميمونة قالت أجنبت أنا ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فاغتسلت من جفنة وفضلت فيها فضلة فجاء النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليغتسل منها فقلت إني قد اغتسلت منها فاغتسل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال إن الماء لا يجنب رواه البغوى في شرح السنة والمصابيح أما مع النظر إليه فلا دليل لهم فيه ألبتة لتصريحه بأن الغسل من الجفنة لا فيها وأنه فضل منها فضلة والحكم بطهارة تلك الفضلة لا يقتضى طهورية الماء المستعمل. أفاده في المرقاة. (فقه الحديث) دل الحديث على جواز تطهر الرجل بفضل طهور المرأة وإن خلت به وبالأولى إذا لم تحل به وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعى وجمهور العلماء، وسيأتي تمام الكلام على بقية المذاهب في هذه المسألة في باب النهى عن الوضوء بفضل وضوء المرأة إن شاء الله تعالى (من روى الحديث أيضا) رواه النسائي والبيهقي وابن ماجه وأحمد والترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح وصححه ابن خزيمة وروى الدارمى والدارقطني نحوه. قال في الفتح وقد أعله

باب البول في الماء الراكد

قوم بسماك بن حرب راويه عن عكرمة لأنه كان يقبل التلقين لكن قد رواه عنه شعبة وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم اهـ. (باب البول في الماء الراكد) أى في بيان حكم البول في الماء الساكن الذى لا يجرى وراكد اسم فاعل من ركد يركد ركودا من باب قعد إذا سكن فلا يجرى. (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا زَائِدَةُ، فِي حَدِيثِ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله زائدة) بن قدامة الثقفى أبو الصلت الكوفي. روى عن سماك ابن حرب والأعمش وحميد الطويل وهشام بن عروة وجماعة. وعنه أبو أسامة وأبو داود الطيالسى وأبو نعيم وأبو حذيفة وغيرهم. وثقه النسائي وأبو حاتم وقال أبو أسامة كان من أصدق الناس وقال العجلى كان ثقة صاحب سنة وقال ابن سعد كان ثقة مأمونا صاحب سنة وقال ابن حبان كان من الحفاظ المتقنين وقال الدارقطني من الأثبات الأئمة وقال أبو زرعة صدوق مات سنة ستين أو إحدى وستين ومائة. روى له الجماعة (قوله في حديث هشام) أى حدثنا زائدة بن قدامة هذا الحديث حال كونه مما حدثنا به عن هشام، ومراد المصنف بذلك بيان أن زائدة له شيوخ منهم هشام وأن زائدة روى هذا الحديث عنه يدلّ لذلك رواية الدارمى في مسنده حدثنا أحمد بن عبد الله حدثنا زائدة عن هشام عن محمد (الحديث) "وهشام" هو ابن حسان الأزدى البصرى أحد الثقات الأعلام. روى عن عكرمة وعطاء والحسن البصرى وعن محمد وأنس وحفصة أولاد سيرين وطائفة. وعنه عكرمة بن عمار وسعيد بن أبي عروبة والحمادان والسفيانان وكثيرون. قال أحمد لا بأس به عندنا وما يكاد ينكر عليه شيء إلا وجدت غيره قد رواه وقال ابن معين لا بأس به وقال العجلى ثقة حسن الحديث وقال أبو حاتم كان صدوقا يكتب حديثه وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وتكلم جماعة في روايته عن الحسن وعطاء. مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومائة. روى له الجماعة وما قاله العيني من أنه هشام بن عروة فغير ظاهر لأن محمد بن سيرين ليس من شيوخ هشام ابن عروة وإنما هو من شيوخ هشام بن حسان كما في تهذيب التهذيب (قوله محمد) بن سيرين أبو بكر الأنصارى البصرى إمام حافظ. روى عن ابن عمر وابن الزبير وزيد بن ثابت وحذيفة بن اليمان وغيرهم. وعنه الشعبي وقتادة وأيوب السختياني ومالك بن دينار

حكمة النهي عن البول في الماء

وآخرون، فال ابن سعد كان ثقة مأمونا عاليا رفيعا فقيها إماما كثير العلم ورعا وكان به صمم وقال الشعبي عليكم بذاك الأصم وقال ابن حبان كان ابن سيرين من أورع أهل البصرة وكان فقيها فاضلا حافظا متقنا وقال بكر المزني والله ما أدركنا من هو أورع منه وقال أحمد وابن معين من الثقات، توفي سنة عشر ومائة وهو ابن سبع وسبعين سنة. روى له الجماعة (قوله لا يبولنّ أحدكم) يعني أيتها الأمة فيشمل الذكر والأنثى، وأتى بصيغة خطاب المذكر تغليبا وإلا فلا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى (قوله ثم يغتسل منه) برفع يغتسل على أنه خبر لمبتدأ محذوف أى ثم هو يغتسل والجملة بمنزلة علة النهى أى لا يبولنّ أحدكم في الماء الساكن لأنه يغتسل أو يتوضأ منه بعد، وثم للاستبعاد فكأنه قال كيف يبول فيه وهو يحتاج إليه للغسل أو غيره، وقال ابن مالك يجوز الجزم عطفا على محل يبولن لأنه مجزوم وبني على الفتح لنون التوكيد فيكون المنهى عنه كلا من البول والغسل فيه. واعترضه القرطبي بأنه لو أراد النهى عن كلّ لقال ثم يغتسلن بالتأكيد. وردّ بأنه لا يلزم من تأكيد المنهىّ عنه أنه لا يعطف عليه منهىّ آخر غير مؤكد لاحتمال أن يكون للتأكيد معنى في أحدهما ليس في الآخر، وقال ابن مالك أيضا يجوز النصب بإضمار أن وإعطاء ثم حكم واو الجمع، واعترضه النووى بأنه يقتضي أن المنهى عنه الجمع بينهما دون إفراد أحدهما وهذا لم يقله أحد بل البول فيه منهى عنه سواء أراد الاغتسال فيه أو منه أو لا. وأجاب عنه ابن هشام بأنه إنما أراد إعطاء ثم حكم الواو في النصب لا في المعية وأيضا فإن ما أورده النووي إنما جاء من قبيل المفهوم لا المنطوق وقد قام دليل آخر على عدم إرادته. وقد أجاب ابن دقيق العيد عنه بقوله إنه لا يلزم أن يدلّ على عدّة أحكام لفظ واحد فيؤخذ النهى عن الجمع بينهما من هذا الحديث إن ثبتت، رواية النصب ويؤخذ النهى عن كلّ على حدته من أدلة أخرى كحديث جابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى عن البول في الماء الراكد رواه مسلم وابن ماجه. وحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يبولنّ أحدكم في الماء الراكد رواه ابن ماجه وفي رواية له عن ابن عمر مرفوعا لا يبولن أحدكم في الماء الناقع وحديث أبي هريرة مرفوعا لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب رواه مسلم وحديثه الثاني في الباب أفاده الحافظ وغيره (والحاصل) أنه قد ورد النهى عن كل منهما على انفراده وهو يستلزم النهى عن فعلهما جميعا بالأولى وقد ورد النهى عن الجمع بينهما في الحديث الآتي وكذا في هذا إن صحت رواية النصب ويكون دالا على النهى عن كل واحد على رواية الجذم، أما على رواية الرفع فيكون المنهى عنه البول في الماء لما يترتب عليه من نجاسته أو النفرة منه فلا يغتسل منه عند الحاجة إليه وتقدم هذا في حديث لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه، وقوله منه أى من الماء الدائم وهو هكذا في رواية البخاري من طريق أبي الزناد وكذا لمسلم من

حكم البول في الماء الدائم والاغتسال فيه

طريق ابن سيرين، وفي رواية للبخاري من طريق أخرى ثم يغتسل فيه، وكل من اللفظين يفيد حكما بالنص وحكما بالاستنباط وذلك أن الرواية بلفظ فيه تدلّ على منع الانغماس بالنص وعلى منع التناول بالاستنباط والرواية بلفظ منه بعكس ذلك أفاده الحافظ، وفي رواية الترمذى ثم يتوضأ منه، وفيها دليل على أن النهى لا يختص بالغسل بل الوضوء مثله ولو لم يرد هذا لكان معلوما لاستوائهما في المعنى المقتضى للنهى، قال النووي وهذا النهى في بعض المياه للتحريم وفي بعضها للكراهة فإن كان الماء كثيرا جاريا لم يحرم البول فيه لمفهوم الحديث ولكن الأولى اجتنابه وإن كان قليلا جاريا فقد قال بعض الشافعية يكره والمختار أنه يحرم لأنه يقذره وينجسه على المشهور من مذهب الشافعى وغيره ولعل هذا محمل حديث جابر أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى أن يبال في الماء الجارى رواه الطبراني ورجاله ثقات وإلا فالظاهر عدم التفرقة بين القليل وغيره، وإن كان كثيرا راكدا فقيل يكره والمختار الحرمة لأن النهى يقتضي التحريم ولأنه ربما أدّى إلى تنجسه بالإجماع إذا تغير أو إلى تنجسه عند أبي حنيفة ومن وافقه في أن الماء الذى لا يبلغ الغدير العظيم ينجس بوقوع نجس فيه، وإن كان راكدا قليلا فالصواب حرمة البول فيه لأنه ينجسه، والتغوّط في الماء كالبول فيه بل هو أقبح وكذلك إذا بال في إناء ثم صبه في الماء أو بال بقرب الماء بحيث يجرى إليه البول فكله مذموم قبيح منهىّ عنه على التفصيل المذكور ولا مخالف في هذا إلا ما حكى عن داود من أن النهى مختص بالبول في نفس الماء وأن الغائط ليس كالبول وهذا خلاف الإجماع وهذا من أقبح ما نقل عنه في الجمود على الظاهر اهـ بتصرف ثم قال قال العلماء من أصحابنا وغيرهم يكره الاغتسال في الماء الراكد قليلا كان أو كثيرا وكذا يكره الاغتسال في العين الجارية قال الشافعى رحمه الله تعالى أكره للجنب أن يغتسل في البئر معينة كانت أو دائمة وفي الماء الراكد قليله وكثيره وهذا كله على كراهة التنزيه لا التحريم اهـ بتصرف وينظر ما القرينة الصارفة للنهى عن التحريم اهـ شوكاني. وقال العيني احتج أصحابنا بهذا الحديث على أن الماء الذى لا يبلغ الغدير العظيم إذا وقعت فيه النجاسة لم يجز به الوضوء قليلا كان أو كثيرا، واستدلوا به أيضا على أن القلتين تحمل النجاسة لأن الحديث مطلق فبإطلاقه يتناول الماء القليل والكثير والقلتين والأكثر، ولو قلنا إن القلتين لا تحمل النجاسة لم يكن للنهى فائدة، على أن هذا أصح من حديث القلتين، ومن الشافعية من يقول إنما ينجس الماء بالبول فيه إذا كان دون القلتين وكذا قال الخطابي (قلت) هذا تحكم بلا دليل وترك لإطلاق الحديث وكيف يقاربه حديث القلتين مع الكلام فيه كما ذكرنا اهـ وقال في شرحه على البخاري وقال ابن قدامة ودليلنا حديث القلتين وحديث بئر بضاعة وهذان

رد ما قيل إن حديثي القلتين وبئر بضاعة يخالفان مذهب الحنفية

نص في خلاف ما ذهب إليه الحنفية، وقال أيضا بئر بضاعة لا تبلغ إلي الحدّ الذى يمنع التنجس عندهم (قلت) لا نسلم أن هذين الحديثين نص في خلاف مذهبنا، أما حديث القلتين فلأنه وإن كان بعضهم صححه فإنه مضطرب سندا ومتنا والقلة في نفسها مجهولة والعمل بالصحيح المتفق عليه أقوى وأقرب، وأما حديث بئر بضاعة فإنا نعمل به فان ماءها كان جاريا، وقوله بئر بضاعة لا تبلغ الخ، غير صحيح لأن البيهقي روى عن الشافعى أن بئر بضاعة كانت كثيرة الماء واسعة وكان يطرح فيها من الأنجاس ما لا يغير لها لونا ولا ريحا ولا طعما فإن قالوا حديثكم عام في كل ماء وحديثنا خاص فيما يبلغ القلتين وتقديم الخاص على العام متعين كيف وحديثكم لا بدّ من تخصيصه فإنكم وافقتمونا على تخصيص الماء الكثير المستبحر وإذا لم يكن بدّ من التخصيص فالتخصيص بالحديث أولى من التخصيص بالرأى من غير أصل يرجع إليه ولا دليل يعتمد عليه (قلنا) لا نسلم أن تقديم الخاص على العام متعين بل الظاهر من مذهب أبي حنيفة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُترجيح العام على الخاص في العمل به وقولهم التخصيص بالحديث أولى من التخصيص بالرأى إنما يكون إذا كان الحديث المخصص غير مخالف للإجماع وحديث القلتين خبر آحاد ورد مخالفا لإجماع الصحابة فيردّ، بيانه أن ابن عباس وابن الزبير رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم أفتيا في زنجيّ وقع في بئر زمرم بنزح الماء كله ولم يظهر أثره في الماء وكان الماء أكثر من قلتين وذلك بمحضر من الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم ولم ينكر عليهما أحد منهم فكان إجماعا وخبر الواحد إذا ورد مخالفا للإجماع يردّ، يدل عليه أن على ابن المديني قال لا يثبت هذا الحديث عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكفى به قدوة في هذا الباب وقال أبو داود لا يكاد يصح لواحد من الفريقين حديث عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في تقدير الماء، وقال صاحب البدائع ولهذا رجع أصحابنا في التقدير إلى الدلائل الحسية دون الدلائل السمعيه اهـ بتصرف. وحديث الزنجى الذى أشار إليه ما جاء عن ابن سيرين أن زنجيا مات في بئر زمزم فأمر ابن عباس بإخراجه ونزح مائها فغلبتهم عين جاءت من الركن فأمر بسدّها بالقباطى والمطارف حتى نزحوها ثم انفجرت عليهم عين رواه الدارقطني مرسلا فإن ابن سيرين لم ير ابن عباس وإنما سمع من عكرمة وهو ثقة فالحديث صحيح يحتج به، والقباطي جمع قبطية وهي ثوب رقيق أبيض منسوب إلى القبط، والمطارف أردية من خزّ مفردها مطرف بكسر الميم وضمها أفاده في البحر، وقال ابن دقيق العيد هذا الحديث مما استدل به أصحاب أبي حنيفة على تنجيس الماء الدائم وإن كان أكثر من القلتين فإن الصيغة صيغة عموم وأصحاب الشافعى يخصون هذا العموم ويحملون النهى على ما دون القلتين وعدم تنجيس القلتين فما زاد إلا بالتغير مأخوذ من حديث القلتين فيحمل هذا الحديث العام في النهى على ما دون القلتين جمعا بين الحديثين، وفرق أحمد بين بول

بيان أن حديث النهي عن البول في الماء الدائم ليس على إطلاقه

الآدمى وما في معناه من العذرة المائعة وغير ذلك من النجاسات. فأما بول الآدمى وما في معناه فينجس الماء وإن كان أكثر من القلتين وأما غيره من النجاسات فتعتبر فيه القلتان، وكأنه رأى أن الخبث المذكور في حديث القلتين عام بالنسبة إلى النجاسات وهذا الحديث خاص بالنسبة إلى بول الآدمى فيقدم الخاص على العام بالنسبة إلى النجاسات الواقعة في الماء الكثير ويخرج بول الآدمى وما في معناه من جملة النجاسات الواقعة في القلتين بخصوصه فينجس الماء دون غيره من النجاسات ويلحق بالبول المنصوص عليه ما يعلم أنه في معناه (واعلم) أن هذا الحديث لا بد من إخراجه عن ظاهره بالتخصيص أو التقييد لاتفاقهم على أن الماء المستبحر الكثير جدًّا لا تؤثر فيه النجاسة، على أن الماء إذا غيرته النجاسة امتنع استعماله، فمالك رحمه الله تعالى إذا حمل النهى على الكراهة لاعتقاده أن الماء لا ينجس إلا بالتغيير لا بد أن يخرج صورة التغير بالنجاسة عن الحكم بالكراهة فإن الحكم هنا التحريم فإذاً لا بدّ من الخروج عن الظاهر عند الكل فلأصحاب أبى حنيفة أن يقولوا خرج عنه المستبحر الكثير جدًّا بالإجماع فيبقى ما عداه على حكم النص فيدخل تحته ما زاد على القلتين، ويقول أصحاب الشافعى خرج الكثير المستبحر بالإجماع الذى ذكرتموه وخرج القلتان فما زاد بمقتضى حديث القلتين فيبقى ما نقص عن القلتين داخلا تحت مقتضى الحديث، ويقول من نصر قول أحمد رحمه الله تعالى خرج ما ذكرتموه وبقي ما دون القلتين داخلا تحت النص إلا أن ما زاد على القلتين مقتضى حديث القلتين فيه عام في الأنجاس فيخص ببول الآدمى، ولمخالفهم أن يقول قد علمنا جزما أن هذا النهى انما هو لمعنى في النجاسة وعدم التقرب إلى الله تعالى بما خالطها وهذا المعنى تستوى فيه سائر الأنجاس ولا يتجه تخصيص بول الآدمى منها بالنسبة إلى هذا المعنى فإن المناسب لهذا المعنى أعنى التنزّه عن الأقذار أن يكون ما هو أشدّ استقذارا أوقع في هذا المعنى وأنسب له وليس بول الأدمى بأقذر من سائر النجاسات بل قد يساويه غيره أو يترجح عليه فلا يبقى لتخصيصه دون غيره بالنسبة إلى المنع معنى فيحمل الحديث على أن ذكر البول وقع تنبيها على غيره مما يشاركه في معناه من الاستقذار، والوقوف على مجرّد الظاهر ها هنا مع وضوح المعنى وشموله لسائر الأنجاس ظاهرية محضة. وأما مالك رحمه الله تعالى فإذا حمل النهى على الكراهة يستمرّ حكم الحديث في القليل والكثير غير المستثنى بالاتفاق وهو المستبحر مع حصول الإجماع على تحريم الاغتسال بعد تغير الماء بالبول. فهذا يؤدّى إلى حمل اللفظ الواحد على معنيين مختلفين وهى مسألة أصولية، فإن جعلنا النهى للتحريم كان استعماله في الكراهة والتحريم استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه والأكثرون على منعه، وقد يقال على هذا إن حالة التغير مأخوذة من غير هذا اللفظ فلا يلزم استعمال اللفظ الواحد في معنيين مختلفين وهذا متجه إلا أنه يلزم منه التخصيص في هذا الحديث اهـ بتصرّف

(فقه الحديث) دلّ الحديث بمنطوقه على حرمة البول في الماء الراكد لكن محله إذا لم يكن كثيرا مستبحرا ويلحق بالبول التغوّط بل هو أقبح، ودل بمفهومه على جواز البول في الماء الجارى لكن الأولى اجتنابه وقد تقدم بيانه، وعلى نجاسة البول (من روى الحديث أيضا) رواه مسلم والنسائي وأخرجه البخارى من حديث الأعرج عن أبي هريرة وأخرجه مسلم والترمذى والنسائي والبيهقي من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة وقال هذا حديث حسن صحيح وأخرجه مسلم والطحاوى والطبراني في الأوسط وابن ماجه من حديث جابر عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه نهى أن يبال في الماء الراكد وأخرجه أيضا من حديث نافع عن ابن عمر. (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله يحيى) بن سعيد بن فروخ القطان الأحول أبو سعيد التميمي مولاهم البصرى الإمام الحافظ أحد أئمة الجرح والتعديل. روى عن يحيى بن سعيد الأنصارى والأوزاعي وابن جريح ومالك بن أنس وجماعة، وعنه من شيوخه شعبة والسفيانان ومن أقرانه ابن معين وإسحاق وابن أبي شيبة وأحمد وكثيرون، قال أبو زرعة من الثقات الحفاظ وقال ابن المديني ما رأيت أعلم بالرجال من يحيى القطان وما رأيت أثبت منه وقال أحمد ما كان أضبطه وأشدّ ثقته كان محدّثا وما رأت عيناى مثله ما رأيت له كتابا كان يحدّث من حفظه وقال ابن سعد كان ثقة مأمونا رفيعا حجة وقال العجلى ثقة في الحديث كان لا يحدّث إلا عن ثقة وقال أبو حاتم حجة حافظ وقال النسائي ثقة ثبت مرضى وقال ابن حبان كان من سادات أهل زمانه حفظا وورعا وفهما وفضلا ودينا وعلما وهو الذى مهد لأهل العراق رسم الحديث وأمعن في البحث عن الثقات وترك الضعفاء ووثقه كثير من الأئمة. كان مولده سنة عشرين ومائة. وتوفي سنة ثمان وتسعين ومائة. روى له الجماعة (قوله سمعت أبي) هو عجلان مولى فاطمة بنت عتبة بن ربيعة روى عنها وعن زيد بن ثابت. وعنه ابنه محمد وبكير ابن عبد الله بن الأشج روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه قال النسائي لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات (قوله ولا يغتسل فيه من الجنابة) بالرفع على أنه نفي بمعنى النهى وبالجزم على النهى. وهذا الحديث صريح في المنع بن كل واحد من البول والاغتسال

مذاهب العلماء في الماء المستعمل

في الماء الراكد على انفراده. وقد استدل بحديثى الباب على أن الماء المستعمل يخرج عن كونه مطهرا لأن النهى ها هنا عن مجرد الغسل فدلّ على وقوع المفسدة بمجرّده، والمفسدة خروجه عن كونه مطهرا إما لنجاسته أو لعدم طهوريته، ومع هذا فلا بدّ من تقييده بما دون القلتين على مذهب الشافعية ومن وافقهم وبغير المستبحر على مذهب الحنفية لأن القلتين فأكثر عند الشافعية والمستبحر عند الحنفية لا يؤثر فيه الاستعمال، والوضوء كالغسل في هذا الحكم لأن المقصود من النهى التنزّه عن التقرّب إلى الله تعالى بالمستقذرات، والوضوء يقذر الماء كما يقذره الغسل وقد ذهب إلى أن الماء المستعمل غير مطهر أكثر العترة وأحمد بن حنبل والليث والأوزاعي والشافعى ومالك في إحدى الروايتين عنهما وأبو حنيفة في رواية عنه واحتجوا بأحاديث الباب وبحديث النهى عن التوضؤ بفضل وضوء المرأة وبما رواه مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يغتسلنّ أحدكم في الماء الدائم وهو جنب، فقالوا يا أبا هريرة كيف يفعل، قال يتناوله تناولا. واحتج لهم في البحر بما روي عن السلف من تكميل الطهارة بالتيمم عند قلة الماء لا بما تساقط منه. وأجيب عن الاستدلال بما ذكر بأن علة النهى لا تنحصر في الاستعمال بل يحتمل أن يكون النهى للاستخباث والاستقذار والدليل إذا تطرّقه الاحتمال سقط به الاستدلال، وبأن الدليل أخص من الدعوى لأنه غاية ما فيه خروج المستعمل للجنابة والمدّعي خروج كل مستعمل عن الطهورية، وعن حديث النهى عن التوضؤ بفضل وضوء المرأة بمنع كون الفضل مستعملا، ولو سلم فالدليل أخص من الدعوى لأن المدّعي خروج كل مستعمل عن الطهورية لا خصوص هذا المستعمل، وبالمعارضة بما أخرجه مسلم وأحمد من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة وأخرجه أحمد أيضا وابن ماجه بنحوه من حديثه وأخرجه أيضا أحمد وأبو داود والنسائي والترمذى وصححه من حديثه بلفظ اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في جفنة فجاء النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليتوضأ منها أو يغتسل (الحديث) وأيضا حديث النهى عن التوضؤ بفضل وضوء المرأة فيه مقال سيأتي بيانه في بابه، وعن الاحتجاج بتكميل السلف الطهارة بالتيمم لا بما تساقط بأنه لا يكون حجة إلا بعد تصحيح النقل عن جميعهم ولا سبيل إلى ذلك لأن منهم من قال بطهورية المستعمل كالحسن البصري والزهري والنخعى وإحدى الروايات عن مالك والشافعى وأبي حنيفة ونسبه ابن حزم إلى عطاء وسفيان الثورى وأبي ثور وجميع أهل الظاهر، وبأن المتساقط قد فني لأنهم لم يكونوا يتوضؤون إلى إناء والملتصق بالأعضاء حقير لا يكفى بعض عضو من أعضاء الوضوء، وبأن سبب الترك بعد تسليم صحته عن السلف وإمكان الانتفاع بالبقية هو الاستقذار، وبهذا يتضح عدم خروج المستعمل

أدلة من قال بطهارته

عن الطهورية ويتحتم البقاء على البراءة الأصلية ولا سيما بعد اعتضادها بكليات وجزئيات من الأدلة كحديث "خلق الماء طهورا" وحديث مسحه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأسه بفضل ماء كان بيده وغيرهما كذا في نيل الأوطار وغيره، وقال مالك ومن ذكر معه آنفا إنه طاهر مطهر لقوله تعالى "وأنزلنا من السماء ماء طهورا" ولما سيأتي للمصنف عن الرّبيع بنت معوّذ أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ فمسح رأسه بفضل ماء في يده، وفي حديث آخر أنه مسح رأسه ببلل لحيته، وعن ابن عباس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اغتسل فنظر لمعة من بدنه لم يصبها الماء فأخذ شعرا من بدنه عليه ماء فأمرّه على ذلك الموضع أفاده النووى في شرح المهذب، قالوا ولأنه ماء لاقى طاهرا فبقي مطهرا كما لو غسل به ثوب طاهر ولأنه مستعمل لجازت الطهارة به كالمستعمل في تجديد الوضوء ولأن ما أدّى به الفرض مرّة لا يمتنع أن يؤدّى به ثانيا كما يجوز للجماعة أن يتيمموا من موضع واحد، وكما يخرج الطعام في الكفارة ثم يشتريه ويخرجه فيها ثانيا، وكما يصلى في الثوب الواحد مرارا، ولأنه لو لم تجز الطهارة بالمستعمل لامتنعت الطهارة لأنه بمجرّد جريان الماء على بعض العضو يصير مستعملا فإذا سال على باقي العضو ينبغي أن البلل لا يرفع الحدث وهذا متروك بالإجماع فدلّ على أن المستعمل مطهر، وأدلة هذا القول وإن نوقش في بعضها لكن يؤيدها أن طهورية الماء ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع فلا يخرجه عنها إلا دليل صحيح صريح ولا دليل كذلك. وما ذكره أصحاب القول الأول من الأدلة الناقلة للماء المستعمل عن الطهورية فقد علمت أنها غير صالحة للاحتجاج بها على ذلك. قال في الروضة الندية الحق أن المستعمل طاهر ومطهر عملا بالأصل وبالأدلة الدالة على أن الماء طهور لا يخرج عن كونه طهورا بمجرّد استعماله للطهارة إلا إن تغير بذلك ريحه أو لونه أو طعمه، وأن إخراج ما جعله الله طهورا عن الطهورية لا يكون إلا بدليل (يعني ولا دليل) اهـ ملخصا، وقال ابن المنذر روى عن علىّ وابن عمر وأبي أمامة وعطاء والحسن ومكحول والنخعى أنهم قالوا فيمن نسى مسح رأسه فوجد في لحيته بللا يكفيه مسحه بذلك قال وهذا يدل على أنهم يرون المستعمل مطهرا وبه أقول اهـ، وعن أبي حنيفة ثلاث روايات (الأولى) أنه نجس نجاسة مغلظه وهي رواية الحسن بن زياد عنه وهي شاذة غير مأخوذ بها (الثانية) نجس نجاسة مخففة وهي رواية أبي يوسف عنه قال عبد الحميد القاضى أرجو أن لا تثبت رواية النجاسة عن أبي حنيفة (الثالثة) طاهر غير مطهر وهي رواية محمد بن الحسن عنه وهو الصحيح المفتى به عندهم وبه قالت الشافعية، ومن أدلة من قال بالطهارة حديث أبي جحيفة قال خرج علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالهاجرة فأتي بوضوء فتوضأ فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به رواه الشيخان والنسائي، وحديث أبي موسى

الجواب عن أدلة من قال بنجاسته

عند الشيخين قال دعا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومجّ ثم قال لهما (يعني أبا موسى وبلالا) اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما، وحديث السائب بن يزيد قال ذهبت بي خالتي إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت يا رسول الله إن ابن أختى وقع (أى مريض) فمسح رأسى ودعا لى بالبركة ثم توضأ فشربت من وضوئه (الحديث) رواه الشيخان والترمذي والنسائي، وحديث جابر قال جاء النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنا مريض لا أعقل فتوضأ وصبّ علىّ من وضوئه فعقلت (الحديث) رواه الشيخان والنسائي "فإن قال" القائل بنجاسة الماء المستعمل إن هذه الأحاديث غاية ما فيها الدلالة على طهارة ما توضأ به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولعل ذلك من خصائصه (قلنا) هذه دعوى غير نافعة فإن الأصل أن حكمه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وحكم أمته واحد إلا أن يقوم دليل يقضى بالاختصاص ولا دليل وأيضا الحكم بأن الشيء نجس حكم شرعى يحتاج إلى دليل يلتزمه الخصم فما هو "فإن قال" لى أدلة (منها) حديث أبي هريرة السابق "لا يبولنّ أحدكم الخ" فإنه قرن بين الغسل فيه والبول، أما البول فينجس الماء فكذا الغسل للنهى عنهما (ومنها) الإجماع على عدم الانتفاع به (ومنها) أنه أزيل به مانع من الصلاة فانتقل المنع إليه كغسالة النجس، (قلنا) يجاب عن الأول بأنه أخذ بدلالة الاقتران وهي ضعيفة لأنه لا يلزم من الاقتران اشتراك القرينين في الحكم كما في قوله تعالى "كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده" فالأكل غير واجب والإيتاء واجب، وبقول أبي هريرة يتناوله تناولا كما تقدّم فإنه يدلّ على أن النهى أنما هو عن الانغماس لا عن الاستعمال وإلا لما كان بين الانغماس والتناول فرق (وعن الثاني) بمنع الإجماع فقد علمت أن مالكا ومن ذكر معه يجوّزون الانتفاع به مطلقا وكذلك تجوز به إزالة النجاسة عند الحنفية (وعن الثالث) بالفرق بين المانع الحقيقي والحكمى. (فقه الحديث) دل الحديث على النهى عن البول في الماء الراكد، لما يترتب عليه من إفساد الماء، وعلى النهى عن الغسل من الجنابة فيه لخوف أن تؤدّي كثرة الاغتسال فيه إلى التغير (من روى الحديث أيضا) رواه أحمد والبيهقي وكذا ابن ماجه مقتصرا على النهى عن البول. (باب الوضوء بسؤر الكلب) أيجوز أم لا، والسؤر في الأصل الباقي من الماء في الإناء بعد الشرب ثم عمّ استعماله في الباقي من كل شيء وجمعه أسآر واسم الفاعل منه سآر مثل حبار على غير قياس والقياس مسئر لأنه من أسأر يقال إذا شربت فأسئر أي أبق شيئا من الشراب في الإناء. (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا زَائِدَةُ، فِي حَدِيثِ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،

هل يقوم غير التراب كالصابون مقامه في تطهير ما ولغ فيه الكلب

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، أَنْ يُغْسَلَ سَبْعَ مِرَارٍ، أُولَاهُنَّ بِتُرَابٍ»، (ش) مناسبة الحديث للترجمة أن الأمر بغسل ما ولغ فيه الكلب يدلّ على تنجسه فلا يصح الوضوء منه وكذا يقال فيما بعده. (قوله زائدة) بن قدامة (قوله طهور إناء أحدكم) بضم الطاء المهملة وهو الأشهر وبفتحها أيضا أى مطهره وهو مبتدأ خبره أن يغسل والتقدير مطهر إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب غسله سبع مرات فأن مصدرية، وظاهره العموم في الآنية ومفهومه يخرج غيره كالحوض والمستنقع وبه قال الأوزاعي والمالكية، وقال العراقى ذكر الإناء خرج مخرج الغالب لا للتقييد اهـ وبه قالت الحنفية والشافعية والحنابلة (قوله إذا ولغ فيه الكلب) أى شرب منه بلسانه يقال ولغ الكلب يلغ ولغا وولوغا من بابي نفع وشرب وحذفت واوه في المضارع كما في يقع، وولغ يلغ من بابي وعد وورث لغة ويولغ مثل وجل يوجل لغة أيضا، ويتعدّى بالهمزة يقال أولغته إذا سقيته ويتعدّى أيضا بالباء ومن وفي يقال ولغ الكلب بشرابنا ومن شرابنا وفي شرابنا قال ابن الأثير وأكثر ما يكون الولوغ في السباع اهـ وقال في الفتح يقال ولغ يلغ بالفتح فيهما إذا شرب بطرف لسانه فيه فحرّكه، وقال ثعلب الولوغ أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع فيحرّكه زاد ابن درستويه شرب أو لم يشرب. قال ابن مكي فإن كان غير مائع يقال لعقه، وقال المطرزى فإن كان فارغا يقال لحسه، ومفهوم الشرط في قوله إذا ولغ يقتضى قصر الحكم على ذلك لكن إذا قلنا إن الأمر بالغسل للتجيس يتعدّى الحكم إلى ما إذا لحس أو لعق مثلا ويكون ذكر الولوغ للغالب، وأما إلحاق باقي أعضائه كيده ورجله فالمذهب المنصوص أنه كذلك لأن فمه أشرفها فيكون الباقى من باب أولى وخصه في القديم بالأول اهـ ملخصا، وقال النووى في شرح مسلم اعلم أنه لا فرق عندنا بين ولوغ الكلب وغيره من أجزائه فإذا أصاب بوله أو روثه أو دمه أو عرقه أو شعره أو لعابه أو عضو من أعضائه شيئا طاهرا في حال رطوبة أحدهما وجب غسله سبع مرات إحداهن بالتراب، ولو ولغ كلبان أو كلب واحد مرات في إناء فالصحيح أنه يكفي للجميع سبع ولو وقعت نجاسة أخرى في الإناء الذى ولغ فيه الكلب كفى عن الجميع سبع إحداهن بالتراب ولا تقوم الغسلة الثامنة بالماء وحده ولا غمس الإناء في ماء كثير ومكثه فيه قدر سبع غسلات مقام التراب على الأصح وكذا لا يقوم نحو الصابون والأشنان مقام التراب ولو عند عدمه على الأصح ولا يكفى الغسل بالتراب النجس على الأصح، ولو تنجس الإناء بنحو دم الكلب أو روثه فلم تزل عينه إلا بست غسلات مثلا حسبت واحدة على الأصح، والخنزير

كالكلب في ذلك كله اهـ بتصرف، وبهذا قال أحمد غير أنه قال يقوم أشنان وصابون ونخالة ونحوها من كل ماله قوّة في الإزالة مقام التراب ولو مع وجوده وعدم تضرّر المحل به لأنها أبلغ منه في الإزالة فنصه على التراب تنبيه عليها، ولأنه جامد أمر به في إزالة النجاسة فألحق به ما هو أقوى منه في ذلك، أفاده في كشاف القناع وغيره، والكلب يتناول المأذون فيه وغيره وكلب البدوى والحضري لعموم اللفظ (قوله أولاهن بالتراب) جملة في محل نصب صفة لسبع مرّات والأولى تأنيث الأول، والباء في قوله بالتراب للمصاحبة أي أولاهن مصاحبة للتراب، وفي نسخة أولاهن بتراب، وفي رواية صحيحة عند الترمذي والبزار والشافعى أولاهن أو أخراهن، وفى رواية صحيحة للمؤلف السابعة بالتراب، وفي رواية لأبي عبيد القاسم أولاهن أو إحداهن، وفي رواية للبزار إحداهن بالتراب وإسنادها حسن، وفي رواية للدارقطني إحداهن بالبطحاء، وهي ضعيفة لأن في إسنادها الجارود بن يزيد وهو متروك، وفي الرواية الآتية للمؤلف والثامنة عفروه بالتراب وهي أصح من رواية إحداهن، ولا تعارض بين هذه الروايات لإمكان الجمع بحمل رواية أولاهن على الأكمل إذ الأولى أحب من غيرها اتفاقا وحمل رواية السابعة على الجواز ورواية إحداهن على الإجزاء قال النووي في شرح مسلم وأما الجمع بين الروايات فمذهبنا ومذهب الجماهير أن المراد اغسلوه سبعا واحدة منهن بالتراب مع الماء فكأن التراب قائم مقام غسلة فسميت ثامنة لهذا اهـ، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن قوله عفروه الثامنة بالتراب ظاهر في كونها غسلة مستقلة لكن لو وقع التعفير في أوله قبل الغسلات السبع كانت الغسلات ثمانية ويكون إطلاق الغسلة على الترتيب مجازا وهذا الجمع من مرجحات تعين التراب في الأولى اهـ وقال في الفتح وطريق الجمع بين هذه الروايات أن يقال إحداهن مبهمة وأولاهنّ والسابعة معينة، وأو إن كانت في نفس الخبر فهى للتخيير فمقتضى حمل المطلق على المقيد أن يحمل على أحدهما لأن فيه زيادة على الرواية المعينة وإن كانت أو شكا من الراوى فرواية من عين ولم شك أولى من رواية من أبهم أو شك فيبقى النظر في الترجيح بين رواية أولاهن ورواية السابعة فرواية أولاهن أرجح من حيث الأكثرية والأحفظية ومن حيث المعنى أيضا ولأن تتريب الأخيرة يقتضى الاحتياج إلى غسلة للتنظيف وقد نص الشافعى على أن الأولى أولى اهـ بحذف قال النووي ومعني الغسل بالتراب أن يخلط التراب في الماء حتى يتكدّر ولا فرق بين أن يطرح الماء على التراب أو التراب على الماء أو يأخذ الماء الكدر من موضع فيغسل به فأما مسح موضع النجاسة بالتراب فلا يجزئُ اهـ والحديث يدلّ على وجوب غسل الإناء من ولوغ الكلب فيه سبع غسلات مع التتريب في أولاهن كما في حديث الباب أو أخراهن أو إحداهن كما في الروايات الأخر، وإليه ذهب ابن عباس وعروة بن الزبير ومحمد بن سيرين وطاوس وعمرو

ابن دينار والأوزاعي والشافعى وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود، وذهبت العترة والحنفية إلى وجوب الغسل ثلاثا وقالوا لا فرق بين لعاب الكلب وغيره من النجاسات غير المرئية وحملوا حديث السبع على الندب واحتجوا بما رواه الطحاوى والدارقطني موقوفا على أبي هريرة أنه يغسل من ولوغه ثلاث مرات وهو الراوى للغسل سبعا فثبت بذلك نسخ السبع. لكن هذا مناسب لأصل بعض الحنفية من وجوب العمل بتأويل الراوى وتخصيصه ونسخه وغير مناسب لأصول الجمهور من عدم العمل به، ويحتمل أن أبا هريرة أفتى بذلك لاعتقاده ندبية السبع لا وجوبها أو أنه نسى ما رواه وأيضا قد ثبت عنه أنه أفتى بالغسل سبعا ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد ومن حيث النظر. أما من حيث الإسناد فالموافقة وردت من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيربن عنه وهذا من أصح الأسانيد والمخالفة من رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه وهو دون الأول في القوّة. وأما من حيث النظر فظاهر (وأجيب) عنه بأنه يحتمل أن تكون فتواه بالسبع قبل ظهور النسخ عنده ولما ظهر أفتى بالثلاث، وأما دعوى الرجحان فغير صحيحة لأن رجال كل منهما رجال الصحيح فإن عبد الملك أخرج له مسلم في صحيحه وقال أحمد والثورى من الحفاظ زاد الثورى ثقة فقيه متقن وقال أحمد بن عبد الله ثقة ثبت في الحديث أفاده العيني على البخارى، وأيضا قد روى التسبيع غير أبي هريرة فلا تكون مخالفة فتياه قادحة في مرويّ غيره، وعلى كلّ فلا حجة في قول أحد مع قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، ومن جملة أعذار الحنفية عن العمل بالحديث أن العذرة أشدّ نجاسة من سؤر الكلب ولم تقيد بالسبع فيكون الولوغ كذلك من باب الأولى وردّ بأنه لا يلزم من كونها أشدّ في الاستقذار أن لا يكون الولوغ أشدّ منها في تغليظ الحكم وبأنه قياس في مقابلة النص الصريح وهو فاسد الاعتبار، وأجابوا بمنع عدم الملازمة فإن تغليظ الحكم في ولوغ الكلب إما تعبدى وإما محمول على من غلب على ظنه أن نجاسة الولوغ لا تزول بأقلّ منها وإما لأنهم نهوا عن اتخاذه فلم ينتهوا فغلط عليهم بذلك قاله العيني. ومن أعذارهم أيضا أن الأمر بذلك كان عند الأمر بقتل الكلاب فلما نهى عن قتلها نسخ الأمر بالغسل، وتعقب بأن الأمر بقتلها كان في أول الهجرة والأمر بالغسل متأخر جدّا لأنه من رواية أبي هريرة وعبد الله بن مغفل وكان إسلامهما سنة سبع وسياق حديث ابن مغفل الآتي ظاهر في أن الأمر بالغسل كان بعد الأمر بقتل الكلاب، أفاده الحافظ، وأجيب بأن كون الأمر بقتل الكلاب كان في أول الهجرة يحتاج إلى دليل قطعى فأين هو، ولئن سلمنا ذلك فيحتمل أن أبا هريرة سمع ذلك من صحابي أخبره أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما نهى عن قتل الكلاب نسخ الأمر

ما روي عن مالك في ذلك

بالغسل سبعا من غير تأخير فرواه أبو هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لاعتماده على صدق المروى عنه لأن الصحابة كلهم عدول وكذلك ابن مغفل أفاده العيني. وقد خالفت الحنفية والعترة في وجوب التتريب كما خالفوا في التسبيع ووافقهم المالكية في عدم وجوب التسبيع والتتريب على المشهور عندهم قالوا لأن التتريب لم يقع في رواية مالك، قال القرافي منهم قد صحت فيه الأحاديث فالعجب منهم كيف لم يقولوا بها، وقد اعتذر القائلون بأن التتريب غير واجب بأن روايته مضطربة لأنها ذكرت بلفظ أولاهن وبلفظ أخراهن وبلفظ إحداهن وفي رواية السابعة وفي رواية الثامنة والاضطراب يوجب الإطراح. وأجيب بأن المقصود حصول التتريب في مرة من المرّات وبإمكان الجمع بين الروايات كما تقدّم (وقال) الباجى في المنتقى شرح الموطأ واختلف قول مالك في الكلب الذى يجب غسل الإناء من ولوغه فروى عنه ابن أبي الجهم روايتين (إحداهما) أنه في الكلب المنهى عن اتخاذه (والثانية) أنه في جميع الكلاب، وجه الرواية الأولى أن الأمر بذلك إنما كان على وجه التغليظ والمنع من اتخاذها وذلك يختص بالمنهيّ عنه لا بالمباح، ووجه الرواية الثانية عموم الخبر ولم يخص كلبا دون كلب، ومن جهة المعنى أنه إذا وجب غسل الإناء من ولوغها لم يتخذ منها إلا ما تدعو الضرورة إليه ولم يختلف قول مالك في أن إناء الماء يغسل من ولوغ الكلب. واختلف قوله في غسل إناء الطعام فروى عنه ابن القاسم نفي غسله، وروى عنه ابن وهب وغيره إثبات غسله. وجه رواية ابن القاسم أن الأمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب إنما كان على وجه التغليظ في اتخاذ الكلب وإنما يحصل ذلك بغسل إناء الماء لأنه هو الذى يمكن أن تصل إليه الكلاب وأما إناء الطعام فلا تصل إليه لقلته وكثرة التوقى فيه، ووجه الرواية الثانية أن هذا إناء ولغ فيه كلب فشرع غسله كإناء الماء، وقوله فليغسله سبع مرات يقتضى اعتبار العدد. والدلبل على ما نقوله الحديث المذكور وفيه أمره بغسل الإناء سبع مرات والأمر يقتضى الوجوب، وغسل الإناء من ولوغ الكلب عبادة لا لنجاسة. وذهب ابن الماجشون إلى أنه للنجاسة أو للشك في النجاسة والدليل على ما نقوله أن هذا حيوان يجوز الانتفاع به من غير ضرورة فكان طاهرا اهـ، وقال الرهوني في حاشيته على عبد الباقى وأما الكلب فاختلف فيه للحديث الوارد بغسل الإناء بولوغه فيه سبع مرات فذكر الخلاف في ذلك، ثم قال فتحصل أن في سؤر الكلب أربعة أقوال (أحدها) أنه طاهر وهو قول ابن وهب وأشهب لأن الكلب سبع من السباع وهي طاهرة وهو مذهب ابن القاسم في المدوّنة لكن روايته عن مالك فيها أن الكلب ليس كغيره من السباع (الثاني) أنه نجس كسائر السباع وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه لما جاء عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الأمر بغسل الإناء سبعا من ولوغه فيه (الثالث) الفرق بين

الكلب المأذون في اتخاذه وغيره وهو أظهر الأقوال لأن علة الطهارة التي نص النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليها في الهرّة موجودة في الكلب المأذون في اتحاذه (الرابع) الفرق بين البدوىّ والحضرىّ وهو قول ابن الماجشون في رواية أبي زيد عنه فمن رأى سؤر الكلب طاهرا قال أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بغسل الإناء سبعا من ولوغه فيه عبادة لا لعلة، ومن رآه نجسا قال ما يقع به الإنقاء من الغسلات واجب للنجاسة وبقية السبع غسلات تعبد لا لعلة كالأمر في الاستنجاء ثلاثة أحجار الواجب منها ما يحصل به الإنقاء وبقية الثلاثة تعبد، ولا فرق في ذلك بين أن يحرّك لسانه أو يدخل فمه في الماء بغير تحريك خلافا لما قاله زرّوق اهـ ملخصا، وما ذكروه خاصّ بولوغ الكلب فلو لعق الإناء من غير أن يكون فيه ماء أو أدخل رجله أو سقط لعابه فيه لا يستحب غسله كما لا يندب غسل حوض ولا إراقة مائه ولا يطلب التتريب ولا يتعدّد الغسل بولوغ الكلب مرّات أو كلاب في إناء واحد قبل غسله لتداخل الأسباب كالأحداث، وغير الكلب كالخنزير لا يلحق به (قال) الحافظ في الفتح ودعوى بعض المالكية أن المأمور بالغسل من ولوغه الكلب المنهى عن اتخاذه دون المأذون فيه تحتاج إلى ثبوت تقدم النهى عن الاتخاذ على الأمر بالغسل وإلى قرينة تدلّ على أن المراد ما لم يؤذن في اتخاذه لأن الظاهر من اللام في قوله الكلب أنها للجنس أو لتعريف الماهية فيحتاج المدعي أنها للعهد إلى دليل، ومثله تفرقة بعضهم بين البدوىّ والحضرىّ، ودعوى بعضهم أن ذلك مخصوص بالكلب الكلب وأن الحكمة في الأمر بغسله من جهة الطبّ لأن الشارع اعتبر السبع في مواضع منه كقوله صبوا علىّ من سبع قرب، وقوله من تصبح بسبع تمرات عجوة، وتعقب بأن الكلب الكلب لا يقرب الماء فكيف يؤمر بالغسل من ولوغه. وأجاب حفيد ابن رشد بأنه لا يقرب الماء بعد استحكام الكلب منه أما في ابتدائه فلا يمتنع. وهذا التعليل وإن كان فيه مناسبة لكنه يستلزم التخصيص بلا دليل والتعليل بالتنجيس أقوى لأنه في معنى المنصوص وقد ثبت عن ابن عباس التصريح بأن الغسل من ولوغ الكلب لأنه رجس رواه محمد بن نصر المروزى بإسناد صحيح ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه. والمشهور عن المالكية أيضا التفرقة بين إناء الماء فيراق ويغسل وبين إناء الطعام فيؤكل ثم يغسل الإناء تعبدا لأن الأمر بالإراقة عام فيخص الطعام منه بالنهى عن إضاعة المال. وعورض بأن النهى عن الإضاعة مخصوص بالأمر بالإراقة. ويترجح هذا الثاني بالإجماع على إراقة ما تقع فيه النجاسة من قليل المائعات ولو عظم ثمنه فثبت أن عموم النهى عن الإضاعة مخصوص بخلاف الأمر بالإراقة وإذا ثبتت نجاسة سؤره كان أعمّ من أن يكون لنجاسة عينه أو لنجاسة طارئة كأكل الميتة مثلا لكن الأول أرجح إذ هو الأصل ولأنه يلزم على الثاني مشاركة غيره له في الحكم كالهرّة مثلا اهـ

مذاهب العلماء في نجاسة الكلب

(فقه الحديث) دلّ الحديث على نجاسة الكلب لأنه إذا كان لعابه نجسا وهو متولد من جسده فجسده أولى، وقد ذهب الجمهور إلى هذا ويدلّ لهم أيضا ما رواه مسلم عن أبي هريرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرار قالوا فلو كان سؤره طاهرا لما أمر بإراقته، ولا يقال المراد الطهارة اللغوية التي هي النظافة لأن حمل اللفظ على حقيقته الشرعية مقدّم على حمله على حقيقته اللغوية، ولا يقال أيضا إن الأمر بغسل الإناء تعبدى فلا يدلّ على نجاسته، لأن هذا بعيد عن ظاهر الحديث لقوله فيه طهور إناء أحدكم، وقال عكرمة ومالك في رواية عنه إن الكلب طاهر ودليلهم قول الله تعالى "فكلوا مما أمسكن عليكم" ولا يخلو الصيد من التلوّث بريق الكلاب ولم نؤمر بالغسل، وأجيب عنه بأن إباحة الأكل مما أمسكن لا تنافي وجوب تطهير ما تنجس من الصيد وعدم الأمر للاكتفاء بما في أدلة تطهير النجس من العموم ولو سلم فغايته الترخيص في الصيد بخصوصه، واستدلوا أيضا بما ثبت عند البخارى والمصنف من حديث ابن عمر "كانت الكلاب تقبل وتدبر زمان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك" وأخرجه الترمذي بزيادة وتبول، وردّ بأن البول مجمع على نجاسته فلا يصح حديث بول الكلاب في المسجد حجة يعارض بها الإجماع، وأما مجرّد الإقبال والإدبار فلا يدلان على الطهارة وأيضا يحتمل أن يكون ترك الغسل لعدم تعيين موضع النجاسة، أو لطهارة الأرض بالجفاف وقال المنذرى إنها كانت تبول خارج المسجد ثم تقبل وتدبر في المسجد اهـ. وقال الحافظ الأقرب أن يقال إن ذلك كان في ابتداء الحال على أصل الإباحة ثم ورد الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها وجعل الأبواب عليها، واستدلوا أيضا على الطهارة بما سيأتي من الترخيص في كلب الصيد والماشية والزرع، وأجيب بأنه لا منافاة بين الترخيص وبين الحكم بالنجاسة، غاية الأمر أنه تكليف شاق وهو لا ينافي التعبد به، أفاده الشوكاني، ودلّ الحديث أيضا على نجاسة ما ولغ فيه الكلب. وعلى وجوب غسله سبع مرات، وتقدّم الخلاف فيه. وعلى أن حكم النجاسة يتعدّى عن محلها إلى ما يجاوره إذا كان مائعا. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد ومسلم والدارقطني والطحاوى والبيهقي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ قَالَ أَيُّوبُ، وَحَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ: عَنْ مُحَمَّدٍ. (ش) أى مثل رواية هشام بن حسان قال أيوب السختياني وحبيب بن الشهيد عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، أما رواية أيوب فقد وصلها المصنف بعد، وأما رواية حبيب بن الشهيد فلم نقف على من وصلها (وأيوب) هو ابن أبي تميمة كيسان أبو بكر السختياني البصرى

مولى جهينة. روى عن عمرو بن سلمة وسعيد بن جبير والزهرى وعكرمة وغيرهم. وعنه يحيى بن أبي كثير والسفيانان والحمادان ومالك وجماعة، قال شعبة كان سيد الفقهاء وقال سفيان بن عيينة ما لقيت مثله في التابعين وقال ابن سعد كان ثقة ثبتا حجة جامعا كثير العلم عدلا وقال مالك كان من العالمين كتبت عنه لما رأيت من إجلاله للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ووثقه النسائي والدارقطني وابن معين وكثيرون، ولد سنة ست أو ثمان وسبعين. وتوفي سنة إحدى وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (قوله وحبيب بن الشهيد) أبو محمد الأزدى البصرى روى عن الحسن وعطاء وعكرمة وأبي إسحق السبيعى وغيرهم. وعنه الثورى وحماد بن سلمة وشعبة ويحيى بن سعيد وآخرون. وثقه أحمد والنسائي والعجلى والدارقطني وابن معين وأبو حاتم، توفي سنة خمس وأربعين ومائة وهو ابن ست وستين سنة. روى له الجماعة. (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا الْمُعْتَمِرُ يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ، ح ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَعْنَاهُ، وَلَمْ يَرْفَعَاهُ زَادَ: «وَإِذَا وَلَغَ الْهِرُّ غُسِلَ مَرَّة» (ش) (رجال الحديث) (قوله المعتمر يعني ابن سليمان) بن طرخان بفتح الظاء المهملة وكسرها أبو محمد التميمي البصرى. روى عن عاصم الأحول ومنصور وحميد وشعبة وغيرهم. وعنه ابن المبارك وأحمد بن حنبل والثورى وهو أكبر منه وسعيد بن منصور وآخرون وثقه ابن سعد وأبو حاتم وابن معين والعجلى وقال ابن خراش صدوق يخطئُ إذا حدّث من حفظه وإذا حدّث من كتابه فهو ثقة وقال يحيى القطان إذا حدّثكم المعتمر بشئ فاعرضوه فإنه سيئُ الحفظ وقال أحمد ما كان أحفظ المعتمر بن سليمان قلما كنا نسأله عن شيء إلا عنده فيه شئ وذكره ابن حبان في الثقات. ولد سنة ست ومائة، وتوفي سنة سبع وثمانين ومائة بالبصرة. روى له الجماعة (قوله محمد بن عبيد) بن حساب بكسر أوله وتخفيف السين المهملة وآخره موحدة الغبرى بضم الغين المعجمة وفتح الموحدة البصرى. روى عن حماد بن زيد وأبي عوانة وجعفر بن سليمان وعبد الوارث بن سعيد وغيرهم. وعنه مسلم وأبو داود وأبو يعلى الموصلى وأبو زرعة، قال النسائي ثقة وقال أبو داود حجة وقال أبو حاتم صدوق. توفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين (قوله جميعا) حال من المعتمر وحماد أى حال كون كل منهما يرويه عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين (قوله بمعناه) أى بمعنى الحديث السابق، ولفظه عند الترمذى من طريق المعتمر قال سمعت أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى

عليه وعلى آله وسلم قال يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرّات أولاهنّ أو أخرّاهن بالتراب وإذا ولغت فيه الهرّة غسل مرّة اهـ وقد ذكره الطحاوى وقال فيه أولاهنّ بالتراب بدون شك، وأخرجه البيهقي من طريق ابن عيينة عن أيوب وفيه أولاهنّ أو أخراهنّ بتراب ولم يذكرا ولوغ الهرّ (قوله ولم يرفعاه) أى لم يرفع المعتمر وحماد بن زيد الحديث إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بل وقفاه على أبي هريرة، وفى نسخة ولم يرفعه، أى من ذكر وقد رفعه الترمذى والطحاوى من طريق المعتمر وكذا البيهقي من طريق ابن عيينة عن أيوب كما علمت، أما رواية حماد بن زيد فقد أخرجها الدارقطني موقوفا على أبي هريرة قال في الكلب يلغ في الإناء يهراق ويغسل سبع مرات قال الدارقطني صحيح (قوله وإذا ولغ الهرّ غسل مرة) الهر بكسر الهاء وشدّ الراء القط جمعه هررة كقردة والأنثى هرّة وجمعها هرر مثل قربة وقرب قال المنذرى عن البيهقي أدرجه (يعني قوله وإذا ولغ الهرّ الخ) بعض الرواة في حديثه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ووهموا فيه والصحيح أنه (أى الحديث) في ولوغ الكلب مرفوع وفي ولوغ الهرّة موقوف. (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يطلب غسل ما ولغ فيه الهرّ للنظافة لأنه لا يتحاشى النجاسة لا لنجاسة لعابه كما يدلّ عليه الحديث الآتي في باب سؤر الهرّ. وبه استدلت الحنفية على نجاسة سؤر الهرِّ البرّى لأنه من سباع البهائم ولعابها نجس كلبنها لتولدهما من اللحم النجس فأخذا حكمه. واستدلوا أيضا بما رواه الطحاوى عن عطاء عن أبي هريرة في الإناء يلغ فيه الكلب أو الهرّ قال يغسل ثلاث مرار وحملوا الحديث الآتي على الأهلىّ. (من روى الحديث أيضا) رواه الطحاوى والترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نحو هذا ولم يذكر فيه إذا ولغت فيه الهرّة غسل مرّة، قال الزيلعى قال في التنقيح وعلة الحديث أن مسدّدا رواه عن المعتمر فوقفه فرواه عنه أبو داود وقد رفعه سوّار عن المعتمر كما في الترمذى (فتلخص) أنه اختلف في رفعه ووقفه واعتمد التزمذى في تصحيحه على عدالة الرجال عنده ولم يلتفت لوقف من وفقه وكذا رجح رفعه الطحاوى لما ذكر عن محمد بن سيرين أنه كان إذا حدّث عن أبي هريرة فقيل له عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال كل حديث أبي هريرة عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، ورواه الدارقطني من طريق قرّة بن خالد عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم طهور الإناء إذا ولغ فيه الكلب يغسل سبع مرّات الأولى بالتراب والهرة مرّة أو مرّتين، قرّة يشك، هذا صحيح اهـ ورواه الطحاوى من طريق قرّة أيضا بلفظ طهور الإناء إذا ولغ فيه الهرّ أن يغسل مرّة أو مرّتين. قرّة شك

بيان من لم يذكروا التتريب لي أحاديثهم

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا أَبَانُ، ثَنَا قَتَادَةُ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ، حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ، فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ» (ش) (قوله أبان) بن يزيد (قوله قتادة) بن دعامة (قوله حدثه) فاعل حدّث محمد والضمير البارز عائد على قتادة (قوله إذا ولغ) هذا هو المشهور عن أبي هريرة من رواية جمهور أصحابه عنه وهو المعروف في اللغة، والذي في الموطأ إذا شرب الكلب في إناء أحدكم بتضمين شرب معنى ولغ فعدّى بفي أو أن في بمعنى من (قوله السابعة بالتراب) أى المرّة السابعة مصحوبة بالتراب وهذه الجملة مستأنفة لبيان محل التتريب فلا محل لها من الإعراب ولم يقع في رواية مالك التتريب ولم يثبت في شيء من الروايات عن أبي هريرة إلا عن ابن سيرين عند المصنف وغيره، على أن بعض أصحاب ابن سيرين لم يذكر التتريب، وتقدم اختلاف الروايات في محل التتريب والجمع بينها. (من روى الحديث أيضا) رواه البيهقى والدارقطني وقال هذا صحيح (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَأَمَّا أَبُو صَالِحٍ، وَأَبُو رَزِينٍ، وَالْأَعْرَجُ، وَثَابِتٌ الْأَحْنَفُ، وَهَمَّامُ ابْنُ مُنَبِّهٍ، وَأَبُو السُّدِّيِّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رَوَوْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا التُّرَابَ. (ش) عرض المصنف بهذا بيان من لم يذكر التتريب في حديثه وهم (أبو صالح) ذكوان السمان (وأبو رزين) مسعود بن مالك الكوفي الأسدى مولى أبي وائل. روى عن على وأبي هريرة ومعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري وغيرهم، وعنه عطاء بن السائب والزبير بن عدي وإسماعيل ابن أبي خالد وعاصم أبن أبي النجود وآخرون. قال أبو زرعة والعجلى ثقة وذكره ابن حبان في الثقاب، توفي سنة خمس وثمانين. روى له الجماعة إلا البخارى، وحديث أبي صالح وأبي رزين أخرجه مُسلم والبيهقي والنسائي، ولفظه أخبرنا على بن حجر أنا على بن مسهر عن الأعمش عن أبي رزين وأبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات قال أبو عبد الرحمن لا أعلم أحدا تابع عليّ بن مسهر على قوله فليرقه. وحديث عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أخرجه الشيخان والبيهقى وابن ماجه والنسائي، ولفظه أخبرنا قتيبة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال اذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله

الترخيص في اقتناء كلب الصيد والغنم

سبع مرات (قوله وثابت الأحنف) بن عياض القرشى العدوى مولى عبد الرحمن ابن زيد بن الخطاب. روى عن أنس وابن عمر وابن عمرو وابن الزبير وجماعة، وعنه مالك ويحيى بن سعيد وسليمان الأحول وعمرو بن دينار وآخرون، قال أبو حاتم لا بأس به وقال النسائي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له البخارى ومسلم وأبو داود والنسائي. وحديثه أخرجه النسائي ولفظه أخبرني إبراهيم بن الحسن حدثنا حجاج قال قال ابن جريج أخبرني زياد ابن سعد أن ثابتا مولى عبد الرحمن بن زيد أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات. وحديث همام ابن منبه أخرجه البيهقي ومسلم، ولفظه حدثنا محمد بن رافع ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات (قوله وأبو السدّى) بضم السين وتشديد الدال المهملتين (عبد الرحمن) بن أبي كريمة. روى عن أبي هريرة، وعنه ابنه إسماعيل، ذكره ابن حبان في الثقات، وحديثه أخرجه البزّار لكن فيه التتريب كما يؤخذ من قول الحافظ في الفتح (قوله رووه الخ) أى روى هذا الحديث كل هؤلاء المذكورين ولم يذكروا التتريب في روايتهم عن أبي هريرة، غير أنك قد علمت أن أبا السدّى ذكر في روايته التتريب على ما قاله الحافظ، وعدم ذكر هؤلاء للتتريب لا يقدح في القول بلزومه لثبوته في عدّة طرق عن أبي هريرة فقد أخرج الدارقطني بسنده إلى قتادة ويونس عن الحسن عن أبي هريرة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات الأولى بالتراب، وأخرج أيضا بسنده عن خلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرّات أولاهن بالتراب هذا صحيح. (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، ثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ ابْنِ مُغَفَّلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا لَهُمْ وَلَهَا»، فَرَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ، وَفِي كَلْبِ الْغَنَمِ وَقَالَ: «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مِرَارٍ، وَالثَّامِنَةُ عَفِّرُوهُ بِالتُّرَابِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله شعبة) بن الحجاج (قوله أبو التياح) يزيد بن حميد

حكمة الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخه

(قوله (ص) مطرّف) بضم الميم وفتح الطاء المهملة وراء مشدّدة مكسورة ابن عبد الله بن الشخير بكسر الشين والخاء المشددة المعجمتين ابن عوف بن كعب أبو عبد الله العامرى البصرى من التابعين. روى عن عثمان بن عفان وعلى وعائشة وأبي ذرّ وغيرهم، وعنه أبو سلمة وسعيد بن يزيد ومحمد بن واسع والحسن البصرى وآخرون، قال ابن سعد ثقة له فضل وورع وعقل وأدب ووثقه العجلى وذكره ابن حبان في الثقات، ولد في حياة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتوفي سنة خمس وتسعين. روى له الجماعة (قوله ابن مغفل) هو عبد الله (قوله أمر بقتل الكلاب) سبب ذلك كما في صحيح مسلم عن ابن عباس عن ميمونة أن جبريل وعد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يأتيه فلم يأته فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أما والله ما أخلفني قال فظلّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يومه ذلك على ذلك ثم وقع في نفسه جرو كلب كان تحت فسطاط لنا فأمر به فأخرح ثم أخذ بيده ماء فنضح مكانه فلما أمسى لقيه جبريل عليه السلام فقال له قد كنت وعدتني أن تلقاني البارحة قال أجل ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة فأصبح رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يومئذ فأمر بقتل الكلاب حتى أنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير ويترك كلب الحائط الكبير، وقيل إنما أمر بذلك تغليظا عليهم لأنهم كانوا مولعين بها، والأمر بقتل الكلاب كان أوّلا ثم نسخ في غير الكلب الأسود والعقور فقد أخرح مسلم عن جابر قال أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقتل الكلاب حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها فنقتله ثم نهى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن قتلها وقال عليكم بالأسود البهيم ذى النقطتين فإنه شيطان، وعن ابن عمر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال خمس من الدوابّ ليس على المحرم في قتلهنّ جناح الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور رواه الجماعة إلا الترمذى، وإذا جاز للمحرم فغيره بالأولى. قال القاضى عياض ذهب كثير من العلماء إلى الأخذ بالحديث بقتل الكلاب إلا ما استثنى وهذا مذهب مالك وأصحابه، وذهب آخرون إلى جواز اقتنائها جميعا ونسخ قتلها إلا الأسود البهيم. قال وعندى أن النهى أوّلا كان نهيا عاما عن اقتنائها جميعا والأمر بقتلها جميعا ثم نهى عن قتل ما عدا الأسود ومنع الاقتناء في جميعها إلا المستثنى، ونقل النووى عن إمام الحرمين أن الأمر بقتل الأسود البهيم كان في الابتداء وهو الآن منسوخ (قوله ما لهم ولها) أى أىّ شئ ثبت للناس وحملهم على اقتناء الكلاب، ولفظ مسلم ما بالهم وبال الكلاب، وهذا إشارة إلى النهى عن اقتنائها، واتفقوا على أنه يحرم اقتناء الكلاب لغير حاجة كأن يقتني كلبا إعجابا بصورته أو للمفاخرة به فهذا حرام بلا خلاف، وأما الحاجة التي يجوز الاقتناء لها فقد بينت في حديث الباب ونحوه وهي الصيد وحراسة الماشية والزرع، واختلف في اقتنائه

بيان أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة

لحراسة الدور وفي اقتناء الجرو ليعلم والأصح إباحته، واختلف أيضا فيمن اقتنى كلب صيد وهو لا يصيد، أفاده النواوى، وما قيل من أن قوله مالهم ولها دليل على منع قتل الكلاب ونسخه غير ظاهر لأنه لا يتناسب مع قوله فرخص في كلب الصيد الخ، وزاد في رواية لمسلم والزرع، أى يسر وسهل في اقتناء الكلاب التي تصيد والتي تحرس الغنم والزرع (قوله والثامنة عفروه بالتراب) أى ادلكوا الإناء في الغسلة الثامنة بالتراب، يقال عفرت الإناء عفرا من باب ضرب دلكته بالعفر أى التراب وعفرته بالتثقيل مبالغة، وظاهر الحديث وجوب غسلة ثامنة وأن غسلة التراب غير الغسلات السبع بالماء، وبه قال الحسن البصرى وأحمد بن حنبل في رواية حرب الكرماني عنه، وروى عن مالك، وقد ألزم الطحاوي الشافعية بإيجاب ثماني غسلات عملا بظاهر هذا الحديث، واعتذار الشافعى بأنه لم يقف على صحة هذا الحديث لا ينفع أصحابه الذين وقفوا على صحته ولا سيما مع وصيته بأن الحديث إذا صح فهو مذهبه، وجواب البيهقي عن ذلك بأن أبا هريرة أحفظ من غيره فروايته أرجح وليس فيها هذه الزيادة مردود بأن حديث ابن مغفل مجمع على صحته وفيه زيادة والأخذ به يستلزم الأخذ بحديث أبي هريرة دون العكس والزيادة من الثقة مقبولة، والترجيح لا يصار إليه مع إمكان الجمع وقد تقدم بيانه، ولو سلمنا الترجيح في هذا الباب لم نقل بالتتريب أصلا لأن رواية مالك بدونه أرجح من رواية من أثبته ومع ذلك قلنا به أخذا بزيادة الثقة، أفاده الحافظ. هذا وفي بعض النسخ بعد هذا الحديث ما نصه (قال أبو داود وهكذا قال ابن مغفل) وهو غير موجود في النسخ المصرية وعلى ثبوته فلعل المصنف زاده توثيقا وتأكيدا. (فقه الحديث) دل الحديث زيادة على ما تقدم على بيان لطف الله تعالى ورأفته بعباده حيث أباح لهم على لسان نبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اقتناء الكلاب للحاجة كالصيد وحراسة الماشية والزرع ومنعهم من اقتنائها لغير حاجة لما فيه من ترويع الناس ومنع الملائكة من دخول البيت ولما يترتب عليه من نقص الأجر. فعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة رواه مسلم وغيره. وعن ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من اتخذ كلبا إلا كلب زرع أو غنم أو صيد ينقص من أجره كل يوم قيراط. وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم رواهما مسلم. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه وابن منده والدارقطني والبيهقى وقال أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره فروايته أولي اهـ وردّه في الجوهر

باب سؤر الهرة

النفىّ بقوله بل رواية ابن مغفل أولى لأنه زاد الغسلة الثامنة، والزيادة مقبولة خصوصا من مثله قال الحسن البصري كان ابن مغفل أحد العشرة الذين بعثهم إلينا عمر يفقهون الناس فكان الأخذ بروايته أحوط وإليه ذهب الحسن. وحديثه هذا أخرجه ابن منده من طريق شعبة وقال إسناده مجمع على صحته. (باب سؤر الهرّة) أي في بيان حكم سؤرها. وفي بعض النسخ باب سؤر الهرّ. (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ - أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ، دَخَلَ فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَشَرِبَتْ مِنْهُ، فَأَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ، قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة) زيد بن سهل الأنصارى النجارى المدني. روى عن أبيه وعمه أنس بن مالك ورافع بن إسحاق وأبي صالح وغيرهم. وعنه حماد بن سلمة وابن معين ومالك بن أنس ويحيى بن سعيد الأنصاري وطائفة. قال أبو زرعة وأبو حاتم والنسائي ثقة وقال ابن معين وأبو يحيى المدني ثقة حجة وقال الواقدى كان ثقة كثير الحديث وكان مالك لا يقدّم عليه في الحديث أحدا وقال ابن حبان كان مقدّما في رواية الحديث والإتقان فيه. توفي سنة اثنتين وثلاثين ومائة. روي له الجماعة (قوله حميدة الخ) قال ابن عبد البرّ هي بضم الحاء المهملة وفتح الميم عند رواة الموطأ إلا يحيى الليثي فقال إنها بفتح الحاء وكسر الميم وهى الأنصارية الزّرقية أم يحيى. روت عن خالتها كبشة بنت كعب وعنها زوجها إسحاق. روى لها أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وثقها ابن حبان وقال الحافظ مقبولة (قوله كبشة) بفتح الكاف وسكون الموحدة بنت كعب بن مالك الأنصارية زوج عبد الله بن أبي قتادة، وهذا معنى قوله كانت تحته، قال ابن حبان له صحبة. روت عن أبي قتادة وروت عنها بنت أختهما حميدة. روى له أبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه

مذاهب العلماء في سؤر الهرة

(قوله (ص) أن أبا قتادة) هو الحارث بن ربعى (قوله دخل فسكبت له وضوءا) أى صبت كبشة لأبي قتادة ماء في الإناء ليتوضأ منه فالتاء للتأنيث ويجوز ضمها للمتكلم. ويؤيده ما في الترمذى والمصابيح قالت فسكبت له (قوله فشربت منه) أي أرادت الشرب أو شرعت فيه. وفي رواية الترمذى وابن ماجه فجاءت هرّة تشرب (قوله فأصغى لها الإناء) بصاد مهملة وغين معجمة أى أمال أبو قتادة للهرّة الإناء ليسهل عليها الشرب (قوله أتعجبين الخ) أى من إمالتي الإناء للهرّة وشربها منه، والمراد أخوّة الإسلام على عادة العرب من أن بعضهم يقول لبعض يا ابن أخى ويا ابن عمى وإن لم يكن عما أو ابن عمّ له في النسب (قوله نعم) بفتح العين المهملة وكنانة تكسرها وبها قرأ الكسائي وبعضهم يبدلها حاء وبها قرأ ابن مسعود وبعضهم يكسر النون إتباعا لكسرة العين وهي حرف جواب تفيد تقرير ما قبلها من إثبات أو نفي (قوله إنها ليست بنجس) بفتح النون والجيم مصدر نجس من باب قرح فلذا لم يؤنث كما أنه لم يجمع في قوله تعالى "إنما المشركون نجس" أي أن الهرّة ليست نجسة الذات، ويصح كسر الجيم أى ليست بمتنجسة، وأكثر النسخ المصححة على الأول وعليه المعوّل لأن النجس بالفتح في اصطلاح الفقهاء عين النجاسة وبالكسر المتنجس (قوله إنها من الطوّافين عليكم) جملة مستأنفة فيها معنى التعليل إشارة إلى أن علة الحكم بعدم نجاسة الهرّة هي الضرورة الناشئة من كثرة دورانها في البيوت ودخولها فيها بحيث يصعب صون الأواني والثياب ونحوهما عنها فجعلها الله تعالى طاهرة رأفة بالعباد ودفعا للحرج، والطوّافين جمع طائف وهو لغة المستدير بالشئ يقال طاف بالشئ يطوف طوفا وطوفانا استدار به ويطلق على الخادم الذى يخدم برفق وعناية، شبهها بالخادم الذى يطوف على مولاه ويدور حوله أخذا من قوله تعالى "ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم" وألحقها بهم حيث إطلق عليها الصيغة الموضوعة للعقلاء لأنها خادمة أيضا فإنها تقتل المؤذيات أو لأن الأجر في مواساتها كالأجر في مواساتهم (قوله والطوافات) وفي رواية ابن ماجه أو الطوّافات وأو فيها بمعنى الواو وروي الوجهان عن مالك. والحديث يدل على طهارة فم الهرّة وطهارة سؤرها وإليه ذهب مالك والشافعى وأحمد وإسحاق وهو قول أكثر أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والتابعين وبه قال أبو حنيفة وأصحابه في سؤر الهرّة الأهلية لسقوط حكم النجاسة اتفاقا بعلة الطواف المنصوص عليها في الحديث غير أن الإمام ومحمدا قالا يكره تنزيها استعمال سؤرها عند وجود غيره لأنها لا تتحامى النجاسة أما إذا علم نجاسته كأن ولغت عقب أكلها نحو فأر فهو نجس وإذا علم طهارته كأن ولغت في الإناء بعد شربها من ماء كثير فلا كراهة في سؤرها وعلى هذا يحمل إصغاء النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الإناء لها، وحديث عائشة في الباب الآتي نص في طهارة سؤر الهرّة

الأهلية وكذا ما رواه ابن ماجه والطحاوى عنها قالت كنت أتوضأ أنا ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من إناء واحد قد أصابت منه الهرّة قبل ذلك، وفي رواية للدارقطني والطحاوي كنت أغتسل، وما في معجم الطبراني سئل أنس بن مالك عن الهرّة قال خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى أرض بالمدينة يقال لها بطحان فقال يا أنيس اسكب لى وضوءا فسكبت له فلما قضى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حاجته أقبل إلى الإناء وقد أتى هرّ فولغ في الإناء فوقف له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقفة حتى شرب الهرّ ثم سألته فقال يا أنس إن الهرّ من سباع البيت لن يقذر شيئا ولن ينجسه، وما في صحيح ابن خزيمة عن عائشة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إنها ليست بنجسة هى كبعض أهل البيت وفي سنن الدارمى هى كبعض متاع أهل البيت، وأما خبر يغسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا ومن ولوغ الهرّة مرة فقد تقدم أنه في ولوغ الهرّة الوحشية. (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن من جهل شيئا يطلب منه أن يسأل العالم به، وعلى طلب الرفق بالحيوان، وعلى أن سؤر الهرّة طاهر على ما تقدم بيانه. (من روى الحديث أيضا) رواه مالك وأحمد والنسائى وابن ماجه والدارمى والدارقطني والبيهقي والترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح وقد جوّد مالك هذا الحديث عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة ولم يأت به أحد أتم من مالك اهـ وقال المنذرى قال البخارى جوّد مالك هذا الحديث وروايته أصح من رواية غيره اهـ قال الشوكاني وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني والعقيلى وأعله ابن منده بأن في سنده حميدة وكبشة وهما مجهولتان لم يعرف لهما إلا هذا الحديث اهـ وتعقبه الحافظ بأن لحميدة حديثا آخر في تشميت العاطس رواه ابو داود ولها ثالث رواه أبو نعيم في المعرفة وقد روى عنها مع إسحاق ابنه يحيى وهو ثقة عند ابن معين فارتفعت جهالتها، وأما كبشة فقيل إنها صحابية فإن ثبت فلا يضرّ الجهل بحالها على ما هو الحق من قبول مجاهيل الصحابة اهـ. (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ صَالِحِ بْنِ دِينَارٍ التَّمَّارِ، عَنْ أُمِّهِ، أَنَّ مَوْلَاتَهَا أَرْسَلَتْهَا بِهَرِيسَةٍ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَوَجَدَتْهَا تُصَلِّي، فَأَشَارَتْ إِلَيَّ أَنْ ضَعِيهَا، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَتْ أَكَلَتْ مِنْ حَيْثُ أَكَلَتِ الْهِرَّةُ، فَقَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إِنَّمَا هِيَ

بيان في بعض الروايات الدالة على عدم طهارة سؤرها

مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ»، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهَا. (ش) (رجال الحديث) (قوله عبد العزيز) بن محمد الدّراوردى (قوله داود بن صالح الخ) مولى أبي قتادة الأنصارى المدني. روى عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن وأبي أمامة ابن سهل وسالم بن عبد الله وأبيه صالح وغيرهم، وعنه ابن جريج وعبد العزيز الدّراوردي وهشام ابن عروة وغيرهم روى له أبو داود والشيخان وقال أحمد لا أعلم به بأسا وذكره ابن حبان في الثقات (وقوله التمار) بفتح المثناة الفوقية وشدّ الميم نسبة إلى بيع التمر (قوله عن أمه) أى أمّ داود ولم تسمّ وذكرها الذهبي في الميزان في فضل من لم تسمّ فقال والدة داود بن صالح التمار. روت عن عائشة، وعنها ابنها وهى مجهولة ولم يذكرها الحافظ في تهذيب التهذيب ولا في التقريب (قوله أن مولاتها) أي معتقة أم داود وكانت أمه مولاة لامرأة من الأنصار لم تعرف، والمولى اسم مشترك بين المعتق بالكسر والمعتق بالفتح والمراد هنا الأول (قوله بهريسة) هي طعام من قمح ولحم أو غيره مدقوق فعيلة بمعنى مفعولة، قال ابن فارس الهرس دق الشئ ولذلك سميت الهريسة وفي النوادر الهريس الحب المدقوق بالمهراس قبل أن يطبخ فإذا طبخ فهو الهريسة بالهاء والمهراس بكسر الميم حجر مستطيل ينقر ويدق فيه ويتوضأ منه وقد استعير للخشبة التي يدق فيها الحب اهـ (قوله أن ضعيها) أن مفسرة لما في الإشارة من معنى القول أو مصدرية أى أشارت اليّ بوضع الهريسة (قوله فلما انصرفت الخ) أى فرغت عائشة من صلاتها أكلت من موضع أكل الهرّة (قوله فقالت الخ) جواب عن سؤال مقدّر فكأنه قيل لعائشة كيف تأكلين مما أكلت الهرّة قالت إنها ليست بنجس الخ (قوله يتوضأ بفضلها) أى بسؤر الهرّة وهذا استدلال من عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا على أكلها من محل أكل الهرّة بفعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد استدلالها بقوله، وبالحديث احتج من قال بطهارة الهرة وسؤرها كما تقدم، وأما الروايات التي تدلّ على عدم طهارة سؤر الهرّة قد تقدم الجواب عن بعضها وهاك بيان ما في بعض آخر. أما حديث أبي هريرة يغسل الإناء من الهر كما يغسل من الكلب فقد رواه الدارقطني من طريق يحيى بن أيوب وقال هذا موقوف ولا يثبت عن أبى هريرة ويحيى بن أيوب في بعض أحاديثه اضطراب اهـ وقال البيهقي ليس بمحفوظ اهـ ورواه الدارقطني من طريق آخر وقال لا يثبت هذا مرفوعا والمحفوظ أنه من قول أبي هريرة واختلف عنه، ثم قال حدثنا أبو بكر النيسابورى أنا أبو الأزهر نا على بن عاصم نا ليث بن أبي سليم عن عطاء عن أبي هريرة قال إذا ولغ السنور في الإناء غسل سبع مرات موقوف لا يثبت وليث سيئُ الحفظ اهـ وقال البيهقي وعن عطاء عن أبي هريرة وهو خطأ من ليث بن أبي سليم إنما رواه ابن جريج وغيره عن عطاء من قوله اهـ

باب الوضوء بفضل طهور المرأة

وأما حديث نافع عن ابن عمر قال لا توضؤوا من سؤر الحمار ولا الكلب ولا النسور فقد رواه الطحاوى والبيهقي لكنه موقوف فلا تقوم به حجة. (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية إهداء الطعام وقبوله، وعلى جواز إشارة المصلي بيده أو عينه أو رأسه أو نحو ذلك، وعلى جواز أكل سؤر الهرّة، وعلى طهارة الهرّة وسؤرها وأن الشرب والوضوء منه غير مكروه. قال الخطابي وفيه دليل على أن سؤر كل طاهر الذات من السباع والدوابّ والطير وإن لم يكن مأكول اللحم طاهر اهـ وقال بعض العلماء يؤخذ من الحديث استحباب اتخاذ الهرة وتربيتها، وأما حديث حب الهرّة من الإيمان فموضوع كما قاله الصاغاني وغيره. (من روى الحديث أيضا) رواه الطحاوى في شرح معانى الآثار والبيهقى في السنن مطوّلا من طريق داود التمار عن أمه أن مولاة لها أهدت إلى عائشة صحفة هريسة فجاءت بها وعائشة قائمة تصلى فأشارت إليها عائشة أن ضعيها فوضعتها وعند عائشة نسوة في فجاءت الهرة فأكلت منها أكلة أو قالت لقمة فلما انصرفت قالت عائشة للنسوة كلن فجعلن يتقين موضع فم الهرة فأخذتها عائشة فأدارتها ثم أكلتها وقالت إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إنها ليست بنجس إنها من الطوّافين والطوافات عليكم وقد رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ بفضلها، وأخرجه الدارقطنى مختصرا وقال رفعه الدراوردى عن داود بن صالح ورواه عنه هشام بن عروة موقوفا على عائشة اهـ وقال المنذرى قال الدارقطنى تفرّد به عبد العزيز ابن محمد الدراوردى عن داود بن صالح عن أمه بهذه الألفاظ. (باب الوضوء بفضل طهور المرأة) أى في بيان حكم التطهير بفضل ما تطهرت منه المرأة، والوضوء بضم الواو اسم للفعل والطهور بفتح أوله اسم للماء الذى يتطهر به، وفى نسخة باب الوضوء بفضل المرأة، وفي أخرى باب الوضوء بفضل وضوء المرأة، بفتح الواو، والفضل في الأصل بقية الشئ مطلقا والمراد هنا ما يبقى في الإناء من الماء بعد أخذ شيء منه للطهارة قبل الفراغ منها كما هو موضوع أحاديث الباب أو بعد الفراغ منها كما يدلّ عليه حديث ابن عباس السابق في باب الماء لا يجنب (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَنَحْنُ جُنُبَانِ»

(ش) (قوله يحيى) بن سعيد القطان (قوله سفيان) الثورى أو ابن عيينة لأنهما من تلاميذ منصور وشيوخ يحيى وعدم تعيين أحدهما لا يضرّ لأن كلا منهما إمام ثقة (قوله منصور) بن المعتمر (قوله إبراهيم) النخعى (قوله الأسود) بن يزيد النخعى (قوله من إناء واحد) كان هذا الإناء من نحاس لما رواه الحاكم من طريق حماد بن سلمة عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في تور من شبه. والتور الإناء. والشبه بفتحتين النحاس الأصفر ويجمع الإناء على آنية وجمع الجمع أوان (قوله ونحن جنبان) جملة اسمية وقعت حالا من المعطوف والمعطوف عليه وتثنية جنب لغة. والأفصح لزومه حالة واحدة للمفرد وغيره وهى لغة القرآن قال الله تعالى "وإن كنتم جنبا" وقال عزّ وجلّ "ولا جنبا إلا عابرى سبيل" وقد تقدم أن الجنب من وجب عليه الغسل بجماع أو خروج مني. ووجه مطابقة الحديث للترجمة أن الغسل مشتمل على الوضوء (فقه الحديث) دل الحديث على أن الجنب ليس بنجس. وأما النهى عن انغماس الجنب في الماء الدائم فهو للتنزيه كراهية أن يستقذر لا لأنه يصير نجسا بانغماس الجنب فيه لأنه لا فرق بين جميع بدن الجنب وبين عضو من أعضائه، وعلى جواز اغتسال اثنين من إناء واحد ومثله الأكثر، وعلى أن الماء القليل لا يخرج عن الطهورية بغمس الجنب يده فيه لا فرق بين الرجل والمرأة نوى الاغتراف أم لا. (من روى الحديث أيضا) رواه مسلم من حديث أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن عائشة ورواه النسائي والبيهقي من عدّة طرق وفي أحدها يبادرني وأبادره حتى يقول دعى لى وأقول أنا دع لى. وأخرجه البخارى وابن ماجه من عدّة طرق عنها وابن ماجه عن ميمونة وأم سلمة وجابر وليس فيه ونحن جنبان. ورواه الترمذي عن ميمونة وقال هذا حديث حسن صحيح وهو قول عامة الفقهاء أن لا بأس أن يغتسل الرجل والمرأة من إناء واحد وفي الباب عن على وعائشة وأنس وأم هانئ وأم حبيبة وأم سلمة وابن عمر اهـ. (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، قال حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ خَرَّبُوذَ، عَنْ أُمِّ صُبَيَّةَ الْجُهَنِيَّةِ، قَالَتْ: «اخْتَلَفَتْ يَدِي وَيَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِي الْوُضُوءِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ» (ش) (رجال الحديث) (قوله وكيع) بن الجرّاح (قوله أسامة بن زيد) الليثى مولاهم أبو زيد المدني. روي عن نافع والقاسم بن محمد والزهري وعطاء بن أبي رباح وغيرهم. وعنه الثورى

وابن المبارك ويحيى القطان والأوزاعي وآخرون، قال أحمد روى عن نافع أحاديث مناكير فقلت له أراه حسن الحديث فقال إن تدبرت حديثه فستعرف فيه النكرة وكان يحيى بن سعيد يضعفه وقال ابن نمير مشهور وقال العجلي ثقة وقال ابن حبان في الثقات يخطئُ وهو مستقيم الأمر صحيح الكتاب وقال ابن معين هو ثقة حجة أنكر عليه أحاديث وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتح به وقال النسائي ليس بالقوي. روي له الجماعة واستشهد به البخارى. توفى سنة ثلاث وخمسين ومائة وهو ابن بضع وسبعين. سنة (قوله عن ابن خرّبوذ) سالم بن سرج بالجيم أبو النعمان ويقال سالم بن النعمان مولى أم صبية الجهنية المدني. روى عن مولاته أم صبية. وعنه أسامة بن زيد وخارجة بن الحارث. وثقه ابن معين وقال شيخ مشهور وذكره ابن حبان في الثقات روى له البخارى في الأدب وابن ماجه، وخرّبوذ بفتح الخاء المعجمة وشدّ الراء المفتوحة وضم الموحدة وسكون الواو آخره ذال معجمة اسم للإكاف في لغة فارس قال أبو أحمد الحاكم من قال ابن سرج فقد عرّبه ومن قال ابن خرّبوذ أراد به الإكاف بالفارسية (قوله أم صبية الجهنية) بصاد مهملة ثم موحدة مصغرة مع التثقيل يقال هى خولة بنت قيس جدّة خارجة بن الحارث، بايعت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. روى عنها سالم ونافع ابنا خرّبوذ. روى لها أبو داود وابن ماجه (قوله اختلفت يدى ويد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) تعني أنه كان يغترف تارة قبلها وتارة بعدها كما تقدم في حديث عائشة عند النسائي من قولها يبادرني وأبادره حتى يقول دعي لى وأقول أنا دع لى، ولا يقال كيف يجوز ذلك وأم صبية لم تكن محرما ولا زوجا له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأنه يحتمل أن يكون قد سدل بينهما حجاب على الإناء ويأخذان الماء من ورائه، أو أن هذا التوضؤ محمول على حالتين فكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ من الإناء في وقت ثم تتوضأ منه بعده، وهذا بعيد لأنه خلاف ظاهر الحديث من أنه كانت تختلف يدهما في وقت واحد (فقه الحديث) فيه دليل على جواز اغتراف المحدث من الماء القليل وأن ذلك لا يمنع من التطهر بذلك الماء ولا بما يفضل منه وإن لم ينو الاغتراف، وعلى جواز توضؤ الاثنين ولو ذكرا وأنثى من إناء واحد. (من روى الحديث أيضا) رواه ابن ماجه والدارقطني وأحمد والبيهقي وابن أبي شيبة والطبراني والبخارى في الأدب المفرد والطحاوي. (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، ح وَثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَتَوَضَّئُونَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى

بيان كيفية توضؤ الرجل والمرأة من إناء واحد

اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، قَالَ مُسَدَّدٌ: «مِنَ الْإِنَاءِ الْوَاحِدِ جَمِيعًا» (ش) (قوله في زمان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) هذا يفيد أن الحديث مرفوع حكما لما تقدم من أن الصحابي إذا أسند الفعل إلى زمان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يكون في حكم المرفوع (قوله قال مسدد من الإناء الواحد الخ) وفي رواية ابن ماجه من إناء واحد فقد انفرد مسدد بقوله من الإناء الواحد وأما قوله جميعا فمن روايتي مسدد وعبد الله وهي حال من الواو في يتوضؤون، وظاهره أنهم كانوا يتناولون الماء من إناء واحد في وقت واحد وعليه فيكون ذلك خاصا بالزوجات والمحارم، وعلى أن المراد ما يشمل الأجانب فمعناه أنهم كانوا يتوضؤون جميعا في موضع واحد هؤلاء على حدة وهؤلاء على حدة كما قاله ابن التين وليس المراد أن كل الرجال والنساء اجتمعوا لأن الجمع المحلى بأل يفيد العموم إلا إذا دلّ الدليل على الخصوص كما هنا فيراد به الجنس فيقع على أقل الجمع بقرينة العادة ولا ينافيه قوله من الإناء الواحد، وما في صحيح ابن خزيمة من طريق المعتمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه أبصر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم من إناء واحد كلهم يتطهرون منه. ولا قوله جميعا لأنه يصدق على من يتناوبون الطهارة من إناء واحد كل في وقت أنهم تطهروا منه جميعا، وإنما حملناه على ما ذكر لاستبعاد اجتماع الرجال والنساء الأجانب في وقت واحد على إناء واحد. (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز توضؤ الاثنين فأكثر من إناء واحد اغترافا منه قال الحافظ في الفتح فيه دليل على أن الاغتراف من الماء القليل لا يصيره مستعملا لأن أوانيهم كانت صغارا كما صرّح به الشافعى في الأم في عدّة مواضع. (من روى الحديث أيضا) رواه النسائي والبيهقي وابن ماجه وابن خزيمة بلفظ تقدم والدارقطني بسنده إلى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال كنا على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ الرجل والمرأة من إناء واحد تابعه أيوب ومالك وابن جريج وغيرهم (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كُنَّا نَتَوَضَّأُ نَحْنُ وَالنِّسَاءُ ونغتسل من إناءٍ واحدٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، زاد فيه: نُدْلِي فِيهِ أَيْدِيَنَا» (ش) (رجال الحديث) (قوله عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشى.

باب النهى عن ذلك

العدوى أبو عثمان المدني أحد الفقهاء السبعة. روى عن سالم بن عبد الله وسعيد المقبري وعمرو ابن دينار وكريب مولى ابن عباس وغيرهم. وعنه شعبة وابن المبارك وابن جريج والليث بن سعد وغيرهم، قال ابن معين ثقة حافظ متفق عليه رأى أنسا ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان من سادات أهل المدينة وأشراف قريش فضلا وعلما وعبادة وحفظا وإتقانا وقال أحمد بن صالح ثقة ثبت مأمون ليس أحد أثبت منه في حديث نافع وقال النسائي ثقة ثبت. توفي سنة سبع وأربعين ومائة، روى له الجماعة (قولة كنا نتوضأ نحن والنساء ونغتسل) أي كان كل رجل منا يتوضأ ويغتسل مع زوجته من إناء واحد، وفي بعض النسخ إسقاط قوله ونغتسل (قوله ندلى فيه أيدينا) أي ندخل أيدينا في الإناء لنغترف منه، وفي بعض النسخ زاد ندلي الخ. (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز توضؤ الرجال والنساء واغتسالهم من إناء واحد والمراد توضؤ النساء واغتسالهن مع أزواجهن لأن الألف واللام في قوله والنساء بدل من المضاف إليه والتقدير نتوضأ نحن ونساؤنا يعني أزواجنا وذلك لأن الأجنبية لا يجوز لها أن تغتسل مع الرجل من إناء واحد (من روى الحديث أيضا) رواه البيهقي والحاكم عن ابن عمر بلفظ كنا نتوضأ رجالا ونساء ونغسل أيدينا في إناء واحد على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال هذا حديث حسن صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ. (باب النهى عن ذلك) أي عن تطهر الرجل بفضل طهور المرأة والعكس. (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، ح وَثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُمَيْدٍ الْحِمْيَرِيِّ، قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ سِنِينَ، كَمَا صَحِبَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَغْتَسِلَ الْمَرْأَةُ بِفَضْلِ الرَّجُلِ، أَوْ يَغْتَسِلَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ»، زَادَ مُسَدَّدٌ: «وَلْيَغْتَرِفَا جَمِيعًا» (ش) (قوله زهير) بن معاوية (قوله حميد الحميرى) ابن عبد الرحمن (قوله لقيت رجلا) لم يعرف اسمه، وقيل هو الحكم بن عمرو، وقيل عبد الله بن سرجس كما تقدم في باب البول في المستحم، وعلى كلّ فإبهام الصحابي لا يضرّ لأن الصحابة كلهم عدول (قوله

نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) النهى هنا للتنزيه جمعا بين حديثى النهى في الباب وأحاديث الباب السابق وما تقدم في باب الماء لا يجنب (قوله بفضل الرجل) أى بالماء الباقى بعد غسله أو بعد شروعه في الغسل فيكره للمرأة أن تغتسل بعد الرجل بفضله ويكره للرجل أن يغتسل بفضل المرأة (قوله زاد مسدد) أي في روايته (قوله وليغترفا جميعا) أى ليأخذ الرجل والمرأة مجتمعين والواو للعطف على نهى والمعطوف محذوف أي وقال وليغترفا واللام للأمر والأصل فيها الكسر حملا على لام الجر وسليم تفتحها كلام الابتداء، وتسكينها بعد الواو والفاء أكثر وتحريكها بعد ثم أجود، والاغتراف أخذ الماء باليد يقال غرف الماء يغرفه من بابي ضرب ونصر أخذه بيده كاغترفه، وفي رواية ابن ماجه ولكن يشرعان جميعا. (فقه الحديث) دلّ الحديث على النهى عن تطهر كل من الرجل والمرأة بفضل طهور الآخر، وعلى جواز تطهرهما من إناء واحد في وقت واحد، ويأتي إن شاء الله تعالى تفصيل الحكم في ذلك. (من روى الحديث أيضا) رواه أحمد والبيهقي والنسائي وزادوا في أوله ما تقدم للمصنف نهى أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله. قال الحافظ في بلوغ المرام وإسناده صحيح وقال في الفتح رجاله ثقات ولم أقف لمن أعله على حجة قوية ودعوى البيهقي أنه في معنى المرسل مردودة لأن إبهام الصحابي لا يضرّ وقد صرح التابعى بأنه لقيه ودعوى ابن حزم أن داود راويه عن حميد بن عبد الرحمن هو ابن يزيد الأودي وهو ضعيف مردودة فإنه ابن عبد الله الأودى وهو ثقة وقد صرّح باسم أبيه أبو داود وغيره اهـ ورواه الدارقطني وابن ماجه والطحاوي عن عبد الله بن سرجس بسند حسن. (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ يَعْنِي الطَّيَالِسِيَّ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي حَاجِبٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ الْأَقْرَعُ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله ابن بشار) محمد (قوله أبو داود) هو سليمان بن داود بن الجارود البصري فارسى الأصل مولى لقريش أحد الحفاظ. روى عن الثوري وأبان العطار وشعبة وأبي عوانة آخرين، وعنه أحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وإسحاق بن منصور وطائفة قال عمرو بن على الفلاس ما رأيت في المحدّثين أحفظ من أبي داود الطيالسى سمعته يقول أسرد

ثلاثين ألف حديث ولا فخر وقال يونس بن حبيب قدم علينا أبو داود فأملى علينا من حفظه مائة ألف حديث أخطأ في سبعين موضعا فلما رجع إلى البصرة كتب إلينا بأني أخطأت في سبعين موضعا فأصلحوها وقال عبد الرحمن بن مهدى أبو داود أصدق الناس وقال وكيع هو جبل العلم وقال ابن المديني ما رأيت أحفظ منه وقال النعمان بن عبد السلام ثقة مأمون وقال أبو مسعود الرازى سألت أحمد عنه فقال ثقة صدوق فقلت إنه يخطئُ فقال يحتمل له وقال ابن معين صدوق وقال العجلى ثقة كثير الحفظ وقال النسائي ثقة من أصدق الناس لهجة وقال ابن عدى كان في أيامه أحفظ من في البصرة مقدما على أقرانه لحفظه ومعرفته وما أدرى لأيّ معنى قال فيه ابن المنهال ما قال وهو كما قال عمرو بن على ثقة وليس بعجب أن من يحدّث بأربعين ألف حديث من حفظه أن يخطئَ في أحاديث منها برفع ما يوقفه غيره ووصل ما يرسله غيره، وما أبو داود عندي وعند غيرى إلا متيقظا ثبتا وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وربما غلط وقال الخطيب كان حافظا مكثرا ثقة ثبتا ووثقه كثير من الأئمة غير من ذكر. توفي سنة ثلاث أو أربع ومائتين وهو ابن إحدى وسبعين سنة. روى له البخارى في الأدب ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذى (قوله يعني الطيالسى) هذا التفسير من المصنف وهو بفتح الطاء المهملة وتحفيف المثناة التحتية وكسر اللام نسبة إلى الطيالسة جمع طيلسان معرّب تالسان وهو نوع من الأردية وإنما نسب إليها لأنه كان يبيعها (قوله شعبة) بن الحجاج (قوله عاصم) بن سليمان الأحول البصرى أبو عبد الرحمن. روى عن أنس وعبد الله بن سرجس وعكرمة ومحمد بن سيرين وآخرين وعنه حماد بن زيد وقتادة والسفيانان وأبو عوانة وجماعة، وثقه ابن معين وأبو زرعة والعجلى وابن عمار وابن المديني وقال مرة ثبت، ونقل عن القطان لم يكن بالحافظ وقال أحمد هو من الحفاظ وذكره ابن حبان في الثقات. توفي سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث وأربعين ومائة. روى له الجماعة (قوله عن أبي حاجب) هو سوادة بن عاصم البصرى. روى عن الحكم بن عمرو وعائذ بن عمرو وعبد الله بن الصامت وقيس الغفارى، وعنه سليمان التيمى وعاصم الأحول وسعيد الجريرى وعمران بن حدير، قال ابن معين والنسائي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ. روى له مسلم والترمذى والنسائي وأبو داود وابن ماجه (قوله الحكم) بفتح الحاء المهملة والكاف (ابن عمرو) بن مجدّع بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الدال المهملة المفتوحة وبعين مهملة ابن حذيم بن الحارث الغفارى ويقال له الحكم بن الأقرع قال ابن سعد صحب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى قبض ثم تحوّل إلى البصرة وولاه زياد خراسان. روى عنه عبد الله بن الصامت وابن سيرين والحسن البصرى وأبو الشعثاء وغيرهم، قال الحسن البصرى بعث زياد الحكم واليا على خراسان فأصاب مغنما فكتب إليه زياد إن أمير المؤمنين معاوية كتب إليّ

مذاهب العلماء في تطهر الرجل بفضل طهور المرأة وعكسه

وأمرني أن أصطفي له كل صفراء وبيضاء فإذا أتاك كتابي هذا فانظر ما كان من ذهب وفضة فلا تقسمه واقسم ما سوى ذلك فكتب إليه الحكم كتبت إليّ تذكر أن أمير المؤمنين كتب إليك يأمرك أن تصطفي له كل صفراء وبيضاء وإني وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين وإنه والله لو أن السموات والأرض كانتا رتقا على عبد ثم اتقى الله جعل له مخرجا والسلام عليكم ثم قال للناس اغدوا عليّ مالكم فغدوا فقسمه بينهم ثم قال اللهم إن كان لي خير عندك فاقبضني إليك فمات بمرو سنة خمسين ودفن هو وبريدة الأسلمى الصحابي في موضع واحد. روى له الترمذى وأبو داود والنسائي وابن ماجه وروى له البخارى حديثا واحدا (قوله نهى أن يتوضأ الرجل الخ) بهذا الحديث احتج من منع تطهر الرجل بفضل طهور المرأة سواء أشرعا في الطهارة معا أم خلت به المرأة وسواء أكانت حائضا أم جنبا أم لا، وهو قول عمر بن الخطاب وعبد الله بن سرجس والحكم بن عمرو وسعيد بن المسيب وابن حزم وهو أحد مذاهب في المسألة (الثاني) منع تطهر الرجل بفضل طهور المرأة إذا خلت به وجوازه إذا تطهرا معا وإليه ذهب داود وإسحاق وأحمد في رواية قائلا إن الأحاديث في جواز ذلك ومنعه مضطربة لكن صح عن عدّة من الصحابة المنع فيما إذا خلت به، وأجيب بأن اضطراب الأحاديث إنما يضرّ عند تعذر الجمع وهو هنا ممكن يحمل أحاديث النهى على التنزيه، وبأن الجواز مطلقا روى عن جمع من الصحابة منهم على وابن عباس وجابر وأبو هريرة وأنس وعائشة وأم سلمة وميمونة وأم هانئ (الثالث) منع تطهره بفضلها إذا كانت جنبا أو حائضا وإلا فلا منع، ولا دليل على هذا التخصيص وقد نسب هذا القول لابن عمر والشعبى والأوزاعى (الرابع) أنه لا يجوز تطهر كلّ بفضل طهور الآخر إلا أن يغترفا معا أخذا بظاهر الحديث السابق، لكنه معارض بحديث الماء لا يجنب وحديث أم صبية في الباب السابق وحديث عائشة فيه قد تقدم أنه روي من عدّة طرق وفي أحدها يبادرني وأبادره حتى يقول دعي لي وأقول أنا دع لى وهى أقوى منه (الخامس) منع تطهر كلّ بفضل طهور الآخر وإن شرعا معا ونسب إلى أبي هريرة وأحمد وحكاه ابن عبد البر عن قوم وهو مردود بصريح الأحاديث السابقة الدالة على الجواز (السادس) جواز تطهر كلّ بفضل طهور الآخر مطلقا، وهو مذهب الجمهور وروى عن أحمد وهو المختار لما ثبت في الأحاديث الصحيحة السابقة من تطهره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بفضل بعض أزواجه وتطهره معهنّ، وأجابوا عن أحاديث النهى يحملها على ما تساقط من الأعضاء، أو أن النهى محمول على التنزيه، على أن الخطابي قال إن أحاديث النهى إن ثبتت فهى منسوخة، ولا يقال إن فعل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يعارض قوله الخاص بالأمة. لأنا نقول إن تعليله الجواز بأن الماء لا يجنب مشعر بعدم اختصاص ذلك به، وأيضا النهى مختص بالأمة لأن لفظ الرجل

باب الوضوء بماء البحر

يشمله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بطريق الظهور، نعم لو لم يرد ذلك التعليل كان فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مخصصا للنهى من عموم الحديثين السابقين، وقد نقل النووي الاتفاق على جواز وضوء المرأة بفضل الرجل دون العكس، وتعقبه الحافظ بأن الطحاوي قد أثبت فيه الخلاف وقد علمته، وأكثر أهل العلم على جواز تطهر الرجل من فضل طهور المرأة، والأخبار في ذلك أصح فأما غسل الرجل والمرأة ووضوؤهما من الإناء الواحد جميعا فقد نقل الطحاوى والقرطبي والنووي الاتفاق عليه، وفيه نظر لما حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة أنه كان ينهى عنه، وحكاه ابن عبد البر عن قوم كما تقدم. (فقه الحديث) دلّ الحديث على النهى عن تطهر الرجل بفضل طهور المرأة وتقدم بيانه (من روى الحديث أيضا) رواه أحمد والبيهقي وابن ماجه والدارقطنى والترمذى وزاد أو قال بسؤرها، وذكر رواية أخرى بدون شك وقال هذا حديث حسن، وقال النووى حديث الحكم بن عمرو ضعيف ضعفه أئمة الحديث منهم البخارى وغيره، وقال العيني في شرح البخارى حديث الحكم الغفاري قال جماعة إنه لا يصح، وقال ابن منده لا يثبت من جهة السند (قلت) حسنه الترمذى ورجحه ابن ماجه على حديث عبد الله بن سرجس وصححه ابن حبان وأبو محمد الفارسى والقول قول من صححه لا من ضعفه لأن سنده ظاهره السلامة من تضعيف وانقطاع، وقال ابن قدامة الحديث رواه أحمد واحتج به وتضعيف البخارى لا يقبل لاحتمال وقوفه عليه من طريق غير صحيح، وبه يردّ قول النووي اتفق الحفاظ على تضعيفه اهـ بتصرف. (باب الوضوء بماء البحر) أى في بيان أنه يجوز التطهر بماء البحر وإن وقعت فيه نجاسة لأنه لا يتنجس لكثرته وعدم تغيره، والبحر متسع من الماء الملح أو من الماء مطلقا وجمعه بحور وأبحر وبحار وتصغيره أبيحر لا بحير كما في القاموس. (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ، مِنْ آلِ ابْنِ الْأَزْرَقِ، أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ - وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ - أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ»

(ش) (رجال الحديث) (قوله صفوان بن سليم) بضم السين المهملة وفتح اللام أبو عبد الله ويقال أبو الحارث المدني الزهرى، روى عن ابن عمر وجابر وعطاء بن يسار وحميد ابن عبد الرحمن وآخرين، وعنه مالك والليث والسفيانان وابن جريج وغيرهم. قال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث عابدا وقال يعقوب بن شيبة ثقة ثبت مشهور بالعبادة وقال أحمد ثقة من خيار عباد الله الصالحين ويستسقى بحديثه وينزل القطر من السماء لذكره. توفي بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين ومائة وله اثنتان وسبعون سنة، روى له الجماعة (قوله سعيد ابن سلمة) بفتحتين المخزومى، روى عن المغيرة بن أبي بردة، وعنه صفوان بن سليم والجلاح وثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات (قوله المغيرة بن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء الحجازى الكناني ويقال ابن عبد الله بن أبي بردة، روى عن أبي هريرة وزياد بن نعيم الحضرمى، وعنه يحيى بن سعيد الأنصاري وصفوان بن سليم والحارث بن يزيد وسعيد بن سلمة المخزومى وغيرهم، وثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات وقد وهم من قال إنه مجهول لا يعرف روى له النسائي وأبو داود والترمذى وابن ماجه (قوله أخبره) أى أخبر المغيرة سعيدا فالضمير المرفوع يرجع إلى المغيرة والمنصوب إلى سعيد بن سلمة (قوله أنه سمع أبا هريرة) أى أن المغيرة سمع أبا هريرة كذا في الموطأ وباقى السنن وهو الصواب أما من قال فيه عن المغيرة عن أبيه فقد وهم كما قاله ابن حبان وعلى فرض صحته فلا يوهم إرسالا في الإسناد للتصريح فيه بسماع المغيرة من أبي هريرة وعليه فرواية هذا البعض من المزيد في متصل الأسانيد (قوله سأل رجل) هو كما في بعض طرق الدارقطني عبد الله المدلجى وكذا ساقه ابن بشكوال بإسناده، وفي رواية الدارمى قال أتى رجل من بني مدلج إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وفي رواية للحاكم فجاءه صياد (قوله إنا نركب البحر) أى مراكبه من السفن، زاد الحاكم نريد الصيد، والمراد به الملح لأنه مظنة السؤال عنه لكونه مالحا ومرّا وريحه منتن (قوله ونحمل معنا القليل من الماء) أى العذب، وفي رواية للحاكم والبيهقي فيحمل معه أحدنا الإداوة وهو يرجو أن يأخذ الصيد قريبا فربما وجده كذلك وربما لم يجد الصيد حتى يبلغ من البحر مكانا لم يظن أن يبلغه فلعله يحتلم أو يتوضأ فإن اغتسل أو توضأ بهذا الماء فلعل أحدنا يهلكه العطش فهل ترى في ماء البحر أن نغتسل به أو نتوضأ به إذا خفنا ذلك فقال اغتسلوا منه وتوضؤوا به، وفي رواية للدارمى ونحمل معنا من العذب لشفاهنا "يعني لشربنا" فإن نحن توضأنا به خشينا على أنفسنا وإن نحن آثرنا بأنفسنا وتوضأنا من البحر وجدنا في أنفسنا من ذلك فخشينا أن لا يكون طهورا (قوله عطشنا) بكسر الطاء المهملة من باب علم أى أصابنا الظمأ لفقد الماء العذب (قوله أفنتوضأ بماء البحر) الفاء عاطفة على محذوف تقديره أهو طهور فنتوضأ، وإنما توقفوا عن التطهر بمائه لما ذ كر من أنه مرّ مالح ريحه منتن

من محاسن الفتوى الإجابة بأكثر من المسؤل عنه تعميما للفائدة

وما كان هذا شأنه لا يشرب فتوهموا أن ما لا يشرب لا يتطهر به (قوله هو الطهور ماؤه) بفتح الطاء أي الطاهر المطهر ماؤه. وذكر الماء يقتضى أن الضمير في قوله هو الطهور للبحر إذ لو أريد به الماء لما احتيج إلى قوله ماؤه إذ يصير المعنى الماء طهور ماؤه وهو فاسد، وفي لفظ للدارمى فإنه الطاهر ماؤه، ولم يقل في الجواب نعم مع حصول الغرض به ليقرن الحكم بعلته وهي الطهورية المتناهية في بابها ودفعا لتوهم حمل لفظ نعم على الجواز على سبيل الرخصة للضرورة ولما يفهم من الجواب بنعم من أنه إنما يتوضأ به فقط لأنه المسئول عنه، وفي إجابته بقوله الطهور ماؤه بيان أن الطهورية وصف لازم له غير قاصر على حالة الضرورة وغير خاص بحدث دون حدث بل يرفع كل حدث ويزيل كل خبث، وفي شرح العيني قوله هو الطهور ماؤه هو مبتدأ والطهور مبتدأ ثان وماؤه خبر المبتدأ الثاني والجملة خبر المبتدأ الأول، ويجوز كون ماؤه فاعلا للطهور ويكون الطهور مع فاعله خبرا للمبتدإ لأن الطهور صيغة مبالغة وهي كاسم الفاعل في العمل، وهذا التركيب فيه القصر لأن المبتدأ والخبر معرفتان وهو من طرق القصر وهو من قصر الصفة على الموصوف لأنه قصر الطهورية على ماء البحر وهو قصر ادّعائي قصد به المبالغة لعدم الاعتداد بغير المقصور عليه لا قصر حقيقى لأن الطهورية ليست بمقصورة على ماء البحر فقط، والظاهر أنه قصر تعيين لأن السائل كان متردّدا بين جواز الوضوء به وعدمه فعين له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الجواز بقوله هو الطهور ماؤه اهـ بتصرّف، وفي النيل وتعريف الطهور باللام الجنسية المفيدة للحصر لا ينفي طهورية غيره من المياه لوقوع ذلك جوابا لسؤال من شك في طهورية ماء البحر من غير قصد للحصر اهـ (قوله الحلّ) بكسر الحاء المهملة أى الحلال كما في رواية للدارمى والدارقطني من حلّ الشيء يحلّ بالكسر حلا خلاف حرم فهو حلال وحلّ أيضا فوصفه بكل منهما وصف بالمصدر (قوله ميتته) بفتح الميم ما مات من حيوانه بلا ذكاة وترك العاطف لما بين الجملتين من المناسبة في الحكم والعطف يشعر بالمغايرة، وسألوه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ماء البحر فأجابهم عن مائه وطعامه لعلمه أنه قد يعوزهم الزاد في البحر كما يعوزهم الماء فلما جمعتهما الحاجة انتظم الجواب بهما، وأيضا علم طهارة الماء مستفيض عند الخاصة والعامة وعلم ميتة البحر وكونها حلالا مشكل في الأصل، فلما رأى السائل جاهلا بأظهر الأمرين غير مستبين للحكم فيه علم أن أخفاهما أولى بالبيان، أو يقال إنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما أعلمهم بطهارة ماء البحر وقد علم أن في البحر حيوانا قد يموت فيه والميتة نجس احتاج إلى أن يعلمهم أن حكم هذا النوع من الميتة خلاف حكم الميتات لئلا يتوهموا أن ماءه نجس بحلولها فيه. قال ابن العربي ومن محاسن الفتوى الإجابة بأكثر مما يسأل عنه تتميما للفائدة وإفادة لعلم آخر غير المسئول عنه ويتأكد ذلك عند ظهور الحاجة إلى الحكم كما هنا اهـ أما

مذاهب العلماء في ميتة البحر

ما وقع في كلام كثير من الأصوليين من أن الجواب يجب أن يكون مطابقا للسؤال فليس المراد بالمطابقة عدم الزيادة بل المراد أن الجواب يكون مفيدا للحكم المسئول عنه، وفي قوله الحلّ ميتته دليل على حل جميع ميتة البحر حتى كلبه وخنزيره وإنسانه (وللعلماء) في المسألة تفصيل قال العيني احتج مالك والشافعى وأحمد بهذا الحديث على أن جميع ما في البحر حلال إلا الضفدع في رواية عن أحمد والشافعي، وعنهم لا يحلّ في البحر ما لا يحلّ مثله في البرّ، وقال أصحابنا لا يؤكل من حيوان الماء إلا السمك بأنواعه لقوله تعالى "ويحرم عليهم الخبائث" وما سوى السمك خبيث، والجواب عن الحديث أن الميتة فيه محمولة على السمك بدليل قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحلت لنا ميتتان ودمان أما الميتتان فالسمك والجراد الحديث اهـ وكذا لا يحلّ عند الحنفية السمك الطافي على وجه الماء وهو ما مات بلا سبب ثم علا وبطنه من فوق أما ما يكون ظهره من فوق فلا يكون طافيا فيؤكل كما يؤكل ما في بطن الطافي وما مات بسبب كبرد الماء وحرّه. وأصل ذلك ما جاء عن جابر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه رواه المصنف في "باب الطافي من السمك من كتاب الأطعمة" وما يعيش في البحر وغيره كالضفدع والسلحفاة في حله خلاف عند المالكية. قال الباجى في شرح الموطأ والحيوان جنسان بحرى وبرّى أما البحرى فنوعان نوع لا تبقى حياته في البرّ كالحوت ونوع تبقي حياته في البرّ كالضفدع والسرطان والسلحفاة، فأما الحوت فإنه طاهر مباح على أىّ وجه فاتت نفسه، وبهذا قال مالك والشافعى. وقال أبو حنيفة ما مات منه حتف أنفه فإنه غير مباح. والدليل على صحة قولنا قوله تعالى "أحل لكم صيد البحر وطعامه" قال عمر بن الحطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وهو من أهل اللسان صيده ما صدته وطعامه ما رمي به، وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في البحر "هو الطهور ماؤه الحلّ ميتته" واسم الميتة إذا أطلق في الشرع فإنما يطلق على ما فاتت نفسه من غير ذكاة ولذلك قال تعالى "حرمت عليكم الميتة" وأما ما تدوم حياته كالضفدع والسلحفاة فهو عند مالك طاهر حلال لا يحتاج إلى ذكاة، وقال ابن نافع هو حرام نجس إن مات حتف أنفه، ووجه قول مالك أن هذا من دوابّ الماء لا يفتقر إلى ذكاة كالحوت، ووجه قول ابن نافع أنه حيوان تبقى حياته في البر كالطير اهـ وعند الحنابلة يحلّ أكل جميع حيوان البحر إلا الضفدع والحية والتمساح قال في كشاف القناع شرح الإقناع (ويباح جميع حيوانات البحر) لقوله تعالى "أحل لكم صيد البحر الآية" وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما سئل عن ماء البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته رواه مالك (إلا الضفدع) بكسر الضاد والدال والأنثى ضفدعة ومنهم من يفتح الدال نص عليه واحتج بأن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى عن قتله رواه أحمد وأبو داود والنسائي، ولاستخبائها فتدخل في قوله تعالى "ويحرّم عليهم الخبائث" (والحية) لأنها من الخبائث

الضابط عند الشافعية فيها

وفيها وجه وأطلقها في الفروع (والتمساح) نصا لأن له نابا يفترس به، ويؤكل القرش كخنزير الماء وكلبه وإنسانه لعموم الآية والأخبار. وروى البخاري أن الحسن بن على ركب على سرج عليه من جلود كلب الماء اهـ بزيادة من شرح المنتهى، والضابط عند الشافعية أن ما لا يعيش إلا في البحر فيكون عيشه في البرّ عيش مذبوح يحلّ أكله ولو على غير صورة السمك ككلب الماء وخنزيره وأن ما يعيش في البرّ والبحر كالضفدع والسرطان والحية والنسناس والتمساح والساحفاة يحرم أكله وهذا هو المعتمد عندهم، وقبل غير ذلك (قال) العلامة محمد الرملى في نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ما نصه (حيوان البحر) وهو ما لا يعيش إلا فيه وإذا خرج منه صار عيشه عيش مذبوح أو حي لكنه لا يدوم (السمك منه حلال كيف مات) بسبب أم غيره طافيا أم راسبا لقوله تعالى "أحلّ لكم صيد البحر وطعامه" أي مصيده ومطعومه، وفسر جمهور الصحابة والتابعين طعامه بما طفا على وجه الماء، وصح خبر هو الطهور ماؤه الحلّ ميتته، نعم إن انتفخ الطافي وأضرّ حرم، ويحلّ أكل الصغير ويتسامح بما في جوفه ولا يتنجس به الدهن، ويحلّ شيه وقليه وبلعه ولو حيا. ولو وجدنا سمكة في جوف أخرى ولم تتقطع وتتغير حلت وإلا فلا (وكذا) يحلّ كيف مات (غيره في الأصح) مما لم يكن على صورة السمك المشهور فلا ينافى تصحيح الروضة أن جميع ما فيه يسمى سمكا ومنه القرش وهو اللخم بفتح اللام والخاء المعجمة ولا نظر إلى تقوّيه بنابه لأنه ضعيف ولا بقاء له في غير البحر بخلاف التمساح لقوّته وحياته في البر (وقيل لا) يحلّ غير السمك لتخصيص الحلّ به في خبر "أحلت لنا ميتتان السمك والجراد" وردّ بما مرّ من تسمية كل ما فيه سمكا (وقيل إن أكل مثله في البر) كالغنم (حلّ وإلا) بأن لم يؤكل مثله فيه (فلا) يحلّ (ككلب وحمار) لتناول الاسم له أيضا (وما يعيش) دائما (في بر وبحر كضفدع) بكسر أوله وفتحه وضمه مع كسر ثالثه وفتحه في الأول وكسره في الثاني وفتحه في الثالث (وسرطان) ويسمى عقرب الماء ونسناس (وحية) وسائر ذوات السموم وسلحفاة وترسة على الأصح، قيل هي السلحفاة وقيل اللجاة هى السلحفاة (حرام) لاستخبائه وضرره مع صحة النهى عن قتل الضفدع اللازم منه حرمته. كذا في الروضة كأصلها وهو المعتمد وإن قال في المجموع إن الصحيح المعتمد أن جميع ما في البحر تحلّ ميتته إلا الضفدع وما فيه سمّ، وما ذكره الأصحاب أو بعضهم من تحريم السلحفاة والحية والنسناس محمول على ما في غير البحر اهـ وأما الدنيلس فالمعتمد حله كما جرى عليه الدميرى وأفتى به ابن عدلان وأئمة عصره وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى اهـ. (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يطلب ممن جهل شيئا أن يسأل أهل العلم عنه. وعلى جواز ركوب البحر لغير حج وعمرة وجهاد لأن السائل إنما ركبه للصيد كما تقدم. أما قوله

جواز التطهر بماء البحر الملح

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا أخرجه أبو داود في باب ركوب البحر في الغزو من باب الجهاد وسعيد بن منصور في سننه عن ابن عمر مرفوعا فقد قال أبو داود رواته مجهولون وقال الخطابي ضعفوا إسناده، وقال البخارى ليس هذا الحديث بصحيح، وله طريق أخرى عند البزّار وفيها ليث ابن أبي سليم وهو ضعيف، وعلى أن خوف العطش يبيح ترك استعمال الماء المعدّ للشرب في الطهارة ولذا أقر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السائل على المحافظة عليه وعدم التطهر به، وعلى جواز التطهر بماء البحر الملح، وبه قال جمهور السلف والخلف، وما نقل عن بعضهم من عدم إجزاء التطهر به فمزيف. وقد أنكر القاضى أبو الحسن أن يكون ذلك قولا لأحد، ومنه تعلم بطلان ما نسب إلى ابن عمر من قوله ماء البحر لا يجزى من وضوء ولا جنابة إن تحت البحر نارا ثم ماء ثم نارا حتى عدّ سبعة أبحر وسبع نيران، وما نسب أيضا إلى ابن عمرو بن العاص من أنه قال لا يجزى التطهير به، وعلى فرض ثبوته فلا حجة في أقوال الصحابة إذا عارضت المرفوع، وعلى حلّ جميع حيوانات البحر وقد علمت بيانه، وعلى أن السمك لا يحتاج إلى ذكاة لإطلاق اسم الميتة عليه، ومثله باقي حيوان الماء، وعلى أن المفتي إذا سئل عن شيء وعلم أن للسائل حاجة إلى ذكر ما يتصل بمسألته استحب تعليمه إياه (وعلى الجملة) فهذا الحديث أصل من أصول الطهارة مشتمل على أحكام كثيرة وقواعد مهمة، ولذا قال الشافعى رحمه الله تعالى هذا الحديث نصف علم الطهارة. (من روى الحديث أيضا) رواه مالك وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن أبي شيبة وابن خزيمة وابن حبان والدارمى وابن الجارود والحاكم والدارقطني والبيهقي والترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح وحكم ابن عبد البر وابن منده وابن المنذر وأبو محمد البغوى بصحته لتلقى العلماء له بالقبول (باب الوضوء بالنبيذ) أيجوز أم لا، والنبيذ بفتح النون وكسر الموحدة فعيل بمعنى مفعول ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير وغير ذلك يقال نبذت التمر والعنب إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذا وأنبذته اتخذته نبيذا سواء أكان مسكرا أم غير مسكر ويقال للخمر المعتصر من العنب نبيذ كما يقال للنبيذ خمر. (ص) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ، قَالَا: ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي فَزَارَةَ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ لَهُ لَيْلَةَ

اجتماع الجن برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

الْجِنِّ: «مَا فِي إِدَاوَتِكَ؟ »، قَالَ: نَبِيذٌ، قَالَ: «تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَالَ: سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ، أَوْ زَيْدٍ، كَذَا قَالَ شَرِيكٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَنَّادٌ لَيْلَةَ الْجِنِّ. (ش) (رجال الحديث) (قوله هناد) بن السرىّ (قوله شريك) بن عبد الله (قوله عن أبي فزارة) بفتح الفاء والزاى هو راشد بن كيسان العبسى الكوفي. روى عن أنس وسعيد ابن جبير وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعمرو بن حريث وآخرين، وعنه جرير بن حازم وحماد بن زيد وسفيان الثورى والليث بن أبي سليم وجماعة، وثقه ابن معين، وقال الدارقطني ثقة كيس لم أر له في كتب أهل النقل ذكرا بسوء وقال ابن حبان مستقيم الحديث إذا كان فوقه ودونه ثقة روى له مسلم وأبو داود والترمذى وابن ماجه والبخارى في الأدب (قوله عن أبي زيد) هو مولى عمرو بن حريث وقيل أبو زائد. روى عن ابن مسعود هذا الحديث وعنه أبو فزارة، قال الحاكم لا يوقف على صحة كنيته ولا اسمه ولا له راو غير أبي فزارة وقال أبو زرعة مجهول لا أعرف كنيته ولا اسمه وقال أبو حاتم لم يلق أبو زيد عبد الله وقال البخارى مجهول لا يعرف بصحبة عبد الله ولا يصح حديثه وقال ابن عبد البرّ اتفقوا على أنه مجهول وحديثه منكر وقال الترمذى رجل مجهول عند أهل الحديث لا نعرف له رواية غير هذا الحديث (ذكر معناه) (قوله ليلة الجن) أى ليلة اجتمع جنّ نصيبين برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليتعلموا منه الدين. فعن كعب الأحبار قال انصرف النفر التسعة من أهل نصيبين من بطن نخلة وعدّ منها الأحقب جاءوا قومهم منذرين فخرجوا بعد وافدين إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهم ثلثمائة فانتهوا إلى الحجون فجاء الأحقب فسلم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال إن قومنا قد حضروا الحجون يلقونك فواعده النبى صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم لساعة من الليل بالحجون رواه أبو نعيم والواقدى، والحجون بوزن رسول جبل بمكة، وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم قال لأصحابه وهو بمكة من أحب منكم أن يحضر الليلة أمر الجنّ فليفعل فلم يحضر أحد منهم غيرى فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة فخط برجله خطأ ثم أمرني أن أجلس فيه ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه "الحديث" رواه البيهقي في دلائل النبوة، وعنه أنه قال قمت مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الجنّ وأخذت إداوة ولا أحسبها إلا ماء حتى إذا كنا بأعلى مكة رأيت أسودة مجتمعة فخط لي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال قم هاهنا حتى آتيك ومضى إليهم فرأيتهم يتثوّرون إليه فسمر معهم ليلا طويلا حتى جاءني مع الفجر قال لي هل معك من وضوء قلت نعم ففتحت الإداوة فإذا هو نبيذ قلت ما كنت أحسبه إلا ماء فإذا هو نبيذ فقال تمرة طيبة وماء طهور فتوضأ منها

مذاهب العلماء في التطهر بالنبيذ

ثم قام يصلى فأدركه شخصان منهم فصفهما خلفه ثم صلى بنا فقلت من هؤلاء يا رسول الله قال جنّ نصيبين رواه أحمد (قوله ما في إداوتك) أي أيّ شئ في مطهرتك، وإداوة بكسر الهمزة إناء صغير من جلد يتخذ للماء وجمعها إداوي بفتح الواو، وفي نسخة ماذا في إداوتك أى ما الذى فيها على أن ما استفهامية وذا موصولة أو ما فيها على أن ماذا كلها استفهامية أو ما استفهامية وذا زائدة (قوله تمرة طيبة) تمرة خبر لمبتدإ محذوف وطيبة صفة أى هو تمرة طيبة، والمراد أن النبيذ ناشئ من تمرة طيبة ليس فيها ما يمنع التطهر بالماء الذى ألقيت فيه، والطيب خلاف الخبيث (قوله وماء طهور) بفتح الطاء أى مطهر، زاد الترمذى وابن ماجه فتوضأ منه، وفي مسند أحمد فتوضأ منه وصلى (وبهذا) الحديث احتج أبو حنيفة والثورى على أن من لم يجد إلا نبيذ تمر رقيقا يسيل على الأعضاء حلوا غير مسكر ولا مطبوخ يتوضأ به ولا يتيمم. وقال محمد يجمع بين الوضوء والتيمم وقال أبو يوسف يتيمم ولا يتوضأ به، وقد رجع إليه أبو حنيفة وهو قول الجمهور وباقى الأئمة واختاره الطحاوي وقال ما ذهب إليه أبو حنيفة أوّلا اعتمادا على حديث ابن مسعود لا أصل له اهـ وبرجوع الإمام إليه صار هو المذهب لأن المجتهد إذا رجع عن قول لا يجوز الأخذ به كما في البحر عن التوشيح، وقال الترمذى قول من يقول لا يتوضأ بالنبيذ أقرب إلى الكتاب وأشبه لأن الله تعالى قال "فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا" اهـ (ومما) تقدم تعلم أن محل الخلاف نبيذ تمر رقيق حلو غير مسكر ولا مطبوخ لأنه قبل ظهور حلاوته يجوز الوضوء به بلا خلاف والمسكر وغير الرقيق لا يجوز الوضوء به اتفاقا وكذا المطبوخ ونبيذ غير التمر على الصحيح لأن جواز التوضؤ بنبيذ التمر ثابت بالحديث على خلاف القياس فلا يقاس عليه غيره (وقال) في البحر الرائق وبالجملة فالمذهب المصحح المختار المعتمد عندنا هو عدم الجواز موافقة للأئمة الثلاثة فلا حاجة إلى الاشتغال بحديث ابن مسعود الدال على الجواز لأن من العلماء من تكلم فيه وضعفه وإن أجيب عنه بما ذكره الزيلعى المخرّج وغيره، وعلى تقدير صحته فهو منسوخ بآية التيمم لتأخرّها إذ هي مدنية وعلى هذا مشى جماعة من المتأخرين اهـ وعلى فرض عدم نسخه فيحمل على أن الماء لم يتغير بوضع التمر فيه لأنهم كانوا يضعونه فيه لجذب ملوحته وتطيب طعمه ليوافق أمزجتهم، يدلّ عليه ما في الدارقطني من قول أبي العالية أنبذتكم هذه الخبيثة إنما كان ذلك زبيبا وماء، وسيأتى حديثه في آخر الباب (قوله عن أبي زيد الخ) أى قال سليمان في روايته عن شريك عن أبي زيد أو زيد بالشك، أما هناد فقال في روايته عن شريك عن أبي زيد بلا شك ولم يذكر في روايته لفظ ليلة الجنّ وإنما ذكرها سليمان. (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرسل إلى الجن أيضا فلذا أتت إليه وعلمهم، وعلى أنه يطلب من الشخص أن يستعدّ لما عساه أن يحتاج إليه

بيان حال الحديث

ولا سيما للعبادة، وعلى مشروعية خدمة الصغير للكبير، وعلى مشروعية مدح النعمة (من أخرح الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبيهقي وابن ماجه وابن أبي شيبة والدارقطني من عدّة طرق والطحاوى وابن عدى في الكامل والترمذى وقال قد رأى بعض أهل العلم الوضوء بالنبيذ منهم سفيان وغيره، وقال بعض أهل العلم لا يتوضأ بالنبيذ وهو قول الشافعى وأحمد وإسحاق قال إسحاق إن ابتلى رجل بهذا فتوضأ بالنبيذ وتيمم أحب إليّ اهـ وقاله المنذرى قال أبو زرعة ليس هذا الحديث بصحيح، وقال أبو أحمد الكرابيسي لا يثبت في هذا الباب من هذه الرواية حديث بل الأخبار الصحيحة عن عبد الله بن مسعود ناطقة بخلافه اهـ وقد ضعف المحدّثون هذا الحديث بثلاث علل (الأولى) جهالة أبي زيد كما تقدم قال ابن حبان بعد بيان جهالته ومن كان بهذا النعت ثم لم يرو إلا خبرا واحدا خالف فيه الكتاب والسنة والإجماع والقياس استحق مجانبته، وأجيب عنه بأن هذا الحديث رواه جماعة عن أبي فزارة فرواه عنه شريك كما أخرجه الترمذى وأبو داود، ورواه عنه سفيان والجرّاح بن مليح كما أخرجه ابن ماجه، ورواه عنه إسراءيل كما رواه عنه عبد الرزاق في مصنفه، ورواه عنه قيس بن الربيع كما أخرجه عبد الرزاق، والجهالة عند المحدّثين تزول برواية اثنين فصاعدا، فأين الجهالة بعد ذلك إلا أن يراد جهالة الحال، وأجيب أيضا بأن ابن العربي قال في شرح الترمذى أبو زيد مولى عمرو بن حريث روى عنه راشد بن كيسان وأبو روق، وهذا يخرجه عن حدّ الجهالة، على أنه روى هذا الحديث أربعة عشر رجلا عن ابن مسعود كما رواه أبو زيد، أبو رافع عند الطحاوى والحاكم ورباح أبو على عند الطبراني في الأوسط، وعبد الله بن عمر وعمرو البكالي وأبو عبيدة بن عبد الله وأبو الأحوص وعبد الله ابن مسلمة وقابوس بن أبي ظبيان عن أبيه وعبد الله بن عمرو بن غيلان الثقفى وابن عباس وشقيق ابن سلمة وابن عبد الله وأبو عثمان بن سَنَّةَ وأبو عثمان النهدى، وقد ذكر البدر العيني في شرحه على البخارى من خرج روايات هؤلاء (الثانية) التردّد في أبي فزارة أهو راشد بن كيسان أم غيره وجوابه أن ابن عدىّ والدارقطني وابن عند البرّ صرّحوا بأنه راشد بن كيسان (الثالثة) أن ابن مسعود لم يشهد مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الجنّ لما روى مسلم من حديث الشعبي عن علقمة قال سألت ابن مسعود هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الجن قال لا "الحديث" وفي لفظ له قال لم أكن مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الجنّ ووددت أني كنت معه، وللحديث الآتي، وأجيب عنه بأن هذا الحديث له سبعة طرق صرّح فيها أن ابن مسعود كان مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (الأول) ما رواه أحمد في مسنده والدارقطني في سننه بسنديهما إلى ابن مسعود أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال له ليلة الجنّ أمعك ماء قال لا قال أمعك نبيذ قال أحسبه قال نعم فتوضأ (الثاني)

الجمع بينها وبين ما ورد مما يدل على أنه لم يكن معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

ما رواه الدارقطني بسنده إلى ابن مسعود قال مرّ بي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال خذ معك إداوة من ماء ثم انطلق وأنا معه فذكر حديثه ليلة الجنّ ثم قال فلما أفرغت عليه من الإداوة إذا هو نبيذ قلت يا رسول الله أخطأت بالنبيذ فقال تمرة حلوة وماء عذب (الثالث) ما رواه الدارقطني بسند آخر إلى ابن غيلان الثقفي أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول دعاني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الجن بوضوء فجئته بإداوة فإذا فيها نبيذ فتوضأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (الرابع) ما رواه الدارقطني بسند ثالث إلى أبي وائل قال سمعت ابن مسعود يقول كنت مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الجن فأتاهم فقرأ عليهم القرآن فقال لى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بعض الليل أمعك ماء يا ابن مسعود قلت لا والله يا رسول الله إلا إداوة فيها نبيذ قال عليه الصلاة والسلام تمرة طيبة وماء طهور فتوضأ به (الخامس) ما رواه الطحاوى بسنده إلى ابن مسعود قال انطلق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى البراز فخط خطا وأدخلني فيه وقال لي لا تبرح حتى أرجع إليك ثم أبطأ فما جاء حتى السحر وجعلت أسمع الأصوات ثم جاء فقلت أين كنت يا رسول الله قال أرسلت إلى الجنّ فقلت ما هذه الأصوات التي سمعت قال هي أصواتهم حين ودّعوني وسلموا عليّ قاله الطحاوى ما علمنا لأهل الكوفة حديثا يثبت أن ابن مسعود كان مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الجن مما يقبل مثله إلا هذا (السادس) ما رواه ابن عدى في الكامل بسنده إلى ابن مسعود قال قال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمعك ماء قلت لا إلا نبيذ في إداوة قال تمرة طيبة وماء طهور فتوضأ (السابع) ما رواه أبو داود وأخرجه الترمذى وابن ماجه "فإن قلت" هذه الطرق كلها مخالفة لما في صحيح مسلم أنه لم يكن معه "قلت" التوفيق بينهما أنه لم يكن معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين المخاطبة وإنما كان بعيدا منه وقد قال بعضهم إن ليلة الجنّ كانت مرّتين ففي أوّل مرة خرج إليهم لم يكن مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ابن مسعود ولا غيره كما هو ظاهر حديث مسلم ثم بعد ذلك خرج معه ليلة أخرى كما روى ابن أبي حاتم في تفسيره في أوّل سورة الجنّ من حديث ابن جريج قال قال عبد العزيز بن عمر أما الجنّ الذين لقوه بنخلة فجنّ نينوى وأما الجنّ الذين لقوه بمكة فجنّ نصيبين، وقد علمت الصحابة بهذا الحديث على ما في سنن الدارقطني عن عبد الله بن محرز عن عكرمة عن ابن عباس قال النبيذ وضوء من لم يجد الماء، وأخرج أيضا عن الحارث عن عليّ أنه كان لا يرى بأسا بالوضوء بالنبيذ، وأخرج أيضا عن مزيدة بن جابر عن عليّ قال لا بأس بالوضوء بالنبيذ. روى الدارقطني عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا لم يجد أحدكم ماء ووجد النبيذ فليتوضأ به.

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ فَقَالَ: «مَا كَانَ مَعَهُ مِنَّا أَحَدٌ» (ش) (رجال الحديث) (قوله وهيب) بن خالد (قوله داود) بن أبي هند دينار بن عذافر بضم العين المهملة وفتح الذال المعجمة مخففة وكسر الفاء أبو بكر ويقال أبو محمد البصرى روى عن الحسن البصرى وعكرمة وسعيد بن المسيب وابن سيرين وآخرين. وعنه شعبة ويحيى بن سعيد الأنصارى والثورى وحماد بن سلمة ويحيى القطان وجماعة. وثقه العجلى وابن معين وأبو حاتم والنسائي وقال الثورى كان من الحفاظ البصريين وقال يعقوب بن شيبة ثقة ثبت وقال ابن حبان روى عن أنس خمسة أحاديث لم يسمعها منه وكان من خيار أهل البصرة المتقنين في الرواية إلا أنه كان يهم إذا حدّث من حفظه وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال أحمد كان كثير الاضطراب والاختلاف، توفي سنة سبع وثلاثين ومائة بطريق مكة. روى له مسلم والنسائي وابن ماجه والترمذى والبخارى استشهادا وتعليقا (قوله عامر) بن شراحيل بن عبد وقيل عامر بن عبد الله الحميرى الشعبي الكوفي. روى عن أبي هريرة وعائشة وزيد بن ثابت وعلى بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عباس وجماعة، قال أدركت خمسمائة من الصحابة وسمع من ثمانية وأربعين منهم. روى عنه قتادة وداود بن أبي هند وسماك ابن حرب وابن سيرين والأعمش وشعبة وغيرهم، قال يحيى بن معين وأبو زرعة وغير واحد الشعبي ثقة وقال أبو حصين ما رأيت أعلم من الشعبى فقال له ابن عباس ولا شريح فقال تريدني أكذب ما رأيت أعلم من الشعبي وقال أبو مجلز ما رأيت فيهم أفقه من الشعبي وقال أبو إسحاق الحبال كان واحد زمانه في فنون العلم وقال العجلى مرسل الشعبى صحيح وقال ابن عيينة كانت الناس تقول ابن عباس في زمانه والشعبي في زمانه، توفي سنة أربع ومائة وبلغ اثنتين وثمانين سنة. روى له الجماعة (قوله علقمة) بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة النخعى الكوفي أحد الحفاظ، روى عن الخلفاء الأربعة وسعد بن أبي وقاص وعائشة وابن مسعود وحذيفة وطائفة وعنه إبراهيم بن يزيد النخعى وأبو وائل ومحمد بن سيرين وسلمة بن كهيل وغيرهم. قال ابن معين ثقة وقال أحمد ثقة من أهل الخير، ولد في حياة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وتوفي سنة اثنتين وستين وقيل غير ذلك، روى له الجماعة إلا ابن ماجه (ذكر معناه) (قوله ما كان معه الخ) أى ما كان مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الجنّ أحد منا، وغرض المصنف

قول عطاء بالوضوء بالنبيذ

من إيراد هذا الحديث الطعن في الحديث المتقدّم (قال) النووى في شرح مُسلم هذا الحديث صريح في إبطال الحديث المروىّ في سنن أبي داود وغيره المذكور فيه الوضوء بالنبيذ وحضور ابن مسعود معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الجنّ فإن هذا الحديث صحيح وحديث النبيذ ضعيف باتفاق المحدّثين. وعلى فرض صحة الحديث الأول يمكن الجمع بين الحديثين بأن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لم يكن مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المكان الذى خاطب فيه الجنّ فلا ينافى أنه خرح مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تلك الليلة وانتظره في مكان آخر كما رواه الطحاوى بسنده إلى ابن مسعود قال انطلق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى البراز فخط خطا وأدخلني فيه وقال لا تبرح حتى أرجع إليك ثم أبطأ فما جاء حتى السحر وجعلت أسمع الأصوات ثم جاء فقلت أين كنت يا رسول الله قال أرسلت إلى الجنّ فقلت ما هذه الأصوات التي سمعت قال هي أصواتهم حين ودّعوني وسلموا عليّ. وبأن وفادة الجنّ تعدّدت. قال الشبلى في آكام المرجان. ظاهر الأحاديث يدلّ على أن وفادة الجنّ كانت ست مرات (الأولى) قيل فيها اغتيل أو استطير والتمس (الثانية) كانت بالحجون (الثالثة) كانت بأعلى مكة (الرابعة) كانت ببقيع الغرقد وفي هذه الليالي حضر ابن مسعود وخط عليه (الخامسة) كانت خارج المدينة حضرها الزبير بن العوام (السادسة) كانت في بعض أسفاره حضرها بلال بن الحارث اهـ قال ابن الهمام وأما ما روى عن ابن مسعود أنه سئل عن ليلة الجنّ فقال ما شهدها منا أحد فهو معارض بما في حديث ابن أبي شيبة من أنه كان معه. وروى أيضا أبو حفص ابن شاهين عنه أنه قال كنت مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الجن، وعنه أنه رأى قوما من الزّط فقال هؤلاء أشبه من رأيت بالجنّ ليلة الجنّ والإثبات مقدّم على النفي اهـ والزّط بضم الزاى جنس من السودان والهنود. (من روى الحديث أيضا) رواه الدارقطني وكذا مسلم والبيهقي والترمذى مطوّلا عن علقمة قال قلت لابن مسعود هل صحب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الجنّ منكم أحد قال ما صحبه منا أحد ولكن قد افتقدناه ذات ليلة وهو بمكة فقلنا اغتيل أو استطير ما فعل به فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم حتى إذا أصبحنا أو كان في وجه الصبح فإذا نحن به يجيء من قبل حراء قال فذكروا له الذى كانوا فيه فقال أتاني داعي الجنّ فأتيتهم فقرأت عليهم فانطلق فأرانا أثرهم وأثر نيرانهم قال الترمذى هذا حديث حسن صحيح. (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّهُ كَرِهَ الْوُضُوءَ بِاللَّبَنِ وَالنَّبِيذِ، وَقَالَ: «إِنَّ التَّيَمُّمَ أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْهُ»

بيان الماء المقيد

(ش) هذا الأثر ساقه المصنف لبيان أن عطاء ممن يرى جواز التطهر بالنبيذ وأن التيمم أحب إليه منه (رجال هذا الأثر) (قوله عبد الرحمن) بن مهدى (قوله بشر بن منصور) أبو محمد السليمى البصرى. روى عن أيوب السختياني ومحمد بن عجلان والثورى وعاصم الأحول وغيرهم، وعنه بشر الحافي وشيبان بن فروخ وفضيل بن عياض وسليمان بن حرب وآخرون، قال ابن معين وأبو زرعة ثقة مأمون وقال أحمد بن حنبل ثقة ثقة وقال نصر الجهضمى ثبت في الحديث وقال ابن حبان في الثقات كان من خيار أهل البصرة وعبادهم وقال يعقوب ابن شيبة كان قد سمع ولم يكن له عناية بالحديث. مات سنة ثمانين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي (قوله ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز في جريج (قوله عطاء) ابن أبي رباح أسلم المكي أبو محمد القرشى أحد الأئمة الأعلام، ولد في خلافة عثمان ونشأ بمكة ورأى عقيل بن أبي طالب وأبا الدرداء. روى عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبي هريرة وعائشة وغيرهم، وعنه أبو حنيفة وأيوب السختياني والزهرى والأوزاعي وآخرون. قال ابن معين وأبو زرعة وابن سعد كان ثقة عالما كثير الحديث انتهت إليه الفتوى بمكة وعن ابن عباس أنه كان يقول تجتمعون إليّ يا أهل مكة وعندكم عطاء. ونحوه عن ابن عمر وقال عبد العزيز بن رفيع سئل عطاء عن مسألة فقال لا أدرى فقيل له ألا تقول فيها برأيك فقال إني أستحي من أن يدان في الأرض برأيي وقال أحمد ليس في المرسلات أضعف من مرسلات الحسن وعطاء فإنهما كانا يأخذان عن كل واحد وقال أحمد في قصة طويلة رواية عطاء عن عائشة لا يحتج بها إلا أن يقول سمعت وقال الذهبى ثبت رضا إمام حجة كبير الشأن وقال ابن حبان كان من سادات التابعين فقها وعلما وورعا وفضلا. مات سنة أربع عشرة ومائة. روى له الجماعة (ذكر معناه) (قوله كره الوضوء الخ) أى رأى عطاء أن الوضوء بما ذكر مكروه تنزيها عند فقد الماء كما يدلّ عليه قوله إن التيمم أعجب إليّ منه. قال العيني أما التوضؤ باللبن فلا يخلو إما أن يكون بنفس اللبن أو بماء خالطه لبن فالأول لا يجوز بالإجماع وأما الثاني فيجوز عندنا خلافا للشافعى اهـ وقوله وأما الثاني فيجوز عندنا محمول على ما إذا لم يغلب لون اللبن على الماء وإلا صار مقيدا لا يصح التطهر به اتفاقا، قال في البدائع وأما المقيد فهو ما لا تتسارع إليه الأفهام عند إطلاق اسم الماء كماء الأشجار والثمار وماء الورد ولا يجوز التوضؤ بشئ من ذلك وكذلك الماء المطلق إذا خالطه شيء من المائعات الطاهرة كاللبن والخلّ ونقيع الزبيب على وجه زال عنه اسم الماء بأن صار مغلوبا به فهو بمعنى الماء المقيد، ثم ينظر إن كان الذى خالطه مما يخالف لونه لون الماء كاللبن وماء العصفر والزعفران تعتبر الغلبة في اللون وإن كان لا يخالف الماء في اللون ويخالفه في الطعم كعصير العنب الأبيض وخله تعتبر الغلبة في الطعم، وإن كان لا يخالفه فيهما كالماء

بيان مذاهب العلماء في التطهر بالماء المخلوط بشئ من الطاهرات

المستعمل تعتبر الغلبة في الأجزاء فإن استويا فيها فحكمه حكم الماء المغلوب احتياطا هذا إذا لم يكن الذى خالطه مما يقصد منه زيادة نظافة فإن كان مما يقصد منه ذلك ويطبخ به أو يخلط به كماء الصابون والأشنان جاز التوضؤ به وإن تغير لون الماء أو طعمه أو ريحه لأن اسم الماء باق وازداد معناه وهو التطهير وكذلك جرت السنة في غسل الميت بالماء المغلى بالسدر والحرض (بضم فسكون الأشنان) فيجوز الوضوء به إلا إذا صار غليظا كالسويق المخلوط لأنه حينئذ يزول عنه اسم الماء ومعناه أيضا، ولو تغير الماء المطلق بالطين، أو التراب أو الجصّ أو النورة أو بوقوع الأوراق والثمار فيه أو بطول المكث يجوز التوضؤ به لأنه لم يزل عنه اسم الماء وبقي معناه أيضا مع ما فيه من الضرورة الظاهرة لتعذر صون الماء عن ذلك اهـ بتصرف، (وأما) النبيذ فقد تقدم الكلام عليه وافيا وأن أبا حنيفة رجع إلى قول الجمهور من عم جواز التطهر به، (وعند) مالك لا يجوز التوضؤ بالماء المخلوط باللبن وكذا غيره من الطاهرات الخارجية إذا تغير أحد أوصافه ولو يسيرا (وعند) الشافعية والحنابلة لا يضرّ تغير بعض أوصافه بطاهر تغيرا يسيرا بخلاف ما تغير كل أوصافه أو كل صفة منها طاهر أو غلب عليه أجزاء طاهر مساو له في الأوصاف كماء الورد المنقطع الرائحة (وقالت) الحنابلة لا يضرّ تغير بعض أوصاف الماء في محل التطهير فإذا كان على العضو نحو زعفران أو عجين وتغير به الماء وقت غسل لا يضرّ التطهير به (قوله إن التيمم أعجب إليّ منه) أى أحب إلى من الوضوء باللبن والنبيذ، وهذه العبارة تشعر بأن الوضوء بهما يجوز عند عطاء لكن الأولى التيمم وهو محجوج بقوله تعالى "فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا" وهذا الأثر تفرّد به المصنف. (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثَنَا أَبُو خَلْدَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ، عَنْ رَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ، وَعِنْدَهُ نَبِيذٌ أَيَغْتَسِلُ بِهِ؟ قَالَ: «لَا» (ش) هذا أثر ساقه المصنف لبيان أن أبا العالية ممن لا يرى جواز التطهر بالنبيذ، لكن سيأتى في تخريح الأثر ما يدلّ على أنه إنما يرى منع التطهر من النبيذ الذى اشتدّ وخبث وهذا مجمع عليه (رجال هذا الأثر) (قوله عبد الرحمن) بن مهدى (قوله أبو خلدة) بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام هو خالد بن دينار التميمى البصرى السعدى الخياط. روى عن أنس ابن مالك وأبي العالية والحسن البصرى وابن سيربن وغيرهم، وعنه يحيى القطان وابن المبارك وأبو نعيم وأبو داود الطيالسى وآخرون، قال أحمد شيخ ثقة ووثقه أيضا ابن معين والنسائي والعجلى والدارقطني وابن سعد ويزيد بن زريع والترمذى وقال ابن مهدى كان خيرا صدوقا وكان يحسن الثناء عليه وقال ابن عبد البر هو ثقة عند جميعهم. توفي سنة

باب الرجل أيصلى وهو حاقن

اثنتين وخمسين ومائة. روى له البخارى وأبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه (قوله سألت أبا العالية) هو رفيع بالتصغير ابن مهران البصرى مولى أمية امرأة من بني رياح بن يربوع حىّ من بني تميم، أدرك الجاهلية وأسلم بعد وفاة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بسنتين. روى عن على وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وغيرهم، وعنه قتادة وحميد بن هلال وابن سيرين وعاصم الأحول وغيرهم، قال الحاكم هو من كبار التابعين مشهور بكنيته ووثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم حتى قال أبو القاسم اللالكائي مجمع على ثقته إلا أنه كثير الإرسال عمن أدركه وقال ابن عدي له أحاديث صالحة وأكثر ما نقم عليه حديث الضحك في الصلاة وسائر أحاديثه مستقيمة وقال العجلى ثقة من كبار التابعين. توفي سنة ثلاث وتسعين روى له الجماعة. (معنى الأثر) (قوله عن رجل الخ) أى عن حالة رجل جنب وليس عنده ماء مطلق يغتسل به أيجزئه أن يغتسل بالنبيذ فقال أبو العالية لا يجزئه الاغتسال به. (من روى الأثر أيضا) رواه الدارقطني عن أبي خلدة أيضا قال قلت لأبي العالية رجل ليس عنده ماء وعنده نبيذ أيغتسل به في جنابة قال لا فذكرت له ليلة الجنّ فقال أنبذتكم هذه الخبيثة إنما كان ذلك زبيبا وماء، وأخرجه البيهقي بسنده إلى أبي العالية قال نرى نبيذكم هذا الخبيث إنما كان ماء يلقى فيه تمرات فيصير حلوا. ففي روابه الدارقطني زيادة تدلّ هي ورواية البيهقي على أن أبا العالية يرى جواز التطهر بالنبيذ ما دام رقيقا، أما إذا اشتدّ وخبث فلا يصح التطهر به. (باب الرجل أيصلى وهو حاقن) أى في بيان أنه هل يجوز للشخص أن يؤدى الصلاة وهو يدافعه البول، وفي معناه مدافعة الغائط أو الريح، والحاقن والحقن في الأصل الذى حبس بوله يقال حقن الرجل بوله من باب نصر حبسه فهو حاقن وحقن، والحاقب الذى حبس غائطه، وأراد المصنف بالحاقن ما يعمّ حابس الغائط والبول وبذا تتطابق الترجمة والأحاديث، وفي بعض النسخ باب الرجل يصلى وهو حقن وفي بعضها باب يصلى الرجل وهو حاقن، وكان اللائق ذكر هذا الباب مع أبواب الاستنجاء أو مع أبواب ما يكره في الصلاة كما هو ظاهر. (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا زُهَيْرٌ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ، أَنَّهُ خَرَجَ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا وَمَعَهُ النَّاسُ، وَهُوَ يَؤُمُّهُمْ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَقَامَ

الصَّلَاةَ، صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ قَالَ: لِيَتَقَدَّمْ أَحَدُكُمْ وَذَهَبَ إِلَى الْخَلَاءِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَذْهَبَ الْخَلَاءَ وَقَامَتِ الصَّلَاةُ، فَلْيَبْدَأْ بِالْخَلَاءِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عن أبيه) هو عروة بن الزبير (قوله عبد الله بن الأرقم) بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة القرشى الزهرى كتب للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم لأبي بكر وعمر، وأسلم عام الفتح. وروى عن النى صلى الله تعالى عليه وعلى آله رسلم هذا الحديث فقط وكان على بيت المال أيام عمر. روى أشهب عن مالك أن عمر بن الخطاب كان يقول ما رأيت أخشى لله من عبد الله وأخرج البغوى عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم استكتب عبد الله بن أرقم، وكان يجيب عنه الملوك وبلغ من أمانته أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك فيكتب ويختم ولا يقرؤه لأمانته عنده وأخرج عن عمر قال ورد على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كتاب فقال من يجيب عني فقال عبد الله بن الأرقم أنا فأجاب عنه فأتى به إليه فأعجبه وأنفذه قال عمر فأعجبني ذلك من عبد الله لم يزل ذلك له في نفسى أقول أصاب ما أراده رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى جعلته على بيت المال. وأخرج من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار أن عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ استعمل عبد الله بن أرقم على بيت المال فأعطاه عثمان ثلثمائة درهم فأبى عبد الله أن يأخذها وقال إنما عملت لله وإنما أجرى على الله. روى عنه أسلم مولى عمر وعبد الله بن عتبة بن مسعود ويزيد بن قتادة وعروة بن الزبير. روى له أبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه توفي في خلافة عثمان. (معنى الحديث) (قوله خرج حاجا أو معتمرا) أى خرج من موضعه يريد أحدهما أو هما فأو للشك أو بمعنى الواو (قوله وهو يؤمهم) يعني في الصلاة، ولفظ البيهقي في المعرفة أنه خرج إلى مكة صحبة قوم فكان يؤمهم، وفى رواية ابن عبد البرّ من طريق حماد بن زيد إلى ابن الأرقم أنه كان يسافر فكان يؤذن لأصحابه ويؤمهم (قوله ذات يوم) تقدّم أن ذات ظرف زمان غير متصرّف وإضافته للبيان (قوله وذهب إلى الخلاء) أى أتى عبد الله محل قضاء الحاجة ففيه تضمين ذهب معنى أتى، وفي نسخة وذهب الخلاء، وهذه الجملة من كلام عروة بن الزبير (قوله فإني سمعت رسول الله الخ) بيان لوجه تقديم عبد الله بعض أصحابه وتأخره عن الصلاة (قوله إذا أراد أحدكم) الخطاب وإن كان بحسب اللفظ للحاضرين لكن الحكم عام

مذاهب العلماء فيمن صلى حال مدافعة الأخبثين

لأنه لا فرق في ذلك بين الحاضر وغيره والذكر والأنثى (قوله فليبدأ بالخلاء) أى بقضاء الحاجة ليفرغ نفسه من الشواغل ثم يرجع فيصلى خاليا مما يشوّش عليه وهو حاضر القلب لأنه إذا صلى قبل فضاء حاجته لا يتفرّغ للعبادة لنقصان خشوعه واشتغال قلبه (واختلف) فيمن صلى وهو حاقن أو حاقب، فذهبت المالكية إلى أنه يعيد، ولهم في المسألة تفصيل (قال) الباجى في شرح الموطأ فإن لم ينصرف وتمادى على صلاته وبه من الحقن ما يعجله ويشغله فإن عليه الإعادة، قال مالك وأحب إليّ أن يعيد في الوقت وبعده، والدليل على ما نقوله الحديث المذكور فإنه أمر بتقديم فضاء الحاجة وفيه نهى عن تقديم الصلاة والنهى يقتضى فساد المنهيّ عنه، ومن جهة المعنى أن استدامته لمدافعة الحدث عمل كثير في الصلاة شاغل عنها يمنع استدامتها فوجب أن يكون مفسدا لها كسائر الأعمال، وذلك أنه لا يمكنه دفعه إلا باستدامة ضمّ شديد لوركيه وتكلف إمساكه بمنزلة من يحمل في الصلاة حملا ثقيلا لا يستطيعه إلا بتكلف وعمل متتابع فإنه يمنع صحة الصلاة، قال بعض أصحابنا إن ما يجده الإنسان من ذلك على ثلاثة أضرب (أحدها) أن يكون خفيفا فهذا يصلى به ولا يقطع (الثاني) أن يكون ضاما بين وركيه فهذا يقطع فإن تمادى صحت صلاته ويستحب له أن يعيد في الوقت (الثالث) أن يشغله ويعجله عن استيفائها فهذا يقطع فإن تمادى أعاد أبدا، وقال ابن القاسم القرقرة بمنزلة الحقن، وأما الغثيان فلم يجب عنه، قال القاضى أبو الوليد عندى لا تقطع له الصلاة والفرق بينه وبين الحقن أن الحقن يقدر على إزالته وأما الغثيان فمرض من الأمراض لا يقدر على إزالته فلا معنى لقطع الصلاة من أجله اهـ بحذف، والغثيان اضطراب النفس حتى تكاد تتقايأ وروى مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال لا يصلين أحدكم وهو ضامّ بين وركيه قال الباجى هو نهى عن الصلاة في حال الحقن الذى يبلغ بالمصلى أن يضم وركيه من شدّة حقنه لأن في ذلك ما يشغله عن الصلاة ولا يمكنه من استيفائها، وليبدأ أولا بقضاء حاجته ثم يستقبل صلاته، وروى ابن نافع عن مالك أن من أصابه ذلك في صلاته خرج واضعا يده على أنفه كالراعف، ومعنى ذلك أنه قد يحمله خجله من الخروج من ذلك على التمادى على صلاته فإذا خرج على صفة الراعف سهل عليه ذلك وبادر إلى الخروح اهـ ومن يقول بعدم الفساد لا يسلم كون النهى يقتضى فساد المنهيّ عنه لأن النهى هنا لأمر خارج لا لذات الصلاة فلا إعادة عنده على من صلى حاقنا إن لم يترك شيئا من فرائض الصلاة بل يكره له ذلك، وإلى هذا ذهبت الحنفية والشافعية والحنابلة (قال) الطحاوى لا خلاف أنه لو شغل قلبه شئ من الدنيا لم تستحب الإعادة فكذا البول. قال أبو عمر أحسن شئ في هذا الباب حديث عبد الله بن الأرقم هذا وحديث عائشة سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول لا يصلى أحد بحضرة الطعام

ولا وهو يدافعه الأخبثان، رواه أبو داود، وأجمعوا على أنه لو صلى بحضرة الطعام فأكمل الصلاة أنها تجزئه فكذلك الحاقن وإن كان يكره للحاقن صلاته كذلك فإن فعل وسلمت صلاته أجزأه وبئس ما صنع، وما روى مرفوعا لا يحلّ لمؤمن أن يصلى وهو حاقن جدّا لا حجة فيه لضعف إسناده ولو صح فمعناه أنه حاقن لم يتهيأ له إكمال صلاته على وجهها اهـ (وقال) في المنهاج وشرحه للرملى (و) تكره (الصلاة حاقنا) بالنون أى بالبول (أو حاقبا) بالباء الموحدة أى بالغائط بأن يدافع ذلك أو حازقا بالقاف أى مدافعا للريح أو حاقما بهما، بل السنة تفريغ نفسه من ذلك لأنه يخلّ بالخشوع وإن خاف فوت الجماعة حيث الوقت متسعا ولا يجوز له الخروج من الفرض بطروّ ذلك له فيه إلا إن غلب على ظنه حصول ضرر بكتمه يبيح التيمم فله حينئذ الخروج منه وتأخيره عن الوقت، والعبرة في كراهة ذلك بوجوده عند التحرّم، ويلحق به فيما يظهر ما لو عرض له قبل التحرم وعلم من عادته أن يعود له في أثنائها اهـ (وقال) في القناع وشرحه (و) يكره (ابتداؤها) أى الصلاة (حاقنا) بالنون وهو (من احتبس بوله أو حاقبا) بالموحدة وهو (من احتبس غائطه أو) ابتداؤها (مع ريح محتبسة ونحوه) أى نحو ما ذكر مما يزعجه ويشغله عن خضوع الصلاة (أو) ابتداؤها (تائقا) أى شائقا (إلى طعام أو شراب أو جماع) لما روت عائشة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان رواه مسلم، وألحق بذلك ما في معناه مما سبق ونحوه (فيبدأ بالخلاء) ليزيل ما يدافعه من بول أو غائط أو ريح (و) ويبدأ أيضا (بما تاق إليه) من طعام أو شراب أو جماع (ولو فاتته الجماعة) لما روى البخارى كان ابن عمر يوضع له الطعام وتقام الصلاة فلا يأتيها حتى يفرغ وإنه يسمع قراءة الإمام (ما لم يضق الوقت فلا يكره) ابتداء الصلاة كذلك (بل يجب) فعلها فبل خروح وقتها في جميع الأحوال (ويحرم اشتغاله بالطهارة إذاً) أى حين ضاق الوقت وكذا اشتغاله بأكل أو غيره لتعين الوقت للصلاة اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية الإمامة في السفر، وعلى أنه يستحب التكنية عما يستقبح التصريح به. وعلى أنه يطلب الخشوع في الصلاة والبعد عن كل ما ينافيه فلا يدخل فيها وهو يجد شيئا يمنعه من الخشوع. وعلى أنه ينبغى لمن فعل شيئا مستغربا أن يبين الدليل الشرعي الذى حمله على فعله. وعلى أنه يجوز للإمام إقامة الصلاة والأفضل أن يتولى الإقامة غير الإمام. (من روى الحديث أيضا) رواه الحاكم وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ورواه مالك والنسائي بلفظ أن عبد الله بن أرقم كان يؤم أصحابه فحضرت الصلاة يوما فذهب لحاجته ثم رجع فقال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

بيان الاختلاف في سند الحديث السابق

يقول إذا وجد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة. ورواه أحمد وابن ماجه والشافعي وابن خزيمة وابن حبان (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، وَشُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَأَبُو ضَمْرَةَ، هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَرْقَمَ وَالْأَكْثَرُ الَّذِينَ رَوَوْهُ، عَنْ هِشَامٍ، قَالُوا: كَمَا قَالَ زُهَيْرٌ. (ش) غرض المصنف بهذا بيان أن الحفاظ اختلفوا في سند هذا الحديث، فمنهم من لم يذكر واسطة بين عروة وعبد الله بن أرقم، ومنهم من أثبتها وأن الأكثر على الأول، ولا منافاة لاحتمال أن عروة لم يكن مع عبد الله بن أرقم في سفره فأخبره رجل عنه بهذا الحديث ثم لقي عروة عبد الله وتلقى منه من غير واسطة فمرّة يروى هكذا ومرّة هكذا (قوله وشعيب بن إسحاق) ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن راشد القرشى مولاهم الدمشقى الأموى البصرى. روى عن ابن جريج وأبي حنيفة والأوزاعي والثورى وغيرهم. وعنه إبراهيم بن موسى الرازى وإسحاق بن راهويه والليث بن سعد وهو من شيوخه والحكم بن موسى وجماعة، قال أبو حاتم صدوق ثقة مأمون وقال أحمد ثقة ما أصح حديثه ووثقه النسائي وغير واحد. ولد سنة ثماني عشرة ومائة وتوفي في رجب سنة تسع وثمانين ومائة على الصحيح (قوله وأبو ضمرة) هو أنس بن عياض ابن ضمرة الليثى المدني، روى عن الأعرج وشريك بن عبد الله والأوزاعي وابن جريج وغيرهم وعنه أحمد بن حنبل وقتيبة ومحمد بن إسحاق وابن وهب وعلى ابن المديني وآخرون. وثقه النسائي وابن عدى وابن معين وقال أبو زرعة لا بأس به وقال ابن سعد كان ثقة كثير الخطأ وقال أبو داود عن مروان كانت فيه غفلة الشاميين ووثقه ولكنه كان يعرض كتبه على الناس. ولد سنة أربع ومائة. وتوفي سنة مائتين. روى له الجماعة (قوله حدّثه الخ) أى حدّث الرجل عروة عن عبد الله بن أرقم، فهؤلاء زادوا بين عروة وبين عبد الله بن أرقم رجلا، ورجح البخارى روايتهم، ففى تهذيب التهذيب قال الترمذى في العلل الكبير سألت محمدا "يعنى البخارى" عنه قال رواه وهيب عن هشام بن عروة عن أبيه عن رجل عن ابن أرقم وكان هذا أشبه عندى اهـ (قوله والأكثر رووه الخ) أى أن أكثر الحفاظ مثل مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وحفص بن غياث وأيوب بن موسى وحماد بن زيد ووكيع وأبي معاوية والمفضل بن فضالة ومحمد بن كنانة وغيرهم رووا حديث عبد الله بن أرقم كما قال زهير بن معاوية بلا واسطة بين عروة وعبد الله وقد أخرج الترمذى رواية أبي معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم قال

أقيمت الصلاة فأخذ بيد رجل فقدّمه وكان إمام القوم وقال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء. وأخرج عبد الرزاق رواية أيوب بن موسى عن هشام عن عروة قال خرجنا في حج أو عمرة مع عبد الله ابن الأرقم الزهرى فأقام الصلاة ثم قال صلوا وذهب لحاجته فلما رجع قال إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا أقيمت الصلاة وأراد أحدكم الغائط فليبدأ بالغائط فهذا الإسناد يشهد بأن رواية زهير ومالك ومن تابعهما متصلة لأن عروة سمعه من عبد الله ابن الأرقم، وابن جريج وأيوب ثقتان حافظان. (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَمُسَدَّدٌ، الْمَعْنَى قَالُوا: ثَنَا يَحْيَى ابْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي حَزْرَةَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ - قَالَ ابْنُ عِيسَى فِي حَدِيثِهِ: ابْنُ أَبِي بَكْرٍ - ثُمَّ اتَّفَقُوا أَخُو الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ - قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ فَجِيءَ بِطَعَامِهَا، فَقَامَ الْقَاسِمُ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يُصَلَّى بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله المعنى) راجع إلى روايتي مسدد وابن عيسى يعني أن ما ذكره المصنف هو لفظ أحمد ومعنى ما روى عن مسدد ومحمد بن عيسى (قوله عن أبي حزرة) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاى اسمه يعقوب بن مجاهد القاصّ القرشى المدني مولى بني مخزوم، وأبو حزرة لقب له. روى عن عبادة بن الوليد والقاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق وعبد الرحمن بن جابر ومحمد بن كعب وغيرهم، وعنه يحيى بن سعيد الأنصارى ويحيى القطان. وحاتم بن إسماعيل وصفوان بن عيسى وآخرون، قال أبو زرعة لا بأس به ووثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن سعد كان قليل الحديث وقال ابن معين هو صويلح الحديث. مات سنة تسع وأربعين أو خمسين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والترمذى والبخارى في الأدب (قوله عبد الله بن محمد) بن أبي بكر التيمى المدني. روى عن عائشة، وعنه نافع وسالم بن عبد الله، وثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات، قتل يوم الحرّة في ذى الحجة سنة ثلاث وستين، وعبد الله هذا أخو القاسم بن محمد كما صرّح المصنف به بخلاف عبد الله الذى روى عنه أبو حزرة في رواية مسلم فإنه عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر فهو ابن ابن عمّ القاسم لا أخوه، ولا منافاة بين رواية المصنف ورواية مسلم لأن كلا منهما من

بيان العلماء في حكم الصلاة بحضرة الطعام وما يشغل الفلب

الطبقة الثالثة يروى عن عائشة ويروى عنه أبو حزرة، وقد اشتبه الأمر على العيني ففهم أن عبد الله هنا هو الذى في رواية مسلم. لكن ينافيه تصريح المصنف بأنه أخو القاسم (قوله قال ابن عيسى في حديثه ابن أبي بكر) أى زاد محمد بن عيسى في روايته لفظ ابن أبي بكر بعد عبد الله ابن محمد واقتصر أحمد ومسدد على ذكر عبد الله بن محمد، فقوله ابن أبي بكر صفة لمحمد، وقوله قال ابن عيسى جملة معترضة بين الصفة والموصوف (قوله ثم اتفقوا أخو القاسم) أى اتفق أحمد ومسدد ومحمد في روايتهم فقالوا أخو القاسم بن محمد، وأخو القاسم مرفوع على أنه صفة لعبد الله (قوله فقام القاسم الخ) سبب قيامه ما في مسلم عن ابن أبي عتيق قال تحدّثت أنا والقاسم عند عائشة حديثا وكان القاسم رجلا لحانة وكان لأم ولد فقالت له عائشة مالك لا تحدّث كما يتحدّث ابن أخى هذا أما إني قد علمت من أين أتيت هذا أدبته أمه وأنت أدبتك أمك فغضب القاسم (وأضبّ بفتحتين فموحدة مشدّدة أى حقد) عليها فلما رأى مائدة عائشة قد أتي بها قام قالت أين قال أصلى قالت اجلس قال إني أصلى قالت اجلس غدر إني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان. (معنى الحديث) (قوله لا يصلى بحضرة الطعام) بالبناء للمفعول، وفي نسخ بحضور الطعام، وفي رواية مسلم لا صلاة بحضرة الطعام، أى طعام تميل نفس مريد الصلاة إليه أى لا يشرع أحدكم في صلاة ولو فرضا عند حضور أى طعام تتعلق به النفس إلا بعد الأكل وأخذ النفس حاجتها من الطعام، والنفي هنا بمعنى النهى للتنزيه عند الجمهور وللتحريم عند الظاهرية وابن حزم وأبي ثور وجماعة وجزموا ببطلان الصلاة إذا قدّمت، والطعام المتيسر حضوره عن قرب كالحاضر، وهذا ما لم يضق الوقت بحيث يخاف خروج وقت الصلاة وإلا صلى وجوبا ولا يؤخرها محافظة على حرمة الوقت، هذا ما ذهب إليه الجمهور لما جاء عن جابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا تؤخروا الصلاة لطعام ولا لغيره رواه البغوى في شرح السنة وسيأتي للمصنف، قال ابن الملك يحمل هذا الحديث على ما إذا كان متماسكا في نفسه لا يزعجه الجوع أو كان الوقت ضيقا يخاف فوته توفيقا يين الأحاديث اهـ (قال) في النيل في الصلاة بحضرة الطعام المرغوب فيه مذاهب فالجمهور على أن تقديم الأكل على الصلاة مندوب إذا كان الوقت متسعا وإلا لزم تقديم الصلاة، وحكى أبو سعيد المتولي عن بعض الشافعية أن تقديم الأكل على الصلاة مطلوب ولو ضاق الوقت، وإليه ذهب ابن حزم ونقل القاضى عياض عن أهل الظاهر أن تقديمه على الصلاة واجب إذا كان الوقت متسعا فلو قدّمها لا تصح، ونسبه الترمذى إلى أبي بكر وعمر وابن عمر وأحمد وإسحاق، ويلحق بالطعام ما كان في معناه مما يشغل القلب ويذهب كمال الخشوع اهـ ملخصا (قوله ولا وهو يدافعه الأخبثان)

الحكمة في كراهة الصلاة حال ما ذكر

أى ولا تصلى صلاة والحال أن مريدها يدافعه الأخبثان البول والغائط، وفي معناهما القئ والريح فلا داخلة على محذوف والواو للحال، والمدافعة إما على حقيقتها لأنهما يدافعانه بطلب خروجهما وهو يدافعهما بمنعهما من الخروج وإما بمعنى الدفع مبالغة، وما قيل من أن في هذا تقديم حق العبد على حق الله تعالى مردود بأنه ليس كذلك وإنما فيه صيانة حق الله ليدخل العبد في العبادة بقلب خاشع غير مشغول، قال الخطابي إنما أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يبدأ بالطعام لتأخذ النفس حاجتها منه فيدخل المصلى في صلاته وهو ساكن الجأش لا تنازعه نفسه شهوة الطعام فيعجله ذلك عن إتمام ركوعها وسجودها وإيفاء حقوقها وكذلك إذا دافعه البول فإنه يضيع به نحو من هذا، وهذا إذا كان في الوقت متسع فإن لم يكن بدأ بالصلاه اهـ. (فقه الحديث) دلّ الحديث على كراهة الصلاة بحضور طعام يريد المصلى الأكل منه في الحال لاشتغال القلب به، ويلحق بهذا ما في معناه مما يشغل القلب ويذهب كمال الخشوع في الصلاة، وعلى كراهة الصلاة حال احتياجه إلى قضاء الحاجة بولا أو غائطا. (من روى الحديث أيضا) رواه مسلم من طريقين بلفظ تقدم وابن حبان بلفظ لا يصلي أحدكم وهو يدافع الأخبثين. (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي حَيٍّ الْمُؤَذِّنِ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُنَّ: لَا يَؤُمُّ رَجُلٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ، وَلَا يَنْظُرُ فِي قَعْرِ بَيْتٍ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ دَخَلَ، وَلَا يُصَلِّي وَهُوَ حَقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ" (ش) (رجال الحديث) (قوله ابن عياش) إسماعيل (قوله حبيب بن صالح) أبو موسى الطائى الحمصى. روى عن على بن أبى طلحة وعبد الرحمن بن سابط وراشد بن سعد ويحيى بن جابر وغيرهم، وعنه بقية بن الوليد وإسماعيل بن عياش وصفوان بن عمرو وحريز بن عثمان. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه، قال أبو زرعة مشهور في بلده بالعلم والفضل وتركه الأخذ عن كل أحد ولا نعلم أحدا من أهل العلم طعن عليه ووثقه يزيد بن عبد ربه وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو داود شيوخ حريز كلهم ثقات. مات سنة سبع وأربعين ومائة (قوله يزيد بن شريح) مصغرا الحمصى. روى عن عائشة وأبى حىّ المؤذن وأبى أمامة الباهلى وثوبان مولى

النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكعب الأحبار، وعنه حبيب بن صالح ويحيى بن جابر ومحمد بن الوليد وثور بن يزيد وآخرون، وثقه ابن حبان وقال بقية هو صالح أهل الشام. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه (قوله الحضرمى) بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء منسوب إلى حضرموت بلد بأقصى اليمن أو قبيلة، قال بعضهم المراد هنا النسبة إلى القبيلة (قوله عن أبي حىّ) بفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة التحتية هو شداد بن حىّ الحمصى الشامى. روى عن ثوبان وأبي هريرة وذى مخبر بن أخى النجاشي، وعنه راشد بن سعد ويزيد ابن شريح وشرحبيل بن مسلم، ذكره ابن حبان في أتباع التابعين. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه والبخارى في الأدب حديثا واحدا (قوله ثوبان) بن بجدد بضم الموحدة وسكون الجيم وضم الدال المهملة الأولى ويقال ابن جحدر بفتح الجيم وسكون الحاء وفتح الدال المهملتين القرشي الهاشمى أبو عبد الله مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبعة وعشرون ومائة حديث انفرد مسلم بعشرة. روى عنه معدان بن أبي طلحة وجبير بن نفير وأبو إدريس الخولاني وراشد ابن سعد وآخرون، أصله من اليمن وسبي فاشتراه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأعتقه وقال إن شئت أن تلحق بمن أنت منهم فافعل وإن شئت أن تثبت فأنت منا أهل البيت فثبت ولم يزل معه في سفره وحضره حتى توفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم خرج إلى الشام وتوطن بحمص ومات بها سنة أربع وخمسين. روى عنه المصنف أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من يتكفل لى أن لا يسأل الناس وأتكفل له بالجنة فقال ثوبان أنا فكان لا يسأل أحدا شيئا، روى له الجماعة إلا البخارى. (معنى الحديث) (قوله ثلاث الخ) مبتدأ سوّغ الابتداء به كونه صفة لمحذوف والتقدير خصال ثلاث أو أنه على تقدير مضاف أى ثلاث خصال، وقوله لا يحلّ لأحد أن يفعلهن جملة في محل رفع خبره والمصدر المنسبك بأن فاعل يحلّ أى لا يحلّ لأحد فعل واحدة منها والمراد بعدم الحلّ الحرمة في الثانية والكراهة في الأولى والثالثة عند الجمهور (قوله لا يؤم الرجل) بالرفع خبر في معنى النهى، ويحتمل أن يكون مجزوما على أن لا ناهية وهذه إحدى الخصال الثلاث، ومثل الرجل المرأة للنساء عند من يجوّز إمامتها لمثلها (قوله فيخص نفسه الخ) يصح رفعه عطفا على يؤم والمعنى لا يحسن أن يوجد منه إمامة قوم وتخصيص نفسه بالدعاء أى لا يحلّ اجتماعهما لأن في ذلك توهم حصر الخير لنفسه وحجره عن غيره، ويصح نصبه بأن مقدرة بعد الفاء في جواب النفي أو النهى على حدّ "لا يقضى عليهم فيموتوا" وفي رواية لا يؤمنّ بنون التوكيد فلا ناهية ويخص منصوب بأن مضمرة بعد الفاء في جواب النهى، وقوله دونهم أى دون

ليس كل دعاء يكره للإمام أن يخص نفسه به

إشراكهم معه في الدعاء ولو مرّة، وهذا في نحو القنوت من كل ما يجهر به لأن القوم مأمورون فية بسماع الإمام بخلاف ما لو خص نفسه بالدعاء فيما يسرّ فيه كدعاء الاستفتاح والركوع والسجود فلا يكره لأن كل واحد منهم يدعو لنفسه فإنه المحفوظ في أدعيته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الصلاة كلها كقوله في دعاء الاستفتاح اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياى كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس "الحديث" رواه الجماعة إلا الترمذى عن أبي هريرة، وقوله في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لى رواه الجماعة إلا الترمذى عن عائشة، وقوله بين السجدتين اللهمّ اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني رواه الترمذى عن ابن عباس، وقوله في آخر الصلاة اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات اللهم إني أعوذ بك من المغرم والمأثم رواه الجماعة إلا ابن ماجه عن عائشة وقوله دبر كل صلاة اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أردّ إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بلك من عذاب القبر رواه البخارى والترمذى وصححه، وهذا الجمع أولى من دعوى ابن خزيمة أن حديث ثوبان موضوع، وقيل في الجمع إن المراد أن يدعو لنفسه وينفي الدعاء عنهم كما قال الأعرابي اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا، وهذا حرام (قوله فإن فعل فقد خانهم) أى إن خص نفسه بالدعاء دونهم. فقد خانهم لأنه ضيع حقهم في الدعاء فإنهم يعتمدون على دعائه ويؤمنون جميعا اعتمادا على تعميمه فينبغى أن يشملهم بدعائه، ولأن الجماعة شرعت ليفيض كل من الإمام والمأموم الخير على صاحبه ببركة قربه من الله تعالى فمن خص نفسه فقد خان صاحبه، وإنما خص الإمام بالخيانه لأنه هو الداعي (قوله ولا ينظر في قعر بيت) أى داخل بيت الغير ففي الترمذى لا يحلّ لامرئ أن ينظر في جوف بيت امرئ حتى يستأذن، وقعر الشئ في الأصل أسفله والجمع قعور مثل فلس وفلوس، والمراد هنا داخل أىّ مكان للغير مستور، وإنما نهى عن ذلك لئلا يقع نظره على عورات البيت (قوله فإن فعل فقد دخل) أى فإن نظر في قعر البيت بلا إذن فقد صار في حكم الداخل فيه بلا إذن لأن الاستئذان إنما شرع لئلا يقع النظر على الحرام فلما نظر قبل الاستئذان فكأنه دخل البيت وصار مرتكبا إثم من دخل بلا إذن (قوله ولا يصلى وهو حقن) بالبناء للفاعل أى لا يصلى أحد أى صلاة والحال أنه حابس بوله أو غائطه كما تقدم فهو عام لأن الفعل في معنى النكرة والنكرة إذا جاءت بعد النفي تعمّ فتدخل في الصلاة المنهى عنها صلاة فرض العين والكفاية والسنة (قوله حتى يتخفف) بمثناة تحتية فمثناة فوقية مفتوحتين أى إلى أن يخفف نفسه بإخراج الفضلة والريح حيث أمن خروج الوقت وإنما نهى عن ذلك لأن الصلاة

بيان أنواع النهي التي في الحديث

مناجاة وتقرب إلى الله تعالى واشتغال عن الغير، والحاقن إن صلى بحاله فقد خان نفسه في حقها باشتغاله عن الصلاة بما حبسه، وإنما ذكر الاستئذان مع حالتي الصلاة للجمع بين مراعاة حق الله تعالى وحق العباد، وخص الاستئذان من حقوق العباد لأن من راعى أمره الدقيق راعى ما فوقه بالأولى (قال) العيني في هذا الحديث ثلاث منهيات "الأول" نهى تنزيه "الثاني" نهى تحريم "الثالث" نهى شفقة حتى لو صلى وهو حاقن صحت صلاته "فإن قيل" كيف يجوز أن يفرق بين أشياء يجمعها نظم واحد "قلت" قد جاء مثل ذلك كثيرا عند قيام دليل لبعضها بصيغة مخصوصة كما روى أنه كره من الشاة سبعا الدم والمرارة والحياء والغدّة والذكر والأنثيين والمثانة. والدم حرام بالإجماع وبقية المذكورات معه مكروهة "فإن قيل" كيف يكون ذلك هاهنا وقد نصّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقوله لا يحلّ لأحد أن يفعلهن "قلت" هذا خارج مخرج المبالغة في المنع. وأمثال هذا كثيرة في النصوص اهـ. (فقه الحديث) دلّ الحديث على كراهة تخصيص الإمام نفسه بالدعاء دون المأمومين وأنه إن فعل ذلك كان خائنا لهم، وعلى تحريم النظر داخل بيت الغير قبل الإذن بالدخول وعلى نهى المحتاج إلى قضاء الحاجة عن الدخول في الصلاة قبل أن يقضى حاجته. (من روى الحديث أيضا) رواه أحمد والترمذى وقال حديث ثوبان حديث حسن وقد روى هذا الحديث عن معاوية بن صالح عن السفر بن نسير عن يزيد بن شريح عن أبي أمامة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وروى هذا الحديث يزيد بن شريح عن أبي هريرة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكأن حديث يزيد بن شريح عن أبي حىّ المؤذن عن ثوبان في هذا أجود إسنادا وأشهر اهـ وروى ابن ماجه الجملة الأولى في كتاب الصلاة بلفظ لا يؤمّ عبد فيخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم، والجملة الأخيرة في كتاب الطهارة بلفظ لا يقوم أحد من المسلمين وهو حاقن حتى يخفف "يعنى لا يصلى". (ص) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ السُّلَمِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا ثَوْرٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي حَيٍّ الْمُؤَذِّنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ حَقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ» - ثُمَّ سَاقَ نَحْوَهُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ قَالَ: «وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا إِلَّا بِإِذْنِهِمْ، وَلَا يَخُصَّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ»

(ش) (رجال الحديث) (قوله محمود بن خالد) بن يزيد أبو على الدمشقي، روى عن أبيه وعبد الله بن كثير ويحيى بن معين وعلى بن عياش والوليد بن مسلم وغيرهم، وعنه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأبو زرعة وأبو حاتم وبقية بن مخلد وآخرون، وثقه النسائي وأبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات وقال أحمد بن أبي الحوارى هو الثقة الأمين، ولد سنة ست وسبعين ومائة، ومات سنة تسع وأربعين ومائتين (قوله السلمى) بفتح السين المهملة واللام نسبة إلى سلمية مدينة بالشام وكان محمود إمام مسجدهم فنسب إليهم (قوله أحمد بن على) النميرى بضم النون ويقال النمرى بفتحتين، روى عن ثور بن يزيد وصفوان بن عمرو وعبيد الله بن عمرو وأرطاة بن المنذر، وعنه محمود بن خالد ويزيد بن عبد ربه ومحمد بن أبي أسامة، روى له أبو داود قال الأزدى متروك الحديث ساقط وقال الحافظ صدوق وضعفه الأزدى بلا حجة وقال أبو حاتم أرى أحاديثه مستقيمة. (معنى الحديث) (قوله ثم ساق نحوه الخ) أى ساق ثور بن يزيد حديثه عن يزيد ابن شريح نحو حديث حبيب بن صالح عن يزيد، وغرض المصنف بهذا بيان أن تلميذى يزيد بن شريح اختلفا في روايتهما عنه، فحبيب بن صالح ذكر في روايته قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن فإن فعل فقد دخل وثور بن يزيد ذكر بدلها قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤم قوما إلا بإذنهم، وأنهما اتفقا في الخصلتين الأخريين في المعنى دون اللفظ (قوله لا يحلّ لرجل الخ) أى يحرم على من صدّق بأن الله إله واحد وبأن القيامة آتية لا ريب فيها وهناك الجزاء الأوفى أن يؤم قوما إلا بإذنهم، قال الخطابي ما ملخصه: يريد أنه إذا لم يكن أقرأهم ولا أفقههم لم يجز له الاستبداد عليهم بالإمامة فأما إذا كان جامعا لأوصاف الإمامة بأن يكون أقرأهم وأفقههم فهو أحقهم بها أذنوا له أو لم يأذنوا، وقد قيل إن النهى عن الإمامة إلا بالاستئذان إنما هو إذا كان في بيت غيره. فأما في سائر البقاع فلا حاجة به إلي الاستئذان إذا وجدت فيه أوصاف الإمامة اهـ (قوله ولا يخص نفسه بدعوة) وفي بعض النسخ لا يختص يقال خصه بشئ واختصه به أى جعله له دون غيره، والدعوة بفتح الدال المهملة الدعاء إلى الله تعالى والدعاء إلى الطعام وغيره وبكسر الدال في النسب يقال دعوته بابن زيد دعوة وقال الأزهرى الدعوة بالكسر ادعاء الولد الدعي غير أبيه اهـ (قوله فإن فعل فقد خانهم) راجع إلى الخصلتين أى فإن أمهم بلا إذنهم واختص نفسه بدعوة دونهم فقد خانهم لأنه أضاع حقهم ومن أضاع حقا من حقوق الناس فهو خائن والخيانة من أوصاف المنافقين فلا يفعلها من يؤمن بالله واليوم الآخر (وبالحديث) استدلّ بعض الظاهرية وبعض

بيان حال الحديث

الشافعية على حرمة الصلاة مع مدافعة واحد من الأخبثين وفساد الصلاة إن أدّى إلى ذهاب خشوعه ولو ضاق الوقت، والجمهور على كراهتها وحملوا الحديث على فرض صحته على ما إذا اشتدّ به الحال وظن أنه يضّره لحبسه حينئذ حرام. (فقه الحديث) الحديث يدل على أنه لا يجوز لرجل أن يؤم غيره بغير إذنه على ما علمت تفصيله، وعلى أنه لا يجوز للإمام أن يدعو لنفسه دون المأمومين وقد سبق تفصيل ذلك في شرح الحديث الذى قبله. (من روى الحديث أيضا) رواه الحاكم من طريق ثور عن يزيد عن أبي هريرة مرفوعا مختصرا ولفظه لا يحلّ لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصلى وهو حقن حتى يخفف، ورواه ابن ماجه من طريق السفر بن نسير عن يزيد بن شريح عن أبي أمامة ولفظه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى أن يصلى الرجل وهو حاقن، وفي الزوائد إسناده ضعيف لضعف السفر بن نسير وكذا بشر بن آدم شيخ ابن ماجه، وفي سند حديث المصنف أحمد ابن على وقد تكلم فيه كما تقدم، وفي البداية لابن رشد قال أبو عمر بن عبد البرّ هو حديث ضعيف السند لا حجة فيه. (ص)، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «هَذَا مِنْ سُنَنِ أَهْلِ الشَّامِ لَمْ يُشْرِكْهُمْ فِيهَا أَحَدٌ» (ش) هذه الجملة ساقطة من بعض النسخ والغرض من ذ كرها بيان أن هذا الحديث الذى رواه يزيد بن شريح بسنديه عن ثوبان وعن أبي هريرة ضعيف لأنه من سنن بضم السين أى من الطرق التي انفرد بروايتها أهل الشام لم يشاركهم في روايته غيرهم، أما حديث ثوبان فكل رواته شاميون فإن محمد بن عيسى وإن كان أصله بغداديا فقد نزل أذنه بلد بساحل الشام عند طرسوس، وكذا كل رواة حديث أبي هريرة شاميون إلا أبا هريرة، وقوله لم يشركهم بفتح المثناة التحتية والراء من باب تعب أى لم يشاركهم. (باب ما يجزى من الماء في الوضوء) أى في بيان القدر الذي يكفي من الماء في الوضوء وكذا الغسل. (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، ثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ» (ش) (رجال الحديث) (قوله همام) بن يحيى (قوله قتادة) بن دعامة (قوله صفية بنت شيبة) بن عثمان بن أبي طلحة عبد العزيز بن عبد الدار بن قصى القرشية العبدرية

مقدار الصاع والمد وبيان أقوال العلماء فيهما

قال الحافظ في الإصابة مختلف في صحبتها، وأبعد من قال لا رواية لها فقد ثبت حديثها في صحيح البخارى تعليقا قال قال أبان بن صالح عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة قالت سمعت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وأخرج ابن منده من طريق محمد بن جعفر ابن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن صفية بنت شيبة قالت والله لكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين دخل الكعبة "الحديث" وروت أيضا عن عائشة وأم حبيبة وأم سلمة أزواح النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أسماء بنت أبي بكر وأم عثمان بنت سفيان، وعنها عبد الرحمن الحجي ومصعب بن شيبة والحسن بن مسلم وأم صالح بنت صالح والمغيرة بن حكيم وآخرون. روي لها عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم خمسة أحاديث، ومنه ومما تقدم عن البخارى تعلم ردّ كلام ابن حبان حيث ذكرها في ثقات التابعين، اتفق البخارى ومسلم على روايتها عن عائشة. روى لها الجماعة (معنى الحديث) (قوله كان يغتسل بالصاع الخ) أى بملء الصاع ونحوه، والصاع مكيال يسع أربعة أمداد، والمد مختلف فيه فقيل هو رطل وثلث بالعراقي وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وفقهاء الحجاز وأبو يوسف، وقيل رطلان وبه أخذ أبو حنيفة ومحمد وفقهاء العراق فيكون الصاع خمسة أرطال وثلثا على الأول وثمانية أرطال على الثاني، والرطل العراقى عند الحنفية ثلاثون ومائة درهم بالدرهم المتعارف، وإليه ذهب الرافعى من الشافعية، ورجح النووى أنه ثمانية وعشرون ومائة درهم وأربعة أسباع درهم، وهذا مذهب الحنابلة، وقالت المالكية هو ثمانية وعشرون ومائة درهم. وحجة الأولين ما سيأتي للمصنف في باب مقدار ما يجزئه في الغسل من قوله قال أبو داود وسمعت أحمد بن حنبل يقول صاع ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث قال فمن قال ثمانية أرطال قال ليس ذلك بمحفوظ قال وسمعت أحمد يقول من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا "يعني العراقى" خمسة أرطال وثلثا فقد أوفى، وما رواه الطحاوى عن أبي يوسف قال قدمت المدينة فأخرج إليّ من أثق به صاعا وقال هذا صاع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فوجدته خمسة أرطال وثلثا قال الطحاوى وسمعت ابن عمران يقول الذى أخرجه لأبي يوسف هو مالك، وما أخرجه البيهقي عن الحسين بن الوليد القرشى قال قدم علينا أبو يوسف من الحج فقال إني أريد أن أفتح عليكم بابا من العلم أهمني ففحصت عنه قال فقدمت المدينة فسألت عن الصاع قالوا صاعنا هذا صاع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قلت لهم ما حجتكم في ذلك قالوا نأتيك بالحجة غدا فلما أصبحت أتاني نحو من خمسين شيخا من أبناء المهاجرين والأنصار مع كل رجل منهم الصاع تحت ردائه وكل رجل منهم يخبر عن أبيه وأهل بيته أن هذا صاع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنظرت فإذا هي سواء قال فعبرته فإذا هو خمسة أرطال

بيان أن الخلاف في مقدارهما بالوزن اللفظي

وثلث بنقصان يسير فرأيت أمرا قويا فتركت قول أبي حنيفة في الصاع وأخذت بقول أهل المدينة اهـ قال صاحب التنقيح هذا هو المشهور من قول أبي يوسف، واحتج أبو حنيفة ومن معه بما أخرجه ابن عدىّ في الكامل عن عمر بن موسى بن وجيه الوجيهى عن عمرو بن دينار عن جابر قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ بالمدّ رطلين ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال وعمر بن موسى ضعيف. وبما أخرجه الدارقطني عن جعفر بن عون ثنا ابن أبي ليلى ذكره عن عبد الكريم عن أنس قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ بمدّ رطلين ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال، وأخرجه الدارقطني من طريقين آخرين، من طريق موسى بن نصر الحنفي ومن طريق صالح بن موسى وهما ضعيفان، والبيهقي، ضعف أسانيد الثلاثة وروى ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الزكاة حدثنا يحيى بن آدم قال سمعت حسن بن صالح يقول صاع عمر ثمانية أرطال وقال شريك أكثرمن سبعة أرطال وأقلّ من ثمانية، وأخرج الطحاوى عن إبراهيم النخعى قال عبرنا صاعا فوجدناه حجاجيا والحجاجي عندهم ثمانية أرطال بالبغدادى قال وصنع الحجاج هذه على صاع عمر، وأخرج النسائي قال حدثنا محمد بن عبيد ثنا يحيى بن زكريا عن موسى الجهني قال أتى مجاهد بقدح حزرته ثمانية أرطال فقال حدثتني عائشة أن رسول الله صلى في الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل بمثل هذا وهذا سند جيد (أقول) الخلاف بين الأئمة في ذلك لفظىّ، فمن قال إن الصاع ثمانية أرطال اعتبره من الماء كما تدلّ عليه الأحاديث السابقة. ومن قال إنه خمسة أرطال وثلث اعتبره من التمر أو الشعير فلا خلاف في مقدار المدّ والصاع، والاشتباه إنما جاء من عدم التقييد باختلاف المكيل بهما رزانة وخفة فإن الماء أثقل من العدس وهو أثقل من الحلبة والفول وهما أثقل من البرّ والحمص وهما أثقل من الذرة وهي أثقل من التمر والشعير فإن المدّ منهما يزن ثلاثة وسبعين ومائة درهم وثلثا ومن الذرة الصيفي خمسة وتسعين ومائة درهم وثلثا ومن الذرة الشامى اثنين ومائتي درهم وثلثا ومن البرّ والحمص ستة عشر ومائتي درهم ومن الفول والحلبة أربعة وعشرين ومائتى درهم ومن العدس سبعة وعشرين ومائتى درهم ومن الماء العذب الصافي أو المعين ستين ومائتي درهم، وعليه فالصاع من التمر والشعير يزن ثلاثة وتسعين وستمائة درهم وثلثا وهي خمسة أرطال وثلث بالعراقى، والصاع من الماء المذكور يزن أربعين وألف درهم وهي ثمانية أرطال بالعراقى. (فقه الحديث) والحديث يدلّ على مقدار الماء الذى كان يغتسل أو يتوضأ به رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو الصاع في الغسل والمدّ في الوضوء، فيطلبه من الأمة أن تقتدى به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ذلك، ولتحذر من الإسراف في الماء كما يقع

ممن استولى عليهم الجهل والشيطان من الإسراف في الماء عند الطهارة ويعتقدون أن ذلك إحكام لها ولم يعقلوا أن الإسراف منهىّ عنه شرعا ولو على شاطئ البحر، نعوذ بالله تعالى من عمى البصيرة واستحواذ الشياطين. ومن المعلوم أن ما قارب الشئ يعطى حكمه فالزيادة على هذا المقدار أو النقص عنه قليلا لحاجة لا حظر فيه وتدلّ على ذلك الأحاديث الآتية، ولا ينافي حديث الباب ما روي عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا في صحيح البخاري قالت كنت أغتسل أنا والنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله سلم في إناء واحد من قدح يقال له الفرق، والفرق إناء يسع ستة عشر رطلا لأنه لا يدلّ على أنهما كانا يغتسلان بجميع ما فيه بل على أنهما كانا يغتسلان منه وهذا لا يستلزم أنهما كانا يستعملان جميع ما فيه. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائي وابن ماجه وأخرجه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك بلفظ كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ بالمدّ ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد وأخرجه مسلم من حديث سفينة بنحوه. (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ أَبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ صَفِيَّةَ. (ش) غرض المصنف بهذا بيان أن أبان بن يزيد روى الحديث السابق عن قتادة بسماعه من صفية وقد اتفقوا على أن المدلس إذا عنعن لا يحتج بحديثه إلا أن يثبت من طريق آخر بالسماع أو التحديث فبذلك تثبت صحة حديثه، ورواية أبان أخرجها البيهقي في سننه من طريق عفان قال ثنا أبان ثنا قتادة قال حدثتني صفية أن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ بالمدّ ويغتسل بالصاع. (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، ثَنَا هُشَيْمٌ، أَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ» (ش) (رجال الحديث) (قوله هشيم) بن بشير (قوله يزيد بن أبي زياد) الهاشمى أبو عبد الله مولاهم القرشي الكوفي. روى عن إبراهيم النخعى وأبي صالح السمان ومجاهد وعكرمة وثابت البناني وآخرين، وعنه أبو عوانة وشعبة وزهير بن معاوية والسفيانان وأبو بكر بن عياش وآخرون، قال أبو داود لا أعلم أحدا ترك حديثه وغيره أحب إليّ منه وقال النسائي وابن معين ليس بالقوي وقال أبو زرعة لين بكتب حديثه ولا يحتج

بيان أنه ليس لماء الغسل والوضوء مقدار محدد بل العبرة بتعميم الأعضاء بلا إسراف

به وقال ابن سعد كان ثقة في نفسه إلا أنه اختلظ في آخر عمره فجاء بالعجائب وقال الدارقطني لا يخرج عنه في الصحيح ضعيف يخطئُ كثيرا ويلقن إذا لقن وقال يعقوب بن سفيان يزيد وإن كانوا يتكلمون فيه لتغيره فهو على العدالة والثقة وقال أحمد بن صالح ثقة ولا يعجبنى قول من يتكلم فيه. وما قاله العيني من أن يزيد هذا هو القرشي الدمشقي فليس بصحيح لأن هشيما الذى في سند الحديث من تلاميذ زياد القرشي الهاشمى وكذا سالم بن أبي الجعد فإنه من شيوخ زياد القرشي الهاشمى وليس من شيوخ زياد القرشى الدمشقى كما في تهذيب التهذيب. توفي سنة ست أو سبع وثلاثين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه والبخارى في التعاليق (قوله سالم ابن أبي الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة الأشجعى الكوفي. روى عن أبي هريرة وابن عمر وجابر بن عبد الله وأنس وابن عباس، وعنه أبو إسحاق الهمداني وعمرو بن دينار والأعمش وقتادة وأبو إسحاق السبيعى وجماعة، قال ابن سعد كان كثير الحديث ووثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائي وقال العجلى تابعى ثقة وقال إبراهيم الحربي مجمع على ثقته وقال الذهبي من ثقات التابعين لكنه يدلس ويرسل، توفي سنة إحدى ومائة. روى له الجماعة (قوله جابر) بن عبد الله. (معنى الحديث) (قوله يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد) ليس الغسل بالصاع والوضوء بالمدّ للتحديد والتقدير بل كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ربما اقتصر على الصاع وربما زاد وربما نقص. قال ابن دقيق العيد الواجب في الغسل ما يسمى غسلا وذلك بإفاضة الماء على العضو وسيلانه عليه فمتى حصل ذلك تأدى الواجب وذلك يختلف باختلاف الناس فلا يقدر الماء الذي يغتسل به أو يتوضأ به بقدر معلوم. قال الشافعى وقد يرفق بالقليل فيكفي ويخرق بالكثير فلا يكفى، وأستحبّ أن لا ينقص في الغسل عن صاع ولا في الوضوء عن مدّ وقد دلت الأحاديث على مقادير مختلفة وذلك والله أعلم لاختلاف الأوقات والحالات وهو دليل على ما قلنا من عدم التحديد اهـ بتصرف، وقال النووى أجمع المسلمون على أن الماء الذى يجزئُ في الوضوء والغسل غير مقدر بل يكفى فيه القليل والكثير إذا وجد شرط الغسل وهو جريان الماء على الأعضاء اهـ وروى البخارى من حديث أنس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمدّ. وروى مسلم من حديث عائشة أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من إناء يسع ثلاثة أمداد وقريبا من ذلك، قال الشوكاني في شرح هذا الحديث القدر المجزئُ من الغسل ما يحصل به تعميم البدن على الوجه المعتمد سواء كان صاعا أو أقل أو أكثر ما لم يبلغ في النقصان إلى مقدار لا يسمى مستعمله مغتسلا أو إلى مقدار في الزيادة يدخل فاعله في حدّ الإسراف وهكذا الوضوء، القدر المجزئُ منه ما يحصل به غسل أعضاء الوضوء سواء كان مدا أو أقل أو أكثر ما لم يبلغ في الزيادة إلى حدّ السرف

أو النقصان إلى حدّ لا يحصل به الواجب اهـ فهذا يدل على اختلاف الحال في ذلك بقدر الحاجة وفي هذه الأحاديث الردّ على من قدّر الوضوء والغسل بما ذكر من الصاع والمدّ تمسكا بظاهر حديثى الباب كابن شعبان من المالكية وبعض الحنفية، وحمله الأكثرون على الاستحباب لأن أكثر من قدّر وضوءه وغسله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الصحابة قدّرهما بذلك وهذا إذا لم تدع الحاجة إلى الزيادة، وهو أيضا في حق من يكون خلقه معتدلا. (من روى الحديث أيضا) رواه البيهقي من طريق أبي عوانة وغيره عن يزيد ورواه أيضا من طريق حصين ويزيد عن سالم من قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ورواه الحاكم في المستدرك من طريق محمد بن فضيل عن حصين عن سالم بن أبي الجعد عن جابر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يجزئُ من الوضوء المدّ ومن الجنابة الصاع فقال له رجل لا يكفينا ذلك يا جابر فقال قد كفى من هو خير منك وأكثر شعرا. ورواه ابن ماجه من طريق يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبى طالب عن أبيه عن جده بلفظ الحاكم ورواه أحمد والأثرم وابن خزيمة بنحو لفظ المصنف وصححه ابن القطان قال المنذرى في إسناده يزيد بن أبي زياد وهو لا يحتج به اهـ وفيه نظر لأنك قد علمت ما قاله أبو داود وغيره من توثيقه وتابعه عليه حصين في رواية الحاكم والبيهقي فهو لا ينحط عن درجة الحسن. قال العيني رواه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه بهذا الطريق ثم قال والحديث انفرد به أبو داود عن بقية الستة اهـ ولعله يريد روايته بلفظ المصنف وإلا فقد رواه ابن ماجه بلفظ الحاكم كما تقدم وفي سنده سالم ابن أبي الجعد وهو مدلس كما تقدم عن الذهبي وقد عنعن فلعل المصنف اطلع على تصريح بسماعه من جابر كما بين في الحديث السابق. (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ، عَنْ جَدَّتِهِ وَهِيَ أُمُّ عُمَارَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَدْرُ ثُلُثَيِ الْمُدِّ» (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن جعفر) الهذلى مولاهم البصرى المعروف بغندر أبو عبد الله الحافظ. روى عن ابن جريج وسعيد بن أبي عروبة وابن عيينة والثورى وشعبة وغيرهم. وعنه أحمد بن حنبل وابن بشار وابن معين وقتيبة وإسحاق بن راهويه وآخرون قال ابن معين كان من أصح الناس كتابا وأراد بعضهم أن يخطئه فلم يقدر عليه وقال ابن المبارك إن اختلف الناس في حديث شعبة فكتاب غندر حكم بينهم وكان وكيع يسميه الصحيح الكتاب

وقال أبو حاتم كان صدوقا وقال ابن حبان كان من خيار عباد الله ومن أصحهم كتابا على غفلة فيه ووثقه ابن سعد والمستملى والعجلى وقال عمرو بن العباس كتبت عن غندر حديثه كله ألا حديثه عن ابن أبي عروبة فإن عبد الرحمن نهاني أن أكتب عنه حديث سعيد وقال إن غندرا سمع منه بعد الاختلاط. توفى سنة ثلاث أو أربع وتسعين ومائة. روى له الجماعة، وسمي غندرا لأنه كان يكثر الشغب على ابن جريج قال له اسكت يا غندر، وأهل الحجاز يسمون المشغب غندرا، والشغب بسكون الغين المعجمة تهييج الشرّ (قوله حبيب الأنصارى) ابن زيد ابن خلاد بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام المدني. روى عن عباد بن تميم وأنيسة بنت زيد وليلى مولاة جدته أم عمارة، وعنه شعبة وابن إسحاق وشريك النخعي. وثقه النسائي وابن معين وقال أبو حاتم صالح وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه (قوله عباد بن تميم) بن غزية بفتح الغين المعجمة وكسر الزاى وتشديد المثناة التحتية ابن عمرو بن عطية الأنصارى وقيل تميم بن زيد بن عاصم المازني المدني. روى عن أبي سعيد الخدرى وأبي قتادة وعبد الله بن زيد وغيرهم، وعنه أبو بكر ابن حزم ويحيى ابن سيعد الأنصارى والزهرى وحبيب بن زيد ومحمود بن لبيد قال عباد كنت يوم الخندق ابن خمس سنين فأذكر أشياء وأعيها وكنا مع النساء في الآطام. وثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات وقال العجلى تابعى ثقة، روى له الجماعة (قوله عن جدّتي) وفي رواية النسائي يحدّث عن جدّتي، وفي نسخة عن جدّته، فعلى النسخة الأولى هي جدّة حبيب من جهة أمه لا من جهة أبيه لأنه لم يثبت أنها زوجة لخلاد جدّ حبيب، وعلى النسخة الثانية فهى جدّة عباد من جهة أبيه فلا خلاف بين النسختين لأنها جدّة لهما (قوله أم عمارة) بضم العين المهملة وتخفيف الميم اسمها نسيبة بفتح النون وكسر السين على الأشهر وقيل لسينة باللام المضمومة والنون بنت كعب بن عمرو بن عوف الأنصارية النجارية، شهدت أحدا مع زوجها زيد بن عاصم وبيعة الرضوان ثم شهدت قتال مسيلمة باليمامة وجرحت يومئذ اثني أو أحد عشر جرحا وقطعت يدها وخلف عليها بعد زيد بن عاصم غزية بن عمرو فولدت له تميما وخولة وشهدت العقبة بايعت ليلتئذ ثم شهدت أحدا والحديبية وخيبر والفتح. روت عن النبى صلى الله تعالى وعلى آله وسلم أحاديث وروى عنها الحارث بن عبد الله بن كعب وعكرمة وليلى وأم سعيد بنت سعد ابن الربيع. روى لها أبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه، وأسند الواقدى من طريق أبي صعصعة قالت أم عمارة كانت الرجال تصفق على يدى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة العقبة والعباس آخذ بيد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلما بقيت أنا وأم سبيع نادى زوجي غزية يا رسول الله هاتان امرأتان حضرتا معنا يبايعانك فقال

قد بايعتهما على ما بايعتكم عليه إني لا أصافح النساء، وبه قال كانت أم سعيد بنت سعد بن الربيع تقول دخلت عليها فقلت حدّثيني خبرك يوم أحد فقالت خرجت أوّل النهار ومعى سقاء فيه ماء فانتهيت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو في أصحابه والريح والدولة للمسلمين فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فجعلت أباشر القتال وأذبّ عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالسيف وأرمى بالقوس حتى خلصت إليّ الجراحة قالت أم سعيد فرأيت على عاتقها جرحا له غور أجوف. وعن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول ما ألتفت يمينا وشمالا يوم أحد إلا وأراها تقاتل دوني. وروى عكرمة مولى ابن عباس عن أم عمارة الأنصارية أنها أتت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت ما أرى كل شئ إلا للرجال وما أرى النساء يذكرن فنزلت هذه الآية "إن المسلمين والمسلمات الآية". (معنى الحديث) (قوله توضأ الخ) أى أراد الوضوء (قوله قدر ثلثى المدّ) بنصب قدر على الحال والتقدير حال كونه مقدّرا بهذا المقدار ويجوز أن ينتصب بنزع الخافض والتقدير بمقدار ثلثى المدّ ويجوز الرفع على أن يكون صفة لماء أو يكون خبر مبتدإ محذوف أى هو قدر ثلثى المدّ، والمعنى أن الماء الذى كان في الإناء قدر ثلثى المدّ فثلثا المدّ أقلّ ما روى من وجه يعوّل عليه أنه توضأ به رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن الوضوء بماء قدر ثلثى المدّ مجزئ كالوضوء بالمدّ ومحله إذا حصل به تعميم الأعضاء. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائي والبيهقي وصححه أبو زرعة وقال النووى حديث أم عمارة حسن وأخرجه ابن خزيمة وصححه عن أبي كريب محمد بن العلاء وابن حبان في صحيحه من طريق أبي كريب والحاكم في مستدركه من طريق يحيى بن زكريا ابن أبي زائدة عن شعبة عن حبيب بن زيد عن عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتى بثلثى مدّ من ماء فتوضأ فجعل يدلك ذراعيه قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ورواه أحمد أيضا من حديث عبد الله بن زيد بلفظ توضأ بنحو ثلثى المدّ أما ما رواه الطبراني في الكبير والبيهقي من حديث أبي أمامة من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ بنصف مدّ ففي إسناده الصلت بن دينار وهو متروك وحديث أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ بثلث مدّ قد قال الحافظ في التلخيص لم أجده وفي سبل السلام لا أصل له.

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ، قال حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِإِنَاءٍ يَسَعُ رَطْلَيْنِ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن الصباح) بفتح الصاد المهملة وتشديد الموحدة (البزاز) بالزاى المكرّرة مع تشديد الأولى أبو جعفر الرازى البغدادى الدّولابي صاحب السنن. روى عن حفص بن غياث ووكيع وابن المبارك ويزيد بن هارون ومحمد بن عبيد وسفيان ابن عيينة وكثيرين. وعنه البخارى ومسلم وأبو داود وأحمد وأبو زرعة وابن معين وقال ثقة مأمون ووثقه العجلى وقال يعقوب ثقة صاحب حديث يهم وقال أبو حاتم يحتج بحديثه وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن عدىّ شيخ سنيّ من الصالحين. توفي في المحرم سنة سبع وعشرين ومائتين (قوله عبد الله بن عيسى) بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى الأنصارى أبو محمد الكوفي روى عن عكرمة والشعبي وسعيد بن جبير والزهرى وعبد الله ابن أبي الجعد وغيرهم، وعنه شعبة والسفيانان وشريك وزهير بن معاوية والحسن بن صالح وطائفة. قال النسائي ثقة ثبت وقال ابن خراش والحاكم هو أوثق آل بيته وقال أبو حاتم صالح وقال العجلى وابن معين ثقة وزاد ابن معين وكان يتشيع وقال ابن المديني هو عندى منكر الحديث. مات سنة خمس وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (قوله عبد الله بن جبر) هو عبد الله بن عبد الله بن جبر كما سيأتي في طريق شعبة أبو الحسن الأنصارى، قال النووى وقد أنكره بعض الأئمة وقال صوابه ابن جابر وهذا غلط من هذا المعترض بل يقال فيه جابر وجبر، وممن ذكر الوجهين فيه الإمام أبو عبد الله البخارى وأن مسعرا وأبا العميس وشعبة وعبد الله بن عيسى يقولون فيه جبرا اهـ. روى عن أبيه وابن عمر وأنس بن مالك وعتيك بن الحارث. وعنه شعبة ومسعر ومالك وعبد الله بن عيسى روى له البخارى وأبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه. وثقه ابن معين والنسائي وأبو حاتم (معنى الحديث) (قوله يسع رطلين) أى من الماء قال في المصباح الرطل معيار يوزن به وكسره أشهر من فتحه وهو بالبغدادى اثنتا عشرة أوقية والأوقية إستار وثلثا إستار والإستار أربعة مثاقيل ونصف مثقال والمثقال درهم وثلاثة أسباع والدرهم ستة دوانق والدانق ثماني حبات وخمسا حبة وعلى هذا فالرطل تسعون مثقالا وهي مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم. قال الفقهاء وإذا أطلق الرطل في الفروع فالمراد به رطل بغداد. (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ بماء

بيان أحوال المتطهر

قدر رطلين واغتسل بماء قدر صاع، وعلى أن تقدير ماء الوضوء بمدّ ليس بلازم (والحاصل) أنه قد ورد في قدر الماء الذى اغتسل وتوضأ به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم روايات كثيرة مختلفة للمصنف وغيره تدلّ على أن الماء الذى يغتسل ويتوضأ به ليس له قدر محدود يلتزم ما لم يبلغ في الزيادة حدّ الإسراف فيمنع أو في النقص حدّا لا يسمى مستعمله مغتسلا ولا متوضئا فيكون باطلا ولذا قال النووى قال الشافعى وغيره من العلماء الجمع بين هذه الروايات أنها كانت اغتسالات في أحوال وجد فيها أكثر ما استعمله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأقله فدلّ على أنه لا حدّ في قدر ماء الطهارة يجب استيفاؤه اهـ (وقال) العيني في شرح البخارى الإجماع قائم على ذلك فالقلة والكثرة باعتبار الأشخاص والأحوال لأن المغتسل له ثلاث أحوال (إحداها) أن يكون معتدل الخلق كاعتدال خلقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيقتدى به في اجتناب النقص عن المدّ والصاع (الثانية) أن يكون ضئيلا نحيف الخلق بحيث لا يعادل جسده جسده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيستحب له أن يستعمل من الماء ما تكون نسبته إلى جسده كنسبة المدّ والصاع إلى جسده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (الثالثة) أن يكون متفاحش الخلق طولا وعرضا وعظم البطن وثخانة الأعضاء فيستحب أن لا ينقص عن مقدار تكون النسبة إلى بدنه كنسبة المدّ والصاع إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ. (من روى الحديث أيضا) رواه الترمذى من طريق شريك. قال النووى حديث أنس صحيح إلا أن فيه شريك بن عبد الله القاضى وقد ضعفه الأكثرون وقد ذكر أبو داود أن شعبة وسفيان روياه أيضا فلعله اعتضد عنده فصار حسنا فسكت عليه اهـ. (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، قَالَ: عَنِ ابْنِ جَبْرِ بْنِ عَتِيكٍ، قَالَ: وَرَوَاهُ سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، حَدَّثَنِي جَبْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ، سَمِعْتُ أَنَسًا إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «يَتَوَضَّأُ بِمَكُّوكٍ» وَلَمْ يَذْكُرْ رَطْلَيْنِ. (ش) غرض المصنف بذكر هذه الروايات بيان الاختلاف بينها وبين رواية عبد الله بن عيسى السابقة فإن فيها العنعنة عن عبد الله بن جبر منسوبا إلى جدّه وفيها أن الإناء يسع رطلين، وفي رواية شعبة بن الحجاج حدثني عبد الله بن عبد الله منسوبا إلى أبيه وفيها يتوضأ بمكوك بدون

قول الإمام أحمد في مقدار الصاع

ذكر الرطلين، وفي رواية يحيى بن آدم عن شريك قال عن ابن جبر بنسبة الراوى إلى جدّه وعدم ذكر اسمه واسم أبيه، ولا منافاة بين هذه الروايات لأنه يصح نسبة الراوى إلى جدّه كما يصح نسبته إلى أبيه. أما رواية سفيان الثورى عن عبد الله بن عيسى ففيها قلب اسم الراوى حيث قال حدّثني جبر بن عبد الله والصحيح المحفوظ عبد الله بن عبد الله بن جبر وعليه أكثر الحفاظ ورواية شعبة أخرجها مسلم والنسائي وكذا البيهقى من طريق إسحاق الحربي ثنا عفان ثنا شعبة ثنا عبد الله بن جبر عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ بالمكوك ويغتسل بخمس مكاكى (قوله قال حدّثني عبد الله الخ) أى قال شعبة بن الحجاج في روايته عن عبد الله بن عبد الله سمعت أنسا يقول كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ بمكوك، والمكوك بفتح الميم وضم الكاف الأولى المشدّدة مكيال يسع أحد عشر رطلا وربعا، وقال ابن الأثير المكوك اسم للمكيال ويختلف مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد اهـ ويجمع على مكاكيك ومكاكي، والظاهر أن المراد به هنا المدّ كما مال إليه النووى، وقال ابن الأثير أراد بالمكوك المدّ وقيل الصاع والأول أشبه لأنه جاء في الحديث مفسرا بالمدّ اهـ يدلّ لذلك ما رواه مسلم والنسائي من طريق عبد الله بن جبر عن أنس قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ بمكوك ويغتسل بخمس مكاكيك، ولا يخفى أن المراد بالمكوك في هذه الرواية المدّ جمعا بين روايات الوضوء والغسل، ولأنه لو بقي المكوك على حقيقته للزم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل بنيف وخمسين رطلا ولم يقل بذلك أحد، ويحيى بن آدم ابن سليمان أبو زكريا الأموى الكوفي. روى عن مالك والثورى ومسعر وآخرين، وعنه أحمد وإسحاق وابن المديني وابن معين وجماعة، وثقه النسائي وابن معين وأبو حاتم ويعقوب بن شيبة وقال كان كثير الحديث وقال العجلى كان ثقة جامعا للعلم عاقلا ثبتا في الحديث وقال يحيى بن أبي شيبة ثقة صدوق ثبت، حجة ما لم يخالف من فوقه مثل وكيع. مات سنة ثلاث ومائتين. روى له الجماعة. (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، يَقُولُ: «الصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهُوَ صَاعُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَهُوَ صَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ» (ش) غرض المصنف بهذا بيان مقدار الصاع بما يعلم منه أنه يرى لقول بأنه خمسة أرطال وثلث (قوله خمسة أرطال) أى وثلث كما هو مذهب أهل الحجاز، ولعل لفظ الثلث سقط هنا، يؤيده قول المصنف وهو صاع ابن أبي ذئب لأن صاعه كان خمسة أرطال وثلثا كما نقل المصنف في باب مقدار الماء الذى يجزئُ به الغسل عن أحمد بن حنبل أنه. قال صاع ابن أبي ذئب

باب الإسراف في الوضوء

خمسة أرطال وثلث (قوله وهو صاع ابن أبي ذئب الخ) أى الصاع المقدّر بخمسة أرطال وثلث هو صاع محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب، ولعل وجه نسبته إلى ابن أبى ذئب أنه كان عنده صاع كصاع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فجعل الناس صيعانهم على صاعه فاشتهر الصاع به، ويحتمل أنه كان يصنع الصيعان (باب الإسراف في الوضوء) أى في بيان حكم التبذير والزيادة في ماء الوضوء، وفي بعض النسخ باب الإسراف في الماء وهي بمعنى الأولى. وفي بعضها كراهية الإسراف في الوضوء. وفي بعضها تقديم باب الإسباغ على هذا الباب. (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، ثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَعَامَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ، سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ، عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلْتُهَا، فَقَالَ: ياْ بُنَيَّ، سَلِ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله حماد) بن سلمة كما في رواية البيهقي (قوله سعيد الجريرى) ابن إياس أبو مسعود. روى عن أبى العلاء وأبى الطفيل وأبى عثمان النهدىّ وعبد الله بن شقيق وعنه الحمادان وابن علية وابن المبارك وشعبة والثورى وآخرون. قال ابن معين ثقة وقال أبو حاتم تغير حفظه قبل موته فمن كتب عنه قديما فهو صالح وحسن الحديث وقال ابن سعد كان ثقة إلا أنه اختلط في آخر عمره وقال ابن حبان قد اختلط قبل أن يموت بثلاث سنين وقال العجلى بصرى ثقة واختلط بآخره. روى عنه بعد الاختلاط يزيد بن هارون وابن المبارك وابن أبى عدىّ وروى عنه حماد بن سلمة والثورى وشعبة وعبد الأعلى وابن علية قبل أن يختلط بثمانى سنين. توفي سنة أربع وأربعين ومائة. روى له الجماعة. والجريرى بضم الجيم وفتح الراء الأولى وكسر الثانية نسبة إلى جرير بن عبادة (قوله عن أبى نعامة) بفتح النون والعين المهملة هو قيس ابن عباية الحنفي البصرى. روى عن ابن عباس وأنس بن مالك وعبد الله بن مغفل. وعنه الجريرى وعثمان بن عتاب وأيوب السختياني وخالد الحذاء وآخرون. وثقه ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن عبد البرّ هو ثقة عند جميعهم وقال الخطيب لا أعلم أحدا رماه بكذب ولا بدعة. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه. مات بعد عشر ومائة (قوله

مذاهب العلماء في الإسراف في الماء

سمع ابنه) أى سمع عبد الله ابنه سعيدا وقيل زيادا وقيل يزيد وقيل غير ذلك. (معنى الحديث) (قوله أسألك القصر) هو الدار الكبيرة المشيدة لقصر النساء وحبسهنّ فيه (قوله عن يمين الجنة) أى يمين الداخل فيها ففي الكلام حذف (قوله فقال يا بنيّ) أى قال عبد الله لابنه حين سمعه يدعو بهذه الكلمات يا بنيّ الخ، وفي نسخة أى بنيّ وهو تصغير رحمة وشفقة وهو كثير في القرآن (قوله سل الله الجنة) أى اطلب منه تعالى دخول الجنة، وسل أصله اسأل نقلت حركة الهمزة الثانية إلى السين فسقطت همزة الوصل استغناء عنها وحذفت الهمزة الثانية للتخفيف ويتعدى إلى المفعول الثاني بنفسه وبعن يقال سألته الشئ وسألته عن الشئ سؤالا ومسألة، والجنة في اللغة البستان وفى الشرع دار النعيم الباقى سميت بذلك لاشتمالها على البساتين والنعيم المقيم (قوله وتعوّذ به من النار) أى التجئ إليه تعالى وتحصن به من عذاب النار يقال عذت بفلان واستعذت به أى لجأت إليه قال التوربشتي إنما أنكر عبد الله على ابنه هذا الدعاء لأنه طمع فيما لا يبلغه عملا حيث سأل منازل الأنبياء، وجعله من الاعتداء في الدعاء لما فيه من التجاوز عن حدّ الأدب ونظر الداعي لنفسه بعين الكمال، وقيل لأنه سأل شيئا معينا فربما كان مقدرا لغيره اهـ (قوله فإني سمعت رسول الله الخ) تعليل لمحذوف فكأنه قال له لا تسأل شيئا معينا من أمور الآخرة لأني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، الخ (قوله يعتدون في الطهور) أى يتجاوزون الحدّ فيه، والطهور يحتمل أن يكون بضم الطاء بمعنى الفعل ويكون المعنى يعتدون في نفس الطهور بأن يتجاوزوا الحدّ بالزيادة في الغسل والمسح على العدد المشروع أو بفتحها بمعنى المطهر ويكون المعنى يعتدون بإراقة الماء الكثير كما يفعله الموسوسون وهذا من الإسراف والوسوسة وهي من الشيطان. قال النووى أجمع العلماء على النهى عن الإسراف في الماء ولو كان على شاطئ البحر والأظهر أنه مكروه كراهة تنزيه، وقال بعض أصحابنا الإسراف حرام اهـ والقول بالكراهة قول الجمهور ومحله ما لم يؤدّ إلى ضرر أو ضياع مال وإلا فيحرم (وقالت) الحنفية الإسراف مكروه تحريما لو تطهر بماء مباح أو مملوك أما الموقوف على الطهارة ومنه ماء المساجد قال فالإسراف فيه حرام، ومما يؤكد ذمّ الإسراف ما أخرجه أحمد وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرّ بسعد وهو يتوضأ فقال ما هذا السرف يا سعد قال أفي الوضوء سرف قال نعم وإن كنت على نهر جار، وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف، وما أخرجه ابن ماجه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأى رجلا يتوضأ فقال لا تسرف لا تسرف، وهو ضعيف أيضا لأن في سنده محمد بن الفضل وقد ضعفه كثير من الأئمة (قوله والدعاء) عطف على الطهور، والاعتداء في الدعاء أن يخرج فيه عن الحدّ المشروع كأن يدعو بإثم أو يصيح به أو يطلب ما لا يليق به.

باب في إسباغ الوضوء

(فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن الله عزّ وجلّ يطلع نبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ما شاء من المغيبات، وعلى أن الأمة لا تضلّ كلها حيث قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سيكون في هذه الأمة قوم الخ ولم يقل ستعتدى أمتي ويؤيده قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة رواه الحاكم عن عمر وصححه وروى ابن ماجه نحوه، وعلى أن تجاوز الحدّ في الوضوء والغسل وإزالة النجاسة والدعاء مذموم شرعا كما يقع من أناس لا خلاق لهم ويعتقدون أن ذلك الاعتداء إحكام للعبادة لاستحواذ الشيطان عليهم. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه مقتصرا على الدعاء والحاكم في مستدركه عن أبي بكر ابن إسحاق عن محمد بن أيوب عن موسى بن إسماعيل وأشار إلى صحته، وأخرجه البيهقي في سننه وابن حبان في صحيحه وصححه النووي وأخرجه الإمام أحمد "فإن قيل" الجريرى مشهور بالاختلاط "قلنا" قد علمت أن حماد بن سلمة الذى في سند الحديث ممن روى عنه قبل الاختلاط وسكوت أبي داود عنه دليل عليه. (باب في إسباغ الوضوء) وفي نسخة باب إسباغ الوضوء أى في بيان طلب إسباغ الوضوء وإتمامه يقال أسبغت الوضوء أتممته وأسبغ الله عليه النعمة أتمها. (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَي مَنْصُورٌ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ رَأَى قَوْمًا وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ، فَقَالَ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله يحيى) القطان و (سفيان) الثورى و (منصور) بن المعتمر (قوله هلال بن يساف) بفتح المثناة التحتية وكسرها ويقال إساف بهمزة مكسورة بدل الياء قيل وهو الأشهر أبو الحسن الأشجعى مولاهم الكوفي قيل أدرك عليّ بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. روى عن الحسن وعبد الرحمن السلمى والبراء بن عازب وعمران بن حصين وغيرهم وعنه أبو إسحاق السبيعى وسلمة بن كهيل وعمرو بن مرّة وإسماعيل بن أبي خالد وآخرون وثقه ابن معين والعجلى وقال تابعى وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن سعد ثقة كثير الحديث روى له الجماعة (قوله عن أبي يحيى) اسمه مصدع بكسر الميم وسكون الصاد وفتح الدال

الأعرج المعرقب بفتح القاف الأنصارى مولى عبد الله بن عمر ويقال مولى معاذ بن عفراء وقيل اسمه زياد روى عن على بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو وعائشة وعنه شمر بن عطية وهلال بن يساف وسعيد ابن أبي الحسن وآخرون، قال صفي الدين في الخلاصة هو موثق وقال ابن حبان في الضعفاء كان يخالف الأثبات في الروايات وينفرد بالمناكير مرّ عليه على بن أبي طالب وهو يقص فقال تعرف الناسخ والمنسوخ فقال لا قال عليّ هلكت وأهلكت، ولقب بالمعرقب لأن الحجاج أو بشر بن مروان عرض عليه سبّ عليّ فأبى فقطع عرقوبه روى له الجماعة إلا البخارى. (معنى الحديث) (قوله رأى قوما الخ) أى أبصرهم عقب وضوئهم ومؤخر أقدامهم تلمع وتظهر يبوستها لم يصبها ماء، قيل إنما تركوا الأعقاب لأنهم كانوا قريبي عهد بالإسلام وأحكامه فتساهلوا في غسل أرجلهم لظنهم أن للأكثر حكم الكل أو أن هذا وقع منهم حين العجلة بالوضوء لصلاة العصر فلم يعلموا بعدم إصابة الماء كما رواه مسلم عن ابن عمرو قال رجعنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من مكة إلى المدينة حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر فتوضؤوا وهم عجال فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها ماء والأعقاب جمع عقب بفتح العين المهملة وكسر القاف وسكونها للتخفيف مؤنثة وهي مؤخر القدم (قوله ويل للأعقاب) أى هلاك وعذاب أليم لأصحاب الأعقاب المقصرين في غسلها، وويل نكرة سوّغ الابتداء به ما فيه من الدعاء، وهو في الأصل مصدر لا فعل له واختلف في معناه فقيل الهلاك وقيل أشدّ العذاب وقيل جبل من قيح ودم في النار وقيل واد في جهنم وهو الأظهر لما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد مرفوعا ويل واد في جهنم، وعليه فيكون علما لا يحتاج إلى مسوّغ، وأل في الأعقاب للعهد والمعهود الأعقاب التي لم تغسل في الوضوء ويلحق بها ما يشاركها في ذلك من بقية الأعضاء، وإنما خص الأعقاب بالذكر لأنها السبب في الحديث ولأنها التي يتساهل فيها غالبا (قوله من النار) من بيانية على حدّ قوله تعالى "فاجتنبوا الرّجس من الأوثان" ويجوز أن تكون بمعنى في كما في قوله تعالى "إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة" (قوله أسبغوا الوضوء) بضم الواو أى أتموه بإتيان فرائضه وسننه، والأمر بالإسباغ يدلّ على أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هدّدهم بالوعيد لتقصيرهم في تعميم أعضاء الوضوء لا لأجل نجاسة كانت بأعقابهم كما زعمه بعضهم، وهذه الجملة مؤكدة للجملة الأولى لأن الأمر بالغسل فهم من الوعيد لأنه لا يكون إلا في ترك واجب أو فعل محرّم فلما فهم ذلك من الوعيد أكده بقوله أسبغوا الوضوء فوقع تأكيدا عاما يشمل الرجلين وغيرهما من أعضاء الوضوء لأنه لم يقل أسبغوا الرجلين، ولا يقال

باب الوضوء في آنية الصفر

لم ذكر الإسباغ عاما والوعيد خاصا لأن التقصير حصل في الرجلين فيكون الوعيد في مقابلة ذلك التقصير الخاص (فقه الحديث) والحديث يدلّ على وجوب تعميم أعضاء الوضوء المفروض غسلها، وعلى أن ترك لمعة منها مخلّ بالطهارة، وعلى أن من فرّط في شئ مما وجب عليه استحق التعذيب بالنار فليحذر العاقل من المخالفة لينجو من العذاب، وعلى مشروعية تعليم الجاهل وإرشاده إلى ما هو خير له، وعلى أنه يطلب من العالم أن ينكر على من يراه مخالفا ويغلظ القول عليه ويرفع صوته بالإنكار ولذلك ذكر البخارى هذا الحديث في باب من رفع صوته بالعلم، وقال ابن دقيق العيد والحديث يدل على أن العقب محلّ للتطهير فيبطل قول من يكتفى بالتطهير فيما دون ذلك اهـ (من روى الحديث أيضا) رواه مسلم والبيهقي من طرق منها ما تقدم لفظه وفي بعضها ويل للعراقيب من النار، جمع عرقوب وهو العصب الموثق خلف الكعبين، ورواه النسائي وابن ماجه والبخارى من طريق يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو بلفظ قال تخلف عنا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في سفرة سافرناها فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثا وأخرجه مسلم من هذا الطريق أيضا وأخرجه الطحاوى عن أحمد بن داود المكي. (باب الوضوء في آنية الصفر) أهو جائز أم لا، والصفر بضم الصاد المهملة وسكون الفاء مثل قفل وكسر الصاد لغة النحاس الأصفر. (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي تَوْرٍ مِنْ شَبَهٍ» (ش) مطابقة هذا الحديث للترجمة باعتبار أن الوضوء داخل في الغسل لأنه من سننه (قوله حماد) بن سلمة (قوله صاحب لي) المراد به وبالرجل في سند الحديث الذى بعده شعبة. قال الحافظ ابن حجر حماد بن مسلمة عن رجل أو عن صاحب له عن هشام بن عروة هو شعبة ويؤيده رواية البيهقى لهذا الحديث من رواية حوثرة بن أشرس عن حماد بن سلمة عن شعبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت كنت

أغتسل أنا ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في تور من شبه يبادرني مبادرة (قوله في تور من شبه) في بمعنى من والتور بفتح المثناة من فوق وسكون الواو إناء من نحاس أصفر أو حجارة أو غيرها يشرب منه وقد يتوضأ منه ويؤكل منه الطعام يشبه الطست وقيل هو الطست، والشبه بفتح الشين المعجمة والموحدة المخففة نوع من النحاس كما في المختار قال في المصباح هو معدن يشبه الذهب في لونه وجمعه أشباه ويؤخذ من هذا أن التشبه هو النحاس الأصفر. (فقه الحديث) والحديث يدلّ على جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد، وعلى عدم طلب نية الاغتراف لعدم ذكرها في الحديث، وعلى جواز استعمال الأواني من النحاس الأصفر في الغسل ومثله الوضوء وغيره. (من روى الحديث أيضا) رواه البيهقى بلفظ تقدم وقال جوّده حوثرة بن أشرس وقصر به بعضهم عن حماد فقال عن رجل فلم يسم شعبة وأرسله بعضهم فلم يذكر في إسناده عروة اهـ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ مَنْصُورٍ حَدَّثَهُمْ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ هِشَامِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِنَحْوِهِ. (ش) غرض المصنف بذكره بيان أن الحديث روي متصلا كما روى منقطعا فإن هشاما لم يدرك عائشة ولا يضرّ عدم ذكر شيخ حماد في الطريقين لما علمت من أنه شعبة. (رجال الحديث) (قوله إسحاق بن منصور) السلولي أبو عبد الرحمن الكوفي. روى عن زهير بن معاوية وإسراءيل بن يونس والحسن بن صالح وداود الطائي وغيرهم، وعنه محمد بن حاتم وابن نمير ويعقوب بن شيبة وأبو كريب وأبو نعيم وآخرون، قال ابن معين ليس به بأس وقال العجلى ثقة وكان فيه تشيع وقد كتبت عنه وذكره ابن حبان في الثقات، توفي سنة أربع أو خمس ومائتين. روي له الجماعة إلا البخاري (قوله حدّثهم) أى حدّث إسحاق جماعة فيهم محمد بن العلاء. وفي نسخة حدّثه (قوله عن أبيه) عروة بن الزبير (قوله بنحوه) أى بنحو الحديث المذكور. وفى نسخة نحوه (والحاصل) ان المصنف روى هذا الحديث من طريقين إحداهما منقطعة لأن هشاما لم يدرك عائشة والأخرى متصلة وفي كلا الطريقين راو لم يسم وقد علمت أنه شعبة. (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، وَسَهْلُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَا: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: «جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ فَتَوَضَّأَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله أبو الوليد) هو هشام بن عبد الملك الباهلى الطيالسى البصري الإمام الحافظ. روى عن مالك وعكرمة والليث وشعبة والحمادين وابن عيينة وآخرين وعنه ابن المثني والدارمى وأبو زرعة وأبو حاتم وإسحاق بن راهويه وآخرون، قال أحمد متقن وهو شيخ الإسلام ما أقدّم عليه أحدا من المحدّثين وقال أبو حاتم كان إماما أفقيها عالما ثقة حافظا ما رأيت في يده كتابا قط وقال العجلى ثقة ثبت في الحديث وكانت الرحلة إليه بعد أبي داود وقال أبو زرعة كان إمام زمانه جليلا عند الناس وقال ابن قانع ثقة مأمون ثبت وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان من عقلاء الناس وقال ابن سعد كان ثقة ثبتا حجة. ولد سنة ثلاث وثلاثين ومائة، ومات سنة سبع وعشرين ومائتين وهو ابن أربع وتسعين سنة. روى له الجماعة (قوله وسهل بن حماد) أبو عتاب الدلال البصري. روى عن شعبة وهمام بن يحيى وعيسى بن عبد الرحمن السلمى وقرّة بن خالد. وعنه الدارمي وابن المثني وعمرو بن على الفلاس وعلى ابن المديني وغيرهم قال أحمد لا بأس به وقال أبو زرعة وأبو حاتم صالح الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال العجلى وأبو بكر البزّار ثقة. روي له الجماعة إلا البخارى. توفى سنة ست أو ثمان ومائتين (قوله عبد العزيز الخ) الماجشون التميمى أبو عبد الله المدني الفقيه الإمام. روى عن الزهرى ووهب بن كيسان وحميد الطويل ويحيى بن سعيد وهشام بن عروة وآخرين. وعنه زهير بن معاوية والليث وهما من أقرانه ووكيع بن الجراح وأبو داود الطيالسى وأبو نعيم وغيرهم. وثقه ابن سعد وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي وابن حبان وابن معين وقال ابن خراش صدوق وقال أحمد بن صالح كان نزها صاحب سنة ثقة وقال موسى بن هارون كان ثبتا متقنا. توفى ببغداد سنة أربع وستين ومائة. روى له الجماعة (قوله عن أبيه) هو يحيى بن عمارة بن أبي الحسن الأنصاري المازني المدني. روى عن عبد الله بن زيد وأنس وأبي سعيد الخدرى. وعنه ابنه عمرو والزهري ومحمد بن أبي صعصعة ومحمد بن يحيى وآخرون. وثقه النسائي وابن خراش ومحمد ابن إسحاق وذكره ابن حبان في الثقات. روى له الجماعة (قوله عبد الله بن زيد) بن عاصم بن كعب بن عمرو بن عوف الأنصارى الخزرجى أبو محمد شهد أحدا وغيرها واختلف في شهوده بدرا وقد اشترك مع وحشيّ بن حرب في قتل مسيلمة الكذاب في غزوة اليمامة. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحاديث. روى له البخاري ومسلم ثمانية أحاديث وروى عنه ابن أخيه عباد بن تميم ويحيى بن عمارة وسعيد بن المسيب وواسع بن حبان وغيرهم

باب في التسمية على الوضوء

قتل شهيدا يوم الحرّة سنة ثلاث وستين في ذى الحجة أيام يزيد بن معاوية وهو ابن سبعين سنة روى له الجماعة، وتقدم شرح الحديث في الذى قبله. (فقه الحديث) والحديث يدلّ على جواز التعاون في الوضوء، وعلى جواز الوضوء من النحاس الأصفر بلا كراهة وإن أشبه الذهب في لونه وهذا هو الصحيح قال أبو عبيد وعلى هذا أمر الناس في الرخصة والتوسعة في الوضوء في آنية النحاس وأشباهه من الجواهر إلا ما روي عن ابن عمر من الكراهة اهـ (قال العيني) وروى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يشرب في قدح من صفر ولا يتوضأ فيه. وروى أيضا عن وكيع قال حدثنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه كان يكره الصفر وكان لا يتوضأ فيه، وهذا محمول على أنه إنما كرهه لأنه كان يكره رائحة الصفر اهـ وهذه الكراهة على فرض ثبوتها عن ابن عمر لا تعارض الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الدالة على الجواز بدون كراهة (قال العيني) في شرحه على البخارى في كتاب الأشراف رخص كثير من أهل العلم في ذلك وبه قال الثورى وابن المبارك والشافعى وأبو ثور وما علمت أني رأيت أحدا كره الوضوء في آنية الصفر والنحاس وشبهه والأشياء على الإباحة وليس يحرم ما هو موقوف على ابن عمر قال ابن بطال وقد وجدت عن ابن عمر أنه توضأ فيه وهذه الرواية أشبه بالصواب اهـ. (من روى الحديث أيضا) رواه ابن ماجه ورواه البخارى والبيهقي مطوّلا بلفظ جاءنا النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخرجنا له ماء في تور من صفر فتوضأ به فغسل وجهه ثلاثا وذراعيه مرتين مرتين ومسح رأسه فأقبل بهما وأدبر وغسل رجليه. (باب في التسمية على الوضوء) أهي مطلوبة أم لا، وفي بعض النسخ باب التسمية عند الوضوء، وفي بعضها باب التسمية عند الوضوء على الوضوء، والتسمية مصدر سمى أى قال بسم الله كما يأتي بيانه. (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن موسى) بن أبي عبد الله الفطرى بالفاء مولى أبى مخزوم المدني مولاهم. روى عن سعيد المقبرى وعبد الله بن طلحة وعون بن محمد ويعقوب ابن سلمة وآخرين، وعنه عبد الله بن نافع وابن مهدى وابن أبي فديك وأبو عامر العقدى

مذاهب العلماء في حكم التسمية عند الوضوء

روى له الجماعة إلا البخارى، قال الطحاوى محمود في روايته وقال أحمد بن صالح شيخ ثقة حسن الحديث قليله ووثقه الترمذى وقال أبو حاتم صدوق صالح الحديث كان يتشيع وذكره ابن حبان في الثقات وقال مقبول الرواية (قوله يعقوب بن سلمة) الليثى المدني مولاهم. روى عن أبيه وعنه محمد بن إسماعيل ومحمد بن موسى ويحيى بن المتوكل، قال في الميزان ليس بعمدة وقال البخارى لا يعرف له سماع من أبيه. روى له أبو داود وابن ماجه قال العيني ليس ليعقوب بن سلمة وأبيه عندهما سوى هذا الحديث الواحد (قوله عن أبيه) هو سلمة الليثى مولاهم المدني قال الحافظ روى عن أبي هريرة وعنه ابنه يعقوب. روى له أبو داود وابن ماجه، قال الذهبى لا يعرف ولا روى عنه سوى ولده يعقوب وقال البخارى لا يعرف لسلمة سماع من أبي هريرة. (معنى الحديث) (قوله لا صلاة لمن لا وضوء له) لا لنفي الجنس وخبرها الجار والمجرور المتعلق بمحذوف والتقدير لا صلاة صحيحة لمن لا وضوء له والمعنى أن جميع أفراد الصلاة من الفرض والنفل لا يصح ممن ليس بمتوضئ، ومثل الوضوء التيمم عند فقد الماء لأنه بدل عنه وإجماع المسلمين من السلف والخلف على أن الصلاة لا تصح إلا بالطهارة للقادر عليها فلا ينافيه ما قيل من صحة صلاة فاقد الطهورين (قوله ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى عليه) لا نافية للجنس أيضا والتقدير لا وضوء كامل أو صحيح لمن لم يقل بسم الله أو بسم الله والحمد لله لما ورد في قصة نبع الماء من بين أصابعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من قوله توضؤوا باسم الله أى قائلين باسم الله رواه البيهقي والنسائي والدارقطني عن أنس ولما أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق على بن ثابت عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا أبا هريرة إذا توضأت فقل باسم الله والحمد لله فإن حفظتك لا تزال تكتب لك الحسنات حتى تحدث من ذلك الوضوء قال في سبل السلام سنده واه اهـ يعني لتفرّد عمرو بن أبي سلمة عن إبراهيم بن محمد به (والحديث) يدلّ على وجوب التسمية في الوضوء لأن الظاهر أن النفي للصحة لكونه أقرب إلى نفي الذات وأكثر لزوما للحقيقة فيستلزم عدمها عدم الذات وما ليس بصحيح لا يجزئُ، وتوقف الطاعة الواجبة على شئ يتوقف إجزاؤها على ذلك الشئ يقتضى وجوبه، وقد ذهب إلى الوجوب العترة والظاهرية وإسحاق تمسكا بظاهر هذا الحديث، واختلفوا أهى فرض مطلقا أم على الذاكر فقط قال بالأول الظاهرية وبالثاني العترة وعن أحمد في إحدى روايتيه وجوبها وعليه أصحابه قالوا وتبطل الطهارة بتركها عمدا لا سهوا ولا يقوم غيرها مقامها فلو قال باسم الرحمن أو القدوس ونحوه لم يجزه وهى واجبة أيضا في غسل وتيمم قياسا على الوضوء وإن ذكرها في الأثناء سمى وبنى ولم يستأنف ما فعله في قبل التسمية والأخرس يشير إليها وكذا المعتقل لسانه (وذهبت) الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنها سنة

لفظها الوارد

وهي رواية عن أحمد، ولفظها الوارد باسم الله والحمد لله كما في حديث أبي هريرة السابق عند الطبراني (قال) في فتح القدير لفظها المنقول عن السلف وقيل عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بسم الله العظيم والحمد لله على دين الإسلام وقيل الأفضل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بعد التعوّذ (وفي المجتبى) يجمع بينهما، وفي المحيط لو قال لا إله إلا الله أو الحمد لله أو أشهد أن لا إله إلا الله يصير مقيما للسنة وهو بناء على أن لفظ باسم أعمّ مما ذكرنا اهـ (وقالت) الشافعية يجزئُ أن يقول باسم الله والأفضل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (وفي) زيادة الرحمن الرحيم عند المالكية قولان رجح كل منهما، فابن ناجى رجح القول بعدم زيادتهما، والفاكهاني وابن المنير رجحا القول بزيادتهما (واحتج) من قال بعدم الوجوب بحديث ابن عمر مرفوعا من توضأ وذكر اسم الله عليه كان طهورا لجميع بدنه ومن توضأ ولم يذكر اسم الله عليه كان طهورا لأعضاء وضوئه أخرجه الدارقطني والبيهقي وفيه عبد الله بن الحكم الداهرى وهو متروك ومنسوب إلى الوضع ورواه الدارقطني من حديث أبي هريرة وفيه مرداس بن محمد بن عبد الله بن أبان عن أبيه وهما ضعيفان ورواه الدارقطني والبيهقي أيضا من حديث ابن مسعود وفي إسناده يحيى بن هاشم السمسار وهو متروك قالوا فيكون هذا الحديث قرينة لتوجه النفى في حديث الباب إلى الكمال لا إلى الصحة كحديث لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد أى لا صلاة كاملة، وبحديث لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله فيغسل وجهه وبديه إلى المرفقين ورجليه إلى الكعبين ثم يكبر الله تعالى ويحمده حسنه الترمذى ولم يذكر فيه التسمية في مقام التعليم فالتمام لم يتوقف على غير الإسباغ فإذا حصل حصل فيه، واستدل النسائي وابن خزيمة والبيهقي على استحباب التسمية بحديث أنس قال طلب بعض أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وضوءا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هل مع أحد منكم ماء فوضع يده في الماء ويقول توضؤوا باسم الله، وأصله في الصحيحين بدون قوله توضؤوا باسم الله (وقال) النووى يمكن أن يحتج في المسألة بحديث أبي هريرة كل أمر ذى بال لم يبدأ فيه ببسم الله فهو أجذم، ولا يخفى على الفطن ضعف هذه المستندات وعدم صراحتها وانتفاء دلالتها على المطلوب. وما في الباب إن صلح للاحتجاح أفاد مطلوب القائل بالفرضية، ولكن صرّح ابن سيد الناس في شرح الترمذى بأنه قد روى في بعض الروايات لا وضوء كامل، وقد استدلّ به الرافعى قال الحافظ لم أره هكذا اهـ فإن ثبتت هذه الزيادة من وجه معتبر فلا أصرح منها في إفادة مطلوب القائل بعدم وجوب التسمية، وقد استدلّ من قال بالوجوب على الذاكر فقط بحديث من توضأ وذكر اسم الله عليه كان طهورا لجميع بدنه، وقد تقدم الكلام عليه قالوا فحملنا أحاديث الباب على الذاكر وهذا على الناسى جمعا بين الأدلة ولا يخفى ما فيه اهـ (فإن قيل) يشكل على أحاديث طلب التسمية في الوضوء ما أخرجه النسائي وابن ماجه عن سعيد بن أبي عروبة عن

الجواب عما ورد مما يدل على أن التسمية ليست مطلوبة في الوضوء

قتادة عن حضين بن المنذر عن المهاجر بن قنفذ قال أتيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو يتوضأ فسلمت عليه فلم يردّ علىّ فلما فرغ قال إنه لم يمنعني أن أردّ عليك إلا أني كنت على غير وضوء، وتقدّم نحوه للمصنف في باب الرجل يردّ السلام وهو يبول، وفي رواية إلا أنى كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة، ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال إنه صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه فإنه يدلّ على أن التسمية عند الوضوء ليست مطلوبة لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كره ذكر الله إلا على طهارة فيدلّ على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ قبل أن يذكر والتسمية من الذكر، والجواب عنه من وجهين (الأول) أنه معلول (والثاني) أنه معارض. أما كونه معلولا فقد قال ابن دقيق العيد في الإمام سعيد بن أبي عروبة كان قد اختلط في آخره فيراعى فيه من سمع منه قبل الاختلاط قال وقد رواه النسائي من حديث شعبة عن قتادة وليس فيه إنه لم يمنعني الخ ورواه حماد بن سلمة عن حميد وغيره عن الحسن عن مهاجر منقطعا فصار فيه ثلاث علل. وأما كونه معارضا فبما رواه مسلم عن ابن عباس قال بتّ عند النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة فقام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من آخر الليل فخرج فنظر إلى السماء ثم تلا هذه الآية في آل عمران إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار حتى بلغ فقنا عذاب النار "الحديث" وروى البخارى نحوه وتقدم للمصنف مختصرا في باب السواك لمن قام بالليل ففيه دلالة على جواز ذكر الله تعالى وقراءة القرآن مع الحدث، ومعارض أيضا بما تقدم للمصنف في باب في الرجل يذكر الله على غير طهر من حديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه. (ففه الحديث) والحديث يدلّ على أن الصلاة لا تصح إلا بالطهارة وعليه الإجماع، وعلى أن الوضوء لا يصح إلا بالتسمية وقد علمت ما فيه، والجمهور على أن التسمية سنة أو مستحبة وهو الظاهر من مجموع الأدلة، واستدلّ كل فريق بأدلة قد علمت من شرح الحديث، والمطلوب الاقتصار على باسم الله وأما زيادة الرحمن الرحيم فلم أره منصوصا إلا ما تقدم من كلام الفقهاء والاقتصار على الوارد عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أولى. (من روى الحديث أيضا) رواه احمد وابن ماجه، وروى الترمذى الجملة الأخيرة من طريق رباح بن عبد الرحمن وقال قال أحمد بن حنبل لا أعلم في هذا الباب حديثا له إسناد جيد وقال البخارى أحسن شئ في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن اهـ كلام الترمذى، ورواه الدارقطني بزيادة ولا يؤمن بالله من لم يؤمن بي ولا يؤمن بي من لم يحب الأنصار، ورواه ابن السكن والحاكم والبيهقي من طريق محمد بن موسى المخزومى عن يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي

تفسير ربيعة ابن أبي عبد الرحمن ذكر اسم الله في الوضوء بالنية

هريرة بهذا اللفظ ورواه الحاكم من هذا الطريق لكنه قال عن يعقوب بن أبي سلمة وزعم أنه ابن الماجشون ولذا صححه وهو وهم منه، قال الحافظ والصواب أنه الليثى قال البخارى لا يعرف له سماع من أبيه ولا لأبيه من أبي هريرة وأبوه ذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ وهذا عبارة عن ضعفه فإنه قليل الحديث جدّا ولم يرو عنه سوى ولده فإذا كان يخطئ مع قلة ما روى فكيف يوصف بكونه ثقة، وقال ابن الصلاح انقلب إسناده على الحاكم فلا يحتج لثبوته بتخريجه له، وتبعه النووى وله طريق أخرى عند الدارقطني والبيهقي عن أبي هريرة بلفظ ما توضأ من لم يذكر اسم الله عليه وما صلى من لم يتوضأ وفي إسناده محمود بن محمد الظفرى وليس بالقوى وفي إسناده أيضا أيوب بن النجار عن يحيى ابن أبي كثير وقد روى يحيى بن معين عنه أنه لم يسمع من يحيى ابن أبي كثير إلا حديثا واحدا غير هذا. وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا أبا هريرة إذا توضأت فقل باسم الله والحمد لله الخ وتقدم، وفيه أيضا من طريق الأعرج عن أبي هريرة رفعه إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ويسمى قبل أن يدخلها تفرّد بهذه الزيادة عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة عن هشام بن عروة وهو متروك اهـ ملخصا، وفي الباب عن أبي سعيد وسعيد بن زيد وعائشة وسهل بن سعد وأبي سبرة وأم سبرة وعلىّ وأنس وقد ذكر في التلخيص أسانيدها وبين أنها ضعيفة (وعلى الجملة) أحاديث البسملة وردت من عدة طرق ضعيفة مجموعها يدل على أن لها أصلا. (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، قَالَ: وَذَكَرَ رَبِيعَةُ، أَنَّ تَفْسِيرَ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» أَنَّهُ الَّذِي يَتَوَضَّأُ وَيَغْتَسِلُ، وَلَا يَنْوِي وُضُوءًا لِلصَّلَاةِ، وَلَا غُسْلًا لِلْجَنَابَةِ. (ش) غرض المصنف بذكر هذا بيان أن ربيعة بن أبي عبد الرحمن فسر الحديث السابق بأن المراد بذكر اسم الله فيه النية لا التسمية فإن من توضأ أو اغتسل ونوى رفع الحدث للطاعة فقد تذكر اسم الله تعالى فالمراد بذكر اسم الله على الوضوء عنده الذكر القلبي لا اللساني ولذا حمله على النية. (رجال هذا السند) (قوله أحمد بن عمرو بن السرح) بفتح السين المهملة وسكون الراء أبو الطاهر القرشى المصرى مولى نهيك مولى عتبة بن أبي سفيان الفقيه. روى عن سفيان بن عيينة والوليد بن مسلم ووكيع والشافعى وغيرهم. وعنه مسلم والنسائي وابن ماجه وأبو زرعة وأبو حاتم وقالا لا بأس به، ووثقه أبو داود والنسائي وقال على بن الحسن بن خلف بن فديد

كان ثقة ثبتا صالحا وقال ابن يونس كان فقيها من الصالحين الأثبات. توفى سنة تسع وأربعين ومائتين (قوله ابن وهب) هو عبد الله بن وهب بن مسلم القرشى أبو محمد البصرى الفهرى روى عن يونس بن يزيد ومالك والسفيانين وحيوة بن شريح وابن جريج وآخرين. وعنه الليث بن سعد من شيوخه ويحيى بن بكير وابن المديني وقتيبة وسعيد بن منصور وكثيرون. قال النسائي كان يتساهل في الأخذ ولا بأس به وقال أحمد صحيح الحديث ما أصح حديثه وأثبته قيل له إنه كان يسئ الأخذ قال قد كان ولكن إذا نظرت في حديثه وما روى عن مشايخه وجدته صحيحا وقال ابن سعد كان كثير العلم ثقة فيما قال وكان يدلس وقال أبو حاتم صدوق وقال هارون بن عبد الله الزهرى كان الناس في المدينة يختلفون في الشئ عن مالك فينتظرون قدوم ابن وهب حتى يسألوه وقال أبو زرعة نظرت في نحو ثلاثين ألفا من حديث ابن وهب بمصر وغيرها لا أعلم أني رأيت له حديثا لا أصل له وهو ثقة وقال الحارث بن مسكين جمع ابن وهب الفقه والرواية والعبادة وكان يسمى ديوان العلم وقال ابن معين ثقة وقال أحمد بن صالح حدّث بمائة ألف حديث توفي سنة سبع وتسعين ومائة. روى له الجماعة (قوله الدراوردىّ) بفتح الدال المهملة والراء والواو وسكون الراء الثانية نسبة إلى دراورد قرية بخراسان هو عبد العزيز بن محمد (قوله وذكر ربيعة) أى ذكر في جملة ما ذكره من الكلام تفسير هذا الحديث (وربيعة) هو ابن أبي عبد الرحمن أبو عثمان القرشى ويقال أبو عبد الرحمن مولى آل المنكدر المعروف بربيعة الرأى المدني مولاهم التيمى الفقيه. روى عن أنس والقاسم بن محمد وابن أبي ليلى والسائب بن يزيد وابن المسيب وغيرهم. وعنه مالك والسفيانان وشعبة والأوزاعي والليث وآخرون، قال أحمد والعجلى وأبو حاتم والنسائي ثقة وقال يعقوب بن شيبة ثقة ثبت أحد مفتي المدينة وقال مصعب الزبيرى أدرك بعض الصحابة والأكابر من التابعين وكان صاحب الفتوى بالمدينة وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال عبد العزيز بن أبي سلمة يا أهل العراق تقولون ربيعة الرأى والله ما رأيت أحدا أحفظ للسنة منه وقال قلت لربيعة في مرضه الذى مات فيه إنا قد تعلمنا منك وربما جاءنا من يستفتينا في الشئ لم نسمع فيه شيئا فنرى أن رأينا خير له من رأيه لنفسه فنفتيه فقال أقعدوني ثم قال ويحك يا عبد العزيز لأن تموت جاهلا خير من أن تقول في شئ بغير علم لا لا لا ثلاث مرات وقال الخطيب كان فقيها عالما حافظا للفقه والحديث أخذ عنه مالك الفقه وقال ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة وقال الحميدى كان حافظا. توفي بالمدينة سنة ست وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (قوله أن تفسير حديث النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى الذى رواه أبو هريرة وغيره "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" وجملة أنه الذى يتوضأ الخ تفسير ربيعة وخبر أن والضمير فيه عائد على المتطهر، وقوله ويغتسل

بيان أن هذا التفسير خلاف الظاهر

بالواو وهي بمعنى أو وقد صرّح بها في بعض النسخ، وذكر الغسل في تفسير الحديث لأنه مثل الوضوء بل هو أولى (قوله ولا ينوى الخ) أى المتوضئُ أو المغتسل فكل منهما غير قاصد للطهارة فلا وضوء ولا غسل لهما وإن غسلا ظاهر أعضائهما لأن النية شرط للوضوء والغسل وإلى حمل الحديث على النية ذهب ابن حبيب من المالكية أيضا، وهذا الحمل خلاف الظاهر من الحديث إذ فيه صرف اللفظ عن ظاهره ولا قرينة تدلّ على ذلك بل الظاهر إبقاء الحديث على المتبادر منه وهو التلفظ باسم الله تعالى على الوضوء، وإلى هذا ذهب الجماهير من العلماء. (باب في الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها) أى في بيان حكم الرجل المستيقظ من نومه إذا أدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها، وفي بعض النسخ باب يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها. (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، وَأَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» (ش) (قوله أبو معاوية) محمد بن حازم و (الأعمش) سليمان بن مهران (قوله عن أبي رزين) مسعود بن مالك و (أبي صالح) ذكوان السمان. (قوله إذا قام أحدكم من الليل) أى استيقظ من نوم الليل كما في الرواية الآتية وهذا خطاب للمسلم البالغ العاقل أما الكافر والصبي والمجنون ففيهم وجهان (أحدهما) كالمسلم البالغ العاقل لأنهم لا يدرون أين باتت أيديهم (والثاني) أنهم ليسوا مثله لأن المنع من الغمس إنما يثبت بالتكليف وهؤلاء غير مكلفين، والأول أقرب فإن المنع من غمس يد المستيقظ قبل غسلها مظنة النجاسة وهي موجودة في يد من ذكر، وقيد بالليل لكونه محلّ النوم في الغالب وإلا فنوم النهار مثله كما يأتى (قوله فلا يغمس يده) وفي رواية البخارى فليغسل يده، وفي رواية الدارقطني والترمذى فلا يدخل يده، وفي رواية البزّار لا يغمسنّ بنون التوكيد، والمراد باليد هنا الكفّ دون ما زاد عليها اتفاقا، وفي إدخال بعضها خلاف، والتعبير بالغمس أبين في المراد من رواية الإدخال لأن مطلق الإدخال لا يترتب عليه كراهة كمن أدخل يده في إناء واسع فاغترف منه بإناء صغير من غير أن تلمس يده الماء (قوله في الإناء) أى في الماء الذى في الإناء لما في رواية البخارى في وضوئه ورواية البزّار في طهوره ورواية ابن خزيمة في إنائه أو

حكمة النهي عنه

وضوئه على الشك (قال) في الفتح والظاهر اختصاص ذلك بإناء الوضوء. ويلحق به إناء الغسل لأنه وضوء وزيادة وكذا باقي الآنية قياسا لكن في الاستحباب من غير كراهة لعدم ورود النهى فيها عن ذلك، وخرج بذكر الإناء البرك والحياض التي لا تفسد بغمس اليد فيها على تقدير نجاستها فلا يتناولها (قال العيني) هذا محمول على ما إذا كانت الآنية صغيرة كالكوز أو كبيرة كالحب ومعه آنية صغيرة أما إذا كانت الآنية كبيرة وليس معه آنية صغيرة فالنهى محمول على الإدخال على سبيل المبالغة حتى لو أدخل أصابع يده اليسرى مضمومة في الإناء دون الكفّ ويرفع الماء من الحب ويصب على يده اليمنى ويدلك الأصابع بعضها ببعض فيفعل كذلك ثلاثا ثم يدخل يده اليمنى بالغا ما بلغ من الإناء إن شاء، وهذا الذى ذكره أصحابنا (وقال) النووى إذا كان الماء في إناء كبير بحيث لا يمكن الصبّ منه وليس معه إناء صغير يغترف به فطريقه أن يأخذ الماء بفمه ثم يغسل به كفيه أو يأخذه بطرف ثوبه النظيف أو يستعين بغيره (قلنا) لو فرضنا أنه عجز عن أخذه بفمه ولم يعتمد على طهارة ثوبه ولم يجد من يستعين به ماذا يفعل وما قاله أصحابنا أحسن وأوسع اهـ ولكن مذهب الشافعية أن لذلك الشخص في هذه الحالة أن يغمس يده من غير كراهة إذا لم يتحقق عليها نجاسة لأن من القواعد المقرّرة عندهم أن المشقة تجلب التيسير (قوله ثلاث مرات) هكذا في مسلم عن جابر وسعيد بن المسيب وأبي سلمة وعبد الله بن شقيق كلهم عن أبي هريرة وفيه عن الأعرج ومحمد بن سيرين وعبد الرحمن وهمام بن منبه وثابت عن أبي هريرة بدون ذكر الثلاث وكذا رواية البخارى، ورواية الثلاث زيادة من عدل فتقبل (قوله فإنه لا يدرى أين باتت يده) زاد ابن خزيمة والدارقطني في روايتهما منه أى من جسده، وفي رواية للدارقطني فإنه لا يدرى أين باتت يده ولا علام وضعها، والمعنى لا يدرى الموضع الذى باتت قيه ألاقت مكانا طاهرا منه أم نجسا من بثرة أو جرح أو أثر الاستنجاء بالأحجار بعد ابتلال موضع الاستنجاء بالماء أو بنحو عرق (قال) الحافظ ومقتضاه إلحاق من شك في ذلك ولو كان مستيقظا، ومفهومه أن من درى أين باتت يده كمن لفّ عليها خرفة مثلا فاستيقظ وهي على حالها أن لا كراهة وإن كان غسلها مستحبا على المختار كما في المتيقظ اهـ ومحلّ نهى المستيقظ من غمس يده في الإناء حتى يغسلها إذا أراد التطهر كما في رواية الدارقطني إذا قام أحدكم من الليل وأراد أن يتوضأ (واختلف) في سبب النهى قال ابن القيم فقيل تعبد، ويردّه أنه معلل في الحديث بقوله فإنه لا يدرى أين باتت يده، وقيل معلل باحتمال النجاسة في يده أو مباشرة اليد لمحلّ الاستجمار وهو ضعيف أيضا لأن النهى عام للمستنجى والمستجمر والصحيح وصاحب البثرات فيلزمكم أن تخصوا النهى بالمستجمر وصاحب البثور وهذا لم يقله أحد، وقيل وهو الصحيح إنه معلل يخشية مبيت الشيطان على يده أو مبيتها عليه

طلب غسل اليد قبل إدخالها الإناء ليس خاصا بالنائم

وهذه العلة نظير تعليل صاحب الشرع الاستنشاق بمبيت الشيطان على الخيشوم فإنه قال إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنشق بمنخريه من الماء فإن الشيطان يبيت على خيشومه متفق عليه وقال هنا فإن أحدكم لا يدرى أين باتت يده فعلل بعدم الدراية بمحلّ المبيت وهذا السبب ثابت في مبيت الشيطان على الخيشوم فإن اليد إذا باتت ملابستة للشيطان لم يدر صاحبها أين باتت، وفي مبيت الشيطان على الخيشوم وملابسته لليد سرّ يعرفه من عرف أحكام الأرواح واقتران الشياطين بالمحالّ التي تلابسها فإن الشيطان خبيث يناسبه الخبائث فإذا نام العبد لم ير في ظاهر جسده أوسخ من خيشومه فيستوطنه في المبيت، فأما ملابسته ليده فلأنها أعمّ الجوارح كسبا وتصرّفا ومباشرة لما يأمر به الشيطان من المعصية فصاحبها كثير التصرف والعمل بها ولهذا سميت جارحة لأنه يجرح بها أى يكسب وهذه العلة لا يعرفها أكثر الفقهاء اهـ (وقال) الباجى اختلف الناس في سبب غسل اليد لمن قام من النوم فقال ابن حبيب في واضحته إنما أمر بذلك لما لعله أن ينال به ما قد يبس من نجاسة خرجت منه لا يعلم بها أو غير نجاسة مما يتقذّر، وقيل إنما ذلك لأن أكثرهم كان يستجمر بالحجارة وقد يمس بيديه أثر النجاسة، وهذه الأقوال ليست ببينة لأن النجاسات لا تخرج من الجسد في الغالب إلا بعلم من تخرج منه، وما لا يعلم به فلا حكم له ولو كان غسل اليد بتجويز ذلك لأمر بغسل الثياب التى ينام فيها لجواز أن تخرج النجاسة منه في نومه فتنال ثوبه أو لجواز أن يمس ثوبه موضع الاستجمار وهذا باطل والأظهر ما ذهب إليه شيوخنا العراقيون من المالكيين وغيرهم أن النائم لا يكاد أن يسلم من حكّ جسده وموضع بثرة في بدنه ومس رفغه وإبطه وغير ذلك من مغابن جسده ومواضع عرقه فاستحب له غسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه على معنى التنظف والتنزّه ولو أدخل يده في إنائه قبل أن يغسلها لما أثم "إلى أن قال" وتعليق هذا الحكم بنوم الليل لا يدلّ على اختصاصه به لأن النائم إن كان لا يدرى أين باتت يده فكذلك المجنون والمغمى عليه وكذلك من قام إلى وضوء من بائل أو متغوّط أو محدث فإنه يستحب له غسل يده قبل أن يدخلها في إنائه خلافا للشافعى لأن المستيقظ لا يمكنه التحرّز من مس رفغه ونتف إبطه وفتل ما يخرج من أنفه وقتل برغوث وعصر بثر وحكّ موضع عرق وإذا كان هذا المعنى الذى شرع له غسل اليد موجودا في المستيقظ ولزمه ذلك الحكم ولا يسقط عنه أن يكون علق في الشرع على النائم ألا ترى أن الشرع علقه على نوم المبيت ولم يمنع ذلك من أن يتعدى إلى نوم النهار لما تساويا في علة الحكم اهـ وقال النووى قال الشافعي وغيره من العلماء إن أهل الحجاز كانوا يستنجون بالأحجار وبلادهم حارّة فإذا نام أحدهم عرق فلا يأمن النائم أن تطوف يده على ذلك الموضع النجس أو على بثرة أو قذر أو غير ذلك اهـ والحديث يدلّ على النهى عن إدخال اليد في إناء الوضوء عند الاستيقاظ من

أقوال العلماء في حكم غسل اليد قبل وضعها في الإناء

النوم قبل أن يغسلها (وقد) اختلف في هذا النهى فالجماهير من العلماء المتقدمين والمتأخرين على أنه نهى تنزيه فلو خالف وغمس لم يفسد الماء ولم يأثم الغامس (وحكي) عن الحسن البصرى وإسحاق ابن راهويه ومحمد بن جرير الطبرى أنه ينجس إن قام من نوم الليل مستدلين بما ورد من الأمر بإراقة الماء في قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإن غمس يده في الإناء قبل أن يغسلها فليرق ذلك الماء أخرجه ابن عدىّ وقال هذه الزيادة منكرة لم تحفظ (ومنه) تعلم أن ما ذهبوا إليه من تنجس الماء ضعيف لضعف ما استندوا إليه ولأن الأصل في الماء واليد الطهارة فلا ينجس بالشك، وقواعد الشرع متظاهرة على هذا، والمحققون على أن هذا الحكم ليس مخصوصا بالقيام من النوم بل المعتبر فيه الشك في نجاسة اليد فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها سواء قام من الليل أو النهار أو شكّ في نجاستها من غير نوم وهذا مذهب جمهور العلماء (وحكي) عن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى رواية أنه إن قام من نوم الليل كره كراهة تحريم وإن قام من نوم النهار كره كراهة تنزيه، ووافقه عليه داود الظاهرى اعتمادا على لفظ المبيت في الحديث وهو ضعيف فإن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نبه على العلة بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإنه لا يدرى أين باتت يده، ومعناه أنه لا يأمن النجاسة على يده، وهذا عام لوجود احتمال النجاسة في نوم الليل والنهار وفي اليقظة، وذكر الليل لكونه الغالب ولم يقتصر عليه خوفا من توهم أنه مخصوص به بل ذكر العلة بعده (قال) الشافعى رحمه الله تعالى وأحب لكل مستيقظ من النوم قائلة كانت أو غيرها أن لا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها فإن أدخل يده قبل أن يغسلها كرهت ذلك له ولم يفسد ذلك الماء إذا لم يكن على يده نجاسة اهـ هذا كله إذا شك في نجاسة اليد أما إذا تيقن طهارتها وأراد غمسها قبل غسلها فقد قال جماعة حكمه حكم الشك لأن أسباب النجاسة قد تخفى في حق معظم الناس فسدّ الباب لئلا يتساهل فيه من لا يعرف (والأصح) الذى ذهب إليه الجماهير من العلماء أنه لا كراهة فيه بل هو في خيار بين الغمس أولا والغسل لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذكر النوم ونبه على العلة وهي الشك فإذا انتفت العلة انتفت الكراهة ولو كان النهى عاما لقال إذا أراد أحدكم استعمال الماء لا يغمس يده حتى يغسلها وكان أعمّ وأحسن (فتحصل) من هذا أن غسل اليد عند الاستيقاظ من النوم وإرادة الوضوء فيه خلاف فقال أحمد وأصحابه بوجوبه (قال) في الإقناع وشرحه في صفة الوضوء (ثم يغسل كفيه ثلاثا ولو تيفن طهارتهما وهو سنة لغير قائم من نوم ليل ناقض لوضوء) بأن لم يكن نائما أو كان نائما بالنهار أو بالليل نوما لا ينقض الوضوء كاليسير من جالس وقائم (فإن كان) قائما (منه) أي من نوم الليل الناقض للوضوء (فـ) غسلهما ثلاثا (واجب تعبدا) ولو باتتا مكتوفتين أو في جراب

استحباب استعمال ألفاظ الكنايات فيما يتحاشى التصريح به

ونحوه اهـ ملخصا (وقالت) الحنفية والشافعية والمالكية إنه سنة واحتجوا بأن التعليل بأمر يقتضى الشك قرينة صارفة عن الوجوب إلى الندب، وبحديث أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ من الشنّ المعلق بعد قيامه من النوم ولم يرو أنه غسل يده كما ثبت في حديث ابن عباس وبأن التقييد بالثلاث في غير النجاسة العينية يدلّ على الندبية، وهذه الأمور إذا ضمت إليها البراءة الأصلية لم يبق الحديث منتهضا للوجوب ولا لتحريم ترك الغسل (قال) الخطابي الأمر فيه ليس للوجوب وذلك لأنه قد علقه بالشك والأمر المضمن بالشك لا يكون موجبا وأصل الماء الطهارة وكذا بدن الإنسان، وإذا ثبتت الطهارة يقينا لم تزل بأمر مشكوك فيه اهـ (قال العيني) في شرح البخارى استدلّ بالحديث أصحابنا على أن غسل اليدين قبل الشروع في الوضوء سنة، بيان ذلك أن أول الحديث يقتضى وجوب الغسل للنهى عن إدخال اليد في الإناء قبل الغسل وآخره يقتضى استحباب الغسل للتعليل بقوله فإنه لا يدرى أين باتت يده يعني في مكان طاهر من بدنه أو نجس فلما انتفى الوجوب لمانع في التعليل ثبتت السنية لأنها دون الوجوب اهـ وفيه أنه لا يصح الاحتجاج به على غسل اليدين قبل الوضوء فإن هذا ورد في غسل النجاسة وذاك سنة أخرى ثابتة بأحاديث أخرى يدلّ عليه ما ذكره الشافعى وغيره آنفا في سبب الحديث (وإذا) علمت أن سبب الحديث ما تقدم (عرفت) أن الاستدلال به على غسل اليدين قبل الوضوء ليس على ما ينبغى "فإن قيل" هذا قصر على السبب وهو مذهب مرجوح "قلنا" سلمنا عدم القصر على السبب لكن ليس في الحديث إلا نهى المستيقظ من نوم الليل أو مطلق النوم فهو أخص من الدعوى أعني مشروعية غسل اليدين قبل الوضوء مطلقا فلا يصلح للاستدلال به على ذلك، ونحن لا ننكر أن غسل اليدين قبل الوضوء من السنن الثابتة بالأحاديث الصحيحة إنما الكلام في الاستدلال بحديث الاستيقاظ على طلب غسل اليدين قبل الوضوء. (فقه الحديث) دلّ الحديث على نهى المستيقظ من النوم عن غمس يده في الإناء قبل غسلها وهذا مجمع عليه وتقدم بيانه، وعلى أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليس داخلا في ذلك الحكم لقوله أحدكم، وعلى أنه لا يطلب غسل اليد من نحو الغفلة، وعلى استحباب غسل النجاسة ثلاثا لأنه إذا أمر به في المتوهمة ففى المحققة أولى، وعلى أن النجاسة المتوهمة لا يكفي فيها الرشّ فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال حتى يغسلها ولم يقل حتى يغسلها أو يرشها وعلى طلب الاحتياط في العبادات ما لم يؤدّ إلى الوسوسة، وعلى استحباب استعمال ألفاظ الكنايات فيما يتحاشى التصريح به فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يدرى أين باتت يده ولم يقل فلعل يده وقعت على دبره أو ذكره أو نجاسة أو نحو ذلك، وهذا إذا علم أن السامع يفهم بالكناية المقصود فإن لم يكن كذلك فلا بدّ من التصريح لينتفي اللبس والوقوع

في خلاف المطلوب، وعلى هذا يحمل ما جاء من ذلك مصرّحا به. (من روى الحديث أيضا) رواه البخارى ضمن حديث من طريق مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. ورواه مسلم من عدّة طرق وابن ماجه من حديث أبي الزبير عن جابر مرفوعا بلفظ إذا قام أحدكم من النوم فأراد أن يتوضأ فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها فإنه لا يدري أين باتت يده ولا علام وضعها، ورواه الترمذى بلفظ إذا استيقظ أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها مرتين أو ثلاثا فإنه لا يدرى أين باتت يده وقال هذا حديث حسن صحيح، ورواه الدارقطني من طريق سالم بن عبد الله عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات فإنه لا يدرى أين باتت يده أو أين طافت فقال له رجل أرأيت إن كان حوضا فحصبه ابن عمر وقال أخبرك عن رسول الله وتقول أرأيت إن كان حوضا، ورواه أيضا من عدّة طرق بأسانيد حسنة "وقوله حصبه أى رماه بالحصباء أى الحجارة الصغيرة" ورواه مالك في الموطأ قال الحافظ في التلخيص ورواه ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي بزيادة أين باتت يده منه، وقال ابن منده هذه الزيادة رواتها ثقات ولا أراها محفوظة. (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَعْنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا رَزِينٍ. (ش) غرض المصنف بذكر هذا الطريق بيان أن مسددا كما روى الحديث السابق عن أبي معاوية عن الأعمش رواه عن عيسى بن يونس عن الأعمش لكن أبو معاوية رواه عن الأعمش عن أبي رزين وأبي صالح وذكر فيه الأمر بغسل اليد ثلاثا بلا شك، أما عيسى بن يونس فرواه عن الأعمش عن أبي صالح فقط وذكر فيه الغسل مرتين أو ثلاثا (قوله قال مرتين أو ثلاثا) أى قال عيسى بن يونس في حديثه حتى يغسلها مرتين أو ثلاثا، وأو يحتمل أن تكون من كلام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فتكون للتخيير وأن تكون من كلام بعض الرواة فتكون للشك وهو الأقرب للجزم بالثلاث في الروايات الأخر، وهذه الرواية تدلّ على أن الشخص مخير بين الغسل مرتين أو ثلاثا بناء على أن أو من كلامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعلى أنها للشك فلا يخرج بن العهدة إلا بالغسل ثلاثا.

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ، قَالَا: ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ، أَوْ أَيْنَ كَانَتْ تَطُوفُ يَدُهُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن سلمة) بن عبد الله بن أبي فاطمة أبو الحارث المصرى، روى عن عبد الله بن وهب وزياد بن يونس وعبد الله بن كليب ويونس بن تميم وغيرهم. وعنه مسلم وأبو داود وابن ماجه والحسن بن علىّ والحسن بن سفيان والنسائي وقال ثقة ثقة وقال ابن يونس كان ثبتا وقال مسلمة في الصلة ثقة وقال أبو عمر الكندي كان فقيها توفي لست خلت من ربيع الثاني سنة ثمان وأربعين ومائتين (قوله المرادى) بضم الميم نسبة إلى مراد أبي قبيلة من اليمن (قوله معاوية بن صالح) بن حدير بضم الحاء المهملة ابن سعيد ابن سعد أبو عمر أو أبو عبد الرحمن الحضرمى الحمصى. روى عن يحيى بن سعيد وابن راهويه وأيوب بن زياد والأوزاعي وغيرهم، وعنه الثورى وابن مهدي وبشر بن السرىّ والليث ابن سعد والواقدى وآخرون، وثقه أحمد وابن معين والنسائى والعجلى وقال أبو زرعة ثقة محدّث وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال أبو حاتم حسن الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به وقال ابن عمار زعموا أنه لم يكن يدرى أىّ شيء في الحديث وقال يحيى بن سعيد ما كنا نأخذ عنه وقال يعقوب بن شيبة قد حمل الناس عنه فمنهم من يرى أنه وسط ليس بالثبت ولا بالضعيف ومنهم من يضعفه وقال البزّار ليس به بأس وقال محمد بن وضاح قال لى يحيى بن معين جمعتم حديث معاوية بن صالح قلت لا قال قد أضعتم والله علما عظيما. توفي سنة ثمان وخمسين ومائة. روى له الجماعة إلا البخاري (قوله عن أبي مريم) هو عبد الرحمن ابن ماعز الأنصارى ويقال الحضرمى الشامى خادم مسجد دمشق أو حمص. روى عن أبي هريرة وجابر، وعنه حريز بن عثمان وصفوان بن عمرو ومعاوية بن صالح ويحيى بن أبي عمرو الشيباني روى له الترمذى وأبو داود. وثقه العجلى وقال أحمد رأيت أهل حمص يحسنون الثناء عليه وكانوا يقولون هو معروف عندنا. (معنى الحديث) (قوله إذا استيقظ أحدكم من نومه) في إطلاق النوم دليل على أن غمس اليد في إناء الوضوء منهى عنه قبل غسلها سواء أكان عقيب نوم الليل أم النهار، والمدار على

الشك في نجاسة اليد مطلقا كما تقدم "قال" الرافعى في شرح المسند يمكن أن يقال الكراهة في الغمس لمن نام ليلا أشدّ منها لمن نام نهارا لأن الاحتمال في نوم الليل أقرب لطوله عادة اهـ (قوله أو أين كانت تطوف يده) يحتمل أنه شك من بعض رواته وهو الأقرب أو ترديد منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، والمعنى لا يدري أين دارت يده أعلى موضع نجاسة أم لا، وتقدم تمام الكلام عليه في الحديث السابق. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطني من طريق أبي مريم أيضا بلفظ أين باتت يده أو أين باتت تطوف يده وقال هذا إسناد حسن وأخرجه مسلم والبيهقى من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة بدون أو أين كانت تطوف يده. . . . . . (تمّ الجزء الأول من المنهل العذب المورود). . . . . . . . . . . (شرح سنن الإمام أبي داود). . . . . . . . . . (ويليه الجزء الثاني وأوله). . . . . . . . . . (باب صفة وضوء النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم). . . . .

المنهل العذب المورود «شرح سنن الإمام أبي داود» تأليف الإمام الجليل المحقق، والعارف الرباني المدقق، محيي السنة وقامع البدعة صاحب الفضيلة والإرشاد الشيخ/ محمود محمد خطاب السبكي المتوفى في الرابع عشر من شهر ربيع الأول سنة 1352 هـ عمه الله بالرحمة والرضوان وأسكنه عالي الجنان [الجزء الثاني]

باب صفة وضوء النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (باب صفة وضوء النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) لما فرغ من بيان أحكام المياه وما يتعلق بها شرع في بيان كيفية الوضوء، والصفة في الأصل مصدر وصف كوعد وهى المعنى القائم بالغير، والمراد بها هنا الكيفية. (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ ابْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَبَانَ، مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ تَوَضَّأَ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلَاثًا فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثًا، ثُمَّ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا، ثُمَّ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله الحلواني) بضم الحاء المهملة وسكون اللام نسبة إلى حلوان مدينة آخر العراق (قوله عبد الرزاق) بن همام (قوله معمر) بن راشد (قوله الزهرى) هو محمد بن مسلم (قوله الليثى) نسبة إلى الليث أحد أجداده (قوله حمران) بضم الحاء المهملة وسكون الميم (ابن أبان) بفتح الهمزة والموحدة المخففة ابن خالد بن عبد عمرو القرشى الأموى المدني أدرك أبا بكر. روى عن مولاه ومعاوية وعبد الله بن عمر، وعنه عروة بن الزبير والحسن البصرى وعطاء بن يزيد ونافع مولى ابن عمر وزيد بن أسلم وغيرهم، قال ابن سعد كان كثير الحديث ولم أرهم يحتجون بحديثه وذكره ابن معين في تابعى المدينة ومحدّثيهم ووثقه ابن حبان وقال ابن عبد البرّ كان أحد العلماء الجلة أهل الوجاهة والرأى والشرف

قدم البصرة فكتب عنه أهلها (قوله مولى عثمان) أى معتق له كان من سبي عين التمر فابتاعه عثمان من المسيب من نجية فأعتقه، وفي هذا السند ثلاثة من التابعين حمران وعطاء وابن شهاب الزهرى يروى بعضهم عن بعض وهذا من لطائف الإسناد (قوله عثمان بن عفان) بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف يلتقى مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في عبد مناف أبو عمرو أمير المؤمنين الملقب بذى النورين لأنه تزوج رقية وأم كلثوم ابنتي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أسلم رابع أربعة في الإسلام، ومقامه عظيم فعن طلحة بن عبيد الله قال قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لكل نبي رفيق ورفيقى في الجنة عثمان وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعظمه فعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت استأذن أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو مضطجع على فراش عليه مرط لى فأذن له وهو على حاله فقضى إليه حاجته ثم انصرف ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحالة فقضى إليه حاجته ثم انصرف ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصلح عليه ثيابه وقال اجمعى عليك ثيابك فأذن له فقضى إليه حاجته ثم انصرف فقلت يا رسول الله لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان فقال يا عائشة إن عثمان رجل حييّ وإني خشيت إن أذنت له وأنا على تلك الحالة أن لا يبلغ إليّ حاجته أخرجه مسلم وفي رواية ألا أستحى ممن تستحى منه الملائكة، وكان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رجلا كريما فعن عبد الرحمن بن سمرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال جاء عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بألف دينار حين جهز جيش العسرة فنثرها في حجره فجعل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقلبها بيده ويقول ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم مرتين رواه الترمذى، وروى أيضا ما ملخصه أنه جهز جيش العسرة بستمائة بعير بأحلاسها وأقتابها وقد اشترى بئر رومة بعشرين ألف درهم كانت ليهودى يبيع للمسلمين مائها. ولم يشهد عثمان بدرا بنفسه لأن زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كانت مريضة لكن ضرب له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بسهم رجل وأجره فهو كمن شهدها وكذا لم يشهد بيعة الرضوان لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان بعثه إلى مكة فعن عثمان بن عبد الله بن موهب قال جاء رجل من أهل مصر يريد الحج فرأى قوما جلوسا فقال من هؤلاء قالوا قريش قال فمن الشيخ فيهم قالوا عبد الله بن عمر فقال يا ابن عمر إني سائلك عن شئ فحدثني هل تعلم أن عثمان فرّ يوم أحد قال نعم قال هل تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهدها قال نعم قال هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها قال نعم فقال الرجل الله أكبر ثم ولى فقال ابن عمر فتعال أبين لك أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه قال الله تعالى "ولقد عفا الله عنهم" وأما تغيبه

عن بدر فإنه كان تحته رقية بنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكانت مريضة فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقم معها ولك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه، وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعزّ ببطن مكة من عثمان لبعثه، فبعث صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إلى مكة وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بيده اليمنى على اليسرى وقال هذه لعثمان وكانت يسرى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لعثمان خيرا من أيمانهم لهم ثم قال ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما للرجل اذهب بها الآن معك أخرجه البخارى والترمذى، وهو أحد العشرة الذين بشرهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالجنة، فعن أبي موسى الأشعرى قال انطلقت مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فدخل حائطا للأنصار فقضى حاجته فقال لى يا أبا موسى أمسك علىّ الباب فلا يدخلنّ علَيَّ أحد إلا بإذن فجاء رجل يضرب الباب فقلت من هذا فقال أبو بكر فقلت يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن قال ائذن له وبشره بالجنة فدخل وبشرته بالجنة وجاء رجل آخر فضرب الباب فقلت من هذا فقال عمر فقلت يا رسول الله هذا عمر يستأذن قال افتح له وبشره بالجنة ففتحت الباب ودخل وبشرته بالجنة فجاء رجلا آخر فضرب الباب فقلت من هذا قال عثمان فقلت يا رسول الله هذا عثمان يستأذن قال افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه رواه الترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح، ومناقبه كثيرة شهيرة. روى له عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ستة وأربعون ومائة حديث اتفق البخارى ومسلم على ثلاثة منها وانفرد البخارى بثمانية ومسلم بخمسة أحاديث. وروى عنه أبناؤه أبان وسعيد وعمرو وأنس بن مالك ومروان بن الحكم وزيد بن خالد الجهنى وعبد الله بن الزبير ومحمود بن لبيد وغيرهم. ولد في السنة السادسة بعد عام الفيل، وقتل يوم الجمعة لثماني عشرة خلون من شهر ذى الحجة سنة خمس وثلاثين وهو ابن تسعين سنة وصلى عليه جبير بن مطعم ودفن بحش كوكب. ولي الخلافه ثنتي عشرة سنة روى له الجماعة. (معني الحديث) (قوله توضأ) أى أراد الوضوء (قوله فأفرغ على يديه) أى صب الماء على كفيه من أفرغت الماء إفراغا وفرغته تفريغا إذا صببته والفاء فيه للتعقيب أو لتفصيل ما أجمل في قوله توضأ وفي رواية للبخارى فأفرغ على كفيه، ويؤخذ منه أن الإفراغ عليهما معا وفي رواية أفرغ بيده اليمنى على اليسرى، وفي نسخة فأفرغ على يده (قوله فغسلهما) أى يديه معا على ما هو الظهر، ويحتمل أنه غسل كل واحدة منهما على حدة قال ابن دقيق العيد قوله غسلهما قدر مشترك بين كونه غسلهما مجموعتين أو مفترقتين. والفقهاء اختلفوا أيهما أفضل (قوله ثم تمضمض) وفي بعض النسخ مضمض، والمضمضة في اللغة تحريك الماء في الفم يقال مضمضت

أقوال العلماء في حكم المضمضة والاستنشاق

الماء في فمى أي حركته فيه وتمضمضت فعلت ذلك، وشرعا أن يضع الماء في الفم ثم يديره ثم يمجه، والمبالغة فيها سنة، وأقلها أن يجعل الماء في فمه ولا يشترط إدارته على المشهور الذى قاله الجمهور (قال) النووى قال جماعة من أصحابنا تشترط إدارته قال ابن دقيق العيد قال بعض الفقهاء المضمضة أن يجعل الماء في فيه ثم يمجه فأدخل المج في حقيقة المضمضة فعلى هذا لو ابتلع الماء لم يكن مؤديا للسنة وهذا الذى يكثر في أفعال المتوضئين أعنى الجعل والمج. ويمكن أن يكون ذكر ذلك بناء على أنه الأغلب والعادة لا أنه يتوقف تأدية السنة على مجه اهـ وليس في هذه الرواية ذكر عدد المضمضة، وسيأتى في رواية ابن أبى مليكة (قوله استنثر) أى بعد أن استنشق لأن الاستنثار إخراج الماء من الأنف بعد استنشاقه ويطلق على الاستنشاق، قال في المصباح نثر المتوضئُ واستنثر بمعنى استنشق ومنهم من يفرق فيجعل الاستنشاق إيصال الماء والاستنثار إخراج ما في الأنف من مخاط وغيره ويدلّ عليه لفظ الحديث كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يستنشق ثلاثا في كل مرة يستنثر وفى حديث إذا استنشقت فانثر اهـ (وقال) النووى قال جمهور أهل اللغة والفقهاء والمحدّثون الاستنثار إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق، وقال ابن الأعرابى وابن قتيبة الاستنثار هو الاستنشاق، والصواب الأول ويدلّ عليه الرواية الأخرى استنشق واستنثر فجمع بينهما اهـ (وقد) اختلف في حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل على مذاهب (الأول) مذهب مالك والشافعى وأصحابهما أنهما سنتان في الوضوء والغسل، وذهب إليه من السلف الحسن البصرى والزهرى والحكم بن عتيبة وقتادة وربيعة ويحيى بن سعيد الأنصارى والأوزاعى والليث ابن سعد ومحمد بن جرير الطبرى والناصر من أهل البيت واستدلوا بقوله تعالى "فاغسلوا وجوهكم" وبحديث توضأ كما أمرك الله وليس في القرآن ذكر المضمضة والاستنشاق والاستنثار (قال) النووى وهذا الحديث صحيح رواه أبو داود والترمذى وغيرهما وقال الترمذى حديث حسن وهو بعض حديث طويل أصله في الصحيحين قال وهو من أحسن الأدلة لأن هذا الأعرابى صلى ثلاث مرات فلم يحسنها فعلم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حينئذ أنه لا يعرف الصلاة التي تفعل يحضرة الناس وتشاهد أعمالها فعلمه واجباتها وواجبات الوضوء فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ كما أمرك الله ولم يذكر له سنن الصلاة والوضوء لئلا تكثر عليه فلا يضبطها فلو كانت المضمضة والاستنشاق واجبتين لعلمه إياهما فإنه مما يخفى لا سيما في حق هذا الرجل الذى خفيت عليه الصلاة التى تشاهد فكيف الوضوء الذى يخفى اهـ ملخصا، واستدلوا أيضا بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأبى ذرّ الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر حجج فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، قال أهل اللغة البشرة ظاهر الجلد، وداخل الفم والأنف

من الباطن لا من الظاهر فلا يجب غسله لأنه ليس من مسمى البشرة، قالوا والأوامر الواردة في الأحاديث بالمضمضة والاستنشاق محمولة على السنية جمعا بين الأدلة (الثاني) أنهما سنتان في الوضوء فرضان عمليان في الغسل وهو مذهب أبى حنيفة وأصحابه وسفيان الثورى وزيد بن على واستدلوا بقوله تعالى "وإن كنتم جنبا فاطهروا" فإنه أمر بتطهير جميع البدن إلا ما تعذر إيصال الماء إليه، وداخل الفم والأنف لا يتعذر إيصال الماء إليه بخلاف الوضوء فإن الواجب فيه غسل الوجه وهو ما تقع به المواجهة وهى فيهما منعدمة. ويدلّ لهم أيضا ما رواه الدارقطني عن عائشة بنت عجرد في جنب نسى المضمضة والاستنشاق قالت قال ابن عباس يمضمض ويستنشق ويعيد الصلاة، ورواه عنها من عدّة طرق وقال عائشة بنت عجرد لا يحتج بها اهـ ولا وجه للتفرقة بين الوضوء والغسل فيهما فإن ما احتجوا به من الآية مجمل بين بنحو حديث أبي ذرّ المتقدم وفيه إذا وجد الماء فليمسه بشرته وقد علمت أن البشرة ظاهر الجلد فلا تشمل داخل الفم والأنف (الثالث) أن الاستنشاق واجب في الوضوء والغسل دون المضمضة فيهما فإنها سنة وهو مذهب أبى ثور وأبي عبيد وداود الظاهرى وأبي بكر بن المنذر ورواية عن أحمد واستدلوا بما رواه الشيخان عن أبى هريرة مرفوعا إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر وسيأتي للمصنف في باب الاستنثار، وبما رواه الدارقطني عن ابن سيرين قال أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالاستنشاق في الجنابة ثلاثا، وقالوا إن المضمضة ثابتة بفعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا بأمره بخلاف الاستنشاق فإنه ثابت بهما وفعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يفيد الوحوب، وفي قولهم هذا نظر فقد روى الدارقطنى عن عائشة وسليمان بن موسى قالا قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من توضأ فليتمضمض وليستنشق فلا وجه للتفرقة، وقد علمت أن الأوامر الواردة بالمضمضة والاستنشاق محمولة على السنية (الرابع) أنهما واجبتان في الوضوء والغسل لا يصحان إلا بهما وهو المشهور عن أحمد وهو مذهب ابن أبي ليلى وإسحاق بن راهويه ورواية عن عطاء والهادى والقاسم والمؤيد بالله واستدلوا بأدلة (منها) أنهما من تمام غسل الوجه فالأمر بغسله أمر بهما، وقالوا وهذا وإن كان مستبعدا في بادئ الرأى باعتبار أن الوجه في لغة العرب معلوم المقدار لكن يعضد دعوى دخولهما في الوجه أنه لا موجب لتخصصه بظاهره دون باطنه فإن الجميع في لغة العرب يسمى وجها (فإن قلت) قد أطلق على خرق الفم والأنف اسم خاص فليسا في لغة العرب وجها (قلت) كذلك أطلق على الخدين والجبهة وظاهر الأنف والحاجبين وسائر أجزاء الوجه أسماء خاصة فلا تسمى وجها وهذا في غاية السقوط لاستلزامه عدم وجوب غسل الوجه (فإن قلت) يلزم على هذا وجوب غسل باطن العين (قلت) يلزم ذلك لولا اقتصار الشارع في البيان على غسل ما عداه، وقد بين

الراجح سنيتهما: بيان كيفيتهما

لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما نزّل إلينا فداوم على المضمضة والاستنشاق ولم يحفظ أنه أخلّ بهما مرّة واحدة كما ذكره ابن القيم في الهدى، ولم ينقل عنه أنه غسل باطن العين مرة واحدة. على أنه قد ذهب إلى وجوب غسل باطن العين ابن عمر والمؤيد بالله. وروى في البحر عن الناصر والشافعى أنه يستحب، واستدل لهم بظاهر الآية (ومنها) ما تقدم عند الدارقطني من توضأ فليتمضمض وليستنشق، وما رواه أيضا عن أبى هريرة بلفظ أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالمضمضة والاستنشاق، ومنها حديث عائشة بلفظ إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذى لا بدّ منه رواه البيهقى من طريق عصام بن يوسف عن ابن المبارك عن ابن جريج عن سليمان بن يسار عن الزهرى عن عروة عنها "ومنها" ما أخرجه أحمد والشافعى وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي وأهل السنن من حديث، طويل عن لقيط بن صبرة وفيه وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما، وسيأتي للمصنف في باب في الاستنثار وفي رواية له إذا توضأت فمضمض قال الحافظ في الفتح إن إسنادها صحيح، وردّ في التلخيص ما أعلّ به حديث لقيط من أنه لم يرو عن عاصم بن لقيط بن صبرة إلا إسماعيل بن كثير وليس بشئ لأنه روى عنه غيره وصححه الترمذى والبغوى وابن القطان وقال النووى هو حديث صحيح رواه أبو داود والترمذى وغيرهما بالأسانيد الصحيحة اهـ وقد اعترف جماعة من الشافعية وغيرهم بضعف دليل من قال بعدم وجوب المضمضة والاستنشاق والاستنثار. قال الحافظ في الفتح وذكر ابن المنذر أن الشافعى لم يحتج على عدم وجوب الاستنشاق مع صحة الأمر به إلا بكونه لا يعلم خلافا في أن تاركه لا يعيد وهذا دليل فقهى فإنه لا يحفظ ذلك عن أحد من الصحابة والتابعين إلا عن عطاء "وقال" في النيل إذا تقرر هذا علمت أن المذهب الحق وجوب المضمضة والاستنشاق والاستنثار في الوضوء والغسل اهـ ببعض تصرف. لكن قد علمت مما تقدّم أن داخل الفم والأنف ليس من مسمى الوجه في لغة العرب لأن الوجه ما تقع به المواجهة فالأمر بغسل الوجه ليس أمرا بهما. ولا يقال إن إخراجهما من مسمى الوجه لتسميتهما باسم خاص بهما بل لعدم شموله لهما وأن مداومته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المضمضة والاستنشاق محمولة على الاستحباب كالأوامر الواردة بهما جمعا بين الأدلة، قال النووى ولأن في الوضوء غسل الكفين والتكرار وغيرهما مما ليس بواجب بالإجماع (فتبين لك مما ذكر) أن المذهب الأول هو الراجح. قال النووى في شرح مسلم وعلى أى صفة أوصل الماء إلى الفم والأنف حصلت المضمضة والاستنشاق وفي الأفضل خمسة أوجه (الأول) يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات يتمضمض من كل واحدة ثم يستنشق منها (الثاني) يجمع بينهما بغرفة

حكمة تقديمهما على غسل الوجه وجوب غسل المرفقين في الوضوء

واحدة يتمضمض منها ثلاثا ثم يستنشق منها ثلاثا (الثالث) يجمع أيضا بغرفة ولكن يتمضمض منها ثم يستنشق ثم يتمضمض منها ثم يستنشق ثم يتضمض منها ثم يستنشق (الرابع) يفصل بينهما بغرفتين فيتمضمض من إحداهما ثلاثا ثم يستنشق من الأخرى ثلاثا (الخامس) يفصل بست غرفات يتمضمض بثلاث غرفات ثم يستنشق بلاث غرفات (والصحيح) الوجه الأول وبه جاءت الأحاديث الصحيحة في البخارى ومسلم وغيرهما. وأما حديث الفصل فضعيف فيتعين المصير إلى الجمع بثلاث غرفات كما ذكرنا لحديث عبد الله بن زيد في الكتاب "يعنى صحيح مسلم" واتفقوا على أن المضمضة على كل قول مقدمة على الاستنشاق وعلى كل صفة وهل هو تقديم استحباب أو اشتراط فيه وجهان (أحدهما) اشتراط لاختلاف العضوين (والثانى) استحباب كتقديم يده اليمنى على اليسرى اهـ (قوله ثم غسل وجهه ثلاثا) كذا في رواية الشيخين أى ثلاث مرات. وفي بعض النسخ وغسل وجهه. والأولى تدلّ على تأخير غسل الوجه عن المضمضة والاستنثار. وحكمة تقديمهما اختبار طعم الماء بالفم وريحه بالأنف احتياطا للعبادة. والوجه من المواجهة وحدّه طولا من منابت شعر الرأس المعتاد إلى أسفل الذقن وعرضا من شحمة الأذن إلى شحمة الأذن. وغسله فرض بالنص بلا خلاف وتثليث غسله قام الإجماع على سنيته (قوله وغسل يده اليمنى إلى المرفق) وفي رواية الشيخين ثم غسل يديه قال في المصباح اليد مؤنثة وهي من المنكب إلى أطراف الأصابع ولامها محذوفة وهي ياء والأصل يدى قيل بفتح الدال وقيل بسكونها اهـ لكنه سقط في الوضوء غسل ما وراء المرفق بالنص. والمرفق بفتح الميم وكسر الفاء وعكسه لغتان وهو موصل الذراع بالعضد. ولا خلاف في وجوب غسل اليدين للنص. ولم يخالف في وجوب غسل المرفقين إلا زفر وأبو بكر بن داود الظاهرى. فمن قال بالوجوب قال يحتمل أن تكون إلى في الآية بمعنى مع وإلى ذلك ذهب ثعلب وغيره من أهل اللغة محتجين بقوله تعالى "ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم" وعليه فدخول المرفق ظاهر. ويحتمل أن تكون للغاية كما قاله المبرّد والزجاج وغيرهما "قال" النووى وهو الأصح الأشهر وعليه فدخول المرفق ظاهر أيضا فإن الغاية تدخل في المغيا إذا كان اسم المغيا شاملا لهما كما هنا وتكون الغاية لإخراج ما بعدها، قال سيبويه والمبرّد ما بعد إلى إذا كان من نوع ما قبلها دخل فيه. وقد علمت أن اليد عند العرب من رؤوس الأصابع إلى المنكب حتى تيمم عمار إلى المنكب ولهذا لو قال بعتك هذه الأشجار من هذه إلى هذه دخل الحدّ. ويكون المراد بالغاية إخراج ما وراء الحدّ في كون المراد بذكر المرفق إخراج ما وراءها، واستدلوا أيضا بحديث أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أدار الماء على مرفقيه ثم قال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به رواه الدارقطني والبيهقى من حديث جابر مرفوعا وفيه القاسم بن محمد بن عبد الله بن محمد

مذاهب العلماء في القدر الواجب مسحه في الرأس

ابن عقيل وهو متروك وقال أبو زرعة منكر وضعفه أحمد وابن معين وانفرد ابن حبان بذكره في الثقات ولم يلتفت إليه في ذلك، وصرّح بضعف هذا الحديث المنذرى وابن الجوزى وابن الصلاح والنووى وغيرهم، وبما أخرجه مسلم من حديث أبى نعيم بن عبد الله قال رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد "الحديث" ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ، وبحديث وائل بن حجر في صفة وضوء النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفيه وغسل ذراعيه حتى جاوز المرفقين وبما رواه الطحاوى عن ثعلبة بن عباد عن أبيه مرفوعا وفيه ثم غسل ذراعيه حتى يسيل الماء على مرفقيه (قال) الحافظ فهذه الأحاديث يقوّى بعضها بعضا وقد قال الشافعى في الأمّ لا أعلم مخالفا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء (فعلى) هذا يكون زفر وأبو بكر محجوجين بالإجماع اهـ واستدلوا أيضا بأن غسل المرافق يتوقف عليه تمام الواجب فهو من باب ما لا يتم الواجب إلا به فيكون واجبا، ومن لم يقل بالوجوب نظر إلى أن الغاية بإلى لا تدخل في المغيا، لكن يقال عليه محله إذا لم يكن المغيا شاملا للغاية أما إذا كان شاملا لها فهى داخلة كما علمت، وعلى فرض عدم دخول الغاية في المغيا مطلقا فمحله ما لم تقم قرينة على دخولها، وقد قام الإجماع وفعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على دخولها (قوله ثم مسح رأسه) زاد ابن خزيمة في روايته عن ابن الطباع كله، وفى رواية للبخارى عن خالد بن عبد الله برأسه بزيادة الباء (قال) القرطبي الباء للتعدية يجوز حذفها وإثباتها (قال) في الفتح دخلت الباء لتفيد معنى آخر وهو أن الغسل لغة يقتضى مغسولا به والمسح لغة لا يقتضى ممسوحا به فلو قال وامسحوا رءوسكم لأجزأ المسح باليد بغير ماء فكأنه قال وامسحوا برءوسكم الماء فهو على القلب والتقدير امسحوا رءوسكم بالماء اهـ والمسح لغة إمرار اليد على الشئ (قال) في المصباح مسحت الشئ بالماء مسحا أمررت اليد عليه قال أبو زيد المسح في كلام العرب يكون مسحا وهو إصابة الماء ويكون غسلا يقال مسحت يدى بالماء إذا غسلتها وتمسحت بالماء إذا اغتسلت فالمسح مشترك بين معنيين اهـ بحذف وظاهر الحديث يدل على أنه مسح جميع رأسه لأن اسم الرأس حقيقة في العضو كله (قال) العيني الرأس مشتمل على الناصية والقفا والفودين اهـ والفود معظم شعر اللمة مما يلى الأذنين قاله ابن فارس، وقال ابن السكيت الفودان الضفيرتان، ونقل في البارع عن الأصمعى أن الفودين ناحيتا الرأس كل شق فود والجمع أفواد كذا في المصباح، هذا ومسح الرأس ثابت بالكتاب والسنة والإجماع (واختلف) الفقهاء في القدر الواجب فيه (فقالت) الحنفية في رواية الواجب ربع الرأس وفى رواية ثلاثة أصابع من أصابع اليد مستدلين بحديث المغيرة الذى رواه مسلم وغيره أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتي سباطة قوم فبال وتوضأ ومسح على ناصيته، وقدّروا

الناصية بربع الرأس وقالوا إن الباء في قوله تعالى "وامسحوا برءوسكم" للتبعيض ويدلّ عليه اتفاق الجميع على جواز ترك القليل من الرأس في المسح والاقتصار على بعض وقالوا لا منافاة بين كونها للتبعيض هنا ومعناها الأصلى الذى هو الإلصاق لأنها تكون مستعملة للإلصاق في البعض المفروض، أفاده العينى (وقال) التحقيق في هذا الموضوع أن الباء للإلصاق فإن دخلت في آلة المسح نحو مسحت الحائط بيدى يتعدى إلى المحل فيتناول محله وإن دخلت في المحل نحو فامسحوا برءوسكم لا يتناول كل المحل فإذا لم يتناول كل المحل يقع الإجمال في قدر المفروض منه ويكون الحديث مبينا لذلك اهـ ومراده بالحديث حديث المغيرة المتقدم (وذهبت) الشافعية إلى أن الواجب ما يطلق عليه اسم المسح ولو شعرة واحدة أو بعض شعرة في حدّ الرأس يحيث لا يخرج الممسوح عنه لما صح من مسحه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لناصيته وعلى عمامته الدالين على الاكتفاء بمسح البعض إذ لم يقل أحد بخصوص الناصية، والاكتفاء بها يمنع وجوب الاستيعاب أو الربع لأنها دونه ولأن الباء الداخلة في حيز متعدد كالآية للتبعيض وغيره كما في قوله تعالى "وليطوّفوا بالبيت العتيق" للإلصاق (وحكي) ذلك عن ابن عمر والحسن البصرى وسفيان الثورى وداود (وذهب) مالك وأحمد وجماعة إلى وحوب استيعاب المسح وهو الظاهر (وقال) بعض المالكية يكفى مسح الثلثين، وبعضهم يكفي مسح الثلث (واحتج) من قال بوجوب استيعاب المسح بحديث الباب لأن اسم الرأس حقيقة في العضو كله، وبما أخرجه ابن خزيمة عن إسحاق بن عيسى بن الطباع قال سألت مالكا عن الرجل يمسح مقدّم رأسه في وضوئه أيجزئه ذلك فقال حدثني عمر بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد قال مسح رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في وضوئه من ناصيته إلى قفاه ثم ردّ يديه إلى ناصيته فمسح رأسه كله، وبقوله تعالى "وامسحوا برءوسكم" بجعل الباء زائدة (قال) الزرقاني في شرح الموطأ ولم ينقل عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه مسح بعض رأسه إلا في حديث المغيرة أنه مسح على ناصيته وعمامته رواه مسلم. قال علماؤنا ولعل ذلك كان لعذر بدليل أنه لم بكتف بمسح الناصية حتى مسح على العمامة إذ لو لم يكن مسح كل الرأس واجبا ما مسح على العمامة، واحتجاج المخالف بما صح عن ابن عمر من الاكتفاء يمسح بعض الرأس ولم يصح عن أحد من الصحابة إنكار ذلك لا ينهض إذ المحتلف فيه لا يجب إنكاره وقول ابن عمر لم يرفعه فهو رأى له فلا يعارض المرفوع اهـ (وقال) ابن القيم لم يصح عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه ألبتة ولكن كان إذا مسح بناصيته كمل على العمامة. فأما حديث أنس الذى رواه أبو داود رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ وعليه عمامة قطرية فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدّم رأسه ولم ينقض العمامة فمقصود أنس به أن النبى صلى الله تعالى عليه

مذاهب العلماء في عدد مسحات الرأس

وعلى آله وسلم لم ينقض عمامته حتى يستوعب مسح الشعر كله ولم ينف التكميل على العمامة، وقد أثبته المغيرة بن شعبة وغيره فسكوت أنس عنه لا يدل على نفيه اهـ (وظاهر) الحديث أيضا الاقتصار في المسح على المرة الواحدة وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد مستدلين بحديث الباب وبما روى عن أبى حية قال رأيت عليا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُتوضأ فغسل كفيه حتى أنقاهما ثم مضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا وذراعيه ثلاثا ومسح برأسه مرة ثم غسل قدميه إلى الكعبين ثم قال أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رواه ابن ماجه والترمذى وصححه وبما أخرجه ابن ماجه أيضا عن عبد الله بن أبى أوفى قال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا ومسح رأسه مرة، وروى نحوه من عدّة طرق. وبما رواه أحمد والمصنف كما يأتى عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما أنه رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ فذكر الحديث كله ثلاثا ومسح برأسه وأذنيه مسحة واحدة (وقد) ورد التصريح بالمسح مرة واحدة في أحاديث كثيرة صحيحة للمؤلف وغيره (وما) رواه مالك في الموطأ عن عبد الله بن زيد في صفة وضوء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفيه ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدّم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردّهما حتى رجع إلى المكان الذى بدأ منه (لا يعدّ) تكرار اللمسح حيث لم يجدّد الماء اتفاقا، والخلاف في تكرار المسح بماء جديد يستأنف اغترافه (وذهب) الشافعى وعطاء وأكثر العترة إلى أنه يستحب تثليث المسح واحتجوا بما رواه مسلم وأبو داود عن عثمان أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا، وبالقياس على بقية الأعضاء، وأجابوا عن أحاديث المسح مرة واحدة بأن ذلك لبيان الجواز (وأجاب) الحافظ في الفتح عن حديث تثليث الوضوء الذى يستدلّ به الشافعى على تثليث مسح الرأس بأن الحديث مجمل تبين في الروايات الصحيحة أن المسح لم يتكرر فيختص تثليث الوضوء المذكور في الحديث بالأعضاء المغسولة، وبأن المسح مبنى على التخفيف فلا يقاس على الغسل المراد منه المبالغة في الإسباغ، وبأن العدد لو اعتبر في المسح لصار في صورة الغسل إذ حقيقة الغسل جريان الماء، والدلك ليس بمشترط على الصحيح عند أكثر العلماء اهـ ببعض تصرّف (وقال) يحمل ما ورد من الأحاديث في تثليث المسح إن صحت على إرادة الاستيعاب بالمسح لا أنها مسحات مستقلة لجميع الرأس جمعا بين الأدلة اهـ (وقال) في النيل الإنصاف أن أحاديث الثلاث لم تبلغ إلى درجة الاعتبار حتى يلزم التمسك بها لما فيها من الزيادة فالوقوف على ما صح من الأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما من حديث عثمان وعبد الله بن زيد وغيرهما هو المتعين لا سيما بعد تقييده في تلك الروايات السابقة بالمرة الواحدة، وحديث من زاد على هذا فقد أساء وظلم الذى صححه ابن خزيمة وغيره قاض بالمنع من الزيادة على الوضوء

وجوب غسل الرجلين في الوضوء

الذى قال بعده النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذه المقالة، كيف وقد ورد في رواية سعيد بن منصور في هذا الحديث التصريح بأنه مسح رأسه مرة واحدة ثم قال من زاد اهـ (قوله ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثا) قال ابن دقيق العيد قوله ثلاثا يدلّ على استحباب التكرار في غسل الرجلين ثلاثا، وبعض الفقهاء لا يرى هذا العدد في الرجل كما في غيرها من الأعضاء وقد ورد في بعض الروايات فغسل رجليه حتى أنقاهما ولم يذكر عددا فاستدلّ به لهذا المذهب وأكد من جهة المعنى بأن الرجل لقربها من الأرض في المشى عليها تكثر فيها الأوساخ والأدران فيحال الأمر فيها على مجرد الإنقاء من غير اعتبار العدد، والرواية التى ذكر فيها العدد زائدة على الرواية التى لم يذكر فيها، فالأخذ بها متعين، والمعنى المذكور لا ينافي اعتبار العدد فليعمل بما دل عليه لفظ الحديث اهـ (وظاهر) الحديث يدلّ على مشروعية غسل الرجلين (واختلف) في الواجب فيهما فذهب الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل السنة والجماعة إلى وجوب الغسل واستدلوا بحديث الباب وبقوله تعالى "وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين" بيان ذلك أن قوله وأرجلكم قرئَ بالنصب والخفض والقراءتان سبعيتان ولا يختلف أهل اللغة أن كل واحدة من القراءتين محتملة للمسح بعطفها على الرأس ومحتملة للغسل بعطفها على المغسول فلا يخلو حينئذ القول من أحد معان ثلاثة، إما أن يقال إن المراد هما جميعا فيكون عليه أن يمسح ويغسل، أو يكون المراد أحدهما على وجه التخيير يفعل المتوضئ أيهما شاء، أو يكون ما يفعله هو المفروض وإليه ذهب الحسن البصرى وابن جرير والجبائى، أو يكون المراد أحدهما بعينه لا على التخيير فلا سبيل إلى الأول لاتفاق الأئمة على خلافه ولا عبرة بقول بعض الظاهرية بوجوبهما لمخالفته الإجماع وكذا لا سبيل إلى الثاني إذ ليس في الآية ذكر التخيير ولا دلالة عليه فتعين الوجه الثالث ثم يحتاج بعد ذلك إلى طلب الدليل على المراد منهما فالدليل على أن المراد الغسل دون المسح اتفاق الجميع على أنه إذا غسل فقد أدّى فرضه وأتى بالمراد وأنه غير ملوم على ترك المسح فثبت أن المراد الغسل أيضا فهو قد صار في حكم المجمل المفتقر إلى البيان فمهما ورد فيه من البيان عن الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من فعل أو قول علمنا أنه مراد الله تعالى من الآية، وقد ورد البيان عنه بالغسل قولا وفعلا، أما فعلا فهو ما ثبت بالنقل المستفيض المتواتر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غسل رجليه في الوضوء ولم تختلف الأئمة فيه، وأما قولا فما رواه ابن ماجه والطحاوى عن جابر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى وآله وسلم رأى في قدم رجل لمعة لم يغسلها فقال ويل للعراقيب من النار، وما رواه النسائى وابن ماجه وابن خزيمة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن رجلا أتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله كيف الطهور فدعا بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثا الخ وفيه

رد قول الإمامية إن الواجب في الوضوء بالنسبة للرجلين المسح وبيان الاتفاق على وجوب غسلهما فيه

ثم غسل رجليه ثلاثا ثلاثا ثم قال هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم وسيأتى للمصنف، وبما أخرجه الشافعى في مسنده أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لأعمى يتوضأ بطن القدم فجعل الأعمى يغسل بطن القدم، وما أخرجه البيهقى قال روينا في الحديث الصحيح عن عمرو بن عبسة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الوضوء ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمره الله تعالى (قال) البيهقى وفي هذا دلالة على أن الله تعالى أمر بغسلهما اهـ إذا علمت هذا تعلم أن الراجح غسل الرجلين في الوضوء (وذهبت) الإمامية من الشيعة إلى أن الفرض مسحهما واستدلوا بالآية وقالوا إن قراءة الجرّ محكمة في المسح لأن المعطوف يشارك المعطوف عليه في حكمه، وقالوا في قراءة النصب إن أرجلكم عطف على محل الرءوس لأنه مفعول واستبعدوا عطفه على الوجوه وقالوا إن فيه تعقيدا (وردّ) هذا بأن قراءة الجرّ ليست للعطف على الرءوس وإنما هو للمجاورة نظير قوله تعالى (إنى أخاف عليكم عذاب يوم أليم) بجرّ أليم على المجاورة ليوم وإن كان صفة لعذاب، أو لأنها عطفت على الرءوس لا لأن تمسح بل لأجل تخفيف الغسل لأنها مظنة الإسراف المنهيّ عنه، على أن المسح يستعمل بمعنى الغسل يقال مسح على أطرافه إذا توضأ، أو بأن الجرّ محمول على حالة اللبس للخف والنصب على الغسل عند عدم الخفّ (قال) في الفتح قال أبو بكر بن العربى ما ملخصه: بين القراءتين تعارض ظاهر والحكم فيما ظاهره التعارض أنه إن أمكن العمل بهما وجب وإلا عمل بالقدر الممكن، ولا يتأتى الجمع بين الغسل والمسح في عضو واحد في حالة واحدة لأنه يؤدّى إلى تكرار المسح لأن الغسل يتضمن المسح، والأمر المطلق لا يقتضى التكرار فبقى أن يعمل بهما في حالين توفيقا بين القراءتين وعملا بالقدر الممكن اهـ واستدلوا أيضا بحديث رفاعة بن رافع عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه قال لا تتم صلاة لأحد حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين، رواه الدارقطني وهو ضعيف قال ابن القطان في إسناده يحيى بن على بن خلاد وهو مجهول، وعلى تقدير صحته فيقال فيه ما قيل في العطف في الآية، وبما جاء عن عبد الله بن زيد أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ ومسح بالماء على رجليه رواه ابن أبى شيبة وابن خزيمة وهو ضعيف أيضا قال أبو عمر إسناده لا تقوم به حجة، وقال الجوزجانى هذا حديث منكر، واستدلوا بأحاديث أخر منها ما هو ضعيف ومنها ما هو مصروف عن ظاهره (قال) النووى ذهب جميع الفقهاء من أهل الفتوى في الأعصار والأمصار إلى أن الواجب غسل القدمين مع الكعبين ولا يجزئُ مسحهما ولا يجب المسح مع الغسل ولم يثبت خلاف هذا عن أحد يعتدّ به في الإجماع اهـ (وقال) الحافظ في الفتح لم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف الغسل إلا عن عليّ وابن عباس

أقسام الخواطر الواردة عل النفس وبيان ما يؤاخذ عليه وما يعفى عنه

وأنس وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك (قال) عبد الرحمن بن أبى ليلى أجمع أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على غسل القدمين، رواه سعيد بن منصور (وادّعى) الطحاوى وابن حزم أن المسح منسوخ اهـ (قوله مثل وضوئى هذا) وفي رواية لمسلم نحو وضوئى هذا، ومثل بكسر الميم وسكون المثلثة، والفرق بينه وبين نحو أن مثل يقتضى ظاهرها المساواة من كل وجه إلا في الوجه الذى يقتضى التغاير بين الحقيقتين يحيث يخرجهما عن الوحدة، ونحو لا تقتضى ذلك (قوله ثم صلى ركعتين) أى على جهة الاستحباب، وقالت الشافعية هذه الصلاة سنة مؤكدة (قوله لا يحدّث فيهما نفسه) من التحديث، وفي الترمذى لا يحدّث نفسه بشئ من أمور الدنيا، أما ما يتعلق بالصلاة من أمور الآخرة كالتدبر في معاني الآيات المتلوّة والتسابيح فلا بدّ منه لأن به تمام الخشوع والثواب وكذا ما لا يتعلق بالصلاة من أمور الآخرة لما روى عن عمر أنه قال إني لأجهز الجيش وأنا في الصلاة، ولو عرض له حدث فأعرض عنه فبمجرّد إعراضه عفى عن ذلك وحصلت له هذه الفضيلة لأن هذا ليس من فعله، وقد عفي لهذه الأمة عن الخواطر التي تعرض ولا تستقرّ لما رواه الشيخان والأربعة عن أبي هريرة مرفوعا إن الله تجاوز لأمتي عما حدّثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به (قال) الحافظ المراد به ما تسترسل النفس معه ويمكن المرء قطعه لأن قوله يحدّث يقتضى تكسبا منه. فأما ما يهجم من الخطرات والوساوس ويتعذز دفعه فذلك معفو عنه (ونقل) القاضى عياض عن بعضهم أن المراد من لم يحصل له حديث النفس أصلا ويشهد له ما أخرجه ابن المبارك في الزهد بلفظ لم يسرّ فيهما "وردّه" النووى فقال الصواب حصول هذه الفضيلة مع طريان الخواطر العارضة المستقرة نعم من اتفق أن يحصل له عدم حديث النفس أصلا أعلى درجة بلا ريب اهـ (وقال) ابن دقيق العيد الخواطر والوساوس الواردة على النفس قسمان "أحدهما" ما يهجم هجما يتعذر دفعه عن النفس "والثاني" ما تسترسل معه النفس ويمكن قطعه ودفعه فيمكن حمل الحديث على هذا دون الأول لعسر اعتباره ويشهد لذلك لفظة "يحدّث نفسه" فإنه يقتضى تكسبا منه وتفعلا لهذا الحديث ويمكن أن يحمل على النوعين معا لأن العسر إنما يجب دفعه عما يتعلق بالتكاليف، والحديث إنما يقتضى ترتب ثواب مخصوص على عمل مخصوص فمن حصل له ذلك العمل حصل له ذلك الثواب ومن لا فلا وليس ذلك من باب التكاليف حتى يلزم دفع العسر عنه، نعم لا بدّ أن تكون تلك الحالة ممكنة الحصول أعني الوصف المترتب عليه الثواب المخصوص، والأمر كذلك فإن المتجرِّدين عن شواغل الدنيا الذين غلب ذكر الله على قلوبهم وعمرها تحصل لهم تلك الحالة، وحديث النفس يعمّ الخواطر المتعلقة بالدنيا والخواطر المتعلقة بالآخرة والحديث محمول والله أعلم على ما يتعلق بالدنيا إذ لا بدّ من حديث النفس فيما يتعلق بالآخرة كالفكر في معاني المتلوّ

بيان ما دل عليه حديث عثمان من استحباب صلاة ركعتين عقب الوضوء والترغيب في الإخلاص فيهما والتحذير من التفكر في أمور الدنيا أثناء الصلاة ومذاهب الأئمة في حكم الترتيب بين غسل أعضاء الوضوء

من القرآن العزيز والمذكور من الدعوات والأذكار، ولا نريد بما يتعلق بأمر الآخرة كل أمر محمود أو مندوب إليه فإن كثيرا من ذلك لا يتعلق بأمر الصلاة فإدخاله فيها أجنبى عنها (قوله غفر الله له ما تقدّم من ذنبه) الذنب الإثم والمعصية فإن توعد عليه كان كبيرا وإلا فصغيرا (وظاهر) الحديث يعمّ غفران الصغائر والكبائر لكن خصه العلماء بالصغائر لما رواه مسلم عن عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذبوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله، فهذا صريح في الذنوب الصغائر، وحديث الباب مطلق فحملوا المطلق على المقيد (قال) الحافظ في الفتح هو في حق من له كبائر وصغائر، من ليس له إلا الصغائر كفرت عنه ومن ليس له إلا كبائر خفف عنه منها بقدر ما لصاحب الصغائر ومن ليس له صغائر ولا كبائر يزاد في حسناته بنظير ذلك اهـ ومثله لابن دقيق العيد "فإن قيل" إذا كان الوضوء وحده مكفرا للصغائر كما في حديث عثمان الآخر الذى فيه "خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره" فما الذى يكفره الوضوء مع صلاة النافلة كما في حديث الباب وإذا كانت هذه مكفرة أيضا فما الذى تكفره المكتوبات "فجوابه" أن جميع ما ذكر صالح للتكفير فإن صادف بشئ منها شيئا من الذنوب المذكورة كفره وإلا كفر بقدرها من الكبائر فإن لم يوجد شئ من الصغائر ولا من الكبائر زيد، في حسناته كما تقدّم. (فقه الحديث) دلّ الحديث على استحباب غسل الكفين ثلاثا في ابتداء الوضوء سواء أقام من النوم أم لا، وعلى أن المستحب تثليث الغسل ولو في الرجلين، وعلى أن التعليم بالفعل مطلوب لكونه أبلغ وأضبط للمتعلم، وعلى الترغيب في الإخلاص في الصلاة، وعلى التحذير من التفكر في أمور الدنيا في أثنائها لما يترتب عليه من حرمان الثواب أو عدم القبول، وعلى أنه يطلب من المعلم أن يدلل على فعله أو قوله ليكون أدعى إلى القبول. وعلى أنه يطلب صلاة ركعتين عقب الوضوء (قال) النووى في شرح مسلم وفي الحديث استحباب صلاة ركعتين فأكثر عقب كل وضوء وهو سنة مؤكدة قال جماعة من أصحابنا ويفعل هذه الصلاة في أوقات النهى وغيرها لأن لها سببا واستدلوا بحديث بلال رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ المخرّج في صحيح البخارى أنه كان متى توضأ صلى وقال إنه أرجى عمل له ولو صلى فريضة أو نافلة مقصودة حصلت له هذه الفضيلة كما تحصل تحية المسجد بذلك اهـ والجمهور على أن تلك الصلاة من السنن غير المؤكدة وأنها لا تفعل في أوقات النهى حملا لأحاديث النهى على إطلاقها، ودلّ الحديث أيضا على أن الحسنات يذهبن السيئات. وعلى الحث على فعل الطاعات لأنها وسيلة إلى حصول الغفران والرحمات. وعلى الترتيب بين أعضاء الوضوء لما فيه من التعبير بثمّ المقتضية له (واختلف) العلماء في حكم الترتيب فذهبت الشافعية إلى وجوبه في الأركان

مستدلين بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يتوضأ إلا مرتبا ولو لم يجب لتركه في وقت بيانا للجواز كما في التثليث، وبما صح من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ابدءوا بما بدأ الله به رواه النسائى هكذا بلفظ الأمر، ورواه مسلم بصيغة الخبر بلفظ نبدأ بما بدأ الله به، وهو شامل للوضوء وإن ورد في الحج فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وبأنه تعالى ذكر ممسوحا بين مغسولات وتفريق المتجانس لا ترتكبه العرب إلا لفائدة وهى هنا وجوب الترتيب لا ندبه بقرينة الأمر في الخبر المذكور، ولأن العرب إذا ذكرت متعاطفات بدأت بالأقرب فالأقرب فلما ذكر فيها الوجه ثم اليدين ثم الرأس ثم الرجلين دلت على الأمر بالترتيب وإلا لقال فاغسلوا وجوهكم وامسحوا برءوسكم واغسلوا أيديكم وأرجلكم (وبوجوب) الرتيب قال أبو عبيد وقتادة وأبو ثور وإسحاق بن راهويه وحكي عن عثمان وابن عباس وهو رواية عن على والمشور عن أحمد إلا أنه قال بوجوبه أيضا بين المضمضة والاستنشاق لأنهما من تمام غسل الوجه عنده، وأما تقديمهما عليه فسنة "وذهب" مالك وأبو حنيفة والثورى والحسن البصرى وابن المسيب وعطاء والزهرى والنخعى والأوزاعي وربيعة والمزنى وداود إلى عدم الوجوب وقالوا لا ينتهض الترتيب بثمّ في الحديث على الوجوب لأنه من لفظ الراوى، وغايته أنه وقع من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على تلك الصفة، والفعل بمجرّده لا يدلّ على الوجوب، نعم قوله في آخر الحديث "من توضأ مثل وضوئى هذا الخ" يشعر بترتب المغفرة على وضوء مرتب على هذا الترتيب أما أنه يدلّ على الوجوب فلا. واستدلوا أيضا بقوله تعالى "فاغسلوا وجوهكم الآية" فعطف أعضاء الوضوء بعضها على بعض بالواو، والواو في كلام العرب تقتضى الجمع دون الترتيب. وأما ترتيب الأفعال المفروضة مع المسنونة فهو مستحب عند مالك كترتيب السنن بعضها مع بعض وسنة عند الشافعية والحنفية "قال" ابن رشد وسبب اختلافهم شيئان (أحدهما) الاشتراك الذى في واو العطف وذلك أنه قد يعطف بها الأشياء المرتبة بعضها على بعض وقد يعطف بها غير المرتبة وذلك ظاهر من استقراء كلام العرب ولذلك انقسم النحويون فيها قسمين، فقال نحاة البصرة لا تقتضى نسقا ولا ترتيبا وإنما تقتضى الجمع فقط، وقال الكوفيون بل تقتضى النسق والترتيب فمن رأى أن الواو في آية الوضوء تقتضى الترتيب قال بإيجاب الترتيب ومن رأى أنها لا تقتضى لم يقل بإيجابه، والسبب الثانى اختلافهم في أفعاله عليه الصلاة والسلام هل هي محمولة على الوجوب أو على الندب فمن حملها على الوجوب قال بوجوب الترتيب لأنه لم يرد عنه عليه الصلاة والسلام أنه توضأ قط إلا مرتبا، ومن حملها على الندب قال إن الترتيب سنة، ومن فرق بين المسنون والمفروض من الأفعال قال إن الترتيب الواجب إنما ينبغى أن يكون في الأفعال الواجبة ومن لم يفرق قال إن الشروط الواجبة قد تكون في الأفعال التى ليست واجبة اهـ والظاهر من

أقوال العلماء في حكم النية في الوضوء والغسل

الأدلة الواردة في ذلك وجوب الترتيب بين الأعضاء الأربعة المذكورة في آية الوضوء ولا سيما حديث جابر المتقدّم فإنه عام ولا يقصر على سببه عند جمهور الأصوليين كما تقدّم وآية الوضوء مندرجة تحت هذا العموم، وأما الترتيب فيما عداها فسنة يدلّ لذلك ما رواه أبو داود عن المقدام بن معد يكرب قال أتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بوضوء فتوضأ فغسل كفيه ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا ثم غسل ذراعيه ثلاثا ثم مضمض واستنشق ثلاثا ثلاثا ثم مسح بأذيه ظاهرهما وباطنهما، فهو يدلّ على جواز تأخير المضمضة والاستنشاق عن غسل الوجه وأن تقديمهما عليه كما في حديث الباب للسنية لا للوجوب، وليس في حديث الباب ما يدلّ على وجوب النية والموالاة والدّلك، وفيها خلاف أيضا (أما النية) فذهبت المالكية والشافعية والعترة والليث وربيعة وإسحاق بن راهويه وأحمد إلى وجوبها في الوضوء والغسل كبقية العبادات واستدلوا بقوله تعالى "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين" قالوا الإخلاص هو النية لأنه عمل من أعمال القلب وهو مأمور به، ودلت الآية على أن كل مأمور به يجب أن يكون منويا والوضوء مأمور به فتجب فيه النية، وبحديث "إنما الأعمال بالنيات" أى صحتها بالنيات، وبأنها طهارة تتعدّى محلّ موجبها فافتقرت إلى النية كبقية العبادات "وذهبت" الحنفية والثورى والأوزاعي إلى عدم وجوب النية في الوضوء والغسل وقالوا في الحديث تقديره كمال الأعمال أو ثوابها بالنيات لأنه الذي يطرد فإن كثيرا من الأعمال يوجد ويعتبر شرعا بدونها، وقالوا أيضا يلزم من انتفاء الصحة انتفاء الثواب دون العكس فهو أولى، وقالوا إن إضمار الصحة يؤدّى إلى نسخ الكتاب بخبر الواحد وهو ممتنع (أقول) الراجح الأول لأن الصحة أكثر لزوما للحقيقة من الكمال فالحمل عليها أولى لأن ما كان ألزم للشئ كان أقرب إلى خطوره بالبال عند إطلاق اللفظ، وقولهم تقدير الثواب أولى فيه نظر لأن الأولى ما كان أكثر لزوما للحقيقة كما علمت وهو لا ينافي الثواب ودعواهم النسخ في الآية على تقدير الصحة غير مسلمة فإن الآية ليس فيها ذكر النية، والحديث أفاد وجوبها، والقرآن إذا لم يدلّ على وجوب شئ ودلت على وجوبه السنة لم يكن وجوبها ناسخا له وإن كان زائدا عليه، ولو كان كل ما أوجبته السنة ولم يوجبه القرآن نسخا لبطل كثير من الأحكام ألا ترى الطمأنينة وتعيين التكبير للدخول في الصلاة والتسليم للخروج منها وغيرها فهذه لم يدلّ عليها القرآن ودلت عليها السنة. على أن بعضهم استنبط من الآية وجوب النية في الوضوء فقال فيها إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضؤوا لأجلها "قال" ابن رشد وسبب اختلافهم فيها هو تردّد الوضوء بين أن يكون عبادة محضة أعنى غير معقولة المعنى وإنما يقصد بها القربة فقط كالصلاة وغيرها وبين أن يكون عبادة معقولة المعنى كغسل النجاسة فإنهم لا يختلفون في أن العبادة المحضة مفتقرة إلى النية. والعبادة المفهومة المعنى غير مفتقرة إلى النية. والوضوء فيه شبه من العبادتين

الإجماع على أن التلفظ بالنية بدعة اختلاف العلماء في وجوب الموالاة والدلك في الوضوء والغسل

ولذلك وقع الخلاف فيه وذلك أنه يجمع عبادة ونظافة اهـ والسنة المأثورة في النية أن تكون بالقلب ولا يطلب التلفظ بها خلافا لمن زعمه فإنه من المحدثات إذ لم يثبت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا عن أحد من أصحابه ولا الأئمة المجتهدين (قال) العلامة ابن عابدين في حاشيته ردّ المحتار على الدّرّ المختار: وفى الفتح لم ينقل عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه التلفظ بها لا في حديث صحيح ولا ضعيف وزاد ابن أمير حاج ولا عن الأئمة الأربعة. وتمامه في الأشباه في بحث النية اهـ (وقال) ابن القيم في الهدى ولم يكن صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم يقول في أول الوضوء نويت رفع الحدث ولا استباحة الصلاة لا هو ولا أحد من أصحابه ألبتة ولم يرو عنه في ذلك حرف واحد لا بإسناد صحيح ولا ضعيف اهـ (وقال) في الإقناع وشرحه: والتلفظ بالنية في الوضوء والغسل وفي سائر العبادات بدعة ويكره الجهر بها وتكريرها (قال) الشيخ تقى الدين اتفق الأئمة على أنه لا يشرع الجهر بها وتكريرها بل من اعتاده ينبغى تأديبه (وقال) الجاهر بها مستحق للتعذير بعد تعريفه لا سيما إذا آذى به أو كرّره (وقال) الجهر بلفظ النية منهى عنه عند الشافعى وسائر أئمة المسلمين وفاعله مسئ وإن اعتقده دينا خرج من إجماع المسلمين ويجب نهيه ويعزل عن الإمامة إن لم ينته اهـ ملخصا "وأما" الموالاة وهي متابعة أعضاء الوضوء من غير تفرقة بينها بحيث يغسل العضو الثانى قبل جفاف الأول مع اعتدال الزمان والمزاج والهواء ففيها خلاف أيضا "فذهب" أحمد والأوزاعي وعبد العزيز بن أبى سلمة من المالكية والشافعى في القديم إلى الوجوب مطلقا. وبه قال مالك لكن قيده بالذكر والقدرة "وذهبت" العترة والحنفية إلى أن الموالاة سنة وهو قول الشافعى في الجديد، واستدلوا بما رواه ابن عمر عن أبي بكر وعمر قالا جاء رجل وقد توضأ وبقى على ظهر قدمه مثل ظفر إبهامه لم يمسه ماء فقال له النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ارجع فأتمّ وضوءك ففعل رواه الدارقطني من طريق الوازع بن نافع وقال هو ضعيف. قالوا لفظ التمام يدلّ على الإتيان باللمعة المتروكة فقط وإلا لقال له أعد الوضوء، وصح عن ابن عمر التفريق ولم ينكره أحد عليه. وسيأتي بيان ذلك شافيا في باب تفريق الوضوء إن شاء الله تعالى "وأما الدّلك" وهو إمرار اليد على العضو مع الماء أو بعده فذهب مالك وأصحابه والمزنى من أصحاب الشافعى إلى وجوبه في الوضوء والغسل مستدلين بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لعائشة في الغسل ادلكي جسدك بيدك. والأمر للوجوب ولا فرق على المذهب بين الوضوء والغسل. وبأنه من مسمى الغسل أو شرط فيه قاله الحطاب والنفراوى (وقال) مالك في المدوّنة في الجنب يأتي النهر فينغمس فيه انغماسا وهو ينوى الغسل من الجنابة ثم يخرج قال لا يجزئه وإن نوى الغسل إلا أن يتدلك. قال وكذلك الوضوء أيضا (قلت) أرأيت إن أمرّ يديه على بعض جسده ولم يمرّهما على جميع الجسد

(قال) مالك لا يجزئه ذلك حتى يمرّهما على جميع جسده كله ويتدلك اهـ (وذهبت) الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه سنة. واستدلوا بالأحاديث الكثيرة الواردة في صفة الوضوء والغسل التي ليس فيها التصريح بالدّلك (أقول) الاحتياط المحافظة على الدلك ليكون على البراءة المتيقنة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشيخان والنسائى والدارقطني والبيهقى (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ وَرْدَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي حُمْرَانُ، قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ تَوَضَّأَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ، وَقَالَ فِيهِ: وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ تَوَضَّأَ هَكَذَا، وَقَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ دُونَ هَذَا كَفَاهُ» وَلَمْ يَذْكُرْ أَمْرَ الصَّلَاةِ. (ش) أراد المصنف بذكر هذا بيان أن الحديث السابق رواه عن حمران مولى عثمان أبو سلمة بن عبد الرحمن كما رواه عنه عطاء بن يزيد غير أن عطاء لم يذكر في روايته تثليث مسح الرأس ولا قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من توضأ دون هذا كفاه، وذكر قوله ثم صلى ركعتين الخ وأما أبو سلمة فذكر في روايته تثليث مسح الرأس ومن توضأ دون هذا كفاه ولم يذكر صلاة الركعتين. (رجال الحديث) (قوله عبد الرحمن بن وردان) بفتح الواو وسكون الراء هو أبو بكر الغفارى المكي المؤذن. روى عن أبى سلمة بن عبد الرحمن وسعيد المقبرى وأنس بن مالك وعنه أبو عاصم ومروان بن معاوية، قال ابن معين صالح وقال أبو حاتم لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وقال الدارقطني ليس بالقوىّ. روى له أبو داود، وفي هذا السند ثلاثة من التابعين عبد الرحمن وأبو سلمة وحمران يروى بعضهم عن بعض. (معنى الحديث) (قوله فذكر نحوه الخ) أى ذكر أبو سلمة عن حمران حديث عطاء بن يزيد السابق ولم يذكر في حديثه المضمضة والاستنشاق كما ذكرهما عطاء، وفي بعض النسخ الاستنثار بدل الاستنشاق، وتقدّم أن الرواة إذا اختلفوا عن الصحابى في فضية واحدة يعمل برواية من زاد إذا كان ثقة (قوله وقال فيه الخ) أى قال أبو سلمة في روايته ومسح رأسه ثلاثا الخ فزاد لفظة ثلاثا وبهذه الزيادة أخذت الشافعية فقالوا إن السنة في مسح الرأس أن يكون ثلاثا (قال) العينى وهذا عندنا محمول على المسح ثلاثا بماء واحد وهو مشروع عندنا على ما روى عن أبي حنيفة اهـ، وقد

ترجيح أن مسح الرأس مرة واحدة وبيان أن الواجب في الوضوء تعميم الأعضاء وما زاد فهو سنة

علمت في الحديث السابق أن الروايات الكثيرة الصحيحة مصرّحة بأن المسح مرة واحدة فيحمل هذا على بيان جواز تثليث مسح الرأس جمعا بين الروايات (قال) ابن السمعاني اختلاف الروايات يحمل على التعدد فيكون مسح تارة مرة وتارة ثلاثا وليس في رواية مسح مرة حجة على منع التعدد اهـ من الفتح، على أن في هذا الحديث مقالا فإن في سنده عبد الرحمن بن وردان وقد ضعفه غير واحد كما تقدم، وكذا كل روايات تثليث المسح لا تخلو من مقال كما مرّ (قال) ابن القيم في الهدى والصحيح أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يكرّر مسح رأسه بل كان أذا كرّر غسل الأعضاء أفرد مسح الرأس هكذا جاء عنه صريحا ولم يصح عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خلافه ألبتة بل ما عدا هذا إما صحيح غير صريح كقول الصحابي توضأ ثلاثا ثلاثا وكقوله مسح برأسه مرّتين، وإما صريح غير صحيح كحديث البيلماني عن أبيه عن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من توضأ فغسل كفيه ثلاثا ثم قال ومسح برأسه ثلاثا، وهذا لا يحتج به وابن البيلماني وأبوه مضعفان وإن كان الأب أحسن حالا، وكحديث عثمان الذى رواه أبو داود أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح رأسه ثلاثا اهـ وسيأتي للمصنف بعد الحديث الآتي تصحيح أحاديث الاقتصار على مسح الرأس مرة واحدة (قوله ثم قال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ هكذا الخ) أى قال عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ مثل وضوئى هذا وقال من توضأ دون هذا أى أقل منه بأن غسل بعض أعضائه مرة أو مرتين وبعضها ثلاثا أو كلها مرتين أو مرة كفاه ذلك "والحاصل" أن الواجب غسل الأعضاء مرة مرة حيث حصل بها التعميم والزيادة عليها سنة لأن الأحاديث الصحيحة وردت بالغسل ثلاثا ثلاثا ومرّة مرّة وبعضها مرتين وبعضها مرة، والاختلاف على هذه الصفة دليل الجواز في الكل وأن الثلاث هى الكمال (قوله ولم يذكر أمر الصلاة) أى لم يذكر أبو سلمة في حديثه صلاة الركعتين بعد الوضوء وما يتعلق بهما من البشارة بالغفران كما ذكر عطاء في حديثه. (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ، قال ثَنَا زِيَادُ بْنُ يُونُسَ، قال حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ زِيَادٍ الْمُؤَذِّنُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْوُضُوءِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ سُئِلَ عَنِ الْوُضُوءِ «فَدَعَا بِمَاءٍ، فَأُتِيَ بِمِيضَأَةٍ فَأَصْغَاهَا عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ أَدْخَلَهَا فِي الْمَاءِ فَتَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ

غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا، وَغَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخَذَ مَاءً فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، فَغَسَلَ بُطُونَهُمَا وَظُهُورَهُمَا مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ»، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُونَ عَنِ الْوُضُوءِ؟ «هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن داود) بن رزق بن داود بن ناجية أبو عبد الله روى عن ابن عيينة وابن وهب وزياد بن يونس وحمزة بن ربيعة وغيرهم. وعنه أبو داود وأبو يعقوب التميمي وأبو بكر بن أبى داود وغيرهم. وثقه أحمد بن شعيب والنسائى وقال صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وقال مستقيم الحديث. مات وهو ابن ست وثمانين سنة، سنة إحدى وخمسين ومائتين (قوله الإسكندراني) بكسر الهمزة نسبة إلى الإسكندرية أكبر ثغر بالقطر المصرى على البحر الأبيض المتوسط (قوله زياد بن يونس) بن سعيد الحضرمي أبو سلامة الإسكندرانى. روى عن مالك والليث ونافع بن عمر الجمحى ونافع بن أبى نعيم. وعنه محمد بن داود وأحمد بن سعيد الهمداني ويونس بن عبد الأعلى ومحمد بن سلمة المرادى وغيرهم، قال ابن حبان مستقيم الحديث أحد الأثبات الثقات وقال الحافظ ثقة فاضل. روى له أبو داود توفي سنة إحدى عشرة ومائتين (قوله سعيد بن زياد المؤذن) مولى بنى زهرة. روى عن عثمان بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وعبد الله بن محمد وغيرهم. وعنه وكيع وزياد بن يونس وخالد بن مخلد. روى له أبو داود والنسائى. وثقه ابن حبان وقال في التقريب مقبول من السادسة (قوله عثمان بن عبد الرحمن) بن عثمان بن عبيد الله أخو معاذ القرشى الحجازى. روى عن أبيه وأنس بن مالك وربيعة بن عبد الله وغيرهم. وعنه يحيى بن محمد وفليح بن سليمان وأبو بكر ابن المنكدر والضحاك بن عثمان وآخرون، قال أبو حاتم ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال الحافظ هو ثقة من الخامسة وقال الدارقطني ليس بالقوى. روى له البخارى وأبو داود والترمذى (قوله التيمى) نسبة إلى تيم أحد أجداده (قوله ابن أبى مليكة) بضم الميم وفتح اللام هو عبد الله بن عبيد الله بن أبى مليكة. (معنى الحديث) (قوله سئل عن الوضوء) بضم الواو أى عن كيفية الوضوء المشروعة (قوله فقال رأيت عثمان الخ) أى قال ابن أبى مليكة أبصرت عثمان والحال أنه قد سئل عن كيفية الوضوء فطلب ماء ليتوضأ به. وفي بعض النسخ يسأل بصيغة المضارع والفاعل في الصيغتين مجهول (قوله فأتى بميضأة) بكسر الميم وسكون المثناة التحتية وفتح الضاد المعجمة فهمزة فهاء وفي بعض النسخ بالميضأة (قال) في النهاية الميضأة بالقصر وكسر الميم وقد تمدّ مطهرة كبيرة يتوضأ

حكم مسح الأذنين وأقوال العلماء في تجديد الماء لهما. بيان ما دل عليه حديث عثمان الثاني زيادة على ما تقدم من طلب غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء وغير ذلك

منها ووزنها مفعلة ومفعالة والميم زائدة اهـ (قوله فأصغاها على يده) أى أمالها حتى سكب الماء على يده اليمنى فغسلها مع يده اليسرى ثلاثا كما في الرواية المتقدّمة فأصغى من الإصغاء وهو الإمالة (قوله واستنثر ثلاثا) أى أخرج الماء من أنفه بعد الاستنشاق (قوله فمسح برأسه وأذنيه) فيه أنه مسح الأذنين بماء مسح به الرأس وهو حجة لأبى حنيفة على أن مسح الأذنين يكون بماء الرأس (وقد) اختلف في مسح الأذنين وفي تجديد الماء لهما (فذهبت) الحنفية إلى أن مسحهما سنة وأن يكون بماء الرأس ما دام في اليد بلل وإلا فيكون بماء جديد (وذهب) جمهور المالكية إلى أن مسحهما ظاهرهما وباطنهما سنة (وقال) ابن مسلمة والأبهرى إن مسحهما فرض (واختلفوا) في تجديد الماء لهما فقيل سنة وقيل مستحب (وقالت) الحنابلة يجب مسح ظاهرهما وباطنهما وتجديد الماء لهما سنة (وذهبت) الشافعية إلى أنه يسنّ مسح ظاهرهما وباطنهما بعد مسح الرأس وأن الأكمل تجديد الماء لهما. واستدلوا هم ومن وافقهم بحديث عبد الله بن وهب قال أخبرني عمرو ابن الحارث عن حبان بن واسع أن أباه حدّثه أنه سمع عبد الله بن زيد يذكر أنه رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ فأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذى أخذ لرأسه رواه البيهقى وقال هذا إسناد صحيح، وحمله الأولون على أنه إنما أخذ لهما ماء جديدا لعدم بقاء بلل على اليد بعد مسح الرأس جمعا بينه وبين الروايات الكثيرة الدالة على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح الرأس والأذنين بماء واحد (ومنه) تعلم ردّ قول ابن القيم في الهدى لم يثبت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه أخذ لهما ماء جديدا وإنما صح ذلك عن ابن عمر اهـ (قوله فغسل بطونهما الخ) أى مسحهما ففيه إطلاق الغسل على المسح مجازا بقرينة السياق وبأنهما لا يغسلان بالإجماع (قال) ابن رشد قد شذّ قوم فذهبوا إلى أنهما يغسلان مع الوجه (وذهب) آخرون إلى أنه يمسح باطنهما مع الرأس ويغسل ظاهرهما مع الوجه، وقوله مرة واحدة حجة للجمهور على أن المسح لا يسنّ فيه التثليث خلافا للشافعية القائلين بسنيته. (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يطلب من الجاهل أن يتعلم أمر دينه بالسؤال أو غيره وعلى أن المسئول عن علم يطلب منه الإجابة إذا كان عالما بما سئل عنه، وعلى أنه يطلب غسل اليد قبل إدخالها في الإناء، وعلى أنه يطلب غسل العضو اليمين قبل اليسار في الوضوء، وعلى أنه يطلب الترتيب في الوضوء، وتقدّم بيانه، وعلى أنه يطلب تثليث الأعضاء إلا الرأس والأذنين، وعلى أن الرجلين يغسلان لا يمسحان، وعلى أنه يطلب من المسئول أن يعتنى بأمر السائل إلى غير ذلك مما تقدم في الحديث أول الباب. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي.

دليل من قال إن مسح الرأس مرة واحدة وسقوط ما اعترض به على المصنف في ذلك

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: " أَحَادِيثُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الصِّحَاحُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ أَنَّهُ مَرَّةً، فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا الْوُضُوءَ ثَلَاثًا، وَقَالُوا فِيهَا: وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا عَدَدًا كَمَا ذَكَرُوا فِي غَيْرِهِ " (ش) أراد المصنف بهذا بيان أن الأحاديث الصحيحة الواردة عن سيدنا عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تدلّ على أن الوارد في مسح الرأس مرة واحدة بلا تثليث. وذلك أن رواة حديث وضوء عثمان ذكروا صفة وضوئه وبينوا أنه ثلث الغسل في كل عضو مغسول وأنه مسح الرأس ولم يذكروا عنه فيه عددا. وهذا يدلّ على أن المصنف يرى أن حديث عبد الرحمن بن وردان السابق الذى فيه ومسح رأسه ثلاثا ضعيف لما تقدّم من أن عبد الرحمن بن وردان فيه مقال. وكذا ما سيأتى للمصنف عن عامر بن شقيق وفيه ومسح رأسه ثلاثا ضعيف أيضا فإن عامر بن شقيق متكلم فيه كما سياتى "وبهذا" تعلم سقوط ما اعترض به على المصنف من أنه كيف يدّعى أن أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة واحدة مع أنه روى التثليث عن عثمان من طريقين صحيحين طريق عبد الرحمن بن وردان وطريق عامر بن شقيق. ولا حاجة لما أجاب به الحافظ في الفتح بأنه يحمل قول أبى داود على إرادة استثناء الطريقين اللذين ذكرهما فكأنه قال كلها تدلّ على أن مسح الرأس مرة واحدة إلا هذين الطريقين فإنه لا يتمشى إلا على صحة هذين الطريقين وقد علمت ضعفهما (قوله لم يذكروا عددا الخ) أى لم يذكر رواة أحاديث عثمان عددا في مسح الرأس كما ذكروا عدد الغسل في باقى الأعضاء فدلّ ذلك على أن مسح الرأس كان مرة واحدة لأنه لو ثبت فيه التثليث لفعله عثمان ولحكى عنه، وقد ورد التصريح بأن مسح الرأس مرة واحدة في عدّة أحاديث صحيحة تقدم بعضها وسيأتى البعض ومنها ما أخرجه الدارقطنى بسنده إلى عمر بن عبد الرحمن بن سعيد المخزومى حدّثنى جدّى عن عثمان بن عفان أنه خرج في نفر من أصحابه حتى جلس على المقاعد فدعا بوضوء فغسل يديه ثلاثا وتمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا وذراعيه ثلاثا ومسح برأسه مرة واحدة وغسل رجليه ثلاثا ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ. (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَنَا عِيسَى، أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ، أَنَّ عُثْمَانَ «دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، فَأَفْرَغَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى

بيان الكوع والكرسوع والرسغ

الْيُسْرَى، ثُمَّ غَسَلَهُمَا إِلَى الْكُوعَيْنِ»، قَالَ: «ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَذَكَرَ الْوُضُوءَ ثَلَاثًا»، قَالَ: «وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ»، وَقَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مِثْلَ مَا رَأَيْتُمُونِي تَوَضَّأْتُ»، ثُمَّ سَاقَ نَحْوَ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ وَأَتَمَّ. (ش) (رجال الحديث) (قوله عيسى) بن يونس (قوله عبيد الله يعنى ابن أبي زياد) بالتصغير وفي بعض النسخ عبد الله بالتكبير أبو الحصين المكي. روى عن أبى الزبير ويعقوب ابن إبراهيم وأبي الطفيل وشهر بن حوشب والقاسم بن محمد وغيرهم، وعنه أبو عاصم ويحيى بن سعيد ووكيع وسفيان الثورى وأبو حنيفة وغيرهم. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه. قال العجلى ثقة وقال ابن معين ضعيف وقال أحمد صالح الحديث وقال النسائى ليس بالقوى وقال أبو حاتم ليس بالقوى ولا بالمتين هو صالح الحديث يكتب حديثه وقال أبو داود أحاديثه مناكير وقال ابن عدى لم أر له شيئا منكرا. توفي سنة خمسين ومائة (قوله عبد الله بن عبيد بن عمير) بن قتادة الليثى المكي أبو هاشم. روى عن أبيه وابن عمر وعائشة وثابت البنانى والحارث بن عبد الله وغيرهم، وعنه الزهرى وابن جريج والأوزاعي وعكرمة بن عمار وعطاء بن السائب. وثقه أبو حاتم وقال يحتج بحديثه وقال أبو زرعة والعجلى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن حزم لم يسمع من عائشة وقال البخارى في التاريخ لم يسمع من أبيه شيئا. مات سنة ثلاث عشرة ومائة (قوله عن أبى علقمة) المصرى مولى بنى هاشم. روى عن عثمان وابن مسعود وأبي هريرة وابن عمر وغيرهم، وعنه عطاء العامرى وصالح بن أبي مريم وأبو الزبير وشراحيل المعافرى وجماعة. قال أبو حاتم أحاديثه صحاح وذكره ابن حبان في الثقات وقال العجلى تابعى ثقة وقال ابن يونس كان قاضى إفريقية وكان أحد الفقهاء. (معنى الحديث) (قوله فتوضأ) أى شرع في الوضوء، وهذا مجمل فصله بما بعده (قوله ثم غسلهما إلى الكوعين) تثنية كوع وهو طرف العظم الذى يلي رسغ اليد المحاذى للإبهام وهما عظمان متلاصقان في الساعد أحدهما أدقّ من الآخر وطرفاهما يلتقيان عند مفصل الكف فالذى يلى الخنصر يقال له الكرسوع والذى يلى الإبهام يقال له الكوع (قوله قال ثم مضمض الخ) أى قال أبو علقمة ثم تمضمض واستنشق عثمان ثلاثا وذكر أن عثمان غسل سائر الأعضاء التى تغسل في الوضوء ثلاثا ثلاثا (قوله ومسح برأسه) هذه الرواية مطلقة لم تقيد بعدد فتحمل على الواحدة كما ورد في الرواية الصحيحة

وتقدم بسط ذلك (قوله ثم غسل رجليه) أى ثلاثا ثلاثا إلى الكعبين كما هو ثابت في الروايات الصحيحة، وخصهما بالذكر مع دخولهما في قوله وذكر الوضوء ثلاثا لبيان أن فرضهما الغسل لا المسح كما قد يتوهم (قوله ثم ساق نحو حديث الزهرى وأتمّ) أى ذكر عبيد الله بن أبى زياد بسنده إلى أبى علقمة نحو حديث الزهرى عن عطاء بن يزيد المتقدم أول الباب وهو أتمّ من حديث الزهرى وغرض المصنف بهذا الإشارة إلى أن هذه الرواية وإن كانت ضعيفة لضعف عبيد الله بن أبي زياد لكنها تقوّت بموافقتها رواية الزهرى الصحيحة، وإنما أرجعنا ضمير ساق إلى عبيد الله لأنه من طبقة الزهرى إذ بين كل منهما وبين عثمان رجلان وهذه الرواية أخرجها الدارقطنى عن عثمان بن عفان أنه دعا يوما بوضوء ثم دعا ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى وغسلها ثلاثا ثم مضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه إلى المرفقين ثلاثا ثلاثا ثم مسح برأسه ثم غسل رجليه فأنقاهما ثم قال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ مثل هذا الوضوء الذى رأيتمونى توضأته ثم قال من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين كان من ذنوبه كيوم ولدته أمه ثم قال أكذلك يا فلان قال نعم ثم قال أكذلك يا فلان قال نعم حتى استشهد ناسا من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم قال الحمد لله الذي وافقتموني على هذا (ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَامِرِ بْنِ شَقِيقِ بْنِ جَمْرَةَ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ «غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا»، ثُمَّ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَعَلَ هَذَا» (ش) هذه الرواية أخرجها الدارقطنى تامة بسنده إلى شقيق بن سلمة قال رأيت عثمان توضأ فمضصض واستنشق ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا وخلل لحيته ثلاثا وغسل ذراعيه ثلاثا ثلاثا ومسح رأسه ثلاثا وغسل رجليه ثلاثا ثلاثا ثم قال رأيت رسول الله صل الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل هذا (رجال الحديث) (قوله هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادى المعروف بالحمال أبو موسى البزاز الحافظ. روى عن يزيد بن هارون ووهب بن جرير وأبى داود، الطيالسي وابن عيينة وأبى أسامة وغيرهم. وعنه أبو زرعة والبصرى ومسلم والنسائى والترمذى وابن ماجه وغيرهم. وثقه النسائى والدارقطني وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم صدوق وقال الحربي لو كان الكذب حلالا لتركه تنزها. ولد سنة إحدى أو اثنتين وسبعين ومائة، وتوفي سنة ثلاث وأربعين ومائتين (قوله إسراءيل) بن يونس (قوله عامر بن شقيق بن جمرة)

الأسدى الكوفي. روى عن شقيق بن سلمة، وعنه السفيانان وشعبة وشريك وغيرهم، ذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم ليس بالقوى وقال النسائى ليس به بأس وضعفه ابن معين (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ قَالَ: تَوَضَّأَ ثَلَاثًا فَقَطْ (ش) أراد المصنف بهذا بيان أن وكيع بن الجرّاح الثقة قد روى الحديث السابق عن إسراءيل بن يونس مقتصرا على ذكر التثليث في الأعضاء المغسولة ولم يذكر تثليث مسح الرأس وقد خالفه يحيى بن آدم حيث ذكر في الحديث تثليث مسح الرأس، وقد تقدم أن يحيى بن آدم ثبت حجة ما لم يخالف من فوقه كوكيع فيكون حديثه ضعيفا، وخالف وكيعا أيضا مصعب بن المقدام وعبد الله بن نمير، فقد أخرج الدارقطني بسنده إليهما الحديث عن إسراءيل عن عامر بن شقيق عن أبى وائل قال رأيت عثمان بن عفان يتوضأ فغسل يديه ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا ومضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا وغسل ذراعيه ثلاثا ومسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما ثم غسل قدميه ثلاثا ثم خلل أصابعه وخلل لحيته ثلاثا حين غسل وجهه ثم قال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل كالذى رأيتمونى فعلت لفظهما سواء حرفا بحرف (قال) موسى بن هارون وفي هذا الحديث موضع فيه عندنا وهم لأن فيه الابتداء بغسل الوجه قبل المضمضة والاستنشاق وقد رواه عبد الرحمن بن مهدى عن إسراءيل بهذا الإسناد فبدأ فيه بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه، وتابعه أبو غسان مالك بن إسماعيل عن إسراءيل فبدأ فيه بالمضمضة والاستنشاق قبل الوجه وهو الصواب اهـ (قوله توضأ ثلاثا قط) بفتح القاف، وفي نسخة فقط وهي بمعنى حسب أى قال وكيع في روايته توضأ عثمان ثلاثا فقط ولم يفصل كما فصل يحيى عن إسراءيل بقوله غسل ذراعيه ثلاثا ومسح رأسه ثلاثا. (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ: أَتَانَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَدْ صَلَّى فَدَعَا بِطَهُورٍ، فَقُلْنَا مَا يَصْنَعُ بِالطَّهُورِ وَقَدْ صَلَّى مَا يُرِيدُ، إِلَّا أن يُعَلِّمَنَا، فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَطَسْتٍ «فَأَفْرَغَ مِنَ الْإِنَاءِ عَلَى يَمِينِهِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، فَمَضْمَضَ وَنَثَرَ مِنَ الْكَفِّ الَّذِي يَأْخُذُ فِيهِ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا، وَغَسَلَ يَدَهُ الشِّمَالَ ثَلَاثًا، ثُمَّ جَعَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا، وَرِجْلَهُ الشِّمَالَ ثَلَاثًا»، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ وُضُوءَ

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَهُوَ هَذَا»، (ش) (رجال الحديث) (قوله أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله (قوله خالد بن علقمة) الهمداني أبو حية. روى عن عبد خير، وعنه زائدة والثورى وأبو الأحوص وشعبة وأبو حنيفة وكثيرون، وثقه ابن معين والنسائى وقال أبو حاتم شيخ (قوله عبد خير) ويقال اسمه عبد الرحمن ابن يزيد أو يحمد ويقال ابن بجيد أبو عمارة الهمدانى الكوفي. روى عن أبي بكر الصديق وابن مسعود وعائشة وعلى وزيد بن أرقم، وعنه ابنه المسيب وأبو إسحاق السبيعى والحكم بن عتيبة والشعبى وغيرهم، وثقه ابن معين والنسائى والعجلى وذكره ابن حبان في الثقات أسلم زمن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يرو عنه ولم تصح له صحبة وهو من كبار أصحاب علىّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، عاش فوق مائة وعشرين سنة وذكره أحمد في الأثبات عن عليّ وذكره مسلم في الطبقة الأولى من تابعى أهل الكوفة. (معنى الحديث) (قوله أتانا علىّ) أى في منازلنا، وفي رواية النسائى أتينا علىّ بن أبى طالب أى في منزله (قوله ما يريد إلا أن يعلمنا) وفي نسخة إلا ليعلمنا أى ما يريد علىّ بوضوئه أمرا من الأمور إلا تعليمنا كيفية وضوء النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالفعل لكونه أبلغ فالاستثناء من العموم، وهذا جواب عن الاستفهام والمجيب هو البعض المسئول، أو أنهم بعد أن خطر ببالهم السؤال خطر ببالهم الجواب (قوله وطست) بالجر يحتمل أنه عطف تفسير فيكون المراد بالإناء الطست، أو أن العطف للمغايرة فيكون الطست غير الإناء، والمعنى أنه أتى بالماء في قدح أو إبريق أو نحو ذلك ليتوضأ منه، وأتى بطست ليتساقط فيه الماء السائل من أعضاء الوضوء، والاحتمال الثاني هو الأولى لأن الأصل في العطف أن يكون للمغايرة والطست بفتح الطاء أصلها طس فأبدل أحد السينين تاء لثقل اجتماع المثلين لأنه يقال في الجمع طساس مثل سهم وسام وفي التصغير طسيسة وجمعت أيضا على طسوس باعتبار الأصل وعلى طسوت باعتبار اللفظ وهي مؤنثة (ونقل) عن بعضهم التذكير والتأنيث فيقال هو الطسة والطست وهي الطسة والطست (وقال) الزجاج التأنيث أكثر كلام العرب وجمعها طسات على لفظها (وقال) السجستاني هى أعجمية معربة ولهذا قال الأزهرى هي دخيلة في كلام العرب لأن التاء والطاء لا يجتمعان في كلمة عربية اهـ وحكى طشت بالشين المعجمة وهو من آنية النحاس (قوله واستنثر) المراد من الاستنثار هنا الاستنشاق لما في رواية النسائى ثم تمضمض واستنشق (قوله ثلاثا) راجع لكلّ من مضمض واستنثر (قوله فضمض ونثر إلخ) أى مضمض واستنشق من الكف اليمنى الذى يأخذ فيه الماء، وفي رواية النسائى من الكف الذى يأخذ به الماء، أما الاستنثار

معرفة آثار الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أعظم النعم التي يفرح بها المؤمن

فباليسرى لما في رواية للنسائى والدارمى من طريق زائدة عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علىّ أنه دعا بوضوء فتمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى ففعل هذا ثلاثا (قوله ثم غسل يده اليمنى) أى إلى المرفق، وفي نسخة بالواو بدل ثم أى غسل اليد اليمنى أولا ثم اليسرى ثانيا كما تقدم في رواية عطاء (قوله من سرّه أن يعلم الخ) يعنى من أراد أن يفرح بمعرفة كيفية وضوء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فليعلم أنه مثل وضوئى هذا، فالسرور الفرح يقال سرّه يسرّه سرورا بالضم إذا أفرحه والاسم السرور بالفتح والمسرّة منه وهو ما يسرّ الإنسان والجمع المسارّ. (فقه الحديث) في الحديث زيادة على ما تقدّم دليل على أنه يطلب من أهل العلم أن يعلموا الجاهلين بدون طلب منهم، وعلى أن معرفة آثار الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أعظم النعم التي يفرح المؤمن بها. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي والنسائى والدارقطنى وابن حبان والترمذى وقال حديث حسن صحيح، وأخرج الدارمى وأحمد نحوه. (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ: صَلَّى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْغَدَاةَ، ثُمَّ دَخَلَ الرَّحْبَةَ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتَاهُ الْغُلَامُ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَطَسْتٍ، قَالَ: «فَأَخَذَ الْإِنَاءَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى، وَغَسَلَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ أَخَذَ الإناء بيَدِهِ الْيُمْنَى فَأَفْرَغَ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثلاثاً ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى فِي الْإِنَاءِ فَتمَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا»، ثُمَّ سَاقَ قَرِيبًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ، «ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ مُقَدَّمَهُ وَمُؤَخِّرَهُ مَرَّةً» ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ نَحْوَهُ. (ش) (رجال الحديث) (قوله الحسين بن على) بن الوليد الكوفى المقرئُ أبو عبد الله أحد الأئمة. روى عن فضيل بن عياض والأعمش وجعفر بن برقان وإسراءيل بن موسى وغيرهم، وعنه يحيى بن معين وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وسفيان بن عيينة وجماعة قال أحمد ما رأيت أفضل منه وقال العجلى وعثمان بن أبى شيبة وابن معين ثقة زاد العجلى كان صحح الكتاب، ولد سنة تسع عشرة ومائة. وتوفي سنة ثلاث أو أربع ومائتين

(قوله (ص) الجعفى) بضم الجيم وسكون العين المهملة نسبة إلى جعفى بن سعد أبى حيّ باليمن (قوله زائدة) بن قدامة (قوله الهمدانى) بسكون الميم نسبة إلى همدان شعب عظيم من قحطان (معنى الحديث) (قوله صلى على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُالغداة) أى صلاة الصبح (قوله ثم دخل الرحبة) بفتح الراء وسكون الحاء المهملة محلة بالكوفة كما في القاموس، وفي رواية الدارقطني جلس علىّ بعد ما صلى الفجر في الرحبة (قوله قال فأخذ الإناء بيده اليمنى الخ) أى قال عبد خير فأخذ عليّ الإناء الخ، وفي بعض النسخ ثم أخذ الإناء يبده اليمنى، وفي رواية الدارقطني فأخذ بيمينه الإناء فأكفأه على يده اليسرى ثم غسل كفيه ثم أخذ بيده اليمنى الإناء فأفرغ على يده اليسرى ثم غسل كفيه فعله ثلاث مرّات قال عبد خير كل ذلك لا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات (قوله ثم ساق قريبا من حديث أبى عوانة) أى ذكر زائدة بن قدامة حديثا قريبا من حديث أبى عوانة بين فيه ما بعد غسل الكفين إلى مسح الرأس، ولفظه كما في الدارقطني ثم أدخل يده اليمنى في الإناء فمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى فعل ذلك ثلاث مرّات ثم أدخل يده اليمنى في الإناء فغسل وجهه ثلاث مرّات ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرّات ثم غسل يده اليسرى إلى المرفق ثلاث مرّات ثم أدخل يده اليمنى في الإناء حتى غمرها الماء ثم رفعها بما حملت من الماء ثم مسحها بيده اليسرى (قوله قال ثم مسح رأسه مقدّمه الخ) أى قال زائدة في حديثه ثم مسح على رأسه مقدّمه بضم الميم وفتح الدال المهملة المشددة، والمراد أنه عمم رأسه بالمسح بدأ بمقدّم الرأس إلى القفا ثم ردّهما حتى رجع إلى المكان الذى بدأ منه كما ذكر في الروايات الأخر، وفيه تصريح أيضا بأن مسح الرأس كان مرّة واحدة (قوله ثم ساق الحديث نحوه) أى ذكر زائدة تمام حديثه وهو ما بعد مسح الرأس نحو بقية حديث أبى عوانة، ولفظه كما في الدارقطني ثم صبّ بيده اليمنى على قدمه اليمنى ثلاث مرّات ثم غسلها بيده اليسرى ثلاث مرّات ثم صب بيده اليمنى على قدمه اليسرى ثلاث مرات ثم غسلها بيده اليسرى ثلاث مرّات ثم أدخل يده اليمنى في الإناء فغرف بيده فشرب ثم قال هذا طهور نبى الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أحب أن ينظر إلى طهور نبى الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فهذا طهوره. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارمى والدارقطني وابن حبان والبزار وأخرج النسائى نحوه وأخرجه البيهقي بأتمّ منه عن عبد خير أن عليا أتى بوضوء أو أتى بإناء فيه ماء فأفرغ على يديه من الإناء فغسلهما ثلاثا قبل أن يدخل يده في الإناء فأدخل يده اليمنى في الإناء فملأ فمه فتمضمض واستنشق واستنثر بيده اليسرى ففعل ذلك ثلاثا ثم أدخل يده في الإناء فغسل وجهه ثلاثا ثم غسل يده اليمنى ثلاث مرّات إلى المرفق ثم غسل يده اليسرى ثلاث مرّات إلى المرفق

ثم أدخل يده اليمنى في الإناء حتى غمرها الماء فرفعها بما حملت من الماء ثم مسحها بيده اليسرى ثم مسح رأسه بيديه كلتيهما مرّة ثم صبّ بيده اليمنى ثلاث مرّات على قدمه اليمنى ثم غسلها بيده اليسرى ثم صبّ بيده اليمنى على قدمه اليسرى ثلاث مرّات ثم غسلها بيده اليسرى ثم قال هذا طهور رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فمن أحب أن ينظر إلى طهور رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فهذا طهوره. (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِي شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ عُرْفُطَةَ، سَمِعْتُ عَبْدَ خَيْرٍ، قال رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ «أُتِيَ بِكُرْسِيٍّ فَقَعَدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ مَعَ الِاسْتِنْشَاقِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ»، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. (ش) (رجال الحديث) (قوله شعبة) بن الحجاج (قوله قال سمعت مالك بن عرفطة) بضم العين المهملة وسكون الراء وضم الفاء وفتح الطاء المهملة، وظاهر المصنف أن شعبة روى هذا الحديث عن مالك بن عرفطة لكن اتفق الحفاظ كالترمذى والنسائى وغيرهم على وهم شعبة في تسمية شيخه بمالك بن عرفطة وقالوا إنما هو خالد بن علقمة، قال النسائى في سننه بعد روايته لهذا الحديث هذا خطأ والصواب خالد بن علقمة ليس مالك بن عرفطة اهـ وقال الترمذى روى شعبة هذا الحديث عن خالد بن علقمة فأخطأ في اسمه واسم أبيه فقال مالك بن عرفطة والصحيح خالد بن علقمة اهـ على أن أبا داود نفسه ذكر ما يفيد خطأ شعبة في تسمية شيخه في هذا الحديث بمالك بن عرفطة (وقال) الحافظ في تهذيب التهذيب ذكر أبو داود في السنن في رواية أبى الحسن بن العبد عنه أن أبا عوانة قال يوما حدثنا مالك بن عرفطة فقال له عمرو الأغضف هذا خالد بن علقمة ولكن شعبة يخطئُ فيه فقال أبو عوانة هو في كتابي خالد ابن علقمة ولكن قال لى شعبة هو مالك بن عرفطة قال أبو داود حدثنا عمرو بن عون حدثنا أبو عوانة حدثنا مالك بن عرفطة قال أبو داود وسماعه "أى عمرو بن عون" قديم قال وحدثنا أبو كامل حدثنا أبو عوانة حدثنا خالد بن علقمة قال أبو داود وسماعه "أى أبى كامل" متأخر كأنه "أى أبا عوانة" رجع إلى الصواب، وقال البخارى وأحمد وأبو حاتم وابن حبان في الثقات وهم شعبة في تسميته حيث قال مالك بن عرفطة اهـ. (معنى الحديث) (قوله ثم أتى بكوز) بضم الكاف ما له عروة من أواني الشرب جمعه كيزان وأكواز وكوزة بوزن عنبة مثل عود وعيدان وأعواد وعودة وما لا عروة له يسمى كوبا بالضم وجمعه أكواب (قوله ثم تمضمض مع الاستنشاق

هديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في صفة المضمضة والاستنشاق جواز الجلوس على الكرسي حال الوضوء

الخ) أى جمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة (قال) ابن القيم في الهدى: وكان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتمضمض ويستنشق تارة بغرفة وتارة بغرفتين وتارة بثلاث وكان يصل بين المضمضة والاستنشاق فيأخذ نصف الغرفه لفمه ونصفها لأنفه ولا يمكن في الغرفة إلا هذا، وأما الغرفتان والثلاث فيمكن فيهما الفصل والوصل إلا أن هديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان الوصل بينهما كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تمضمض واستنشق من كف واحدة فعل ذلك ثلاثا، وفي لفظ تمضمض واستنثر ثلاث غرفات، فهذا أصح ما روى في المضمضة والاستنشاق ولم يجئ الفصل بين المضمضة والاستنشاق في حديث صحيح ألبتة اهـ وتقدم بسط ذلك (قوله وذكر الحديث) وفى نسخة وذكر هذا الحديث أى ذكر شعبة بقية الحديث وهو كما في البيهقى وغسل وجهه ثلاثا بيد واحدة وغسل ذراعيه ثلاثا ووضع يده في التور ثم مسح برأسه وأقبل بيديه على رأسه ولا أدرى أدبر بهما أم لا وغسل رجليه ثلاثا ثم قال من سرّه أن ينظر إلى طهور النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فهذا طهوره، وتمامه في النسائى من طريق عبد الله بن المبارك عن شعبة عن مالك بن عرفطة وفيه ثم مضمض واستنشق بكفّ واحدة ثلاث مرّات وغسل وجهه ثلاثا وغسل ذراعيه ثلاثا ثلاثا وأخذ من الماء فمسح برأسه وأشار شعبة مرّة من ناصيته إلى مؤخر رأسه ثم قال لا أدرى أردّهما أم لا وغسل رجليه ثلاثا ثلاثا ثم قال من سرّه أن ينظر إلى طهور رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فهذا طهوره اهـ وتقدم عن النسائى وغيره أن الصواب خالد بن علقمة بدل مالك بن عرفطة. (فقه الحديث) والحديث يدل زيادة على ما تقدم على جواز الجلوس على الكراسى، وعلى مشروعية الجمع بين المضمضة والاستنشاق بماء واحد. (من أخرح الحديث أيضا) أخرجه البيهقى وكذا النسائى من طريقين. (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا رَبِيعَةُ الْكِنَانِيُّ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَسُئِلَ عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ: «وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى لَمَّا يَقْطُرْ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا»، ثُمَّ قَالَ: «هَكَذَا كَانَ وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله أبو نعيم) بضم النون وفتح العين المهملة هو

استحباب تخفيف مسح الرأس وعدم المبالغة فيه

الفضل بن عمرو الملقب بدكين الكوفي الملائى الأحول الحافظ، روى عن الأعمش ومالك والثورى وزهير بن معاوية وجعفر بن برقان وغيرهم، وعنه أحمد وإسحاق بن راهويه وأبو حاتم وأبو زرعة وابن معين وآخرون، قال أحمد كان ثقة عارفا بالحديث وقال يعقوب بن سفيان أجمع أصحابنا على أن أبا نعيم كان غاية في الإتقان وقال إذا مات أبو نعيم صار كتابه إماما إذا اختلف الناس فزعوا إليه وكان يعرف في حديثه الصدق وقال يعقوب بن شيبة ثقة ثبت صدوق وقال ابن معين ما رأيت محدّثا أصدق من أبى نعيم وقال العجلى ثقة ثبت في الحديث وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث حجة وقال أحمد بن صالح ما رأيت محدّثا أصدق من أبي نعيم وكان يدلس. ولد سنة ثلاثين ومائة، وتوفي سنة ثماني عشرة ومائتين (قوله ربيعة) ابن عتبة ويقال ابن عبيد الكوفي. روى عن عطاء بن أبى رباح والمنهال بن عمرو، وعنه مروان بن معاوية والوليد بن قاسم وعبد الله بن رجاء وغيرهم، وثقه ابن معين وأبو نعيم والعجلى ولم يرو له المصنف إلا هذا الحديث وقال أبو حاتم شيخ وذكره ابن حبان في الثقات (قوله الكناني) بكسر الكاف بعدها نون منسوب إلى كنانة بطن من كليب (قوله المنهال بن عمرو) الأسدى الكوفي. روى عن عبد الله بن الحارث ومحمد بن الحنفية وسعيد ابن جبير وعبد الرحمن بن أبى ليلى وغيرهم، وعنه شعبة والحجاج بن أرطاة ومنصور بن المعتمر وميسرة بن حبيب وآخرون، قال ابن معين والنسائى والعجلى ثقة وقال الدارقطنى صدوق وذكره ابن حبان في الثقات (قوله زرّ بن حبيش) بكسر الزاى وتشديد الراء وحبيش بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة ابن حباشة بضم الحاء المهملة وتخفيف الموحدة ابن أوس بن بلال وقيل هلال الأسدى أبو مريم الكوفي. روى عن عمر وعثمان وعلى وعائشة وحذيفة وغيرهم، وعنه إبراهيم النخعى وعلى بن ثابت والشعبي وأبو إسحاق الشيبانى وجماعة، وثقه ابن معين وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال العجلى كان ثقة وهو من أصحاب على وعبد الله. توفي سنة إحدى وثمانين ومائة (قوله فذكر الحديث الخ) أى ذكر زرّ بن حبيش حديث وضوء علىّ وقال في حديثه ومسح على على رأسه حتى لما يقطر أى فلم يقطر الماء فحتى بمعنى الفاء ولما بمعنى لم والمراد أنه مسح رأسه مسحا خفيفا فلم يقطر الماء من رأسه، ففيه استحباب تخفيف المسح وعدم المبالغة فيه، وبعضهم أبقى لما على حقيقتها فجعل منفيها متوقع الحصول وعليه فيكون عبارة عن كونه مسح مسحا مبالغا فيه حتى كاد يقطر الماء من رأسه. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي قال الحافظ في التلخيص والحديث أعله أبو زرعة بأنه إنما يروى عن المنهال عن أبى حية عن علىّ اهـ أى فتكون روايته عن زرّ غير معروفة

وقال ابن القطان لا أعلم لهذا الحديث علة. (ص) حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثَنَا فِطْرٌ، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ «تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَاحِدَةً»، ثُمَّ قَالَ: «هَكَذَا تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله زياد بن أيوب) بن زياد البغدادي أبو هاشم المعروف بدلوية بفتح الدال المهملة وضم اللام المشدّدة. روى عن هشيم وعبد الله بن إدريس ووكيع ومروان ابن معاوية وآخرين، وعنه البخارى وأبو داود والترمذى والنسائى وأحمد وأبو حاتم وابن خزيمة وغيرهم، قال أبو حاتم صدوق وقال النسائى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال الدارقطني ثقة مأمون وقال أبو إسحاق الأصبهانى ليس على بسيط الأرض أحد أوثق من زياد بن أيوب، ولد سنة ست وستين ومائة. وتوفى سنة اثنتين وخمسين ومائتين (قوله الطوسى) نسبة إلى طوس بلد بنيسابور على مرحلتين (قوله عبيد الله بن موسى) بن أبى المختار العبسى أبو محمد الكوفي. روى عن هشام بن عروة والثورى وابن جريج والأعمش والأوزاعي وآخرين، وعنه البخارى وأبو حاتم ووكيع بن الجراح وأحمد وابن معين وإسحاق بن راهويه وكثيرون، وثقه ابن معين والعجلى وأبو حاتم وقال ابن سعد كان ثقة صدوقا كثير الحديث وكان تشيع ويروى أحاديث في التشيع منكرة وضعف بذلك عند كثير من الناس وقال يعقوب بن سفيان شيعىّ منكر الحديث، ولد سنة ثمان وعشرين ومائة، وتوفي سنة ثلاث عشرة ومائتين (قوله فطر) بكسر الفاء وسكون الطاء المهملة ابن خليفة القرشى أبو بكر الكوفي من صغار التابعين. روى عن أبى وائل وعمرو بن حريث وأبى إسحاق السبيعى وعاصم بن بهدلة وشرحبيل بن سعد وآخرين وعنه أبو نعيم والسفيانان وابن المبارك ووكيع وأبو أسامة وغيرهم، وثقه ابن سعد وأحمد وقال صالح الحديث وقال العجلى ثقة حسن الحديث وقال الساجى كان ثقه وليس بمتقن وقال الجوزجانى كان غير ثقة لأنه كان فيه تشيع قليل وقال الدارقطني زائغ ولم يحتج به البخارى. توفى سنة ثلاث أو خمس وخمسين ومائة (قوله عن أبى فروة) هو مسلم بن سالم النهدى المعروف بالجهنى الكوفى. روى عن أبى الأحوص وعبد الله بن يسار وآخرين، وعنه أبو عوانة والسفيانان وشعبة وغيرهم، وثقه ابن معين وقال أبو حاتم صالح الحديث ليس به بأس وذكره

ابن حبان في الثقات (قوله عبد الرحمن بن أبى ليلى) بن بلبل ببن أحيحة بن الجلاح الأنصارى أبو عيسى الكوفى. روى عن عثمان وعلى وحذيفة ومعاذ بن جبل وابن مسعود وابن عمر وغيرهم من الصحابة، وعنه ابنه عيسى ومجاهد بن جبر والمنهال بن عمرو والشعبي والأعمش وجماعة، قال عبد الملك بن عمير لقد رأيت عبد الرحمن في حلقة فيها نفر من الصحابة منهم البراء يسمعون حديثه وينصتون له وقال عبد الله بن الحارث ما ظننت أن النساء ولدن مثله وتقدم شرح الحديث وفقهه، ولم يذكر في هذه الرواية غسل الرجلين لكنه معلوم من الأحاديث الأخر، وتفرّد المصنف بالحديث. قال الحافظ في التلخيص سنده صحيح. (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، وَأَبُو تَوْبَةَ، قَالَا: ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، ح وحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي حَيَّةَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ «تَوَضَّأَ فَذَكَرَ وُضُوءَهُ كُلَّهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا»، قَالَ: «ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّمَا أَحْبَبْتُ أَنْ أُرِيَكُمْ طُهُورَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله أبو توبة) الربيع بن نافع و (أبو الأحوص) سلام ابن سليم (قوله عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله بن عبيد الهمدانى السبيعى بفتح السين المهملة الكوفى أحد التابعين، روى عن على بن أبى طالب والبراء بن عازب والمغيرة بن شعبة وعدى بن حاتم وزيد بن أرقم وآخرين، وعنه قتادة وسليمان التيمى والأعمش وشريك وابن عيينة وغيرهم، قال أبو حاتم وابن معين والنسائي والعجلي ثقة وقال ابن حبان في الثقات كان مدلسا وقال الحافظ اختلط في آخر عمره وسمع منه ابن عيينة بعد ما اختلط، توفى سنة ست أو ثمان وعشرين ومائة (قوله عن أبى حية) بفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة التحتية هو ابن قيس الهمدانى الوداعي يقال اسمه عمر بن نصر ويقال عمرو بن الحارث، روى عن على بن أبي طالب وعبد خير. وعنه أبو إسحاق السبيعى، قال الذهبى لا يعرف، تفرّد عنه أبو إسحاق وقال ابن المدينى وأبو الوليد مجهول وقال أبو زرعة لا يسمى وصحح خبره ابن السكن وغيره وذكره ابن حبان في الثقات وسماه عمرو بن عبد الله ووثقة ابن نمير. (معنى الحديث) (قوله فذكر وضوءه كله الخ) أى ذكر أبو حية أن عليا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ غسل كل أعضاء الوضوء ثلاثا ثلاثا ثم مسح رأسه يعنى مرة كما في أكثر الروايات الصحيحة (قوله إلى الكعبين) تثنية كعب العظم الناتئُ عند ملتقى الساق والقدم وقيل إنه العظم الذى في

ظهر القدم عند معقد الشراك وقيل هو المفصل بين الساق والقدم والصحيح الأول يؤيده حديث النعمان بن بشير الصحيح في صفة الصف في الصلاة قال فرأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه، لأن إلزاق الرجل كعبه بكعب صاحبه إنما يتأتى على القول الأول دون الثاني (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الترمذى والنسائى وفيهما ثم قام فأخذ فضل طهوره فشربه وهو قائم. (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ الْخَوْلَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ دَخَلَ عَلَيَّ عَلِيٌّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ أَهْرَاقَ الْمَاءَ فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَتَيْنَاهُ بِتَوْرٍ فِيهِ مَاءٌ، حَتَّى وَضَعْنَاهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَلَا أُرِيكَ كَيْفَ كَانَ يَتَوَضَّأُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «فَأَصْغَى الْإِنَاءَ عَلَى يَدِهِ فَغَسَلَهَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى فَأَفْرَغَ بِهَا عَلَى الْأُخْرَى، ثُمَّ غَسَلَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاءِ جَمِيعًا، فَأَخَذَ بِهِمَا حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أَلْقَمَ إِبْهَامَيْهِ مَا أَقْبَلَ مِنْ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ الثَّالِثَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفِّهِ الْيُمْنَى قَبْضَةً مِنْ مَاءٍ، فَصَبَّهَا عَلَى نَاصِيَتِهِ فَتَرَكَهَا تَسْتَنُّ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ وَظُهُورَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ جَمِيعًا فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى رِجْلِهِ، وَفِيهَا النَّعْلُ فَفَتَلَهَا بِهَا، ثُمَّ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ» قَالَ: قُلْتُ: وَفِي النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ: وَفِي النَّعْلَيْنِ، قَالَ: قُلْتُ: وَفِي النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ: وَفِي النَّعْلَيْنِ، قَالَ: قُلْتُ: وَفِي النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ: وَفِي النَّعْلَيْنِ (ش) (رجال الحديث) (قوله الحرّاني) بفتح الحاء المهملة والراء المشددة نسبة إلى حرّان مدينة بالجزيرة بين دجلة والفرات (قوله محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانه) بضم الراء وتخفيف الكاف القرشى، روى عن عبيد الله الخولاني وسالم بن عبد الله وعكرمة مولى ابن عباس وغيرهم، وعنه عمرو بن دينار وحصين بن عبد الرحمن وابن إسحاق وآخرون، وثقة ابن

مذاهب العلماء في غسل البياض الذي بين الأذنين والعذار

معين وأبو داود، وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث، توفي سنة إحدى عشرة ومائة. روى له أبو داود وابن ماجه (قوله عبيد الله الخولانى) ابن الأسود ويقال ابن الأسد. روى عن عثمان بن عفان وميمونة وابن عباس وزيد بن خالد الجهنى وعنه محمد بن طلحة وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهما. ذكره ابن حبان في الثقات وهو من رواة الصحيحين والنسائى، و (الخولاني) بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو نسبة إلى خولان قبيلة بالشام. (معنى الحديث) (قوله دخل عَلَىَّ عَلِىُّ الخ) وفي النسخة المصرية دخل عَلَىَّ يعنى عَلِىَّ ابن أبى طالب، وهى غير واضحة، وفي رواية أحمد دخل عَلَىَّ عَلىٌّ بيتى (قوله وقد أهراق الماء) أى والحال أن عليا قد أهراق الماء، والمراد بالماء هنا البول ففى رواية أحمد وقد بال، وقيل المراد به الماء الذى استنجى به علىّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وأهراق بفتح الهمزة وسكون الهاء فعل ماض والمضارع منه يهريق بسكون الهاء تشبيها له بأسطاع يسطيع كأن الهمزة زيدت عوضا عن حركة الياء التى كانت في الأصل المبدلة ألفا ولهذا لا يصير الفعل بهذه الزيادة خماسيا وقيل إن الهاء زائدة (قوله فأتيناه بتور) بفتح المثناة من فوق وسكون الواو إناء صغير من نحاس أو حجارة كما تقدم (قوله حتى وضعناه بين يديه) أى فوضعناه أمامه فحتى عاطفة بمعنى الفاء (قوله قلت بلى) نفى للنفى الذى قبلها فكأنه قال أرني ذلك (قوله واستنثر) أى استنشق وأخرج الماء من الأنف بعد الاستنشاق أو أن المراد بالاستنثار الاستنشاق (قوله ثم أدخل يديه الخ) وفى رواية مسلم ثم أدخل يده وكذا في أكثر روايات البخارى، وفي رواية له أيضا عن ابن عباس ثم أخذ غرفة فجعل بها هكذا أضافها إلى يده الأخرى، فهذه أحاديث في بعضها يده وفى بعضها يديه وفي بعضها يده وضم إليها الأخرى ويجمع بين هذه الأحاديث بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل ذلك في مرات فهى دالة على جواز الأمور الثلاثة وأن الجميع سنة (قوله فأخذ بهما حفنة) بفتح الحاء المهملة وسكون الفاء يعنى ملء الكفين معا والجمع حفنات مثل سجدة وسجدات وفعله حفن يحفن من باب ضرب (قوله فضرب بها على وجهه) أى وجهه فعلى زائدة، وفي رواية أحمد وابن حبان فصكّ بها، وهذا يقتضى أنه لطم وجهه بالماء، والظاهر أن المراد أفاض ذلك الماء على وجهه وليس المراد بالضرب اللطم (قوله ثم ألقم إبهاميه الخ) أى جعل الإبهامين في الأذنين كاللقمة في الفم وهو الظاهر (قال) في النيل وبه استدلّ الماوردى على أن البياض الذى بين الأذن والعذار من الوجه كما هو مذهب الشافعية (وذهب) أكثر الحنفية إلى وجوب غسله مطلقا. وقال أبو يوسف يجب غسله على الأمر دون

استحباب وضع غرفة من ماء على الناصية بعد غسل الوجه في الوضوء

الملتحى (وللمالكية) في البياض الذى فوق وتد الأذن أربعة أقوال (أحدها) وجوب الغسل مطلقا. وهو مشهور المذهب (ثانيها) عدم وجوبه مطلقا (ثالثها) وجوبه على الأمر دون الملتحى (رابعها) سنية الغسل مطلقا بخلاف البياض الذى تحت الوتد فقالو يجب غسله مطلقا (قال) ابن تيمية في الحديث حجة لمن رأى أن ما أقبل من الأذنين من الوجه اهـ (وقال) النووى فيه دلالة لما كان ابن شريح يفعله فإنه كان يغسل الأذنين ويمسحهما أيضا منفردتين عملا بمذاهب العلماء، وهذه الرواية فيها تطهيرهما مع الوجه ومع الرأس اهـ (وقال) في المرقاة قال ابن حجر والأولى غسلهما مع الوجه ومسحهما مع الرأس خروجا من الخلاف، وفيه أنه لم يعرف في الشرع جمع عضو واحد بين الغسل والمسح وأيضا وجود المسح بعد الغسل عبث ظاهر اهـ (قوله ثم الثانية ثم الثالثة) أى فعل في الغسلة الثانية والثالثة مثل ما فعل في الأولى (قوله ثم أخذ بكفه اليمنى قبضة الخ) أى أخذ علىّ كفا من ماء على أعلى جبهته وتركه يسيل على وجهه، والقبضة بضم القاف وفتحها ما قبضت عليه من شئ يقال أعطاه قبضة من سويق أو تمر أى كفا منه، والناصية أعلى الجبهة، وتستن تسيل وتنصبّ من سننت الماء إذا صببته صبا سهلا، وفي رواية أحمد ثم أرسلها تسيل (وظاهر) الحديث استحباب أخذ كف من ماء وصبه على الناصية بعد الفراغ من غسل الوجه لكمال الاستيعاب، لكن في فعله رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تأويلات للعلماء (فقال) النووى هذه اللفظة مشكلة فإنه ذكر الصبّ على الناصية بعد غسل الوجه ثلاثا وقبل غسل اليدين ظاهره أنها مرة رابعة في غسل الوجه وهذا خلاف إجماع المسلمين فيتأول على أنه كان قد بقى من أعلى الوجه شئ لم يكمل فيه الثلاث فأكمل بهذه القبضة اهـ (وقال) العراقى في تأويله: الظاهر أنه إنما صب الماء على جزء من الرأس وقصد بذلك تحقق استيعاب الوجه كما قال الفقهاء اهـ (وقال) السيوطى المراد بذلك ما يسنّ فعله بعد فراغ غسل الوجه من أخذ كف ماء وإسالته على جبهته اهـ (وقال) الشوكاني في شرح هذا الحديث فيه استحباب إرسال غرفة من الماء على الناصية لكن بعد غسل الوجه لا كما يفعل العامة عقيب الفراغ من الوضوء اهـ وفيه أن ما يفعله العامة يدلّ له ما رواه الطبرانى في معجمه الكبير بسند حسن عن الحسن بن على أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا توضأ فضل ماء حتى يسيله على موضع سجوده، وأخرجه أيضا أبو يعلى في مسنده من رواية حسين بن على، ولا منافاة بينه وبين حديث الباب لاحتمال أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل كلا منهما (قوله وظهور أذنيه) أى مسح ظهرى أذنيه فالمراد بالجمع ما فوق الواحد، وبهذا استدلّ الشعبى على أن ظاهر الأذنين من الرأس وباطنهما من الوجه (قوله وفيها النعل) جملة حالية من الرجل، والنعل ما وقيت به القدم من الأرض من نحو الحذاء والتاسومة وهى مؤنثة وجمعها أنعل ونعال مثل سهم وأسهم وسهام (قوله ففتلها بها) أى لوى رجله بالحفنة التي صبها عليها ليصل الماء إلى أسفلها وجوانبها

الكلام على غسل الرجلين وهما في النعلين وكلام نفيس لابن القيم في ذلك

وفتل من باب ضرب، وفي بعض النسخ فغسلها بها والضمير الأول راجع إلى الرجل والثاني إلى الحفنة ويجوز رجوع الثانى إلى النعل فتكون الياء بمعنى في أى فتل رجله في النعل، والمراد أن الحفنة من الماء عمت ظاهر القدم وباطنه فيكون غسلا كما ورد مصرّحا به في الروايات الكثيرة الصحيحة، وزعم بعضهم أن معنى قوله فتلها بها أنه مسح قدمه ونعله بتلك الحفنة واستدلّ به على أن الواجب في الرجلين في الوضوء المسح لا الغسل وهو مردود بالروايات الكثيرة المصرّح فيها بالغسل فيتعين حمل هذه الرواية عليها (قال) العينى قوله ففتلها أى فتل النعل بتلك الحفنة من الماء ومعنى فتلها أدار بيده فوق القدم وتحت النعل (واحتج) بهذا الحديث الروافض ومن ذهب مذهبهم في إباحة المسح على الرجلين في الطهارة من الحدث (واحتج) بذلك أيضا بعض أهل الكلام منهم الجبائى في أن المرء مخير بين غسل الرجل ومسحها وحكي ذلك عن محمد بن جرير (والجواب) عن الحديث أن فيه مقالا قال الترمذى سألت محمد بن إسماعيل عنه فضعفه وقال ما أدرى ما هذا وعلى تقدير ثبوت الحديث يحتمل أن تكون تلك الحفنة من الماء قد وصلت إلى ظاهر القدم وباطنه وإن كان في النعل ويدلّ على ذلك قوله فغسلها بها كما هو في بعض النسخ، والحفنة من الماء ربما كفت مع الرفق في مثل هذا، ولو كان أراد المسح على بعض القدم لكان يكفيه ما دون الحفنة، وعن عائشة لأن تقطعا أحب إلىّ من أن أمسح على القدمين من غير خفّ، وعن عطاء والله ما علمت أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح على القدمين اهـ باختصار (وقال) ابن القيم في تهذيب السنن هذا الحديث من الأحاديث المشكلة جدّا وقد اختلف مسالك الناس في دفع إشكاله فطائفة ضعفته منهم البخارى والشافعى قال والذى خالفه أكثر وأثبت منه (المسلك الثاني) أن هذا كان في أول الإسلام ثم نسخ بأحاديث الغسل وكان ابن عباس يذهب إليه أولا ففي الدارقطني عن عبيد الله بن عقيل أن علىّ بن الحسن أرسله إلى الرّبيع بنت معوّذ يسألها عن وضوء النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذكرت الحديث وقالت ثم غسل رجليه قالت وقد أتاني ابن عمّ لك (تعنى ابن عباس) فأخبرته فقال ما أجد في الكتاب إلا غسلين ومسحين ثم رجع ابن عباس عن هذا لما بلغه غسل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رجليه وأوجب الغسل فلعل حديث علىّ وابن عباس كان في أول الأمر ثم نسخ (المسلك الثالث) أن الرواية عن علىّ وابن عباس مختلفة فروى عنهما هذا وروى عنهما الغسل كما رواه البخارى في الصحيح عن عطاء بن يسار عن ابن عباس فذكر الحديث وقال في آخره أخذ غرفة من ماء فرش بها على رجله اليمنى حتى غسلها ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله اليسرى، فهذا صريح في الغسل، ثم ذكر أحاديث كثيرة صريحة في غسل الرجلين ثم قال قالوا والذى روى أنه رشّ عليهما في النعل هو هشام بن سعد وليس بالحافظ فرواية الجماعة أولى من

روايته، على أن الثورى وهشاما رويا ما يوافق الجماعة عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال ألا أريك وضوء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فتوضأ مرّة مرّة ثم غسل رجليه وعليه نعله. وأما حديث علىّ فقال البيهقى روينا من أوجه كثيرة عن علىّ أنه غسل رجليه في الوضوء ثم ساق منها حديث عبد خير وحديث زر بن حبيش وحديث أبى حية (إلى أن قال) قالوا وإذا اختلفت الروايات عن علىّ وابن عباس وكان مع أحدهما رواية الجماعة فهى أولى (المسلك الرابع) أن أحاديث الرش والمسح إنما هى وضوء تجديد للطاهر لا طهارة رفع حدث بدليل ما رواه شعبة حدثنا عبد الملك بن ميسرة قال سمعت النزّال بن سبرة يحدّث عن علىّ أنه صلى الظهر ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة حتى حضرت صلاة العصر ثم أتى بكوز من ماء فأخذ منه بحفنة واحدة فمسح بها وجهه ويديه ورأسه ورجليه ثم قام فشرب فضله وهو قائم ثم قال وإن ناسا يكرهون الشرب قائما وإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله سلم صنع كما صنعت وقال هذا وضوء من لم يحدث رواه البخارى بمعناه (قال) البيهقي في هذا الحديث الثابت دلالة على أن الحديث الذى روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المسح على الرجلين إن صح فإنما عني به وهو طاهر غير محدث، وعن عبد خير عن علىّ أنه دعا بكوز من ماء ثم توضأ وضوءا خفيفا ومسح على نعليه ثم قال هكذا فعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما لم يحدث وفي رواية للطاهر ما لم يحدث (وفي هذا) دلالة على أن ما روى عن على في المسح على النعلين إنما هو في وضوء متطوّع به لا في وضوء واجب عليه من حدث يوجب الوضوء (المسلك الخامس) أن مسحه رجليه ورشه عليهما لأنهما كانا مستورين بالجوربين في النعلين (المسلك السادس) أن الرجل لها ثلاثة أحوال (حالة) تكون في الخفّ فيجب مسح ساترها (وحالة) تكون حافية فيجب غسلها وحالة تكون في النعل وهي حالة متوسطة بين كشفها وبين سترها بالخفّ فأعطيت حالة متوسطة من الطهارة وهى الرش فإنه بين الغسل والمسح وحيث أطلق لفظ المسح عليها في هذه الحالة فالمراد به الرش لأنه جاء مفسرا في الرواية الأخرى (المسلك السابع) أنه دليل على أن فرض الرجلين المسح (وحكي) عن داود الجوارى وابن عباس وحكي عن ابن جرير أنه مخير بين الأمرين، فأما حكايته عن ابن عباس فقد تقدمت، وأما حكايته عن ابن جرير فغلظ بين وهذه كتبه وتفسيره كلها تكذّب هذا النقل عنه وإنما دخلت الشبهة لأن ابن جرير القائل بهذه المقالة رجل آخر من الشيعة يوافقه في اسمه واسم أبيه (وبالجملة) فالذين رووا وضوء النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مثل عثمان وأبى هريرة وعبد الله بن زيد وكثيرين لم يذكر أحد منهم ما ذكر في حديث على وابن عباس مع الاختلاف المذكور عليهما اهـ باختصار (قوله قال قلت الخ) الضمير فيهما راجع إلى عبيد الله الخولاني أى قال عبيد الله

ما دل عليه حديث علي في صفة الوضوء وأقوال العلماء في مسح الأذنين

الخولاني لابن عباس أفعل هذا برجليه حال كونهما في النعلين، وإنما كرّرها عبيد الله الخولاني ثلاثا لتعجبه من فعل علىّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الذى وصفه له ابن عباس من ضرب الماء على الرجل التي فيها النعل، ويحتمل رجوع الضمير في قال وقلت لابن عباس كما جاء في بعض الروايات قال ابن عباس فسألت عليا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فقلت وفي النعلين قال وفي النعلين (فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على ما كانت عليه الصحابة من الحرص على بيان ومعرفة آثار الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وعلى أن ضرب الوجه بالماء في الوضوء مشروع خلافا لمن قال بكراهته، ولذا ذكر ابن حبان الحديث تحت ترجمة استحباب صكّ الوجه بالماء للمتوضئ عند غسل الوجه (وذهبت) الحنفية والمالكية والشافعية إلى كراهة ذلك وأجابوا عن الحديث بأنه متكلم فيه وعلى فرض صحته في حمل الضرب فيه على صبّ الماء على الوجه كما تقدم. ويدلّ لذلك أن جميع من حكوا وضوءه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يذكروا فيه الضرب، وعلى مشروعية وضع قبضة من الماء على الناصية بعد غسل الوجه تسيل عليه ولا تعدّ غسلة رابعة، وعلى أنه يمسح ما أقبل من الأذنين مع الوجه ويمسح ما أدبر منهما مع الرأس (وإليه) ذهب إسحاق بن راهويه (وذهب) الحسن بن صالح والشعبي إلى أنه يغسل ما أقبل منهما مع الوجه ويمسح ما أدبر منهما مع الرأس (وذهب) الزهرى وداود إلى أنهما من الوجه فيغسلان معه (ويردّه) حديث الأذنان من الرأس رواه أحمد والترمذى وابن ماجه عن أبى أمامة وسيأتى للمصنف قبيل باب الوضوء ثلاثا (وذهب) من عداهم إلى أنهما من الرأس فيمسحان معها. وعلى أن غسل الرجلين داخل النعلين جائز. وعلى جواز تكرار السؤال عن الشئ المستغرب. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد بن حنبل والبيهقى وقال في التلخيص رواه البزّار وقال لا نعلم أحدا روى هذا هكذا إلا من حديث عبيد الله الخولاني ولا نعلم أن أحدا رواه عنه إلا محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة وقد صرح ابن إسحاق بالسماع فيه، وأخرجه ابن حبان من طريقه مختصرا اهـ. وقال المنذرى في هذا الحديث مقال اهـ يعنى لأن فيه محمد بن إسحاق وهو ضعيف إذا عنعن كما في المصنف وقال الترمذى سألت محمد بن إسماعيل عنه فضعفه وقال ما أدرى ما هذا. اهـ ولكن قد تقدم عن الحافظ أن ابن إسحاق صرح فيه بالسماع، وقد صرح ابن إسحاق أيضا في رواية أحمد بالتحديث، وفي الجوهر النقى في كتاب الإمام أن ابن إسحاق صرّح بأنه حدّثه في رواية يعقوب الدورقى عن ابن علية عنه فسلم الحديث من احتمال التدليس اهـ. وما نقله الحافظ عن البزّار لا يقتضى إلا غرابة الحديث والغرابة لا تقتضى الضعف.

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: " وَحَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ شَيْبَةَ، يُشْبِهُ حَدِيثَ عَلِيٍّ، لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدِ عن ابْنِ جُرَيْجٍ: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِيهِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا " (ش) غرض المصنف بذكر هذين التعليقين بيان أن عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج روى عنه حديث على كلّ من حجاج بن محمد وعبد الله بن وهب غير أنهما اختلفا في الرواية عنه فحجاج بن محمد روى عنه مسح الرأس مرّة واحدة وهو أقوى لأنه يشبه حديث علىّ المتقدم فإن فيه أن بعض الرواة روى مسح الرأس مرّة وبعضهم لم يذكر العدد. وابن وهب خالف تلك الروايات وروى عنه مسح الرأس ثلاثا وهى رواية ضعيفة لمخالفتها الروايات الصحيحة وأيضا فإن ابن وهب مدلس يروى حديث ابن جريج عن محمد بن عليّ بالعنعنة ولا يذكر شيبة شيخ ابن جريج فروايته لا تقاوم رواية حجاج بن محمد. ورواية حجاج قد أخرجها النسائي موصولة قال أخبرنا إبراهيم بن الحسن قال أنبأنا حجاج قال قال ابن جريج حدثنى شيبة أن محمد ابن علىّ أخبره قال أخبرنى أبى عليّ أن الحسن بن علىّ قال دعانى أبي عليّ بوضوء فقرّبته له فبدأ فغسل كفيه ثلاث مرّات قبل أن يدخلهما في وضوئه ثم مضمض ثلاثا واستنثر ثلاثا ثم غسل وجهه ثلاث مرّات ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا ثم اليسرى كذلك ثم مسح برأسه مسحة واحدة ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاثا ثم اليسرى كذلك ثم قام قائما فقال ناولني فناولته الإناء الذى فيه فضل وضوئه فشرب من فضل وضوئه قائما فعجبت فلما رآني قال لا تعجب فإنى رأيت أباك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصنع مثل ما رأيتنى صنعت وأما رواية ابن وهب فقد وصلها البيهقى في سننه الكبرى قال أخبرنا أبو الحسن علىّ بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا عباس بن الفضل ثنا إبراهيم بن المنذر ثنا ابن وهب عن ابن جريج عن محمد بن علىّ بن حسين عن أبيه عن جدّه عن عليّ أنه توضأ فغسل وجهه ثلاثا وغسل يديه ثلاثا ومسح برأسه ثلاثا وغسل رجليه ثلاثا وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ هكذا قال ابن وهب ومسح برأسه ثلاثا وقال فيه حجاج عن ابن جريج ومسح برأسه مرّة. هذا وشيبة بن نصاح بكسر النون وتخفيف الصاد المهملة ابن سرجس المحزومى المدني القارئُ مولى أم سلمة زوج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتى به إليها وهو صغير فمسحت رأسه ودعت له بالخير والصلاح، روى عن خالد بن مغيث ومحمد ابن على وعبد الرحمن بن الحارث وغيرهم. وعنه محمد بن إسحاق وابن جريج وسعيد بن أبى هلال

وغيرهم، قال الدراوردى كان ابن نصاح قاضيا بالمدينة، ووثقة النسائي وابن معين والواقدى وقال كان قليل الحديث. مات سنة ثلاثين ومائة (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ - وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ -: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ: نَعَمْ، «فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ» (ش) (قوله عن أبيه) هو يحيى بن عمارة بن أبي حسن (قوله قال لعبد الله بن زيد) أفادت رواية المصنف أن القائل لعبد الله بن زيد هو يحيى بن عمارة وكذا رواية الشافعى في الأم عن مالك ورواية الإسماعيلى عن أبى خليفة عن القعنبى عن مالك. وهذا خلاف ما ورد في الروايات الأخر كراوية محمد بن الحسن الشيباني (قال) في الموطأ عن مالك حدّثنى عمرو عن أبيه يحيى أنه سمع جده أبا حسن يسأل عبد الله بن زيد، وكذا ساقه سحنون في المدوّنة (وقال) معن بن عيسى في روايته عن عمرو عن أبيه يحيى أنه سمع أبا حسن وهو جد عمرو بن يحيى قال لعبد الله بن زيد فإن هذه الروايات تفيد أن السائل لعبد الله بن زيد هو أبو حسن وفى رواية للبخارى أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رجلا قال لعبد الله بن زيد الخ (قال) الحافظ في الفتح قوله أن رجلا هو عمرو بن أبى حسن كما سماه المصنف في الحديث الذى بعد هذا من طريق وهيب عن عمرو بن يحيى (وقد) اختلف رواة الموطأ في تعيين هذا السائل وأما أكثرهم فأبهمه، والذى يجمع هذا الاختلاف أن يقال اجتمع عند عبد الله بن زيد أبو حسن الأنصارى وابنه عمرو وابن ابنه يحيى بن عمارة بن أبي حسن فسألوه عن صفة وضوء النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتولى السؤال منهم له عمرو بن أبي حسن فحيث نسب السؤال إلى عمرو كان على الحقيقة ويؤيده رواية سليمان بن بلال عند البخارى في باب الوضوء من التور قال حدثنى عمرو بن يحيى عن أبيه قال كان عمى يعنى عمرو بن أبى حسن يكثر الوضوء فقال لعبد الله بن زيد أخبرني فذكره وحيث نسب السؤال إلى أبي حسن فعلى المجاز لكونه كان

الأكبر وكان حاضرا وحيث نسب السؤال ليحيى بن عمارة فعلى المجاز أيضا لكونه ناقل الحديث وقد حضر السؤال، ووقع في رواية مسلم عن محمد بن الصباح عن خالد الواسطى عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد قال قيل له توضأ لنا فذكره مبهما، وفى رواية الإسماعيلى من طريق وهب بن بقية عن خالد المذكور بلفط قلنا له، وهذا يؤيد الجمع المتقدم من كونهم اتفقوا على سؤاله لكن متولى السؤال منهم عمرو بن أبى حسن، ويزيد ذلك وضوحا رواية الدراوردى عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عمرو بن أبى حسن قال كنت كثير الوضوء فقلت لعبد الله بن زيد فذكر الحديث أخرجه أبو نعيم في المستخرج اهـ (قوله وهو جدّ عمرو بن يحيى) أى أن عبد الله ابن زيد جدّ عمرو بن يحيى لأمه لأنه ابن بنته قاله العينى وصاحب الكمال ومن تبعه (قال) الحافظ هو غلط لأن ابن سعد ذكر أن أم عمرو بن يحيى حميدة بنت محمد بن إياس بن البكير وقال غيره هي أم النعمان بنت أبي حية اهـ وفي الموطأ حدثنى يحيى عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال لعبد الله بن زيد بن عاصم وهو جدّ عمرو بن يحيى الخ قال ابن عند البر قوله وهو جدّ عمرو بن يحيى كذا لجميع رواة الموطأ وانفرد به مالك ولم يبابعه عليه أحد فلم يقل أحد إن عبد الله بن زيد جدّ عمرو (قال) ابن دقيق العيد هذا وهم قبيح من يحيى بن يحيى أو غيره وأعجب منه أن ابن وضاح سئل عنه وكان من الأئمة في الحديث والفقه فقال هو جدّه لأمه ورحم الله من انتهى إلى ما سمع ووقف دون ما لم يعلم، وكيف جاز هذا على ابن وضاح والصواب في المدوّنة التي كان يقريها ويرويها عن سحنون وهي بين يديه ينظر فيها كل حين، قال وصواب الحديث مالك عن عمرو بن يحيى عن أبيه أن رجلا قال لعبد الله بن زيد، وهذا الرجل هو عمارة ابن أبى حسن وهو جدّ عمرو بن يحيى قاله الزرقانى (فتحصل) من كلامهم أن عبد الله بن زيد ليس جدّا لعمرو بن يحيى لا من جهة أمه ولا من جهة أبيه خلافا لظاهر المصنف. (معنى الحديث) (قوله هل تستطيع أن ترينى إلخ) إنما سأله ذلك لأنه أبلغ في التعليم وسبب الاستفهام ما قام عند يحيى بن عمارة من احتمال أن يكون عبد الله بن زيد نسى ذلك لبعد العهد (قوله فأفرغ على يديه الخ) وفي رواية للبخارى فأكفأ بهمزتين، وفي أخرى فكفأ بفتح الكاف أى أمال الإناء وصبّ على يديه (قوله فغسل يديه) يعنى كفيه، وفي بعض الروايات يده بالإفراد وهو مفرد مضاف يعمّ اليدين جميعا. وليس في رواية المؤلف ذكر عدد، وفى رواية البيهقى فغسل يديه مرتين مرتين، وفي رواية وهيب وسليمان بن بلال عند البخارى ورواية الدراوردى عند أبي نعيم ورواية خالد بن عبد الله عند مسلم ذكر الثلاث وفي رواية مالك والبخارى عن عبد الله بن زيد ذكر المرتين. ويجمع بين هذه الروايات بحمل رواية المصنف المطلقة على الروايات المقيدة فيكون رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ غسل مرّتين

جواز غسل بعض أعضاء الوضوه مرة وبعضا مرتين أو ثلاثا. صفة مسح الرأس في الوضوء وأقوال العلماء في ذلك استحباب تثليث المضمضة والاستنشاق

أو ثلاثا، والظاهر ترجيح الثلاث لقوّتها بكثرة طرقها المعوّل عليها "ولا" يقال يحمل فعل المرّتين والثلاث على واقعتين "لأن" المخرج واحد والأصل عدم تعدّد الواقعة، وقد ذكر مسلم من طريق بهز عن وهيب أنه سمع حديث الثلاث مرتين من عمرو بن يحيى إملاء فتأكد ترجيح روايته (قوله ثم تمضمض واستنثر ثلاثا) ثم هنا للترتيب في الحكم خلافا لمن قال إنها للترتيب في الإخبار ولمن قال إنها بمعنى الواو، والاستنثار يستلزم الاستنشاق بلا عكس وقد يطلق الاستنثار على الاستنشاق، وفى رواية للبخارى ثم تمضمض واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات (قوله ثم غسل يديه مرّتين مرّتين) أى أفرد كل واحدة منهما بالغسل مرّتين وكرّر مرتين لئلا يتوهم أن المرّتين لكلتا اليدين لكل مرة واحدة فالتكرار للتأسيس لا للتوكيد لأن المنقول في العربية أن أسماء الأعداد والمصادر والأجناس إذا كرّرت كان المراد حصولها مكرّرة لا التأكيد فإنه قليل الفائدة ولا يحسن حيث يكون للكلام محمل غيره، ولم تختلف الروايات عن عمرو ابن يحيى في غسل كل يد مرّتين لكن في رواية مسلم من طريق حبان بن واسع عن عبد الله بن زيد أنه رأى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ وفيه وغسل اليمنى ثلاثا ثم الأخرى ثلاثا فيحمل على أنه وضوء آخر لكون مخرح الحديثين غير واحد، وعلى فرض اتحاد الواقعة فرواية التثليث أرجح لكثرة الروايات فيها مع قوّتها (قال) النووى في شرح مسلم فيه دلالة على جواز مخالفة الأعضاء وغسل بعضها ثلاثا وبعضها مرّتين وهذا جائز والوضوء على هذه الصفة صحيح بلا شك ولكن المستحب التثليث وإنما كانت مخالفتها من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بعض الأوقات بيانا للجواز كما توضأ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرّة مرّة في بعض الأوقات بيانا للجواز وكان في ذلك الوقت أفضل في حقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأن البيان واجب عليه "فإن قيل" البيان يحصل بالقول "قلنا" بالفعل أوقع في النفوس وأبعد من التأويل اهـ (قوله فأقبل بهما وأدبر) قد اختلف في كيفية الإقبال والإدبار على ثلاثة أقوال (الأول) أن يبدأ بمقدّم رأسه الذى يلى الوجه فيذهب إلى القفا ثم يردّهما إلى المكان الذى بدأ منه وهو مبتدأ الشعر من حدّ الوجه وهذا هو ظاهر قوله بدأ بمقدّم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه الخ وهو مذهب مالك والشافعى وفيه أن هذه الصفة تخالف ظاهر قوله فأقبل بهما وأدبر لأن ذهابه إلى جهة القفا إدبار ورجوعه إلى جهة الوجه إقبال "وأجيب" بأجوبة منها أن الواو لا تقتضى الترتيب فالتقدير أدبر وأقبل، يدلّ عليه قول المصنف بدأ بمقدم رأسه الخ "وما" رواه البخارى عن عبد الله بن زيد وفيه تم أخذ بيده ماء فمسح به رأسه فأدبر به وأقبل "ومنها" أن الإقبال والإدبار من الأمور الإضافية التي تنسب إلى ما يقبل إليه ويدبر عنه والمؤخر محلّ يمكن أن ينسب إليه الإقبال والإدبار "ومنها" حمل قوله أقبل على البداءة بالقبل وأدبر على البداءة بالدّبر

فيكون من باب تسمية الفعل بابتدائه وهو أحد قولين للأصوليين في تسمية الفعل هل يكون بابتدائه أو انتهائه (القول الثانى) أنه يبدأ بمؤخر رأسه ويمرّ إلى جهة الوجه ثم يرجع إلى المؤخر محافظة على ظاهر لفظ أقبل وأدبر فالإقبال إلى مقدّم الوجه والإدبار إلى ناحية المؤخر. وقد وردت هذه الصفة في الحديث الصحيح أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بدأ بمؤخر رأسه لكن يردّ هذه الصفة قوله بدأ بمقدّم رأسه الذى ذكر بيانا للإقبال والإدبار ويحمل حديث البداءة بالمؤخرّ على تعدّد الحالات لبيان الجواز، على أن حديث البداءة بالمقدّم أكثر وأصح وأجود إسنادا من حديث البداءة بالمؤخر كما ذكره الترمذى (القول الثالث) أنه يبدأ بالناصية ويذهب إلى ناحية الوجه ثم يذهب إلى جهة مؤخر الرأس ثم يعود إلى ما بدأ منه وهو الناصية ولعل قائل هذا قصد المحافظة على قوله بدأ بمقدّم رأسه مع المحافظة أيضا على ظاهر لفظ أقبل وأدبر لأنه إذا بدأ بالناصية صدق أنه بدأ بمقدّم رأسه وصدق أنه أقبل أيضا لأنه ذهب إلى ناحية الوجه وهو القبل، ويردّه أيضا قوله بدأ بمقدّم رأسه الخ فإنه جعله بادئا بالمقدّم إلى غاية الذهاب إلى قفاه، ومقتضى الصفة الثالثة أنه بدأ بمقدّم الرأس غير ذاهب إلى قفاه بل إلى ناحية وجهه أفاده ابن دقيق العيد، والظاهر أن هذا من العمل المخير فيه وأن المقصود من ذلك تعميم الرأس بالمسح (قال) النووى قوله ثم مسح رأسه بيديه الخ هذا هو المستحب باتفاق العلماء فإنه طريق إلى استيعاب الرأس ووصول الماء إلى جميع شعره، قال أصحابنا وهذا الردّ إنما يستحب لمن كان له شعر غير مضفور أما من لا شعر على رأسه أو كان شعره مضفورا فلا يستحب له الردّ إذ لا فائدة فيه وليس في هذا الحديث دلالة لوجوب استيعاب الرأس بالمسح لأن الحديث ورد في كمال الوضوء لا فيما لا بدّ منه اهـ باختصار، والتفرقة بين من له شعر وبين من لا شعر له لم نقف على ما يؤيده من الأحاديث فالظاهر عدم التفرقة، وتقدم الخلاف في ذلك وأن المذهب القوى وجوب استيعاب المسح (قوله بدأ بمقدّم رأسه الخ) هو عطف بيان لقوله أقبل وأدبر ومن ثمّ لم تدخل الواو (قال) في الفتح الظاهر أن قوله بدأ الخ من الحديث وليس مدرجا من كلام مالك اهـ والقفا بالقصر وحكى مدّه مؤخر العنق يذكر ويؤنث وجمعه على التذكير أقفية وعلى التأنيث أقفاء مثل أرجاء قاله ابن السرّاج، وقد يجمع على قفيّ وعن الأصمعي أنه سمع ثلاث أقف (قال) الزّجاج التذكير أغلب (وقال) ابن السكيت مذكر وقد يؤنث وألفه واو ولهذا يثنى على قفوين اهـ مصباح (قوله ثم ردهما الخ) ليستوعب جهتى الشعر بالمسح، والمشهور عند من أوجب التعميم أن الأولى واجبة والثانية سنة. (فقه الحديث) دلّ الحديث على استحباب غسل اليدين في ابتداء الوضوء، وعلى استحباب تثليث المضمضة والاستنشاق، وعلى جواز غسل بعض الأعضاء ثلاثا والاقتصار في البعض

الآخر على مرّتين، وعلى جواز الاستعانة في إحضار ماء الوضوء من غير كراهة، وعلى أن التعليم بالفعل أفضل منه بالقول، وعلى طلب استيعاب مسح الرأس، وعلى سنية البداءة بمقدّمها وعلى سنية المسح باليدين جميعا. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مالك والبخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه وابن حبان. (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: «فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ» يَفْعَلُ ذَلِكَ، ثَلَاثًا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. (ش) (قوله خالد) بن عبد الله بن عبد الرحمن الطحان (قوله بهذا الحديث إلخ) أى حدثنا مسدد عن خالد بالحديث الذى رواه مالك عن عمرو بن يحبي لكن في رواية خالد فمضمض واستنشق من كفّ واحدة فزاد لفظ من كفّ واحدة أى أنه جمع المضمضة والاستنشاق من كفّ واحدة من الماء، وفي بعض النسخ من كفّ واحد بناء على أن الكف تذكر والمعروف في اللغة أنها مؤنثة (قال) في المصباح الكف من الإنسان وغيره أنثى (قال) ابن الأنبارى وزعم من لا يوثق به أن الكفّ مذكر ولا يعرف تذكيرها من يوثق بعلمه، وأما قولهم كفّ مخضب فعلى معنى ساعد مخضب وجمعها كفوف وأكفّ مثل فلس وفلوس وأفلس (قال) الأزهرى الكفّ الراحة مع الأصابع سميت بذلك لأنها تكفّ الأذى عن البدن اهـ (قوله يفعل ذلك) وفي نسخة ففعل ذلك أى الجمع بين المضمضة والاستنشاق من كفّ واحدة ثلاث مرّات بثلاث غرفات، يدل عليه ما في رواية الصحيحين فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات من ماء (قوله ثم ذكر نحوه) أي ذكر خالد نحو حديث مالك المذكور، ولفظه عند البيهقي من طريق خالد بن عبد الله قال حدثنا عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال قلنا له توضأ لنا وضوء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فدعا بماء فأفرغ على كفيه فغسلهما ثلاثا ثم أدخل يده فاستخرجها فتمضمض واستنشق من كفّ واحدة يفعل ذلك ثلاثا ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه إلى المرفقين مرّتين مرّتين ثم أدخل يده فمسح برأسه فأقبل بهما وأدبر مرّة ثم غسل رجليه إلى الكعبين ثم قال هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. (فقه الحديث) والحديث يدل على أن المضمضة والاستنشاق يستحب أن يكونا بثلاث غرفات يتمضمض ويستنشق من كل غرفه وإليه ذهب بعض الأئمة (قال) الترمذى بعد رواية هذا الحديث قال بعض أهل العلم المضمضة والاستنشاق من كفّ واحدة يجزئُ. وقال بعضهم

تفريقهما أحب إلينا (وقال) الشافعى إن جمعهما في كفّ واحدة فهو جائز وإن فرّقهما فهو أحبّ إلينا اهـ وقد سبق إيضاح ذلك. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والبيهقى والدارمي والترمذى وقال حديث عبد الله بن زيد حسن غريب وروى مالك وابن عيينة وغير واحد هذا الحديث عن عمرو بن يحيى ولم يذكروا هذا الحرف أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مضمض واستنشق من كفّ واحدة وإنما ذكره خالد بن عبد الله وخالد ثقة حافظ عند أهل الحديث اهـ (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ حَبَّانَ بْنَ وَاسِعٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيَّ، يَذْكُرُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَذَكَرَ وُضُوءَهُ، وَقَالَ: «وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا» (ش) ساق المصنف هذه الرواية لما فيها من زيادة لم توجد في غيرها وهي قوله في مسح الرأس بماء غير فضل يديه وفى غسل الرجلين حتى أنقاهما. (رجال الحديث) (قوله عمرو بن الحارث) بن يعقوب بن عبد الله الأشج أبو أمية الأنصارى مولى سعد بن عبادة الفقيه أحد الأئمة. روى عن الزهري وعمرو بن شعيب وزيد بن أسلم وعمرو بن دينار وقتادة وآخرين. وعنه مالك والليث وصالح بن كيسان وأسامة بن زيد وآخرون، قال أبو زرعة لم يكن له نظير في الحفظ في زمانه ووثقة النسائي وابن سعد وابن معين والعجلى وقال ابن حبان كان من الحفاظ المتقنين وقال أحمد كان عمرو عندي ثقة ثم رأيت له مناكير يروى عن قتادة أشياء يضطرب فيها ويخطئُ. ولد سنة أربع وتسعين. ومات سنة ثمان أو تسع وأربعين ومائة. روى له الجماعة (قوله حبان) بفتح الحاء المهملة وبالموحدة المشدّدة (ابن واسع) ابن حبان الأنصارى المازنى. روى عن أبيه وعبد الله بن زيد، وعنه عمرو بن الحارث وعبد الله ابن لهيعة، ذكره ابن حبان في الثقات وأخرج له مسلم وأبو داود وابن ماجه والترمذى وصحح حديثه (قوله حدّثه أن أباه إلخ) أى حدّث حبان عمرا أن أباه واسعا حدّث ابنه حبان أنه سمع عبد الله بن زيد يذكر أنه رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ فذكر عبد الله وضوء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وذكر مسلم الحديث بتمامه بلفظ أنه رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ فمضمض ثم استنثر ثم غسل وجهه

استحباب تجديد الماء لمسح الرأس مشروعية غسل الرجلين في الوضوء وإنقائهما وإن زاد على الثلاث

ثلاثا ويده اليمنى ثلاثا والأخرى ثلاثا ومسح برأسه بماء غير فضل يديه وغسل رجليه حتى أنقاهما، وقوله بماء غير فضل يديه أى مسح رأسه بماء جديد لا ببقية ماء يديه (قال) العينى فيه دلالة على أن الماء المستعمل لا تصح الطهارة به اهـ وهو غير مسلم لأن غاية ما استفيد من الحديث أنه جدّد الماء لمسح الرأس، وكونه لعدم طهورية البلل الذى كان باقيا بيده لا يؤخذ منه (قال) النووى ولا يستدلّ بهذا الحديث على أن الماء المستعمل لا تصح الطهارة به لأن هذا إخبار عن الإتيان بماء جديد للرأس ولا يلزم من ذلك اشتراطه، وقد تقدم بيان ما في الماء المستعمل من المذاهب مستوفى. (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أنه يطلب تجديد الماء لمسح الرأس، وعلى أنه يطلب غسل الرجلين حتى تزول عنهما الأوساخ ولو زاد على ثلاث مرات. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم بلفظ تقدم وأخرجه الترمذى عن عبد الله بن زيد بلفظ أنه رأى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ وأنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه وقال حسن صحيح وروى ابن لهيعة هذا الحديث عن حبان بن واسع عن أبيه عن عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ وأنه مسح رأسه بماء غَبَرَ (أى بقى) من فضل يديه، ورواية عمرو بن الحارث عن حبان أصح لأنه قد روى من غير وجه هذا الحديث عن عبد الله بن زيد وغيره أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخذ لرأسه ماء جديدا والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم رأوا أن يأخذ لرأسه ماء جديدا اهـ كلام الترمذى. وأخرجه البيهقي عن عبد الله بن زيد أنه رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ فأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذى أخذ لرأسه وقال وهذا إسناد صحيح. (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، ثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، ثَنَا حَرِيزٌ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَيْسَرَةَ الْحَضْرَمِيُّ، سَمِعْتُ الْمِقْدَامَ بْنَ مَعْدِ يكَرِبَ الْكِنْدِيَّ، قَالَ: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا» (ش) (رجال الحديث) (قوله أبو المغيرة) هو عبد القدوس بن الحجاج الخولانى الحمصى. روى عن صفوان بن عمرو وسعيد بن عبد العزيز والأوزاعى ويزيد بن عطاء وجماعة وعنه ابن معين وعبد الله الدارمى وسلمة بن شبيب ومحمد بن يحيى الذهلى وغيرهم، قال الدارقطنى

والعجلى ثقة وقال النسائى ليس به بأس وقال أبو حاتم كان صدوقا وذكره ابن حبان في الثقات توفى سنة اثنتي عشرة ومائتين. روى له الجماعة (قوله حريز) بفتح الحاء المهملة وكسر الرّاء وسكون المثناة التحتية آخره زاى ابن عثمان بن جبر بن أبى أحمر بن أسعد الحمصى أبو عون ويقال أبو عثمان الرحبى الحميرى. روى عن عبد الله بن بسر وراشد بن سعد وعبد الرحمن بن ميسرة وسعيد بن مرثد وآخرين. وعنه الوليد بن مسلم وبقية وإسماعيل بن عياش وأبو المغيرة الخولانى ويحيى القطان وغيرهم، قال أحمد ثقة ثقة ليس بالشام أثبت منه ووثقه العجلى وابن معين وقال معاذ بن معاذ لا أعلم أنى رأيت أحدا بالشام أفضله عليه وقال أبو حاتم حسن الحديث ولا أعلم بالشام أثبت منه وهو ثقة متقن. ولد سنة ثمانين. وتوفى سنة ثلاث وستين ومائة روى له الجماعة إلا النسائى (قوله عبد الرحمن بن ميسرة) بفتح الميم وسكون المثناة التحتية وفتح السين المهملة أبو سلمة الحمصى. روى عن أبى أمامة الباهلى وأبى راشد الحبرانى وجبير بن نفير والعرباض ابن سارية، وعنه ثور بن يزيد وحريز بن عثمان، قال أبو داود شيوخ حريز كلهم ثقات وقال العجلى تابعى ثقة وقال على ابن المدينى مجهول لم يرو عنه غير حريز. روى له أبو داود وابن ماجه (قوله الحضرمى) بفتح الحاء المهملة والراء وسكون الضاد المعجمة بينهما منسوب إلى حضرموت بلد بأقصى اليمن (قوله المقدام) بكسر الميم وسكون القاف (بن معد يكرب) بن عمرو ابن معد يكرب أبو يحيى وقيل أبو كريمة. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبعة وأربعون حديثا. وروى عن خلد بن الوليد ومعاذ بن جبل وأبي أيوب الأنصارى وآخرين، وعنه شريح بن عبيد وخالد بن معدان وحبيب بن عبيد الشعبى، وهو صحابى خلافا لمن نفى صحبته فقد أخرج البغوى من طريق أبي يحيى بن سليم الكلاعي قال قلنا للمقدام بن معد يكرب يا أبا كريمة إن الناس يزعمون أنك لم تر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال بلى والله لقد رأيته ولقد أخذ بشحمة أذني وإني لأمشي مع عمّ لي ثم قال لعمي أترى أنه يذكره وسمعته يقول يحشر ما بين السقط إلى الشيخ الفاني يوم القيامة أبناء ثلاثين سنة "الحديث" توفي سنة ست أو سبع وثمانين وهو ابن إحدى وتسعين سنة (قوله الكندى) بكسر الكاف وسكون النون نسبة إلى كندة قبيلة من اليمن. (معنى الحديث) (قوله فتوضأ الخ) أي شرع في الوضوء وقوله فغسل كفيه الخ تفصيل للوضوء المشروع فيه (قوله ثم تمضمض الخ) يدلّ على أن الترتيب بين السنن والفرائض في الوضوء غير واجب لأن فيه تأخير المضمضة والاستنشاق عن غسل الوجه والذراعين (قال) الشوكانى الحديث يدلّ على عدم وجوب الترتيب بين المضمضة والاستنشاق وغسل الوجه واليدين وحديث عثمان وعبد الله بن زيد الثابتان في الصحيحين وحديث علىّ الثابت عند أبى داود

صفة مسح الأذنين

والنسائى وابن ماجه وابن حبان والبزار وغيرهم مصرّحة بتقديم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه واليدين، والحديث من أدلة القائلين بعدم وجوب الترتيب (قال) النووى إنهم يتأولون هذه الرواية على أن لفظة ثمّ ليست للترتيب بل لعطف جملة على جملة، لكن لا يخفى عليك أن هذا التأويل وإن نفع القائل بوجوب الترتيب في حديث الباب وما بعده فهو يجرى في دليله الذى عارض به حديثى الباب أعنى حديث عثمان وعبد الله بن زيد وعلىّ فلا يدلّ على تقديم المضمضة والاستنشاق كما لا يدلّ هذا على تأخيرهما فدعوى وجوب الترتيب لا تتم إلا بإبراز دليل عليها يتعين المصير إليه وقد عرّفناك في شرح حديث عثمان عدم انتهاض ما جاء به مدّعي وجوب الترتيب على المطلوب، نعم حديث جابر عند النسائى في صفة حج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ابدءوا بما بدأ الله به بلفظ الأمر وعند مسلم بلفظ الخبر يصح الاحتجاج به على وجوب الترتيب لأنه عام لا يقصر على سببه عند الجمهور كما تقرّر في الأصول، وآية الوضوء مندرجة تحت ذلك العموم اهـ (وقال) بعضهم هذه رواية شاذة لا تعارض الروايات المحفوظة التى فيها تقديم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه، وتقدّم بيان الاختلاف في ذلك وأن الظاهر وجوب الترتيب بين الأعضاء المذكورة في الآية وعدمه في غيرها (قوله ظاهرهما وباطنهما) بالجرّ بدل من أذنيه، وظاهرهما ما يلى الرأس وباطنهما ما يلى الوجه، وكيفية مسحهما أن يدخل سبابتيه في صماخى أذنيه ويمرّهما على باطن الأذنين ويمرّ إبهامه على ظاهرهما، يدلّ لذلك ما أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما وفيه فمسح برأسه وأذنيه داخلهما بالسبابتين وخالف بإبهاميه إلى ظاهر أذنيه فمسح ظاهرهما وباطنهما "الحديث" وصححه ابن خزيمة وابن منده، وما رواه أيضا النسائى بلفظ ثم مسح برأسه وأذنيه باطنهما بالسباحتين وظاهرهما بإبهاميه، وما رواه ابن ماجه أيضا بلفظ مسح أذنيه فأدخلهما السبابتين وخالف إبهاميه إلى ظاهر أذنيه فمسح ظاهرهما وباطنهما (وحديث) الباب ظاهر في أنه لم يأخذ للأذنين ماء جديدا بل مسح الرأس والأذنين بماء واحد، وتقدّم بيان المذاهب في ذلك. (فقه الحديث) والحديث يدلّ بظاهره زيادة على ما تقدّم على جواز تأخير المضمضة والاستنشاق عن غسل الذراعين، وقد علمت ما فيه، وعلى أنه يجوز مسح الأذنين بماء مسح الرأس، وبه قال أبو حنيفة والثورى، وعلى أن السنة مسح ظاهر الأذنين وباطنهما جميعا. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه والبيهقى مختصرا والضياء في المختاره وكذا رواه أحمد بزيادة وغسل رجليه ثلاثا ثلاثا.

(ص) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، وَيَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ الْأَنْطَاكِيُّ - لَفْظُهُ - قَالَا: ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ تَوَضَّأَ، فَلَمَّا بَلَغَ مَسْحَ رَأْسِهِ، وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، فَأَمَرَّهُمَا حَتَّى بَلَغَ الْقَفَا، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ»، قَالَ مَحْمُودٌ: قَالَ: أَخْبَرَنِي حَرِيزٌ (ش) (رجال الحديث) (قوله يعقوب بن كعب) بن حامد أبو بوسف الحلبى. روى عن وكيع وعيسى بن يونس وعبد الله بن وهب وأبى معاوية الضرير وآخرين. وعنه أبو داود وعبد العزيز بن سليمان وإبراهيم بن يعقوب وكثيرون، قال العجلى ثقة رجل صالح صاحب سنة ووثقه أبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات و (الأنطاكي) بفتح الهمزة نسبة إلى أنطاكية من بلاد الشام (قوله لفظه) بالرفع خبر لمبتدأ محذوف أى هذا لفظه. ويحتمل أن يكون بالنصب فيكون مفعولا لمحذوف تقديره حدثنا يعقوب لفظه (قوله الوليد بن مسلم) الدمشقى الأموى مولاهم أبو العباس. روى عن الثورى والأوزاعي والليث بن سعد وابن جريج وابن عجلان وغيرهم وعنه الليث بن سعد من شيوخه وأحمد بن حنبل وهشام بن عمار وإسحاق بن راهويه وابن المدينى وكثرون، وثقه العجلى ويعقوب بن شيبة وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال ابن مسهر يدلس. وكان من ثقات أصحابنا وقال أحمد كان كثير الخطأ اختلطت عليه أحاديث ما سمع وما لم يسمع وكانت له منكرات منها حديث عمرو بن العاص لا تلبسوا علينا ديننا. ولد سنة تسع عشرة ومائة. وتوفى سنه أربع وتسعين ومائة بذى المروة منصرفه من الحج. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله فلما بلغ مسح رأسه الخ) نص على كيفية مسح الرأس لأنها مظنة الخفاء (قوله فأمرّهما حتى بلغ القفا) أى أمرّ يديه إلى أن وصل القفا وهو كما تقدم مؤخر العنق ثم أعادهما إلى المكان الذى منه بدأ وهو مقدّم الرأس، وهذه الرواية صريحة في البدأ ممقدّم الرأس في المسح (قوله قال محمود الخ) أى قال محمود بن خالد في روايته قال الوليد أخبرني حريز بن عثمان فصرّح الوليد بالإخبار عن حريز في رواية محمود فارتفعت مظنة التدليس عنه الناشئة من العنعنة الواقعة في رواية يعقوب (رفقه الحديث) والحديث يدل على طلب تعميم صحح الرأس. وعلى أنه يبتدأ في المسح بمقدّم الرأس كما تقدم بيانه.

كيفية أخرى لمسح الرأس

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى. (ص) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، وَهِشَامُ بْنُ خَالِدٍ، الْمَعْنَى، قَالَا: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ قَالَ: «وَمَسَحَ بِأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا»، زَادَ هِشَامٌ «وَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ فِي صِمَاخِ أُذُنَيْهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله هشام بن خالد) بن يزيد بن مروان الأزرق أبو مروان السلامى الدمشقى. روى عن الوليد بن مسلم وبقية بن الوليد ومروان بن معاوية وشعيب بن إسحاق وخالد بن يزيد وغيرهم. وعنه بقىّ بن مخلد ومحمد بن وضاح وأبو داود وابن ماجه وأبو حاتم وقال صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وذكره أبو زرعة الدمشقي في أهل الفتوى بدمشق. ولد سنة أربع وخمسين ومائة. وتوفي سنة تسع وأربعين ومائتين (قوله المعنى) أى أن محمود ابن خالد وهشام بن خالد اتفقا على رواية معنى الحديث واختلفا في لفظه. (معنى الحديث) (قوله قال قال ومسح بأذنيه الخ) أى قال المقدام بن معد يكرب رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ ومسح أذنيه باطنا وظاهرا وزاد هشام أى في روايته وأدخل أصابعه في صماخ أذنيه بصيغة الجمع أى أطراف أصابعه، وفى بعض النسخ أصبعيه بالتثنية، وعلى نسخة الجمع فالمراد به ما فوق الواحد لأنه أدخل في كل أذن أصبعا وهما السبابتان كما تقدم، والصماخ بكسر الصاد المهملة وفي لغة بالسين وآخره خاء معجمة خرق الأذن وقيل هو الأذن نفسها والجمع أصمخة مثل سلاح وأسلحة. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى وابن ماجه والطحاوى قال في التلخيص إسناده حسن (ص) حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَرَّانِيُّ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ، ثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ الْمُغِيرَةُ بْنُ فَرْوَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ، تَوَضَّأَ لِلنَّاسِ كَمَا «رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ، فَلَمَّا بَلَغَ رَأْسَهُ اغتَرَفَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَتَلَقَّاهَا بِشِمَالِهِ حَتَّى وَضَعَهَا عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ حَتَّى قَطَرَ الْمَاءُ، أَوْ كَادَ يَقْطُرُ، ثُمَّ مَسَحَ مِنْ مُقَدَّمِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ، وَمِنْ مُؤَخَّرِهِ إِلَى مُقَدَّمِهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله مؤمل) وزن محمد (بن الفضل) بن مجاهد أبو سعيد روى عن محمد بن سلمة ومروان بن معاوية الفزارى وعيسى بن يونس ومحمد بن شعيب

وآخرين، وعنه محمد بن يحيى الذهلى وأبو حاتم الرازى وأبو شعيب الحراني وأبو داود الحبرانى، قال أبو حاتم ثقة رضا وذكره ابن حبان في الثقات. توفى سنة تسع وعشرين ومائتين روى له النسائى (قوله الحرّانى) بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء نسبة إلى حرّان مدينة بالجزيرة (قوله عبد الله بن العلاء) بن زبر بفتح الزاى وسكون الموحدة ابن عمرو الدمشقى. روى عن سالم بن عبد الله ونافع مولى ابن عمر والزهرى ومكحول وغيرهم، وعنه محمد بن شعيب والوليد ابن مسلم ومروان بن محمد وأبو مسهر وآخرون، قال دحيم هو ثقة جدّا ووثقة ابن معين وأبو داود والدارقطنى وقال أبو حاتم يكتب حديثه وذكره ابن حبان في الثقات. توفى سنة أربع وستين ومائة وهو ابن تسع وثمانين سنة. روى له الجماعة إلا مسلما (قوله أبو الأزهر المغيرة بن فروة) بفتح الفاء وسكون الراء الثقفى الدمشقى. روى عن معاوية بن أبى سفيان ومالك بن هبيرة وواثلة بن الأسقع، وعنه عبد الله بن العلاء ويحيى بن الحارث وسعيد بن عبد العزيز، روى له أبو داود ووثقه ابن حبان (قوله يزيد بن أبى مالك) هو يزيد بن عبد الرحمن بن أبى مالك الفقيه الهمدانى قاضى دمشق. روى عن أبى أيوب الأنصارى وأنس بن مالك وعطاء بن أبى رباح وواثلة بن الأسقع وغيرهم من الصحابة والتابعين وعنه سعيد بن أبى عروبة والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وآخرون، قال أبو حاتم هو من فقهاء الشام ثقة وقال الدارقطنى هو من الثقات وذكره ابن حبان في الثقات، ولد سنة ستين وتوفى سنة ثلاثين ومائة. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه (قوله معاوية) بن أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشى الأموى أبو عبد الرحمن، أسلم هو وأخوه وأبوه عام الفتح ودعا له النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "فعن" أبى رهم السماعي أنه سمع العرباض بن سارية يقول سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب، وأخرج الترمذى عن أبي إدريس الخولانى قال لما عزل عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عمير بن سعد عن حمص ولى معاوية فقال الناس عزل عميرا وولى معاوية فقال عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لا تذكروا معاوية إلا بخير فإنى سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول اللهم اهده، وأخرج أيضا عن عبد الرحمن بن أبي عميرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه قال لمعاوية اللهم اجعله هاديا مهديا واهده، وكان عمر إذا نظر إليه قال هذا كسرى العرب، وذكر ابن سعد عن المدائنى قال نظر أبو سفيان إلى معاوية وهو غلام فقال إن ابنى هذا لعظيم الرأس وإنه لخليق أن يسود قومه فقالت هند قومه فقط ثكلته إن لم يسد العرب قاطبة، ولما احتضر قال يا بنى إنى صحبت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فخرج لحاجة فاتبعته بإداوة فكسانى أحد ثويبه الذى كان على جلده فخبأته لهذا

اليوم، وأخذ رسول الله على الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أظفاره وشعره ذات يوم فأخذته وخبأته لهذا اليوم فإذا أنا متّ فاجعل هذا القميص دون كفني مما يلى جلدى وخذ ذلك الشعر والأظفار فاجعله في فمى وعلى عينى ومواضع السجود مني فإن نفع شيء فذاك وإلا فإن الله غفور رحيم، وتولى الإمارة عشرين سنة والخلافة عشرين سنة. توفي بدمشق يوم الخميس لثمان بقين من شهر رجب سنة تسع وخمسين أو ستين وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، روى له الجماعة. (معنى الحديث) (قوله توضأ للناس إلخ) أى توضأ وضوءا مثل وضوء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الذى رآه (قوله اغترف غرفة) أى بيده اليمنى كما يدلّ عليه ما بعده والغرفة بفتح الغين المعجمة المرّة الواحدة وبالضم اسم للمغروف باليد (قوله فتلقاها بشماله الخ) أى أخذ تلك الغرفة بيده اليسرى ووضعها على وسط رأسه فسال الماء من رأسه أو قارب السيلان شك ابن أبى مالك فيه وعمم رأسه بالمسح. والوسط بفتح الواو والسين المهملة ما تساوت أطرافه وقد يراد به ما يكتنف من حوانبه ولو من غير تساو أما الوسط بالسكون فبمعنى بين ويكون فيما هو متفرّق الأجزاء غير متصل كالناس والدوابّ تقول قعدت وسط الناس بالسكون أى بينهم بخلاف المتحرّك فيكون في متصل الأجزاء كالرأس والدار ويقال كل منهما يقع موقع الآخر. والقطر السيلان يقال قطر يقطر من باب نصر وتقاطر سال نقطة بعد نقطة. (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز نقل الماء من اليد اليمنى إلى اليسرى ووضعه وسط الرأس، وعلى طلب تعميم الرأس بالمسح مع المبالغة فيه ويمكن الاستدلال به على إجزاء غسل الرأس عن المسح لقوله في الحديث حتى قطر الماء وأن المقصود وصول الماء أو البلل إلى ظاهر الشعر ولا يتوقف على إمرار اليد عليها. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى وكذا الطحاوى بلفظ أن معاوية أراهم وضوء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدّم رأسه ثم مرّ بهما حتى بلغ القفا ثم ردّهما إلى المكان الذى منه بدأ. (ص) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا الْوَلِيدُ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: «فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ بِغَيْرِ عَدَدٍ» (ش) (قوله بهذا الإسناد) أى المذكور من عبد الله بن العلاء إلى معاوية، وفي بعض النسخ في هذا الإسناد ففى بمعنى الباء (قوله فتوضأ الخ) أى معاوية للناس كما رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ وغسل كلّ عضو ثلاثا ثلاثا وذكر غسل الرجلين ولم يذكر عددا فهو صادق بالمرّة والمرّتين والثلاث (واستدلّ) بالحديث من قال إن غسل الرجلين

لا يتقيد بعدد بل المدار على الإنقاء وإزالة ما فيها من الأوساخ، وهو استدلال غير تام لأنه قد جاء في أكثر الروايات أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غسلهما ثلاثا ثلاثا فترجح. (من أخرج الحديث أيضا) أخرحه أحمد من طريق على بن بحر قال ثنا الوليد بن مسلم ثنا عبد الله بن العلاء أنه سمع يزيد بن أبى مالك وأبا الأزهر يحدّثان عن وضوء معاوية يريهم وضوء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فتوضأ ثلاثا ثلاثا وغسل رجليه بغير عدد (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، يَأْتِينَا فَحَدَّثَتْني أَنَّهُ قَالَ: «اسْكُبِي لِي وَضُوءًا»، فَذَكَرَتْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَتْ فِيهِ: فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، وَوَضَّأَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مَرَّةً، وَوَضَّأَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ يبدأ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ، ثُمَّ بِمُقَدَّمِهِ وَبِأُذُنَيْهِ كِلْتَيْهِمَا ظُهُورِهِمَا وَبُطُونِهِمَا، وَوَضَّأَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَذَا مَعْنَى حَدِيثِ مُسَدَّدٍ (ش) (رجال الحديث) (قوله بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشى مولاهم أبو إسماعيل العابد البصرى أحد الحفاظ. روى عن حميد الطويل ومحمد المنكدر ويحيى بن سعيد وقرّة ابن خالد وخالد الحذاء وغيرهم، وعنه أحمد بن حنبل وأبو أسامة وأبو الوليد الطيالسي وعثمان ابن أبي شيبة وعليّ بن المدينى وآخرون، قال أبو حاتم وأبو زرعة والنسائى ثقة وقال أحمد إليه المنتهى في التثبت بالبصرة وقال العجلى ثقة ثبت في الحديث صاحب سنه وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وعدّه ابن معين في أثبات شيوخ البصريين. توفى سنة ست وثمانين ومائة روى له الجماعة (قوله الرّبيع) بضم الراء المشددة وفتح الموحدة وكسر المثناة التحتية المشدّدة (بنت معوّذ) بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الواو المشدّدة (ابن عفراء) بفتح العين المهملة وسكون الفاء وراء وألف تأنيث ممدودة أم معوّذ الأنصارية كانت من المبايعات تحت الشجرة وغزت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "فقد" أخرج البخارى والنسائى وأبو مسلم الكجى من طريق بشر بن المفضل عن خالد بن ذكوان عن الرّبيع بنت معوّذ قالت كنا نغزو مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ونسقى القوم ونخدمهم ونردّ القتلى والجرحى إلى المدينة وهذا لفظ أبي مسلم، وفى رواية البخارى نسقى الماء ونداوى الجرحى. لها أحد وعشرون

جواز البداءة في مسح الرأس بمؤخرها

حديثا. روى عنها نافع مولى ابن عمر وأبو سلمة وسليمان بن يسار وعبد الله بن محمد وخالد بن ذكوان وغيرهم. روى لها البخارى حديثين واتفق هو ومسلم على واحد، روى لها أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه. (معنى الحديث) (قوله اسكبى لى وضوءا) أى صبى لى ماء أتوضأ به، واسكبى بضم الكاف من باب نصر أمر من السكب وهو الصبّ يقال سكب الماء سكبا وسكوبا انصبّ وسكبه غيره صبه (قوله فذكرت الخ) أى ذكرت الرّبيع كيفية وضوء النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت فغسل كفيه ثلاثا ووضأ بتشديد الضاد المعجمة أى غسل وجهه ثلاثا ومضمض واستنشق، واقتصر فيهما على المرّة الواحدة، وأخرهما عن غسل الوجه على ما هو الظاهر لبيان الجواز وإن كانت الواو لا تقتضى ترتيبا، ومسح برأسه مرتين مرّة للبدء ومرّة للردّ بدأ بمؤخر رأسه منتهيا إلى مقدّمه ثم بمقدّمه إلى مؤخرّه، وعدّت الرّبيع الإقبال مرّة والإدبار أخرى نظرا لظاهر الفعل وإلا فهى مسحة واحدة لما علمت من قوله في حديث عبد الله بن زيد المتقدم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر وقوله في حديث المقدام وضع كفيه على مقدّم رأسه فأمرّهما حتى بلغ القفا ثم ردّهما إلى المكان الذى منه بدأ أن الغرض استيعاب الرأس بالمسح لا التكرار فكذلك ما هنا، وتقدّم أن الروايات الكثيرة الصحيحة أن المسح مرّة واحدة وقد ورد المسح مرّة واحدة عن الربيع أيضا في حديثها الثالث الآتى وقد أخرجه الترمذى وقال حديث الربيع (يعنى حديث المسح مرّة واحدة) حسن صحيح وقد روى من غير وجه عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه مسح برأسه مرّة واحدة والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه رعلى آله وسلم ومن بعدهم اهـ (وظاهر) هذه الرواية أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بدأ بمؤخر رأسه وهو مناف لما ثبت في الروايات الكثيرة الصحيحة من أنه كان يبدأ بمقدّم رأسه (وأجيب) عنه بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بدأ بمؤخرّ الرأس في بعض الأوقات لبيان الجواز فلا منافاة (قال) السيوطى احتج به من يرى أنه يبدأ في مسح الرأس بمؤخره ثم بمقدّمه اهـ (وأجاب) ابن العربى عنه على مذهب الجمهور بأنه تحريف من الراوى بسبب فهمه فإنه فهم من قوله فأقبل بهما وأدبر أنه يقتضى الابتداء بمؤخر الرأس فصرّح بما فهم منه وهو مخطئ في فهمه (وقال) الشوكاني في شرح هذا الحديث يمكن أن يكون النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل هذا لبيان الجواز مرّة وكانت مواظبته على البداءة بمقدّم الرأس وما كان أكثر مواظبة عليه كان أفضل، والبداءة بمؤخرّ الرأس محكية عن الحسن بن حىّ ووكيع بن الجرّاح قال أبو عمر بن عبد البرّ قد توهم بعض الناس في حديث عبد الله بن زيد في قوله ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر أنه بدأ بمؤخرّ

رأسه وتوهم غيره أنه بدأ من وسط رأسه فأقبل بيديه وأدبر وهذه ظنون لا تصح، وقد روى عن ابن عمر أنه كان يبدأ من وسط رأسه ولا يصح، وأصح حديث في هذا الباب حديث عبد الله ابن زيد، والمشهور المتداول الذى عليه الجمهور البداءة من مقدّم الرأس إلى مؤخرّه اهـ (قوله وهذا معنى حديث مسدد) أى قال أبو داود هذا الحديث الذى رويته عن مسدد رويته بالمعنى لكونى غير حافظ لجملة ألفاظه، ورواية الحديث بالمعنى جائزة للعارف لا سيما إن نسى اللفظ (فقه الحديث) والحديث يدلّ بظاهره زيادة على ما تقدّم على جواز البدء في مسح الرأس من المؤخر على ما فيه، وعلى أنه طلب من الإمام أن يكون متواضعا يتألف رعيته بما يدخل السرور عليهم ومنه أن يأتيهم في بيوتهم، وعلى أنه يطلب منه أن يعلمهم ما يحتاجون إليه من أمر الدين. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى وكذا الترمذى مختصرا من طريق بشر بن المفضل وقال هذا حديث حسن وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود إسنادا وقال حديث عبد الله بن زيد أصح شئ في هذا الباب وأحسن وبه يقول الشافعى وأحمد وإسحاق اهـ وأخرجه أحمد أيضا، قال الحافظ في التلخيص حديث الرّبيع له طرق وألفاظ مدارها على عبد الله ابن عقيل وفيه مقال اهـ (ص) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قال حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ، يُغَيِّرُ بَعْضَ مَعَانِي بِشْرٍ، قَالَ فِيهِ: «وَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا» (ش) (رجال الحديث) (قوله إسحاق بن إسماعيل) الطالقانى أبو يعقوب البغدادى روى عن ابن عيينة وأبى أسامة وأبى معاوية ومحمد بن فضيل ووكيع وجماعة. وعنه يعقوب ابن شيبة وأبو يعلى وإبراهيم بن إسحاق الحربى والبغوى وغيرهم، قال ابن معين أرجو أن يكون صدوقا ووثقه الدارقطني وقال ابن حبان كان من ثقات أهل العراق ومتقنيهم توفى في رمضان سنة ثلاثين ومائتين (قوله ابن عقيل) هو عبد الله بن محمد بن عقيل نسب إلى جدّه (قوله بهذا الحديث الخ) أى حدثنا سفيان بن عيينة بهذا الحديث المذكور حال كونه يغير بعض معاني حديث بشر بن المفضل المذكور آنفا (والحاصل) أن حديثى سفيان بن عيينة وبشر بن المفضل اتحدا في أكثر المعنى واختلفا في بعضه فإن سفيان قال في حديثه وتمضمض واستنثر ثلاثا وبشرا قال مضمض واستنشق مرّة. وهذه الرواية أخرجها ابن ماجه مختصرا ولفظه عن الرّبيع بنت معوّذ بن عفراء أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا.

صفة أخرى في مسح الرأس الطويل الشعر

(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَيَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ ابْنِ عَفْرَاءَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ تَوَضَّأَ عِنْدَهَا فَمَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ، مِنْ قَرْنِ الشَّعْرِ كُلِّ نَاحِيَةٍ، لِمُنْصَبِّ الشَّعْرِ، لَا يُحَرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيْئَتِهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله الليث) بن سعد بن عبد الرحمن أبو الحارث الفهمى مولى عبد الرحمن بن خالد الإمام الحافظ. روى عن يزيد بن أبى حبيب وعطاء بن أبى رباح ونافع مولى ابن عمر وهشام بن عروة والزهرى ويحيى بن سعيد وكثيرين، وعنه محمد بن عجلان وهشام ابن سعد وهما من شيوخه وابن المبارك والوليد بن مسلم وأبو الوليد الطيالسى وابن وهب وطوائف، قال ابن سعد قد اشتغل بالفتوى في زمانه وكان ثقة كثير الحديث صحيحه وقال أحمد ما في المصريين أثبت من الليث وما أصح حديثه وهو ثقة لكن في أخذه سهولة وقال الأزدى صدوق إلا أنه كان يتساهل وقال يحيى بن بكير ما رأيت فيمن رأيت مثل الليث وما رأيت أكمل منة كان فقيها عربىّ اللسان يحسن القراءت والنحو والحديث والشعر وقال ابن حبان كان من سادات أهل زمانه فقها وورعا وعلما وفضلا وسخاء وقال ابن خراش صدوق صحيح الحديث وبالجملة فهو إمام جليل مشهور. ولد سنة أربع وتسعين بقرقشندة بلد على نحو أربع فراسخ من مصر وتوفي سنة خمس وسبعين ومائة. روى له الجماعة. (معنى الحديث) (قوله توضأ عندها) وكان هذا منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمحضر زوجها أو أحد محارمها إذ لم يثبت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان يخلو بامرأة أجنبية بل نهى عن الخلوة بها (قوله فمسح الرأس الخ) الفاء عاطفة على محذوف أى قالت الرّبيع في بيان كيفية وضوئه غسل كفيه الخ فمسح رأسه من قرن الشعر أى مبتدئا من قرن الشعر وفى نسخة فرق الشعر، وفى رواية أحمد من فوق الشعر. وقرن الشعر جانبه أو أعلاه أو الضفيرة منه، قال في التوسط أراد بالقرن أعلى الرأس إذ لو مسح من أسفل لزم تغير الهيئة وقد قالت لا يحرّك الشعر عن هيئته أو أراد بالقرن مقدّم الرأس أى ابتدأ المسح من المقدم مستوعبا جميع جوانبه إلى منصبّ شعره الذى هو مؤخر رأسه (قوله كل ناحية الخ) أى في كل ناحية من نواحي الشعر مستوعبا مسح الرأس طولا وعرضا منتهيا في المسح لمنصبّ الشعر، والمنصب بضم الميم وسكون النون وفتح الصاد المهملة وتشديد الموحدة المكان الذى ينحدر إليه الشعر وهو أسفل

مشروعية مسح الصدغين والأذنين مع الرأس

الرأس من كل ناحية مأخوذ من انصباب الماء وهو انحداره من أعلى إلى أسفل، والمراد أنه كان يبتدئُ المسح من أعلى الرأس منتهيا إلى أسفله ولا يحرّك شعره عند المسح يفعل ذلك في كل ناحية على حدتها وإلا كان منافيا لقوله لا يحرّك الشعر عن هيئته لأن المسح مرّة واحدة لا بدّ فيه من تحريك شعر أحد الجانبين (قال) ابن رسلان وهذه الكيفية مخصوصة بمن له شعر طويل إذ لو ردّ يده عليه ليصل الماء إلى أصوله ينتفش ويتضرّر صاحبه بانتفاشه وانتشار بعضه، ولا بأس بهذه الكيفية للمحرم فإنه يلزمه الفدية بانتشار شعره وسقوطه (وروى) عن أحمد أنه سئل كيف تمسح المرأة ومن له شعر طويل كشعرها فقال إن شاء مسح كما روى عن الرّبيع وذكر الحديث ثم قال هكذا ووضع يده على وسط رأسه ثم جرّها إلى مقدّمه ثم رفعها فوضعها حيث بدأ منه ثم جرّها إلى مؤخره اهـ. (فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب تعميم الرأس بالمسح مع مسح كل ناحية منها مسحا مستقلا مبتدئا بالأعلى. وهذا محمول على الجواز وإلا فقد سبق في الروايات الكثيرة الصحيحة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يبتدئُ بالناصية وينتهى إلى القفا، على أن هذا الحديث مروى من طريق عبد الله بن عقيل وفيه مقال. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبيهقى. (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا بَكْرٌ يَعْنِي ابْنَ مُضَرَ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، أَنَّ رُبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذٍ ابْنِ عَفْرَاءَ، أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ قَالَتْ: «فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَمَسَحَ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ وَمَا أَدْبَرَ، وَصُدْغَيْهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً» (ش) (رجال الحديث) (قوله بكر يعنى ابن مضر) بن محمد بن حكيم المصرى أبو محمد مولى ربيعة بن شرحبيل. روى عن جعفر بن ربيعة ويزيد بن الهاد وعمرو بن الحارث وغيرهم. وعنه عبد الله بن وهب وعبد الله بن صالح ويحيى بن بكير وابن القاسم وطائفة. وثقة ابن معين وأحمد بن حنبل وقال ليس به بأس. ولد سنة مائة. وتوفي يوم عرفة سنة ثلاث أو أربع وسبعين ومائة. روى له البخارى ومسلم والترمذى وأبو داود والنسائى، والظاهر أن هذه العناية من أبى داود (قوله عن عبد الله بن محمد بن عقيل أن الربيع إلخ) كذا في أكثر النسخ وفي نسخة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبيه وهى غلط قال الحافظ في تهذيب التهذيب وفي بعض النسخ من سنن أبى داود حديث عبد الله بن عقيل عن أبيه عن الرّبيع بنت

جواز مسح الرأس بما فضل من غسل الذراعين

معوَذ في الوضوء وهو وهم وفي باقى الروايات عن عبد الله عن الرّبيع ليس فيه عن أبيه وكذا في رواية الترمذى وهو الصواب اهـ. (معنى الحديث) (قوله ومسح ما أقبل إلخ) بيان لكيفية مسح الرأس أى مسح مقدّم الرأس ومؤخره والمراد أنه استوعب الرأس كله بالمسح (قوله وصدغيه) عطف على ما في قوله ما أقبل، وهو تثنية صدغ بضم الصاد وسكون الدال المهملتين ما بين العين والأذن ويسمى أيضا الشعر المتدلى على هذا الموضع صدغا أفاده في المصباح (وقال) ابن الملك هو الشعر الذى بين الأذن وبين الناصية من كل جانب من جانبي الرأس وهو الأنسب بالمقام ومما يخرج عن حدّ الوجه الصدغان وهما جانبا الأذن يتصلان بالعذارين من فوق اهـ. وعلى ما في المصباح يكون مسح صدغيه تكميلا لمسح الرأس لا لأنهما منه بل هما من الوجه (قوله مرة واحدة) لا ينافي ما تقدم عنها من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح رأسه مرّتين لما ذكر من أنها اعتبرت الإقبال مرّة والإدبار أخرى نظرا لظاهر الفعل وإلا فهى مسحة واحدة لعدم تجديد الماء (ونقل) عن بعض السلف أنه قال لا خلاف بين تكرير المسح والمسحة الواحدة لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وضع يده على يافوخه أولا ثم مدّ يده إلى مؤخرّ رأسه ثم إلى مقدّم رأسه ولم يفصل يده من رأسه ولا أخذ الماء ثلاث مرّات فمن نظر إلى هذه الكيفية قال إنه مسح مرّة واحدة ومن نظر إلى تحريك يده قال إنه كرّر المسح اهـ. (فقه الحديث) والحديث يدلّ على مشروعية مسح الصدغين والأذنين مع الرأس، وعلى أن مسحهما يكون بماء الرأس. وعلى أن المسح في الجميع يكون مرّة واحدة (من أخرح الحديث أيضا) أخرجه الترمذى وقال حسن صحيح وأخرجه البيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مَسَحَ بِرَأْسِهِ مِنْ فَضْلِ مَاءٍ كَانَ فِي يَدِهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عبد الله بن داود) بن عامر بن الرّبيع أبو محمد البصرى الهمداني الشعبى أصله كوفي نزل البصرة بالخريبة محلة بها. روى عن هشام بن عروة والأعمش والأوزاعي وابن جريج وغيرهم، وعنه الحسن بن صالح من شيوخه ومسدد ومحمد ابن بشار وسفيان بن عيينة وابن المثنى وآخرون، قال ابن معين ثقة مأمون وقال أبن سعد كان ثقة عابدا وقال أبو حاتم كان يميل إلى الرأى وكان صدوقا. ولد سنة إحدى وعشرين ومائة. وتوفي سنة ثلاث عشرة ومائتين. روى له الجماعة إلا مسلما. (معنى الحديث) (قوله من فضل ماء إلخ) أى بقية ماء كانت في يده. ورواية الدارقطني

مشروعية إدخال السبابتين في باطن الأذنين حال مسحها في الوضوء

توضأ ومسح رأسه ببلل يديه. وفى رواية له عنها قالت كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأتينا فيتوضأ فمسح رأسه بما فضل في يديه من الماء ومسح هكذا ووصف ابن داود قال بيديه من مؤخر رأسه إلى مقدّمه ثم ردّ يديه من مقدّم رأسه إلى مؤخرّه اهـ وهو يدل لمن قال بعدم وجوب تجديد الماء لمسح الرأس كالحنفية "قال" الحلبى في شرح المنية ولو توضأ ومسح ببلة بقيت على كفيه بعد الغسل يجوز مسحه لأن البلة الباقية بعد الغسل غير مستعملة إذ المستعمل فيه ما سال على العضو وانفصل عنه، ولو مسح رأسه ثم مسح خفيه ببلة بقيت بعد المسح لا يجوز مسحه على الخفّ لأن البلة الباقية بعد المسح مستعملة لأن المستعمل فيه ما أصاب الممسوح اهـ (وذهب) أكثر العلماء إلى وجوب تجديده لحديث عبد الله بن زيد الصحيح المتقدم وقياسا على بقية الأعضاء (وأجابوا) عن حديث الباب بأن ابن عقيل فيه مقال ومن ثمّ اختلف الحفاظ في الاحتجاح بحديثه وأن في حديثه هذا اضطرابا فقد أخرج ابن ماجه من طريق شريك عن عبد الله بن عقيل عن الرّبيع بنت معوّذ قالت أتيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بميضأة فقال اسكبى فسكبت فغسل وجهه وذراعيه وأخذ ماء جديدا فمسح به رأسه مقدّمه ومؤخره. وتقدم أيضا أن الروايات الكثيرة الصحيحة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يأخذ لرأسه ماء جديدا فيصار إليها (وقال) النووى يحتمل أن الفاضل في يده من الغسلة الثالثة والأصح عندنا أن المستعمل في نفل الطهارة باق على طهوريته. وتأوله البيهقى على أنه أخذ ماء جديدا وصبّ نصفه ومسح رأسه ببلل يديه ليوافق ما في حديث عبد الله بن زيد ومسح برأسه بماء غير فضل يديه. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطنى. (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ ابْنِ عَفْرَاءَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ تَوَضَّأَ، فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي حُجْرَيْ أُذُنَيْهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله إبراهيم بن سعيد) أبو إسحاق الجوهرى البغدادى الطبرى الحافظ روى عن أبى أسامة وابن عيينة ووكيع والواقدى وأبى صالح الفرّاء وآخرين. وعنه أبو حاتم وموسى بن هارون وابن أبى الدنيا ومسلم وأصحاب السنن الأربعة وكثيرون، وثقه النسائى والخطيب وقال كان مكثرا ثبتا صنف المسند ووثقه ابن حبان والدارقطنى. قيل توفى سنة تسع وأربعين ومائتين (قوله الحسن بن صالح) بن صالح بن حىّ الهمداني الثورى الكوفى أبو عبد الله

الفقيه العابد. روى عن عمرو بن دينار وابن أبى عروبة وسلمة بن كهيل وسماك بن حرب وعاصم الأحول وجماعة. وعنه علي بن الجعد ووكيع وابن المبارك ويحيى بن آدم وأبو نعيم وغيرهم، قال أبو حاتم ثقة حافظ متقن وقال ابن معين ثقة مأمون وقال أبو زرعة اجتمع فيه إتقان وفقه وعبادة وزهد وقال ابن حبان كان فقيها ورعا من المتقشفة الخشن وممن تجرّد للعبادة ورفض الرياسة على تشيع فيه وقال ابن سعد كان فقيها حجة صحيح الحديث كثيره وكان متشيعا وقال أبو نعيم ما رأيت أفضل من الحسن بن صالح. توفي سنة تسع وستين ومائة. روى له الجماعة إلا البخارى. (معنى الحديث) (قوله فأدخل أصبعيه الخ) الفاء عاطفة على محذوف أى فمسح رأسه وأدخل طرفي أصبعيه السبابتين بعد مسح رأسه في صماخى أذنيه (قال) في المرقاة قال الرافعى تقديم اليمنى على اليسرى إنما هو في عضوين يعسر غسلهما دفعة واحدة كاليدين والرجلين أما الأذنان فلا يستحب البداءة فيهما باليمنى لأن مسحهما معا أهون اهـ (قوله في جحرى أذنيه) تثنية جحر بضم الجيم وسكون الحاء المهملة هو الثقب. (فقه الحديث) والحديث يدلّ على مشروعية إدخال الأصبعين في اللأذنين بعد مسح الرأس في الوضوء. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي وابن ماجه. (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، وَمُسَدَّدٌ، قَالَا: ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً حَتَّى بَلَغَ الْقَذَالَ - وَهُوَ أَوَّلُ الْقَفَا، وَقَالَ مُسَدَّدٌ - ومَسَحَ رَأْسَهُ مِنْ مُقَدَّمِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ حَتَّى أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِ أُذُنَيْهِ»، قَالَ مُسَدَّدٌ: فَحَدَّثْتُ بِهِ يَحْيَى فَأَنْكَرَهُ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وسَمِعْت أَحْمَدَ، يَقُولُ: «ابْنَ عُيَيْنَةَ زَعَمُوا كَانَ يُنْكِرُهُ، وَيَقُولُ إِيشْ هَذَا طَلْحَةُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عبد الوارث) بن سعيد (قوله ليث) بن أبى سليم بن زنيم أبو بكر الكوفي القرشى مولاهم. روى عن مجاهد وعكرمة وأبي إسحاق السبيعى وعطاء بن أبي رباح وطاوس وأبى الزبير المكي وكثيرين. وعنه الثورى وشعبة وأبو الأحوص وزائدة

ابن قدامة وشريك وغيرهم، تركه أحمد وقال مضطرب الحديث وقال الدارقطنى صاحب سنة يخرّج حديثه إنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء ومجاهد وطاوس حسب وقال ابن حبان قد اختلط في آخر عمره فكان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل ويأتى عن الثقات ما ليس من حديثهم تركه يحيى بن القطان وابن مهدى وابن معين وقال الحاكم أبو عبد الله مجمع على سوء حفظه وقال البزّار كان أحد العباد إلا أنه أصابه اختلاط فاضطرب في حديثه وإنما تكلم فيه أهل العلم بهذا وإلا فلا نعلم أحدا ترك حديثه وقال الساجى صدوق فيه ضعف سيئُ الحفظ كثير الغلط وتركه ابن معين وقال منكر الحديث وكان صاحب سنة وحديثه ثابت في السنن لكنه قليل وقال النووى في تهذيب الأسماء اتفق العلماء على ضعفه. مات سنة ثلاث وأربعين ومائة. روى له الجماعة إلا النسائي (قوله طلحة بن مصرّف) بضم الميم وفتح الصاد المهملة وكسر الراء المشددة ابن عمرو بن كعب أبو محمد الهمداني الكوفى أحد الثقات. روى عن عبد الله بن أبى أوفى وزيد ابن وهب وأبى صالح السمان وأنس بن مالك وسعيد بن جبير وغيرهم. وعنه ابنه محمد وأبو إسحاق السبيعى وشعبة ومالك بن مغول والأعمش وآخرون، وثقه ابن معين وأبو حاتم والعجلى وابن سعد وقال عبد الله بن إدريس ما رأيت الأعمش أثنى على أحد أدركه إلا على طلحة بن مصرّف أدرك أنسا ولم يسمع منه وقال أبو معشر ما ترك بعده مثله. مات سنة ثلاث عشرة ومائة. روى له الجماعة (قوله عن أبيه) هو مصرّف بن عمرو بن كعب وبه جزم إبن القطان ويقال إنه ابن كعب بن عمرو الكوفى. روى عن أبيه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في مسح الرأس. وعنه ابنه طلحة. روى له أبو داود قال أبن القطان مصرّف مجهول (قوله عن جدّه) أى جدّ طلحة وهو عمرو بن كعب أو كعب بن عمرو. روى له أبو داود وقد اختلف في صحبته وأكثر المحدّثين على أن له صحبة. (معنى الحديث) (قوله حتى بلغ القذال) أى أمرّ يديه على رأسه من مقدّمه إلى أن بلغ القذال فحتى غائية والقذال بفتح القاف والذال المعجمة كسحاب جماع مؤخر الرأس وجمعه قذل وأقذلة (قوله وهو أول القفا) تفسير من أحد الرواة للقذال فهو مدرج والكلام على تقدير مضاف أى وهو ملاصق أول القفا فلا يقال إن ظاهره يفيد أن القذال وأول القفا واحد وهو مؤخر الرأس فيكون غير موافق لما يؤخذ من اللغة من أن القفا مؤخر العنق كما تقدّم. وفى رواية أحمد أنه رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمسح رأسه حتى بلغ القذال وما يليه من مقدّم العنق. وفى رواية الطحاوى في شرح معانى الآثار مسح مقدّم رأسه حتى بلغ القذال من مقدّم عنقه (قوله وقال مسدّد الخ) أى قال في روايته ومسمح رأسه مبتدئا المسح من مقدّمه منتهيا إلى مؤخره واستمرّ المسح بإمرار يديديه حتى أخرجهما من تحت جانب أذنيه، والمراد الجانب الذى

مذاهب العلماء في مسح الرقبة في الوضوء

يلى الرأس المعبر عنه بظاهر الأذن، والمعنى أنه مسح إلى مؤخر رأسه حتى مرّت يداه على ذلك الجانب (ورواية) مسدد هذه لا تدلّ على استحباب مسح الرقبة خلافا لما زعمه بعضهم لأن فيها مسح الرأس من مقدّمه إلى مؤخرّه لا غير، وأما المعتاد بين الناس من أنهم يمسحون الرقبة بعد فراغهم من مسح الرأس فقد اختلف العلماء فيه (فذهب) إلى استحبابه أبو حنيفة وأصحابه والبغوى وبعض أصحاب الشافعى والهادى والقالسم والمؤيد بالله والمنصور بالله مستدلين بما سيأتي (وذهب) الجمهور إلى عدم استحبابه قائلين إنه لم يثبت من طريق صحيح ولا حسن. أما حديث مسح الرقبة أمان من الغلّ يوم القيامة فقد قال ابن الصلاح هذا الخبر غير معروف عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بل هو من قول بعض السلف (وقال) النووى في شرح المهذب هذا حديث موضوع ليس من كلام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يصح عنه فيه شيء قال وليس هو بسنة بل بدعة ولم يذكره الشافعى ولا جمهور الأصحاب وإنما قاله ابن قاص وطائفة يسيرة ذكره الحافظ في التلخيص. وقال وتعقبه ابن الرفعة بأن البغوى من أئمة الحديث وقد قال باستحبابه ولا مأخذ لاستحبابه إلا خبر أو أثر لأن هذا لا مجال للقياس فيه اهـ قال ولعلّ مستند البغوى في استحباب مسح القفا ما رواه أحمد وأبو داود وذكر حديث الباب وفي آخره من رواية أحمد حتى بلغ القذال وما يليه من مقدّم العنق وضعف إسناده بالليث قال في النيل ونسب حديث الباب ابن سيد الناس في شرح الترمذى إلى البيهقى أيضا قال وفيه زيادة حسنة وهي مسح العنق فانظر كيف صرحّ هذا الحافظ بأن هذه الزيادة المتضمنة لمسح العنق حسنة "ثم قال" قال المقدسى وليث متكلم فيه وأجاب عن ذلك بأن مسلما قد أخرج له اهـ ومما تقدّم تعلم أن قول النووى مسح الرقبة ليس هو بسنة بل بدعة لا وجه له كيف وقد روى أبو عبيد في كتاب الطهور بسنده عن موسى بن طلحة قال من مسح قفاه مع رأسه وقى الغلّ يوم القيامة. قال الحافظ في التلخيص فيحتمل أن يقال هذا وإن كان موقوفا فله حكم الرفع لأن هذا لا يقال من قبل الرأي فهو على هذا مرسل اهـ وأخرج أبو نعيم في تاريخ أصبهان بسنده إلى محمد ابن عمرو الأنصارى عن أنس بن سيرين عن ابن عمر أنه كان إذا توضأ مسح عنقه ويقول قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من توضأ ومسح عنقه لم يغلّ بالأغلال يوم القيامة غير أن محمد بن عمرو الأنصاري ضعيف وروى ابن فارس بإسناده عن فليح بن سليمان عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من توضأ ومسح بيديه على عنقه وقي الغلّ يوم القيامة وقال هذا أن شاء الله حديث صحيح، قال الحافظ في التلخيص بين ابن فارس وفليح مفازة فينظر فيها اهـ (وقال) في النيل ورواه في التجريد عن علي عليه السلام من طريق محمد بن الحنفية في حديث طويل وفيه أنه لما مسح رأسه مسح عنقه وقال له بعد فراغه من الطهور افعل كفعلي هذا. وبجميع هذا تعلم أن

ما ورد في مسحها فيه لم يثبت من طريق صحيح

قول النووى مسح الرقبة بدعة وأن حديثه موضوع مجازفة، وأعجب من هذا قوله لم يذكره الشافعى ولا جمهور الأصحاب وإنما قاله ابن قاص وطائفة يسيرة فإنه قال الرويانى من أصحاب الشافعى في كتابه المعروف بالبحر قال أصحابنا هو سنة اهـ (أقول) وإنما لم يأخذ الجمهور بالآثار التى وردت في مسح الرقبة لأنها لم تثبت من طريق ينتهض للاحتجاح به (قال) ابن القيم في الهدى لم يصح عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في مسح العنق حديث ألبتة (قوله قال مسدد فحدّثت به الخ) أى حدّثت بالحديث المذكور يحيى بن سعيد القطان بعد ما حدّثنى به عبد الوارث فأنكره وقال لا أصل له لجهالة مصرّف بن عمرو وأنكر أن يكون لجدّ طلحة صحبة ولذا قال عبد الحق هذا إسناد لا أعرفه (وقال) النووى طلحة بن مصرّف أحد الأئمة الأعلام تابعىّ احتج به الستة وأبوه وجدّه لا يعرفان لكن أثبت الصحبة لجدّ طلحة عبد الرحمن بن مهدى وابن أبى حاتم وأبو داود (قوله سمعت أحمد يقول ابن عيينة زعموا الخ) أى قال الناس الذين سمعوا من ابن عيينة أنه كان ينكر الحديث، فزعم بمعنى قال وتستعمل كثيرا فيما هو مشكوك فيه أو فيما لا أصل له وقوله أنه كان ينكره مفعول لزعم وجملة زعم خبر المبتدأ وهذه الجملة فيها تقديم وتأخير والأصل يقول أحمد زعم الناس أن ابن عيينة كان ينكر هذا الحديث، وفى بعض النسخ سمعت أحمد يقول ابن عيينة كان ينكره فقوله ابن عيينة مبتدأ خبره كان ينكره والجملة في محل نصب مفعول زعم التي هى معترضة بينهما (قوله أيش هذا) بفتح الهمزة وسكون المثناة التحتية وكسر الشين المعجمة أصلها أى شئ هذا فخففت الياء وحذفت الهمزة تخفيفا لكثرة الاستعمال وجعلا كلمة واحدة وهو استفهام إنكارى أى لا شيء هذا الحديث لأنه يرويه طلحة عن أبيه عن جدّه وهما لا يعرفان كما تقدم عن النووى، وفى صحبة جدّه خلاف ويؤيد صحبته قوله في الحديث رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وما يأتي في بيان الفرق بين المضمضة والاستنشاق من قوله دخلت على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو يتوضأ. (فقه الحديث) والحديث يدلّ على طلب تعميم مسح الرأس، وعلى أن ما تحت ظاهر الأذن يمسح مع الرأس. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والطحاوى بألفاظ مختلفة وأخرجه ابن ماجه والبيهقي من طريق حفص بن غياث عن ليث عن طلحة عن أبيه عن جدّه أنه أبصر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين توضأ مسح رأسه وأذنيه وأمرّ يديه على قفاه. ورواه عبد الوارث عن ليث بن أبى سليم فقال مسح رأسه حتى بلغ القذال وهو أول القفا ولم يذكر الإمرار (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ

عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - كُلَّهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا»، قَالَ: «وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً» (ش) (رجال الحديث) (قوله يزيد بن هارون) بن وادى ويقال ابن زاذان بن ثابت السلمى مولاهم أبو خالد الواسطى أحد الأعلام الحفاظ المشهورين. روى عن سليمان التيمى وعاصم الأحول ويحيى بن سعيد الأنصارى والحمادين والثورى وكثيرين. وعنه أبو قدامة وأحمد بن حنبل وقتيبة وابن معين وابن المدينى وإسحاق بن راهويه وآخرون، قال أحمد كان حافظا متقنا وقال أبو حاتم ثقة إمام صدوق لا يسأل عن مثله وقال العجلى ثقة ثبت في الحديث وقال ابن المدينى من الثقات ما رأيت أحفظ منه وقال مؤمل بن إهاب سمعت يزيد يقول ما دلست قط إلا حديثا واحدا عن عون فما بورك فيه وقال ابن معين ليس من أصحاب الحديث لأنه لا يميز ولا يبالى عمن روى. ولد سنة سبع عشرة ومائة، ومات سنة ست ومائتين. روى له الجماعة (قوله عباد) بفتح العين المهملة والموحدة المشددة (ابن منصور) أبو سلمة البصرى قاضيها. روى عن أبى رجاء العطاردى والقاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق وأيوب السختيانى وهشام بن عروة وغيرهم وعنه ابن وهب ووكيع والثورى وشعبة ويحيى القطان وأبو داود الطيالسى، قال العجلى لا بأس به يكتب حديثه وقال ابن معين ليس بشئ يرى بالقدر وقال أحمد كانت أحاديثه منكرة وكان يدلس وكان قدريا وقال البزّار روى عن عكرمة أحاديث ولم يسمع منه وقال ابن سعد ضعيف عندهم وله أحاديث منكرة وقد ضعفه غير واحد وقال ابن القطان ثقة لا ينبغى أن يترك حديثه لرأى أخطأ فيه يعنى القدر، توفي سنة اثنتين وخمسين ومائة. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (قوله عكرمة بن خالد) بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومى القرشي المكي. روى عن ابن عمر وأبى هريرة وغيرهم. وعنه عمرو بن دينار وابن طاوس وقتادة وأيوب وحماد بن سلمة وابن جريج وطائفة. وثقه ابن معين والنسائى والبخارى وأبو حاتم وابن سعد وذكره ابن حبان في الثقات وقال أحمد لم يسمع من ابن عباس. روى له مسلم والأربعة (قوله سعيد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة وسكون المثناة التحتية ابن هشام الكوفي الأسدى مولاهم الفقيه أحد الأئمة الأعلام. روى عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وعبد الله بن مغفل وأنس بن مالك وغيرهم. وعنه أبو إسحاق السبيعى ومالك بن دينار والزهرى والحكم بن عتيبة وأيوب السختياني وآخرون، قال جعفر بن أبى المغيرة كان ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يستفنونه يقول أليس فيكم ابن أمّ الدهماء يعنى سعيد بن جبير وقال عمرو بن ميمون لقد مات ابن جبير وما على ظهر الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه وقال ابن معين لم يصح

أنه سمع من أبى هريرة وقال البزار لم يسمع من أبى موسى الأشعرى وقال الطبرى ثقة إمام حجة، قتله الحجاج سنة خمس وتسعين في شعبان وهو ابن تسع وأربعين سنة، قال عتبة مولى الحجاج حضرت سعيد بن جبير حين أتى به الحجاج بواسط فجعل الحجاج يقول له ألم أفعل بك ألم أفعل بك فيقول بلى قال فما حملك على ما صنعت من خروجك علينا قال بيعة كانت علىّ قال فغضب الحجاج وصفق بيديه وقال فبيعة أمير المؤمنين كانت أسبق وأولى وأمر به فضربت عنقه، قال خلف بن خليفة عن أبيه فلما بان رأسه قال لا إله إلا الله لا إله إلا الله ثم قالها الثالثة فلم يتمها روى له الجماعة. (معنى الحديث) (قوله رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) هذه جملة في محل رفع خبر لأن المحذوفة مع اسمها أى أنه رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله فذكر الحديث الخ) أى ذكر ابن عباس حديث وضوئه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنه غسل الأعضاء ثلاثا ثلاثا ومسح رأسه مرّة واحدة. (من أخرح الحديث أيضا) أخرجه أحمد (قال) في النيل وأعله الدارقطني وتعقبه أبو الحسن ابن القطان فقال ما أعله به ليس علة وإنه إما صحيح أو حسن. (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا حَمَّادٌ، ح وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، وَقُتَيْبَةُ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سِنَانِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَذَكَرَ وُضُوءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَمْسَحُ الْمَاقَيْنِ»، قَالَ: وَقَالَ: «الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ»، قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: يَقُولُهَا: أَبُو أُمَامَةَ، قَالَ قُتَيْبَةُ: قَالَ حَمَّادٌ: لَا أَدْرِي هُوَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَوْ مِنْ أَبِي أُمَامَةَ - يَعْنِي قِصَّةَ الْأُذُنَيْنِ - قَالَ قُتَيْبَةُ: عَنْ سِنَانٍ بن أَبِي رَبِيعَةَ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهُوَ ابْنُ رَبِيعَةَ كُنْيَتُهُ أَبُو رَبِيعَةَ. (ش) (رجال الحديث) (قوله سليمان بن حرب) بن بجيل الأزدى أبو أيوب البصرى نزل مكة وكان قاضيها أحد الأعلام الحفاظ. روى عن شعبة ووهيب بن خالد وجرير بن حازم والحمادين وسليمان بن مغيرة وغيرهم. وعنه يحيى القطان وهو أكبر منه وأحمد بن حنبل

وإسحاق بن راهويه ويعقوب بن شيبة وأبو حاتم وأبو زرعة وآخرون، قال النسائى ثقة مأمون وقال أبو حاتم إمام من الأئمة وكان لا يدلس وقط وظهر من حديثه نحو من عشرة آلاف حديث وما رأيت في يده كتابا قط وقال يعقوب بن شيبة كان ثقة ثبتا صاحب حفظ. توفي في ربيع الثاني سنة أربع وعشرين ومائتين وكان مولده سنة أربعين ومائة. روى له الجماعة (قوله سنان) بكسر السين وتخفيف النون ابن ربيعة الباهلى البصرى أبو ربيعة. روى عن أنس بن مالك وثابت البناني وشهر بن حوشب. وعنه الحمادان وعبد الله بن بكر وعبد الوارث ابن سعيد، قال ابن معين ليس بالقوى وقال أبو حاتم شيخ مضطرب الحديث وقال ابن عدىّ أرجو أنه لا بأس به. روى له البخارى وأصحاب السنن إلا النسائى (قوله شهر بن حوشب) الأشعرى مولى أسماء بنت يزيد أبو سعيد الشامى. روى عن مولاته وابن عباس وابن عمر وأبى سعيد الخدرى وعائشة وجابر وغيرهم من الصحابة والتابعين. وعنه قتادة وثابت البناني والحكم بن عتيبة وعاصم بن بهدلة وخالد الحذاء وكثيرون، وثقه العجلى وابن معين وأحمد ويعقوب بن سفيان وقال النسائى ليس بالقوىّ وقال أبو زرعة لا بأس به وقال البخارى حسن الحديث وقال الساجى ليس بالحافظ وقال ابن حبان كان ممن يروى عن الثقات المعضلات وعن الأثبات المقلوبات وقال ابن حزم ساقط وقال ابن عدىّ لا يحتج بحديثه ولا يتدين به. توفي سنة إحدى أو اثنتين ومائة. أخرج له الجماعة إلا البخارى (قوله عن أبي أمامة) اسمه صدىّ بالتصغير ابن عجلان بن واثلة بن رباح بن الحارث بن معين بن مالك الباهلى سكن حمص صحابيّ مشهور له خمسون ومائتا حديث. روى البخارى منها خمسة أحاديث ومسلم ثلاثة. روى عن عمر وعثمان وعلىّ وأبي عبيدة ومعاذ وأبي الدرداء وعبادة بن الصامت وطائفة. وعنه رجاء بن حيوة ومحمد بن زياد الألهاني والقاسم بن عبد الرحمن وشرحبيل بن مسلم ومكحول وأبو غالب وغيرهم، قال ابن سعد سكن الشام وأخرج الطبرانى ما يدلّ على أنه شهد أحدا لكن بسند ضعيف وقال الحسن بن رافع في فضائل الصحابة بسنده إلى يوسف بن حزن الباهلى سمعت أبا أمامة الباهلى يقول لما نزلت "لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة" قلت يا سول الله أنا ممن بايعك تحت الشجرة قال أنت مني وأنا منك. وروى أبو يعلى من طريق أبى غالب عن أبى أمامة قال بعثني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى قوم فانتهيت إليهم وهم يأكلون الدم فقالوا هلمّ قلت إنما جئت أنهاكم عن هذا فنمت وأنا مغلوب فأتانى آت بإناء فيه شراب فأخذته وشربته فكظنى بطني فشبعت ورويت ثم قال لهم رجل منهم أتاكم من سراة قومكم فلم تتحفوه فأتوني بلبن فقلت لا حاجة لى به وأريتهم بطني فأسلموا عن آخرهم. مات سنة ست وثمانين قاله الحافظ في الإصابة، وقوله فكظني أى

تعاهد الماقين في الوضوء وأقوال العلماء في الأذنين أهما من الرأس أم لا

جهدنى وغلبنى بطني (معنى الحديث) (قوله ذكر إلخ) أى أن أبا أمامة ذكر كيفية وضوء النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقوله كما في رواية البيهقي أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ فغسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا ومسح برأسه وقال الأذنان من الرأس وكان يمسح الماقين (قوله يمسح الماقين) أى يدلكهما، وفى رواية أحمد كان يتعاهد الماقين تثنية ماق بألف بعد الميم ويقال فيه مأق بهمزة ساكنة ومؤق بالهمز وموق بدونه، وموق العين طرفها الذى يلى الأنف وما يلى الأذن يسمى لحاظا ويقال لكل من الطرفين ماق ويطلق الماق أيضا على مجرى الدمع (قال) في القاموس موق العين مجرى الدمع منها أو مقدّمها أو مؤخرّها اهـ قال الطيبى إنما مسحهما على الإستحباب مبالغة في الإسباغ لأن العين قلما تخلو من قذى ترميه من كحل وغيره أو رمص فيسيل فينعقد على طرف العين ومسح كلا الطرفين أحوط لأن العلة مشتركة اهـ (قوله قال وقال الأذنان من الرأس) أى قال شهر بن حوشب وقال أبو أمامة كما صرّح به في رواية الدارقطني، ويحتمل أن يكون فاعل قال الأولى أبا أمامة وفاعل قال الثانية النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو صريح رواية البيهقى المذكورة آنفا ورواية ابن ماجه ولفظه عن أبى أمامة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال الأذنان من الرأس وكان يمسح رأسه مرّة وكان يمسح الماقين اهـ فعلى الأول يكون قوله الأذنان من الرأس موقوفا، وعلى الثانى مرفوعا والمراد أنهما من الرأس حكما من حيث إنهما يمسحان معه بمائه ولا يؤخذ لهما ماء جديد (وهو) مذهب الحنفية والثورى والهادى وابن المسيب وعطاء والحسن وابن سيرين وغيرهم مستدلين بحديث الباب وبما أخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن زيد قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الأذنان من الرأس (قال) العينى هذا أمثل إسناد في الباب لاتصاله وثقة رواته، وبما تقدّم للمصنف عن ابن عباس وفيه أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح برأسه وأذنيه مسحة واحدة، وبما أخرجه الدارقطني عن ابن عباس قال الأذنان من الرأس قال ابن القطان إسناده صحيح لاتصاله وثقة رواته، وبما أخرجه الطحاوى بسنده إلى أبى أمامة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ فمسح أذنيه مع الرأس وقال الأذنان من الرأس (وقال) مالك وأحمد وأبو ثور والمؤيد بالله إن الأذنين من الرأس لكن يطلب تجديد الماء لهما محتجين بحديث عبد الله بن زيد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ فمسح أذنيه بماء غير الماء الذى مسح به الرأس أخرجه الحاكم من طريق حرملة عن ابن وهب (قال) الحافظ في التلخيص إسناده ظاهره الصحة وأخرجه البيهقى من طريق عثمان الدارمى عن الهيثم بن خارجة عن ابن وهب بلفظ فأخذ لأذنيه ماء خلاف

الماء الذى أخذه لرأسه وقال هذا إسناد صحيح اهـ لكن ذكر الشيخ تقىّ الدين ابن دقيق العيد في الإمام أنه رآه في رواية ابن المقرى عن ابن قتيبة عن حرملة بهذا الإسناد ولفظه ومسح رأسه بماء غير فضل يديه لم يذكر الأذنين قلت وكذا هو في صحيح ابن حبان عن ابن سلم عن حرملة وكذا رواه الترمذى عن علىّ بن خشرم عن ابن وهب (وقال) عبد الحق ورد الأمر بتجديد الماء للأذنين من حديث نمران بن جارية عن أبيه عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وتعقبه) ابن القطان بأن الذى في رواية جارية بلفظ أخذ للرأس ماء جديدا رواه البزّار والطبراني، وفي الموطأ عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا توضأ يأخذ الماء بأصبعيه لأذنيه اهـ كلام الحافظ (وقال) في بلوغ المرام بعد ذكر حديث عبد الله بن زيد وهو عند مسلم من هذا الوجه بلفظ ومسح برأسه بماء غير فضل يديه وهو المحفوظ اهـ (وأجاب) القائلون بأنهما يمسحان بماء الرأس بما تقدم من إعلال هذا الحديث قالوا فيوقف على ما ثبت في مسحهما مع الرأس كما في حديث ابن عباس والرّبيع وغيرهما (قال) ابن القيم لم يثبت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه أخذ لهما ماء جديدا وإنما صح ذلك عن ابن عمر اهـ من النيل (وقال) الشعبي والحسن بن صالح وإسحاق ما أقبل من الأذنين فمن الوجه يغسل معه وما أدبر فمن الرأس يمسح معه مستدلين بما تقدّم للمصنف من حديث علىّ الذى علم فيه ابن عباس وضوء النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفيه ثم أدخل يديه في الإناء جميعا فأخذ بهما حفنة من ماء فضرب بها على وجهه ثم ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه "إلى أن قال" ثم مسح رأسه وظهور أذنيه (وأجاب) عنه الجمهور بأن في الحديث مقالا كما تقدم وعلى فرض صحته فليس فيه دليل على الفرق بين مقدّم الأذن ومؤخرها فإن غاية ما فيه أنه أدخل إبهاميه في أذنيه وهو إنما يفيد مسح المقدّم لا غسله (وقال) الشافعى إن الأذنين عضوان مستقلان يمسحان على انفرادهما (وحكي) عن ابن عمر والحسن وعطاء وأبى ثور واحتجوا بحديث عبد الله بن زيد المتقدم قالوا إنه صريح في أنهما ليستا من الرأس إذ لو كانتا منه لما أخذ لهما ماء جديدا كسائر أجزاء الرأس وقد علمت ما فيه (وقال) الزهرى وداود إنهما من الوجه فيغسلان معه واحتجا بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقول في سجوده سجد وجهى للذى خلقه وشقّ سمعه وبصره فأضاف السمع إلى الوجه كما أضاف إليه البصر (وردّ) بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يمسحهما ولم ينقل عنه غسلهما مع كثرة رواة صفة وضوئه، وبأن الإجماع منعقد على أن المتيمم لا يلزمه مسحهما ولو كانتا من الوجه للزم غسلهما في الوضوء ومسحهما في التيمم، أما إضافة السمع إلى الوجه فلأدنى ملابسة لا لأنه جزء منه (وبهذا) تعلم أن الراجح ما ذهب إليه الجمهور من أن الأذنين من الرأس ويمسحان بمائه (وقال) الترمذى العمل عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه

وعلى آله وسلم ومن بعدهم على أن الأذنين من الرأس وبه يقول سفيان الثورى وابن المبارك وأحمد وإسحاق (قوله يقولها أبو أمامة) أى قالها ففيه التعبير بالمضارع بدلا عن الماضى استحضارا للحال الماضية والضمير عائد على قوله الأذنان من الرأس فليست هذه الجملة من قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، قال الدارقطنى بعد رواية هذا الحديث قال سليمان بن حرب الأذنان من الرأس إنما هو قول أبى أمامة فمن قال غير هذا فقد بدّل (قوله لا أدرى هو من قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى فيكون مرفوعا أو من قول أبى أمامة فيكون موقوفا تردّد حماد وإنما نشأ تردّده من احتمال أن يكون وقال عطفا على كان فيكون من كلامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أى كان يغسل الوجه ويمسح الماقين ولم يوصل الماء إلى الأذنين وقال هما من الرأس فيمسحان بمسحه، واحتمال أن يكون عطفا على قال الأولى التى هي قبل كان فيكون من قول أبى أمامة أى قال الراوى ذكر أبو أمامة كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يغسل الوجه ويمسح الماقين وقال الأذنان من الرأس، وقد تقدّم وسيأتى ما هو صريح في أنه مرفوع وأنه الراجح (قوله يعنى قصة الأذنين) هذا التفسير من قتيبة (قوله قال قتيبة عن سنان الخ) أى قال في روايته عن سنان أبى ربيعة وأما سليمان بن حرب ومسدّد فقالا في روايتهما سنان بن ربيعة، وقد بين المصنف بقوله وهو ابن ربيعة الخ أن الخلاف لفظي لأن سنانا كنيته أبو ربيعة واسم والده ربيعة، وفي بعض النسخ إسقاط قوله قال أبو داود الخ. (فقه الحديث) والحديث يدلّ زيادة على ما تقدم على أنه يطلب تعاهد الماقين أثناء الوضوء وعلى أن الأذنين يمسحان بماء الرأس وبه أخذ الجمهور كما تقدم بيانه. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى وكذا ابن ماجه والطحاوى في شرح معانى الآثار بلفظ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ فمسح أذنيه مع الرأس وقال الأذنان من الرأس، وأخرجه الترمذى وقال هذا حديث ليس إسناده بذاك القائم، وأخرجه الدارقطنى أيضا وقال رفعه وهم والصواب أنه موقوف وقال أيضا عن دعلج بن أحمد أنه قال سألت موسى بن هارون عن هذا الحديث قال ليس بشئ فيه شهر بن حوشب وشهر ضعيف والحديث في رفعه شك. وأخرج حديث أبى أمامة هذا من أربع طرق مرفوعا إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن محمد بن زياد الزيادى والهيثم بن جميل ومعلى بن منصور ومحمد بن أبى بكر كلهم عن حماد بن زيد عن سنان عن شهر عن أبى أمامة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم قال أسند هؤلاء عن حماد وخالفهم سليمان بن حرب وهو ثقة حافظ وقال في موضع آخر وقد وقفه سليمان بن حرب عن حماد بن زيد وهو ثقة ثبت وكلامه في غير موضع

باب الوضوء ثلاثا ثلاثا

ناطق بأن رفعه وهم ووقفه هو الصواب (قال) العينى وقد اختلف فيه على حماد فوقفه ابن حرب عنه ورفعه أبو الربيع. واختلف أيضا على مسدد عن حماد فروى عنه الرفع وروى عنه الوقف وإذا رفع ثقة حديثا ووقفه آخر أو نقلهما شخص واحد في وقتين يرجح الرافع لأنه أتي بزيادة ويجوز أن يسمع الرجل حديثا فيفتي به في وقت ويرفعه في وقت آخر وهذا أولى من تغليط الراوى (والحاصل) أن حديث الأذنان من الرأس رواه ثمانية من الصحابة (الأول) أبو أمامة الباهلى وتقدم الكلام عليه (الثاني) عبد الله بن زيد أخرج حديثه ابن ماجه مرفوعا وهو أقوى حديث في الباب لاتصاله وثقة رواته (قال) الحافظ في التلخص حديث عبد الله بن زيد قوّاه المنذرى وابن دقيق العيد وقد بينت أنه مدرج اهـ (الثالث) ابن عباس أخرج حديثه البزّار والدارقطني عن أبى كامل الجحدرى وأعله بالاضطراب في إسناده وقال إن إسناده وهم وإنما هو مرسل عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (الرابع) أبو هريرة أخرج حديثه ابن ماجه بسند فيه عمرو بن الحصين ومحمد بن عبد الله بن علاثة، وأخرجه الدارقطنى من هذا الطريق مرفوعا ثم قال عمرو بن الحصين وابن علاثة ضعيفان. وأخرجه عن البخترى ابن عبيد عن أبيه عن أبى هريرة مرفوعا ثم قال والبخترى ضعيف وأبوه مجهول. وأخرجه عن على بن هاشم عن إسماعيل بن مسلم المكي عن عطاء عن أبى هريرة وقال وإسماعيل بن مسلم ضعيف (الخامس) أبو موسى الأشعرى روى حديثه الدارقطنى في سننه من طريق أشعث بن سوّار عن الحسن عن أبى موسى مرفوعا وقال والصواب موقوف والحسن لم يسمع من أبي موسى ثم أخرجه موقوفا (السادس) ابن عمر أخرج حديثه الدارقطني مرفوعا من طرق كثيرة وأعلها وصوّب وقفه أيضا (السابع) أنس أخرج حديثه الدارقطنى من طريق عبد الحكم عن أنس بن مالك مرفوعا ثم قال وعبد الحكم لا يحتج به (الثامن) عائشة أخرح حديثها الدارقطنى عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهرى عن عروة عن عائشة مرفوعا قال والمرسل أصح يعنى ابن جريج عن سليمان بن موسى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وفى التلخيص أخرجه الدارقطني وفيه محمد بن الأزهر وقد كذّبه أحمد اهـ (باب الوضوء ثلاثا ثلاثا) أى في بيان أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ فغسل كل عضو ثلاث مرّات (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ:

«يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الطُّهُورُ فَدَعَا بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ، وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ، وَبِالسَّبَّاحَتَيْنِ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا»، ثُمَّ قَالَ: «هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ - أَوْ ظَلَمَ وَأَسَاءَ -» (ش) (رجال الحديث) (قوله أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله (قوله موسى بن أبى عائشة) أبو الحسن الكوفي الهمدانى الخزومى مولى آل جعدة بن هبيرة. روى عن سليمان ابن صرد وعمرو بن شعيب وعمرو بن حريث وسعيد بن جبير وعبد الله بن شداد وغيرهم. وعنه السفيانان وعبيدة بن حميد وأبو إسحاق الفزارى وأبو عوانة وطائفة. وثقه ابن عيينة وابن معين وذكره ابن حبان في الثقات. روى له الجماعة (قوله عمرو بن شعيب) بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص أبو إبراهيم السهمى القرشي المدنى غالب روايته عن أبيه. وروى عن سعيد بن المسيب وطاوس ومجاهد وسليمان بن يسار وعروة بن الزبير وغيرهم. وعنه عطاء بن أبى رباح والزهرى ومكحول وعمرو بن دينار وقتادة وهشام بن عروة وكثيرون، قال أبو زرعة هو ثقة في نفسه روى عنه الثقات وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه عن جدّه، إنما سمع أحاديث يسيرة وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها وما أقلّ ما نصيب عنه مما روى عن غير أبيه عن جدّه من المنكر وعامة هذه المناكير التى تروى عنه إنما هى عن المثني بن الصباح وابن لهيعة والضعفاء وقال العجلى والدارقطنى ثقة وقال يحيى القطان إذا روى الثقات عنه فهو ثقة يحتج به وقال أحمد ليس بحجة وقال مرّة ربما احتججنا به وربما وجس في القلب منه شئ وله مناكير وقال ابن معين إذا حدّث عن غير أبيه فهو ثقة (وبالجملة) فقد اختلف في توثيقه اختلافا كثيرا والأكثر على توثيقه. مات سنة ثمانى عشرة ومائة. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (قوله عن أبيه) شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص الحجازى السهمى روى عن جدّه عبد الله بن عمرو بن العاص وابن عمر وابن عباس ومعاوية. وعنه ابناه عمر وعمرو وثابت البناني وعطاء الخراساني وغيرهم. وثقه ابن حبان وثبت سماعه من جدّه عبد الله روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (قوله عن جدّه) الضمير لشعيب، وجدّه هو عبد الله بن عمرو بن العاص فالحديث متصل الإسناد، ويحتمل أن يعود الضمير على عمرو بن شعيب فيكون المراد جدّه الأعلى الصحابى وهو الظاهر لما يلزم على الأول من تشتيت الضمائر

ذم من خالف في الوضوء بزيادة أو نقص

(معنى الحديث) (قوله أن رجلا الخ) لم يعرف اسمه، وفى رواية النسائى وابن ماجه جاء أعرابى إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، ولا منافاة بينهما لاحتمال أن يكون الرجل هو الأعرابى (قوله كيف الطهور) بضم الطاء والمراد به الوضوء، ففى رواية النسائى يسأله عن الوضوء، وفى رواية ابن ماجه فسأله عن الوضوء (قوله فغسل كفيه الخ) بيان للطهور المسئول عنه، وبين له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالفعل لأنه أبلغ وأتمّ في الإرشاد ولم يذكر فيه المضمضمة والاستنشاق إما لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تركهما لبيان جواز تركهما، أو أن الراوى اكتفى بغسل الوجه عنهما (قوله السباحتين) بسين مهملة وموحدة مشدّدة وألف بعدها حاء مهملة تثنية سباحة وهي الأصبع التى تلى الإبهام سميت بذلك لأنه يشار بها عند التسبيح فنسبة التسبيح إليها مجاز إذ المسبح حقيقة صاحبها (قوله فمن زاد على هذا أو نقص الخ) أى من زاد على فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كأن زاد في الغسل على الثلاث أو غسل عضوا غير الأعضاء المشروع غسلها أو نقص عن ذلك الفعل كأن اقتصر في الغسل على مرّة أو مرّتين أو ترك عضوا من أعضاء الوضوء أو بعضه فقد أساء إلى نفسه وظلمها بمخالفة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وبأنه أتعب نفسه فيما زاد على الثلاثة من غير حصول ثواب له وأتلف الماء بلا فائدة وأما في النقص فقد أساء بترك الأكمل وظلم نفسه بنقص ثوابها إذا نقص العدد أو بعدم الاعتداد به إذا ترك عضوا من الأعضاء أو بعضه. وإنما ذمه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إظهارا لشدّة النكير عليه وزخرا له "واستشكل" نسبة الإساءة والظلم إلى من نقص عن الثلاث بأنه قد ثبت أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ مرّتين مرّتين ومرّة مرّة وأجمع أئمة الحديث والفقه على جواز الاقتصار على واحدة إذا عمت "وأجيب" بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اقتصر على المرّة والمرّتين في بعض الأوقات لبيان الجواز، والثلاث هي الأكمل لمواظبته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليها، والإساءة والظلم لمن اقتصر على المرّة أو المرّتين منظور فيها لمن فعل الثلاث فهى نسبية، على أن رواة الحديث لم يتفقوا على ذكر النقص فيه فقد اقتصر النسائي وابن ماجه في روايتهما على قوله من زاد فقط "وذهب" جماعة إلى تضعيف زيادة أو نقص (قال) ابن حجر عدّه مسلم في جملة ما أنكروه على عمرو بن شعيب لأن ظاهره ذم النقص عن الثلاثة والنقص عنها جائز فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكيف يعبر عنه بأساء وظلم (وقال) ابن الموّاق إن لم يكن اللفظ شكا من الراوى فهو من الأوهام البينة التى لا خفاء لها إذ الوضوء مرّة ومرّتين لا خلاف في جوازه، والآثار بذلك صحيحة والوهم فيه من أبى عوانة وهو وإن كان من الثقات فإن الوهم لا يسلم منه بشر إلا من عصم اهـ (قال) العيني فقد أساء أى في الأدب بتركه السنة والتأدّب بآداب الشرع وظلم نفسه بما نقصها من

الثواب بزيادة المرّات في الوضوء وقيل معناه زاد على الثلاث معتقدا أن السنة لا تحصل بالثلاث أو نقص معتقدا أن الثلاث خلاف السنة "فإن قلت" كيف يكون ظالما في النقصان وقد ورد في الأحاديث مرّة مرّة ومرّتين مرّتين "قلت" الجواب عن ذلك من ثلاثة وجوه "الأول" أن المعنى يكون ظالما لنفسه في تركه الفضيلة والكمال وإن كان يجوز مرّة مرّة أو مرّتين مرّتين "والثانى" إنما يكون ظالما إذا اعتقد خلاف السنة في الثلاث "والثالث" أن هذا الحديث فيه مقال من جهة عمرو بن شعيب اهـ (وقال) الحافظ في التلخيص يجوز أن تكون الإساءة والظلم وغيرهما مما ذكر مجموعا لمن نقص ولمن زاد ويجوز أن يكون على التوزيع فالإساءة في النقص والظلم في الزيادة وهذا أشبه بالقواعد والأول أشبه بظاهر السياق اهـ (وقال) في المرقاة قال الإمام النسفى هذا إذا زاد معتقدا أن السنة هذا فأما لو زاد لطمأنينة القلب عند الشك أو نية وضوء آخر فلا بأس لأنه عليه الصلاة والسلام أمر بترك ما يريبه إلى ما لا يريبه اهـ "قلت" أما قوله لطمأنينة القلب عند الشك ففيه أن الشك بعد التثليث لا وجه له والعمل بمقتضاه يفتح بابا عظيما للوسوسة ولهذا أخذ ابن المبارك بظاهره فقال لا آمن إذا زاد على الثلاث أن يأثم (وقال) أحمد وإسحاق لا يزيد عليها إلا مبتلى "يعنى مجنونا" لمظنة أنه بالزيادة يحتاط لدينه (وقال) ابن حجر ولقد شاهدنا من الموسوسين من يغسل يده فوق المئين وهو مع ذلك يعتقد أن حدثه لم يرتفع. وأما قوله أو بنية وضوء آخر ففيه أنه لا يتصوّر التجديد إلا بعد تمام الوضوء لا في الأثناء، وعلى فرض أن الشك وقع بعد تمام الوضوء فلا يستحب التجديد قبل صلاة تؤدّى بهذا الوضوء، وأما قوله لأنه أمر بترك ما يريبه الخ ففيه أن غسل المرّة الأخرى مما يريبه فينبغى تركه إلى ما لا يريبه وهو ما عينه الشارع ليتخلص عن الريبة والوسوسة اهـ بتصرّف (قول أو ظلم وأساء) شك من الراوى (فقه الحديث) والحديث يدلّ على طلب تثليث الغسل في أعضاء الوضوء والاقتصار في مسح الرأس على مرّة واحدة، وعلى أنه يطلب مسح باطن الأذنين بالسبابتين وظاهرهما بالإبهامين وعلى أنه يطلب من المتوضئ أن يتبع الوارد فلا يزيد عليه ولا ينقص، وعلى أن من خرج عن الوارد عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقد عرّض نفسه للوقوع في الوبال والظلم وسوء الحال. فانظر أيها العاقل ما هو حاصل من غالب أهل الزمان من استحسانهم ضدّ الوارد عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. نعوذ بالله عزّ وجلّ من شرور نفوسنا وسيئات أعمالنا. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والنسائى بلفظ جاء أعرابي إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسأله عن الوضوء فأراه ثلاثا ثلاثا ثم قال هكذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدّى وظلم وأخرجه ابن ماجه وفيه فقد أساء أو تعدّى أو ظلم وأخرجه

التنفير من الخروج عن الوارد عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

البيهقى من طريقين وأخرجه الطحاوى وابن خزيمة وصححه غيره. (باب الوضوء مرتين) أى في بيان الوضوء الوارد عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرّتين لكل عضو (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، ثَنَا زَيْدٌ يَعْنِي ابْنَ الْحُبَابِ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَوْبَانَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيُّ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله زيد يعنى ابن الحباب) بضم الحاء المهملة ابن الريان وقيل رومان أبو الحسن العكلى الخراسانى الكوفي. روى عن مالك بن أنس وحماد بن سلمة وعكرمة بن عمار والثورى وابن المبارك وكثيرين، وعنه أحمد بن حنبل وابن المدينى وأبو خيثمة وأبو كريب والحسن بن على الخلال وغيرهم، وثقه ابن معين وابن المدينى وقال أحمد كان كثير الخطأ وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان يخطئُ يعتبر حديثه إذا روى عن المشاهير وأما روايته عن المجاهيل ففيها المناكير وقال ابن عدىّ له حديث كثير وهو من أثبات مشايخ الكوفة ممن لا يشك في صدقه. توفى سنة ثلاث ومائتين. روى له الجماعة إلا البخارى (قوله عبد الرحمن ابن ثوبان) هو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ونسبه المصنف إلى جدّه لشهرته به أبو عبد الله العنسى بالنون الزاهد الدمشقى. روى عن أبيه ونافع وعطاء والزهرى وابن عجلان وغيرهم وعنه الوليد بن مسلم وبقية وابن عياش وأبو المغيرة الخولاني وآخرون، قال ابن المدينى وابن معين ليس به بأس وقال أحمد لم يكن بالقوى وأحاديثه مناكير وقال أبو حاتم ثقة يشوبه شئ من القدر وتغير عقله في آخر حياته وهو مستقيم الحديث. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه. توفى سنة خمس وستين ومائة (قوله عبد الله بن الفضل) بن عبد الرحمن ابن العباس بن ربيعة المدني. روى عن أنس بن مالك وأبى سلمة بن عبد الرحمن ونافع بن جبير والأعرج. وعنه موسى بن عقبة ومالك بن أنس وسليمان بن يسار وغيرهم، قال أحمد بن حنبل لا بأس به ووثقه النسائى وابن معين وأبو حاتم والعجلى وابن المديني. روى له الجماعة (قوله الأعرج) هو عبد الرحمن بن هرمز. (معنى الحديث) (قوله توضأ مرّتين مرّتين) ظاهره أنه غسل كل عضو من الأعضاء التي يطلب غسلها مرّتين وظاهره أنه مسح الرأس مرّتين، ويحتمل أنه كرّر الغسل دون المسح ويؤيده ما تقدم من الروايات الكثيرة الصحيحة أنه مسح رأسه مرّة واحدة، وعلى ظاهره يمكن الجمع بينه وبين أكثر

الروايات بحمل المرّتين في المسح على اعتبار الإقبال مرّة والإدبار أخرّى كما تقدم في حديث الرّبيع (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى والترمذى وقال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن ثوبان عن عبد الله بن الفضل وهو إسناد حسن صحيح اهـ وأخرجه أحمد والبخارى من حديث عبد الله بن زيد. (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، ثَنَا زَيْدٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتُحِبُّونَ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ؟ «فَدَعَا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ فَاغْتَرَفَ غَرْفَةً بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ أَخَذَ أُخْرَى فَجَمَعَ بِهَا يَدَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ أَخَذَ أُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ أَخَذَ أُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنَ الْمَاءِ، ثُمَّ نَفَضَ يَدَهُ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ، ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً أُخْرَى مِنَ الْمَاءِ فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى، وَفِيهَا النَّعْلُ، ثُمَّ مَسَحَهَا بِيَدَيْهِ يَدٍ فَوْقَ الْقَدَمِ وَيَدٍ تَحْتَ النَّعْلِ، ثُمَّ صَنَعَ بِالْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ» (ش) هذا الحديث ليس فيه ذكرا لوضوء مرّتين فهو غير مناسب للترجمة والصواب ذكره في الباب الآتي كما في بعض النسخ، وقد يقال وجه مناسبته للترجمه باعتبار أن الغسل مرّة مرّة يدلّ بالأولى على جواز الغسل مرّتين. (رجال الحديث) (قوله محمد بن بشر) بن الفرافصة بن المختار العبدى أبو عبد الله الكوفي الحافظ. روى عن هشام بن عروة والأعمش وشعبة وابن أبى عروبة والثورى وجماعة. وعنه إسحاق وابن المدينى وأبو كريب وعبد بن حميد وعباس الدورى وغيرهم، وثقه النسائى وابن قانع وابن معين وقال أبو داود كان أحفظ من بالكوفة وقال ابن أبى شيبة ثقة إذا حدّث من كتابه مات سنة ثلاث ومائتين. روى له الجماعة (قوله هشام بن سعد) هو أبو سعد ويقال أبو عباد المدنى مولاهم. روى عن نافع وزيد بن أسلم وسعيد المقبرى والزهرى وغيرهم. وعنه الثورى والقعنبي وأبو نعيم والليث بن سعد وابن مهدى وكثيرون، ضعفه النسائى وابن عدىّ وقال أبو زرعة شيخ محله الصدق وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به وقال أحمد لم يكن بالحافظ وليس بمحكم الحديث وقال ابن سعد كان كثير الحديث يستضعف وكان متشيعا. روى له الجماعة إلا البخارى (قوله زيد) بن أسلم أبو أسامة العدوى المدنى مولى عمر بن الخطاب الفقيه أحد

الأعلام. روى عن أبيه وابن عمر وأنس بن مالك وعائشة وكثيرين. وعنه بنوه أسامة وعبد الله وعبد الرحمن والسفيانان وابن جريج ومالك بن أنس والزهرى وغيرهم. وثقه أحمد والنسائى وأبو حاتم ويعقوب بن شيبة وقال ابن عيينة كان في حفظه شيء وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث. توفي سنة ثلاث أو ست وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (قوله عطاء بن يسار) أبو محمد المدني الهلالى مولى ميمونة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحد الأئمة. روى عن مولاته وأبى سعيد الخدرى وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبى هريرة وكثيرين وعنه أبو سلمة بن عبد الرحمن وحبيب بن أبى ثابت وصفوان بن سليم وعمرو بن دينار وجماعة ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن معين وأبو زرعة وابن سعد والنسائى ثقة. توفي سنة ثلاث أو أربع ومائة. روى له الجماعة. (معنى الحديث) (قوله فاغترف غرفة) بفتح الغين المعجمة المرّة وبالضم المغروف باليد كما تقدّم أى أخذ كفا من ماء (قوله ثم أخذ أخرى فجمع بها الخ) أى ضمّ لأجل الغرفة يديه وجعل الماء الذى في يده في يديه جميعا لكونه أمكن في الغسل. وفي رواية البخارى ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا أضافها إلى يده الأخرى (قوله قبضة) بفتح القاف المرّة وبالضم الشئ المقبوض عليه وهو المراد هنا لقوله من الماء (قوله ثم نفض يده) أى حرّك يده ليسقط ما بها من الماء يقال نفضه نفضا من باب قتل ليزول عنه الغبار ونحوه فانتفض أى تحرّك لذلك (قوله ثم مسح رأسه وأذنيه) زاد النسائى من طريق الدراوردى عن زيد بن أسلم وأذنيه مرّة واحدة ومن طريق ابن عجلان باطنهما بالسباحتين وظاهرهما بإبهاميه، وزاد ابن خزيمة من هذا الوجه وأدخل أصبعيه فيهما (قوله فرشّ الخ) أى صبّ الماء قليلا حتى صار غسلا فالمراد بالرشّ هنا الصبّ لا التقطير، وفائدة ذكر الرشّ التنبيه على الاحتراز عن الإسراف لأن الرجل مظنته في الغسل، يدلّ عليه رواية النسائى ثم أخذ غردفة فغسل رجله اليمنى، ورواية البخارى فرشّ على رجله اليمنى حتى غسلها، وهو صريح في أنه لم يكتف بالرشّ (قوله وفيها النعل) جملة حالية وهو لا يدلّ على عدم غسل أسفلها لأن النعل لا يمنع غسل الرجل ولا يغطيها ولا يمنع من وصول الماء إليها (قوله ثم مسحها بيديه) أى غسلها (قال) الحافظ المراد بالمسح تسييل الماء حتى يستوعب العضو اهـ وقد صحّ عنه أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يتوضأ في النعل "ففى" البخارى باب غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على النعلين وفى الباب حديث ابن عمر وفيه فإني رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يلبس النعال التى ليس فيها شعر ويتوضأ فيها (قال) الحافظ في شرحه ليس في الحديث الذى ذكره تصريح بالغسل وإنما هو مأخوذ من قوله يتوضأ فيها لأن الأصل في الوضوء فو الغسل ولأن قوله

باب الوضوء مرة مرة

فيها يدلّ على الغسل ولو أريد المسح لقال عليها اهـ ففيه دلالة على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يغسل رجليه وهما في نعليه (قوله يد فوق القدم الخ) بالجرّ على البدلية من يديه ويحتمل الرفع على الابتداء وفوق خبره وسوّغ الابتداء به وقوعه في معرض التفصيل، وقوله ويد تحت النعل أى تحت مباشر النعل وهو أسفل القدم، ويحتمل إبقاء الحديث على ظاهره فيكون قد اكتفى في القدمين بمسح ظاهر القدم وأسفل النعل لكن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة لأنه من رواية هشام بن سعد وقد تكلم فيه غير واحد (قال) الحافظ في الفتح أما قوله تحت النعل فإن لم يحمل على التجوّز عن القدم فهى رواية شاذة وراويها هشام بن سعد لا يحتج بما تفرّد به فكيف إذا خالف اهـ ولو صحّ فهو مخالف لسائر الروايات ولعله كرّر المسح حتى صار غسلا (وقال) الطحاوى في شرح معانى الآثار ما حاصله إن المسح كان على النعلين والجوربين, وكان مسحه على الجوربين هو الذى تطهر به ومسحه على النعلين فضلا، وذكر حديث أبى موسى الأشعرى أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح على جوربيه ونعليه وتقدّم بسط مقام المسح على النعلين في حديث ابن عباس عن علىّ (قوله ثم صنع باليسرى مثل ذلك) أى رشّ على رجله اليسرى وفيها النعل ثم مسحها بيديه يد فوق القدم ويد تحت النعل وفي رواية البخارى ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله يعنى اليسرى. وفي رواية النسائى ثم غرف غرفة فغسل رجله اليسرى وذلك يوضح المراد من المثلية. (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز الوضوء مرّه مرّة وهو مجمع عليه إذا عمت العضو (قال) النووى قد أجمع المسلمون على أن الواجب غسل الأعضاء مرّة مرّة، وعلى أن الثلاث سنة، وعلى مشروعية المضمضة والاستنشاق من غرفة واحدة، وعلى مشروعية التيامن في كل عضوين لا يطلب تطهيرهما معا كاليدين والرجلين بخلاف نحو الكفين والأذنين فإنهما يطهران معا، وعلى مشروعية نفض اليد من الماء عند إرادة مسح الرأس لئلا يصير المسح غسلا، وعلى أن نفض اليد من ماء الطهارة ليس بمكروه، وعلى جواز مسح الرأس والأذنين بماء واحد، وهو قول الأكثر كما تقدم، وعلى أنه يطلب تقليل ماء الطهارة وعدم الإسراف فيه ولا سيما عند غسل الرجلين. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه بهذا اللفظ وأخرجه البخارى من طريق سليمان بن بلال بلفظ آخر. (باب الوضوء مرّة مرّة) (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ،

باب في الفرق بين المضمضة والاستنشاق

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِوُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «فَتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً» (ش) (قوله يحيى) القطان و (سفيان) الثورى، والحديث سيق لبيان أدنى مراتب الوضوء وأقل ما يجزئُ فيه وهو غسل كل عضو مرّة مستوعبا ونظيره حديث ابن عمر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله ويسلم توضأ مرّة مرّة ثم قال هذا وضوء من لا تقبل له صلاة إلا به رواه البيهقي والدارقطني. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والبيهقى عن ابن عباس بلفظ ألا أخبركم بوضوء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فدعا بإناء فيه ماء فجعل يغرف غرفه غرفة لكل عضو، وأخرجه البخارى والترمذى والنسائى. (باب في الفرق بين المضمضة والاستنشاق) أى فيما يدلّ على طلب الفصل بين المضمضة والاستنشاق بجعل كل بغرفة مستقلة (ص) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، ثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثًا، يَذْكُرُ عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «دَخَلْتُ - يَعْنِي - عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، وَالْمَاءُ يَسِيلُ مِنْ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ، فَرَأَيْتُهُ يَفْصِلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله حميد بن مسعدة) بن المبارك الباهلى أبو على البصرى ويقال أبو العباس. روى عن حماد بن زيد وبشر بن المفضل ويزيد بن زريع ومعتمر بن سليمان وغيرهم، وعنه أبو زرعة ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وأبن ماجه وآخرون، قال النسائى ثقة وقال أبو حاتم صدوق. توفي سنة أربع وأربعين ومائتين (قوله سمعت ليثا) أى ابن أبى سليم و (طلحة) بن مصرّف بن عمرو بن كعب. (معنى الحديث) (قوله يعنى) الظاهر أن هذه العناية ممن روى عن عمرو بن كعب وهو مصرّف (قوله يفصل بين المضمضة والاستنشاق) أى يأخذ لكل منهما ماء على حدة. وظاهر الحديث يدلّ لمن يرى الفصل بين المضمضة والاستشناق، لكن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة لأن فيه ليث بن أبى سليم وهو ضعيف وفيه أيضا مصرّف وفيه مقال ومما يدلّ للفصل بينهما ما تقدّم للمصنف من طريق ابن أبى مليكة عن عثمان وفيه فتمضمض ثلاثا واستنثر ثلاثا وهو

باب في الاستنثار

طاهر في الفصل وما رواه ابن السكن في صحاحه من طريق شقيق بن سلمة قال شهدت علىّ بن أبى طالب وعثمان بن عفان توضأ ثلاثا ثلاثا وأفردا المضمضة عن الاستنشاق ثم قالا هكذا رأينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ فهذا صريح في الفصل (قال) الحافظ في التلخيص أما رواية عليّ وعثمان للفصل فتبع فيه الرافعى الإمام في النهاية وأنكره ابن الصلاح في كلامه على الوسيط فقال لا يعرف ولا يثبت بل روى عن علىّ الجمع "ففى" مسند أحمد عن علىّ أنه دعا بماء فغسل وجهه وكفيه ثلاثا وتمضمض وأدخل بعض أصابعه في فيه واستنشق ثلاثا اهـ وقد روى ابن ماجه عن علىّ أيضا أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا من كفّ واحد، وتقدّم أيضا عن المصنف روايات كثيرة عن على وغيره تدلّ على الجمع (والحاصل) أن كلا من الوصل والفصل ثابت لكن أحاديث الوصل قوية الإسناد وتقدّم بيان ذلك في باب صفة وضوء النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن الماء المتقاطر من العضو أثناء الوضوء طاهر وإلا لتحرّز النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عنه، وعلى مشروعية الفصل بين المضمضة والاستنشاق. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى. (باب في الاستنثار) من النثر بالنون والمثلثة وهو طرح الماء من الأنف بعد الاستنشاق الذى يجذبه المتوضئُ بريح أنفه لتنظيف ما في داخله سواء أكان الاستنثار بإعانة اليد أم لا، وحكي عن مالك كراهية فعله بغير اليد لكونه يشبه فعل الدابة، والمشهور عدم الكراهة، وإذا استنثر فالمستحب أن يكون بيده اليسرى لما تقدّم من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه، ويجعل شماله لما سوى ذلك. (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ لِيَنْثُرْ» (ش) (قوله عن أبى الزناد) عبد الله بن ذكوان و (الأعرج (عبد الرحمن بن هرمز (قوله إذا توضأ أحدكم الخ) أى شرع في الوضوء فليستنشق ثم ليخرج الماء من أنفه، وينثر بمثلثة

حكم الاستنشاق والاستنثار

مضمومة وتكسر من بابى قتل وضرب. وفى بعض الروايات ثم لينتثر من الانتثار. وفى رواية النسائى ثم ليستنثر يقال نثر الرجل وانتثر إذا حرّك النثرة وهى طرف الأنف فإنه يحرّكها عند إخراج ما في الأنف (وظاهر) الحديث يفيد وجوب الاستنشاق والاستنثار وأنه مغاير للاستنشاق ومرتب عليه (قال) الحافظ في الفتح ظاهر الأمر أنه للوجوب فيلزم من قال بوجوب استنشاق لورود الأمر كأحمد وإسحاق وأبى عبيدة وأبى ثور وابن المنذر أن يقول به في الاستنثار وظاهر كلام صاحب المغنى يقتضى أنهم يقولون بذلك وأن مشروعية الاستنشاق لا تحصل إلا بالاستنثار (وصرّح) ابن بطال بأن بعض العلماء قال بوجوب الاستنثار، وفيه تعقب على من نقل الإجماع على عدم وجوبه (واستدلّ) الجمهور على أن الأمر فيه للندب بما حسنه الترمذى وصححه الحاكم من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للأعرابى توضأ كما أمرك الله فأحاله على الآية وليس فيها ذكر الاستنشاق (وأجيب) بأنه يحتمل أن يراد ما هو أعمّ من آية الوضوء فقد أمر الله سبحانه وتعالى باتباع نبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو المبين عن الله أمره، ولم يحك أحد ممن وصف وضوءه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه ترك الاستنشاق بل ولا المضمضة وهو يردّ على من لم يوجب المضمضة أيضا، وقد ثبت الأمر بها في سنن أبى داود بإسناد صحيح اهـ بتصرّف (أقول) وفى هذا الجواب نظر فإنه إنما يتمّ لو أحال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الأعرابى ولم يبين له أما بالنظر إلى تمام الحديث وهو فاغسل وجهك ويديك وامسح رأسك واغسل رجليك فيصير نصا على أن المراد كما أمرك الله في خصوص آية الوضوء لا في عموم القرآن فلا يكون أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الأعرابى بالوضوء أمرا بالمضمضة والاستنشاق والاستنثار لعدم ذكرها في آية الوضوء المرادة بقول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما أمرك الله، أفاده في النيل، وأما قوله ولم يحك أحد ممن وصف وضوءه أنه ترك الاستنشاق الخ فيردّه ما تقدم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن رجلا أتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال كيف الطهور فدعا بإناء فيه ماء فغسل كفيه ثلاثا ثم غسل وجهه ثلاثا فقد ترك النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المضمضة والاستنشاق والاستنثار في مقام البيان وهو ينفي وجوبها، وعلى فرض ثبوت المواظبة فلا تدل على الوجوب لعدم اقترانها بالإنكار على التارك كما هو مقرّر، ولم يذكر في هذه الروية عددا وقد ورد في رواية سفيان عن أبى الزناد وإذا استنثر فليستنثر وترا أخرجه الحميدي في مسنده، واقتصر في حديث، الباب على الأنف لأنه مظنة اجتماع الأقذار وحاول الشيطان "فقد" روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثا فإن الشيطان يبيت على خيشومه، والشيطان إذا لم يمكنه الوسوسة

عند النوم لزوال الإحساس يبيت على أنفه ليلقى في دماغه الرؤيا الفاسدة ويمنعه الرؤيا الصالحة لأن محله الدماغ فأمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالاستنشاق والاستنثار إزالة للوث الشيطان ونتنه. (فقه الحديث) والحديث يدلّ بظاهره على وجوب الاستنشاق والاستنثار، وعلى أن الاستنثساق غير الاستنثار وقد علمت أن الأمر فيه محمول على الندب عند الجمهور. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مالك في الموطأ والبخارى ومسلم والنسائى والبيهقى. (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ قَارِظٍ، عَنْ أَبِي غَطَفَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «اسْتَنْثِرُوا مَرَّتَيْنِ بَالِغَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» (ش) (رجال الحديث) (قوله وكيع) بن الجراح (قوله ابن أبى ذئب) هو محمد ابن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبى ذئب العامرى المدنى أحد الأئمة. روى عن نافع وسعيد المقبرى وعكرمة مولى ابن عباس والزهري والأسود بن العلاء وكثيرين. وعنه الثورى ويحيى القطان وأبو نعيم وأبو عاصم والوليد بن مسلم وابن وهب وطوائف، قال أحمد كان صدوقا وكان لا يبالى عمن يحدّث وقال يعقوب بن شيبة ثقة صدوق غير أن روايته عن الزهري خاصة تكلم فيها بعضهم بالاضطراب وقال الواقدى كان من أورع الناس وأفضلهم وكانوا يرمونه بالقدر وما كان قدريا لقد كان يتقى قولهم ويعيبه وقال الخليلي ثقة أثنى عليه مالك فقيه من أئمة أهل المدينة حديثه مخرج في الصحيح إذا روى عن الثقات لكنه قد يروى عن الضعفاء. ولد سنة ثمانين. ومات سنة ثمان وخمسين ومائة (قوله قارظ) بالقاف والظاء المعجمة ابن شيبة بن قارظ بن بكر الليثى المدنى حليف بنى زهرة. روى عن سعيد بن المسيب وأبى غطفان. وعنه أخوه عمرو وابن أبى ذئب، قال النسائي لا بأس به وقال ابن سعد كان قليل الحديث وذكره ابن حبان في الثقات قيل مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة (قوله عن أبى غطفان) بفتحات قيل اسمه سعد بن طريف أو ابن مالك المرى بالراء المدنى. روى عن ابن عباس وأبى هريرة وسعيد بن زيد. وعنه إسماعيل بن أمية وعمر بن حمزة وداود بن الحصين وقارظ ابن شيبة وغيرهم، قال ابن سعد كان قد لزم عثمان وكتب له ولمروان وذكره في الطبقة الثانية ووثقه ابن معين وابن حبان. روى له الجماعة إلا البخارى. (معنى الحديث) (قوله بالغتين) أى كاملتين كمالا تاما (قوله أو ثلاثا) أو فيه للتخيير

حديث لقيط بن صبرة ووفادته على الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

فالأمر مخير فيه بين المرّتين الكاملتين أو الثلاث، ولم يذكر المبالغة في الثلاث لأن المبالغة في الثنتين قائمة مقام المرّة الثالثة، والحديث يدلّ على طلب الاستنثار وعلى المبالغة فيه فهو من أدلة القائلين بوجوب الاستنثار، وقد تقدّم بيان ذلك. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والحاكم وابن ماجه وابن الجارود وصححه ابن القطان وأخرجه البيهقى بلفظ أتمّ. (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، فِي آخَرِينَ، قَالُوا: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ وَافِدَ بَنِي الْمُنْتَفِقِ - أَوْ فِي وَفْدِ بَنِي الْمُنْتَفِقِ - إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَلَمْ نُصَادِفْهُ فِي مَنْزِلِهِ، وَصَادَفْنَا عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَأَمَرَتْ لَنَا بِخَزِيرَةٍ فَصُنِعَتْ لَنَا، قَالَ: وَأُتِينَا بِقِنَاعٍ - وَلَمْ يَقُلْ قُتَيْبَةُ: الْقِنَاعَ، وَالْقِنَاعُ: الطَّبَقُ فِيهِ تَمْرٌ - ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: «هَلْ أَصَبْتُمْ شَيْئًا؟ - أَوْ أُمِرَ لَكُمْ بِشَيْءٍ؟ » قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُلُوسٌ، إِذْ دَفَعَ الرَّاعِي غَنَمَهُ إِلَى الْمُرَاحِ، وَمَعَهُ سَخْلَةٌ تَيْعَرُ، فَقَالَ: «مَا وَلَّدْتَ يَا فُلَانُ؟ »، قَالَ: بَهْمَةً، قَالَ: «فَاذْبَحْ لَنَا مَكَانَهَا شَاةً»، ثُمَّ قَالَ: " لَا تَحْسِبَنَّ وَلَمْ يَقُلْ: لَا تَحْسَبَنَّ أَنَّا مِنْ أَجْلِكَ ذَبَحْنَاهَا، لَنَا غَنَمٌ مِائَةٌ لَا نُرِيدُ أَنْ تَزِيدَ، فَإِذَا وَلَّدَ الرَّاعِي بَهْمَةً، ذَبَحْنَا مَكَانَهَا شَاةً " قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي امْرَأَةً وَإِنَّ فِي لِسَانِهَا شَيْئًا - يَعْنِي الْبَذَاءَ - قَالَ: «فَطَلِّقْهَا إِذًا»، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لَهَا صُحْبَةً، وَلِي مِنْهَا وَلَدٌ، قَالَ: " فَمُرْهَا يَقُولُ: عِظْهَا فَإِنْ يَكُ فِيهَا خَيْرٌ فَسَتَفْعَلْ، وَلَا تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ كَضَرْبِكَ أُمَيَّتَكَ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي، عَنِ الْوُضُوءِ، قَالَ: «أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا».

(ش) (رجال الحديث) (قوله في آخرين) يعني أن المصنف روى هذا الحديث عن قتيبة حال كونه مع جماعة كل واحد منهم حدّثه به عن يحيى بن سليم (قوله يحيى بن سليم) بالتصغير أبو محمد ويقال أبو زكريا القرشى الطائفى المكي. روى عن موسى بن عقبة وإسماعيل ابن كثير والثورى وابن جريج وغيرهم. وعنه قتيبة وإسحاق وابن المبارك ووكيع والشافعى وأحمد وطائفة. وثقه ابن معين والعجلى وقال أبو أحمد الحاكم ليس بالحافظ وقال الدولابى ليس بالقوى وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال النسائى ليس به بأس وهو منكر الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئ وقال الدارقطني سيئُ الحفظ وقال أحمد أتيته فكتبت عنه شيئا فرأيته يخلط في الأحاديث فتركته وفيه شئ وقال أبو حاتم محله الصدق ولم يكن بالحافظ يكتب حديثه ولا يحتج به وقال يعقوب بن سفيان كان رجلا صالحا وكتابه لا بأس به فإذا حدّث من كتابه فحديثه حسن وإذا حدّث حفظا فيعرف وينكر. توفى سنة ثلاث أو أربع وتسعين ومائة. روى له الجماعة (قوله إسماعيل بن كثير) الحجازى أبو هاشم المكي. روى عن سعيد بن جبير ومجاهد وعاصم بن لقيط. وعنه الثورى وابن جريج ويحيى بن سليم وداود ابن عبد الرحمن العطار، وثقه أحمد بن حنبل والنسائى ويعقوب بن سفيان والعجلى وقال أبو حاتم صالح وقال ابن سعد ثقة كثير الحديث. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (قوله عاصم بن لقيط) بفتح اللام وكسر القاف (ابن صبرة) بفتح الصاد المهملة وكسر الباء الموحدة وبعضهم يسكنها العقيلى الحجازى. روى عن أبيه. وعنه إسماعيل بن كثير قال النسائى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات، روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (قوله عن أبيه لقيط بن صبرة) بن عبد الله بن المنتفق بن عامر العامرى. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابنه عاصم ويقال لقيط بن عامر بن المنتفق بن عامر العامرى أبو رزين العقيلى قال ابن معين إنهما واحد وإن من قال لقيط بن عامر نسبه لجدّه وإنما هو لقيط بن صبرة بن عامر وحكاه الأثرم عن أحمد ومال إليه البخارى وجزم به ابن حبان وابن السكن وعبد الغنى بن سعيد في إيضاح الإشكال وابن عبد البرّ. وقال مسلم والبغوى والدارمي وابن قانع وغيرهم إنهما اثنان قال ابن حجر والراجح في نظرى أنهما اثنان لأن لقيط بن عامر معروف يكنيته ولقيط بن صبرة لم تذكر كنيته إلا ما شذّ به ابن شاهين فقال أبو رزين العقيلى أيضا، والرواة عن أبى رزين جماعة ولقيط بن صبرة لا يعرف له راو إلا ابنه، وإنما قوى كونهما واحدا عند من جزم به لأنه وقع في صفة كل واحد منهما أنه وافد بنى المنتفق وليس بواضح لأنه يحتمل أن يكون كل منهما كان رأسا اهـ ملخصا من الإصابة. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه والنسائى. (معنى الحديث) (قوله وافد بني المنتفق) أى رسولهم قال الجوهرى في الصحاح وفد

فلان على الأمير أى ورد رسولا وبابه وعد فهو وافد والجمع وفد مثل صاحب وصحب اهـ والمنتفق بضم الميم وسكون النون وفتح المثناة وكسر الفاء بعدها قاف جدّ صبرة (قوله أو في وفد بنى المنتفق) شك من أحد الرواة والأقرب أنه عاصم، والوفد القوم الذين يأتون الملوك ركبانا وقيل هم القوم الذين يجتمعون ويردون البلاد والذين يقصدون الأمراء لزيارة أو استرفاد أو انتجاع، أفاده في اللسان، والفرق بين كونه وافدا وفي وفد أن الأول يدلّ على انفراد لقيط أو كونه زعيم الوفد ورئيسهم، والثانى يدل على أنه كان واحدا من الوفد (قوله فلم نصادفه) أى لم نجده يقال صادف فلان فلانا وجده (قوله بخزيرة) بخاء معجمة مفتوحة وبالزاى المكسورة بعدها المثناة التحتية الساكنة على وزن كبيرة هى لحم يقطع قطعا صغارا ويصبّ عليه ماء كثير فإذا نضج ذرّ عليه الدقيق وإن لم يكن فيها لحم فهى عصيدة، وقيل هى حسا من دقيق ودسم، وقيل إذا كان من دقيق فهى حريرة وإذا كان من نخالة فهى خزيرة، كذا في النهاية (قوله وأتينا بقناع) بكسر القاف وتخفيف النون الطبق من خوص ونحوه يؤكل عليه ويقال له القنع بالكسر والضم (قوله ولم يقل قتيبة القناع) أي لم يذكر هذا اللفظ. وفي بعض النسخ لم يقم قتيبة القناع من أقام يقيم اى لم يثبته فهما بمعنى (قوله والقناع الطبق الخ) وفي نسخة والقناع طبق وهو مدرج من أحد الرواة فسر به القناع (قوله هل أصبتم شيئا) أى تناولتم شيئا من الطعام وفى بعض النسخ فقال أصبتم بدون هل (قوله أو أمر لكم) بصيغة المجهول، والظاهر أن الشك من لقيط بن صبرة (قوله فبينا نحن جلوس الخ) أى بين أوقات نحن جالسون عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيها إذ دفع الراعي غنمه أى ساقها، وفي بعض النسخ إذا رفع بالراء وهى بمعنى الأولى، وفي بعضها إذا دفع، وإضافة الغنم للراعي لأدنى ملابسة فقد كانت الغنم لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما يدلّ عليه بقية الحديث، وبينا أصلها بين أشبعت الفتحة فصارت بينا وهى ظرف زمان بمعنى المفاجأة تضاف إلى جملة إسمية أو فعلية أو مبتدأ وخبر وتحتاج إلى جواب يتمّ به المعنى، والأفصح في جوابها أن لا يكون فيه إذ ولا إذا وقد جاءا كثيرا في الجواب والغنم اسم جنس يطلق على الضأن المعز ولا واحد لها من لفظها وقد تجمع على أغنام (قوله إلى المراح) بضم الميم الموضع الذى تأوى إليه الماشية ليلا أما بالفتح فهو الموضع الذى يروح إليه القوم أو يروحون منه (قوله ومعه سخله تيعر) بفتح السين المهملة وسكون الخاء المعجمة ولد الشاة من المعز أو الضأن حين يولد ذكرا أو أنثى، وقيل يختص بأولاد المعزوبة حزم صاحب النهاية وجمعه سخل وسخال، وتيعر بفتح العين المهملة وكسرها من بابى ضرب منع أي تصحيح كما في القاموس (قوله ما ولدت) أى أىّ شيء ولدته بتشديد اللام وفتح المثناة الفوقية يقال ولدت الشاة توليدا إذا حضرت ولادتها فعالجتها حتى ينفصل الولد منها (قال) في النهاية وأصحاب الحديث يقولون

ما ولدت بتخفيف اللام وسكون التاء يعنون الشاة، والمحفوظ التشديد على الخطاب للراعي اهـ (وقال) الخطابي هو بتشديد اللام على معنى خطاب الشاهد، وأصحاب الحديث يقولون ما ولدت خفيفة اللام ساكنة التاء أى ما ولدت الشاة وهو غلط اهـ (أقول) لا وجه لتغليظهم بل يصح التخفيف أيضا والمعنى ما صفة ما ولدته الشاة أذكر أم أنثى أو ما عدده (قوله يا فلان) كناية عن العلم ولعل الصحابى نسى اسم الراعي فكنى بهذا اللفظ عن اسمه (قوله قال بهمة) بفتح الموحدة وسكون الهاء أى ولدت الشاة بهمة، والبهمة ولد الضأن يطلق على الذكر والأنثى والجمع بهم مثل تمرة وتمر وجمع البهم بهام مثل سهم وسهام وتطلق البهام على أولاد الضأن والمعز إذا اجتمعت تغليبا فإذا انفردت قيل لأولاد الضأن بهام ولأولاد المعز سخال اهـ مصباح، والمراد هنا الأنثى بدليل قوله اذبح لنا مكانها شاة (قال) ابن الأثير هذا الحديث يدلّ على أن البهمة اسم للأنثى لأنه إنما سأله ليعلم أذكرا ولد أم أنثى وإلا فقد كان يعلم أن ما تولد أحدهما اهـ (قال) السيوطى ويحتمل أنه سأله ليعلم هل المولود واحد أو أكثر ليذبح بقدره من الشياه الكبار كما دلّ عليه بقية الحديث اهـ (قوله لا تحسبن الخ) أى قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للقيط لا تحسبن بكسر السين المهملة أى لا تظنن أنا ذبحنا الشاة لأجلك قال لقيط ولم يقل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (لا تحسبن) بفتح السين، والغرض منه إظهار كمال حفظ الراوى حيث تيقن أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نطق بها بكسر السين لا بفتحها ولا يلزم منه أن لا يكون النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نطق بالمفتوحة في وقت آخر بل قد نطق بذلك فقد قرئَ بالوجهين (قال) السيوطى يحتمل أن الصحابي إنما نبه على ذلك لأنه كان ينطق بالفتح فاستغرب الكسر فضبطه، ويحتمل أنه كان ينطق بالكسر ورأى الناس ينطقون بالفتح فنبه أن الذى نطق به صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم الكسر اهـ وأراد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بذلك إظهار ترك الامتنان بالذبح على الضيف وأنه لم يتكلف له (قوله لنا غنم الخ) جملة مستأنفة كالتعليل للذبح أى لا نريد زيادتها على المائة لأن هذا القدر كاف لما تدعو إليه الحاجة والزيادة عليه ربما جرت إلى الاشتغال بالدنيا وهو صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإن كان معصوما لكنه مشرّع (قوله يعنى البذاء) هذا التفسير من عاصم بن لقيط على الظاهر، والبذاء بفتح الموحدة وبالذال المعجمة ممدودا وقد يقصر الفحش في القول، وكنى لقيط عنه بالشئ تأدبا معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قال) في المصباح بذا على القوم يبذو بذاء بالفتح والمدّ سفه وأفحش في منطقه وإن كان كلامه صدقا فهو بذى على فعيل وامرأة بذية كذلك وأبذى بالألف وبذى وبذو من بابى تعب وقرب لغات فيه وبذأ يبذأ مهموز بفتحهما بذاء وبذاءة بالمدّ وفتح الأول كذلك وبذأته

جواز ضرب الرجل غلامه ودوابه وزوجه عند الحاجة

العين ازدرته واستخفت به اهـ (قوله إن لها صحبة إلخ) غرض لقيط بهذا الإشارة إلى الرغبة في عدم طلاقها لأن لها صحبة قديمة ولها أولاد، وحق الصحبة وحاجة الأولاد إلى من يعولهم يشقّ منها الفراق (قوله يقول عظها) الظاهر أن هذه الجملة من كلام عاصم أتى بها تفسيرا لقوله مرها أى يريد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقوله مرها عظها، وعظ أمر من وعظ يعظ كوعد يعد والاسم الموعظة والأمر بالطاعة والنهى عن المخالفة بالطريق الحسنة مع بيان ما يترتب على الطاعة من الخير وعلى المخالفة من الشرّ وذكر الوعد والوعيد في ذلك (قوله فإن يك إلخ) أى يوجد في تلك المرأة خير فستمتثل ما تأمرها به، وفى رواية الشافعى وابن حبان فستقبل بالقاف والموحدة وهو صحيح المعنى إلا أنه ليس بمشهور، والخير اسم جامع لأنواع المكارم (قوله ولا تضرب ظعينتك) بفتح الظاء المعجمة وكسر العين المهملة أى امرأتك، والظعينة في الأصل وصف للمرأة في هودجها ثم أطلق عليها وإن لم تكن في الهودج سميت بذلك لأن زوجها يظعن بها ويرتحل (قوله كضربك أميتك) متعلق بمحذوف صفة لمصدر محذوف أى ضربا مثل ضربك أميتك بضم الهمزة وفتح الميم تصغير أمة وهي الرقيقة صغرت تحقيرا لها بالنسبة للحرّة، والمعنى لا تضرب امرأتك مثل ضربك أمتك، وفيه إيماء إلى جواز ضرب المرأة ضربا خفيفا عند المقتضى لكن بعد وعظها وهجرها كما في الآية (وظاهر) الحديث يفيد جواز ضرب المماليك ضربا مبرّحا، وليس مرادا فقد نهى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ضربهم وأمر بالإحسان إليهم بل المراد التنفير من معاملة الرجل زوجه معاملة من يسئ إلى مملوكه فيضربه ضربا مبرّحا مع ورود النهى عن ذلك (قال) الخطابى قوله ولا تضرب ظعينتك الخ ليس في هذا ما يمنع من ضربهنّ أو تحريمه على الأزواج عند الحاجة إليه فقال الله سبحانه وتعالى ذلك في قوله "فعظوهن واهجروهنّ في المضاجع واضربوهنّ" وإنما فيه النهى عن تبريح الضرب كما يضرب المماليك في عادات من يستجيز ضربهم ويستعمل سوء الملكية فيهم، وتمثيله بضرب المماليك لا يوجب إباحة ضربهم وإنما جرى ذكره في هذا على طريق الذمّ لأفعالهم والنهى عن الاقتداء بهم، وقد نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ضرب المماليك إلا في الحدود وأمر بالإحسان إليهم وقال من لم يوافقكم منهم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله. فأما ضرب الدوابّ فمباح لأنها لا تتأدب بالكلام ولا تعقل معاني الخطاب كما يعقل الإنسان وإنما يكون تقويمها غالبا بالضرب وقد ضرب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وحرّك بعيره بمحجنه ونخس جمل جابر حين أبطأ فسبق الركب حتى ما يملك رأسه اهـ (قوله أخبرنى عن الوضوء) أى الوضوء الكامل الزائد على ما عرفناه وهو ما عرف واستقرّ في الشرع مدحه والثناء على فاعله فأل في الوضوء للعهد الذهنى (قوله أسبغ الوضوء) بقطع الهمزة أى أكمله ولا تترك شيئا من فرائضه وسننه

أقوال العلماء في حكم تخليل الأصابع وبيان الخلاف فيه

ومستحباته (قوله وخلل بين الأصابع) ظاهر الحديث يفيد وجوب تخليل الأصابع وإدخال بعضها في بعض مبالغة في إيصال الماء، وبه قالت المالكية في أصابع اليدين وقالوا يندب في أصابع الرجلين وذلك لإيجابهم تدليك كل عضو ولتفرّق أصابع اليدين اعتبر كل أصبع كعضو مستقلّ يلزم تدليكه. أما أصابع الرجلين فلشدّة اتصالها اعتبرت كعضو واحد فلا يلزم تخليلها (وقال) غيرهم يسنّ في اليدين والرجلين وحملوا الأمر في الحديث على الندب جمعا بينه وبين سائر الروايات التي حكى فيها صفة وضوئه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإنها لم يذكر فيها التخليل، ومحلّ هذا كله إذا وصل الماء إلى ما بين الأصابع بدون تخليل وإلا فيجب اتفاقا، وقد ورد في تخليل الأصابع أحاديث في كلّ منها مقال "فقد" أخرج أحمد والترمذى وابن ماجه والحاكم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك (قال) الحافظ فيه صالح مولى التوأمة وهو ضعيف لكن حسنه البخارى لأنه من رواية موسى بن عقبة عن صالح، وسماع موسى منه قبل أن يختلط اهـ وأخرج الترمذى من حديث المستورد بن شدّاد قال رأيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره، وسيأتى للمصنف وفي رواية لابن ماجه يخلل بدل يدلك وفى إسناده ابن لهيعة لكن تابعه الليث بن سعد وعمرو بن الحارث أخرجه البيهقى وأبو بشر الدولابى والدارقطنى في غرائب مالك من طريق ابن وهب وصححه ابن القطان، وأخرج الدارقطنى عن عثمان أنه خلل أصابع قدميه ثلاثا وقال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل كما فعلت، وأخرجه الطبرانى في الأوسط من حديث الرّبيع بنت معوّذ وإسناده ضعيف، ورواه الدارقطنى من حديث عائشة وفيه عمر بن قيس منكر الحديث، ورواه الطبرانى في الكبير من حديث وائل بن حجر وفيه ضعف وانقطاع كذا في التلخيص (قال) في شرح المنتقى وأحاديث الباب (أى باب تخليل الأصابع) يقوّى بعضها بعضا فتنهض للوجوب لا سيما حديث لقيط بن صبرة فإنه صححه الترمذى والبغوى وابن القطان (قال) ابن سيد الناس في شرح الترمذى قال أصحابنا من سنن الوضوء تخليل أصابع الرجلين في غسلهما، قال وهذا إذا كان الماء يصل إليها من غير تخليل فلو كانت الأصابع ملتفة لا يصل الماء إليها إلا بالتخليل فحينئذ يجب التخليل لا لذاته لكن لأداء فرّض الغسل اهـ والأحاديث قد صرّحت بوجوب التخليل وثبتت من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفعله، ولا فرق بين إمكان وصول الماء بدون تخليل وعدمه ولا بين أصابع اليدين والرجلين، فالتقييد بأصابع الرجلين أو بعدم إمكان وصول الماء لا دليل عليه اهـ بتصرّف (أقول) قد علمت أن في كل حديث من أحاديث التخليل مقالا فلا تنهض دليلا على الوجوب، وعلى فرض صحتها فهى محمولة على الندب

ما دل عليه حديث لقيط بن صبرة من المسائل

جمعا بينها وبين سائر الروايات الصحيحة الكثيرة التي لم يذكر فيها التخليل وقد سيقت لبيان صفة الوضوء فلذا ذهب الجمهور إلى استحباب تخليل أصابع اليدين والرجلين، والأكمل في تخليل اليدين أن يضع بطن الكفّ اليمنى على اليسرى ويدخل الأصابع بعضها في بعض وفي الرجلين أن يكون بخنصر اليد اليسرى بادئا بخنصر الرجل اليمنى خاتما بخنصر الرجل اليسرى لما فيه من السهولة والمحافظة على التيامن (قوله وبالغ في الاستنشاق الخ) أى أتمه بجذب الماء إلى أعلى الأنف وبامتخاطه في كل مرّة إلا أن تكون صائما فلا تبالغ خشية دخول الماء من الخيشوم إلى الحلق فيفسد الصوم فلذا كره للصائم المبالغة في الاستنشاق "فإن قيل" السؤال يقتضى الجواب عن أعمال الوضوء تفصيلا فلم أجمل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الجواب بذكر الإسباغ واقتصر في التفصيل على تخليل الأصابع والمبالغة في الاستنشاق (أجيب) بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم من حال السائل أنه كان يعلم أصل الوضوء فأجابه بما ذكر مفصلا له ما ظن خفاءه عليه من تخليل الأصابع لأنه قد يضمها فلا يصل الماء إلى ما بينها والمبالغة في الاستنشاق لأن غسل أعلى باطن الأنف غير معلوم. (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه لا يجب على من أسلم أن يهاجر من بلاده ومحله حيث كان آمنا على دينه وقادرا على إظهاره. وعلى أنه لا يجب على كلّ فرد أن ينتقل لتعلم أمور الدين بل يكفى أن ترحل طائفة من كل جهة ليتعلموا ثم يعودوا إليهم فيرشدوهم لأن بنى المنتفق لم يهاجروا جميعا بل أرسلوا وفدهم، وعلى أنه يطلب إكرام الضيف بما يليق به ويقدر عليه المضيف، وعلى أنه إن لم يوجد ربّ المنزل يطلب من أهله إن علموا رضاه أن يقوموا بإكرام الضيف مع مراعاة الآداب الشرعية. وعلى أنه يطلب من ربّ البيت إذا حضر ووجد ضيفا أن يسأله هل قدّم له ما يليق به. وعلى أنه يطلب من المضيف أن لا يتكلف للضيف مع إظهار ذلك له خشية الامتنان والرياء. وعلى جواز اقتناء الغنم واتخاذ راع لها وتحديد عددها. وعلى طلب الزهد في الدنيا. وعلى مشروعية سؤال الرئيس مرءوسه عما تحت يده من المال ولو قليلا. وعلى جواز بثّ المرءوس شكواه إلى الرئيس حتى في الأمور التي من شأنها أن تستر عن الغير. وعلى أنه يطلب من الرجل أن يفارق المرأة الوقحة بذية اللسان. وعلى طلب التخلى عن الخصال الذميمة والتحلى بالصفات الحميدة. وعلى جواز مراجعة الصغير الكبير فيما يهمه وعلى أنه يطلب من الرجل أن ينصح امرأته ويهجرها إذا خرجت عن حدّ الأدب. وأن له أن يضربها ضربا خفيفا إذا لم تؤثر فيها الموعظة والهجر وليس له أن يضربها ضربا مبرّحا. وعلى أنه لا مانع من إمساك المرأة البذية إذا ترتب على تركها ضرر أو فوات مصلحة. وعلى أن الانتفاع

بالموعظة والعمل على مقتضاها من علامة سعادة المرء وحسن عاقبته. وعلى أنه يطلب ممن جهل شيئا أن يسأل عنه العالم به. وعلى أنه يطلب من العالم أن يجيب عما سئل عنه وتتعين عليه الإجابة إن لم يوجد غيره. وعلى أنه يطلب إكمال الوضوء وتخليل الأصابع والمبالغة في الاستنشاق لغير الصائم، وعلى كراهتها للصائم وكذا المبالغة في المضمضة، ودلّ بظاهره على وجوب تخليل أصابع اليدين والرجلين وقد علمت بيانه. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والترمذى والنسائى وابن ماجه والشافعى وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والحاكم والبيهقى من طريق وكيع عن الثورى عن إسماعيل ابن كثير مطوّلا ومختصرا وصححه الترمذى والبغوى وابن القطان. (ص) حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ وَافِدِ بَنِي الْمُنْتَفِقِ، أَنَّهُ أَتَى عَائِشَةَ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ، قَالَ: فَلَمْ نَنْشَبْ أَنْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، يَتَقَلَّعُ يَتَكَفَّأُ، وَقَالَ: عَصِيدَةٌ، مَكَانَ خَزِيرَةٍ. (ش) (رجال الحديث) (قوله عقبة بن مكرم) بضم الميم وسكون الكاف وفتح الراء ابن أفلح أبو عبد الملك البصرى الحافظ. روى عن وهب بن جرير ويعقوب بن إسحاق وأبى عاصم النبيل وابن مهدى وآخرين. وعنه مسلم والترمذى وابن ماجه والبغوى والبزّار ويعقوب بن سفيان وغيرهم، قال أبو داود ثقة ثقة وقال النسائى كان ثقة. توفي بالبصرة سنة ثلاث وأربعين ومائتين (قوله ابن جريج) هو عبد الملك بن عبد العزيز (قوله عن أبيه) هو لقيط بن صبرة. (معنى الحديث) (قوله فذكر معناه) أى ذكر ابن جريج معنى حديث يحيى بن سليم ولفظه عند البيهقى قال حدثنى إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه أنه أتى عائشة هو وصاحب له يطلبان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلم يجداه فأطعمتهما عائشة تمرا وعصيدا فلم يلبثا أن جاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتقلع يتكفأ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال هل أطعمكما أحد فقلت نعم يا رسول الله ثم قلت يا رسول الله أخبرنا عن الصلاة قال أسبغ الوضوء وخلل الأصابع وإذا استنشقت

أقوال العلماء في حكم رواية الحديث بالمعنى

فبالغ إلا أن تكون صائما، فحديثا ابن جريج ويحيى بن سليم متقاربان في المعنى غير متحدين في اللفظ (واختلف) في نقل الحديث بالمعنى فقالت طائفة من أصحاب الحديث والفقه والأصول لا يجوز مطلقا وجوّزه بعضهم في غير حديث النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يجوّزوه فيه (وعند) الجمهور يجوز في الجميع إذا جزم بأنه أدّى المعنى وهو الصواب الذى تقتضيه أحوال الصحابة فمن بعدهم في روايتهم القضية الواحدة بألفاظ مختلفة (قوله قال فلم ننشب الخ) أى ابن جريج في روايته زيادة عن رواية يحيى بن سليم قال لقيط فلم ننشب يعنى لم نلبث في انتظار مجيئه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم زمنا طويلا فأن أولت ما بعدها بمصدر مجرور بمضاف محذوف ونشب من باب علم والمصدر النشب (قال) في النهاية ولم ينشب أن فعل كذا أى لم يلبث وحقيقته لم يتعلق بشئ غيره ولا اشتغل بسواه اهـ وفي بعض النسخ ينشب بالمثناة التحتية وعليها فالمصدر فاعل أى لم يلبث مجيئه إلينا زمنا طويلا بل جاء إثر جلوسا، والمحفوظ النسخة الأولى (قوله يتقلع) بفتح المثناة التحتية والقاف واللام المشددة مضارع تقلع ومصدره التقلع وهو انتزاع الشئ من أصله والمراد به قوّة مشيه كأنه يرفع رجليه من الأرض رفعا قويا لا كمن يمشى اختيالا وتكبرا ويقارب خطاه تنعما فإنه من مشى النساء ويوصفن به أفاده في النهاية (قوله يتكفأ) بالهمز أى يميل إلى الأمام ويقال يتكفى بدون همز للتخفيف وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يميل في مشيه إلى الأمام لقوّته وإسراعه فيه (قوله وقال عصيدة مكان خزيرة) أى قال ابن جريج في روايته قال لقيط أمرت عائشة لنا بعصيدة بدل قوله في رواية يحيى بن سليم أمرت لنا بخزيرة، والعصيدة دقيق يلتّ بالسمن ويطبخ سميت بذلك لأنها تعصد أى تقلب وتلوى يقال عصدتها عصدا من باب ضرب إذا لويتها وأعصدتها بالألف لغة، وقد دلت هذه الرواية على أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا مشى نقل قدمه مرتفعة عن الأرض متجها إلى الأمام متباعدا عن مشية المتكبرين فعلى العاقل أن يقتدى به ويتحلى بأخلاقه. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى. (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ فِيهِ: «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَمَضْمِضْ» (ش) ساق المصنف هذه الرواية لبيان أن أبا عاصم الضحاك بن مخلد زاد في حديثه عن ابن جريج المضمضة ولم يذكرها يحيى القطان في روايته عن ابن جريج. وهذه الرواية تدلّ

باب تخليل اللحية

بظاهرها على وجوب المضمضة في الوضوء، وذهب إليه أحمد وجماعة، وتقدم شرح ذلك وافيا وقد أخرجها البيهقى. قال الحافظ في الفتح إسناد هذه الرواية صحيح وقال النووى في شرح المهذب حديث لقيط أسانيده صحيحة اهـ. (باب تخليل اللحية) أهو مطلوب حال الوضوء أم لا. (ص) حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ يَعْنِي الرَّبِيعَ بْنَ نَافِعٍ، ثَنَا أَبُو الْمَلِيحِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ زَوْرَانَ، عَنْ أَنَسٍ يَعْنِي ابْنَ مَالِكٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ، أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ»، وَقَالَ: «هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَالْوَلِيدُ بْنُ زَوْرَانَ، رَوَى عَنْهُ حَجَّاجُ بْنُ حَجَّاحٍ، وَأَبُو الْمَلِيحِ الرَّقِّيُّ. (ش) (رجال الحديث) (قوله يعنى) هذه العناية من تلميذ أبى داود على الظاهر (قوله أبو المليح) هو الحسن بن عمر ويقال ابن عمرو بن يحيى الفزارى مولاهم، روى عن الزهرى وميمون بن مهران وعلى بن نفيل والوليد بن زوران وآخرين. وعنه ابن المبارك وبقية وربيع ابن نافع ومحمد بن آدم وكثيرون، قال أحمد ثقة ضابط للحديث صدوق وقال أبو حاتم يكتب حديثه ووثقه الدارقطنى وابن معين وأبو زرعة. ولد سنة سبع وثمانين. وتوفى سنة إحدى وثمانين ومائة، وهو غير أبى المليح المتقدم في باب فرض الوضوء فإن ذاك اسمه عامر بن أسامة (قوله الوليد بن زوران) بزاى ثم واو وقيل بتقديم الواو على الزاى السلمى الرّقي. روى عن أنس ابن مالك وميمون بن مهران. وعنه أبو المليخ الرقى وحجاج بن حجاج الباهلى، وثقه ابن حبان وقال الحافظ لين الحديث وقال أبو داود لا ندرى أسمع من أنس أم لا. (معنى الحديث) (قوله إذا توضأ أخذ كفا من ماء الخ) ظاهره أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يعمل هذا بعد فراغ الوضوء، ويحتمل أن يكون في أثنائه بعد غسل الوجه وهو الأقرب لأنه من مكملاته، والحنك بفتح الحاء المهملة والنون مذكر ما تحت الذقن من الإنسان وغيره وجمعه أحناك، وكيفية تخليله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يدخل الماء في خلال لحيته بالعرك وبالأصابع كما في رواية ابن عمر عند ابن ماجه والدارقطنى بلفظ كان إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك ثم شبك لحيته بأصابعه من تحتها (قوله قال أبو داود والوليد بن زوران الخ) غرضه بهذا الردّ على من قال إن الوليد بن زوران مجهول الحال فإن رواية من

أقوال الأئمة في حكم تخليل اللحية

ذكر عنه تنفى جهالته فإنهما من الثقات، أما أبو المليح فقد تقدم، وأما حجاج فقد وثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو داود، وفى بعض النسخ إسقاط هذه العبارة (والحديث) يدلّ على مشروعية تخليل اللحية في الوضوء (واختلف) العلماء في ذلك "فذهب" الأئمة الثلاثة وأبو يوسف إلى أن تخليل اللحية الكثة التى لا ترى منها البشرة سنة، أما الخفيفة فيجب غسل باطنها وظاهرها مستدلين بحديث الباب ونحوه (وذهب) أبو حنيفة ومحمد وبعض المالكية إلى أنه مستحب لضعف الأحاديث الواردة في تخليل اللحية فلا تنهض دليلا على الى السنية "فقد" قال الإمام أحمد ليس في تخليل اللحية شيء صحيح اهـ "وقال" ابن أبى حاتم في كتاب العلل سمعت أبى يقول لا يثبت في تخليل اللحية حديث اهـ وهو معارض بتصحيح الترمذى والحاكم وابن القطان وابن السكن وغيرهم لبعض الأحاديث الواردة في تخليل اللحية كما سيأتى "وذهب" إسحاق بن راهويه وأبو ثور والحسن بن صالح والظاهرية إلى وجوب تخليلها أخذا بظاهر قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حديث الباب لا هكذا أمرنى ربي" (وقال) الجمهور إن الأمر فيه وفى نحوه للاستحباب وإنما المأمور به وجوبا تخليل اللحية الخفيفة (قال) الشوكانى وقد روى عن ابن عباس وابن عمر وأنس وعلىّ وسعيد بن جبير وأبى قلابة ومجاهد وابن سيرين والضحاك وإبراهيم النخعى أنهم كانوا يخللون لحاهم (وممن) روى عنه أنه كان لا يخلل إبراهيم النخعى وابن الحنفية والحسن وأبو العالية وأبو جعفر الهاشمىّ والشعبى ومجاهد والقاسم وابن أبى ليلى ذكر ذلك عنهم ابن أبى شيبة بأسانيده إليهم اهـ (قال) الحافظ في التلخيص وقد ورد في تخليل اللحية حديث أنس وعلىّ وعائشة وأم سلمة وأبى أمامة وعمار وابن عمر وجابر وجرير وابن أبى أوفى وابن عباس وعبد الله بن عكبرة وأبى الدرداء أما حديث أنس المذكور في الباب ففى إسناده الوليد بن زوران وهو مجهول الحال وله طرق أخرى ضعيفة عن أنس (منها) ما رويناه في فوائد أبي جعفر بن البخترى ومستدرك الحاكم ورجاله ثقات لكنه معلول فإنما رواه موسى بن أبى عائشة عن زيد بن أبى أنيسة عن يزيد الرقاشي عن أنس وأخرجه ابن عدى وصححه ابن القطان من طريق أخرى وله طريق أخرى ذكرها الذهلى في الزهريات وهو معلول وصححه الحاكم قبل ابن القطان ولم تقدح هذه العلة عندهما فيه، وأما حديث علىّ فرواه الطبرانى فيما انتقاه عليه ابن مردويه وإسناده ضعيف ومنقطع، وأما حديث عائشة فرواه أحمد وإسناده حسن، وأما حديث أم سلمة فرواه الطبرانى والعقيلي والبيهقى بلفظ كان إذا توضأ خلل لحيته وفى إسناده خالد بى إلياس وهو منكر الحديث، وأما حديث أبى أمامة فرواه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه والطبرانى في الكبير وإسناده ضعيف. وأما حديث عمار فرواه الترمذى وابن ماجه عن ابن أبى عمر عن سفيان عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن حسان بن بلال عنه وهو معلول بأن حسان لم يسمعه من سفيان ولا قتادة من حسان. وأما حديث

باب المسح على العمامة

ابن عمر فرواه الطبراني في الأوسط وإسناده ضعيف، وأخرجه عنه ابن ماجه والدارقطنى والبيهقى وصححه ابن السكن بلفظ كان إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك ثم شبك لحيته بأصابعه من تحتها وفى إسناده عبد الواحد وهو مختلف فيه واختلف فيه على الأوزاعي. وأما حديث جابر فرواه ابن عدى وفيه أصرم بن غياث وهو متروك الحديث وفى إسناده انقطاع. وأما حديث جرير فرواه ابن عدى وفيه ياسين الزيات وهو متروك. وأما حديث ابن أبى أوفى فرواه أبو عبيد وفي إسناده أبو الورقاء وهو ضعيف. وأما حديث ابن عباس فرواه العقيلى قال ابن حزم ولا يتابع عليه. وأما حديث عبد الله بن عكبرة فرواه الطبرانى في التصغير بلفظ التخليل سنة وفيه عبد الكريم أبو أمية وهو ضعيف. وأما حديث أبى الدرداء فرواه الطبرانى وابن عدى بلفظ توضأ فخلل لحيته مرّتين وقال هكذا أمرنى ربى وفى إسناده تمام بن نجيح وهو لين الحديث اهـ ملخصا (قال) الشوكانى والإنصاف أن أحاديث الباب "أى باب تخليل اللحية" بعد تسليم انتهاضها للاحتجاج وصلاحيتها للاستدلال لا تدلّ على الوجوب لأنها أفعال وما ورد في بعض الروايات من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هكذا أمرنى ربى لا يفيد الوجوب على الأمة لظهوره في الاختصاص به وهو يتخرّج على الخلاف المشهور في الأصول هل يعمّ الأمة ما كان ظاهر الاختصاص به أم لا، والفرائض لا تثبت إلا بيقين، والحكم على ما لم يفرضه الله بالفريضة كالحكم على ما فرضه بعدمها لا شك في ذلك لأن كل واحد منهما من التقوّل على الله بما لم يقل ولا يشك أن الغرفة الواحدة لا تكفي كثّ اللحية لغسل وجهه وتخليل لحيته، ودفع ذلك كما قال بعضهم بالوجدان مكابرة منه، نعم الاحتياط والأخذ بالأوثق لا شك في أولويته لكن بدون مجاراة على الحكم بالوجوب اهـ. (فقه الحديث) والحديث يدلّ على طلب تخليل اللحية وقد علمت ما فيه من الخلاف. (من روى الحديث أيضا) رواه البيهقى والحاكم في المستدرك. قال ابن القيم في تهذيب السنن قال أبو محمد ابن حزم لا يصح حديث أنس هذا لأنه من طريق الوليد بن زوران وهو مجهول وبهذا أعله ابن القطان (وردّ) بأن الوليد هذا روى عنه جعفر بن برقان وحجاج وأبو المليح الحسن ابن عمر وغيرهم ولم يعلم فيه جرح اهـ بتصرّف، وقد تقدم أن المصنف أشار إلى هذا الردّ. (باب المسح على العمامة) أيجزئُ المسح عليها وحدها كما يؤخذ من الحديث الأول في الباب أم لا بدّ من مسح بعض الرأس كما يؤخذ من الحديث الثانى. (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ

سَعْدٍ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ سَرِيَّةً، فَأَصَابَهُمُ الْبَرْدُ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله راشد بن سعد) المقرائى بضم الميم وقيل بفتحها وإسكان القاف ويقال الحبرانى. روى عن معاوية بن أبى سفيان وشهد معه صفين وعن سعد بن أبى وقاص وثوبان وأنس بن مالك وعمرو بن العاص وغيرهم. وعنه ثور بن يزيد وحريز بن عثمان ومعاوية بن صالح وكثيرون، قال أحمد لا بأس به وضعفه ابن حزم ووثقه ابن معين والعجلى وابن سعد وأبو حاتم والنسائي. مات سنة ثمان ومائة. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (قوله ثوبان) بن بجدد مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (معنى الحديث) (قوله سرية) بفتح السين المهملة وكسر الراء وتشديد المثناه التحتية فعيلة بمعنى فاعلة وتجمع على سرايا هي طائفة من الجيش من خمس إلى ثلثمائة وقيل إلى أربعمائة ويقال خير السرايا أربعمائة رجل سميت بذلك لأن الغالب عليها أن تسير بالليل وتختفى بالنهار خوفا من العدوّ (قوله أمرهم أن يمسحوا الخ) أى أذن لهم في ذلك بعد أن شكوا إليه ما أصابهم من البرد كما جاء في رواية أحمد، والعصائب بفتح العين المهملة العمائم جمع عصابة سميت بذلك لأن الرأس يعصب بهما فكل ما عصبت به رأسك من عمامة أو منديل أو نحو ذلك فهو عصابة والتساخين بفتح المثناة الفوقية والسين المهملة المخففة وكسر الخاء المعجمة الخفاف ولا واحد لها من لفظها وقيل واحدها تسخان وتسخين وتسخن والتاء فيها زائدة، وذكر حمزة الأصفهانى أن التسخان فارسى معرّب تشكن وهو اسم غطاء من أغطية الرأس كان العلماء والموابذة يأخذونه على رءوسهم خاصة اهـ من النهاية، والموابذة جمع موبذ وهو من النصارى كالقاضى من المسلمين (والحديث) يدلّ بظاهره على أنه يجزئُ المسح على العمامة وإليه ذهب كثير من العلماء (قال) الترمذى في جامعه وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منهم أبو بكر وعمر وأنس وبه يقول الأوزاعى وأحمد وإسحاق قالوا يمسح على العمامة وقال سمعت الجارود بن معاذ يقول سمعت وكيع بن الجرّاح يقول إن مسح على العمامة يجزئه للأثر اهـ (وقال) ابن القيم في تهذيب السنن قال عمر بن الخطاب من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله والمسح على العمامة سنة من سنن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ماضية مشهورة عند ذوى القناعة من أهل العلم في الأمصار اهـ (وقال) الحافظ في الفتح قال

مذاهب الأئمة في المسح على العمامة في الوضوء

ابن المنذر ثبت ذلك عن أبى بكر وعمر وقد صح أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا اهـ (واختلفوا) هل يحتاج الماسح على العمامة إلى لبسها على طهارة (فقال) أبو ثور لا يمسح على العمامة والخمار إلا من لبسهما على طهارة قياسا على الخفين ولم يشترط ذلك أكثر أهل العلم، وكذلك اختلفوا في التوقيت فقال أبو ثور إن وقته كوقت المسح على الخفين، وروى مثل ذلك عن عمر، والجمهور لم يوقتوا (قال) ابن حزم إن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح على العمامة والخمار ولم يوقت ذلك بوقت اهـ وفيه أن الطبرانى قد روى من حديث أبى أمامة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يمسح على الخفين والعمامة ثلاثا في السفر ويوما وليلة في الحضر لكن في إسناده مروان أبو سلمة قال ابن أبى حاتم ليس بالقوى وقال البخارى منكر الحديث وقال الأزدى ليس بشئ وسئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال ليس بصحيح (وذهب) جماعة إلى أن المسح على العمامة لا يكفى عن مسح الرأس (قال) الترمذى قال غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والتابعين لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة، وهو قول سفيان الثورى ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعى اهـ (وأجابوا) عن الأحاديث التى استدلّ بها من قال بالجواز بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح على الرأس وكمل على العمامة (قال) الخطابى وأبى المسح على العمامة أكثر الفقهاء وتأوّلوا الخبر في المسح على العمامة على معنى أنه كان يقتصر على مسح بعض الرأس فلا يمسحه كله مقدّمه ومؤخره ولا ينزع عمامته عن رأسه ولا ينقضها وجعلوا خبر المغيرة بن شعبة كالمفسر له وهو أنه وصف وضوءه ثم قال ومسح بناصيته وعلى عمامته فوصل مسح الناصية بالعمامة، وإنما وقع أداء الواجب من مسح الرأس ومسح الناصية إذ هي جزء من الرأس وصارت العمامة تبعا له كما روى أنه مسح أسفل الخفّ وأعلاه ثم كان الواجب في ذلك مسح أعلاه وصار مسح أسفله كالتبع له، والأصل أن الله فرض مسح الرأس وحديث ثوبان محتمل للتأول فلا يترك الأصل المتيقن وجوبه بالحديث المحتمل، ومن قاسه على مسح الخفين فقد أبعد لأن الخفّ يشقّ خلعه ونزعه ونزع العمامة لا يشقّ اهـ (قال) الحافظ في الفتح وتعقب بأن الذين أجازوا الاقتصار على مسح العمامة شرطوا فيه المشقة في نزعها كما في الخفّ، وطريقه أن تكون محكمة كعمائم العرب، وقالوا عضو يسقط فرضه في التيمم فجاز المسح على حائله كالقدمين، وقالوا الآية لا تنفى ذلك ولا سيما عند من يحمل المشترك على حقيقته ومجازه لأن من قال قبلت رأس فلان يصدق ولو كان على حائل اهـ (وقالت) الحنفية لا يجوز المسح على العمامة لأن المسح على الخفّ ثبت رخصة لدفع الحرج ولا حرج في نزعها (وأجابوا) عن هذا الحديث بأنه خاص بهذه السرية، ذكره في فتح القدير، أو بأن المسح على العمامة منسوخ (قال)

محمد أخبرنا مالك قال حدثنا نافع قال رأيت صفية بنت أبى عبيد تتوضأ وتنزع خمارها ثم تمسح برأسها قال محمد بهذا نأخذ لا نمسح على خمار ولا على عمامة بلغنا أن المسح على العمامة كان فترك، ذكره في العناية، أو بأن في الكلام حذفا أى أمرهم أن يمسحوا على ما تحت العصائب، ذكره العينى في شرحه (وقالت) المالكية لا يصح المسح على العمامة إلا لضرورة وهو المشهور عندهم وحملوا هذا الحديث عليها. (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن إرسال طائفة من الناس لقضاء المصالح مشروع. وعلى أن كبير القوم يطلب منه أن يكون رحيما بهم. وعلى أن الضرورة لها أحكام تخصها. وعلى أن الدين يسر لا عسر فيه. وعلى أن المسح على العمامة في الطهارة مشروع. وعلى مشروعية المسح على الخفين. وسيأتى تمام الكلام عليه في بابه إن شاء الله تعالى. (من روى الحديث أيضا) رواه أحمد والبيهقى والحاكم بهذا اللفظ. وروى البخارى والنسائى نحوه وقال حديث صحيح على شرط مسلم. وقال الخلال في العلل قال أحمد راشد بن سعد لم يسمع من ثوبان لأنه مات قديما ولذا قال الحافظ في التلخيص هو منقطع (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي مَعْقِلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قِطْرِيَّةٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَلَمْ يَنْقُضِ الْعِمَامَةَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله أحمد بن صالح) أبى جعفر المصرى المعروف بابن الطبرى أحد الأئمة الحفاظ. روى عن ابن عيينة وابن وهب وابن جرير وإبراهيم ابن الحجاج وعبد الرزاق وآخرين. وعنه يعقوب بن سفيان والبخارى وأبو داود والترمذى وأبو زرعة والذهلى وغيرهم، قال البخارى ثقة صدوق ما رأيت أحدا يتكلم فيه بحجة وقال محمد بن سهل كان من حفاظ الحديث ووثقة أحمد والعجلى وأبو حاتم وقال أبو داود كان يقوّم كل لحن في الحديث وتكلم فيه النسائى ولم يحدّث عنه وكان سيئَ الرأى فيه وينكر عليه أحاديث لكن قال الخليلى اتفق الحفاظ على أن كلام النسائي فيه تحامل وقال ابن حبان كان أحمد ابن صالح في الحديث وحفظه عند أهل مصر كأحمد بن حنبل عند أهل العراق والذى

جواز إبقاء العمامة على الرأس حال الوضوء وتكميل المسح عليها

يروى عن يحيى بن معين أن أحمد بن صالح كذّاب فإن ذاك أحمد بن صالح الشموسى" شيخ كان بمكة يضع الحديث". ولد سنة خمس وسبعين ومائة. وتوفى سنة ثلاث وأربعين ومائتين في ذى القعدة (قوله ابن وهب) عبد الله (قوله عبد العزيز بن مسلم) أبو زيد المروزي روى عن عبد الله بن دينار وأبي إسحاق الهمدانى والأعمش وابن عجلان وآخرين. وعنه مسلم ابن إبراهيم وداود بن إبراهيم والقعنبى وجماعة. وثقه ابن معين وأبو حاتم وابن حبان. روى له الجماعة إلا ابن ماجه. توفى سنة سبع وستين ومائة (قوله عن أبى معقل) بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف. روى عن أنس بن مالك. وعنه عبد العزيز بن مسلم. روى له أبو داود وابن ماجه، قال الذهبي أبو معقل عن أنس في المسح على العمامة لا يعرف وقال ابن القطان مجهول (معنى الحديث) (قوله وعليه عمامة قطرية) بكسر القاف وسكون الطاء المهملة نسبة إلى قطر بفتحهما قرية بإقليم بالبحرين، وكسروا القاف وسكنوا الطاء عند النسبة للتخفيف (قال) في النهاية هي ضرب من البرود وفيه حمرة ولها أعلام فيها بعض الخشونة، وقيل هي حلل جياد تحمل من قبل البحرين (قوله ولم ينقض العمامة) يعنى لم يرفعها عن رأسه، ومقصود أنس به بيان أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يرفع عمامته ليستوعب مسح الرأس كله ولم ينف التكميل على العمامة وقد أثبته المغيرة بن شعبة في حديثه فقال توضأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومسح على ناصيته وعلى العمامة رواه مسلم، فسكوت أنس عنه في هذا الحديث لا يدلّ على نفيه وبهذا يطابق الحديث الترجمة خلافا لمن قال بعدم المطابقة. (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية التعمم بما فيه شيء من الحمرة، لكن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة. ودلّ على جواز إبقاء العمامة على الرأس حال الوضوء. وعلى جواز الاقتصار في الوضوء على مسح مقدّم الرأس. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى وابن ماجه قال الحافظ في إسناده نظر اهـ يعنى لأن أبا معقل الراوى عن أنس مجهول كما تقدم. (باب غسل الرجلين) وفى نسخة غسل الرجل، والمراد تعميم غسلهما والمبالغة فيه بالدلك، وفى نسخة باب تخليل أصابع الرجلين وهي الأنسب بالحديث. (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ

إِذَا تَوَضَّأَ يَدْلُكُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله ابن لهيعة) بفتح اللام وكسر الهاء وسكون المثناة التحتية هو عبد الله بن لهيعة بن عقبة بن فرعان الحضرمى أبو عبد الرحمن المصرى. روى عن عطاء ابن أبى رباح والأعرج وأبي الزبير وعكرمة وابن المنكدر وكثيرين. وعنه الأوزاعى والثورى والوليد بن مسلم وابن المبارك والليث بن سعد وشعبة وغيرهم، قال عبد الغنى ابن سعيد والساجى إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح "يعني ابن المبارك وابن وهب والمقرئَ" وقال الحاكم استشهد به مسلم في موضعين ومازال ابن وهب يكتب عنه حتى مات وقال ابن مهدى لا أحمل عنه قليلا ولا كثيرا وقال الجوزجاني لا يوقف على حديثه ولا ينبغى أن يحتج به ولا يغترّ بروايته وقال الحاكم أبو أحمد ذاهب الحديث وقال ابن حبان ضعيف الحديث سبرت أخباره فرأيته يدلس عن أقوام ضعفاء على أقوام ثقات قد رآهم ثم كان لا يبالى ما دفع إليه قرأه سواء أكان من حديثه أم لم يكن فوجب التنكب عن رواية المتقدمين عنه قبل احتراق كتبه لما فيها من الأخبار المدلسة عن المتروكين ووجب ترك الاحتجاج برواية المتأخرين بعد احتراق كتبه لما فيها مما ليس من حديثه "وبالجملة" فالأكثر على تضعيفه. ولد سنة ست وتسعين وتوفي سنة أربع وسبعين ومائة. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجة (قوله يزيد بن عمرو) المعافرى المصرى. روى عن ابن عمرو وأبي عبد الرحمن الحبلى وأبى سلمة وغيرهم وعنه الليث بن سعد وعمرو بن الحارث وعبد الله بن لهيعة، قال أبو حاتم لا بأس به. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه (قوله عن أبى عبد الرحمن) اسمه عبد الله بن يزيد المعافرى المصرى روى عن أبي ذرّ وأبى أيوب وأبي سعيد وابن عمرو وابن عمر والمستورد وغيرهم. وعنه حميد ابن هانئ وعقبة بن مسلم ويزيد بن عمرو وكثيرون. وثقه ابن معين وابن سعد والعجلى وابن حبان توفي سنة مائة. روى له الجماعة (والحبلى) بضم الحاء المهملة والموحدة نسبة إلى حبل حىّ من اليمن من الأنصار (قوله المستورد) بضم الميم وسكون السين المهملة وفتح المثناة الفوقية وسكون الواو وكسر الراء (ابن شدّاد) بفتح الشين والدال المهملة المشددة ابن عمرو القرشى الفهرى المكي له ولأبيه صحبة. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أبيه. وعنه قيس ابن أبى حازم ووقاص بن ربيعة وعبد الرحمن بن جبير ومعبد بن خالد وآخرون، وحديثه في الصحيح والترمذى وغيرهما شهد فتح مصر. ومات سنة خمس وأربعين بالإسكندرية. (معنى الحديث) (قوله اذا توضأ الخ) يعنى يخلل أصابع رجليه حال غسلهما كما في رواية ابن ماجه والترمذى، والدّلك في الأصل إمرار اليد على العضو ومرسه بها، والتخليل نوع منه، والظاهر

باب المسح على الخفين

أن المراد بالخنصر خنصر يده اليسرى لأن دلك أصابع الرجلين ليس من الأعمال الشريفة التى تباشر باليمنى (قال) في المرقاة قال ابن حجر إن أراد المستورد بالدلك التخليل فهو حجة لما مرّ من ندبه بالخنصر، وخصت اليسرى بذلك لأنها أليق به إذ لا تكرمة في ذلك بالنسبة إلى الرجلين، وإن أراد به إمرار الخنصر فهو حجة لندب الدلك في سائر الأعضاء، وهو مذهبنا، ولوجوبه وهو مذهب مالك (قلت) وكذلك يستحب في مذهبنا الخروح من الخلاف فإنه احتياط في الدين اهـ (فقه الحديث) والحديث يدلّ على طلب غسل الرجلين لأن الدلك لا يكون إلا بعد الغسل أو معه، وعلى طلب الدلك ويعضده ما في رواية أحمد عن عبد الله بن زيد بن عاصم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ فجعل يقول هكذا يدلك، وعلى مشروعية تخليل أصابع الرجلين بالخنصر. (من روى الحديث أيضا) رواه ابن ماجه والبيهقى والترمذى وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة أهـ وقال الحافظ في إسناده ابن لهيعة لكن تابعه الليث بن سعد وعمرو بن الحارث أخرجه البيهقى وأبو بشر الدولابى والدارقطنى في غرائب مالك من طريق ابن وهب عن الثلاثة وصححه ابن القطان اهـ ومراده بالثلاثة ابن لهيعة والليث بن سعد وعمرو ابن الحارث. (باب المسح على الخفين) قدّم أبواب المسح على الخفين على أبواب الغسل لأن المسح من توابع الوضوء. وقدّمها على أبواب التيمم لأن التيمم خلف عن الكل والمسح خلف عن الجزء والجزء مقدّم على الكل والمسح لغة إمرار اليد على الشئ، واصطلاحا إصابة اليد المبتلة أو ما يقوم مقامها أعلى الخف في المدّة الشرعية. وقد عدّى المسح بعلى إشارة إلى موضعه وهو أعلى الخفّ دون داخله وأسفله على ما سيأتي. والخفّ الشرعيّ ما يستر الكعب ويمكن تتابع المشى فيه فرسخا فأكثر وثني لأنه لا يجوز المسح على أحدهما دون الآخر. والمسح على الخفين من خصائص هذه الأمة وهو رخصة إسقاط. (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ زِيَادٍ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ الْمُغِيرَةَ، يَقُولُ: عَدَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، وَأَنَا مَعَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ قَبْلَ الْفَجْرِ،

جواز الاستعانة في الوضوء وخدمة أهل الفضل واقتداء الفاضل بالمفضول

فَعَدَلْتُ مَعَهُ، فَأَنَاخَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَتَبَرَّزَ، ثُمَّ جَاءَ فَسَكَبْتُ عَلَى يَدِهِ مِنَ الإِدَاوَةِ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ حَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، فَضَاقَ كُمَّا جُبَّتِهِ، فَأَدْخَلَ يَدَيْهِ فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ، فَغَسَلَهُمَا إِلَى الْمِرْفَقِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ رَكِبَ، فَأَقْبَلْنَا نَسِيرُ حَتَّى نَجِدَ النَّاسَ فِي الصَّلَاةِ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَصَلَّى بِهِمْ حِينَ كَانَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَوَجَدْنَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَقَدْ رَكَعَ بِهِمْ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَصَفَّ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَصَلَّى وَرَاءَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ فَفَزِعَ الْمُسْلِمُونَ، فَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ لِأَنَّهُمْ سَبَقُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَاةِ، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ لَهُمْ: «قَدْ أَصَبْتُمْ - أَوْ قَدْ أَحْسَنْتُمْ -» (ش) (رجال الحديث) (قوله يونس بن يزيد) بن أبى النجاد بالنون الأيلى بفتح الهمزة القرشي الأموى مولى معاوية. روى عن عكرمة مولى ابن عباس والزهرى ونافع وهشام بن عروة وغيرهم. وعنه الأوزاعي والليث بن سعد وابن المبارك وعمرو ابن الحارث وابن وهب وكثيرون. وثقة العجلي والنسائى وابن معين وقال أبو زرعة لا بأس به وقال ابن المبارك كتابه صحيح وقال وكيع كان سيئَ الحفظ وقال ابن سعد كان كثير الحديث وليس بحجة ربما جاء بالشيء المنكر. توفي سنة تسع وخمسين ومائة. روى له الجماعة (قوله ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهرى (قوله عباد بن زياد) بن أبى سفيان القرشى الأموى. روى عن عروة وحمزة ابنى المغيرة. وعنه مكحول والزهرى. وثقه ابن حبان وقال ابن المدينى مجهول، وهذا فهما منه أن عبادا هذا ليس ابن زياد الأمير وقد علمت أنه ابنه وهو مشهور ليس بمجهول. مات سنة مائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى (قوله عروة بن المغيرة) الثقفى أبو يعفور الكوفي كان واليا عليها. روى عن أبيه وعائشة. وعنه الشعبى وعباد بن زياد

أقوال العلاء في المسح على الخفين

ونافع بن جبير والحسن البصرى وغيرهم، قال العجلى تابعى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات روى له الجماعة. (معنى الحديث) (قوله عدل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى مال عن الطريق إلى غيرها لقضاء حاجته قبل صلاة الفجر كما صرّح به في رواية مسلم، وفى رواية لابن سعد فتبعته بماء بعد الفجر، ولا تنافى بينهما لأن خروجه كان بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الصبح (وغزوة تبوك) آخر مغازيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بنفسه، وتبوك بالمثناة الفوقية فالموحدة المضمومة المخففة لا تنصرف للعلمية والتأنيث حيث أريد به البقعة أو وزن الفعل لأنه على مثال تقول وهي مكان معروف بينها وبين المدينة من جهة الشام أربع عشرة مرحلة وبينها وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة، سميت به لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد رأى قوما من أصحابه يبوكون عين الماء "أى يدخلون فيها القدح ويحرّكونه ليخرج الماء" مازلتم تبوكونها بوكا، وقيل تسميتها بذلك قديمة (قوله فتبرّز) أى خرج إلى البراز وأصله الفضاء الواسع كنى به عن قضاء الحاجة، وزاد في رواية للشيخين فانطلق حتى توارى عنى ثم قضى حاجته (قوله من الإداوة) بكسر الهمزة إناء صغير من جلد يتخذ للماء. وفي رواية أحمد أن الماء أخذه المغيرة من أعرابية صبته له من قربة من جلد ميتة فقال له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سلها فإن كانت دبغتها فهو طهورها فقالت إى والله دبغتها، ودلت رواية أحمد هذه على قبول خبر الواحد في الأحكام ولو امرأة سواء أكان مما تعمّ به البلوى أم لا لقبول خبر الأعرابية (قوله ثم حسر عن ذراعيه) بحاء وسين مهملتين من بابى ضرب وقتل أى كشف عنهما يقال حسرت كمى عن ذراعي وحسرت العمامة عن رأسى كشفتهما عنهما. والمراد أنه شرع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في كشف كميه عن ذراعيه فلم يستطع من ضيق كمى الجبة والكمان تثنية كم بضم الكاف وشدّ الميم معروف، والجبة بضم الجيم وشدّ الموحدة جمعها جبب وجباب وهي ضرب من مقطعات الثياب. وهذه الجبة كانت من صوف من جباب الروم كما في الرواية الآتية أو شامية كما في رواية للبخارى (قوله ثم توضأ على خفيه) أى مسح عليهما كما في سائر الروايات فهو من إطلاق اسم الكلّ على الجزء (وفى هذا) دلالة على مشروعية المسح على الخفين خلافا للعترة والإمامية والخوارج وأبى بكر بن داود الظاهرى القائلين بعدم جواز المسح عليهما. واستدلوا بآية المائدة وبقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لمن علمه واغسل رجلك ولم يذكر المسح، وقوله بعد غسلهما لا يقبل الله الصلاة بدونه، وقوله ويل للأعقاب من النار (قالوا) والأخبار الواردة بمسح الخفين منسوخة بآية المائدة (وإلى) جواز المسح عليهما ذهبت الجماهير من المتقدمين والمتأخرين (قال) ابن الهمام في فتح القدير والأخبار فيه مستفيضة (قال) أبو حنيفة ما قلت بالمسح

حتى جاءني فيه مثل ضوء النهار (وعنه) أخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين لأن الآثار التى جاءت فيه في حيز التواتر (وقال) أبو يوسف خبر المسح يجوز نسخ الكتاب به لشهرته اهـ (وقال) العينى لا ينكره إلا المبتدع الضال (وقال) الحسن البصرى أدركت سبعين من الصحابة كلهم يرون المسح على الخفين ولهذا رآه أبو حنيفة من شرائط السنة والجماعة فقال نحن نفضل الشيخين ونحب الختنين ونرى المسح على الخفين (وقال) النووى أجمع من يعتدّ به في الإجماع على جواز المسح على الخفين في السفر والحضر سواء أكان لحاجة أم لغيرها حتى يجوز للمرأة الملازمة بيتها والزمن الذى لا يمشى، وإنما أنكرته الشيعة والخوارج ولا يعتدّ بخلافهم (وقد) روى عن مالك رحمه الله روايات كثيرة فيه، والمشهور أن مذهبه كمذهب الجماهير (وقد) روى المسح على الخفين خلائق لا يحصون من الصحابة (وما نسب) إلى علىّ وعائشة وابن عباس وأبى هريرة من إنكار المسح على الخفين لم يثبت (أما) قول علىّ سبق الكتاب الخفين فلم يرو عنه بإسناد موصول (وأما) عائشة فثبت عنها أنها أحالت علم ذلك على علىّ (وأما) ابن عباس فإنما كرهه حين لم يثبت مسح النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد نزول المائدة فلما ثبت رجع إليه (وقال) أحمد لا يصح حديث أبى هريرة في إنكار المسح وهو باطل (وقول) من قال بعدم الجواز مستدلا بما ذكره من الآية والأحاديث (مردود) أما قولهم في الآية إنها ناسخة للأخبار فغير مسلم لأن الآية نزلت في غزوة المريسيع وهذه القصة كانت في غزوة تبوك وهي متأخرة عنها، وسيأتى للمصنف عن جرير أنه بال ثم توضأ ومسح على الخفين وقال ما يمنعنى أن أمسح وقد رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمسح قالوا إنما كان ذلك قبل نزول المائدة قال ما أسلمت إلا بعد المائدة. وذكر مسلم نحوه. ويمنع دعوى النسخ أيضا أن الوضوء قبل نزول المائدة بالاتفاق فإن كان المسح على الخفين ثابتا قبل نزول المائدة فورودها بتقرير الغسل وعدم التعرّض للمسح لا يوجب نسخ المسح على الخفين (ولا يقال) إن الأمر بالشئ نهى عن ضدّه والمسح ضدّ الغسل المأمور به في الآية لأن كون الأمر بالشئ نهيا عن ضدّه محل نزاع واختلاف وكذلك كون المسح على الخفين ضد الغسل إذ يتأتى اجتماعهما، وما كان بهذه المثابة حقيق بأن لا يعوّل عليه لا سيما في إبطال مثل هذه السنة التى سطعت أنوار شموسها في سماء الشريعة المطهرة. وأما إذا كان المسح غير ثابت قبل نزول الآية فلا نسخ قطعا، وأما حديث واغسل رجلك فغاية ما في الأمر بالغسل وليس فيه ما يشعر بالقصر ولو سلم وجود ما يدلّ عليه لكان مخصصا بأحاديث المسح على الخفين المتواترة. وأما حديث لا يقبل الله الصلاة بدونه فلا ينتهض للاحتجاج به فكيف يصلح لمعارضة الأحاديث المتواترة مع أنه لم يوجد بهذا اللفظ من وجه يعتدّ به. وأما حديث ويل للأعقاب من النار فهو وعيد لمن مسح رجليه ولم يغسلهما ولم

جواز مبادرة المأمومين بالصلاة أول الوقت إذا تأخر الإمام الراتب

يرد في المسح على الخفين (ولا يقال) هو عام لا يقصر على السبب (لأنا) نقول لا نسلم شموله لمن مسح على الخفين فإنه يدع رجله كلها ولا يدع العقب فقط، ولئن سلم شموله لمن مسح على الخفين فأحاديث المسح عليهما مخصصة للماسح من ذلك الوعيد، أفاده الشوكانى (واختلف) القائلون بالجواز أغسل الرجلين أفضل أم المسح على الخفين أم هما سواء (فذهب) أبو حنيفة ومالك والشافعى إلى أن الغسل أفضل لكونه الأصل وهو قول جماعة من الصحابة منهم عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو أيوب الأنصارى (وذهب) جماعة إلى أن المسح أفضل، منهم الشعبى والحاكم وحماد (وعن) أحمد روايتان "أصحهما" المسح أفضل "والثانية" هما سواء واختاره ابن المنذر (قوله فأقبلنا نسير إلخ) أى قدمنا إلى المدينة ساترين إلى أن وجدنا الناس في الصلاة وقد قدّموا عبد الرحمن بن عوف حين جاء وقت الصلاة وصلى بهم ركعة من الصبح فقوله حتى نجد الناس فيه التعبير بالمضارع بدلا عن الماضى استحضارا للصورة الماضية كأنها حاضرة. وفي رواية أحمد قال المغيرة فأردت تأخير عبد الرحمن فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دعه (قوله فصف مع المسلمين الخ) أى دخل معهم في صفّ الصلاة وصلى وراء عبد الرحمن الركعة الثانية فلما سلم قام صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأداء الركعة الثانية (قوله لأنهم سبقوا النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) علة لفزعهم وكثرة تسبيحهم حيث بادروا بالصلاة قبل مجئ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى فوّتوا عليه ركعة من الصلاة، وظاهر سياق المصنف أن ذلك وقع منهم بعد فراغهم من الصلاة فيكون تسبيحهم للتعجب من سبقهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وفى رواية ابن سعد فانتهينا إلى عبد الرحمن وقد ركع ركعة فسبح الناس له حين رأوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى كادوا يفتنون فجعل عبد الرحمن يريد أن ينكص فأشار إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن اثبت، وعليه فتسبيحهم لتنبيه الإمام ليتأخر ويتقدّم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، ولا تنافي بينهما لإمكان حصول الفزع والتسبيح في كلتا الحالتين (قوله فقال لهم قد أصبتم) أى وافقتم الصواب في مبادرتكم للصلاة في أول وقتها (قوله أو قد أحسنتم) شك من عروة أو من أبيه، وقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لهم هذا تسكينا لفزعهم وتأنيسا لهم "فإن قيل" كيف قام عبد الرحمن في صلاته وتأخرّ أبو بكر حين مجئ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى الصلاة فتقدّم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما جاء في الصحيح عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا وفيه قالت لما مرض النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرضه الذى مات فيه فحضرت الصلاة فأذن فقال مروا أبا بكر فليصلّ بالناس فخرج أبو بكر يصلى فوجد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من نفسه خفة فخرج يهادى بين رجلين كأنى أنظر رجليه يخطان الأرض من الوجع فأراد أبو بكر

ما دل عليه حدث المغيرة من الأحكام

أن يتأخّر فأومأ إليه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن مكانك ثم أتى به كما جلس إلى جنبه فقيل للأعمش وكان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى وأبو بكر يصلى بصلاته والناس يصلون بصلاة أبى بكر فقال نعم "أجيب" بأن عبد الرحمن كان قد ركع ركعة فترك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم التقدّم لئلا يختلّ ترتيب الصلاة في حق المأمومين بخلاف قصة أبى بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فإنه لم يركع ركعة وقت مجيئه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، أو بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أراد أن يبين لهم حكم قضاء المسبوق بفعله كما بينه بقوله، ولا يقال إنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أشار إلى كل من الصدّيق وابن عوف بعدم التأخّر فلم تأخّر الصدّيق دون ابن عوف "لأن" أبا بكر فهم أن سلوك الأدب أولى من امتثال الأمر الذى ليس للوجوب بخلاف عبد الرحمن فإنه فهم آن امتثال الأمر أولى، ولا شك أن الأول أكمل، وقد يقال إن أبا بكر بلغ من الفرح بشفاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مبلغا لم يملك نفسه معه عن التأخر (ولا ينافي) عدم صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خلف أبى بكر كما في حديث عائشة (ما رواه) الترمذى وصححه عن جابر والنسائى عن أنس قالا آخّر صلاة صلاها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ثوب واحد متوشحا به خلف أبى بكر (وما أخرجاه) أيضا عن عائشة قالت صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خلف أبي بكر في مرضه الذى مات فيه قاعدا وروى ابن حبان عنها أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الصف خلفه لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى في مرضه صلاتين في المسجد جماعة كان في إحداهما مأموما وفي الثانية إماما قاله ابن حبان والبيهقى وبين أن الصلاة التى صلاها أبو بكر مأموما صلاة الظهر والتى صلاها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خلفه صلاة الصبح يوم الاثنين وهى آخر صلاة صلاها، وكذا أجاب ابن حزم فقال إنهما صلاتان متغايرتان بلا شك إحداهما التي رواها الأسود عن عائشة وعبيد الله عنها وعن ابن عباس صفتها أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمّ الناس والناس خلفه وأبو بكر عن يمينه في موقف المأموم يسمع الناس تكبيره، والثانية التى رواها مسروق وعبيد الله عن عائشة وحميد وعن أنس صفتها أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان خلف أبى بكر في الصف مع الناس (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أنه يطلب من الشخص التباعد عن الناس والطريق عند قضاء الحاجة، وعلى مشروعية خدمة من يستحق الخدمة، وعلى جواز الاستعانة في الوضوء وقد ثبت من حديث أسامة بن زيد أنه صبّ على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الماء وهو يتوضأ حين انصرف من عرفة (وقد) جاء في أحاديث ليست بثابتة النهى عن الاستعانة في الوضوء فلا يصح الركون إليها، وعلى مشروعية لبس الثياب ضيقة الأكمام، وعلى عدم

مشروعية مسح الناصية والتكميل على العمامة

كراهة الوضوء من تحت ملابسه، وعلى مشروعية المسح على الخفين في الوضوء، وعلى مشروعية اقتداء الفاضل بالمفضول، وعلى جواز صلاة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خلف بعض أمته، وعلى بيان حال المسبوق وأنه يصلى مع الإمام ما أدركه ثم يصلى ما بقى عليه بعد سلام الإمام ولا يسقط ذلك عنه، وعلى طلب اتباع المسبوق للإمام في ركوعه وسجوده وجلوسه وإن لم يكن موضع جلوس للمأموم، وعلى أن المأموم إنما يفارق الإمام بعد سلام الإمام وعلى أن الأفضل تقديم الصلاة في أول الوقت حيث إنهم فعلوها في أول الوقت ولم ينتطروا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومدحهم على ذلك، وعلى أن من بادر إلى الطاعة يشكر، وعلى أنه يطلب من الجماعة أن يقدّموا أحدهم يصلى بهم إذا تأخر الإمام الراتب عن أول وقت الصلاة، وعلى فضل عبد الرحمن بن عوف رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُحيث قدّموه للصلاة بهم (من روى الحديث أيضا) رواه البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه مطولا ومختصرا بألفاظ مختلفة وأخرجه البيهقى من عدّة طرق (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ، ح ثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنِ التَّيْمِيِّ، ثَنَا بَكْرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «تَوَضَّأَ وَمَسَحَ نَاصِيَتَهُ - وَذَكَرَ - فَوْقَ الْعِمَامَةِ»، قَالَ: عَنِ الْمُعْتَمِرِ، سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، «أَنَّ نبي اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَعَلَى نَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله المعتمر) بن سليمان (قوله التيمى) هو سليمان ابن طرخان أبو المعتمر البصرى نسب إلى بنى تيم لأنه نزل فيهم. روى عن أنس وثابت وقتادة وأبى عثمان النهدى وطاوس وغيرهم. وعنه ابنه المعتمر والسفيانان وشعبة وابن المبارك وكثيرون. وثقه أحمد والنسائى والعجلى وابن حبان وقال ابن سعد ثقة كثير الحديث وقال القطان ما جلست إلى رجل أخوف لله من سليمان التيمى وقال ابن معين كان يدلس. توفي بالبصرة سنة ثلاث وأربعين ومائة وهو ابن سبع وتسعين سنة. روى له الجماعة، والتحويل ينتهى إلى سليمان التيمى فيحيى بن سعيد والمعتمر كلاهما روى عن سليمان كما صرّح به في رواية مسلم

(قوله (ص) بكر) بن عبد الله المزني (قوله الحسن) بن أبى الحسن البصرى (قوله ابن المغيرة الخ) هو حمزة بن المغيرة الثقفى وعروة أخوه، ومال القاضى عياض إلى أنه حمزة بن المغيرة وقال هو الصحيح عندهم في هذا الحديث وعروة في الأحاديث الأخر وحمزة وعروة أولاد المغيرة والحديث مروىّ عنهما جميعا لكن رواية بكر المزني إنما هي عن حمزة اهـ ونحوه للنووى (أقول) أراد القاضى بهذا الردّ على مسلم حيث صرّح في سند هذا الحديث بأن بكر بن عبد الله المزنى رواه عن عروة بن المغيرة عن أبيه ونسبة الوهم إلى مسلم في هذا أو إلى شيخه محمد بن عبد الله بن بزيع غير مسلمة فقد قال الحافظ في ترجمة حمزة بن المغيرة روى عن أبيه وروى عبد الله بن بكر عنه عن أبيه في المسح على الخفين وقال مرّة عن عروة بن المغيرة عن أبيه اهـ وهو يدلّ على أن رواية مسلم لا وهم فيها وعليه فيحتمل أن يكون ابن المغيرة في سند المصنف حمزة أو عروة، وحمزة هذا روى عن أبيه. وعنه عباد بن زياد والنعمان بن خالد وبكر بن عبد الله المزني. وثقه العجلى وابن حبان وفي هذا الإسناد أربعة من التابعين يروى بعضهم عن بعض سليمان التيمى وبكر بن عبد الله المزنى والحسن البصرى وحمزة بن المغيرة وكلهم بصريون إلا حمزة فإنه كوفي. (معنى الحديث) (قوله ومسح ناصيته) أى مقدّم رأسه، وفى بعض النسخ على ناصيته وهو من عطف الخاص على العام، وفائدته التنبيه على أن مسح الناصية والتكميل على العمامة كاف في الوضوء (قوله وذكر فوق العمامة) أى ذكر مسدد عن يحيى بن سعيد بسنده إلى المغيرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح فوق العمامة. ففى رواية مسلم من طريق يحيى بن سعيد عن المغيرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين. وفي رواية النسائى توضأ فمسح ناصيته وعمامته وعلى الخفين (قوله قال عن المعتمر الخ) بحذف حرف العطف أى وقال مسدد في روايته عن المعتمر سمعت أبى الخ، وأشار المصنف بهذا إلى أن المعتمر ذكر في روايته المسح على الخفين دون يحيى بن سعيد. لكن قد علمت أن مسلما والنسائى رويا الحديث من طريق يحيى بن سعيد وفيه المسح على الخفين فلعلّ هذا الاختلاف جاء من تلاميذ يحيى لا منه. ورواية المعتمر أخرجها مسلم بسنده إلى المغيرة بلفظ إن نبى الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح على الخفين ومقدّم رأسه وعلى عمامته (قال) العينى وقد استدلّ به أبو حنيفة على أن فرض المسح هو ربع الرأس لأن الناصية ربع الرأس (وقال) النووى هذا مما احتج به أصحابنا على أن مسح بعض الرأس يكفى ولا يشترط الجميع "قلت" هذا حجة عليهم لا لهم لأن الفرض عندهم أنى ما ينطلق عليه اسم المسح وهنا قد نص على الناصية وهو ربع الرأس (واستدلت) الشافعية بقوله وعلى عمامته على استحباب تتميم المسح بالعمامة لتكون الطهارة على جميع الرأس، ولا فرق عندهم بين أن يكون لبس العمامة على طهر

أو على حدث، وكذا لو كان على رأسه قلنسوة ولم ينزعها ومسح بناصيته يستحب أن يتمم على القلنسوة كالعمامة، ولو اقتصر على العمامة ولم يمسح من الرأس شيئا لم يجزئه ذلك عندهم ولا عندنا ولا عند مالك وهو مذهب أكثر العلماء (وذهب) أحمد إلى جواز الاقتصار، ووافقه على ذلك جماعة من السلف اهـ. (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية مسح الخفين، وعلى جواز المسح على الناصية والعمامة معا في الوضوء. (من روى الحديث أيضا) رواه النسائى ومسلم بلفظ تقدم ورواه البيهقى من طريق المعتمر ورواه الترمذى وقال حديث حسن صحيح. (ص) قَالَ بَكْرٌ: وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنَ ابْنِ الْمُغِيرَةِ. (ش) أى قال بكر بن عبد الله سمعت الحديث السابق من ابن المغيرة حمزة على ما في رواية البيهقى أو عروة على ما في رواية مسلم بلا واسطة الحسن كما رواه عنه بواسطته. وهذه الرواية أخرجها البيهقى من طريق حميد الطويل قال حدثنا بكر بن عبد الله المزنى عن حمزة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه قال تخلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوما فتخلفت معه فلما قضى حاجته قال أمعك ماء فأتيت بمطهرة فغسل يديه وغسل وجهه ثم ذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كمّ الجبة فأخرج يديه من تحت الجبة وألقى الجبة على منكبيه فغسل ذراعيه ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى خفيه ثم ركب، وأخرجها مسلم من طريق حميد قال ثنا بكر بن عبد الله المزني عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه وذكر الحديث. (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، قال حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، يَذْكُرُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَكْبِهِ وَمَعِي إِدَاوَةٌ فَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ فَتَلَقَّيْتُهُ بِالْإِدَاوَةِ فَأَفْرَغْتُ عَلَيْهِ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ مِنْ جِبَابِ الرُّومِ، ضَيِّقَةُ الْكُمَّيْنِ، فَضَاقَتْ فَاذَّرَعَهُمَا اذِّرَاعًا، ثُمَّ أَهْوَيْتُ إِلَى الْخُفَّيْنِ لِأَنْزَعَهُمَا، فَقَالَ لِي: «دَعِ الْخُفَّيْنِ، فَإِنِّي أَدْخَلْتُ الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا»، قَالَ أَبِي: قَالَ الشَّعْبِيُّ:

شَهِدَ لِي عُرْوَةُ، عَلَى أَبِيهِ، وَشَهِدَ أَبُوهُ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ (ش) (رجال الحديث) (قوله حدثني أبي) هو يونس بن أبى إسحاق السبيعى أبو إسراءيل الكوفي. روى عن أبيه وأنس بن مالك والشعبي والحسن البصرى وغيرهم. وعنه ابناه إسراءيل وعيسى والثورى ووكيع وابن المبارك وآخرون، قال أحمد حديثه مضطرب ووثقه ابن معين وقال أبو حاتم صدوق إلا أنه لا يحتج بحديثه وقال ابن عدى له أحاديث حسان وقال النسائى ليس به بأس. مات سنة ثمان أو تسع وخمسين ومائة (قوله الشعبى) هو عامر في شراحيل الحميرى نسبة إلى شعب جبل باليمن. (معنى الحديث) (قوله في ركبة) بفتح الراء والكاف أى جماعة مسافرين راكبين أقل من عشرة. وفي نسخة في ركبه بفتح الراء وسكون الكاف مضافا إلى الضمير وهو في الأصل راكب الإبل في السفر دون الدوابّ ثم اتسع فأطلق على كل من ركب دابة، والركب العشرة فما فوقها والجمع أركب (قوله وعليه جبة الخ) جملة خالية، والروم اسم قبيلة سميت باسم جدّها روم بن عيصو في إسحاق وهم سكان الجهات الشمالية من بلاد العرب (قوله فاذرعهما اذراعا) يعني أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخرّج ذراعيه من تحت الجبة ومدّهما بعد أن نزعهما من الكمين واذرع بالذال المعجمة المشدّدة وأصله اذترع على وزن افتعل قلبت التاء ذالا معجمة وأدغمت الذال في الذال. وفي نسخة ادّرع بالدال المهملة المشددة وأصله اذترع قلبت التاء دالا مهملة ثم قلبت الذال المعجمة دالا مهملة وأدغمتا (قوله ثم أهويت لأنزعهما) أى ملت أو مددت يدى إلى الخفين لأنزعهما، وكأنه لم يكن قد علم برخصة المسح، أو علم بها وظنّ أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سيفعل الأفضل الذى هو الغسل، أو ظنّ أنه لم يحصل شرط المسح، وهو الأقرب لقوله دعهما الخ (قوله دع الخفين الخ) أى اتركهما فإني أدخلتهما في الحفين حال طهارتهما، ودع من الأفعال التى قلّ ماضيها (قال) في المصباح ودعته أدعه ودعا تركته وأصل المضارع الكسر ومن ثمّ حذفت الواو ثم فتح لمكان حرف الحلق (قال) بعض المتقدّمين وزعمت النحاة أن العرب أماتت ماضى يدع ومصدره واسم الفاعل وقد قرأ مجاهد وعروة ومقاتل وابن أبى عبلة ويزيد النحوى ما ودعك ربك بالتخفيف، وفي الحديث لينتهينّ قوم عن ودعهم الجمعات "أى عن تركهم" فقد رويت هذه الكلمات عن أفصح العرب ونقلت من طريق القرّاء فكيف يكون إماتة، وقد جاء الماضى في بعض الأشعار، وما هذا سبيله فيجوز القول بقلة الاستعمال ولا يجوز القول بالإماته اهـ وفي رواية البخارى فإني أدخلتهما طاهرتين وهى رواي الأكثر، وللحميدي في مسنده قلت يا رسول الله أيمسح أحدنا على خفيه فقال نعم إذا

اشتراط تقدم الطهارة الكاملة على المسح على الخفين

أدخلهما وهما طاهرتان (والحديث) يدلّ على اشتراط تقدّم الطهارة الكاملة في المسح على الخفين لتعليله عدم النزع بإدخالهما طاهرتين وهو يستلزم أن إدخالهما غير طاهرتين يقتضى النزع (وقد) ذهب إلى ذلك مالك والشافعى وأحمد وإسحاق فلو غسل إحدى رجليه ثم أدخلها الخفّ ثم غسل الأخرى وأدخلها لم يجزئ المسح على الخفين بهذه الطهارة (قال) النووى فيه دليل على أن المسح لا يجوز إلا إذا لبسهما على طهارة كاملة بأن يفرغ من الوضوء بكماله ثم يلبسهما لأن حقيقة إدخالهما طاهرتين أن تكون كل واحدة منهما أدخلت وهي طاهرة (وقد اختلف) العلماء في هذه المسألة فمذهبنا أنه يشترط لبسهما على طهارة كاملة حتى لو غسل رجله اليمنى ثم لبس خفها قيل غسل اليسرى ثم غسل اليسرى ثم لبس خفها لم يصح لبس اليمنى فلا بدّ من نزعها وإعادة لبسها ولا يحتاج إلى نزع اليسرى لكونها ألبست بعد كمال الطهارة، وهو مذهب مالك وأحمد وإسحاق اهـ (وذهب) داود إلى أن المراد بالطهارة في الحديث طهارة القدمين من النجاسة فلو لبسهما على حدث وكانتا طاهرتين من النجاسة جاز المسح عليهما (وذهب) أبو حنيفة وسفيان الثورى ويحيى بن آدم والمزني وأبو ثور إلى أنه لا يشترط كمال الطهارة وقت اللبس بل وقت الحدث فإذا غسل إحدى رجليه ثم لبسها وغسل الأخرى ثم لبسها صح له أن يمسح عليهما بهذه الطهارة لصدقه بأنه أدخل كلا من رجليه وهي طاهرة (وتعقب) بأن الحكم المرتب على التثنية غير الحكم المرتب على الوحدة (واستضعفه) ابن دقيق العيد فقال وقد استدلّ به بعضهم على أن إكمال الطهارة فيهما شرط حتى لو غسل إحداهما وأدخلها الخفّ ثم غسل الأخرى وأدخلها الخفّ لم يجز المسح، وفى هذا الاستدلال عندنا ضعف "أعني في دلالته على حكم هذه المسألة" فلا يمتنع أن يعبر بهذه العبارة عن كون كل واحدة منهما أدخلت طاهرة بل ربما يدّعي أنه ظاهر في ذلك فإن الضمير في قوله أدخلتهما يقتضى تعليق الحكم بكل واحدة منهما: نعم من روى فإني أدخلتهما وهما طاهرتان قد يتمسك برواية هذا القائل من حيث إن قوله أدخلتهما يقتضى كل واحدة منهما وقوله وهما طاهرتان حال من كل واحدة منهما فيصير التقدير أدخلت كل واحدة في حال طهارتهما وذلك إنما يكون بكمال الطهارة، وهذا الاستدلال بهذه الرواية من هذا الوجه قد لا يتأتى في رواية من روى أدخلتهما طاهرتين، وعلى كل حال فليس الاستدلال بذلك القوى جدًّا لاحتمال الوجه الآخر في الروايتين معا. اللهم إلا أن يضمّ إلى هذا دليل يدلّ على أنه لا تحصل الطهارة لإحداهما إلا بكمال الطهارة في جميع الأعضاء فحينئذ يكون ذلك مع هذا الحديث مستندا لقول القائلين بعدم الجواز "أعنى أن يكون المجموع هو المستند" فيكون هذا الحديث دليلا على اشتراط طهارة كل واحدة منهما ويكون ذلك الدليل دالا على أنهما لا يطهران إلا بكمال الطهارة، ويحصل من هذا المجموع حكم المسألة المذكورة في عدم الجواز اهـ (قال) العينى وفي الحديث دليل على أن

شروط أخر للمسح عليهما أيضا

المسح على الخفين لا يجوز إلا أن يلبسا على كمال الطهارة وهذا بالإجماع ولكن كمال الطهارة شرط وقت اللبس أو وقت الحدث. فعند أصحابنا وقت الحدث حتى لو غسل رجليه ولبس خفيه ثم أكمل الطهارة ثم أحدث يجزئه المسح وبه قال الثورى ويحيى بن آدم والمزني وأبو ثور وداود (وقال) الشافعى ومالك وأحمد لا يجوز لأن كمال الطهارة شرط عندهم وقت اللبس (وقال) الخطابى في تعليل هذه المسألة وذلك أنه جعل طهارة القدمين معا قبل لبس الخفين شرطا لجواز المسح عليهما وعلة لذلك، والحكم المعلق بشرط لا يصح إلا بوجود شرطه "قلت" سلمنا أن الحكم المعلق بشرط لا يصح إلا بوجود شرطه ولكن لا نسلم أنه عليه الصلاة والسلام شرط كمال الطهارة وقت اللبس لأنه لا يفهم من نص الحديث، غاية ما في الباب أنه أخبر أنه لبسهما وقدماه كانتا طاهرتين فأخذنا من هذا اشتراط الطهارة لأجل جواز المسح سواء أكانت الطهارة حاصلة وقت اللبس أم وقت الحدث، وتقييده بوقت اللبس أمر زائد لا يفهم من العبارة اهـ (واشترط) الفقهاء للمسح على الخفين شروطا غير ما ذكر، وهى أن تكون الطهارة مائية لا ترابية وأن يكون الخفّ طاهرا لا نجسا، وأن يمكن تتابع المشى فيه عادة (وقيدته) الحنفية بالفرسخ والشافعية بمسافة القصر وأن يكون ساترا لمحلّ الفرض (واشترطت) المالكية شروطا أخر أن يكون جلدا، وأن يكون مخروزا، وأن لا يكون مترفها بلبسه لخوف على حناء برجليه أو لمجرّد النوم أو لكونه حاكما، وأن لا يكون عاصيا بلبسه كمحرم بحج أو عمرة ولم يضطرّ للبسه بخلاف المضطرّ والمرأة، وأما المعصوب ففيه خلاف عندهم (واستظهر) إجزاء المسح عليه لأن التحريم في الغصب لم يرد على خصوص لبسه بل في أصل مطلق الاستيلاء عليه، وأما نهى المحرم فوارد على خصوص لبس المحيط والوارد على الخصوص أشدّ (وزادت) الحنابلة أيضا شروطا أن يكون ثابتا ولو بزرّ وإلا فلا يصح المسح عليه، قالوا لأن الرخصة وردت في الخفّ المعتاد وما لا يثبت بنفسه ليس في معناه فلا يصح المسح على ما يسقط لفوات شرطه، وأن يكون مباحا لأن المسح رخصة فلا تستباح بالمعصية فلا يصح المسح على مغصوب ولا حرير ولو في ضرورة كمن هو في بلد ثلج وخاف على نفسه سقوط بعض أصابعه يخلع المغصوب والحرير فلا يصح المسح عليه لأنه منهىّ عنه في الأصل وهذه ضرورة نادرة وأن لا يكون واصفا للقدم لصفائه كالزجاح الرقيق لأنه غير ساتر لمحل الفرض وكذا ما يصف البشرة لخفته لا يصح المسح عليه كالجورب الخفيف، وأن لا يكون واسعا يرى منه بعض محل الفرض (وزادت) الحنفية أيضا أن يبقى من مقدّم القدم قدر المفروض وهو قدر ثلاثة أصابع من أصغر أصابع اليد فإذا قطعت رجله فوق الكعب صح مسح خفّ الأخرى وإن قطعت تحت الكعب ولم يبق من مقدّم القدم قدر المفروض لا يصح مسح خفّ الأخرى لأن ما بقي من المقطوعة فرضه الغسل ولا يجمع بين غسل ومسح، وشرطوا أيضا إمساكه على الرجل بلا شدّ

اختلاف الفقهاء في القدر المجزئ في مسح الخف وما دل عليه حديث المغيرة الثاني من كراهة لبس البدل الإفرنجية وغير ذلك من الفوائد

لثخانته ومنعه وصول الماء إليها لئلا يشفّ الماء، وأكثر هذه الشروط يمكن أخذها من الحديث (قال) في سبل السلام وللمسح عند القائلين به شرطان (الأول) ما أشار إليه الحديث وهو لبس الخفين مع كمال طهارة القدمين وذلك بأن يلبسهما وهو على طهارة بأن يتوضأ حتى يكمل وضوءه ثم يلبسهما (والثانى) مستفاد من مسمى الخفّ، فإن المراد به الكامل لأنه المتبادر عند الإطلاق وذلك بأن يكون ساترا قويا مانعا نفوذ الماء غير مخرّق فلا يمسح على ما لا يستر العقبين ولا على مخرّق يبدو منه محلّ الفرض ولا على منسوج إذ لا يمنع نفوذ الماء ولا على مغصوب لوجوب نزعه اهـ (قوله فمسح عليهما) أى على الخفين (وظاهره) أنه عمهما بالمسح (وقد اختلف) في القدر المجزئ في المسح (فقالت) الحنفية يجزئُ قدر ثلاثة أصابع من أصغر أصابع اليد على أعلاه (وقالت) الشافعية يكفى ما يقع عليه اسم المسح في ظاهر أعلى الخفّ من محل الفرض (وقالت) المالكية لا بدّ من مسح الأعلى كله (وقالت) الحنابلة يجب مسح الأكثر منه، وسيأتى تمام الكلام عليه إن شاء الله تعالى في باب كيف المسح (قوله شهد لى عروة) أى قال عروة أشهد أنى سمعت أبى يذكر هذا الحديث، والشهادة الإخبار عن الشئ المتيقن وقد جرى على ألسنة الأمة سلفها وخلفها في أداء الشهادة أشهد مقتصرين عليه دون غيره من الألفاظ الدالة على تحقيق الشئ نحو أعلم وأتيقن وهو موافق لألفاظ الكتاب والسنة فكان كالإجماع على تعين هذه اللفظة دون غيرها، ولا يخلو من معنى التعبد إذ لم ينقل غيره، ولعل السرّ فيه أن الشهادة اسم من المشاهدة التى هى الاطلاع على الشئ عيانا فاشترط في الأداء ما ينبئ عن المشاهدة، وأقرب شيء يدلّ على ذلك ما اشتقّ من اللفظ وهو أشهد بلفظ المضارع (قوله وشهد أبوه) أى قال أبوه المغيرة بن شعبة أشهد أنى رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعل ما ذكر في الحديث، وغرض الشعبى من ذكر هذه الشهادة تقوية الحديث. (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية خدمة الصغير للكبير، وعلى مشروعية لبس الضيق من الثياب الذى لا يصف العورة لا سيما في السفر فإنه أعون بخلاف ما يصف العورة كالبدل الإفرنجية فإنه يكره لبسها، وعلى مشروعية المسح على الخفين، وعلى اشتراط الطهارة لصحة المسح عليهما، وعلى أنه لا يصح الوضوء إلا بتعميم غسل اليدين إلى المرفقين ولا يكفى فيه غسل ما ظهر منهما ومسح ما ستر بالكمّ ولو ضيقا ولذا أخرج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يده من تحت الجبة ولم يكتف بالمسح على ما بقى من ذراعيه، وعلى جواز الانتفاع بثياب الكفار ما لم تتحقق نجاستها لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لبس الجبة الرّومية. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم مطوّلا ومختصرا والطحاوى في شرح معانى الآثار مختصرا وأخرجه البيهقى من عدّة طرف.

ليس على المسبوق ببعض الصلاة سجود السهو

(ص) حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَعَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، قَالَ: تَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ، قَالَ: فَأَتَيْنَا النَّاسَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يُصَلِّي بِهِمُ الصُّبْحَ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ، قَالَ: فَصَلَّيْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ خَلْفَهُ رَكْعَةً، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الَّتِي سُبِقَ بِهَا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا شيئا. (ش) (رجال الحديث) (قوله هدبة بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسى ويقال له الثوبانى لأنه من بنى قيس بن ثوبان أبو خالد البصرى الحافظ. روى عن سليمان بن المغيرة والحمادين وهمام بن يحيى وجرير بن حازم وآخرين. وعنه أبو زرعة وأبو حاتم والبخارى ومسلم وأبو داود وابن ماجه والبغوى وطائفة. وثقه ابن معين وابن حبان وقال أبو حاتم صدوق وقال النسائى ضعيف وقال ابن عديّ لا أعرف له حديثا منكرا وهو كثير الحديث صدوق لا بأس به توفى سنة خمس وثلاثين ومائتين (قوله همام) بن يحيى و (قتادة) بن دعامة و (الحسن) ابن أبى الحسن البصرى. (معنى الحديث) (قوله فذكر هذه القصة) أى قصة الوضوء والمسح على الخفين وإخراج اليدين من الكمين وغير ذلك، والقصة الخبر يقال قصّ من باب قتل ذكر الخبر على وجهه ويقال أيضا القصة الأمر والحديث (قوله فأتينا الناس الخ) هذه الجملة زادها زرارة في روايته عن المغيرة ولم تكن في رواية الشعبى عن عروة عنه (قوله فأومأ إليه أن يمضى) أى أشار النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى عبد الرحمن أن يستمرّ في صلاته ويتمها ولا يتأخر لما تقدم من خوف تغير ترتيب الصلاة لأنه قد كان صلى بهم ركعة (قوله فلما سلم قام النبى الخ) وفى رواية لمسلم فقام النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقمت معه فصلينا الركعة التى سبقتنا (قوله ولم يزد عليها شيئا) أى لم يزد على الركعة التي صلاها بعد تسليم عبد الرحمن شيئا والمراد أنه لم يسجد سجدتى السهو. (فقه الحديث) والحديث يدلّ زيادة على ما تقدم على أنه يطلب من القوم أن يتأدبوا مع كبيرهم وعلى أن المسبوق ببعض الصلاة لا يطالب بسجود سهو، وبه قال أكثر أهل العلم ويؤيده قوله

قول من قال بسجود السهو على من أدرك الفرد من الصلاة والرد عليه

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما فاتكم فأتموا، وفى رواية فاقضوا ولم يأمر بسجود السهو (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَابْنُ عُمَرَ، يَقُولُونَ: «مَنْ أَدْرَكَ الْفَرْدَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ» (ش) غرض المصنف بهذا بيان أن أبا سعيد الخدرى سعد بن مالك وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر ذهبوا إلى أن من أدرك بعضا من الصلاة وترا فعليه أن يسجد سجدتي السهو بعد قضاء ما فاته لاحتمال أن يكون على الإمام سهو أو لما يترتب على ذلك من الجلوس للتشهد في غير موضع الجلوس أو لما يترتب عليه من الزيادة والنقص فيما إذا فاته الأولى من الرباعية أو الزيادة فقط فيما إذا فاتته الأولى من الثلاثية أو الثنائية أو أدرك واحدة من الرباعية، وقد وصل ذلك عنهم ابن أبى شيبة في مصنفه قال حدثنا ابن نمير عن عبد الملك عن عطاء عن أبى سعيد وابن عمر وابن الزبير قالوا إذا فاته بعض الصلاة قام فقضى وسجد سجدتين، وقال أيضا حدثنا ابن نمير عن عبد الملك عن عطاء عن أبى سعيد وابن عمر وابن الزبير في الرجل يدخل مع الإمام وقد فاته بعض الصلاة قالوا يصنع كما يصنع الإمام فإذا قضى الإمام صلاته قام يقضى وسجد سجدتين اهـ (وبقولهم) قال أيضا جماعة منهم عطاء وطاوس وإسحاق ومجاهد (وردّ) ذلك أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى خلف عبد الرحمن ولم يسجد ولا أمر به المغيرة وأيضا ليس السجود إلا للسهو ولا سهو هنا، وأيضا متابعة الإمام واجبة فلا يسجد لما ترتب عليها من زيادة. (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ يَعْنِي ابْنَ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ، سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ شَهِدَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَسْأَلُ بِلَالًا، عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ: «كَانَ يَخْرُجُ يَقْضِي حَاجَتَهُ، فَآتِيهِ بِالْمَاءِ فَيَتَوَضَّأُ، وَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ. (ش) (رجال الحديث) (قوله عبيد الله بن معاذ) بن معاذ بن نصر بن حسان أبو عمرو البصرى الحافظ. روى عن أبيه ووكيع وابن القطان وغيرهم. وعنه البخارى ومسلم وأبو داود

والنسائى وأبو حاتم وأبو زرعة وكثيرون، وثقه أبو حاتم وابن قانع وقال أبو داود كان يحفظ وذكره ابن حبان في الثقات وقال إبراهيم بن الجنيد ليس بشئ. مات سنة سبع وثلاثين ومائتين (قوله حدثنا أبى) هو معاذ بن معاذ أبو المثني التميمي العنبرى. روى عن سليمان التيمى وشعبة وحميد الطويل وابن أبى عروبة وغيرهم. وعنه ابناه عبيد الله والمثنى وأحمد بن حنبل وابن معين وقتيبة وإسحاق وكثيرون، قال أحمد هو قرّة عين في الحديث وإليه المنتهى في التثبت بالبصرة وقال القطان ما بالبصرة ولا بالكوفة ولا بالحجاز أثبت من معاذ بن معاذ وقال ابن حبان كان فقيها متقنا ووثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وكثيرون، ولد سنة تسع عشرة ومائة. وتوفي بالبصرة سنة ست وتسعين ومائة. روى له الجماعة (قوله عن أبى بكر الخ) هو عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبى وقاص الزهرى المدنى مشهور بكنيته. روى عن أبيه وأنس وابن عمر وعروة بن الزبير وأبى سلمة وغيرهم. وعنه سعد بن أبي بردة وابن جريج وشعبة وعبد الرحمن بن عبد الله المسعودى، قال ابن عبد البرّ كان من أهل الثقة أجمعوا على ذلك ووثقه النسائي والعجلى. والظاهر أن العناية من معاذ بن معاذ (قوله سمع أبا عبد الله) هو مولى تيم ابن مرّة أخرج له النسائى في الطهارة وقال الحاكم أبو عبد الله معروف بالقبول وقال الذهبي لا يعرف. ولكن يردّه قول المصنف بعد وهو أبو عبد الله مولى بني تيم بن مرّة إذ يفهم منه أنه معروف (قوله عن أبى عبد الرحمن) مجهول قال الذهبي أبو عبد الرحمن عن بلال في المسح لا يعرف وعنه أبو عبد الله مثله اهـ وقال الدارقطنى ما سماه أحد إلا بعضهم قال اسمه مسلم بن يسار اهـ وقال الحافظ ابن حجر وأما أبو عبد الرحمن عن بلال فقد قيل إنه مسلم بن يسار حكى ذلك الدارقطني في كتاب العلل عن عبد الملك بن الشخير قال وليس عندى كما قال يعنى في تسميته اهـ وذلك أنا لم نجد في كتب الرجال من اسمه مسلم بن يسار وكنيته أبو عبد الرحمن، وفي بعض النسخ عن أبى عبد الرحمن السلمى، فإن صح ذلك فهو عبد الله بن حبيب مجمع على توثيقه لكنه لم يسمع من بلال ولم يرو عنه أبو عبد الله التيمى ولم يصفه أحد من الحفاظ في هذا السند بالسلمى فالصواب النسخة الأولى (قوله عبد الرحمن بن عوف) بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرّة ابن كعب بن لؤى أبو محمد المدنى شهد بدرا والمشاهد كلها وهو أحد العشرة المبشرة بالجنة وهاجر الهجرتين، صحابى جليل صاحب اليد الطولى في الفضائل والفواضل قال معمر عن الزهرى تصدّق بأربعين ألف دينار ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله وخمسمائة راحلة أخرجه ابن المبارك وقال جعفر بن برقان بلغني أن عبد الرحمن بن عوف أعتق ثلاثين ألف نسمة وذكر البخارى في تاريخه من طريق الزهرى أنه قال أوصى عبد الرحمن بن عوف لكل من شهد بدرا بأربعمائة دينار فكانوا مائة رجل وعن ابن أبى نجيح أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

الموق والخلاف في المسح عليه

قال الذى يحافظ على أزواجى من بعدى هو الصادق البارّ فكان عبد الرحمن بن عوف يخرج بهنّ ويخرج معهنّ وينزل بهنّ الشعب ليس له منفذ، وقال عمر عبد الرحمن سيد من سادات المسلمين وقال على عبد الرحمن أمين في السماء وأمين في الأرض. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خمسة وستون حديثا اتفق البخارى ومسلم على اثنين منها وانفرد البخارى بخمسة. روى عنه بنوه إبراهيم وحميد ومصعب وأبو سلمة وابن عمر وابن عباس وأنس ابن مالك وكثيرون. توفى سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن خمس وسبعين سنة وصلى عليه عثمان ابن عفان، ودفن بالبقيع. روى له الجماعة (قوله يسأل بلالا الخ) أى حضر أبو عبد الرحمن عبد الرحمن بن عوف حال كونه يسأل بلالا عن وضوئه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وإنما سأله عبد الرحمن مع فضله وسعة علمه لأن بلالا كان أكثر ملازمة للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من غيره و (بلال) هو ابن رباح المؤذن القرشى التيمى أبو عبد الله أو أبو عبد الكريم مولى أبى بكر الصدّيق شهد بدرا والمشاهد كلها وكان ممن عذّب في الله تعالى عذابا شديدا وما شغله ذلك عن ذكر الله عزّ وجل كما هو معلوم مشهور فقد كان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول لا يزال على ذلك حتى يموت أو يكفر بمحمد فيقول وهو في ذلك الحال أحد أحد فمرّ به أبو بكر فاشتراه وأعتقه روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربعة وأربعون حديثا اتفق البخارى ومسلم على واحد وانفرد البخارى باثنين غير مسندين. روى عنه أبو بكر وعمر وابن عمر وأسامة ابن زيد والنخعى وسعيد بن المسيب وكثيرون. توفى بدمشق سنة عشرين أو إحدى وعشرين وهو ابن بضع وستين سنة. روى له الجماعة. (معنى الحديث) (قوله ويمسح على عمامته) أى أثناء وضوئه، وظاهر هذه الرواية أنه كان يقتصر على المسح على العمامة، وإلى ذلك ذهب بعضهم، ويحتمل أنه مسح على الناصية وكمل على العمامة وقد تقدّم الكلام على هذا (قوله وموقيه) تثنية موق بضم الميم بلا همزة يجمع على أمواق وهو الخفّ فارسى معرّب، وفى المحكم هو ضرب من الخفاف عربى صحيح ذكره في اللسان (وقال) ابن العربى في شرح الترمذى الخفّ جلد مبطن مخروز يستر القدم كلها والموق جلد مخروز لا بطانة له (وقال) الخطابى هو خفّ قصير الساق (وقال) الجوهرى هو ما يلبس فوق الخفّ ويقال له الجرموق اهـ (وبهذا) احتج أبو حنيفة وأحمد والمزني على جواز المسح على الجرموق بشرط صلاحيته للمسح عليه ولبسه قبل المسح على الخفّ وقبل الحدث فلو مسح على الخفّ ولو للتجديد أو أحدث بعد لبسه ثم لبس الجرموق لا يصح المسح عليه (وعند) المالكية يصح المسح على الجرموق بشرط أن يكون من جلد وأن يلبسه مع الخفّ على طهارة كاملة قبل

انتقاضها أو بعده وبعد المسح على الأسفل في طهارة أخرى (وعند) الشافعية في جواز المسح عليه قولان (قال) النووى في شرح المهذب والأصح عند الأصحاب أنه لا يجوز المسح على الجرموق (قوله هو أبو عبد الله الخ) غرض المصنف بهذا الردّ على من قال إن أبا عبد الله الراوى عن أبى عبد الرحمن مجهول كما تقدّم، وقوله تيم بن مرّة بن كعب بن لؤىّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر المعروف بتيم قريش رهط أبى بكر الصدّيق رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن من أراد الوضوء يطلب منه أن يقضى حاجته قبل الشروع فيه إذا احتاج إلى ذلك. وعلى مشروعية المسح على العمامة والموقين وتقدم تمام الكلام على ذلك. (من روى الحديث أيضا) رواه البيهقى والحاكم في المستدرك وقال هذا حديث صحيح فإن أبا عبد الله مولى بني تيم معروف بالصحة والقبول. وأما الشيخان فإنهما لم يخرجا ذكر المسح على الموقين اهـ. ورواه الطبراني وأحمد والترمذى والضياء في المختارة بلفظ رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمسح على الموقين والخمار. (ص) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الدِّرْهَمِيُّ، ثَنَا ابْنُ دَاوُدَ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، أَنَّ جَرِيرًا، بَالَ، ثُمَّ «تَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ» وَقَالَ: مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَمْسَحَ وَقَدْ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَمْسَحُ»، قَالُوا: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ، قَالَ: مَا أَسْلَمْتُ إِلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ. (ش) (رجال الحديث) (قوله على بن الحسين) بن مطر اليصرى. روى عن ابن عدى ومعتمر بن، سليمان وعبد الله بن داود ووكيع وغيرهم. وعنه ابن خزيمة وأبو داود والنسائى وقال ثقة ووثقه مسلمة بن قاسم وقال أبى حاتم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وقال مستقيم الحديث و (الدرهمى) بكسر الدال المهملة وسكون الراء وفتح الهاء نسبة إلى درهم أحد أجداده (قوله ابن داود) هو عبد الله بن داود بن عامر الخريبي (قوله عن بكير بن عامر) البجلى أبو إسماعيل الكوفي. روى عن قيس بن أبى حازم وأبى زرعة والشعبي والنخعى وغيرهم. وعنه وكيع وأبو نعيم والثورى، قال أحمد ليس بالقوىّ وقال مرّة ليس به بأس صالح الحديث وقال ابن معين والنسائى ويحيى القطان ضعيف وقال أبو زرعة ليس بقوى وقال ابن عدى رواياته قليلة ولم أجد له متنا منكرا. روى له مسلم وأبو داود (قوله عن أبى زرعة) اسمه هرم البجلى

(قوله (ص) أن جريرا الخ) هو ابن عبد الله بن جابر البجلى أبو عمرو الصحابى الشهير نزل مكة روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مائة حديث اتفق البخارى ومسلم على ثمانية وانفرد البخارى بواحد ومسلم بستة، وعنه ابنه وأنس بن مالك وزيد بن وهب وهمام بن الحارث النخعى. روى له الجماعة (وقد) أكرمه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "فقد" روى عبه أنه قال لما بعث صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأتيته قال ما جاء بك قلت جئت لأسلم فألقى إلىّ كساءه وقال إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه رواه الطبرانى. وروى عن علىّ مرفوعا جرير منا أهل البيت، وعنه أيضا أنه قال ما حجبنى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منذ أسلمت ولا رآنى إلا تبسم في وجهى ولقد شكوت إليه أني لا أثبت على الخيل فضرب بيده على صدرى وقال اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا رواه ابن ماجه عمل على اليمن في أيامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وشهد فتح المدائن. مات سنة إحدى أو أربع وخمسين. (معنى الحديث) (قوله وما يمنعنى الخ). أى أىّ شئ يمنعنى من المسح والحال أني قد رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمسح، وهو مرتب على محذوف صرّح به في رواية ابن ماجه فقيل له أتفعل هذا فقال وما يمنعنى الخ، وفي رواية البيهقى فقيل تفعل هذا قال نعم رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بال تم توضأ ومسح على خفيه، وفي رواية البخارى فسئل فقال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صنع مثل هذا، وفي الطبراني من طريق الأعمش أن السائل له همام بن الحارث وعاب عليه بعض القوم (قوله إنما كان ذلك الخ) أى قال من أنكر على جرير مسحه على خفيه إنما المسح عليهما كان قبل نزول المائدة التي ذكر فيها الوضوء. وأرادوا بهذا القول أن المسح على الخفين كان رخصة تم نسخ بهذه الآية فقال جرير ردّا عليهم ما أسلمت إلا بعد نزول آية المائدة فليس المراد جميع سورة المائدة لأن منها ما تأخر نزوله عن إسلامه كآية "اليوم أكملت لكم دينكم" فإنها نزلت يوم عرفة في حجة الوداع وإسلام جرير كان في رمضان سنة عشر من الهجرة أما آية الوضوء التى قوله تعالى "فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم الى الكعبين" فنزلت في غزوة بنى المصطلق وكانت سنة خمس أو أربع فلو كان إسلام جرير متقدّما على نزول المائدة لاحتمل كون حديثه في مسح الخفّ منسوخا بهذه الآية فلما كان إسلامه متأخرا علمنا أن حديثه غير منسوخ يعمل به وهو مبين أن المراد بالآية غير صاحب الخف فيكون حديثه مخصصا للآية والقدح في جرير بأنه فارق عليا ممنوع فإنه لم يفارقه وإنما احتبس عنه بعد إرساله إلى معاوية لأعذار، على أنه قد تقل الإمام الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير الإجماع من طرق أكابر أئمة الآل وأتباعهم على

جواز الاستدلال بالتاريخ عند الحاجة إليه المسح على الخفين متواتر كما صرح به جمع من الحفاظ

قبول رواية الصحابة قبل الفتنة وبعدها فالاسترواح إلى الخلوص عن أحاديث. المسح بالقدح في ذلك الصحابى الجليل بذلك الأمر مما لم يقل به أحد من العترة وأتباعهم وسائر علماء الإسلام، فحديثه يدلّ على بقاء حكم المسح على الخفين بعد نزول المائدة لا كما زعمه من ينكر المسح، ولو لم يتحقق أنه رآه بعد الإسلام يمسح على الخفين لما تمّ استدلاله لأن مجرّد إسلامه بعد نزول المائدة لا يدلّ على أنه رآه بعد نزولها يمسح عليهما إذ يمكن أنه رآه قبل الإسلام ولا يضرّ ذلك في رواية الحديث لأنه يجوز التحمل حال الكفر والأداء حال الإسلام فلا دلالة فيها على بقاء حكم المسح بعد نزولها لأنا نقول إن الآية تحتمل المسح، وقد تواتر عدم نسخ المسح بعمل الصحابة بعده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليه، ومثل هذا يكفى في إفادة التواتر وعدم النسخ، وقد نقل ابن المنذر عن ابن المبارك أنه قال ليس في المسح على الخفين عن الصحابة اختلاف لأن كل من روى عنه منهم إنكاره فقد روى عنه إثباته (قال) الحافظ في الفتح وقد صرّح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر، وجمع بعضهم رواته فجازوا الثمانين ومنهم العشرة (وقال) الإمام أحمد فيه أربعون حديثا عن الصحابة مرفوعة (وقال) ابن عبد البرّ في الاستذكار روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المسح على الخفين نحو أربعين من الصحابة (وذكر) أبو القاسم ابن منده أسماء من رواه في تذكرته فكانوا ثمانين صحابيا (وذكر) الترمذى والبيهقى في سننهما جماعة منهم وقد تقدّم ردّ أدلة من منع المسح على الخفين أول الباب. (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية المسح على الخفين، وعلى أنه يطلب ممن رأى شيئا يخالف الشرع بحسب ظنه أن لا يسكت عليه بل يبادر إلى إنكاره بالتي هي أحسن، وعلى أنه يطلب ممن أنكر عليه شئ وكان يعتقد صحة ما فعل أن يبين مستنده في ذلك، وعلى أن للمنكر أن يردّ دليل المدّعي، وعلى أن المطلوب من المدّعي أن يمنع ما ردّ به دليله حتى يسلم دليله من الطعن، وعلى أنه يجوز الاستدلال بالتاريخ عند الحاجة إليه فقد استدلّ جرير بتاريخ إسلامه على بقاء حكم المسح على الخفين وأنه لم ينسخ. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى من عدّة طرق وكذا مسلم والترمذى والنسائي وابن ماجه من حديث همام بن الحارث النخعى عن جرير، وأخرجه البخارى أيضا من هذا الطريق بلفظ بال ثم توضأ ومسح على خفيه ثم قام فصلى فسئل فقال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صنع مثل هذا ورواه ابن خزيمة في صحيحه والدارقطني والحاكم في المستدرك وصححه ورواه الطبراني في الأوسط من طريق محمد بن سيرين عن جرير أنه كان مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع فذهب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتبرّز فرجع

مشروعية قبول الهدية وجواز لبس الخفاف السود

فتوضأ ومسح على خفيه، وفى سنن البيهقى عن إبراهيم بن أدهم قال ما سمعت في المسح على الخفين أحسن من حديث جرير رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، وَأَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، قَالَا: ثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا دَلْهَمُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ حُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ النَّجَاشِيَّ أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ خُفَّيْنِ أَسْوَدَيْنِ سَاذَجَيْنِ، فَلَبِسَهُمَا ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا»، قَالَ مُسَدَّدٌ: عَنْ دَلْهَمِ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «هَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ الْبَصْرَةِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله دلهم) بفتح الدال المهملة وسكون اللام وفتح الهاء (ابن صالح) الكندى الكوفى. روى عن عطاء والشعبى وعكرمة وحجير بن عبد الله وغيرهم. وعنه وكيع وأبو نعيم وعبيد الله بن موسى وآخرون، قال ابن معين ضعيف وقال أبو داود ليس به بأس وقال ابن حبان منكر الحدث جدًّا ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه (قوله حجير) بتقديم الحاء المهملة على الجيم مصغرا (ابن عبد الله) الكندى. روى عن عبد الله بن بريدة. وعنه دلهم بن صالح، قال ابن عدىّ لا يعرف وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه (قوله ابن بريدة) هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمى المروزى أبو سهل قاضى مرو. روى عن أبيه وابن عباس وأبى هريرة وابن مسعود وابن عمر وعائشة وآخرين. وعنه ابناه سهل وصخر وقتادة وحسين ابن ذكوان وحسين بن واقد ومالك بن مغول والشعبى وطائفة، قال ابن خرّاش صدوق ووثقه العجلى وابن معين وأبو حاتم وضعفه أحمد وقال إبراهيم الحربى لم يسمع من أبيه شيئا وفيما روى عن أبيه أحاديث منكرة. روى له الجماعة (قوله عن أبيه) هو بريدة بن الحصيب بضم الحاء المهملة ابن عبد الله بن الحارث أبو عبد الله الأسلمى، أسلم قبل بدر ولم يشهدها وشهد غيرها من المشاهد. وفى الصحيحين عنه أنه غزا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ست عشرة غزوة، وعزا خراسان في زمن عثمان ثم تحوّل إلى مرو فسكنها إلى أن توفى بها سنة اثنتين أو ثلاث وستين وهو آخر الصحابة موتا بخراسان. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربعة وستون ومائة حديث اتفق البخارى ومسلم على واحد وانفرد البخارى بحديثين ومسلم بأحد عشر. روى عنه ابناه عبد الله وسليمان وأسامة وأبو المليح الهذلى والشعبى. روى له الجماعة.

سبب إسلام النجاشي ملك الحبشة

(معنى الحديث) (قوله أن النجاشى) بفتح النون وكسرها وتخفيف الجيم على الصحيح وتشديد المثناة التحتية وحكى المطرزى التخفيف ورجحه الصنعانى، واسمه أصحمة بن بحر وقيل مصحمة وقيل أصحم وقيل غير ذلك، وهو بالعربية عطية، وهو اسم لكلّ من ملك الحبشة كما أن كل من ملك الشام والجزيرة والروم يسمى قيصرا وكل من ملك الفرس يسمى كسرى وكل من ملك مصر كافرا يسمى فرعون وكل من ملك الإسكندرية يسمى المقوقس وكل من ملك ايمن يسمى تبعا وكل من ملك الهند وقيل اليونان يسمى بطليموس وكل من ملك الترك يسمى خاقان وكل من ملك اليهود يسمى القطيون وكل من ملك الصابئية يسمى نمرودا وكل من ملك العرب من قبل العجم يسمى النعمان وكل من ملك البربر يسمى جالوت وكل من ملك فرغانة يسمى الإخشيد (وقد) أسلم النجاشي في عهد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يهاجر إليه، وسبب إسلامه أنه لما رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما يصيب أصحابه من الأذى وأنه لا يقدر أن يمنع عنهم ذلك البلاء قال لهم لو خرجتم إلى الحبشة فإن فيها ملكا لا يظلم أحد عنده حتى يجعل لكم الله فرجا ومخرجا مما أنتم فيه فخرج بعض المسلمين إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة وفرارا إلى الله تعالى بدينهم فكانت أول هجرة في الإسلام فلما رأت قريش أن المهاجرين قد اطمأنوا بالحبشة وأمنوا وأن النجاشى قد أحسن صحبتهم ائتمروا بينهم فبعثوا عمرو بن العاص وعبد الله بن أبى ربيعة ومعهما هدية إليه وإلى أعيان أصحابه فسارا حتى وصلا الحبشة فحملا إلى النجاشى هديته وإلى أصحابه هداياهم وقالا لهم إن ناسا من سفهائنا فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دين الملك جاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم وقد أرسلنا أشراف قومهم إلى الملك ليردّهم إليهم فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يرسلهم معنا من غير أن يكلمهم وخافا أن يسمع النجاشى كلام المسلمين فيمتنع من تسليمهم فوعدهما أصحاب النجاشي بالمساعدة على ما يريدان ثم حضرا عند النجاشى وأعلماه بما جاءا له فأشار أصحابه بتسليم المسلمين إليهما فغضب من ذلك وقال لا والله لا أسلم قوما جاورونى ونزلوا بلادى واختارونى على من سواى حتى أدعوهم وأسألهم عما يقول هذان فإن كانا صادقين أسلمتهم إليهما وإن كانوا على غير ما يذكر هذان منعتهم وأحسنت جوارهم ثم أرسل النجاشى إلى أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فحضروا وقالوا يستأذن أولياء الله فقال ائذنوا لهم فمرحبا بأولياء الله فلما دخلوا عليه قالوا السلام عليكم فقال الرهط من المشركين أيها الملك ألا ترى أنا صدقناك إنهم لم يحيوك بتحيتك التى تحيا بها فقال لهم الملك ما منعكم أن تحيونى بتحيتى قالوا إنا حييناك بتحية أهل الجنة وتحية الملائكة، "وقد اتفقوا على أن يقولوا الصدق" وكان المتكلم عنهم جعفر بن أبى طالب فقال لهم النجاشي ما هذا الدين الذى فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في دينى ولا دين

أحد من الملل فقال جعفر أيها الملك كنا أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتى الفواحش ونقطع الأرحام ونسئ الجوار ويأكل القوى منا الضعيف حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا لتوحيد الله وأن لا نشرك به شيئا ونخلع ما كنا نعبد من الأصنام وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكفّ عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وأمرنا بالصلاة والصيام "وعدّد عليه أمور الإسلام" فآمنا به وصدّقناه وحرّمنا ما حرّم علينا وحلننا ما أحلّ لنا فتعدّى علينا قومنا فعذّبونا وفتنونا عن ديننا ليردّونا إلى عبادة الأوثان فلما قهرونا وظلمونا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك فقال النجاشى هل معك مما جاء به عن الله شئ قال نعم فقرأ عليه سورة مريم فبكى النجاشي وأساقفته وقال النجاشي إن هذا والذى جاء به عيسى يخرج من مشكاة واحدة انطلقا والله ما أسلمهم إليكما أبدا فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص والله لآتينه غدا بما يبيد خضراءهم فقال له عبد الله ابن أبى ربيعة وكان أتقى الرجلين لا تفعل فإن لهم أرحاما فلما كان الغد قال عمرو للنجاشي إن هؤلاء يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما فأرسل النجاشى فسألهم عن قولهم في المسيح فقال جعفر نقول فيه الذى جاءنا به نبينا هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول فأخذ النجاشى عودا من الأرض وقال ما زاد على ما قاله عيسى مثل هذا العود فنخرت بطارقته فقال وإن نخرتم وقال للمسلمين اذهبوا فأنتم آمنون ما أحب أن لى جبلا من ذهب وإننى آذيت رجلا منكم وردّ هدية قريش وقال ما أخذ الله الرّشوة منى حتى آخذها منكم ولا أطاع الناس فىّ حتى أطيعهم فيه وأقام المسلمون بخير دار وكتب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنى أشهد أنك رسول الله صادق مصدّق وقد بايعتك وبايعت ابن عمك جعفر بن أبى طالب وأسلمت لله رب العالمين، وكان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُردءا للمسلمين نافعا حاكما بالقسط وأمره في ذلك أشهر من أن يذكر. مات بأرض الحبشة وصلى عليه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم بالمدينة (قوله ساذجين) بفتح الذال المعجمة وكسرها أى غير منقوشين أو لا شعر عليهما أو على لون واحد لم يخالط سوادهما لون آخر (قال) العراقي وهذه اللفظة تستعمل في العرف كذلك ولم أجدها في كتب اللغة بهذا المعنى ولا رأيت المصنفين في غريب الحديث ذكروها اهـ لكن في القاموس الساذج معرّب سادة يعني غير منقوش (قوله قال مسدّد الخ) أى قال أبو داود قال مسدّد في روايته حدثنا وكيع عن دلهم بن صالح بالعنعنة وأما أحمد بن أبى شعيب فقال حدثنا وكيع قال حدثنا دلهم (قوله هذا مما تفرّد به أهل البصرة) يشير بهذا إلى أن الحديث غريب، وظاهر عبارته أن جميع رواة الحديث في هذا السند

يطلب ممن اشتبه عليه أمر أن يسأل عنه العالم ولو كان عظيما

بصريون وليس كذلك لأنه ليس من رواته بصرى سوى مسدّد بن مسرهد مع أنه لم يتفرّد به بل تابعه أحمد بن أبى شعيب عند المصنف وتابعه على بن محمد عند ابن ماجه ولم يتفرّد به أيضا شيخه وكيع بل تابعه محمد بن ربيعة عند الترمذى إنما التفرّد في دلهم وهو كوفي عن حجير الذى تفرّد به عن ابن بريدة قال الترمذى هذا حديث حسن إنما نعرفه من حديث دلهم وقال الدارقطني تفرّد به حجير بن عبد الله عن ابن بريدة ولم يروه عنه غير دلهم بن صالح اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية قبول الهدية من الكافر فإن النجاشي أهدى إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبل إسلامه كما قاله ابن العربى وأقرّه العراقى، وعلى أن المهدى إليه يطلب منه أن يتصرّف في الهدية عقب وصولها إليه على الوجه الذى أهديت لأجله إظهارا لقبولها ووقوعها الموقع الحسن لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لبس الخفين عقب وصولهما إليه وفي ذلك إدخال السرور على المهدى، وعلى أنه يجوز لبس الخفين السود من غير كراهة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه وأحمد بن حنبل والترمذى والبيهقى. (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا ابْنُ حَيٍّ هُوَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَامِرٍ الْبَجَلِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ؟ ، قَالَ: «بَلْ أَنْتَ نَسِيتَ، بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عبد الرحمن بن أبي نعم) بضم النون وسكون العين المهملة البجلى أبو الحكم الكوفى. روى عن ابن عمر وأبى هريرة وأبي سعيد الخدرى والمغيرة ابن شعبة ورافع بن خديج. وعنه ابنه الحكم وسعيد بن مسروق وعمارة بن القعقاع وآخرون ذكره ابن حبان في الثقات ووثقه ابن سعد والنسائى وقال ابن معين ضعيف. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله مسح على الخفين) أى توضأ فمسح على الخفين فهو معطوف على محذوف بحذف حرف العطف (قوله نسيت الخ) أى أنسيت غسل الرجلين فهمزة الاستفهام مقدّرة وقد صرّح بها في بعض النسخ، ويحتمل عدم تقدير الهمزة فتكون جملة نسيت خبرا وبل للإضراب الإبطالى مثل قوله تعالى "وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون" أى بل هم عباد، أى لم أنس بل أنت نسيت مشروعية المسح على الخفين بعد أن رأيتنى أمسح عليهما أو علمت ذلك من غيرى. ويحتمل أن يكون نسيت بمعنى أخطأت في نسبة النسيان إلىّ وعبر بالنسيان مشاكلة، وهذا الاحتمال مبنى على أن نسيت الأولى خبر لا إنشاء (قوله بهذا أمرني

باب التوقيت في المسح

ربى عزّ وجلّ) أى أذن لى فيه (قال) في المرقاة أشار به إلى أنه ثابت بالكتاب والسنة اهـ والظاهر أنه أراد بالكتاب قوله تعالى "وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين" على قرّاءة الجرّ وحملها على المسح على الخفين وبالسنة ما ورد من الأحاديث في جواز المسح عليهما (فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدّم على تأكد المسح على الخفين، وعلى أن من اشتبه عليه أمر يطلب منه أن يسأل عنه العالم ولا تمنعه هيبة المسئول وإن كان عظيما (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد (باب التوقيت في المسح) أى في تحديد مدّة المسح على الخفين بالزمن (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، وَحَمَّادٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ، عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ: «الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ». (ش) (رجال الحديث) (قوله شعبة) بن الحجاج (قوله الحكم) بن عتيبة الكندى أبو محمد ويقال أبو عبد الله الكوفى أحد الأئمة. روى عن زيد بن أرقم وأبى جحيفة وقيس بن أبى حازم ومجاهد وشريح القاضى وإبراهيم النخعى وغيرهم. وعنه شعبة وأبو إسحاق السبيعى والأعمش وكثيرون، قال العجلى ثقة ثبت صاحب سنة واتباع وكان فيه تشيع إلا أنه لم يظهر منه وقال ابن مهدى ثقة ثبت لكن يختلف معنى حديثه ووثقه النسائى وابن معين وأبو حاتم وقال ابن حبان كان يدلس. ولد سنة خمسين. وتوفي سنة خمس عشرة ومائة. روى له الجماعة (قوله وحماد) بالجرّ معطوف على الحكم يعنى أن شعبة يروى عن الحكم وحماد وهما يرويان عن إبراهيم النخعى (وحماد) هو ابن مسلم الأشعرى أبو إسماعيل الكوفى. روى عن أنس وعكرمة وأبى وائل وآخرين. وعنه ابنه إسماعيل والحكم بن عتيبة وشعبة والثوري وأبو حنيفة وغيرهم، قال النسائى ثقة إلا أنه مرجئ ووثقه ابن معين والعجلى وقال أبو حاتم صدوق لا يحتج به مستقيم في الفقه وقال ابن سعد ضعيف في الحديث واختلط في آخر عمره وقال الذهلى كثير الخطأ والوهم توفي سنة عشرين ومائة (قوله إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعى (قوله عن أبى عبد الله) هو عبد بن عبد ويقال عبد الرحمن بن عبد الكوفى. روى عن خزيمة بن ثابت وسلمان الفارسى وعائشة وغيرهم. وعنه أبو إسحاق السبيعى ومعبد بن خالد وآخرون، وثقه ابن معين وأحمد وصحح الترمذى حديثه وقال ابن حجر ثقة رمي بالتشيع. روى له الترمذى وأبو داود وقال لم يسمع منه

اختلاف العلماء في تحديد مدة المسح على الخفين

إبراهيم النخعى و (الجدلى) بفتح الجيم والدال المهملة نسبة إلى جديلة حىّ من طيئ وهو اسم أمهم بنت سبيع بن عمرو إليها ينسبون (معنى الحديث) (قوله المسح على الخفين الخ) المسح مبتدأ وهو على تقدير مضاف أى مدّة المسح، وقوله للمسافر ثلاثة أيام جملة خبره، والمراد بالمسافر الذى يمسح ثلاثة أيام المسافر سفرا طويلا تقصر فيه الصلاة وهو ثمانية وأربعون ميلا وقدره بالمراحل مرحلتان متوسطتان (والحديث) يدلّ على توقيت المسح بثلاثة أيام للمسافر وباليوم والليلة للمقيم (وإلى) ذلك ذهب أبو حنيفة وأصحابه والثورى والحسن بن صالح والشافعى وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وجمهور العلماء من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء (قال) الخطابى التوقيت قول عامة الفقهاء اهـ وقال ابن عبد البرّ وأكثر التابعين والفقهاء على ذلك وهو الأحوط عندى لأن المسح ثبت بالتواتر واتفق عليه أهل السنة والجماعة واطمأنت النفس إلى اتفاقهم فلما قال أكثرهم لا يجوز المسح للمقيم أكثر من خمس صلوات يوم وليلة ولا يجوز للسافر أكثر من خمس عشرة صلاة ثلاثة أيام ولياليها فالواجب على العالم أن يؤدى صلاته بيقين واليقين الغسل حتى يجمعوا على المسح ولم يجمعوا فوق الثلاث للمسافر ولا فوق اليوم والليلة للمقيم اهـ واستدلوا، بأحاديث أخر (منها) ما روى شريح بن هانئ قال سألت عائشة عن المسح على الخفين فقالت سل عليا فإنه أعلم بهذا مني كان يسافر مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسألته فقال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للمسافر ثلاثة أيام ولياليهنّ وللمقيم يوم وليلة رواه أحمد والنسائى ومسلم وابن ماجه (ومنها) ما روى عن صفوان بن عسال قال أمرنا يعنى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثا إذا سافرنا ويوما وليلة إذا أقمنا ولا نخلعهما من غائط ولا بول ولا نوم ولا نخلعهما إلا من جنابة رواه أحمد وابن خزيمة والأحاديث في التوقيت كثيرة (وذهب) جماعة إلى عدم التوقيت وقالوا يمسح ما شاء مقيما كان أو مسافرا منهم الشعبى وأبو سلمة بن عبد الرحمن والليث وربيعة ومالك في المشهور عنه والتوقيت عنه لا يصح (قال) الباجى قال غير واحد من أصحابنا البغداديين في الرسالة المنسوبة إلى مالك في التوقيت إنها لا تصح عنه وفيها أحاديث لا تصح عنه (استدلّ) من قال بعدم التوقيت بما في حديث ولو استزدناه لزادنا، وبحديث أبىّ بن عمارة الآتى قال فيه حتى بلغ سبعا قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نعم وما بدالك. وبحديث أنس بن مالك أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه فليصلّ فيهما وليمسح عليهما ثم لا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة أخرجه الحاكم في المستدرك وقال إسناده صحيح على

أقوال الأئمة في ابتداء وقت المسح عليهما

شرط مسلم ورواته عن آخرهم ثقات وأخرجه الدارقطني في سننه عن أسد بن موسى، قال صاحب التنقيح إسناده قوي وأسد بن موسى صدوق وثقه النسائى وغيره، وبحديث عقبة بن عامر قال خرجت من الشام إلى المدينة يوم الجمعة فدخلت على عمر بن الخطاب فقال متى أولجت خفيك في رجليك قلت يوم الجمعة قال فهل نزعتهما قلت لا قال قد أصبت السنة رواه البيهقي، وقالوا أيضا إن هذه طهارة فلم توقت بزمن مقدّر كغسل الرجلين والمسح على الجبائر لكن الأحاديث التى استدلوا بها ضعيفة (أما حديث) أبيّ بن عمارة فقد رواه أهل السنن واتفقوا على أنه ضعيف مضطرب لا يحتج به (وأما حديث) خزيمة المذكور في الباب فضعيف من وجهين (أحدهما) أنه مضطرب (والثانى) أنه منقطع قال شعبة لم يسمع إبراهيم من أبي عبد الله الجدلى وقال البخارى لا يعرف للجدلى سماع من خزيمة وقال البيهقى قال الترمذى سألت البخارى عن هذا الحديث فقال لا يصح ولو صح لم يكن فيه دلالة لأنه ظنّ أنهم لو استزادوه لزادهم، والأحكام لا تثبت بمثل هذا (قال) ابن سيد الناس في شرح الترمذي لو ثبتت هذد الزيادة لم نقم بها حجة لأن الزيادة على ذلك التوقيت مظنونة أنهم لو سألوا لزادهم وهذا صريح في أنهم لم يسألوا ولا زيدوا فكيف تثبت زيادة بخبر دلّ على عدم وقوعها اهـ (وأما حديث) أنس فضعيف كما قاله البيهقى، أفاده النووى (وفى العينى) قال ابن الجوزى هو محمول على مدّة الثلاث (وقال) ابن حزم هذا مما انفرد به أسد بن موسى عن حماد. وأسد منكر الحديث لا يحتج به اهـ (وأما) ما روى عن عمر من قوله قد أصبت السنة فليس في ذلك دليل على أنه من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأن السنة قد تكون منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد تكون من خلفائه كما ورد عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين، فقد يجوز أن يكون عمر رأى ما قاله لعقبة وهو من الخلفاء الراشدين فسمى رأيه ذلك سنة على أنه قد ورد التوقيت عنه في عدة أحاديث (فعن) سويد بن غفلة قال قلنا لبانه الجعفى وكان أجرأنا على عمر سله عن المسيح على الخفين فسأله فقال للمسافر ثلاثة آيام وللمقيم يوم وليلة وعن زيد بن وهب قال كتب إلينا عمر في المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة رواهما الطحاوى في شرح معاني الآثار وقال فهذا عمر قد جاء عنه ما يوافق ما روينا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في التوقيت فهي ولو صحت أحاديث عدم التوقيت لكانت محمولة على جواز المسح أبدا بشرط مراعاة التوقيت فهى كقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله سلم الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر سنين فإن معناه أن له التيمم مرّة بعد أخرى وإن بلغت مدّة عدم الماء عشر سنين، وليس معناه أن مسحة واحدة تكفيه عشر سنين أفاده النووى (أما) قياس مسح الخفين على غسل الرجلين والمسح على الجبائر فإنه معارض للأحاديث الصحيحة فلا يعمل به (إذا) علمت ما تقدم تعلم أن الأحوط العمل على

أحاديث التوقيت ثلاثة أيام بلياليها للمسافر ويوم وليلة للمقيم، ويبتدئُ الوقت المذكور عند القائلين به من حين يحدث الماسح بعد لبسه للخفّ لا من وقت اللبس ولا من وقت المسح (واختار) النووى أنه من وقت المسح فإذا نزع قدميه أو أحدهما قبل انقضاء المدة وبعد المسح عليهما غسل قدميه عند الشافعية والحنفية ولا يلزم استئناف الطهارة سواء أغسلهما على الفور أم لا (وقالت) الحنابلة بطلت طهارته مطلقا (وقالت) المالكية يغسل قدميه على الفور وإلا بطلت طهارته إن كان ذاكرا وبنى بنية إن كان ناسيا (قال) الحافظ في الفتح لو نزع خفيه بعد المسح قبل انقضاء المدة عند من قال بالتوقيت أعاد الوضوء عند أحمد وإسحاق وغيرهما وغسل قدميه عند الكوفيين والمزني وأبي ثور وكذا قال مالك والليث إلا إن تطاول (وقال) الحسن وابن أبى ليلى وجماعة ليس عليه غسل قدميه، وقاسوه على من مسح رأسه ثم حلقه أنه لا يجب عليه إعادة المسح وفيه نظر اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن مدّة المسح على الخفين يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للسافر كما تقدم بيانه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى من طريق المصنف وقال وكذلك رواه الحارث ابن يزيد وأبو معشر عن إبراهيم النخعى، ورواه داود بن علبة الحارثى وهو ضعيف عن مطرّف عن الشعبى عن أبى عبد الله الجدلى عن خزيمة بن ثابت عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال يمسح المسافر ثلاثة أيام ولو استزدناه لزادنا أخرجه البيهقى أيضا والترمذى من طريق إبراهيم التيمى عن عمرو بن ميمون عن أبى عبد الله الجدلى عن خزيمة وقال الترمذى حديث حسن صحيح ثم قال وقد روى الحكم بن عتيبة وحماد عن إبراهيم النخعى عن أبي عبد الله الجدلى عن خزيمة بن ثابت ولا يصح قال على ابن المدينى قال يحيى قال شعبة لم يسمع إبراهيم النخعى عن أبى عبد الله الجدلى حديث المسح اهـ (وردّ) بأن الصحيح أن النخعى يروى عن الجدلى بلا واسطة (قال) الحافظ في التلخيص قال أبو زرعة الصحيح من حديث التيمى عن عمرو بن ميمون عن الجدلى عن خزيمة مرفوعا والصحيح عن النخعى عن الجدلى بلا واسطة (قال) الترمذى قال البخارى لا يصح عندى لأنه لا يعرف للجدلى سماع من خزيمة وذكر عن يحيى بن معين أنه قال هو صحيح، وادّعى النووى في شرح المهذب الاتفاق على ضعف هذا الحديث، وتصحيح ابن حبان له يردّ عليه مع نقل الترمذى عن ابن معين أنه صحيح اهـ بتصرّف (وقال) ابن حزم لا يعتمد على روايته (وأجاب) الشيخ تقيّ الدين ابن دقيق العيد عن قول البخارى لا يعرف وقول ابن حزم لا يعتمد على روايته أما قول البخارى إنه لا يعرف لأبى عبد الله الجدلى سماع من خزيمة فلعلّ هذا بناء على ما حكى عن بعضهم أنه يشترط في الاتصال أن يثبت سماع

الراوى من المروى عنه ولو مرّة (وقيل) إنه مذهب البخارى وقد أطنب في الردّ لهذه المقالة واكتفى بإمكان اللقاء وذكر له شواهد. وأما قول ابن حزم فلم يقله أحد غيره ووثقه أحمد وابن معين وصحح الترمذى حديثه (وقال) البيهقى في المعرفة وحديث خزيمة بن ثابت إسناده مضطرب ومع ذلك فما لم يرد لا يصير سنة، وفيه أيضا اختلاف كثير يدلّ على ضعفه أفاده الحافظ في التلخيص (فتحصل) أن في الحديث علتين (الأولى) الانقطاع بدعوى عدم سماع النخعى من الجدلى وعدم سماع الجدلى من خزيمة (الثانية) ما ذكره ابن حزم من أن أبا عبد الله الجدلى لا يعتمد على روايته وقد علمت ردّهما (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِيِ بِإِسْنَادِهِ، قَالَ فِيهِ: وَلَوِ اسْتَزَدْنَاهُ لَزَادَنَا (ش) أراد المصنف بذكر هذا التعليق بيان أن الحديث السابق روى من طريق إبراهيم التيمى عن عمرو بن ميمون عن أبى عبد الله الجدلى عن خزيمة وفيه زيادة ليست في رواية النخعى وهي قوله ولو استزدناه لزادنا أى لو سألناه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الزيادة في مدة المسح على الخفين على ثلاثة أيام لأباح لنا الزيادة عليها ولكنا لم نسأله الزيادة فلم يزدنا على الثلاثة وعليه فلا تنافى الرواية السابقة. وهذا التعليق وصله الطحاوى في شرح معانى الآثار قال حدثنا يونس قال حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم التيمى عن عمرو بن ميمون عن أبى عبد الله الجدلى عن خزيمة بن ثابت عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه جعل المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة قال ولو أطنب السائل في كل سألته لزاده ورواه أيضا عن ربيع المؤذن قال حدثنا يحيى بن حسان ثنا سفيان وجرير عن منصور فذكر بإسناده مثله إلا أنه قال ولو استزدناه لزادنا. ووصله البيهقى من طريق زائده عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم التيمى ومن طريق سفيان الثورى عن أبيه عن إبراهيم التيمى. ووصله ابن ماجه من طريق الثورى عن أبيه عن إبراهيم عن عمرو بن ميمون عن خزيمة بن ثابت قال جعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للمسافر ثلاثا ولو مضى السائل على مسألته لجعلها خمسا و (إبراهيم التيمى) هو ابن يزيد بن شريك أبو أسماء الكوفي. روى عن عائشة مرسلا وعن أبيه وأنس وعمرو بن ميمون والحارث بن سويد. وعنه الأعمش والحكم بن عتيبة، وثقه ابن معين وأبو زرعة وقال كان مرجئا. مات سنة اثنتين أو أربع وتسعين، وقال العينى إبراهيم التيمى هو ابن محمد بن طلحة بن عبيد الله القرشى التيمى إلى آخر ما قال، ولعله اشتباه (قال) ابن دقيق العيد حديث

جواز المسح عليهما من غير توقيت

إبراهيم التيمى على وجهين (أحدهما) ما فيه الزيادة (والثاني) ما لا زيادة فيه. فأما ما فيه الزيادة فهى صحيحة عن إبراهيم مشهورة بهذا الإسناد عن منصور عن إبراهيم وله طرق عن منصور وفيها الزيادة أخرجها الطبراني عنه ومن أصحها الرواية التي أخرجها البيهقى من طريق زائدة بن قدامة قال سمعت منصورا يقول كنا في حجرة إبراهيم النخعى ومعنا إبراهيم التيمى فذكرنا المسح على الخفين فقال إبراهيم التيمى حدثنا عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلى عن خزيمة الخ ورواه الطبراني من طريق حسين بن على عن زائدة بالسند من غير زيادة الاستزادة (وقال) الخطابي إن الحكم وحمادا قد روياه عن إبراهيم فلم يذكرا فيه هذه الزيادة ولو ثبتت لم تكن فيها حجة لأنه ظن منه وحسبان والحجة إنما تقوم بقول صاحب الشريعة لا بظنّ الراوى (ص) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ، أَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ قَطَنٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ عِمَارَةَ، قَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: وَكَانَ قَدْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ الْقِبْلَتَيْنِ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: يَوْمًا؟ قَالَ: «يَوْمًا»، قَالَ: وَيَوْمَيْنِ؟ قَالَ: «وَيَوْمَيْنِ»، قَالَ: وَثَلَاثَةً؟ قَالَ: «نَعَمْ وَمَا شِئْتَ». (ش) (رجال الحديث) (قوله عمرو بن الربيع بن طارق) بن قرّة بن نهيك الهلالى أبو حفص الكوفى البصرى. روى عن يحيى بن أيوب والليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة وعنه ابن معين ويحيى بن عثمان والبخارى ومسلم وأبو داود وغيرهم، قال أبو حاتم صدوق ووثقه العجلى والدارقطنى وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة تسع عشرة ومائتين (قوله يحيى ابن أيوب) المصرى أبو العباس الغافقى بغين معجمة. روى عن يزيد بن أبي حبيب ويحيى بن سعيد ومالك بن أنس وكثيرين. وعنه جرير بن حازم وابن جريج والليث بن سعد من أقرانه وابن المبارك وآخرون، قال ابن معين ثقة صالح وقال يعقوب بن سفيان كان ثقة حافظا وقال أحمد ابن صالح له أشياء يخالف فيها وقال أحمد كان سيئَ الحفظ وقال الساجى صدوق يهم وقال البخارى ثقة وقال النسائى مرّة ليس بالقوى ومرّة ليس به بأس ووثقه إبراهيم الحربي وذكره ابن حبان في الثقات وذكره العقيلي في الضعفاء وقال الدارقطني في بعض حديثه اضطراب وكان أحمد يقول فيه يخطئُ خطأ كثيرا وقال الحاكم إذا حدّث من حفظه يخطئُ وما حدّث من

كتاب فليس به بأس وقال ابن سعد منكر الحديث. توفى سنة ثمان وستين ومائة (قوله عن عبد الرحمن بن رزين) بفتح الراء وكسر الزاى الغافقى ويقال ابن يزيد مولى قريش. روى عن محمد بن يزيد وإسحاق بن عبد الله بن أبى فروة وسلمة بن الأكوع. وعنه يحيى بن أيوب والعطاف بن خالد المخزومى، وثقه ابن حبان وقال الدارقطنى مجهول، روى له أبو داود وابن ماجه (قوله محمد بن يزيد) بن أبي زياد الثقفى ويقال الكوفى روى عن محمد بن كعب القرظى وأيوب بن قطن ونافع مولى ابن عمر. وعنه أبو بكر بن عياش وعبد الرحمن ابن رزين ويزيد بن أبى حبيب وغيرهم، قال الدارقطني وأبو حاتم مجهول. روى له أبو داود وابن ماجه (قوله أيوب بن قطن) بفتح القاف والطاء المهملة الكندى. روى عن أبيّ ابن عمارة. وعنه محمد بن يزيد بن أبى زياد، قال الأزدى والدارقطني مجهول وقال أبو زرعة لا يعرف روى له أبو داود (قوله أبىّ) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد المثناة التحتية (ابن عمارة) بكسر العين المهملة وقيل بضمها ويقال ابن عبادة صحابى مشهور عداده في المدنيين سكن مصر روى حديثا واحدا في المسح على الخفين قال الحافظ في إسناد حديثه اضطراب وقال أبو حاتم هو عندى خطأ وإنما هو أبو أبيّ واسمه عبد الله بن عمرو بن أم حرام. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه (قوله وكان قد صلى الخ) أى كان أبىّ بن عمارة قد صلى مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى بيت المقدس والكعبة، وسمى بيت المقدس قبلة باعتبار ما كان قبل النسخ وفي رواية ابن ماجه وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد صلى في بيته القبلتين كلتيهما، والغرض من هذا الإشارة إلى طول صحبه أبيّ وكثرة ملازمته للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (معنى الحديث) (قوله أمسح على الخفين) على تقدير همزة الاستفهام كما صرّح به في بعض النسخ ولعله لم يبلغه رخصة المسح أو أظن أنه خاصّ به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله وما شئت) أى امسح ثلاثة أيام وما شئته من الأيام زيادة على الثلاثة (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية المسح على الخفين من غير توقيت، وعلى مشروعية سؤال المفضول للفاضل (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى والحاكم وقال أبيّ بن عمارة صحابى معروف وهذا إسناد مصرى لم ينسب واحد منهم إلى جرح اهـ وأخرجه البيهقي والطحاوى من طريق سعيد بن عفير قال ثنا يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن أيوب بن قطن عن عبادة عن أبىّ بن عمارة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى في بيته قال فقلت يا رسول الله أمسح على الخفين قال فقال نعم قلت يوما قال ويومين قلت ويومين

قال وثلاثة قلت وثلاثة يا رسول الله قال نعم ما بدالك (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْمِصْرِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسِيٍّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ عِمَارَةَ قَالَ فِيهِ: حَتَّى بَلَغَ سَبْعًا، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «نَعَمْ، وَمَا بَدَا لَكَ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي إِسْنَادِهِ وَلَيْسَ هُوَ بِالْقَوِيِّ. (ش) ساق المصنف هذا لبيان أن الحديث رواه سعيد بن الحكم بن محمد بن أبى مريم عن يحيى بن أيوب كما رواه عنه عمرو بن الربيع غير أنهما اختلفا فابن أبى مريم ذكر في سنده عبادة ابن نسى وأسقط أيوب بن قطن وزاد في حديثه "حتى بلغ سبعا" وعمرو بن الربيع ذكر في سنده أيوب بن قطن وأسقط عبادة ولم يذكر في روايته "حتى بلغ سبعا" و (عبادة بن نسيّ) هو الكندى الشامى أبو عمرو. روى عن عبادة بن الصامت ومعاوية بن أبى سفيان وأبى سعيد الخدرى وأبى موسى الأشعرى وآخرين. وعنه برد بن سنان والمغيرة بن زياد ومكحول. وثقه أحمد وابن معين والنسائى وابن سعد والعجلى وابن نمير. توفى سنة ثمانى عشرة ومائة. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (قوله قال فيه الخ) أى في الحديث المذكور مستزيدا في سؤاله يوما بعد يوم حتى بلغ سبعة أيام ثم قال له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد أن أقرّه على السبعة امسح ما بدا لك يعنى امسح على الخفين في الأيام التي تريد المسح فيها من غير تحديد. وهذا التعليق وصله الطحاوى في شرح معاني الآثار قال حدثنا ابن أبى داود قال ثنا ابن أبى مريم قال أنا يحيى بن أيوب قال حدثنى عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد بن أبى زياد عن عبادة ابن نسىّ عن أبىّ بن عمارة وصلى مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم القبلتين أنه قال يا رسول الله أمسح على الخفين قال نعم قال يوما يا رسول الله قال نعم ويومين قال ويومين يا رسول الله قال نعم وثلاثة قال وثلاثة يا رسول الله قال نعم حتى بلغ سبعا ثم قال امسح ما بدالك. ووصله البيهقي أيضا بسنده إلى سعيد بن أبى مريم عن يحيى بن أيوب قال حدثنى عبد الرحمن ابن رزين عن محمد بن يزيد بن أبى زياد عن عبادة بن نسي عن أبىّ بن عمارة قال صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بيت عمارة القبلتين وقال يا رسول الله أمسح على الخفين قال نعم قال يوما قال نعم قال ويومين قال ويومين قال وثلاثا يا رسول الله قال نعم حتى عدّ سبعا ثم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نعم ما بدا لك هكذا في روايتنا وقيل

باب المسح على الجوربين

عن ابن أبى مريم في هذا الإسناد عن عبد الرحمن بن يزيد وقد قيل في هذا الإسناد غير هذا اهـ (والحديث) يدلّ بروايتيه على عدم التوقيت في المسح لكن فيه اختلاف واضطراب كما ذكره المصنف بقوله وقد اختلف في إسناده أى اختلف في إسناد هذا الحديث على يحيى بن أيوب فأخرجه المصنف والبيهقى من طريق عمرو بن الربيع عن يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد عن أيوب بن قطن عن أبىّ بن عمارة وأخرجه المصنف والطحاوى والبيهقى من طريق ابن أبى مريم ورواه الدارقطنى والبيهقى والطحاوى من طريق سعيد بن عفير عن يحيى ابن أيوب عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد عن أيوب بن قطن عن عبادة بن نسىّ عن أبىّ بن عمارة ورواه ابن ماجه من طريق عبد الله بن وهب عن يحيى بن أيوب بنحو رواية سعيد بن عفير ورواه ابن عساكر في الأطراف من طريق يحيى بن إسحاق السيلحينى عن يحيى بن أيوب كرواية عمرو بن الربيع، وقد أشار المصنف إلى هذا على ما في بعض النسخ بقوله "ورواه ابن أبى مريم ويحيى بن إسحاق السيلحينى عن يحيى بن أيوب وقد اختلف في إسناده" (قوله وليس بالقوىّ) وفي بعض النسخ وليس هو بالقوى أى ليس إسناد هذا الحديث قويا لضعف بعض رجاله، ويحتمل أن اسم ليس عائد على الحديث أى ليس هذا الحديث قويا بل ضعيف لاضطراب سنده قال الدارقطني والبيهقى إسناد لا يثبت وقد اختلف فيه على يحيى بن أيوب اختلافا كثيرا وعبد الرحمن ومحمد بن يزيد وأيوب بن قطن مجهولون اهـ (وفى العينى) قال أبو حاتم محمد بن يزيد مجهول ويحيى بن أيوب مختلف فيه وهو ممن عيب على مسلم في إخراح حديثه وقال عبد الغنى لم يرو أبيّ بن عمارة إلا حديثا واحدا وفي إسناده ضعف وجهالة واضطراب وقال أبو زرعة سمعت أحمد بن حنبل يقول حديث أبىّ بن عمارة ليس بمعروف الإسناد اهـ وقال الحافظ في التلخيص ضعفه البخارى فقال لا يصح وقال أبو زرعة الدمشقى عن أحمد رجاله لا يعرفون وقال ابن حبان لست أعتمد على إسناد خبره، وقال أبو الفتح الأزدى هو حديث ليس بالقائم وقال ابن عبد البرّ لا يثبت وليس له إسناد قائم، ونقل النووى في شرح المهذب اتفاق الأئمة على ضعفه. قال الحافظ ابن حجر وبالغ الجوزقانى فذكره في الموضوعات (باب المسح على الجوربين) تثنية جورب بفتح الجيم ما يصنع من قطن أو كتان أو صوف على هيئة الخفّ (قال) في اللسان الجورب لفافة الرجل معرّب وجمعه جواربة زادوا الهاء للعجمة ويجمع أيضا على جوارب اهـ مختصرا (وقال) الدهلوى الجورب خفّ يلبس على الخفّ إلى الكعب للبرد ولصيانة الخفّ الأسفل من الدرن والغسالة (وقال) العينى الجورب هو الذى يلبسه أهل البلاد الشامية الشديدة البرد وهو يتخذ من غزل الصوف المفتول يلبس في القدم إلى ما فوق الكعب اهـ ولعل

الاختلاف في تفسيره ناشئ من اختلاف اصطلاح أهل الجهات فيه (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ الْأَوْدِيِّ عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، وَالنَّعْلَيْنِ». (ش) (رجال الحديث) (قوله وكيع) بن الجرّاح (قوله عن أبى قيس) هو عبد الرحمن بن ثروان الكوفي. روى عن عكرمة وعمرو بن ميمون وهزيل بن شرحبيل وشريح القاضى. وعنه أبو إسحاق السبيعى والأعمش والثورى وشعبة وغيرهم قال الدارقطنى والعجلى وابن معين ثقة وقال أبو حاتم ليس بقوى قليل الحديث وليس بحافظ قيل له كف حديثه فقال صالح هو لين الحديث وذكره العقيلى في الضعفاء وقال النسائى ليس به بأس وقال أحمد يخالف في أحاديث. توفي سنة عشرين ومائة. روى له الجماعة إلا مسلما و (الأودى) بفتح الهمزة وسكون الواو منسوب إلى أود بن صعب بن أسعد (قوله هزيل) بالتصغير (ابن شرحبيل) بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة وكسر الموحدة وسكون المثناة التحتية الأودى الكوفى، روى عن أخيه أرقم وابن مسعود وأبى ذرّ وعلى وطلحة. وعنه أبو قيس والبغوى والشعبي وطلحة بن مصرّف. وثقه العجلى والدارقطني وقال ابن سعد من الطبقة الأولى من الكوفيين وكان ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له الجماعة إلا مسلما (معنى الحديث) (قوله ومسح على الجوربين والنعلين) أى مسح على النعلين والجوربان تحتهما قاصدا مسح الجوربين لا النعلين فكان مسحه على الجوربين هو الذى تطهر به وأما مسحه على النعلين ففضل، والنعلان تثنية نعل وهو الحذاء وجمعه انعال بالكسر وأنعل، والنعل خلاف الخفّ لغة وعرفا (قال) ابن العربى النعل لباس الأنبياء وإنما اتخذ الناس غيره لما في أرضهم من الطين وكانت نعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليس فيها شعر ولها قبالان "فعن" عبيد ببن جريج أنه قال لابن عمر رأيتك تلبس النعال السبتية قال إنى رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها فأنا أحبّ أن ألبسها. وعن قتادة قلت لأنس بن مالك كيف كان نعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لهما قبالان. وعن ابن عباس قال كان لنعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبالان مثنى شراكهما. والقبالان تثنية قبال وهو السير الذى بكون في مقدّم النعل ليجعل بين أصابع الرجل ويربط بالشراك وهو السير الذى يجعل على ظهر

مذاهب الأئمة في المسح عليهما

القدم. وذكر ابن الجوزى أنه كان لنعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سيران يضع أحدهما بين إبهام رجله والتي تليها ويضع الأخرى بين الوسطى والتى تليها ويجمع السيرين إلى السير الذى على وجه قدمه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المعروف بالشراك كذا في شرح شمائل الترمذى (وفى هذا) دليل على مشروعية المسح على الجوربين حال لبس النعلين ولا دليل فيه على جواز مسح النعلين فقط (وقال) ابن القيم في تهذيب السنن قال البيهقي وتأوّل أبو الوليد حديث المسح على الجوربين على أنه مسح جوربين منعلين لا أنه مسح على جورب على انفراد ونعل على الانفراد (قلت) والظاهر أنه مسح على الجوربين الملبوس عليهما نعلان منفصلان فإنه فصل بينهما وجعلهما شيئين ولو كانا جوربين منعلين لقال مسح على الجوربين المنعلين وأيضا فإن الجلد الذى في أسفل الجورب لا يسمى نعلا في لغة العرب. وأيضا المنقول عن عمر بن الخطاب أنه مسح على سيور النعل التي على ظاهر القدم مع الجورب وأما أسفله وعقبه فلا. وأيضا فإن تجليد أسافل الجوربين لا يخرجهما عن كونهما جوربين ولا يؤثر اشتراط ذلك في المسح، وأىّ فرق بين أن يكونا مجلدين أو غير مجلدين اهـ (وقد اختلف) العلماء في المسح على الجوربين فذهبت الحنفية وأحمد وإسحاق بن راهويه والثورى وابن المبارك إلى جواز المسح عليهما سواء أكانا مجلدين أم منعلين أم ثخينين (وذهبت) المالكية إلى جواز المسح عليهما بشرط أن يكونا مجلدين من أعلاهما وأسفلها. والمنعل ما وضع الجلد على أسفله فقط، والثخين ما يثبت على الساق من غير ربط ولا يرى ما تحته قالوا لأنه يمكن متابعة المشى فيه والرخصة لأجله فصار كالخفّ (وكان) أبو حنيفة لا يجوّز المسح على الثخين ثم رجع إلى الجواز قبل موته بثلاثة أيام وقيل بسبعة ومسح على جوربيه الثخينين في مرضه وقال لعوّاده فعلت ما كنت أنهي الناس عنه (واضطربت) أقوال الشافعية فمنهم من اشترط كونه مجلدا أو منعلا (ومنهم) من اشترط كونه صفيقا يمكن متابعة المشى فيه (قال) النووى والصحيح بل الصواب ما ذكره أبو الطيب والقفال وجماعات من المحققين أنه إن أمكن متابعة المشى فيه جاز كيف كان وإلا فلا اهـ وقوله كيف كان أى سواء أكان مجلدا أم منعلا أم لم يكن كذلك (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية المسح على الجوربين حال لبس النعلين (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الطحاوى وابن ماجه والترمذى وقال حديث حسن صحيح ورواه الطبرانى أيضا من طريق ابن أبى شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمسح على الخفين والجوربين اهـ وقد ضعف الحديث غير واحد من الفقهاء والمحدّثين ومنهم المصنف

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: لَا يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عَنِ الْمُغِيرَةِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ. (ش) أى كان عبد الرحمن ابن مهدى لا يحدّث بحديث المغيرة في المسح على الجوربين لأن المعروف عن المغيرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح على الخفين (وردّ) بأن هذا لا ينافي ثبوت مسحه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الجوربين فالمغيرة رآه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح على الخفين في وقت فرواه ورآه يمسح على الجوربين في وقت آخر فرواه أيضا. كيف وقد أخرج حديث المسح على الجوربين بسند المؤلف الطحاوى وابن ماجه والترمذى وقال حديث حسن صحيح (قال) البيهقى في المعرفة أما المسح على الجوربين فقد روى أبو قيس الأودى عن هزيل ابن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح على جوربيه ونعليه وذاك حديث منكر ضعفه سفيان الثورى وعبد الرحمن بن مهدى وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلى ابن المدينى ومسلم بن الحجاج، والمعروف عن المغيرة حديث المسح على الخفين وأخرجه في سننه الكبرى من طريق أبي محمد يحيى بن منصور وقال قال أبو محمد رأيت مسلم بن الحجاج ضعف هذا الخبر وقال أبو قيس الأودى وهزيل بن شرحبيل لا يحتملان وخصوصا مع مخالفتهما الأجلة الذين رووا هذا الخبر عن المغيرة فقالوا مسح على الخفين وقال لا يترك ظاهر القرآن بمثل أبى قيس وهزيل فذكرت هذه الحكاية عن مسلم لأبي العباس محمد ابن عبد الرحمن الدغولى فسمعته يقول سمعت على بن مخلد بن شيبان يقول سمعت أبا قدامة السرخسي يقول قال عبد الرحمن بن مهدى قلت لسفيان الثورى لو حدثتنى بحديث أبى قيس عن هزيل ما قبلته منك فقال سفيان الحديث ضعيف ثم أسند البيهقي عن أحمد بن حنبل قال ليس يروى هذا الحديث إلا من رواية أبى قيس الأودى، وأَبَى عبد الرحمن بن مهدى أن يحدّث بهذا الحديث وقال هو منكر، وأسند البيهقى أيضا عن يحيى بن معين قال الناس كلهم يروونه على الخفين غير أبى قيس، وأسند أيضا عن على ابن المدينى قال حديث المغيرة بن شعبة في المسح رواه عن المغيرة أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة ورواه هزيل بن شرحبيل عن المغيرة إلا أنه قال ومسح على الجوربين وخالف الناس اهـ (وأجاب) عنه ابن دقيق، العيد بأن من يصححه يعتمد بعد تعديل أبى قيس على كونه ليس مخالفا لرواية الجمهور مخالفة معارضة بل هو أمر زائد على ما رووه ولا يعارضه ولا سيما وهو طريق مستقل برواية هزيل عن المغيرة ولم يشارك المشهورات في سندها (وقال) ابن المنذر يروى المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب النبى صلى الله تعالى

عليه وعلى آله وسلم علىّ وعمارة وأبى مسعود الأنصارى وأنس وابن عمر والبراء وبلال وعبد الله بن أبى أوفى وسهل بن سعد وزاد أبو داود أبا أمامة وعمرو بن حريث وعمر وابن عباس فهؤلاء ثلاثة عشر صحابيا، والعمدة في الجواز على هؤلاء لا على حديث أبى قيس مع أن المنازعين في المسح متناقصون فإنهم لو كان هذا الحديث من جانبهم لقالوا هذه زيادة والزيادة من الثقة مقبولة ولا يلتفتون إلى ما ذكروه هاهنا من تفرّد أبى قيس فإذا كان الحديث مخالفا لهم أعلوه بتفرّد راويه ولم يقولوا زيادة الثقة مقبولة كما هو موجود في تصرّفاتهم، والإنصاف أن تكتال لمنازعك بالصاع الذى تكتال به لنفسك فإن في كل شئ وفاء وتطفيفا ونحن لا نرضى بهذه الطريقة (وأجيب) عن قول مسلم لا يترك ظاهر القرآن بمثل أبى قيس وهزيل بجوابين (أحدهما) أن ظاهر القرآن لا ينفى المسح على الجوربين كما لا ينفى المسح على الخفين (الثاني) أن الذين سمعوا القرآن من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعرفوا تأويله مسحوا على الجوربين وهم أعلم الأمة بظاهر القرآن ومراد الله منه أفاده ابن القيم (وقال) في الجوهر النقى هذا الخبر "يعني حديث الباب" صححه ابن حبان وقال الترمذى حسن صحيح وأبو قيس عبد الرحمن بن ثروان وثقه ابن معين وقال العجلي ثقة ثبت وهزيل وثقه العجلى وأخرج لهما معا البخارى في صحيحه ثم إنهما لم يخالفا الناس مخالفة معارضة بل رويا أمرا زائدا على ما رواه بطريق مستقلّ غير معارض فيحمل على أنهما حديثان ولهذا صحح الحديث كما مرّ (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرُوِيَ هَذَا الحديث عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَلَيْسَ بِالْمُتَّصِلِ وَلَا بِالْقَوِيِّ. (ش) أراد المصنف بذكر هذا وما بعده تقوية القول بجواز المسح على الجوربين، وحديث أبى موسى الأشعرى عبد الله بن قيس أخرجه ابن ماجه والبيهقى والطحاوى بسندهم إلى معلى ابن منصور قال ثنا عيسى بن يونس عن أبى سنان عن الضحاك بن عبد الرحمن عن أبى موسى الأشعرى أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ ومسح على جوربيه ونعليه قال ابن ماجه قال المعلى في حديثه لا أعلمه إلا قال والنعلين اهـ وهذا يردّ على من أوّل الحديث بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح على جوربين منعلين لأن الحديث ورد بالعطف وهو يقتضى المغايرة فلفظه بعيد عن هذا التأويل وأخرجه أيضا الطبراني والعقيلى في كتاب الضعفاء وأعله بعيسى بن سنان لضعفه وقال البيهقى والضحاك بن عبد الرحمن لم ثبت سماعه من أبى موسى وعيسى بن سنان ضعيف لا يحتج به اهـ (قوله وليس بالمتصل) أى ليس هذا الحديث بمتصل سنده لأن الضحاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعه من أبي موسى

ثبوت المسح عليهما عن تسعة من الصحابة

والمتصل ما سلم إسناده من سقوط أىّ راو كان كما تقدّم، ودعوى عدم الاتصال معارضة بما قاله عبد الغنى في الكمال الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب سمع أباه وأبا موسى الأشعرى وأبا هريرة اهـ وأيضا فإنه يتمشى على مذهب من يشترط في الاتصال ثبوت السماع وقد تقدّم ما فيه (قوله ولا بالقوى) أى ليس الحديث بالقوىّ لأن في سنده عيسى بن سنان وهو ضعيف ضعفه أحمد وابن معين وقال أبو حاتم ليس بالقوىّ وقال البيهقى لا يحتج به، وردّ بأن العجلى قال لا بأس به وقال عبد الغنى عيسى بن سنان قال يحيى بن معين ثقة (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَبُو أُمَامَةَ، وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله تعالى عنهم أجمعين (ش) أشار المصنف بذلك إلى ما ورد من الآثار عن بعض الصحابة في المسح على الجوربين وأن العمدة فيه على هذه الآثار لا على حديث أبي قيس وحده (أما أثر) على بن أبى طالب فقد أخرجه البيهقى وعبد الرزاق في مصنفه قال أخبرنى الثورى عن الزبرقان عن كعب بن عبد الله قال رأيت عليا بال فسح على جوربيه ونعليه ثم قام يصلى (وأما أثر) ابن مسعود فرواه عبد الرزاق أيضا قال أخبرنا معمر عن الأعمش عن إبراهيم أن ابن مسعود كان يمسح على خفيه وعلى جوربيه. وفى نسخة وأبو مسعود بدل ابن مسعود وهو عقبة بن عمرو. وأثره أخرجه عبد الرزاق قال أخبرنا الثورى عن منصور عن خالد بن سعد قال كان أبو مسعود الأنصارى يمسح على جوربين له من شعر ونعليه. وأخرجه البيهقى من طريق شعبة عن منصور بنحوه (وأما أثر) البراء بن عازب فرواه عبد الرزاق أيضا قال أخبرنا الثورى عن الأعمش عن إسماعيل ابن رجاء عن أبيه قال رأيت البراء بن عازب يمسح على جوربيه ونعليه. وأخرجه البيهقى من طريق ابن نمير عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال رأيت البراء بن عازب بال ثم توضأ فمسح على الجوربين والنعلين ثم صلى (وأما أثر) أنس فقد أخرجه البيهقى من طريق الثورى عن الأعمش أظنه عن سعيد بن عبد الله قال رأيت أنس بن مالك أتي الخلاء فتوضأ ومسح على قلنسية بيضاء مزرورة وعلى جوربين أسودين مرعزين. وأخرجه عبد الرزاق من طريق معمر عن قتادة عن أنس أنه كان يمسح على الجوربين (وأما أثر) أبى أمامة (صدىّ بن عجلان) وسهل ابن سعد وعمرو بن حريث فلم نقف على من وصلها (قوله وروى ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس) أما أثر عمر فرواه أبو بكر بن أبى شيبة قال حدثنا وكيع عن أبي حباب عن أبيه عن خلاس بن

باب أي في المسح على النعلين

عمرو أن عمر توضأ بأجمعه ومسح على جوربيه ونعليه (وأما أثر) ابن عباس فلم نقف عليه (فتحصل) أن المصنف قد ذكر أن المسح على الجوربين روى عن تسعة من الصحابة. وروى أيضا عن عمار وبلال وعبد الله بن أبي أوفي وابن عمر (وقد نص) أحمد بن حنبل على جواز المسح على الجوربين وعلل رواية أبى قيس، وهذا إنصاف منه رحمة الله تعالى، وعمدته على هؤلاء الصحابة وصريح القياس فإنه لا يظهر بين الجوربين والخفين فرق مؤثر يصح أن يحال الحكم عليه، وقد روى أيضا عن إسحاق وابن المبارك والثورى وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعى والحسن البصرى وآخرين (باب) بالتنوين أى في بيان المسح على النعلين كما ترجم به البيهقى والطحاوى. وفي بعض النسخ إسقاط لفظ باب (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، وَعَبَّادُ بْنُ مُوسَى، قَالَا: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ - قَالَ عَبَّادٌ - أَخْبَرَنِي أَوْسُ بْنُ أَبِي أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ، «أَنه رأى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى كظامة قوم فتَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ وَقَدَمَيْهِ»، وَقَالَ عَبَّادٌ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَتَى كِظَامَةَ قَوْمٍ - يَعْنِي الْمِيضَأَةَ - وَلَمْ يَذْكُرْ مُسَدَّدٌ الْمِيضَأَةَ وَالْكِظَامَةَ ثُمَّ اتَّفَقَا فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ وَقَدَمَيْهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عباد بن موسى) أبو محمد الختلى الأنبارى. روى عن إبراهيم بن سعد وطلحة بن يحيى وإسماعيل بن جعفر وهشيم بن بشير وغيرهم. وعنه البخارى ومسلم والبزار وأبو داود وأبو زرعة وآخرون. وثقه ابن معين وصالح بن محمد وأبو زرعة وقال الدارقطني صدوق. مات سنة ثلاثين ومائتين (قوله يعلى بن عطاء) القرشي العامرى الطائفى نزل واسط. روى عن أبيه وأبى علقمة ووكيع بن عدس وأوس بن أبى أوس وعمرو ابن الشريد وغيرهم. وعنه الثورى وهشيم بن بشير وشعبة وأبو عوانة وآخرون. قال أبو حاتم صالح الحديث ووثقه ابن معين والنسائى وابن حبان وابن سعد. روى له أبو داود والترمذى والنسائى. مات سنة عشرين ومائة بواسط (قوله عن أبيه) هو عطاء العامرى الطائفى. روى عن أوس بن أبى أوس وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن عباس. وعنه ابنه يعلى، وثقه ابن حبان

أقوال العلماء في معنى مسحه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على النعلين

وقال ابن القطان مجهول الحال ما روى عنه غير ابنه يعلى وتبعه الذهبى في الميزان. روى له أبو داود والترمذى والنسائى (قوله قال عباد الخ) أى قال عباد بن موسى أحد شيخى المؤلف في روايته قال عطاء العامرى أخبرنى أوس الخ أما رواية مسدد عن عطاء عن أوس فلم يبين المصنف أنها بالإخبار أو بغيره (قوله أوس بن أبى أوس) اسمه حذيفة بن ربيعة بن أبي سلمة بن عمير بن عوف وذهب ابن معين والبخارى في تاريخه وابن حبان وأبو داود إلى أنه أوس بن أوس لكن قال ابن حجر في الإصابة التحقيق أنهما اثنان ومن قال إنهما واحد فقد أخطأ اهـ وقال أحمد في مسنده أوس بن أبى أوس الثقفى وهو أوس بن حذيفة اهـ، روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعلىّ بن أبى طالب. وعنه ابنه عمر والنعمان بن سالم وعطاء العامرى، روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه. توفي سنة تسع وخمسين و (الثقفى) بفتح الثاء المثلثة والقاف نسبة إلى ثقيف أبى قبيلة من هوازن (معنى الحديث) (قوله ومسح) عطف على توضأ من عطف الجزء على الكل وفائدته التنبيه على جواز المسح على النعلين ولعل المراد بالقدمين الجوربان فيكون فيه إطلاق اسم الحال على المحلّ والمعنى أنه مسح على الجوربين والنعلين فيكون موافقا للحديث الذى قبله (قال) ابن رسلان هذه الرواية محمولة على الرواية التى قبلها أنه مسح على الجوربين والنعلين ولعل المراد بالمسح على القدمين المسح على الجوربين اهـ وقال ابن قدامة الظاهر أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما مسح على سيور النعل التى على ظاهر القدم فعلى هذا يكون المراد مسح على سيور نعليه وظاهر الجوربين اللتين فيهما قدماه اهـ (وقال) العينى قوله ومسح على نعليه وقدميه ظاهره يقتضى جواز المسح على النعلين والقدمين لكن المراد منه أنه كان في الوضوء التطوّع لا في الوضوء من حدث يؤيده ما أخرجه ابن خزيمة في صحيحه وترجم عليه باب ذكر الدليل على أن مسح النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على النعلين كان في وضوء تطوّع لا من حدث عن سفيان عن السدّى عن عبد خير عن علىّ رضى الله تعالى عليه عنه أنه دعا بكوز من ماء ثم توضأ وضوءا خفيفا ومسح على نعليه ثم قال هكذا وضوء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للطاهر ما لم يحدث. وقال ابن حبان في صحيحه هذا إنما كان في الوضوء النفل ثم استدلّ عليه بحديث أخرجه عن النزّال بن سبرة عن علىّ أنه توضأ ومسح برجليه وقال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل كما فعلت وهذا وضوء من لم يحدث. وقال البيهقى معنى مسح على نعليه أى غسلهما في النعل وهذا أيضا جواب حسن لأنا قد ذكرنا أن المسح قد يجئ بمعنى الغسل، وجواب آخر أن الذى نقل عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه غسل رجليه جمّ غفير والذى نقل عنه أنه مسح على

نعليه عدد قليل والقضية واحدة والعدد الكثير أولى بالحفظ من العدد اليسير مع فضل من حفظ على من لم يحفظ اهـ كلام العينى (وقال) الطحاوى بعد تخريج الحديث فذهب قوم إلى المسح على النعلين كما يمسح على الخفين وقالوا قد شدّ ذلك ما روى بسنده عن أبى ظبيان أنه رأى عليا بال قائما ثم دعا بماء فتوضأ ومسح على نعليه ثم دخل المسجد فخلع نعليه ثم صلى، وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا نرى المسح على النعلين وكان من الحجة لهم في ذلك أنه قد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح على نعلين تحتهما جوربان وكان قاصدا بمسحه ذلك إلى جوربيه لا إلى نعليه وجورباه مما لو كانا عليه بلا نعلين جاز له أن يمسح عليهما فكان مسحه ذلك مسحا أراد به الجوربين فأتى ذلك على الجوربين والنعلين فكان مسحه على الجوربين هو الذى تطهر به ومسحه على النعلين فضل، وقد بين ذلك ما حدثنا علىّ بن معبد بسنده عن أبى موسى أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح على جوربيه ونعليه، وكذلك أخرجه بسنده عن المغيرة بن شعبة عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمثله، فأخبر أبو موسى والمغيرة عن مسح النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على نعليه كيف كان منه، وقد روى عن ابن عمر في ذلك وجه فأخرجه بسنده عن نافع ابن عمر كان إذا توضأ ونعلاه في قدميه مسح على ظهور قدميه بيديه ويقول كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصنع هكذا فأخبر ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد كان في وقت ما كان يمسح على نعليه يمسح على قدميه، فقد يحتمل أن يكون ما مسح على قدميه هو الفرض وما مسح على نعليه كان فضلا فحديث ابن أبى أوس يحتمل عندنا ما ذكر فيه عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من مسحه على نعليه أن يكون كما قال أبو موسى والمغيرة أو كما قال ابن عمر فإن كان كما قال أبو موسى والمغيرة فإنا نقول بذلك لأنا لا نرى بأسا بالمسح على الجوربين إذا كانا ضفيقين قد قال ذلك أبو يوسف ومحمد، وأما أبو حنيفة فإنه كان لا يرى ذلك حتى يكونا صفيقين ويكونا مجلدين فيكونان كالخفين وإن كان كما قال ابن عمر فإن في ذلك إثبات المسح على القدمين فقد ثبت ذلك فعلى أىّ المعنيين كان وجه الحديث فليس في ذلك ما يدل على جواز المسح على النعلين اهـ ملخصا (قوله وقال عباد الخ) أى قال عباد في روايته قال أوس بن أبى أوس رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتى كظامة قوم بكسر الكاف وفتح الظاء المعجمة المخففة هي كالقناة وجمعها كظائم (قال) في اللسان هي آبار متناسقة تحفر ويباعد ما بينها ثم يخرق ما بين كل بئرين بقناة تؤدّى الماء من الأولى إلى التى تليها تحت الأرض فتجتمع مياهها جارية ثم يخرح عند منتهاها فيسيح على وجه الأرض وإنما ذلك من عوز الماء ليبقى في كل بئر ما يحتاج إليه أهلها للشرب وسقى الأرض ثم يخرح فضلها إلى التى تليها فهذا معروف عند أهل

الحجاز وقيل الكظامة السقاية (قوله يعني الميضأة) هذا التفسير لأحد الرواة غير مسدد وعباد، والميضأة بكسر الميم وسكون المثناة التحتية وهمزة مقصورة وقد تمدّ مطهرة كبيرة معدّة للوضوء منها ولم نجد في كتب اللغة التي بين أيدينا أن الكظامة تطلق على الميضأة ولعلّ الراوى فسرها بالميضأة لقرينه قامت عنده على ذلك (قوله ثم اتفقا) أى عباد ومسدد في بقية ألفاظ الحديث (والحاصل) أن مسددا وعبادا قد اختلفا في هذا الحديث في ثلاثة مواضع (الأول) لفظ أخبرني أوس ففى رواية عباد أخبرني بصيغة الإخبار وليس ذلك في رواية مسدد (الثاني) في سياق روايتهما للحديث فرواية عباد رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ورواية مسدد أنه رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (الثالث) زيادة جملة أتي على كظامة قوم يعني الميضأة فهى مذكورة في رواية عباد دون رواية مسدد فرواية مسدد عن أوس بن أبى أوس الثقفي أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ ومسح على نعليه وقدميه ورواية عباد أخبرنى أوس بن أبى أوس الثقفى رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتى على كظامة قوم يعنى الميضأة فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والطحاوى في شرح معاني الآثار وأبو بكر بن أبى شيبة والبيهقى وقال رواه حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن أوس الثققى أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ ومسح على نعليه وهو منقطع (أخبرناه) أبو بكر بن فورك أنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود الطيالسى ثنا حماد بن سلمة فذكره وهذا الإسناد غير قوىّ وهو يحتمل ما احتمل الحديث الأول من أن المراد به غسل الرجلين في النعلين (وهذا) الحديث فيه اضطراب سندا ومتنا (أما) سندا فقد اختلف على يعلى بن عطاء فروى هشيم عن يعلى بن عطاء عن أبيه عطاء عن أوس بن أبى أوس الثققى كما في رواية المصنف وأحمد بن حنبل ورواه حماد بن سملة وشريك عن يعلى بن عطاء عن أوس بن أبى أوس عن أبيه كما في رواية الطحاوى وأبى بكر بن أبى شيبة ورواية للبيهقى (وأما) متنا ففى رواية هشيم قال أوس ابن أبى أوس رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ ومسح على نعليه وقدميه أخرجه المصنف. وفي رواية حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن أوس بن أبى أوس قال رأيت أبى توضأ ومسح على نعلين له فقلت له أتمسح على النعلين فقال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمسح على النعلين أخرجه الطحاوى. وأما شريك فقد اختلف عليه فروى محمد بن سعيد قال ثنا شريك عن يعلى بن عطاء عن أوس بن أبى أوس قال كنت مع أبى في سفر فنزلنا بماء من مياه الأعراب فبال فتوضأ ومسح على نعليه فقلت له أتفعل هذا فقال ما أزيدك على ما رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعل أخرجه الطحاوى في شرح

باب كيف المسح

معانى الآثار. وروى أبو بكر بن أبى شيبة في مسنده حدثنا شريك عن يعلى بن عطاء عن ابن أبى أوس عن أبيه قال مررنا على ماء من مياه الأعراب قال فقام أبى أوس بن أوس فبال وتوضأ ومسح على خفيه فقلت له ألا تخلعهما قال لا أزيدك على ما رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعله (باب كيف المسح) أى في بيان كيفية المسح على الخفين (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: ذَكَرَ أَبِي، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ»، وَقَالَ غَيْرُ مُحَمَّدٍ: «عَلَى ظَهْرِ الْخُفَّيْنِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عبد الرحمن بن أبى الزناد) بكسر الزاى وتخفيف النون ابن ذكوان القرشى المدنى مولاهم. روى عن أبيه وموسى بن عقبة وهشام بن عروة والأوزاعى. وعنه ابن جريج وزهير بن معاوية والوليد بن مسلم وكثيرون. قال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به وقال ابن المدينى ما حدّث بالعراق مضطرب وما حدّث بالمدينة فهو صحيح وقال يعقوب بن شيبة ثقة صدوق فيه ضعف وضعفه أحمد والساجي ووثقه الترمذى والعجلى. توفي ببغداد سنة أربع وسبعين ومائة وهو ابن أربع وسبعين. روى له البخارى استشهادا وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (قوله ذكر أبى) وفي بعض النسخ ذكره أى روى الحديث أبى عبد الله بن ذكوان (معنى الحديث) (قوله وقال غير محمد الخ) أى لم يذكر محمد بن الصباح في روايته أن المسح كان على أعلى الخفّ فقط أو مع أسفله وذكر غيره أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح الأعلى، ومراده بالغير على بن حجر ففى الترمذى حدثنا على بن حجر ثنا عبد الرحمن ابن أبى الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة بن شعبة قال رأيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمسح على الخفين على ظاهرهما وقال حديث حسن وقد روى مسح الأعلى من طرق أخرى عن المغيرة منها ما سيأتى آخر الباب (ومنها) ما أخرجه ابن أبى شيبة في مصنفه بسنده إلى المغيرة بن شعبة قال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بال ثم جاء حتى توضأ ومسح على خفيه ووضع يده اليمنى على خفه الأيمن ويده اليسرى على خفه

أقوال الأئمة في القدر الواجب في المسح على الخفين وصفة المسح زيادة على ما تقدم

الأيسر ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة حتى أنظر إلى أصابع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الخفين (ومنها) ما أخرجه الدارقطنى بسنده إلى ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة بن شعبة قال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح على ظهر الخفين (ومنها) ما أخرجه البيهقى من طريق أبى داود الطيالسى بسنده إلى المغيرة بن شعبة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح على ظاهر خفيه تم قال وكذلك رواه إسماعيل بن موسى عن ابن أبى الزناد ورواه سليمان بن داود الهاشمى ومحمد بن الصباح وعلى بن حجر عن ابن أبى الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة (واختلف) في القدر الواجب من المسح وفيما يسنّ منه (فذهبت) المالكية في المشهور عنهم إلى أنه يجب مسح جميع أعلاه إلى الكعبين ويسنّ مسح أسفله (وقال) ابن نافع وابن عبد الحكم يجب مسح أعلاه وأسفله لأنه موضع من الخفّ يحاذى المغسول من القدم فوجب مسحه كالظاهر (وقال) أشهب الفرض مسح أسفل الخفّ وإن مسحه دون ظاهره أجزأه (وكيفية) المسح المسنونه عندهم أن يضع يده اليمنى على أطراف أصابع رجله اليمنى من الأعلى ويده اليسرى تحت أطراف الأصابع من الأسفل ويمرّها إلى الكعبين وفي اليسرى يضع اليد اليمنى تحت القدم من أطراف الأصابع واليسرى من فوقها (وذهبت) الشافعية إلى أن الواجب مسح جزء من ظاهر أعلى الخفّ من محلّ الفرض وهو المشهور في المذهب (وقال) أبو إسحاق المروزى يجزئُ مسح الأسفل وضعفه النووى. وقالوا يسنّ مسح أعلاه وأسفله خطوطا. والأفضل أن يضع كفه اليسرى تحت عقب الخفّ وكفه اليمنى على أطراف أصابعه ثم يمرّ اليمنى إلى ساقه واليسرى إلى أطراف أصابعه واختلفوا في العقب فقيل يسنّ مسحه وهو المعتمد (وقالت) الحنفية الواجب مسح قدر ثلاثة أصابع من أصغر أصابع اليد من ظاهر أعلى الخفّ من كل رجل. وقالوا لا يسنّ المسح على باطن الخفّ وعقبه وجوانبه، وكيفية المسح المستحبة عندهم أن يضع أصابع يمينه على مقدّم خفه الأيمن وأصابع يساره على مقدّم خفه الأيسر ويمرّهما إلى أصل الساق فوق الكعبين وإن وضع الكفّ مع الأصابع كان أحسن وأن يكون المسح خطوطا (وقالت) الحنابلة الواجب مسح أكثر أعلاه فلا يجزئُ مسح أسفله وعقبه بدلا من مسح أعلاه ولا يسنّ مسحهما معه ويسنّ أن يكون المسح باليد اليسرى مفرّجة الأصابع مبتدئا من رءوس أصابع الرجل منتهيا إلى الساق (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية المسح على ظهر الخفين في الوضوء (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الترمذى وقال حديث حسن صحيح وأخرجه أحمد وأبو داود الطيالسى والبيهقى من رواية إسماعيل بن موسى ورواه الشافعى في الأمّ عن إبراهيم بن محمد عن ثور

حرص سيدنا علي رضي الله تعالى عنه على اتباع السنة ووقوفه على ما ورد

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، ثَنَا حَفْصٌ يَعْنِي ابْنَ غِيَاثٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ، وَقَدْ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله حفص يعنى ابن غياث) بن طلق بن معاوية الكوفي النخعى روى عن الأعمش وعاصم الأحول والثورى وابن جريح وهشام بن عروة وآخرين. وعنه أحمد وإسحاق وابن معين ويحيى القطان وكثيرون، قال يعقوب بن شيبة ثقة ثبت إذا حدّث من كتابه ويتقى بعض حفظه ووثقه النسائى وابن خراش والعجلى وابن معين وقال ابن سعد كان ثقة مأمونا كثير الحديث يدلس وقال أبو زرعة ساء حفظه فمن كتب عنه من كتابه فهو صالح ولد سنة سبع عشرة ومائة. وتوفي سنة أربع وتسعين ومائة. روى له الجماعة. والعناية من أبى داود والضمير فيها عائد على ابن العلاء (والأعمش) سليمان بن مهران (قوله عن أبى إسحاق) هو عمرو بن عبد الله السبيعى (معنى الحديث) (قوله لو كان الدين بالرأى الخ) أى لو كان مأخذ الأحكام الشرعية مجرّد العقل لكان أسفل الخفّ أولى بالمسح من أعلاه لأن الأسفل يلاقى الأقذار والنجاسات لكن الرأى متروك بالنصّ فلذا كان الواجب مسح الأعلى فقط ولا يجزئُ الاقتصار على الأسفل. والدين لغة الذل والطاعة يقال دانه يدينه أذله، ويطلق على التعبد يقال دان بالإسلام دينا أى تعبد به، ويطلق أيضا على الحساب والجزاء، وشرعا ما شرعه الله على لسان نبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الأحكام. والرأى العقل ويطلق إيضا على التدبر وعلى الاعتقاد والمراد هنا الأول، وأراد الإمام على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بهذا أن يسدّ مدخل الرأى وباب الذرائع لئلا يفسد العامة على أنفسهم دينهم (قال) في المرقاة هو صريح في امتناع مسح الأسفل فتعين أن مراده بظاهر خفيه أعلى ظاهرهما فإذا عرفت هذا فاعلم أن العقل الكامل تابع للشرع لأنه عاجز عن إدراك الحكم الإلهية فعليه بالتعبد المحض بمقتضى العبودية وما ضلّ من ضلّ من الكفرة والحكماء والمبتدعة وأهل الأهواء إلا متابعة العقل وترك موافقة النقل (وقال) أبو حنيفة لو قلت بالرأى لأوجبت الغسل بالبول لأنه نجس متفق عليه والوضوء بالمنىّ لأنه نجس مختلف فيه ولأعطيت الذكر في الإرث نصف الأنثى لكونها أضعف منه اهـ وبذلك تزداد علما ببطلان

ذم البدع والعاملين بها وبيان أنها ليست من الدين

جميع البدع التى شاعت وذاعت وعمت البقاع وعكف عليها غالب الناس وملأ بها بعض متأخرى المؤلفين كتبهم وأحلوها محل سنن نبيهم واستحنوها وقدّموها في العمل على الشرع واعتقد العامة أنها هى الدين الوارد عن الربّ اللطيف وما عقلوا أنهما من ترّهات المتساهلين المخطئين الغافلين عن معرفة الدين ومن ثمّ ضاعت معالم الشرع القويم وبلغ مراده من الضلال والإضلال إبليس الرجيم وغفل أولئك المغرورون الواضعون البدع مكان سنن النبى المختار صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن معنى قوله تعالى "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" رواه أبو داود والترمذى وكذا ابن ماجه وزاد "وكل ضلالة في النار" (إلى) غير ذلك من الآيات والأحاديث الناطقة بأنه لا يتدين إلا بما ورد عن سيد المرسلين صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأن فعل البدع هلاك ومقت من رب العالمين. من أجل ذلك تبرّأت الصحابة والأئمة المجتهدون والسلف الصالح من كل قول أو فعل أو تقرير يخالف قول أو فعل أو تقرير سيد الأولين والآخرين نسأله سبحانه وتعالى أن يهدينا أجمعين (قوله وقد رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) هو كالتعليل لمحذوف وتقدير الكلام لو كان الدين بالرأى لكان أسفل الحفّ أولى بالمسح من أعلاه لكن أسفل الخفّ ليس أولى بالمسح لأني رأيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمسح على ظهر خفيه، وهو يفيد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح على أعلى الخفين فقط. وفي رواية ابن حيوة الآتية أنه صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم مسح أعلى الخفين وأسفلهما. ولا منافاة بينهما فقد كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقتصر على مسح الأعلى أحيانا ويمسح الأعلى والأسفل أحيانا (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز الاكتفاء بمسح أعلى الخف وتقدّم بيانه (من روى الحديث أيضا) رواه الدارقطني والبيهقى قال الحافظ في التلخيص إسناده صحيح وقال في بلوغ المرام إسناده حسن (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الْأَعْمَشِ - بِإِسْنَادِهِ - قَالَ: «مَا كُنْتُ أَرَى بَاطِنَ الْقَدَمَيْنِ إِلَّا أَحَقَّ بِالْغَسْلِ، حَتَّى» رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى ظَهْرِ خُفَّيْهِ " (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن رافع) بن أبى يزيد القشيرى أبو عبد الله

النيسابورى الزاهد. روى عن وكيع وابن عيينة وأبى داود الطيالسى وأبى معاوية الضرير وكثيرين. وعنه الجماعة إلا ابن ماجه وأبو زرعة وأبو حاتم وطائفة، قال البخارى رحمه الله تعالى كان من خيار عباد الله وقال مسلم والنسائى ثقة مأمون وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان ثبتا فاضلا وقال الحاكم هو شيخ عصره بخراسان في الصدق. مات سنة خمس وأربعين ومائتين (وقوله يزيد بن عبد العزيز) بن سياه بكسر السين المهملة بعدها مثناة تحتية آخره هاء ساكنة الكوفى. روى عن أبيه وألاعمش وهشام بن عروة، وعنه أبو نعيم وأبو معاوية الضرير ويحيى بن آدم، وغيرهم، وثقه أحمد وابن معين والدارقطنى وأبو داود. روى له البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى (قوله بإسناده) أى سند الأعمش المذكور في الحديث السابق وهو أبو إسحاق عن عبد خير عن علىّ، وفي بعض النسخ عن الأعمش بإسناده بهذا الحديث (معنى الحديث) (قوله قال ما كنت أرى الخ) أى قال على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ما كنت أرى بضم الهمزة أى أظن وبفتحها بمعنى أعلم أن أسفل القدمين أى الخفين إلا أولى بالغسل أى بالمسح من أعلاهما ففيه إطلاق اسم الحالّ على المحلّ والمفضل عليه محذوف وهذا استثناء من عموم الأحوال والقصر فيه إضافيّ، وإنما كان أسفل الخفين أولى بالمسح عنده لمباشرته الأقذار والأوساخ كما تقدّم نظيره (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ، لَكَانَ بَاطِنُ الْقَدَمَيْنِ أَحَقَّ بِالْمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِمَا، وَقَدْ «مَسَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ عَلَى ظَهْرِ خُفَّيْهِ» (ش) أراد المصنف بذكر هذه الرواية وما قبلها بيان أن الحديث روى من عدّة طرق وفيها بعض اختلاف، منها طريق يزيد بن عبد العزيز عن الأعمش وهو يخالف رواية حفص بن غياث عن الأعمش الأولى حيث ذكر فيه باطن القدمين والغسل، وتقدم أن المراد بالقدمين الخفان وبالغسل المسح كما تدلّ عليه رواية حفص الثانية، وهذه الرواية ساقطة من بعض النسخ (ص) وَرَوَاهُ وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ بِإِسْنَادِهِ قَالَ: كُنْتُ أَرَى أَنَّ بَاطِنَ الْقَدَمَيْنِ أَحَقُّ

بِالْمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِمَا حَتَّى «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَمْسَحُ ظَاهِرِهِمَا»، قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي الْخُفَّيْنِ وَرَوَاهُ عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، كَمَا رَوَاهُ وَكِيعٌ، وَرَوَاهُ أَبُو السَّوْدَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا «تَوَضَّأَ فَغَسَلَ ظَاهِرَ قَدَمَيْهِ»، وَقَالَ: «لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَفْعَلُهُ» وَسَاقَ الْحَدِيثَ (ش) غرض المصنف بذكر هذه التعاليق بيان اختلاف الروايات ففى بعضها المسح وفي بعضها الغسل وفى بعضها ذكر الخفين وفي بعضها ذكر القدمين وأن وكيع بن الجراح بين أن المراد بالقدمين الخفان، ثم بين المصنف أن عيسى بن يونس روى الحديث عن الأعمش كما رواه عنه وكيع، وهذه الرواية لم نجدها فيما تتبعناه من كتب الحديث غير أن البيهقي روى بسنده إلى يونس بن أبى إسحاق عن عبد خير قال رأيت عليا توضأ ومسح ثم قال لولا أني رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمسح على ظهر القدمين لرأيت أن أسفلهما أو باطنهما أحق بذلك وكذلك رواه أبو السوداء عن ابن عبد خير عن أبيه وعبد خير لم يحتجّ به صاحبا الصحيح فهذا وما روى في معناه إنما أريد به قدما الخفّ بدليل ما مضى وبدليل ما روينا عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن على في وصفه وضوءه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذكر أنه غسل رجليه ثلاثا ثلاثا اهـ (قوله حتى رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) أى أن عليا كان يقول كنت أظن أن أسفل الخفين أولى بالمسح من أعلاهما واستمرّ ظنى ذلك إلى أن رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمسح أعلاهما فرجعت عنه (قوله يعنى الخفين) أى قال وكيع يعنى عليّ بالقدمين الخفين، وإنما فسرهما بالخفين دفعا لما يتوهم من أن المسح على نفس القدمين (قوله أبو السوداء) هو عمرو ابن عمران النهدى الكوفي رأى أنس بن مالك، وروى عن قيس بن أبى حازم وعبد خير وأبى مجلز والضحاك بن مزاحم وغيرهم. وعنه حفص بن عبد الرحمن والسفيانان قال أحمد وابن معين ثقة وقال أبو حاتم ما بحديثه بأس وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائى (قوله ابن عبد خير) هو المسيب بن عبد خير. روى عن أبيه عن على. وعنه حصين ابن عبد الرحمن والحسن البصرى ويونس بن خباب وغيرهم، قال الأزدى ضعيف ووثقه ابن حبان وابن معين (قوله عن أبيه) هو عبد خير (واعلم) أن هذا الحديث ذكر معلقا في رواية اللؤلؤى وأما في رواية ابن داسة فموصول وهذا لفظه حدثنا حامد بن يحيى نا سفيان عن

مشروعية مسح أعلى الخفين وأسفلهما

أبى السوداء عن ابن عبد خير عن أبيه قال رأيت عليا الخ (قوله فغسل ظاهر قدميه) أى مسح ظاهر خفيه كما جاء في عامة الروايات (قوله وساق الحديث) أى ذكر الحديث المتقدم وهو كما في بعض النسخ لولا أنى رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعله لظننت أن بطونهما أحق بالغسل، وفى نسخة بالمسح (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَرْوَانَ، وَمَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ الْمَعْنَى، قَالَا: ثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ مَحْمُودٌ: أَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، عَنْ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: «وَضَّأْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فمَسَحَ أَعْلَى الْخُفَّيْنِ وَأَسْفَلَهُمَا»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: بَلَغَنِي أَنَّ ثَوْراً لَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَجَاءٍ (ش) (رجال الحديث) (قوله موسى بن مروان) أبو عمران التمار الرّقى البغدادى. روى عن مروان بن معاوية ومحمد بن حرب وعيسى بن يونس وأبى المليح وبقية وآخرين. وعنه أبو حاتم الرازى وأبو داود والنسائى بواسطة وابن ماجه، وثقه ابن حبان. توفي سنة ست وأربعين ومائتين بالرّقة (قوله المعنى) أى حدّث محمود بن خالد بمعنى ما حدّث به موسى بن مروان دون لفظه (قوله قال محمود الخ) أى قال محمود بن خالد في روايته حدثنا الوليد أخبرنا ثور بن يزيد بلفظ الإخبار أما موسى بن مروان فلم يصرّح في روايته بإخبار الوليد عن ثور بل أتى بلفظ عن أو غيرها مما لا يستلزم الاتصال (قوله رجاء بن حيوة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية ابن جندل ويقال ابن جرول أبو المقدام الكندى أحد الأعلام. روى عن أبيه ومعاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبى سعيد الخدرى ومعاوية بن أبي سفيان وكثيرين. وعنه الزهرى وابن عجلان وقتادة وابن عون وآخرون. قال ابن سعد كان ثقة فاضلا كثير العلم ووثقه النسائى والعجلى. توفى سنة اثنتى عشرة ومائة. روى له الجماعة إلا البخارى (قوله كاتب المغيرة) هو ورّاد بتشديد الراء كما صرّح به في رواية ابن ماجه الثقفى الكوفي مولى المغيرة أبو سعيد. روى عن المغيرة بن شعبة. وعنه الشعبى ورجاء بن حيوة وأبو عون الثقفى وعطاء بن السائب وغيرهم، وثقه ابن حبان وقال أحمد بن حنبل لم يلق رجاء ورّادا كاتب المغيرة روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله وضأت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) بتشديد الضاد المعجمة أى صببت له الماء في الوضوء (قوله بلغنى أن ثورا لم يسمع الخ) أشار به إلى ضعف

بيان حال الحديث

هذا الحديث لعدم سماع ثور من رجاء، وفي نسخة يروى أن ثورا لم يسمع الخ، وفي أخرى وبلغنى أنه لم يسمع ثور هذا الحديث الخ (وردّ) بأن البيهقى روى الحديث من طريق داود بن رشيد قال ثنا الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد ثنا رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة بن شعبة وذكر الحديث فقد صرّح في هذه الرواية بأن رجاءا حدّث ثورا، وسيأتي نحوه عند الدارقطني وبهذا يثبت سماع ثور من رجاء. وبه استدلّ من قال يطلب مسح أسفل الخفّ وأعلاه كمالك والشافعى وأحمد وإسحاق وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والتابعين فقد ثبت أن ابن عمر كان يمسح أعلى الخفّ وأسفله كما رواه البيهقي وغيره (وعلى الجملة) فقد دلت أحاديث الباب على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ورد عنه الاقتصار على مسح الأعلى وورد عنه الجمع بين مسح الأعلى والأسفل فكان كلّ مشروعا (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية الاستعانه في الوضوء. وعلى مشروعية الجمع بين مسح أعلى الخفّ وأسفله (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد وابن ماجه والدارقطني والبيهقى وابن الجارود والترمذى بلفظ إن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح أعلى الخفّ وأسفله وقال هذا حديث معلول لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم اهـ (قال) النووى ضعفه أهل الحديث (وقال) ابن القيم إن هذا الحديث ذكروا فيه أربع علل (الأولى) أن ثور ابن يزيد لم يسمعه من رجاء بن حيوة بل قال حدّثت عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسح أعلى الخفين وأسفلهما (الثانية) أنه مرسل قال الترمذى سألت أبا زرعة ومحمدا عن هذا الحديث فقالا ليس بصحيح لأن ابن المبارك روى هذا عن ثور عن رجاء قال حدّثت عن كاتب المغيرة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (الثالثة) أن الوليد بن مسلم لم يصرّح فيه بالسماع عن ثور بن يزيد بل قال فيه عن ثور، والوليد مدلس فلا يحتج بعنعنته ما لم يصرّح بالسماع (الرابعة) أن كاتب المغيرة ما لم يسمّ فيه فهو مجهول ذكر أبو محمد بن حزم هذه العلة. وفي هذه العلل نظر (أما العلة الأولى) وهي أن ثورا لم يسمعه من رجاء فقد قال الدارقطني في سننه نا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز نا داود بن رشيد أنا الوليد ابن مسلم عن ثور بن يزيد قال نا رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة بن شعبة عن المغيرة فذكره فقد صرّح في هذه الرواية بالتحديث وبالاتصال فانتفى الإرسال عنه (وأما العلة الثالثة) وهي تدليس الوليد وأنه لم يصرح بسماعه فقد رواه أبو داود عن محمود بن خالد الدمشقى ثنا الوليد نا ثور بن يزيد فقد أمن تدليس الوليد في هذا (وأما العلة الرابعة) وهى جهالة كاتب المغيرة فقد رواه ابن ماجه في سننه وقال عن رجاء بن حيوة عن ورّاد كاتب المغيرة عن المغيرة. وقال شيخنا

باب في الانتضاح

أبو الحجاج المزّى رواه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن عبد الملك بن عمير عن ورّاد عن المغيرة. وأيضا فالمعروف بكاتب المغيرة هو مولاه ورّاد وقد خرّج له في الصحيحين وإنما ترك ذكر اسمه في هذه الرواية لشهرته وعدم التباسه بغيره، ومن له خبرة بالحديث ورواته لا يتمارى في أنه ورّاد كاتبه (وبعد) فهذا حديث قد ضعفه الأئمة الكبار البخارى وأبو زرعة والترمذى وأبو داود والشافعى ومن المتأخّرين ابن حزم وهو الصواب لأن الأحاديث الصحيحة كلها مخالفة له وهذه العلل وإن كان بعضها غير مؤثر فمنها ما هو مؤثر مانع من صحة الحديث وقد تفرّد الوليد بن مسلم بإسناده ووصله وخالفه من هو أحفظ منه وأجلّ وهو الإمام الثبت عبد الله بن المبارك فرواه عن ثور عن رجاء قال حدّثت عن كاتب المغيرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وإذا اختلف عبد الله بن المبارك والوليد بن مسلم فالقول ما قال عبد الله وقد قال بعض الحفاظ أخطأ الوليد بن مسلم في هذا الحديث في موضعين (أحدهما) أن رجاءا لم يسمعه من كاتب المغيرة وإنما قال حدّثت عنه. (والثاني) أن ثورا لم يسمعه من رجاء (وخطأ ثالث) أن الصواب إرساله، فميز الحفاظ ذلك كله في الحديث وبينوه، ورواه الوليد معنعنا من غير تبيين اهـ وضعفه أيضا الشافعى في كتابه القديم وإنما اعتمد الشافعى في هذا على الأثر عن ابن عمر رواه البيهقى وغيره اهـ (باب في الانتضاح) أى في رشّ الماء بعد الفراغ من الوضوء (قال) ابن الأثير الانتضاح أن يأخذ قليلا من الماء فيرشّ به مذاكيره بعد الوضوء لينفى عبه الوسواس وقد نضح عليه الماء ونضحه به إذا رشه عليه ونضح الوضوء بالتحريك ما يترشرش منه عند الوضوء اهـ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، ثَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ الْحَكَمِ الثَّقَفِيِّ أَوِ الحَكَمِ بْنِ سُفْيَانَ الثَّقَفِيّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا بَالَ يَتَوَضَّأُ وَيَنْتَضِحُ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَافَقَ سُفْيَانَ جَمَاعَةٌ عَلَى هَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْحَكَمِ أَو ابْنِ الْحَكَمِ (ش) (رجال الحديث) (قوله مجاهد) بن جبر (وقوله سفيان بن الحكم أو الحكم ابن سفيان الثقفى) خلاف في الاسم لا في المسمى واختار الحافظ في الإصابة أنه الحكم قال الحكم بن سفيان بن عثمان بن عامر الثقفى، قال أبو زرعة وإبراهيم الحربى له صحبة روى حديثه

أصحاب السنن في النضح بعد الوضوء. واختلف فيه على مجاهد فقيل هكذا وقيل سفيان ابن الحكم وقيل غير ذلك. وقال أحمد والبخارى ليست للحكم صحبة. وقال ابن المديني والبخارى وأبو حاتم الصحيح الحكم بن سفيان اهـ ورواية النسائي وابن ماجه عن الحكم بن سفيان بدون تردّد. وقال ابن عبد البرّ له حديث واحد وهو مضطرب الإسناد. روى عنه مجاهد. روى له أبو داود وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله وينتضح) أى يرشّ الماء على مذاكيره بعد الوضوء وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعل ذلك تشريعا لأمته لدفع الوسواس لأنه قد يتخيل للإنسان بعد أن يتوضأ أنه خرج من فرجه بال فيحصل له الشك فإذا فعل ذلك انقطع عنه سبيل الوسواس (وقال الخطابى) الانتضاح هاهنا الاستنجاء بالماء وكان من عادة أكثرهم أن يستنجوا بالحجارة لا يمسون الماء وقد يتأول الانتضاح على رشّ الفرج بالماء بعد الاستنجاء ليندفع بذلك وسوسة الشيطان اهـ (وذكر) النووى أن رشّ الفرج بالماء بعد الاستنجاء هو المراد من الحديث عند الجمهور (قوله وافق سفيان جماعة الخ) أى وافق قوم سفيان الثورى في رواية هذا الحديث عن منصور عن مجاهد عن الحكم الثقفى بلا ذكر أيبه، وهم معمر وزائدة وأبو عوانة وروح بن القاسم وجرير بن عبد الحميد. فقد رووا الحديث عن منصور عن مجاهد عن الحكم بن سفيان مسندا ولم يذكروا أباه. وخالفهم شعبة ووهب وعمار بن رزيق فرووا الحديث عن منصور عن مجاهد عن الثقفى عن أبيه. وكذا رواه ابن عيينة عن ابن أبى نجيح عن مجاهد كما ذكره المصنف بعد، قال البيهقي بعد تخريح حديث الباب كذا رواه الثورى ومعمر وزائدة عن منصور ورواه شعبة كما أخبرنا أبو الحسن المقرئ ثنا الحسن بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب ثنا حفص بن عمر ثنا شعبة عن منصور عن مجاهد عن رجل يقال له الحكم أو أبو الحكم من ثقيف عن أبيه أنه رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ ثم أخذ حفنة من ماء فانتضح بها. وكذلك رواه وهيب عن منصور. ورواه أبو عوانة وروح ابن القاسم وجرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد عن الحكم بن سفيان مسندا ولم يذكروا أباه. قال أبو عيسى سألت محمدا يعنى ابن إسماعيل البخارى عن هذا الحديث فقال الصحيح ما روى شعبة ووهيب وقالا عن أبيه وربما قال ابن عيينة في هذا الحديث عن أبيه. وممن وافق الثورى زكريا بن أبي زائدة عند ابن ماجه قال حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة قال حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا زكريا بن أبى زائدة قال قال منصور حدثنا مجاهد عن الحكم بن سفيان الثقفى أنه رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ ثم أخذ كفا من ماء فنضح به فرجه، ووافقه أيضا عمار بن زريق كما في النسائى قال أخبرنا العباس بن محمد الدورى حدثنا الأحوص بن جواب

مشروعية الانتضاح بعد الوضوء

حدثنا عمار بن رزيق عن منصور ح وأنبأنا أحمد بن حرب حدثنا قاسم وهو ابن يزيد الجرمي حدثنا سفيان حدثنا منصور عن مجاهد عن الحكم بن سفيان قال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ ونضح فرجه (قوله وقال بعضهم الحكم أو ابن الحكم) أى قال بعض الرواة وهو زائدة في روايته عن منصور عن مجاهد عن الحكم (ابن سفيان) أو ابن الحكم أى سفيان يعنى عن أبيه كما ذكره المصنف بعد. والغرض من هذا بيان قول آخر في اسم شيخ مجاهد (قال) الحافظ في تهذيب التهذيب قد اختلف على مجاهد في اسم شيخه فقيل عنه عن الحكم أو ابن الحكم عن أبيه وقيل عن الحكم بن سفيان عن أبيه وقيل عن الحكم غير منسوب عن أبيه وقيل عن رجل من ثقيف عن أبيه اهـ وتقدم أن الصحيح في اسمه الحكم بن سفيان (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية رش الماء على الفرج والسراويل بعد الفراغ من الوضوء. وقد ورد الأمر به في رواية الترمذى وابن ماجه عن الحسن بن على الهاشمى عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال جاءني جبريل فقال يا محمد إذا توضأت فانتضح قال الترمذى حديث غريب وسمعت محمدا يقول الحسن بن على الهاشمى منكر الحديث اهـ وقال المنذرى والهاشمى هذا ضعفه غير واحد من الأمة ولا يصح عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في وهذا الباب شيء اهـ (وإلى) طلب الانتضاح ذهب جماعة من العلماء (قال) العينى وكان ابن عمر إذا توضأ نضح فرجه قال عبيد الله كان أبى يفعل ذلك وروى ذلك عن مجاهد وميمون وسلمة وابن عباس وعن هذا قال أصحابنا من جملة مستحبات الوضوء أن ينضح الماء على فرجه وسراويله بعد فراغه من الوضوء ولا سيما إذا كان به وسوسة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والبيهقى من طريق سفيان الثورى وغيره وابن ماجه من طريق زكريا بن أبى زائدة كما تقدم وأشار إليه الترمذى وقال واضطربوا في هذا الحديث قال المنذرى واختلف في سماع الثقفي هذا من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (ص) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا سُفْيَانُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بَالَ ثُمَّ نَضَحَ فَرْجَهُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عن أبى نجيح) بفتح النون هو عبد الله بن يسار وأبو نجيح كنية والده. روى عن عطاء وطاوس ومجاهد بن جبر وعكرمة وجماعة. وعنه شعبة

باب ما يقول الرجل إذا توضأ

والسفيانان وابن علية وغيرهم. وثقه العجلي وأحمد وأبو زرعة والنسائى وذكره فيمن كان يدلس وقال ابن معين ثقة كان مشهورا بالقدر، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة (قوله عن رجل الخ) هو سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان على ما تقدم (قوله بال ثم نضح فرجه) أى رشه بالماء بعد الاستنجاء ويحتمل أن يكون التقدير بال ثم توضأ ثم نضح فرجه كما في سائر الروايات ففى الحديث اختصار (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي وقال رواه أبو عيسى الترمذى عن ابن أبى عمر عن ابن عيينة عن منصور وابن أبى نجيح هكذا وقال في الحديث ثم توضأ ونضح فرجه بالماء اهـ (وما قيل) من أنه ضعيف لأن في سنده مجهولين الرجل وأباه (مردود) بما علمت من أن الرجل هو الحكم وأبوه سفيان أو العكس (ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ، ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، ثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ الْحَكَمِ أَوْ ابْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَنَضَحَ فَرْجَهُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله نصر بن المهاجر) المصيصى الحافظ. روى عن يزيد ابن هارون وعبد الصمد بن عبد الوارث وابن عيينة وآخرين. وعنه أبو داود ومحمد بن عوف الطائى، وثقه ابن حبان وقال مسلمة ثقة عالم بالحديث وذكر ابن وضاح أنه كان حافظا ضابطا. مات بعد الثلاثين والمائتين (قوله معاوية بن عمرو) بن المهلب بن عمرو بن شبيب أبو عمر الأزدى الكوفى. روى عن زائدة بن قدامة وأبى إسحاق الفزارى وجرير بن حازم وآخرين. وعنه ابن معين وأبو خيثمة والبخارى وعبد بن حميد وكثيرون، وثقه أحمد وأبو حاتم وابن حبان ولد سنة ثمان وعشرين ومائة. وتوفى ببغداد سنة خمس عشرة أو أربع عشرة ومائتين، روى له الجماعة (قوله بال ثم توضأ الخ) فيه دليل على أن الانتضاح كان بعد الوضوء وبه تعلم أن الرواية السابقة فيها اختصار ورواية زائدة أخرجها البيهقى تعليقا (باب ما يقول الرجل إذا توضأ) أى في بيان الأذكار التي يقولها من توضأ عقب فراغه من وضوئه. وفى نسخة إذا فرغ من وضوئه (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَعْنِي ابْنَ

صَالِحٍ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ خُدَّامَ أَنْفُسِنَا، نَتَنَاوَبُ الرِّعَايَةَ - رِعَايَةَ إِبِلِنَا - فَكَانَتْ عَلَيَّ رِعَايَةُ الْإِبِلِ، فَرَوَّحْتُهَا بِالْعَشِيِّ، فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ، يُقْبِلُ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلَّا قَدْ أَوْجَبَ»، فَقُلْتُ: بَخٍ بَخٍ، مَا أَجْوَدَ هَذِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ الَّتِي قَبْلَهَا: يَا عُقْبَةُ، أَجْوَدُ مِنْهَا، فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقُلْتُ: مَا هِيَ يَا أَبَا حَفْصٍ؟ قَالَ: إِنَّهُ قَالَ آنِفًا قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ: " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ وُضُوئِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ". (ش) (رجال الحديث) (قوله أحمد بن سعيد) بن بشر بن عبد الله أبو جعفر المصرى روى عن عبد الله بن وهب والشافعى وبشر بن بكر وإسحاق بن الفرات وجماعة. وعنه أبو داود والنسائى والفضل بن عباس، قال النسائى ليس بالقوى وقال الساجى ثبت ووثقه العجلى وقال الذهبى في الميزان لا بأس به. توفى لعشر خلون من رمضان سنة ثلاث وخمسين ومائتين، و (الهمدانى) نسبة إلى همدان بوزن سكران قبيلة من حمير من عرب اليمن والنسبة إليها على لفظها (قوله عن أبى عمان) قيل هو سعيد بن هانى الخولانى وقيل حريز بن عثمان الرحبي. روى عن جبير بن نفير. وعنه معاوية بن صالح وربيعة بن يزيد الدمشقى، قال الذهبى أبو عثمان لا يدرى من هو وخرج له مسلم متابعة اهـ، روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه. مات سنة سبع وعشرين ومائة (قوله جبير بن نفير) بالتصغير فيهما ابن ماك بن عامر الحضرمى أبو عبد الرحمن، أدرك النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأسلم في خلافة أبى بكر. روى عن أبى بكر وعمر وعبادة ومعاذ بن جبل وعمرو بن العاص وكثيرين، وعنه ابنه عبد الرحمن وخالد بن معدان ومكحول وزيد بن واقد وآخرون، قال أبو حاتم ثقة من كبار تابعى أهل الشام من القدماء وقال يعقوب ابن شيبة مشهور بالعلم وقال ابن سعد كان ثقة فيما روى من الحديث ووثقه آخرون. مات سنة

خمس وسبعين. روي له الجماعة إلا البخارى (قوله عقبة بن عامر) بن عبس بن عمرو أبو حماد الجهني الصحابى المشهور. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحاديث كثيرة وروى عنه جملة من الصحابة والتابعين منهم ابن عباس وأبو أمامة وجبير بن نفير وأبو إدريس الخولانى، قال أبو سعيد بن يونس كان قارئا عالما بالفرائض والفقه فصيح اللسان شاعرا كاتبا وهو أحد الجامعين للقرآن ورأيت مصحفه بمصر على غير تأليف مصحف عثمان وفي آخره كتبه عقبة بن عامر بيده، وفى صحيح مسلم من طريق قيس بن أبى حازم عن عقبة بن عامر قال قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة وأنا في غنم أرعاها فتركتها ثم ذهبت إليه فقلت بايعنى فبايعنى على الهجرة "الحديث" أخرجه المصنف والنسائى، وشهد عقبة بن عامر الفتوح وكان هو البريد إلى عمر بفتح دمشق وشهد صفين مع معاوية وأمره بعد ذلك على مصر وتوفي بها سنة ثمان وخمسين. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله خدّام أنفسنا) أى أنه كان يقوم كل واحد منهم بخدمة نفسه وليس له خادم خاص ولعل هذا بالنسبة إلى معظمهم وإلا فقد كان لبعضهم خدم، وخدّام بضم الخاء المعجمة وتشديد الدال المهملة جمع خادم يطلق على الذكر والأنثى وهو من يؤدى مصالح سيده أو مخدومه (قوله نتناوب الرعاية الخ) أى نتبادل رعي الإبل والمراد أنهم كانوا يضمون إبلهم بعضها إلى بعض فيرعاها كل واحد منهم يوما ليكون أرفق بهم وينصرف الباقون في مصالحهم (قوله فكانت علىّ رعاية الإبل) أى في يومى ونوبتى. وفى رواية مسلم كانت علينا رعاية الإبل فجاءت نوبتي (قوله فروّحتها بالعشى) عطف على محذوف أى رعيتها فروّحتها، وروّح بتشديد الواو أى رددتها في آخر النهار إلى مبيتها. والرواح في الأصل يطلق على الغدوّ أى الذهاب أوّل النهار وعلى الرجوع في آخره يقال راح يروح رواحا وتروح مثله يكون بمعنى الغدوّ وبمعنى الرجوع وقد طابق بينهما في قوله تعالى "غدوّها شهر ورواحها شهر" أى ذهابها ورجوعها. وقد يتوهم بعض الناس أن الرواح لا يكون إلا في آخر النهار وليس كذلك بل الرواح والغدوّ عند العرب يستعملان في المسير أىّ وقت كان من ليل أو نهار (قال) الأزهرى وغيره وعليه قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من راح إلى الجمعة في أول النهار فله كذا أى من ذهب، ثم قال الأزهرى وأما راحت الإبل فهى رائحة فلا يكون إلا بالعشىّ إذا أراحها راعيها على أهلها يقال سرحت بالغداة إلى الرعي وراحت بالعشى على أهلها أى رجعت من المرعي إليهم (وقال) ابن فارس الرواح رواح العشى وهو من الزوال إلى الليل والعشى آخر النهار ويطلق على ما بين الزوال إلى الغروب وقيل من الزوال إلى الصباح اهـ مصباح (قوله فيحسن الوضوء) أى يتقنه بأن يأتى به تماما مستجمعا لفرائضه وسننه ومندوباته (قوله ثم يقوم) عطف على ما قبله وذكر القيام لكونه

أكمل في صلاة النفل من الجلوس إلا لعذر (قوله يقبل عليها بقلبه ووجهه) أى يخشع فيهما بقلبه ويخضع بجوارحه، والإقبال في الأصل ضد الإدبار والمراد هنا بإقبال القلب خشوعه وبإقبال الوجه خضوع الأعضاء، والقلب من الحيوان معروف ويطلق على العقل وهو المراد هنا ومنه ينشأ صلاح الجسد وفساده كما جاء في الحديث وسمى قلبا لتقلبه في أمره وأراد بالوجه ذاته ففيه إطلاق اسم الجزء على الكل، وجمع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بهاتين اللفظتين أنواع الخشوع والخضوع لأن الخضوع في الأعضاء والخشوع في القلب (قوله إلا قد أوجب) وفي نسخة إلا فقد أوجب وفى أخرى إلا وجبت له الجنة وهي رواية مسلم أى أوجب له ربه الجنة بمعنى أنه استحق دخولها بلا سابقة عذاب وإلا فمطلق الدخول يكفى فيه مجرّد الإيمان، والاستثناء من عموم الأحوال (قوله فقلت بخ بخ) هي كلمة تقال عند الرضا والمدح والإعجاب بالشئ وتفخيمه وتعظيمه وتكرّر للمبالغة (قال) في القاموس بخ كقد أى عظم الأمر وفخم تقال وحدها وتكرّر بخ بخ الأول منون والثانى مسكن وقلّ في الإفراد بخ ساكن وبخ مكسورة وبخ منونة وبخ منونة مضمومة ويقال بخ بخ مسكنين وبخ بخ منونين وبخ بخ مشدّدين كلمة تقال عند الإعجاب بالشئ أو الفخر والمدح اهـ (قوله ما أجود هذه) أى ما أحسن هذه الفائدة والبشارة، وتعجب من جودتها لسهولتها على كل أحد مع عظم أجرها (قوله فقال رجل من بين يدىّ) أى أمامي وفي بعض النسخ إسقاط من (قوله آنفا) أى قريبا وهو بالمدّ على اللغة المشهورة وبالقصر على لغة صحيحة وقرئَ بها في السبع (قوله أشهد أن لا إله إلا الله) أى أقرّ بلساني وأذعن بقلبى من الشهادة وهي الإخبار بما شوهد فهى خبر قاطع يقال شهد الرجل على كذا وشهده شهودا حضره وقوم شهود حضور وأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن والأصل أشهد أنه لا إله إلا الله وخبر لا محذوف أى موجود وإلا ملغاة ولفظ الجلالة مرفوع على البدلية من الضمير في الخبر ويقال فيه غير ذلك (قوله لا شريك له) جملة حالية مؤكدة لوحده ويصح أن تفسر الوحدة بوحدانية الذات (والثانى) بوحدانية الصفات والأفعال، والأبحاث المتعلقة بتلك الكلمة المشرّفة مشهورة في علم الكلام (قوله وأن محمدا عبده ورسوله) وفي بعض النسخ وأشهد أن محمدا، ومحمد في الأصل اسم مفعول من حمد مبالغة في الثناء نقل من الوصفية إلى الإسمية وسماه جدّه عبد المطلب رجاء أن يحمد في السماء والأرض وقد حقق الله تعالى رجاءه ووصفه بالعبودية التى هي غاية التذلل والخضوع لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان أتقى الخلق على الإطلاق ولم يبلغ أحد ما بلغه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من التذلل والخضوع لمولاه والإضافة فيه للتشريف إشارة إلى كمال مرتبته في مقام العبودية بالقيام في أداء حق الربوبية، وقدّمه على الرسول لأنه أشرف أوصافه وأعلاها، ووصف بالعبودية لئلا يتوهم

ما اعتاده الناس من الدعاء عند غسل أعضاء الوضوه لا أصل له في الدين

ضعفاء العقول أن سيدنا محمدا لعظم قدره إله أو ابن الله كما زعم النصارى في عيسى عليه السلام ووصفه أيضا بالرسالة إشارة إلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بلغ أعلى مراتب القرب وأسمى منازل الحب، وزاد الترمذى في روايته اللهم اجعلنى من التوّابين واجعلنى من المتطهرين وروى الحاكم في المستدرك من حديث أبى سعيد الخدرى من توضأ فقال سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك كتبت في رقّ ثم طبع بطابع فلا يكسر إلى يوم القيامة (قوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية) مرتب على ما ذكر من إحسان الوضوء والإتيان بالشهادتين عقبه، والفتح يحتمل أن يكون على حقيقته بالنسبة للدار الآخرة ويحتمل أن يكون مجازا عن التوفيق للطاعات في الدنيا فإنها سبب في فتح أبواب الجنة في الآخرة وإنما فتحت له الأبواب الثمانية تكريما له لعظم عمله وإلا فالدخول يكون من باب واحد (قوله من أيها شاء) أى أراد الدخول منه. وكذا في رواية النسائى بدون من وفي رواية الترمذى فتحت له ثمانية أبواب من الجنة يدخل من أيها شاء وهي تدلّ على أنها أكثر من ثمانية بناء على أن من تبعيضية وفي كلام القرطبى ما يؤيده وهو لا ينافي رواية المصنف لأن اسم العدد لا مفهوم له (والأبواب) الثمانية هي باب الإيمان وباب الصلاة وباب الصيام وباب الصدقة وباب الكاظمين الغيظ وباب الراضين وباب الجهاد وباب التوبة. ولا يعارض حديث الباب حديث إن باب الريان لا يدخل منه إلا الصائمون لأنه يخير فلا يوفق للدخول من باب الريان إن لم يكن من الصائمين، وفائدة التخيير حينئذ إظهار التعظيم والشرف كما روى أن الله أخذ الميثاق على الأنبياء أن يؤمنوا به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن أدركوه، ومعلوم أنه لا يظهر في زمان أحد منهم وإنما ذلك لإظهار الشرف. وما ذكر من الأدعية عقب الفراغ من الوضوء هو الثابت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (أما) ما اعتاده بعض الناس من الأدعية على أعضاء الوضوء كقولهم عند غسل الوجه اللهم بيض وجهى يوم تبيض وجوه وتسودّ وحوه فلم يصح عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منه شئ (قال) الشوكانى في شرح هذا الحديث والحديث يدلّ على استحباب الدعاء المذكور ولم يصح من أحاديث الدعاء في الوضوء غيره وأما ما ذكره أصحابنا والشافعية في كتبهم من الدعاء عند كل عضو كقولهم عند غسل الوجه اللهم بيض وجهى الخ فقال الرافعى وغيره ورد بهذه الدعوات الأثر عن الصالحين اهـ وقال الحافظ في التلخيص قال النووى في الروضة هذا الدعاء لا أصل له ولم يذكره الشافعى والجمهور، وقال في شرح المهذب لم يذكره المتقدمون، وقال ابن الصلاح لم يصح فيه حديث (قلت) روى فيه عن علىّ من طرق ضعيفة جدًّا أوردها المستغفرى في الدعوات وابن عساكر في أماليه وهو من رواية أحمد بن مصعب المروزى عن حبيب بن أبي حبيب الشيباني عن أبى إسحاق السبيعى عن على وفي إسناده من لا يعرف ورواه

ما دل عليه حديث عقبة بى عامر رضي الله تعالى عنه من المسائل

صاحب مسند الفردوس من طريق أبى زرعة الرازى عن أحمد بن عبد الله بن داود ثنا محمود ابن العباس ثنا المغيث بن بديل عن خارجة بن مصعب عن يونس بن عبيد عن الحسن عن علىّ نحوه ورواه ابن حبان في الضعفاء من حديث أنس نحو هذا وفيه عباد بن صهيب وهو متروك اهـ (وقال) ابن القيم في الهدى لم يحفظ عند صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان يقول على وضوئه شيئا غير التسمية وكل حديث في أذكار الوضوء الذي يقال عليه فكذب مختلق لم يقل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شيئا منه ولا علمه لأمته ولا يثبت عنه غير التسمية في أوله وقوله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلنى من التوّابين واجعلنى من المتطهرين في آخره اهـ (ص) قَالَ مُعَاوِيَةُ: وَحَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. (ش) أى قال معاوية إن صالح وحدثنى ربيعة بن يزيد عن أبى إدريس كما حدثنى أبو عثمان عن جبير في السند السابق عن عقبة بن عامر، وغرض المصنف بهذا بيان أن معاوية بن صالح روى الحديث بسندين (الأول) عن أبى عثمان جبير بن نفير عن عقبة بن عامر (الثانى) عن ربيعة بن يزيد عن أبى إدريس الخولانى عن عقبة وله إسناد ثالث ذكره الإمام أحمد والبيهقى فأخرجا بسندهما عن معاوية عن أبى عثمان عن جبير بن نفير وربيعة بن يزيد عن أبى إدريس وعبد الوهاب بن بخت عن الليث بن سليم الجهنى كلهم يحدّث عن عقبة بن عامر، وقد روي بأسانيد أخر يأتى بعضها في التخريج و (ربيعة ابن يزيد) الدمشقى أبو شعيب الإيادى بكسر الهمزة منسوب إلى إياد بن نزار أحد الأئمة روى عن معاوية بن أبي سفيان وواثلة بن الأسقع وعبد الله بن عمرو والنعمان بن بشير وغيرهم وعنه جعفر بن ربيعة وحيوة بن شريج والأوزاعى وكثيرون، وثقه العجلى والنسائى. مات بإفريقية في إمارة هشام بن إسماعيل خرح غازيا فقتله البربر. أخرج له الجماعة (قوله عن أبى إدريس) هو عائذ الله بن عبد الله بن عمرو الخولاني أحد الثقات. روى عن عمر ابن الخطاب وبلال وأبى ذرّ وحذيفة وأبى هريرة وابن مسعود وكثيرين من الصحابة. وعنه مكحول والزهرى وشهر ابن حوشب وربيعة بن يزيد وغيرهم، قال مكحول ما رأيت أعلم منه وقال العجلى تابعى ثقة ووثقه أبو حاتم والنسائى (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية التواضع وخدمة الشخص نفسه وعدم تكبره وإن كان عظيما. وعلى مشروعية التعاون في الأمور المعاشية. وعلى الحثّ على إتقان الوضوء وعلى طلب الإتيان بالشهادتين عقب الوضوء الذكر الوارد بعدهما. وعلى مشروعية صلاة ركعتين بعده (وإلى) سنية هاتين الركعتين ذهبت الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة. وعلى الترغيب في

ترغيب المتوضيء في الإتيان بالشهادتين عقب الوضوء

ذلك بالثواب العظيم. وعلى أن الإخلاص والإقبال على العبادة وترك الشواغل الدنيوية هو روح العبادة. وعلى أن الله تعالى يعطى الثواب الكثير الدائم على العمل القليل الخالص له عزّ وجلّ وعلى أنه يطلب من الشخص أن يدلّ غيره على فعل الخير ويرغبه فيه. وعلى طلب الملاطفة في خطاب الغير بذكر الكنى والألقاب. وعلى مزيد عظم الشهادتين وكلمة التوحيد. وعلى أن هناك جنة ذات أبواب دار جزاء للمطيعين (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم من طريق معاوية بسندي المؤلف غير أن تلميذ معاوية عند مسلم عبد الرحمن بن مهدى قال حدثنا محمد بن حاتم حدثنا عبد الرحمن بن مهدى حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة يعنى ابن يزيد عن أبى إدريس الخولانى عن عقبة بن عامر ح وحدثنى أبو عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر "الحديث" والقائل وحدثنى أبو عثمان هو معاوية بن صالح وأخرجه النسائى من طريق زيد بن الحباب عن معاوية ابن صالح بسنديه (الأول) إلى عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى في الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء (والثانى) إلى عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى في ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه وجبت له الجنة وأخرجه ابن ماجه من حديث أنس بن مالك عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال ثلاث مرّات أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتحت له ثمانية أبواب الجنة من أيها شاء دخل ومن حديث عقبة بن عامر عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما من مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء وأخرجه البيهقى من عدة طرق وأخرجه الترمذى من حديث عمر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلنى من التوابين واجعلنى من المتطهرين فتحت له ثمانية أبواب من الجنة يدخل من أيها شاء وقال حديث عمر قد خولف زيد في حباب في هذا الحديث. قال ورواه عبد الله بن صالح وغيره عن معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبى إدريس عن عقبة بن عامر عن عمر وعن ربيعة عن أبى عثمان عن جبير بن نفير عن عمر وهذا حديث في إسناده اضطراب ولا يصح عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في هذا الباب كبير شيء قال أبو محمد وأبو إدريس لم يسمع من عمر شيئا اهـ قال الحافظ في التلخيص لكن رواية مسلم سالمة من هذا الاعتراض اهـ وقال

الترغيب في رفع البصر إلى السماء عقب الوضوء عند قول الشهادتين

النووى في شرح مسلم قال أبو على الغسانى في كتابه تقييد المهل قد خرّج أبو عيسى الترمذى في مصنفه هذا الحديث من طريق زيد بن الحباب عن شيخ له لم يقم إسناده عن زيد وحمل أبو عيسى في ذلك على زيد بن الحباب وزيد برئ من هذه العهدة والوهم في ذلك من أبى عيسى أو من شيخه الذى حدّثه به لأنا قدّمنا من روايه أئمة حفاظ عن زيد بن الحباب ما خالف ما ذكره أبو عيسى والحمد لله. وذكره أبو عيسى أيضا في كتاب العلل وسؤالاته محمد بن إسماعيل البخارى فلم يجوّده وأتى فيه عنه بقوله يخالف ما ذكرنا عن الأئمة ولعله لم يحفظه عنه. وهذا حديث مختلف في إسناده وأحسن طرقه ما خرّجه مسلم بن الحجاج من حديث ابن مهدى وزيد بن الحباب عن معاوية بن صالح قال أبو على وقد رواه عثمان بن أبى شيبة أخو أبى بكر عن زيد بن الحباب فزاد في إسناده رجلا وهو جبير بن نفير ذكره أبو داود في سننه في باب كراهية الوسوسة بحديث النفس في الصلاة فقال حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا زيد بن الحباب ثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبى إدريس الخولانى عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر فذكر الحديث اهـ (ص) حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، عَنْ حَيْوَةَ وَهُوَ ابْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِي عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ عَمِّهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَمْرَ الرِّعَايَةِ، قَالَ: عِنْدَ قَوْلِهِ: «فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ»، ثُمَّ رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: وَسَاقَ الْحَدِيثَ، بِمَعْنَى حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ (ش) (رجال الحديث) (قوله الحسين بن عيسى) بن حمران الطائى أبو على القومسى البسطامى سكن نيسابور. ومات بها سنة سبع وأربعين ومائتين. روى عن ابن عيينة وابن أبى فديك وأبى أسامة وغيرهم. وعنه الشيخان والمصنف والتزمذى والنسائى وأبو حاتم وقال هو صدوق وقال الحاكم من كبار المحدّثين وثقاتهم وأئمة أصحاب العربية ووثقه النسائى وغيره (قوله عن أبى عقيل) بفتح العين المهملة وكسر القاف هو زهرة بضم الزاى وسكون الهاء ابن عبد الله بن هشام التيمى القرشي المدني سكن مصر. روى عن عبد الله بن عمر وابن الزبير وسعيد بن المسيب وعمر ابن عبد العزيز وغيرهم. وعنه الليث بن سعد وحيوة بن شريح وآخرون، قال أحمد والنسائى والدارقطنى ثقة وقال أبو حاتم مستقيم الحديث لا بأس به وقال ابن حبان في الثقات يخطئُ قال الحافظ لم نقف لهذا الرجل على خطأ وتوقف أبى حاتم في سماعه من ابن عمر لا وجه له ففي البخارى ما يدلّ عليه اهـ توفى بالإسكندرية سنة خمس وثلاثين ومائة (قوله عن ابن عمه) قال المنذرى

باب الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد

رجل مجهول وقال ابن حجر لم يسمّ من الطبقة الثالثة (معنى الحديث) (قوله ولم يذكر أمر الرعاية الخ) أى لم يذكر أبو عقيل أو من دونه قصة رعايتهم للإبل بل قال عند قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما منكم من أحد توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع بصره إلى السماء، وفي نسخة نظره، وهذه الجملة هى الزائدة في رواية أبي عقيل والظاهر أن رفع البصر يكون من ابتداء الذكر إلى منتهاه وأنه لا يختص بالبصير، ولعل الحكمة فيه أن السماء قبلة الدعاء ومهبط الملائكة والرحمات (قوله وساق الحديث الخ) أى ذكر أبو عقيل أو من دونه حديث معاوية بألفاظ تؤدّى معنى حديث معاوية وإن كان اللفظ مختلفا (فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدّم على مشروعية رفع المتوضئ بصره إلى السماء عقب الوضوء عند إتيانه بالشهادتين (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن أبى شيبة في مصنفه بسنده إلى أبي عقيل أن ابن عمّ له أخبره أنه سمع عقبة بن عامر يقول قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من توضأ فأتمّ وضوئه ثم رفع رأسه إلى السماء فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء اهـ وأخرجه أحمد والبزّار عن ثوبان بلفظ من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع طرفه الخ، وهذا الحديث ضعيف لأن في إسناده مجهولا (باب الرجل يصلى الصلوات بوضوء واحد) (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الْبَجَلِيِّ، قَالَ: مُحَمَّدٌ هُوَ أَبُو أَسَدِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، عَنِ الْوُضُوءِ، فَقَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَكُنَّا نُصَلِّي الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ» (ش) (رجال الحديث) (قوله شريك) بن عبد الله النخعى (قوله وقال محمد هو أبو أسد بن عمرو) أى قال محمد بن عيسى شيخ المصنف عمرو بن عامر هو والد أسد بن عمرو. وقد اختلف المحدّثون في عمرو بن عامر الراوى في هذا السند فصريح المصنف أنه البجلى ويؤيده قول شيخه هو أبو أسد بن عمرو فإن والد أسد بن عمرو بجلى والذى في الترمذى أنه الأنصارى قال بسنده ثنا سفيان بن سعيد عن عمرو بن عامر الأنصارى قال سمعت أنس بن مالك "وذكر الحديث" وهذا هو الظاهر وذلك أن عمرو بن عامر الأنصارى من الطبقة الخامسة ومن شيوخه أنس بن مالك ومن تلاميذه شعبة والثورى وشريك. روى له

أقوال العلماء في الوضوء لكل صلاة

الجماعة ووثقه أبو حاتم والنسائى وابن حبان، وعمرو بن عامر البجلى من الطبقة السادسة ومن كان منها لم يثبت لقاؤه أحدا من الصحابة ولذا لم يذكر أن من شيوخه أنسا (قال) الحافط في تهذيب التهذيب في ترجمة عمرو بن عامر البجلى. وذكر الآجرى عن أبى داود أن الذي يروى عن أنس هو والد أسد بن عمرو وكذا قال ابن عساكر في الأطراف في الرواة عن أنس عمرو بن عامر الأنصارى والد أسد بن عمرو فكأنه تبع في ذلك أبا داود وذلك وهم فإن والد أسد بجلى وهو متأخر عن طبقة الأنصارى وعليه فإن كان عمرو بن عامر هذا بجليا فلا يصح قوله سألت أنس بن مالك لأنه لم يلق أنسا، وسبب الخطأ في هذا أن المصنف ذكر الحديث بسنده عن محمد بن عيسى عن شريك وشريك سيئُ الحفظ كثير الوهم والخطأ، فنعت عمرو بن عامر بالبجلى خطأ منه ولم يتنبه لذلك محمد بن عيسى والمصنف (والبجلى) بفتحتين كحنفى نسبة إلى بجيلة قبيلة باليمن ويحتمل أن يكون بسكون الجيم نسبة إلى بجلة كتمرة قبيلة أيضا (معنى الحديث) (قوله سألت أنس بن مالك عن الوضوء) أى أيكفى الوضوء الواحد الصلوات كلها أم يتوضأ لكل صلاة وإن لم يحدث. وفي رواية النسائي من طريق شعبة عن عمرو أنه سأل أنسا أكان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ لكل صلاة قال نعم (قوله يتوضأ لكل صلاة) أي مفروضة طاهرا أو غير طاهر كما في رواية الترمذى وهذه كانت عادته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الغالبة وإلا فقد جمع بين صلاتين فأكثر بوضوء واحد كما في الحديث الآتى وحديث البخارى المروى عن سويد بن النعمان بلفظ خرجنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عام خيبر حتى إذا كنا بالصهباء صلى لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العصر فلما صلى دعا بالأطعمة فلم يؤت إلا بالسويق فأكلنا وشربنا ثم قام النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى المغرب فمضمض ثم صلى لنا المغرب ولم يتوضأ. وقيل يحتمل أن ذلك كان واجبا عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خاصة ثم نسخ يوم الفتح بحديث بريدة الآتى، ويحتمل أنه كان يفعله استحبابا ثم خشي أن يظن وجوبه فتركه لبيان الجواز وهذا أقرب، وعلى تقدير الأول فالنسخ كان قبل الفتح بدليل حديث سويد بن النعمان فإنه كان في خيبر وهى قبل الفتح بزمن، ويمكن أن يقال هذا إخبار من أنس على حسب ما اطلع عليه فلا ينافى ثبوت غيره في الواقع (قوله وكنا نصلى الصلوات بوضوء واحد) المراد صلاة اليوم والليلة ولعلّ ذلك كان يقع منهم أحيانا وإلا فقد ثبت أنهم كانوا يتوضؤون لكل صلاة تحصيلا للفضيلة "وقد اختلف" العلماء في ذلك فذهبت طائفة من الظاهرية والشيعة إلى وجوب الوضوء لكل صلاة في حق المقيمين دون المسافرين واحتجوا بحديث بريدة بن الحصيب الآتى (وذهبت) طائفة إلى أن الوضوء واجب لكل صلاة مطلقا ولو من غير حدث وروى ذلك عن ابن عمر

الترغيب في ذلك

وأبى موسى وجابر بن عبد الله وعبيدة السلماني وأبى العالية وسعيد بن المسيب وإبراهيم والحسن وحكى ابن حزم في كتاب الإجماع هذا المذهب عن عمرو بن عبيد (وقال) النووى في شرح مسلم وحكى أبو جعفر الطحاوى وأبو الحسن بن بطال في شرح صحيح البخارى عن طائفة من العلماء أنهم قالوا يجب الوضوء لكل صلاة وإن كان متطهرا، واحتجوا بقول الله تعالى "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية" وما أظن هذا المذهب يصح عن أحد، ولعلهم أرادوا استحباب تجديد الوضوء عند كل صلاة اهـ قال وروينا عن إبراهيم النخعى أنه لا يصلى بوضوء واحد أكثر من خمس صلوات (ومذهب) أكثر العلماء من الأئمة الأربعة وأكثر أصحاب الحديث وغيرهم أن الوضوء لا يجب إلا من حدث، واستدلوا بالأحاديث الصحيحة كحديثى الباب وحديث سويد بن النعمان في صحيح البخارى الذى تقدم ذكره وفى معناها أحاديث كثيرة كحديث الجمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة وسائر الأسفار والجمع بين الصلوات الفائتة يوم الخندق وغير ذلك (وأما) الآية الكريمة فالمراد بها والله أعلم إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون واستدلّ الدارمى على ذلك بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا وضوء إلا من حدث (وحكى) الشافعى عمن لقيه من أهل العلم أن التقدير إذا قمتم من النوم "فإن قلت" ظاهر الآية يقتضى التكرار لأن الحكم المذكور وهو قوله فاغسلوا معلق بالشرط وهو إذا قمتم إلى الصلاة فيقتضى تكرار الحكم عند تكرار الشرط كما هو القاعدة عندهم "قلنا" المسألة مختلف فيها والأكثر على أنه لا يقتضيه لفظا (وقال) الزمخشرى رحمه الله تعالى"فإن قلت" ظاهر الآية يوجب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة محدث وغير محدث فما وجهه "قلنا" يحتمل أن يكون الأمر للوجوب فيكون الخطاب للمحدثين خاصة وأن يكون للندب "فإن قلت" هل يجوز أن يكون الأمر شاملا للمحدثين وغيرهم لهؤلاء على وجه الإيجاب ولهؤلاء على وجه الندب "قلت" لا، لأن تناول الكلمة الواحدة لمعنيين مختلفين من باب الألغاز والتعمية (وقال) الطحاوى رحمه الله تعالى قد يجوز أن يكون وضوءه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لكل صلاة على ما روى بريدة لإصابة الفضل لا لأنه كان واجبا عليه اهـ ويدلّ عليه ما رواه هو وابن أبى شيبة من حديث أبى غطيف الهذلى قال صليت مع عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما الظهر فانصرف في مجلس في داره فانصرفت معه حتى إذا نودى بالعصر دعا بوضوء فتوضأ ثم خرج وخرجت معه فصلى العصر ثم رجع إلى مجلسه ورجعت معه حتى إذا نودى بالمغرب دعا بوضوء فتوضأ فقلت له أى شئ هذا يا أبا عبد الرحمن الوضوء عند كل صلاة فقال وقد فطنت لهذا منى ليست بسنة إن كان لكافيا وضوئي لصلاة الصبح وصلواتى كلها ما لم أحدث ولكنى سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول من توضأ على طهر كتب الله له بذلك عشر حسنات ففى ذلك رغبت يا ابن أخى (وقال) الطحاوى

وقد روى أنس بن مالك ما يدلّ على ما ذكرنا فأخرج بسنده عن عمرو بن عامر عن أنس بن مالك قال أتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بوضوء فتوضأ منه فقلت لأنس أكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ عند كل صلاة قال نعم قلت فأنتم قال كنا نصلى الصلوات بوضوء، وقال فهذا أنس قد علم حكم ما ذكرنا من فعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم ير ذلك فرضا اهـ أي بل كان ذلك لإصابة الفضل وإلا لما وسعه ولا غيره أن يخالفوه (وقال) ابن شاهين لم يبلغنا أن أحدا من الصحابة والتابعين كانوا يتعمدون الوضوء لكل صلاة إلا ابن عمر وفيه نظر لأنه روى ابن أبى شيبة حدثنا وكيع عن ابن عون عن ابن سيرين كان الخلفاء يتوضؤون لكل صلاة، وفي لفظ كان أبو بكر وعمر وعثمان يتوضؤون لكل صلاة (وقال) بعضهم يمكن حمل الآية على ظاهرها من غير نسخ ويكون الأمر في حق المحدثين على الوجوب وفى حق غيرهم للندب لكن قد علمت أن هذا لا يصح لما تقدّم من أنه يكون من باب الألغاز ذكره العيني في شرح البخارى (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أنه يستحب الوضوء لكل صلاة (قال) النووى في شرح مسلم وفي شرط استحباب التجديد أوجه (أحدها) أنه يستحب لمن صلى به صلاة سواء أكانت فريضة أم نافلة (الثانى) لا يستحب إلا لمن صلى فريضة (الثالث) يستحب لمن فعل به ما لا يجوز إلا بطهارة كمسّ المصحف وسجود التلاوة (الرابع) يستحب وإن لم يفعل به شيئا أصلا بشرط أن يتخلل بين التجديد والوضوء زمن يقع بمثله تفريق ولا يستحب تجديد الغسل على المذهب المشهور، وفي استحباب تجديد التيمم وجهان أشهرهما لا يستحب اهـ ودلّ الحديث أيضا على مشروعية تأدية صلوات كثيرة بوضوء واحد (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى والنسائى والبيهقي وابن ماجه والترمذى وقال حديث حسن صحيح وكذا الطحاوى بلفظ تقدّم (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، قال حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنِّي رَأَيْتُكَ صَنَعْتَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ، قَالَ: «عَمْدًا صَنَعْتُه» (ش) (رجال الحديث) (قوله يحيى) بن سعيد القطان و (سفيان) بن سعيد الثورى

قصة فتح مكة

(قوله (ص) علقمة بن مرثد) بفتح الميم والثاء المثلثة بينهما راء ساكنة الحضرمى أبو الحارث الكوفي روى عن زرّ بن حبيش وطارق بن شهاب والشعبى وسليمان بن بريدة وكثيرين. وعنه مسعر وشعبة والثورى وغيرهم، وثقه أحمد والنسائى ويعقوب بن سفيان وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم صالح الحديث. روى له الجماعة (قوله سليمان بن بريدة) بن الحصيب مصغرا الأسلمى المروزى. روى عن عائشة وأبيه وعمران بن حصين. وعنه علقمة بن مرثد وعبد الله ابن عطاء وضرار بن مرّة والقاسم بن مخيمرة وغيرهم، وثقه ابن معين وأبو حاتم وقال البخارى لم يذكر سليمان سماعا من أبيه. روى له الجماعة إلا البخارى، ولد في عهد عمر بن الخطاب ومات سنة خمس ومائة (قوله عن أبيه) بريدة الأسلمى صحابى جليل (معنى الحديث) (قوله صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الفتح) أى فتح مكة المشرّفة الذى حصل به أعظم فتوح الإسلام وأعزّ الله به دينه ورسوله وجنده وحرمه واستبشر به أهل السماء ودخل الناس في دين الله أفواجا، وسببه على ما ذكره المؤرخون أنه وقع الصلح بالحديبية على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يتعرّض لمن دخل في عقد قريش وأنهم لا يتعرّضون لمن دخل في عقده وكان ممن دخل في عقدة خزاعة وفي عقدهم بنو بكر وكانا متعاديين فخرج بعض بنى بكر وخزاعة فاقتتلوا فأمدّ قريش بني بكر فخرج أربعون من خزاعة إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخبرونه ويستنصرونه فقام وهو يجرّ رداءه ويقول لا نصرت إن لم أنصركم بما أنصر به نفسى ولما أحسّ أبو سفيان جاء إلى المدينة ليجدّد العهد ويزيد في المدّة فأبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فرجع فأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الناس بالجهاز وأمر أهله أن يجهزوه وأعلم الناس أنه سائر إلى مكة وقال اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها فتجهز الناس ومضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بهم عامدا إلى مكة لعشر مضين من رمضان وقيل لليلتين مضتا منه سنة ثمان من الهجرة فصام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والناس معه حتى إذا كان بالكديد أفطر وعقد الألوية والرايات ودفعها إلى القبائل ثم مضى حتى نزل مرّ الظهران المسمى الآن بوادى فاطمة في عشرة آلاف وقيل اثنى عشر ألفا من المسلمين ولم يتخلف من المهاجرين والأنصار عنه أحد فلما نزل بهم أمرهم أن يوقدوا عشرة آلاف نار كل نار على حدة فخرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل ابن ورقاء يتجسسون الأخبار وكان العباس بن عبد المطلب لقى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ببعض الطريق مهاجرا بعياله فلما رأى ذلك الأمر قال والله لئن دخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مكة عنوة قبل أن يستأمنوه لهلكت قريش إلى آخر الدهر قال العباس فركبت بغلة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم البيضاء وخرجت لأجد

حطابا أو ذا حاجة يدخل مكة فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة وإذا أنا بأبى سفيان فعرفت صوته فقلت يا أبا حنظلة فعرف صوتى فقال أبو الفضل فقلت نعم قال مالك فداك أبى وأمى قلت ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد جاءكم بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمين قال وما الحيلة قلت والله لئن ظفر بك ليضربنّ عنقك فاركب عجز هذه البغلة حتى آتى بك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأستأمنه لك فأردفته ورجع صاحباه فخرجت أركض به بغلة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلما مررت بنار من نيران المسلمين نظروا وقالوا عمّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على بغلة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال من هذا وقام إلىّ فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة قال يا أبا سفيان عدوّ الله الحمد لله الذى أمكن منك بغير عقد ولا عهد ثم خرج يشتدّ نحو رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آنه وسلم وركضت البغلة فسبقته فلما وصلت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخلت عليه ودخل عليه عمر فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان عدوّ الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد فدعنى أضرب عنقه قال فقلت يا رسول الله إني قد أجرته فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اذهب به يا عباس إلى رحلك فإذا أصبحت فأتنى به قال فذهبت به إلى رحلى فبات عندى فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلما رآه قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله قال بأبي أنت وأمى ما أحلمك وأكرمك وأوصلك والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لأغنى عني شيئا بعد قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله حقا فقال أما هذه ففى النفس منها شئ حتى الآن فقال له العباس أسلم قبل أن تضرب عنقك فأسلم مرغما قال العباس يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا قال نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه عليه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم احبسه بمضيق الوادى حتى تمرّ به جنود الله قال ففعلت ومرت به القبائل معها راياتها ثم كانت قد عظم أمرها في نفسه فقال أبو سفيان للعباس يا أبا الفضل لقد أصبح ملك إبن أخيك عظيما فقال له العباس ويحك إنها النبوّة قال فنعم إذاً قلت ألحق الآن بقومك فحذّرهم فخرج أبو سفيان سريعا حتى أتى مكة فصرخ في المسجد بأعلى صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به قالوا وكيف السبيل قال من دخل دار أبى سفيان فهو آمن قالوا ويحك وما تغنى عنا دارك قال ومن دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق عليه داره فهو آمن فتفرّق الناس إلى دورهم وإلى المسجد ثم إن رسول الله

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخل مكة وضرب قبته بأعلى مكة وكانت راية النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والمهاجرين مع الزبير فبعثه ومعه المهاجرون وخيلهم وأمره أن يدخل من أعلى مكة وأن يغرز رايته بالحجون ولا يبرح حتى يأتيه ثم إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما اطمأن خرج بالناس حتى جاء البيت فطاف به سبعا على راحلته يستلم الركن بمحجن في يده فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له فدخلها ثم وقف على باب الكعبة وقد استكنّ له الناس في المسجد فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم قال يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم ثم قال اذهبوا أنتم الطلقاء فأعتقهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد كان الله أمكن منهم عنوة فبذلك سمى أهل مكة الطلقاء واجتمع الناس للبيعة فجلس إليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الصفا فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا فلما فرغ من بيعة الرجال بايع النساء وقد أحدق به الأنصار فقالوا ما بينهم أترون رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم به فقال ماذا قلتم قالوا لا شئ يا رسول الله فلم يزل بهم حتى أخبروه فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم وأقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة (قوله خمس صلوات بوضوء واحد) حصل منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على خلاف عادته الغالبة فإنه كان يتوضأ لكل صلاة كما تقدم ولذلك استغرب عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. وفي هذا الحديث دلالة على جواز فعل الصلوات المفروضات والنوافل بوضوء واحد ما لم يحدث وهذا جائز بإجماع من يعتدّ به (قال) الترمذى والعمل على هذا عند أهل العلم اهـ وقد تقدم بيان المذاهب في ذلك (قوله صنعت اليوم شيئا) هو تأديته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلوات الخمس بوضوء واحد قيل والمسح على الخفين وليس بشئ لأن المسح على الخفين كان قبل الفتح وكان يعلمه عمر (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز تأدية الصلوات المفروضة بوضوء واحد، وعلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان قبل هذا اليوم يواظب على الوضوء لكل صلاة عملا بالأفضل، وعلى مشروعية المسح على الخفين، وعلى جواز سؤال المفضول الفاضل عن بعض أعماله التى في ظاهرها مخالفة للعادة لأنها قد تكون عن نسيان فيرجع عنه وقد تكون عمدا لمعنى خفى على المفضول فيستفيده، وعلى أنه ينبغى للمسئول إجابة السائل (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى وابن ماجه والبيهقي والطحاوى في شرح معاني الآثار والترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح ورواه من عدّة طرق وفي بعضها زيادة توضأ مرّة مرّة

باب تفريق الوضوء

(باب تفريق الوضوء) وفى نسخة باب في تفريق الوضوء أى في بيان حكم عدم موالاة أعمال الوضوء (ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ قَتَادَةَ بْنَ دِعَامَةَ، ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ تَوَضَّأَ وَتَرَكَ عَلَى قَدَمِهِ مِثْلَ مَوْضِعِ الظُّفْرِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، وَلَمْ يَرْوِهِ إِلَّا ابْنُ وَهْبٍ وَحْدَهُ». (ش) (رجال الحديث) (قوله هارون بن معروف) الخزاز المروزى أبو على الضرير نزيل بغداد. روى عن ابن المبارك وابن عيينة والدراوردى ويحيى بن زكريا والوليد بن مسلم وغيرهم. وعنه أحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم والبخارى ومسلم وآخرون، وثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والعجلى وصالح بن محمد. مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين ببغداد و (ابن وهب) هو عبد الله بن وهب (معنى الحديث) (قوله أن رجلا) لم يعرف اسمه (قوله وترك على قدمه الخ) أى ترك على ظهر قدمه مقدار موضع ظفر الإبهام كما في رواية الدارقطنى، والظفر من الإنسان معروف وهو مذكر وفيه لغات أجودها ظفر بضم الظاء المعجمة والفاء وبها جاء القرآن الكريم ويجوز إسكان الفاء ويقال ظفر بكسر الظاء وإسكان الفاء وظفر بكسرهما وقرئَ بهما في الشواذ وجمعه أظفار ويقال في الواحد أيضا أظفور ويجمع على أظافير (قوله ارجع فأحسن وضوءك) أى أكمله بغسل ما تركته، وبه استدلّ من قال إن الموالاة ليست بواجبة وهم الحنفية والشافعى في الجديد قالوا لأنه لو كانت الموالاة واجبة لقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ارجع فأعد وضوءك لأنه مبعوث لبيان أمور الشريعة ولا سيما في موضع الحاجة إلى البيان وإنما قال أحسن وضوءك وإحسان الوضوء إكماله وذلك لا يكون إلا في أمر معتدّ به، غاية ما في الباب أنه لا يجوز له أن يصلى بذلك الوضوء حتى يكمله. وقوله ارجع لا يدلّ على الإعادة وإنما قال ارجع ليرجع ويمسّ ذلك الموضع بالماء ويزيده ما رواه ابن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس فيما يعلمه حماد عن علىّ قال إذا

توضأ الرجل فنسى أن يمسح برأسه فوجد في لحيته بللا أخذ من لحيته فمسح برأسه وهذا أبلغ من ذلك حيث إنه هنا قد نسى ركنا كاملا فأجزأه إمساس الماء من غير إعادة الوضوء ذكره العينى ويحتمل أن المراد بالإحسان ابتداء الوضوء وإليه ذهب القاضى عياض والأوزاعي والليث وقتادة وعبد العزير بن أبى سلمة من المالكية والشافعى في القديم وأحمد في رواية واستدلوا به على وجوب الموالاة حيث قال أحسن وضوءك ولم يقل اغسل الموضع الذي تركته (قال) النووى في شرح مسلم وهذا الاستدلال ضعيف أو باطل فإن قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحسن وضوءك محتمل للتتميم والاستئناف وليس حمله على أحدهما أولى من الآخر اهـ لكن قال العينى هو وإن كان يحتمل المعنيين لكن حمله على التتميم أولى فعم الاستدلال به على وجوب الموالاة لا وجه له لعدم ما يدلّ على ذلك وإن دلّ فلا نسلم أن يكون واجبا بل يكون مستحبا لما عرف من أنه يلزم من ذلك الزيادة على مطلق النص وذا غير جائز اهـ (وقال) الحافظ في الفتح باب تفريق الوضوء والغسل أى جوازه وهو قول الشافعى في الجديد واحتج له بأن الله تعالى أوجب غسل الأعضاء فمن غسلها فقد أتى بما وجب عليه فرّقها أو نسقها ثم أيد ذلك بفعل ابن عمر، وبذلك قال ابن المسيب وعطاء وجماعة، وقال ربيعة ومالك من تعمد ذلك فعليه الإعادة ومن نسى فلا، وعن مالك إن قرب التفريق بني وإن طال أعاد، وقال قتادة والأوزاعي لا يعيد إلا إن يجفّ، وأجازه النخعى مطلقا في الغسل دون الوضوء، ذكر جميع ذلك ابن المنذر وقال ليس مع من جعل الجفاف حدّا لذلك حجة (وقال) الطحاوى الجفاف ليس بحدث فينقض كما لو جفّ جميع أعضاء الوضوء لم تبطل الطهارة اهـ (وقال) الخطابى في هذا الحديث دلالة على أنه لا يجوز تفريق الوضوء وذلك لأنه قال ارجع فأحسن وضوئك وظاهر معناه إعادة الوضوء في تمام ولو كان تفريقه جائزا لأشبه أن يقتصر فيه على الأمر بغسل ذلك الموضع وكان يأمره بإمساسه الماء في مقامه ذلك وأن لا يأمره بالرجوع إلى المكان الذى يتوضأ فيه اهـ (وقال) النووى في شرح المهذب إن التفريق اليسير لا يضرّ بالإجماع وأما الكثير فالصحيح في مذهبنا أنه لا يضرّ وبه قال عمر بن الخطاب وابنه وسعيد بن المسيب وعطاء وطاوس والحسن البصرى والنخعى وسفيان الثورى وأحمد في رواية وداود وابن المنذر، وقالت طائفة يضرّ التفريق وتجب الموالاة حكاه ابن المنذر عن قتادة وربيعة والأوزاعي والليث وأحمد قال واختلف فيه عن مالك رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وحكى الشيخ أبو حامد عن مالك والليث إن فرّق بعذر جاز وإلا فلا. واحتج من أوجب الموالاة بما رواه أبو داود والبيهقى عن خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأى رجلا يصلى وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة. وعن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن رجلا توضأ

فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال ارجع فأحسن وضوءك فرجع ثم صلى رواه مسلم، وعن عمر أيضا موقوفا عليه انه قال لمن فعل ذلك أعد وضوءك وفي رواية اغسل ما تركت، واحتج من لم يوجب الموالاة بأن الله تعالى أمر بغسل الأعضاء ولم يوجب موالاة وبالأثر الصحيح الذى رواه مالك عن نافع أن ابن عمر توضأ في السوق فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ثم دعى إلى جنازة فدخل المسجد ومسح على خفيه بعد ما جفّ وضوءه وصلى قال البيهقى هذا صحيح عن ابن عمر مشهور بهذا اللفظ وهذا دليل حسن فإن ابن عمر فعله بحضرة حاضرى الجنازة ولم ينكر عليه، والجواب عن حديث خالد أنه ضعيف الإسناد وحديث عمر لا دلالة له فيه والأثر عن عمر روايتان إحداهما للاستحباب والأخرى للجواز اهـ قال بعضهم وهذا الجواب عن الأثر صحيح ويدلّ عليه أن مذهب عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عدم وجوب الموالاة اهـ (قوله ولم يروه إلا ابن وهب) أى لم يروه أحد عن جرير إلا عبد الله بن وهب وهو تعليل لكونه غير معروف (وقال) الدارقطني تفرّد به جرير بن حازم عن قتادة وهو ثقة ولم يروه عنه إلا ابن وهب اهـ فعلم أن الحديث غريب لأنه لم يروه عن قتادة إلا جرير ولم يروه عن جرير إلا ابن وهب وحده (فقه الحديث) دلّ الحديث على وجوب تعميم الأعضاء بالغسل في الوضوء وأن من ترك جزءا يسيرا ولو جاهلا أو ناسيا ممَّا يجب تطهيره لا تصح طهارته وهذا متفق عليه، ودلّ الحديث أيضا على أنه يطلب تعليم الجاهل مع الرفق به، وعلى أنه يطلب من العالم إذا رأى منكرا أن يغيره ولا يسكت عليه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة والدارقطني والبيهقى (ص) وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ نَحْوَهُ، قَالَ: «ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ». (ش) أورد المصنف هذا التعليق بصيغة التمريض لأنه اختلف في رفعه إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ووقفه على عمر. وقد وصله مسلم قال حدثنى سلمة بن شبيب حدثنا الحسن بن محمد بن أعين حدثنا معقل عن أبي الزبير عن جابر قال أخبرنى عمر بن الخطاب أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال ارجع فأحسن وضوءك فرجع ثم صلى وأخرجه ابن ماجه من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر عن عمر بن الخطاب قال رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رجلا

توضأ فترك موضع الظفر على قدمه فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة قال فرجع (قال) الحافظ في التلخيص قال البزّار في حديث جابر عن عمر لا نعلم أحدا أسنده عن عمر إلا من هذا الوجه وقال أبو الفضل الهروى إنما يعرف هذا من حديث ابن لهيعة ورفعه خطأ فقد رواه الأعمش عن أبى سفيان عن جابر عن عمر موقوفا وكذا رواه هشيم عن عبد الملك عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عمر نحوه في قصة موقوفة اهـ (وقال) البيهقى ورواه أبو سفيان عن جابر بخلاف ما رواه أبو الزبير فأخرج بسنده عن أبى سفيان عن جابر قال رأى عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رجلا يتوضأ فبقى في رجله لمعة فقال أعد الوضوء، وقال قد روى عن عمر ما دلّ على أن أمره بالوضوء كان على طريق الاستحباب وإنما الواجب غسل تلك اللمعة فقط. وأخرج بسنده أيضا والدارقطني عن الحجاج وعبد الملك عن عطاء عن عبيد بن عمير الليثى أن عمر بن الخطاب رأى رجلا وبظهر رجله لمعة لم يصبها الماء فقال له عمر أبهذا الوضوء تحضر الصلاة قال يا أمير المؤمنين البرد شديد وما معى ما يدفئنى فرقّ له بعد ما هم به قال فقال له اغسل ما تركت من قدمك وأعد الصلاة وأمر له بخميصة (قوله معقل) بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف (ابن عبيد الله) العبسى الحرّانى مولاهم. روى عن الزهرى وعكرمة وعطاء ابن أبى رباح وغيرهم. وعنه وكيع والثورى وأبو نعيم وعبد الله بن محمد النفيلى وآخرون، وثقه أحمد والنسائى وابن حبان وقال كان يخطئُ ولم يفحش خطؤه فيستحق الترك وقال ابن معين ليس به بأس، روى له مسلم وأبو داود والنسائى. مات سنة ست وستين ومائة و (الجزرى) بفتح الجيم والزاى منسوب إلى جزيرة وهى بلاد بين الفرات ودجلة (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، أَنَا يُونُسُ، وَحُمَيْدٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، بِمَعْنَى قَتَادَةَ (ش) غرض المصنف بسياق هذا وما قبله تقوية حديث قتادة بن دعامة عن أنس (رجال الحديث) (قوله يونس) بن عبيد بن دينار البصرى أبو عبد الله العبدى مولاهم رأى أنس بن مالك. وروى عن الحسن وعطاء ومحمد بن سيرين وثابت البناني وكثيرين. وعنه الثورى والحمادان وشعبة ويزيد بن زريع، قال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال ابن حبان كان من سادات أهل زمانه علما وفضلا وحفظا وإتقانا وسنة وبغضا لأهل البدع ووثقه أحمد وابن معين والنسائى. توفي سنة تسع وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (قوله وحميد) مصغر ابن أبى حميد الطويل أبو عبيدة البصرى الخزاعي مولاهم. روى

دليل من قال بوجوب الموالاة في الوضوء

عن أنس بن مالك والحسن البصرى وثابت وابن أبى مليكة وغيرهم. وعنه يحيى بن سعيد الأنصارى ومالك بن أنس وشعبة والسفيانان والحمادان وآخرون، وثقه النسائي وابن معين والعجلى وقال ابن خرّاش ثقة صدوق وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث إلا أنه ربما دلس عن أنس وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان يدلس. مات وهو قائم يصلى سنة ثلاث وأربعين ومائة. روى له الجماعة (قوله بمعنى قتادة) أى بمعنى حديث قتادة عن أنس فالحديث مرسل لأن الحسن البصرى تابعى (ص) حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، ثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ بَحِيرٍ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ، لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله بقية) بن الوليد بن صائد بن كعب الكلاعي الحمصى روى عن محمد بن زياد والأوزاعي ومالك بن أنس وابن جريج وجماعة. وعنه على ابن حجر وشعبة والأوزاعي وابن جريج وهما من شيوخه والحمادان وابن عيينة وهم أكبر منه وابن المبارك وكثيرون، قال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به وقال أبو زرعة ما لبقية عيب إلا كثرة روايته عن المجهولين فإذا حدّث عن الثقات فهو ثقة وقال ابن المبارك كان صدوقا لكن كان يكتب عمن أقبل وأدبر وقال البيهقى في الخلافيات أجمعوا على أن بقية ليس بحجة (وبالجملة) وثقه قوم لكن الأكثر على تضعيفه. توفي بحمص سنة تسع وتسعين ومائة روى له الجماعة إلا البخارى (قوله بحير) بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة (هو ابن سعد) وفى بعض النسخ إسقاط لفظ هو وقيل ابن سعيد أبو خالد الحمصى. روى عن مكحول وخالد. وعنه معاوية بن صالح وإسماعيل بن عياش، وثقه النسائى وابن سعد وابن حبان ودحيم والعجلى وقال أبو حاتم صالح الحديث (قوله خالد) بن معدان بن أبي كريب الكلاعي أبو عبد الله. روى عن جماعة من الصحابة مرسلا منهم معاذ بن جبل وأبو ذرّ وعائشة وروى أيضا عن معاوية والمقدام بن معد يكرب وأبى أمامة وآخرين. وعنه ثور بن يزيد ومحمد ابن إبراهيم التيمى وحسان بن عطية وغيرهم، كان من فقهاء التابعين روى عنه أنه قال أدركت سبعين من الصحابة وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان من خيار عباد الله تعالى ووثقه النسائى والعجلى

ويعقوب بن شيبة ومحمد بن سعد وابن خرّاش، توفي سنة ثلاث ومائة. روى له الجماعة إلا البخارى (قوله عن بعض أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) لم يعرف اسمه وجهالة الصحابي لا تضرّ لأن الصحابة كلهم عدول. وفي رواية أحمد عن بعض أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، والأصحاب جمع صاحب والأصل في هذا الإطلاق لمن حصل له رؤية ومجالسة ويطلق مجازا على من تمذهب بمذهب من مذاهب الأئمة فيقال أصحاب الشافعى وأصحاب أبى حنيفة وكل شيء لازم شيئا فقد استصحبه. والصحابى من اجتمع بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اجتماعا متعارفا ولو لحظة مؤمنا به (معنى الحديث) (قوله وفي ظهر قدمه لمعة) بضم اللام في تجمع على لماع ولمع مثل برمة وبرام وبرم وهي بياض أو سواد أو حمرة تبدو من بين لون سواها وهى في الأصل البقعة من الكلأ ويقال هي قطعة من النبت أخذت في اليبس، وفي اصطلاح الفقهاء الموضع الذى لم يصبه الماء في الوضوء والغسل (قوله قدر الدرهم) أى قدره مساحة وهو المعروف عند بعض الفقهاء بالدرهم البغلى وهو الدائرة التى تكون في ذراع البغل (قوله فأمره النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة) أما الأمر بإعادة الصلاة فظاهر لأنه صلى بلا طهارة تامة وأما إعادة الوضوء فعند من يقول بوجوب الموالاة فظاهر أيضا وعند من يرى عدم وحوبها فلأجل أن تقع صلاته بعد ذلك بطهارة مأتىّ بها على وجه الكمال للاحتياط في العبادات (وظاهر) الحديث يدل لمن قال بوجوب الموالاة في الوضوء لكن الحديث فيه مقال ولو سلم فالأمر فيه للندب جمعا بين الروايات وتقدم بيان ذلك وافيا (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن من ترك جزءا ولو قليلا من أعضاء وضوئه بدون غسل يجب عليه إعادة الوضوء والصلاة إن صلى به: وعلى مشروعية الموالاة في الطهارة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد وقال إسناده جيد والبيهقى وقال مرسل وقال الحافظ في التلخيص أعله المنذرى بأن فيه بقية وقال عن بحير وهو مدلس. لكن في المسند والمستدرك تصريح بقية بالتحديث. وأجمل النووى القول في هذا فقال في شرح المهذب هو حديث ضعيف الإسناد وفي هذا الإطلاق نظر لهذه الطرق اهـ (وقال) ابن القيم في تهذيب السنن هكذا علل أبو محمد المنذرى وابن حزم هذا الحديث برواية بقية وزاد ابن حزم تعليلا آخر وهو أن راويه مجهول لا يدرى من هو (والجواب) عن هاتين العلتين. أما الأولى فإن بقية ثقة في نفسه صدوق حافظ وإنما نقم عليه التدليس مع كثرة روايته عن الضعفاء والمجهولين وأما إذا صرّح بالسماع فهو حجة وقد صرّح في هذا الحديث بسماعه له قال أحمد في مسنده نا إبراهيم بن أبى العباس نا بقية حدثنى بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن بعض أزواج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

باب إذا شك في الحدث

فذكر الحديث وقال وأمره أن يعيد الوضوء. وأما العلة الثانية فباطلة أيضا على أصل ابن حزم فإن أصل سائر أهل الحديث أن جهالة الصحابى لا تقدح في الحديث لثبوت عدالة جميعهم اهـ وكذا أخرجه الحاكم من طريق بقية قال حدثنى بحير فانتفت عنه تهمة التدليس. ودعوى البيهقى الإرسال إنما يتمشى على مذهب البخارى الذى يشترط لقى التلميذ لشيخه فإن خالد بن معدان يروى عن بعض أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالعنعنة ولم يثبت لقاؤه به، أما على ما ذهب إليه مسلم والجمهور من عدم اشتراط اللقى فهو متصل (باب إذا شك في الحدث) أينتقض الوضوء أم لا، والشك في اللغة خلاف اليقين فيشتمل التردّد بين الطرفين سواء أرجح أحدهما على الآخر أم كانا متساويين وعليه اصطلاح الفقهاء وهو المراد هنا، وعند الأصوليين التردّد بين الطرفين على السواء فإن رجح أحدهما على الآخر فالراجح ظنّ والمرجوح وهم، والحدث لغة التجدد، وشرعا الحالة الناقضة للطهارة وجمعه أحداث مثل سبب وأسباب (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ، قَالَا: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ: شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «لَا يَنْفَتِلْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا» (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن أحمد بن أبى خلف) السلمى أبو عبد الله البغدادى روى عن محمد بن طلحة وروح بن عبادة وسفيان بن عيينة وآخرين، وعنه مسلم وأبو داود وابن ماجه وعبد الله بن أحمد وغيرهم، قال أبو حاتم ثقة صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ. مات سنة ست وثلاثين ومائتين (قوله سعيد بن المسيب) بفتح المثناة التحتية ابن حزن بن عمرو المخزومي إمام التابعين. روى عن علىّ وعثمان وعمر وسعد وابن عباس وأبى ذزّ وأبى هريرة وكثيرين. وعنه قتادة وعمرو بن دينار وعطاء بن أبى رباح ويحيى بن سعيد الأنصارى وآخرون، قال قتادة ما رأيت أحدا قطّ أعلم بالحلال والحرام منه وقال مكحول ما لقيت أعلم منه وقال أحمد إنه أفضل التابعين وقال ابن المدينى لا أعلم أحدا في التابعين أوسع علما منه وهو عندي أجلّ التابعين وقال أبو حاتم ليس في التابعين

أنبل منه وقال الشافعى وأحمد وغير واحد مراسيل ابن المسيب صحاح وقال ابن حبان في الثقات كان من سادات التابعين فقها ودينا وورعا وعبادة وفضلا وكان أفقه أهل الحجاز. ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب وتوفى سنة أربع وتسعين. روى له الجماعة (قوله عن عمه) أى عمّ عباد وهو عبد الله بن زيد بن عاصم الصحابى وصرح به مسلم وغيره في روايتهم لهذا الحديث (قال) الحافظ في الفتح قوله وعباد معطوف على قوله عن سعيد بن المسيب ثم إن شيخ سعيد بن المسيب يحتمل أن يكون عمّ عباد كأنه قال كلاهما عن عمه أى عمّ الثاني وهو عباد ويحتمل أن يكون محذوفا ويكون من مراسيل ابن المسيب، وعلى الأول جرى صاحب الأطراف، ويؤيد الثانى رواية معمر لهذا الحديث عن الزهرى عن ابن المسيب عن أبى سعيد الخدري أخرجه ابن ماجة اهـ واختلفوا هل هو عمّ عباد لأبيه أو لأمه وتقدم في باب الوضوء في آنية الصفر (معنى الحديث) (قوله شكى إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الرجل) بالبناء للمفعول وكذا في رواية مسلم والرجل مرفوع على أنه نائب فاعل وعلى هذا فيكون الشاكي غير معلوم. وفى رواية البخاري أنه شكا بالألف مبنيا للفاعل وفاعله عمّ عباد وعلى هذا فيكون الشاكي معلوما والرجل بالنصب مفعول ويجوز فيه الرفع على الحكاية، وشكا من باب قتل يقال شكوته شكوا والاسم شكوى وشكاية وشكاة فهو مشكوّ ومشكى. والشكاية الإخبار عما يسئ ومثل الرجل في ذلك المرأة (قوله يجد الشئ في الصلاة) أى يحسّ حال التلبس بها بالحدث، وكني عنه بالشئ تأدبا لاستهجان التصريح به وفى رواية البخارى ومسلم أنه يجد الشئ، وفى رواية الإسماعيلى يخيل إليه في صلاته أنه يخرج منه شيء (وقد تمسك) بعض المالكية بظاهره فخصوا الحكم بمن كان داخل الصلاة وأوجبوا الوضوء على من شك في الحدث خارجها وفرّقوا بينهما بالنهى عن إبطال العبادة، وسيأتى لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى (قوله حتى يخيل إليه) أى يتوهم المصلى أنه خرج منه ريح. وحتى تفريعية ويخيل بضم المثناة التحتية وفتح الخاء المعجمة مبنى لما لم يسمّ فاعله مأخوذ من التخييل وهو الوهم (قال) الحافظ في الفتح وأصله من الخيال والمعنى يظن والظن هنا أعمّ من تساوى الاحتمالين أو ترجيح أحدهما على ما هو أصل اللغة من أن الظن خلاف اليقين اهـ (قوله لا ينفتل الخ) أي لا ينصرف وهو مجزوم بلا الناهية ويجوز فيه الرفع على أن لا نافية والنفى بمعنى النهى والمعنى أنه يستمرّ في صلاته إلى أن يسمع صوت ريح خارج من دبره أو يجد ريحا، وأو للتنويع، والمراد حتى يعلم وجود الريح ولا يشترط السماع والشمّ بالإجماع فإن الأصمّ لا يسمع شيئا والأخشم الذى ذهبت حاسة شمه لا يشمّ أصلا، والتقييد بسماع الريح ووجدانه خرّج مخرج الغالب إذ غيره كذلك (وقال) الخطابى

لم يرد بذكر هذين النوعين من الحدث تخصيصهما وقصر الحكم عليهما حتى لا يحدث بغيرهما وإنما هو جواب خرج على طريق المسألة التى سأل عنها السائل وقد دخل في معناه كل ما يخرج من السبيلين وقد يخرج منه الريح ولا يسمع لها صوتا ولا يجد لها ريحا فيكون عليه استئناف الوضوء إذا تيقن ذلك وقد يكون بأذنه وقر فلا يسمع الصوت أو يكون أخشم فلا يجد الريح والمعنى إذا كان أوسع من الاسم كان الحكم للمعنى وهذا كما روى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "إذا استهل الصبى ورث" لم يرد تخصيص الاستهلال الذى هو الصوت دون غيره من أمارات الحياة من حركة وقبض وبسط ونحوها اهـ والحديث الذى أشار إليه رواه المصنف عن أبى هريرة في باب المولود يهلّ ثم يموت (وحديث الباب) أصل من أصول الإسلام وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك ولا يضرّ الشك الطارئُ عليه فمن ذلك مسألة الباب التى ورد فيها الحديث وهي أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث حكم ببقائه على الطهارة لا فرق بين حصول الشك في الصلاة وحصوله خارجها وهذا مذهب جماهير العلماء من السلف والخلف ووافقهم ابن نافع من المالكية واستدلوا بحديث الباب قائلين إن التقييد فيه بالصلاة إنما وقع في السؤال فهى واقعة حال لا تفيد التقييد ويدلّ عليه ما رواه مسلم من حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شئ أم لا فلا يخرجنّ من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا والمراد بالمسجد الصلاة جمعا بين الروايات ففيه إطلاق اسم المحل على الحال، وللمالكية في المسألة قولان آخران فذهب الجمهور منهم إلى أنه إن شك في الحدث قبل الدخول في الصلاة بطل وضوءه ولا يجوز له الدخول في الصلاة إلا بطهارة متيقنة أما إن شك أثناء الصلاة فإنه يتمادى ولا يقطعها لحرمتها ما لم يتبين حدثه فإن تبين طهره فلا شئ عليه وإن دام على شكه أو تبين حدثه أعاد الوضوء والصلاة وهذا هو المشهور واستدلوا بظاهر حديث الباب وقالوا الفرق بين من كان في الصلاة وغيره أن من دخل في الصلاة دخل بوجه جائز فلا تبطل الصلاة التى دخل فيها إلا بيقين وهو ما نص عليه في الحديث بخلاف من كان خارج الصلاة. لكن قد علمت أن التقييد في الحديث بالصلاة إنما هو واقعة حال لا تفيد التخصيص ويردّ عليهم أن الشك في الحدث شك في المانع والشك في المانع لا يؤثر لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يقوم دليل على خلافه كما هو مقرّر (وأجيب) بأن الشك في المانع لما كان مستلزما لدخول الصلاة شاكا في بقاء الطهارة والطهارة شرط والشك في الشرط شك في المشروط والصلاة في ذمته بيقين فلا يبرأ منها إلا بطهارة متيقنة فلذا وجب الوضوء (وقال) ابن حبيب إذا خيل

فروع مهمة في الشك في طهارة المائعات وغيرها

إليه أن ريحا خرج منه فلا يتوضأ إلا أن يوقن بخلاف ما إذا شك أبال أو تغوّط أم لا فإنه ينتقض وضوءه أخذا بظاهر حديث الباب لكن قد علمت أن التقييد بسماع الريح ووجدانه خرج مخرج الغالب فلا يفيد التقييد وأما إذا تيقن الحدث وشك أتوضأ أم لا فعليه الوضوء اتفاقا وإذا تيقن كلا من الطهارة والحدث وشك في السابق منهما ففيه خلاف والظاهر أنه كمن تيقن الحدث وشك في الطهارة (ومن القاعدة) المأخوذة من الحديث التى هي أن الأصل واليقين لا يطرح حكمهما بالشك يتفرّع عدّة فروع ذكرها النووى فقال لو كان مع الشخص ماء أو مائع من لبن أو عسل أو دهن أو طبيخ أو ثوب أو عصير أو غيرها مما أصله الطهارة وتردد في نجاسته فلا يضرّ تردده وهو باق على طهارته، وسواء أكان تردده بين الطهارة والنجاسة مستويا أم ترجح احتمال النجاسة، وكذا لو شك في طلاق أو عتق أو حدث أو طهارة أو حيض زوجته وأمته فله البناء على الأصل ولا يلزمه شيء من هذا كله ما لم يستند الظن إلى سبب معين فإن استند كمسألة بول الحيوان في ماء كثير إذا تغير ومسألة المقبرة المشكوك في نبشها وثياب المتدينين باستعمال النجاسة وغير ذلك فلها أحكام ففى بعضها يعمل بالظاهر بلا خلاف كمسألة بول الحيوان وفي بعضها قولان كمسألة المقبرة ونحوها وفي آنية الكفار المتدينين باستعمال النجاسة وجهان (أحدهما) أنها محكوم بنجاستها عملا بالظاهر (والثاني) بطهارتها عملا بالأصل والثانى هو الأصح وقد أجرى الخراسانيون القولين في ثياب مدمني الخمر والقصابين (أى الجزّارين) وشبههم ممن يخالط النجاسة ولا يتصوّن منها مسلما كان أو كافرا وقالوا كل مسألة تعارض فيها أصل وظاهر أو أصلان ففيها قولان (فرع) واشتدّ إنكار الشيخ أبى محمد في كتاب التبصرة على من لا يلبس ثوبا جديدا حتى يغسله لما يقع ممن يعاني قصر الثياب وتجفيفها وطيها من التساهل وإلقائها وهي رطبة على الأرض النجسة ومباشرتها لما يغلب على القلب نجاسته ولا يغسل بعد ذلك قال وهذه طريقة الحرورية الخوارج ابتلوا بالغلوّ في غير موضعه وبالتساهل في موضع الاحتياط قال ومن سلك ذلك فكأنه يعترض على أفعال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والصحابة والتابعين وسائر المسلمين فإنهم كانوا يلبسون الثياب الجديدة قبل غسلها وحال الثياب في ذلك في أعصارهم كحالها في عصرنا بلا شك ثم قال أرأيت لو أمرت بغسلها أكنت تأمن في غسلها أن يصيبها مثل هذه النجاسة المتوهمة فإن قلت أنا أغسلها بنفسى فهل سمعت في ذلك خبرا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو عن أحد من الصحابة أنهم وجهوا على الإنسان على سبيل الإيجاب أو الندب والاحتياط غسل ثوبه بنفسه احترازا من أوهام النجاسة (فرع) قال أبو محمد في التبصرة نبغ قوم يغسلون أفواههم إذا أكلوا خبزا ويقولون الحنطة تداس بالبقر وهي تبول وتروث في المداسة أياما طويلة ولا يكاد يخلو طحين ذلك عن نجاسته قال وهذا مذهب أهل الغلوّ

والخروج عن عادة السلف فإنا نعلم أن الناس في الأعصار السالفة مازالوا يدرسون بالبقر كما يفعل أهل هذا العصر وما نقل عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والصحابة والتابعين وسار ذوى التقوى والورع أنهم رأوا غسل الفم من ذلك (قال) الشيخ أبو عمرو والفقه في ذلك أن ما في أيدى الناس من القمح المتنجس بذلك قليل جدّا بالنسبة إلى القمح السالم من النجاسة فقد اشتبه إذاً واختلط قمح قليل نجس بقمح طاهر لا ينحصر ولا منع من ذلك بل يجوز التناول من أى موضع أراد كما لو اشتبهت أخته بنساء لا ينحصرن فله نكاح من شاء منهن وهذا أولى بالجواز، وفى كلام البغدادى إشارة إلى أنه وإن تعين ما سقط الروث عليه في حال الدراس فمعفوّ عنه لتعذر الاحتراز عنه (فرع) قال الشيخ أبو محمد في التبصرة لو أصاب ثوبه أو غيره شيء من لعاب الخيل والبغال والحمير وعرقها جازت صلاته فيه لأنها وإن كانت لا تزال تتمرّغ في الأمكنة النجسة وتحك بأفواهها قوائمها التى لا تخلو من النجاسة فإنا لا نتيقن نجاسة عرقها ولعابها لأنها تخوض الماء الكثير وتكرع فيه كثيرا قال ولم يزل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه وسائر المسلمين بعدهم يركبون الخيل والبغال والحمير في الجهاد والحج وسائر الأسفار ولا يكاد ينفك الراكب في مثل ذلك عن أن يصيبه شيء من عرقها أو لعابها وكانوا يصلون في ثيابهم التى ركبوا فيها ولم يعدّوا ثوبين ثوبا للركوب وثوبا للصلاة (فرع) سئل الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في فتاويه عن جوخ حكى أن الكفار الذين يعملونه يجعلون فيه شحم خنزير واشتهر ذلك عنهم من غير تحقيق فقال إذا لم يتحقق فيما بيده نجاسة لم يحكم بالنجاسة (وسئل) عن بقل في أرض نجسة أخذه البقالون وغسلوه غسلا لا يعتمد عليه في التطهير هل يحكم بنجاسة ما يصيبه في حال رطوبته فقال إذا لم يتحقق نجاسة ما أصابه من البقل بأن احتمل أنه مما ارتفع عن منبته النجس لم يحكم بنجاسة ما أصابه من ذلك لتظاهر أصلين على طهارته (وسئل) عن الأوراق التى تعمل وتبسط وهي رطبة على الحيطان المعمولة برماد نجس وينسخ فيها ويصيب الثوب من ذلك المداد الذى يكتب به فيها مع عموم البلوى فقال لا يحكم بنجاسته (وسئل) عن قليل قمح بقى في سفل جبّ وقد عمت البلوى ببعر الفأر في أمثال ذلك فقال ما معناه إنه لا يحكم بنجاسة ذلك إلا أن يعلم نجاسة في هذا الجبّ المعين والله تعالى أعلم (فرع) قال إمام الحرمين وغيره في طين الشوارع الذى يغلب على الظن نجاسته قولان (أحدهما) يحكم بنجاسته (والثانى) بطهارته بناء على تعارض الأصل والظاهر (فرع) وماء الميزاب الذى يظن نجاسته ولا يتيقن طهارته ولا نجاسته: قال المتولى والرويانى فيه القولان في طين الشوارع، وهذا الذى ذكره فيه نظر والمختار الجزم بطهارته لأنه إن كان هناك نجاسة انغسلت (فرع) إن الشافعى رحمه الله تعالى نصّ على طهارة ثياب الصبيان في مواضع ويدلّ له أن النبى

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى وهو حامل أمامة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا وهى طفلة رواه البخارى ومسلم. وكذا يجوز مؤاكلة الصبيان في إناء واحد من طبيخ وسائر المائعات وأكل فضل مائع أكل منه صبى وصبية ما لم يتيقن نجاسة يده فإن يده محمولة على الطهارة حتى يتحقق نجاستها: وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أكل مع الصبى طبيخا، ولم تزل الصحابة والتابعون ومن بعدهم على ذلك من غير إنكار، وكذا ريق الصبى وإن كان يكثر منه وضع النجاسة في فمه فهو محمول على الطهارة حتى تتيقن نجاسته (فرع) هذا الذى ذكرناه كله فيما علم أن أصله الطهارة وشك في عروض نجاسته. أما ما جهل أصله ففيه مسائل (منها) ما لو كان معه قطعة لحم وشك هل هي من مأكول أو غيره فلا يباح له التناول منها لأنه قد شك في الإباحة والأصل عدمها وقد ذكر القاضى حسين فيها تفصيلا حسنا فقال لو وجد قطعة لحم ملقاة وجهل حالها فإن كانت ملقاة على الأرض غير ملفوفة بخرقة ونحوها فالظاهر أنها ميتة وقعت من طائر ونحوه فتكون حراما وإن كانت في مكتل أو خرقة ونحوهما فالظاهر أنها مذكاة فتكون حلالا إلا إذا كان في البلد مجوس واختلطوا بالمسلمين فلا تباح (ومنها) ما لو رأى حيوانا مذبوحا ولم يدر أذبحه مسلم أو مجوسىّ فلا يباح لأنه إنما يباح بذكاة أهل الذكاة وشككنا في ذلك والأصل عدمه اهـ باختصار (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن الطهارة لا تنتقض بالشك في الحدث حتى يتيقنه، وعلى مشروعية سؤال أهل الذكر عما خفى حكمه ولو كان مما يستقبح، وعلى طلب التأدب في السؤال بالتكنية عما يستقبح ذكره، وعلى مشروعية بثّ المرءوس شكواه فيما ينزل به لرئيسه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشيخان والنسائى وابن ماجه والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، أَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَدَ حَرَكَةً فِي دُبُرِهِ، أَحْدَثَ أَوْ لَمْ يُحْدِثْ، فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ فَلَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا» (ش) (رجال الحديث) (قوله حماد) بن سلمة (قوله سهيل) مصغر (ابن أبى صالح) ذكوان السمان أبو يزيد المدني. روى عن أبيه وسعيد بن المسيب وسعيد بن يسار وعطاء بن يزيد والأعمش وغيرهم. وعنه مالك بن أنس ويحيى الأنصارى وسليمان بن بلال

باب الوضوء من القبلة

وشعبة والسفيانان وآخرون، قال ابن معين ليس حديثه بحجة وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان يخطئُ وقال ابن عدى هو عندى ثبت لا بأس به مقبول الأخبار وقال سفيان بن عيينة كنا نعدّ سهيلا ثبتا في الحديث وقال أحمد ما أصلح حديثه وقال النسائى ليس به بأس وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقيل في حديثه بالعراق إنه نسى الكثير منه وساء حفظه في آخر عمره، روى له الجماعة إلا البخارى (معنى الحديث) (قوله إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة في دبره الخ) أى أن من طرأ عليه هذا الأمر وشك وهو في الصلاة أأحدث أم لا فلا يخرج من الصلاة حتى يتيقن الحدث، وقوله فأشكل عليه أى التبس عليه الأمر عطف لازم على ملزوم وذكره لزيادة الإيضاح ويحتمل أن فيه تقديما وتأخيرا والأصل فأشكل عليه أحدث أو لم يحدث (وقال) العينى الضمير الذى في أشكل يرجع إلى الحدث الذى دلّ عليه قوله أحدث والمعنى أشكل عليه أخرح منه ريج أم لا فلا ينصرف من الصلاة لأن اليقين لا يزول بالشك إلا إذا تيقن فحينئذ ينصرف ويتوضأ ثم هل بينى على ما مضى أو يستأنف فعندنا له أن يبنى وعند الشافعى ومالك وأحمد يستأنف وهو أفضل عندنا اهـ ونهاه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الخروج من الصلاة قبل تيقن الحدث لأن هذه الحركة يحتمل أن تكون من نفخ الشيطان كما جاء عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال يأتى أحدكم الشيطان في صلاته فينفخ في مقعدته فيخيل إليه أنه أحدث ولم يحدث فإذا وجد ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا أخرجه البزّار (فقه الحديث) دلّ الحديث بظاهره لما يقوله المالكية من الفرق بين من شك في الحدث في الصلاة فلا ينصرف حتى يتحقق من خروج شيء ومن شك خارج الصلاة وذلك أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قيد الحكم بمن كان في صلاة، وتقدم الكلام في ذلك والبحث فيه، وفيه دليل على أن الريح الخارج من الدبر ناقض للوضوء وهو مجمع عليه وكذا الريح الخارج من القبل عند ابن المبارك والشافعى وإسحاق وأحمد وهو رواية عن محمد من الحنفية والمشهور عندهم أنه لا ينقض. وكذا عند المالكية إلا إذا انسدّ الدبر وصار القبل مخرجا معتادا له (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والبيهقى وكذا الترمذى بلفظ إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا كان أحدكم في المسجد فوجد ريحا بين أليتيه فلا يخرج حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا وقال هذا حديث حسن صحيح، والمراد بالمسجد الصلاة كما تقدم (باب الوضوء من القبلة) أى في بيان حكم الوضوء من قبلة الرجل امرأته، والقبلة بضم القاف وسكون الموحدة اسم من التقبيل وهي معروفة والجمع قبل مثل غرفة وغرف

مذاهب العلماء في نقض الوضوء وعدمه من لمس الرجل امرأته

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا يَحْيَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَا: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَبَّلَهَا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهُوَ مُرْسَلٌ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ شيئا (ش) (رجال الحديث) (قوله يحيى) بن سعيد و (عبد الرحمن) بن مهدى و (سفيان) الثورى (قوله عن أبى روق) بفتح الراء وسكون الواو المخففة اسمه عطية ابن الحارث الهمداني الكوفي. روى عن أنس وإبراهيم التيمى والشعبي والضحاك وعكرمة وعنه ابناه يحيى وعمارة وأبو أسامة وعبد الواحد بن زياد، قال أبو حاتم صدوق وقال يعقوب بن سفيان وأحمد والنسائى ليس به بأس وقال ابن معين صالح وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن عبد البر قال الكوفيون هو ثقة ولم يذكره أحد بجرح. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله قبلها ولم يتوضأ) وفى رواية للدارقطنى عنها لقد كان نبى الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقبلنى إذا خرج للصلاة ولم يتوضأ (وظاهره) يدل على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء وإليه ذهب على وابن عباس وعطاء وطاوس وأبو حنيفة وأصحابه، واستدلوا بأدلة (منها) حديث الباب وهو وإن كان منقطعا لكن تؤيده الأحاديث الأخر (ومنها) ما أخرجه مسلم والترمذى وصححه عن عائشة قالت فقدت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوضعت يدى على باطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك (ومنها) ما أخرجه الشيخان من حديث أبي سلمة عن عائشة قالت كنت أنام بين يدى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ورجلاى في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلى فإذا قام بسطتهما والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح، وفى لفظ فإذا أراد أن يسجد غمز رجلى فضممتها إلى ثم سجد (ومنها) ما أخرجه النسائى عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت إن كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليصلى وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة حتى إذا أراد أن يوتر مسنى برجله (قال) الحافظ في التلخيص الحبير إسناده صحيح. وقال الزيلعى إسناده على شرط الصحيح (ومنها) ما أخرجه ابن ماجه عن زينب السهمية عن عائشة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يتوضأ ثم يقبل ويصلى ولا يتوضأ وربما فعله بي (قال) الزيلعى سنده جيد اهـ وفيه نظر لأن الحديث فيه حجاح بن أرطاة وهو كثير الخطأ

والتدليس وزينب السهمية مجهولة صرّح به البيهقى وغير واحد وحملوا اللمس في الآية على الجماع بقرينة الأحاديث المتقدمة ولتصريح ابن عباس الذى علمه الله تأويل كتابه واستجاب فيه دعوة نبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأن اللمس المذكور في الآية هو الجماع وقد تقرّر أن تفسيره أرجح من تفسير غيره لتلك المزية (وإلى تفسير) الآية بما ذكر ذهب علىّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ والحسن، وذهب ابن مسعود وابن عمر والزهرى والأوزاعي والشافعى إلى أن اللمس ناقض للوضوء واستدلوا بأدلة (منها) قوله تعالى "أو لامستم النساء" قالوا إن الآية صرّحت بأن اللمس من جملة الأحداث الناقضة للوضوء وهو حقيقة في لمس اليد ويؤيد بقاءه على معناه الحقيقى قراءة حمزة والكسائى أو لمستم فإنها ظاهرة في مجرّد اللمس دون الجماع (فإن قيل) إن الملامسة من باب المفاعلة ولا تكون إلا من اثنين واللمس باليد إنما يكون من واحد فثبت أن الملامسة هي الجماع (فالجواب) أن الملامسة هي التقاء بشرتين سواء أكان ذلك من فعل واحد أم فعل اثنين لأن كل واحد منهما يوصف بأنه لامس وملموس (وأجاب) الأولون عن هذا بأنه لا تنكر صحة إطلاق اللمس على الجس باليد بل هو المعنى الحقيقى له ولكن المقام محفوف بقرائن توجب المصير إلى المجاز وهي حديث عائشة في التقبيل وحديثها في لمسها لبطن قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وغيرهما من الأحاديث المتقدمة وقد فسر اللمس بالجماع علىّ وابن عباس كما تقدّم ويؤيد ذلك قول أكثر أهل العلم إن المراد بقول بعض الأعراب للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن امرأته لا تردّ يد لامس كناية عن كونها زانية ولهذا قال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم طلقها، على أن بعض المحققين قال إن المتجه أن الملامسة حقيقة في تماسّ البدنين بشئ من أجزائهما من غير تقييد باليد وعلى هذا فالجماع من أفراد مسمى الحقيقة فيتناوله اللفظ حقيقة وإنما يكون مجازا لو اقتصر على إرادته باللفظ. والقول بأن اللمس في حديث عائشة يحتمل أنه كان مع حائل أو أنه خاص به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تكلف ومخالفة للظاهر. واستدل أيضا من قال بنقض الوضوء باللمس بما أخرجه مالك والشافعى عن ابن عمر أن من قبل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء ورواه مالك أيضا في الموطأ عن ابن مسعود بلفظ من قبلة الرجل امرأته الوضوء. وبما أخرجه الدارقطنى وصححه من حديث عمر القبلة من اللمس فتوضؤوا منها. وبما أخرجه أيضا عن ابن عمر قال من قبل امرأته وهو على وضوء أعاد الوضوء. وما رواه أيضا عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه كان يقول قبلة الى جل وجسته بيده من الملامسة ومن قبل امرأته أو جسها بيده فقد وجب عليه الوضوء لكن أثر عمر قد ضعفه ابن عبد البرّ وقال هو خطأ وهو صحيح عن ابن عمر لا عن عمر، على أنه ثبت أنه كان يقبل امرأته ثم يصلى ولا يتوضأ فالرواية

عنه مختلفة فيحمل ما قاله في الوضوء إن صحّ عنه على الاستحباب وبقية هذه الآثار كلها ليس فيها حجة لعدم رفعها إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا سيما إذا وقعت معارضة لما ورد عن صاحب الشريعة (قال) في المرقاة هذه الأحاديث كلها موقوفة على بعض الصحابة ممن قال ينقض اللمس وليست في حكم المرفوع إذ للرأى فيه مجال مع احتمال أن يحمل قوله على الاستحباب للاحتياط، وللمجتهد أن يختار من أقوال الصحابة ما شاء لا سيما وقد ثبت عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عدم النقض باللمس كما تقدم عن عائشة، والأصل عدم التخصيص مع أن الشافعى لا يرى تقليد المجتهد للصحابى اهـ وذهب مالك والليث بن سعد وأحمد في إحدى الروايات عنه إلى أن اللمس إن كان بشهوة نقض وإلا فلا جمعا بين الآية والأحاديث المتقدمة فحملوا اللمس في الآية على ما إذا كان بشهوة وفي الأحاديث على ما إذا كان بدونها حيث وقعت ملامسته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للسيدة عائشة وهو في الصلاة مقبلا على مولاه سبحانه وتعالى وأما حديث عائشة أن النبي صلى الله تعاالى عليه وعلى آله وسلم قبل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ رواه المصنف فيحتمل أنه كان قبل نزول الآية، ولأن اللمس ليس بحدث في نفسه وإنما هو داع إلى الحدث فاعتبرت الحالة التى يدعو فيها إلى الحدث وهى حالة الشهوة واللامس والملموس عند مالك سواء وللشافعى في الملموس قولان الوضوء وعدمه أشهرهما الوضوء. وذهب داود إلى أن الملموس لا وضوء عليه، وما تقدم من التفصيل عند مالك في غير القبلة في الفم أما هى فيه فتنقض مطلقا إلا لوداع أو رحمة (والحاصل) أن في اللمس خلافا في نقض الوضوء وعدمه والقول بعدم النقض أقوى دليلا والاحتياط الوضوء خروجا من الخلاف (قوله قال أبو داود وهو مرسل) المرسل ما سقط منه الصحابى ويطلق على ما سقط من سنده راو مطلقا وهذا هو المراد هنا لأن الصحابى هنا مذكور وهو عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا (قوله وإبراهيم التيمى الخ) بيان لكون الحديث مرسلا قال الترمذى لا نعرف لإبراهيم التيمى سماعا من عائشة وليس يصح عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في هذا الباب شيء اهـ وقال النسائى بعد إخراجه لهذا الحديث ليس في هذا الباب حديث أحسن من هذا الحديث وإن كان مرسلا اهـ قال الدارقطنى لم يروه عن إبراهيم التيمي غير أبي روق عطية بن الحارث ولا نعلم حدّث به عنه غير الثورى وأبى حنيفة واختلف فيه فأسنده الثورى عن عائشة وأسنده أبو حنيفة عن حفصة وكلاهما أرسله وإبراهيم التيمى لم يسمع من عائشة ولا من حفصة ولا أدرك زمانهما وقد روى هذا الحديث معاوية بن هشام عن الثورى عن أبى روق عن إبراهيم التيمى عن أبيه عن عائشة فوصل إسناده واختلف عليه في لفظه فقال عثمان بن أبي شيبة عنه بهذا الإسناد إن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقبل وهو

صائم وقال عنه غير عثمان إن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقبل ولا يتوضأ اهـ ومعاوية هذا قد أخرج له مسلم في صحيحه وبذلك زال انقطاع الحديث. على أن أبا روق ثقة لم يذكره أحد بجرح كما تقدّم ومراسيل الثقات حجة عند الكوفيين (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وكَذَا رَوَاهُ الْفِرْيَابِيُّ وَغَيْرُهُ أى روى الحديث محمد بن يوسف الفريابى وغيره مرسلا عن الثورى كما رواه يحيى وعبد الرحمن ابن مهدى (والفريابى) بكسر الفاء وسكون الراء نسبة إلى فارياب على غير قياس بلدة ببلخ ويقال الفاريابى بإثبات الألف على القياس ويقال فيريابى بكسر الفاء وقلب الألف ياء لسكونها إثر كسرة هو محمد بن يوسف بن واقد أبو عبد الله الضبى مولاهم سكن قيسارية الشام وهو من أعاظم أصحاب الثورى أدرك الأعمش. روى عن جرير بن حازم والأوزاعي والثورى وابن عيينة وآخرين. وعنه البخارى وأحمد بن حنبل ومحمد بن يحيى والوليد بن علية وكثيرون وثقة أبو حاتم والنسائى والعجلى وقال البخارى كان أفضل أهل زمانه. توفي في ربيع الأول سنة اثنتى عشرة ومائتين، روى له الجماعة، ولم نقف على من وصل رواية الفريابى (وغير الفريابى) كوكيع وأبي عاصم ومحمد بن جعفر وقد أخرج روايتهم الدارقطنى قال بعد أن ذكر سنديه إلى الأولين وحدثنا الحسن بن إسماعيل وعمرو بن أحمد بن على القطان قالا نا محمد بن الوليد نا محمد بن جعفر غندر نا سفيان الثورى عن أبى روق عن إبراهيم التيمى عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ ثم يقبل بعد ما يتوضأ ثم يصلي ولا يتوضأ هذا حديث غندر وقال وكيع إن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ وقال أبو عاصم كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقبل ثم يصلى ولا يتوضأ اهـ (والحاصل) أن أكثر الحفاظ من أصحاب الثورى رووا الحديث عن سفيان مرسلا غير موصول وبعضهم وصله كمعاوية بن هشام (وقد) علمت أنه ثقة وزيادة الثقة مقبولة، وفى النسخة المصرية تقديم قوله "وكذا رواه الفريابى وغيره" على قوله وهو مرسلا الخ وهو خطأ، وفى بعض النسخ زيادة "قال أبو داود ومات إبراهيم التيمى ولم يبلغ أربعين سنة وكان يكنى أبا أسماء" (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن تقبيل الرجل امرأته لا ينقض الوضوء قال الترمذى وقد روى نحو هذا عن غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والتابعين وهو قول سفيان الثورى وأهل الكوفة قالوا ليس في القبلة وضوء (وقال) مالك ابن أنس والأوزاعي والشافعى وأحمد وإسحاق في القبلة وضوء وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والتابعين وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة عن

النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله سلم في هذا لأنه لا يصح عندهم لحال الإسناد اهـ وقد علمت بيانه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والدارقطني وأحمد والترمذى والبيهقى وقال الحديث الصحيح عن عائشة في قبلة الصائم فحمله الضعفاء من الرواة على ترك الوضوء منها ولو صح إسناده لقلنا به إن شاء الله تعالى اهـ وردّه في الجوهر النقى فقال هذا تضعيف للثقات من غير دليل والمعنيان مختلفان فلا يعلل أحدهما بالآخر (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَبَّلَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ»، قَالَ عُرْوَةُ: فَقُلْتُ مَنْ هِيَ إِلَّا أَنْتِ؟ فَضَحِكَتْ. (ش) (قوله وكيع) بن الجراح و (الأعمش) سليمان بن مهران و (حبيب) ابن أبي ثابت (قوله ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ) وفى رواية الدارقطني عن هشام ابن عروة بن الزبير أن رجلا قال سألت عائشة عن الرجل يقبل امرأته بعد الوضوء فقالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقبل بعض نسائه ولا يعيد الوضوء (قوله قال عروة الخ) أى ابن الزبير ابن أختها لا عروة المزني ففى رواية ابن ماجه التصريح بأن الراوى لهذا الحديث عن عائشة هو عروة بن الزبير وكذا الدارقطنى في رواية له (قال) في المرقاة قال ميرك وما ادعاه بعض محدّثى زماننا أن عروة هذا ليس عروة بن الزبير وإنما هو عروة المزنى ليس بشئ لأن البيهقى صرّح بأنه عروة بن الزبير ويشعر به كلام البخارى أيضا اهـ وقال ابن حجر عروة المزني لم يدرك عائشة اهـ كلام صاجب المرقاة وقوله من هى إلا أنت استفهام بمعنى النفى أى ليست المقبلة إلا أنت وضحكها يدلّ على أنها هي المقبلة لأن الضحك في مثل هذا الموضع تقرير لكلام السائل (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه والدارقطني والترمذى وقال سمعت أبا بكر العطار البصرى يذكر عن علىّ بن المدينى قال ضعف يحيى بن سعيد القطان هذا الحديث وقال هو شبه لا شيء قال وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث وقال حبيب بن أبى ثابت لم يسمع من عروة اهـ وأخرجه البيهقى مختصرا بلا ذكر قول عروة لعائشة، ونقل عن يحيى بن سعيد أن سفيان الثورى كان أعلم الناس بهذا زعم أن حبيبا لم يسمع من عروة شيئا (أقول) دعوى أن حبيبا لم يسمع من عروة غير مسلمة كما سيأتى للمصنف وقد جنح ابن عبد البرّ إلى تصحيح هذا الحديث فقال صححه الكوفيون وأثبتوه لرواية الثقات

من أئمة الحديث له وحبيب لا ينكر لقاؤه عروة لروايته عن هو أكبر من عروة وأقدم موتا منه. وقال في موضع آخر لا شك أنه أدرك عروة (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَكَذَا رَوَاهُ زَائِدَةُ، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ. (ش) أى روى الحديث المذكور زائدة بن قدامة وعبد الحميد عن الأعمش عن حبيب عن عروة بدون ذكر أبيه مثل رواية وكيع عن الأعمش وقد علمت بأنه ابن الزبير (وعبد الحميد) هو ابن عبد الرحمن أبو يحيى الكوفي. روى عن الأعمش والسفيانين وأبى حنيفة وجماعة. وعنه الحسن بن على الخلال وسفيان بن وكيع وأبو سعيد الأشج وأبو كريب وغيرهم، قال ابن معين والنسائى ثقة وقال مرّة ليس بالقوى وقال أبو داود كان داعية إلى الإرجاء وضعفه ابن سعد والعجلى وقال كان مرجئا. توفي سنة ثنتين ومائتين. روى له الجماعة إلا النسائى (والحمانى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم نسبة إلى حمان قبيلة من تميم. وروايته أخرجها الدارقطنى قال حدثنا أبو بكر النيسابورى نا على بن حرب وأحمد بن منصور ومحمد بن إشكاب وعباس بن محمد قالوا أنا أبو يحيى الحمانى نا الأعمش عن حبيب بن أبى ثابت عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصبح صائما ثم يتوضأ للصلاة فتلقاه المرأة من نسائه فيقبلها ثم يصلى قال عروة قلت لها من ترينه غيرك فضحكت (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَخْلَدٍ الطَّالْقَانِيُّ، قال ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ مَغْرَاءَ، قال ثَنَا الْأَعْمَشُ، أَنَا أَصْحَابٌ لَنَا، عَنْ عُرْوَةَ الْمُزَنِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ (ش) غرض المصنف بسياق هذا والتعليقين بعده بيان أن عروة في السند السابق هو عروة المزني لا عروة بن الزبير على ما ظنه يحيى بن سعيد والثورى فيكون الحديث ضعيف لجهالة المزنى وهذا وهم لوجوه (الأول) أن الذى وصف عروة بالمزني إنما هو عبد الرحمن بن مغراء وسيأتى أنه لا يحتج به فلا يثبت كونه مزنيا بقوله ولا سيما وقد خالفه في ذلك وكيع وصرّح بأنه عروة ابن الزبير كما تقدم عند ابن ماجه. ويحتمل أن الذى وصفه بالمزني شيوخ الأعمش وهم مجهولون فلا يعتمد على قولهم (الثانى) أن الأعمش صرّح في هذا الحديث بأنه حدّثه شيوخه عن عروة المزني فلو كان عروة هذا مجهولا فكيف يحدّث عنه الكثيرون فعلم أنه عروة بن الزبير، ووصفه بالمزنى غلط من عبد الرحمن بن مغراء (الثالث) أن المعروف عند المحدّثين أن من يذكر غير منسوب يحمل قطعا على المشهور المتعارف بينهم لا على المجهول (الرابع) أن عروة قال لعائشة من هى إلا أنت فضحكت وهذا يدلّ على أنه عروة بن الزبير ابن أختها لأن هذا لا يصدر

إلا ممن كان بينه وبينها مثل هذه القرابة (الخامس) أن أحاديث الباب التي أخرجها أحمد والدارقطنى بسندهما إلى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة دالة أيضا على أن عروة هنا هو ابن الزبير لا المزنى (قوله إبراهيم بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة. روى عن عبد الله بن المبارك وعبد الرحمن بن مغراء وغيرهما. وعنه أبو داود ومحمد بن منصور الطوسى، وثقه ابن حبان ومسلمة بن قاسم، و (الطالقاني) بفتح اللام وبعدها القاف نسبة إلى طالقان بلدة بخراسان (قوله عبد الرحمن يعنى ابن مغراء) بفتح الميم وسكون الغين المعجمة ابن عياض بن عبد الله بن وهب الكوفى أبو زهير نزيل الرىّ ولى قضاء الأردن. روى عن يحيى بن سعيد الأنصارى وابن إسحاق والأعمش ومحمد بن سوقة وغيرهم. وعنه إبراهيم بن موسى الفراء وإبراهيم بن مخلد والحسين ابن منصور ومحمد بن حميد وآخرون، قال أبو زرعة صدوق وقال ابن المدينى ليس بشئ كان يروى عن الأعمش ستمائة حديث تركناه لم يكن بذاك وقال ابن عدى روى عن الأعمش أحاديث لا يتابعه عليها الثقات وهو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم ووثقه أبو خالد الأحمر وابن حبان. روى له أبو داود (قوله أصحاب لنا) لم يعرف منهم إلا حبيب بن أبى ثابت (قوله عروة المزني) قال ابن حجر هو شيخ لا يدرى من هو وقال الذهبي هو شيخ لحبيب بن أبى ثابت لا يعرف اهـ والمزنى نسبة إلى مزينة قبيلة من قبائل العرب (قوله بهذا الحديث) أى الذى رواه حبيب بن أبى ثابت عن عروة، وقد أخرج هذه الرواية البيهقى من طريق المصنف وهي ضعيفة لضعف عبد الرحمن بن مغراء ولجهالة من روى عنهم الأعمش (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ لِرَجُلٍ احْكِ عَنِّي أَنَّ هَذَيْنِ الحديثين يَعْنِي حَدِيثَ الْأَعْمَشِ هَذَا، عَنْ حَبِيبٍ، وَحَدِيثَهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ «فِي الْمُسْتَحَاضَةِ أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ» قَالَ يَحْيَى: احْكِ عَنِّي أَنَّهُمَا شِبْهُ لَا شَيْءَ (ش) هذا التعليق وصله البيهقى قال أخبرنا أبو بكر أنا على نا محمد بن مخلد نا صالح بن أحمد نا على بن المدينى قال سمعت يحيى وذكر عنده حديثا الأعمش عن حبيب عن عروة عن عائشة تصلى وإن قطر الدم على الحصير وفي القبلة قال يحيى احك عنى أنهما شبه لا شيء، والمراد بالرجل في كلام المصنف على بن المدينى (قوله احك عني الخ) أى أخبر الناس عني بأن هذين الحديثين ضعيفان يعنى لأن في سندهما عروة المزني وهو مجهول وقد علمت أنه عروة بن الزبير، أن وصف عروة في سند حديث الباب بالمزني غلط من عبد الرحمن بن مغراء كما تقدم. والمعوّل عليه أن وجه ضعف هذا الحديث أن في سنده عبد الرحمن بن مغراء. وأما حديث المستحاضة فقد أخرجه المصنف

في باب من قال تغتسل من طهر إلى طهر قال حدثنا عثمان بن أبى شيبة وحدثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبى ثابت عن عروة عن عائشة قالت جاءت فاطمة بنت أبى حبيش إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذكر خبرها وقال اغتسلى ثم توضئى لكل صلاة وصلى وهذا سند صحيح (قوله قال يحيى أحك عنى الخ) أعاد هذه الجملة للفصل بين اسم أن وخبرها بالعناية من المصنف التى بين بها الحديثين. وشبه بكسر الشين وسكون الموحدة بمعنى المشابهة وسقط منه التنوين لإضافتة إلى مما بعده. وإنما قال شبه لا شيء ولم يقل لا شئ إشارة إلى أنهما ضعيفان وليسا بباطلين وضعفهما من جهة الإسناد ولذا قال الترمذي سمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث ويقول لم يسمع حبيب بن أبى ثابت من عروة شيئا وتقدم ما فيه (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: مَا حَدَّثَنَا حَبِيبٌ، إِلَّا عَنْ عُرْوَةَ الْمُزَنِيِّ يَعْنِي لَمْ يُحَدِّثْهُمْ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بِشَيْءٍ (ش) (قوله يعنى لم يحدّثهم الخ) أى لم يحدث حبيب أحدا من الثورى ومن معه عن عروة بن الزبير بشئ بل إنما حدّثهم عن عروة المزنى (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَدْ رَوَى حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ حَدِيثًا صَحِيحًا (ش) أى روى حمزة الزيات عن عروة بن الزبير حديثا صحيحا وهو ما أخرجه الترمذى في الدعوات قال حدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية بن هشام عن حمزة الزيات عن حبيب بن أبى ثابت عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول اللهم عافنى في جسدى وعافني في بصرى واجعله الوارث منى لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين وقال حديث غريب اهـ وغرض المصنف بهذا ردّ ما قاله الثورى من عدم رواية حبيب عن عروة ابن الزبير. وعلى تقدير صحة ما قيل إن عروة المطلق هو عروة المزنى أفلا يحتمل أن حبيبا سمعه من ابن الزبير وسمعه من المزني أيضا كما وقع ذلك في كثير من الأحاديث (وحمزة الزيات) هو ابن حبيب بن عمارة التيمي مولى تيم الله أبو عمارة الكوفى أحد القرّاء السبعة. روى عن الحكم وعمرو بن مرّة وحبيب بن أبي ثابت. وعنه ابن المبارك وجرير بن عبد الحميد وأبو أحمد الزبيرى وآخرون. وثقه ابن معين والنسائي، مات سنة ثمان أو ست وخمسين ومائة. وقد جاء لحديث عائشة طرق جيدة سوى ما مرّ من رواية

باب الوضوء من مس الذكر

حبيب عن عروة عنها (منها) ما رواه البزّار في مسنده قال حدثنا إسماعيل بن يعقوب بن صبيح حدثنا محمد بن موسى بن أعين حدثنا أبى عن عبد الكريم الجزرى عن عطاء عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقبل بعض نسائه ولا يتوضأ رجاله ثقات. قال عبد الحق بعد ذكر هذا الحديث لا أعلم له علة توجب تركه (ومنها) ما رواه الدارقطنى من طريق سعيد بن بشير قال حدثني منصور بن زاذان عن الزهرى عن أبى بسلمة عن عائشة قالت لقد كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقبلنى إذا خرج إلى الصلاة ولا يتوضأ وقال تفرّد به سعيد بن بشير عن منصور ولم يتابع عليه وليس بقوى اهـ وردّ بأن ابن الجوزى قال فيه وثقه شعبة ودحيم وأخرج له الحاكم في المستدرك وقال ابن عدى لا أرى بما يروى سعيد بأسا اهـ والغالب عليه الصدق وأقلّ أحوال مثل هذا أن يستشهد به (ومنها) ما رواه أيضا من طريق ابن أخى الزهرى عن الزهرى عن عروة عن عائشة قالت لا تعاد الصلاة من القبلة كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقبل بعض نسائه ويصلى ولا يتوضأ ولم يعله بشئ سوى أن منصورا خالف الزهرى (ومنها) ما أخرجه أيضا عن أبى بكر النيسابورى عن حاجب بن سليمان عن وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قبل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ ثم ضحكت وقال تفرّد به حاجب عن وكيع ووهم فيه والصواب عن وكيع بهذا الإسناد أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقبل وهو صائم، وحاجب لم يكن له كتاب إنما كان يحدّث من حفظه اهـ وردّه الزيلعى قال حاجب لا يعرف فيه مطعن وقد حدّث عنه النسائى ووثقه وتفرّد الثقة وتحديثه من حفظه لا يقدح في حديثه (ومنها) ما رواه عن على بن عبد العزيز الورّاق عن عاصم بن على عن أبى أويس حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنه بلغها قول ابن عمر في القبلة الوضوء فقالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقبل وهو صائم ثم لا يتوضأ. وقال ولا أعلم حدّث به عن عاصم بن على هكذا غير على بن عبد العزيز اهـ قال الزيلعى وعلىّ مصنف مشهور مخرجّ عنه في المستدرك وعاصم أخرج له البخارى وأبو أويس استشهد به مسلم اهـ (ومنها) ما رواه إسحاق بن راهويه في مسنده قال أخبرنا بقية بن الوليد حدثني عبد الملك بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله سلم قبلها وهو صائم وقال إن القبلة لا تنقض الوضوء ولا تفطر الصائم وقال يا حميراء إن في ديننا لسعة (باب الوضوء من مس الذكر) (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ

عُرْوَةَ، يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَذَكَرْنَا مَا يَكُونُ مِنْهُ الْوُضُوءُ، فَقَالَ مَرْوَانُ: وَمِنْ مَسِّ الذَّكَرِ؟ فَقَالَ عُرْوَةُ: مَا عَلِمْتُ ذَلِكَ، فَقَالَ مَرْوَانُ: أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عبد الله بن أبى بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم أبو محمد الأنصارى المدني. روى عن أبيه وأنس بن مالك وحميد بن نافع وعباد بن تميم وعروة وطائفة. وعنه مالك بن أنس والزهرى أحد شيوخه وهشام بن عروة وابن جريج والسفيانان وآخرون، قال أحمد حديثه شفاء ووثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائى وقال ابن سعد كان ثقة عالما كثير الحديث وقال ابن عبد البر كان من أهل العلم ثقة فقيها محدّثا مأمونا حافظا وهو حجة فيما نقل وحمل وقال مالك كان من أهل العلم والبصيرة ووثقه كثيرون (قوله مروان بن الحكم) بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي أبو عبد الملك أو أبو القاسم أو أبو الحكم ابن عمّ عثمان الأموى المدنى وكاتبه في خلافته. ولد بعد الهجرة بسنتين وقيل بأربع ولم يصح له سماع من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. روى عن عثمان وعلي وعمر وزيد ابن ثابت وعبد الرحمن بن الأسود وغيرهم من الصحابة. وعنه سهل بن سعد وهو أكبر منه سنا وقدرا لأنه من الصحابة. وروى عنه من التابعين ابنه عبد الملك وعلي بن الحسين وعروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وآخرون. كان يعدّ من الفقهاء وكان مع أبيه بالطائف إلى أن أذن عثمان للحكم في الرجوع إلى المدينة فرجع مع أبيه، شهد الجمل مع عائشة ثم صفين مع معاوية ثم ولى إمرة المدينة لمعاوية ثم لم يزل بها إلى أن أخرجهم ابن الزبير في أوائل إمرة يزيد بن معاوية وبقى بالشام إلى أن مات معاوية بن يزيد بن معاوية فبايعه بعض أهل الشام ثم كانت الوقعة بينه وبين الضحاك بن قيس وكان أميرا لابن الزبير فانتصر مروان وقتل الضحاك واستوثق له ملك الشام ثم توجه إلى مصر فاستولى عليها فكانت مدته في الخلافة نصف سنة مات في رمضان سنة خمس وستين (قوله ومن مس الذكر) والواو عاطفة على محذوف أى ينتقض الوضوء بالبول والغائط ومن مس الذكر (قوله ما علمت ذلك) أى ما علمت أن مس الذكر ينقض الوضوء، وقال عروة ذلك إنكارا على مروان فيما ادعاه ولذا احتج عليه مروان بحديث بسرة هذا وفى رواية للنسائى عن عروة بن الزبير أنه قال ذكر مروان في إمارته على المدينة أنه يتوضأ من مس الذكر إذا أفضى إليه الرجل بيده فأنكرت ذلك وقلت لا وضوء على من مسه فقال مروان أخبرتنى بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

مذاهب الأئمة في ذلك

ذكر ما يتوضأ منه فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ من مس الذكر قال عروة فلم أزل أمارى مروان حتى دعا رجلا من حرسه فأرسله إلى بسرة فسألها عما حدّثت مروان فأرسلت إليه بسرة بمثل الذى حدّثنى عنها مروان (قال) ابن حبان ومعاذ الله أن نحتج بمروان بن الحكم في شيء من كتبنا ولكن عروة لم يقنع بسماعه من مروان حتى بعث مروان شرطيا له إلى بسرة فسألها ثم أتاهم فأخبرهم بما قالت بسرة ثم لم يقنعه ذلك حتى ذهب عروة إلى بسرة فسمع منها فالخبر عن عروة عن بسرة متصل ليس بمنقطع وصار مروان والشرطى كأنهما زائدان في الإسناد اهـ (قوله أخبرتني بسرة) بضم الموحدة وسكون السين المهملة (بنت صفوان) بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصى القرشية الأسدية خالة مروان بن الحكم وجدّة عبد الملك بن مروان. روى عنها عبد الله بن عمرو وعروة بن الزبير ومروان بن الحكم وسعيد بن المسيب. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه قال الشافعى لها سابقة قديمة وهجرة وقال ابن مصعب كانت من المبايعات (معنى الحديث) (قوله من مس ذكره) أى من غير حائل لما جاء عن أبى هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء رواه أحمد وابن حبان. ولأن المس في الأصل الإفضاء إلى الشئ باليد من غير حائل يقال مسسته مسا من باب قتل أفضيت إليه بيدى من غير حائل والاسم المسيس (قوله فليتوضأ) أى وضوءا شرعيا وليس المراد غسل اليد لما في رواية الدارقطنى إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ وضوءه للصلاة. ولما في رواية أخرى له من مسّ ذكره فليعد الوضوء، والإعادة لا تكون إلا لوضوء الصلاة (وظاهره) يدلّ على انتقاض الوضوء من مسّ الذكر. وبه قال عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو هريرة وابن عباس وعائشة وسعد بن أبى وقاص وعطاء والزهرى وابن المسيب ومجاهد وأبان بن عثمان وسليمان بن يسار وإسحاق ومالك والشافعى وأحمد محتجين بحديث الباب وبما تقدم من روايتي الدارقطنى وبما رواه أيضا عن عائشة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضؤون وهو دعاء بالشرّ ولا يكون إلا على ترك واجب. وبما رواه أحمد والطحاوى في شرح معانى الآثار من طريق محمد بن إسحاق عن عروة أيضا عن زيد بن خالد الجهنى قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول من مسّ فرجه فليتوضأ. قال الطحاوى هذا الحديث منكر وأخلق به أن يكون غلطا لأن عروة حين سأله مروان عن مسّ الفرج فأجابه من رأيه أن لا وضوء فيه فلما قال له مروان عن بسرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما قال قال له عروة ما سمعت به وهذا بعد موت زيد ابن خالد بكم ما شاء الله فكيف يجوز أن ينكر عروة على بسرة ما قد حدّثه إياه زيد بن خالد عن

النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ. وحاصله أن حديث زيد غلط لأن عروة أنكر سماع نقض الوضوء من مس الذكر بعد أن أخبره مروان بسماعه من بسرة وإثباته ذلك وكان ذلك بعد موت زيد بن خالد بزمن طويل فلو كان حديث زيد ثابتا ما أنكر عروة مدلوله على مروان، وما قاله الطحاوى من تقدّم موت زيد بن خالد الجهنى توهم منه ولا ينبغى لأهل العلم أن يطعنوا في الأخبار بالتوهم فإن المعوّل عليه أن زيد بن خالد مات سنة ثمان وسبعين من الهجرة ومروان بن الحكم مات سنة خمس وستين كما تقدم فيجوز أن يكون عروة لم يسمعه من أحد حين سأله مروان ثم سمعه من بسرة ثم سمعه من زيد بن خالد فعلم أن حديث زيد بن خالد الذى أخرجه أحمد والطحاوى ثابت يحتج به على نقض الوضوء من مس الذكر فإن رجاله كلهم ثقات محتج بهم فلا معنى لردّه وأن عروة روى الحديث عن كلّ من مروان وزيد بن خالد وثبت بإقرار الطحاوى أيضا أن زيد بن خالد الجهنى لم يحدّث عروة قبل تحديث مروان له وأن الطحاوى بنى كلامه على رواية ضعيفة وهي موت زيد بن خالد في خلافة معاوية وترك رواية الأكثرين (وذهب) على وابن مسعود وعمار والحسن البصرى وربيعة والعترة والثورى وأبو حنيفة وأصحابه إلى أن مسّ الذكر غير ناقض للوضوء. واحتجوا بحديث طلق الآتى بعد هذا وقال الطحاوى فيه إسناده مستقيم غير مضطرب وصححه الطبرانى وابن حزم وقال ابن المدينى هو أحسن من حديث بسرة. وبما رواه الطحاوى في شرح معاني الآثار عن على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال ما أبالى أنفى مسست أو أذنى أو ذكرى. وبما رواه أيضا عن ابن مسعود وحذيفة نحوه وقالوا في حديث بسرة إنه خبر آحاد فيما تعمّ به البلوى ولو ثبت لاشتهر، وعلى تسليم ثبوته فهو محمول على غسل اليد لأن الصحابة كانوا يستنجون بالأحجار فإذا مسوه بأيديهم تلوّثت خصوصا في أيام الصيف. وبعضهم سلك طريق الجمع بين الروايتين فجعل مس الذكر كناية عما يخرج منه لأن مسه يعقبه غالبا خروج الحدث كما كنى تعالى بالمجئ من الغائط عن قضاء الحاجة لكن حديث طلق قد ضعفه الشافعى والدارقطنى والبيهقى وابن الجوزى وقال الشافعى قد سألنا عن قيس بن طلق فلم نجد من يعرفه فيم يكون لنا قبول خبره، وقال أبو حاتم وأبو زرعة قيس بن طلق ليس ممن تقوم به حجة. وعلى تسليم صحته فهو منسوخ بحديث بسرة لأنها أسلمت عام الفتح سنة ثمان من الهجرة وطلق قدم على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو يبنى المسجد في السنة الأولى من الهجرة. ففى الدارقطنى حدثنا إسماعيل بن يونس بن ياسين نا إسحاق ابن أبى إسراءيل نا محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه قال أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهم يؤسسون مسجد المدينة قال وهم ينقلون الحجارة قال فقلت يا رسول الله ألا ننقل كما ينقلون قال لا ولكن اخلط لهم الطين يا أخا اليمامة فأنت أعلم به فجعلت أخلط لهم

وهم ينقلون ثم رجع طلق إلى قومه ولم يثبت رجوعه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد ذلك واحتجوا أيضا بحديث أبي هريرة إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينه وبينها شئ فليتوضأ رواه الدارقطني، وإسلام أبى هريرة كان عام خيبر في السنة السابعة. وبما روى عن طلق نفسه بلفظ من مس فرجه فليتوضأ أخرجه الطبراني وصححه وقال فيشبه أن يكون سمع الحديث الأول من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبل هذا ثم سمع هذا بعد فوافق حديث بسرة (وممن قال) بالنسخ ابن حبان والطبرانى وابن العربى والحازمى (وسلك) بعضهم مسلك الترجيح فقال حديث بسرة أرجح من حديث طلق لكثرة من صححه من الأئمة منهم الترمذى والدارقطني وابن معين وأحمد. وقال البخارى إنه أصح شئ في الباب (وقال) في التلخيص قال البيهقي هذا الحديث وإن لم يخرجه الشيخان فقد احتجا بجميع رواته واحتج البخارى بمروان بن الحكم في عدة أحاديث فهو على شرط البخارى بكل حال (وقال) الإسماعيلى في صحيحه إنه يلزم البخارى إخراجه فقد أخرج نظيره اهـ ورجح أيضا بكثرة شواهده وطرقه. فقد روى عن جابر وأبى هريرة وعبد الله بن عمرو وزيد بن خالد وسعد بن أبى وقاص وأم حبيبة وعائشة وأم سلمة وابن عباس وابن عمر وعلى بن طلق والنعمان بن بشير وأنس وأبي بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة وأروى بنت أنيس (أما) حديث جابر فذكره الترمذى وأخرجه ابن ماجه والأثرم وقال ابن عبد البرّ إسناده صالح وقال الضياء لا أعلم بإسناده بأسا. وقال الشافعى سمعت جماعة من الحفاظ غير ابن نافع يرسلونه (وأما) حديث أبى هريرة فذكره الترمذى وأخرجه الدارقطني وغيره (وأما) حديث عبد الله بن عمرو فذكره الترمذى ورواه أحمد والبيهقي من طريق بقية حدثنى محمد بن الوليد الزبيدى حدثنى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه أيما رجل مسّ فرجه فليتوضأ وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ قال الترمذى في العلل عن البخارى هو عندى صحيح (وأما) حديث زيد ابن خالد الجهنى فذكره الترمذي وأخرجه أحمد والبزّار من طريق عروة عنه قال البخارى إنما رواه الزهرى عن عبد الله بن أبى بكر عن عروة عن بسرة وقال ابن المدينى أخطأ فيه ابن إسحاق اهـ وأخرجه البيهقي في الخلافيات من طريق ابن جريج حدثنى الزهرى عن عبد الله بن أبى بكر عن عروة عن بسرة وزيد بن خالد. وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده عن محمد بنى بكر البرسانى عن ابن جريج وهذا إسناد صحيح (وأما) حديث سعد بن أبي وقاص فذكره الحاكم وأخرجه (وأما) حديث أم حبيبة فصححه أبو زرعة والحاكم وأعله البخارى بأن مكحولا لم يسمع من عنبسة ابن أبى سفيان وكذا قال يحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائى إنه لم يسمع منه وخالفهم دحيم وهو أعرف بحديث الشاميين فأثبت سماع مكحول من عنبسة، وقال الخلال في العلل صحح أحمد حديث أم حبيبة وأخرجه ابن ماجه من حديث العلاء بن الحارث عن مكحول وقال

ابن السكن لا أعلم به علة (وأما) حديث عائشة فذكره الترمذى وأعله أبو حاتم وسيأتى من طريق الدارقطني (وأما) حديث أم سلمة فذكره الحاكم (وأما) حديث ابن عباس فرواه البيهقى من جهة ابن عدىّ في الكامل وفى إسناده الضحاك بن حمزة وهو منكر الحديث (وأما) حديث ابن عمر فرواه الدارقطنى والبيهقى من طريق إسحاق الفروى عن عبد الله بن عمر (العمرى) عن نافع عن ابن عمر مرفوعا والعمرى ضعيف، وله طريق أخرى أخرجها الحاكم وفيها عبد العزيز بن أبان وهو ضعيف، وطريق أخرى أخرجها ابن عدى وفيها أيوب بن عتبة وفيه مقال (وأما) حديث على بن طلق فأخرجه الطبراني وصححه (وأما) حديث النعمان بن بشير فذكره ابن منده. وكذا حديث أنس وأبىّ بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة (وأما) حديث أروى بنت أنيس فذكره الترمذى ورواه البيهقي من طريق هشام أبى المقدام عن هشام بن عروة عن أبيه عنها قال وهذا خطأ وسأل الترمذى البخارى عنه فقال ما تصنع بهذا لا تشتغل به ذكره الحافظ في التلخيص (وأجاب) الأولون عما قاله على وغيره من الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم بأنها آثار موقوفة عليهم فلا تعارض الأحاديث الصحيحة المرفوعة إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وقولهم في حديث بسرة إنه خبر آحاد مردود لأنه قد رواه سبعة عشر صحابيا كما تقدّم وقد عده السيوطى في الأحاديث المتواترة قال المنذرى قال الإمام الشافعى رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قد روينا قولنا عن غير بسرة والذى يعيب علينا الرواية عن بسرة يروى عن عائشة بنت عجر دوأم خداش وعدّة من النساء لسن بمعروفات في العامة ويحتج بروايتهن ويضعف بسرة مع سابقية هجرتها وقديم صحبتها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد حدّثت بهذا في دار المهاجرين والأنصار وهم متوافرون. ولم يدفعه منهم أحد بل علمنا بعضهم صار إليه عن روايتها منهم عروة بن الزبير وقد دفع وأنكر الوضوء من مس الذكر قبل أن يسمع الخبر فلما علم أن بسرة روته قال به وترك قوله وسمعها ابن عمر تحدّث به فلم يزل يتوضأ من مس الذكر حتى مات وهذه طريقة الفقه والعلم اهـ وقال الحاكم قد روى هذا الحديث عن جماعة من الصحابة والتابعين عن بسرة منهم عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص وسعيد بن المسيب وعمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية وعبد الله بن أبى مليكة وسليمان بن موسى اهـ وقولهم وعلى تسليم ثبوته فهو محمول على غسل اليد فقط ممنوع أيضا لما رواه الدارقطني إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ وضوءه للصلاة كما تقدم. ولأنه صرف للفظ عن حقيقته الشرعية بدون موجب (وأما) ما سلكه بعضهم من الجمع بين الحديثين فجعل مسّ الذكر كناية عما يخرج منه فهو تأويل بعيد لا يخفى ما فيه من التكلف. وبما تقدم تعلم أن الظاهر أن مسّ الذكر ناقض للوضوء وللقائلين بذلك تفاصيل (فمذهب) المالكية أن الناقض للوضوء هو مس الشخص البالغ

بيان أن الراجح انتقاض الوضوء من مس الذكر

ذكر نفسه المتصل من غير حائل ولو خنثى مشكلا سواء أكان المس عمدا أم سهوا التذّ أم لا من الكمرة أو غيرها بباطن الكف أو جنبه ورءوس الأصابع أو جوانبها لا بظفر ولا بظهر كفه ولا بذراع وهذا هو مشهور المذهب، وقيل إن كان بلذّة نقض وإلا فلا. وفي المس من فوق الحائل أقوال ثلاثة عدم النقض مطلقا وهو أشهرها والنقض مطلقا والنقض إن كان خفيفا وعدمه إن كان كثيفا، وفي مس المرأة فرجها عندهم أقوال أشهرها عدم النقض مطلقا وقيل إن أدخلت إصبعها فيه أو قبضت عليه نقض وإلا فلا وقيل لا ينقض إلا إن كان بلذّة، وأما مس دبره فلا نقض فيه مطلقا بخلاف مس دبر الغير أو ذكره فتجرى عليه أحكام الملامسة وتقدم بيانها (وقالت) الشافعية ينقض مس فرج الآدمى بباطن الكف من نفسه وغيره سواء أكان ذكرا أم أنثى صغيرا أم كبيرا حيا أم ميتا وكذلك مس دبر الآدمى على المعتمد عندهم، والمراد بباطن الكف عندهم الراحة مع بطون الأصابع (وقالت) الحنابلة ينتقض الوضوء بمس الذكر مطلقا سواء أكان الماسّ ذكرا أم أنثى بشهوة أم غيرها ذكره أم ذكر غيره بيده ببطن كفه أو ظهرها أو جنبها من غير حائل لا بظفر وينتقض أيضا بمس دبره ودبر غيره ذكرا كان أو أنثى وبمس امرأة فرجها الذى بين شفرييها وهو مخرج بول ومنى وحيض لا بمس شفرييها وهما حافتا الفرج، واستدلوا بما أخرجه الدارقطني من حديث أبى هريرة مرفوعا من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء، وقالوا المراد باليد من رءوس الأصابع إلى الكوع كما في السرقة، والإفضاء الوصول أعمّ من أن يكون بظاهر الكف أو باطنه كما عليه أهل اللغة، وبما أخرجه ابن ماجه وصححه أحمد وأبو زرعة والحاكم من مس فرجه فليتوضأ والفرج يشمل القبل والدبر من الذكر والأنثى، وبما أخرجه أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أيما رجل مس فرجه فليتوضأ وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ وبما أخرجه الدارقطني عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضؤون قالت عائشة بأبى وأمى هذا للرجال أفرأيت النساء قال إذا مست إحداكن فرجها فلتتوضأ للصلاة، وبذلك يردّ على من خص النقض بمس ذكر الرجل، ومن هذا علم أن الأقوى من جهة الدليل هو انتقاض الوضوء بالمس لا فرق بين رجل وامرأة ولا بين قبل ودبر ولا بين المس بباطن الكف أو ظاهرها (فقه الحديث) دلّ الحديث على انتقاض الوضوء من مس الذكر وقد علمت ما فيه من الخلاف (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مالك في الموطأ والشافعى وأحمد والترمذى وصححه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم في المستدرك وابن الجارود والدارقطني وقال هو صحيح ثابت وأخرجه الطحاوى في شرح معاني الآثار. قال الحافظ في التلخيص ونقل عن البخارى أنه أصح

باب الرخصة في ذلك يعني في عدم نقض الوضوء من مس الذكر

شيء في الباب. وقال أبو داود قلت لأحمد حديث بسرة ليس بصحيح قال بل هو صحيح، وصححه أيضا يحيى بن معين والبيهقى والحازمى، وغاية ما يعلل به هذا الحديث أنه من رواية عروة عن مروان عن بسرة وأن رواية من رواه عن عروة عن بسرة منقطعة فإن مروان حدّث به عروة فاستراب عروة بذلك فأرسل مروان رجلا من حرسه إلى بسرة فعاد إليه بأنها ذكرت ذلك فرواية من رواه عن عروة عن بسرة منقطعة والواسطة بينه وبينها إما مروان وهو مطعون في عدالته أو حرسه وهو مجهول. وقد جزم ابن خزيمة وغير واحد من الأئمة بأن عروة سمعه من بسرة اهـ (باب الرخصة في ذلك) أى في أن مس الذكر لا ينقض الوضوء وتقدم أن الرخصة في اللغة التسهيل في الأمر والتيسير فيه، وفى اصطلاح الأصوليين والفقهاء الانتقال من حكم صعب إلى حكم سهل لعذر مع قيام السبب للحكم الأصلى (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا مُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو الْحَنَفِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَجَاءَ رَجُلٌ كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا تَرَى فِي مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ بَعْدَ مَا يَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ: «هَلْ هُوَ إِلَّا مُضْغَةٌ مِنْهُ»، أَوْ قَالَ: «بَضْعَةٌ مِنْهُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله ملازم بن عمرو) بن عبد الله بن بدر أبو عمرو السحيمى اليمامى روى عن جدّه عبد الله وعبد الله بن النعمان وهوذة بن قيس. وعنه مسدد وهناد وسليمان بن حرب ومحمد بن عيسى الطباع وغيرهم. وثقه الدارقطني وابن معين وأحمد وأبو زرعة والنسائى وقال أبو حاتم صدوق وقال أبو داود لا بأس به، و (الحنفىّ) نسبة إلى بنى حنيفة قبيلة من اليمامة (قوله عبد الله بن بدر) بن عميرة بن الحارث الحنفى اليمامى. روى عن ابن عباس وطلق وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن عمر الشيبانى. وعنه ملازم بن عمرو وعكرمة بن عمار وجهضم ابن عبد الله ومحمد بن جابر. وثقه العجلى وابن معين وأبو زرعة وذكره ابن حبان في الثقات (قوله قيس بن طلق) بن على الحنفى اليمامى. روى عن أبيه. وعنه عبد الله بن بدر وعبد الله ابن النعمان ومحمد بن جابر اليمامى وآخرون. وثقه العجلى وابن معين وابن حبان وقال أبو حاتم وأبو زرعة ليس ممن تقوم به الحجة ووهناه ولم يثبتاه وضعفه أحمد ويحيى في إحدى الروايتين عنه. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (قوله عن أبيه) هو طلق بن على بن طلق بن عمرو، له صحبة

ووفادة ورواية ومن حديثه في السنن أنه بنى معهم في المسجد فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قرّبوا له الطين فإنه أعرف. روى عنه ابنه قيس وابنته خالدة وعبد الله بن بدر وعبد الرحمن بن على وغيرهم. روى له أبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله قدمنا على نبى الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) وفي رواية النسائى قال خرجنا وفدا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فبايعناه وصلينا معه فلما قضى الصلاة جاء رجل الخ، وكان ذلك الوفد وفد بني حنيفة وكان ستة نفر كما ذكره ابن حبان وقيل كانوا بضعة عشر فأنزلوا في دار رملة بنت الحارث وكان ذلك في السنة الأولى من الهجرة (قوله كأنه بدوى) بفتحتين نسبة إلى البدو وهو خلاف الحضر وقيل نسبة إلى البادية على غير قياس ولم يجزم طلق بأنه بدوىّ لعدم معرفته له لأنه ليس من أهل المدينة (قوله ما ترى في مس الرجل ذكره) أناقض للوضوء أم لا. وفى رواية الدارقطني ما ترى في مس الرجل ذكره في الصلاة. وفي رواية البيهقى عن قيس بن طلق عن أبيه قال بينا أنا أصلى إذ ذهبت أحكّ فخذى فأصابت يدى ذكرى فسألته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ (قوله هل هو إلا مضغة منه) أى ليس الذكر إلا جزءا من الشخص والمضغة بضم الميم وسكون الضاد المعجمة القطعة من اللحم قدر ما يمضغ وجمعها مضغ وفي رواية ابن ماجه عن قيس عن أبيه قال سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن مسّ الذكر فقال إنما هو منك، وفي رواية له إنما هو حذية منك بكسر الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة ما قطع طولا من اللحم أو القطعة الصغيرة منه (قوله أو بضعة منه) بفتح الموحدة وسكون الضاد المعجمة القطعة من اللحم وجمعها بضع مثل تمرة وتمر وبضعات مثل سجدات وبضع مثل قرب وبضاع مثل صحاف فالمضغة والبضعة بمعنى (وظاهر) الحديث أن مسّ الذكر ليس ناقضا للوضوء لأنه جزء من الجسد فكما أنه لا ينقض مسّ جزء من أجزاء الجسد غير الذكر لا ينقض مس الذكر. وإليه ذهب أبو حنيفة وجماعة من الصحابة والتابعين قال الترمذى وقد روى عن غير واحد من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وبعض التابعين أنهم لم يروا الوضوء من مسّ الذكر وهو قول أهل الكوفة وابن المبارك وهذا الحديث أحسن شئ روى في هذا الباب اهـ، وتقدّم عن غير واحد أنه ضعيف، وعلى فرض صحته فهو منسوخ بحديث بسرة وبحديث أبى هريرة وبما رواه طلق نفسه مرفوعا "من مس ذكره فليتوضأ" أخرجه الطبرانى وصححه، ومنهم من رجح حديث بسرة لكثرة من صححه من الأئمة ولكثرة شواهده وطرقه ولأن الشيخين وإن لم يخرجاه احتجا بجميع رجاله، وذهب بعضهم إلى عدم الاحتجاج بالحديثين لتعارضهما ورجع إلى الآثار الواردة عن الصحابة القاضية بنقض الوضوء بمسّ الذكر

(قال) الخطابى احتج من رأى فيه الوضوء بأن خبر بسرة متأخر لأن أبا هريرة قد رواه عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو متأخر الإسلام وكان قدوم طلق على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بدء الإسلام وهو إذ ذاك يبنى مسجد المدينة أول زمن الهجرة وإنما يؤخذ بآخر الأمرين، وتأوّلوا خبر طلق أيضا على أنه أراد به المسّ ودونه حائل، واستدلوا على ذلك برواية الثورى وشعبة وابن عيينة أنه سأل عن مسه في الصلاة والمصلى لا يمس فرجه من غير حائل بينه وبينه وحدثنى الحسن بن يحيى حدثنا أبو بكر بن المنذر قال بلغنى عن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين أنهما اجتمعا فتذاكرا الوضوء من مس الذكر وكان أحمد يرى الوضوء ويحيى لا يرى ذلك وتكلما في الأخبار التى رويت في ذلك فحصل أمرهما على أن اتفقا على إسقاط الاحتجاج بالخبرين معا خبر بسرة وخبر طلق ثم صارا إلى الآثار التى رويت عن الصحابة في ذلك فصار أمرهما إلى أن احتج أحمد بحديث ابن عمر فلم يكن ليحيى دفعه اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على عدم نقض الوضوء بمس الذكر. وعلى طلب السعى إلى معرفة أحكام الدين، وعلى مشروعية سؤال المفضول الفاضل ولو كان المسئول عنه مما يستحى من ذكره (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والبيهقى والطحاوي وابن حبان والترمذى وقال هذا الحديث أحسن شئ يروى في هذا الباب اهـ وهذا لا ينافى أنه ضعيف (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وجَرِيرٌ الرَّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ. حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ، بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، وَقَالَ: فِي الصَّلَاةِ (ش) أى روى حديث طلق من ذكر كلهم بإسنادهم عن محمد بن جابر بزيادة لفظ في الصلاة فصار لفظ الحديث في روايته فقال يا نبى الله ما ترى في مس الرجل ذكره في الصلاة بعد ما يتوضأ و (محمد ابن جابر) بن سيار بن طلق السحيمى اليمامى أبو عبد الله. روى عن قيس بن طلق وأبى إسحاق السبيعى ويحيى بن كثير وعبد العزيز بن رفيع وآخرين، وعنه السفيانان ووكيع وأيوب السختياني وكثيرون، ضعفه النسائى وابن معين وقال الفلاس صدوق متروك الحديث كثير الوهم وقال أبو زرعة ساقط الحديث عند أهل العلم وساء حفطه وكان يروى أحاديث مناكير وقال البخارى ليس بالقوى روى مناكير وقال أحمد لا يحدّث عنه إلا شرّ منه وقال ابن عدىّ روى عنه من الكبار أيوب وابن عون ومع ما تكلم فيه من تكلم يكتب حديثه (والحاصل) أن مسددا روى هذا الحديث

باب في الوضوء من لحوم الإبل

عن ملازم عن عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه بلفظ ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ ولم يذكر فيه لفظ في الصلاة، ورواه أيضا عن محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه بزيادة لفظ في الصلاة وكذا رواه هشام بن حسان ومن معه عن محمد بن جابر وفي بعض النسخ إسقاط قوله بإسناده ومعناه قال في الصلاة. وكذا ليست في رواية أبن ماجه ورواية للدارقطنى ورواية للطحاوى من طريق محمد بن جابر. وفي زيادة لفظ في الصلاة إشارة إلى أن مسه كان بحائل كما تقدّم عن الخطابى (من أخرج هذه التعاليق أيضا) أخرج الطحاوى طريق سفيان عن محمد بن جابر بسنده إلى طلق أنه سأل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أفي مس الذكر وضوء قال لا وأخرج طريق مسدد عن محمد بن جابر ولم نقف على من وصل بقية التعاليق، وأخرج نحوه ابن ماجه من طريق وكيع عن محمد بن جابر عن قيس بن طلق، وأخرج الدارقطني عن إسحاق ابن إسرائيل عن محمد بن جابر وقال قال ابن أبى حاتم سألت أبى وأبا زرعة عن حديث محمد بن جابر هذا فقال قيس بن طلق ليس ممن تقوم به حجة ووهناه ولم يثبتاه اهـ ومحمد بن جابر ضعيف كما تقدم (باب في الوضوء من لحوم الإبل) (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: «تَوَضَّئُوا مِنْهَا» وَسُئِلَ عَنْ لُحُومِ الْغَنَمِ، فَقَالَ: «لَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا»، وَسُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: «لَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ، فَإِنَّهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ» وَسُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، فَقَالَ: «صَلُّوا فِيهَا فَإِنَّهَا بَرَكَةٌ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عبد الله بن عبد الله الرازى) أبو جعفر الهاشمى مولاهم الكوفي. روى عن جابر بن سمرة وعبد الرحمن بن أبى ليلى وسعيد بن جبير. وعنه فطر بن خليفة

مذاهب العلماء في ذلك والحكمة في الوضوء من أكل لحومها

وحجاج بن أرطاة والأعمش وغيرهم، وثقه أحمد والعجلى ويعقوب بن سفيان والهذلى. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه (قوله البراء بن عازب) بن على بن جشم الأنصارى الأوسى أبو عمارة، له ولأبيه صحبة أخرج أحمد عن البراء قال استصغرنى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم بدر أنا وابن عمر فردنا فلم نشهدها. وروى السراج عنه أنه غزا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربع عشرة غزوة وفي رواية خمس عشرة وإسناده صحيح. وعنه قال سافرت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثمانية عشر سفرا أخرجه أبو ذرّ الهروى، فتح الرىّ سنة أربع وعشرين وشهد مع على واقعة الجمل وصفين وقتال الخوارج ونزل الكوفة وابتنى بها دارا. ومات في إمارة مصعب بن الزبير سنة اثنتين وسبعين. وقد روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خمسة وثلثمائة حديث اتفق البخارى ومسلم على اثنين وعشرين حديثا وانفرد البخارى بخمسة عشر ومسلم بستة. روى عن أبيه وأبي بكر وعمر وغيرهم من أكابر الصحابة. وروى عنه من الصحابة أبو جحيفة وعبد الله بن يزيد الخطمى وطائفة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل) أى من أكل لحوم الإبل فهو على تقدير مضاف، وفي رواية مسلم عن جابر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ قال أتوضأ من لحوم الإبل قال نعم فتوضأ من لحوم الإبل قال أصلى في مرابض الغنم قال نعم قال أصلى في مبارك الإبل قال لا (قوله توضؤوا منها) أى وضوءا شرعيا إذ الحقائق الشرعية في كلام الشارع مقدمة على غيرها عند الإطلاق (والحديث) يدلّ على أن الأكل من لحوم الإبل نقض للوضوء وإليه ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق ابن راهويه ويحيى بن يحيى وأبو بكر بن المنذر وابن خزيمة واختاره الحافظ أبو بكر البيهقي وحكى عن أصحاب الحديث مطلقا وحكى عن جماعة من الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم أجمعين. واحتج هؤلاء بحديث الباب، وبحديث مسلم عن جابر بن سمرة الذى تقدم (قال) النووى في شرح مسلم قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه صح عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في هذا حديثان حديث جابر وحديث البراء وهذا المذهب أقوى دليلا وإن كان الجمهور على خلافه اهـ وقال الدميرى إنه المختار المنصور من جهة الدليل اهـ وفي التلخيص قال البيهقى حكى بعض أصحابنا عن الشافعى قال إن صح الحديث في لحوم الإبل قلت به، قال البيهقى قد صح فيه حديثان حديث جابر بن سمرة وحديث البراء اهـ (قال) الدهلوى في حجة الله البالغة والسرّ في إيجاب الوضوء من لحوم الإبل على قول من قال به أنها كانت محرمة في التوراة واتفق جمهور أنبياء بنى إسراءيل على تحريمها فلما أباحها الله لنا شرع

الوضوء منها لمعنيين (أحدهما) أن يكون الوضوء شكرا لما أنعم الله علينا من إباحتها بعد تحريمها على من قبلنا (وثانيهما) أن يكون الوضوء علاجا لما عسى أن يختلج في بعض الصدور من إباحتها بعد ما حرّمها الأنبياء من بني إسرائيل فإن النقل من التحريم إلى كونه مباحا يناسبه إيجاب الوضوء منه ليكون أقرب لاطمئنان نفوسهم اهـ ببعض تصرّف (وذهب) الأكثرون إلى أن أكل لحوم الإبل غير ناقض للوضوء منهم الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأبىّ بن كعب وابن عباس وأبو الدرداء وأبو طلحة وعامر بن ربيعة وأبو أمامة وجماهير التابعين ومالك وأبو حنيفة والشافعى وأصحابهم وقالوا المراد بالوضوء في الحديث الوضوء اللغوى لا الشرعي لأن في لحوم الإبل دسومة لا توجد في غيرها (قال) الخطابى تأوّل عامة الفقهاء الوضوء على الوضوء الذى هو النظافة ونقى الدسومة، ومعلوم أن في لحوم الإبل من الحرارة وشدّة الزهومة ما ليس في لحوم الغنم كما روى توضؤوا من لحوم الإبل فإن له دسما فكان معنى الوضوء منصرفا إلى غسل اليد لوجود سببه دون الوضوء الذى هو من أجل رفع الحدث لعدم سببه اهـ ويؤيده ما روى عن ابن مسعود وعلقمة أنهما خرجا يريدان الصلاة فجيء بقصعة من بيت علقمة فيها ثريد ولحم فأكلا فمضمض ابن مسعود وغسل أصابعه ثم قام إلى الصلاة. وعن ابن مسعود قال لأن أتوضأ من الكلمة المنتنة أحب إلىّ من أن أتوضأ من اللقمة الطيبة. وعن أبان بن عثمان أن عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أكل خبزا ولحما وغسل يديه ثم مسح بهما وجهه ثم صلى ولم يتوضأ. وعن عبيد بن حنين قال رأيت عثمان أتى بثريد فأكل ثم تمضمض ثم غسل يده ثم قام فصلى للناس ولم يتوضأ. وعن سعيد بن جبير أن ابن عباس أتى بجفنة من ثريد ولحم عند العصر فأكل منها فأتى بماء فغسل أطراف أصابعه ثم صلى ولم يتوضأ. وعن أبى نوفل بن أبى عقرب الكناني قال رأيت ابن عباس أكل خبزا رقيقا ولحما حتى سال الودك على أصابعه فغسل يده وصلى المغرب أخرج هذه الآثار كلها الطحاوى فهؤلاء العظماء من الصحابة لما لم يتوضؤوا من أكل ما مسته النار وضوءا اصطلاحيا واكتفوا بالوضوء اللغوى علم بذلك أن المراد هنا بالوضوء الوضوء اللغوى لا الاصطلاحى وعلى فرض أن المراد الوضوء الاصطلاحى فقد نسخ بما رواه الترمذى والنسائى وابن ماجه وسيأتى للمصنف عن جابر أنه كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترك الوضوء مما مست النار فقد دلّ على تحقيق الوضوء والترك مما مست النار وأن الترك كان آخر الأمرين فارتفع وجوبه ولذا قال الترمذى وكان هذا الحديث ناسخ لحديث الوضوء مما مست النار، ولما كان لحم الإبل فردا مما مسته النار وقد نسخ وجوب الوضوء منه بجميع أفراده فاستلزم نسخ وجوبه من لحم الإبل (فما قاله) النووى من أن هذا الحديث عام وحديث الوضوء من لحم الإبل خاص والخاص مقدّم على العام (مندفع) بأنا لا نسلم أن نسخه لكونه خاصا

بل لأنه فرد من أفراد العام الذى نسخ وإذا نسخ العام الذى هو وجوب الوضوء مما مست النار نسخ كل فرد من أفراده ومنه لحم الإبل (قال) الطحاوى في شرح معانى الآثار قد فرق قوم بين لحوم الغنم ولحوم الإبل فأوجبوا في أكل لحوم الإبل الوضوء ولم يوجبوا ذلك في أكل لحوم الغنم واحتجوا في ذلك بما روى عن جابر بن سمرة قال سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنتوضأ من لحوم الإبل قال نعم قيل أفنتوضأ من لحوم الغنم قال لا وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يجب الوضوء للصلاة بأكل شئ من ذلك وكان من الحجة لهم في ذلك أنه قد يجوز أن يكون الوضوء الذى أراده النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو غسل اليد، وفرق قوم بين لحوم الإبل ولحوم الغنم في ذلك لما في لحوم الإبل من الغلظ ومن غلبة ودكها على يد آكلها فلم يرخص في تركه على اليد وأباح أن لا يتوضأ من لحوم الغنم لعدم ذلك منها وقد روينا في الباب الأول في حديث جابر أن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار فإذا كان ما تقدم منه هو الوضوء مما مست النار وفي ذلك لحوم الإبل وغيرها كان في تركه ذلك ترك الوضوء من لحوم الإبل فهذا حكم هذا الباب من طريق الآثار (وأما) من طريق النظر فإنا قد رأينا الإبل والغنم سواء في حلّ بيعهما وشرب لبنهما وطهارة لحومها وأنه لا تفترق أحكامهما في شئ من ذلك فالنظر على ذلك أنهما في أكل لحومهما سواء فكما كان لا وضوء من أكل لحوم الغنم فكذلك لا وضوء في أكل لحوم الإبل اهـ (وأقوى) أجوبة القائلين بعدم النقض الجواب بالنسخ ويؤيده اتفاق الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباعهم على عدم النقض ويبعد أن يتفقوا على خلاف الحق في مثل هذا وهو مما تعمّ به البلوى (وما قاله) في النيل من أن فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غير ناسخ للقول الخاص بنا (محله) إذا قام دليل صريح على الخصوصية ولا دليل هنا والقول بأن الخاص مقدّم على العام وليس منسوخا به إنما يتمشى على رأى من يقول بتقديمه عليه ولو تأخر العام أما على رأى من يقول إن العام المتأخر ناسخ فيكون حديث ترك الوضوء مما مست النار ناسخا لأحاديث الوضوء من أكل لحوم الإبل (وقول ابن القيم) من يجعل كون لحم الإبل هو الموجب للوضوء سواء مسته النار أم لم تمسه فيوجب الوضوء من نيئه ومطبوخه وقديده فكيف يحتج عليه بهذا الحديث اهـ "يعنى حديث جابر" (مردود) بأنه يلزم عليه أن يجعل حديث الباب شاملا للأكل والمس أيضا لأنه كما أنه غير مقيد بكونه مطبوخا غير مقيد بالأكل ولما جعله شاملا للمطبوخ وغيره لزمه أن يجعله شاملا للأكل والمس ولا قائل بنقض الوضوء من مس اللحم (قوله لا توضؤوا منها) أى لا يلزمكم أن تتوضؤوا من أكل لحوم الغنم لما في رواية مسلم من حديث جابر بن سمرة السابقة من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن شئت فتوضأ وإن شئت

أقوال الأئمة في الصلاة في معاطن الإبل وحكمة النهي عن الصلاة فيها

فلا تتوضأ فالنهى في رواية المصنف لرفع وجوب الوضوء الشرعي من أكل لحوم الغنم فلا ينافي طلب الوضوء اللغوى (قوله وسئل عن الصلاة الخ) أى عن حكم الصلاة في مبارك الإبل والمبارك جمع مبرك مثل جعفر موضع بروك الإبل يقال برك البعير بروكا من باب قعد وقع على بركه أى صدره وأبركته أنخته (قوله لا تصلوا في مبارك الإبل) وفى رواية الترمذى في أعطان الإبل والأعطان جمع عطن وهو موضع بروك الإبل حول الماء فقط بخلاف المبرك فإنه أعمّ فكل عطن مبرك ولا عكس (قوله فإنها من الشياطين) تعليل للنهى عن الصلاة فيها. وفي رواية ابن ماجه فإنها خلقت من الشياطين، وفي رواية أحمد لا تصلوا في أعطان الإبل فإنها خلقت من الجنّ ألا ترون إلى عيونها وهيئتها إذا نفرت، وفى رواية الشافعى فإنها جنّ خلقت من جنّ (وظاهر) هذه الروايات كلها أن الإبل من نسل الشياطين وأنها أنفسها شياطين وذلك لترّدها ونفارها (قال) في القاموس والشيطان معروف وكل عاد متمرّد من إنس أو جنّ أو دابة اهـ ويحتمل أن المراد أنها تعمل عمل الشياطين لأن الأبل كثيرة الشراد فتشوّش قلب المصلى فتشغله عن الخشوع في الصلاة وربما نفرت وهو فيها فتؤدى إلى قطعها فهى مشبهة بالشياطين في النفرة والتشويش. ويؤيده ما جاء من أن الشياطين مقارنة لها فقد روى النسائى وأحمد من حديث حمزة بن عمرو الأسلمى مرفوعا "على ظهر كل بعير شيطان فإذا ركبتموها فسموا الله" قال الخطابي إنما نهى عن الصلاة في مبارك الإبل لأن فيها نفارا وشرادا لا يؤمن أن يتخبط المصلى إذا صلى بحضرتها أو تفسد عليه صلاته وهذا المعنى مأمون في الغنم لما فيها من السكون وقلة النفار اهـ ويحتمل أن الضمير في قوله إنها عائد على المبارك فيكون على تقدير مضاف أى فإنها من مأوى الشياطين لأنها تأوى إلى المزابل والمواضع التي فيها القذر ومن جملتها مبارك الإبل "فإن قلت" إن مرابض الغنم فيها الزبل أيضا "قلت" قد عللها صاحب الشرع بأن فيها بركة وكل موضع فيه بركة لا تأوى إليه الشياطين. وقد ورد "ما بعث الله نبيا إلا رعي الغنم" رواه البخارى (وظاهر الحديث) يدلّ على تحريم الصلاة في معاطن الإبل وإليه ذهب ابن حزم والظاهرية وأحمد وقال لا تصح بحال ومن صلى في عطن إبل أعاد أبدا (وذهب) الجمهور إلى كراهة الصلاة فيها (وظاهر) التعليل أن محل النهى عن الصلاة فيها حال وجود الإبل فإذا لم تكن موجودة وأمنت النجاسة فلا نهى لعموم حديث أبي ذرّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "جعلت لى الأرض طهورا ومسجدا" رواه المصنف في باب المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة وحديث "فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلّ" رواه البخارى ولأن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما وغيره من الصحابة رووا أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلى إلى بعيره وأيضا كان يصلى على راحلته (وقد) ذكر

جواز الصلاة في مرابض الغنم وأقوال العلماء في طهارة بول وروث ما يؤكل لحمه وتحقيق الكلام فيه

الطحاوى رسالة كتبها عبد الله بن نافع إلى الليث بن سعد وفيها وقد كان ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما ومن أدركنا من خيار أهل أرضنا يعرض أحدهم ناقته بينه وبين القبلة فيصلى إليها وهي تيعر وتبول (قال) الإمام الشافعى رحمه الله تعالى في الأمّ وفي قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تصلوا في أعطان الإبل فإنها جنّ من جنّ خلقت، دليل على أنه إنما نهى عنها كما قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين نام عن الصلاة اخرجوا بنا من هذا الوادى فإنه واد به شيطان فكره أن يصلى في قرب الشيطان فكان يكره أن يصلى قرب الإبل لأنها خلقت من جنّ لا لنجاسة موضعها اهـ وهذا التفصيل إن عاد الضمير في قوله إنها على الإبل فإن عاد على المبارك وهو الظاهر كما قالت المالكية والشافعية والحنفية فهى منهىّ عن الصلاة فيها مطلقا (قوله في مرابض الغنم) جمع مرابض مثل مجلس وهو مأواها ليلا وقيل مأواها عند الماء (قوله فقال صلوا فيها) أى في المرابض، والأمر للإباحة لا للوجوب اتفاقا كما قاله العراقي (قوله فإنها بركة) أى ذات بركة، وفى نسخة فإنها مباركة وهو تعليل لإباحة الصلاة في مرابض الغنم، والمراد منه التفرقة بين الغنم والإبل بأن الغنم ليس فيها تمرّد ولا شراد كالإبل بل فيها بركة وسكينة فلا تؤذى المصلى ولا تؤدى إلى قطع صلاته (وقد تمسك) بحديث الباب العترة والنخعى والأوزاعي والزهرى والحكم والثورى وعطاء ومالك وأحمد ووافقهم من الشافعية ابن خزيمة وابن حبان وابن المنذر والإصطخرى والروياني على طهارة أبوال الغنم وأبعارها وقالوا لأن مرابضها لا تخلو عن ذلك "فإن قيل" لا دلالة في الحديث على مباشرة الأبوال والأزبال بل فيه تعليل إباحة الصلاة في مرابض الغنم بأنها بركة وهو كناية عن كونها لا تؤذى كالإبل "قلنا" الغالب أن من صلى في مثل هذا الموضع لا يأمن من أن يصيبه شئ من أبوالها وأزبالها ولو كان نجسا لبينه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في جواب السائل لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز ولما أمر بالصلاة فيها لأن محل النجاسات مأوى الشياطين فاقتصاره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في البيان على ما ذكر دليل على عدم نجاستها. ويؤيده ما أخرجه البخارى والترمذى عن أنس قال كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى قبل أن يبنى المسجد في مرابض الغنم. ومثل الغنم الإبل وكل ما يؤكل لحمه قياسا على الغنم، والنهى عن الصلاة في مبارك الإبل لا لنجاستها بل لنفارها كما تقدم. وقد بوّب البخارى في صحيحه لذلك وقال باب أبوال الإبل والدوابّ والغنم ومرابضها وصلى أبو موسى في دار البريد والسرقين والبرية إلى جنبه فقال هاهنا وثمّ سواء اهـ وهذا الأثر وصله أبو نعيم قال حدثنا الأعمش عن مالك بن الحويرث عن أبيه قال صلى بنا أبو موسى في دار البريد وهناك سرقين الدوابّ والبرية على الباب فقالوا لو صليت على الباب فقال هاهنا وثمّ سواء "ودار البريد موضع بالكوفة كانت الرسل تنزل فيه إذا حضرت من

ما حرم الله على الأمة لم يجعل فيه شفاء

الخلفاء إلى الأمراء" وكان أبو موسى أميرا على الكوفة في زمن عمر وعثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما والسرقين بكسر السين المهملة وإسكان الراء الزبل، والبرية الصحراء منسوبة إلى البرّ، وقول أبي موسى هاهنا وثمّ سواء: يريد أنهما متساويان في صحة الصلاة فيهما (ثم ذكر) البخارى حديث أنس في قصة أناس من عرينة الذين أمرهم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يلحقوا بلقاح الصدقة وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها وهو دليل ظاهر على طهارة أبوال الإبل أيضا (قال) الحافظ في الفتح أما شربهم البول فاحتج به من قال بطهارته أما من الإبل فبهذا الحديث، وأما من مأكول اللحم فبالقياس عليه وهذا قول مالك وأحمد وطائفة من السلف ووافقهم من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والإصطخرى والروياني (واحتج) ابن المنذر على الطهارة بأن الأشياء على الطهارة حتى تثبت النجاسة قال ومن زعم أن هذا خاص بأولئك الأقوام فلم يصب إذ الخصائص لا تثبت إلا بالدليل قال "وفي ترك" أهل العلم بيع الناس أبعار الغنم في أسواقهم واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم قديما وحديثا من غير نكير "دليل" على طهارتها (قلت) وهو استدلال ضعيف لأن المختلف فيه لا يجب إنكاره فلا يدلّ ترك إنكاره على جوازه فضلا عن طهارته (وقال) ابن العربى تعلق بهذا الحديث "يعنى حديث العرنيين" من قال بطهارة أبوال الإبل وعورضوا بأنه أذن لهم في شربها للتداوى (وتعقب) بأن التداوى ليس حال ضرورة بدليل أنه لا يجب فكيف يباح الحرام لما لا يجب (وأجيب) بمنع أنه ليس حال ضرورة بل هو حال ضرورة إذا أخبره بذلك من يعتمد على خبره وما أبيح للضرورة لا يسمى حراما وقت تناوله لقوله تعالى "وقد فصل لكم ما حرّم عليكم إلا ما اضطررتم إليه" فما اضطر إليه المرء فهو غير محرم عليه كالميتة للمضطر والله تعالى أعلم (وما تضمنه) كلامه من أن الحرام لا يباح إلا لأمر واجب (غير مسلم) فإن الفطر في رمضان حرام ومع ذلك يباح لأمر جائز كالسفر (وأما) قول غيره لو كان نجسا ما جاز التداوى به لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "إن الله لم يجعل شفاء أمتى فيما حرّم عليها" رواه أبو داود من حديث أم سلمة والنجس حرام فلا يتداوى به لأنه غير شفاء (فجوابه) أن الحديث محمول على حالة الاختيار (وأما) حالة الضرورة فلا يكون حراما كالميتة للمضطر (ولا يرد) قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الخمر "إنها ليست بدواء إنها داء" في جواب من سأله عن التداوى بها فيما رواه مسلم فإن ذلك خاص بالخمر ويلتحق به غيره من المسكر، والفرق بين المسكر وبين غيره من النجاسات أن الحدّ يثبت باستعماله في حالة الاختيار دون غيره ولأن شربه يجرّ إلى مفاسد كثيرة ولأنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون أن في الخمر شفاء فجاء الشرع بخلاف معتقدهم (وأما) أبوال الإبل فقد روى ابن المنذر عن ابن عباس مرفوعا "إن في أبوال الإبل شفاء للذربة

بطونهم" والذّرب فساد المعدة فلا يقاس ما ثبت أن فيه دواء على ما ثبت نفى الدواء عنه (وبهذه) الطريق يحصل الجمع بين الأدلة والعمل بمقتضاها كلها اهـ كلام الفتح ملخصا (ومنه) علم أن الإذن بالتداوى بأبوال الإبل إنما هو باعتبار الضرورة فلا يفيد طهارتها، ولو سلم فالتداوى إنما وقع بأبوال الإبل فيكون خاصا بها ولا يجوز إلحاق غيره به "أفاده في النيل" (ولا يرد) على من قال بطهارة الرّوث والبعرة من المأكول ما أخرجه البخارى وغيره عن عبد الله بن مسعود قال "أتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجد فأخذت روثة فأتيته بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال هذا ركس" أى نجس (لأنه) قد صرّح ابن خزيمة في صحيحه في رواية له في هذا الحديث أنها كانت روثة حمار فلا يتمّ الاستدلال به على نجاسة عموم الروثة. على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علل النهى عن الاستنجاء بالرّوثة مطلقا بكونها من طعام الجنّ كما تقدم في الأحاديث الكثيرة الصحيحة (وذهبت) الحنفية وأكثر الشافعية والجمهور إلى نجاسة الأبوال والأرواث كلها لا فرق بين مأكول اللحم وغيره واستدلوا بعموم حديث أبي هريرة مرفوعا "استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه" رواه الدارقطنى والحاكم وصححه (وقال) الحافظ في الفتح صححه ابن خزيمة وغيره اهـ وهو ظاهر في تناول جميع الأبوال وبما رواه البخارى ومسلم من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرّ بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول الخ قالوا فعمّ جنس البول ولم يخصه ببول الإنسان ولا أخرج عنه بول المأكول (وأجيب) عنه بأن أل في البول للعهد والمعهود بول الإنسان لما في رواية أخرى للبخارى كان لا يستتر من بوله (قال) ابن بطال أراد البخارى أن المراد بقوله كان لا يستتر من البول بول الإنسان لا بول سائر الحيوان فلا يكون فيه حجة لمن حمله على العموم في بول جميع الحيوان (قال) في النيل والظاهر طهارة الأبوال والأزبال من كل حيوان يؤكل لحمه تمسكا بالأصل واستصحابا للبراءة الأصلية، والنجاسة حكم شرعيّ ناقل عن الحكم الذى يقتضيه الأصل والبراءة فلا يقبل قول مدّعيها إلا بدليل يصلح للنقل عنهما ولم نجد للقائلين بالنجاسة دليلا كذلك وغاية ما جاءوا به حديث صاحب القبر وهو مع كونه مرادا به الخصوص كما سلف عمومه ظنى الدلالة لا ينتهض على معارضة تلك الأدلة "فإن قلت" إذا كان الحكم بطهارة بول ما يؤكل لحمه وزبله لما تقدم حتى يرد دليل فما الدليل على نجاسة بول غير المأكول وزبله على العموم "قلت" قد تمسكوا بحديث إنها ركس قاله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الرّوثة أخرجه البخارى والترمذى والنسائى، وبما تقدم في بول الآدمى وألحقوا سائر الحيوانات التي لا تؤكل به بجامع عدم الأكل وهو لا يتم إلا بعد تسليم أن علة النجاسة عدم

ما دل عليه حديث البراء بن عازب من الأحكام، جواز طبخ الطعام وغيره بأرواث البقر ونحوه

الأكل في وهو منتقض بالقول بنجاسة زبل الجلالة، والدفع بأن العلة في زبل الجلالة هو الاستقذار منقوض باستلزامه لنجاسة كل مستقذر كالطاهر إذا صار منتنا إلا أن يقال إن زبل الجلالة محكوم بنجاسته لا للاستقذار بل لكونه عين النجاسة الأصلية التي جلتها الدابة لعدم الاستحالة التامة فالذى يتحتم القول به في الأبوال والأزبال هو الاقتصار على نجاسة بول الآدمى وزبله والروثة وقد نقل التميمي أن الروث مختص بما يكون من الخيل والبغال والحمير ولكنه زاد ابن خزيمة في روايته إنها ركس إنها روثة حمار، وأما سائر الحيوانات التي لا يؤكل لحمها فإن وجدت في بول بعضها أو زبله ما يقتضى إلحاقه بالمنصوص عليه طهارة أو نجاسة ألحقته وإن لم نجد فالمتجه البقاء على الأصل والبراءة كما عرفت اهـ باختصار (فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب الوضوء من أكل لحوم الإبل وقد علمت ما فيه من الخلاف، وعلى عدم طلب الوضوء من أكل لحوم الغنم، وعلى النهى عن الصلاة في مبارك الإبل وعلى جوازها في مرابض الغنم، ومنه يعلم جواز طبخ الطعام وغيره بأوراث البقر والجواميس وأبعار الإبل والغنم، وعلى أنه يطلب من جهل شيئا من أمور الدين أن يسأل عنه العلماء، وعلى أن المسئول يطلب منه أن يبين وجه ما أجاب به، وعلى أنه يطلب البعد عن مظانّ الضرر (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه وابن حبان وابن الجارود وابن خزيمة والطحاوى في شرح معاني الآثار والترمذى قال ابن خزيمة في صحيحه لم أر خلافا بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة النظر لعدالة ناقليه اهـ وأخرجه البيهقي من عدة طرق وقال بلغنى عن أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم الحنظلى (يعنى ابن راهويه) أنهما قالا قد صح في هذا الباب حديثان عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حديث البراء بن عازب وحديث جابر بن سمرة اهـ (باب الوضوء من مس اللحم النيء وغسله) النئ بكسر النون مهموزا على وزن حمل كل شيء شأنه أن يعالج بطبخ أو شيّ ولم ينضج يقال ناء اللحم وغيره نيئ نيئا من باب باع إذا كان غير نضيج ويعدّى بالهمزة فيقال أناءه صاحبه إذا لم ينضجه، وقوله وغسله من عطف الخاص على العام وفائدته التنبيه على أن غسل اللحم ومسه سواء في عدم طلب الوضوء منهما، ويحتمل أن تكون الواو بمعنى أو عطف على الوضوء والضمير عائد على الماس المفهوم من السياق وهو من إضافة المصدر لفاعله وفي الكلام حذف مضافات أى باب بيان عدم الوضوء الشرعي من مسّ اللحم أو غسل الماسّ يده منه (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَأَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقِّيُّ، وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الْحِمْصِيُّ

مشروعية عدم الوضوء من مسه وجواز عدم غسل اليد من مسه. تواضع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتعليمه الأمة ما تحتاج إليه حتى سلخ ذبائحهم

الْمَعْنَى، قَالُوا: ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قال، أَخْبَرَنَا هِلَالُ بْنُ مَيْمُونٍ الْجُهَنِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، قَالَ هِلَالٌ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَقَالَ أَيُّوبُ، وَعَمْرٌو: أُرَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِغُلَامٍ وَهُوَ يَسْلُخُ شَاةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «تَنَحَّ حَتَّى أُرِيَكَ» فَأَدْخَلَ يَدَهُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ، فَدَحَسَ بِهَا حَتَّى تَوَارَتْ إِلَى الْإِبِطِ، ثُمَّ مَضَى فَصَلَّى لِلنَّاسِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: زَادَ عَمْرٌو فِي حَدِيثِهِ، يَعْنِي لَمْ يَمَسَّ مَاءً، وَقَالَ: عَنْ هِلَالِ بْنِ مَيْمُونٍ الرَّمْلِيِّ (ش) (رجال الحديث) (قوله أيوب بن محمد) بن زياد أبو محمد مولى ابن عباس روى عن يعلى بن الأشدق وعيسى بن يونس وابن عيينة ومروان بن معاوية وغيرهم. وعنه أبو حاتم وأبو داود والنسائى وابن ماجه وآخرون. وثقه النسائى وذكره ابن حبان في الثقات وقال الخطيب حديثه كثير مشهور وقال يعقوب بن سفيان شيخ لا بأس به. توفى سنة تسع وأربعين ومائتين في ذى القعدة و (الرّقى) بفتح الراء المشددة وتشديد القاف نسبة إلى الرّقة مدينة على الفرات (قوله وعمرو بن عثمان) بن سعيد بن كثير بن دينار القرشي أبو حفص. روى عن مروان بن معاوية والوليد بن مسلم وابن عيينة وإسماعيل ابن عياش وبقية وطائفة، وعنه أبو داود والنسائى وابن ماجه وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم. قال أبو حاتم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة خمسين ومائتين بحمص و (الحمصى) بكسر الحاء المهملة وسكون الميم نسبة إلى حمص بلد بالشام (قوله المعنى) أى أن أحاديثهم معناها واحد وإن اختلفت ألفاظها (قوله مروان بن معاوية) بن الحارث بن أسماء بن خارجة أبو عبد الله الفزارى الكوفى، سكن مكة ثم صار إلى دمشق ومات بها سنة ثلاث وتسعين ومائة قبل التروية بيوم فجأة، كان واسع الرواية. روى عن حميد الطويل وسليمان التيمى ويحيى بن سعيد الأنصارى وعاصم الأحول وهلال بن ميمون وكثيرين وعنه قتيبة بن سعيد وأحمد وإسحاق بن راهويه وابن معين وابن المديني وطائفة، قال أحمد ثبت حافظ ما كان أحفظه، ووثقه ابن معين والنسائى وقال أبو حاتم صدوق صدوق يكثر روايته عن الشيوخ المجهولين وقال العجلى ثقة ثبت ما حدّث عن المعروفين فصحيح وما حدّث عن المجهولين ففيه ما فيه. روى له الجماعة (قوله هلال بن ميمون) أبو علىّ ويقال أبو المغيرة

روى عن سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد ويعلى بن شدّاد. وعنه وكيع بن الجراح ومروان ابن معاوية وأبو معاوية الضرير. وثقه ابن معين وقال النسائى ليس به بأس وقال أبو حاتم ليس بقوى يكتب حديثه. روى له أبو داود وابن ماجه و (الجهنى) بضم الجيم وفتح الهاء منسوب إلى جهينة قبيلة (قوله قال هلال الخ) مقول لقول محذوف أى قال محمد بن العلاء في روايته قال هلال بن ميمون لا أعلم عطاء روى هذا الحديث عن أحد من الصحابة إلا عن أبي سعيد الخدرى فالمستثنى منه محذوف، وقال أيوب وعمرو في روايتهما أظنّ أن الصحابى أبا سعيد (والحاصل) أن هذا الحديث رواه أبو داود عن محمد بن العلاء بالجزم بأن الصحابى أبو سعيد كما في رواية ابن ماجه وابن حبان. ورواه عن أيوب وعمرو بالظنّ بأن الصحابى أبو سعيد (معنى الحديث) (قوله مرّ بغلام) قيل هو معاذ بن جبل كما في رواية الطبراني. والغلام في الأصل الصغير ويطلق على الرجل مجازا قال الأزهرى وسمعت العرب تقول للمولود حين يولد ذكرا غلام وسمعتهم يقولون للكهل غلام وهو فاش في كلامهم ويجمع جمع قلة على غلمة بالكسر وكثرة على غلمان (قوله يسلخ شاة) أى يكشط الجلد عنها من باب قتل وضرب (قولة تنح حتى أريك) أى تحوّل لأعلمك، وزاد ابن حبان في روايته لا أراك تحسن تسلخ (قوله فدحس بها) أى أدخل يده بين الجلد واللحم لأجل السلخ وهو من عطف الخاص على العام لأن إدخال اليد يصدق بوضعها من غير سلخ بخلاف الدّحس فإنه يكون لأجل السلخ، وزاد ابن ماجه وابن حبان في روايتهما وقال يا غلام هكذا فاسلخ (قوله فصلى للناس ولم يتوضأ) أى صلى بهم ولم يتوضأ وضوءا شرعيا ولا لغويا ويؤيده ما زاده عمرو من قوله لم يمس ماء، ويحتمل أن المنفىّ هو الوضوء الشرعي لا غير فلا ينافي أنه غسل يده ويشهد له ظاهر الترجمة (قوله زاد عمرو في حديثه الخ) أى بعد قوله لم يتوضأ والظاهر أن هذا التفسير من عمرو بن عثمان (قوله وقال عن هلال الخ) أى قال عمرو في روايته حدثنا مروان بن معاوية عن هلال بن ميمون بالعنعنة لا بالإخبار كما في رواية محمد بن العلاء وأيوب، وبنسبة هلال إلى الرملة مدينة بفلسطين لا إلى جهينة كما في رواية محمد وأيوب فقد اختلف في نسبة هلال فقيل الجهني وقيل الرملى وقيل الهذلى أيضا (فقه الحديث) دلّ الحديث على زائد رأفته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعظيم تواضعه حيث باشر سلخ الشاة لتعليمه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمته ما تحتاج إليه حتى سلخ ذبائحهم، وعلى أنه لا وضوء على من مسّ اللحم النيء (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن حبان والطبراني وكذا ابن ماجه في أبواب الذبائح

باب في ترك الوضوء من مس الميتة

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِلَالٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مُرْسَلًا، لَمْ يَذْكُرا أَبَا سَعِيدٍ (ش) أى روى الحديث عبد الواحد بن زياد وأبو معاوية الضرير عن هلال عن عطاء بلا ذكر الصحابى، والغرض من هذا أن الحديث روى مرسلا كما روى متصلا فرواه مروان بن معاوية عن هلال عن عطاء متصلا ورواه عبد الواحد بن زياد وأبو معاوية عنه مرسلا (باب في ترك الوضوء من مس الميتة) الميتة في اللغة ما مات حتف أنفه وفي الشرع ما ذهبت حياته بغير ذكاة شرعية (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، ثَنَا سُلَيْمَانُ يَعْنِي ابْنَ بِلَالٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَيْهِ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ» وَسَاقَ الْحَدِيثَ (ش) مناسبة الحديث للترجمة من حيث إنه لم يذكر فيه أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ بعد أن تناول أذن الجدى (رجال الحديث) (قوله سليمان يعنى ابن بلال) التيمى أبو محمد أو أبو أيوب القرشى أحد الأئمة. روى عن عبد الله بن دينار وزيد بن أسلم وشريك بن عبد الله ويحيى الأنصارى وجعفر الصادق وآخرين. وعنه ابنه أيوب وابن وهب وابن المبارك وأبو عامر العقدى وعبد الله بن مسلمة وجماعة، وثقه أحمد وابن معين والخليلى وابن عدى وأثنى عليه مالك وقال ابن سعد كان كثير الحديث وقال عثمان بن أبى شيبة لا بأس به وليس ممن يعتمد على حديثه. توفي بالمدينة سنة اثنتين وسبعين ومائة (قوله عن جعفر) بن محمد بن على بن الحسين الهاشمى أبى عبد الله الإمام الصادق. روى عن أبيه وعروة ومحمد بن المنكدر ونافع مولى ابن عمر والزهرى والقاسم ابن محمد. وعنه يحيى بن سعيد الأنصارى ومالك بن أنس والسفيانان وشعبة وأبو حنيفة وكثيرون، قال الشافعى والنسائى وابن معين وأبو حاتم ثقة وقال ابن سعد كان كثير الحديث ولا يحتج به ويستضعف وقال الساجى كان صدوقا مأمونا إذا حدّث عنه الثقات فحديثه مستقيم ولد سنة ثمانين. ومات سنة ثمان وأربعين ومائة. روى له الجماعة إلا البخارى (قوله عن

أبيه) محمد بن على بن الحسين بن على بن أبي طالب الهاشمى أبى جعفر المعروف بالباقر. روى عن أبيه وجدّيه وأبي سعيد الخدرى وجابر بن عبد الله وابن عباس وأبي هريرة وآخرين. وعنه ابنه جعفر والزهرى وأبو إسحاق السبيعى وعمرو بن دينار وعطاء بن أبي رباح وابن جريج والأوزاعي وآخرون، وثقه العجلى وابن معين وابن سعد وقال كثير الحديث وليس يروى عنه من يحتج به وقال ابن البرقى كان فقيها فاضلا وذكره النسائى في فقهاء المدينة من التابعين توفي سنة أربع عشرة ومائة، روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله مرّ بالسوق) وفي رواية أحمد أتي العالية فمرّ بالسوق وهي تفيد أنه سوق العالية والسوق تذكر وتؤنث (قال) أبو إسحاق السوق التي يباع فيها مؤنثة وهو أفصح وأصح وتصغيرها سويقة والتذكير خطأ لأنه قيل سوق نافقة ولم يسمع نافق بغير هاء والنسبة إليها سوقى على لفظها اهـ وسميت سوقا لقيام الناس فيها غالبا على سوقهم أو لأن المبيعات تساق إليها (قوله داخلا من بعض العالية) أى حال كون دخوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من بعض طرق العالية، والعالية جمعها العوالى أماكن بأعلى أراضى المدينة أدناها على أربعة أميال وأبعدها من جهة نجد ثمانية أميال ذكره ابن الأثير (وقال) الكرماني العوالى قرى شرقى المدينة جمع عالية اهـ والنسبة إليها علوى على غير قياس والقياس عالوى أو عالى (قوله والناس كنفتيه) وفي رواية مسلم كنفته وهي جملة حالية من فاعل مرّ، وكنفتاه تثنية كنفة وهي الجانب، والمعنى أن الناس محيطون به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من جانبيه (قوله فمرّ بجدى الخ) بفتح الجيم وكسرها لغة رديئة وبسكون الدال المهملة وهو الذكر من ولد المعز وقيده بعضهم بكونه في السنة الأولى وجمعه أجد وجداء مثل دلو وأدل ودلاء وأسك بفتح الهمزة والسين المهملة وبالكاف المشدّدة يطلق على ملتصق الأذنين وعلى فاقدهما وعلى مقطوعهما وعلى الأصم الذى لا يسمع والمراد هنا الأول وقال النووى المراد صغير الأذنين، وميت بالتخفيف والتثقيل أى ذاهب الحياة وأما الحىّ المكدّر عليه عيشه فهو بالتثقيل لا غير ومنه قوله تعالى "إنك ميت وإنهم ميتون" وميت اسم من مات يموت من باب قال أو من مات يمات من باب خاف (قوله أيكم يحب الخ) وفي نسخة أيكم يحب أن هذه له الخ. وفي رواية أحمد بكم تحبون والاستفهام إنكارى بمعنى النفى أى لا يحب أحدكم أن يكون هذا له والغرض منه بيان حقارة الدنيا وأنها لا قيمة لها ليزهدوا فيها حيث جعلها كالميتة التي لا ينتفع بها ولا يرغب فيها (قوله وساق الحديث) أى ذكر جابر تمام الحديث وهو كما في مسلم والبيهقى أيكم يحب أن هذا له بدرهم فقالوا ما تحب أنه لنا بشئ وما نصنع به قال أتحبون أنه لكم قالوا والله لو كان حيا كان عيبا فيه لأنه أسكّ فكيف وهو ميت فقال والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم

باب في ترك الوضوء مما مست النار

(فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز مسّ الميتة، وعلى جواز ترك غسل اليد بعد مسها وعلى جواز الحلف لتحقيق الأمر وتأكيده بلا كراهة، وعلى بيان حقارة الدنيا وأنها لا يرغب فيها عاقل (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبخارى في الأدب المفرد والبيهقي وكذا مسلم في كتاب الزهد (باب في ترك الوضوء مما مست النار) أى في بيان عدم نقض الوضوء بأكل ما أنضج بالنار. وفي بعض النسخ باب في ترك الوضوء مما مسته النار (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، ثَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» (ش) (قوله أكل كتف شاة) أى أكل لحم كتف شاة، والكتف بفتح الكاف وكسر المثناة الفوقية وفتحها وبكسر الكاف وسكون المثناة وتجمع على كتفة مثل قردة وأكتاف كأصحاب وهي عظم عريض خلف المنكب مؤنثة وتكون للناس وغيرهم من الدوابّ. وفى رواية للبخارى تعرّق أى أكل ما على العرق بفتح العين المهملة وسكون الراء العظم، وفي رواية مسلم أنه أكل عرقا أو لحما (قال) في الفتح وكان أكله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لكتف الشاة في بيت ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب بنت عمّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ وقيل كان في بيت ميمونة خالة ابن عباس كما في رواية البخارى (قوله ثم صلى ولم يتوضأ) وفي رواية ابن ماجه صلى ولم يمس ماء، والمراد هنا نفى الوضوء الشرعي (وبهذا الحديث) وأشباهه قد تمسك من قال بعدم الوضوء الشرعي مما مسته النار منهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان وعلى وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأنس بن مالك وأبو هريرة وعائشة وأبو أمامة وكثيرون من الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم (وذهبت) طائفة إلى وجوب الوضوء الشرعي بأكل ما مسته النار وهو مروى عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصرى والزهرى وأبى قلابة محتجين بأحاديث الباب الآتي ومنها حديث توضؤوا مما مست النار (وقال) الجمهور إنها منسوخة بأحاديث الباب (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم ومالك في الموطأ والطحاوى (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيُّ الْمَعْنَى، قَالَا: ثَنَا وَكِيعٌ،

عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ أَبِي صَخْرَةَ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: ضِفْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَأَمَرَ بِجَنْبٍ فَشُوِيَ، وَأَخَذَ الشَّفْرَةَ فَجَعَلَ يَحُزُّ لِي بِهَا مِنْهُ، قَالَ: فَجَاءَ بِلَالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ، قَالَ: فَأَلْقَى الشَّفْرَةَ، وَقَالَ: «مَا لَهُ تَرِبَتْ يَدَاهُ» وَقَامَ يُصَلِّي، زَادَ الْأَنْبَارِيُّ: «وَكَانَ شَارِبِي وَفَى فَقَصَّهُ لِي عَلَى سِوَاكٍ» أَوْ قَالَ: «أَقُصُّهُ لَكَ عَلَى سِوَاكٍ؟ » (ش) (رجال الحديث) (قوله مسعر) بن كدام (قوله المعنى) أى أن حديثهما اتفق في المعنى وإن اختلف في اللفظ (قوله جامع بن شداد) المحاربى الكوفي أحد الفضلاء. روى عن طارق بن عبد الله وصفوان بن محرز وأبى بردة بن أبى موسى وعبد الرحمن النخعى وغيرهم وعنه الأعمش ومسعر والثورى وشعبة وكثيرون، قال ابن معين والنسائى وأبو حاتم والعجلى ثقة وقال يعقوب بن سفيان ثقة متقن. قيل توفى سنة سبع أو ثمان وعشرين ومائة. روى له الجماعة (قوله المغيرة بن عبد الله) بن أبى عقيل الكوفى اليشكرى. روى عن أبيه والمغيرة بن شعبة وبلال بن الحارث والمعرور بن سويد. وعنه جامع بن شداد وعلقمة بن مرثد وأبو إسحاق السبيعى. وثقه ابن حبان والعجلى. روى له أبو داود والترمذى والنسائى (معنى الحديث) (قوله ضفت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) بكسر الضاد المعجمة من باب باع أى نزلت عنده ضيفا يقال ضفت الرجل وتضيفته إذا نزلت به وأضفته إذا أنزلته وتضيفنى إذا أنزلني والاسم الضيافة. والضيف يطلق على الواحد وغيره لأنه في الأصل مصدر ويجوز فيه المطابقة فيقال ضيف وضيفة وأضياف وضيفان (قوله ذات ليلة) أى ذات ليلة فالإضافة بيانية ويحتمل أن لفظ ذات مقحم أى ضفته صلى الله تعالى عليه وعلى آلة وسلم في ليلة (قوله فأمر بجنب) بفتح الجيم وسكون النون أى شق من لحم أو قطعة منه (قال) في المصباح الجنب والجانب والجنبة محرّكة شق الإنسان وغيره اهـ وفي النهاية الجنب القطعة من الشئ تكون معظمه أو شيئا كثيرا منه اهـ ويجمع على جنوب كفلس وفلوس (قوله وأخذ الشفرة) بفتح الشين المعجمة وسكون الفاء السكين العظيمة وتجمع على شفار مثل ظبية وظباء وشفرات مثل سجدة وسجدات (قوله فجعل يحزّ لى بها) أى شرع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقطع لى بالسكين، يقال حزّه من باب ردّ واحتزّه أى قطعه والحزّة القطعة من اللحم تقطع طولا والجمع حزز مثل غرفة وغرف (قوله فآذنه بالصلاة) بالمدّ أى أعلم بلال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بدخول وقت الصلاة (قوله

تربت يداه) أى التصقت بالتراب وهى كلمة تستعمل في الأصل في الدعاء بالفقر وقد لا يراد بها أصلها كما هنا (قال) الجوهرى ترب الشئ بكسر الراء أصابه التراب ومنه ترب الرجل افتقر كأنه لصق بالتراب يقال تربت يداك وهو على الدعاء أى لا أصبت خيرا اهـ (وقال) الخطابى تربت يداه كلمة تقولها العرب عند اللوم ومعناها الدعاء عليه بالفقر والعدم وقد يطلقونها في كلامهم وهم لا يريدون وقوع الأمر كما قالوا عقرى حلقي وثكلته أمه فإن هذا الباب لما كثر في كلامهم ودام استعمالهم له في خطابهم صار عندهم بمعنى اللغو كقولهم بلى والله ولا والله وذلك من لغو اليمين الذى لا اعتبار به ولا كفارة فيه ويقال ترب الرجل إذا افتقر وأترب بالألف إذا استغنى ومثل هذا قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعليك بذات الدين تربت يداك اهـ وإنما قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك لأنه كان الأنسب لبلال أن لا يعجل بإعلامه بالصلاة وهو على الطعام مع الضيف بل كان ينبغى له الانتظار حتى يفرغ لكن لما أعلمه بها أسرع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالقيام تأدبا وامتثالا لأمر مولاه ومسارعة إلى طاعته، ولا يقال إن هذا مخالف لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدءوا بالعشاء رواه البخارى، لأن هذا محمول على غير الإمام الراتب (قال) في الفتح واستدلّ البخارى بهذا الحديث "أى حديث الباب" على أن الأمر بتقديم العشاء على الصلاة خاص بغير الإمام الراتب اهـ (وأجيب) أيضا بأنه محمول على الصائم بخلاف حديث الباب (قال) الخطابى ليس هذا الصنيع من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمخالف لقوله إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء وإنما هو للصائم الذى قد أصابه الجوع وتاقت نفسه للطعام فأمر بأن يصيب من الطعام قدر ما يسكن شهوته لتطمئن نفسه في الصلاة ولا تنازعه شهوة الطعام وهذا فيمن حضره الطعام وهو متماسك في نفسه ولا يزعجه الجوع ولا يعجله عن إقامة الصلاة وإيفاء حقها اهـ ووافقه على ذلك جماعة (قوله زاد الأنبارى وكان شاربى وفى) أى طال وهو من قول المغيرة بن شعبة، والشارب الشعر النابت على الشفة العليا ويقال شاربان باعتبار الطرفين وجمعه شوارب. واختلف في جانبيه وهما السبالان قيل هما من الشارب فيشرع قصهما وقيل من جملة اللحية، ووفى على وزن رمى وفى بعض النسخ وفاء بالمد. وفي بعضها وفيا أى طويلا يقال وفى الشئ بنفسه يفى بالكسر وفيا أى تمّ وكثر (قوله فقصه لى على سواك) أى قطع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما ارتفع من شعر الشارب فوق السواك، وفى رواية البيهقى فوضع السواك تحت الشارب فقص عليه، وفي رواية البزّار عن عائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أبصر رجلا وشاربه طويل فقال ائتونى بمقصّ وسواك فجعل السواك على طرفه ثم أخذ ما جاوزه (قوله

ما دل عليه حديث المغيرة بن شعبة من مشروعية الضيافة وقطع اللحم بالسكين وجواز الدعاء على من يستحقه وجواز مسح اليد بعد الأكل من غير غسل وغيرها من المسائل

أو قال أقصه الخ) شك من ابن الأنبارى في الزيادة التي قالها المغيرة والفرق بين لعبارتين أن الأولى تفيد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قصّ شاربه بالفعل على السواك والثانية تفيد أنه لم يقصه بل وعد بالقصّ ولم يبين أنه وقع أو لم يقع (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية الضيافة، وعلى أن الضيف يكرم بما يليق به على قدر طاقة المضيف، وعلى مشروعية خدمة الضيف، وعلى المبادرة إلى إحضار الطعام الذى يقدّم إليه، وعلى جواز قطع اللحم بالسكين وفي النهى عنه حديث ضعيف فإن ثبت خص بعدم الحاجة إلى القطع بالسكين لما فيه من التشبه بالأعاجم وأهل الترف بأن كان اللحم سهلا لتمام نضجه، وعلى مشروعية إعلام الإمام بحضور الصلاة، وعلى جواز الدعاء على من يستحقه، وعلى أن أكل اللحم لا ينقض الوضوء لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قام للصلاة ولم يتوضأ، وعلى مزيد تواضعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حيث قص شارب أحد رعيته. وعلى مشروعية قصّ الشارب إذا طال: وعلى مشروعية وضع شئ تحت الشارب عند القص (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والترمذى وابن ماجه والطحاوى في شرح معانى الآثار وذكره البيهقي مختصرا (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، ثَنَا سِمَاكٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَتِفًا، ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ بِمِسْحٍ كَانَ تَحْتَهُ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى» (ش) (قوله ثم مسح بده يمسح) بكسر الميم وسكون السين المهملة كساء من الشعر جمعه مسوح وأمساح كحمل وحمول وأحمال، ومسح النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يده عقب الطعام مع دسومته ولم يغسلها مع أمره بغسل اليد قبل الطعام وبعده لبيان عدم وجوب الغسل (قوله فصلى) أى ولم يتوضأ كما في الرواية السابقة (فقه الحديث) دلّ الحديث على عدم انتقاض الوضوء من أكل ما مسته النار، وعلى جواز الصلاة بعد الأكل بغير مضمضة ولا غسل، وعلى جواز مسح اليد بعد الطعام وأن غسلها ليس بواجب (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه

جواز الأكل في اليوم مرتين

(ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرِيُّ، ثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ انْتَهَسَ مِنْ كَتِفٍ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» (ش) (رجال الحديث) (قوله حفص بن عمر النمرى) بفتحتين ابن الحارث الحوضى، و (همام) ابن يحيى، و (قتادة) بن دعامة (قوله يحيى بن يعمر) بضم الميم وفتحها القيسي الجدلى بفتح الجيم البصرى أبو سليمان المروزى قاضيها. روى عن ابن عباس وابن عمر وأبى هريرة وأبي سعيد الخدرى وعائشة وغيرهم من الصحابة. وعنه عبد الله بن بريدة وإسحاق بن سويد وعطاء الخراساني وعكرمة وقتادة وكثيرون. وثقه أبو زرعة وأبو حاتم والنسائى وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان من فصحاء أهل زمانه وأكثرهم علما باللغة مع الورع الشديد. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله انتهس) بالسين المهملة وفي نسخة انتهش بالشين المعجمة والنهس بالمهملة أخذ اللحم بأطراف الأسنان والنهش بالمعجمة أخذه بجميعها كذا في النهاية وقيل بالعكس (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه لا وضوء من أكل ما مسته النار، وعلى مشروعية تناول اللحم بالأسنان (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ الْخَثْعَمِيُّ، ثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: «قَرَّبْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُبْزًا وَلَحْمًا فَأَكَلَ، ثُمَّ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ طَعَامِهِ فَأَكَلَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» (ش) (رجال الحديث) (قوله إبراهيم بن الحسن) بن الهيثم أبو إسحاق المصيصى روى عن الحارث بن عطية وحجاج بن محمد ومخلد بن يزيد. وعنه أبو داود والنسائى وموسى ابن هارون. قال أبو حاتم صدوق وكتب عنه ووثقه النسائى وابن حبان. مات سنة تسع وعشرين ومائتين و (الخثعمى) بفتح الخاء المعجمة وسكون الثاء المثلثة وفتح العين المهملة نسبة إلى خثعم بن أنمار (قوله محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهذير بالتصغير ابن عبد العزّى التيمى

أبو عبد الله أحد الأئمة الأعلام. روى عن عائشة وأبي هريرة وجابر وابن عمر وابن الزبير وأنس وطائفة. وعنه مالك بن أنس وابن جريج والزهرى وشعبة والسفيانان وآخرون، قال إبراهيم بن المنذر غاية في الحفظ والإتقان والزهد حجة وقال الحميدي حافظ، ووثقه ابن معين وأبو حاتم والعجلى. مات سنة ثلاثين ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله ثم دعا بوضوء فتوضأ) يحتمل أن يكون وضوؤه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد أن أكل من الخبز واللحم لأجل الطعام الذى مسته النار ثم يكون ترك الوضوء منه في الصلاة الثانية ناسخا له، ويحتمل أن يكون وضوؤه أولا لأنه لم يكن على طهارة ثم بين بتركه الوضوء بعد هذا أن ما فعله أولا لم يكن لما مسته النار (قوله ثم دعا بفضل طعامه) يحتمل أن هذا كان منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تشريعا لأمته وبيانا لجواز الأكل مرّتين في اليوم، ويحتمل أن الصلاة أدركتهم أثناء الطعام قبل أن يأخذ كفايته منه فدعا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالطعام بعد الصلاة ليستوفي الأكل، والأول أقرب لما رواه الترمذى عن محمد بن المنكدر عن جابر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنا معه فدخل على امرأة من الأنصار فذبحت له شاة فأكل وأتته بقناع من رطب فأكل منه ثم توضأ للظهر وصلى ثم انصرف فأتته بعلالة الشاة فأكل ثم صلى العصر ولم يتوضأ "والقناع الطبق والعلالة البقية" ولما أخرجه الطحاوى في شرح معاني الآثار عن يد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال أتينا ومعنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بطعام فأكلنا ثم قمنا إلى الصلاة ولم يتوضأ أحد منا ثم تعشينا ببقية الشاة ثم قمنا إلى صلاة العصر ولم يمسّ أحد منا ماء فظاهر هذين الحديثين أن الأكل كان مرّتين مستقلتين وليست الثانية تتميما للأولى (قوله ولم يتوضأ) أى وضوءه للصلاة أخذا من السياق (فقه الحديث) الحديث يدلّ على مشروعية ترك الوضوء من أكل ما مسته النار، وعلى جواز الأكل مرّتين في اليوم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مالك في الموطأ والطحاوي في شرح معاني الآثار والترمذى (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سَهْلٍ أَبُو عِمْرَانَ الرَّمْلِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، ثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «كَانَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا اخْتِصَارٌ

ترك الوضوء مما غيرت النار

مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ (ش) (رجال الحديث) (قوله موسى بن سهل) بن قادم نسائى الأصل. روى عن على بن عياش وآدم بن أبى إياس وحجاح بن إبراهيم الأزرق وسعيد بن أبى مريم وآخرين وعنه أبو داود والنسائى وأبو حاتم وابن خزيمة وجماعة، قال أبو حاتم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة إحدى أو اثنتين وستين ومائتين (قوله على بن عياش) بالمثناة التحتية المشددة وبالشين المعجمة ابن مسلم الحمصى الألهانى أبو الحسن أحد الأثبات. روى عن شعيب بن أبي حمزة والليث بن سعد وثابت بن ثوبان ومعاوية بن يحيى وغيرهم. وعنه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والبخارى وأبو زرعة وآخرون، وثقه العجلى والنسائى وقال الدارقطنى ثقة حجة وقال ابن حبان كان متقنا. ولد سنة ثلاث وأربعين ومائة ومات سنة تسع عشرة ومائتين روى له الجماعة (قوله شعيب بن أبى حمزة) دينار الأموى مولاهم أبو بشر الحمصى أحد الأثبات المشاهير. روى عن هشام بن عروة ونافع والزهرى ومحمد بن المنكدر ومحمد بن الوليد وغيرهم وعنه أبو إسحاق الفزارى والوليد بن مسلم وأبو اليمان وبقية بن الوليد وشريح بن يزيد وعلى بن عياش، قال الخليلى ثقة متفق عليه حافظ أثنى عليه الأئمة ووثقه النسائى وأبو حاتم والعجلى ويعقوب ابن شيبة وقال ابن معين هو من أثبت الناس في الزهرى، مات سنة ثنتين أو ثلاث وستين ومائة روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله كان آخر الأمرين ألخ) آخر مرفوع على أنه اسم كان وترك خبره ويجوز العكس وهذا إذا لم تعلم الرواية وإلا اتبعت، والأمران هما الوضوء مما مسته النار وترك الوضوء منه (وبهذا الحديث) احتج الجمهور على نسخ الوضوء مما مست النار (قوله وهذا اختصار من الحديث الأول) أى أن حديث جابر المروى من طريق شعيب بن أبى حمزة مختصر من حديثه السابق المروى عنه من طريق ابن جريج عن محمد بن المنكدر. وقد فهم البيهقى أن المصنف أشار بهذا إلى أن هذا الحديث ليس ناسخا لطلب الوضوء مما مست النار ولا دلالة فيه على النسخ لأن المراد بآخر الأمرين آخرهما في هذه القصة لا مطلقا فلا يستدلّ به على النسخ لاحتمال أن يكون حديثا الباب الآتى ونحوهما مما يدلّ على وجوب الوضوء مما مست النار متأخرة عن هذه القصة ناسخة لترك الوضوء مما مست النار (وممن) قال بذلك أبو حاتم وابن حبان والزهرى وما قالوه مردود بإجماع الخلفاء الراشدين وأعلام الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم والأئمة من بعدهم على نسخ الوضوء مما مست النار بحديث الباب ونحوه. فعن محمد بن عمرو بن عطاء قال كنت مع ابن عباس في بيت ميمونة زوج النبي صلى الله تعالى عليه

وعلى آله وسلم فجعل يعجب ممن يزعم أن الوضوء مما مست النار ويضرب فيه الأمثال ويقول إنا نستحم بالماء المسخن ونتوضأ به وندهن بالدهن المطبوخ وذكر أشياء مما يصيب الناس مما قد مست النار ثم قال لقد رأيتنى في هذا البيت عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد توضأ ثم لبس ثيابه فجاءه المؤذن فخرج إلى الصلاة حتى إذا كان في الحجرة خارجا من البيت لقيته هدية عضو من شاة فأكل منها لقمة أو لقمتين ثم صلى وما مسّ ماء. قال ورواه مسلم في الصحيح عن أبى كريب عن أبى أسامة، وفيه دلالة على أن ابن عباس شهد ذلك من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم قال قال الزعفراني قال أبو عبد الله الشافعى وإنما قلنا لا يتوضأ منه لأنه عندنا منسوخ ألا ترى أن عبد الله بن عباس وإنما صحبه بعد الفتح يروى عنه أنه رآه يأكل من كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ وهذا عندنا من أبين الدلالات على أن الوضوء منه منسوخ أو أن أمره بالوضوء منه بالغسل للتنظيف، والثابت عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه لم يتوضأ منه ثم عن أبى بكر وعمر وعثمان وعلى وابن عباس وعامر بن ربيعة وأبيّ بن كعب وأبى طلحة كل هؤلاء لم يتوضؤوا منه اهـ (وقال) أما الطريقة الأولى فإليها ذهب جماعة من العلماء واحتجوا بما احتج به الشافعى من رواية ابن عباس ثم برواية جابر بن عبد الله الأنصارى ومحمد بن مسلمة وأبى هريرة. أما حديث جابر فأخرجه بسنده عن محمد بن المنكدر عنه قال كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترك الوضوء مما مست النار. وأما حديث محمد بن مسلمة فأخرجه بسنده عنه قال أكل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مما غيرت النار ثم صلى ولم يتوضأ وكان آخر أمريه. وأما حديث أبى هريرة فأخرجه بسنده عنه أنه رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ من ثور أقط ثم رآه أكل من كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ ومنه تعلم أن كون حديث الباب مختصرا مما قبله لا ينافي كونه ناسخا لطلب الوضوء مما مست النار لتبين أن هذه القصة هي أخر الأمرين واستمرّ العمل بعدها على ترك الوضوء، ويجوز أن يكون ترك الوضوء قبلها فإنه ليس فيها أن الوضوء الأول كان لسبب الأكل لاحتمال أن يكون للحدث. أما دعواهم نسخ ترك الوضوء فهى دعوى بلا دليل فلا تقبل (قال) الباجى وعلى ترك الوضوء مما مست النار جميع الفقهاء في زماننا وإنما كان الخلاف فيه في زمان الصحابة والتابعين ثم وقع الإجماع على تركه وقد روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأسانيد لا بأس بها أنه قال توضؤوا مما أنضجت النار (واختلف) أصحابنا في تأويل ذلك (فمنهم) من قال إنه لم يكن قطّ الوضوء مما أنضجت النار واجبا وإنما كان معناه المضمضة وغسل الفم على وجه الاستحباب (ومنهم) من قال قد كان واجبا ثم نسخ وتعلقوا في ذلك بما

رواه شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أنه قال كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترك الوضوء مما مست النار اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على عدم وجوب الوضوء من أكل ما مسته النار كما تقدّم وعلى جواز نسخ بعض الأحكام (من روى الحديث أيضا) رواه النسائى وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي (قال) الحافظ في التلخيص قال الشافعى في سنن حرملة لم يسمع ابن المنكدر هذا الحديث من جابر إنما سمعه من عبد الله بن محمد بن عقيل (وقال) البخارى في الأوسط ثنا على بن المديني قال قلت لسفيان إن أبا علقمة الفروى روى عن ابن المنكدر عن جابر أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أكل لحما ولم يتوضأ فقال أحسبنى سمعت ابن المنكدر قال أخبرني من سمع جابرا، ويشيد أصل حديث جابر ما أخرجه البخارى في الصحيح عن سعيد بن الحارث قلت لجابر الوضوء مما مست النار قال لا. وللحديث شاهد من حديث محمد بن مسلمة أخرجه الطبراني في الأوسط ولفظه أكل صلى الله تعالى عليه وعلى آله سلم آخر أمره لحما ثم صلى ولم يتوضأ اهـ قال النووى في شرح مسلم حديث جابر حديث صحيح اهـ (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي كَرِيمَةَ قَالَ ابْنُ السَّرْحِ: ابْنُ أَبِي كَرِيمَةَ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ ثُمَامَةَ الْمُرَادِيُّ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا مِصْرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيدِيُّ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ فِي مَسْجِدِ مِصْرَ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ أَوْ سَادِسَ سِتَّةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِي دَارِ رَجُلٍ، فَمَرَّ بِلَالٌ فَنَادَاهُ بِالصَّلَاةِ، فَخَرَجْنَا فَمَرَرْنَا بِرَجُلٍ وَبُرْمَتُهُ عَلَى النَّارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «أَطَابَتْ بُرْمَتُكَ»، قَالَ: نَعَمْ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَتَنَاوَلَ مِنْهَا بَضْعَةً، فَلَمْ يَزَلْ يَعْلُكُهَا حَتَّى أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ (ش) (رجال الحديث) (قوله عبد الملك بن أبي كريمة) الأنصارى مولاهم أبو يزيد. روى عن أبي مالك وعمرو بن لبيد وعبيد بن ثمامة. وعنه شجرة بن عيسى المعافرى وعلى بن يزيد بن بهرام وابن السرح، قال سحنون كان ورعا صاحب أحاديث

ووثقه أحمد بن أبى خالد المقرى، روى له أبو داود هذا الحديث لا غير. قيل توفي سنة أربع ومائتين (قوله عبيد بن ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميم المصرى. روى عن عبد الله بن الحارث وعنه عبد الملك بن أبى كريمة، قال في التقريب مقبول من الخامسة. روى له أبو داود، و (المرادى) بضم الميم وتخفيف الراء نسبة إلى مراد أبى قبيلة من اليمن (قوله عبد الله بن الحارث بن جزء) بفتح الجيم وسكون الزاى بعدها همزة ابن عبد الله بن معديكرب (الزبيدى) مصغر، روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحاديث وسكن مصر فروى عنه المصريون منهم عبد الملك ابن أبى كريمة ومسلم بن يزيد الصدفي وعقبة بن مسلم التجيبى ويزيد إن أبى حبيب وغيرهم وكان قد عمى، وهو آخر من مات بمصر من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سنة خمس أو ست أو سبع أو ثمان وثمانين، قال أحمد بن محمد بن سلامة كانت وفاته بأسفل مصر بالقرية المعروفة بسفط القدور. وحكى الطبرى أنه كان اسمه العاصى فسماه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عبد الله. قال الحافظ في الإصابة ووقع لابن منده فيه خبط فاحش فإنه حكى عن ابن يونس أنه شهد بدرا وأنه قتل باليمامة وهذا أظنه في حق عمه محمية بن جزء اهـ. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله فسمعته الخ) عطف على قدم وهو من مقول عبيد بن ثمامة أى قدم عبد الله بن الحارث فسمعته يحدّث في مسجد مصر ولعله مسجد عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (قوله لقد رأيتنى سابع سبعة) أى رأيت نفسي واحدا من سبعة لأن القاعدة أن فاعلا إذا صيغ من اسم العدد وكان مضافا إلى ما اشتق منه كرابع أربعة يكون معناه واحدا من أربعة وبعضا منها وإن أضيف إلى أقلّ مما اشتق منه كرابع ثلاثة كان معناه مصير الثلاثة أربعة (قوله أو سادس ستة) شك من أحد الرواة ولعله عبيد بن ثمامة (قوله فناداه الخ) أى أعلم بلال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بدخول وقت الصلاة فخرج وخرجنا معه (قوله وبرمته على النار) جملة وقعت حالا من الرجل، وقولهم إن النكرة لا يجئ الحال منها إلا بمسوّغ أغلبى، والبرمة بضم الموحدة وسكون الراء القدر مطلقا وهى في الأصل المتخذة من الحجر والجمع برم مثل غرفة وغرف وبرام أيضا بكسر الموحدة (قوله أطابت برمتك) بهمزة الاستفهام أى أطاب ما في برمتك فهو من ذكر المحلّ وإرادة الحالّ وطيب ما فيها كناية عن نضجه (قوله بأبى أنت وأمى) الجار متعلق بمحذوف أى أفديك بأبي وأمى وحذف هذا المقدّر تخفيفا لكثرة الاستعمال وعلم المخاطب به ويجوز أن يكون الجار والمجرور في محل رفع على الخبرية لمبتدأ محذوف أى أنت مفدى بأبى وأمى وهي جملة زائدة على جواب الاستفهام والمقصود منها تعظيم الخاطب لا تنقيص حق الوالدين (قوله فتناول منها بضعة الخ) بفتح الموحدة

ما دل عليه حديث عبد الله بن الحارث الزبيدي من مشروعية إعلام الإمام بدخول وقت الصلاة. وجواز أكل الرجل من طعام غيره إذا علم رضاه

أى أخذ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قطعة من اللحم الذى في تلك البرمة لإدخال السرور على صاحبها وحلول البركة فيها، وفى نسخة فناوله منها بضعة فلم يزل يعلكها أى يمضغها إلى قبيل الإحرام بالصلاة، ويعلك من باب نصر وضرب والعلك بفتح العين وبكسرها كل صمغ يمضغ من لبان وغيره فلا يسيل وجمعه علوك وأعلاك (قوله وأنا أنطر إليه) أى إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وأتى عبد الله بن الحارث بهذه الجملة بعد الحديث ليفيد أنه متأكد منه وأن علمه به كان عن مشاهدة (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية إعلام الإمام بالصلاه بعد الأذان، وعلى أنه يجوز للرجل أن يأكل من طعام غيره إذا علم رضا صاحبه، وعلى أنه ينبغى لكبير القوم أن يدخل السرور على بعض الرعية، وعلى أنه ينبغى للمرءوسين أن يخلصوا في المحبة لرئيسهم، وعلى جواز ترك غسل اليد مما مسته النار، وعلى أن أكل ما غيرته النار لا ينقض الوضوء، وعلى أن المضمضة للصلاة بعد الأكل ليست بواجبة، وعلى جواز الأكل في الطريق (باب التشديد في ذلك) أى في الوضوه الشرعي مما مسته النار بإيجابه، وفى نسخة إسقاط هذه الترجمة (واعلم) أن عادة المحدّثين أن يذكروا الأحاديث التى يرونها منسوخة ثم يعقبونها بالنواسخ ولذا أخر المصنف أحاديث هذا الباب لأنه ممن يرى أنها ناسخة لأحاديث الباب السابق الدالة على ترك الوضوء مما مست النار لكن قد علمت أن الحق ما عليه الجمهور من أن أحاديث الباب السابق ناسخة لأحاديث هذا الباب (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ، عَنِ الْأَغَرِّ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «الْوُضُوءُ مِمَّا أَنْضَجَتِ النَّارُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله يحيى) القطان و (أبو بكر) هو عبد الله بن حفص (قوله الأغرّ) هو سلمان أبو عبد الله المدنى مولى جهينة. روى عن أبى هريرة وعبد الله بن عمرو وأبى الدرداء وأبى سعيد الخدرى وجماعة. وعنه الزهرى وزيد بن رباح وبكير بن الأشج وغيرهم، ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن عبد البرّ هو من ثقات تابعى أهل الكوفة ووثقه الذهلى وقال الواقدى كان ثقة قليل الحديث. روى له الجماعة. (معنى الحديث) (قوله الوضوء مما أنضجت النار) أى الوضوء واجب أو يجب مما أنضجت النار فالوضوء مرفوع على الابتداء والمراد بالوضوء الوضوء الشرعي لأن الحقائق الشرعية

في كلام الشارع مقدّمة على غيرها، وقدّر الخبر من مادّة الوجوب للأمر الآتي (فقه الحديث) دلّ الحديث على وجوب الوضوء مما مست النار ويأتي تمام الكلام عليه في الحديث الذى بعده (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الترمذى عن أبى هريرة بلفظ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الوضوء مما مست النار ولو من ثور أقط قال فقال له ابن عباس يا أبا هريرة أتوضأ من الدّهن أتوضأ من الحميم قال فقال أبو هريرة يا ابن أخى إذا سمعت حديثا من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلا تضرب له مثلا، وأخرج نحوه الطحاوى أيضا في شرح معاني الآثار (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا أَبَانُ، عَنْ يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ فَسَقَتْهُ قَدَحًا مِنْ سَوِيقٍ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَمَضْمَضَ، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي أَلَا تَوَضَّأُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ» أَوْ قَالَ: «مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ»، (ش) (رجال الحديث) (قوله أبان) بن يزيد العطار (قوله عن أبي سلمة) هو عبد الله ابن عبد الرحمن (قوله أن أبا سفيان بن سعيد بن المغيرة) بن الأخنس الثقفى. روى عن خالته أم حبيبة. وعنه أبو سلمة بن عبد الرحمن، وثقه ابن حبان. روى له أبو داود والنسائى (قوله أم حبيبة) هي رملة بنت أبى سفيان صخر بن حرب أم المؤمنين الأموية، هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى أرض الحبشة فتوفي فتزوجها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سنة ست أو سبع قالت أم حبيبة رأيت في المنام كأن زوجى عبيد الله بن جحش بأسوإ صورة ففزعت فأصبحت فإذا به قد تنصر فأخبرته بالمنام فلم يحفل به وأكب على الخمر حتى مات فأتانى آت في نومى فقال يا أم المؤمنين ففزعت فما هو إلا أن انقضت عدّتى فما شعرت إلا برسول النجاشي يستأذن فإذا هي جارية له يقال لها أبرهة فقالت إن الملك يقول لك وكلى من يزوّجك برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأرسلت إلى خالد بن سعيد ابن العاص بن أمية فوكلته فأعطيت أبرهة سوارين من فضة فلما كان العشىّ أمر النجاشي جعفر ابن أبى طالب فحمد الله وأثنى عليه وتشهد ثم قال أما بعد فإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كتب إلىّ أن أزوّجه أم حبيبة فأجبت وقد أصدقتها عنه أربعمائة دينار ثم سكب

ذكر من قال بالوضوء مما مست النار زيادة على ما تقدم

الدنانير فخطب خالد فقال قد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وزوّجته أم حبيبة وقبض الدنانير وعمل لهم النجاشي طعاما فأكلوا قالت أم حبيبة فلما وصل إليّ المال أعطيت أبرهة منه خمسين دينارا قالت فردّتها علىّ وقالت إن الملك عزم علىّ بذلك وردّت علىّ ما كنت أعطيتها أوّلا ثم جاءتني من الغد بعود وورس وعنبر وزباد كثير فقدمت به معى على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكان ذلك قبل إسلام أبى سفيان وقدم أبو سفيان المدينة فدخل على ابنته أم حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم طوته دونه فقال يا بنية أرغبت بهذا الفراش عنى أم بى عنه قالت بل هو فراش رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنت امرؤ نجس مشرك فقال لقد أصابك بعدى شرّ. روى لها عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خمسة وستون حديثا اتفق البخارى ومسلم على حديثين وانفرد مسلم باثنين. روى عنها أخواها معاوية وعتبة وابن أخيها عبد الله وعروة بن الزبير وأبو المليح وآخرون. توفيت بالمدينة سنة أربع وأربعين روى لها الجماعة (معني الحديث) (قوله فسقته قدحا من سويق) أى ملء قدح من سويق، والقدح إناء معدّ للشرب يروى اثنين أو ثلاثة ويطلق أيضا على الإناء الذى يؤكل فيه. والسويق ما يتخذ من الشعير أو القمح بعد قليه أو دقه وخلطه بماء أو عسل أو لبن (قوله ألا توضأ) الهمزة للإنكار على ترك الوضوء الشرعي وتوضأ مضارع حذفت إحدى تاءيه أى لم لا تتوضأ وقد أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالوضوء مما مسته النار (وبهذا) الحديث استدلّ من قال بوجوب الوضوء مما مسته النار منهم عمر بن عبد العزيز والحسن البصرى والزهرى وأبو قلابة وأبو مجلز والمصنف (وأجاب) من ذهب إلى عدم وجوب الوضوء مما مسته النار عن هذه الأحاديث بأنها منسوخة بحديث جابر بن عبد الله وغيره المذكورة في الباب السابق (قال) النووى في شرح مسلم إن هذا الخلاف الذى حكيناه كان في الصدر الأول ثم أجمع العلماء بعد ذلك على أنه لا يجب الوضوء من أكل ما مسته النار اهـ (وقال) ابن حجر نقلا عن ابن بطال أمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالوضوء مما مسته النار لأنهم كانوا ألفوا في الجاهلية قلة التنظف فأمروا بالوضوء منه فلما تقرّرت النظافة في الإسلام وشاعت نسخ اهـ وما قيل من أن فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يعارض القول الخاص بنا ولا ينسخه محله إذا قام دليل علي الخصوصية ولا دليل عليه، على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد أقرّ أبا بكر وعمر على عدم الوضوء من أكل اللحم والخبز. فقد روى أحمد في مسنده عن جابر قال أكلت مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومع أبى بكر وعمر خبزا ولحما

وصلوا ولم يتوضؤوا. وروى ابن ماجه بسنده إلى جابر بن عبد الله قال أكل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبو بكر وعمر خبزا ولحما ولم يتوضؤوا (وقال) ابن تيمية وهذه النصوص "يعنى الأحاديث الدالة على ترك الوضوء مما مست النار" إنما تنفى الإيجاب لا الاستحباب ولهذا قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للذى سأله أنتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ، ولولا أن الوضوء من ذلك مستحبّ لما أذن فيه لأنه إسراف وتضييع للماء بغير فائدة اهـ وغرضه بذلك الإشارة إلى حمل أحاديث الأمر بالوضوء على الندب وأحاديث الترك على أنه ليس بواجب فلا نسخ وهذا ما جنح إليه الخطابى (وحكى) البيهقى عن عثمان الدارمى أنه لما اختلفت أحاديث الباب ولم يتبين الراجح منها نظر إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون بعد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فرجحنا به أحد الجانبين اهـ وارتضاه النووى في شرح المهذب كما تقدم. وروى الطبراني من طريق سليم بن عامر قال رأيت أبا بكر وعمر وعثمان أكلوا مما مست النار ولم يتوضؤا قال ابن حجر إسناد حسن. وقد ذكر الطحاوى في شرح معانى الآثار آثارا كثيرة مروية عن الخلفاء الراشدين وغيرهم دالة على عدم الوضوء (منها) ما جاء عن جابر من طريق همام قال حدثنا قتادة قال لى سليمان بن هشام إن هذا لا يدعنا "يعنى الزهرى" أن نأكل شيئا إلا أمرنا أن نتوضأ منه فقلت سألت عنه سعيد بن المسيب فقال إذا أكلته فهو طيب ليس عليك فيه وضوء فإذا خرج فهو خبيث عليك فيه الوضوء فقال ما أراكما إلا قد اختلفتما فهل بالبلد من أحد فقلت نعم أقدم رجل في جزيرة العرب قال من هو قلت عطاء فأرسل جئ به فقال إن هذين قد اختلفا علىّ فما تقول قال حدثنا جابر بن عبد الله أن أبا بكر الصديق أكل لحما ثم صلى ولم يتوضأ (ومنها) ما جاء عن إبراهيم التيمى أن ابن مسعود وعلقمة خرجا من بيت عبد الله في مسعود يريدان الصلاة فجيء بقصعة من بيت علقمة فيها ثريد ولحم فأكلا فمضمض ابن مسعود وغسل أصابعه ثم قام إلى الصلاة (ومنها) ما جاء عن إبراهيم أيضا عن أبيه عن ابن مسعود قال لأن أتوضأ من الكلمة المنتنة أحبّ إلىّ من أن أتوضأ من اللقمة الطيبة (ومنها) ما روى عن أبى إسحاق السبيعى عن سعيد بن جبير قال دخل قوم على ابن عباس فأطعمهم طعاما ثم صلى بهم على طنفسة فوضعوا عليها وجوههم وجباههم وما توضؤوا (ومنها) ما رواه عن مجاهد قال قال ابن عمر لا تتوضأ من شئ تأكله (ومنها) ما رواه عن أبي غالب عن أبى أمامة أنه أكل خبزا ولحما فصلى ولم يتوضأ وقال الوضوء مما يخرح وليس مما يدخل (ومنها) ما رواه عن أنس بن مالك قال أكلت أنا وأبو طلحة وأبو أيوب الأنصارى طعاما قد مسته النار فقمت لأن أتوضأ فقالا لى أتتوضأ من الطيبات لقد جئت بها عراقية (قال) الطحاوى فهذا أبو طلحة وأبو أيوب قد صليا بعد أكلهما مما غيرت النار ولم يتوضآ وقد رويا عن رسول الله صلى الله تعالى

عليه وعلى آله وسلم أنه أمر بالوضوء من ذلك فيما قد روينا عنهما في هذا الباب فهذا لا يكون عندنا إلا وقد ثبت نسخ ما قد رويا عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من ذلك عندهما فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار، وأما وجهه من طريق النظر فإنا قد رأينا هذه الأشياء التى قد اختلف في أكلها أنه ينقض الوضوء أم لا إذا مستها النار وقد أجمع أن أكلها قبل مماسة النار إياها لا ينقض الوضوء فأردنا أن ننظر هل للنار حكم يجب في الأشياء إذا مستها فينتقل به حكمها إليها فرأينا الماء القراح طاهرا تؤدّى به الفروض ثم رأيناه إذا سخن فصار مما قد مسته النار أن حكمه في طهارته على ما كان عليه قبل مماسة النار إياه وأن النار لم تحدث فيه حكما ينتقل به حكمه إلى غير ما كان عليه في البدء فلما كان ما وصفنا كذلك كان في النظر أن الطعام الطاهر الذى لا يكون أكله قبل أن تمسه النار حدثا إذا مسته النار لا تنقله عن حاله وتغير حكمه ويكون حكمه بعد مسيس النار إياه كحكمه قبل ذلك قياسا ونظرا على ما بينا وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد بن الحسن اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب الوضوء مما مسته النار وقد علمت أنه منسوخ أو محمول على الندب (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والطحاوى في شرح معانى الآثار من عدة طرق وفى بعض النسخ بعد الحديث السابق زيادة "قال أبو داود في حديث الزهرى يا ابن أخى" أى أن الحديث روى من طريق محمد بن مسلم الزهرى وفيه يا ابن أخى بدل يا ابن أختى في رواية أبى سلمة، وكون أبى سفيان بن سعيد ابن أخى أم حبيبة محمول على عادة العرب من مناداة الصغير بقولهم يا ابن أخى أو وهم من بعض الرواة فإنه ابن أختها كما تقدم. وفي هذه الزيادة إشارة إلى طريق آخر للحديث فيه محمد بن مسلم الزهرى وقد ذكره النسائى قال أخبرنا الربيع بن سليمان ابن داود ثنا إسحاق بن بكر بن مضر حدثني بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن بكر بن سوادة عن محمد بن مسلم بن شهاب عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى سفيان بن سعيد الأخنس أن أم حبيبة زوج النبي. صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالت له وشرب سويقا يا ابن أختى توضأ فإني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول توضؤوا مما مست النار اهـ ومثله في الطحاوى وقد أخرجاه بسندهما إلى الزهرى من طريق آخر وفي كل يا ابن أختى. ومنه تعلم أن ما في هذه الزيادة من قوله يا ابن أخى غير موافق لما ذكر ولعله تحريف من النساخ فإن الحديث الذى فيه يا ابن أخى ليس من طريق الزهرى بل من طريق يحيى بن أبى كثير قال حدثنى أبو سلمة أن أبا سعيد بن أبى سفيان بن المغيرة أخبره أنه دخل على أم حبيبة فدعت له بسويق فشرب ثم قالت يا ابن أخى توضأ فقال إني لم أحدث شيئا فقالت إن رسول الله صلى الله تعالى عليه

باب الوضوء من اللبن

وعلى آله وسلم قال توضؤوا مما مست النار أخرجه الطحاوى (باب الوضوء من اللبن) يعنى الوضوء اللغوى والمراد به المضمضة من شرب اللبن كما في الحديث (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ شَرِبَ لَبَنًا فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَمَضْمَضَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ لَهُ دَسَمًا» (ش) (رجال الحديث) (قوله عقيل) بضم العين المهملة ابن خالد بن عقيل بفتح المهملة أبو خالد الأيلى الأموى مولى عثمان بن عفان أحد الأثبات. روى عن أبيه وعكرمة وسلمة بن كهيل ومحمد بن مسلم الزهرى وغيرهم. وعنه يحيى بن أيوب ويونس بن يزيد والليث ابن سعد ونافع بن يزيد وطائفة، قال أبو زرعة صدوق ثقة ووثقه ابن معين والنسائى وابن حبان والعجلى وأحمد وقال إسحاق بن راهويه كان حافظا وقال الذهبي ثبت حجة. توفي بمصر سنة إحدى وأربع وأربعين ومائة. روى له الجماعة (قوله عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلى أبو عبد الله المدني. روى عن ابن مسعود وأبي هريرة وعائشة وابن عباس وكثيرين من الصحابة. وعنه الزهرى وأبو الزناد وصالح بن كيسان وعراك بن مالك وطلحة بن يحيى وجماعة، قال العجلى تابعى ثقة رجل صاح جامع للعلم وقال أبو زرعة ثقة مأمون إمام وقال الواقدى كان عالما ثقة فقيها كثير الحديث وقال ابن حبان كان من سادات التابعين وقال ابن عبد البرّ كان أحد الفقهاء العشرة ثم السبعة الذين تدور عليهم الفتوى وكان عالما. قيل توفي سنة تسع وتسعين. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله فتمضمض ثم قال إن له دسما) جملة تعليلية مفيدة لحكمة المضمضة من اللبن، والدسم الدهن الذى يظهر على اللبن. والحديث يدلّ على استحباب المضمضة من شرب اللبن ومثل اللبن غيره من كل ما له دسومة من المأكول والمشروب أخذا من العلة لتنظف فمه. وكذا تستحب المضمضة مما لا دسومة فيه لما رواه البخارى عن يحيى ابن سعيد عن بشير بن يسار أنه خرج مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عام خيبر حتى إذا كانوا بالصهباء "وهي أدني خيبر" فصلى العصر ثم دعا بالأزواد فلم يؤت إلا بالسويق فأمر به فثرى فأكل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأكلنا ثم قام إلى المغرب

استحباب غسل اليدين قبل الطعام وبعده باب الرخصة في ذلك يعني في ترك المضمضة من شرب اللبن

فمضمض ومضمضنا ثم صلى ولم يتوضأ. وقوله فثرى بضم المثلثة وتشديد الراء أى بلّ بالماء لما لحقه من اليبس (فهذا) صريح في أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تمضمض من السويق الذى لم يكن فيه دسومة (ومثل) المضمضة غسل اليدين قبل الطعام وبعده إن دعت الحاجة إليه (قال) النووى في شرح مسلم اختلف العلماء في استحباب غسل اليدين قبل الطعام وبعده (والأظهر) استحبابه أوّلا إلا أن يتيقن نظافة اليدين من النجاسة والوسخ واستحبابه بعد الفراغ إلا أن لا يبقى على اليد أثر الطعام بأن كان يابسا أو لم يمسه بها (وقال) مالك لا يستحب غسل اليد للطعام إلا أن يكون على اليد أوّلا قذر أو يبقى عليها بعد الفراغ رائحة اهـ وحديث الوضوء قبل الطعام وبعده ينفى الفقر وهو من سنن المرسلين رواه الطبراني في الأوسط عن ابن عباس وروى نحوه الحاكم عن عائشة وروى بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده كلها ضعيفة (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية المضمضة من شرب اللبن (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى والبيهقى والترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح وقد رأى بعض أهل العلم المضمضة من اللبن وهذا عندنا على الاستحباب اهـ وأخرجه ابن ماجه من حديث أنس بن مالك قال حلب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شاة وشرب من لبنها ثم دعا بماء فمضمض فاه وقال إن له دسما. وقد روى أمر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله، سلم بالمضمضة من اللبن من عدّة طرق عن ابن عباس وأم سلمة وسعد الساعدى (باب الرخصة في ذلك) أى التسهيل في ترك المضمضة من شرب اللبن. وهذه الترجمة ساقطة من بعض النسخ (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، عَنْ مُطِيعِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ لَبَنًا، فَلَمْ يُمَضْمِضْ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَصَلَّى»، قَالَ زَيْدٌ: دَلَّنِي شُعْبَةُ عَلَى هَذَا الشَّيْخِ (ش) (رجال الحديث) (قوله مطيع بن راشد) البصرى. روى عن توبة العنبرى. وعنه زيد بن الحباب. روى له أبو داود وقال أثنى عليه شعبة وقال الذهبى مطيع بن راشد لا يعرف عن توبة العنبرى اهـ (قوله توبة العنبرى) ابن كيسان السجستاني ثم البصرى، ولى قضاء

باب الوضوء من الدم

سابور ثم الأهواز. روى عن أنس والشعبى وعمر بن عبد العزيز وأبى بردة ونافع وغيرهم وعنه الثورى وشعبة وأبو بشر وهشام، قال ابن المديني له نحو ثلاثين حديثا ووثقه ابن معين وابن حبان وأبو حاتم والنسائى وقال الأزدى منكر الحديث. توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة روى له البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى (معنى الحديث) (قوله ولم يتوضأ) أى وضوءا شرعيا (والحديث) دليل على جواز ترك المضمضة والوضوء الشرعي من شرب اللبن (قال) العينى في شرح البخارى قال أبو جعفر الطحاوى والحديث يدلّ على نسخ المضمضة (وقال) صاحب التلويح يخدش فيه ما رواه أحمد بسنده عن أنس أنه كان يمضمض من اللبن ثلاثا فلو كان منسوخا لما فعله أنس بعده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قلت) لا يلزم من فعله هذا والصواب في هذا أن الأحاديث التى فيها الأمر بالمضمضة أمر استحباب لا وجوب. والدليل ما رواه أبو داود "يعنى حديث الباب" وما رواه الشافعى بإسناد حسن عن أنس أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شرب لبنا فلم يمضمض ولم يتوضأ "فإن قلت" ادعى ابن شاهين أن حديث أنس ناسخ لحديث ابن عباس "قلت" لم يقل به أحد ومن قال فيه بالوجوب حتى يحتاج إلى دعوى النسخ اهـ كلام العينى (قوله قال زيد الخ) أى قال زيد بن الحباب أرشدني شعبة بن الحجاج أحد أئمة الجرح والتعديل على هذا الشيخ يعني مطيع بن راشد، وغرض المؤلف بهذا توثيق مطيع والردّ على من زعم جهالته فإن شعبة لا يدلّ إلا على ثقة ولذا قال ابن حجر إسناده حسن (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز ترك الوضوء اللغوى والشرعى من شرب اللبن (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى (باب الوضوء من الدم) أى في بيان حكم الوضوء من الدم الخارج من الشخص سائلا كان أو غير سائل أيجب منه الوضوء أم لا (ص) حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ - فَأَصَابَ رَجُلٌ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَحَلَفَ أَنِّي لَا أَنْتَهِيَ حَتَّى أُهَرِيقَ دَمًا فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، فَخَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ

وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مَنْزِلًا، فَقَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا؟ فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: «كُونَا بِفَمِ الشِّعْبِ»، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلَانِ إِلَى فَمِ الشِّعْبِ اضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيُّ، وَقَامَ الْأَنْصَارِيُّ يُصَلِّي، وَأَتَى الرَّجُلُ فَلَمَّا رَأَى شَخْصَهُ عَرَفَ أَنَّهُ رَبِيئَةٌ لِلْقَوْمِ، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ فَنَزَعَهُ، حَتَّى رَمَاهُ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ، ثُمَّ أَنْبَهَ صَاحِبُهُ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُمْ قَدْ نَذِرُوا بِهِ هَرَبَ، وَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالْأَنْصَارِيِّ مِنَ الدَّمِ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَلَا أَنْبَهْتَنِي أَوَّلَ مَا رَمَى، قَالَ: كُنْتَ فِي سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا (ش) (رجال الحديث) (قوله ابن المبارك) هو عبد الله (قوله صدقة بن يسار) الجزرى نزل مكة. روى عن الزهرى والقاسم بن محمد وطاوس بن كيسان وسعيد بن جبير وغيرهم وعنه ابن جريج ومالك والثورى وشعبة وابن إسحاق والسفيانان وآخرون، وثقه أحمد وأبو داود وابن معين والنسائى ويعقوب بن سفيان وقال أبو حاتم صالح وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن سعد توفي في أول خلافة بني العباس وكان ثقة قليل الحديث. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه (قوله عقيل) بفتح العين المهملة (ابن جابر) بن عبد الله الأنصارى. روى عن أبيه. وعنه صدقة بن يسار وجابر البياضى، وثقه ابن حبان وقال الذهبى فيه جهالة ما روى عنه سوى صدقة بن يسار. روى له أبو داود (معنى الحديث) (قوله يعنى في غزوة ذات الرقاع) هذه من زيادة بعض الرواة لا من كلام جابر وذات الرّقاع بكسر الراء. وفي رواية الحاكم في غزوة الرّقاع من نخل وكانت سنة أربع من الهجرة وذكر البخارى أنها كانت بعد خيبر، وسميت الغزوة باسم شجرة هناك وقيل باسم جبل هناك فيه بياض وسواد وحمرة يقال له الرقاع وقيل سميت بذلك لرقاع كانت في ألويتهم وقيل لأن أقدامهم نقبت فلفوا عليها الخرق وهذا هو الصحيح لما رواه البخارى ومسلم عن أبي موسى الأشعرى قال خرجنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في غزوة ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه فنقبت أقدامنا ونقبت قدماى وسقطت أظفارى فكنا نلفّ على أرجلنا الخرق فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا (قوله فأصاب رجل الخ) أى قتل مسلم امرأة رجل مشرك أو أسرها فحلف المشرك أن لا أكفّ ولا أرجع عن الانتقام حتى أريق وأصيب دما الخ والهاء في أهريق زائدة، وفي رواية الحاكم فلما انصرف رسول الله

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قافلا أتي زوجها وكان غائبا فلما أخبر الخبر حلف لا ينتهى الخ (قوله من رجل يكلؤنا) أى أىّ رجل يحرسنا ويحفظنا فمن استفهامية (قال) في المصباح كلأه الله يكلؤه مهموز بفتحتين كلاءة بالكسر والمدّ حفظه ويجوز التخفيف اهـ (قوله فانتدب رجل الخ) أى أجاب يقال ندبه إلى الأمر فانتدب وانتدبته للأمر فانتدب أى دعوته له فأجاب يستعمل لازما ومتعدّيا، والمهاجرى عمار بن ياسر والأنصارى عباد بن بشر سماهما البيهقي في روايته في دلائل النبوة وقيل الأنصارى عمارة بن حزم (قوله كونا بفم الشعب) بكسر الشين المعجمة الطريق مطلقا وقيل الطريق في الجبل وجمعه شعاب وفم الشعب أعلاه (قوله فلما خرج الرجلان الخ) وفي رواية الحاكم فلما أن خرج الرجلان إلى فم الشعب قال الأنصارى للمهاجرى أىّ الليل أحبّ إليك أن أكفيكه قال اكفنى أوله فاضطجع المهاجرى الخ (قوله فلما رأى شخصه الخ) أى فلما رأى المشرك ذات الأنصارى عرف أنه طليعة للقوم، والشخص سواد الإنسان وغيره تراه من بعيد ثم استعمل في ذاته (قال) الخطابى ولا يسمى شخصا إلا جسم مؤلف له شخوص وارتفاع اهـ والربيئة بفتح الراء وكسر الموحدة وسكون المثناة التحتية وفتح الهمزة طليعة القوم ينظر لهم لئلا يدهمهم عدوّ وهو لا يكون إلا على جبل أو شرف ينظر منه من ربأ يربأ من باب فتح يفتح يقال يربأ أهله أى يحفظهم من عدوّهم وارتبأت الجبل صعدته (قوله فرماه بسهم الخ) أى رمى المشرك الأنصارىّ بسهم فأصابه وتمكن منه كأنه وضعه فيه بيده ونزع الأنصارى السهم من جسده واستمرّ في صلاته حتى تكرّر ذلك ثلاثا. وفي بعض النسخ ونزعه حتى قضى ثلاثة أسهم أى حتى كملها لأن القضاء يطلق في اللغة على معان مرجعها إلى انقطاع الشئ وتمامه. وفي رواية الحاكم فرماه بسهم فوضعه فيه قال فنزعه فوضعه وثبت قائما ثم رماه بسهم آخر فوضعه فيه فنزعه فوضعه وثبت قائما ثم عاد له الثالثة فوضعه فيه فنزعه (قوله ثم ركع) أى تمادى الأنصارى ولم يقطع صلاته لاشتغاله بلذتها عن مرارة ألم الجرح (قوله ثم أنبه صاحبه) أى أيقظه وفي نسخة ثم انتبه، وفي رواية الحاكم والبيهقي ثم أهبّ صاحبه فقال اجلس فقد أثبتّ أى جرحت (قوله فلما عرف الخ) أى لما عرف المشرك أن القوم علموا به هرب، ونذر كعلم وزنا ومعنى يقال نذرت به إذا علمته بخلاف الإنذار فإنه الإعلام مع تخويف (قوله سبحان الله) هو في الأصل مصدر غير متصرّف منصوب بفعل محذوف أى أسبح الله سبحانا أى أنزه الله وأقدّسه تقديسا والمقصود منه هنا التعجب وقد كانت العرب تقول سبحان الله إذا رأت ما يستغرب منه (قوله ألا أنبهتنى) أى أيقظتني وألا بفتح الهمزة والتخفيف للإنكار فكأنه أنكر عليه عدم إنباهه إياه ويجوز الفتح والتشديد بمعنى اللوم والعتب على عدم تنبيهه وإيقاظه، وفى رواية الحاكم أفلا أهببتني أوّل ما رماك (قوله كنت في سورة الخ) هي سورة الكهف كما ذكره البيهقي في الدلائل وزاد

أقوال الأئمة في نقض الوضوء وعدمه بخروج الدم من الجسد

ابن إسحاق في رواية الحاكم حتى أنفذها فلما تابع علىّ الرمى ركعت فآذنتك وأيم الله لولا أن أضيع ثغرا أمرني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها (والحديث) يدلّ على أن خروج الدم من غير السبيلين لا ينقض الوضوء إذا كان سائلا وغير السائل بالطريق الأولى وإليه ذهب ابن عمر وابن عباس وابن أبى أوفى وجابر وأبو هريرة وعائشة وابن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر والقاسم بن محمد وعطاء ومكحول وربيعة ومالك وأبو ثور وداود والشافعى وأصحابه وهو قول أكثر الصحابة والتابعين (وأما) الدم الخارج من السبيلين (فذهبت) المالكية إلى أنه غير نافض إن خرج خالصا من العذرة والبول (وذهبت) الشافعية إلى أنه نافض (واستدلوا) أيضا بما رواه الدارقطني عن أنس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه، وبما رواه مالك في الموطأ أن عبد الله بن عباس كان يرعف فيخرج فيغسل عنه الدم ثم يرجع فيبني على ما قد صلى. وبما رواه أيضا عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي قال رأيت سعيد بن المسيب يرعف فيخرج منه الدم حتى تختضب أصابعه من الدم الذى يخرج من أنفه ثم يصلى ولا يتوضأ. وقال مالك الأمر عندنا أن لا يتوضأ من رعاف ولا من دم ولا من قيح يسيل اهـ (قال) الزرقاني وفي رواية ولا من شئ يسيل وهى أعمّ سواء أكان طاهرا أم نجسا لأن الوضوء المجمع عليه لا ينتقض إلا بسنة أو إجماع ولم يرد في ذلك سنة ولا إجماع اهـ (وقالوا) أيضا إن الدم خارج لا ينقض الطهارة قليله فكذا لا ينقض كثيره كالبصاق. وذهب أبو حنيفة، والثورى والأوزاعي وأحمد وإسحاق وغيرهم إلى أن الدم الخارج من البدن مطلقا نافض للوضوء (قال) الخطابى وهو قول أكثر الفقهاء واستدلوا بما رواه الدارقطني واللفظ له وابن ماجه عن إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبى مليكة عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "من أصابه قئ أو رعاف أو قلس أو مذى فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم واستدلوا أيضا بما رواه البخارى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة قال إنما ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلى عنك الدم قال هشام بن عروة قال أبى ثم توضئى لكل صلاة حتى يجئ ذلك الوقت (قال العينى) وهذا الحديث أقوى ما استدلّ به أصحابنا وأصحها. وبما رواه الدارقطني عن يزيد بن خالد عن يزيد بن محمد عن عمر بن عبد العزيز عن تميم الدارمى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الوضوء من كل دم سائل (وقالوا) إنه خارج نجس مؤثر

في زوال الطهارة فهو ناقض كالبول (وأجاب) النووى في شرح المهذب عن هذه الأحاديث بما نصه. والجواب عن حديث ابن جريج من أوجه أحسنها أنه ضعيف باتفاق الحفاظ وضعفه من وجهين (أحدهما) أن رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج وابن جريج حجازى ورواية إسماعيل عن أهل الحجاز ضعيفة عند أهل الحديث (والثانى) أنه مرسل قال الحفاظ المحفوظ في هذا أنه عن ابن جريج عن أبيه عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ممن قال ذلك الشافعى وأحمد بن حنبل ومحمد بن يحيى الذهلى وعبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه وأبو زرعة وابن عدى والدارقطنى والبيهقي وغيرهم. وقد بين الدارقطنى والبيهقى ذلك أحسن بيان (والجواب) الثانى أنه لو صحّ يحمل على غسل النجاسة وبه أجاب الشافعى والأصحاب وغيرهم (والثالث) أنه محمول على الاستحباب (والجواب) عن حديث المستحاضة من وجهين (أحدهما) أنه ضعيف غير معروف وحديث المستحاضة مشهور في الصحيحين بغير ذكر الرضوء فهى زيادة باطلة (والثانى) لو صح لكان معناه إعلامها أن هذا الدم ليس حيضا بل هو موجب للوضوء لخروجه من محل الحدث ولم يرد أن خروح الدم من حيث كان يوجب الوضوء، ومن العجب تمسكهم بهذا الحديث الضعيف الذى لو صح لم يكن فيه دلالة وقد قال إمام الحرمين في الأساليب إن هذا الحديث مما يعتمدونه وهذا أشدّ تعجبا (وأما) حديث تميم الدارى فجوابه من أوجه أحدها أنه ضعيف من وجهين (أحدهما) أن اليزيدين في سنده مجهولان (والثاني) أنه مرسل أو منقطع فإن عمر بن عبد العزيز لم يسمع تميما (الجواب الثاني) والثالث لو صح الحديث لحمل على غسل النجاسة أو الاستحباب، وأما قياسهم فرده أصحابنا وقالوا الحدث المجمع عليه غير معقول المعنى ولا يصح القياس عليه لعدم معرفه العلة. قال أبو بكر بن المنذر لا وضوء في شيء من ذلك لأني لا أعلم مع من أوجب الوضوء فيه حجة، هذا كلام ابن المنذر الذى لا شك في إتقانه وتحقيقه وكثرة اطلاعه على السنة ومعرفته بالدلائل الصحيحة وعدم تعصبه اهـ كلام النووى (وممن يرى) نقض الوضوء بالدم الخارج من غير السبيلين الخلفاء الأربعة قيل وباقي العشرة المبشرين بالجنة وابن مسعود وابن عباس وثوبان وأبو الدرداء وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعرى وابن عمر فقد روى مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا رعف رجع فتوضأ ولم يتكلم ثم رجع وبنى على ما قد صلى، ونحوه عند البيهقى في باب من قال يبنى من سبقه الحدث. وروى الشافعى في مسنده قال حدثنا عبد المجيد عن ابن جريج عن الزهرى عن سالم عن ابن عمر أنه كان يقول من أصابه رعاف أو مذى أو قئ انصرف فتوضأ ثم رجع فبنى اهـ (والظاهر) ما ذهب إليه الفريق الأول من عدم نقض الوضوء بخروج الدم من الجسد فقد تواترت الأخبار على أن المجاهدين في سبيل الله كانوا يجاهدون ويذوقون آلام الجراحات فلا يستطيع أحد

أن ينكر سيلان الدماء من جراحاتهم وأنهم كانوا يصلون على حالهم ولم ينقل عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه أمرهم بإعادة وضوئهم للصلاة من أجل ذلك، وما تقدم من الأحاديث الدالة على نقضه منه فقد علمت ما فيها (واعترض) بعض الحنفية على حديث جابر بأنه إنما ينهض حجة إذا ثبت اطلاع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على صلاة الأنصارى ولم يثبت (وأجيب) بأنه يبعد عدم اطلاعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على مثل هذه الواقعة العظيمة وقد كان الزمان زمان نزول وحى ولم يحدث أمر يتعلق بالدين إلا أوحى الله تعالى به إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما هو ظاهر: على أنه قد ثبت عن الثقات اطلاعه على هذه الحادثة وعلى استمرار الأنصارى في الصلاة ولم ينقل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبر بأن صلاته باطلة، ولو كان خروح الدم ناقصا لبين له ذلك لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز "فإن قلت" في إسناد حديث جابر عقيل ابن جابر وهو مجهول كما تقدم عن الذهبي فكيف يصح الاستدلال به "أجيب" بأنها جهالة عين لا جهالة عدالة لأنه انفرد عنه راو واحد وكل من هو كذلك فهو مجهول العين والتحقيق في مجهول العين أنه إن وثقه أحد من أئمة الجرح والتعديل ارتفعت جهالته (قال الحافظ) فإن سمى الراوى وانفرد راو واحد بالرواية عنه فهو مجهول العين كالمبهم إلا أن يوثقه غير من انفرد عنه على الأصح وكذا من انفرد عنه إذا كان متأهلا لذلك اهـ وعقيل بن جابر قد وثقه ابن حبان وصحح حديثه وكذا ابن خزيمة والحاكم وقال عقيل أحسن حالا من أخويه عبد الرحمن ومحمد وقد ذكر الحافظ أنه روى عنه جابر البياضى كما تقدم فارتفعت جهالته وصار حديثه صالحا للاحتجاح به (قال) الخطابى وقد يحتج بهذا الحديث من لا يرى خروج الدم وسيلانه من غير السبيلين ناقصا للطهارة ويقولون لو كان ناقضا للطهارة لكانت صلاة الأنصارى تفسد بسيلان الدم أوّل ما أصابته الرمية ولم يكن يجوز له بعد ذلك أن يركع ويسجد وهو محدث (وإلى) هذا ذهب الشافعى (وقال) أكثر الفقهاء سيلان الدم من غير السبيلين ينقض الوضوء وهذا أحوط المذهبين وبه أقول، وقول الشافعى قوىّ في القياس ومذهبهم أقوى في الاتباع ولست أدرى كيف يصح الاستدلال به والدم إذا سال أصاب بدنه وربما أصاب ثيابه ومع إصابته شيئا من ذلك وإن كان يسيرا لا تصح الصلاة عند الشافعى إلا أن يقال إن الدم كان يخرج من الجراحة على سبيل الزرق حتى لم يصب شيئا من ظاهر بدنه ولئن كان كذلك فهو أمر عجيب اهـ (وقال) النووى في شرح المهذب بعد ذكر حديث جابر وموضع الدلالة أنه خرج دماء كثيرة واستمرّ في الصلاة ولو نقض الدم لما جاز بعده الركوع والسجود وإتمام الصلاة وعلم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك ولم ينكره وهو محمول على أن تلك الدماء لم يكن يمسّ ثيابه منها إلا

الخلاف في الوضوء من القئ والقلس ما دل عليه حديث جابر من المسائل

قليل يعفى عن مثله هكذا قال أصحابنا ولا بدّ منه، وأنكر الخطابي على من استدل بهذا الحديث مع سيلان الدماء على ثيابه وبدنه (ويجاب) عنه بما ذكرنا وأحسن ما أعتقده في المسألة أن الأصل أن لا نقض حتى يثبت بالشرع ولم يثبت، والقياس ممتنع في هذا الباب لأن علة النقض غير معقولة اهـ (وقال) في النيل الواجب البقاء على البراءة الأصلية المعتضدة بهذه الكلية المستفادة من هذا الحديث فلا يصار إلى القول بأن الدم نافض إلا لدليل ناهض، والجزم بالوجوب قبل صحة المستند كالجزم بالتحريم قبل صحة الناقل والكل من التقوّل على الله بما لم يقل، ومن المؤيدات لما ذكرنا حديث أن عباد بن بشر أصيب بسهام وهو يصلى فاستمرّ في صلاته عند البخارى تعليقا وأبى داود وابن خزيمة، ويبعد أن لا يطلع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على مثل هذه الواقعة العظيمة ولم ينقل أنه أخبره بأن صلاته قد بطلت اهـ (قال) ابن تيمية وقد صح عن جماعة من الصحابة ترك الوضوء من يسير الدم ويحمل حديث أنس عليه وما قبله على الكثير الفاحش كمذهب أحمد ومن وافقه جمعا بينهما اهـ ويعنى بحديث أنس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه، وبما قبله حديث من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذى الخ ويؤيد هذا الجمع ما أخرجه الدارقطنى من حديث أبى هريرة مرفوعا ليس في القطرة ولا في القطرتين من الدم وضوء إلا أن يكون دما سائلا لكن فيه محمد بن الفضل بن عطية وهو متروك (قال) الحافظ وإسناده ضعيف ويؤيده أيضا ما روى عن ابن عمر عند الشافعى وابن أبى شيبة والبيهقي أنه عصر بثرة في وجهه فخرج شيء من دمه فحكة بين أصبعيه ثم صلى ولم يتوضأ رواه البخارى تعليقا "والبثرة بفتح الموحدة وسكون المثلثة ويجوز فتحها خرّاج صغير" ومثل الدم في الخلاف القيء والقلس (فذهبت) المالكية والشافعية إلى أنهما غير ناقضين مطلقا (وقالت) الحنابلة ينقض كثير القيء لا القلس مطلقا (وقالت) الحنفية ما ملأ الفم منهما ناقض وما لا يملؤه لا ينقض، ومال ابن حزم إلى عدم نقض الوضوء بشئ مما ذكر وبالغ في الرد على من قال بالنقض بشئ منهما مطلقا (والحاصل) أن القول بعدم نقض الوضوء بخروج الدم من غير السبيلين أقوى من جهة الدليل لا فرق بين كون الدم قليلا أو كثيرا سائلا أم لا وهذا لا ينافي أن الأحوط مراعات القول بالنقض (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جاهدوا لنصرة الدين جهادا كبيرا وتحملوا من أجل ذلك مصاعب لا يقدر عليها غيرهم، وعلى أنه يطلب الأخذ في أسباب الحفظ من العدوّ بكل ما يقدر عليه وهو لا ينافي التوكل، وعلى أنه يطلب من الرئيس أن يعمل على ما فيه المصلحة له ولأتباعه، وعلى أنه يطلب من الأتباع المبادرة إلى ما ندبهم إليه الرئيس من المصالح ولو كان فيه مشقة على النفوس، وعلى أن الأعمال

باب في الوضوء من النوم

تكون على التناوب إذا كانت قابلة له ليأخذ كل واحد من القوم راحته فتدوم قوّتهم على العمل وعلى أنه تطلب المسارعة إلى الطاعات ولا سيما الصلاة، وعلى أن العقلاء ذوى الهمة العلية عرفوا عظيم قدر مناجاة ربهم فشغلوا به عن كل ما سواه، وعلى أن تلاوة القرآن لها لذّة عظيمة تشغل ذا البصيرة النيرة عن كل أمر هامّ خصوصا حال الصلاة، وعلى أن من ولى شيئا من مصالح المسلمين يجب عليه أن يقوم به حق القيام (فانظر) أيها العاقل إلى أعمال أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واعتنائهم بها ولا سيما الصلاة وقراءة القرآن وإلى أعمال أهل هذا الزمان من إضاعتهم معالم الدين وكونهم على الكبائر بلا مبالاة وصنعهم الجرائم حال تلاوة القرآن تر ما يدهش الألباب فإذا أمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر مؤمن قابلوه بالإساءة فإنا لله وإنا إليه راجعون وسيرى الذين ظلموا أىّ منقلب ينقلبون، ودلّ الحديث أيضا على أن خروح الدم من غير السبيلين غير ناقض للوضوء وقد علمت ما فيه من الخلاف أما الدم الخارج من السبيلين فناقض عند الأئمة الثلاثة مطلقا. وقالت المالكية إنه غير ناقض إن خرج خالصا من العذرة والبول لكونه خارجا غير معتاد (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والدارقطني وصححه ابن خزيمة وابن حبان ورواه الحاكم في المستدرك وصححه وأخرجه البيهقي والبخارى في صحيحه تعليقا (باب في الوضوء من النوم) أمطلوب أم لا (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً فَأَخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْنَا فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا، ثُمَّ رَقَدْنَا، ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا، ثُمَّ رَقَدْنَا، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: «لَيْسَ أَحَدٌ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ غَيْرُكُمْ» (ش) الحديث لم يذكر فيه أنهم توضؤوا بعد النوم أو لم يتوضؤوا. فإن حمل على أنهم توضؤوا فمناسبته للترجمة باعتبار أنهم ناموا نوما أوجب الوضوء وإن حمل على أنهم لم يتوضؤوا فمناسبته باعتبار أنهم ناموا نوما خفيفا لا ينقض الوضوء وهذا هو الظاهر (قوله عبد الرزاق) بن همام و (نافع) مولى ابن عمر (قوله شغل عنها ليلة) بالبناء للمفعول أى شغل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن صلاة العشاء الآخرة لاشتغاله بتجهيز جيش كما رواه الطبراني من وجه

باب الوضوء من اللبن

صحيح عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر (قوله حتى رقدنا في المسجد) يعنى نمنا فيه فالرقاد النوم يقال رقد رقدا ورقودا ورقادا نام ليلا كان أو نهارا، وبعضهم يخصه بنوم الليل والأول هو الحق ويشهد له قوله تعالى "وتحسبهم أيقاظا وهم رقود" قال المفسرون إذا رأيتهم حسبتهم أيقاظا لأن أعينهم مفتحة وهم نيام (قوله فقال ليس أحد الخ) وفي رواية البخارى ليس أحد من أهل الأرض ينتظر الصلاة غيركم، وفي رواية له أيضا عن أبي بردة فلما قضى صلاته قال لمن حضره على رسلكم أبشروا إن من نعمة الله عليكم أنه ليس أحد من الناس يصلى هذه الساعة غيركم قال أبو موسى فرجعنا فرحين بما سمعنا من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قال) في الفتح وسبب فرحهم علمهم باختصاصهم بهذه العبادة التي هي نعمة عظمى مستلزمة للمثوبة الحسنى مع ما أضيف إلى ذلك من تجميعهم خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وكان الوقت الذى خرج فيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نصف الليل كما في رواية للبخارى عن أنس قال أخر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل ثم صلى ثم قال قد صلى الناس وناموا أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها وفي رواية لأبي داود وغيره عن أبى سعيد الخدرى فقال إن الناس قد صلوا وأخذوا مضاجعهم وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة (والحديث) يدلّ بظاهره على أن النوم لا ينقض الوضوء (وقد اختلف) العلماء في ذلك (فذهب) أبو موسى الأشعرى وسعيد بن المسيب وأبو مجلز وحميد بن عبد الرحمن والأعرج والشيعة والأوزاعي إلى أنه غير ناقض مطلقا، واستدلوا بقوله تعالى "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية" قالوا فذكر سبحانه وتعالى نواقض الوضوء ولم يذكر النوم وبحديث أبى هريرة لا وضوء إلا من صوت أو ريح رواه الترمذى وابن ماجه وقالوا إن النوم ليس بحدث وغاية ما فيه أنه يحتمل خروج الريح والأصل عدمه فلا يجب الوضوء بالشك (وأجيب) عن احتجاجهم بأن الآية غير خاصرة للنواقض إذ لم يذكر فيها بقية النواقض المجمع عليها كالبول، وبأن الحديث ورد في دفع الشك لا في بيان الأحداث وحصرها، وقولهم إن النوم محتمل لخروج الريح الخ مردود بما قاله النووى في شرح المهذب من أن الشارع جعل هذا الظاهر كاليقين كما جعل شهادة شاهدين كاليقين ويؤيده حديث علىّ الآتي وفيه من نام فليتوضأ (وذهب) الحسن البصرى والمزني وأبو عبيد القاسم بن سلام وإسحاق بن راهويه إلى النقض مطلقا وهو قول غريب للشافعى قال ابن المنذر وبه أقول قال وقد روى معناه عن ابن عباس وأبى هريرة ونسبه في البحر إلى العترة إلا أنهم يستثنون الخفقة والخفقتين (واستدلوا) بحديث معاوية قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العين وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء رواه الدارقطني، وبحديث عليّ الآتى (وأجيب) عنهما بأنهما ضعيفان، وعلى فرض صحتهما فهما محمولان

على نوم غير المتمكن كما ذكره النووى (وذهب) الزهرى وربيعة والأوزاعي ومالك وأحمد في رواية عنه إلى أن كثير النوم ينقض بكل حال وقليله لا ينقض بكل حال، واستدلوا بحديث أنس الآتي وفيه حتى تخفق رءوسهم قالوا إن خفقان الرأس يكون في النوم القليل ومع الثقيل يغلب خروج الخارج بخلاف القليل (وذهب) أبو حنيفة وداود إلى أنه إذا نام على هيئة من هيئات المصلى كالراكع والساجد والقائم والقاعد لا ينتقض وضوؤه سواء أكان في صلاة أم لا وإن نام مضطجعا أو مستلقيا على قفاه انتقض وهو قول غريب للشافعى أيضا، واستدلوا بما أخرجه الترمذى عن أبى خالد الدالانى عن قتادة عن أبى العالية عن ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نام وهو ساجد حتى غطّ ونفخ ثم قام يصلى فقلت يا رسول الله إنك قد نمت فقال إن الوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعا فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله ورواه الدارقطنى وقال تفرّد به أبو خالد عن قتادة ولا يصح اهـ (قال) النووى إنه حديث ضعيف باتفاق أهل الحديث وممن صرّح بضعفه من المتقدمين أحمد بن حنبل والبخارى وأبو داود ونقل إمام الحرمين في كتابه الأساليب إجماع أهل الحديث على ضعفه وهو كما قال والضعف عليه بين اهـ (وذهب) البعض إلى أنه لا ينقض إلا نوم الرا كع والساجد وروى عن أحمد (وذهب) بعض إلى أنه لا ينقض إلا نوم الساجد، وروى عن أحمد أيضا (واستدلوا) بما روى عن أنس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا نام العبد في صلاته باهى الله به ملائكته يقول عبدى روحه عندى وجسده ساجد بين يدىّ قالوا فلو انتقض وضوؤه لما جعله ساجدا (قال) النووى هو ضعيف جدًّا ولو صحّ لكان تسميته ساجدا باسم ما كان عليه فمدحه على مكابدة العبادة اهـ (وقال) في النيل ونسبه في البحر إلى زيد بن على وأبى حنيفة اهـ واستدلوا بحديث المباهاة المتقدم وقد علمت ما فيه (وذهبت) الشافعية إلى أنه إذا نام جالسا ممكنا مقعدته من الأرض لم ينتقض وإلا فلا سواء قلّ أو كثر وسواء أكان في صلاة أم خارجها، واستدلوا بحديث الباب وبما يأتي للمصنف عن أنس وابن عباس وبما رواه الدارقطني وصححه عن أنس قال كنا نأتى مسجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فننام فلا نحدث لذلك وضوءا. وبما رواه أيضا عن أنس وصححه قال لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوقظون للصلاة حتى أنى لأسمع لأحدهم غطيطا ثم يصلون ولا يتوضؤون قال ابن المبارك هذا عندنا وهم جلوس اهـ فهذه الأحاديث محمولة على من نام ممكنا مقعدته جمعا بين الأحاديث، واستدلوا بما رواه الدارقطني أيضا عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جدّه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من نام جالسا فلا وضوء عليه ومن وضع جنبه فعليه الوضوء. وبما رواه مالك والشافعى بإسناد صحيح

مسائل تتعلق بالوضوء من النوم

أن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما كان ينام وهو جالس ثم يصلى ولا يتوضأ وهذه الأحاديث وإن كان في بعضها مقال لكن يقوّى بعضها بعضا (إذا تأملت) ما تقدم علمت ان المذهب الأخير هو الأرجح والأقوى لكثرة أدلته ولما فيه من الجمع بين الأدلة (قال) في النيل المذهب الثامن أنه إذا نام جالسا ممكنا مقعدته من الأرض لم ينقض سواء قلّ أو كثر وسواء كان في الصلاة أم خارجها (قال) النووى وهذا مذهب الشافعى وعنده أن النوم ليس حدثا في نفسه وإنما هو دليل على خروج الريح ودليل هذا القول حديث علىّ ومعاوية وهذا أقرب المذاهب عندى وبه يجمع بين الأدلة، وقوله إن النوم ليس حدثا في نفسه هو الظاهر وحديث صفوان بن عسال وإن أشعر بأنه من الأحداث باعتبار اقترانه بما هو حدث بالإجماع فلا يخفى ضعف دلالة الاقتران وسقوطها عن الاعتبار عند أئمة الأصول، والتصريح بأن النوم مظنة استطلاق الوكاء كما في حديث معاوية واسترخاء المفاصل كما في حديث ابن عباس مشعر أتمّ إشعار بنفى كونه حدثا في نفسه، وحديث إن الصحابة كانوا على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون من المؤيدات لذلك، ويبعد جهل الجميع منهم كونه ناقضا اهـ وحديث صفوان الذى أشار إليه لفظه عن صفوان بن عسال قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولا نخلعهما من غائط ولا بول ولا نوم رواه أحمد والنسائى والترمذى وصححه (فائدة) قال النووى في شرح المهذب فرع في مسائل تتعلق بالفصل والتفريع على المذهب وهو أن نوم الممكن لا ينقض وغيره ينقض (إحداها) قال الشافعى في الأم والمختصر والأصحاب رحمهم الله تعالى يستحب للنائم ممكنا أن يتوضأ لاحتمال خروج حدث وللخروج من خلاف العلماء (الثانية) قال الشافعى في الأم والأصحاب لا ينتقض الوضوء بالنعاس وهو السنة وهذا لا خلاف فيه، ودليله من الأحاديث حديث ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى في الليل فقمت إلى جنبه الأيسر فجعلني في شقه الأيمن فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني فصلى إحدى عشرة ركعة رواه مسلم (قال) الشافعى والأصحاب الفرق بين النوم والنعاس أن النوم فيه غلبة على العقل وسقوط حاسة البصر وغيرها والنعاس لا يغلب على العقل وإنما تفتر فيه الحواسّ بغير سقوط ومن علامات النعاس أن يسمع كلام من عنده وإن لم يفهم معناه قالوا والرؤيا من علامات النوم ونص عليه في الأم. وفي البويطى واتفقوا عليه فلو تيقن الرؤيا وشك في النوم انتقض إذا لم يكن ممكنا فإن خطر بباله شئ فشك أكان رؤيا أم حديث نفس لم ينتفض لأن الأصل بقاء الطهارة ولو شك أنام أم نعس وقد وجد أحدهما لم ينتقض قال الشافعى في الأم والاحتياط أن يتوضأ (الثالثة) لو تيقن النوم وشك هل كان ممكنا أو لا

فلا وضوء عليه هكذا صرّح به صاحب البيان وآخرون وهو الصواب (الرابعة) نام جالسا فزالت ألياه أو إحداهما عن الأرض فإن زالت قبل الانتباه انتقض لأنه مضى لحظة وهو نائم غير ممكن وإن زالت بعد الانتباه أو معه أو لم يدر أيهما سبق لم ينتقض لأن الأصل الطهارة ولا فرق بين أن تقع يده على الأرض أو لا تقع، وحكى عن أبى حنيفة أنه إن وقعت يده على الأرض انتقض وإلا فلا (الخامسة) نام ممكنا مقعده من الأرض مستندا إلى حائط أو غيره لا ينتقض وضوؤه سواء أكان بحيث لو وقع الحائط لسقط أم لا وهذا لا خلاف فيه بين أصحابنا (السادسة) قليل النوم وكثيره عندنا سواء نص عليه الشافعى والأصحاب فنوم لحظة ويومين سواء في جميع التفصيل والخلاف (السابعة) قال أصحابنا لا فرق في نوم القاعد الممكن بين قعوده متربعا أو مفترشا أو متورّكا أو غيره من الحالات بحيث يكون مقعده لاصقا بالإرض أو بغيرها متمكنا وسواء القاعد على الأرض وراكب السفينة والبعير وغيره من الدواب فلا ينتقض الوضوء بشئ من ذلك نص عليه الشافعى رحمه الله في الأم واتفق الأصحاب عليه ولو نام محتبيا وهو أن يجلس على ألييه رافعا ركبتيه محتويا عليهما بيديه أو غيرهما ففيه ثلاثة أوجه حكاها الماوردى والرويانى (أحدها) لا ينتقض كالمتربع (والثانى) ينتقض كالمضطجع (والثالث) إن كان نحيف البدن بحيث لا تنطبق ألياه على الأرض انتقض وإلا فلا قاله أبو الفياض البصرى والمختار الأول (الثامنة) إذا نام مستلقيا على قفاه وألصق ألييه بالأرض فإنه يبعد خروج الحدث منه ولكن اتفق الأصحاب على أنه ينتقض وضوءه لأنه ليس كالجالس الممكن فلو استثفر وتلجم بشئ فالصحيح المشهور الانتقاض أيضا وبه قطع إمام الحرمين في النهاية (وقال) في كتابه الأساليب في الخلاف فيه للنظر مجال ويظهر عدم الانتقاض اهـ وما تقدم من التفصيل والخلاف في النوم في غير حق النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أما هو فنومه غير ناقض على أى حال كان اتفاقا وهو من خصائصه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للأحاديث الصحيحة (منها) حديث ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نام حتى سمع غطيطه ثم صلى ولم يتوضأ (ومنها) حديث عائشة الآتي للمصنف قالت قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تنام عيناى ولا ينام قلبى "ولا يقال" إن هذا مخالف لحديث الصحيح أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نام في الوادى عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس فلو كان قلبه لا ينام لما فاتته صلاة الصبح في وقتها "لأن" القلب يقظان يدرك الحدث وغيره مما يتعلق بالبدن وطلوع الشمس ليس مما يتعلق بالبدن بل هو مما يدرك بالعين والعين كانت نائمة. ومثل النوم في النقض زوال العقل بالجنون والإغماء والسكر بالخمر أو النبيذ أو البنج أو الدواء بل ما ذكر أولى للإجماع عليه سواء أقلّ أم كثر وسواء أكان ممكن المقعدة أم غير ممكنها

(فقه الحديث) دلّ الحديث على أن النوم الخفيف لا ينقض الوضوء وقد تقدم شرحه وعلى إباحة النوم قبل العشاء لمن يغلب عليه النوم، وعلى جواز تأخير العشاء إلى ما بعد ثلث الليل ولا سيما إذا دعت لذلك ضرورة، وعلى أنه يستحب للإمام والعالم إذا حصل منه ما يظن أنه يشقّ على أصحابه أن يعتذر إليهم بما يسليهم ويذهب عنهم المشقة ويبين لهم فضله (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم (ص) حَدَّثَنَا شَاذُّ بْنُ فَيَّاضٍ، ثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ، ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ». (ش) (رجال الحديث) (قوله شاذ) بالشين والذال المعجمتين المشددة هو لقب اشتهر به هلال (ابن فياض) بالفاء والمثناة التحتية المشددة أبو عبيدة اليشكرى البصرى روى عن شعبة وعمر بن إبراهيم العبدى وعكرمة بن عمار والثوري وآخرين. وعنه عمرو بن على الصيرفي وعلى بن عبد العزيز البغوى ومعاذ بن المثني وكثيرون. قال أبو حاتم ثقة صدوق وقال الساجى صدوق عنده مناكير يرويها عن عمر بن إبراهيم عن قتادة وقال ابن حبان كان ممن يرفع المقلوبات ويقلب الأسانيد. روى له أبو داود والنسائى (قوله الدستوائى) بفتح الدال المهملة منسوب إلى دستواء كورة من كور الأهواز أو قرية (معنى الحديث) (قوله كان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) ظاهره أن انتظارهم للعشاء كان يتكرّر منهم حتى صار كالعادة لهم وأنه لم يكن نادرا ووصف العشاء بالآخرة دليل على جواز ذلك خلافا لما يحكى عن الأصمعى من كراهة ذلك (قوله حتى تخفق رءوسهم) أى تميل على صدورهم يقال خفق برأسه خفقة أو خفقتين إذا أخذته سنة من النعاس فمال رأسه دون سائر جسده (وبهذا الحديث) استدلّ من قال إن كثير النوم ينقض الوضوء دون قليله لأن خفقان الرأس يكون في النوم القليل ولو كان ناقضا لما أقرّهم الله على الصلاة في تلك الحالة بل كان يوحى إلى رسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ذلك كما كان يوحى إليه في سائر الأمور الدينية وهو قوى (قال) في سبل السلام إن كثير النوم ينقض على كل حال ولا ينقض قليله وهؤلاء يقولون إن النوم ليس بناقض بنفسه بل مظنة النقض والكثير مظنة بخلاف القليل وحملوا أحاديث أنس على القليل إلا أنهم لم يذكروا قدر القليل ولا الكثير حتى يعلم كلامهم بحقيقته. وفي الباب أحاديث لا تخلو عن قدح أعرضنا عنها

والأقرب القول بأن النوم ناقض لحديث صفوان ولكن لفظ النوم في حديثه مطلق ودلالة الاقتران ضعيفة فلا يقال قد قرن بالبول والغائط وهما ناقضان على كل حال، ولما كان ورود حديث أنس بنوم الصحابة وأنهم كانوا لا يتوضؤون ولو غطوا غطيطا وبأنهم كانوا يضعون جنوبهم وبأنهم كانوا يوقظون والأصل جلالة قدرهم وأنهم لا يجهلون ما ينقض الوضوء ولا سيما الذين كانوا منهم ينتظرون الصلاة معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإنهم أعيان الصحابة وإذا كانوا كذلك فيقيد مطلق حديث صفوان بالنوم المستغرق الذى لا يبقى معه إدراك ويؤوّل ما ذكره أنس من الغطيط ووضع الجنوب والإيقاظ بعدم الاستغراق فقد يغطّ من هو في مبادئ نومه قبل استغراقه، ووضع الجنب لا يستلزم الاستغراق فقد كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يضع جنبه بعد ركعتي الفجر ولا ينام فإنه كان يقوم لصلاة الفجر بعد وضع جنبه وإن كان قد قيل إنه من خصائصه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه لا ينقض نومه وضوءه فعدم ملازمة النوم لوضع الجنب معلومة والإيقاظ قد يكون لمن هو في مبادئ النوم فينبه لئلا يستغرقه النوم اهـ (وقال) الخطابى في هذا الحديث من الفقه أن عين النوم ليس بحدث ولو كان حدثا لكان على أىّ حال وجد ناقضا للطهارة كسائر الأحداث التي قليلها وكثيرها وعمدها وخطؤها سواء في نقض الطهارة وإنما هو مظنة للحدث موهم لوقوعه من النائم غالبا فإذا كان بحال من التماسك والاستواء في القعود المانع من خروج الحدث منه كان محكوما له بالسلامة وبقاء الطهارة المتقدمة وإذا لم يكن كذلك بأن يكون مضطجعا أو راكعا أو ساجدا أو قائما أو مائلا إلى أحد شقيه أو على حالة يسهل معها خروج الحدث من حيث لا يشعر بذلك كان أمره محمولا على أنه قد أحدث لأنه قد يكون منه الحدث في تلك الحال غالبا ولو كان نوم القاعد ناقضا للطهارة لم يجز على أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو بين أظهرهم والوحى ينزل عليه أن يصلوا محدثين بحضرته فدلّ على أن النوم إذا كان بهذه الصفة غير ناقض للطهر اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن النوم الخفيف لا ينقض الوضوء، وعلى مشروعية انتظار صلاة العشاء (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي والدارقطني بلفظ المصنف من طريق هشام الدستوائى وقال صحيح وأخرجه مسلم من طريق شعبة عن قتادة عن أنس بلفظ كان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون قال قلت سمعته من أنس قلت إى والله ورواه الشافعى في الأم بلفظ إن أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كانوا ينتظرون العشاء فينامون قعودا ثم يصلون ولا يتوضؤون

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: زَادَ فِيهِ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. (ش) أى زاد شعبة بن الحجاج في رواية هذا الحديث عن قتادة بن دعامة قوله كنا على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ننتظر العشاء الخ وأفادت هذه الزيادة أن ما ذكر كان يقع من الصحابة زمان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنه كان يقرّهم على ذلك، وهذا التعليق وصله البيهقي بسنده إلى شعبة عن قتادة عن أنس قال كان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينامون ثم يقومون فيصلون ولا يتوضؤون على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأخرجه مسلم في الصحيح عن يحيى بن حبيب عن خالد ابن الحارث عن شعبة بدون قوله على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكذا أخرجه الترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح (ص) وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ بِلَفْظٍ آخَرَ (ش) أى روى هذا الحديث أيضا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة بلفظ آخر، ولعله يشير إلى ما أخرجه المصنف في أبواب قيام الليل قال حدثنا أبو كامل حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك في هذه الآية "تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم" قال كانوا يتيقظون ما بين المغرب والعشاء يصلون (قال) ابن كثير في تفسيره عن أنس وعكرمة ومحمد بن المنكدر وأبى حازم وقتادة هو الصلاة بين العشاءين (وعن) أنس أيضا هو انتظار صلاة العتمة رواه ابن جرير بإسناد جيد، ويحتمل أنه يشير إلى ما ذكره الترمذى بعد تخريج حديث يزيد الدالاني الآتى للمصنف من قوله وقد روى حديث ابن عباس سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس من قوله ولم يذكر فيه أبا العالية وكذا قال البيهقي في باب ما ورد في نوم الساجد بعد سوق حديث يزيد الدالاني وعليه فكان ينبغى للمصنف أن يذكر هذا بعد حديث ابن عباس الآتى لكن الاحتمال الأول هو الظاهر (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَدَاوُدُ بْنُ شَبِيبٍ، قَالَا: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: أُقِيمَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي حَاجَةً، «فَقَامَ يُنَاجِيهِ حَتَّى نَعَسَ الْقَوْمُ، أَوْ بَعْضُ الْقَوْمِ، ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ وُضُوءًا»

جواز الفصل بين الإقامة وتكبيرة الإحرام، ومشروعية عدم إعادة الإقامة، وجواز مناجاة الرجل بحضرة الجماعة

(ش) (رجال الحديث) (قوله ثابت) بن أسلم أبو محمد البصرى مولاهم أحد الأعلام التابعى العابد صحب أنس بن مالك أربعين سنة. روى عن ابن عمر وابن الزبير وأنس بن مالك وعبد الله بن مغفل ومطرّف بن عبد الله بن الشخير وآخرين، وعنه شعبة والحمادان ومعمر والأعمش وحميد الطويل والثورى وكثيرون، قال أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائى والعجلى ثقة ولا خلاف فيه وقال ابن عدى أحاديثه مستقيمة إذا روى عنه ثقة وما وقع في حديثه من النكرة إنما هو من الراوى عنه وقال ابن المدينى له نحو مائتين وخمسين حديثا وقال حماد ابن زيد ما رأيت أعبد من ثابت وقال شعبة كان يختم كل يوم وليلة ويصوم الدهر. مات سنة سبع وعشرين ومائة عن ست وثمانين سنة. روى له الجماعة، و (البناني) بضم الموحدة وبنونين مخففتين نسبة إلى بنانة سكة من محالّ البصرة القديمة اختطها بنو بنانة وهي أم ولد سعد ابن لؤى وقيل كانت بنانة أمة لسعد حضنت بنيه عمارا وعامرا ومجذوما فغلبت عليهم (معنى الحديث) (قوله أقيمت صلاة العشاء) وفي رواية البخارى أقيمت الصلاة بدون ذكر العشاء والمراد بها العشاء فلا تنافي بينهما (قوله فقام رجل) قال الحافظ في الفتح لم أقف على اسم هذا الرجل وذكر بعض الشرّاح أنه كان كبيرا في قومه فأراد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يتألفه على الإسلام ولم أقف على مستند ذلك، وقيل يحتمل أن يكون ملكا من الملائكة جاء بوحى من الله عزّ وجلّ ولا يخفى بعد هذا الاحتمال اهـ (قوله فقام يناجيه الخ) أى قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يكلم ذلك الرجل سرّا إلى أن نام القوم يقال نجيته وأنجيته وناجيته ساررته وانتجى القوم وتناجوا تسارروا والاسم النجوى، ونعس بفتح العين المهملة من باب قتل وغلط من جعلها من باب كرم والاسم النعاس وهو أول النوم، وفي رواية البخارى حتى نام القوم أى ناموا نوما خفيفا وهو في حكم النعاس فلا تنافي بينها وبين رواية المصنف (قوله ولم يذكر وضوءا) أى لم يذكر ثابت البناني في روايته هذا الحديث عن أنس وضوءا بخلاف حديث قتادة عبه السابق فإنه قال فيه ثم يصلون ولا يتوضؤون (فقه الحديث) والحديث يدلّ على جواز مناجاة الرجل الرجل بحضرة الجماعة وإنما نهى عن ذلك بحضرة الواحد، وعلى جواز الكلام في الأمور المهمة بعد إقامة الصلاة أما في غير المهمّ فيكره، وعلى تقديم الأهم فالأهم من الأمور عند ازدحامها فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما ناجاه بعد الإقامة في أمر مهمّ من أمور الدين مصلحته راجحة على تقديم الصلاة، ودلّ أيضا على عدم إعادة الإقامة عند وجود الفصل الطويل بين الإقامة والصلاة، وعلى أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء وهو المقصود من الباب (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي وكذا مسلم بدون قوله ولم يذكر وضوءا وأخرجه

البخارى ومسلم أيضا من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس (ص) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ يَحْيَى عَنْ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ يَسْجُدُ وَيَنَامُ وَيَنْفُخُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: صَلَّيْتَ وَلَمْ تَتَوَضَّأْ وَقَدْ نِمْتَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا»، زَادَ عُثْمَانُ، وَهَنَّادٌ: فَإِنَّهُ إِذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ. (ش) (رجال الحديث) (قوله عن أبي خالد) هو يزيد بن عبد الرحمن بن أبي سلامة الأسدي. روى عن أبي إسحاق السبيعى والحكم بن عتيبة وقتادة وقيس بن مسلم وكثيرين. وعنه شعبة والثورى وحفص بن غياث وشريك النخعى وغيرهم، قال ابن معين والنسائى ليس به بأس وقال أبو حاتم ثقة صدوق وقال ابن سعد منكر الحديث وقال ابن حبان في الضعفاء كان كثير الخطأ فاحش الوهم خالف الثقات في الروايات حتى إذا سمعها المبتدئ في هذه الصناعة علم أنها معمولة أو مقلوبة لا يجوز الاحتجاج به إذا وافق فكيف إذا انفرد بالمعضلات وذكره الكرابيسى في المدلسين. مات سنة مائة. و (الدالاني) نسبة إلى دالان بن سابقة بطن من همدان (معنى الحديث) (قوله كان يسجد وينام وينفخ الخ) أى كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى ثم ينام ويخرج نفسه من فمه بقوّة حال صلاته حتى يسمع له صوت ثم يقوم فيتمم صلاته من غير أن يحدث وضوءا (قوله فقلت له الخ) قد وقع هذا القول من ابن عباس للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم بعد انتهاء صلاته على الظاهر، وفيه دليل على أن الوضوء من النوم كان معلوما بينهم (قوله إنما الوضوء على من نام مضطجعا) أى واضعا أحد جنبيه على الأرض وهذا الجواب منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على أسلوب الحكيم فإن ابن عباس سأله عن فعله فكان القياس أن يقول تنام عيناى ولا ينام قلبي لكن أجابه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بما يختص بالأمة ليعلم ابن عباس الحكم في حقه وغيره ولو أجابه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقوله تنام عيناى ولا ينام قلبي لم يعلم الحكم الخاص به وبالأمة (قوله زاد عثمان الخ) أى زاد عثمان بن أبي شيبة وهناد بن السرىّ في روايتهما بسندهما إلى ابن عباس أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين علة الوضوء من نوم المضطجع

يطلب ممن رأى شيئا يظنه مخالفا للشرع أن يقف على حقيقته ممن فعله ولو كان عظيما. من نام مضطجعا فعليه الوضوء

بقوله فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله لأنه لا يؤمن خروج الحدث عند استرخاء المفاصل والاسترخاء اللين والفتور. والمفاصل جمع مفصل كمسجد وهو كل ملتقى عظمين من الجسد، وفي رواية البيهقي لا يجب الوضوء على من نام جالسا أو قائما أو ساجدا حتى يضع جنبه فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله، وأخرج البيهقى أيضا عن نمر بن كثير عن ميمون الخياط عن ابن عباس عن حذيفة بن اليمان قال كنت في مسجد المدينة جالسا أخفق فاحتضننى رجل من خلفى فالتفت فإذا أنا بالنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت يا رسول الله هل وجب عليّ وضوء قال لا حتى تضع جنبك قال البيهقى تفرّد به نمر بن كثير وهو ضعيف لا يحتج بروايته (وفي هذا) التعليل دليل على أن النوم في ذاته ليس ناقضا للوضوء إنما هو سبب لاسترخاء المفاصل التي هي مظنة لخروج الريح ولو كان النوم ناقضا للوضوء بنفسه لاستلزم نقض الوضوء في جميع أحواله وليس كذلك لأنه لو نام شخص ولم تسترخ مفصاله لا يكون نومه ناقضا للوضوء (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن من رأى شيئا يظنه مخالفا يطلب منه أن يقف على حقيقته ممن وقع منه وإن كان عظيما، وعلى أنه ينبغى لمن وقع منه أن يجيب عما وجه إليه وعلى أن النوم حال وضع الجنب على الأرض ناقض للوضوء بخلافه على غير هذه الحالة وهو حجة لأبى حنيفة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والترمذى وقال رواه سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن ابن عباس من قوله ولم يذكر فيه أبا العالية ولم يرفعه اهـ وأخرجه أيضا الدارقطني وقال تفرّد به يزيد ولا يصح وأخرجه البيهقى من طريقين (أحدهما) بلفظ إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نام في سجوده حتى غطّ ونفخ قلت يا رسول الله قد نمت فقال إنما يجب الوضوء على من وضع جنبه فإنه إذا وضع جنبه استرخت مفاصله هكذا رواه جماعة عن عبد السلام بن حرب (وقال) بعضهم في الحديث إنما الوضوء على من نام مضطجعا فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله (ثانيهما) بلفظ لا يجب الوضوء على من نام جالسا أو قائما أو ساجدا حتى يضع جنبه فإذا وضع جنبه استرخت مفاصله قال البيهقى تفرّد بهذا الحديث على هذا الوجه يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني قال أبو عيسى الترمذى سألت محمد بن إسماعيل البخارى عن هذا الحديث فقال هذا لا شئ اهـ (قال) المنذرى ولو فرض استقامة حال الدالاني كان ما في الحديث من الانقطاع في إسناده والاضطراب ومخالفة الثقات ما يعضد قول من ضعفه من الأئمة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين اهـ (وقال) الحافظ في التلخيص وضعف الحديث من أصله أحمد والبخارى فيما نقله الترمذى في العلل المفردة وأبو داود في السنن والترمذى وإبراهيم الحربي في علله وغيرهم

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَوْلُهُ: «الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا» هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَمْ يَرْوِهِ إِلَّا يَزِيدُ الدَّالَانِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ وَرَوَى أَوَّلَهُ جَمَاعَةٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا مِنْ هَذَا، وَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مَحْفُوظًا (ش) غرض المصنف بهذا بيان ضعف حديث يزيد الدالاني لوجوه (منها) أنه ضعيف وقد خالف الثقات فقد روى الحديث جماعة عن ابن عباس ولم يذكروا قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما الوضوء على من نام مضطجعا فهو منكر (وردّ) العينى هذا بقوله كيف يكون هذا منكرا وقد استدلّ به ابن جرير الطبرى أنه لا وضوء إلا من نوم اضطجاع وصحح هذا الحديث وقال الدالاني لا ندفعه عن العدالة والأمانة والأدلة تدلّ على صحة خبره. وروى المغيرة بن زياد عن عطاء عن ابن عباس قال من نام وهو جالس فلا وضوء عليه ومن اضطجع فعليه الوضوء (وقال) قتادة عن ابن عباس الذى يخفق برأسه لا يجب عليه الوضوء حتى يضع جنبه. وروى هشام بن عروة عن نافع عن ابن عمر أنه كان يستثقل نوما وهو جالس ثم يقوم إلى الصلاة ولا يتوضأ وإذا وضع جنبه يتوضأ، وروى عبدة عن عبد الملك عن عطاء قال إذا نام الرجل في الصلاة قائما أو قاعدا أو ساجدا أو راكعا فليس عليه وضوء إلا أن يضع جنبه وروى يزيد بن قسيط أنه سمع أبا هريرة يقول من جلس فنام فليس عليه وضوء حتى يضطجع وقال عكرمة وإبراهيم لا وضوء حتى يضع جنبه. وروى أيوب عن ابن سيرين أنه كان ينام وهو قاعد ثم يصلى ولا يتوضأ اهـ ونحوه في الجوهر النقى (قوله وروى أوله جماعة الخ) أى روى حديث كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسجد وينام وينفخ ثم يقوم فيصلى ولا يتوضأ جماعة منهم عكرمة وكريب وسعيد بن جبير ولم يذكروا قول ابن عباس للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صليت ولم تتوضأ الخ. فعلى هذا يكون الحديث تفرّد بآخره الدالاني دون أوله أما رواية عكرمة فقد أخرجها البيهقى بسنده إليه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نام حتى سمع له غطيط فقام فصلى ولم يتوضأ قال عكرمة إن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان محفوظا، وأخرج أيضا رواية كريب بسنده إليه عن ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نام حتى نفخ ثم قام فصلى ولم يتوضأ. ورواية سعيد بن جبير أخرجها المصنف في باب صلاة الليل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال بتّ في بيت خالتى ميمونة فصلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العشاء ثم جاء فصلى أربعا "الحديث" وفيه ثم نام حتى سمعت غطيطه ثم قام فصلى ركعتين ثم خرج فصلى الغداة. وأخرح ابن ماجه

الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم

من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان نومه ذلك وهو جالس يعنى النوم الذى لم يتوضأ منه (قوله وقال كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم محفوظا) أى قال ابن عباس كما هو ظاهر السياق، ونقل البيهقى عبارة المصنف وفيها وقال عكرمة كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم محفوظا فلعل لفظ عكرمة ساقط من النسخ التى بأيدينا يعنى أن نومه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في سجوده ليس ناقضا لوضوئه لحفظه من خروج شئ منه حال نومه بدون أن يشعر به بخلاف غيره. وأشار المصنف بذكر قول عكرمة وعائشة الآتي إلى أن عدم انتقاض الوضوء بالنوم حالة الاضطجاع خاص به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لكونه محفوظا وعينه تنام ولا ينام قلبه فلا وجه للاحتجاج بنومه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مضطجعا وعدم وضوئه على عدم انتقاض الوضوء بالنوم إلا حالة الاضطجاع في حق غيره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (ورد) بأنا نسلم أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان محفوظا وأن عينه تنام ولا ينام قلبه لكن لا نسلم ترك الاحتجاج به في عدم نقض الوضوء إلا بالنوم مضطجعا وكيف وقد وردت في ذلك أدلة أخرى يؤيد بعضها بعضا تدلّ على ذلك (ص) وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «تَنَامُ عَيْنَايَ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي». (ش) هذا بعض حديث وصله المصنف في باب صلاة الليل، ولعل الحكمة في أن قلبه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا ينام المحافظة على ما يأتيه حالة النوم من الوحى فإن رؤياه كانت وحيا ولأجل ازدياده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المعارف الإلهية. ومثله في عدم نوم القلب سائر الأنبياء لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنا معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا رواه ابن سعد عن عطاء مرسلا (ص) وَقَالَ شُعْبَةُ: إِنَّمَا سَمِعَ قَتَادَةُ، مِنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ: حَدِيثَ يُونُسَ بْنِ مَتَّى، وَحَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّلَاةِ، وَحَدِيثَ الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ، وَحَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ مِنْهُمْ عُمَرُ، وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ. (ش) أشار المصنف بهذا إلى تضعيف ثالث للحديث بالانقطاع لأن قتادة لم يسمع من أبى العالية إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها (قال) أبو القاسم البغوى يقال إن قتادة لم يسمع هذا الحديث من أبى العالية اهـ، وردّ بأن عدم السماع لا يستلزم الانقطاع عند مسلم والجمهور كما تقدم، ودعوى أنه لم يسمع منه إلا أربعة أحاديث يردّها قول البيهقي بعد ذكر عبارة المصنف وسمع أيضا حديث

ابن عباس فيما يقوله عند الكرب وحديثه في رؤية النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة أسرى به موسى وغيره اهـ. وحديث ما يقال عند الكرب أخرجه الترمذى بسنده إلى قتادة عن أبى العالية عن ابن عباس أن نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يدعو عند الكرب لا إله إلا الله العلى الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش الكريم فهو معنعن كما ترى لكنه قال هذا حديث حسن صحيح اهـ وحديث رؤيته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم موسى وغيره أخرجه مسلم في كتاب الإسراء من كتاب الأنبياء (قوله حديث يونس بن متى) بفتح الميم والمثناة الفوقية المشددة اسم أبيه وقيل اسم أمه وهو النبي المرسل لأهل نينوى، وهذا الحديث أخرجه المصنف في باب التخيير بين الأنبياء وأخرجه البخارى في كتاب الأنبياء بسنده إلى شعبة عن قتادة قال سمعت أبا العالية قال حدثنا ابن عمّ نبيكم يعنى ابن عباس "الحديث" وكذا أخرجه مسلم بسماع قتادة عن أبى العالية، وحديث ابن عمر في الصلاة وحديث القضاة ثلاثة لم نقف عليهما من طريق قتادة عن أبى العالية، وحديث ابن عباس أخرجه مسلم في الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها من طريق منصور عن قتادة أنا أبو العالية عن ابن عباس قال سمعت غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منهم عمر بن الخطاب وكان أحبهم إليّ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس. وكذا أخرجه الترمذى في كراهة الصلاة بعد العصر وبعد الفجر من طريق منصور وفيه تصريح بالإخبار، وأخرجه البخارى في باب الصلاة بعد الفجر من طريق شعبة وفيه تصريح بسماع قتادة من أبي العالية (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَذَكَرْتُ حَدِيثَ يَزِيدَ الدَّالَانِيِّ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، فَانْتَهَرَنِي اسْتِعْظَامًا لَهُ، وَقَالَ: «مَا لِيَزِيدَ الدَّالَانِيِّ يُدْخِلُ عَلَى أَصْحَابِ قَتَادَةَ، وَلَمْ يَعْبَأْ بِالْحَدِيثِ» (ش) أى سألت أحمد عن هذا الحديث ليبين لى حاله من الصحة والضعف فزجرني إنكارا منه لحديث يزيد الدالاني واستغرابا للرواية عنه وقال ما بال الدالانى يدخل في روايات أصحاب قتادة ما ليس منها. ولم يبال أحمد بالحديث الذى رواه يزيد الدالاني لضعفه لكن يردّه ما تقدم عن أحمد من قوله يزيد لا بأس به وقد وثقه غير واحد كما تقدم (قال) البيهقي أما هذا الحديث فإنه قد أنكره على يزيد الدالانى جميع الحفاظ وأنكر سماعه من قتادة أحمد بن حنبل والبخارى وغيرهما ولعل الشافعى وقف على علة هذا الأثر حتى رجع عنه في الجديد اهـ وتقدم أن عدم السماع لا ينافي اتصال الحديث

(ص) حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحِمْصِيُّ، فِي آخَرِينَ، قَالُوا: ثَنَا بَقِيَّةُ، عَنِ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ مَحْفُوظِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «وِكَاءُ السَّهِ الْعَيْنَانِ، فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» (ش) (رجال الحديث) (قوله الوضين) بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة وسكون المثناة التحتية (ابن عطاء) بن كنانة بن عبد الله الخزاعى أبو كنانة أو أبو عبد الله الدمشقى. روى عن بلال بن سعد وأبى الأشعث وعطاء بن أبى رباح وخالد بن معدان ومكحول وغيرهم. وعنه بقية بن الوليد وصدقة بن عبد الله السمين والوليد بن مسلم وطلحة بن زيد والحمادان وطائفة، قال أحمد بن حنبل وابن معين ودحيم ثقة وقال أبو داود قدرى صالح الحديث وقال ابن سعد وابن قانع ضعيف وقال أبو حاتم يعرف وينكر وقال الجوزجاني واهي الحديث وقال الساجى عنده حديث واحد منكر غير معروف عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ عن عليّ العينان وكاء السه وقال الساجى رأيت أبا داود أدخل هذا الحديث في كتاب السنن ولا أراه ذكره فيه إلا وهو عنده صحيح. توفي سنة سبع أو تسع وأربعين ومائة. روى له أبو داود وابن ماجه (قوله محفوظ بن علقمة) أبو جنادة الحضرمى الحمصى. روى عن أبيه وسلمان الفارسى مرسلا وعبد الله بن عائذ. وعنه الوضين بن عطاء وثور بن يزيد ومحمد بن راشد الخزاعى، قال ابن معين ودحيم ثقة وقال أبو زرعة لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود وابن ماجه (قوله عبد الرحمن بن عائذ) الثماني ويقال الكندى أبو عبد الله الحمصى. روى عن عمر ابن الخطاب وعلي بن أبى طالب ومعاذ بن جبل وعوف بن مالك وأبى ذرّ الغفارى وعبد الله ابن عمرو وآخرين. وعنه محفوظ بن علقمة ويحيى بن جابر الطائى وسماك بن حرب وشريح ابن عبيد، قال ابن منده ذكره البخارى في الصحابة ولا يصح وقال أبو حاتم لم يدرك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال هو وأبو زرعة حديثه عن على مرسل وضعفه الأزدى وذكره ابن حبان في الثقات ووثقه النسائى. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله وكاء السه العينان) الوكاء بكسر الواو ممدودا الخيط الذى تشدّ به القربة والكيس ونحوهما، والسه بفتح السين المهملة وكسر الهاء العجز والمراد به حلقة الدبر وأصله سته بالتحريك لجمعه على أستاه كسبب وأسباب ويقال ست بالتاء أيضا فيعرب إعراب يد ودم وبعضهم يقول في الوصل ست بالتاء وفي الوقف سه بالهاء على قياس هاء التأنيث وكنى بالعينين عن اليقظة لأنه يلزم من اليقظة الإبصار بهما فجعل اليقظة للإست كالوكاء

باب في الرجل يطأ الأذى

للقربة فكما أن الوكاء يمنع ما في القربة أن يخرح كذلك اليقظة تمنع الإست أن تحدث إلا باختيار والمراد أن الإنسان ما دام مستيقظا فإسته كالمشدودة لا يخرج منها شيء إلا أحسّ به فإذا نام انحلّ وكاؤها ولذا كان النوم ناقضا للوضوء لأنه مظنة الحدث (وبهذا) الحديث استدلّ من قال إن النوم ناقض للوضوء مطلقا لا فرق بين قليله وكثيره ولا فرق بين هيئة وأخرى وقالوا إنه حدث من الأحداث. وردّ بأن الحديث ضعيف لأنه من رواية بقية عن الوضين بن عطاء وفيهما مقال وقد أنكر على الوضين هذا الحديث عن محفوظ بن علقمة (قال) العينى إن هذا الحديث معلول بوجهين (أحدهما) بقية وفيه مقال (والثاني) الانقطاع. فذكر ابن أبي حاتم عن أبى زرعة في كتاب العلل وفي كتاب المراسيل أن ابن عائذ عن عليّ مرسل اهـ وعلى فرض صحته فهو محمول على من نام نوما ثقيلا غير ممكن مقعدته جمعا بين الأحاديث، وقولهم إن النوم حدث في نفسه مردود أيضا لما تقدم من الأدلة الدالة على أن النوم الخفيف غير ناقض وعلى أن من نام ممكنا مقعدته لا ينتقض وضوؤه ولو كان نومه ثقيلا فلو كان النوم حدثا في نفسه لكان ناقضا للوضوء مطلقا لا فرق بين خفيفه وثقيله وبين حالة وأخرى وليس كذلك لأنه يؤدى إلى إلغاء تلك الأحاديث الدالة على التفرقة مع إمكان الجمع بينها وبين حديث الباب كما تقدم (قال) الخطابي وفي هذا الحديث ما يؤيد ما قلناه من أن النوم عينه ليس بحدث وإنما ينتقض به الطهر إذا كان مع إمكان انحلال الوكاء غالبا فأما مع استمساكه بأن يكون واطنا بالأرض فلا اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم أمته ما تحتاج إليه من أمور الدين حتى ما يستحى من ذكره عادة، وعلى أن النوم ناقض للوضوء. وقد تقدم مستوفى (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي وابن ماجه وأحمد والدارقطنى ورواه البيهقى والطبرانى والدارقطنى وأحمد أيضا عن معاوية بلفظ العين وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء قال الحافظ في التلخيص وفي إسناده بقية وهو ضعيف (وقال) ابن أبى حاتم سألت أبي عن هذين الحديثين فقال ليسا بقويين (وقال) أحمد حديث علىّ أثبت من حديث معاوية في هذا الباب، وحسن المنذرى وابن الصلاح والثورى حديث على اهـ (باب في الرجل يطأ الأذى) أى النجاسة أيطلب منه الوضوء أم لا، وفى بعض النسخ باب في الرجل يطأ الأذى برجله ومثل الرجل في ذلك المرأة والوطء الدوس بالرجل (ص) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، ح وثَنَا

لا وضوء على من وطيء النجاسة برجله استحباب عدم كف الشعر والثياب عن الأرض حال الصلاة

عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنِي شَرِيكٌ، وَجَرِيرٌ، وَابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «كُنَّا لَا نَتَوَضَّأُ مِنْ مَوْطِئٍ وَلَا نَكُفُّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي مُعَاوِيَةَ فِيهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، أَوْ حَدَّثَهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَقَالَ هَنَّادٌ، عَنْ شَقِيقٍ، أَوْ حَدَّثَهُ عَنْهُ (ش) (رجال الأثر) (قوله إبراهيم بن أبى معاوية) السعدى مولاهم أبو إسحاق. روى عن أبيه وأبي بكر بن عياش ويحيى بن عيسى الرملي. وعنه على بن الحسين وبقىّ بن مخلد قال أبو زرعة لا بأس به صدوق صاحب سنة ووثقه مسلمة بن قاسم وذكره ابن حبان في الثقات وقال الأزدى فيه لين وقال ابن قانع ضعيف. توفي سنة ست وثلاثين ومائتين (قوله ابن إدريس) هو عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن بن الأسود أبو محمد الأودى الكوفي أحد الأعلام. روى عن أبيه وابن جريج وابن عجلان وهشام بن عروة ويحيى بن سعيد الأنصارى والأعمش وغيرهم. وعنه مالك بن أنس وابن المبارك وأحمد بن حنبل وابنا أبى شيبة وإسحاق بن راهويه وابن معين وكثيرون، قال ابن معين ثقة في كل شئ وقال ابن سعد كان ثقة مأمونا كثير الحديث حجة صاحب سنة وقال أبو حاتم ثقة حجة إمام من أئمة المسلمين وقال النسائى ثقة ثبت ووثقه كثيرون. مات سنة اثنتين وتسعين ومائة. روى له الجماعة (قوله عن الأعمش) أى روى كل من أبى معاوية محمد ابن خازم وشريك بن عبد الله وجرير بن عبد الحميد وعبد الله بن إدريس عن سليمان الأعمش عن شقيق بن سلمة قال قال عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كما صرّح به في رواية الترمذى (معنى الأثر) (قوله كنا لا نتوضأ من موطئ الأذى) أى من وطء النجاسة بأقدامنا وفي رواية الحاكم كنا نصلى مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلا نتوضأ من موطئ وفى رواية الترمذى قال كنا نتوضأ مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا نتوضأ من الموطئ. والموطئ بفتح الميم وسكون الواو وكسر الطاء مصدر ميمى بمعنى الوطء (وقال) الخطابى الموطئ ما يوطأ في الطريق من الأذى وأصله الموطوء وإنما أراد بذلك أنهم كانوا لا يعيدون الوضوء للأذى إذا أصاب أرجلهم لا أنهم كانوا لا يغسلون أرجلهم ولا ينظفونها من الأذى إذا أصابها اهـ (وقال) العراقى يحتمل أن يحمل الوضوء على الوضوء اللغوى وهو التنظيف فيكون المعنى أنهم كانوا لا يغسلون أرجلهم من الطين ونحوه ويمشون عليه بناء على أن الأصل

فيه الطهارة، وحمله البيهقى على النجاسة اليابسة وأنهم كانوا لا يغسلون الرجل من مسها وبوّب عليه في المعرفة فقال باب النجاسة اليابسة يطؤها برجله أو يجرّ عليها ثوبه (وقال) الترمذى وهو قول غير واحد من أهل العلم قالوا إذا وطئَ الرجل على المكان القذر إنه لا يجب عليه غسل القدم إلا أن يكون رطبا فيغسل ما أصابه اهـ (قوله ولا نكفّ شعرا ولا ثوبا) أى لا نمنعهما من الوقوع على الأرض حالة السجود (وقال) الخطابى أى لا نقيهما من التراب إذا صلينا صيانة لهما عن التتريب ولكن نرسلهما حتى يقعا على الأرض فيسجدا مع الأعضاء اهـ (قوله قال إبراهيم بن أبى معاوية فيه الخ) أى قال في حديثه عن أبيه عن الأعمش عن شقيق أو حدّث شقيق الأعمش عن مسروق قال قال عبد الله بن مسعود. وعليه فحدّثه مبنى للفاعل ولا واسطة بين شقيق ومسروق. ويحتمل أن يكون مبنيا للمفعول والمعنى أن الأعمش قال حدّث شقيق هذا الحديث عن مسروق بواسطة، هذا و (مسروق) هو ابن الأجدع بن مالك ابن أمية الهمدانى الكوفي الإمام القدوة. روى عن أبى بكر الصديق وعثمان بن عفان وعلى ابن أبي طالب وعمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص وعائشة ومعاذ بن جبل. وعنه زوجه قمير وأبو وائل والشعبي وأبو إسحاق السبيعى وإبراهيم النخعى وغيرهم قال العجلى تابعى ثقة وقال ابن معين ثقة لا يسأل عن مثله وقال ابن سعد كان ثقة وله أحاديث صالحة وذكره ابن حبان في الثقات قال أبو سعيد السمعاني سمى مسروقا لأنه سرقه إنسان في صغره ثم وجد، توفي سنة ثلاث وستين. روى له الجماعة (قوله وقال هناد الخ) أى قال في روايته عن أبى معاوية عن الأعمش عن شقيق أو حدّث الأعمش أبا معاوية عن شقيق قال قال عبد الله بن مسعود وعليه فحدّثه مبنى للفاعل ولا واسطة بين الأعمش وشقيق ويحتمل أن يكون مبنيا للمفعول والمعنى أن أبا معاوية قال حدّث الأعمش هذا الحديث عن شقيق بواسطة لم تذكر بين الأعمش وشقيق قال قال عبد الله بن مسعود بلا ذكر مسروق، وغرض المصنف من هذا بيان أن أبا معاوية اختلف عليه فابنه إبراهيم يروى عنه عن الأعمش عن شقيق عن مسروق عن عبد الله بزيادة مسروق بين شقيق وعبد الله وبالشك في رواية الأعمش عن شقيق أهي بالعنعنة أم بالتحديث وأما هناد فروى عن أبى معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله بلا ذكر مسروق وبالشك في رواية أبي معاوية عن الأعمش أهي بالعنعنة أم بالتحديث وأما عثمان بن أبي شيبة فرواه عن شريك ومن معه بالتحديث وهم رووه عن الأعمش عن شقيق بالعنعنة وبلا ذكر مسروق (فقه الحديث) والحديث يدلّ على عدم نقض الوضوء من وطء الأذى ولا نعلم لهذا مخالفا من العلماء، وعلى استحباب عدم كفّ الشعر والثوب عن الأرض حال الصلاة

باب فيمن يحدث في الصلاة

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الترمذى والحاكم في المستدرك وصححه وأخرجه ابن ماجه في باب كفّ الشعر والثوب في الصلاة وأخرجه البيهقى في باب مسّ الأنجاس اليابسة من طريق سفيان عن الأعمش عن أبى وائل عن عبد الله قال كنا نصلى مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا نتوضأ من موطى وأخرجه أيضا من طريق المصنف (باب فيمن يحدث في الصلاة) أى في بيان ما يصنعه من يخرج منه الحدث وهو في الصلاة (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ عِيسَى بْنِ حِطَّانَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَلَّامٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُعِدِ الصَّلَاةَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عيسى بن حطان) بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين الرقاشى روى عن عليّ بن أبى طالب وعبد الله بن عمرو ومصعب بن سعد ومسلم بن سلام. وعنه عاصم الأحول ويزيد بن عياض وعلى بن زيد بن جدعان وغيرهم. قال في التقريب مقبول من الثالثة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائى والترمذى (قوله مسلم بن سلام) بتشديد اللام الحنفى أبو عبد الملك. روى عن طلق بن على. وعنه ابنه عبد الملك وعيسى بن حطان وثقه ابن حبان. روى له أبو داود والترمذى (تنبيه) سلام كله بالتشديد إلا عبد الله بن سلام الصحابى ومحمد بن سلام شيخ البخارى (قوله على بن طلق) بن المنذر بن قيس بن عمرو ابن عبد الله الحنفى السحيمى اليمامى، قال ابن حبان له صحبة وروى حديثه المذكور في هذا الباب أبو داود والترمذى والنسائى ونقل الترمذى عن البخارى قال لا أعرف لعلىّ بن طلق غير هذا الحديث ولا أعرف هذا من حديث على بن طلق السحيمى. قال الترمذى فكأنه رأى أن هذا رجل آخر. وقال ابن عبد البرّ في السحيمى أظنه والد طلق بن على وبه جزم العسكرى (قال) الحافظ وهو ظنّ قوىّ لأن النسب الذى ذكره خليفة هنا هو النسب المتقدم في ترجمة طلق بن على (معنى الحديث) (قوله إذا فسا أحدكم فلينصرف) أى إذا خرج منه ريح من دبره بغير صوت يسمع فليخرج من صلاته يقال فسا يفسو فسوا من باب قتل والاسم الفساء بالضم والمدّ (قوله وليعد الصلاة) يعنى يؤديها ثانيا (وهو يدلّ) على أن من طرأ عليه الحدث وهو في الصلاة فسدت صلاته ويستأنفها ولا يبنى على ما فعل (وإلى هذا) ذهبت المالكية والشافعية

والحنابلة (وقالت) الحنفية يجوز البناء على ما فعل والأفضل الاستئناف واستدلوا بحديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من أصابه قئ أو رعاف أو قلس أو مذى فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم أخرجه الدارقطنى وابن ماجه وهو معلول بأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج وهو حجازى ورواية إسماعيل عن الحجازيين ضعيفة، وقد خالفه الحفاظ من أصحاب ابن جريج فرووه مرسلا (وقال) أحمد الصواب عن ابن جريج عن أبيه عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وصوّب البيهقى الإرسال وصححه الذهلى وأبو حاتم وقال رواية إسماعيل خطأ، وردّ بأن ابن عياش قد وثقه ابن معين وغيره وقد زاد في الإسناد عن عائشة والزيادة من الثقة مقبولة، على أن صحة رفع الحديث مرسلا لا نزاع فيها والمرسل حجة عند الحنفية والجمهور كمالك وأحمد في المشهور عنهما وكذا عند الشافعى إن تقوّى بمجيئه من طريق آخر يباين الطريق الأول مسندا كان أو مرسلا صحيحا أو حسنا أو ضعيفا وها هنا كذلك. فقد روى الدارقطنى عن عمر بن رباح ثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا رعف في صلاته توضأ ثم بنى على ما بقى من صلاته. وأخرج ابن أبى شيبة في مصنفه نحوه موقوفا على عمر وأبى بكر وعلى وابن مسعود وابن عمر وسلمان الفارسى من الصحابة وموقوفا على علقمة وطاوس وسالم بن عبد الله وسعيد بن جبير والشعبي وإبراهيم النخعى وعطاء ومكحول وسعيد بن المسيب من التابعين وكفى بهؤلاء قدوة (وأجابوا) عن حديث الباب بأنه محمول على من تعمد الحدث، على أن ابن القطان قال في كتابه هذا حديث لا يصح فإن مسلم بن سلام الحنفى مجهول الحال وأخرجه الترمذى بلفظ إذا فسا أحدكم فليتوضأ ولا تأتوا النساء في أعجازهن وقال حديث على بن طلق حديث حسن وسمعت محمدا يقول لا أعرف لعلىّ ابن طلق عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غير هذا الحديث اهـ. وقال صاحب الكمال في ترجمة على بن طلق روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حديث لا تأتوا النساء في أعجازهن اهـ وكلامهما يقوّى ما قاله ابن القطان من أن حديث الباب لا يصح (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن الفساء ناقض للوضوء موجب للخروج من الصلاة وهو مجمع عليه ويقاس عليه غيره من النواقض، وعلى أن من طرأ عليه حدث في الصلاة لا يبني على ما فعله بل يستأنفها (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى في عشرة النساء والدارقطنى وابن حبان في صحيحه وأخرجه الترمذى في باب ما جاء في كراهية إتيان النساء في أدبارهن من أبواب الرضاع بلفظ تقدم وقد علمت قول ابن القطان إنه لا يصح

باب في المذي

(باب في المذى) المذى بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وتخفيف المثناة التحتية وبكسر الذال وتشديد التحتية وتخفيفها ماء رقيق لزج يضرب إلى البياض يخرج من القبل عند ملاعبة من تشتهى أو تذكر الجماع وإرادته وقد لا يشعر بخروجه ويكون من الرجل والمرأة ومن المرأة أكثر بخلاف الودى فإنه ماء أبيض ثخين لزج يخرج من القبل بعد البول غالبا. والمني ماء ثخين يخرج بلذّة دفقا غالبا (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ الْحَذَّاءُ، عَنِ الرَّكِينِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ قَبِيصَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً فَجَعَلْتُ أَغْتَسِلُ حَتَّى تَشَقَّقَ ظَهْرِي، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ - أَوْ ذُكِرَ لَهُ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَا تَفْعَلْ إِذَا رَأَيْتَ الْمَذْيَ فَاغْسِلْ ذَكَرَكَ، وَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، فَإِذَا فَضَخْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عبيدة) بفتح العين المهملة وكسر الموحدة آخره هاء تأنيث (ابن حميد) بالتصغير ابن صهيب أبو عبد الرحمن الكوفى التيمى. روى عن عبد العزيز بن رفيع والأعمش ومنصور بن المعتمر والأسود بن قيس وآخرين. وعنه الثورى وأحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي شيبة وعلى بن حجر وآخرون، قال ابن سعد كان ثقة صالح الحديث وقال الساجى ليس بالقوىّ في الحديث وهو من أهل الصدق وقال الدارقطني ثقه حافظ وقال يعقوب بن شيبة كتب عنه الناس ولم يكن من الحفاظ المتقنين توفى سنة تسعين ومائة. روى له أبو داود والترمذى والنسائى والبخارى وابن ماجه، و (الحذاء) بفتح الحاء المهملة وتشديد الذال المعجمة ممدودا صانع النعال وقيل كان يجالس الذين يصنعونها (قوله الركين) بالتصغير (ابن الربيع) بن عميلة بفتح العين المهملة الفزارى الكوفى أبو الربيع. روى عن أبيه وابن عمر وابن الزبير وعكرمة ويحيى بن يعمر وغيرهم. وعنه المعتمر ابن سليمان والثورى وشعبة وشريك وزائدة وآخرون، قال أحمد ويعقوب بن سفيان والنسائى وابن معين ثقة وقال أبو حاتم صالح وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة إحدى وثلاثين ومائة، روى له البخارى في الأدب وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (قوله حصين بن قبيصة) الفزارى الكوفى. روى عن على بن أبى طالب والمغيرة وابن مسعود. وعنه الركين بن الربيع والقاسم

أقوال العلماء فيما يجب من خروج المذي

ابن عبد الرحمن وعبد الملك بن عمير، قال العجلى تابعى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله كنت رجلا مذّاء) بصيغة المبالغة أى كثير المذى (قال) ابن دقيق العيد قد يستدلّ به على أن صاحب سلس المذى يجب عليه الوضوء منه من حيث إن عليا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وصف نفسه بأنه كان مذّاء وهو الذى يكثر منه المذى ومع ذلك أمر بالوضوء وهو استدلال ضعيف لأن كثرته قد تكون على وجه الصحة لغلبة الشهوة بحيث يمكن دفعه وقد تكون على وجه المرض والاسترسال بحيث لا يمكن دفعه وليس في الحديث بيان صفة هذا الخارج على أىّ الوجهين هو اهـ (قوله فجعلت أغتسل) أى صرت أغتسل من المذى كلما أصابني اجتهادا وقياسا على خروج المني (حتى تشقق ظهرى) أى حصل فيه شقوق من شدّة ألم البرد. وفي رواية ابن خزيمة فجعلت أغتسل منه في الشتاء حتى تشقق ظهرى (قوله فذكرت ذلك) أى ما أصابنى من المذى وهو صريح في أن عليا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سأله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بنفسه وهي رواية للترمذى والطحاوى في شرح معانى الآتار (قوله أو ذكر له) شك من الراوى بالبناء للمفعول، والفاعل إما المقداد كما في الروايات الآتية أو عمار بن ياسر كما في رواية للنسائى وفي رواية عبد الرزاق عن عائش بن أنس قال تذاكر علىّ والمقداد وعمار المذى فقال علىّ إنني رجل مذّاء فاسألا النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ذلك. وجمع ابن حبان بين هذا الاختلاف بأن عليا امر عمارا أن يسأل ثم أمر المقداد بذلك ثم سأل بنفسه (قال) الحافظ وهو جمع جيد إلا بالنسبة لآخره لكونه مغايرا لقوله إنه استحيا من السؤال بنفسه فيتعين حمله على المجاز بأن بعض الرواة أطلق أنه سأل لكونه الآمر بذلك وبهذا جزم الإسماعيلى والنووى اهـ لكن ظاهر الروايات يدل على أن السؤال وقع من الثلاثة، وقول عليّ لمن أمره أن يسأل له إني أستحى لمكان ابنته مني كما في بعض الروايات لعله كان في بادئ الأمر ثم بدا له أن يسأل بنفسه ليتثبت من الحكم. وما قيل من أن نسبة السؤال إلى علىّ مجازية وأن السائل غيره فليس بمتعين (قوله لا تفعل) أى لا تغتسل إذا خرج منك المذى (قوله فاغسل ذكرك) دليل أيضا على أن السائل علىّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وهو بظاهره يدلّ على أن الواجب غسل جميع الذكر من خروح المذى (وإليه) ذهبت المالكية قالوا لأن اسم الذكر حقيقة في العضو كله وبنوا عليه أنه هل يحتاج إلى نية في غسله فذكروا في ذلك قولين أشهرهما وجوب النية لأنها طهارة تعبدية والطهارة التعبدية تحتاج إلى نية (وعن أحمد) روايتان إحداهما غسل الذكر وحده والأخرى غسله مع الأنثيين، ويدلّ له حديث ابن سعد الآتى وفيه فتغسل فرجك وأنثييك (قال) النووى وهو محمول على ما إذا أصاب المذى الأنثيين، أو على الاستحباب

وذهبت الحنفية والشافعية إلى وجوب غسل موضع النجاسة فقط (قال) النووى وهو مذهب الجمهور اهـ وإنما عدلوا عن استعمال الحقيقة في الذكر كله نظرا إلى المعنى فإن الموجب للغسل إنما هو خروج الخارج وذلك يقتضى الاقتصار على محله ويدل لهم ما رواه الطحاوى في شرح معاني الآثار عن سعيد بن جبير قال إذا أمذى الرجل غسل الحشفة وتوضأ وضوءه للصلاة وما رواه الإسماعيلى عند البخاري من حديث على قال كنت رجلا مذّاء فأمرت رجلا يسأل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لمكان ابنته فسأل فقال توضأ واغسله اهـ. قال الحافظ في الفتح فأعاد الضمير على المذى اهـ. وأمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بغسل الذكر من المذى دليل على أنه يتعين فيه الماء بخلاف غيره من النجاسات المعتادة كالبول والغائط (قوله فإذا فضخت الماء فاغتسل) أى فإذا دفقت المنىّ فاغتسل فالمراد بالماء المنىّ يقال فضخ الماء من باب نفع دفقه والمصدر الفضخ (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن خروج المذى لا يوجب غسلا وإنما يجب منه الوضوء. وعلى أن المذى نجس لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بغسل الذكر منه، وعلى أن دفق المنى يوجب الغسل، وعلى أنه يطلب من الشخص أن يسأل عن أحكام دينه حتى في الأمور التي يستحيا منها (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى من طريق المصنف وأخرجه البخارى ومسلم والبيهقى أيضا من حديث محمد بن على بن الحنفية عنى أبيه بنحوه وأخرجه الترمذى وابن ماجه عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن عليّ بلفظ سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن المذى فقال فيه الوضوء وفى المنى الغسل قال الترمذى هذا حديث حسن صحيح وأخرجه الطحاوى في شرح معاني الآثار وأحمد في مسنده عن الأسود بن عامر (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، عَنِ الرَّجُلِ إِذَا دَنَا مِنْ أَهْلِهِ، فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ، مَاذَا عَلَيْهِ؟ فَإِنَّ عِنْدِي ابْنَتَهُ وَأَنَا أَسْتَحْيِي أَنْ أَسْأَلَهُ، قَالَ الْمِقْدَادُ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ، وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ».

(ش) (رجال الحديث) (قوله عن أبى النضر) هو سالم بن أبى أمية المدني التيمى مولى عمر بن عبد الله التيمي. روى عن أنس بن مالك وعبد الله بن أبي أوفي وعوف بن مالك والسائب بن يزيد وسعيد بن المسيب وغيرهم. وعنه مالك والسفيانان وابن جريج والليث وآخرون، وثقه أحمد وابن معين والعجلى والنسائى وأبو حاتم وقال حسن الحديث وقال ابن عبد البرّ أجمعوا على أنه ثقة ثبت توفي سنة تسع وعشرين ومائة. روى له الجماعة (قوله سليمان بن يسار) أبو أيوب ويقال أبو عبد الرحمن أو أبو عبد الله مولى ميمونة زوج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدني أحد الفقهاء السبعة. روى عن زيد بن ثابت وعائشة وميمونة وابن عباس وأبى هريرة وجابر بن عبد الله وغيرهم من الصحابة. وعنه عمرو بن دينار ومكحول وعمرو بن ميمون والزهرى ويحيى الأنصارى ونافع مولى ابن عمر وآخرون، قال أبو زرعة ثقة مأمون فاضل وقال النسائى هو أحد الأئمة وقال العجلى مدنى تابعى ثقة فاضل عابد وقال ابن سعد كان ثقة عالما رفيعا فقيها كثير الحديث قيل مات سنة تسع ومائة عن ثلاث وسبعين سنة. روى له الجماعة (قوله المقداد) ابن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن عامر البهراني وقيل الحضرمى أبو الأسود ويقال أبو عمرو أو أبو سعيد، أسلم قديما، وزوّجه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بنت عمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وهاجر الهجرتين وشهد بدرا والمشاهد كلها وكان فارسا يوم بدر، قال مخالق بن طارق عن ابن مسعود شهدت من المقداد مشهدا لأن أكون صاحبه أحب إلىّ مما عدل به، وقال أبو ربيعة الإيادى عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن الله عزّ وجل أمرنى بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم عليّ والمقداد وأبو ذرّ وسلمان أخرجه الترمذى وابن ماجه. روى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ اثنين وأربعين حديثا اتفق الشيخان على واحد وانفرد مسلم بثلاثة. وعنه على بن أبى طالب وابن عباس وابن مسعود وأنس وكثيرون. مات سنة ثلاث وثلاثين في خلافة عثمان قيل وهو ابن سبعين سنة روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (قوله ابن الأسود) قد علمت أنه ابن عمرو ونسب إلى الأسود لأنه تبناه وذلك أن عمرو بن ثعلبة أصاب دما في قومه فلحق بحضرموت فحالف بنى كندة فكان يقال له الكندى وتزوّج هناك امرأة فولدت له المقداد فلما كبر المقداد وقع بينه وبين أبي شمر بن حجر الكندى نزاع فضرب المقداد رجله بالسيف وهرب إلى مكة فحالف الأسود بن عبد يغوث الزهرى وكتب إلى أبيه فقدم عليه فتبنى الأسود المقداد فصار يقال له المقداد بن الأسود واشتهر بذلك فلما نزلت "ادعوهم لآبائهم" قيل له المقداد بن عمرو (معنى الحديث) (قوله أمره أن يسأل له) إنما أمر على المقداد بالسؤال ولم يسأل هو بنفسه لما سيذكره المصنف من استحيائه منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لمكان ابنته

ما دل عليه حديث علي الثاني في الباب من تأدب الزوج مع والد زوجته وغير ذلك من المسائل

عنده فقد جمع رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بين استعمال الحياء وعدم التفريط في الحكم (قوله إذا دنا من أهله) أى قرب من زوجته لمداعبة لا لجماع (قوله فخرج منه المذى) لأنه يكون غالبا عند ملاعبة الزوجة وتقبيلها ونحو ذلك من أنواع الاستمتاع (قوله ماذا عليه) أى أىّ شئ عليه أغسل أم وضوء (قوله وأنا أستحيي) بياءين من الحياء وهو تغير وانكسار يعترى الإنسان من فعل ما يعاتب عليه أو يذمّ به (قوله فلينضح فرجه) وفى بعض النسخ فلينتضح وأصل النضح الرّش وأريد به الغسل الخفيف ويؤيده ما في الحديث السابق وما في رواية البخارى عن علىّ من قوله واغسل ذكرك (فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب حسن العشرة مع الأصهار واستعمال الأدب بترك المواجهة بما يستحيا منه عرفا، وعلى أن الزوح يستحب له أن لا يذكر شيئا يتعلق بجماع النساء والاستمتاع بهن بحضرة أبى الزوجة أو غيره من أقاربها، وعلى أن المذى يوجب الوضوء ولا يوجب الذل، وعلى جواز الاستنابة في الاستفتاء، وعلى جواز قبول خبر الواحد المفيد للظنّ مع القدرة على اليقين فإن عليا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ اكتفى بقول المقداد مع تمكنه من سؤال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بنفسه (قال) ابن دقيق العيد قد يتمسك به في قبول خبر الواحد من حيث إن عليا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أمر المقداد بالسؤال ليقبل خبره والمراد بهذا ذكر صورة من الصور التى تدلّ على قبول خبر الواحد وهي فرد من أفراد لا تحصى والحجة تقوم بجملتها لا بفرد معين منها فإنه لو استدلّ بفرد معين لكان ذلك إثباتا للشئ بنفسه وهو محال وإنما ذكر صورة مخصوصة للتنبيه على أمثالها لا للاكتفاء بها فليعلم ذلك فإنه مما انتقد على بعض العلماء حيث استدلّ بآحاد وقيل أثبت خبر الواحد بخبر الواحد وجوابه ما ذكرناه ومع هذا فالاستدلال عندى لا يتمّ بهذه الرواية وأمثالها لجواز أن يكون المقداد سأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن المذى بحضرة عليّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فسمع عليّ الجواب فلا يكون من باب قبول خبر الواحد وليس من ضرورة كونه سأل عن المذى بحضرة على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن يذكر أنه هو السائل نعم إن وجدت رواية مصرّحة بأن عليا أخذ هذا الحكم عن المقداد ففيه الحجة اهـ ودلّ الحديث أيضا على أنه يطلب من الشخص أن يسأل عن أحكام دينه ولو بواسطة، وعلى أن المسئول تطلب منه الإجابة إذا كان عالما بما سئل عنه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مالك في الموطأ والنسائى وابن ماجه والترمذى والطحاوى في شرح معانى الآثار والبيهقى وقال هكذا رواه أبو النضر عن سليمان ورواه بكير ابن عبد الله بن الأشج عن سليمان عن ابن عباس موصولا وذكره بسنده إلى ابن عباس قال قال على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أرسلت المقداد بن الأسود إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى

آله وسلم فسأله عن المذى يخرج من الإنسان كيف يفعل به فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ وانضح فرجك رواه مسلم في الصحيح اهـ (قال) المنذرى قال الإمام الشافعي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حديث سليمان بن يسار عن المقداد مرسل لا نعلم سمع منه شيئا اهـ (قال) العينى قد ذكر صاحب الكمال أن سليمان بن يسار سمع المقداد بن الأسود اهـ (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ لِلْمِقْدَادِ وَذَكَرَ نَحْوَ هَذَا قَالَ فَسَأَلَهُ الْمِقْدَادُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ «لِيَغْسِلْ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ». (ش) (قوله زهير) بن معاوية. وعروة تابعى لم يدرك زمن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يسمع من على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بل روى ذلك عنه بواسطة (قوله وذكر نحو هذا) أى ذكر عروة في حديثه نحو حديث سليمان بن يسار وهو كما في النسائي بسنده إلى هشام بن عروة عن أبيه عن على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال قلت للمقداد إذا بنى الرجل بأهله فأمذى ولم يجامع فسل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ذلك فإني أستحيى أن أسأله عن ذلك وابنته تحتي فسأله فقال يغسل مذاكيره ويتوضأ وضوءه للصلاة اهـ (قوله ليغسل ذكره وأنثييه) (قال) ابن العربى ذهب أحمد وغيره إلى وجوب غسل الذكر والأنثيين أخذا بهذه الرواية ولا شك في صحتها إلا أن من العلماء من قال الوضوء شرعة والغسل في الذكر والأنثيين منفعة لأنه يبرد العضو فيضعف المذى اهـ وهو عند الجمهور محمول على الندب أو على ما إذا أصاب الأنثيين شئ من المذى (وقال) الخطابى أمر بغسل الأنثيين استظهارا بزيادة التطهير لأن المذى ربما انتشر فأصاب الأنثيين ويقال إن الماء البارد إذا أصاب الأنثيين ردّ المذى وكسر قوّته فلذلك أمره بغسلهما أهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب غسل الذكر والأنثيين من المذى (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى من طريق جرير عن هشام (قال) الحافظ في التلخيص عروة لم يسمع من عليّ لكن رواه أبو عوانة في صحيحه عن عبيدة عن عليّ بالزيادة وإسناده لا مطعن فيه اهـ (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمِقْدَادِ، عَنْ عَلِيٍّ ابن أبي طالب عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ فِيهِ وَالأُنْثَيَيْنِ

(ش) هكذا في أكثر النسخ. وفي النسخة الخطية إسقاط لفظ عن المقداد وهو الصواب لأن المقداد قد سمع الحديث بنفسه من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما أمره علىّ أن يسأل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكيف يرويه عن على. أى روى حديث زهير بن معاوية سفيان الثورى وغيره كالمفضل بن فضالة وابن عيينة عن هشام كما يأتى للمصنف وهذا التعليق لم نقف على من وصله. والغرض من ذكره وما بعده تقوية حديث زهير حيث ذكر فيه غسل الأنثيين، وفي أكثر النسخ إسقاط قوله والأنثيين (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَدِيثٍ حُدِّثَهُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِلْمِقْدَادِ، فَذَكَرَ مَعْنَاهُ. (ش) (رجال الحديث) (قوله حدثنا أبي) هو مسلمة بن قعنب الحارثى البصرى. روى عن نافع وهشام بن حسان وبهز بن حكيم وأيوب. وعنه ابناه إسماعيل وعبد الله ويوسف بن خالد، قال أبو داود كان له شأن وقدر وذكره ابن حبان في الثقات وقال مستقيم الحديث. روى له أبو داود وقال في التقريب ثقة (قوله عن حديث حدثه الخ) أى حدث عروة هشاما عن راوى حديث حدّثه به عن على فحدّث مبني للمجهول نائب فاعله يعود على عروة والفاعل الأصلى الواسطة بينه وبين على وهذا يؤيد ما تقدم من أن عروة لم يسمع من علىّ وفي الكلام مضاف محذوف، ويحتمل أن عن في قوله عن حديث بمعنى من فيكون المعنى أن عروة حدّث هشاما من حديث حدّثه به من روى عن علىّ، ويجوز أن حدّثه مبنى للمعلوم والمعنى أن عروة حدّث هشاما من حديث حدّثه به عن على وعليه فلا واسطة بين عروة وعلى (قوله فذكر معناه) أى ذكر مسلمة القعنبي معني حديث زهير بن معاوية السابق (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. (ش) لم نقف على من وصل هذا التعليق، والغرض من ذكره بيان من ذكر مع سفيان الثورى في التعليق السابق وهو يدل على أن ذكر المقداد بين عروة وعلىّ فيه غير صحيح (ص) وَرَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمِقْدَادِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرْ أُنْثَيَيْهِ

نضح الثوب من إصابة المذي

(ش) لم نقف على من وصل هذا التعليق أيضا. والغرض من ذكره بيان أن رواية عروة عن على فيها الأمر بغسل الأنثيين مع الذكر. وروايته عن المقداد ليس فيها هذا. لكن قد تقدم أن بين على وعروة واسطة (والحاصل) أن المصنف رحمه الله تعالى ذكر حديث أحمد بن يونس وما بعده من التعاليق الثلاثة وحديث عبد الله بن مسلمة لأغراض (أحدها) بيان اختلاف السائل للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أهو علىّ أم المقداد، فحديث أحمد وحديث عبد الله ابن مسلمة وتعليق محمد بن إسحاق بين فيها أن السائل هو المقداد، وتعليق الثورى والمفضل ومن معهما لم يبين فيهما السائل (ثانيها) أن حديث أحمد وتعليق الثورى فيهما التصريح بالأمر بغسل الذكر والأنثيين، وحديث عبد الله بن مسلمة وتعليق المفضل ومن معه فيهما الإشارة إليه، وتعليق محمد بن إسحاق ليس فيه ذكر الأنثيين (ثالثها) الإشارة إلى أن في الحديث اضطرابا فأحمد يرويه عن زهير عن هشام عن أبيه بلفظ إن علىّ بن أبي طالب قال للمقداد الخ وفيه الأمر بغسل الأنثيين. والثورى وجماعة يروونه عن هشام عن أبيه عن المقداد عن علىّ وفيه الأمر بغسل الأنثيين على ما في بعض النسخ. ومسلمة القعنبى والمفضل والثورى وابن عيينة يروونه عن هشام عن أبيه عن على عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يذكروا فيه المقداد وابن إسحاق يرويه عن هشام عن أبيه عن المقداد ولم يذكر عليا ولا الأنثيين (رابعها) تقوية حديث أحمد بتعليق الثورى وحديث عبد الله بن مسلمة وتعليق المفضل لاتفاقهم على ذكر الأمر بغسل الأنثيين، وهذا كله على النسخة التي اعتمدناها. وفي بعض النسخ مخالفة (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: كُنْتُ أَلْقَى مِنَ المَذْيِ شِدَّةً، وَكُنْتُ أُكْثِرُ مِنَ الِاغْتِسَالِ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا يُجْزِئُكَ مِنْ ذَلِكَ الْوُضُوءُ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِمَا يُصِيبُ ثَوْبِي مِنْهُ؟ قَالَ: «يَكْفِيكَ بِأَنْ تَأْخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ، فَتَنْضَحَ بِهَا مِنْ ثَوْبِكَ، حَيْثُ تَرَى أَنَّهُ أَصَابَهُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله إسماعيل يعنى ابن إبراهيم) بن مقسم الأسدى القرشي مولاهم أبو بشر البصرى المعروف بابن علية وهى أمه، أحد الأئمة الأعلام. روى عن عبد العزيز ابن صهيب وأيوب السختيانى وحميد الطويل وعاصم الأحول وغيرهم. وعنه إبراهيم بن طهمان وأحمد والشافعى وإسحاق بن راهويه وشعبة وابن جريج وهما من شيوخه، قال شعبة

ابن علية ريحانة الفقهاء وسيد المحدّثين وقال أحمد إليه المنتهى في التثبت بالبصرة وقال ابن معين كان ثقة مأمونا صدوقا ورعا تقيا وقال ابن سعد كان ثبتا في الحديث حجة وقال النسائى ثبت ثقة. ولد سنة عشر ومائة. ومات سنة ثلاث أو أربع وتسعين ومائة. روى له الجماعة (قوله سعيد بن عبيد بن السباق) بفتح السين المهملة وتشديد الموحدة الثقفى المدنى أبو السباق. روى عن أبيه وأبى هريرة وأبى سعيد الخدرى. وعنه الزهرى وإسماعيل بن محمد وابن إسحاق وآخرون، وثقه النسائى وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه (قوله عن أبيه) هو عبيد بن السباق الثقفى المدنى. روى عن ابن عباس وابن مسعود وسهل ابن حنيف وأسامة بن زيد وزيد بن ثابت. وعنه ابنه سعيد وأبو أمامة والزهرى وآخرون، قال العجلي تابعى ثقة وذكره مسلم في الطبقة الأولى من تابعى أهل المدينة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له الجماعة (قوله سهل بن حنيف) بالتصغير ابن واهب بن عكيم بن ثعلبة الأنصارى الأوسى المدنى أبو ثابت أو أبو عبد الله، شهد بدرا والمشاهد كلها وكان من السابقين وثبت يوم أحد حين انكشف الناس وبايع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يومئذ على الموت وكان ينفح عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالنبل فيقول نبلوا سهلا فإنه سهل وكان عمر بن الخطاب يقول سهل غير حزن واستخلفه عليّ على البصرة بعد وقعة الجمل ثم شهد معه صفين ويقال آخى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بينه وبين على بن أبى طالب. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربعون حديثا اتفق الشيخان على أربعة وانفرد مسلم بحديثين. روى عنه ابناه أبو أمامة وعبد الله وأبو وائل وعبد الرحمن بن أبى ليلى وآخرون. توفي بالكوفة سنة ثمان وثلاثين وصلى عليه على بن أبى طالب. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله كنت ألقى من المذى شدّة الخ) أى أجد من خروجه مثسقة الاغتسال منه وقوله وكنت أكثر الاغتسال من عطف العلة على المعلول وكان ذلك باجتهاد منه (قوله يكفيك بأن تأخذ كفا من ماء الخ) أى يكفيك أخذ كفّ من ماء فترش به ثوبك حتى تظن أن الماء أصاب المذى الذى في الثوب فالباء زائدة والنضح الرش بالماء (قال) في المصباح نضحت الثوب نضحا من باب ضرب ونفع وهو البلّ بالماء والرش اهـ وفي رواية الأثرم يجزئك أن تأخذ حفنة من ماء فترش عليه، وعند مسلم بلفظ وانضح فرجك (قال) النووى معناه اغسله فإن النضح يكون غسلا ويكون رشا وقد جاء في الرواية الأخرى يغسل ذكره فتعين حمل النضح عليه اهـ (وقال) في النيل قد ثبت من رواية الأثرم بلفظ فترش عليه وليس المصير إلى الأشدّ بمتعين بل ملاحظة التخفيف من مقاصد الشريعة المألوفة فيكون الرّش

أقوال العلماء في نجاسة المذي

مجزئا كالغسل اهـ (وقال) الترمذى قد اختلف أهل العلم في المذى يصيب الثوب (فقال) بعضهم لا يجزئه إلا الغسل وهو قول الشافعى وإسحاق (وقال) بعضهم يجزئه النضح (وقال) أحمد أرجو أن يجزئه النضح بالماء اهـ والحق ما ذهب إليه الجمهور من أن المراد بالنضح الغسل ولا يكفي فيه الرش الخفيف وأن معنى الرش في رواية الأثرم صب الماء قليلا قليلا فهو لا ينافي الغسل قال في المجمع في الحديث رشّ على رجله أى صب الماء قليلا قليلا تنبيها على الحذر عن الإسراف ثم قال ومنه كانت الكلاب تقبل وتدبر في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئا أى ينضحونه بالماء بمعنى أنهم لا يصبون عليه الماء لا قليلا ولا كثيرا فلفظ الرشّ لا يقتضى كونه مجزيا اهـ (قوله من ثوبك) أى بعض ثوبك الذى أصابه المذى فمن للتبعيض (قوله حيث ترى أنه أصابه) أى في المكان الذى تظن أو تعلم أن المذى أصابه (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يطلب من الجاهل بالحكم أن يسأل عنه العالم به وعلى أن المسئول يطلب منه الإجابة إذا كان عالما بالحكم، وعلى أن خروج المذى لا يوجب الغسل وإنما يوجب الوضوء، وعلى أنه يكفي نضح المحل الذى أصابه المذى من الثوب بكفّ أو حفنة من ماء (قال) في النيل واتفق العلماء على أن المذى نجس ولم يخالف في ذلك إلا بعض الإمامية محتجين بأن النضح لا يزيله ولو كان نجسا لوجبت الإزالة، ويلزمهم القول بطهارة العذرة لأن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله سلم أمر بمسح النعل منها بالأرض والصلاة فيها والمسح لا يزيلها وهو باطل بالاتفاق اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه والترمذى وقال حديث حسن صحيح ورواه الأثرم بلفظ كنت ألقى من المذى عناء فأتيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذكرت ذلك له فقال يجزئك أن تأخذ حفنة من ماء فترشّ عليه ورواه الطحاوى في شرح معاني الآثار عن سهل أيضا بلفظ إنه سأل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن المذى فقال فيه الوضوء (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، ثَنَا مُعَاوِيَةُ يَعْنِي ابْنَ صَالِحٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ حَرَامِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ عَمَّا يُوجِبُ الْغُسْلَ، وَعَنِ المَاءِ يَكُونَ بَعْدَ الْمَاءِ، فَقَالَ: «ذَاكَ الْمَذْيُ، وَكُلُّ فَحْلٍ يَمْذِي، فَتَغْسِلُ مِنْ ذَلِك فَرْجَكَ وَأُنْثَيَيْكَ، وَتَوَضَّأْ

وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ». (ش) (رجال الحديث) (قوله معاوية بن صالح) بن معاوية بن عبد الله أبو عبيد الله الأشعرى الدمشقى. روى عن زكريا بن عدى وأبي مسهر وأبى نعيم ويحيى بن معين وغيرهم. وعنه أبو حاتم وأبو زرعة وأبو عوانة والنسائي وقال لا بأس به وقال مسلمة والنسائى أيضا أرجو أن يكون صدوقا. توفي بدمشق سنة ثلاث وستين ومائتين (قوله العلاء بن الحارث) بن عبد الوارث الحضرمى أبو وهب ويقال أبو محمد الدمشقى أحد الأئمة. روى عن مكحول والزهرى وعمرو بن شعيب وأبي الأشعث وآخرين. وعنه الأوزاعي ويحيى بن حمزة ومعاوية ابن صالح وعبد الرحمن بن ثابت وغيرهم، قال أحمد بن حنبل صحيح الحديث وقال ابن المديني ثقة ووثقه أبو داود ودحيم وكذا ابن معين ورماه بالقدر وقال أبو حاتم كان يرى القدر صدوق في الحديث ثقة وقال ابن سعد كان قليل الحديث وكان يفتي حتى اختلط. توفي سنة ست وثلاثين ومائة وهو ابن سبعين سنة. روى له الجماعة إلا البخارى (قوله حرام ابن حكيم) بن خالد بن سعد الأنصارى ويقال العبشمى أو العنسى بالنون ويقال هو حرام ابن معاوية قال الخطيب وهم البخارى في فصله بين حرام بن حكيم وبين حرام بن معاوية لأنه رجل واحد اختلف على معاوية بن صالح في اسم أبيه اهـ روى عن عمه عبد الله ابن سعد وأبي مسلم الخولاني وأبي ذرّ الغفارى وأنس بن مالك. وعنه العلاء بن الحارث وزيد بن واقد وعبد الله بن العلاء وجماعة. وثقه العجلى ودحيم. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (قوله عبد الله بن سعد الأنصارى) ويقال القرشى ويقال الأزدى وهو عم حرام بن حكيم ويقال هو عبد الله بن خالد بن سعد سكن دمشق. روى عنه حرام وخالد بن معدان، قال أبو حاتم وابن حبان له صحبة لم يرو له إلا هذا الحديث وقال البغوى لا أعلم له غيره، روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عما يوجب الغسل) أى عن الشئ الذى يجب بسببه الغسل ولم يذكره في رواية المصنف (قوله وعن الماء يكون بعد الماء) قيل المراد به المذى يكون بعد البول متصلا به وقيل المراد به المذى يكون بعد المذى لأن شأن المذى أن يسترسل في خروجه ويستمرّ بخلاف المني فإنه إذا دفق انقطع ولا يعود إلا بعد مضيّ زمن أو تجديد جماع. وهذا هو الظاهر لأن الذى يخرج عقب البول إنما هو الودى أما المذى فيكون عند الملاعبة ونحوها كما ذكره أئمة اللغة وأكثر الفقهاء (قوله وكل فحل يمذى) الفحل الذكر من الحيوان ويمذى من أمذى يمذى كأعطى يعطى أو مذى بالتخفيف مثل مضى يمضى أو مذى بالتشديد مثل غطى يغطى، وزاده صلى الله تعالى عليه

باب مباشرة الحائض ومؤاكلتها

وعلى آله وسلم في الجواب لبيان أن المذى عام يكون من السائل وغيره، وتخصيص الفحل بالذكر لا ينافي أن للمرأة مذيا وغايته أنه يقال للرجل يمذى والمرأة تقذى (قوله فتغسل من ذلك الخ) مضارع مرفوع بمعنى الأمر أى اغسل من المذى الذكر والأنثيين (قوله وتوضأ) بصيغة الأمر عطف على تغسل ويحتمل أن يكون مضارعا حذفت منه إحدى التائين للتخفيف (فقه الحديث) والحديث يدلّ على طلب غسل الذكر والأنثيين من خروج المذى، وعلى أنه ناقض للوضوء، وعلى أنه يطلب من الإنسان أن يسأل عن أحكام دينه، وعلى جواز زيادة المسئول على ما سئل عنه لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال وكل فحل يمذى بدون أن يسأل عنه (من روى الحديث أيضا) رواه البيهقي وكذا أحمد في مسنده عن عبد الله بن سعد بلفظ إنه سأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عما يوجب الغسل وعن الماء يكون بعد الماء وعن الصلاة في بيتى وعن الصلاة في المسجد وعن مؤاكلة الحائض فقال إن الله لا يستحيي من الحق أما أنا فإذا فعلت كذا وكذا فذكر الغسل قال أتوضأ وضوئى للصلاة أغسل فرجى ثم ذكر الغسل وأما الماء يكون بعد الماء فذلك المذى وكل فحل يمذى فأغسل من ذلك فرجى وأتوضأ وأما الصلاة في المسجد والصلاة في بيتي فقد ترى ما أقرب بيتي من من المسجد ولأن أصلى في بيتى أحب إلىّ من أن أصلى في المسجد إلا أن تكون صلاة مكتوبة وأما مؤاكلة الحائض فأواكلها، وفي العينى قال عبد الحق في إحكامه إسناده لا يحتج به اهـ (باب مباشرة الحائض ومؤاكلتها) هكذا في نسخة وهي المناسبة، وفي أكثر النسخ إسقاط الترجمة وعليها فمناسبة هذا الحديث للباب أن الاستمتاع بالمرأة سبب لخروج المذى (ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارٍ، ثَنَا مَرْوَانُ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ، ثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ، ثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ حَرَامِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: مَا يَحِلُّ لِي مِنَ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: «لَكَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ»، وَذَكَرَ مُؤَاكَلَةَ الْحَائِضِ أَيْضًا، وَسَاقَ الْحَدِيثَ (ش) (رجال الحديث) (قوله هارون بن محمد بن بكار) العاملى الدمشقى. روى عن أبيه وأبى مسهر ومروان بن محمد ومحمد بن عيسى وآخرين. وعنه أبو داود والنسائى ومحمد بن

الحسن وأبو حاتم وقال صدوق وقال النسائى ومسلمة بن قاسم لا بأس به (قوله مروان يعنى ابن محمد) بن حسان أبو بكر الأسدى الدمشقى. روى عن سعيد بن عبد العزيز ومالك بن أنس وسليمان بن بلال والليث وجماعة. وعنه بقية بن الوليد وصفوان بن صالح وسلمة بن شبيب وهشام بن خالد وآخرون، قال صالح بن محمد والدارقطنى وأبو حاتم ثقة وقال ابن معين لا بأس به وكان مرجئا. ولد سنة سبع وأربعين ومائة ومات سنة عشر ومائتين. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجة (قوله الهيثم بن حميد) أبو أحمد الغسانى مولاهم الدمشقى، روى عن العلاء بن الحارث ويحيى بن الحارث الذماري والنعمان بن المنذر والأوزاعي وآخرين. وعنه مروان بن محمد والوليد بن مسلم وابن المبارك وأبو مسهر وأبو توبة وغيرهم، وثقه ابن معين ودحيم وقال أبو مسهر لم يكن من الأثبات ولا من أهل الحفظ وكان ضعيفا وقال أبو داود قدرىّ ثقة وقال النسائى لا بأس به. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله ما يحلّ لى الخ) أى أىّ موضع من امرأتى يحل لى الاستمتاع به حال حيضها، وحائض اسم فاعل من حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا فهى حائض وحائضة وجمع الحائض حيض كراكع وركع وجمع الحائضة حائضات مثل قائمة وقائمات. والحيض في اللغة السيلان يقال حاضت السمرة إذا سال منها الصمغ وحاضت الأرنب إذا خرج منها الدم، وفى الشرع جريان دم المرأة من موضع مخصوص في أوقات معلومة (قوله لك ما فوق الإزار) أى يحلّ لك منها أن تستمتع بما فوق موضع الإزار وهو أعلاها وموضع الإزار ما بين السرّة والركبة (وقال) الباجى قوله ما يحلّ لى من امرأتى وهي حائض وإن كان لفظا عاما فهو خاص بالاستمتاع بالوطء لأنه إذا وقع السؤال على عين من الأعيان انصرف بالعرف والعادة إلى المنافع المقصودة منه والمقصود من المرأة الاستمتاع والوطء فكان السؤال على ما يحل له من وطئها في حال حيضها لما علم أنه ممنوع من وطئها في الفرج لقول الله تعالى "ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض" وانصرف الاعتزال أيضا إلى اعتزال الوطء لما تقدم ذكره، وعلم هذا السائل أن الاستمتاع بالنظر إليها والمباشرة لها والقبل وغير ذلك من الاستمتاع مباح فطلب تحديد المباح وتمييزه من المحظور اهـ ومفهوم قوله لك ما فوق الإزار أن ما تحته لا يحل الاستمتاع به وإلى هذا ذهب جماعة وسيأتى الكلام عليه إن شاء الله تعالى، ومثل السائل غيره من المكلفين كما يدلّ عليه حديث معاذ الآتى (قوله وساق الحديث) أى حديث مؤاكلة الحائض وهو ما رواه الترمذى عن حرام بن معاوية عن عمه عبد الله بن سعد قال سألت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن مؤاكلة الحائض فقال واكلها قال الترمذى حديث عبد الله ابن سعد حديث حسن غريب وهو قول عامة أهل العلم لم يروا بمؤاكلة الحائض بأسا اهـ

جواز مباشرة الرجل امرأته الحائض بما فوق الإزار والترغيب في ترك ذلك

(فقه الحديث) والحديث يدلّ على أنه يطلب من الجاهل بالحكم أن يسأل العالم به، وعلى أن السؤال عما شأنه أن يستحيا منه مشروع (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مالك في الموطأ والدارمى عن زيد بن أسلم بلفظ إن رجلا سأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال ما يحل لى من امرأتى وهي حائض فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تشدّ عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها وأخرجه الترمذى مختصرا وأحمد مطوّلا كما تقدم. (ص) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْيَزَنِيُّ، ثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سَعْدٍ الْأَغْطَشِ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ الْأَزْدِيِّ، قَالَ: هِشَامٌ وَهُوَ ابْنُ قُرْطٍ - أَمِيرُ حِمْصَ - عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: «مَا فَوْقَ الْإِزَارِ وَالتَّعَفُّفُ عَنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَلَيْسَ هُوَ، يَعْنِي: الْحَدِيثَ بِالْقَوِيِّ (ش) هذا الحديث ساقط من بعض النسخ (رجال الحديث) (قوله هشام بن عبد الملك) بن عمران أبو تقى الحمصى. روى عن بقية وإسماعيل بن عياش ومحمد بن حرب ومحمد بن حميد القضاعي وغيرهم. وعنه أبو داود والنسائى وابن ماجه وأبو زرعة ويعقوب بن سفيان وكثيرون، قال أبو حاتم كان متقنا وقال النسائي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو داود شيخ ضعيف. مات سنة إحدى وخمسين ومائتين روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه و (اليزني) بفتح المثناة التحتية والزاى نسبة إلى يزن اسم واد باليمن نسب إليه عامر بن أسلم بن غوث ملك من ملوك حمير فقل ذويزن (قوله سعد الأغطش) بمعجمتين بينهما طاء مهملة ساكنة كأعمش وزنا ومعنى قال الجوهرى الغطش في العين شبه العمش اهـ ويقال سعيد الأغطش الخزاعي مولاهم الشامى. روى عن عبد الرحمن الثمالى والهيثم بن مالك. وعنه إسماعيل بن عياش وبقية، ذكره ابن حبان في الثقات من التابعين وقال عبد الحق ضعيف. روى له أبو داود هذا الحديث فقط و (الأزدى) نسبة إلى أزد حىّ باليمن (قوله قال هشام الخ) أى قال هشام بن عبد الملك شيخ أبي داود هو أى عائذ والد عبد الرحمن أبوه قرط بضم القاف وسكون الطاء والى حمص بكسر الخاء المهملة وسكون الميم بلد بالشام، وغرضه بهذا بيان جدّ عبد الرحمن

باب في الإكسال

(معنى الحديث) (قوله والتعفف عن ذلك أفضل) أى الامتناع عن الاستمتاع من الحائض بما فوق الإزار أكمل لأنه قد يجرّ إلى الجماع في الفرج وهو حرام في تلك الحالة (قال) العراقى هذا يقوى ما تقرّر من ضعف الحديث فإنه خلاف المنقول من فعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإنه كان يستمتع بما فوق الإزار وما كان ليترك الأفضل وعلى ذلك عمل الصحابة والتابعين والسلف الصالح اهـ وفيه أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد يفعل خلاف الأفضل أو المكروه في حقنا وهو في حقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مطلوب للتشريع وبيان الجواز (وقال) السيوطى لعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم من حال السائل غلبة شهوته فرأى أن تركه لذلك أفضل في حقه لئلا يوقعه في محظور اهـ (قوله وليس هو يعنى الحديث بالقوىّ) وفي بعض النسخ وليس هو بقوىّ يعنى لأن فيه بقية وهو ضعيف إذا روى بالعنعنة وسعد الأغطش فيه لين وعبد الرحمن بن عائذ قال أبو حاتم لم يدرك معاذا وقال روايته عن علىّ مرسلة وإذا كان كذلك فروايته عن معاذ أشدّ إرسالا اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز الاستمتاع بالحائض فيما عداها بين السرّة والركبة وعلى أن ترك الاستمتاع حال الحيض أفضل (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الطبرانى (باب في الإكسال) أى في حكم الجماع من غير إنزال يقال أكسل الرجل، إذا جامع ثم حصل له فتور فلم ينزل (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي بَعْضُ، مَنْ أَرْضَي، أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، أَخْبَرَهُ، أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «إِنَّمَا جُعِلَ ذَلِكَ رُخْصَةً لِلنَّاسِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِقِلَّةِ الثِّيَابِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْغُسْلِ، وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: يَعْنِي الْمَاءَ مِنَ المَاءِ (ش) (رجال الحديث) (قوله ابن وهب) عبد الله. و (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهرى (قوله بعض من أرضى) قال العينى الظاهر أنه أبو حازم سلمة بن دينار الأعرج لأن البيهقي روى الحديث ثم قال وروينا بإسناد آخر موصول عن أبى حازم عن سهل بن سعد والحديث محفوظ عن سهل عن أبىّ كما أخرجه أبو داود (وقال) ابن عبد البرّ في الاستذكار إنما رواه ابن شهاب عن أبى حازم اهـ (وقال) ابن حبان قد تتبعت طرق هذا الخبر على أن

أجد أحدا رواه عن سهل بن سعد فلم أجد في الدنيا أحدا إلا أبا حازم فيشبه أن يكون الرجل الذى قال الزهرى حدثنى بعض من أرضى عن سهل هو أبو حازم اهـ ويؤيد ما ذكر رواية أبىّ الآتية فإنه قد صرّح فيها بأبي حازم عن سهل (قوله سهل بن سعد) بن مالك بن خالد بن ثعلبة الأنصارى أبو العباس المدني كان من مشاهير الصحابة كان اسمه حزنا فغيره النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سهلا. روى له عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثمانية وثمانون ومائة حديث اتفق الشيخان على ثمانية وعشرين وانفرد البخارى بأحد عشر. روى عن أبى عاصم وعمرو بن عنبسة ومروان. وعنه الزهرى وابن العباس وأبو حازم وأبو سهل الأصبحى وآخرون، قال الزهرى مات النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو ابن خمسة عشرة سنة وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة. مات سنة إحدى وتسعين بالإسكندرية وقيل غير ذلك و (الساعدى) نسبة إلى الساعد قرية من أرض اليمن كانت لحكم بن سعد العشيرة (قوله أخبره) أى أخبر سهل البعض الذى رضيه ابن شهاب (قوله أبىّ بن كعب) بن قيس بن عبيد ابن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصارى النجارى أبو المنذر سيد القرّاء، كان من أصحاب العقبة الثانية وشهد بدرا والمشاهد وبشره النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالعلم (فقد) روى الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن رباح عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أبا المنذر اىّ آية في كتاب الله أعظم معك قال قلت "الله لا إله إلا هو الحيّ القيوم" قال فضرب على صدرى وقال ليهنأك العلم أبا المنذر، وكان من أصحاب الفتيا وسماه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سيد الأنصار فلم يمت حتى قالوا سيد المسلمين وآخى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بينه وبين سعيد بن زيد وعمرو بن نوفل وهو أوّل من كتب للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وممن روى عنه من الصحابة عمر وكان يسأله عن النوازل ويتحاكم إليه في المعضلات وروى عنه أيضا أبو أيوب وعبادة بن الصامت وسهل بن سعد وأبو موسى وابن عباس وأبو هريرة وأنس وكثيرون، وروى عن أبى سعيد الخدرى أن رجلا من المسلمين قال يا رسول الله أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا وما لنا فيها قال كفارات فقال أبىّ بن كعب يا رسول الله وإن قلت قال وإن شوكة فما فوقها فدعا أبىّ أن لا يفارقه الوعك حتى يموت وأن لا يشغله عن حج ولا عن عمرة ولا جهاد ولا صلاة مكتوبة في جماعة قال فما مسّ إنسان جسده إلا وجد حرّه حتى مات رواه أحمد وأبو يعلى وابن أبي الدنيا وصححه ابن حبان ورواه الطبرانى عن أبىّ، قيل مات في خلافة عثمان سنة ثلاثين (معنى الحديث) (قوله إنما جعل ذلك رخصة للناس الخ) أى جعل الماء من الماء تسهيلا وتوسعة على الناس بعدم إيجاب الاغتسال عند عدم الإنزال في ابتداء الإسلام لقلة

أقوال العلماء في الجماع بدون إنزال

ثيابهم لئلا يسرع إليها البلى من كثرة مماسة الماء ولئلا يصيبهم الضرر من كثرة الاغتسال فلو كان الإيلاج بلا إنزال موجبا للغسل في ذلك الزمان لتحرّج أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولوقعوا في المشقة العظيمة وشريعتنا تأبى ذلك حيث قال الله تعالى "وما جعل عليكم في الدين من حرج" وفي بعض الروايات لقلة الثبات بدل الثياب فيكون معناه أن الناس كانوا في أوائل الإسلام ضعفاء الإيمان قليلى الاستقامة والثبات في أمور الدين فخفف الله تعالى عنهم رحمة بهم وترغيبا لهم في الإسلام والثبات عليه ولعلّ أبيا قال ذلك ردًّا على من سمعه يقول إن الإكسال لا يوجب الغسل لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الماء من الماء (قوله ثم أمر بالغسل الخ) أى أمر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالغسل من التقاء الختانين وإن لم يحصل إنزال ونهى عن ترك الغسل عند عدم الإنزال (قوله قال أبو داود يعنى الخ) أى يقصد أبى بن كعب أن المشار إليه في قوله إنما جعل ذلك هو الماء من الماء والماء الأول ماء الغسل والماء الثاني المنىّ أى أن إيجاب الغسل إنما يكون بإنزال المنىّ فأل فيهما للعهد الذهني (والحديث) يدلّ على أن الجماع موجب للغسل مطلقا حصل إنزال أم لا (وقد اختلف) العلماء في ذلك فذهبت طائفة من الصحابة والتابعين إلى أن الجماع بدون إنزال ليس موجبا للغسل منهم أبو أيوب الأنصارى وأبو سعيد الخدرى وابن مسعود وسعد بن أبى وقاص وأبيّ بن كعب ورافع بن خديج وزيد بن خالد وهو قول عطاء بن أبى رباح وأبي سلمة وسليمان الأعمش والظاهرية، واستدلوا بأحاديث (منها) ما رواه مسلم عن أبى سعيد الخدرى قال خرجت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الاثنين إلى قباء حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على باب عتبان فصرخ به فخرج يجرّ إزاره فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أعجلنا الرجل فقال عتبان أرأيت الرجل يعجل عن امرأته ولم يمن ماذا عليه فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما الماء من الماء، وقالوا إن التنصيص على الشئ باسمه العلم يوجب نفى الحكم عما عداه (ومنها) ما رواه البخارى بسنده إلى يحيى بن أبى كثير قال أخبرنى أبو سلمة أن عطاء بن يسار أخبره أن زيد بن خالد الجهنى أخبره أنه سأل عثمان بن عفان فقال أرأيت إذا جامع الرجل امرأته فلم يمن قال عثمان يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره قال عثمان سمعته من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسألت عن ذلك علىّ بن أبى طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبىّ بن كعب فأمروه بذلك (ومنها) حديث أبى هريرة قال بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى رجل من الأنصار فأبطأ فقال ما حبسك قال كنت أصبت من أهلى فلما جاءني رسولك اغتسلت من غير أن أحدث شيئا فقال

رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الماء من الماء والغسل على من أنزل أخرجه الطحاوى (إلى غير) ذلك من الأحاديث الدالة على عدم وجوب الغسل إلا من الإنزال (وإلى إيجاب) الغسل بالتقاء الختانين وإن لم ينزل ذهب الخلفاء الأربعة والعترة وجمهور الصحابة والفقهاء (قال) النووى في شرح مسلم اعلم أن الأمة مجتمعة الآن على وجوب الغسل بالجماع وإن لم يكن معه إنزال وكان جماعة من الصحابة على أنه لا يجب الغسل إلا بالإنزال ثم رجع بعضهم وانعقد الإجماع بعد الآخرين اهـ واستدلوا ببعض أحاديث الباب وبأحاديث أخر (منها) حديث أبي هريرة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا جلس بين شغبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل أخرجه الشيخان وزاد مسلم في رواية وإن لم ينزل (ومنها) حديث عائشة قالت إن رجلا سأل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل هل عليهما الغسل وعائشة جالسة فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل أخرجه مسلم (ومنها) ما رواه الطحاوى عن جابر هو ابن يزيد عن أبي صالح قال سمعت عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يخطب فقال إن نساء الأنصار تفتين أن الرجل إذا جامع فلم ينزل فإن على المرأة الغسل ولا غسل عليه وإنه ليس كما أفتين وإذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل (وأجابوا) عن الأحاديث التى استدلّ بها الفريق الأول بأنها منسوخة بحديثى أبيّ بن كعب في الباب وبما رواه الطحاوى عن يزيد بن أبي حبيب عن معمر بن أبي حبيبة عن عبيد بن رفاعة عن أبيه قال إني لجالس عند عمر بن الخطاب إذ جاء رجل فقال يا أمير المؤمنين هذا زيد بن ثابت يفتي الناس في الغسل من الجنابة برأيه فقال عمر أعجل علىّ به فجاء زيد فقال عمر قد بلغنى من أمرك أن تفتي الناس بالغسل من الجنابة برأيك في مسجد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال له زيد أما والله يا أمير المؤمنين ما أفتيت برأيي ولكنى سمعت من أعمامي شيئا فقلت به فقال من أىّ أعمامك فقال من أبيّ بن كعب وأبي أيوب ورفاعة بن رافع فالتفت إلىّ عمر فقال ما يقول هذا الفتى قال قلت إنا كنا لنفعله على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم لا نغتسل قال أفسألتم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ذلك فقلت لا قال علىّ بالناس فاتفق الناس أن الماء لا يكون إلا من الماء إلا ما كان من علىّ ومعاذ بن جبل فقالا إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل فقال يا أمير المؤمئين لا أجد أحدا أعلم بهذا من أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أزواجه فأرسل إلى حفصة فقالت لا علم لى فأرسل إلى عائشة فقالت إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل فتحطم عمر "أى تغيظ" وقال لئن أخبرت بأحد يفعله ثم لا يغتسل لأنهكته عقوبة، وبما رواه أيضا عن عبيد الله بن عدىّ بن الخيار قال تذاكر أصحاب

رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند عمر بن الخطاب الغسل من الجنابة فقال بعضهم إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل وقال بعضهم إنما الماء من الماء فقال عمر قد اختلفتم عليّ وأنتم أهل بدر الأخيار فكيف بالناس بعدكم فقال عليّ بن أبي طالب يا أمير المؤمنين إن أردت أن تعلم ذلك فأرسل إلى أزواج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسلهن عن ذلك فأرسل إلى عائشة فقالت إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل فقال عمر عند ذلك لا أسمع أحدا يقول الماء من الماء إلا جعلته نكالا (قال) الطحاوى فهذا عمر قد حمل الناس على هذا بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلم ينكر ذلك عليه منكر اهـ وبما رواه مسلم عن أبي موسى الأشعرى قال اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار فقال الأنصاريون لا يجب الغسل إلا من الدفق أو من الماء وقال المهاجرون بل إذا خالط وجب الغسل قال أبو موسى فأنا أشفيكم من ذلك فقمت فاستأذنت على عائشة فأذن لى فقلت لها يا أماه أو يا أم المؤمنين إنى أريد أن أسألك عن شيء وإني أستحييك فقالت لا تستحيى أن تسألني عما كنت سائلا عنه أمك التي ولدتك فإنما أنا أمك قلت فما يوجب الغسل قالت على الخبير سقطت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا جلس بين شعبها الأربع ومسّ الختان الختان فقد وجب الغسل "فإن قيل" إن المنسوخ لا بدّ أن يكون حكما شرعيا وعدم وجوب الغسل بالإيلاج من غير إنزال ثابت بالبراءة الأصلية فلا نسخ فيه "أجيب" بأنه ثابت بالشرع إذ مفهوم الحصر المستفاد من الجملة المعرّفة الطرفين "الماء من الماء" كما في بعض الروايات أو من "إنما" كما في البعض الآخر يفيد إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه فكأنه قال لا غسل من غير إنزال المنيّ فهو مستفاد من الأحاديث لا من البراءة الأصلية، وهناك روايات أخر تدلّ على نسخ حديث الماء من الماء وما في معناه وقد صح أن بعض من روى عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الرخصة أفتى بوجوب الغسل ورجع عن الأول (قال) في سبل السلام حديث الغسل وإن لم ينزل أرجح لو لم يثبت النسخ لأنه منطوق في إيجاب الغسل وذلك مفهوم والمنطوق مقدّم على العمل بالمفهوم وإن كان المفهوم موافقا للبراءة الأصلية والآية تعضد المنطوق في إيجاب الغسل فإنه تعالى قال "وإن كنتم جنبا فاطهروا" قال الشافعى إن كلام العرب يقتضى أن الجنابة تطلق بالحقيقة على الجماع وإن لم يكن فيه إنزال قال فإن كل من خوطب بأن فلانا أجنب عن فلانه عقل أنه أصابها وإن لم ينزل، ولم يختلف أن الزنا الذى يجب به الجلد هو الجماع ولو لم يكن معه إنزال فتعاضد الكتاب والسنة على إيجاب الغسل من الإيلاج اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على وجوب الغسل بالجماع وإن لم يحصل إنزال، وعلى أن

تخصيص وجوب الغسل بالإنزال كان في أول الإسلام ثم نسخ، وعلى أن الأحكام الشرعية ينسخ بعضها بعضا، وعلى جواز نسخ السنة بالسنة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى وأحمد والدارمي وكذا الترمذى بلفظ إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم نهى عنها، وأخرجه ابن ماجه بلفظ إنما كانت رخصة في أول الإسلام ثم أمرنا بالغسل بعد (وقال) الحافظ في الفتح إسناده صالح لأن يحتج به وصححه ابن خزيمة وابن حبان وقال الترمذى حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أنه إذا جامع الرجل امرأته في الفرج وجب عليهما الغسل وإن لم ينزلا اهـ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ، ثَنَا مُبَشِّرٌ الْحَلَبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدٍ أَبِي غَسَّانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قال حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، «أَنَّ الْفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يَفْتُونَ، أَنَّ الْمَاءَ مِنَ المَاءِ، كَانَتْ رُخْصَةً رَخَّصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالِاغْتِسَالِ بَعْدُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن مهران) بكسر الميم وسكون الهاء أبو جعفر (الرازى) الحافظ. روى عن المعتمر بن سليمان وعيسى بن يونس والدراوردى والوليد بن مسلم وآخرين. وعنه أبو زرعة وأبو حاتم والبخارى ومسلم وأبو داود، قال أبو حاتم صدوق ووثقه ابن حبان ومسلمة بن قاسم وقال ابن معين ليس به بأس. مات سنة تسع وثلاثين ومائتين (قوله مبشر) بن إسماعيل أبو إسماعيل الكلبي مولاهم. روى عن الأوزاعي وجعفر بن برقان وشعيب بن أبي حمزة وتمام بن نجيح وغيرهم. وعنه عثمان بن أبى شيبة وأحمد ودحيم وزياد بن أيوب ومحمد بن مهران وجماعة، قال ابن سعد كان ثقة مأمونا وقال النسائى ليس به بأس ووثقه أحمد وابن معين وابن حبان وقال الذهبي تكلم فيه بلا حجة. مات بحلب سنة مائتين. روى له الجماعة. و (الحلبي) نسبة إلى حلب مدينة عظيمة معروفة بالشام (قال) الزجاجى سميت حلب لأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان يحلب فيها غنمه في الجمعات ويتصدق به فيقول الفقراء حلب حلب فسمى به اهـ (قوله عن محمد أبى غسان) هو ابن مطرّف بن داود بن مطرّف الليثى التيمى أحد العلماء الأثبات. روى عن أبى حازم وزيد بن أسلم وصفوان بن سليم وابن عجلان. وعنه الثورى وابن المبارك ويزيد بن هارون وآخرون، قال أحمد وأبو حاتم ثقة وقال ابن معين ثبت ثقة وقال النسائى وأبو داود لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وقال يغرب. روى له الجماعة

(قوله (ص) عن أبي حازم) هو سلمة بن دينار (معنى الحديث) (قوله أن الفتيا التي كانوا يفتون الخ) أى أن الفتيا التي كان يفتى بها فقهاء الصحابة كأبى سعيد الخدرى وأبى أيوب وأبىّ بن كعب فقوله يفتون بضم الياء والتاء مبنىّ للمعلوم. ويحتمل أن يكون بضم الياء وفتح التاء مبنيا للمفعول أى أن الفتيا التي كان يفتى بها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أصحابه من أنه لا غسل إلا بالإنزال لا من الإيلاج بدون إنزال كانت رخصة أى تسهيلا وتوسعة سهلها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بوحى من الله تعالى فنسبة الترخيص إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لظهور الأحكام على لسانه وقد سهلها لما تقدم من قلة الثياب أو الثبات ثم أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالاغتسال من الإيلاج وإن لم يحصل إنزال بعد ظهور الإسلام وانتشاره وكثرة الفتوحات على الصحابة وتمكن الإيمان من قلوبهم. والفتيا بضم الفاء وسكون المثناة الفوقية وكذا الفتوى بفتح الفاء والواو مقصوران اسم من أفتى العالم إذا أجاب السائل وبين له الحكم والجمع الفتاوى بكسر الواو على الأصل ويجوز فتحها للتخفيف، وفي بعض النسخ زيادة "قال أبو داود ومحمد أبو غسان بن مطرّف" وأتى به ليتميز ذلك الرجل عن غيره ممن يشاركه في الكنية (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والدارقطني وصححه وأخرجه ابن حبان في صحيحه وابن خزيمة وابن أبى شيبة والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَرَاهِيذِيُّ، ثَنَا هِشَامٌ، وَشُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، وَأَلْزَقَ الْخِتَانَ بِالْخِتَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله الفراهيذى) بفتح الفاء وتخفيف الراء وكسر الهاء وسكون المثناة التحتية وبالذال المعجمة منسوب إلى فراهيذ من أولاد فهم بن غنم بن دوس بطن من الأزد كما في جامع الأصول، وفي كثير من النسخ الفراهيدى بالدال المهملة (قوله هشام) بن أبى عبد الله الدستوائى. و (شعبة) بن الحجاج. و (قتادة) بن دعامة. و (الحسن) البصرى (قوله عن أبي رافع) هو نفيع بن رافع الصائغ المدني. أدرك الجاهلية ولم ير النبي صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، روى عن أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان وعلى وابن مسعود وأبى موسى الأشعرى وآخرين. وعنه الحسن البصرى وثابت البنانى وحمد بن هلال وغيرهم، قال ابن سعد كان ثقة وقال أبو حاتم ليس به بأس وقال العجلى تابعى ثقة من كبار التابعين. روى له الجماعة

(معنى الحديث) (قوله إذا قعد بين شعبها) والضمير فيه عائد على الرجل الواطئ المفهوم من المقام وقد وقع مصرّحا به في رواية لابن المنذر من وجه آخر عن أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال إذا غشى الرجل امرأته فقعد بين شعبها، والشعب جمع شعبة قال في المصباح الشعبة من الشجر الغصن المتفرّع منها والجمع شعب مثل غرفة وغرف وفي الحديث "إذا جلس بين شعبها الأربع" يعنى يديها ورجليها على التشبيه بأغصان الشجرة وهو كناية عن الجماع لأن القعود كذلك مظنة الجماع فكنى بها عن الجماع والشعبة من الشئ الطائفة منه اهـ وقيل المراد بها رجلاها وشفراها وقيل غير ذلك (قوله وألزق الختان بالختان) أى موضع الختان منه بموضع الختان منها فهما على تقدير مضاف لأن الختان اسم للفعل. وفى رواية البخارى ثم جهدها. وفي رواية النسائى ثم اجتهد. وفي رواية مسلم ومسّ الختان الختان. وفي رواية الترمذى إذا جاوز الختان الختان. وفى رواية البيهقى إذا التقى الختانان، والختان اسم من ختن من بابى ضرب ونصر وقد يؤنث بالهاء فيقال ختانة ويقال للغلام مختون وللجارية مختونة ويقال غلام وجارية ختين كما يقال فهما قتيل. فالختان يقال للرجل والمرأة بخلاف الخفاض فلا يقال إلا للمرأة وهو بالنسبة للرجل قطع جلدة الكمرة. وبالنسبة للمرأة قطع جلدة من أعلا الفرج تشبه عرف الديك مجاورة لمخرج البول بينها وبين مدخل الذكر جلدة رقيقة. والمراد بإلزاق الختان إدخال الذكر في القبل وتحاذى الختانين لأن ختان المرأة من أعلى الفرج ولا يمسه في الجماع ويؤيده رواية ابن ماجه إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل. أما مجرّد إلزاق الختان بالختان من غير غيبوبة الحشفة فلا يوجب الغسل اتفاقا (قوله فقد وجب الغسل) أى على الفاعل والمفعول إذا كانا بالغين وإلا فعلى البالغ منهما وإن لم يحصل إنزال منيّ (قال) الترمذى وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وعائشة والفقهاء من التابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثورى والشافعى وأحمد وإسحاق قالوا إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل اهـ ومثل غيبوبة الحشفة في قبل المرأة غيبوبتها في دبر أو فرج بهيمة أو دبرها حيا كان المغيب فيه أو ميتا فلا مفهوم لذكر الختان بل هو للغالب (قال) النووى في شرح مسلم قال أصحابنا لو غيب الحشفة في دبر امرأة أو دبر رجل أو فرج بهيمة أو دبرها وجب الغسل سواء أكان المولج فيه حيا أم ميتا صغيرا أم كبيرا وسواء أكان ذلك عن قصد أم عن نسيان وسواء أكان مختارا أم مكرها أو استدخلت المرأة ذكره وهو نائم وسواء انتشر الذكر أم لا وسواء أكان مختونا أم أغلف فيجب الغسل في كل هذه الصور على الفاعل والمفعول به إلا إذا كان الفاعل أو المفعول به صبيا أو صبية فإنه لا يقال وجب عليه لأنه ليس مكلفا ولكن يقال صار جنبا فإن كان مميزا وجب على الولىّ أن يأمره بالغسل كما يأمره بالوضوء فإن

صلى من غير غسل لم تصح صلاته وإن لم يغتسل حتى بلغ وجب عليه الغسل وإن اغتسل في الصبا ثم بلغ لم يلزمه إعادة الغسل، قال أصحابنا والاعتبار في الجماع بتغييب الحشفة من صحيح الذكر بالاتفاق فإذا غيبها بكمالها تعلقت به جميع الأحكام ولا يشترط تغييب جميع الذكر بالاتفاق ولو غيب بعض الحشفة لا يتعلق به شئ من الأحكام إلا وجها شاذا ذكره بعض أصحابنا أن حكمه حكم جميعها وهذا الوجه غلط منكر متروك. وأما إذا كان الذكر مقطوعا فإن بقى منه دون الحشفة لم يتعلق به شيء من الأحكام وإن كان الباقى قدر الحشفة فحسب تعلقت الأحكام بتغييبه بكماله وإن كان زائدا على قدر الحشفة ففيه وجهان مشهوران لأصحابنا أصحهما أن الأحكام تتعلق بقدر الحشفة منه والثانى لا يتعلق شيء من الأحكام إلا بتغييب جميع الباقى، ولو لفّ على ذكره خرقة وأولجه في فرج المرأة ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا الصحيح منها والمشهور أنه يجب عليهما الغسل والثاني لا يجب لأنه أولج في خرقة والثالث إن كانت الخرقة غليظة تمنع وصول اللذّة والرطوبة لم يجب الغسل وإلا وجب والله أعلم، ولو استدخلت المرأة ذكر بهيمة وجب عليها الغسل ولو استدخلت ذكرا مقطوعا فوجهان أصحهما يجب عليها الغسل اهـ كلام النووى (وبما ذكره) في الصغيرة والبهيمة والميتة قالت المالكية والحنابلة إلا أنهم اشترطوا في وجوب الغسل على من أولج في الصغيرة أن تكون مطيقة وإلا فلا يجب إلا بالإنزال (وإلى) هذا ذهبت الحنفية واشترطوا في وجوب الغسل على من أولج في البهيمة والميتة الإنزال والأصح عندهم فيمن لفّ ذكره بخرقة وأولجه ولم ينزل أنه إن وجد حرارة الفرج واللذة لزم الغسل وإلا فلا والأحوط لزوم الغسل فيهما (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن إيجاب الغسل لا يتوقف على الإنزال بل يجب بمجرّد إدخال الحشفة وقد تقدم بيانه مفصلا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشيخان والنسائى والبيهقى وابن ماجه والترمذى والدارقطني والطحاوى في شرح معانى الآثار (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمَاءُ مِنَ المَاءِ»، وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ يَفْعَلُ ذَلِكَ (ش) (قوله ابن وهب) عبد الله بن وهب بن مسلم. و (عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأنصارى و (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهرى (قوله الماء من الماء) أى إنما يجب الغسل من إنزال المنيّ

باب في الجنب يعود

فمن جامع ولم ينزل فلا غسل عليه، وقد علمت أن هذا كان في صدر الإسلام ثم نسخ (وذهب) ابن عباس إلى أنه ليس بمنسوخ بل المراد به نفى وجوب الغسل بالرؤيا في النوم إذا لم ينزل ففى الترمذى حدثنا علىّ بن حجر أنا شريك عن أبى الجحاف عن عكرمة عن ابن عباس قال إنما الماء من الماء في الاحتلام "قال" أبو عيسى سمعت الجارود يقول سمعت وكيعا يقول لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك اهـ (وقد) ذكر النسائى حديث الماء من الماء تحت ترجمة "باب الذى يحتلم ولا يرى الماء" مشيرا إلى تأويل ابن عباس بأن الحديث محمول على ما يقع في المنام من الاحتلام وهو تأويل يجمع بين الحديثين من غير تعارض (وردّ) بأن مورد حديث الماء من الماء الجماع لا الاحتلام "فقد" أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبى سعيد الخدرى قال خرجت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الاثنين إلى قباء حتى إذا كنا في بنى سالم وقف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على باب عتبان فصرخ به فخرج يجرّ إزاره فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أعجلنا الرجل فقال عتبان يا رسول الله أرأيت الرجل يعجل عن امرأته ولم يمن ماذا عليه فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما الماء من الماء اهـ ولعل ابن عباس لم يبلغه هذا الحديث ولو بلغه ما أوّله هذا التأويل. وقد يقال إن قوله هذا ليس إخراجا للحديث عن كونه منسوخا بل غرضه بيان حكم المسألة بعد كونه منسوخا بأن عموم الحديث منسوح فبقى الحكم في الاحتلام على الأصل (قوله وكان أبو سلمة يفعل ذلك) أى كان أبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن يعتقد وجوب الغسل من إنزال المنيّ وكان لا يرى وجوب الغسل على من أولج في الفرج ولم ينزل أخذا بظاهر هذا الحديث وقد علمت ما فيه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والترمذى والبيهقي والطحاوى وكذا النسائى وابن ماجه عن أبى أيوب (باب في الجنب يعود) أي إلى الجماع قبل أن يغتسل (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، ثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ طَافَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ». (ش) (قوله إسماعيل) بن علية (قوله طاف ذات يوم على نسائه) أى دار عليهن وهو كناية عن الجماع لقوله في غسل واحد ولقوله في رواية البخارى عن قتادة عن أنس قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة

الحكمة في كثرة أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

من الليل والنهار وهن إحدى عشرة قال قلت لأنس أو كان يطيقه قال كنا نتحدّث أنه أعطى قوّة ثلاثين رجلا، وفي رواية له أيضا عن أنس تسع نسوة، وجمع بينهما بأن ذلك كان في حالتين فمرّة طاف عليهن وهنّ إحدى عشرة وأخرى وهن تسع، أو بأنه كان تحته من الزوجات تسع وسريتان مارية وريحانة على أنها كانت أمة وقيل كانت زوجة، وأزواج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اللاتى دخل بهن خديحة بنت خويلد ثم سودة بنت زمعة ثم عائشة بنت أبى بكر ثم حفصة بنت عمر بن الخطاب ثم أم سلمة هند بنت أبى أمية بن المغيرة ثم جويرية بنت الحارث سباها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في غزوة المريسيع ثم زينب بنت جحش ثم زينب بنت خزيمة ثم ريحانة بنت زيد من بني قريظة وقيل من بنى النضير سباها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم أعتقها وتزوّجها سنة ست وماتت بعد عوده من حجة الوداع ودفنت بالبقيع وقيل ماتت بعده سنة ست عشرة، والأول أصح ثم أم حبيبة رملة بنت أبى سفيان ثم صفية بنت حييّ بن أخطب من سبط هارون عليه الصلاة والسلام وقعت في السبى يوم خيبر سنة سبع فاصطفاها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم ميمونة بنت الحارث تزوّجها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ذى القعدة سنة سبع في عمرة القضاء بسرف على عشرة أميال من مكة، وتزوّج أيضا فاطمة بنت الضحاك وأسماء بنت النعمان وقد عقد على نساء أخر ولم يدخل بهن تبلغ ثمانيا وعشرين ذكرها العينى على البخارى (والحكمة) في كثرة أزواجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حفظهن الأحكام الداخلية لينقلنها للمستفيدين وإظهار أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حاز قصب السبق في ميادين أسباب المدح والفخر فإن التمادح بكثرة النكاح عادة معروفة والتفاخر بها طريقة مأثورة "فقد" روى البخارى عن ابن عباس أنه قال أفضل هذه الأمة أكثرها نساءا. مشيرا إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "وعن" ابن عمر مرفوعا تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة ذكره ابن مردويه في تفسيره. وبيان أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد بلغ الدرجة العليا والمرتبة القصوى في القيام بواجب ربه فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم تشغله كثرتهن عن طاعة ربه وحضور قلبه بل زاده كثرتهن عبادة لتحصينه إياهن وقيامه بحقوقهن وهدايته إياهن ومن ينتمى إليهن. وقد صرّح أن كثرتهن ليست من حظوظ دنياه فقال "حبب إليّ من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرّة عينى في الصلاة" أخرجه الحاكم والنسائى عن أنس. فدلّ على أن حبه النساء والطيب ليس لدنياه بل لآخرته ولذلك ميز بين الحبين فقال وجعلت قرّة عينى في الصلاة فقد ساوى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يحيى وعيسى عليهما الصلاة والسلام في كفايته فتنتهن وزاد عليهما فضيلة بالقيام بحقوقهن ولم يشغله ذلك عن القيام بحقوق الله عزّ وجلّ فهذا الحال أكمل لمن قدر عليه. وقد أعطى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم القدرة على كثرة الجماع

الغسل بين الجماعين ليس بواجب

ولذا أبيح له من الحرائر ما لم يبح لغيره "فقد" قال أنس كنا نتحدّث أنه أعطى قوّة ثلاثين رجلا "وقال" طاوس أعطى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قوّة أربعين رجلا في الجماع "وعن" مجاهد قوّة أربعين رجلا كل رجل من رجال أهل الجنة "وروى" الترمذى أن رجال أهل الجنة قوّة كل رجل منهم بقوّة سبعين رجلا (قوله في غسل واحد) أى بنية غسل واحد ففيه حذف مضاف وفى بمعنى الباء (فقه الحديث) والحديث يدل على أن الغسل لا يجب بين الجماعين سواء أكان الجماع الثانى لتلك المرأة المجامعة أم لغيرها وهذا لا ينافى أنه يستحب الغسل بينهما. وعلى أن غسل الجنابة ليس على الفور لكنه يتضيق عند القيام إلى الصلاة، وعلى عدم كراهة كثرة الجماع عند الطاقة، وعلى عدم كراهة التزوّج بأكثر من واحدة إلى أربع عند مظنة القيام بالعدل بينهن وعلى ما أعطى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من عظيم القوّة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي والنسائى (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَكَذَا رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، وَمَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، وَصَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، كُلُّهُمْ عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ش) غرض المصنف بذكر هذه التعاليق بيان أن زيادة في غسل واحد ثابتة محفوظة وإن لم يذكرها بعض الرواة في حديث أنس، وبيان أن حديث أنس روى من عدّة طرق فهو أرجح من حديث أبى رافع الآتى على ما فهمه المصنف من أن بينهما تعارضا ولذا قال بعد الحديث الآتي "وحديث أنس أصح من هذا" وسيأتى ما فيه (قوله هشام بن زيد) بن أنس بن مالك الأنصارى البصرى. روى عن جده. وعنه عبد الله بن عون وشعبة وحماد بن سلمة. قال ابن معين ثقة وقال أبو حاتم صالح الحديث وذكره ابن حبان في الثقات. روى له الجماعة. وروايته وصلها البيهقى ومسلم قال حدثنا الحسن بن أحمد ثنا مسكين بن أبي بكر الحذّاء عن شعبة عن هشام بن زيد عن أنس أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "وذكر الحديث" ورواية معمر بن راشد وصلها ابن ماجه والترمذى والنسائى قال أخبرنا محمد بن عبيد ثنا عبد الله بن المبارك أنبأنا معمر عن قتادة عن أنس أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "وذكر الحديث" (قوله صالح بن أبى الأخضر) اليمامى مولى هشام بن عبد الملك نزيل البصرة. روى عن نافع والزهرى ومحمد بن المنكدر

باب الوضوء لمن أراد أن يعود

والوليد بن هشام وطائفة. وعنه حماد بن زيد وابن المبارك ووكيع وابن عيينة وآخرون، قال ابن معين ليس بالقوى وقال العجلى يكتب حديثه وليس بالقوى وضعفه البخارى والنسائى والترمذى ويحيى القطان وقال ابن عدى في حديثه بعض مناكير وهو من الضعفاء الذين يكتب حديثهم. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه، توفي سنة بضع وخمسين ومائة، وروايته وصلها ابن ماجه قال حدّثنا على بن محمد ثنا وكيع عن صالح بن أبى الأخضر عن الزهرى عن أنس قال وضعت لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غسلا فاغتسل من جميع نسائه في ليلة (قوله كلهم عن أنس عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) قد علمت أن المذكور في الروايات السابقة عن أنس أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وفي رواية ابن أبي الأخضر عن أنس قال وضعت الخ فذكر عن هنا بعد أنس لعله غلط من النساخ والصواب أنّ. وأتى المصنف بهذه الجملة ليبين أن هذه التعاليق مرفوعة إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (باب الوضوء لمن أراد أن يعود) أى لمن أراد أن يعود إلى الجماع أهو مطلوب أم لا، وفي نسخة باب الوضوء إذا أراد أن يعود (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَمَّتِهِ سَلْمَى، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ طَافَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى نِسَائِهِ، يَغْتَسِلُ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ»، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تَجْعَلُهُ غُسْلًا وَاحِدًا، فَقَالَ: «هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَصَحُّ مِنْ هَذَا (ش) مناسبة الحديث للترجمة باعتبار أن الغسل مشتمل على الوضوء (رجال الحديث) (قوله حماد) بن سلمة (قوله سلمى) هى أخت أبي رافع. روى عنها ابن أخيها عبد الرحمن وأيوب بن الحسن وزيد بن أسلم والقعقاع بن حكيم، ذكرها ابن حبان في الثقات وقال الحافظ في التقريب مقبولة من الثالثة وقال ابن القطان لا تعرف. روى لها أبو داود وابن ماجه والنسائى (قوله عن أبي رافع) مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قيل اسمه إبراهيم وقيل أسلم وقيل ثابت، كان مولى العباس بن عبد المطلب فوهبه للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأعتقه لما بشره بإسلام العباس بن عبد المطلب، وكان إسلامه قبل بدر ولم يشهدها وشهد أحدا وما بعدها. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن عبد الله بن مسعود وعنه أولاده رافع والحسن وعبيد الله والمغيرة وأبو سعيد المقبرى وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار

وآخرون، قيل مات في خلافة علىّ بن أبى طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (معنى الحديث) (قوله طاف ذات يوم) تقدم أن الإضافة فيه من إضافة العام إلى الخاص ويقال لها إضافة البيان ويحتمل أن لفظة ذات مقحمة. وفى رواية ابن ماجه طاف على نسائه في ليلة (قوله يغتسل عند هذه الخ) أى يغتسل عند كل واحدة منهن كما صرّح به في رواية ابن ماجه، ولا تنافي بين هذا الحديث والذى قبله لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترك الغسل بين الجماعين بيانا للجواز وتخفيفا على الأمة وفعله لكونه أطيب كما ذكر في الحديث. قال النسائي ليس بينه وبين حديث أنس اختلاف بل كان يفعل هذا تارة وذلك أخرى اهـ، وقال النووى هو محمول على أنه فعل الأمرين في وقتين مختلفين اهـ (قوله ألا تجعله غسلا واحدا) أى ألا تكتفى بغسل واحد عن هذه الاغتسالات، ولعل أبا رافع قال ذلك شفقة منه عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مخافة أن يصيبه الضرر من تكرار الغسل "ولا يقال" كيف اطلع أبو رافع على هذا وهو من شأنه الخفاء "لأنه" كان خادما له إذ ذاك يأتي له بالماء (قوله هكذا أزكى وأطيب وأطهر) أى ما فعلته من الغسل عند كل جماع أزيد في الخير والثواب عند الله وأطيب للقلب وأطهر للبدن، وفى نسخة هذا أزكى الخ (قوله وحديث أنس أصح من هذا) أى من حديث أبي رافع لأن حديث أنس مروىّ من طرق متعدّدة ورواته أوثق وأثبت من رواة حديث أبي رافع. وأراد المصنف بهذا بيان أن حديث أبي رافع لا يعارض حديث أنس لأنه أصح منه وهذا على ما ظن من التعارض بينهما بناء على أن الحادثة واحدة وقد علمت أنها متعددة فلا تعارض. على أن قوله هذا ليس بطعن وحديث أبي رافع لأنه لم ينف الصحة عنه (فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على استحباب الغسل عند كل جماع وهذا مما لا خلاف فيه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبيهقي وابن ماجه النسائى والطحاوى في شرح معانى الآثار (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، النَّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُعَاوِدَ، فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا» (ش) (رجال الحديث) (قوله عن أبى المتوكل الناجى) هو على بن دواد بضم الدال المهملة ويقال ابن داود الساجى البصرى، روى عن ابن عباس وأبي سعيد الخدرى وجابر بن عبد الله وعائشة وعنه بكر بن عبد الله المزني وثابت البناني وحميد الطويل والوليد بن مسلم وقتادة وآخرون

باب في الجنب ينام

وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائى وابن المدينى وابن حبان والعجلي والبزّار، مات سنة ثمان ومائة، روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله إذا أتى أحدكم أهله الخ) أى إذا جامع أحدكم زوجه ثم أراد أن يجامع ثانيا فليتوضأ وضوءا شرعيا لأنه المراد عند الإطلاق في كلام الشارع ولتأكيده بالمصدر لأن التأكيد به يرفع احتمال التجوّز وهو نظير قوله تعالى "وكلم الله موسى تكليما" فقد استدلّ أهل السنة بالتأكيد بالمصدر في الآية على أن التكليم فيها باق على حقيقته وليس متجوّزا به، وفى رواية ابن خزيمة فليتوضأ وضوءه للصلاة، وسيأتى بيان حكمة هذا الوضوء (وقد اختلف) في الأمر بالوضوء بين الجماعين في الحديث (فذهب) ابن حبيب المالكي والظاهرية إلى أنه للوجوب أخذا بظاهر هذا الحديث (وذهب) الجمهور إلى أن الأمر فيه للاستحباب وهو الظاهر لما في رواية الحاكم من قوله فإنه أنشط للعود، وغاية ما يفيده التعليل أن هذا الوضوء مندوب وليس بواجب إذ العود للجماع ثانيا ليس بواجب، ولما رواه الطحاوى عن عائشة قالت كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يجامع ثم يعود ولا يتوضأ (وذهب) أبو يوسف من الحنفية إلى أنه ليس بواجب ولا مندوب وحمل الأمر في الحديث على الإباحة (وحمله) بعض أهل العلم على الوضوء اللغوى الذى هو غسل الفرج احترازا عن إدخال النجس في الفرج ولأن ما يتعلق به من رطوبة الفرج مفسد للذة، وقالوا إنما شرع الوضوء للعبادة لا لقضاء الشهوة ولو شرع لقضاء الشهوة لكان الجماع الأول مثل العود، لكن ما قالوه ليس بالقوى لما علمته مما تقدم أن المراد به الوضوء الشرعي ولأنه لا يخفى الفرق بين الجماع الأول والعود فإن العود محتاج إلى التنظيف والنشاط (فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب الوضوء ممن أراد أن يعود إلى الجماع، وعلى أن الغسل ليس واجبا بين الجماعين (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم وابن ماجه والترمذى وقال حديث حسن صحيح والنسائى وابن خزيمة وابن حبان والطحاوى في شرح معانى الآثار والبيهقى والحاكم في المستدرك وصححه (باب في الجنب ينام) أى في بيان أنه يباح للجنب النوم قبل أن يغتسل، وفى بعض النسخ باب الجنب بحذف الجار (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «تَوَضَّأْ

وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ، ثُمَّ نَمْ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عبد الله بن دينار) القرشي المدني أبو عبد الرحمن مولى عبد الله بن عمر. روى عن ابن عمر وأنس ونافع وأبي صالح السمان وسليمان بن يسار وآخرين وعنه يحيى بن سعيد الأنصارى وشعبة والسفيانان ومالك بن أنس وطائفة، قال ابن حنبل ثقة مستقيم الحديث ووثقه أبو حاتم وأبو زرعة وابن معين والنسائى والعجلى وابن سعد وقال كثير الحديث. مات سنة سبع وعشرين ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله ذكر عمر بن الخطاب الخ) مقتضاه أنه من مسند ابن عمر وهو المشهور عند أكثر الرواة (قال) الحافظ في الفتح وروى عن عبيد الله قال أخبرني نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر قال يا رسول الله أينام أحدنا الخ أخرجه النسائى، وعلى هذا فهو من مسند عمر وكذا رواه مسلم من طريق يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر على نافع عن ابن عمر عن عمر لكن ليس في هذا الاختلاف ما يقدح في صحة الحديث اهـ ببعض تصرّف (قوله أنه تصيبه الجنابة) الضميران المنصوبان عائدان على عمر كما هو ظاهر الخطاب في قوله توضأ وما بعده (قال) الحافظ في الفتح قد بين النسائى سبب ذلك في روايته من طريق ابن عون عن نافع قال أصاب ابن عمر جنابة فأتى عمر فذكر ذلك له فأتى عمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فاستأمره فقال ليتوضأ ويرقد، وعلى هذا فالضميران يعودان على ابن عمر لا على عمر، وقوله في الجواب توضأ يحتمل أن يكون ابن عمر كان حاضرا فوجه الخطاب إليه اهـ ويحتمل أن الخطاب لعمر في غيبة ابنه جوابا لاستفتائه ولكنه يرجع إلى ابنه لأن استفتاء عمر إنما هو لأجل ابنه (وما ذكره) الحافظ في الفتح من رواية النسائى من طريق ابن عون (لم نقف) عليها في السنن الصغرى فلعله أخرجه في سننه الكبرى لكن قد علمت أن الظاهر عود الضمير على عمر ولا مانع من تعدّد الواقعة فيكون قد سأل عن نفسه مرّة كما في هذه الرواية وسأل عن ابنه مرّة أخرى كما في رواية النسائى المتقدّمة (قوله توضأ واغسل ذكرك) أى اغسل ذكرك ثم توضأ فإن الاستنجاء مقدّم. على الوضوء، والواو لا تقتضى ترتيبا ويؤيده رواية أبى نوح عن مالك عند البخارى اغسل ذكرك ثم توضأ ثم نم (قال) الحافظ في الفتح وهو يردّ على من حمله على ظاهره فقال يجوز تقديم الوضوء على غسل الذكر لأنه ليس بوضوء يرفع الحدث وإنما هو للتعبد إذ الجنابة أشدّ من مس الذكر فتبين من رواية أبى نوح أن غسله مقدّم على الوضوء اهـ وقد روى من غير طريق بتقديم غسل الذكر على الوضوء، وإنما قدّم الوضوء في الحديث اهتماما بشأنه وتبرُّكا به، وقد جاء هذا الحديث

مذاهب الأئمة في الوضوء للجنب إذا أراد النوم والحكمة في ذلك الوضوء

بصيغة الشرط كما جاء بصيغة الأمر "فقد" أخرج البخارى من طريق جويرة بن أسماء عن نافع عن ابن عمر قال استفتى عمر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أينام أحدنا وهو جنب قال نعم ينام إذا توضأ (واحتج) بحديث الباب الظاهرية وابن حبيب من المالكية على وجوب الوضوء على الجنب إذا أراد النوم قبل أن يغتسل (وذهب) الجمهور إلى أن الوضوء مستحب وليس بواجب وحملوا الأمر في الحديث على الندب لما تقدّم ولحديث عائشة الآتى كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء، وهو وإن كان فيه مقال إلا أنه اعتضد بأحاديث أخر (منها) ما أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما عن ابن عمر أنه سأل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أينام أحدنا وهو جنب قال نعم ويتوضأ إن شاء وروى البيهقى بسنده إلى نافع عن ابن عمر أن عمر استفتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال هل ينام أحدنا وهو جنب قال نعم ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء اهـ ولا منافاة بينهما لاحتمال تعدّد القصة فمرّة سأل ابن عمر كما في رواية ابن خزيمة وابن حبان ومرّة سأل عمر كما في رواية البيهقى (قال) الحافظ في الفتح قال ابن العربى قال مالك والشافعى لا يجوز للجنب أن ينام قبل أن يتوضأ واستنكر بعض المتأخرين هذا النقل وقال لم يقل الشافعى بوجوبه ولا يعرف ذلك أصحابه وهو كما قال اهـ (وقال) الزرقانى ولا يعرف عنهما وجوبه وقد نص مالك في المجموعة على أن هذا الوضوء ليس بواجب اهـ (وذهبت) طائفة إلى أن المراد بالوضوء هنا الوضوء اللغوى وهو غسل الأذى عن فرجه ويديه. واحتجوا بأن ابن عمر كان يتوضأ وهو جنب ولا يغسل رجليه رواه مالك والطحاوى. لكن ما ذكروه مردود بأن المراد بالوضوء هنا الوضوء الكامل لأنه الحقيقة الشرعية وهي مقدّمة على غيرها في كلام الشارع: على أنه قد صرّح بذلك في رواية البخارى عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة، ويحتمل أن أبن عمر ترك غسل رجليه لعذر فقد ذكر بعض العلماء أنه فدع في خيبر في رجليه فكان يضرّه غسلهما (والحكمة) في هذا الوضوء قيل تخفيف الحدث لما رواه ابن أبي شيبة بسند رجاله ثقات عن شدّاد بن أوس الصحابي قال إذا أجنب أحدكم من الليل ثم أراد أن ينام فليتوضأ فإنه نصف غسل الجنابة، وقيل لينام على إحدى الطهارتين خشية أن يموت في منامه "فقد" روى ابن أبي شيبة بإسناده إلى عائشة قالت إذا أراد أحدكم أن يرقد وهو جنب فليتوضأ فإنه لا يدرى لعله يصاب في منامه، ونحوه للطحاوى (وقال) ابن الجوزى الحكمة فيه أن الملائكة تبعد عن الوسخ والريح الكريهة بخلاف الشياطين فإنها تقرب من ذلك اهـ (وفي حجة الله البالغة) لما كانت الجنابة منافية لهيئة الملائكة كان المرضىّ في حق المؤمن أن لا يسترسل في حوائجه من النوم والأكل مع الجنابة فإذا تعذرت الطهارة الكبرى لا ينبغى

باب في الجنب يأكل

أن يدع الطهارة الصغرى لأن أمرهما واحد غير أن الشارع وزّعهما على الحدثين اهـ ومثل الوضوء في الاستحباب التيمم إذا كان قاقدا للماء أو عاجزا عن استعماله "فقد" روى البيهقي عن عائشة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ أو يتيمم، وهو وإن كان ظاهره التخيير إلا أن التيمم فيه محمول على حالة فقد الماء حقيقة أو حكما (قوله ثم نم) أمر من النوم وأصله نام بسكون الميم حذفت الألف لدفع التقاء الساكنين (فقه الحديث) والحديث يدل على طلب غسل الذكر بعد الجماع، وعلى أنه يطلب من الجنب أن يتوضأ إذا أراد النوم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والبيهقى والنسائي ومالك في الموطأ وأخرجه النسائى من طريق نافع عن ابن عمر عن عمر بلفظ أينام أحدنا وهو جنب قال نعم إذا توضأ وأخرجه الترمذى وقال حديث عمر أحسن منه في هذا الباب وأصح وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والتابعين وأخرجه الطحاوى بنحوه (باب الجنب يأكل) أى في بيان ما يصنع الجنب إذا أراد أن يأكل (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَا: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قالت: «إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ، تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ». (ش) (قوله سفيان) بن عيينة، و (الزهرى) محمد بن مسلم. و (أبو سلمة) عبد الله ابن عبد الرحمن بن عوف (قوله عن عائشة قالت إن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) وفي نسخة عن عائشة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وفي رواية البخارى قالت كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله توضأ وضوءه للصلاة) أى توضأ وضوءا كوضوئه للصلاة وهكذا رواية ابن ماجه. وفي رواية البخارى غسل فرجه وتوضأ للصلاة، وصرّحت به لدفع ما يتوهم من أن المراد الوضوء اللغوى (وظاهر) الحديث أن ذلك كان يتكرّر منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للتعبير فيه بكان المفيدة للتكرار، ومناسبة الحديث للترجمة باعتبار الزيادة التي زادها فيه يونس عن الزهرى في الطريق الآتى

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن أبى شيبة في مصنفه ومسلم من طريق ليث عن ابن شهاب بهذا الإسناد وكذا ابن ماجه من طريق الليث بن سعد والبخارى من طريق محمد ابن عبد الرحمن عن عروة عن عائشة وأخرجه الطحاوى في شرح معاني الآثار عنها من عدة طرق (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ، ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، زَادَ: «وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ يَدَيْهِ». (ش) (قوله ابن المبارك) هو عبد الله. و (يونس) بن يزيد الأيلي (قوله بإسناده ومعناه الخ) أى إسناد حديث سفيان السابق ومعناه وزاد يونس عن الزهرى فيه وإذا أراد أن يأكل غسل يديه يعنى ولم يتوضأ وضوءه للصلاة فجملة أراد أن يأكل مفعول زاد واقتصر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على غسل اليدين لبيان الجواز وإلا فأكثر الروايات على أنه كان إذا أراد أن يأكل أو يشرب وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة. وهذه الرواية أخرجها النسائى والدارقطني بلفظ كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه، وأخرجها البيهقى وابن ماجه بلفظ كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أراد أن يأكل وهو جنب فغسل يديه، وأخرجها الطحاوى بلفظ غسل كفيه (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، فَجَعَلَ قِصَّةَ الْأَكْلِ قَوْلَ عَائِشَةَ مَقْصُورًا. (ش) أى روى هذا الحديث عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد فجعل قصة أكل الجنب من قول عائشة موقوفة عليها، وغرض المصنف بهذا بيان الفرق بين رواية ابن المبارك عن يونس ورواية ابن وهب عنه. فجعل ابن المبارك في روايته قصة أكل الجنب مرفوعة إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وجعلها ابن وهب من قول عائشة موقوفة عليها، ولم نقف على من وصل رواية ابن وهب (ص) وَرَوَاهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: عَنْ عُرْوَةَ، أَوْ أَبِي سَلَمَةَ. (ش) أى أن صالح بن أبى الأخضر ذكر في روايته قصة أكل الجنب ونومه مرفوعتين إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما ذكرهما عبد الله بن المبارك إلا أن صالحا قال في روايته عن عروة أو عن أبى سلمة بالشك في الراوى عن عائشة بخلاف ابن المبارك فإنه قال عن أبى سلمة بدون شك

باب من قال الجنب يتوضأ

(ص) وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا، قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ (ش) غرض المصنف بهذا التعليق وما قبله تقوية رواية ابن المبارك وأنها مرفوعة (والأوزاعي) هو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد أبو عمرو الشامى سكن دمشق ثم تحوّل إلى بيروت ومات بها وكان إماما من أئمة الدين الأعلام. روى عن عطاء بن أبى رباح وقتادة والزهرى ومحمد بن بشار وابن سيرين ومكحول وآخرين. وعنه الزهرى وقتادة وهما من شيوخه ويحيى بن أبي كثير ومالك بن أنس وبقية والثورى وشعبة وكثيرون، قال ابن سعد كان ثقة مأمونا صدوقا فاضلا خيرا كثير الحديث والعلم والفقه وقال العجلى تابعى ثقة من خيار المسلمين وقال الشافعى ما رأيت أحدا أشبه فقهه بحديثه من الأوزاعي وقال القرطبى كانت الفتيا تدور بالأندلس على رأى الأوزاعي وقال الخليلى أجاب عن ثمانين ألف مسألة من حفظه. ولد سنة ثمان وثمانين ومات سنة ثمان وخمسين ومائة. روى له الجماعة، والأوزاعي نسبة إلى أوزاع قرية على باب دمشق من جهة باب الفراديس وهو في الأصل اسم قبيلة من اليمن سميت به القرية لسكناهم بها وقيل الأوزاع بطن من ذى كلاع من حمير وقيل من همدان (قوله عن الزهرى الخ) أى عن أبى سلمة عن عائشة فأسقط الأوزاعي في روايته الواسطة، وهذا التعليق وصله الطحاوى عن الأوزاعي عن الزهرى بإسقاط يونس (قوله كما قال ابن المبارك) أى بذكر قصة الأكل والنوم، وغرض المصنف بذكر هذه التعاليق تقوية رواية ابن المبارك، وهذه الروايات تدلّ على مشروعية الوضوء للجنب إذا أراد النوم، وعلى مشروعية غسل الجنب يديه إذا أراد أن يأكل (باب من قال الجنب يتوضأ) أى في بيان دليل قول من قال إن الجنب إذا أراد أن يأكل أو ينام يتوضأ (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ، تَوَضَّأَ» تَعْنِي وَهُوَ جُنُبٌ (ش) (قوله يحيى) بن سعيد القطان، و (شعبة) بن الحجاج. و (الحكم) بن عتيبة الكندى و (إبراهيم) النخعى. و (الأسود) بن يزيد (قوله توضأ) أى وضوءه للصلاة كما في رواية النسائى

وابن ماجه ومسلم والشيخين من حديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا كان جنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة، وهو لا ينافي ما في الرواية السابقة من قولها وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه لما تقدم من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اقتصر أحيانا على غسل الكفين لبيان الجواز وكان الغالب من أحواله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إكمال الوضوء (قوله وهو جنب) تفسير من بعض الرواة ذكره للإيضاح وقد تقدم في رواية الشيخين وغيرهما التصريح به عن عائشة (فقه الحديث) والحديث يدلّ على مشروعية الوضوء للجنب إذا أراد أن يأكل أو ينام (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والبيهقى والنسائي وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، أَنَا عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلْجُنُبِ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ، أَنْ يَتَوَضَّأَ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «بَيْنَ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رَجُلٌ» (ش) (رجال الحديث) (قوله حماد) بن سلمة (قوله عطاء) بن أبى مسلم عبد الله ويقال ميسرة الأزدى أبو أيوب ويقال أبو عثمان البلخى مولى المهلب بن أبى صفرة. سكن الشام وعداده في البصريين كان من خيار عباد الله أحد الأعلام. روى عن معاذ بن جبل وكعب بن عجرة وأنس بن مالك وابن عباس وأبى الدرداء والزهرى وجماعة. وعنه ابن جريج والأوزاعي وعطاء بن أبى رباح ومالك وشعبة وحماد بن سلمة وآخرون. قال ابن معين وأبو حاتم ثقة يحتج به وقال النسائى ليس به بأس وقال الدارقطنى ثقة في نفسه إلا أنه لم يلق ابن عباس وقال ابن حبان كان ردئ الحفظ يخطئُ ولا يعرف فبطل الاحتجاح به وقال الطبرانى لم يسمع من أحد من الصحابة إلا من أنس. مات سنة خمس وثلاثين ومائة عن خمس وثمانين سنة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه، و (الخراساني) بضم المعجمة نسبة إلى خراسان بلاد واسعة بين العراق والهند منها سرخس ونيسابور وبلخ وطالقان وسميت باسم خراسان بن عالم بن سام بن نوح وكان قد خرج لما تبلبلت الألسن ببابل ونزل في هذه البلاد فسميت باسمه وينسب إليها وإن كان عداده في البصريين لأنه دخلها وأقام بها (معنى الحديث) (قوله رخص للجنب الخ) أى سهل له أن يجتزئَ بالوضوء إذا أراد أن

يأكل أو يشرب أو ينام (والحاصل) أنه يجوز للجنب أن ينام ويأكل ويشرب ويجامع قبل الاغتسال (قال) النووى في شرح مسلم وهذا مجمع عليه وأجمعوا على أن بدن الجنب وعرقه طاهران اهـ ويستحب له أن يغسل فرجه ويتوضأ لهذه الأمور كلها ولا سيما إذا أراد جماع من لم يجامعها فإنه يتأكد استحباب غسل ذكره (قال) النووى وقد نص أصحابنا على أنه يكره النوم والأكل والشرب والجماع قبل الوضوء والأحاديث تدلّ عليه ولا خلاف عندنا أن هذا الوضوء ليس بواجب وبهذا قال مالك والجمهور (وذهب) ابن حبيب من أصحاب مالك إلى وجوبه وهو مذهب داود الظاهرى، والمراد بالوضوء وضوء الصلاة الكامل، وأما حديث ابن عباس المتقدم في الباب قبله في الاقتصار على الوجه واليدين فقد قدمنا أن ذلك لم يكن في الجنابة بل في الحدث الأصغر اهـ (قوله بين يحيى بن يعمر وعمار الخ) يشير بهذا إلى أن الحديث منقطع فيكون ضعيفا إلا أنه تقوّى بالروايات الكثيرة الدّالة على استحباب الوضوء عند إرادة شئ مما ذكر (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أفضلية الغسل للجنب إذا أراد الأكل أو الشرب أو النوم إذ العزيمة أفضل من الرخصة، وعلى طلب الوضوء للجنب عند عدم الغسل إذا أراد شيئا مما ذكر (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والترمذى وقال حسن صحيح وأخرجه الطحاوى وفيه وفي الترمذى يتوضأ وضوءه للصلاة وأخرجه البيهقي عن عمار بن ياسر قال قدمت على أهلى من سفر فضمخونى بالزعفران فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسلمت عليه فلم يرحب بى ولم يبشّ بى وقال اذهب واغسل هذا عنك فغسلته عنى فجئته وقد بقى عليّ منه شئ فسلمت عليه فلم يرحب بى ولم يبشّ بي وقال اذهب واغسل عنك هذا فغسلته ثم أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسلمت عليه فردّ علىّ السلام ورحب بي وقال إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير ولا المتضمخ بالزعفران ولا الجنب ورخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو ينام أن يتوضأ (ص) وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو «الْجُنُبُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ تَوَضَّأَ» (ش) أشار بهذه الآثار إلى أن وضوء الجنب للأكل ونحوه كما ثبت مرفوعا ثبت موقوفا على من ذكر وثبت أيضا عن عائشة وشدّاد بن أوس كما تقدم وعن زيد بن ثابت قال إذا توضأ الجنب قبل أن ينام فقد بات طاهرا أخرجه الطحاوى

باب الجنب يؤخر الغسل

(باب الجنب يؤخر الغسل) أى يؤخر الغسل من الجنابة إلى آخر الليل أيسوغ له ذلك أم لا، وفي نسخة باب في الجنب الخ (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا مُعْتَمِرٌ، ح وَثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَا: ثَنَا بُرْدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ غُضَيْفِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَرَأَيْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ أَوْ فِي آخِرِهِ؟ قَالَتْ: «رُبَّمَا اغْتَسَلَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَرُبَّمَا اغْتَسَلَ فِي آخِرِهِ»، قُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الْأَمْرِ سَعَةً قُلْتُ: أَرَأَيْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَمْ فِي آخِرِهِ؟ قَالَتْ: «رُبَّمَا أَوْتَرَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَرُبَّمَا أَوْتَرَ فِي آخِرِهِ»، قُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الْأَمْرِ سَعَةً. قُلْتُ: أَرَأَيْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ بِالْقُرْآنِ أَمْ يُخَافِتُ بِهِ؟ قَالَتْ: «رُبَّمَا جَهَرَ بِهِ وَرُبَّمَا خَفَتَ»، قُلْتُ اللَّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الْأَمْرِ سَعَةً (ش) (رجال الحديث) (قوله المعتمر) بن سليمان التيمى (قوله برد) بضم الموحدة وسكون الراء (ابن سنان) يكسر السين المهملة الدمشقي أبو العلاء نزيل البصرة. روى عن وائلة بن الأسقع ونافع وعطاء ومكحول وآخرين. وعنه السفيانان والحمادان والأوزاعي وشريك النخعى وطائفة وثقة ابن معين والنسائى وأبو حاتم وقال كان صدوقا قدريا وقال مرّة ليس بالمتين وقال ابن المديني ضعيف وقال أبو زرعة لا بأس به، مات سنة خمس وثلاثين ومائة. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه والبخارى في الأدب (قوله غضيف) بالغين والضاد المعجمتين مصغرا ويقال غطيف بالطاء المهملة (ابن الحارث) بن زنيم أبو أسماء السكوني الحمصى. أدرك زمان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واختلف في صحبته وقد روى عنه أنه قال مهما نسيت من الأشياء لم أنس أنى رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واضعا يده اليمنى على اليسرى في الصلاة روى عن عمر بن الخطاب وبلال وأبي ذرّ وأبى الدرداء وعائشة، وعنه مكحول وعبادة بن نسىّ وشرحبيل بن مسلم وعبد الرحمن بن عائذ وغيرهم، وثقه العجلى وابن سعد والدارقطني. مات

في زمن مروان بن الحكم. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله أرأيت) أى أخبرينى فالاستفهام بمعنى الأمر وعبر به عنه لاشتراكهما في الطلب وعدل عن الحقيقة سلوكا للأدب كما تقدم (قوله كان يغتسل) أى أكان فهو على تقدير الاستفهام وقد صرح به في بعض النسخ (قوله وربما اغتسل في آخره) دليل على أن الجنب لا يجب عليه الغسل على الفور بل له أن يؤخره إلى آخر الليل فلا ينافي أن المبادرة به أفضل وأخره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تيسيرا على الأمة وبيانا للجواز (قوله الله أكبر) قالها تعجبا واستعظاما لهذا الأمر وفرحا بسعته (قوله الحمد لله الذى جعل في الأمر سعة) أى الحمد لله الذى جعل في الأمر سهولة فجعل الاغتسال من الجنابة على التراخى لا على الفور، وسعة بفتح السين المهملة ويجوز كسرها مصدر وسع من باب ورث وفتحت عين مضارعه لمناسبة حرف الحلق (قوله ربما أوتر أول الليل الخ) اقتصرت عائشة في الجواب على الأول والآخر مجاراة لسؤال السائل وإلا فقد ورد عنها أنها قالت من كلّ الليل قد أوتر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أول الليل وأوسطه وآخره فانتهى وتره إلى السحر أخرجه الجماعة وسيأتي الكلام على الوتر في محله إن شاء الله تعالى (قوله أم يخافت به) أى يسرّ وفى بعض النسخ أم يخفت به وخفت الصوت خفوتا من باب جلس ومخافتة إذا لم يرفع صوته، والظاهر أنه سأل عن قراءته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلا أما قراءته نهارا فكانت معلومة لهم (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن الغسل من الجنابة ليس واجبا على الفور. وعلى جواز تأدية الوتر أول الليل وآخره والأفضل تأخيره لمن اعتاد أن يقوم آخر الليل وتقديمه لمن لم يعتد القيام لما رواه ابن ماجه عن جابر رضى تعالى الله عنه عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من خاف منكم أن لا يستيقظ من آخر الليل فليوتر من أول الليل ثم ليرقد ومن طمع منكم أن يستيقظ من آخر الليل فليوتر من آخر الليل فإن قراءة آخر الليل محضورة وذلك أفضل. وعلى أن المتنفل بالليل مخير بين الجهر والإسرار في القراءة، وقد اختلف في أيهما أفضل فقيل الجهر وقيل الإسرار (قال) العينى والصحيح أنه مقيد باعتبار زمان القارئ ومكانه وحاله فيراعي الجهر والإخفاء بحسب هذا الاعتبار اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه في باب القراءة في صلاة الليل مقتصرا على الفصل الأخير والحاكم والبيهقى والنسائى مقتصرا على الفصل الأول (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُجَيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ،

الملائكة وما ورد في كثرتهم

عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ وَلَا جُنُبٌ» (ش) (رجال الحديث) (قوله شعبة) بن الحجاج (قوله على بن مدرك) بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر الراء أبو مدرك النخعى الكوفى، روى عن عبد الرحمن بن يزيد النخعى وهلال ابن يساف وأبى زرعة وإبراهيم النخعى وغيرهم. وعنه الأعمش وشعبة والمسعودى، وثقه العجلى وابن معين والنسائى وابن حبان وأبو حاتم وقال صدوق. مات سنة عشرين ومائة، روى له الجماعة (قوله عن أبى زرعة) اسمه هرم (قوله عبد الله بن نجى) بضم النون وفتح الجيم مصغرا ابن أسد الحضرمى الكوفى، روى عن أبيه وعلى بن أبى طالب وحذيفة وعمار بن ياسر، وعنه أبو زرعة وجابر الجعفى وشرحبيل بن مدرك، قال النسائى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال الدارقطنى ليس بالقوىّ في الحديث، روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه (قوله عن أبيه) هو نجى بن أسد بن خليبة، روى عن على بن أبى طالب. وعنه ابنه عبد الله. ذكره ابن حبان في الثقات وقال لا يعجبنى الاحتجاج بخبره إذا انفرد وقال العجلى تابعى ثقة وقال ابن سعد كان قليل الحديث، روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله لا تدخل الملائكة بيتا) أى مكانا يستقرّ فيه الشخص سواء أكان بناء أم خيمة أم غيرهما (والملائكة) جمع ملك وأصله ملأك على وزن مفعل نقلت حركة الهمزة إلى اللام وحذفت الهمزة فصار ملك على وزن مفل فلما جمع ردّ إلى الأصل وقيل أصله مألك فقلب قلبا مكانيا فصار ملأك على وزن معفل فنقلت حركة الهمزة إلى ما قبلها وحذفت فوزنه معل فلما جمع ردّ لأصله وهو مأخوذ من الألوكة وهي الرسالة وقيل من الملك بفتح الميم وسكون اللام وهو الأخذ بقوّة والتاء في الجمع إما للمبالغة أو لتأنيث الجمع فإذا حذفت امتنع من الصرف لصيغة منتهى الجموع، والملائكة أجسام لطيفة نورانية لا توصف بذكورة ولا بأنوثة فمن اعتقد أنهم ذكور فسق ومن اعتقد أنهم إناث كفر لا يشربون ولا يأكلون ولا يتناكحون ولا ينامون يقدرون على التشكل بأشكال مختلفة غير الخسيسة مسكن معظمها السماء ولا تحكم عليهم الصورة بخلاف الجن. وقد جاء في كثرتهم أحاديث (منها) ما أخرجه الترمذى وابن ماجه والبزّار عن أبى ذرّ مرفوعا أطت السماء وحقّ لها أن تئطّ ما فيها موضع أربع أصابع إلا وعليه ملك ساجد (ومنها) ما أخرجه الطبراني عن جابر مرفوعا أيضا ما في السماوات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كفّ إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد، والمراد بالملائكة في الحديث غير الحفظة وهم الذين يطوفون بالرحمة والتبريك والاستغفار أما الحفظة والكتبة فيدخلون كل بيت وكذا الموكلون

ذم الصور والتصوير ومذاهب الأئمة في ذلك

بقبض الأرواح (قوله فيه صورة) أى تمثال أعمّ من أن يكون شاخصا أو نقشا أو دهانا أو نسجا في ثوب، والمراد بالصورة هنا ما كان على صورة الحيوان (وظاهر) الحديث يدلّ على أن الصورة مطلقا تمنع دخول الملائكة أعمّ من أن يكون لها ظل أم لا ممتهنة أم غير ممتهنة، وقيل إن الممتهنة التي لا ظلّ لها لا تمنع دخول الملائكة (قال) النووى والأظهر أنه عامّ في كل صورة وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الحديث اهـ (وقال) الزهرى النهى الذى ورد فيها على العموم سواء أكانت رقما في ثوب أم غير رقم وسواء أكانت في حائط أم ثوب أم بساط ممتهن أو غير ممتهن عملا بظاهر الحديث اهـ وامتنعت الملائكة من دخول البيت الذى فيه الصورة لأنها معصية لأن فيها مضاهاة لخلق الله عز وجلّ ولأن بعضها قد يكون في صورة ما يعبد من دون الله تعالى، وما تقدم ذكره بالنسبة لدخول الملائكة (أما التصوير) على هيئة الحيوان فاتفق العلماء على تحريمه سواء أصنع بما يمتهن أم بغيره له ظل أم لا للأحاديث الكثيرة الدالة على الوعيد الشديد فيه (منها) ما رواه مسلم عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن من أشدّ الناس عذابا يوم القيامة المصوّرون (وما رواه) عنه أيضا أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال الذين يصنعون الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم (وما رواه) أيضا عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول من صوّر صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ (وأما تصوير) غير الحيوان من الشجر ونحوه فجائز لا فرق بين الشجر المثمر وغيره وعليه عامة العلماء لما رواه أحمد والترمذى والنسائى عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتاني جبريل فقال إني كنت أتيتك الليلة فلم يمنعني أن أدخل البيت الذى أنت فيه إلا أنه كان فيه تمثال رجل وكان في البيت قرام "ستر" فيه تماثيل وكان في البيت كلب فمر برأس التمثال يقطع يصير كهيئة الشجرة واؤمر بالستر يقطع فيجعل وسادتين منتبذتين توطآن واؤمر بالكلب يخرج ففعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (ولما رواه) مسلم عن سعيد بن أبي الحسن قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال إني رجل أصوّر فأفتني فقال له ادن مني فدنا منه ثم قال ادن منى فدنا حتى وضع يده على رأسه قال أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول كل مصوّر في النار يجعل له بكل صورة صوّرها نفسا فتعذبه في جهنم وقال إن كنت لا بدّ فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له (وخالف) مجاهد فقال بكراهة الشجر المثمر لما رواه مسلم عن أبى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول قال الله عزّ وجلّ ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقى فليخلقوا ذرّة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة. لكن ما ذكره ليس بالقوىّ لأن هذا الحديث محمول على

امتناع الملائكة من دخول البيت الذي فيه الكلب وأقوال العلماء في سبب ذلك

خلق الحيوان جمعا بينه وبين الأحاديث الدالة على جواز تصوير الشجر (وأما ما رواه) ابن ماجه عن أبى أمامة أن امرأة أتت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فاستأذنته أن تصوّر في بيتها نخلة فمنعها أو نهاها (فضعيف) لأن في إسناده عفير بن معدان قال أبو حاتم يكثر عن سليم عن أبى أمامة بما لا أصل له وقال أحمد منكر الحديث ضعيف (وأما) اتخاذ ما فيه صورة حيوان بأن كان رقما فيه ففيه أقوال (الأول) الجواز مطلقا لما رواه مسلم عن بكير بن الأشج عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد عن أبى طلحة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة قال بسر ثم اشتكى زيد بن خالد بعد فعدناه فإذا على بابه ستر فيه صورة قال، فقلت لعبيد الله الخولاني ألم يحدّثنا زيد في التصاوير قال عبيد الله ألم تسمعه قال إلا رقما في ثوب قلت لا قال بلى قد ذكر ذلك (الثاني) المنع مطلقا لإطلاق الأحاديث الكثيرة الواردة في ذلك (الثالث) التفصيل فإن كانت الصورة ثابتة الهيئة قائمة الشكل غير ممتهنة حرمت وإن كانت مقطوعة الرأس أو مفرّقة الأجزاء أو ممتهنة جازت لما رواه الطحاوى عن أبي هريرة قال استأذن جبريل على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال ادخل فقال كيف أدخل وفي بيتك ستر فيه تماثيل خيل ورجال فإما أن تقطع رءوسها وإما أن تجعلها بساطا فإنا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه تماثيل، ولما رواه مسلم والطحاوى عن عائشة أنها كانت نصبت سترا فيه تصاوير فدخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنزعه فقطعته وسادتين قالت فكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يرتفق عليهما (وهذا القول) أرجح الأقوال لكثرة أدلته الصحيحة ولإمكان الجمع فيه بين الأدلة (وأما) اتخاذ الصورة ذات الجسم فحرام (قال) الزرقانى وهذا بالإجماع في غير لعب البنات اهـ (وقال) القاضى عياض إلا ما ورد من لعب البنات لصغار البنات والرخصة في ذلك لكن كره مالك شراء الرجل لابنته ذلك، وادعى بعضهم أن إباحة اللعب لهن منسوخة بهذه الأحاديث اهـ والاحتياط ترك اتحاذ الصور كلها (قوله ولا كلب) ظاهره عامّ في كل كلب سواء أذن في اتخاذه أم لا لأنه نكرة في سياق النفي وإلى العموم جنح القرطبى والنووى لعموم الحديث ولامتناع جبريل عليه السلام من دخول البيت الذى كان فيه الكلب مع كونه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يعلم به (قال) النووى فلو كان العذر لا يمنعهم من الدخول لم يمتنع جبريل من الدخول اهـ أى إذا كان وجود الكلب مع عدم العلم به مانعا من دخول الملائكة فبالأولى وجوده عن عمد لنحو الحراسة (وذهب) الخطابي وجماعة إلى استثناء الكلب الذى أذن في اتخاذه للحراسة (واختلف) في سبب امتناع الملائكة من دخول بيت فيه كلب فقيل لكون الكلاب نجسة العين ويؤيده ما جاء في بعض طرق الحديث عن عائشة عند مسلم أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بنضح موضع الكلب

امتناع الملائكة من دخول البيت الذي فيه الجنب الذي يتهاون في الغسل وبيان حكمة ذلك. وجواز نوم الجنب قبل أن يغتسل أو يتوضأ

وقيل لكونها من الشياطين والملائكة ضدّ الشياطين، وقيل لأنها تأكل النجاسة وتتلطخ بها فينجس ما تعلقت به وعلى هذا يحمل قول من قال إن الكلب غير نجس العين ينضح موضعه على الاحتياط لأن النضح مشروع لتطهير المشكوك فيه، ولقائل أن يقول إن امتناع الملائكة من دخول البيت الذى فيه كلب أمر غير معقول لنا إذ كل التعليلات التي ذكرت غير مسلمة إذ الخنزير أولى بامتناع الملائكة بوجوده وكذلك النجاسات الأخر مع أنه لم يرد نص عن الشارع يدل على امتناع دخول الملائكة بشئ من ذلك (قوله ولا جنب) ظاهره العموم أيضا فيشمل من أصابته الجنابة أول الليل وأخر الغسل إلى آخره لكن هذا العموم ليس مرادا بل المراد به من يتعوّد ترك الغسل ويتهاون فيه إلى أن يخرج وقت الصلاة (قال) الخطابي لم يرد بالجنب ها هنا من أصابته جنابة فأخر الاغتسال إلى حضور الصلاة ولكن يجنب فلا يغتسل ويتهاون به ويتخذ تركه عادة فإن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يطوف على نسائه في غسل واحد وفي هذا تأخير الاغتسال عن أول وقت وجوده اهـ، أما الجنب الذى لا يتخذ ذلك عادة له ولا يترك الاغتسال إلى أن يخرج وقت الصلاة فلا يمنع دخول الملائكة البيت لما تقدم من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل تارة أول الليل وتارة آخره ومن أنه رخص للجنب أن ينام قبل أن يغتسل ولما سيأتى للمصنف عن عائشة من أنه كان ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء (والحكمة) في امتناع الملائكة من دخول البيت الذى فيه الجنب المتهاون بالجنابة أنه بعيد عن العبادة ممتنع من التلاوة (فقه الحديث) دلّ الحديث على التنفير من اتخاذ الكلب والتصاوير على ما تقدم بيانه وعلى أن التهاون في الغسل من الجنابة مانع للخير الكثير والبركة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم وابن ماجه ومالك في الموطأ والطحاوى في شرح معاني الآثار بدون ذكر الجنب وأخرجه النسائى والبيهقي بلفظ المصنف (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً». (ش) (قوله سفيان) الثورى. و (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعى و (الأسود) بن يزيد (قوله من غير أن يمسّ ماء) أى لا لغسل ولا لوضوء وهو لا ينافي ما تقدّم من استحباب الوضوء قبل النوم لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترك مسّ

الماء لبيان الجواز (قال) النووى في شرح مسلم إن صح هذا الحديث لم يكن مخالفا للروايات الأخر من أنه كان يتوضأ ثم ينام بل كان له جوابان "أحدهما" جواب الإمامين الجليلين أبى العباس ابن شريح وأبى بكر البيهقى أن المراد لا يمس ماء للغسل "والثاني" وهو عندى حسن أن المراد أنه كان في بعض الأوقات لا يمس ماء أصلا لبيان الجواز إذ لو واظب عليه لتوهم وجوبه (فقه الحديث) والحديث يدلّ على جواز نوم الجنب من غير وضوء ولا غسل (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الترمذى والنسائى وابن ماجه والطحاوى والبيهقى وقد علمت أن فيه مقالا وأن جماعة قد صححوه (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ، يَقُولُ: «هَذَا الْحَدِيثُ وَهْمٌ» يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي إِسْحَاقَ (ش) غرض المصنف بهذا بيان حال الحديث السابق (قوله الحسن بن على) بن راشد نزيل البصرة. روى عن المعتمر بن سليمان وابن المبارك ويزيد بن هارون وجماعة. وعنه أبو زرعة وأبو بكر البزار والحسن بن سفيان والساجى وآخرون. قال ابن حبان مستقيم الحديث جدّا وقال ابن عدى لم أر بحديثه بأسا إذا حدّث عنه ثقة ولم أسمع أحدا قال فيه شيئا فنسبه إلى ضعف غير عباس العنبرى. مات سنة سبع وثلاثين ومائتين. روى له أبو داود والنسائى. و (الواسطى) نسبة إلى واسط وهي عدة مواضع واسط الحجاج وواسط الحجاز وواسط الجزيرة وواسط اليمامة وواسط العراق ولعلّ التى نسب إليها الحسن بن على واسط الحجاج كما تقدم من أنه نزل البصرة (قوله هذا الحديث وهم) أى الحديث السابق غلط وكذا قال جماعة ففى الترمذي "وقد" روى غير واحد عن الأسود عن عائشة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان يتوضأ قبل أن ينام وهذا أصح من حديث أبى إسحاق عن الأسود وقد روى عن أبى إسحاق هذا الحديث شعبة والثورى وغير واحد ويرون أن هذا غلط من أبى إسحاق اهـ ووجه غلط أبى إسحاق أنه اختصر حديثه هذا من حديث طويل فأخطأ في اختصاره "وقد" ذكره الطحاوى مطوّلا عن أبى إسحاق قال أتيت الأسود بن يزيد وكان لى أخا وصديقا فقلت يا أبا عمرو حدثني ما حدثتك عائشة أم المؤمنين رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا عن صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينام أول الليل ويحيى آخره ثم إن كانت له حاجة قضى حاجته ثم ينام قبل أن يمسّ ماء فإذا كان عند النداء الأول وثب وما قالت قام فأفاض عليه الماء وما قالت اغتسل وأنا أعلم ما تريد وإن كان جنبا توضأ

وضوء الرجل للصلاة "وأخرج" مسلم والبيهقى نحوه (قال) الطحاوى فهذا الأسود بن يزيد قد أبان في حديثه أنه كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة، وأما قولها فإن كان له حاجة قضاها ثم ينام قبل أن يمسّ ماء فيحتمل أن يكون مرادها أنه لم يغتسل فلا ينافي أنه كان يتوضأ وقد بين ذلك غير أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا أراد أن ينام توضأ وضوءه للصلاة وذلك ما حدثنا ابن مرزوق قال حدثنا بشير بن عمر قال ثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أراد أن ينام أو يأكل وهو جنب يتوضأ ثم روى عن الأسود من رأيه مثل ذلك ثنا روح بن الفرج ثنا يوسف بن عدى ثنا أبو الأحوص عن مغيرة عن إبراهيم قال قال الأسود إذا أجنب الرجل فأراد أن ينام فليتوضأ فاستحال عندنا أن تكون عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قد حدثته عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأنه كان ينام ولا يمسّ ماء ثم يأمرهم بعد ذلك بالوضوء. ولكن الحديث في ذلك ما رواه إبراهيم وبعد ما ذكر ما يؤيد رواية إبراهيم السابقة قال فثبت بما ذكرنا فساد ما روى عن أبى إسحاق عن الأسود مما ذكرنا وثبت ما روى إبراهيم عن الأسود اهـ ببعض تصرّف (وقال) ابن العربى في العارضة بعد أن ذكر حديث أبى إسحاق بطوله فهذا الحديث الطويل فيه وإن نام وهو جنب توضأ وضوء الصلاة فهذا يدلك على أن قوله فإن كان له حاجة قضى حاجته ثم ينام قبل أن يمسّ ماء يحتمل أحد وجهين إما أن يريد بالحاجة حاجة الإنسان من البول والغائط فيقضيها ثم يستنجى ولا يمسّ ماء وينام فإن وطئَ توضأ كما في آخر الحديث، ويحتمل أن يريد بالحاجة حاجة الوطء وبقوله ثم ينام ولا يمسّ ماء يعنى ماء الاغتسال ومتى لم يحمل الحديث على أحد هذين الوجهين تنافض أوله وآخره فتوهم أبو إسحاق أن الحاجة هي حاجة الوطء فنقل الحديث على معنى ما فهم اهـ كلام ابن العربى (أقول) لكن الحديث رواه ابن ماجه عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة من عدّة طرق كرواية المصنف (منها) أنها قالت إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن كانت له إلى أهله حاجة قضاها ثم ينام كهيئته لا يمسّ ماء (ومنها) أنها قالت إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يجنب ثم ينام ولا يمسّ ماء حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل، وقد صحح جماعة هذا الحديث منهم الدارقطني فإنه قال يشبه أن يكون الخبران صحيحين لأن عائشة قالت ربما قدّم الغسل وربما أخره كما حكى ذلك غضيف وعبد الله بن أبي قيس وغيرهما عن عائشة وأن الأسود حفظ ذلك عنها فحفظ أبو إسحاق عنه تأخير الوضوء والغسل وحفظ إبراهيم وعبد الرحمن تقديم الوضوء على الغسل (وعنهم) البيهقى وملخص كلامه أن حديث أبى إسحاق صحيح من جهة الرواية وذلك أنه

باب في الجنب يقرأ القرآن

بين فيه سماعه من الأسود في رواية زهير عنه والمدلس إذا بين سماعه ممن روى عنه وكان ثقة فلا وجه لردّه. وتقدم الجمع بين الروايتين (ومنهم) ابن قتيبة فإنه قال يمكن أن يكون الأمران جميعا وقعا فالفعل لبيان الاستحباب والترك لبيان الجواز ومع هذا قالوا إنا وجدنا لحديث أبى إسحاق شواهد ومتابعين (فمن) تابعه عطاء والقاسم وكريب والسوائى فيما ذكره أبو إسحاق الجرمى في كتاب العلل قال وأحسن الوجوه في ذلك إن صح حديث أبى إسحاق فيما رواه ووافقه هؤلاء أن تكون عائشة أخبرت الأسود أنه كان ربما توضأ وربما أخر الوضوء والغسل حتى يصبح فأخبر الأسود إبراهيم أنه كان يتوضأ وأخبر أبا إسحاق أنه كان يؤخر الغسل وهذا أحسن وأوجه اهـ (باب في الجنب يقرأ القرآن) أى في بيان حكم قراءة الجنب للقرآن، وفي بعض النسخ باب الجنب يقرأ (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَا وَرَجُلَانِ، رَجُلٌ مِنَّا وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَحْسَبُ، فَبَعَثَهُمَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَجْهًا، وَقَالَ: إِنَّكُمَا عِلْجَانِ، فَعَالِجَا عَنْ دِينِكُمَا، ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ الْمَخْرَجَ ثُمَّ خَرَجَ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَخَذَ مِنْهُ حَفْنَةً فَتَمَسَّحَ بِهَا، ثُمَّ جَعَلَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ، فَقَالَ: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، كَانَ يَخْرُجُ مِنَ الخَلَاءِ فَيُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ، وَيَأْكُلُ مَعَنَا اللَّحْمَ وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ -أَوْ قَالَ: يَحْجُزُهُ- عَنِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ ". (ش) (رجال الحديث) (قوله شعبة) بن الحجاج (قوله عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق بن الحارث المرادى أبو عبد الله الكوفي أحد الأعلام. روى عن عبد الله بن أبي أوفى وأبى وائل وإبراهيم النخعى وسعيد بن المسيب وغيرهم. وعنه ابنه عبد الله ومنصور وأبو إسحاق السبيعى وهو أكبر منه والأعمش والثورى وشعبة وآخرون. وثقه ابن معين وابن نمير ويعقوب بن سفيان وقال أبو حاتم ثقة كان يرى الإرجاء وقال الأعمش كان مأمونا على ما عنده وقال ابن المدينى له نحو مائتى حديث. مات سنة ست أو ثمانى عشرة ومائة. روى له الجماعة

عدم جواز قراءة القرآن للجنب إلا بقصد الذكر أو التحصن

(قوله (ص) عبد الله بن سلمة) بكسر اللام المرادى الكوفى. روى عن عمر وعلى ومعاذ وابن مسعود وسلمان الفارسى وآخرين. وعنه عمرو بن مرّة وأبو إسحاق السبيعى وأبو الزبير المكي، قال البخارى لا يتابع في حديثه وقال العجلى تابعى ثقة وقال يعقوب بن شيبة ثقة يعدّ من الطبقة الأولى من فقهاء الكوفة بعد الصحابة وقال أبو حاتم يعرف وينكر وقال ابن عدىّ أرجو أنه لا بأس به. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه والنسائى (معنى الحديث) (قوله رجل منا) أى من مراد قبيلة من اليمن (قوله أحسب) أى أظن أن الرجل الآخر من بني أسد وهي قبيلة من مضر وأسد أبو تلك القبيلة (قوله وجها) أى جهة من الجهات ونصب على الظرفية أى أرسلهما على عاملين أو لأمر آخر إلى جهة من الجهات (قوله علجان) أى قويان وهو تثنية علج وفيه لغات فتح العين وكسرها مع سكون اللام وبفتح العين وكسر اللام وهو الرجل القوى الضخم كما في النهاية (قوله فعالجا عن دينكما) أى دافعا عنه ويحتمل أن تكون عن للتعليل أى جاهدا لأجل دينكما على حدّ قوله تعالى "وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة" ويجوز أن تكون متعلقة بمحذوف حال أى جاهدا حال كونكما مدافعين عن دينكما (قوله ثم قام فدخل المخرج) بفتح الميم أى دخل علىّ موضع قضاء الحاجة وسمى بالمخرج لأنه موضع خروج البول والغائط (قوله فتمسح بها) أى غسل بتلك الحفنة يديه كما صرّح به في رواية الدارقطنى (قوله ثم جعل يقرأ القرآن) أى شرع في قراءته من غير أن يتوضأ (قوله فأنكروا ذلك الخ) أى قراءته القرآن من غير وضوء كامل لاعتقادهم أن قراءة القرآن لا تجوز من غير وضوء فأجابهم علىّ بقوله إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يخرج من الخلاء الخ (قوله فيقرئنا القرآن) من الإقراء أى يعلمنا القرآن عقب خروجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الخلاء من غير وضوء (قوله ويأكل معنا اللحم) أى قبل أن يتوضأ كما يدل عليه التعبير بالفاء في رواية ابن ماجه وفيها ثم يخرح فيأكل معنا الخبز واللحم (قال) الطيبى لعل انضمام أكل اللحم مع قراءة القرآن للإشعار بجواز الجمع بينها من غير وضوء أو مضمضة كما في الصلاة اهـ (قوله ولم يكن يحجبه الخ) أى يمنعه وحجب وحجز من باب نصر بمعنى منع (قوله ليس الجنابة) أى إلا الجنابة فليس أداة استثناء وهي فعل واسمها عائد على البعض المفهوم من الشئ والجنابة خبرها أى ليس بعض الشئ الجنابة، والمعنى كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يمنعه شيء من أنواع الحدث عن قراءة القرآن إلا الجنابة (والحديث) يدلّ على عدم جواز قراءة القرآن للجنب وإليه ذهب الجمهور، واستدلوا بحديث الباب، وبما رواه الترمذى وابن ماجه عن ابن عمر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن. وسيأتى للمصنف وفى إسناده إسماعيل بن عياش وروايته عن الحجازيين ضعيفة. وبما رواه

مذاهب العلماء في مس الجنب المصحف

الدارقطني وصححه عن أبى الغريف الهمدانى قال كنا مع علىّ في الرحبة فخرج إلى أقصى الرحبة فوالله ما أدرى أبولا أحدث أم غائطا ثم جاء فدعا بكوز من ماء فغسل كفيه ثم قبضهما إليه ثم قرأ صدرا من القرآن ثم قال اقرءوا القرآن ما لم يصب أحدكم جنابة فإن أصابته جنابة فلا ولا حرفا واحدا، وفى الباب روايات كثيرة تدل على ما ذهب إليه الجمهور وهي إن كان في بعضها مقال لكن يقوّى بعضها بعضا (واستثنت) المالكية اليسير لنحو تحصن كآية الكرسى والإخلاص والمعوّذتين (وقالت) الشافعية يجوز ما كان بقصد الذكر لا بقصد القرآن (وقال) أحمد يرخص للجنب أن يقرأ آية ونحوها (وأجاز) أبو حنيفة قراءة بعض آية (قال) الخطابى في الحديث من الفقه أن الجنب لا يقرأ القرآن وكذا الحائض لا تقرأ لأن حدثها أغلظ من حدث الجنابة (وقال) مالك في الجنب يقرأ الآية ونحوها. وقد حكى عنه أنه قال تقرأ الحائض ولا يقرأ الجنب لأن الحائض إن لم تقرأ نسيت القرآن لأن أيام الحيض تتطاول ومدة الجنابة لا تطول. وروى عن ابن المسيب وعكرمة أنهما كانا لا يريان بأسا بقراءة الجنب القرآن (وأكثر) العلماء على تحريمه اهـ (وذهب) ابن المنذر والطبرى وابن عباس وداود الظاهرى إلى جواز قراءة الجنب القرآن واستدلوا بحديث عائشة كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يذكر الله على كل أحيانه رواه مسلم والمصنف قالوا والقرآن ذكر وبأن الأصل عدم التحريم (وأجيب) بأن المراد بالذكر غير القرآن لأنه المتبادر عند الإطلاق. وقولهم إن الأصل عدم التحريم محله ما لم يرد ناقل عن الأصل وقد وردت الأحاديث الناقلة الدالة على التحريم وما تقدم في قراءة الجنب (أما مسه) المصحف فيحرم ولو من فوق حائل أو بعود وبه قال أكثر الأئمة وجمهور العلماء واستدلوا بقوله تعالى "لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين" "فإن قيل" المراد به اللوح المحفوظ لا يمسه إلا الملائكة ولهذا قال يمسه بضم السين على الخبر ولو كان المصحف لقال يمسه بفتح السين على النهى "أجيب" بأن قوله تعالى "تنزيل" ظاهر في إرادة المصحف فلا يحمل على غيره إلا لدليل صريح صحيح ولا دليل كذلك. والاحتجاج برفع السين مردود لأنه خبر بمعنى النهى. ونظائره كثيرة مشهورة في العربية ألا ترى قوله صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم "لا يبيع أحدكم على بيع أخيه" رواه البخارى بإثبات الياء وقوله تعالى"لا تضارّ والدة بولدها" على قراءة الرفع "فإن قيل" أيضا لو أريد المصحف لقال المتطهرون لا المطهرون "أجيب" بأنه يقال لغير المحدث متطهر ومطهر فلا فرق بينهما. واستدلوا أيضا بما رواه الدارقطني عن سليمان بن موسى قال سمعت سالما يحدّث عن أبيه قال قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يمس القرآن إلا طاهر. وبما رواه أيضا عن حسان بن بلال عن حكيم ابن حزام أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال له لا تمسّ القرآن إلا وأنت على طهر وبما رواه أيضا عن الزهرى عن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله

الرد على من أجاز للجب مس المصحف مذاهب الأئمة في المعلم والمتعلم يمسان المصحف وهما محدثان حدثا أصغر. فوائد في تعليق التعاويذ وكتابتها وغير ذلك

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا فيه لا يمسّ القرآن إلا طاهر (وذهب) داود إلى أنه يجوز للجنب مسّ المصحف وحمله مستدلا بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كتب إلى هرقل كتابا فيه قرآن وهرقل محدث ويمسه وأصحابه. وبأن الصبيان يحملون الألواح محدثين. بلا إنكار وبأنه إذا لم تحرم القراءة فالمسّ أولى وقاس حمله على حمله في المتاع (وأجاب) الجمهور بأن الكتاب الذى كتب إلى هرقل كان فيه القليل من القرآن نحو الآية فلا يسمى مصحفا. وبأن حمل الصبيان قد أبيح للضرورة وكذا القراءة. وبأن قياسه على المتاع قياس مع الفارق فإن حمله مع المتاع غير مقصود بخلاف حمله وحده (ويحرم) على المحدث حدثا أصغر أيضا مسّ المصحف إلا إذا كان متعلما أو معلما كما قالت المالكية (وقالت) الشافعية والحنفية والحنابلة لا يجوز للمحدث مسّ المصحف ولو معلما أو متعلما وقالوا يجوز للصغير مس الألواح للضرورة وكذا يحرم عليه مسّ جلده المتصل به والبياض الذى بهامشه وما بين السطور ويحرم حمله ولو بأمتعة غير مقصودة بالحمل أو بعلاقة أو كرسىّ فيحرم حمله به لا مسه خلافا للشافعية القائلين بحرمة مسّ الكرسى الذى عليه المصحف (وقالت) الحنفية والحنابلة وللمحدث مطلقا حمله بعلاقته وغلافه المنفصل وفي خرج فيه متاع وفي كمه من غير مسّ له وله تصفحه بكمه أو بعود وله أيضا مسه من فوق حائل كحمل رقيا وتعاويذ فيها قرآن (ومحل) امتناع مس المحدث للمصحف ما لم يخف عليه من نحو حرق أو غرق أو استيلاء كافر عليه أو كان ملقى في قاذورات وإلا فيجب عليه أخذه ولو جنبا للإجماع على حفظه واحترامه فلو أبقاه حتى حرق أو غرق أو استولى عليه الكافر كان آثما ولو أبقاه في القاذورات كان كافرا (ويحرم) أيضا على المحدث كتابة القرآن ولو آية منه بالخط العربيّ وغيره كما تحرم قراءته بغير اللسان العربي مطلقا خلافا للحنفية، وقيل إن حمله أو مسه فحال كتابته حرم وإلا فلا، وقيل يحرم على الجنب دون المحدث حدثا أصغر (وذهب) داود الظاهرى وجماعة إلى جواز مسّ المصحف وحمله للمحدث حدثا أصغر واستدلوا بما تقدم وقد علمت ردّه (فوائد) "الأولى" قال النووى: قال القاضى حسين وغيره يكره للمحدث حمل التعاويذ "يعنون الحروز" (قال) أبو عمرو ابن الصلاح في الفتاوى كتابة الحروز واستعمالها مكروه وترك تعليقها هو المختار (وقال) في فتوى أخرى يجوز تعليق الحروز التي فيها قرآن على النساء والصبيان والرجال ويجعل عليها شمع ونحوه ويستوثق من النساء وشبههن بالتحذير من دخول الخلاء بها. والمختار أنه لا يكره إذا جعل عليه شمع ونحوه لأنه لم يرد فيه نهى (ونقل) ابن جرير الطبرى عن مالك نحو هذا فقال قال مالك لا بأس بما يعلق على النساء الحيض والصبيان من القرآن إذا جعل في كنّ كقصبة حديد أو جلد يخرز عليه، وقد يستدل للإباحة بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يعلمهم من الفزع كلمات أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وشرّ عباده

ومن همزات الشياطين أن يحضرون قال وكان عبد الله بن عمرو يعلمهن من عقل من بنيه ومن لم يعقل كتبه فأعلقه عليه رواه أبو داود والترمذى وقال حديث حسن اهـ. "الثانية" لا يجوز كتابة القرآن بشئ نجس (قال) البغوى ويكره نقش الحيطان والثياب بالقرآن وبأسماء الله تعالى اهـ ولا يجوز توسد المصحف ولو خيف عليه الضياع كما اختاره النووى وكذا كتب العلم إلا إن خيف عليها الضياع ولا يمكن الصبى والمجنون الذى لا يميز من حمل المصحف لئلا ينتهكه. وكذا لا يمكن الصبي من محو اللوح باللعاب ويجب على الولى منعه "الثالثة" لا يجوز السفر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه في أيديهم لحديث ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما في الصحيحين أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدوّ. ويجوز أن يكتب إليهم الآية والآيتان أثناء كتاب لحديث أبى سفيان أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كتب إلى هرقل عظيم الروم كتابا فيه "يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم" الآية ولا يمنع الكافر سماع القرآن ويمنع مس المصحف (قال) النووى وهل يجوز تعليمه القرآن ينظر إن لم يرج إسلامه لم يجز وإن رجى جاز في أصح الوجهين وبه قطع القاضى حسين ورجحه البغوى وغيره والثاني لا يجوز كما لا يجوز بيعه المصحف وإن رجى إسلامه. قال البغوى وحيث رآه معاندا لا يجوز تعليمه. بحال اهـ وأما الدراهم والدنانير والخواتيم المنقوشة بقرآن ففى جواز مسها وحملها خلاف (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية إرسال رئيس القوم من يرى فيه القوّة من الرعية لبعض الجهات للقيام بأمر الدين، وعلى أن من رأى شيئا مخالفا ينبغى أن ينكر على من وقع منه ولو كان كبيرا. وعلى أن من أنكر عليه شئ وكان يعلم صحته يطلب منه أن يبين مستنده فيه. وعلى جواز قراءة القرآن للمحدث حدثا أصغر وهو مجمع عليه لكن الأفضل الطهارة. وعلى عدم جوازها للجنب وتقدم بيانه مستوفي (من أخرح الحديث أيضا) أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم والبزار والدارقطني والبيهقي والنسائى وابن ماجه وصححه الترمذى وابن السكن وعبد الحق والبغوى. قال المنذرى ذكر أبو بكر البزار أنه لا يروى عن عليّ إلا من حديث عمرو بن مرّة عن عبد الله بن سلمة وحكى البخارى عن عمرو بن مرّة كان عبد الله يعنى ابن سلمة يحدثنا فنعرف وننكر وكان قد كبر لا يتابع في حديثه وذكر الإمام الشافعى رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هذا الحديث وقال لم يكن أهل الحديث يثبتونه قال البيهقي وإنما توقف الشافعى في ثبوت هذا الحديث لأن مداره على عبد الله بن سلمة الكوفي وكان قد كبر وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة وإنما روى هذا الحديث بعد ما كبر قاله شعبة هذا آخر كلامه، وذكر الخطابي أن الإمام أحمد بن حنبل رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كان يوهن

باب في الجنب يصافح

حديث علىّ هذا ويضعف أمر عبد الله بن سلمة اهـ كلام المنذرى (أقول) قد علمت أن عبد الله ابن سلمة قد وثقه غير واحد ولذا صحح الحديث الترمذى وغيره كما تقدم (باب في الجنب يصافح) أى أيجوز أم لا، والمصافحة والتصافح الأخذ باليد وإلصاق باطن الكف بباطن الكف الآخر (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ لَقِيَهُ فَأَهْوَى إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنِّي جُنُبٌ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله يحيى) القطان. و (مسعر) بن كدام (قوله واصل) ابن حيان الأحدب الأسدى الكوفي. روى عن إبراهيم النخعى وشريح القاضى وأبى وائل ومجاهد وآخرين. وعنه مسعر والثورى وجرير بن حازم وشعبة وجماعة، وثقه النسائى وأبو داود وابن معين والعجلى ويعقوب بن سفيان والبزار وقال أبو حاتم صدوق صالح الحديث وذكره ابن حبان في الثقات. توفى سنة عشرين ومائة. روى له الجماعة (قوله عن أبي وائل) هو شقيق ابن سلمة. و (حذيفة) بن اليمان (معنى الحديث) (قوله فأهوى إليه) أى أمال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يده نحو حذيفة. ولا منافاة بين هذه الرواية ورواية ابن ماجه عن حذيفة قال خرج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلقينى وأنا جنب فحدت عنه فاغتسلت ثم جئت فقال مالك قلت كنت جنبا لاحتمال أن يكون حينما أهوى إليه جاد عنه ولما أتى قال له النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ذلك فقال إني كنت جنبا ففى رواية المصنف اختصار. ويؤيده ما رواه النسائى عن أبى بردة عن حذيفة قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا لقي الرجل من أصحابه ماسحه ودعا له قال فرأيته يوما بكرة فحدت عنه ثم أتيته حين ارتفع النهار فقال إني رأيتك فحدت عني فقلت إنى كنت جنبا فخشيت أن تمسنى (قوله فقال إني جنب) وصف بهذا لأنه مجانب للصلاة ومواضعها وهذا الوصف يستوى فيه الواحد والمتعدد مذكرا كان أو مؤنثا، ولعل حذيفة قال ذلك لظنه أنه صار نجسا بالجنابة (قوله إن المسلم لا ينجس) وفي بعض النسخ ليس بنجس وينجس بضم الجيم وفتحها وفي ماضيه لغتان نجس بكسر الجيم ونجس بضمها فمن كسرها في في الماضى فتحها في المضارع ومن ضمها في الماضى ضمها في المضارع أيضا والمراد أنه لا يصير متنجسا بالجنابة فلا ينجس ما لاقاه، وخص هذا بالجنابة أخذا من المقام فلا ينافي أنه

عدم نجاسة الآدمي حيا وميتا

يتنجس بإصابة النجاسات له، ويحتمل أن المعنى لا يصير بالجنابة نجس العين كالبول والغائط، ولا مفهوم للمسلم إذ لا فرق بينه وبين الكافر في الجنابة، وخصّ المسلم بالذكر إما لأن المقام مقام خطاب المسلم أو لأنه أشار به إلى أن الكفار يجب أن يتجنب منهم كما يتجنب من النجاسات الظاهرة أو لأن فيه إشارة إلى أنهم لا يتطهرون ولا يتباعدون عن النجاسات بخلاف المسلم (قال) النووى هذا الحديث أصل عظيم في طهارة المسلم حيا وميتا فأما الحى فطاهر بإجماع المسلمين حتى الجنين إذا ألقته أمه وعليه رطوبة فرجها، قال بعض أصحابنا هو طاهر بإجماع المسلمين قال ولا يجئ فيه الخلاف المعروف في نجاسة رطوبة فرج المرأة ولا الخلاف المذكور في كتب أصحابنا في نجاسة ظاهر بيض الدجاج ونحوه فإن فيه وجهين بناء على رطوبة الفرج هذا حكم المسلم الحىّ، وأما الميت ففيه خلاف للعلماء (وللشافعى) فيه قولان الصحيح منهما أنه طاهر لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن المسلم لا ينجس. وذكر البخارى في صحيحه عن ابن عباس تعليقا المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا. هذا حكم المسلم (وأما الكافر) فحكمه في الطهارة والنجاسة حكم المسلم. هذا مذهبنا ومذهب الجماهير من السلف والخلف (وأما قول) الله عزّ وجلّ "إنما المشركون نجس" فالمراد نجاسة الاعتقاد والاستقذار وليس المراد أن أعضاءهم نجسة كنجاسة البول والغائط ونحوهما. فإذا ثبتت طهارة الآدمى مسلما كان أو كافرا فعرقه ولعابه ودمعه طاهرات سواء أكان محدثا أم جنبا أم حائضا أم نفساء وهذا كله بإجماع المسلمين وكذلك الصبيان أبدانهم وثيابهم ولعابهم محمولة على الطهارة حتى تتيقن النجاسة فتجوز الصلاة في ثيابهم والأكل معهم من المائع إذا غمسوا أيديهم فيه. ودلائل هذا كله من السنة والإجماع مشهورة اهـ (وقال الحافظ) في الفتح تمسك بمفهوم الحديث بعض أهل الظاهر فقال إن الكافر نجس العين وقوّاه بقوله تعالى "إنما المشركون نجس" وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء لاعتياده مجانبة النجاسة. بخلاف المشرك لعدم تحفظه عن النجاسة، وعن الآية بأن المراد أنهم نجس في الاعتقاد والاستقذار، وحجتهم أن الله تعالى أباح نكاح نساء أهل الكتاب ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن ومع ذلك فلم يجب عليه من غسل الكتابية إلا مثل ما يجب عليه من غسل المسلمة فدلّ على أن الآدمى الحىّ ليس بنجس العين إذ لا فرق بين النساء والرجال اهـ (وقال العينى) في شرح البخارى "فإن قلت" على ما ذكر من أن المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا ينبغى أن لا يغسل الميت لأنه طاهر "قلت" اختلف العلماء من أصحابنا في وجوب غسله. فقيل إنما وجب لحدث يحله باسترخاء المفاصل لا لنجاسته فإن الآدمى لا ينجس بالموت كرامة إذ لو نجس لما طهر بالغسل كسائر الحيوانات وكان الواجب الاقتصار على أعضاء الوضوء كما في حال الحياة لكن ذلك إنما كان نفيا للحرج فيما يتكرّر كل يوم والحدث لسبب

الموت لا يتكرّر فكان كالجنابة لا يكتفى فيها بغسل الأعضاء الأربعة بل يبقى على الأصل وهو وجوب غسل البدن لعدم الحرج فكذا هذا (وقال العراقيون) يجب غسله لنجاسته بالموت لا بسبب الحدث لأن للآدمى دما سائلا فيتنجس بالموت قياسا على غيره ألا ترى أنه لو مات في البئر نجسها ولو حمله المصلى لم تجز صلاته ولو لم يكن نجسا لجازت كما لو حمل محدثا اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن العالم إذا رأى من تابعه خلاف الصواب أرشده وبين له الحكم، وعلى جواز تأخير الغسل من الجنابة عن أول وقت وجوبه ما لم يخف خروج وقت الصلاة، وعلى أن الجنابة ليست من النجاسات التي يتنجس بها ملاقيها (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى والبيهقى وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، وَبِشْرٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ بَكْرٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمَدِينَةِ وَأَنَا جُنُبٌ، فَاخْتَنَسْتُ فَذَهَبْتُ فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ جِئْتُ فَقَالَ: «أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ » قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ. فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، إِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ» وَقَالَ فِي حَدِيثِ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، حَدَّثَنا بَكْرٌ (ش) (رجال الحديث) (قوله بشر) بن المفضل. و (حميد) الطويل. و (بكر) بن عبد الله المزني (قوله عن أبي رافع) هو نفيع الصائغ (قوله فاختنست) بالخاء المعجمة فالمثناة الفوقية أى تأخرت يقال خنس خنسا من باب ضرب واختنس بالتاء والنون على المطاوعة أى تأخر وانقبض وانزوى. وفي رواية البخاري فانخنست ومعناهما واحد إلا أن الأولى من باب الافتعال والثانية من باب الانفعال وفي رواية له أيضا فانسللت أى ذهبت. وفي رواية الترمذى وابن السكن وابن عساكر فانبجست بالموحدة والجيم أى اندفعت على حدّ قوله تعالى "فانبجست منه اثنتا عشرة عينا" أى جرت واندفعت. وفي رواية المستملى فانتجست من النجاسة أى اعتقدت نفسي نجسا. وفي رواية له فانبخست بالموحدة والخاء المعجمة من البخس وهو النقص فكأنه ظهر له نقصانه عن مجالسته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما اعتقده في نفسه من النجاسة. وفي رواية فاحتبست من الاحتباس أى منعت نفسى من مجالسته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وسبب اختناس أبي هريرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا لقي أحدا من أصحابه ماسحه ودعا

باب في الجنب يدخل المسجد

له بالبركة كما تقدّم في رواية النسائى عن حذيفة فلما ظنّ أبو هريرة أن الجنب ينجس بالحدث خشى أن يماسحه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كعادته فبادر بالذهاب ليغتسل (قوله أين كنت) وفي رواية مسلم فذهب فاغتسل فتفقده النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلما جاء قال أين كنت يا أبا هريرة، ولعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم حاله بطريق الوحى فسأله ليبين له الحكم (قوله سبحان الله) مصدر معناه التنزيه وقد يستعمل في التعجب كما هنا وتقدم بيانه. وتعجب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من اعتقاد أبى هريرة التنجس بالجنابة حيث خفى عليه مثل هذا الظاهر (قوله وقال في حديث بشر الخ) أى قال مسدد في رواية بشر قال حدثنا حميد قال حدثنا بكر فرواية بشر عن حميد عن بكر بالتحديث ورواية يحيى عن حميد عن بكر بالعنعنة وفي نسخة حدثني بكر (فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدّم على جواز انصراف الجنب في قضاء حوائجه قبل الاغتسال ما لم يخف فوات وقت الصلاة، وعلى أنه ينبغى للرئيس أن يصنع مع أتباعه ما يؤلف به قلوبهم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى والبيهقى من طريق المصنف ومن طريق عياش بن الوليد عن عبد الأعلى وأخرجه مسلم في كتاب الطهارة وكذا ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه الترمذى فيه عن إسحاق بن منصور وأخرجه النسائى فيه أيضا عن حميد بن مسعدة (باب في الجنب يدخل المسجد) أيجوز أم لا (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثَنَا أَفْلَتُ بْنُ خَلِيفَةَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي جَسْرَةُ بِنْتُ دَجَاجَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَوُجُوهُ بُيُوتِ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: «وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنِ الْمَسْجِدِ». ثُمَّ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، وَلَمْ يَصْنَعِ الْقَوْمُ شَيْئًا رَجَاءَ أَنْ تَنْزِلَ فِيهِمْ رُخْصَةٌ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ بَعْدُ فَقَالَ: «وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنِ الْمَسْجِدِ، فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هُوَ فُلَيْتٌ الْعَامِرِيُّ

(ش) (رجال الحديث) (قوله أفلت) بهمزة مفتوحة وفاء ساكنة ومثناة فوقية بعد اللام (ابن خليفة) أبو حسان الكوفي ويقال فليت العامرى كما ذكره المصنف. روى عن جسرة بنت دجاجة ودهيمة بنت حسان. وعنه الثورى وعبد الواحد بن زياد. قال أحمد ما أرى به بأسا وذكره ابن حبان في الثقات وقال الدارقطني صالح وقال أبو حاتم شيخ وقال ابن حزم غير مشهور ولا معروف بالثقة. روى له أبو داود والنسائى (قوله جسرة) بفتح الجيم وسكون السين المهملة (بنت دجاجة) بكسر الدال العامرية الكوفية. روت عن على وأبى ذرّ وعائشة وعنها الأفلت بن خليفة ومحدوج الذهلى، وثقها العجلى وقال تابعية وذكرها ابن حبان في الثقات. روى لها أبو داود والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله ووجوه بيوت أصحابه الخ) تعنى أن أبواب بيوتهم مفتوحة إلى المسجد والوجوه جمع وجه وهو مستقبل كل شئ ووجه البيت جانبه الذى فيه الباب والمراد به هنا نفس الباب (قوله وجهوا هذه البيوت الخ) أى اصرفوا أبوابها عن المسجد واجعلوها إلى جانب آخر وكان أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بسدّ الأبواب في آخر حياته لما رواه البخارى عن أبى سعيد الخدرى قال خطب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الناس وقال إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله فبكى أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فقلت في نفسى ما يبكي هذا الشيخ إن يكن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله فكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو العبد وكان أبو بكر أعلمنا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا أبا بكر لا تبك إن أمنّ الناس علىّ في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذا خليلا من أمتى غير ربى لاتخذت أبا بكر ولكن أخوّة الإسلام ومودّته لا يبقين في المسجد باب إلا سدّ إلا باب أبى بكر. وروى الطبراني نحوه وقد وردت أحاديث في سدّ الأبواب المفتحة في المسجد يخالف ظاهرها ما تقدم من أن المستثنى باب أبى بكر (منها) ما أخرجه أحمد والنسائى بإسناد قوىّ عن سعد بن أبى وقاص قال أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بسدّ الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علىّ (ومنها) ما أخرجه أحمد والنسائى والحاكم عن زيد بن أرقم قال كان لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أبواب شارعة في المسجد قال فقال يوما سدّوا هذه الأبواب إلا باب علىّ فتكلم الناس في ذلك فقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فحمد الله وأثنى عليه وقال أما بعد فإني قد أمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب عليّ فقال فيه قائلكم وإني والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكن أمرت بشئ فاتبعته، ولا مخالفة بين هذه الروايات وبين الرواية الدالة على استثناء باب أبي بكر لأنه يمكن الجمع بينهما بتعدّد

منع الحائض والجنب من دخول المسجد

الواقعة ففى المرّة الأولى أمر بسدّ الأبواب كلها حتى باب أبى بكر واستثنى باب على لأنه لم يكن له باب غيره، ولما رواه البزار عن عليّ قال أخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بيدى فقال إن موسى سأل ربه أن يطهر مسجده بهارون وإني سألت ربى أن يطهر مسجدى بك وبذريتك ثم أرسل إلى أبى بكر أن سدّ بابك فاسترجع ثم قال سمع وطاعة فسدّ بابه ثم أرسل إلى عمر ثم أرسل إلى العباس بمثل ذلك ثم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب عليّ ولكن الله فتح باب عليّ وسدّ أبوابكم. وفي المرة الأخرى استثنى باب أبى بكر والمراد به الخوخة، وكأنهم لما أمروا بسدّ الأبواب أوّلا فتحوا خوخا يستقربون الدخول إلى المسجد منها فأمروا بسدّها إلا خوخة أبي بكر ويؤيد ذلك ما رواه مسلم من طريق مالك بن أنس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يبقينّ في المسجد خوخة إلا خوخة أبى بكر، وبهذا جمع الطحاوى في مشكل الآثار والكلاباذى في معاني الأخبار بين القصتين وصرّح الكلاباذى بأن بيت أبى بكر كان له باب من خارج المسجد وخوخة إلى داخله وبيت علىّ لم يكن له باب إلا من داخل المسجد، والخوخة طاقة في الجدار تفتح لأجل الضوء (قوله رجاء أن تنزل فيهم رخصة) وفي بعض النسخ أن ينزل فيهم. وفى بعضها أن ينزل لهم أى تأخروا عن سدّ الأبواب المفتوحة نحو المسجد رغبة في أن ينزل الله تعالى على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تسهيلا لهم بعدم سدّها فرجاء منصوب على أنه مفعول له وأن مصدرية مصدرها مجرور بالإضافة ورخصة نائب فاعل تنزل (قوله فخرج إليهم الخ) أى خرج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى القوم بعد زمن وأعاد لهم القول ثانيا فبعد مبنية على الضم لحذف المضاف إليه ونية معناه (قوله فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) تعليل للأمر بتوجيه بيوتهم إلى جانب آخر وأحلّ من الإحلال ضدّ التحريم وأسند الإحلال إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأنه المبلغ له لأن التحليل والتحريم من الله تعالى، وأل في المسجد للعهد، والمعهود مسجده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وحكم غيره من المساجد كحكمه ويحتمل أن تكون للجنس فيدخل في هذا الحكم جميع المساجد وهذا أولى، وقدّم الحائض للاهتمام في المنع والحرمة لأن حدثها أغلظ لأنها لا تخلو من النجاسات غالبا والنفساء مثل الحائض (والحديث) يدل بظاهره على أنه يحرم على الحائض والجنب دخول المسجد مطلقا لا فرق بين المرور والمكث لكنه مخصوص بما دلّ على جواز مرور الجنب مطلقا. فقد روى سعيد في سننه وابن أبي شيبة عن جابر قال كان أحدنا يمرّ في المسجد جنبا مجتازا. وروى ابن المنذر عن زيد بن أسلم قال كان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمشون في المسجد وهم جنب اهـ أى وكان ذلك في عهده صلى الله تعالى

عليه وعلى آله وسلم ولم ينكره فهذان الحديثان يدلان على جواز مرور الجنب مطلقا سواء أكان لحاجة أم لا بوضوء أم لا (وإلى ذلك) ذهب ابن مسعود وابن عباس وأحمد والشافعى وأصحابه (واستدلوا) بقوله تعالى "ولا جنبا إلا عابرى سبيل" قالوا والعبور إنما يكون في محل الصلاة وتقييد جواز ذلك بالسفر لا دليل عليه بل الظاهر أن المراد مطلق المارّ لأن المسافر ذكر بعد ذلك ولو كان المراد بعابرى السبيل المسافر لكان تكرارا ويصان القرآن عن مثله (وقد) أخرج ابن جرير عن يزيد بن أبى حبيب أن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم إلى المسجد فكانت تصيبهم جنابة فلا يجدون الماء ولا طريق إليه إلا من المسجد فأنزل الله تعالى "ولا جنبا إلا عابرى سبيل" وهذا من الدلالة على الإطلاق بمكان لا يبقى بعدها ريب (قال) في النيل حمل الآية على من كان بالمسجد وأجنب تعسف لم يدل عليه دليل اهـ (وذهب) أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يحرم على الجنب والحائض دخول المسجد ولو للمرور بلا مكث لإطلاق حديث الباب إلا إن كان هناك ضرورة فإن كانت كأن يكون باب البيت إلى المسجد ولم يمكن تحويله ولا السكنى في غيره فلا حرمة. ولو أجنب فيه تيمم وخرج من ساعته إن لم يقدر على استعمال الماء وكذا لو دخله جنبا ناسيا ثم تذكر وإن خرج مسرعا بلا تيمم جاز وإن لم يقدر على الخروج تيمم ومكث لكنه لا يصلى به ولا يقرأ. قالوا أما قوله تعالى "ولا جنبا إلا عابرى سبيل" فمعناه ولا عابرى سبيل على حدّ قوله تعالى "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ" أى ولا خطأ لكن هذا بعيد عن ظاهر اللفظ (وذهب) إسحاق بن راهويه وسفيان الثورى إلى أنه لا يجوز للجنب العبور مطلقا إلا لضرورة فيتوضأ ثم يمرّ (وكذا) قال أكثر المالكية إلا أنهم قالوا عند الضرورة يتيمم (واستدلوا) بحديث الباب قالوا لأنه عامّ. وبما رواه الترمذى عن سالم بن أبى حفصة عن عطية بن سعد العوفي عن أبى سعيد الخدرى قال قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لعلى بن أبى طالب يا علي لا يحلّ لأحد يجنب في هذا المسجد غيرى وغيرك (وأجيب) بأن هذين الحديثين فيهما مقال ولا سيما الثانى فإن مداره على سالم وعطية وهما شيعيان متهمان، وعلى تقدير صحتهما فهما عامان مخصوصان بما ذكر من الأدلة الدالة على جواز العبور (وأما مكث) الجنب والحائض في المسجد فهو باق على المنع وعليه جمهور العلماء إلا أن الحنابلة وإسحاق قالوا بجوازه للجنب إذا كان متوضئا مستدلين بما روى عن زيد بن أسلم قال كان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتحدثون في المسجد على غير وضوء وكان الرجل يكون جنبا فيتوضأ ثم يدخل فيتحدث وبما روى عن الصحابة أنهم كانوا يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤوا وضوء الصلاة، وفي إسناده هشام بن سعد قال أبو حاتم لا يحتج به وضعفه ابن معين وأحمد والنسائى وأبو داود هو أثبت الناس في زيد بن أسلم، وعلى تسليم صحته لا يكون ما وقع من الصحابة حجة ولا سيما

فوائد متعلقة بمن احتلم في المسجد والنوم فيه وغير ذلك

إذا خالف المرفوع إلا أن يكون إجماعا (وقال) المزني وداود وابن المنذر يجوز للجنب الحائض المكث في المسجد مطلقا بوضوء وبغير وضوء واستدلوا بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "المسلم لا ينجس" رواه البخارى ومسلم وغيرهما عن أبى هريرة، وبقياس الجنب على المشرك قالوا إن المشرك يجوز له المكث في المسجد فالمسلم الجنب أولى (وأجيب) عن الحديث بأنه لا يلزم من عدم نجاسته جواز لبثه في المسجد. وعن القياس من وجهين (أحدهما) أن الشرع فرّق بينهما فقد قام الدليل على تحريم مكث الجنب وثبت أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حبس بعض المشركين في المسجد. وإذا فرّق الشرع بينهما لم يجز التسوية (والثاني) أن الكافر لا يعتقد حرمة المسجد فلا يكلف بها بخلاف المسلم وهذا كما أن الحربى لو أتلف على المسلم شيئا لم يلزمه ضمانه بخلاف المسلم والذمى (وأما الحائض) والنفساء فعند الحنفية يمنع دخولهما المسجد كالجنب وكذا عند المالكية إلا لضرورة من خوف على نفس أو مال (وقالت) الشافعية والحنابلة يجوز عبورهما إن أمنتا من تلويثه ويمنع مكثهما مطلقا عند الشافعية ويجوز عند الحنابلة إن انقطع الدم وتوضأتا (فوائد) "الأولى" لو احتلم أحد في المسجد وجب عليه الخروج فورا إلا أن يعجز عن الخروج لإغلاق المسجد أو خوف على نفس أو مال فيجوز له البقاء للضرورة، ولو احتلم في مسجد له بابان أحدهما أقرب من الآخر خرج من الأقرب إلا لحاجة فيخرج من الأبعد "الثانية" يجوز للمحدث حدثا أصغر المكث في المسجد اتفاقا سواء لغرض شرعي كانتظار صلاة أو تعلم علم أو لغير غرض. وقيل يكره إن كان لغير غرض. والحق خلافه لأنه لم ينقل عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا عن أحد من أصحابه كراهة ذلك "الثالثة" اختلف العلماء في النوم في المسجد (فذهب) إلى جوازه مطلقا بغير كراهة سعيد بن المسيب والحسن البصرى وعطاء ومحمد ابن سيرين والشافعية وقالوا محله ما لم يضيق على مصلّ أو يشوّش عليه وإلا حرم ويدلّ لهم قول ابن عمر كنا نبيت فيه ونقيل على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رواه ابن ماجه وما رواه البخارى عن ابن عمر أيضا أنه كان ينام وهو شابّ أعزب لا أهل له في مسجد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وما رواه أيضا عن أبى حازم عن سهل بن سعد قال جاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بيت فاطمة فلم يجد عليا في البيت فقال أين ابن عمك قالت كان بيني وبينه شئ فغاضبنى فخرج فلم يقل عندى فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لإنسان انظر أين هو فجاء فقال يا رسول الله هو راقد في المسجد فجاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب فجعل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمسحه عنه ويقول قم أبا تراب (قال النووى) ثبت أن أصحاب الصفة والعرنيين وصفوان ابن أمية وجماعات آخرين من الصحابة كانوا ينامون في المسجد وأن ثمامة بن إثال كان يبيت في

المسجد قبل إسلامه وكل ذلك كان في زمن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قال الشافعى) في الأم وإذا بات المشرك في المسجد فكذا المسلم اهـ (وقال العينى) قد سئل ابن المسيب وسليمان ابن يسار عن النوم فيه فقالا كيف تسألون عنه وقد كان أهل الصفة ينامون فيه وهم قوم كان مسكنهم المسجد، وذكر الطبرى عن الحسن قال رأيت عثمان بن عفان نائما فيه ليس حوله أحد وهو أمير المؤمنين اهـ (وقال مالك) لا أحب لمن له منزل أن يبيت في المسجد أو يقيل فيه اهـ وكذا قال أحمد وإسحاق، وما ثبت عن مالك من أن أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله سلم كانوا ينامون في المسجد فمراده من لا بيوت لهم، وقال ابن عباس لا تتخذوه مرقدا، وروى عنه إن كنت تنام للصلاة فلا بأس، وكره النوم فيه ابن مسعود وطاوس ومجاهد والأوزاعي "الرابعة" قال ابن المنذر أباح كل من يحفظ العلم الوضوء في المسجد إلا أن يبله ويتأذى به الناس فإنه يكره اهـ (وقال) النووى نقل أبو الحسن بن بطال المالكي الترخيص في الوضوء في المسجد عن ابن عمر وابن عباس وطاوس وعطاء والنخعى وابن القاسم المالكي وأكثر أهل العلم (وعن) ابن سيرين ومالك وسحنون كراهيته تنزيها للمسجد "الخامسة" يحرم على كل من أكل شيئا مما له رائحة كريهة من ثوم أو بصل أو كرّاث أو غيرها وبقيت رائحته ولم يزلها أن يدخل المسجد للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك (منها) ما رواه البخارى ومسلم عن ابن عمر أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من أكل من هذه الشجرة "يعنى الثوم" فلا يقربنّ مسجدنا (ومنها) ما رواه الشيخان من حديث جابر مرفوعا من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا وليعتزل مسجدنا وليعقد في بيته (ومنها) ما رواه مسلم أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من أكل البصل أو الثوم أو الكرّاث فلا يقربنّ مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم (قال) بعضهم ومثل الثوم والبصل خروج الريح في المسجد إذا كان عن غير حاجة وتكلف إخراجه وإلا فلا يحرم، ومثل الثوم أيضا رائحة الدخان والتمباك ونحوهما "السادسة" تكره الخصومة ورفع الصوت في المسجد لما رواه البخارى عن السائب بن يزيد قال كنت في المسجد فحصبنى رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال اذهب فأتني بهذين فجئته بهما فقال من أين أنتما فقالا من أهل الطائف فقال لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، ولما رواه ابن ماجه عن واثلة بن الأسقع مرفوعا جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسلّ سيوفكم واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمروها في الجمع، ويكره جعله مقعدا للحرف كالخياطة والحياكة أما نسخ العلم فيه فلا بأس به إن أمن التلويث بنحو مداد. وحائط المسجد من داخله وخارجه كالمسجد في وجوب صيانته وتعظيم حرماته وكذا سطحه ورحبته "السابعة" قال النووى المصلى المتخذ للعيد وغيره الذى ليس بمسجد لا يحرم المكث فيه على الجنب والحائض على المذهب

باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس

وبه قطع الجمهور وذكر الدارمى فيه وجهين وأجراهما في منع الكافر من دخوله بغير إذن وقد يحتج له بحديث أم عطية في الصحيحين أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر الحيض أن يحضرن يوم العيد ويعتزلن المصلى (ويجاب) عنه بأنهن أمرن باعتزاله ليتسع على غيرهنّ ليتميزن اهـ وسيأتي تمام ما يتعلق بالمساجد في أبوابها إن شاء الله تعالى (فقه الحديث) والحديث يدلّ على طلب تغيير ما لم يكن موافقا للشرع، وعلى طلب تكرار الأمر لإزالة المخالفة إذا لم يحصل المقصود بالأمر الأول، وعلى حرمة دخول الجنب والحائض المسجد وقد تقدم تفصيله (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه عن جسرة عن أم سلمة بلفظ دخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صرحة هذا المسجد فنادى بأعلى صوته إن المسجد لا يحل لجنب ولا حائض وأخرجه الطبرانى قال المنذرى وأخرجه البخارى في التاريخ الكبير قال البيهقي ليس هذا الحديث بالقوى اهـ وقال الخطابي ضعف جماعة هذا الحديث وقالوا أفلت راويه مجهول لا يصح الاحتجاج بحديثه اهـ وقال البخارى عند جسرة عجائب وخالفها غيرها في سدّ الأبواب اهـ لكن قد علمت توثيقها فيما تقدم. وصحح هذا الحديث ابن خزيمة وحسنه ابن القطان والمصنف قد رواه وسكت عليه فهو عنده صالح قال ابن سيد الناس إن التحسين لأقلّ مراتبه لثقة رواته ووجود الشواهد له من خارج فلا حجة لابن حزم في ردّه اهـ (باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس) وفي بعض النسخ يصلى بالقوم وهو ساه. والنسيان ضدّ الذكر والحفظ. والسهو الغفلة عن الشئ والتفات القلب إلى غيره (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ زِيَادٍ الْأَعْلَمِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنْ مَكَانَكُمْ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَصَلَّى بِهِمْ» (ش) (رجال الحديث) (قوله حماد) بن سلمة كما سيصرّح به المصنف بعد (قوله زياد الأعلم) ابن حسان بن قرة البصرى الباهلى. روى عن أنس بن مالك والحسن البصرى ومحمد بن سيرين وعنه عبد الله بن عون وشعبة والحمادان وسعيد بن أبى عروبة وآخرون. وثقه أحمد وابن معين وأبو داود والنسائى وقال أبو زرعة شيخ وذكره ابن حبان في الثقات وقال الدارقطنى قليل الحديث

روى له البخارى وأبو داود والنسائى (قوله عن أبى بكرة) هو نفيع بالتصغير ابن الحارث بن كلدة الثقفي. كنى أبا بكرة لأنه تدلى إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ببكرة من الطائف فكناه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بها وأعتقه. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اثنان وثلاثون ومائة حديث اتفق البخارى ومسلم على ثمانية وانفرد البخارى بخمسة ومسلم بخمسة. روى عنه أولاده عبد الرحمن ومسلم وعبيد الله وعبد العزيز وكذا الحسن البصرى وكثيرون، كان ممن اعتزل يوم الجمل وصفين ولم يقاتل مع أحد الفريقين مات بالبصرة سنة إحدى وخمسين، روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله دخل في صلاة الفجر) ظاهره أنه أحرم بها ويؤيده ما رواه الدارقطنى عن أنس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخل في الصلاة فكبر وكبرنا معه. وما رواه ابن ماجة في باب ما جاء في البناء على الصلاة من حديث أبى هريرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قام إلى الصلاة وكبر ثم أشار إليهم فمكثوا ثم انطلق فاغتسل وكان رأسه يقطر ماء فصلى بهم فلما انصرف قال إني خرجت إليكم جنبا وإني نسيت حتى قمت في الصلاة. لكن في حديث أبى هريرة الآتي فلما قام في مصلاه وانتظرنا أن يكبر انصرف. وفي حديثه الثاني أقيمت الصلاة وصفّ الناس صفوفهم فخرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى إذا قام في مقامه ذكر أنه لم يغتسل فقال للناس مكانكم ثم رجع إلى بيته، ونحوه للبخارى والنسائى ومسلم، وفي رواية له في باب متى يقوم الناس للصلاة من حديث أبى هريرة قال أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى إذا قام في مصلاه قبل أن يكبر ذكر فانصرف فهذه الروايات صريحة في أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم انصرف قبل أن بكبر فتكون منافية للروايات الأولى. ويمكن الجمع بينهما إما بتعدد الواقعة كما استظهره النووى وجزم به ابن حبان في صحيحه وقال حديث أبى هريرة وحديث أبى بكرة فعلان في موضعين متباينين خرج صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرّة فكبر ثم ذكر أنه جنب فانصرف فاغتسل ثم جاء فاستأنف بهم الصلاة وجاء مرة أخرى فلما وقف ليكبر ذكر أنه جنب قبل أن يكبر فذهب فاغتسل ثم رجع فأقام بهم الصلاة من غير أن يكون بين الخبرين تضادّ. وقول أبى بكرة فصلى بهم أراد بذلك بدأ بتكبير محدث لا أنه رجع فبنى على صلاته إذ محال أن يذهب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليغتسل ويبقى الناس كلهم قياما على حالتهم من غير إمام إلى أن يرجع اهـ أو بأن الواقعة متحدة وأن المراد بقوله في رواية المصنف دخل في الصلاة أى في موضع الصلاة لما سيذكره المصنف وهى رواية البخارى من قوله فلما قدم في مصلاه ذكر أنه جنب الخ وبقوله في الروايات الأخر فكبر أرأد أن يكبر

الكلام في صحة صلاة المأموم الذي تبين فساد صلاته إمامه

وعلى فرض عدم إمكان الجمع فروايات الصحيحين مقدّمة (قوله فأومأ بيده أن مكانكم) وفي رواية البخارى فقال لنا مكانكم. وفي رواية ابن ماجه ثم أشار إليهم فمكثوا. وأن مفسرة ومكانكم منصوب بفعل محذوف أى الزموا مكانكم (قوله ثم جاء ورأسه يقطر الخ) عطف على محذوف أى فذهب واغتسل ثم جاء ورأسه يقطر من ماء الغسل وابتدأ صلاته بإحرام جديد كما قاله ابن حبان ونسبة القطر إلى الرأس مجاز من قبيل ذكر المحلّ وإرادة الحالّ (وقد تمسك) بظاهر هذا الحديث من قال بصحة صلاة المأموم الذى تبين فساد صلاة إمامه لنسيان الحدث (منهم) مالك وأصحابه والشافعى والأوزاعي والثورى وأحمد وحكى عن الأثرم وأبي ثور وإسحاق والحسن البصرى وإبراهيم النخعى وسعيد بن جبير قالوا لأن القوم أحرموا عقب إحرامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الأول واستمرّوا حتى رجع إليهم. وقد جرى على ذلك الخطابى فقال في شرح الحديث فيه دلالة على أنه إذا صلى بالقوم وهو جنب وهم لا يعلمون بجنابته أن صلاتهم ماضية ولا إعادة عليهم وعلى الإمام الإعادة وذلك أن الظاهر من حكم لفظ الخبر أنهم قد دخلوا في الصلاة معه ثم استوقفهم إلى أن اغتسل وجاء فأتمّ الصلاة بهم وإذا جاز جزء من الصلاة حتى يصح البناء عليه جاز سائر أجزائها. والاقتداء بالإمام طريقه الاجتهاد وإنما كلف الإمام الظاهر من أمره وليس عليه الإحاطة لأنه يتعذر عليه دركها فإذا أخطأ فيما حكمه الطاهر لم ينقض عليه فعله كالحاكم لا ينقض عليه حكمه فيما طريقه الاجتهاد إن أخطأ فيه ولا سبيل للمأموم إلى معرفة طهارة الإمام فلا عتب عليه إن عزب عليه علمها وهو قول عمر بن الخطاب ولا يعلم له مخالف من أصحابه في ذلك وإليه ذهب الشافعى، وفي الحديث دليل على أن افتتاح المأموم صلاته قبل الإمام لا يبطل صلاته. وفيه حجة لمن ذهب إلى البناء على الصلاة في الحدث اهـ (وقد) ردّ العيني كلام الخطابى مما ملخصه. أما قوله وذلك أن الظاهر من لفظ الخبر أنهم قد دخلوا في الصلاة الخ فمردود بأن الظاهر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى بهم بتحريمة مبتدأة فقد قال ابن حبان في صحيحه أراد أنه صلى بهم بتكبير محدث لا أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى بالشروع الذى قبله كما زعمه البعض اهـ على أنه تقدم التصريح في رواية مسلم أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم انصرف قبل أن يكبر. وقوله إذا صح جزء من الصلاة الخ مردود أيضا بأنا لا نسلم أن هذا الجزء وقع صحيحا لأنه بمجرّد ذهابه عليه وعلى آله الصلاة والسلام بطل حكم ذلك الشروع على تقدير صحة وجود المشروع لأنه ذهب بلا استخلاف وخلا مكانه وذا مما يفسد الشروع فإذا فسد ذلك الجزء يصير البناء عليه فاسدا لأن البناء على الفاسد فاسد والصلاة لا تتجزّأ صحة وفسادا بل الحق أنه عليه الصلاة والسلام صلى بهم بتحريمة مبتدأة كما ذكرنا فإذاً لم يبق لدعواه حجة. وقوله وهو قول عمر ولا يعلم له مخالف من الصحابة غير

صحيح لأن الدارقطنى أخرج في سننه عن عمرو بن خالد عن حبيب بن أبى ثابت عن عاصم بن حمزة عن علىّ أنه صلى بالقوم وهو جنب فأعاد ثم أمرهم فأعادوا. وروى عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا إبراهيم بن يزيد المكي عن عمرو بن دينار عن ابن جعفر أن عليا صلى بالناس وهو جنب أو على غير وضوء فأعاد وأمرهم أن يعيدوا. وروى عبد الرزاق أيضا أخبرنا حسين بن مهران عن مطرح عن أبي المهلب عن عبيد الله بن زخر عن على بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال صلى عمر بالناس وهو جنب فأعاد ولم يعد الناس فقال له علىّ قد كان ينبغى لمن صلى معك أن يعيدوا قال فرجعوا إلى قول على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال القاسم وقال ابن مسعود مثل قول على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما. وقوله وفي الحديث دليل على أن افتتاح المأموم صلاته قبل الإمام لا يبطل صلاته مردود بأنه لا دليل فيه على ذلك لأنه لا يخلوا إما أن يكون ذهابه عليه الصلاة والسلام للاغتسال قبل التحريمة كما هو الصحيح أو بعدها على زعمهم فإن كان قبلها فليس فيه افتتاح لا من الإمام ولا من القوم وإن كان بعدها فهم افتتحوا بافتتاحه عليه الصلاة والسلام الجديد (وقال) الشافعى من أحرم قبل الإمام فصلاته باطلة اهـ وكذا قال غير الشافعى من الأئمة (وتمسك) أيضا من أخذ بظاهر الحديث بما رواه البخارى وأحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم. وبما رواه الدارقطني عن الضحاك ابن مزاحم عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أيما إمام سها فصلى بالقوم وهو جنب فقد مضت صلاتهم ثم ليغتسل هو ثم ليعد صلاته وإن صلى بغير وضوء فمثل ذلك. وبما رواه عن ابن المنكدر عن الشريد الثقفي أن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ صلى بالناس وهو جنب فأعاد ولم يأمرهم أن يعيدوا. وبما رواه عن خالد بن سلمة عن محمد بن عمرو بن الحارث بن أبي ضرار أن عثمان صلى بالناس وهو جنب فلما أصبح نظر في ثوبه احتلاما فقال كبرت والله ألا أراني أجنب ثم لا أعلم ثم أعاد ولم يأمرهم أن يعيدوا (وقال) أبو حنيفة والشعبي وحماد بن أبي سليمان بفساد صلاة المأموم الذى تبين حدث إمامه بعد تلبسه بالصلاة، واستدلوا بما رواه أحمد عن أبى هريرة مرفوعا "الإمام ضامن" وأخرجه أيضا الطبراني عن أبي أمامة قالوا إن الإمام إنما جعل ليؤتمّ به وهو ضامن لصلاة المأموم وصلاة المأموم مشمولة لصلاة الإمام وصلاة الإمام متضمنة لصلاة المأموم فصحة صلاة المأموم بصحة صلاة الإمام وفسادها بفسادها وصلاة الإمام في هذه الحالة فاسدة لعدم إحرامه فكذا صلاة المأموم لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة المأموم، ويدلّ لهم أيضا ما رواه الدارقطني عن أبي جابر البياضى عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى بالناس وهو جنب فأعاد وأعادوا قال الدارقطنى هو مرسل وأبو جابر البياضى متروك الحديث اهـ وما رواه أيضا عن عمرو

جواز النسيان على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في العبادات للتشريع

ابن خالد عن حبيب بن أبى ثابت عن عاصم بن حمزة عن على أنه صلى بالقوم وهو جنب فأعاد ثم أمرهم فأعادوا قال الدارقطنى عمرو بن خالد متروك الحديث رماه أحمد بالكذب اهـ (والظاهر) ما ذهب إليه الأولون وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الإمام ضامن أى لما يقع من المأمومين من الأعمال التى لا تبطل صلاتهم ما دام إماما لهم وهذا لا يستلزم أنه إذا بان حدثه فسدت صلاة من خلفه. أما قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة المأموم فهو على فرض ثبوته محمول على غير نسيان الحدث (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز النسيان على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في العبادات للتشريع، وعلى جواز انتظار الجماعة إمامهم لكن محله ما دام الوقت متسعا، وعلى جواز تأخير الجنب الغسل عن وقت الحدث، وعلى أن من دخل المسجد ناسيا الجنابة ثم تذكر يخرج مسرعا بلا تيمم، وعلى أنه إذا ظهر أن الإمام محدث وذهب ليتطهر وأتى لا تعاد الإقامة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن حبان والبيهقي وصححاه (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ قَالَ: فِي أَوَّلِهِ: «فَكَبَّرَ». وَقَالَ فِي آخِرِهِ: " فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنِّي كُنْتُ جُنُبًا». (ش) (قوله بإسناده ومعناه) أى بسند الحديث السابق وهو عن زياد عن الحسن عن أبى بكرة وبمعناه دون لفظه. ولفظه عند ابن حبان عن أبى بكرة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخل في صلاة الفجر فكبر ثم أومأ إليهم "الحديث" (قوله قال في أوله فكبر) أى قال أبو بكرة في أول الحديث الذى رواه عنه بالسند السابق يزيد بن هارون إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخل في صلاة الفجر فكبر، وهو يدل على أنه أحرم بالصلاة ثم انصرف (قوله إنما أنا بشر) إخبار منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه مثل القوم في النسيان وأنه يعرض له مثل ما يعرض لهم من الأمور التى لا تنافي العصمة (قوله وإنى كنت جنبا) أى فنسيت أن أغتسل كما في رواية الدارقطنى والبيهقى. وهذا بيان لسبب ذهابه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وطلب انتظارهم له. وهذه الرواية أخرجها ابن حبان (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ، وَانْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ انْصَرَفَ، ثُمَّ قَالَ: «كَمَا أَنْتُمْ».

(ش) أى روى الحديث السابق محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى عن أبي سلمة عبد الله ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال فلما قام النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في موضع صلاته وقد انتظرنا تكبيره ذهب ليغتسل الخ وهذا صريح في أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذهب قبل أن يكبر وتقدم بيانه. وهذا التعليق لم يذكر في بعض النسخ وعدم ذكره هو المناسب لأن الكلام في حديث أبى بكرة وهذا من حديث أبي هريرة وقد وصله البخارى في باب هل يخرج من المسجد لعلة قال حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن أبى سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج وقد أقيمت الصلاة وعدّلت الصفوف حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر انصرف قال على مكانكم فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا ينطف رأسه ماء وقد اغتسل (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ أَيُّوبُ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَهِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ مُرْسَلًا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فَكَبَّرَ ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْقَوْمِ أَنِ اجْلِسُوا، فَذَهَبَ وَاغْتَسَلَ». (ش) أى روى حديث أبى بكرة أيضا أَيوب السختياني وابن عون وهشام بن حسان كلهم عن محمد بن سيرين مرسلا أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحرم بالصلاة ثم إشار إليهم بالجلوس. وغرض المصنف بذكر هذا التعليق بيان أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم انصرف بعد أن أحرم وأنه أشار إليهم بالجلوس فهو مخالف لما تقدم من الروايات وقد علمت الجمع بينهما، و (ابن عون) هو عبد الله بن عون البصرى أبو عون المزني. رأى أنس بن مالك ولم يسمع منه. وروى عن ثمامة بن عبد الله ومحمد بن سيرين والشعبي وإبراهيم النخعى والحسن البصرى وكثيرين. وعنه الأعمش وشعبة والثورى ووكيع وابن المبارك ويحيى القطان وآخرون. قال أبو حاتم ثقة وهو أكبر من التيمى وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث ورعا وقال ابن حبان في الثقات كان من سادات أهل زمانه عبادة وفضلا وورعا ونسكا وصلابة في السنة وشدّة على أهل البدع. وقال يعقوب بن شيبة ثقة صحيح الكتاب. ولد سنة ست وستين وتوفي سنة إحدى وخمسين ومائة. روى له الجماعة (قوله ثم أومأ بيده إلى القوم أن اجلسوا) فيه دليل على أنهم لم يكونوا في الصلاة (قال) العينى وبهذا سقط قول من قال إن قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مكانكم دليل على أنهم كانوا في الصلاة بل معناه لا تتفرقوا حتى أرجع إليكم "فإن قيل" قد جاء في رواية أيضا ولم نزل قياما ننتظره "قلنا" فعل القوم لا يعارض قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ويحتمل أن الذين فهموا منه أن اجلسوا جلسوا ومن لم يفهم بقى قائما اهـ لكن قد علمت أن المعوّل عليه تعدّد الواقعة فلا تنافي بين الروايات

(ص) وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «كَبَّرَ فِي صَلَاةٍ». (ش) أى كما روى ابن سيرين حديث أبى بكرة مرسلا رواه بالإرسال مالك بن أنس عن إسماعيل بن أبى حكيم عن عطاء بن يسار. وأورد المصنف هذا التعليق وما بعده لتقوية الروايات الدالة على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم انصرف بعد أن دخل في الصلاة وأخرجه مالك في الموطأ بلفظ إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار إليهم بيده أن امكثوا فذهب ثم رجع وعلى جلده أثر الماء. و (إسماعيل بن أبى حكيم) القرشي مولاهم الأموى المدنى. روى عن القاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب وآخرين وعنه مالك بن أنس ويحيى بن سعيد الأنصارى وهو من أقرانه ومحمد بن إسحاق. قال ابن معين ثقة وقال أبو حاتم يكتب حديثه ووثقه النسائى وابن سعد وقال كان قليل الحديث وذكره ابن حبان في الثقات. توفى سنة ثمانين ومائة. روى له مسلم والنسائى وابن ماجه (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ حَدَّثَنَاه مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «أَنَّهُ كَبَّرَ». (ش) أى أن مسلم بن إبراهيم حدّث أبا داود بهذا الحديث مرسلا أيضا كما حدّثه أيوب و (أبان) بن يزيد العطار، و (يحيى) بن أبى كثير (قوله الربيع بن محمد) روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرسلا. وعنه يحيى بن أبى كثير. روى له أبو داود (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا الزُّبَيْدِيُّ، ح وثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْأَزْرَقِ، أَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، ح وثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ إِمَامُ مَسْجِدِ صَنْعَاءَ، ثَنَا رَبَاحٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، ح وثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ، ثَنَا الْوَلِيدُ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ كُلُّهُمْ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، وَصَفَّ النَّاسُ صُفُوفَهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مَقَامِهِ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَغْتَسِلْ فَقَالَ لِلنَّاسِ: «مَكَانَكُمْ»، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا يَنْطُفُ رَأْسُهُ، وَقَدِ اغْتَسَلَ

وَنَحْنُ صُفُوفٌ وَهَذَا لَفْظُ ابْنُ حَرْبٍ، وَقَالَ عَيَّاشٌ فِي حَدِيثِهِ «فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا نَنْتَظِرُهُ حَتَّى خَرَجَ عَلَيْنَا وَقَدِ اغْتَسَلَ». (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن حرب) المعروف بالأبرش الخولانى الحمصى أبو عبد الله. روى عن الأوزاعي والزبيدى وابن جريج ومحمد بن زياد. وعنه حيوة بن شريح وإسحاق بن راهويه وإبراهيم بن موسى وآخرون، وثقه العجلي وابن معين والنسائى وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال أحمد ليس به بأس. مات سنة أربع وتسعين ومائة (قوله الزبيدى) بضم الزاى وفتح الموحدة هو محمد بن الوليد بن عامر أبو الهذيل الحمصى القاضى أحد الأعلام. روى عن مكحول ونافع وهشام بن يزيد وسعيد المقبرى وكثيرين. وعنه الأوزاعي وشعيب بن أبى حمزة وبقية بن الوليد وإسماعيل بن عياش وآخرون، قال ابن سعد كان أعلم أهل الشام بالفتوى والحديث وكان ثقة وقال أحمد كان لا يأخذ إلا عن الثقات وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان من الحفاظ المتقنين ووثقه ابن معين والعجلى والنسائى وقال أبو داود ليس في حديثه خطأ. مات سنة ست أو سبع وأربعين ومائة. روى له الجماعة إلا الترمذى (قوله عياش بن الأزرق) ويقال عياش بن الوليد بن الأزرق البصرى أبو النجم. روى عن عبد الله بن وهب. وعنه أبو داود وجعفر بن محمد وأحمد بن صالح، قال العجلى ثقة وقد كتبت عنه، و (يونس) بن يزيد الأيلى (قوله مخلد) بوزن مكتب (ابن خالد) بن يزيد الشعيرى أبو محمد العسقلانى نزيل طرسوس. روى عن أبى معاوية وابن عيينة وابن نمير وأبي سلمة وإبراهيم بن خالد. وعنه أبو عوف ومحمد بن خالد الخلال ومحمد بن إسحاق وآخرون. قال أبو حاتم لا أعرفه ووثقه أبو داود وقال الذهبى صدوق فاضل. روى له مسلم وأبو داود (قوله إبراهيم ابن خالد) بن عبيد الصنعانى أبو محمد القرشى. روى عن عمرو بن عبد الرحمن ومعمر ورباح ابن زيد وغيرهم. وعنه أحمد بن حنبل وابن المدينى وسلمة بن شبيب وأبو داود والنسائى. وثقه أحمد وابن معين والبزّار والدارقطنى. مات على رأس المائتين، و (صنعاء) بفتح الصاد المهملة وسكون النون وبالعين المهملة هي عاصمة اليمن (قوله رباح) بن زيد القرشى مولاهم الصنعاني روى عن معمر وعمر بن حبيب وعبد الله بن بحير. وعنه ابن المبارك وإبراهيم بن خالد وأبو ثور وآخرون، قال أبو حاتم جليل ثقة وأثنى عليه أحمد وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان شيخا صالحا فاضلا ووثقه النسائى والعجلى والبزّار ومسلم. توفي سنة سبع وثمانين ومائة عن إحدى وثمانين. روى له أبو داود والنسائى، و (معمر) بن راشد، و (الوليد) بن مسلم و (الأوزاعي) هو عبد الرحمن بن عمرو (قوله كلهم عن الزهرى) أى روى كل من

جواز الفصل الطويل بين الإقامة وتكبيرة الإحرام وعدم إعادة الإقامة

الزبيدى ويونس ومعمر والأوزاعي هذا الحديث عن محمد بن مسلم الزهرى (معنى الحديث) (قوله وصفّ الناس صفوفهم) أى سوّى الناس صفوفهم وعدّلوها كما صرّح به في روايات البخارى (قوله فخرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) ظاهر هذه الرواية أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج بعد إقامة الصلاة وتسوية الصفوف وتؤيده رواية مسلم عن أبى هريرة أيضا قال أقيمت الصلاة فقمنا فعدّلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لكن في رواية مسلم عن جابر بن سمرة أن بلالا كان لا يقيم حتى يخرج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفى رواية للبخارى وستأتي للمصنف أيضا إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني. ولا منافاة بين هذه الروايات لاحتمال أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقرّهم على ما فعلوا قبل خروجه لبيان الجواز وإلا فكان الغالب من أحوالهم عدم الإقامة حتى يخرج أو أن فعلهم هذا كان سببا لقوله لا تقوموا حتى تروني فإنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم يخرج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنهاهم عن ذلك لاحتمال أن يبطئَ عن الخروج فيشقّ عليهم انتظاره (قوله فقال للناس مكانكم) أى قال لهم أو أشار إليهم أن اثبتوا مكانكم ففيه على هذا إطلاق القول على الإشارة فإن أكثر الروايات فأشار بيده أو فأومأ بيده. ويحتمل أن يكون جمع بين القول والإشارة (قوله ينطف رأسه) بكسر الطاء المهملة وضمها من بابى ضرب وقتل أى يقطر (قوله ونحن صفوف) يعنى أنهم لم يتحوّلوا عن الهيئة التى تركهم عليها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى اغتسل وجاء إليهم فكبر وصلى بهم (قوله فلم نزل قياما ننتظره الخ) مقول قول عياش ومرتبط بقوله ثم رجع أى ثم رجع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى بيته فلم نزل ننتظره حال كوننا قائمين إلى أن خرج فهو غاية للانتظار وجملة اغتسل حال، وفي هذه الرواية مخالفة لرواية محمد بن سيرين المرسلة فإن فيها ثم أومأ إلى القوم أن اجلسوا وفى هذه فلم نزل قياما ننتظره وهذه أصح لاتصالها، ويمكن الجمع بينهما بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أشار إليهم ففهم بعضهم أنه أشار إليهم بالبقاء على حالهم من القيام وفهم البعض أنه أشار إليهم بالجلوس فروى كلّ ما فهم، وسكت المصنف عن ألفاظ بقية الرواة ولعلها كانت نحو لفظ ابن حرب (فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدّم على مشروعية تعديل الصفوف (قال) العينى في شرح البخارى وهو مستحب بالإجماع (وقال) ابن حزم فرض على المأمومين تعديل الصفوف الأول فالأول والتراصّ فيها والمحاذاة بالمناكب والأرجل اهـ ودلّ على جواز الفصل بين الإقامة والصلاة لأن قولهم صلى بهم في رواية أبى بكرة المتقدمة وفي رواية الشيخين عن

باب في الرجل يجد البسملة في منامه

أبى هريرة ظاهر في أن الإقامة لم تعد، والظاهر أن جواز الفصل مقيد بالضرورة وبأمن خروج الوقت (وعن) مالك رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إذا بعدت الإقامة من الإحرام تعاد ما لم يكن لعذر (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى في كتاب الغسل والنسائى والدارقطنى في الإمامة وابن ماجه في باب ما جاء في البناء على الصلاة ومسلم عن أبي هريرة من عدّة طرق وأخرجه النسائى وابن ماجه عنه أيضا (باب في الرجل يجد البلة في منامه) يعنى يجد البلل بعد الاستيقاظ من النوم ولا يذكر احتلاما أيجب عليه الغسل أم لا. والبلل بالفتح والبلة والبلال بالكسر فيهما والبلالة بالضم الرطوبة. وفى بعض النسخ يجد البلل الخ (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامًا. قَالَ: «يَغْتَسِلُ»، وَعَنِ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ وَلَا يَجِدُ الْبَلَلَ. قَالَ: «لَا غُسْلَ عَلَيْهِ» فَقَالَتْ: أُمُّ سُلَيْمٍ الْمَرْأَةُ تَرَى ذَلِكَ أَعَلَيْهَا غُسْلٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ. إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله حماد بن خالد الخياط) أبو عبد الله القرشي المدني ثم البصرى. روى عن مالك بن أنس وابن أبى ذئب وأفلح بن حميد. وعنه أحمد بن حنبل وابن معين وأبو بكر بن أبى شيبة وآخرون، وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائى وابن المديني وقال أبو حاتم صالح الحديث ثقة. روى له الجماعة إلا البخارى (قوله عبد الله) بن عمر ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبو عبد الرحمن القرشي العدوى. روى عن زيد بن أسلم ونافع وحميد الطويل وأبى الزبير والزهرى وآخرين. وعنه ابنه عبد الرحمن وابن وهب وابن مهدى وأبو نعيم ووكيع وجماعة، قال النسائى وابن المدينى ضعيف وقال ابن معين ليس به بأس يكتب حديثه وقال صالح بن محمد لين مختلط الحديث وقال يعقوب بن شيبة صدوق في حديثه اضطراب وقال الحاكم ليس بالقوى. توفي بالمدينة سنة إحدى وسبعين ومائة، و (العمرى) بضم ففتح نسبة إلى جدّه الأعلى عمر بن الخطاب

بيان حكم من انتبه من نومه فوجد بللا وأقوال العلماء في ذلك

و (عبيد الله) بن عمر بن حفص أخو عبد الله المذكور، و (القاسم) بن محمد بن أبى بكر الصديق (معنى الحديث) (قوله ولا يذكر احتلاما) أى لا يتذكر أنه رأى ما يوجب الغسل والاحتلام افتعال من الحلم بضم المهملة وسكون اللام ما يراه النائم في نومه يقال حلم بالفتح من باب قتل واحتلم رأى في منامه رؤيا والمراد به هنا أمر خاص وهو الجماع ونحوه (قوله قال يغتسل) خبر بمعنى الأمر أى ليغتسل (وظاهره) يدلّ على وجوب الغسل بوجود البلل مطلقا وإلى ذلك ذهب ابن عباس والشعبى وابن جبير والنخعى قال الترمذى وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والتابعين أنه إذا استيقظ الرجل فرأى بلة أنه يغتسل اهـ (وقال) أبو إسحاق وعطاء ومجاهد يغتسل إذا كانت بلة نطفة (وذهبت) الحنفية إلى أنه إن تذكر احتلاما وتيقن أنه منيّ أو مذى أو شك أمنىّ أم مذى أو ودى فعليه الغسل وإن تيقن أنه ودى فلا غسل عليه وإن لم يتذكر احتلاما فإن تيقن أنه ودى فلا غسل عليه وإن تيقن أنه منىّ فعليه الغسل وإن شك أمنىّ أم مذى أم ودى فكذلك عند أبى حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف لا يجب عليه حتى يتذكر الاحتلام لأن الأصل براءة الذمة فلا يجب إلا بيقين وهو القياس. وأبو حنيفة ومحمد أخذا بالاحتياط لأن النائم غافل والمنىّ قد يرقّ بالهواء فيصير مثل المذى فيجب عليه احتياطا (وقالت) المالكية من انتبه من نومه فوجد بللا في ثوبه أو بدنه فإن تيقن أنه منيّ أو شك أمنيّ أم غيره وجب عليه الغسل وإن تيقن أنه غير منيّ أو شك أمنيّ أم مذى أم ودى فلا غسل عليه (وقالت) الحنابلة إن أفاق نائم ونحوه كمغمى عليه بالغ أو ممكن بلوغه فوجد ببدنه أو ثوبه بللا فإن تحقق أنه منىّ اغتسل وجوبا ولو لم يذكر احتلاما ولا يغسل ما أصابه لطهارة المنىّ وإن تحقق أنه مذى غسل ما أصابه ولا غسل عليه وإن لم يتحقق أنه مذى ولا منىّ ولم يسبق نومه سبب كملاعبة أو نظر أو فكر أو برد لزمه الغسل وتطهير ما أصابه البلل وإن تقدم نومه سبب لم يجب الغسل لأن الظاهر أنه مذى لوجود سببه إن لم يتذكر احتلاما وإلا وجب الغسل "أفاده في شرح المنتهى" (وقالت) الشافعية من انتبه من نومه فوجد بللا وشك أهو منيّ أم مذى فله أن يختار أنه منىّ فيغتسل وله أن يختار أنه مذى فيتوضأ ويغسل ثوبه. والتحقيق في هذا أنه إن تيقن أن البلة منىّ وجب عليه الغسل ذكر احتلاما أم لا وإن تيقن أنها بول أو مذى أو ودى فلا غسل عليه وإن شك أهو منيّ أم غيره اغتسل احتياطا (قوله قال لا غسل عليه) أى واجب وهذا مجمع عليه (قال) الخطابى ظاهر هذا الحديث يوجب الاغتسال إذا رأى بلة وإن لم يتيقن أنها الماء الدافق وروى هذا القول عن جماعة من التابعين منهم عطاء والشعبى والنخعى (وقال) أحمد بن حنبل أعجب إلىّ أن يغتسل (وقال) أكثر أهل العلم لا يجب عليه الاغتسال حتى يعلم أنها من الماء الدافق واستحبوا أن يغتسل من طريق الاحتياط ولم يختلفوا أنه إذا لم ير الماء

وإن كان رأى في النوم أنه قد احتلم فإنه لا يجب عليه الاغتسال اهـ وإنما أدار الحكم على البلل دون الرؤيا لأن الرؤيا تكون تارة حديث نفس ولا تأثير له وتارة تكون قضاء شهوة ولا تكون بغير بلل غالبا فلا يصلح لإدارة الحكم إلا البلل وأيضا فإن البلل شئ ظاهر يصلح للانضباط أما الرؤيا فكثيرا ما تنسى (قوله فقالت أم سليم) بضم السين المهملة وفتح اللام بنت ملحان بكسر الميم وسكون اللام وبالحاء المهملة ابن خالد بن زيد بن حرام بن جندب الأنصارية أم أنس خادم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. اشتهرت بكنيتها واختلف في اسمها فقيل سهلة وقيل رميلة وقيل مليكة. تزوّجت مالك بن النضر فولدت أنسا في الجاهلية وأسلمت مع السابقين إلى الإسلام من الأنصار فغضب مالك وخرج إلى الشام فمات وتزوّجت بعده أبا طلحة "فقد" روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك أن أبا طلحة خطب أم سليم قبل أن يسلم فقالت يا أبا طلحة ألست تعلم أن إلهك الذى تعبد نبت من الأرض قال بلى قالت أفلا تستحيى تعبد شجرة إن أسلمت فإني لا أريد منك صداقا غيره قال حتى أنظر في أمرى فذهب ثم جاء فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقالت يا أنس زوجّ أبا طلحة فزوّجها. وفي رواية أخرى له عن أنس أيضا قال خطب أبو طلحة أم سليم فقالت إني قد آمنت بهذا الرجل وشهدت بأنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإن تابعتنى تزوّجتك قال فأنا على ما أنت عليه فتزوّجته وكان صداقها الإسلام. وكانت تغزو مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولها قصص مشهورة (منها) أنها اتخذت خنجرا يوم حنين فقال أبو طلحة يا رسول الله هذه أم سليم معها خنجر فقالت اتخذته إن دنا منى أحد من المشركين بقرت به بطنه (ومنها) أنها لما مات ولدها ابن أبى طلحة قالت لا يذكر أحد ذلك لأبى طلحة قبلى فلما جاء وسأل عن ولده قالت هو أسكن ما كان فظن أنه عوفي وقام فأكل ثم تزينت وتطيبت فنام معها وأصاب منها فلما أصبح قالت احتسب ولدك فذكر ذلك للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال بارك الله لكما في ليلتكما فجاءت بعبد الله فأنجب. روت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحاديث كثيرة. روى عنها ابنها أنس وابن عباس وزيد بن ثابت وأبو سلمة وآخرون. روى لها البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائى (قوله إنما النساء شقائق الرجال) جملة مستأنفة فيها معنى التعليل وكأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما فهم من أم سليم استبعاد الاحتلام من النساء ذكر لها علة ذلك. والشقائق جمع شقيقة وهي في الأصل أخت الرجل لأمه وأبيه والمراد هنا أنهن نظائر الرجال في الخلق والطبائع والأحكام كأنهن شققن منهم فما ثبت من الأحكام للرجال يثبت للنساء إلا ما قام عليه دليل الخصوصية (قال) ابن الأثير أى نظائرهم وأمثالهم كأنهن شققن منهم ولأن حوّاء خلقت من آدم عليه السلام. وشقيق الرجل أخوه لأبيه ولأمه أى فيجب الغسل على المرأة

باب المرأة ترى ما يرى الرجال

برؤية البلل بعد النوم كالرجل اهـ (وقال) الخطابى فيه من الفقه إثبات القياس وإلحاق حكم النظير بالنظير فإن الخطاب إذا ورد بلفظ المذكر كان خطابا للنساء إلا مواضع الخصوص التى قامت أدلة التخصيص فيها اهـ (فقه الحديث) والحديث يدلّ على وجوب الغسل بوجود بلل بعد النوم وإن لم يتذكر احتلاما، وعلى أنه يطلب ممن جهل حكما شرعيا أن يسأل عنة ولا يمنعه الحياء عن ذلك، وعلى أن المرأة تحتلم كما يحتلم الرجل (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى والترمذى وقال إنما روى هذا الحديث عبد الله بن عمر عن عبيد الله بن عمر وعبد الله ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه اهـ وأخرجه البيهقى أيضا وابن ماجه بدون ذكر قول أم سليم بلفظ قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا استيقظ أحدكم من نومه ورأى بللا ولم ير أنه احتلم اغتسل وإذا رأى أنه قد احتلم ولم ير بللا فلا غسل عليه، وأخرجه أحمد والدارمى وابن أبي شيبة وقد تفرّد به عبد الله العمرى ولم نجده عن غيره فالحديث معلول بعلتين ضعفه وتفرّده به ولذا قصر عن درجة الحسن والصحة (باب المرأة ترى ما يرى الرجل) أى ترى في منامها مثل ما يرى الرجل (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا عَنْبَسَةُ، ثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ الْأَنْصَارِيَّةَ وهِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ إِذَا رَأَتْ فِي المنامِ مَا يَرَى الرَّجُلُ أَتَغْتَسِلُ أَمْ لَا؟ قَالَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «نَعَمْ. فَلْتَغْتَسِلْ إِذَا وَجَدَتِ الْمَاءَ». قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهَا، فَقُلْتُ: أُفٍّ لَكِ وَهَلْ تَرَى ذَلِكَ الْمَرْأَةُ؟ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: «تَرِبَتْ يَمِينُكِ يَا عَائِشَةُ، وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ؟ » (ش) (رجال الحديث) (قوله عنبسة) بن خالد بن يزيد بن أَبى النجاد الأيلي الأموى مولاهم أبو عثمان. روى عن يونس بن يزيد ورجاء بن جميل وابن جريج وابن المبارك، وعنه ابن وهب ومحمد ابن مهدى وأحمد بن صالح وقال صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وقال يحيى بن بكير إنما يحدّث عن عنبسة مجنون أحمق. توفى بأيلة سنة ثمان وتسعين ومائة. روى له البخارى وأبو داود

جواز الاحتلام على النساء ووجوب الغسل عليهن إذا رأين البلل

(معنى الحديث) (قوله إن الله لا يستحيى من الحق) قدّمت أم سليم هذا القول تمهيدا لبسط عذرها في ذكرها ما تستحيى النساء من ذكره لأن الذى يعتذر به إذا كان متقدّما على المعتذر منه أدركته النفس صافيا من العتب وإذا تأخّر العذر استثقلت النفس المعتذر منه فتأثرت بقبحه ثم يأتي العذر رافعا وعلى الأول يأتى دافعا ودفع الشئ المستكره قبل وقوعه أيسر من رفعه بعد وقوعه ويستحيى بياءين على الأصل من الحياء وهو تغير وانكسار يعترى الإنسان من خوف ما يعاب به أو يذمّ وهو مستحيل على الله تعالى فيحمل على أن المراد لازمه وهو المنع أى إن الله تعالى لا يمنع من ذكر الحق. أو أن المراد لا يأمر بالحياء في الحق ولا يبيحه (قال) ابن دقيق العيد ولعل قائلا يقول إنما يحتاج إلى تأويل الحياء إذا كان الكلام مثبتا كما جاء إن الله حيّ كريم وأما في النفى فالمستحيلات على الله تعالى تنفى ولا يشترط في النفى أن يكون المنفى ممكنا (وجوابه) أنه لم يرد النفى على الاستحياء مطلقا بل على الاستحياء من الحق وبطريق المفهوم يقتضى أنه يستحيى من غير الحق فيعود بطريق المفهوم إلى جانب الإثبات اهـ (قوله فلتغتسل إذا وجدت الماء) أى المنىّ بعد الاستيقاظ. وأتى به بعد الجواب بنعم لأنها ليست نصا في الجواب على وجوب الغسل. وفي رواية البخارى إذا رأت الماء وفيه ردّ على من زعم أن ماء المرأة لا يبرز وإنما تعرف إنزالها بشهوتها. وحمله الوجود والرؤية في الروايتين على العلم مردود لأن العلم حال النوم متعذر ولأن الرجل إذا رأى أنه جامع وعلم أنه أنزل في النوم ثم استيقظ فلم ير بللا لا يجب عليه الغسل فكذلك المرأة (قوله فقلت أفّ لك) هذه كلمة تستعمل في الاحتقار والإنكار وهو المناسب هنا فإن الظاهر من قول عائشة الإنكار على أم سليم كما يدل عليه قوله وهل ترى ذلك المرأة وقولها في بعض الروايات فضحت النساء تربت يمينك، وأفّ اسم صوت إذا صوّت به الإنسان علم أنه متضجر وقيل أصل الأفّ وسخ الأصبع إذا فتل ويقال أففت بفلان تأفيفا إذا قلت له أفّ لك وفيها لغات أفضحها وأكثرها استعمالا ضم الهمزة وتشديد الفاء مكسورة منوّنة (قوله وهل ترى ذلك المرأة) الاستفهام للإنكار بمعنى النفى أى لا ترى المرأة ذلك (قال العراقى) أنكرت عليها بعد جواب المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لها لأنه لا يلزم من ذكر حكم الشئ تحقق وقوعه فالفقهاء يذكرون الصور الممكنة ليعرفوا حكمها وإن لم تقع بل قد يصوّرون المستحيل لتشحيذ الأذهان اهـ (وقال) ابن عبد البرّ فيه دليل على أنه ليس كل النساء يحتلمن وإلا لما أنكرت عائشة وأم سلمة ذلك وقد يوجد عدم الاحتلام في بعض الرجال إلا أن ذلك في النساء أكثر (وعكس) ذلك ابن بطال فقال فيه دليل على أن كل النساء يحتلمن (قال) الحافظ والظاهر أن مراده الجواز لا الوقوع أى فيهن قابلية ذلك اهـ (قال) السيوطى وأى مانع أن يكون ذلك خصوصية لأزواجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنهن لا يحتلمن كما أن من خصائص الأنبياء أنهم لا يحتلمون لأنه من الشيطان فلم يسلطه عليهم وكذا لا يسلط على أزواجه تكريما له اهـ

(قال) الزرقانى المانع من ذلك أن الخصائص لا تثبت بالاحتمال وهو كغيره لم يثبت للأنبياء إلا بالدليل (وقال) العراقى بحث بعض أصحابنا فمنع وقوعه من أزواجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأنهن لا يطعن غيره لا يقظة ولا مناما والشيطان لا يتمثل به. وفيه نظر لأنهن قد يحتلمن من غير رؤية كما يقع لكثير من الناس أو يكون سبب ذلك شبعا أو غيره. والذى منعه بعض العلماء هو وقوع الاحتلام من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام اهـ (قوله تربت يمينك) هذه الكلمة معناها الأصلى التصقت اليد بالتراب وهو كناية عن الفقر لكن العرب اعتادت استعمالها كثيرا في غير المعنى الأصلى فليس المراد بها هنا الدعاء على عائشة بل المراد الإنكار عليها (وقال) الباجى يحتمل أنه قال ذلك تأديبا لها لإنكارها ما أقرّ عليه وهو لا يقرّ إلا على الصواب وقد قال "اللهم أيما مؤمن سببته فاجعل ذلك قربة إليك" فلا يمتنع أن يقول لها ذلك لتؤجر وليكفر لها ما قالته اهـ (قوله ومن أين يكون الشبه) أى مشابهة الولد أمه. وفي رواية البخارى فبم يشبهها ولدها. وفي رواية لمسلم وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك، والشبه بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة أو بكسر الشين وسكون الباء بمعنى المشابهة وهى الاشتراك ولو في بعض الصفات وذلك أن ماء الرجل إذا غلب ماء المرأة يكون شبه الولد للأب وبالعكس للأم ولو لم يكن للأم ماء ما كان يشبهها الولد أصلا. وفي صحيح مسلم إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه اهـ وهو يشبه أخواله لشبهه بأمه ويشبه أعمامه لشبهه بأبيه. وفي رواية له أيضا ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا منيّ الرجل منيّ المرأة أذكرا بإذن الله تعالى وإذا علا منىّ المرأة منيّ الرجل أنثا بإذن الله تعالى. وقوله أذكرا بضم فسكون أى صار المنيان أصلا لذكر وقوله أنثا بضم الهمزة وتشديد النون أى صارا أصلا لأنثى (فقه الحديث) دلّ الحديث على ترك الاستحياء من السؤال عما فيه مصلحة، وعلى مشروعية زجر من يلوم على من يسأل عما جهله وإن كان مما يستحيى منه عادة. وعلى وجوب الغسل على المرأة إذا احتلمت ووجدت الماء، وعلى أن المرأة تحتلم ولها ماء كالرجل، وعلى أن المولود قد يشبه أمه كما قد يشبه أباه. وهذا الحديث لم نقف على من أخرجه غير المصنف (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ رَوَى الزُّبَيْدِيُّ، وَعُقيْلٌ، وَيُونُسُ، وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وبْنُ أَبِي الْوَزِيرِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَوَافَقَ الزُّهْرِيُّ: مُسَافِعٌ الْحَجَبِيُّ قَالَ: عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَأَمَّا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ فَقَالَ: عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ

أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ (ش) (قوله وكذلك روى الزبيدى الخ) أى كما روى الحديث يونس عن ابن شهاب الزهرى رواه الزبيدى وعقيل بن خالد ومن معهما عن الزهرى وكذا رواه ابن أبى الوزير عن مالك عن الزهرى عن عروة عن عائشة فالزهرى جعل الحديث من مسند عائشة ووافقه في ذلك مسافع الحجبى وأما هشام بن عروة فرواه عن عروة عن زينب بنت أبى سلمة عن أم سلمة ولم يتابعه أحد وعليه فالحديث من مسند أم سلمة فعلى الأول تكون المراجعة بين عائشة وأم سليم وعلى الثاني تكون بين أم سلمة وأم سليم (وقد اختلف) العلماء في ذلك فمنهم من رجح ومنهم من جمع فالمصنف أشار إلى ترجيح رواية الزهرى حيث ذكر أن يونس تابعه في الرواية عن الزهرى أربعة وأن الزهرى تابعه في الرواية عن عروة مسافع الحجبى. ونقل القاضى عياض عن أهل الحديث أن الصحيح أن القصة وقعت لأم سلمة لا لعائشة وهذا يقتضى ترجيح رواية هشام بن عروة على رواية الزهرى وهو ظاهر صنيع البخارى حيث اقتصر على إخراج حديث أم سلمة من عدّة طرق عن هشام. ويؤيده أيضا أن حديث أم سلمة اتفق على تخريجه الشيخان وأصحاب السنن (وقال) النووى في شرح مسلم يحتمل أن تكون عائشة وأم سلمة جميعا أنكرتا على أم سليم اهـ (قال) الحافظ في الفتح وهو جمع حسن لأنه لا يمتنع حضور أم سلمة وعائشة عند النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في مجلس واحد اهـ وفيه وقد سألت عن هذه المسألة أيضا خولة بنت حكيم عند أحمد والنسائى وابن ماجه وفي آخره كما ليس على الرجل غسل إذا رأى ذلك فلم ينزل وسهلة بنت سهيل عند الطبراني وبسرة بنت صفوان عند ابن أبى شيبة اهـ (قوله الزبيدى) بالتصغير هو محمد بن الوليد وروايته أخرجها النسائى قال أخبرنا كثير بن عبيد عن محمد بن حرب عن الزبيدى عن الزهرى عن عروة أن عائشة أخبرته أن أم سليم كلمت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعائشة جالسة فقالت له يا رسول الله إن الله لا يستحيى من الحق "الحديث" (قوله وعقيل) بالتصغير ابن خالد مولى عثمان بن عفان وروايته أخرجها البيهقى ومسلم قال حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثني أبى عن جدّى قال حدثنى عقيل بن خالد عن ابن شهاب أنه قال أخبرني عروة الخ (قوله ويونس) بن يزيد وذكره هنا تصحيف من النساخ (قوله وابن أخى الزهرى) اسمه محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب المدني. روى عن عمه وأبيه وصالح بن عبد الله. وعنه معن والقعنبى وأمية بن خالد ومحمد بن إسحاق وطائفة، قال ابن معين ضعيف لا يحتج به وقال ابن عدى لم أر بحديثه بأسا ولا رأيت له حديثا منكرا وقال أبو حاتم ليس بالقوى يكتب حديثه وقال ابن حبان كان ردئ الحفظ كثير الوهم وقال الساجى صدوق تفرّد عن عمه بأحاديث لم يتابع عليها ووثقه أبو داود وقال سمعت

أحمد يثني عليه وأخبرني عباس عن يحيى بالثناء عليه، مات سنة سبع وخمسين ومائة، روى له الجماعة. وروايته لم نقف على من وصلها من المحدّثين (قوله وابن أبى الوزير) هو إبراهيم بن عمر بن مطرّف الهاشمى مولاهم المكي أبو عمرو ويقال أبو إسحاق نزل البصرة، روى عن مالك وشريك ونافع الجمحى وابن عيينة، وعنه على بن المدينى وابن المثني وعبد الله الجعفي وابن بشار وغيرهم. قال أبو حاتم والنسائى لا بأس به، وقال الدارقطنى ثقة ليس في حديثه ما يخالف الثقات ووثقه الترمذى مات سنه ثلاث وثلاثين ومائتين. روى له الجماعة إلا مسلما. وقد أخرج حديثه ابن عبد البرّ قال الزرقاني كل من رواه عن مالك لم يذكر فيه عن عائشة إلا ابن نافع وابن أبي الوزير فروياه عن مالك عن الزهرى عن عروة عن عائشة أن أم سليم أخرجه ابن عبد البر اهـ (قوله ووافق الزهرى مسافع) الزهرى مفعول لوافق ومسافع فاعله ومسافع بضم الميم وبالسين المهملة ابن عبد الله بن شيبة بن عثمان بن أبى طلحة العبدرى أبو سليمان. روى عن عمته صفية وابن عمرو بن العاص وعروة بن الزبير ومعاوية بن أبى سفيان. وعنه مصعب بن شيبة ومنصور ابن عمته صفية والزهرى وجويرة بن أسماء. وثقه العجلى وقال تابعى وقال ابن سعد كان قليل الحديث وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود ومسلم والترمذى، و (الحجبى) نسبة إلى الحجبة جمع حاجب على غير قياس والقياس النسبة إلى المفرد فيقال حاجبى والمراد بهم حجبة الكعبة المكرّمة من بنى عبد الدار بن قصى، وحديثه أخرجه مسلم والبيهقى من طريق ابن أبي زائدة عن أبيه عن مصعب ابن شيبة عن مسافع بن عبد الله عن عروة بن الزبير عن عائشة أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هل تغتسل المرأة إذا احتلمت وأبصرت الماء فقال نعم فقالت لها عائشة تربت يداك وألت قالت فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دعيها وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله "الحديث" وألت بضم الهمزة وفتح اللام المشددة وسكون التاء أى أصابتها الألة بفتح الهمزة وتشديد اللام وهي الحربة (قوله قال عن عروة عن عائشة) أى قال مسافع في روايته عن عروة الخ وهو بيان لمحل الموافقة (قوله زينب بنت أبي سلمة) المحزومية وأمها أم سلمة يقال ولدت بأرض الحبشة وكان اسمها برّة فسماها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم زينب وهي ربيبته. روت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أمها وعائشة وزينب بنت جحش وأم حبيبة. وعنها ابنها أبو عبيدة وعلى بن الحسين والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وأبو سلمة والشعبي. وكانت أفقه امرأة بالمدينة. توفيت سنة ثلاث وسبعين. روى لها أبو داود والترمذى والنسائى (قوله أم سلمة) اسمها هند بنت أبي أمية حذيفة ويقال سهيل بن المغيرة القرشية الخزومية أم المؤمنين كانت قبله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تحت أبى سلمة عبد الله بن عبد الأسد وكانت ممن

أسلم قديما هي وزوجها وهاجرا إلى الحبشة فولدت له سلمة ثم قدما مكة وهاجرا إلى المدينة فولدت له عمر ودرّة وزينب. وعن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة قال لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل بعيرا له وحملنى وحمل معى ابنى سلمة ثم خرج يقود بعيره فلما رآه رجال بنى المغيرة قاموا إليه فقالوا هذه نفسك غلبتنا عليها أرأيت صاحبتنا هذه علام نتركك تسير بها في البلاد ونزعوا خطام البعير من يده وأخذوني فغضب عند ذلك بنو عبد الأسد وأهووا إلى سلمة وقالوا والله لا نترك ابننا عندها إذا نزعتموها من صاحبنا فتجاذبوا ابنى سلمة حتى خلعوا يده وانطلق به بنو عبد الأسد رهط أبى سلمة وحبسنى بنو المغيرة عندهم وانطلق زوجى أبو سلمة حتى لحق بالمدينة ففرّق بينى وبين زوجى وابنى فكنت أخرج كل غداة وأجلس بالأبطح فما أزال أبكي حتى أمسى سبعا أو قريبها حتى مرّ بى رجل من بنى عمى فرأى ما في وجهى فقال لبنى المغيرة ألا تخرجون من هذه المسكينة فرّقتم بينها وبين زوجها وبين ابنها فقالوا ألحقى يزوجك إن شئت وردّ علىّ بنو عبد الأسد عند ذلك ابنى فرحلت بعيرى ووضعت ابني في حجرى ثم خرجت أريد زوجى بالمدينة وما معى أحد من خلق الله فكنت أبلغ من لقيت حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة أخا بنى عبد الدار فقال أين يا بنت أبي أمية قلت أريد زوجى بالمدينة فقال هل معك أحد فقلت لا والله إلا الله وابنى هذا فقال والله مالك من مترك فأخذ بحطام البعير فانطلق معى يقودني فوالله ما صحبت رجلا من العرب أراه كان أكرم منه إذا نزل المنزل أناخ بى ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها فإذا دنا الرواح قام إلى بعيرى قدّمه ورحله ثم استأخر عني وقال اركبى فإذا ركبت واستويت على بعيرى أتى فأخذ بخطامه فقادني حتى نزلت فلم يزل يصنع ذلك حتى قدم بى المدينة فلما نظر إلى قرية بنى عمرو بن عوف بقباء قال إن زوجك في هذه القرية وكان أبو سلمة نازلا بها، ولما مات زوجها وانقضت عدّتها خطبها أبو بكر فلم تتزوّجه فبعث النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطبها فقالت أخبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أني امرأة غيرى وأني امرأة مصبية وليس أحد من أوليائى شاهدا فقال قل لها أما قولك غيرى فسأدعو الله فتذهب غيرتك وأما قولك إني امرأة مصيبة فسأقوم بأمر صبيانك وأما قولك ليس أحد من أوليائى شاهدا فليس أحد من أوليائك شاهد أو غائب يكره ذلك فقالت لابنها عمر قم فزوّج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فزوّجه. روى لها عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثمانية وسبعون وثلثمائة حديث اتفق البخارى ومسلم على ثلاثة عشر حديثا وانفرد البخارى بثلاثة ومسلم بمثلها. وعنها ابنها عمر وابنتها زينب ونافع وأبو عثمان النهدى وسعيد بن المسيب وكريب مولى ابن عباس وآخرون. توفيت سنة تسع وخمسين وصلى عليها أبو هريرة. قال الذهبى هى آخر

باب في مقدار الماء الذي يجزيء به الغسل

أمهات المؤمنين وفاة. روى لها الجماعة (قوله أن أم سليم جاءت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) لفظه عند الشيخين وغيرهما قالت يعني أم سلمة جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة الأنصارى إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت يا رسول الله إن الله لا يستحيى من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت فقال نعم إذا رأت الماء فقالت أم سلمة يا رسول الله وتحتلم المرأة فقال تربت يداك فبم يشبهها ولدها اهـ وهذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائى وابن ماجه والترمذى وقال حديث حسن صحيح (باب في مقدار الماء الذى يجزئُ به الغسل) (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ «يَغْتَسِلُ مِنْ إِنَاءٍ -هُوَ الْفَرَقُ- مِنَ الجَنَابَةِ» (ش) (قوله هو الفرق) الجملة صفة مبينة للمراد من الإناء والفرق بفتح الفاء وفتح الراء وإسكانها لغتان حكاهما ابن دريد وجماعة والفتح أفصح قال النووى وزعم الباجى أنه الصواب وليس كما قال بل هما لغتان اهـ قال الحافظ ولعل مستند الباجى ما حكاه الأزهرى عن ثعلب وغيره الفرق بالفتح والمحدّثون يسكنونه وكلام العرب بالفتح اهـ وحكى في القاموس الوجهين وقال الفتح أفصح. وسيأتى للمصنف أن الفرق يسع ستة عشر رطلا، وليس المراد أنه كان يغتسل بملئه لحديث كان يغتسل بالصاع ولحديث عائشة كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من إناء يقال له الفرق (فقه الحديث) والحديث يدل على طلب الاعتدال في ماء الغسل بترك الإسراف والتقتير اقتداء بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد تقدم بيان ذلك وافيا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى ومالك في الموطأ والطحاوى في شرح معانى الآثار (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ: مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ فِيهِ قَدْرُ الْفَرَقِ» (ش) أى قال معمر بن راشد في روايته لحديث مقدار الماء الذى يكتفي به في الغسل

تقدير الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه للفرق

قالت عائشة كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من إناء فيه ماء قدر الفرق. وغرض المصنف بهذا بيان الاختلاف بين رواية معمر ورواية مالك فرواية مالك فيها أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل وحده من الفرق نفسه ورواية معمر فيها أن عائشة كانت تغتسل معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من إناء غير الفرق فيه قدر الفرق. وليس في كل من الروايتين دلالة صريحة على تحديد المقدار الذى كان يأخذه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى يطابق الحديث الترجمة إلا أن يقال إنهما اغتسلا بجميع ما في الإناء المقدّر بالفرق فيكون قدر الماء الذى استعمله كل منهما ثمانية أرطال وهذا لا ينافي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل بالصاع لأن الغسل بالصاع أو الفرق ليس للتحديد بل كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ربما اقتصر على الصاع وربما زاد. والقدر المجزى في الغسل ما يحصل به تعميم البدن على الوجه المعتبر سواء أكان صاعا أم أقل أم أكثر ما لم يبلغ في النقصان إلى مقدار لا يسمى مستعمله مغتسلا وفي الزيادة إلى مقدار يدخل فاعله في حدّ الإسراف وتقدم بيان ذلك وافيا في باب ما يجزئُ من الماء في الوضوء. ورواية معمر أخرجها النسائى قال أخبرني سويد بن نصر ثنا عبد الله عن معمر عن الزهرى عن عروة عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من إناء واحد وهو قدر الفرق وفي هذا دلالة على جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد، وعلى جواز تطهر المرأة بفضل الرجل وبالعكس (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ نَحْوَ حَدِيثِ مَالكٍ (ش) أى روى سفيان بن عيينة نحو حديث مالك. والغرض منه تقوية رواية مالك وترجيحها على رواية معمر. ورواية سفيان هذه أخرجها مسلم من عدة طرق بسنده إلى سفيان والليث كلاهما عن الزهرى عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يغتسل في القدح وهو الفرق وكنت أغتسل أنا وهو في إناء واحد وفي حديث سفيان من إناء واحد (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: الْفَرَقُ: سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: صَاعُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ. قَالَ: فَمَنْ قَالَ: ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِمَحْفُوظٍ قَالَ: وسَمِعْت أَحْمَد يَقُولُ: مَنْ أَعْطَى فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِرِطْلِنَا هَذَا خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا فَقَدْ أَوْفَى قِيلَ الصَّيْحَانِيُّ ثَقِيلٌ. قَالَ: الصَّيْحَانِيُّ أَطْيَبُ قَالَ: لَا أَدْرِي

(ش) (قوله الفرق ستة عشر رطلا) بالغدادى وهو ثلاثون ومائة درهم بالدرهم المتعارف على ما تقدم بيانه وعلى هذا أهل اللغة والجمهور (قال) الجوهرى الفرق مكيال معروف بالمدينة وهو ستة عشر رطلا وفى صحيح مسلم في رواية ابن عيينة عن الزهرى قال سفيان الفرق ثلاثة آصع اهـ (قال) النووى وكذا قال الجماهير اهـ (وقيل) الفرق صاعان لكن نقل أبو عبيد الاتفاق على أن الفرق ثلاثة آصع وعلى أنه ستة عشر رطلا ويؤيده ما رواه ابن حبان عن عائشة بلفظ الفرق قدر ستة أقساط، والقسط بكسر القاف نصف صاع باتفاق أهل اللغة ولا اختلاف بينهم أن الفرق ستة عشر رطلا وأن الصاع خمسة أرطال وثلث (قوله وسمعته يقول الخ) أى قال أبو داود وسمعت أحمد بن حنبل حال كونه يقول صاع ابن أبى ذئب خمسة أرطال وثلث (وابن أبى ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة، وقد وافق أحمد على هذا القول أهل المدينة وأهل الحجاز كافة ويدلّ لهم ما أخرجه البيهقي عن الحسين بن الوليد القرشي قال قدم علينا أبو يوسف من الحج فقال إنى أريد أن أفتح عليكم بابا من العلم أهمنى ففحصت عنه فقدمت المدينة فسألت عن الصاع فقالوا صاعنا هذا صاع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قلت لهم ما حجتكم في ذلك فقالوا نأتيك بالحجة غدا فلما أصبحت أتانى نحو من خمسين شيخا من أبناء المهاجرين والأنصار مع كل رجل منهم الصاع تحت ردائه وكل رجل منهم يخبر عن أبيه وأهل بيته أن هذا صاع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنظرت فإذا هي سواء فقال فعبرته فإذا هو خمسة أرطال وثلث بنقصان يسير فرأيت أمرا قويا فتركت قول أبي حنيفة في الصاع وأخذت بقول أهل المدينة اهـ قال صاحب التنقيح هذا هو المشهور من قول أبى يوسف (قوله قال فمن قال الخ) أى قال أبو داود لأحمد فماذا ترى في قول من قال إن الصاع ثمانية أرطال فقال أحمد ليس تقدير الصاع بثمانية أرطال محفوظا (وأما) ما أخرجه النسائى والطحاوى عن موسى الجهنى قال أتى مجاهد بقدح حزرته ثمانية أرطال فقال حدثتنى عائشة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل بمثل هذا (فقد أجيب) عنه بوجوه (الأول) أن الحزر لا يعارض به التحديد (الثانى) أن مجاهدا لم يصرّح بأن الإناء المذكور كان صاعا حتى يكون معارضا لقول أحمد (الثالث) أن مجاهدا قد شك في هذا الحزر والتقدير فقال ثمانية أرطال تسعة أرطال عشرة أرطال كما أخرجه الطحاوى فكيف يعارض الحزر المشكوك فيه التحديد المتيقن (هذا) وقد تقدم في باب ما يجزئُ من الماء في الوضوء بيان أن الخلاف بين العلماء في وزن الصاع لفظيّ (قوله قيل له الصيحانى ثقيل) أى قيل لأحمد الصيحانى ثقيل في الوزن فيقلّ مقداره في الكيل عن الصاع فهل يكفى منه خمسة أرطال وثلث في صدقة الفطر. والصيحانى تمر معروف بالمدينة (قال) الأزهرى الصيحانى ضرب من التمر أسود صلب

المضغة نسبة إلى صيحان وهو كبش كان يربط في نخلة بالمدينة فأثمرت ثمرا فنسب إلى صيحان اهـ (وقال) في القاموس الصيحاني من تمر المدينة نسب إلى صيحان كبش كان يربط إليها إذ اسم الكبش الصياح وهو من تغييرات النسب كصنعاني اهـ (قوله قال الصيحاني أطيب الخ) الكلام على تقدير همزة الاستفهام أى الصيحاني أجود من غيره من أنواع التمر حتى يكفي منه خمسة أرطال وثلث وإن لم تملأ الصاع فقال السائل لا أعلم أنه أجود من غيره حتى يكفى منه ما ذكر. ويحتمل على بعد أن الكلام من قبيل الإخبار والمعنى الصيحاني أطيب أنواع التمر وأعلاها فيكفي منه خمسة أرطال وثلث وإن لم تف الصاع كيلا، وفهم الإمام أحمد أن جودة التمر وثقله تقوم مقام نقصه في الكيل فأجاب بقوله الصيحاني أطيب ثم بدا له أن المنصوص عليه الصاع فلم يحضره الجواب عن كلام السائل فقال لا أدرى: لكن المذكور في كتب الحنابلة أنه لا عبرة بوزن تمر وغيره مما يخرجه سوى البرّ لأن الصاع مكيال فإذا بلغ المخرج من غير البرّ صاعا بالبرّ أجزأ وإن لم يبلغ الوزن ويحتاط في الثقيل فيزيد على وزن الصاع شيئا يعلم أنه قد بلغ صاعا كيلا ليسقط الفرض باليقين (وذهبت) الحنفية والمالكية إلى أن المعتبر من الكيل ما يسع وزن الصاع من التمر أو الشعير فمن أدى من غيرهما لا يكون مؤديا حتى يستوفي مقدار هذا الصاع (تمّ الجزء الثانى) (من المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود) (ويليه الجزء الثالث وأوّله) (باب في الغسل من الجنابة)

المنهل العذب المورود «شرح سنن الإمام أبي داود» تأليف الإمام الجليل المحقق، والعارف الرباني المدقق، محيي السنة وقامع البدعة صاحب الفضيلة والإرشاد الشيخ/ محمود محمد خطاب السبكي المتوفى في الرابع عشر من شهر ربيع الأول سنة 1352 هـ عمه الله بالرحمة والرضوان وأسكنه عالي الجنان [الجزء الثالث]

باب في الغسل من الجنابة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (باب في الغسل من الجنابة) أى في بيان كيفية الغسل من الجنابة. والغسل بضم الغين اسم مصدر من اغتسل وبالفتح مصدر غسل ويجوز فيه الضم حكاه ابن سيده وغيره وبالكسر الشئ الذى يغسل به مع الماء كالصابون والأشنان. والمشهور في استعماله عند الفقهاء الفتح إذا أضيف إلى المغسول كغسل الثوب والضم إذا أضيف إلى غيره كغسل الجنابة. وهو لغة الإسالة وشرعا إيصال الماء إلى جميع ظاهر الجسد ومنه داخل الفم والأنف بنية رفع الجنابة مع الدلك عند من جعله من مسمى الغسل كالمالكية والجنابة في الأصل البعد وسمى من اتصف بها جنبا لأنه منهىّ عن قربان مواضع الصلاة حتى يتطهر كما تقدم، وشرعا أمر معنوى يقوم بالبدن يمنع محة الصلاة حيث لا مرخص (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، ثَنَا زُهَيْرٌ، ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ الْغُسْلَ مِنَ الجَنَابَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «أَمَّا أَنَا فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثًا». وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ كِلْتَيْهِمَا (ش) (رجال الحديث) (قوله زهير) بن معاوية. و (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعى (قوله سليمان بن صرد) بضم الصاد المهملة وفتح الراء ابن الجون بن أبى الجون الخزاعي أبو مطرف الكوفي صحابي مشهور. كان اسمه في الجاهلية يسارا فسماه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سليمان. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خمسة عشر حديثا اتفق الشيخان على واحد وانفرد البخارى بواحد. روى عن على وأبى الحسن وجبير بن مطعم. وعنه عدي ابن ثابت أبو إسحاق السبيعى ويحيى بن يعمر وعبد الله بن يسار وآخرون. كان خيرا فاضلا شهد صفين مع علىّ وكان ممن كاتب الحسين ثم تخلف عنه ثم قدم هو والمسيب بن نجبة في آخرين

اتفاق الأئمة الأربعة على استحباب تثليث غسل الرأس في الغسل من الجنابة

فخرجوا يطلبون بدم الحسين فلقيهم عبيد الله بن زياد بعين الوردة بعسكر مروان فقتل سليمان ومن معه سنة خمس وستين وكان له ثلاث وتسعون سنة (قوله جبير بن مطعم) بضم اليم وسكون الطاء وكسر العين المهملتين ابن عدى بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلى المدنى كان من أكابر قريش وعلماء الأنساب. قدم على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليستشفع في وفد أسارى بدر فسمعه يقرأ "أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون" قال فكاد قلبي يطير بها وكان ذلك أول ما دخل الإيمان في قلبى فلما فرغ من صلاته كلمته فيهم فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لو كان أبوك حيا وكلمني فيهم وهبتهم له، وأسلم جبير عام خيبر وقيل عام الفتح روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ستون حديثا اتفق الشيخان على ستة وانفرد كل منهما بحديث. روى عنه ابناه محمد ونافع وسعيد بن المسيب وغيرهم. مات بالمدينة سنة سبع أو تسع وخمسين. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله أنهم ذكروا الخ) أى تذاكر الصحابة أمر الغسل من الجنابة. وفي رواية مسلم عن جابر بن عبد الله أن وفد ثقيف سألوا النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالوا إن أرضنا أرض باردة فكيف بالغسل الخ. وفي رواية أحمد تذاكرنا الغسل الخ (قوله أما أنا الخ) أما للتفصيل والتوكيد وقسيمها محذوف صرّح به في رواية مسلم والبيهقى والنسائى عن جبير أيضا قال تماروا في الغسل عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال بعض القوم أما أنا فأغسل رأسى كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أما أنا فإنى أفيض على رأسى ثلاث أكفّ، وأفيض بضم الهمزة من أفاض يقال أفاض الرجل الماء على جسده صبه وثلاثيه فاض بمعنى كثر، والثلاث محتملة للتوزيع على سائر البدن ومحتملة للتكرار على الرأس وهو الأقرب لما رواه البخارى عن جابر قال كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأخذ ثلاث أكفّ ويفيضها على رأسه ثم يفيض على سائر جسده ولما رواه الطبرانى في الأوسط وفيه ثم تفرغ على رأسك ثلاث مرّات تدلك رأسك كل مرّة (قوله وأشار بيديه كلتيهما) أى قال جبير بن مطعم وأشار رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بيديه والمراد أنه صب على رأسه ثلاث حفنات كل واحدة منهنّ ملء الكفين جميعا (قال) النووى في هذا الحديث استحباب إفاضة الماء على الرأس ثلاثا وهو متفق عليه وألحق به أصحابنا سائر البدن قياسا على الرأس وعلى أعضاء الوضوء وهو أولى بالثلاث من الوضوء فإن الوضوء مبنيّ على التخفيف ويتكرّر فإذا استحب فيه الثلاث ففى الغسل أولى ولا نعلم في هذا خلافا إلا ما انفرد به أبو الحسن الماوردى صاحب الحاوى من أصحابنا فإنه قال لا يستحب التكرار في الغسل وهذا شاذ متروك اهـ وبما قاله النووى قالت الحنفية والحنابلة (وقالت) المالكية ليس في الغسل

استحباب غسل الميامن قبل المياسر

شئ يندب فيه التثليث سوى الرأس بخلاف الوضوء والفرق كثرة المشقة في الغسل. وما قالوه هو الظاهر الذى يشهد له ظاهر الأحاديث الواردة في غسله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإن التثليث وقع فيها للرأس دون الجسد (منها) حديث الباب (ومنها) ما أخرجه ابن ماجه والمصنف بعد عن صدقة بن سعيد وفيه ثم يغسل رأسه ثلاث مرّات ثم يفيض على جسده ثم يقوم إلى الصلاة (ومنها) ما أخرجه البخارى ومسلم عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره ثم يصبّ على رأسه ثلاث غرفات بيديه ثم يفيض الماء على جلده (ومنها) ما ترجم عليه البخارى بقوله باب الغسل مرّة واحدة وذكر الحديث عن ابن عباس عن ميمونة وفيه ثم أفاض على جسده الماء (قال) في الفتح قال ابن بطال تستفاد المرّة الواحدة من قوله ثم أفاض على جسده لأنه لم يقيده بعدد فيحمل على أقلّ ما يسمى وهو المرّة الواحدة لأن الأصل عدم الزيادة عليها اهـ ولو ثبت تثليث الجسد لنقل إلينا كغيره. وقول من قال إن الغسل أولى بالتثليث لا يخلو عن نظر لأنه قد غلظ فيه في حديث إيصال الماء إلى تمام الأعضاء فلا يغلظ فيه ثانيا من حيث التثليث وأيضا في تثليثه من الحرج ما ليس في تثليث الوضوء (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية مذاكرة العلم عند رؤساء الدين. وعلى مشروعية إفاضة الماء على الرأس في الغسل من الجنابة ثلاث مرات. وعلى أنه ينبغى للمعلم أن يسلك في تعليمه ما يسهل فهمه على المتعلم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والبيهقي والنسائى وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوِ الْحِلَابِ، فَأَخَذَ بِكَفَّيْهِ فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ، فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله أبو عاصم) الضحاك بن مخلد (قوله حنظلة) بن أبى سفيان ابن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية المكي الجمحى. روى عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وطاوس وعطاء بن أبى رباح وآخرين. وعنه الثورى ويحيى القطان وابن المبارك ووكيع وغيرهم وثقه أبو زرعة وأبو داود والنسائى وأحمد وقال ابن معين ثقة حجة. مات سنة إحدى وخمسين ومائة، روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله إذا اغتسل الخ) أى إذا أراد أن يغتسل طلب إناء مثل الحلاب بكسر

الحاء المهملة وتحفيف اللام إناء يسع قدر حلب ناقة وكذا المحلب بكسر الميم. وقد وصفه أبو عاصم بأنه أقلّ من شبر في شبر أخرجه أبو عوانة في صحيحه. وفي رواية لابن حبان وأشار أبو عاصم بكفيه فكأنه حلق بشبرية يصف به دوره الأعلى (قال) النووى والحلاب هو المشهور الصحيح المعروف في الرواية. وعن الأزهرى أنه الجلاب بضم الجيم وتشديد اللام وهو ماء الورد وهو فارسىّ معرّب وأنكره الهروى اهـ بتصرّف (وقال) القرطبي الحلاب بالحاء المهملة لا يصح غيره وقد وهم من ظنه من الطيب وكذا من قاله بضم الجيم اهـ (قوله فأخذ بكفيه الخ) أى أخذ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الماء الذى في الإناء بكفيه فابتدأ بجانب رأسه الأيمن ثم ثنى بالأيسر. والشقّ بكسر الشين ويطلق أيضا على نصف الشئ. ومنه تصدّقوا ولو بشقّ تمرة (قوله ثم أخذ بكفيه) إشارة إلى الغرفة الثالثة كما في رواية أبى عوانة (قوله فقال بهما على رأسه) وفى رواية البخارى على وسط رأسه أى صبّ الماء بكفيه على رأسه كله ففيه إطلاق القول على الفعل مجازا (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية تهيئة الماء للطهارة، وعلى استحباب البدء بالرأس في الغسل ولعله لكونها أكثر شعثا من بقية البدن. وعلى طلب غسل الميامن قبل المياسر وعلى طلب تثليث غسل الرأس (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى وأخرجه البيهقى بسنده إلى عائشة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل في حلاب قدر هذا وأرانا أبو عاصم قدر الحلاب بيده فإذا هو كقدر كوز يسع ثمانية أرطال ثم يصبّ على شق رأسه الأيمن ثم يصبّ على شقّ رأسه الأيسر ثم يأخذ كفيه فيصب وسط رأسه (ص) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ، عَنْ صَدَقَةَ، قال ثَنَا جُمَيْعُ بْنُ عُمَيْرٍ أَحَدُ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أُمِّي وَخَالَتِي عَلَى عَائِشَةَ، فَسَأَلَتْهَا إِحْدَاهُمَا كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ عِنْدَ الْغُسْلِ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَنَحْنُ نُفِيضُ عَلَى رُءُوسِنَا خَمْسًا مِنْ أَجْلِ الضُّفُرِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله يعقوب بن إبراهيم) بن كثير بن زيد بن أفلح العبدى الدورقى أبو يوسف سكن بغداد. روى عن ابن علية ويحيى القطان وأبى عاصم

مذاهب العلماء في الوضوء قبل الغسل

وآخرين. وعنه البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه. قال أبو حاتم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وقال الخطيب ثقة متقن ووثقه النسائى ومسلمة بن قاسم ولد سنة ست وستين ومائة. ومات سنة اثنتين وخمسين ومائتين (قوله صدقة) بن سعيد الحنفى الكوفي. روى عن جميع بن عمير وبلال بن المنذر ومصعب بن شيبة. وعنه الثورى وعبد الواحد ابن زياد وأبو بكر بن عياش وزائدة. قال البخارى عنده عجائب وضعفه ابن وضاح وقال الساجى ليس بشئ وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود وابن ماجه (قوله جميع بن عمير) بالتصغير فيهما أبو الأسود الكوفي التيمى. روى عن ابن عمر وأبي بردة وعائشة. وعنه صدقة ابن سعيد والأعمش وأبو إسحاق الشيباني والعلاء بن صالح وغيرهم. قال البخارى فيه نظر وقال أبن عدى في أحاديثه نظر وعامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد وقال ابن نمير كان من أكذب الناس وقال ابن حبان كان رافضيا يضع الحديث وقال الساجى له أحاديث مناكير وقال العجلى تابعي ثقة وقال أبو حاتم محله الصدق صالح الحديث، روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله مع أمى وخالتي) مع ظرف متعلق بمحذوف حال أى دخلت حال كوني مصاحبا لأمي وخالتي. ولم نقف على اسميهما (قوله يتوضأ وضوءه للصلاة) أى يتوضأ مثل وضوئه للصلاة كما في رواية البخارى ومالك في الموطأ وفي رواية ابن ماجه عن جميع كان يفيض على كفيه ثلاث مرّات ثم يدخلهما الإناء ثم يغسل رأسه ثلاث مرّات ثم يفيض على جسده. وقدّم غسل أعضاء الوضوء تشريفا لها ولتحصل لها الطهارتان الصغرى والكبرى (وظاهر) الحديث أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ وضوءا كاملا ولم يؤخر غسل الرجلين ولا تنافى بينه وبين ما يأتى في حديث ميمونة من أنه كان يؤخر غسلهما لحمل كل على حالة كما سيأتى بيانه إن شاء الله تعالى (وظاهر) الحديث أيضا استحباب تكرار غسل أعضاء الوضوء لتشبيهه بوضوء الصلاة (وقال) القاضى عياض لم يأت في شئ من الروايات في وضوء الغسل ذكر التكرار اهـ لكنه مردود بحديث الباب وغيره مما فيه تشبيه وضوء الغسل بوضوء الصلاة والتشبيه يقضى بالتكرار. وبما رواه البيهقي عن أبى سلمة عن عائشة أنها وصفت غسله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفيه ثم يتمضمض ثلاثا ويستنشق ثلاثا ويغسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا ثم يفيض على رأسه ثلاثا، وبما. رواه النسائى عن ابن عمر في صفة الغسل أيضا وفيه ثم يغسل يديه ثلاثا ويستنشق ويمضمض ويغسل وجهه وذراعيه ثلاثا ثلاثا. وقال الأبىّ ومن شيوخنا من كان يفتي سائله بالتكرار. اهـ (واختلف) في حكم هذا الوضوء فقيل سنة وهو مذهب الجمهور وهو الظاهر، واحتجوا بأن الله تعالى أمر بالغسل ولم يذكر وضوءا. وبما رواه أحمد عن جبير بن مطعم قال تذاكرنا الغسل عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال أما أنا فيكفيني أن

أصبّ على رأسى ثلاثا ثم أفيض بعد ذلك على سائر جسدى. وتقدم نحوه للمصنف. وبقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأم سلمة يكفيك أن تفيضى عليك الماء، وبقوله لأبى ذرّ في حديث التيمم فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك. وسيأتيان للمصنف، فهذه الأحاديث ليس فيها ذكر الوضوء ولو كان واجبا ما تركه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (أما وضوؤه) قبل الغسل فمحمول على الاستحباب جمعا بين الأدلة (وذهب) داود وأبو ثور إلى وجوب الوضوء قبل الغسل لكن لا دليل عليه، وعلى ما ذهب إليه الجمهور من القول بالسنية فإن لم ينو رفع الجنابة عن أعضاء الوضوء وجب عليه إعادة غسلها بنية رفع الجنابة وإلا فلا (قال) ابن دقيق العيد قول عائشة ويتوضأ وضوءه للصلاة يقتضى استحباب تقديم الغسل لأعضاء الوضوء في ابتداء الغسل ولا شك في ذلك نعم يقع البحث في أن هذا الغسل لأعضاء الوضوء هل هو وضوء حقيقة فيكتفى به عن غسل هذه الأعضاء للجنابة فإن موجب الطهارتين بالنسبة إلى هذه الأعضاء واحد أو يقال إن غسل هذه الأعضاء إنما هو عن الجنابة وإنما قدّمت على بقية الجسد تكريما لها وتشريفا ويسقط غسلها عن الوضوء باندراج الطهارة الصغرى تحت الكبرى فقد يقول قائل قولها وضوءه للصلاة مصدر مشبه به تقديره وضوءا مثل وضوئه للصلاة فيلزم من ذلك أن تكون هذه الأعضاء المغسولة مغسولة عن الجنابة لأنها لو كانت مغسولة عن الوضوء حقيقة لكان قد توضأ عين الوضوء للصلاة فلا يصح التشبيه لأنه يقتضى تغاير المشبه والمشبه به فإذا جعلناها مغسولة للجنابة صح التغاير وكان التشبيه في الصورة الظاهرة، وجوابه بعد تسليم كونه مصدرا مشبها به من وجهين (أحدهما) أن يكون شبه الوضوء الواقع في ابتداء غسل الجنابة بالوضوء للصلاة في غير غسل الجنابة والوضوء بقيد كونه في غسل الجنابة مغاير للوضوء بقيد كونه خارجا عن غسل الجنابة فيحصل التغاير الذى يقتضى صحة التشبيه ولا يلزم منه عدم كونه وضوءا للصلاة حقيقة (الثانى) لما كان وضوء الصلاة له صورة معنوية ذهنية شبه هذا الفرد الذى وقع في الخارج بذلك المعلوم في الذهن كأنه يقال أوقع في الخارج ما يطابق الصورة الذهنية لوضوء الصلاة اهـ (قوله من أجل الضفر) تعليل لإفاضتهن خمسا. والضفر بفتح الضاد المعجمة وسكون الفاء مصدر ضفر كضرب يقال ضفر الشعر ضفرا إذا نسجه والمراد به هنا اسم المفعول أى الذوائب المضفورة كالخلق بمعنى المخلوق، ويستفاد من قول عائشة هذا أن المرأة تحثى على رأسها خمس حثيات لكن الحديث ضعيف لأن فيه جميعا وهو ضعيف كما تقدم، على أنه معارض بما يأتى للمصنف من أن المرأة تحثى على رأسها ثلاث حثيات (فقه الحديث) دلّ الحديث على استحباب الوضوء قبل الغسل من الجنابة، وعلى مشروعية إفاضة الماء على الرأس ثلاث مرّات للرجل وخمسا للأنثى، وعلى جواز ضفر الشعر، وعلى

أنه لا يلزم المرأة نقض ضفائرها لأجل الغسل ومحله إن وصل الماء إلى أصول الشعر (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وابن ماجه والدارقطني وفى سنده جميع بن عمير حسن الترمذى حديثه وضعفه غير واحد كما علمت (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ الْوَاشِحِيُّ، وَمُسَدَّدٌ قَالَا: ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ - قَالَ سُلَيْمَانُ - يَبْدَأُ فَيُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ» وَقَالَ مُسَدَّدٌ: «غَسَلَ يَدَيْهِ يَصُبُّ الْإِنَاءَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ اتَّفَقَا فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ»، وَقَالَ مُسَدَّدٌ: «يُفْرِغُ عَلَى شِمَالِهِ، وَرُبَّمَا كَنَتْ عَنِ الْفَرْجِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاءِ، فَيُخَلِّلُ شَعْرَهُ، حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ أَصَابَ الْبَشْرَةَ، أَوْ أَنْقَى الْبَشْرَةَ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا، فَإِذَا فَضَلَ فَضْلَةٌ صَبَّهَا عَلَيْهِ» (ش) (قوله الواشحى) نسبة إلى واشح بطن من الأزد، و (حماد) بن زيد (قوله إذا اغتسل) أى شرع في الغسل (قوله قال سليمان يبدأ الخ) أى قال سليمان بن حرب في روايته إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه ثم يتوضأ الخ وقال مسدد في روايته إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه يصبّ الإناء على يده اليمنى فيغسل فرجه يفرغ على شماله ثم يتوضأ الخ وقوله غسل يديه يصبّ الإناء الخ أى بدأ بغسل يديه حال كونه يصب من الإناء على يده اليمنى. وفي رواية البخارى بدأ فغسل يديه. وفي رواية مالك في الموطأ بدأ بغسل يديه وغسل اليدين يحتمل أن يكون للتنظيف ويحتمل أن يكون هو الغسل المشروع عند القيام من النوم (قوله ثم اتفقا الخ) أى اتفق سليمان ومسدّد في الرواية على قولها فيغسل فرجه أى بعد غسل اليدين يغسل فرجه مفرغا الماء بيمينه على يساره وغسل الفرج لإزالة ما علق به من أذى. وينبغى أن يغسل في الابتداء عن الجنابة لئلا يحتاج إلى غسله مرّة أخرى وقد يقع ذلك بعد غسل أعضاء الوضوء فيحتاج إلى إعادة غسلها فلو اقتصر على غسلة واحدة لإزالة النجاسة وللغسل عن الجنابة أفيكفى ذلك أم لابدّ من غسلتين فيه خلاف ولم يرد في الحديث إلا مطلق الغسل من غير ذكر تكرار فقد يؤخذ منه الاكتفاء بغسلة واحدة (قوله وربما كنت عن الفرج) أى ربما كنت عائشة عن الفرج لاستهجان التصريح باسمه وكنت بفتح النون المخففة من كنيت عن الأمر وكنوت عنه إذا

مذاهب العلماء في تخليل الشعر في الغسل

ورّيت عنه بغيره والاسم الكناية وهى أن يتكلم بشئ يستدلّ به على المكنى عنه كالرفث والغائط. ولم يذكر مسدد في روايته ما كنت به عائشة من الفرج وذكره المصنف في الرواية الآتية بلفظ غسل مرافغه. وذكره مسلم بلفظ ثم صب الماء على الأذى الذى به بيمينه وغسل عنه بشماله (قوله ثم يدخل يديه الخ) وفي نسخة يده وفي رواية البخارى ثم يدخل أصابعه الماء فيخلل بها أصل الشعر. وفي رواية مسلم ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر وفي رواية الترمذى والنسائى ثم يشرب شعره الماء والمراد شعر رأسه كما في رواية حماد بن سلمة عن هشام يخلل بها شقّ رأسه الأيمن فيتبع بها أصول الشعر ثم يفعل بشقّ رأسه الأيسر كذلك رواه البيهقى (وقال) القاضى عياض احتج به بعضهم على تخليل شعر الجسد في الغسل إما لعموم قوله أصول الشعر وإما بالقياس على شعر الرأس اهـ وفائدة التخليل إيصال الماء إلى الشعر والبشرة ومباشرة الشعر باليد ليحصل تعميمه بالماء وتأنيس البشرة لئلا يصيبها بالصب ما تتأذى به، وهذا التخليل غير واجب اتفاقا إلا إن كان الشعر ملبدا بشئ يحول بين الماء وبين الوصول إلى أصوله (وأما التخليل) حين صب الماء أو بعده ففيه خلاف (فذهب) الحنفية استحباب تخليل شعر اللحية والرأس إن وصل الماء إلى أصول الشعر بدون تخليل وإلا فلا بدّ من التخليل (وذهبت) المالكية إلى وجوب تخليل الشعر مطلقا لا فرق بين لحية وغيرها خفيفا كان الشعر أو كثيفا لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خللوا الشعر وأنقوا البشرة فإن تحت كل شعرة جنابة رواه النسائى والترمذى وهو معتمد المذهب، وقيل يفرق في اللحية بين الخفيفة والكثيفة فيجب إذا كانت خفيفة ويندب إذا كانت كثيفة. والمراد بالتخليل الواجب عندهم عرك الشعر وتحريكة حتى يصل الماء للبشرة فلا يجب إدخال الأصابع تحته (وقالت) الشافعية والحنابلة يندب تخليل الشعر إذا أمكن وصول الماء للبشرة بدونه وإلا وجب (قوله حتى إذا رأى الخ) أى فإذا علم أن الماء قد وصل إلى البشرة أفرغ على رأسه ثلاثا وفي رواية الدارمى غرف بمده ثلاث غرفات فصبها على رأسه ثم اغتسل (قوله أو أنقى البشرة) من الإنقاء وهو شك من بعض الرواة. والبشرة ظاهر جلد الإنسان قيل وغيره وتجمع على بشر مثل قصبة وقصب وجمع الجمع أبشار (قوله فإذا فضل فضلة الخ) أى إذا بقيت بقية من الماء صبّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تلك الفضلة على سائر جسده وفضل من بابى نصر وفهم (بهذا) الحديث احتج من قال بعدم وجوب الدلك لأن الصب المذكور في رواية المصنف والإفاضة المذكورة في الروايات الأخر مطلق الإسالة. لكن لا حجة فيه لأن المراد من الصبّ والإفاضة الغسل. وقد وقع الخلاف في الغسل أمن حقيقته الدلك أم لا وتقدّم بأن الخلاف في وجوب الدلك في باب الوضوء

(فقه الحديث) والحديث يدلّ على طلب غسل اليدين أوّلا في غسل الجنابة، وعلى غسل الفرج وعلى طلب الوضوء الشرعي، وعلى طلب تخليل الشعر، وعلى استحباب إفراغ الماء على رأسه ثلاث مرّات، وعلى صبّ ما بقى من الماء على الجسد. وهذه الصفة المذكورة هي المسنونة في الغسل على هذا الترتيب عند عامة العلماء (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى وأحمد والدارمى ومالك في الموطأ والترمذى وقال حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْبَاهِلِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، حَدَّثَنا سَعِيدٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنِ النَّخَعِيِّ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأَ بِكَفَّيْهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ غَسَلَ مَرَافِغَهُ، وَأَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ، فَإِذَا أَنْقَاهُمَا أَهْوَى بِهِمَا إِلَى حَائِطٍ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْوُضُوءَ، وَيُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عمرو بن على) في بحر بن كنيز بضم الكاف وبالنون والزاى أبو حفص الصيرفي الفلاس البصرى الحافظ أحد الأعلام. روى عن يزيد بن زريع والمعتمر بن سليمان وابن عيينة ويحيى القطان وآخرين. وعنه أبو زرعة وأبو حاتم والبخارى ومسلم وأبو داود والترمذى وابن ماجه وعبد الله بن أحمد وكثيرون. قال النسائى ثقة حافظ صاحب حديث وقال أبو حاتم صدوق وقال الدارقطني كان من الحفاظ إماما متقنا وذكره ابن حبان في الثقات وقال مسلمة بن قاسم ثقة حافظ. توفي سنة تسع وأربعين ومائتين. و (الباهلى) نسبة إلى باهلة قبيلة من قيس عيلان وهو في الأصل اسم امرأة من همدان كانت تحت معن ابن أعصر بن سعد (قوله محمد بن أبى عدى) كنية أبيه إبراهيم وقيل إنه منسوب إلى جدّه فإنه محمد بن إبراهيم بن أبى عدى السلمى مولاهم أبو عمرو البصرى. روى عن سليمان التيمى وحميد الطويل وشعبة ويونس بن عبيد ومحمد بن إسحاق وغيرهم. وعنه أحمد بن حنبل وابن معين ومحمد بن المثني وقتيبة بن سعيد وآخرون. وثقه ابن سعد وأبو حاتم والنسائى وذكره ابن حبان في الثقات وأثنى عليه عبد الرحمن بن مهدى ومعاذ بن معاذ وفي الميزان قال أبو حاتم مرّة لا يحتج به. مات بالبصرة سنة أربع وتسعين ومائة. و (سعيد) بن أبى عروبة. و (أبو معشر) زياد ابن كليب. و (النخعى) إبراهيم. و (الأسود) بن يزيد (معنى الحديث) (قوله ثم غسل مرافغه) بفتح الميم وكسر الفاء ثم الغين المعجمة. وفي بعض

مشروعية مسح اليد بالتراب بعد الاستنجاء

النسخ مرافقه بالقاف قال العراقى والأولى هي الصحيحة. والمرافغ أصول الفخذين واليدين لا واحد له من لفظه، والمراد بها هنا الفرج كما جاء في بعض الروايات "إذا التقى الرفغان وجب الغسل" يريد التقاء الختانين فكنى بالرفغين عن الختانين. ويحتمل أن في الكلام اختصارا وأصله غسل فرجه ومرافغه (وفي النهاية) الرفع بالضم والفتح واحد الأرفاغ وهي أصل المغابن كالآباط وغيرها من مطاوى الأعضاء وما يجتمع فيه من الوسخ والعرق. وفي حديث عمر إذا التقى الرفغان وجب الغسل يريد التقاء الختانين فكنى عنه بالتقاء أصول الفخذين لأنه لا يكون إلا بعد التقاء الختانين اهـ (قوله وأفاض عليه الماء) أى أنه بعد أن غسل فرجه ومرافغه من الأذى أفاض عليهما الماء مبالغة في الغسل. ويحتمل أن في الكلام تقديما وتأخيرا وأصله ثم أفاض الماء على مرافغه وغسلها (قوله فإذا أنقاهما الخ) أى إذا أنقى اليدين بالغسل ثانيا بعد الفراغ من غسل الفرج أمالهما إلى جدار فمسحهما به ليزول ما علق بهما من الأذى والرائحة مبالغة في الإنقاء (قوله ثم يستقبل الوضوء) أى يشرع في الوضوء ويصب الماء على رأسه (فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على مشروعية غسل المغابن في الغسل، وعلى مشروعية مسح اليدين بالتراب بعد الفراغ من الاستنجاء (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد عن الأسود عن عائشة أيضا بلفظ كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أراد أن يغتسل بدأ بكفيه فغسلهما ثم أفاض بيمينه على شماله فغسل مراقه حتى إذا أنقى أهوى بيده إلى الحائط ثم غسلها ثم استقبل الطهور وأفاض عليه الماء، والمراق ما رقّ ولان من أسفل البطن (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ شَوْكَرٍ، ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عُرْوَةَ الْهَمْدَانِيِّ، حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «لَئِنْ شِئْتُمْ لَأُرِيَنَّكُمْ أَثَرَ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَائِطِ حَيْثُ كَانَ يَغْتَسِلُ مِنَ الجَنَابَةِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله الحسن بن شوكر) بفتح فسكون البغدادى أبو على. روى عن إسماعيل بن جعفر وإسماعيل بن علية وهشيم بن بشير ويوسف بن عطية وخلف بن خليفة وعنه أبو داود ومحمد بن المنادى والقاسم بن يحيى وأبو أحمد العبدوسى. ذكره ابن حبان في الثقات مات سنة ثلاثين ومائتين (قوله عروة الهمداني) هو ابن الحارث الكوفي المعروف بأبى فروة الأكبر. روى عن أبي عمرو الشيبانى والشعبي وعبد الرحمن بن أبى ليلى وأبى زرعة. وعنه الأعمش وأبو إسحاق ومسعر والسفيانان وشعبة. قال ابن معين ثقة وذكره ابن حبان في ثقات

التابعين. روى له البخارى مقرونا ومسلم وأبو داود والنسائى (معنى الحديث) (قوله لئن شئتم لأرينكم الخ) اللام موطئة للقسم أى والله إن شئتم أيها الراغبون في معرفة ما كان يفعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في غسل الجنابة بعد أن يغسل فرجه لأبصرنكم علامة يد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم التي حصلت من ضرب يده على الحائط حينما كان يغتسل من الجنابة، فأرينكم من الإراءة وهى الإبصار. والأثر بفتحتين العلامة، ولعلّ بعض القوم تردّد فيما حدّثت به عائشة من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يضرب بيده الحائط في غسل الجنابة بعد غسل فرجه فقالت لهم لئن شئتم لأرينكم الخ دفعا لتردّدهم وتأكيدا لما حدّثت به (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد عن عروة عن الشعبي عن عائشة بلفظ كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا اغتسل من الجنابة بدأ فتوضأ وضوءه للصلاة وغسل فرجه ومسح يده بالحائط ثم أفاض عليه الماء فكأني أرى أثر يده في الحائط (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، ثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: «وَضَعْتُ للنبى صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلًا يَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَأَكْفَأَ الْإِنَاءَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى، فَغَسَلَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ صَبَّ عَلَى فَرْجِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ فَغَسَلَهَا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَجَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى نَاحِيَةً فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، فَنَاوَلْتُهُ الْمِنْدِيلَ فَلَمْ يَأْخُذْهُ وَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ عَنْ جَسَدِهِ» فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: «كَانُوا لَا يَرَوْنَ بِالْمِنْدِيلِ بَأْسًا، وَلَكِنْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْعَادَةَ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ مُسَدَّدٌ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ: كَانُوا يَكْرَهُونَهُ لِلْعَادَةِ؟ فَقَالَ: هَكَذَا هُوَ، وَلَكِنْ وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِي هَكَذَا (ش) (رجال الحديث) (قوله سالم) بن أبى الجعد (قوله كريب) بن أبى مسلم المدني القرشي الهاشمى أبو رشدين مولى ابن عباس. روى عن ابن عباس وأسامة بن زيد ومعاوية بن أبى سفيان وأم سلمة وميمونة وعائشة وآخرين. وعنه ابناه محمد ورشدين وأبو سلمة وموسى بن عقبة والزهرى وكثيرون: قال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وذكره ابن حبان في الثقات ووثقه ابن معين والنسائى

مات بالمدينة سنة ثمان وتسعين. روى له الجماعة (قوله ميمونة) بنت الحارث بن حزن بن بجير الهلالية أم المؤمنين. تزوّجها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سنة ست من الهجرة بعد أن تأيمت من أبى رهم بن عبد العزى على الصحيح. روى لها عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ستة وأربعون حديثا اتفق الشيخان على سبعة وانفرد البخارى بحديث ومسلم بخمسة. روى عنها عبد الله بن عباس وكريب وعبد الله بن شدّاد وغيرهم. توفيت بسرف سنة إحدى وخمسين وصلى عليها ابن عباس. روى لها الجماعة (معنى الحديث) (قوله وضعت لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) وهكذا رواية الترمذى وابن ماجه ورواية للبخارى وفى أخرى له صببت للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غسلا وفى رواية مسلم أدنيت لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غسله. والغسل بضم الغين المعجمة وسكون السين المهملة المراد به الماء الذى يغتسل به كما صرّح به في رواية للبخارى عن ميمونة قالت وضعت له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ماء للغسل وكذلك الغسول بضم الغين والمغتسل يطلقان على ماء الغسل قال الله تعالى "هذا مغتسل بارد وشراب" (قوله فغسلها مرّتين أو ثلاثا) بالشك من سليمان الأعمش كما صرّح به البخارى من طريق أبى عوانة عن الأعمش عن ميمونة أيضا وفيه فصبّ على يده فغسلها مرّة أو مرّتين قال سليمان لا أدرى أذكر الثالثة أم لا وفى رواية للبخارى من طريق عبد الواحد عن الأعمش وفيه فأفرغ على يديه وغسلهما مرّتين أو ثلاثا. ولابن فضيل عن الأعمش فصبّ على يديه ثلاثا ولم يشك أخرجه أبو عوانة في صحيحه (قال) الحافظ فكأن الأعمش كان يشك فيه ثم تذكر فجزم لأن سماع ابن فضيل منه متأخر اهـ (قوله فغسل فرجه) إظهار في مقام الإضمار لزيادة الإيضاح، وفى رواية مسلم ثم أدخل يده في الإناء ثم أفرغ به على فرجه وغسله بشماله، وفى رواية للبخارى ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره (قوله ثم ضرب بيده الأرض) وفى رواية مسلم ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكا شديدا. وفى رواية للبخارى ثم قال بيده الأرض فمسحها بالتراب ثم غسلها (وفيه دليل) على استحباب مسح اليد بالتراب من الحائط أو الأرض عقب الاستنجاء بالماء لكمال الإنقاء كما تقدم (قال) اين دقيق العيد إذا بقيت رائحة النجاسة بعد الاستقصاء في الإزالة لم يضرّ على مذهب بعض الفقهاء وفى مذهب الشافعى خلاف وقد يؤخذ العفو عنه من هذا الحديث ووجهه أن ضربه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالأرض أو الحائط لا بدّ وأن يكون لفائدة ولا جائز أن يكون لإزالة العين لأنه لا تحصل الطهارة مع بقاء العين اتفاقا وإذا كانت اليد نجسة ببقاء العين فيها فعند انفصالها ينجس المحل بها وكذلك لا يكون للطعم لأن بقاء الطعم دليل على بقاء العين ولا يكون لإزالة اللون لأن الجنابة بالإنزال أو بالمجامعة لا تقتضى لونا يلصق باليد وإن اتفق فنادر جدّا فبقى أن

يكون لإزالة الرائحة ولا يجوز أن يكون لإزالة رائحة تجب إزالتها لأن اليد قد انفصلت عن المحل على أنه قد طهر ولو بقى ما يتعين إزالته من الرائحة لم يكن المحل طاهرا لأنه عند الانفصال تكون اليد نجسة وقد لابست المحل مبتلا فيلزم من ذلك أن يكون بعض الرائحة معفوًّا عنه ويكون الضرب بالأرض لطلب الأكمل فيما لا تجب إزالته. ويحتمل أن يقال فصل اليد عن المحل بناء على ظنّ طهارته لزوال رائحته والضرب بالأرض لإزالة احتمال في بقاء الرائحة مع الاكتفاء بالظنّ في زوالها ويقوّى الاحتمال الأول ما ورد في الحديث الصحيح من كونه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دلكها دلكا شديدا والدلك الشديد لا يناسبه الاحتمال الضعيف اهـ (قوله ثم تمضمض واستنشق) فيه دليل على مشروعية المضمضة والاستنشاق في الغسل (وقد) اختلف العلماء فيهما في الغسل والوضوء (فقالت) طائفة بوجوبهما فيهما منهم ابن المبارك وأحمد وإسحاق (وقالت) طائفة بوجوبهما في الغسل دون الوضوء وهو قول سفيان الثورى والحنفية (وقالت) طائفة إنهما سنتان في الوضوء والغسل وهو قول مالك والشافعى وقد تقدّم الكلام فيهما وافيا بالأدلة في باب الوضوء (قوله ثم صبّ على رأسه وجسده) ظاهره أنه لم يخلل شعر رأسه اكتفاء بالغسل المفروض وتقدم للمصنف أنه يخلله ثم يفيض على رأسه ثلاثا وفى الصحيحين أنه يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يصبّ على رأسه فيحتمل أن الراوى ترك ذلك هنا اختصارا أو أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترك التخليل أحيانا لبيان الجواز (قال) الترمذى وهذا الذى اختاره أهل العلم في الغسل من الجنابة أنه يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفرغ على رأسه ثلاث مرّات ثم يفيض الماء على سائر جسده اهـ (قوله ثم تنحى ناحية الخ) أى تباعد وتحوّل عن مكانه إلى مكان آخر فغسل رجليه، وفيه التصريح بتأخير غسل الرجلين إلى نهاية الغسل وقد جاءت الأحاديث في هذا الباب مختلفة ففى أحاديث عائشة في الصحيحين وغيرهما توضأ كوضوء الصلاة. وفى رواية لمسلم من طريق أبى معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ثم يتوضأ وضوءه للصلاة "الحديث" وفى آخره ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه. وفي أكثر أحاديث ميمونة ثم توضأ ثم أفاض الماء عليه ثم تنحى فغسل رجليه. وفي حديث لها عند البخارى توضأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وضوءه للصلاة غير رجليه ثم أفاض عليه الماء ثم نحى رجليه فغسلهما، ولا تخالف بين هذه الروايات لأن روايات عائشة تحمل على أن المراد بوضوء الصلاة أكثره وهو ما سوى الرجلين أو تحمل على ظاهرها من إتمام الوضوء قبل الغسل في حالة ويكون قولها في رواية مسلم عن أبى معاوية ثم غسل رجليه أى أعاد غسلهما لاحتمال أن يكون المغتسل غير نظيف وتحمل روايات تأخر غسل القدمين على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل في مكان يجتمع فيه الماء أو على أن ذلك كان لإزالة طين ونحوه ويحتمل أنه أحيانا

أقوال الفقهاء في تأخير غسل الرجلين في الوضوء الذي قبل الغسل والتنشيف بعد الغسل والوضوء

كان يتوضأ وضوءا كاملا وأحيانا يؤخر غسل رجليه وبحسب اختلاف هاتين الحالتين اختلف العلماء (فذهب) الجمهور إلى استحباب تأخير غسل الرجلين في الغسل (وذهب) أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الأفضل إكمال الوضوء أوّلا إن كان يغتسل في محل لا يجتمع فيه الماء وتأخير غسل القدمين إن كان يغتسل في نحو طست (وعن مالك) إن كان المكان غير نظيف فالمستحب تأخير غسلهما وإلا فالتقديم (وعند) الشافعية في الأفضل قولان أصحهما وأشهرهما أنه يكمل وضوءه لأن أكثر الروايات عن عائشة وميمونة كذلك قاله النووى (قال) الحافظ في الفتح وليس في شيء من الروايات عنهما التصريح بذلك "يعنى بإكمال الوضوء أول الغسل" بل هي إما محتملة كرواية توضأ وضوءه للصلاة أو ظاهرة في تأخيرهما كرواية أبى معاوية المتقدمة ويوافقها أكثر الروايات عن ميمونة أو صريحة في تأخيرهما بحديث الباب "يعنى حديث توضأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وضوءه للصلاة غير رجليه" وراويه مقدّم في الحفظ والفقه على جميع من رواه عن الأعمش (وقول) من قال إنما فعل ذلك مرة لبيان الجواز (متعقب) فإن في رواية أحمد عن أبي معاوية عن الأعمش ما يدلّ على المواظبة ولفظه كان إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه فذكر الحديث وفي آخره ثم يتنحى فيغسل رجليه اهـ (قوله فناولته المنديل فلم يأخذه) وفي رواية للبخارى فناولته خرقة فقال بيده هكذا ولم يردها بضم المثناة التحتية من الإرادة. وفي رواية لمسلم ثم أتيته بالمنديل فردّه، والمنديل بكسر الميم مشتقّ من ندلت الشئ ندلا من باب قتل إذا جذبته أو أخرجته ونقلته. وهو مذكر ولا يجوز تأنيثه فلا يقال منديل حسنة (وبهذا الحديث) استدلّ من قال بكراهة التنشيف في الغسل والوضوء منهم جابر بن عبد الله وابن أبي ليلى وسعيد بن المسيب لكن لا حجة لهم فيه لأنها واقعة حال يتطرّق إليها الاحتمال فيجوز أن يكون عدم الأخذ لأمر آخر لا يتعلق بكراهة التنشيف واستدلوا على الكراهة أيضا بحديث أنس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم لم يكن يمسح وجهه بالمنديل بعد الوضوء ولا أبو بكر ولا عليّ ولا عمر ولا ابن مسعود أخرجه ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ، وفيه سعيد بن ميسرة البصرى قال البخارى منكر الحديث وقال ابن حبان يروى الموضوعات، وإن صح فليس فيه نهيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وغاية ما فيه أن أنسا لم يثبت عنده ذلك وهو غير مستلزم للنهى (وذهب) إلى إباحة التنشيف بعد الغسل والوضوء عثمان بن عفان والحسن بن على وأنس بن مالك والحسن البصرى وأبو حنيفة ومالك وأحمد، واحتجوا بحديث سلمان الفارسى أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ فقلب جبة صوف كانت عليه فمسح بها وجهه أخرجه ابن ماجه، وبحديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت كان لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرقة يتنشف بها بعدا لوضوء رواه الترمذى وقال ليس بالقائم وروى أيضا عن معاذ قال رأيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا توضأ مسح

حكم نفض الماء عن الجسد بعد الوضوء والغسل

وجهه بطرف ثوبه وهو ضعيف لأن فيه رشدين بن سعد وعبد الرحمن بن زياد الإفريقي وهما ضعيفان وبحديث إياس بن جعفر عن رجل من الصحابة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان له منديل أو خرقة يمسح بها وجهه إذا توضأ رواه النسائى في الكنى بسند صحيح، والأحاديث في ذلك كثيرة وهى وإن كان في بعضها مقال إلا أن كثرتها يقوّى بعضها بعضا (وذهب) ابن عباس إلى أنه مكروه في الوضوء دون الغسل (وللشافعية) فيه أقوال أشهرها أن المستحب تركه (ثانيها) أنه مكروه (ثالثها) مباح يستوى فعله وتركه (رابعها) مستحب لما فيه من الاحتراز عن الأوساخ (خامسها) يكره في الصيف دون الشتاء (قال) النووى هذا كله ما لم تكن هناك حاجة إلى التنشيف كخوف برد أو التصاق نجاسة وإلا فلا كراهة قطعا اهـ (قوله وجعل ينفض الماء عن جسده) أى شرع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسقط الماء عن جسده يقال نفضت الورق عن الشجرة أسقطته (وفمه دليل) على جواز نفض ماء الغسل عن الأعضاء ومثله الوضوء بالقياس عليه إذ لم يثبت في النهى عنه شئ صحيح (وما ورد) من قوله لا تنفضوا أيديكم في الوضوء فإنها مراوح الشيطان (قال) ابن الصلاح لم أجده وقال النووى ضعيف لا يعرف اهـ وقد أخرجه ابن حبان في الضعفاء وابن أبي حاتم في العلل عن أبى هريرة فإذا لم يعارضه حديث الباب لم يكن صالحا لأن يحتج به (قال) النووى فيه دليل على أن نفض اليد بعد الوضوء والغسل لا بأس به (وقد) اختلف أصحابنا فيه على أوجه (أشهرها) أن المستحب تركه ولا يقال إنه مكروه (والثانى) أنه مكروه (والثالث) أنه مباح يستوى فعله وتركه وهذا هو الأظهر المختار فقد جاء هذا الحديث الصحيح في الإباحة ولم يثبت في النهى شيء أصلا اهـ (قوله فذكرت ذلك الخ) أى قال سليمان الأعمش ذكرت ردّه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المنديل ونفضه الماء بيده لإبراهيم النخعى فقال كان السلف لا يرون في التمسح بالمنديل بأسا وإنما كرهوا أن يتخذ عادة بعد الوضوء. وفى رواية أحمد والبيهقى فقال سليمان الأعمش فذكرت ذلك لإبراهيم النخعى فقال إبراهيم لا بأس بالمنديل وإنما ردّه مخافة أن يصير عادة. ففى روايتهما إسناد القول لإبراهيم لا للسلف (قوله قلت لعبد الله بن داود كانوا يكرهونه للعادة الخ) أى قال مسدد لشيخه عبد الله بن داود أتحفظ ما دار بين الأعمش وإبراهيم وتوجيه إبراهيم عن السلف لردّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المنديل فقال عبد الله إنما أحفظ حديث ميمونة خاليا مما ذكر لكن وجدت الحديث في كتابى هكذا مشتملا على ذلك (قال) ابن رسلان قال أصحاب الحديث إذا وجد الحافظ في كتابه خلاف ما يحفظه فإن كان حفظه من كتابه فليرجع إلى كتابه وإن كان حفظه من فم المحدّث أو من القراءة على المحدّث وهو غير شاكّ في حفظه فليعتمد على حفظه والأحسن أن يجمع بينهما كما فعل عبد الله بن داود فيقول في حفظى كذا وفى كتابى كذا وكذا فعل شعبة

ما دل عليه حديث ميمونة أم المؤمنين من جواز الاستعانة بالغير في إحضار ماء الغسل وطلب المضمضة والاستنشاق في الغسل وغير ذلك من المسائل

وغير واحد من الحفاظ اهـ (ويحتمل) أن يكون المعنى قال مسدد لعبد الله بن داود هل المراد أنهم كانوا يكرهونه للعادة فقال عبد الله بن داود هذا هو المراد لكن وجدته في كتابي بلفظ كانوا يكرهون العادة بغير اللام الجارة (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز الاستعانة بإحضار ماء الغسل ومثله الوضوء، وعلى مشروعية خدمة المرأة زوجها، وعلى طلب صب الماء باليمين على الشمال لغسل الفرج بها، وعلى تقديم غسل الكفين على غسل الفرج وقد علمت أنه محمول على ما إذا كان بهما أذى أو كان مستيقظا من النوم. وعلى تكرار غسل اليدين. وعلى طلب غسل الفرج بالشمال. وعلى طلب مسح اليد بالأرض بعد الاستنجاء لإزالة ما بها من الأذى. وعلى مشروعية المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة وعلى أن الغسل لا تثليث فيه. وعلى جواز تأخير غسل الرجلين في الوضوء الذى قبل الغسل إلى تمام الغسل. وعلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان معتادا للتنشيف ولولا ذلك لم تأته بالمنديل وقد علمت وجه ردّه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للمنديل في هذه الواقعة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي وكذا البخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه وليس في حديثهم قصة إبراهيم النخعى (ص) حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى الْخُرَاسَانِيُّ، ثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ: "أنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ يُفْرِغُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى سَبْعَ مِرَارٍ، ثُمَّ يَغْسِلُ فَرْجَهُ - فَنَسِيَ مَرَّةً كَمْ أَفْرَغَ، فَسَأَلَنِي كَمْ أَفْرَغْتُ؟ فَقُلْتُ لَا أَدْرِي. فَقَالَ: لَا أُمَّ لَكَ، وَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَدْرِيَ؟ - ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى جِلْدِهِ الْمَاءَ ". ثُمَّ يَقُولُ: «هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَتَطَهَّرُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله ابن أبى فديك) بالتصغير هو محمد بن إسماعيل بن مسلم الديلمى مولاهم المدني أبو إسماعيل. روى عن أبيه وسلمة بن وردان ومحمد بن عمرو بن علقمة وداود بن قيس وهشام بن سعد وآخرين. وعنه الشافعى والحميدى وأحمد بن صالح وأحمد بن حنبل وكثيرون. قال النسائى ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات ووثقه ابن معين وقال ابن سعد كان كثير الحديث ليس بحجة. مات سنة مائتين. روى له الجماعة. و (ابن أبي ذئب) هو محمد ابن عبد الرحمن القرشى (قوله شعبة) بن دينار القرشى، الهاشمى مولاهم أبو عبد الله مولى ابن عباس. روى عن ابن عباس. وعنه بكير بن الأشج وابن أبي ذئب وحفص بن عمر وغيرهم

نسخ الصلوات المكتوبة من خمسين إلى خمس وغسل الجنابة من سبع إلى واحدة وكذا غسل النجاسة

قال ابن معين ليس به بأس وقال مالك ليس بثقة وقال النسائى والجوزجاني وأبو حاتم ليس بالقوى وقال أحمد ما أرى به بأسا وضعفه أبو زرعة والساجى. توفي في خلافة هشام بن عبد الملك (معنى الحديث) (قوله كان إذا اغتسل الخ) أى كان ابن عباس إذا أراد الغسل من الجنابة أفرغ بيده اليمنى على اليسرى سبع مرار قبل أن يدخلها في الإناء فنسى مرّة العدد الذى أفرغه على يده قال شعبة فسألني ابن عباس كم أفرغت أسبع مرار أم أقل (قوله لا أمّ لك) قال في النهاية هو ذمّ وسب أى أنت لقيط لا تعرف لك أمّ وقيل قد يقع مدحا بمعنى التعجب منه وفيه بعد اهـ (وقال) الطيبي لا أمّ لك ولا أب لك أكثر ما يذكر في المدح أى لا كافي لك غير نفسك وقد يذكر للذم والتعجب ودفعا للعين اهـ ولعل ابن عباس لم يرد ذمه بل أراد التعجب منه لعدم يقظته للأمر. ويؤخذ منه أن للشيخ أن يؤدب تلميذه بمثل ذلك ليحثه على حفظ ما ينبغي حفظه ويعتني بشأنه (قوله هكذا كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتطهر) أى في الغسل من الجنابة (والظاهر) من هذا الحديث أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يغسل يديه في الغسل من الجنابة سبع مرار لكن الحديث ضعيف لأن فيه شعبة ابن دينار وفيه مقال فلا يحتج بحديثه ولا يصلح لمعارضة الأحاديث الصحاح التي فيها النص على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يغسل يديه في الغسل ثلاث مرار وعلى تقدير صحته فيحمل على أنه كان أوّلا ثم نسخ بالحديث الآتي وبأحاديث أخر فيها غسل يديه ثلاثا (فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على أن غسل اليدين في الجنابة سبع مرار وقد علمت ما فيه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد وفي سنده شعبة بن دينار وهو ضعيف كما تقدّم (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا أَيُّوبُ بْنُ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُصْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَتِ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ، وَالْغُسْلُ مِنَ الجَنَابَةِ سَبْعَ مِرَارٍ، وَغَسْلُ الْبَوْلِ مِنَ الثَّوْبِ سَبْعَ مِرَارٍ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَسْأَلُ حَتَّى جُعِلَتِ الصَّلَاةُ خَمْسًا، وَالْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ مَرَّةً، وَغَسْلُ الْبَوْلِ مِنَ الثَّوْبِ مَرَّةً» (ش) (رجال الحديث) (قوله أيوب بن جابر) بن سيار بن طارق اليمامي السحيمى الكوفى أبو سليمان. روى عن عبد الله بن عصِم وآدم بن على وسماك بن حرب وأبي إسحاق السبيعى وجماعة. وعنه قتيبة وأبو داود الطيالسى وابن أبى ليلى وآخرون. ضعفه النسائى وأبو حاتم

كلام العلماء في عدد غسلات النجاسة

وابن معين وقال ليس بشئ وقال أبو زرعة واهي الحديث ضعيف وقال ابن حبان كان يخطئُ حتى خرج عن حدّ الاحتجاج به لكثرة وهمه وقال ابن عدى يكتب حديثه. روى له أبو داود والترمذى (قوله عبد الله بن عصم) بضم العين وسكون الصاد المهملتين ويقال ابن عصمة أبو علوان العجلى الحنفى. روى عن ابن عمر وابن عباس وأبى سعيد الخدرى. وعنه شريك بن عبد الله وأيوب بن جابر، قال ابن معين ثقة وقال أبو زرعة ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئُ وذكره أيضا في الضعفاء وقال منكر الحديث جدًّا على قلة روايته يحدّث عن الأثبات بما لا يشبه أحاديثهم حتى يسبق إلى القلب أنها موهومة أو موضوعة. روى له أبو داود والترمذى (معنى الحديث) (قوله كانت الصلاة خمسين الخ) أى فرض الله تعالى الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبعا وغسل الثوب من النجاسة سبعا وكان ذلك في أول مشروعية ما ذكر فاستمرّ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسأل ربه عزّ وجلّ التخفيف عن أمته لعظم ما عنده من الرأفة والرحمة فأجاب الله طلبه. أما جعل الصلاة خمسا فكان في ليلة الإسراء كما في حديث الإسراء الطويل عند مسلم وفيه قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ففرض الله علىّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى فقال ما فرض ربك على أمتك قلت خمسين صلاة فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك فإنى بلوت بنى إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربى فقلت يا رب خفف على أمتى فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت قد حط عني خمسا قال فإن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف قال فلم أزل بين ربى تبارك وتعالى وبين موسى حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذاك خمسون صلاة (قال) في الفتح وأبدى بعض الشيوخ حكمة لاختيار موسى تكرير ترداده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال لما كان موسى قد سأل الرؤية فمنع وعرف أنها حصلت لمحمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قصد بتكرير رجوعه تكرير رؤيته ليرى من رأى اهـ ودلّ تكرار سؤاله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تلك المرّات كلها على أن الأمر في كل مرّة لم يكن على سبيل الإلزام بخلاف المرّة الأخيرة. وأما جعل الغسل من الجنابة وغسل الثوب من النجاسة مرّة فهو محتمل لأن يكون مع الصلاة ليلة الإسراء ولأن يكون ليلة أخرى. وغسل الثوب مرّة هو مذهب الشافعية والمالكية غير أن الشافعية قالوا يندب تثليث الغسل لكن محله إن زالت النجاسة بها وإلا فيجب التكرار حتى تزول وهو إحدى الروايتين عن أحمد واختاره صاحب المغنى. والرواية الأخرى عنه لا يكفى أقل من سبع مرّات منقية (وقالت) الحنفية النجاسة ضربان مرئية وغير مرئية فما كان منها مرئيا فطهارته بزوال عينها وما ليس بمرئى فطهارته أن

ما دل عليه حديث ابن عمر من تخفيف الله تعالى عن هذه الأمة وغير ذلك من الفوائد مشروعية المبالغة في غسل الشعر وإنقاء البشرة في الغسل من الجنابة

يغسل حتى يغلب على ظنّ الغاسل أنه قد طهر ولا يشترط عدد على المفتي به حتى لو جرى الماء على ثوب نجس وغلب على الظن أنه قد طهر حكم بطهارته وإن لم يحصل ذلك ولا عصر وإن لم يكن الماء جاريا فلا بدّ من العصر في كل مرة على ظاهر الرواية وقيل يكفي العصر مرّة وهو أرفق (وعن) أبى يوسف العصر ليس بشرط. ومن قال منهم بوجوب تثليث غسل المتنجس بنجاسة غير مرئية نظر إلى أن غالب ظنّ الطهارة يحصل عند التثليث (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز نسخ الأحكام الشرعية بعضها ببعض. وعلى أن الله سبحانه وتعالى رحم هذه الأمة بالتخفيف عنها، وعلى مشروعية طلب العبد من ربه عزّ وجلّ ما لا محظور فيه، وعلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مقبول الشفاعة في عظائم المهمات (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبيهقي وفي سنده أيوب بن جابر وعبد الله بن عصم وهما ضعيفان كما تقدم (ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ وَجِيهٍ، ثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ، وَأَنْقُوا الْبَشَرَ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الْحَارِثُ بْنُ وَجِيهٍ حَدِيثُهُ مُنْكَرٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ (ش) (رجال الحديث) (قوله الحارث بن وجيه) بوزن عظيم وقيل بسكون الجيم وباء موحدة مفتوحة الراسبي أبو محمد البصرى. روى عن مالك بن دينار. وعنه زيد بن الحباب ونصر ابن على ومحمد بن أبي بكر. قال أبو حاتم والنسائى ضعيف وقال العقيلى ضعفه نصر بن علي وله عنده حديث منكر ولا يتابع عليه وقال ابن حبان كان قليل الحديث ولكنه تفرّد بالمناكير عن المشاهير وقال البخارى في حديثه بعض المناكير. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه (قوله مالك بن دينار) أبو يحيى البصرى الزاهد الناجى بنون السامى بسين مهملة مولى امرأة من بنى ناجية. روى عن أنس والحسن البصرى والقاسم بن محمد وعطاء وسعيد بن جبير وآخرين، وعنه عاصم الأحول وسعيد بن أبي عروبة وأبان بن يزيد ووهب بن راشد وكثيرون. قال النسائى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث وقال الأزدى يعرف وينكر، مات سنة سبع وعشرين وقيل سنة ثلاثين ومائة. روى له الترمذى وأبو داود والنسائى (معنى الحديث) (قوله إن تحت كل شعرة جنابة) هو كناية عن شمول الجنابة كل ظاهر البدن الذى

هو محل الشعر عادة (قوله فاغسلوا الشعر) رتب الحكم الذى هو وجوب الغسل على الوصف الذى هو عموم الجنابة للبدن للدلالة على أن الشعر قد يمنع وصول الماء إلى البشرة فيجب استقصاء الشعر بالغسل فلو بقى شيء من الشعر لم يصل إليه الماء بقيت عليه جنابته ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة (قال) الخطابى ظاهر هذا الحديث يوجب نقض القرون والضفائر إذا أراد الاغتسال من الجنابة فإنه لا يكون شعره كله شعرة شعرة مغسولا إلا بنقضها وإليه ذهب إبراهيم النخعى. وقال عامة أهل العلم إيصال الماء إلى أصول الشعر وإن لم ينقض شعره يجزئه اهـ وسيأتى تمام الكلام عليه إن شاء الله تعالى. والشعر بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة يجمع على شعور مثل فلس وفلوس وبفتح العين يجمع على أشعار مثل سبب وأسباب (قوله وأنقوا البشر) من الإنقاء أى نظفوا البشرة من الأوساخ ونحوها لأنه لو منع شيء من ذلك وصول الماء إلى جزء من البدن لم ترفع الجنابة. والبشر بفتح الموحدة والشين المعجمة جمع بشرة وهو ظاهر جلد الإنسان وغيره كما تقدم (قال) الخطابي قد يحتج به من يوجب الاستنشاق في الجنابة لما في داخل الأنف من الشعر واحتج بعضهم في إيجاب المضمضة بقوله وأنقوا البشر وزعم أن داخل الفم من البشرة وهذا خلاف قول أهل اللغة لأن البشرة عندهم ما ظهر من البدن يباشره البصر من الناظر إليه وأما داخل الأنف والفم فهو الأدمة والعرب تقول فلان مؤدم مبشر إذا كان حسن الظاهر محبور الباطن اهـ وقوله محبور الباطن أى مزين الباطن طاهر القلب، وردّ ما قاله الخطابي بأن الجوهرى وغيره من أهل اللغة صرّحوا بأن الأدمة بفتحات هي باطن الجلد الذى يلي اللحم وداخل الفم والأنف ليس كذلك بل هو من الظاهر فالاستدلال على إيجاب المضمضة في الغسل من الجنابة بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنقوا البشر صحيح (وقال) العينى بهذا الحديث احتج أبو حنيفة على أن المضمضة والاستنشاق فرضان في الجنابة أما الاستنشاق فلقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن تحت كل شعرة جنابة وفي الأنف شعور وأما المضضة فلأن الفم من ظاهر البدن بدليل أنه لا يقدح في الصوم فيطلق عليه ما يطلق على البدن فبهذا الاغتبار فرضت المضمضة لا باعتبار ما قاله الخطابى اهـ (قوله حديثه منكر) يعنى لتفرّد الحارث به وهو ضعيف ضعفه المصنف وغيره كما تقدم فلا يعتمد على روايته (فقه الحديث) والحديث يدل على وجوب تعميم جميع البشرة والشعر بالماء في غسل الجنابة، وعلى وجوب إزالة كل ما يمنع وصول الماء إلى البشرة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى وابن ماجه والترمذى وقال حديث الحارث ابن وجيه حديث غريب لا نعرفه إلا من حديثه وهو شيخ ليس بذاك اهـ وقال الدارقطني في العلل إنما يروى مالك بن دينار عن الحسن مرسلا ورواه أبان العطار عن قتادة عن الحسن عن

الترهيب من ترك لمعة بدون غسل في الغسل من الجنابة

أبى هريرة من قوله (وقال) الشافعي هذا الحديث ليس بثابت (وقال) البيهقى أنكره أهل العلم البخارى وأبو داود وغيرهما اهـ من التلخيص (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، أَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يَغْسِلْهَا فُعِلَ بِهَا كَذَا وَكَذَا مِنَ النَّارِ» قَال عَلِيٌّ: فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ رَأْسِي فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ رَأْسِي ثَلَاثًا، وَكَانَ يَجُزُّ شَعْرَهُ (ش) (قوله حماد) بن سلمة (قوله عطاء بن السائب) بن مالك ويقال ابن السائب بن يزيد أبو السائب الثقفي الكوفي. روى عن أبيه وأنس بن مالك وعبد الله بن أبى أوفى وعمرو بن حريث وسعيد بن جبير وعكرمة وكثيرين. وعنه الأعمش وابن جريج والحمادان وشعبة والسفيانان ويحيى القطان وغيرهم. قال أحمد ثقة رجل صالح وقال العجلى كان شيخا ثقة قديما وقال النسائى ثقة في حديثه القديم إلا أنه تغير وقال أبو حاتم محله الصدق قبل أن يختلط صالح مستقيم الحديث ثم تغير حفظه وقال الدارقطنى اختلط ولم يحتجوا به في الصحيح ولا يحتج من حديثه إلا بما رواه الأكابر شعبة والثورى ونظائرهم. مات سنة ست أو سبع وثلاثين ومائة. روى له البخارى وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (قوله زاذان) الكندى مولاهم أبو عبد الله ويقال أبو عمر الكوفى. روى عن على بن أبى طالب وابن مسعود وابن عمر والبراء بن عازب وسلمان الفارسى وعائشة وغيرهم. وعنه أبو صالح السمان والمنهال بن عمرو وأبو اليقظان وعمرو بن مرّة وعطاء بن السائب وآخرون. قال ابن معين ثقة لا يسأل عن مثله ووثقه العجلى والخطيب وابن سعد وقال كان كثير الحديث وقال ابن عدى أحاديثه لا بأس بها إذا روى عنه ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان يخطئُ كثيرا. توفى سنة اثنتين وثمانين. روى له الجماعة إلا البخارى (معنى الحديث) (قوله من ترك موضع شعرة الخ) أى قدر موضع شعرة فليس المراد المحل الذى تحت أصول الشعر لأن إيصال الماء إليه ليس بواجب بل أراد ترك شيء قليل من ظاهر البدن لم يغسله في غسل جنابة. وفى رواية أحمد والدارمى لم يصبها الماء. وأنث الضمير العائد على الموضع لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه (قوله فعل به الخ) بصيغة المجهول أى فعل الله بالموضع المتروك أو بمن ترك موضعا بلا غسل أنواعا من العذاب في النار، وفي نسخة فعل بها أى بالموضع المتروك وأنث الضمير لما تقدم (قوله فمن ثم عاديت رأسى الخ) أى فمن أجل

باب في الوضوء بعد الغسل

أني سمعت هذا التهديد والوعيد الشديد عاملت شعر رأسى معاملة العدو فكان يكثر قصه أو حلقه مخافة أن لا يصل الماء إلى جميع الشعر والبشرة لا لغرض آخر من الزينة والتنعم. وكرّرها للتأكيد (فقه الحديث) والحديث يدل على وجوب تعميم البدن والشعر بالماء في غسل الجنابة وعلى أن من ترك من ذلك جزءا ولو يسيرا يعذب في النار ما شاء الله لبطلان غسله ومحل ذلك ما لم يعد إلى غسله فإن عاد عن قرب صح غسله اتفاقا وإن لم يعد عن قرب كأن جفت أعضاؤه مع اعتدال مزاجه في زمن معتدل الهواء صح غسله عند الأئمة الثلاثة لعدم وجوب الموالاة عندهم ولزمه إعادة الغسل عند المالكية، وعلى جواز حلق الرأس وقصه لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقرّ عليا على ذلك ولأنه من جملة الحلفاء المأمور باتباعهم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد وابن ماجه والدارمى والبيهقى وفي سنده عطاء بن السائب وفيه مقال كما تقدم (باب في الوضوء بعد الغسل) أى في ما يدل على جواز ترك الوضوء بعد الغسل من الجنابة (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، ثَنَا زُهَيْرٌ، ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَغْتَسِلُ وَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ وَصَلَاةَ الْغَدَاةِ، وَلَا أُرَاهُ يُحْدِثُ وُضُوءًا بَعْدَ الْغُسْلِ» (ش) (قوله زهير) بن معاوية. و (أبو إسحاق) السبيعى و (الأسود) بن يزيد (قوله ويصلى الركعتين الخ) أى ركعتى الفجر وصلاة الصبح ففي رواية الحاكم ويصلى الركعتين قبل صلاة الغداة (قوله ولا أراه الخ) بضم الهمزة أى لا أظنه وبفتحها أيضا أى لا أعلمه أو لا أبصره يجدّد وضوءا بعد الغسل إما اكتفاء بوضوئه الذى قبل الغسل كما في أكثر الروايات أو بالغسل نفسه (وفيه) دلالة على عدم مشروعية الوضوء بعد غسل الجنابة (قال) الترمذى هذا قول غير واحد من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والتابعين إن لا يتوضأ بعد الغسل اهـ وعن ابن عمر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما سئل عن الوضوء بعد الغسل فقال وأى وضوء أفضل من الغسل رواه الحاكم، وعن ابن عمر أيضا أنه قال لرجل قال له إنى أتوضأ بعد الغسل لقد تعمقت رواه ابن أبي شيبة. وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يتوضأ بعد الغسل رواه الترمذى. وروى عن

ما دل عليه حديث عائشة من صفة الغسل المسنونة وكلام الأئمة في فرائض الغسل وغير ذلك من الفوائد

حذيفة أنه قال أما يكفى أحدكم أن يغتسل من قرنه إلى قدمه حتى يتوضأ، وقد روى نحو ذلك عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم حتى قال أبو بكر بن العربى إنه لم يختلف العلماء أن الوضوء داخل تحت الغسل وأن نية طهارة الجنابة تأتى على طهارة الحدث وتقضى عليها لأن موانع الجنابة أكثر من موانع الحدث فدخل الأقل في نية الأكثر وأجزأت نية الأكبر عنه اهـ ومحل هذا ما لم يحصل منه ناقض وإلا فلا بدّ من الوضوء (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية صلاة ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح وسيأتى بيان حكمهما في باب التطوعّ إن شاء الله تعالى، وعلى عدم مشروعية الوضوء بعد الغسل من الجنابة، وحاصل كيفية كمال غسل الجنابة أن يبدأ المغتسل فيغسل كفيه ثلاثا قبل إدخالهما في الإناء ثم يغسل ما على فرجه وسائر بدنه من الأذى ثم يتوضأ وضوءه للصلاه بكماله ثم يدخل أصابعه كلها في الماء فيغرف غرفة يخلل بها أصول شعره من رأسه ولحيته ثم يحثى على رأسه ثلاث حثيات ويتعاهد معاطف بدنه كالإبطين وداخل الأذنين والسرّة وما بين الأليين وأصابع الرجلين وعكن البطن وغير ذلك فيوصل الماء إلى جميع ذلك ثم يفيض على رأسه ثلاث حثيات ثم يفيض الماء على سائر جسده يدلك ما تصل إليه يداه من بدنه وإن كان يغتسل في نهر أو نحوه انغمس حتى يوصل الماء إلى جميع بشرته والشعور الكثيفة والخفيفة ويعم بالغسل ظاهر الشعر وباطنه وأصول منابته وأن يبدأ بميامنه وأعالى بدنه وأن ينوى الغسل من أول شروعه فيما ذكرناه ويستصحب النية إلى أن يفرغ من غسله فهذا كمال الغسل عند عامة العلماء (وأما فرائضه) فاختلفت المذاهب فيها (فذهبت) المالكية إلى أن فرائضه النية وتعميم الجسد بالماء والدلك وتخليل الشعر والموالاة (وذهبت) الشافعية إلى أنها ثلاثة النية وتعميم الشعر والبشرة بالماء وإزالة النجاسة إن كانت على بدنه (وذهبت) الحنفية إلى أن فرائضه غسل فمه وأنفه وتعميم سائر جسده بالماء (وقالت) الحنابلة إن فرائضه إزالة ما على بدنه من نجاسة أو غيرها مما يمنع وصول الماء إلى البشرة والنية والتسمية وتعميم الجسد بالماء حتى أنفه وفمه وظاهر الشعر وباطنه وحشفة أقلف إن أمكن تشميرها (وقال) النووى في شرح مسلم ينبغى لمن اغتسل من إناء كالإبريق ونحوه أن يتفطن لدقيقة قد يغفل عنها وهي أنه إذا استنجى وطهر محل الاستنجاء بالماء فينبغى أن يغسل محل الاستنجاء بعد ذلك بنية غسل الجنابة لأنه إذا لم يغسله الآن ربما غفل عنه بعد ذلك فلا يصح غسله لترك ذلك وإن ذكره احتاج إلى مس فرجه فينتقض وضوؤه أو يحتاج إلى كلفة في لفّ خرقة على يده. ولم يوجب أحد الوضوء في غسل الجنابة إلا داود الظاهرى ومن سواه يقولون هو سنة فلو أفاض الماء على جميع بدنه من غير وضوء صح غسله واستباح به الصلاة وغيرها ولكن الأفضل أن يتوضأ كما ذكر وتحصل الفضيلة بالوضوء قبل الغسل وإذا توضأ أولا لا يأتى به ثانيا فقد اتفق العلماء على أن لا يستحب وضوءان اهـ

باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي والنسائى وابن ماجه وأحمد والترمذى والحاكم وصححاه وأخرجه البيهقي من طريق آخر عن عائشة قالت كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يتوضأ بعد الغسل من الجنابة (باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل) أى أيجب عليها ذلك أم لا (ص) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَابْنُ السَّرْحِ قَالَا: ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ - وَقَالَ زُهَيْرٌ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ - أَشُدُّ ضُفُرَ رَأْسِي أَفَأَنْقُضُهُ لِلْجَنَابَةِ؟ قَالَ: «إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْفِنِي عَلَيْهِ ثَلَاثًا» - وَقَالَ زُهَيْرٌ: «تُحْثِي عَلَيْهِ ثَلَاثَ حَثَيَات مِنْ مَاءٍ» ثُمَّ تُفِيضِي عَلَى سَائِرِ جَسَدِكِ، فَإِذَا أَنْتِ قَدْ طَهُرْتِ " (ش) (رجال الحديث) (قوله وابن السرح) هو أحمد بن عمرو (قوله أيوب بن موسى) بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموى أبو موسى المكي. روى عن عطاء بن أبى رباح ومكحول ومحمد بن كعب والزهرى ونافع وغيرهم وعنه السفيانان والليث وشعبة وابن جريج والأوزاعي وآخرون. وثقه أحمد والعجلى وابن معين وابن سعد وأبو زرعة وقال أبو حاتم صالح الحديث. مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (قوله سعيد بن أبى سعيد) أبو سعيد المدني المقبرى نسبة إلى مقبرة بالمدينة كان مجاورا لها. روى عن سعد بن أبى وقاص وجبير بن مطعم وأبى هريرة وأبى سعيد الخدرى وكثيرين. وعنه أبو حازم وابن عجلان وابن أبى ذئب ومالك وشعبة وعمرو بن شعيب وآخرون. قال أحمد لا بأس به وقال أبو زرعة وابن سعد ثقة وقال أبو حاتم صدوق وقال ابن خراش ثقة جليل وقال الواقدى وابن حبان وابن أبى شيبة اختلط قبل موته. مات سنة ثلاث أو خمس وعشرين ومائة. روى له الجماعة (قوله عبد الله بن رافع) أبو رافع المدنى المخزومى مولى أم سلمة. روى عن أبى هريرة وأم سلمة وعنه سعيد المقبرى وعكرمة ومحمد بن إسحاق. وثقه العجلى والنسائى وأبو زرعة. روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله أن امرأة من المسلمين الخ) هذا لفط ابن السرح ولم يبين فيه اسم

مذاهب العلماء في نقض الشعر عند الغسل

السائلة وقال زهير في روايته إنها "أي أم سلمة" قالت الخ. وغرض المصنف بهذا بيان الاختلاف بين روايتي ابن السرح وزهير ففي رواية ابن السرح السائلة امرأة من المسلمين وفي رواية زهير أن السائلة أم سلمة (قوله أشدّ ضفر رأسي) بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة وكسرها من بابي نصر وضرب أي أحكم ضفر شعر رأسي فهو على تقدير مضاف وضفر الشعر نسجه وإدخال بعضه في بعض (قال) النووي هو بفتح الضاد وإسكان الفاء هذا هو المشهور المعروف في رواية الحديث والمستفيض عند المحدّثين والفقهاء (وقال) الإمام ابن برّي قولهم في حديث أم سلمة أشدّ ضفر رأسي يقولونه بفتح الضاد وإسكان الفاء وصوابه ضم الضاد والفاء جمع ضفيرة كسفينة وسفن اهـ. وهذا الذي أنكره ليس كما زعمه بل الصواب جواز الأمرين ولكل منهما معنى صحيح ولكن بترجيح فتح الضاد لكونه المروي المسموع في الروايات الثابتة المتصلة اهـ (قوله أفأنقضه للجنابة الخ) الهمزة داخلة على محذوف أي ألا يجزئني غسل الشعر مضفورا فأنقضه لغسل الجنابة فقال إنما يجزئك أن تملئي كفيك من الماء ثلاث مرّات وتفيضينه على رأسك من غير نقض وليس المراد منه الحصر في الثلاث بل المراد إيصال الماء إلى البشرة وإنما نصّ على الثلاث لأن وصول الماء إلى باطن الشعر المضفور يكون بها غالبا وإلا فقد يصل الماء بمرّة أو يحتاج إلى أكثر من الثلاث (قوله وقال زهير الخ) جمع حثية كحفنة وزنا ومعنى (قال) الخطابى فيه دليل على أنه إذا انغمس في الماء أو جلل به بدنه من غير دلك باليد وإمرار بها عليه فقد أجزأه وهو قول عامة الفقاء إلا مالك بن أنس فإنه قال إذا أغتسل من الجنابة فإنه لا يجزئه حتى يمرّ يده على جسده وكذا قال إذا غمس يده أو رجله في الماء لم يجزئه وإن نوى الطهارة حتى يمرّ يده على رجليه يتدلك بها. وفيه دليل على أن القبضة الواحدة إذا عمت تجزئه وأن الغسلات الثلاث إنما هي على الاستحباب وليست على الوجوب اهـ (قوله فإذا أنت طهرت) الفاء فيه زائذة لازمة عند الفارسى لأن إذا التي للمفاجأة تختص بالجمل الإسمية ولا تحتاج إلى جواب ولا تقع في الابتداء ومعناها الحال لا الاستقبال نحو خرجت فإذا بالأسد بالباب ومنه فإذا هي حية تسعى وبعضهم يجعل هذه الفاء عاطفة وعند أبى إسحاق للسببية المحضة كفاء الجواب (والحديث يدلّ) على أنه لا يجب على المرأة نقض الضفائر في غسل الجنابة وقد اختلف في ذلك (فذهبت) المالكية إلى أنه إذا كان مضفورا بنفسه واشتدّ وجب نقضه في الغسل دون الوضوء وإن كان مضفورا بخيوط ثلاثة فأكثر وجب نقضه في الغسل والوضوء اشتدّ أم لا وإن كان بخيط أو خيطين واشتدّ نقض وإلا فلا لا فرق بين الرجل والمرأة ولا بين غسل الجنابة وغيرها واستدلوا بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن

تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر رواه المصنف. لكن هذا الحديث ضعيف فلا يقوى على معارضة حديث أم سلمة (وقالت) الشافعية إن وصل الماء إلى باطن الشعر بدون نقض لم يجب وإلا وجب لا فرق بين الرجل والمرأة ولا بين الجنابة والحيض والنفاس واستدلوا بما استدلت به المالكية وقد علمت أنه ضعيف فلا يعارض حديث أم سلمة. ودعواهم أن شعرها كان خفيفا فعلم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم أن الماء يصل إلى أصوله فلذا لم يأمرها بالنقض لا دليل عليها (وقالت) الحنفية لا يجب على المرأة نقض ضفيرتها إن بلّ أصلها ويفترض على الرجل نقض ضفائره ولو وصل الماء إلى أصول الشعر على الصحيح واستدلوا بحديث الباب وبحديث ثوبان الآتى وقالوا الحكمة في التفرقة أن في النقض عليها حرجا وفي الحلق مثلة فسقط عنها النقض بخلاف الرجل فيجب عليه النقض مطلقا لعدم الحرج (وقالت) الحنابلة يجب نقضه في الحيض والنفاس ولا يجب في الجنابة إن بلت أصوله واستدلوا على التفرقة بقول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لعائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا وكانت حائضا انقضى رأسك وامتشطي رواه البخارى قالوا إن الامتشاط لا يكون إلا في شعر غير مضفور. وردّ بأن حديث عائشة كان في الحج فإنها أحرمت بعمرة ثم حاضت قبل دخول مكة فأمرها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن تنقض رأسها وتمشط وتغتسل وتهلّ بالحج وهى حينئذ لم تطهر من حيضها فليس إلا غسل تنظيف لا حيض فلا يعارض حديث أم سلمة أصلا. نعم في المسألة حديث واضح أخرجه الدارقطني في الأفراد والطبراني والخطيب في التلخيص والضياء المقدسى من حديث أنس مرفوعا إذا اغتسلت المرأة من حيضها نقضت شعرها نقضا وغسلته بخطمىّ وأشنان وإن اغتسلت من جنابة صبت الماء على رأسها صبا وعصرته فهذا الحديث وقد أخرجه الضياء وهو يشترط الصحة فما يخرجه يثمر الظن في العمل به. ولكن يحمل هذا على الندب لذكر الخطمىّ والأشنان إذ لا قائل بوجوبهما فهو قرينة على الندب، وحديث أم سلمة محمول على الإيجاب كما قال إنما يكفيك فإذا زادت نقض الشعر كان ندبا ولذا ذهب بعض الحنابلة إلى عدم التفرقة وأنه لا يجب النقض في الغسل مطلقا ويدلّ لعدم وجوب النقض ما أخرجه مسلم وأحمد أنه بلغ عائشة أن ابن عمر كان يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن فقالت يا عجبا لابن عمر هو يأمر النساء أن ينقضن شعرهن. أفلا يأمرهن أن يحلقن رءوسهن لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من إناء واحد فما أزيد أن أفرغ على رأسى ثلاث إفراغات. وإن كان حديثهما في غسلها من الجنابة وظاهر ما نقل عن ابن عمر أنه كان يأمر النساء بالنقض في حيض وجنابة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي ومسلم والنسائى وابن ماجه والترمذى وقال

حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، حَدَّثَنَا ابْنُ نَافِعٍ يَعْنِي الصَّائِغَ، عَنْ أُسَامَةَ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَتْ: فَسَأَلْتُ لَهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ قَالَ فِيهِ: «وَاغْمِزِي قُرُونَكِ عِنْدَ كُلِّ حَفْنَةٍ» (ش) غرض المصنف بهذا الإشارة إلى توجيه الجمع بين روايتي زهير وابن السرح فإن رواية زهير تدلّ على أنه السائلة أم سلمة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا وفي رواية ابن السرح السائلة امرأة من المسلمين ووجه الجمع أن امرأة من المسلمين جاءت إلى أم سلمة فأمرت أم سلمة أن تسأل عن مسألتها فسألت لها أم سلمة فإسناد السؤال إلى امرأة من المسلمين مجاز لكونها سبب المسألة وإلى أم سلمة حقيقة لكونها سائلة حقيقة. ويحتمل أن أم سلمة سألت لأجلها ثم سألت هي بنفسها لتتأكد الحكم (رجال الحديث) (قوله ابن نافع) هو عبد الله بن نافع المدني مولى بنى مخزوم أبو محمد القرشى. روى عن أبى أسامة الليثى ومالك بن أنس وهشام بن سعد وآخرين. وعنه قتيبة وابن نمير والحسن بن على الخلال وسلمة بن شبيب وكثيرون. وثقه ابن معين والنسائى وقال أبو زرعة لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان صحيح الكتاب وإذا حدّث من حفظه ربما أخطأ وقال أحمد لم يكن صاحب حديث وكان ضعيفا وقال البخارى في حفظه شئ. مات سنة ست ومائتين. روى له مسلم وأبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه والبخارى في الأدب (قوله يعني الصائغ) هذه العناية من أبى داود. و (المقبرى) هو سعيد بن أبي سعيد. و (أسامة) هو ابن زيد (قوله جاءت إلى أم سلمة) أي إليّ ففيه وضع الظاهر موضع المضمر ولعله لزيادة الإيضاح (قوله بهذا الحديث) متعلق بقوله حدثني أى حدثني أسامة عمن بعده بهذا الحديث (قوله قالت فسألت لها) أى قالت أم سلمة فسألته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الحكم لأجل تلك المرأة. وفي نسخة قال قالت أى قال أسامة بسنده إلى أم سلمة قالت الخ وهذا صريح في أن السائلة أم سلمة. وفي البيهقي من طريق جعفر بن عون أنا أسامة بن زيد عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أم سلمة قالت جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنا عنده فقالت إني امرأة أشدّ ضفر رأسى فكيف أصنع حين أغتسل من الجنابة فقال احفنى على رأسك ثلاث حفنات ثم اغمزى إثر كل حفنة. وأخرج نحوه من طريق ابن وهب عن أسامة وهو صريح في أن السائلة امرأة من الأنصار وتقدم الجمع بينهما (قوله بمعناه) أى

بمعنى حديث أيوب بن موسى وهو بدل من قوله بهذا الحديث وتقدم لفظه عند البيهقي (قوله قال فيه الخ) أى قال أسامة في حديثه زيادة عن حديث أيوب بن موسى واغمزى قرونك أى اعصرى ضفائر شعرك في الغسل عند كل حفنة. وخاطب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أم سلمة لكونها السائلة أو أن المرأة التي سألت لأجلها أم سلمة كانت حاضرة فخاطبها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. واغمزى أمر من غمز من باب ضرب مأخوذ من الغمز وهو العصر والكبس باليد اهـ نهاية (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه لا يجب على المرأة نقض شعرها في غسل الجنابة ويكفيها تعميم الماء (قال) الترمذى والعمل على هذا عند أهل العلم أن المرأة إذا اغتسلت من الجنابة فلم تنقض شعرها أن ذلك يجزئها بعد أن تفيض على رأسها الماء اهـ، وقد علمت ما فيه من التفصيل، وعلى طلب تحريك الضفائر في كل غرفة من الغرفات الثلاث (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى من طريقي جعفر بن عون وابن وهب عن أسامة وقال رواية أيوب بن موسى أصح من رواية أسامة بن زيد وقد حفظ في إسناده ما لم يحفظ أسامة بن زيد اهـ وذلك أن أيوب بن موسى ذكر في سنده عبد الله بن رافع مولى أم سلمة وأسامة لم يذكره (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَتْهَا جَنَابَةٌ أَخَذَتْ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ -هَكَذَا تَعْنِي بِكَفَّيْهَا جَمِيعًا- فَتَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا، وَأَخَذَتْ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ فَصَبَّتْهَا عَلَى هَذَا الشِّقِّ، وَالْأُخْرَى عَلَى الشِّقِّ الْآخَرِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله يحيى بن أبى بكير) اسمه نسر بفتح النون وسكون السين المهملة ابن أسيد بفتح الهمزة وكسر السين المهملة أبو زكريا الكرماني القيسي البغدادى. روى عن شعبة وإسرائيل وإبراهيم بن طهمان وإبراهيم بن نافع وزائدة بن قدامة وآخرين. وعنه محمد بن سعيد الأصفهانى وعبد الله في محمد وابن المثنى وأبو بكر بن أبى شيبة وغيرهم. وثقه ابن معين والعجلى وقال أبو حاتم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة ثمان ومائتين. روى له الجماعة (قوله إبراهيم بن نافع) المخزومى المكي أبو إسحاق. روى عن عطاء بن أبى رباح وسليمان الأحول وأبى يسار وغيرهم. وعنه أبو عامر العقدي

وابن المبارك وأبو نعيم والثورى وآخرون. وثقه أحمد والنسائى وابن معين وقال ابن عيينة كان حافظا وقال ابن مهدى كان أوثق شيخ بمكة. روى له الجماعة (قوله الحسن بن مسلم) بن يناق بفتح المثناة التحتية وتشديد النون المكي. روى عن صفية بنت شيبة وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير. وعنه عمرو بن مرّة وإبراهيم بن نافع وحميد الطويل وابن جريج وآخرون. وثقه ابن معين والنسائى وأبو زرعة وابن سعد وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم صالح الحديث. روى له الجماعة إلا الترمذى (معنى الحديث) (قوله كانت إحدانا) أى إحدى أزواج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله تعني بكفيها جميعا) أى تقصد عائشة بقولها هكذا ملء كفيها جميعا ثلاثا وهذا تفسير من أحد الرواة والأقرب أنه من صفية بنت شيبة (قوله وأخذت بيد واحدة الخ) أى غرفت بيدها اليمنى غرفة أخرى بعد الثلاث فصبتها على الشقّ الأيمن من الرأس وصبت ما في اليد اليسرى على الشق الأيسر. وفي رواية للبخارى ثم تأخذ بيدها على شقها الأيمن وبيدها الأخرى على شقها الأيسر فيكون مجموع هذا الغسل من ثلاث حفنات وغرفتين الحفنات الثلاث على الرأس وواحدة من الغرفتين على الشق الأيمن والأخرى على الشقّ الأيسر (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن أزواجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يكنّ ينقضن ضفائر رءوسهن عند الغسل من الجنابة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى (ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كُنَّا نَغْتَسِلُ وَعَلَيْنَا الضِّمَادُ، وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مُحِلَّاتٌ وَمُحْرِمَاتٌ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عمر بن سويد) بن غيلان الثقفى ويقال العجلى الكوفى روى عن عائشة بنت طلحة وسلامة بن سهم التيمى. وعنه ابن المبارك وأبو نعيم وأبو أسامة ووكيع وثقه ابن معين وابن حبان. روى له أبو داود (قوله عائشة بنت طلحة) بن عبيد الله التيمية أم عمران. روت عن عائشة الصديقية. وعنها ابنها طلحة وحبيب بن أبى عمرو وعطاء بن أبى رباح وعمر بن سويد وآخرون. وثقها العجلى وقال ابن معين ثقة حجة وقال أبو زرعة حدّث عنها الناس لفضلها وأدبها وذكرها ابن حبان في الثقات. روى لها الجماعة (معنى الحديث) (قوله وعلينا الضماد) الجملة حال من الضمير في نغتسل. والضماد بكسر

الضاد المعجمة أصله الشدّ يقال ضمد رأسه وجرحه إذا شدّه بالضماد وهى خرقة يشدّ بها العضو المؤوف على وزن رسول الذى أصابته آفة ثم قيل لوضع الدواء على الجرح وغيره وإن لم يشدّ اهـ من النهاية والمراد بالضماد في الحديث ما يلطخ به الشعر مما يلبده ويسكنه من طيب وغيره والمعنى كنا نلطخ ضفائر رءوسنا بالطيب وغيره ثم نغتسل من الجنابة مع بقاء ذلك وعدم نقض الضفائر لأن الماء كان يعم أصول الشعر. ويحتمل أن يكون المعنى كنا نغتسل ونكتفى بالماء الذى خالط الخطمي ولا نستعمل بعده ماء آخر نخص به الغسل ويؤيده حديث عائشة الآتي في الباب بعد (قوله ونحن محلات الخ) نحن مبتدأ خبره محلات ومع متعلق بمحلات. ويحتمل أن يكون متعلقا بمحذوف خبر ومحلات ومحرمات بالنصب حال من الضمير في الخبر أو من فاعل نغتسل. ومحلات حمع محلة من الإحلال ضدّ الإحرام يقال أحلّ إذا خرج من إحرامه. ومحرمات جمع محرمة من الإحرام وهو الإهلال بحج أو عمرة والمعنى كنا نفعل ذلك في الحل والإحرام وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعلم ذلك ولا ينكره (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن المرأة لا يجب عليها في الغسل إزالة ما على رأسها من الطيب ونحوه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي من طريق المصنف وأخرجه أحمد عن ابن سويد عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين أيضا بلفظ إنهن كن يخرجن مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليهن الضماد قد أضمدن قبل أن يحرمن ثم يغتسلن وهو عليهن يعرقن ويغتسلن لا ينهاهن عنه. وأخرجه أيضا من هذا الطريق بلفظ كن أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخرجن معه عليهن الضماد يغتسلن فيه ويعرقن لا ينهاهن عنه محلات ولا محرمات (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي أَصْلِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ: ابْنُ عَوْفٍ، وثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنِي ضَمْضَمُ بْنُ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: أَفْتَانِي جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ عَنِ الْغُسْلِ مِنَ الجَنَابَة، أَنَّ ثَوْبَانَ حَدَّثَهُمْ أَنَّهُمُ اسْتَفْتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «أَمَّا الرَّجُلُ فَلْيَنْشُرْ رَأْسَهُ فَلْيَغْسِلْهُ حَتَّى يَبْلُغَ أُصُولَ الشَّعْرِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا عَلَيْهَا أَنْ لَا تَنْقُضَهُ لِتَغْرِفْ عَلَى رَأْسِهَا ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ بِكَفَّيْهَا» (ش) (رجال الحديث) (قوله قرأت في أصل إسماعيل بن عياش) أى في كتابه (قوله محمد بن إسماعيل) بن عياش العنسي الحمصى. روى عن أبيه. وعنه محمد بن عوف وأبو زرعة وعمرو بن إسحاق وأبو الأحوص. قال أبو حاتم لم يسمع من أبيه شيئا إنما حملوه على أن يحدّث

فحدّث وقال أبو داود ليس بذاك وقال في التقريب إنما عابوا على محمد بن إسماعيل أنه حدّث عن أبيه بغير سماع (قوله عن أبيه) هو إسماعيل بن عياش (والحاصل) أن ابن عوف روى هذا الحديث أولا عن صحيفة إسماعيل بن عياش بغير سماع منه ورواه أيضا عن ابنه محمد عن أبيه إسماعيل وغرض المصنف بذكر هذين الطريقين تقوية الحديث فإن محمد بن إسماعيل تكلم فيه غير واحد كما علمت (قوله ضمضم بن زرعة) بن ثوب الحضرمى الحمصى. روى عن شريح بن عبيد وعنه إسماعيل بن عياش ويحيى بن حمزة. وثقه ابن معين وابن حبان وقال أبو حاتم ضعيف. روى له أبو داود وابن ماجه في التفسير (قوله شريح بن عبيد) بن شريح بن عبد بن عريب الحضرمى أبو الطيب الحمصي. روى عن معاوية بن أبي سفيان وأبي ذرّ الغفارى وأبي أمامة وأبي الدرداء وغيرهم من الصحابة والتابعين. وعنه ضمرة بن ربيعة وصفوان بن عمرو وثور بن يزيد وآخرون وثقه دحيم والنسائى وابن حبان وقال العجلي تابعى ثقة. روى له أبو داود وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله أن ثوبان حدّثهم أنهم استفتوا الخ) أى أخبر ثوبان بن بجدد مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تلميذه جبير بن نفير ومن معه أن الصحابة سألوا النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن غسل الجنابة فقال أما الرجل فلينثر بالمثلثة من النثر وهو التفريق. وفي بعض النسخ. فلينشر شعر رأسه بالشين المعجمة من النشر الذى هو ضدّ الطيّ (قوله حتى يبلغ أصول الشعر) أى حتى يصل الماء إلى أصول الشعر، والغرض من هذا المبالغة في الغسل وتحصل بنقض الشعر إن كان مضفورا وبنشره وتفريقه إن كان غير مضفور (قوله فلا عليها أن لا تنقض) لا نافية للجنس واسمها محذوف أى لا حرج على المرأة في عدم نقض شعرها في الغسل. ويحتمل أن لا الأولى داخلة على محذوف ولا الثانية زائدة أى لا يجب على المرأة نقض شعرها دفعا للحرج ومنعا للمشقة (قال العيني) المراد منه أنها لا تحتاج إلى بلّ ضفائرها إذا بلغ الماء إلى أصولها لأن في ذلك حرجا بخلاف الرجل كما في حديث أم سلمة حيث لم يأمرها بقض ضفائرها وإنما أمرها بثلاث حفنات عليها وهذا الباب كله في هذا المعنى اهـ (قوله ثلاث غرفات) جمع غرفة مصدر للمرّة من غرف إذا أخذ الماء بالكفّ. والتقييد بالثلاث لأن التعميم يحصل بها غالبا لا للاحتراز فإن العبرة بتعميم غسل الرأس بلا نظر إلى عدد فإن حصل التعميم بواحدة كانت الثانية والثالثة مندوبتين وإن حصل باثنتين كانت الثالثة مندوبة وإن لم يحصل إلا بالثلاث كانت واجبة (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن المرأة لا يجب عليها نقض ضفائرها في الغسل ويكفيها أن تصبّ الماء على رأسها ثلاثا، وعلى أن الرجل لا يكفيه صبّ الماء بل لا بدّ من نثر شعره ونقضه وقد تقدم بيان ذلك وافيا

باب في الجنب يغسل رأسه بالخطمى

(باب في الجنب يغسل رأسه بالخطمىّ) أى بالماء الذى خلط بالخطمىّ بكسر الخاء المعجمة وفتحها وتشديد الياء نبت طيب الرائحة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ، ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُوَاءَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، «أَنَّهُ كَانَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ وَهُوَ جُنُبٌ يَجْتَزِئُ بِذَلِكَ، وَلَا يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن جعفر بن زياد) بن أبى هاشم الوركاني بفتح الواو والراء أبو عمران الخراسانى سكن بغداد. روى عن إبراهيم بن سعد وشريك بن عبد الله وأيوب بن جابر ومالك وأبى الأحوص وغيرهم. وعنه ابن معين من أقرانه ومسلم وأبو يعلى الموصلى وأبو داود والبغوى وآخرون. قال أبو زرعة كان صدوقا وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن معين ثقة وكان أحمد يرضاه ويوثقه ويكتب عنه. توفى سنة ثمان وعشرين ومائتين (قوله قيس بن وهب) الهمدانى الكوفى. روى عن أنس وأبى عبد الرحمن السلمى وآخرين. وعنه الثورى وشريك بن عبد الله النخعى والحسين بن واقد وإسراءيل بن يونس وغيرهم. قال أحمد والعجلى وابن معين ويعقوب بن سفيان ثقة. روى له مسلم وأبو داود وابن ماجه (قوله عن رجل من بنى سواءة بن عامر) لم يعرف اسمه. وفى نسخة عن رجل من سواءة. وفي رواية أحمد عن شيخ من بنى سواءة. قال في التقريب مجهول (معنى الحديث) (قوله كان يغسل رأسه الخ) أى كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يغسل رأسه بالماء مصاحبا للخطمىّ لإزالة ما علق برأسه من عرق ونحوه تعليما للأمة ويكتفى بذلك ولا يستعمل بعده ماء غير مختلط يخص به الغسل (وبهذا) الحديث احتجت الحنفية على صحة الغسل والوضوء بالماء المخلوط بطاهر. لكن لا حجة فيه لأن فيه راويا مجهولا فيكون ضعيفا وأيضا فيه اضطراب فقد رواه الإمام أحمد في مسنده عن شريك عن قيس ابن وهب عن شيخ من بنى سواءة قال سألت عائشة فقلت أكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أجنب يغسل رأسه بغسل يجتزئُ بذلك أم يفيض الماء على رأسه قالت بل يفيض الماء على رأسه فإن مقتضاه أنه لا يكتفي بالماء المخلوط بالخطمىّ ونحوه في الجنابة بل لا بدّ من إفاضة الماء القراح بعد ذلك بخلاف حديث الباب فإن فيه الاكتفاء بالماء المخلوط بالخطمىّ وعلى تقدير صحته فهو محمول على أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وضع الخطمىّ أوّلا

باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء

على رأسه ثم صب عليه الماء فهو وإن كان فيه اختلاط إلا أنه يسير لا يخرج الماء عن كونه مطلقا تزال به الجنابة وغيرها (وقال) ابن رسلان أى أنه كان يكتفي بالماء المخلوط به الخطميّ الذى يغسل به وينوى به غسل الجنابة ولا يستعمل بعده ماء آخر صافيا يختص به الغسل وهذا فيما إذا وضع السدر أو الخطمىّ على الرأس وغسله به فإنه يجزئُ ذلك ولا يحتاج إلى أن يصبّ عليه الماء ثانيا مجرّدا للغسل وأما إذا طرح السدر في الماء ثم غسل به رأسه فإنه لا يجزئه ذلك بل لا بدّ من الماء القراح بعده فليتنبه لذلك لئلا يلتبس، ويحتمل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غسل رأسه بالماء الصافي قبل أن يغسله بالخطميّ فارتفعت الجنابة عن رأسه ثم يغسل سائر الأعضاء. ويحتمل أن الخطمىّ كان قليلا والماء لم يفحش تغيره اهـ (فقه الحديث) والحديث دلّ على أن غسل الرأس بالماء والخطمىّ يكفي في غسل الجنابة وقد علمت ما فيه، وعلى مشروعية التنظيف (من أخرج الحديث أيضا) أخرحه أحمد بلفظ تقدم والبيهقي (باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء) أى في بيان كيفية غسل ما يسيل بين الرجل والمرأة من المنىّ أو المذى. ويفيض بفتح المثناة التحتية مضارع فاض من باب ضرب (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُوَاءَةَ بْنِ عَامِر، عَنْ عَائِشَةَ فِيمَا يَفِيضُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنَ الْمَاءِ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَأْخُذُ كَفًّا مِنْ مَاءٍ يَصُبُّ عَلَيَّ الْمَاءَ، ثُمَّ يَأْخُذُ كَفًّا مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ يَصُبُّهُ عَلَيْهِ» (ش) (قوله فيما يفيض الخ) متعلق بقالت الآتية أى قالت عائشة فيما يفيض بين الرجل والمرأة كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ. ولعلها سئلت عما يفيض بين الرجل والمرأة من المذى والمنىّ فقالت ما ذكر (قوله يأخذ كفا من ماء الخ) أى يأخذ ملء كفّ من الماء المطلق يصبه على المنىّ أو المذى الذى ينزل منه عند الملاعبة ثم يأخذ كفا آخر من الماء المطلق ثم يصبه على ما بقى من أثر المنيّ أو المذى (وقال) السيوطى نقلا عن العراقي الظاهر أن معنى الحديث أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا حصل في ثوبه أو بدنه منيّ يأخذ كفا من ماء فيصبه على المنيّ لإزالته عنه ثم يأخذ ما بقى في الإناء فيصبه عليه

باب مؤاكلة الحائض ومجامعتها

لإزالة الأثر وزيادة تنظيف المحل فقولها يأخذ كفا من ماء تعنى الماء المطلق يصبّ على الماء تعنى المنيّ ثم يصبه تعنى بقية الماء الذى اغترف منه كفا عليه أى على المحل اهـ (فقه الحديث) والحديث دلّ على مشروعية تكرار صبّ الماء على المنيّ والمذى، وفي سنده مجهول (باب مؤاكلة الحائض ومجامعتها) أى في بيان جواز الأكل مع الحائض ومخالطتها في البيت وقت الحيض (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، أنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ إِذَا حَاضَتْ مِنْهُمُ الْمَرْأَةُ أَخْرَجُوهَا مِنَ الْبَيْتِ، وَلَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُشَارِبُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبَيْتِ، فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] قُلْ: هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «جَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، وَاصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَ النِّكَاحِ». فَقَالَتِ الْيَهُودُ: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِنَا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ، فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْر، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْر إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا أَفَلَا نَنْكِحُهُنَّ فِي الْمَحِيضِ؟ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا، فَخَرَجَا فَاسْتَقْبَلَتْهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمَا فَسَقَاهُمَا، فَظَنَنَّا أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا (ش) (قوله حماد) بن مسلمة (قوله أن اليهود) اسم للقبيلة وهو باعتبار الأصل جمع يهودى مأخوذ من هاد إذا تاب ورجع إلى الحق سموا بذلك لأنهم تابوا ورجعوا عن عبادة العجل وقيل أصل اسم هذه القبيلة يهوذ فعرّب بقلب الذال دالا سميت باسم أبيها بهوذ بن يعقوب (قوله كانت إذا حاضت منهم المرأة) وفي رواية مسلم إذا حاضت المرأة

فيهم. وفيه ردّ على ابن سيرين حيث كره أن يقال حاضت المرأة وطمثت (قوله ولم يجامعوها في البيت) أى لم يخالطوها ولم يساكنوها في بيت واحد (قوله فسئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ذلك) أى عما يفعله اليهود. والسائل أسيد بن حضير وعباد بن بشر وقيل الدحداح وجماعة من الصحابة والصواب الأول (قوله ويسألونك عن المحيض) أى عن الاستمتاع بالنساء زمن سيلان الدم. والمحيض في الأصل مصدر ميمى صالح للزمان والمكان (قوله هو أذى) أى المحيض بمعنى الدم السائل لا بمعنى السيلان قذر ففيه استخدام والأذى ما يتأذى به الإنسان، وكان دم الحيض أذى لقبح لونه ورائحته ونجاسته وإضراره والتنكير فيه للقلة كما قال البغوى أى أذى يسير لا يتجاوز الفرج وما قاربه فلا يتأذى به إلا من جامعها من زوج أو سيد دون من آكلها أو ساكنها (قوله قاعتزلوا النساء في المحيض) أى اتركوا وطأهنّ زمن حيضهن وهو مفرّع على قوله هو أذى. ولما نزلت هذه الآية فهم بعض الصحابة أن الاعتزال مطلق حتى في المسكن فقال قوم من الأعراب يا رسول الله البرد شديد والثياب قليلة فإن آثرناهن هلك سائر أهل البيت وإن استأثرنا بها هلكت الحيض فقال إنما أمرتم أن تعتزلوا مجامعتهنّ "أى وطأهنّ" ولم تؤمروا بإخراجهنّ من البيوت كفعل الأعاجم (قوله جامعوهن في البيوت الخ) أى خالطوهن في البيوت بالمجالسة والمؤاكلة والمشاربة وافعلوا كل شيء من أنواع الاستمتاع كالمباشرة فيما فوق السرّة وتحت الركبة بالقبلة والمعانقة واللمس وغير ذلك وهو تفسير للآية وبيان للمراد منها فإن اعتزال النساء بإطلاقه شامل لمجانبتهن في المؤاكلة والمصاحبة والمجامعة فبين النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن المراد بالاعتزال ترك الوطء لا غير فالمراد بالنكاح الجماع من إطلاق اسم السبب على اسم المسبب لأن عقد النكاح سبب للجماع (قوله هذا الرجل) يعنون النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يصرّحوا بالنبي أو الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لإنكارهم نبوّته ورسالته (قوله فجاء أسيد بن حضير) بالتصغير فيهما الأنصارى الأوسى أسلم قبل سعد بن معاذ على يد مصعب بن عمير وكان ممن شهد العقبة الثانية وبدرا والمشاهد بعدهما (قوله وعباد بن بشر) من بني عبد الأشهب من الأنصار أسلم بالمدينة على يد مصعب أيضا، شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها (قوله تقول كذا وكذا) من مخالفتك إياهم في مواكلة الحائض ومشاربتها ومصاحبتها (وقال) ابن حجر كذا وكذا يشيرون بها إلى قول اليهود إن معاشرة الحائض توجب الضرر اهـ (قوله أفلا ننكحهن في المحيض) وفي رواية مسلم أفلا نجامعهن والهمزة للاستفهام الإنكارى داخلة على محذوف أى أتأمرنا بمخالفة اليهود المخالفة التامة فننكحهن في المحيض (قوله فتمعر وجه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) بفتحات وتشديد العين المهملة أى تغير كما في رواية مسلم

ما دل عليه حديث أنس من تحريم وطء الحائض والإجماع على ذلك ومشروعية الغضب على من ارتكب ما لا يليق وغيرهما من الأحكام

وفى رواية النسائى فتمعر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تمعرا شديدا وأصل التمعر قلة النضارة وعدم إشراق اللون ومنه المكان الأمعر وهو الجدب الذى ليس فيه خصب وإنما تغير وجه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من قولهما أفلا ننكحهن لمخالفة نص القرآن (قوله أن قد وجد عليهما) أى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد غضب على أسيد وعباد يقال وجد عليه يجد وجدا وموجدة غضب (قوله فاستقبلهما هدية الخ) أى جاءت للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هدية من لبن مواجهة ومقابلة لهما حال خروجهما من عنده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله فبعث في آثارهما) أى أرسل وراءهما من يردّهما فرجعا إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. والآثار جمع أثر مثل سبب وأسباب والمراد بها آثار الأقدام (قوله فظننا الخ) أى علمنا أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يغضب عليهما فالظنّ هنا بمعنى العلم بخلاف الأول. ففى رواية مسلم فعرفا أنه لم يغضب عليهما. وفى رواية النسائى فعرف أنه لم يغضب عليهما (فقه الحديث) دلّ الحديث على تحريم وطء الحائض وهو مجمع عليه ومستحله كافر وعلى جواز الاستمتاع بالحائض بكل أنواعه ما عدا الوطء لكنه مقيد بما عدا ما بين السرّة والركبة كما سيأتى بيانه إن شاء الله تعالى، وعلى أن دين المسلمين هو الدين السهل الحنيف، وعلى كراهة إخبار المسلم بما يكرهه أو يسوءه، وعلى مشروعية الغضب على من ارتكب ما لا يليق وعلى أنه لا يصح إغاظة العدوّ بما يخالف الشرع، وعلى مشروعية قبول الهدية واستحباب التفريق منها، وعلى أنه لا ينبغى استمرار غضب المسلم على المسلم لكن محله إذا لم يكن هناك مقتض للاستمرار، وعلى طلب سكوت التابع عند غضب المتبوع، وعلى مشروعية الملاطفة والمؤانسة بعد الغضب (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى وابن ماجه وأحمد والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُنْتُ أَتَعَرَّقُ الْعَظْمَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَأُعْطِيهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعُ فَمَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ وَضَعْتُهُ، وَأَشْرَبُ الشَّرَابَ فَأُنَاوِلُهُ فَيَضَعُ فَمَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كُنْتُ أَشْرَبُ مِنْهُ» (ش) (قوله مسعر) بن كدام (قوله عن أبيه) هو شريح بن هانئ بن يزيد (قوله أتعرّق

طهارة سؤر المرأة حال حيضها وعدم صحة ما نسب إلى أبي يوسف من أن بدنها نجس

العظم) أى آخذ ما على العظم من اللحم بالأسنان بقال عرقت العظم وتعرّقته واعترقته إذا أخذت عنه اللحم بأسنانك (قوله فأعطيه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) وفي بعض النسخ فأعطيه للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أى أعطيه ذلك العظم الذى أخذت منه معظم اللحم (قوله الذى فيه وضعته) أى في الموضع الذى وضعت عليه فمى ففي بمعنى على. وفي رواية للنسائى فيضع فاه على موضع فيّ. وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعل ذلك مع عائشة إدخالا للسرور عليها وإشارة إلى أن الحائض لا تجتنب في المجالسة والمؤاكلة وغيرهما خلافا لما كانت تزعمه اليهود (والحديث) يفيد أنها كانت تبتدئُ بالتعرّق والشرب قبله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (ولا يقال) إن ذلك مناف للأدب لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو الذى كان يلجئها إلى الابتداء "ففى" رواية النسائى كان يأخذ العرق فيقسم علىّ فيه فأعترق منه ثم أضعه فيأخذه فيعترق منه ويضع فمه حيث وضعت فمى من العرق ويدعو بالشراب فيقسم علىّ فيه قبل أن يشرب منه فآخذه فأشرب منه ثم أضعه فيأخذه فيشرب منه ويضع فمه حيث وضعت فمى من القدح اهـ "والعرق بفتح فسكون العظم الذى أخذ من عليه معظم اللحم" (فقه الحديث) دلّ الحديث على كمال تواضع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وطيب نفسه، وعلى أنه ينبغي للزوح أن يلاطف زوجه ويعمل معها ما يدخل السرور عليها، وعلى جواز مؤاكلة الحائض ومشاربتها، وعلى طهارة سؤرها وأعضائها من يد وفم وغيرهما (قال) في المرقاة وما نسب إلى أبى يوسف من أن بدنها نجس غير صحيح اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى وابن ماجه وأحمد وكذا البيهقي عن المقدام عن أبيه قال سألت عائشة أكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يباشرك وأنت حائض قالت وأنا عارك كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول اتزرى بنت أبى بكر ثم يباشرني ليلا طويلا قلت أكان يأكل معك وأنت حائض قالت إن كان ليناولني العرق فأعض منه ثم يأخذه مني فيعض مكان الذى عضضت منه قلت هل كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يشرب من شرابك قالت كان يناولنى الإناء فأشرب منه ثم يأخذه فيضع فاه حيث وضعت فيّ فيشرب "وقولها وأنا عارك أى حائض" (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ صَفِيَّةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَضَعُ رَأْسَهُ فِي حِجْرِي فَيَقْرَأُ وَأَنَا حَائِضٌ»

جواز قراءة القرآن مضطجعا ومتكئا على امرأته وهي حائض

(ش) (رجال الحديث) (قوله سفيان) الثورى (قوله منصور بن عبد الرحمن) بن طلحة بن الحارث العبدرى الحجبي المكي. روى عن أمه صفية بنت شيبة ومسافع بن شيبة وسعيد بن جبير. وعنه ابن جريج وأيوب بن موسى والسفيانان وزائدة وآخرون. وثقه النسائى وأحمد وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث وقال ابن حزم ليس بالقويّ. مات سنة سبع أو ثمان وثلاثين ومائة. روى له الجماعة إلا الترمذى (معنى الحديث) (قوله يضع رأسه في حجرى) أى على حجرى والحجر بتثليث الحاء المهملة وسكون الجيم حضن الإنسان وهو ما دون الإبط إلى الكشح. وفي رواية البخارى ومسلم كان يتكئُ في حجرى. وفي رواية أخرى للبخارى كان يقرأ القرآن ورأسه في حجرى. وفي رواية النسائى كان رأس رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حجر إحدانا وهي حائض (قوله فيقرأ) أى القرآن كما في رواية مسلم والبخارى (وفيه إشارة) إلى أن الحائض لا تقرأ القرآن لأن قولها فيقرأ القرآن إنما يحسن التنصيص عليه إذا كان ثمة ما يوهم منعه ولو كانت قراءة القرآن للحائض جائزة لكان هذا الوهم منتفيا أعني توهم امتناع قراءة القرآن في حجر الحائض وقد تقدم بيان المذاهب في ذلك (قال) النووى في شرح مسلم فيه جواز قراءة القرآن مضطجعا ومتكئا على الحائض وبقرب محل النجاسة اهـ (قال) العيني فيه نظر لأن الحائض طاهرة والنجاسة هو الدم وهو غير طاهر في كل وقت من أوقات الحيض فعلى هذا لا يكره قراءة القرآن بحذاء بيت الخلاء ومع هذا ينبغى أن يكره تعظيما للقرآن لأن ما قارب الشئ يأخذ حكمه اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز قراءة القرآن مضطجعا ومتكئا على الحائض. وعلى جواز ملازمة الحائض وأن ذاتها وثيابها طاهرة ومحله ما لم يصب شيئا منها نجاسة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه (باب الحائض تناول من المسجد) أى تأخذ شيئا من المسجد لتعطيه غيرها بلا دخول فيه فتناول بفتح المثناة الفوقية من التناول بحذف إحدى التاءين أو تعطي غيرها شيئا من المسجد وعليه فتناول بضم التاء من المناولة (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ». فَقُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ:

«إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله أبو معاوية) هو محمد بن خازم الضرير (قوله ثابت ابن عبيد) الأنصارى الكوفي مولى زيد بن ثابت. روى عن مولاه وابن عمر والمغيرة بن شعبة وأنس والبراء بن عازب. وعنه ابن سيرين وابن أبى ليلى وسليمان الأعمش والثورى وآخرون وثقه النسائى وأحمد وابن سعد وابن معين وابن حبان. روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله ناولينى الخمرة) أى أعطينى الخمرة بضم الخاء المعجمة على وزن غرفة حصير صغير قدر ما يسجد عليه اهـ مصباح (وقال) الخطابى هى السجادة التي يسجد عليها المصلى ويقال سميت بها لأنها تخمر وجه المصلى عن الأرض أى تستره أهـ (وقال) في النهاية هى مقدار ما يضع عليه وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة خوص ونحوه من النبات ولا تكون خمرة إلا في هذا المقدار وسميت خمرة لأن خيوطها مستورة بسعقها وقد جاء في سنن أبى داود عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال جاءت فأرة فأخذت تجرّ الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الخمرة التى كان قاعدا عليها فأحرقت منها موضع درهم وهذا صريح بإطلاق الخمرة على الكبير من نوعها اهـ (قوله من المسجد) اختلف في متعلقه. فذهب بعضهم إلى أنه متعلق بقال أى قال لى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قولا مبتدأ من المسجد وإليه ذهب القاضى عياض وقال معناه أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لها من المسجد أى وهو في المسجد لتناوله إياها من خارج المسجد لا أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمرها أن تخرج الخمرة من المسجد لأنه كان معتكفا في المسجد وكانت عائشة في حجرتها وهى حائض لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن حيضتك ليست في يدك فإنها خافت من إدخال يدها المسجد ولو كان أمرها بدخول المسجد لم يكن لتخصيص اليد معنى (وذهب) الخطابى وأكثر الأئمة إلى أنه متعلق بناولينى وهو الظاهر من الحديث والموافق للترجمة لأن المناولة من المسجد تكون لإدخال اليد فيه يدل عليه قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن حيضتك ليست في يدك وعلى هذا يكون صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خارج المسجد وأمر عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا أن تخرج له الخمرة لأنها كانت قريبة من الباب تصل إليها يدها وهى في الحجرة وعلى هذا تحمل رواية النسائى عن منبوذ عن أمه أن ميمونة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا فيتلو القرآن وهى حائض وتقوم إحدانا بالخمرة إلى المسجد فتبسطها وهى حائض أى فكانت تقوم إحدانا بالخمرة إلى المسجد وتقف خارج المسجد فتبسطها فيه وهى حائض (وقال) ابى حجر

جواز إدخال الحائض يدها في المسجد ومشروعية خدمة المرأة زوجها

قوله من المسجد متعلق بناولينى وحينئذ يحتمل أن المراد ادخلى المسجد وأعطينى إياها من غير مكث ولا تردّد فيه لحلّ هذا للحائض إذا أمنت التلويث أو مدّى يدك وأنت خارجة فتناوليها منه ثم ناولينى إياها وهذا جائز لها بالأولى. ويحتمل أنه متعلق بقال لكنه بعيد اهـ والحامل للقاضى عياض على ما ذهب إليه ما رواه مسلم والنسائى عن أبي هريرة قال بينما رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المسجد إذ قال يا عائشة ناولينى الثوب فقالت إنى لا أصلى فقال إنه ليس في يدك فناولته. وفى رواية للبيهقى ومسلم قال ناوليني الخمرة فقالت إني حائض. فحمل هذا الحديث وحديث الباب على اتحاد الواقعة وهو غير لازم بل تعدد الواقعة هو الظاهر (قوله إن حيضتك الخ) بفتح الحاء المهملة المرّة الواحدة من دفع الحيض وبالكسر اسم هيئة من الحيض وهى الحالة التى تلزمها الحائض من التجنب والبعد عما لا يحلّ للحائض كالجلسة والقعدة من الجلوس والقعود والأول هو الصحيح المشهور في الرواية كما قاله النووى وهو المناسب من جهة المعنى فإن سيلان الدم والدفعة منه ليس في اليد بخلاف الهيئة فإنها قائمة بجميع الذات بدليل أنها لا يجوز لها مسّ المصحف (وقال) للخطابى المحدّثون يقولونها بفتح الحاء وهو خطأ وصوابها بالكسر أى الحالة والهيئة اهـ وأنكر القاضى عياض هذا على الخطابى وقال الصواب هنا ما قاله المحدّثون من الفتح لأن المراد الدم وهو الحيض بالفتح بلا شك لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليست في يدك ومعناه أن النجاسة التى يصان المسجد عنها وهي دم الحيض ليست في يدك وهذا بخلاف حديث أم سلمة فأخذت ثياب حيضتي فإن الصواب فيه الكسر هذا كلام القاضى عياض (قال) النووى وهذا الذى اختاره. من الفتح هو الظاهر ولما قاله الخطابى وجه اهـ والوجه الذى أشار له النووى هو أن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا كانت تعلم أنه ليس في يدها نجاسة الحيض التى يصان عنها المسجد وما امتنعت عن إدخال يدها في المسجد إلا لعلمها أن الحالة العارضة لها من الحيض قد حلت في يدها ولذا أجابها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأن هذه الحالة التى هي كونها حائضا إنما عرضت لها باعتبار مجموعها لا باعتبار أجزائها فلا يقال لليد حائضة حتى يصان عنها المسجد (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن الحائض يجوز لها أن تتناول بيدها من المسجد شيئا وعلى مشروعية خدمة المرأة لزوجها (وقال) الخطابى في الحديث من الفقه أن من حلف لا يدخل دارا أو مسجدا أو نحو ذلك لا يحنث بإدخال يده فيه أو بعض جسده ما لم يدخله بجميع بدنه اهـ (من أخرح الحديث أيضا) أخرجه مسلم والبيهقى والترمذى وحسنه والنسائي وابن ماجه وأحمد (باب في الحائض لا تقضى الصلاة) وفى بعض النسخ باب الحائض لا تقضى الصلاة أى ليس عليها قضاء ما فاتها من الصلوات أيام حيضها

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا وُهَيْبٌ، ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ مُعَاذَةَ، قالت إنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ عَائِشَةَ: أَتَقْضِي الْحَائِضُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ لَقَدْ «كُنَّا نَحِيضُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَلَا نَقْضِي، وَلَا نُؤْمَرُ بِالْقَضَاءِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله وهيب) بن خالد (قوله عن أبي قلابة) بكسر القاف هو عبد الله بن زيد بن عمرو وقيل ابن عامر بن نابل بن مالك الجرمي بالجيم البصرى روى عن ثابت بن الضحاك وأنس بن مالك وأبى هريرة وابن عباس وابن عمر والنعمان ابن بشير وكثيرين. وعنه أيوب السختياني وقتادة ويحيى بن أبي كثير وحميد الطويل وعاصم الأحول وغيرهم. وثقه ابن خراش وابن سيرين وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال أيوب من الفقهاء ذوى الألباب وقال العجلى تابعى ثقة وقال عمر بن عبد العزيز لن تزالوا بخير يا أهل الشام ما دام فيكم هذا. توفي سنة أربع أو خمس ومائة. روى له الجماعة (قوله معاذة) بنت عبد الله العدوية البصرية أم الصهباء. روت عن عائشة وعلىّ وهشام بن عامر. وعنها أبو قلابة وقتادة وعاصم الأحول وإسحاق بن سويد وآخرون. قال ابن معين ثقة حجة وذكرها ابن حبان في الثقات وقال الذهبي بلغنى أنها كانت تحيى الليل وتقول عجبت لعين تنام وقد علمت طول الرّقاد في القبور. توفيت سنة ثلاث وثمانين. روى لها الجماعة (معنى الحديث) (قوله إن امرأة الخ) أبهمها أيوب في رواية المصنف وفي رواية لمسلم وأبهمها أيضا همام في رواية البخارى وقد بينت في رواية لمسلم من طريق شعبة عن يزيد قال سمعت معاذة أنها سألت عائشة أتقضى الحائض الصلاة الخ. أى أتقضى المرأة التي حاضت الصلاة المكتوبة التي فاتتها في أيام حيضها إذا طهرت (قوله أحرورية أنت) الهمزة للاستفهام على سبيل الإنكار داخلة على خبر المبتدأ وقدّم عليه لإفادة الحصر أى ما أنت إلا حرورية أى خارجة وحرورية نسبة إلى حروراء بالمدّ وقد تقصر قرية على ميلين من الكوفة كان أول اجتماع الخوارج فيها فنسبوا إليها وسموا بالخوارج لأنهم أنكروا على علىّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تحكيمه أبا موسى الأشعرى في أمر معاوية وقالوا له شككت في أمر الله وحكمت عدوّك وطالت خصومتهم ثم أصبحوا يوما وقد خرجوا برايتهم وهم ثمانية آلاف وأميرهم عبد الله بن الكوى فبعث علىّ عبد الله ابن عباس فناظرهم فرجع منهم ألفان وبقيت ستة آلاف فخرج إليهم علىّ فقاتلهم وكان عندهم من التشديد في الدين ما هو خارج عنه ومنه إيجابهم قضاء الصلاة على الحائض والأخذ بما دلّ

عليه القرآن وردّ ما زاد عليه من الحديث مطلقا فلما رأت عائشة هذه المرأة تسأل عن قضاء الحائض الصلاة ألحقتها بالحرورية. ولعلّ عائشة قالت لها ذلك لما فهمته من حالها من إنكار هذا الحكم والتعجب منه كما تشعر بذلك رواية مسلم عن معمر عن عاصم عن معاذة قالت سألت عائشة فقلت ما بال الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة فقالت أحرورية أنت قلت لست بحرورية ولكنى أسأل الخ أى أسأل سؤالا مجرّدا عن الإنكار والتعجب بل للعلم بالحكم (قوله لقد كنا نحيض عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) وفى رواية مسلم قد كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفي رواية أخرى له قد كنّ نساء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يحضن أى لقد كنا معشر أزواج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نحيض عنده في بيوته مع اطلاعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على حالنا زمن الحيض وتركنا للصلاة في أيامه فلا نقضى ما فاتنا من الصلاة زمن الحيض ولا يأمرنا بالقضاء. والحديث يدلّ على أن الحائض لا يجب عليها قضاء ما فاتها من الصلاة زمن الحيض وهذا مجمع عليه إلا طائفة من الخوارج (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والترمذى وقال حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو، أَنَا سُفْيَانُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ، عَنْ عَائِشَةَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ وَزَادَ فِيهِ: «فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» (ش) غرض المصنف بإيراد هذه الرواية بيان أن في الحديث اختلافا في السند والمتن أما الاختلاف في السند فإن الحديث الأول رواه المصنف عن أيوب السختيانى بواسطتين ورواه أيوب عن معاذة بواسطة أبى قلابة. والحديث الثانى رواه المصنف عن أيوب بأربع وسائط ورواه أيوب عن معاذة بلا واسطة. وأما الاختلاف في المتن فإن الحديث الأول ليس فيه الأمر بقضاء الصوم وهذا فيه الأمر بقضائه (رجال الحديث) (قوله سفيان يعنى ابن عبد الملك) المروزى. روى عن ابن المبارك وأبى معاوية الضرير. وعنه الحسن بن عمرو وعبد الله بن عثمان ووهب بن زمعة وإسحاق بن راهويه. ذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والترمذى. توفى قبل المائتين. و (ابن المبارك) هو عبد الله. و (معمر) بن راشد. و (أيوب) السختيانى (قوله بهذا الحديث الخ) أى حدثنا

الإجماع على أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة وبيان الحكمة في ذلك

الحسن بسنده إلى عائشة بهذا الحديث المتقدّم لكن زاد معمر في هذه الرواية فنؤمر بقضاء الصوم "ولفظه" عند مسلم والبيهقي من طريق معمر عن عاصم عن معاذة قالت سألت عائشة فقلت ما بال الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة فقالت أحرورية أنت قلت لست بحرورية ولكنى أسأل قالت كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة (وفي هذه) الرواية دليل على أن الحائض يجب عليها قضاء ما فاتها من الصوم زمن الحيض ولا يجب عليها قضاء ما فاتها من الصلوات (ونقل) ابن المنذر وغيره إجماع المسلمين على ذلك (وحكى) ابن عبد البر عن طائفة من الخوارج أنهم كانوا يوجبون على الحائض قضاء الصلاة (وعن) سمرة بن جندب أنه كان يأمر به فأنكرت عليه أم سلمة لكن استقرّ الإجماع على عدم الوجوب كما قاله الزهرى وغيره. ومستند الإجماع هذا الحديث الصحيح (وكان) قوم من قدماء السلف يأمرون الحائض إذا دخل وقت الصلاة أن تتوضأ وتستقبل القبلة تذكر الله تعالى كيلا تتعوّد البطالة وترك الصلاة (وقال) مكحول كان ذلك من هدى نساء المسلمين واستحبه بعضهم (وقال) بعضهم هو أمر تركه مكروه عند جماعة (قال) النووى في شرح المهذب مذهبنا ومذهب جمهور العلماء من السلف والخلف أنه ليس على الحائض وضوء ولا تسبيح ولا ذكر في أوقات الصلوات ولا في غيرها (وممن قال) بهذا الأوزاعي ومالك والثورى وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور حكاه عنهم ابن جرير (وعن الحسن) البصرى قال تطهر وتسبح (وعن أبى جعفر) قال نأمر نساء الحيض أن يتوضأن في وقت الصلاة ويجلسن ويذكرن الله عزّ وجلّ ويسبحن. وهذا الذى قالاه محمول على الاستحباب عندهما. فأما استحباب التسبيح فلا بأس به وإن كان لا أصل له على هذا الوجه المخصوص. وأما الوضوء فلا يصح عندنا وعند الجمهور بل تأثم به إن قصدت العبادة اهـ (والحكمة) في وجوب قضاء الصوم دون الصلاة أن الصلاة تتكرّر فإيجابها مفض إلى حرج ومشقه فعفى عنه بخلاف الصوم فإنه غير متكرّر فلا يفضى قضاؤه إلى حرج (قال) ابن دقيق العيد قد اكتفت عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا في الاستدلال على إسقاط القضاء بكونه لم يؤمر به فيحتمل أن يكون ذلك لوجهين (أحدهما) أن تكون أخذت إسقاط القضاء من إسقاط الأداء ويكون مجرّد سقوط الأداء دليلا على سقوط القضاء إلا أن يوجد معارض وهو الأمر بالقضاء كما في الصوم (والثاني) وهو الأقرب أن يكون السبب في ذلك أن الحاجة داعية إلى بيان هذا الحكم فإن الحيض يتكرّر فلو وجب قضاء الصلاة فيه لوجب بيانه وحيث لم يبين دلّ على عدم الوجوب ولا سيما وقد اقترن بذلك قرينة أخرى وهي الأمر بقضاء الصوم وتخصيص الحكم به (وفي الحديث) دليل لما يقوله الأصوليون من أن قول الصحابى كنا نؤمر وننهى في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإلا لم تقم الحجة به اهـ

باب في إتيان الحائض

(فقه الحديث) دلّ الحديث على أن الحائض لا يطلب منها قضاء الصلاة التى فاتتها حال الحيض ويجب عليها قضاء الصوم ومثل الحيض النفاس (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والبيهقى بلفظ تقدّم (باب في إتيان الحائض) أى في بيان ما يلزم من وطئَ الحائض (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِي الْحَكَمُ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ: «يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَكَذَا الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ قَالَ: «دِينَارٌ أَوْ نِصْفُ دِينَارٍ». وَرُبَّمَا لَمْ يَرْفَعْهُ شُعْبَةٌ (ش) (رجال الحديث) (قوله عبد الحميد بن عبد الرحمن) بن زيد بن الخطاب العدوى أبو عمر المدني. روى عن ابن عباس وحفصة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومحمد بن سعد ومسلم بن يسار ومقسم مولى ابن عباس ومكحول. وعنه ابنه عمر وقتادة والزهرى والحكم بن عتيبة وغيرهم. قال أبو بكر بن أبى داود ثقة مأمون ووثقه النسائى والعجلى وابن حبان وابن خراش. توفى بحرّان في خلافة هشام بن عبد الملك. روى له الجماعة (قوله مقسم) بكسر أوله ابن بجرة بضم الموحدة ويقال ابن نجدة بفتح النون أبو القاسم مولى عبد الله بن الحارث. روى عن ابن عباس وابن عمر وعائشة وأم سلمة وآخرين وعنه الحكم بن عتيبة وعمران بن أبى أنس وعبد الكريم بن مالك الجزرى. قال أبو حاتم صالح الحديث لا بأس به وقال أحمد صالح ثقة ثبت لا شك فيه وقال العجلى مكي تابعى ثقة، ووثقه الدارقطنى وقال ابن سعد كان كثير الحديث ضعيفا وقال الساجى تكلم الناس في بعض روايته توفى سنة إحدى ومائة، روى له البخارى والترمذى والنسائى وأبو داود وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله في الذى يأتي امرأته) متعلق بقال الآتية أى قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حق الرجل الذى يجامع امرأته حال حيضها. فأطلق الإتيان وأراد الجماع من إطلاق السبب وإرادة المسبب (قوله يتصدّق بدينار) أى ليتصدق فهو على حذف لام الأمر وقد صرّح بها في الحديث الآتى. والدِّينار فارسىّ معرّب وأصله دنار لجمعه على دنانير وتصغيره على دنينير فقلبت إحدى النونين ياء لئلا تلتبس بالمصادر التي تجيء على فعال مثل كذّاب

مذاهب العلماء فيما على من جامع امرأته وهي حائض

والدينار هو المثقال وهو بالعملة المصرية نحو خمسة وخمسين قرشا صاغا (قوله أو نصف دينار) وفي نسخة أو بنصف دينار. وأو للتقسيم كما هو ظاهر ما جاء في بعض الروايات الدالة على أن التصدّق بالدينار إذا كان الإتيان في أول الدم وبنصف الدينار إذا كان الإتيان في آخر الدم (منها) رواية المصنف الآتية (ومنها) ما رواه الترمذى عن ابن عباس عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا كان دما أحمر فدينار وإذا كان دما أصفر فنصف دينار (ومنها) ما رواه أحمد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جعل في الحائض تصاب دينارا فإن أصابها وقد أدبر الدم عنها وتغتسل فنصف دينار. ويحتمل أن تكون أو للخيير فيكون من فعل ذلك مخيرا بين الدينار ونصفه كما قالت الحنابلة "ولا يقال" كيف يخير بين الشئ ونصفه "لأنه" كتخيير المسافر بين الإتمام والقصر (والحديث) يدلّ على وجوب الكفارة على من وطئَ امرأته وهى حائض (وقد) اختلف العلماء في ذلك. فذهب ابن عباس والحسن البصرى وسعيد بن جبير وقتادة والأوزاعي وإسحق وأحمد في إحدى الروايتين عنه والشافعى في قوله القديم إلى وجوب الكفارة. واختلف هؤلاء فيها فقال الحسن وسعيد عتق رقبة. وقال الآخرون دينار أو نصف دينار على حسب الحال الذى يجب فيه الدينار أو نصف الدينار بحسب اختلاف الروايات. واحتجوا بحديث الباب. ومن أوجب دينارا أو نصف دينار قال إنه على الزوج خاصة ويصرف للفقراء والمساكين (وقال) الرافعى يجوز صرفه إلى فقير واحد (وذهب) عطاء والشعبي والنخعى ومكحول والزهرى وأيوب السختياتي وسفيان الثورى والليث بن سعد ومالك وأبو حنيفة والشافعي في أصح القولين عنه وأحمد في إحدى الروايتين وجماهير السلف إلى أنه لا كفارة عليه بل الواجب عليه الاستغفار والتوبة لكن يستحب أن يتصدّق بدينار إن وطئَ في إقبال الدم وبنصف في إدباره. قالوا والأصل البراءة فلا ينتقل عنها إلا بحجة لا مدفع فيها ولا مطعن عليها وذلك معدوم في هذه المسألة. وأجابوا عن حديث الباب بأنه معلول بعدة أشياء (منها) أن جماعة رووه عن شعبة موقوفا على ابن عباس وأن شعبة رجع عن رفعه (ومنها) أنه روى مرسلا (ومنها) أنه روى معضلا (ومنها) أن في متنه اضطرابا لأنه روى بدينار أو بنصف دينار بالشك. وروى يتصدق بدينار فإن لم يجد فبنصف دينار. وروى فيه التفرقة بين أن يصيبها في أول الدم أو في انقطاع الدم. وروى يتصدق بخمسى دينار وروى يتصدق بنصف دينار. وروى إن كان دما عبيطا فليتصدق بدينار وإن كان صفرة فنصف دينار (وأجيب) عما ذكر بأن الحديث قد صححه الحاكم وابن القطان وابن دقيق العيد وقال أحمد ما أحسن حديث عبد الحميد عن مقسم عن ابن عباس فقيل له تذهب إليه فقال نعم. وقال أبو الحسن بن القطان وهو ممن قال بصحة الحديث إن الإعلال بالاضطراب خطأ والصواب أن ينظر إلى رواية كل راو بحسبها ويعلم ما خرّج عنه فيها فإن صح من طريق قبل ولا يضرّه أن يروى من طرق أخر

ضعيفة (قال) العيني ولئن سلمنا أن شعبة رجع عن رفعه فإن غيره رواه عن الحكم مرفوعا وهو عمرو بن قيس الملائى إلا أنه أسقط عبد الحميد وكذا أخرجه من طريقه النسائى، وعمرو هذا ثقة وكذا رواه قتادة عن الحكم مرفوعا وهو أيضا أسقط عبد الحميد اهـ (وقال) الخطابى وأكثر أهل العلم زعموا أن هذا الحديث مرسل أو موقوف على ابن عباس والاصح أنه متصل مرفوع ويجاب عن دعوى الاختلاف في رفعه ووقفه بأن يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر وابن أبي عدى رفعوه عن شعبة وكذلك وهب بن جرير وسعيد بن عامر والنضر بن شميل وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف (قال) ابن سيد الناس من رفعه عن شعبة أجل وأكثر وأحفظ ممن وقفه. وأما قول شعبة أسنده لى الحكم مرّة ووقفه مرّة فقد أخبر عن المرفوع والموقوف أن كلا عنده ثم لو تساوى رافعوه مع واقفيه لم يكن في ذلك ما يقدح فيه (وقال) أبو بكر الخطيب اختلاف الروايتين في الرفع والوقف لا يؤثر في الحديث ضعفا وهو مذهب أهل الأصول لأن إحدى الروايتين ليست مكذّبة للأخرى والأخذ بالمرفوع أخذ بالزيادة وهى واجبة القبول (وأقر ابن دقيق العيد) تصحيح ابن القطان وقوّاه في الإمام أفاده الحافظ في التلخيص والشوكاني في النيل وقال تصحيح الحديث هو الصواب فكم من حديث قد احتجوا به فيه من الاختلاف أكثر مما في هذا كحديث بئر بضاعة وحديث القلتين ونحوهما. وفي ذلك ما يردّ على النووى دعواه في شرح المهذب والتنقيح والخلاصة أن الأئمة كلهم خالفوا الحاكم في تصحيحه وأن الحق أنه ضعيف باتفاقهم وقد عرفت صلاحية الحديث وانتهاضه للحجية وسقوط الاعتلالات الواردة عليه فالمصير إليه متحتم اهـ إذا تأملت ما تقدم تعلم أن الراجح قول من قال بوجوب الكفارة (قوله هكذا الرواية الصحيحة الخ) أى أن الرواية الصحيحة ما تقدم من قول الحكم في روايته عن ابن عباس دينار أو نصف دينار بخلاف الروايات الأخر التي فيها يتصدق بنصف دينار أو بخمسى دينار أو عتق نسمة فإنها ضعيفة (قوله وربما لم يرفعه شعبة) أى قال أبو داود وربما لم يرفع الحديث المذكور شعبة بل رواه موقوفا على ابن عباس. وغرض المصنف بهذا الإشارة إلى أن في الحديث اضطرابا وأنه موقوف على ابن عباس وقد تقدم الجواب عن ذلك (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن من وطئَ امرأته وهى حائض يطلب منه أن يتصدق بدينار أو نصف دينار كفارة لذنبه وقد علمت ما فيه من الخلاف (من روى الحديث أيضا) رواه النسائى وابن ماجه والبيهقى وأحمد والدارمى وابن الجارود وصححه الحاكم وغيره كما تقدم (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُطَهَّرٍ، ثَنَا جَعْفَرٌ يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ

الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «إِذَا أَصَابَهَا فِي أَوَّلِ الدَّمِ فَدِينَارٌ، وَإِذَا أَصَابَهَا فِي انْقِطَاعِ الدَّمِ فَنِصْفُ دِينَارٍ» (ش) (رجال الأثر) (قوله عبد السلام بن مطهر) بصيغة اسم المفعول أبو ظفر بفتح الظاء المعجمة والفاء الأزدى البصرى. روى عن شعبة وجرير بن حازم وسليمان بن المغيرة وكثيرون. وعنه البخارى وأبو داود وأبو زرعة وأبو حاتم وكثيرون. قال أبو حاتم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات. توفي سنة أربع وعشربن ومائتين (قوله جعفر يعنى ابن سليمان) أبو سليمان البصرى الضبعى كان ينزل في بني ضبيعة فنسب إليهم. روى عن ثابت البناني ومالك بن دينار ومحمد بن المنكدر وابن جريج وغيرهم. وعنه الثورى وابن المبارك وعبد الرحمن بن مهدى وأبو الوليد الطيالسي وكثيرون. وثقه أحمد وابن معين وقال ابن سعد كان ثقة وبه ضعف وكان يتشيع وقال البخارى يخالف في بعض حديثه وقال ابن المدينى أكثر عن ثابت البناني وكتب مراسيل ومنها أحاديث مناكير. توفى سنة ثمان وسبعين ومائة. روى له الجماعة (قوله على بن الحكم) أبو الحكم البصرى. روى عن أنس وأبى عثمان النهدى وعطاء ابن أبى رباح وأبي نضرة العبدى وغيرهم. وعنه هشام الدستوائى ومعمر بن راشد وشعبة والحمادان وآخرون. قال أحمد ليس به بأس وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال ابن سعد كان ثقة له أحاديث ووثقه النسائى والعجلى والبزار والدارقطنى وأبو داود. توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة. روى له البخارى وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه. و (البناني) نسبة إلى بنان بضم الموحدة قرية بمرو الشاهجان ينسب إليها جماعة مذكورون في تاريخها (قوله عن أبى الحسن) الشامى روى عن عمرو بن مرّة ومقسم وأبى أسماء الرحبيّ. وعنه على بن الحكم. قال ابن المدينى مجهول ولا أدرى سمع من عمرو بن مرّة أم لا وقال الحاكم في المستدرك أبو الحسن هذا اسمه عبد الحميد ابن عبد الرحمن ثقة مأمون اهـ لكن قال الحافظ في التقريب أبو الحسن الجزرى مجهول من السادسة وأخطأ من سماه عبد الحميد. روى له أبو داود والترمذى، و (الجزرى) بفتح الجيم والزاى نسبة إلى الجزيرة (معنى الأثر) (قوله إذا أصابها الخ) أى إذا وطئَ الرجل امرأته في أول نزول دم الحيض يعنى وقت اشتداد الدم وقوّته وتصدق بدينار وجوبا أو استحبابا على الخلاف في ذلك وإذا وطئها بعد انقطاع الدم وقبل الغسل أو وطئها قرب انقطاعه تصدّق بنصف دينار وجوبا أو استحبابا على ما تقدم (والحكمة) في اختلاف الكفارة بأول الدم وآخره أنه في أوله قريب عهد بالجماع فلم يعذر فيه بخلافه في آخره فخفف فيه. ويحتمل أن الحكمة في وجوب الدينار في أول الدم شدّة قذارته

الترهيب من وطء المرأة قبل اغتسالها من الحيض

بخلاف آخره (وحكى) الغزالى أن الوطء قبل الغسل يورث الجذام قيل في الواطئ وقيل في الولد (من أخرج هذا الأثر أيضا) أخرجه البيهقى من طريق ابن جريج كما تقدم وأخرجه الحاكم وقال قد أرسل هذا الحديث وأوقف أيضا ونحن على أصلنا الذى أصلناه من أن القول قول الذى يسند ويصل إذا كان ثقة اهـ (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مِقْسَمٍ (ش) أى قال عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج في روايته عن عبد الكريم عن مقسم بن بجرة بفتح الموحدة مثل ما قال علي ابن الحكم في روايته عن أبى الحسن الجزرى من التفرقة بين أول الدم وآخره "وقد وصله" البيهقى من طريق أبى الأسود قال أنا نافع بن يزيد عن ابن جريج عن أبى أمية عبد الكريم عن مقسم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا أتى أحدكم امرأته في الدم فليتصدق بدينار وإذا وطئها وقد رأت الطهر ولم تغتسل فليتصدق بنصف دينار ورواه أيضا عن سعيد بن أبى عروبة عن عبد الكريم عن مقسم عن ابن عباس أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمره أن يتصدق بدينار أو بنصف دينار وفسر ذلك مقسم فقال إن غشيها في الدم فدينار وإن غشيها بعد انقطاع الدم قبل أن تغتسل فنصف دينار. هذا و (عبد الكريم) هو ابن أبى المخارق قيس أبو أمية البصرى. روى عن أنس بن مالك وعمرو بن سعيد بن العاص وطاوس ومجاهد ونافع مولى ابن عمر وعطاء بن أبى رباح وغيرهم وعنه ابن جريج والثورى وأبو حنيفة ومالك وشريك النخعى وابن عيينة وطائفة. قال أيوب كان غير ثقة وكان ابن عيينة يستضعفه وقال ابن عبد البر مجمع على ضعفه وقال البيهقى غير محتج به وقال النسائى والدارقطنى متروك وقال ابن حبان كان كثير الوهم فاحش الخطأ أخرج له الأربعة. مات سنة ست أو سبع وعشرين ومائة (قال) العينى ذكر المزّى هذا الحديث في ترجمة عبد الكريم الجزرى عن مقسم ويشكل هذا على رواية البيهقي التي ذكرناها فإن فيها أبو أمية عبد الكريم البصرى ثم قال أبو أمية غير محتج به "قلت" كيف لا يحتج به وقد روى عنه ابن جريج والسفيانان وغيرهم وأخرج له الحاكم في المستدرك واحتج به مسلم بما ذكره صاحب الكمال واستشهد به البخارى في الصحيح في باب التهجد فقال قال سفيان وزاد عبد الكريم أبو أمية ولا حول ولا قوّة إلا بالله اهـ (أقول) دعوى أن مسلما احتج به غير مسلمة (قال) الحافظ المنذرى لم يخرج له مسلم شيئا أصلا لا متابعة ولا غيرها وإنما أخرج لعبد الكريم الجزرى اهـ وأما استشهاد البخارى به فلا يفيد الاحتجاج به لأنه إنما أخرج له زيادة في حديث يتعلق بفضائل الأعمال ولأنه لم يقصد التخريج له وإنما ساق الحديث المتصل وهو على شرطه ثم أتبعه بزيادة

عبد الكريم لأنه سمعه هكذا "أفاده الحافظ في تهذيب التهذيب" (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ، ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا وَقَعَ الرَّجُلُ بِأَهْلِهِ وَهِيَ حَائِضٌ فَلْيَتَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ» (ش) (قوله شريك) هو ابن عبد الله النخعى (قوله خصيف) بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة ابن عبد الرحمن الجزرى أبو عون الحراني الأموى مولاهم. روى عن أنس بن مالك وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد. وعنه محمد بن إسحاق وابن جريج والسفيانان وأبو الأحوص وغيرهم وثقه ابن معين وأبو زرعة وقال ابن عدى إذا حدّث عنه ثقة فلا بأس به وقال أحمد ضعيف ليس بحجة ولا قوىّ وقال ابن حبان تركه جماعة من أئمتنا واحتج به آخرون وكان شيخا صالحا فقيها عابدا إلا أنه كان يخطئُ كثيرا فيما يروى وينفرد عن المشاهير بها لا يتابع عليه وهو صدوق في روايته إلا أن الإنصاف فيه قبول ما وافق الثقات في الروايات وترك مالا يتابع عليه وقال أبو حاتم صالح يخلط. توفي سنة ست أو سبع وثلاثين ومائة. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله إذا وقع الرجل بأهله الخ) أى إذا جامع الرجل زوجه حال حيضها فيجب عليه التصدق بنصف دينار. وفي رواية ابن ماجه كان الرجل إذا وقع على امرأته أمره أن يتصدق بنصف دينار. ولعل هذه الرواية محمولة على ما إذا وطئها في آخر الدم جمعا بين الروايات ويحتمل أن يكون في هذا حذف والأصل فليتصدّق بدينار إذا وطئها في أول الدم وبنصف دينار إذا أتاها في آخره ويؤيده ما رواه الطبراني والدارقطني من طريق الثورى عن خصيف وعلىّ بن بذيمة وعبد الكريم عن مقسم من أتى امرأته وهي حائض فعليه دينار ومن أتاها في الصفرة فنصف دينار (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن من وطئَ امرأته وهي حائض طلب منه أن يتصدق بنصف دينار وتقدم بيانه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الترمذى والدارمى والبيهقى وأخرجه ابن ماجه من طريق أبى الأحوص بلفظ تقدم (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ بُذَيْمَةَ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ

(ش) أى قال على بن بذيمة في روايته عن مقسم مثل ما قال خصيف في روايته عنه غير أن ابن بذيمة لم يذكر ابن عباس شيخ مقسم فكانت روايته مرسلة، وهذا التعليق وصله البيهقى من طريق مسدد قال ثنا يحيى عن سفيان حدثنى عليّ بن بذيمة وخصيف عن مقسم عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض فليتصدّق بنصف دينار وقال خصيف الجزرى غير محتج به. وأخرجه الطبراني والدارقطني من طريق سفيان الثورى عن خصيف بلفظ تقدم. هذا و (على بن بذيمة) بفتح فكسر الجزرى الحرّانى أبو عبد الله السوائى مولى جابر بن سمرة. روى عن سعيد بن جبير والشعبى وأبى عبيدة بن عبد الله وعكرمة وعنه الأعمش ومعمر والثورى وشريك وآخرون. وثقه ابن سعد وابن عمار وابن معين والنسائى وأبو زرعة وقال أبو حاتم صالح الحديث. توفى بخراسان سنة ست وثلاثين ومائة روى له الجماعة (ص) وَرَوَى الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «أمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُمْسَيْ دِينَارٍ» (ش) أى روى عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن يزيد بن أبى مالك عن عبد الحميد ابن عبد الرحمن أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر عمر وقد أتى عمر امرأته وهي حائض أن يتصدق بخمسى دينار مثنى خمس بضمتين وإسكان الثانى لغة. وهذا التعليق أخرجه البيهقى من طريق أبى بكر بن داسة قال ثنا أبو داود السجستاني، وروى الأوزاعي عن يزيد بن أبى مالك عن عبد الحميد بن عبد الرحمن أظنه عن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أمره أن يتصدق بخمسى دينار وهذا مختصر وأخرجه البيهقى مطوّلا من طريق إسحاق الحنظلى عن بقية بن الوليد عن الأوزاعي بهذا الإسناد عن عمر بن الخطاب أنه كانت له امرأة تكره الرجال فكان كلما أرادها اعتلت له بالحيضة فطنّ أنها كاذبة فأتاها فوجدها صادقة فأتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأمره أن يتصدّق بخمسى دينار وكذلك رواه إسحاق عن عيسى بن يونس عن زيد بن عبد الحميد عن أبيه أن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كانت له امرأة فذكره وهو منقطع بين عبد الحميد وعمر، وأخرجه الدارمى من طريق عبد الحميد مطوّلا بنحو رواية البيهقى، ولعل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر عمر أن يتصدّق بخمسي دينار ولم يأمره بدينار أو نصف دينار لأن عمر فعل ذلك معتقدا أنها غير حائض لما كانت تعتاده من ادعاء الحيض كذبا، وغرض المصنف من ذكر رواية خصيف والتعليقين بعدها الإشارة إلى أن في سند الحديث ومتنه اضطرابا وذلك أن في رواية عبد الحميد

باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع

عن مقسم عن ابن عباس الأمر بالتصدّق بدينار أو نصف دينار وفي رواية خصيف عن مقسم عنه الأمر بالتصدّق بنصف دينار ومثلها رواية على بن بذيمة عن مقسم غير أنها مرسلة وتقدم أنها محمولة على ما إذا وطئها في آخر مدّة الحيض أو أن فيها حذف الأمر بالتصدّق بدينار. ورواية الأوزاعي معضلة وفيها الأمر بالتصدّق بخمسى دينار وتقدم أنها ضعيفة أو أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر عمر بذلك تخفيفا عليه لعذره (قال) المنذرى بعد روايات حديث الباب كله قد وقع الاضطراب في إسناده ومتنه فروى مرفوعا وموقوفا ومرسلا ومعضلا اهـ (باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع) أى في بيان ما يدلّ على جواز استمتاع الرجل بامرأته الحائض بكل شيء غير الوطء من المضاجعة والملامسة والتقبيل وغير ذلك (ص) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيُّ، ثَني اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَبِيبٍ مَوْلَى عُرْوَةَ، عَنْ نُدْبَةَ مَوْلَاةِ مَيْمُونَةَ عَنْ مَيْمُونَةَ، قالت «إنَّ النبي صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُبَاشِرُ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَائِهِ وَهِيَ حَائِضٌ، إِذَا كَانَ عَلَيْهَا إِزَارٌ إِلَى أَنْصَافِ الْفَخِذَيْنِ أَوِ الرُّكْبَتَيْنِ تَحْتَجِزُ بِهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله الرملى) نسبة إلى الرملة مدينة عظيمة بفلسطين بينها وبين بيت المقدس ثمانية عشر ميلا. و (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهرى (قوله حبيب) الأعور المدنى (مولى عروة) بن الزبير. روى عن أسماء بنت أبى بكر وابنها عروة وندبة مولاة ميمونة وعنه الزهرى وعبد الله بن عروة بن الزبير وعبد الواحد بن ميمون والضحاك بن عثمان. قال ابن سعد كان قليل الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان يخظئُ. روى له أبو داود والنسائى ولم يرو له مسلم إلا حديث أىّ العمل أفضل. مات سنة ثلاثين ومائة (قوله عن ندبة) بضم النون وفتحها وسكون الدال المهملة وفتح الموحدة ويقال بذية بضم الموحدة مصغرة كما في رواية النسائى. روت عن مولاتها ميمونة. وعنها حبيب مولى عروة بن الزبير. روى لها أبو داود والنسائى. وذكرها ابن حبان في الثقات وابن منده وأبو نعيم في الصحابة (معنى الحديث) (قوله إن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) وفي رواية النسائى كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم. ولعل التأكيد هنا لما رأته ميمونة من تردّد بعض القوم في جواز الاستمتاع بالحائض فيما عدا الفرج (قوله كان يباشر المرأة) أى يستمتع بها من

أقسام مباشرة الحائض وأقوال الفقهاء فيها

المباشرة التي بمعنى الملامسة يقال باشر الرجل زوجه تمتع ببشرتها. وقد ترد المباشرة بمعنى الوطء في الفرج والمراد هنا المعنى الأول اتفاقا (قوله إذا كان عليها إزار الخ) هو ما يشدّ به الوسط إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين. وقيل كل ما وارى الإنسان وستره ويجمع على آزرة مثل وعاء وأوعية ويجمع أيضا على أزر كحمر ويذكر ويؤنث فيقال هو إزار وهى إزار (قوله إلى أنصاف الفخذين) أى إلى نصفى الفخذين فالمراد بالجمع هنا التثنية ولم تعبر بها لاستثقال الجمع بين تثنيتين فما هو كالكلمة (قوله أو الركبتين) أو هنا للتنويع وفي رواية النسائى والركبتين بالواو وهي بمعنى أو. والمعنى أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يضاجع المرأة من نسائه وهي حائض ويستمتع بها بغير الوطء إذا كان عليها ما يستر به الفرج من إزار يبلغ نصف فخذيها أو ركبتيها (قوله تحتجز به) أى تجعله حاجزا بينها وبين زوجها، وهذه الجملة صفة للإزار ويجوز أن تكون حالا من المرأة لما في رواية النسائى من قولها محتجزة به أى حال كون المرأة ممتنعة بالإزار (وفى الحديث) دلالة على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يباشر نساءه حال حيضهن إذا كان عليهن ما يستر ما بين السرّة والركبة (واعلم) أن مباشرة الحائض على أقسام (أحدها) حرام بالإجماع وبنصّ القرآن العزيز والسنة الصحيحة وهو أن يباشرها بالجماع في الفرج عامدا ولو اعتقد مسلم حله يكفر وإن فعله غير معتقد حله فإن كان ناسيا أو جاهلا وجود الحيض أو مكرها فلا إثم عليه ولا كفارة وإن وطئها عامدا عالما بالتحريم مختارا فقد ارتكب كبيرة يجب عليه التوبة منها اتفاقا والكفارة عند قوم وتستحب الكفارة عند الجمهور كما تقدم في الباب السابق (الثانى) المباشرة فيما فوق السرّة وتحت الركبة بالذكر أو القبلة أو المعانقة أو اللمس أو غير ذلك فهذا حلال بالإجماع (وما حكى) عن عبيدة السلمانى وغيره من أنه لا يباشر شيئا منها (فهو شاذ) منكر غير معروف ولا مقبول ولو صح عنه لكان مردودا بالأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما في مباشرة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نساءه فوق الإزار وإذنه في ذلك وعليه إجماع المسلمين قبل المخالف وبعده ولا فرق بين أن يكون على الموضع الذى يستمتع به شيء من الدم أو لا خلافا لما حكى عن بعض الشافعية من أنه يحرم مباشرة ما فوق السرّة وتحت الركبة إذا كان عليها شيء من الدم (الثالث) المباشرة فيما بين السرّة والركبة في غير القبل والدبر وفيه ثلاثة أقوال (فعند) أبي حنيفة ومالك وسعيد بن المسيب وشريح وطاوس وعطاء وسليمان بن يسار وقتادة حرام مطلقا وهو رواية عن أبى يوسف والقول الصحيح للشافعية مستدلين بحديث الباب وبحديث زيد بن أسلم أن رجلا سأل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال ما يحل لى من امرأتي وهي حائض فقال لتشدّ عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها رواه مالك (القول الثانى) الجواز مطلقا مع الكراهة التنزيهية وإليه ذهب عكرمة ومجاهد والشعبى والنخعى والحكم والثورى والأوزاعي وأحمد

وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وابن المنذر وداود ومحمد بن الحسن صاحب أبى حنيفة وأصبغ المالكي مستدلين بحديث أنس مرفوعا اصنعوا كل شئ إلا النكاح رواه الجماعة إلا البخارى "واقتصاره" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في مباشرته على ما فوق الإزار "محمول" على الاستحباب جمعا بين قوله وفعله "ومباشرته" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ليست" حرصا على نيل شهوة النفس بل للتشريع وفعله ذلك مع كلهن يفيد انتشاره كما أن القصد من إكثار الزوجات نشر الأحكام وحفظها لتخبر كل واحدة عما شاهدته (القول الثالث) إن كان المباشر يضبط نفسه عن الفرج ويثق من نفسه باجتنابه إما لضعف شهوته أو لشدّة ورعه جاز وإلا فلا (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز استمتاع الرجل بامرأته الحائض بكل أنواع الاستمتاع ما عدا الوطء بشرط أن يكون عليها إزار يستر من السرّة إلى نصف الفخذين أو الركبتين لتصون به مالا تحل مباشرته عن قربان الزوج (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والبيهقى (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَأْمُرُ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا أَنْ تَتَّزِرَ، ثُمَّ يُضَاجِعُهَا زَوْجُهَا» وَقَالَ مَرَّةً: «يُبَاشِرُهَا» (ش) (قوله شعبة) هو ابن الحجاج، و (منصور) هو ابن المعتمر، و (إبراهيم) هو النخعى (قوله يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر) أى يأمرها أن تشدّ عليها إزارا تستر به ما بين سرّتها وركبتها. وتتزر بتشديد المثناة الفوقية أصله تأتزر بهمزة ساكنة أبدلت الهمزة تاء وأدغمت في التاء إبدالا قياسيا على رأى البغداديين وشاذا على رأى غيرهم (قوله ثم يضاجعها زوجها) أى ينام معها في فراش واحد (قال) العراقى انفرد المصنف بهذه الجملة الأخيرة وليس في رواية بقية الأئمة ذكر الزوج فيحتمل وجهين (أحدهما) أن تكون أرادت بزوجها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فوضعت الظاهر موضع المضمر وعبرت عنه بالزوج ويدلّ على ذلك رواية البخارى وغيره وفيها وكان يأمرنى فأتزر فيباشرني وأنا حائض (والآخر) أن يكون قولها أولا يأمر إحدانا لا من حيث إنها إحدى أمهات المؤمنين بل من حيث إنها إحدى المسلمات والمراد أنه يأمر كل مسلمة إذا كانت حائضا أن تتزر ثم يباشرها زوجها لكن جعل الروايات متفقة أولى ولا سيما مع اتحاد المخرج مع أنه إذا ثبت هذا الحكم في حق أمهات المؤمنين ثبت في حق سائر النساء اهـ (قوله وقال مرّة يباشرها)

أى قال الأسود عن عائشة وفى نسخة قالت أى قالت عائشة في رواية أخرى يباشرها بدل يضاجعها والمراد يستمتع بها بالملامسة والتقبيل ونحو ذلك (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه بمعناه مطوّلا ومختصرا والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، عَنْ جَابِرِ بْنِ صُبْحٍ، قال سَمِعْتُ خِلَاسًا الْهَجَرِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: " كُنْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ نَبِيتُ فِي الشِّعَارِ الْوَاحِدِ، وَأَنَا حَائِضٌ طَامِثٌ، فَإِنْ أَصَابَهُ مِنِّي شَيْءٌ غَسَلَ مَكَانَهُ وَلَمْ يَعْدُهُ، ثُمَّ صَلَّى فِيهِ، وَإِنْ أَصَابَ - تَعْنِي: ثَوْبَهُ - مِنْهُ شَيْءٌ غَسَلَ مَكَانَهُ وَلَمْ يَعْدُهُ، ثُمَّ صَلَّى فِيهِ " (ش) (رجال الحديث) (قوله جابر بن صبح) الراسي أبو بشر البصرى. روى عن المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي وأمية بن عبد الرحمن وأم شراحيل وآخرين. وعنه شعبة ويحيى القطان وعيسى بن يونس وأبو الجراح المهدى وغيرهم. قال ابن معين والنسائى ثقة وقال الأزدى لا يقوم بحديثه حجة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والترمذى والنسائى (قوله سمعت خلاسا) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام آخره سين مهملة هو ابن عمرو البصرى. روى عن عمار بن ياسر وابن عباس وعائشة وأبى رافع وعلىّ ابن أبى طالب وأبى هريرة وغيرهم. وعنه مالك بن دينار وقتادة وجابر بن صبح وداود بن أبى هند وآخرون. وثقه أحمد وابن معين وقال أبو حاتم ليس بقوى وقال ابن عدى له أحاديث صالحة ولم أر بعامة حديثه بأسا وقال العجلى بصرى تابعى ثقة. مات قبيل المائة. روى له البخارى ومسلم مقرونا وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه. و (الهجرى) بهاء وجيم مفتوحتين نسبة إلى هجر قرية بقرب المدينة (معنى الحديث) (قوله نبيت في الشعار الواحد) بكسر الشين المعجمة الثوب الذى يلى الجسد سمى بذلك لأنه يلى الشعر يقال شاعرت المرأة نمت معها في الشعار الواحد بخلاف الدثار فإنه الثوب الذى يلبس فوق الشعار ومنه حديث الأنصار أنتم الشعار والناس الدثار أى أنتم الخاصة والبطانة (قوله طامث) كحائض وزنا ومعنى فهو تأكيد لفظى له يقال طمثت المرأة بالفتح وطمثت بالكسر من بابي ضرب وتعب حاضت وهو من الأوصاف الخاصة بالإناث فلا تلحقه التاء عند الوصف به لعدم اللبس ويجوز لحوق التاء به نظرا للأصل (والحديث) لا ينافي ما تقدم

من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا أراد أن يضاجع إحدى أزواجه وهي حائض أمرها أن تأتزر ثم يضاجعها لأن الظاهر أن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا كانت تأتزر ثم تنام معه في الشعار. ويحتمل أنها كانت معه في الشعار من غير إزار ويكون ذلك خصوصية له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويؤيده قول عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا وأيكم يملك أربه كما كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يملك أربه (قوله فإن أصابه مني شيء الخ) أى فإن أصاب الشعار شيء من دم الحيض غسل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الموضع الذى أصابه الدم ولم يتجاوزه إلى غيره (قوله وإن أصاب تعنى ثوبه الخ) أصل التركيب وإن أصاب منه شيء فأتى الراوى بهذه العناية بيانا للمفعول المحذوف لئلا يتوهم أنه ضمير عائد على الشعار فيكون تكرارا والأقرب أن الذى أتى بهذه العناية خلاس الهجرى لأنه هو الذي سمع من عائشة وظاهره أن الإصابة أولا كانت للشعار وثانيا كانت للثوب وهو غير الشعار. ويحتمل أن يكون المراد بالثوب الشعار وأن الإصابة الثانية كانت بعد العود إلى النوم ويؤيده رواية النسائى عنها قالت كنت أنا ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا طامث حائض فإن أصابه مني شئ غسل مكانه ولم يعده وصلى فيه ثم يعود فإن أصابه منى شيء فعل مثل ذلك غسل مكانه ولم يعده وصلى فيه. ويحتمل أن يكون الضمير في أصابه عائدا إلى بدنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويكون قوله ثم صلى في الأولى تصحيفا من بعض تلاميذ أبى داود ويشهد له ما أخرجه البيهقى من طريق ابن داسة بسنده إلى عائشة قالت كنت أنا ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا حائض طامث فإن أصابه شيء غسل مكانه ولم يعده وإن أصاب تعنى ثوبه منه غسل مكانه ولم يعده وصلى فيه. وليس في رواية المصنف ذكر العود لكنه مراد لأن الأحاديث يفسر بعضها بعضا (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز مباشرة الحائض والاضطجاع معها في الشعار الواحد وعلى مشروعية الاقتصار في إزالة النجاسة على المكان الذى أصابته. وعلى طهارة الثوب الذى تلبسه الحائض ما لم يصبه شيء من الدم. وعلى مزيد تواضعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وحسن معاشرته أهله (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والبيهقي بلفظ تقدم وأخرجه أحمد عن عائشة أيضا قالت كنت أبيت أنا ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الشعار الواحد وأنا طامث حائض قالت فإن أصابه مني شيء غسله ولم تعد مكانه وصلى فيه (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، نَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ بْنِ غَانِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَعْنِي

ابْنَ زِيَادٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غُرَابٍ قَالَ: إِنَّ عَمَّةً لَهُ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِحْدَانَا تَحِيضُ وَلَيْسَ لَهَا وَلِزَوْجِهَا إِلَّا فِرَاشٌ وَاحِدٌ؟ قَالَتْ: أُخْبِرُكِ بِمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ دَخَلَ فَمَضَى إِلَى مَسْجِدِه - قَالَ أَبُو دَاوُدَ: تَعْنِي مَسْجِدَ بَيْتِهِ - فَلَمْ يَنْصَرِفْ حَتَّى غَلَبَتْنِي عَيْنِي وَأَوْجَعَهُ الْبَرْدُ فَقَالَ: «ادْنِي مِنِّي». فَقُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ. فَقَالَ: «وَأنْ، اكْشِفِي عَنْ فَخِذَيْكِ». فَكَشَفْتُ فَخِذَيَّ فَوَضَعَ خَدَّهُ وَصَدْرَهُ عَلَى فَخِذِي، وَحَنَيْتُ عَلَيْهِ حَتَّى دَفِئَ وَنَامَ (ش) (رجال الحديث) (قوله عبد الله يعنى ابن عمر بن غانم) الرعينى مصغرا أبو عبد الرحمن نزل إفريقية. روى عن مالك بن أنس وداود بن قيس وإسراءيل بن يونس وغيرهم. وعنه عبد الله بن مسلمة وموسى بن إسماعيل وحجاج بن منهال. قال أبو حاتم مجهول وقال ابن يونس كان أحد الثقات الأثبات وقال أبو داود أحاديثه مستقيمة ما أعلم حدّث عنه غير القعنبي وقال ابن حبان في الضعفاء لا يحلّ ذكر حديثه ولا الرواية عنه في الكتب إلا على سبيل الاعتبار وذكر له عن مالك عن نافع عن ابن عمر رفعه الشيخ في قومه كالنبى في أمته وهذا موضوع (قال) الحافظ ولعل ابن حبان ما عرف هذا الرجل لأنه جليل القدر ثقة لا ريب فيه ولعل البلاء في الأحاديث التى أنكرها ابن حبان ممن هو دونه وقال أبو العرب كان ثقة نبيلا فقيها ولى القضاء وكان عدلا في قضائه، ولد سنة ثمان وعشرين ومائة. ومات سنة تسعين ومائة روى له البخارى وأبو داود والترمذى (قوله عمارة بن غراب) بضم أولهما اليحصبي. روى عن عمة له. وعنه عبد الرحمن بن زياد. قال أحمد بن حنبل ليس بشئ وذكره ابن حبان في الثقات وقال يعتبر حديثه من غير رواية الإفريقى عنه وقال في التقريب مجهول من السادسة وقال أبو موسى المديني من التابعين لا يثبت له صحبة. روى له أبو داود (معنى الحديث) (قوله قالت أخبرك الخ) أى قالت عائشة رضي الله تعالى عنها جوابا للسائلة أخبرك بصنع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو بالذى صنعه فما مصدرية أو موصولة (قوله قال أبو داود تعنى مسجد بيته) أى تقصد عائشة بالمسجد الموضع الذى اتخذه في البيت للصلاة. وفى نسخة إسقاط لفظ قال أبو داود (قوله فلم ينصرف الخ) أى لم ينصرف النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من موضع صلاته حتى نمت وآلمه البرد فأقبل على وقال اقربى منى. وادنى أمر

جواز الأعراض البشرية التي لا نقص فيها على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم استحباب تجنب المرأة فراش زوجها حال حيضها

من دنا يدنو وأصله ادنوى حذفت الواو تخفيفا وقلبت الضمة كسرة (قوله وأن اكشفي عن فخذيك الخ) عطف على محذوف وأن زائدة أى اقربى واكشفي عن فخذيك فدنوت منه وكشفت فخذيّ فوضع جانب وجهه وصدره على فخذيّ تثنية فخذ. وذكرت الفخذين ثانيا بالاسم الظاهر والمقام للإضمار مشاكلة لكلامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وفعل ذلك تشريعا وإزالة لما كانت تعتقده من امتناع دنوّ الحائض من زوجها (قوله وحنيت عليه) أى ملت وانثنيت عليه يقال حنا يحني من باب رمى وحنا يحنو من باب دعا مال عليه وانثنى (قوله حتى دفئَ ونام) أى ذهب ما به من البرد يقال دفئَ دفاءة مثل كره كراهة ودفئَ دفأ مثل ظمئَ ظمأ والاسم الدفء بالكسر وهو السخونة والمعنى ملت عليه حتى نام صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز حصول الأعراض البشرية التي لا نقص فيها له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعلى مشروعية اتخاذ مكان في المنزل للعبادة. وعلى جواز الاستمتاع بالحائض بغير الجماع، وعلى حسن معاشرته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أهله وعلى مزيد اهتمامه بالعبادة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى (ص) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ أُمِّ ذَرَّةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «كُنْتُ إِذَا حِضْتُ نَزَلْتُ عَنِ المِثَالِ عَلَى الْحَصِيرِ، فَلَمْ نَقْرُبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، وَلَمْ نَدْنُ مِنْهُ حَتَّى نَطْهُرَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله سعيد بن عبد الجبار) بن يزيد أبو عثمان القرشي الكرابيسي البصرى تزل مكة. روى عن حماد بن مسلمة ومالك بن أنس وفضيل بن عياض وعبد العزيز الدراوردى وطائفة. وعنه أبو زرعة ومسلم وأبو داود وعبد الله بن أحمد بن حنبل ويعقوب بن سفيان وأبو يعلى الموصلى وغيرهم. قال الخطيب كان ثقة وقال أبو حاتم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات. توفي بالبصرة آخر ذى الحجة سنة ست وثلاثين ومائتين (قوله عن أبى اليمان) هو كثير بن اليمان وقيل ابن جريج الرحال المدني. روى عن شداد بن أبى عمرو وأم ذرّة. وعنه عند العزيز الدراوردى وأبو هاشم الزعفراني. وثقه ابن حبان وقال في التقريب مجهول من السادسة. روى له أبو داود (قوله عن أم ذرّة) بالذال المعجمة المفتوحة والراء المشددة المدنية مولاة عائشة. روت عن عائشة وأم سلمة. وعنها ابن المنكدر وأبو اليمان وعائشة بنت سعد. قال أحمد بن عبد الله العجلى مدنية تابعية ثقة وذكرها ابن حبان في الثقات. روى لها أبو داود

جواز استمتاع الرجل بزوجه الحائض إذا كانت مؤتزرة

(معنى الحديث) (قوله عن المثال على الحصير) المثال بكسر الميم الفراش جمعه مثل وأمثلة وكان فراشه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أدم حشوه ليف كما رواه الترمذى، والحصير قيل وجه الأرض وقيل ما ينسج من النبات المسمى بالبردى ونحوه ويجمع على حصر مثل بريد وبرد (قوله فلم نقرب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) بفتح الراء وضمها مضارع قرب بكسرها وبفتحها (قال) في المصباح قربت الأمر أقربه من باب تعب وفى لغة من باب قتل فعلته أو دانيته اهـ (والثانى) هو المراد لقولها ولم ندن منه لأنه عطف تفسير وفيه التفات من ضمير الواحد إلى ضمير الجمع ولعلها تعنى نفسها وغيرها من أزواجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وفى الحديث) دلالة على أن نساءه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كنّ يبعدن عنه زمن حيضهنّ ولعلّ هذا كان يقع منهن في بعض الأوقات بدليل الروايات الأخر في الباب الدالة على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان ينام معهنّ في الفراش والشعار الواحد. على أن هذا لا ينافى ما علم من قربه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منهن لأن ذلك كان من جهته لا من جهتهنّ (قال) العيني وهذا الحديث لا بدلّ على منع الاستمتاع بالحائض بما دون الجماع لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تارة كان يباشرهنّ وهنّ حيض وتارة لا يدنو منهنّ بحسب وقته (وبه تمسك) عبيدة السلمانى ومن تبعه في أن الرجل لا يباشر شيئا من الحائض قطّ وهو مردود اهـ (وقال) الطيبى والحديث منسوخ إلا أن يحمل القرب على الغشيان اهـ وردّ بأن النسخ لا يصار إليه إلا عند عدم إمكان الجمع والجمع هنا ممكن كما تقدم فيتعين المصير إليه (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن الحائض ليس لها أن تقرب من زوجها زمن حيضها لاستقذار الحيض وهذا ما لم يطلب الزوج قربها منه على ما تقدم بيانه (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قالت «إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ مِنَ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا» (ش) (حماد) هو ابن سلمة. و (أيوب) هو ابن كيسان السختيانى. و (عكرمة) هو مولى ابن عباس. و (بعض أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) لعلها عائشة أو ميمونة (قوله كان إذا أراد من الحائض شيئا الخ) أى كان إذا أراد الاستمتاع بها بغير الجماع في الفرج ألقى على فرجها ثوبا ليكون حائلا ومانعا من مسّ الفرج، وهو يفيد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يضع الثوب على الفرج فقط. ولعله كان يفعل ذلك أحيانا ويأمرهن بالائتزار أحيانا أو كان الائتزار في أول الحيض وإلقاء الثوب في آخره كما يدلّ عليه الحدث الآتى (والحديث) من أدلة من قال إن

الممنوع الاستمتاع بفرج الحائض فقط دون ما عداه مما بين السرّة والركبة (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا جَرِيرٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَأْمُرُنَا فِي فَوْحِ حَيْضَتِنَا أَنْ نَتَّزِرَ، ثُمَّ يُبَاشِرُنَا. وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُ إَرَبَهُ؟ (ش) (رجال الحديث) (جرير) هو ابن عبد الحميد الرازى (قوله الشيبانى) هو سليمان بن فيروز ويقال ابن عمرو الكوفي أبو إسحاق مولى بنى شيبان. روى عن عبد الله بن أبى أوفى وسعيد بن جبير والشعبي وإبراهيم النخعى وطائفة. وعنه ابنه إسحاق وأبو إسحاق السبيعى وعاصم الأحول وشعبة والسفيانان وكثيرون. قال ابن معين ثقة حجة وقال الجوزجاني رأيت أحمد يعجبه حديث الشيبانى وقال هو أهل أن لا ندع له شيئا وقال أبو حاتم ثقة صدوق وقال العجلى والنسائى كان ثقة من كبار أصحاب الشعبي وقال ابن عبد البر ثقة حجة عند جميعهم مات سنة ثمان أو تسع وثلاثين ومائة. والشيبانى نسبة إلى شيبان محلة بالبصرة (قوله عبد الرحمن ابن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعى أبو حفص الفقيه الكوفي أدرك عمر بن الخطاب. روى عن أبيه وعائشة وعلقمة بن قيس وأنس بن مالك وابن الزبير، وعنه أبو إسحاق السبيعى ومحمد ابن إسحاق ومالك بن مغول وعاصم بن كليب. قال ابن معين والنسائى والعجلى وابن خراش ثقة وزاد ابن خراش كان من خيار الناس وقال محمد بن إسحاق قدم علينا عبد الرحمن بن الأسود فاعتلت إحدى قدميه فقام يصلى حتى أصبح على قدم فصلى الفجر بوضوء العشاء وذكره ابن حبان في الثقات. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله في فوح حيضتنا) بفتح الفاء وسكون الواو وحاء مهملة أى معظمها وأولها كما في النهاية. وفي رواية البخارى ومسلم في فور بالراء وهى بمعناها (قال) الخطابى فوح الحيض معظمه وأوله ومثله فوعة الدم يقال فاح وفاع بمعنى واحد. وجاء في الحديث النهى عن السير في أول الليل حتى تذهب فوعته يريد إقبال ظلمته كما جاء النهى عن السير حتى تذهب فحمة العشاء اهـ والحيضة بفتح الحاء المهملة لا غير (وظاهره) يفيد أن الأمر بالائتزار مقيد بزمن فوح الحيض ومفهومه أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما كان يأمرهن به في غير زمن الفوح بل كان يكتقى بإلقاء ثوب على فرجها كما تقدم ويحتمل أن القيد لا مفهوم له وأن الغرض من الحديث

الترغيب في التعفف عن ذلك

أنه كان يباشرهن فوق الإزار في فور الدم ففى غير فور الدم تكون المباشرة فوق الإزار جائزة بالطريق الأولى ويؤيده الروايات المطلقة عن التقييد بزمن الفور (قوله وأيكم يملك أربه) أى أيكم يقدر على منع نفسه من الوطء في الفرج إذا باشر زوجه أى لا أحد منكم يملك ذلك فهو استفهام إنكارى بمعنى النفى. والأرب قال في النهاية أكثر المحدّثين يروونه بفتح الهمزة والراء يعنون الحاجة وبعضهم يرويه بكسر الهمزة وسكون الراء وله تأويلان (أحدهما) أنه الحاجة يقال فيها الأرب والإرب والإربة والمأربة (والثاني) أرادت به العضو وعنت به من الأعضاء الذكر خاصة اهـ واختار الخطابى رواية الفتح وأنكر رواية الكسر وعابها على المحدّثين (قال) الأبىّ الإرب بالكسر مشترك بين العضو والحاجة مطلقا وإنما أنكر الخطابى رواية الكسر من حيث قصرها على العضو وتفسيرها به وأما من حيث صدقها على الحاجة فهى مساوية لرواية الفتح التي صوّبها ولا تكلف فيها إذ الغاية فيه أنه كنى بالعضو الخاص عن شهوة الجماع اهـ والمقصود منه أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان أملك الناس لنفسه فيأمن مع هذه المباشرة الوقوع في المحرّم وهو الجماع في الفرج زمن الحيض (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز الاستمتاع بالحائض أول نزول الحيض بغير الوطء إذا كان هناك حائل يستر الفرج. ويؤخذ من قول عائشة أن غير النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يملك شهوته كما كان يملكها هو فالأسلم لغيره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم البعد عن المباشرة لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه (من أخرح الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه (باب في المرأة تستحاض ومن قال تدع الصلاة) (في عدّة الأيام التى كانت تحيض) أى في بيان حكم المرأة التى تصيبها الاستحاضة. وهي دم يخرح من المرأة في غير أوقاته المعتادة يسيل من العاذل وهو عرق في أدنى الرحم دون قعره. وقوله ومن قال تدع الصلاة أى وفى بيان من قال في روايته إن المستحاضة تترك الصلاة أيام حيضها المعتاد لها (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدِّمَاءَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ

صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: «لِتَنْظُرْ عِدَّةَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا، فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ، فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ، ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ، ثُمَّ لِتُصَلِّ» (معنى الحديث) (قوله أن امرأة) هى فاطمة بنت أبى حبيش كما صرّح المصنف به بعد (قوله تهراق الدماء) وفي نسخة تهراق الدم وهى رواية النسائى وتهراق بضم ففتح مضارع هراق وأصله أراق أبدلت الهمزة هاء وهو مبنىّ لما لم يسمّ فاعله ونائبه ضمير يعود على المرأة وأصله تهراق دماؤها فحوّل الإسناد من الدماء إلى المرأة مبالغة والدماء منصبوب على التمييز وإن كان معرفة لأن أل زائدة ونظائره كثيرة. ويجوز رفعه على أنه نائب الفاعل وتكون أل عوضا عن المضاف إليه أى تهراق دماؤها ويجوز أن يكون تهراق مبنيا للفاعل أجرى على صيغة المبنى للمفعول مثل نفست المرأة غلاما ونتج الفرس مهرا، والدماء منصوب على المفعولية (قال) في المصباح راق الماء من باب باع انصبّ ويتعدّى بالهمزة فيقال أراقه صاحبه وتبدل الهمزة هاء فيقال هراقه والأصل هريقه على وزن دحرجه ولهذا تفتح الهاء من المضارع ومن الفاعل والمفعول وقد يجمع بين الهاء والهمزة فيقال أهراقه يهريقه ساكن الهاء مثل أسطاع يسطيع بفتح فسكون في الماضى وبضم فسكون في المضارع وفي الحديث أن امرأة كانت تهراق الدماء بالبناء للمفعول والدماء نصب على التمييز ويجوز الرفع على إسناد الفعل إليها والأصل تهراق دماؤها لكن جعلت الألف واللام بدلا من الإضافة كقوله تعالى عقدة النكاح أى نكاحها اهـ ملخصا (قوله فاستفتت لها الخ) أى سألت أم سلمة أم المؤمنين رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأجل تلك المرأة لاستحيائها من السؤال عن ذلك بنفسها (قوله لتنظر عدّة الليالى والأيام الخ) وفي رواية مالك في الموطأ لتنظر عدد الليالى والأيام التي كانت تحيضهن أى لتحسب عدد الأيام والليالى التى كانت تحيض فيها من الشهر قبل أن تستحاض وتترك الصلاة من الشهر الآتى قدر الليالى والأيام التي كانت تحيض فيها من الشهر الماضى قبل طروّ الاستحاضة عليها مثلا إذا كانت عادتها أن تحيض من كل شهر خمسة أيام من أوله تترك الصلاة خمسة أيام من الشهر الآتي (قوله فإذا خلفت ذلك الخ) بتشديد اللام وفتح الفاء من التخليف أى إذا تركت قدر الليالى والأيام التي كانت تحيضها فلتغتسل غسل انقطاع الحيض لأن مدّة حيضها فيما مضى هى مدّة حيضها في هذا الوقت أيضا فإذا مضى هذا القدر خرجت من الحيض وصارت مستحاضة حكمها حكم الطاهرة (قال) الخطابى هذا حكم المرأة يكون لها أيام من الشهر تحيضها قبل حدوث العلة ثم تستحاض فتهريق دما ويستمرّ بها السيلان أمرها رسول الله صلى الله تعالى

أقوال العلماء في المسحاضة ترد إلى عادتها وفي حكم وطئها * ما دل عليه حديث أم سلمة من وجوب الغسل على المستحاضة المعتادة إذا انقضت عادتها وغير ذلك من المسائل

عليه وعلى آله وسلم أن تدع الصلاة قدر الأيام التي كانت تحيضهن قبل أن يصيبها ما أصابها فإذا استوفت عدد تلك الأيام اغتسلت مرة واحدة وصار حكمها حكم الطواهر في وجوب الصوم والصلاة عليها وجواز الطواف إذا حجت وغشيان الزوج إياها إلا أنها إذا أرادت أن تصلى توضأت لكل صلاة تصليها لأن طهارتها طهارة ضرورة فيجوز أن تصلى بها صلاتى فرض كالمتيمم اهـ (وفي الحديث) دلالة على أن هذه المرأة كانت لها عادة تعرفها وليس فيه بيان كونها مميزة أولا (وبه احتج) من قال إن المستحاضة المعتادة تردّ لعادتها ميزت أم لا وافق تمييزها عادتها أم خالفها كأبي حنيفة والشافعى في روابة وأحمد في المشهور عنه وهو مبنى على ترك الاستفصال فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يسألها أهي مميزة أم لا وترك الاستفصال منزّل منزلة العموم (ومذهب مالك) تردّ لعادتها إذا لم تكن مميزة وإلا ردّت إلى تمييزها وهو أصح قولى الشافعى (قوله ثم لتستثفر بثوب) أى لتشدّ على فرجها خرقة عريضة بعد أن تحشوه قطنا وتوثق طرفيها في شيء تشدّه على وسطها فيمتنع بذلك سيلان الدم وهو مأخوذ من سفر الدابة بفتح الفاء الذى يجعل تحت ذنبها (قوله ثم لتصلّ) يحذف الياء للجازم وفي بعض النسخ بإثباتها للإشباع (ومثل) الصلاة سائر العبادات من صوم واعتكاف وقراءة قرآن وسجود تلاوة وهذا مجمع عليه (وقد اختلف) في إباحة وطئها حينئذ فالجمهور على جوازه لأن الله تعالى أمر باعتزال المرأة حائضا وأذن في إتيانها طاهرا وقد دلّ الحديث على أن المستحاضة إذا مضت أيام حيضها المقدّرة لها تغتسل وتصلى كالطاهر فيجوز وطؤها بالأولى. وفي البخارى عن ابن عباس يأتيها زوجها إذا صلت الصلاة أعظم (وعن) حمنة بنت جحش أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها رواه أبو داود والبيهقى وغيرهما بسند حسن وقال أحمد لا يأتيها إلا أن طول ذلك بها، وعنه أنه لا يجوز وطؤها إلا أن يخاف زوجها العنت، وعن عائشة قالت لا يأتيها زوجها وبه قال النخعى والحكم وكرهه ابن سيرين (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن من جهل شيئا من أمر دينه يطلب منه السؤال عنه أهل العلم، وعلى أنه يجوز أخذ العلم بواسطة، وعلى أن خبر الواحد حجة يعمل به، وعلى أنه يطلب من المسؤل أن يجيب السائل عما سأل عنه إذا كان عالما بالحكم، وعلى أن الحائض لا تجب عليها الصلاة، وعلى وجوب الغسل على المستحاضة المعتادة إذا انقضت عادتها، وعلى أن المستحاضة يجب عليها أن تستثفر لمنع الدم فإن لم تفعل ذلك لزمها إعادة الوضوء إذا خرج منها الدم "وحديث" تصلى المستحاضة ولو قطر الدم على الحصير "محمول" على من استثفرت ثم غلبها الدم ولا يردّه الثفر وكذا من به سلس البول يلزمه سدّ المجرى بقطن ونحوه ثم يشدّه بالعصائب فإن لم يفعل فقطر أعاد الوضوء، وعلى أن المستحاضة المعتادة تردّ لعادتها ميزت أم لا وافق تمييزها عادتها أم لا وتقدم الخلاف في ذلك

وجوب الغسل على الحائض بعد انقطاع حيضها بحضور وقت الصلاة لا على الفور

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى ومالك في الموطأ والدارقطني والشافعى والبيهقي وحسنه المنذرى قال النووى إسناده على شرط الشيخين وقال البيهقي حديث مشهور إلا أن سليمان ابن يسار لم يسمعه من أم سلمة اهـ (أقول) لكن في الجوهر النقى ذكر صاحب الكمال أن سليمان سمع من أم سلمة فيحتمل أنه سمع هذا الحديث منها ومن رجل عنها (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَيَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَا: ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَهُ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدَّمَ، فَذَكَرَ مَعْنَاهُ. قَالَ: «فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْتَغْتَسِلْ». بِمَعْنَاهُ. (ش) هذه رواية ثانية لحديث أم سلمة من طريق الليث بن سعد ساقها المصنف لبيان أن الحديث رواه الليث بن سعد بمعنى ما رواه مالك غير أن الليث ذكر في سنده بين ابن يسار وأم سلمة رجلا لم يسمّ وزاد في متنه وحضرت الصلاة قيل قوله فلتغتسل وهي تفيد أن الحائض لا يجب عليها الغسل فورا بعد انقطاع الدم وإنما يجب بحضور وقت الصلاة. وهذه الرواية أخرجها البيهقي من طريق يحيى بن بكير قال ثنا الليث عن نافع عن سليمان بن يسار أن رجلا أخبره عن أم سلمة زوج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لتنظر عدد الليالى والأيام التي كانت تحيضهن قبل أن يكون بها الذى كان بها وقدرهنّ من الشهر فتترك الصلاة لذلك فإذا خلفت ذلك وحضرت الصلاة فلتغسل وتستثفر بثوب وتصلى (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، ثَنَا أَنَسٌ يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَار، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدِّمَاءَ، فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ اللَّيْثِ قَالَ: «فَإِذَا خَلَّفَتْهُنَّ وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْتَغْتَسِلْ»، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ (ش) هذه الرواية ثالثة لحديث أم سلمة ساقها المصنف لبيان أن الليث قد تابعه في ذكر الواسطة بين سليمان وأم سلمة عبيد الله بن عمر بن حفص لكن هذا قد اختلف عليه فقد روى الحديث عنه أنس ابن عياض كذلك ورواه عبد الله بن نمير وأبو أسامة عنه كرواية مالك بلا واسطة بين ابن يسار وأم سلمة كما أخرجه أبو بكر بن أبى شيبة وكذا أخرجه النسائى

المستحاضة تترك الصلاة أيام حيضتها المعتادة

وابن ماجه والدارقطنى من حديث أبى أسامة عن عبيد الله بن عمر وأبو أسامة أجلّ من أنس بن عياض وقد تابعه عبد الله بن نمير فروايتهما مرجحة بالحفظ والكثرة (قوله أنس يعنى ابن عياض) بن ضمرة أبو ضمرة الليثى. روى عن أبى حازم وابن جريج والأوزاعي وموسى بن عقبة وآخرين. وعنه ابن وهب والشافعى والقعنبى وعلى بن المدينى وأحمد بن حنبل وغيرهم. قال ابن سعد كان ثقة كثير الخطأ وقال ابن معين ثقة وقال أبو زرعة والنسائى لا بأس به. ولد سنة أربع ومائة. وتوفى سنة مائتين. روى له الجماعة (قوله فذكر الخ) أى ذكر عبيد الله معنى حديث الليث المتقدم (قوله قال فإذا خلقهن الخ) أى قال عبيد الله في روايته فإذا تركت الأيام التي كانت تحيضها وحضر وقت الصلاة فلتغتسل (قوله وساق الحديث بمعناه) وفى نسخة وساق معناه ولفظه كما في النسائى عن سليمان بن يسار عن أم سلمة قالت سألت امرأة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالت إنى أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة قال لا ولكن دعى قدر تلك الأيام والليالى التى كنت تحيضين فيها ثم اغتسلى واستثفرى وصلى. ونحوه في الدارقطنى وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ بِإِسْنَادِ اللَّيْثِ وَبِمَعْنَاهُ قَالَ: «فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ، ثُمَّ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْتَغْتَسِلْ، وَلْتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ ثُمَّ تُصَلِّي» (ش) هذه رواية رابعة ساقها المصنف لبيان أن صخر بن جويرية تابع الليث كعبيد الله ابن عمر. و (صخر بن جويرية) هو أبو نافع مولى بني تميم وقيل مولى بنى هلال. روى عن أبى رجاء العطاردى وعائشة بنت سعد ونافع مولى ابن عمر وهشام بن عروة وعبد الرحمن ابن القاسم وغيرهم. وعنه أيوب السختيانى وهو أكبر منه وبشر بن المفضل وحماد بن زيد ويحيى القطان وابن مهدى وابن علية وكثيرون. قال أحمد بن حنبل شيخ ثقة ثقة وقال ابن سعد كان ثقة ثبتا وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو زرعة وأبو حاتم والنسائى لا بأس به وقال أبو داود تكلم فيه وقال ابن معين صالح ليس حديثه بالمتروك إنما يتكلم فيه لأنه يقال إن كتابه سقط. روى له البخارى ومسلم والنسائى وأبو داود والترمذى (قوله ولتستذفر بثوب) بذال معجمة من الذفر بفتحتين من باب تعب وهو في الأصل ظهور الرائحة طيبة أو كريهة والمراد به هنا الاستثفار كما في بعض النسخ من قوله ولتستثفر بثوب. وقد أخرج الدارقطنى حديث صخر عن نافع عن سليمان بن يسار بلفظ حدّثه رجل عن أم سلمة زوج النبي صلى الله

تعالى عليه وعلى آله وسلم أن امرأه كانت تهراق دما لا يفتر عنها فسألت أم سلمة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال لتنظر عدد الأيام والليالى التي كانت تحيض قبل ذلك فلتترك الصلاة قدر ذلك ثم إذا حضرت الصلاة فلتغتسل وتستثفر بثوب وتصلى (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا وُهَيْبٌ، ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ فِيهِ: «تَدَعُ الصَّلَاةَ وَتَغْتَسِلُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ وَتَسْتَذْفِرُ بِثَوْبٍ وَتُصَلِّي» (ش) هذه رواية خامسة للحديث ساقها المصنف تقوية للرواية الأولى التي لا واسطة فيها (قوله فيما سوى ذلك) أى فيما سوى تلك الأيام التي كانت تحيض فيها. والمعنى إذا استوفت عدد تلك الأيام اغتسلت وصار حكمها حكم الطاهر كما تقدم. وقد أخرج الدارقطني أيضا حديث وهيب بلفظ إن أم سلمة استفتت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لفاطمة بنت أبى حبيش فقال تنتظر أيام حيضها فتدع الصلاة قدر أقرائها ثم تغتسل وتصلى. وأخرجه البيهقي بسنده إلى أم سلمة أن فاطمة استحيضت فكانت تغتسل من مركن لها فتخرج وهي غالة الصفرة فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال لتنظر أيام أقرائها وأيام حيضتها فتدع فيها الصلاة وتغتسل فما سوى ذلك وتستذفر بثوب وتصلى (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: " سَمَّى الْمَرْأَةَ الَّتِي كَانَتِ اسْتُحِيضَتْ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَن أَيُّوبَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ " (ش) أى بين حماد بن زيد في روايته عن أيوب السختياني اسم المرأة المستحاضة التي أبهمت في الروايات السابقة فقال فاطمة بنت أبي حبيش. وأبو حبيش بضم المهملة قيس بن المطلب. وقد أخرج حديث حماد الدارقطني بلفظ إن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت حتى كان المركن ينقل من تحتها وأعلاه الدم فأمرت أم سلمة تسأل لها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتستذفر بثوب وتصلى. هذا وما يوهمه سياق المصنف من أن غير حماد بن زيد من تلاميذ أيوب لم يسمّ المرأة غير مراد فقد سماها أيضا وهيب وعبد الوارث وسفيان فقد أخرج الدارقطنى بسنده إلى وهيب نا أيوب عن سليمان بن يسار أن فاطمة بنت أبي حبيش "الحديث" وأخرج بسنده إلى عبد الوارث نا أيوب عن سليمان بن يسار أن أم سلمة استفتت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش "الحديث" وأخرج بسنده "أى سفيان" عن أيوب عن سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله

وسلم أن فاطمة بنت أبى حبيش "الحديث" (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ عِرَاكٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّمِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَرَأَيْتُ مِرْكَنَهَا مَلْآنَ دَمًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ «امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي» (ش) (رجال الحديث) (قوله يزيد بن أبى حبيب) الأزدى المصرى أبو رجاء. روى عن عبد الله بن الحارث وأبى الطفيل وسويد بن قيس. وعنه سليمان التيمى ومحمد بن إسحاق ويزيد ابن أبى أنيسة وعمرو بن الحارث والليث بن سعد ويحيى بن أيوب وآخرون. قال ابن سعد كان مفتي أهل مصر في زمانه وكان حليما عاقلا وكان أول من أظهر العلم بمصر والكلام في الحلال والحرام وكان ثقة كثير الحديث وقال العجلى وأبو زرعة ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة ثمان وعشرين ومائة. روى له الجماعة (قوله جعفر) بن ربيعة بن شرحبيل المصرى الكندى أبو شرحبيل. روى عن الأعرج وعراك بن مالك وأبى سلمة والزهرى وغيرهم وعنه حيوة بن شريح والليث بن سعد ويزيد بن أبى حبيب ويحيى بن أيوب وطائفة. قال أحمد كان شيخا من أصحاب الحديث ثقة وقال ابن سعد والنسائى ثقة وقال أبو زرعة صدوق مات سنة ست وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (قوله عراك) بن مالك الغفارى المدني روى عن عبد الله بن عمر وأبى هريرة وعائشة وزينب بنت أبى سلمة وعروة بن الزبير وكثيرين. وعنه ابناه خثيم وعبد الله وسليمان بن يسار وجعفر بن ربيعة والحكم بن عتيبة ويحيى ابن سعيد الأنصارى. ذكره ابن حبان في الثقات وقال العجلى ثقة من خيار التابعين ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم (معنى الحديث) (قوله إن أم حبيبة) هي بنت جحش وهي بهاء التأنيث على الصحيح قال ابن الأثير يقال لها أم حبيبة وقيل أم حبيب والأول أكثر اهـ واسمها حبيبة كما قال إبراهيم الحربى وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف كما صرح به مسلم في روايته (قال) ابن عبد البر بنات جحش ثلاث زينب وأم حبيبة وحمنة زوج طلحة بن عبيد الله كنّ يستحضن كلهن. وقيل إنه لم يستحض منهن إلا أم حبيبة اهـ وقال ابن العربى المستحاضات على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خمس حمنة بنت جحش وأختها حبيبة وفاطمة بنت أبى حبيش

وسهلة بنت أبى سهيل وسودة أم المؤمنين اهـ (قوله سألت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الدم) أى عن دم الاستحاضة أيمنع الصلاة ونحوها كما يمنع دم الحيض (قوله مركنها) بكسر الميم وفتح الكاف وهو الإجانة التي تغسل فيها الثياب وغيرها (قوله ملآن) على وزن عطشان وروى ملأى أيضا وكلاهما صحيح فالأول على لفظ المركن وهو مذكر والثانى على معناه وهو الإجانة. وظاهره أنه كان مملوءا دما خالصا وليس كذلك بل المراد أنها كانت تغتسل في المركن فتصب عليها الماء فيختلط الماء المتساقط عنها بالدم فتعلو حمرة الدم الماء كما صرّح به في رواية مسلم. ولعل عائشة أخبرت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بما رأته تأكيدا لكثرة دم أم حبيبة وإشارة إلى أن كثرة دم الاستحاضة في غير أيام الحيض لا تمنع الصلاة وغيرها كما قد يتوهم (قوله فقال لها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم امكثى الخ) أى قال لأم سلمة انتظرى بلا صلاة ولا صوم عدد الأيام التي كانت تحبسك بكسر الباء أى تمنعك حيضتك عن الصلاة ونحوها فيها ثم اغسلى وافعلى ما كنت ممنوعة منه أيام الحيض (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن المستحاضة تترك الصلاة والصيام وقراءة القرآن ونحو ذلك من العبادات التي تتوقف على الطهارة مدّة أيام حيضها المعتادة لها قبل الاستحاضة فإذا انفضت تلك الأيام وجب عليها الغسل والصلاة والصوم ولو كان الدم جاريا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى والبيهقى (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ قُتَيْبَةُ بَيْنَ أَضْعَافِ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَة فِي آخِرِهَا، وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، وَيُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ اللَّيْثِ، فَقَالَا: جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ (ش) أى روى قتيبة بن سعيد الحديث السابق وكتبه بين تضاعيف حديث جعفر بن ربيعة في أثنائها وفي آخرها فأضعاف بفتح الهمز أى أثناء ففى القاموس أضعاف الكتاب أثناء سطوره وغرض المصنف بهذا بيان أن قتيبة لما كتب هذا الحديث أثناء أحاديث جعفر بن ربيعة علم أن المراد بجعفر في السند ابن ربيعة وإن لم ينسبه قتيبة إلى أبيه ويؤيده قوله ورواه على بن عياش الخ أى روى الحديث السابق على بن عياش البصرى ويونس بن محمد عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبى حبيب وقالا عن جعفر بن ربيعة بذكر أبيه. هذا، و (يونس) هو ابن محمد بن مسلم أبو محمد البغدادى الحافظ المؤدّب. روى عن عبيد الله بن عمر وسفيان بن عبد الرحمن وحرب بن ميمون والليث بن سعد والحمادين وطوائف. وعنه أحمد بن حنبل وعلى بن المديني وأبو خيثمة ومجاهد بن موسى

وعبد الله بن سعد وأبو بكر بن أبي شيبة وكثيرون. قال يعقوب بن شيبة ثقة ثقة وقال أبو حاتم صدوق وقال ابن معين ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. مات في صفر سنة سبع أو ثمان ومائتين قال الحافظ في تهذيب التهذيب يونس بن محمد الصدوق غير يونس بن محمد المؤدّب اهـ. روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ، أَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا، سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَشَكَتْ إِلَيْهِ الدَّمَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ فَانْظُرِي إِذَا أَتَى قَرْؤُكِ فَلَا تُصَلِّي، فَإِذَا مَرَّ قَرْؤُكِ فَتَطَهَّرِي، ثُمَّ صَلِّي مَا بَيْنَ الْقَرْءِ إِلَى الْقَرْءِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عيسى بن حماد) بن مسلم بن عبيد الله أبو موسى التجيبي. روى عن الليث بن سعد وعبد الله بن وهب وعبد الرحمن بن القاسم وعبد الرحمن بن زيد وغيرهم وعنه أبو زرعة وأبو حاتم ومسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه وكثيرون. قال أبو داود لا بأس به وقال النسائى وأبو حاتم والدارقطني ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. توفي في ذى الحجة سنة ثمان أو تسع وأربعين ومائتين (قوله بكير بن عبد الله) بن الأشج القرشي مولاهم أبو عبد الله المخزومى. روى عن السائب بن يزيد وربيعة بن عباد وكريب وأبى أمامة بن سهل وسعيد بن المسيب وكثيرين. وعنه يزيد بن أبى حبيب وعمرو بن الحارث والليث بن إسحاق وجعفر بن ربيعة وابن عجلان وعبيد الله بن أبى جعفر وكثيرون. قال أحمد بن حنبل ثقة صالح وقال ابن معين وأبو حاتم والنسائى والعجلى ثقة وقال ابن الطباع سمعت معن بن عيسى يقول ما ينبغى لأحد أن يفضل أو يفوق بكير بن الأشج في الحديث وقال ابن المدينى لم يكن بالمدينة بعد كبار التابعين أعلم من ابن شهاب ويحيى بن سعيد وبكير بن عبد الله الأشج، قيل مات سنة عشرين ومائة روى أنه الجماعة (قوله المنذر بن المغيرة) الحجازى، روى عن عروة بن الزبير، وعنه بكير بن عبد الله بن الأشج. قال أبو حاتم مجهول ليس بمشهور وذكره ابن حبان في الثقات، روى له أبو داود والنسائى (معنى الحديث) (قوله فشكت إليه الدم) أى سيلان الدم الخارج عن العادة (قوله إنما ذك عرق) بكسر العين المهملة وسكون الراء أى إنما دم الاستحاضة دم عرق يريد أن ذلك

علة حدثت بها من تصدعّ العرق فاتصل الدم وليس بدم الحيض الذى يدفعه الرحم لميقات معلوم فيجرى مجرى سائر الأثقال والفضول التي تستغنى عنها الطبيعة وتقذفها عن البدن فتجد النفس راحة لها فيها وتخلصها عن ثقلها وأذاها (قوله إذا أتى قرؤك) بفتح القاف أو ضمها وسكون الراء أى حيضك المعتاد (قوله فإذا مرّ قرؤك الخ) أى إذا مضى وقت حيضك فاغتسلى ثم صلى ما بين الحيض الماضى إلى الحيض الآتي وما بينهما استحاضة فلا تمنع الصلاة والصوم ونحوهما، وفيه حجة لأبى حنيفة ومالك حيث حملا القرء على الحيض وهو قول عمر بن الخطاب (قال الخطابى) وحقيقة القرء الوقت الذى يعود فيه الحيض أو الطهر ولذلك قيل للطهر قرء كما قيل للحيض قرء اهـ لكن المراد به هنا الحيض (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يطلب من المكلف أن يسأل عما جهله من أمر الدين ولا يمنعه الحياء ولو كان المسؤل كبيرا، وعلى طلب إجابة السائل ولو كان المسؤل أجلّ منه وعلى أن الحائض منهية عن الصلاة والمستحاضة مأمورة بها (من أخرح الحديث أيضا) أخرجه النسائى والبيهقي وأشار إلى أن في الحديث انقطاعا فقال قد بين هشام بن عروة أن أباه إنما سمع قصة فاطمة بنت أبى حبيش عن عائشة وروايته في الإسناد والمتن جميعا أصح من رواية المنذر بن المغيرة اهـ وهو مردود بأن هشاما إنما رواه عن أبيه عن عائشة وليس في روايته ما يبين أن أباه سمع القصة منها (وقال) ابن حزم إن عروة أدرك فاطمة ولا يبعد أن يسمع الحديث من عائشة ومن فاطمة اهـ (ص) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ، أَنَّهَا أَمَرَتْ أَسْمَاءَ أَوْ أَسْمَاءُ حَدَّثَتْنِي أَنَّهَا أَمَرَتْهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ، أَنْ تَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَأَمَرَهَا أَنْ تَقْعُدَ الْأَيَّامَ الَّتِي كَانَتْ تَقْعُدُ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله يوسف بن موسى) بن راشد بن بلال أبو يعقوب القطان الكوفي أحد الأعلام. روى عن جرير بن عبد الحميد وابن نمير ويزيد بن هارون وابن عيينة ووكيع وكثيرين. وعنه البخارى وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه وآخرون قال أبو حاتم ومسلمة وابن معين صدوق وقال النسائى لا بأس به وقال الخطيب وصفه غير واحد بالثقة وذكره ابن حبان في الثقات. مات في صفر سنة ثلاث وخمسين ومائتين (قوله سهيل يعنى

ابن أبى صالح) اسم أبى صالح ذكوان السمان وهذه العناية من أبى داود أو من شيخه (قوله أسماء) هى بنت عميس بن معد بن الحارث بن تميم الخثعمية أخت ميمونة زوج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأمها. كانت تحت جعفر بن أبى طالب وبعد وفاته تزوّجها أبو بكر ثم على بن أبي طالب روى عنها ابنها عبد الله بن جعفر وابن عباس حفيدها القاسم بن محمد بن أبى بكر وعروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وآخرون هاجرت إلى الحبشة وكان عمر يسألها عن تعبير الرؤيا ولما بلغها قتل ابنها محمد بن أبى بكر جلست في مسجد بيتها وكظمت غيظها حتى شخب ثدياها دما روى لها البخارى وأبو داود (قوله أو أسماء) شك عروة في أن المحدّث له فاطمة أو أسماء وعلى كل فأسماء هى السائلة له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفي الرواية الآتية من طريق خالد بن عبد الله أن عروة حدّث عن أسماء بنت عميس بدون شك (معنى الحديث) (قوله فأمرها أن تقعد الخ) أى أمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فاطمة مباشرة لوجودها في المجلس أو بواسطة أسماء أن تمتنع عما تفعله الطاهرة في الأيام التى كانت تحيض فيها قبل ذلك الداء فلا تصلى فيها ولا تصوم ثم إذا انقضت تلك الأيام التى اعتبرت حيضا تغتسل ويكون حكمها بعد ذلك حكم الطاهرات، وبه تمسك أيضا من قال إن المعتادة تردّ إلى عادتها ولا عبرة بالتمييز (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى بلفظ المصنف وأخرجه الدارقطني من طريق عروة عن أسماء بنت عميس قالت قلت يا رسول الله فاطمة بنت أبى حبيش استحيضت منذ كذا وكذا قال سبحان الله هذا من الشيطان فلتجلس في مركن فجلست فيه حتى رأت الصفرة فوق الماء فقال تغتسل للظهر والعصر غسلا واحدا ثم تغتسل للمغرب والعشاء غسلا واحدا ثم تغتسل للفجر غسلا واحدا ثم توضأ بين ذلك وفي إسناده سهيل بن أبى صالح وفي الاحتجاج بحديثه اختلاف (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ قَتَادَةُ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحِيضَتْ، " فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ " قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَسْمَعْ قَتَادَةُ مِنْ عُرْوَةَ شَيْئًا (ش) هذه رواية ثانية لحديث المستحاضة من طريق قتادة (وحاصلها) أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر أم حبيبة بنت جحش بترك الصلاة أيام حيضها التي كانت عادة لها فإذا انتهت تغتسل وتصلى (قوله لم يسمع قتادة الخ) يشير بذلك إلى أن سند هذه الرواية منقطع ولذا قال البيهقى ورواية عراك بن مالك عن عروة عن عائشة في شأن أم حبيبة أصح من هذه الرواية

(ص) قال أبو داود وَزَادَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «فَأَمَرَهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَذَا وَهْمٌ مِنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ لَيْسَ هَذَا فِي حَدِيثِ الْحِفَاظِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، إِلَّا مَا ذَكَر سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ وَقَدْ رَوَى الْحُمَيْدِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: «تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» (ش) هذه رواية ثالثة وحاصلها أن سفيان بن عيينة زاد في حديث محمد بن مسلم الزهري وعائشة فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها قال المصنف وهذا غلط من ابن عيينة فإن هذه الجملة لم يذكرها الحفاظ كيونس والأوزاعي وابن أبى ذئب وعمرو بن الحارث والليث في روايتهم عن الزهرى وإنما ذكروا ما تقدم في رواية سهيل بن أبى صالح عن الزهرى من قوله فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد ثم تغتسل لكن قوله وقد روى الحميدى هذا الحديث الخ يتبين منه أن الوهم في ذكر هذه الزيادة ليس من ابن عيينة بل ممن روى عنه غير الحميدى والقول ما قال الحميدى لأنه أثبت أصحاب ابن عيينة فإنه لازمه تسع عشرة سنة (والحاصل) أن جملة تدع الصلاة أيام أقرائها ليست محفوظة في رواية الزهرى والمحفوظ فيها إنما هو قوله فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد ومعنى الجملتين واحد لكن المحدّثين معظم قصدهم إلى ضبط. الألفاظ المروية بعينها فرووها كما سمعوا وإن اختلطت رواية بعض الحفاظ في بعض ميزوها وبينوها، وما أشار إليه المصنف من أن الحميدى روى الحديث عن ابن عيينة ولم يذكر فيه تدع الصلاة أيام أقرائها ظاهره أنه في قصة أم حبيبة والمصنف حجة حافظ فلا ينافيه ما أخرجه البيهقي من طريق ابن أبى عمرو قال ثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوح النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن فاطمة بنت أبى حبيش كانت تستحاض فسألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ذلك فقال إنما ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلى وصلى. ثم أخرجه من طريق الحميدى قال ثنا سفيان ثنا هشام فذكره بإسناده ومعناه فإنه في قصة فاطمة بنت أبى حبيش كما ترى. ولا يشكل على دعوى تفرّد ابن عيينة من بين أصحاب الزهرى بهذه الزيادة ما يأتي للمصنف في الباب الآتي من قوله بعد الحديث الرابع زاد الأوزاعي في هذا الحديث عن الزهرى فأمرها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغتسلى وصلى لأن ما زاده الأوزاعي مغاير لما

زاده ابن عيينة في المعنى وذلك أن ابن عيينة زاد فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها وهذا يفيد أنها كانت معتادة غير مميزة فأمرها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم أن تعمل على عادتها قبل استمرار الدم ولم يأمرها بترك الصلاة عند إقبال الحيضة. وأما ما زاده الأوزاعى فيفيد أنها كانت مميزة تعرف إقبال حيضها بدون الدم فأمرها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بترك الصلاة عند إقبال حيضتها التى تعرفها بتمييز الدم أو العادة. والصحيح أن أم حبيبة كانت معتادة كما سيأتى (وفى قول) المصنف ليس هذا في حديث الحفاظ عن الزهرى إلا ما ذكر سهيل بن أبى صالح (نظر) فإن حديث سهيل المتقدم في قصة فاطمة بنت أبى حبيش وكانت مميزة وما زاده ابن عيينة في قصة أم حبيبة بنت جحش وكانت معتادة غير مميزة فالوهم من سهيل لا من ابن عيينة ولذا لما أخرح البيهقى حديث الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت استفتت أم حبيبة بنت جحش رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت إني أستحاض فقال إنما ذلك عرق فاغتسلى ثم صلى فكانت تغتسل عند كل صلاة قال هكذا رواه جماعة عن الزهرى ورواه سهيل بن أبى صالح عن الزهرى عن عروة فخالفهم في الإسناد والمتن جميعا ثم ذكر حديث سهيل السابق وقال هكذا رواه جرير بن عبد الحميد عن سهيل ورواه خالد بن عبد الله عن سهيل عن الزهرى عن عروة عن أسماء في شأن فاطمة بنت أبى حبيش فذكر قصة في كيفية غسلها إذا رأت الصفارة فوق الماء. ورواه محمد بن عمرو بن علقمة عن الزهرى عن عروة عن فاطمة فذكر استحاضتها وأمر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إياها بالإمساك عن الصلاة إذا رأت الدم الأسود وفيه وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة دلالة على أن فاطمة بنت أبى حبيش كانت تميز بين الدمين ورواية سهيل فيها نظر وفى إسناد حديثه ثم في الرواية الثانية عنه دلالة على أنه لم يحفظها كما ينبغى اهـ (قوله وقد روى الحميدى هذا الحديث الخ) أى روى حديث الزهرى عن ابن عيينة الحميدى ولم يذكر فيه أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر أم حبيبة أن تدع الصلاة أيام أقرائها. هذا (والحميدى) هو أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبيد الله ابن أسامة بن عبد الله بن حميدى الأسدى المكي. روى عن ابن عيينة وإبراهيم بن سعد والشافعى والوليد بن مسلم ووكيع وغيرهم. وعنه البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى وابن ماجه وكثيرون. قال أحمد إمام وقال أبو حاتم ثقة إمام وقال الحاكم ثقة مأمون. توفى بمكة سنة تسع عشرة أو عشرين ومائتين (ص) وَرَوَتْ قَمِيرُ بِنْتُ عَمْرٍو زَوْجُ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ»

(ش) هذه رواية رابعة لحديث المستحاضة موقوفة على عائشة، وغرض المصنف من سوقها وما بعدها بيان أن زيادة قوله تدع الصلاة أيام أقرائها وإن كانت وهما في حديث الزهرى فقد ثبتت من طرق أخرى. وهذه الرواية وصلها الدارقطني والبيهقى من طريق الشعبي عن قمير عن عائشة قالت المستحاضة تدع الصلاة أيام حيضها ثم تغتسل وتتوضأ كل صلاة (وقمير) بفتح القاف وكسر الميم هي (بنت عمرو زوج مسوق) روت عن زوجها وعائشة. وعنها عامر الشعبي ومحمد بن سيرين والمقدام بن شريح وعبد الله بن شبرمة. قال العجلى تابعية ثقة روى لها أبو داود (ص) وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَهَا أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ قَدْرَ أَقْرَائِهَا» (ش) هذا التعليق ذكره المصنف هنا مرسلا ووصله في باب من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلا وليس فيه أمرها بترك الصلاة أيام أقرائها. و (عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمى أبو محمد المدني الإمام. روى عن أبيه وعبد الله بن عبد الله بن عمر وابن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر ونافع مولى ابن عمر وغيرهم. وعنه أيوب السختيانى والزهرى وسماك بن حرب ومالك بن أنس وشعبة بن الحجاج والثورى والأوزاعي والليث وآخرون. وثقه أحمد وابن سعد وأبو حاتم والعجلى والنسائى قال ابن عيينة كان أفضل أهل زمانه وقال ابن حبان في الثقات كان من سادات أهل المدينة فقها وعلما وديانة وحفظا وإتقانا. قيل مات بالشام سنة ست وعشرين ومائة (قوله عن أبيه) هو القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق (قوله أمرها الخ) أى أمر المستحاضة أن تترك الصلاة قدر أقرائها التي كانت عادة لها قبل ذلك ثم تغتسل وتصلى (ص) وَرَوَى أَبُو بِشْرٍ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحِيضَتْ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. (ش) هذه رواية معلقة مرسلة وصلها المصنف مرسلة في باب من لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث عن زياد بن أيوب قال نا هشيم نا أبو بشر عن عكرمة قال إن أم حبيبة بنت حجش استحيضت فأمرها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن تنتظر أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلى فإن رأت شيئا من ذلك توضأت وصلت. وكذا وصلها البيهقى من طريق إسماعيل بن قتيبة قال أنا يحيى بن يحيى أنا هشيم عن أبى بشر الخ. و (أبو بشر جعفر بن أبى وحشية) بفتح الواو وسكون الحاء المهملة وكسر الشين المعجمة وتشديد المثناة التحتية هى كنية أبيه واسمه إياس الواسطي

البصرى الأصل اليشكري. روى عن طاوس وعكرمة مولى أبن عباس وعطاء بن أبي رباح وسعيد ابن جبير والشعبي ونافع، وعنه الأعمش وأيوب وهما من أقرانه وشعبة وخالد بن عبد الله الواسطى وأبو عوانة وكثيرون، قال أحمد وابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة والعجلى والنسائى ثقة وقال ابن عدى أرجو أنه لا بأس به وقال البرديجى كان ثقة وهو من أثبت الناس في سعيد بن جبير وقال يحيى بن سعيد كان شعبة يضعف أحاديث أبى بشر عن حبيب بن سالم وقال أحمد كان شعبة يضعف حديث أبى بشر عن مجاهد قال لم يسمع منه شيئا وقال ابن معين طعن عليه شعبة في حديثه عن مجاهد، توفى سنة ثلاث أو أربع وعشرين ومائة وهو ساجد خلف المقام، روى له الجماعة (قوله فذكر مثله) أى مثل ما تقدم في الرواية السابقة وهى أن المستحاضة تترك الصلاة قدر أقرائها (ص) وَرَوَى شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «أن الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي» (ش) هذا التعليق وصله المصنف في باب من قال تغتسل من طهر إلى طهر عن محمد بن جعفر وعثمان بن أبي شيبة عن شريك وسيأتى شرحه فيه. ووصله ابن ماجه عن أبى بكر بن أبى شيبة وإسماعيل عن شريك، ووصله الترمذى عن قتيبة عن شريك بلفظ إن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال في المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصوم وتصلى قال الترمذى تفرّد به شريك عن أبى اليقظان اهـ ولعله يشير به إلى أن أبا اليقظان ضعيف كما يأتي (قوله عن أبى اليقظان) هو عثمان بن عمير البجلى ويقال ابن قيس الكوفي، روى عن أنس بن مالك وزيد بن وهب وأبى الطفيل وأبى وائل وسعيد بن جبير وغيرهم، وعنه الأعمش وحصين بن عبد الرحمن وشعبة وشريك والثورى وطائفة، قال ابن معين ليس حديثه بشئ وقال أبو حاتم ضعيف الحديث منكره كان شعبة لا يرضاه وقال عمرو بن على لم يرض يحيى ولا عبد الرحمن أبا اليقظان وقال أحمد بن حنبل ضعيف الحديث كان ابن مهدى ترك حديثه وقال مرّة منكر الحديث وقال البخارى منكر الحديث. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه (قوله عدى بن ثابت) الأنصارى الكوفي. روى عن أبيه وجدّه لأمه عبد الله بن يزيد الخطمى والبراء بن عازب وعبد الله بن أبى أوفي وسعيد بن جبير وغيرهم. وعنه الأعمش وفضيل بن مرزوق وأبو إسحاق السبيعى ويحيى ابن سعيد الأنصارى وجماعة. وثقه أحمد والنسائى والعجلى والدارقطنى وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن معين شيعى مفرط وقال الجوزجانى مائل عن القصد وقال أبو حاتم صدوق وكان إمام مسجد الشيعة وقاضيهم. مات سنة ست عشرة ومائة. روى له الجماعة (قوله عن أبيه) هو ثابت بن عبيد بن عازب. روى عن أبيه عن جدّه في المستحاضة والعطاس والنعاس والتثاؤب

في الصلاة من الشيطان. وروى عنه ابنه عدى. ذكره ابن حبان في الثقات (قوله عن جده) اختلف في اسم جدّ عدىّ اختلافا كثيرا فقيل عمرو بن أخطب وقيل عبيد بن عازب وقيل قيس الخطمى وقيل دينار وقيل غير ذلك ولا يصح من هذا شيء قال الترمذى سألت محمدا في البخارى عن جدّ عدى ما اسمه فلم يعرفه وذكرت له قول يحيى بن معين اسمه دينار فلم يعبأ به وقال البخارى في التاريخ الأوسط حديثه يعني عدى بن ثابت عن أبيه عن جده وعن على لا يصح وقال أبو على الطوسى جدّ عدىّ مجهول لا يعرف. وسيأتى لهذا زيادة بيان في باب من قال تغتسل من طهر إلى طهر (ص) وَرَوَى الْعَلَاءُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، إنَّ سَوْدَةَ اسْتُحِيضَتْ، «فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ إِذَا مَضَتْ أَيَّامُهَا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ» (ش) هذا تعليق مرسل وقد أخرجه البيهقى من طريق ابن داسة وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى وهذا فيما رواه ابن خزيمة عن العطاردى عن حفص بن غياث عن العلاء أتمّ من ذلك "ولا يقال" كيف احتج المصنف بهذه الروايات وكلها ضعيفة فإن رواية قمير موقوفة ورواية عبد الرحمن بن القاسم وأبى بشر والعلاء بن المسيب مرسلة ورواية شريك ضعيفة لما تقدّم "لأنا نقول" تعدّدها أكسبها قوّة حتى بلغت مرتبة ما يحتج به، على أن ترك الصلاة أيام القرء ثابت بأحاديث صحيحة فلا يتوقف ثبوته على هذه الروايات (قوله العلاء بن المسيب) بن رافع الثعلبي الكوفي ويقال الأسدى الكاهلى. روى عن أبيه وعكرمة والحكم بن عتيبة وعطاء بن أبى رباح وإبراهيم النخعى وآخرين. وعنه زهير بن معاوية وحفص بن غياث والثورى وأبو عوانة وعطاء بن مسلم وغيرهم، قال ابن معين ثقة مأمون وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال ابن عمار ثقة يحتج بحديثه ووثقه العجلى ويعقوب بن سفيان وابن سعد وقال الحاكم له أوهام في الإسناد والمتن. روى له البخارى ومسلم والترمذى (قوله عن أبى جعفر) هو محمد بن على بن الحسين بن علىّ المعروف بالباقر (قوله إن سودة) هي بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس القرشية العامرية أم المؤمنين. تزوّجها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وبعد وفاة خديجة قبل عائشة وكانت قبله عند السكران بن عمرو فتوفى عنها، وأخرج الترمذى عن ابن عباس بسند حسن أن سودة خشيت أن يطلقها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت لا تطلقني وأمسكنى واجعل يومى لعائشة ففعل فنزلت {فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير} روت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنها ابن عباس ويحيى بن عبد الله. قيل ماتت سنة أربع وخمسين ورجحه الواقدى روى لها البخارى حديثين وروى لها أبو داود والنسائى

(ص) وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ «الْمُسْتَحَاضَةُ تَجْلِسُ أَيَّامَ قُرْئِهَا» وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَمَّارٌ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَطَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَعْقِلٌ الْخَثْعَمِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَكَذَلِكَ رَوَى الشَّعْبِيُّ، عَنْ قَمِيرَ امْرَأَة مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٍ، وَمَكْحُولٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَسَالِمٍ، وَالْقَاسِمِ، «أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» (ش) أراد المصنف بهذا بيان من قال من الصحابة والتابعين إن المستحاضة المعتادة تردّ إلى عادتها في الحيض وتترك الصلاة فيها (وحاصله) أن على بن أبى طالب وعائشة وابن عباس من الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم والحسن البصرى وسعيد بن المسيب وعطاء ومكحولا والنخعى وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد بن أبى بكر من التابعين رحمهم الله تعالى كلهم قالوا إن المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها. وذكر المصنف هذه الروايات لبيان أن هذا الحكم مجمع عليه ولم يخالف فيه إلا الخوارج كما تقدم (قوله عمار مولى بنى هاشم) هو ابن أبى عمار أبو عمرو ويقال أبو عبد الله المكي. روى عن أبى قتادة الأنصارى وأبى هريرة وأبى سعيد وابن عباس وجابر بن عبد الله وغيرهم. وعنه نافع وعطاء بن أبى رباح ويونس بن عبيد وشعبة ومعمر وكثيرون، قال أحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال النسائى ليس به بأس. روى له الجماعة (قوله معقل) قال أبو حاتم يقال فيه زهير بن معقل والأول أصح. روى عن علي بن أبى طالب. وعنه محمد بن أبى إسماعيل الكوفى. وثقه ابن حبان وقال في التقريب مجهول من السادسة وقال الذهبى لا يعرف روى له أبو داود. و (الخثعمى) بفتح فسكون ففتح نسبة إلى خثعم قبيلة باليمن سميت باسم خثعم بن أنمار وقيل جبل فمن نزل به يقال لهم الخثعميون (قوله وذلك روى الشعبى الخ) أى روى بسنده إلى عائشة أنها قالت إن المستحاضة المعتادة تترك الصلاة أيام عادتها. وقد تقدم ذلك عنها وأعاده المصنف لبيان أن عائشة ممن قال بذلك من الصحابة (قوله ومكحول) هو ابن زبر ويقال ابن أبى مسلم بن شاذك الكابلى من سبى كابل أبو عبد الله الدمشقى الهذلى مولى امرأة من هذيل. سمع أنس بن مالك وواثلة بن الأسقع وأبا أمامة وغيرهم. روى عنه الزهرى والأوزاعي ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عجلان وجماعة، قال العجلى تابعى ثقة وقال أبو حاتم ما بالشام أفقه من مكحول وقال ابن خراش صدوق وكان يرى القدر وقال ابن حبان في الثقات ربما دلس وقال

ابن سعد قال بعض أهل العلم كان ضعيفا في حديثه ورأيه. روى له مسلم وابن ماجه واستشهد به البخارى. توفي سنة بضع عشرة ومائة بدمشق (قوله وسالم) هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب أبو عمر القرشى العدوى المدني الفقيه. روى عن أبيه وأبى هريرة وأبى أيوب الأنصارى وعائشة والقاسم بن محمد. وعنه ابنه أبو بكر وعمرو بن دينار والزهرى وموسى بن عقبة وحميد الطويل وكثيرون. قال مالك لم يكن أحد في زمان سالم بن عبد الله أشبه من مضى من الصالحين في الزهد والفضل والعيش منه وقال ابن المبارك كان فقهاء المدينة ستة فذكره فيهم وقال أحمد ابن حنبل وإسحاق بن راهويه أصح الأسانيد الزهرى عن سالم عن أبيه وقال العجلى تابعى ثقة وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث ورعا. مات سنة ست أو سبع ومائة (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ قَالَا ثَنَا زُهَيْرٌ، نَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، فالت إنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ، جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، ثُمَّ صَلِّي» (ش) وفي بعض النسخ قبل هذا الحديث ترجمة باب من روى أن الحيضة إذا أدبرت لا تدع الصلاة والأولى إسقاطها لدخول هذا الحديث والذى بعده في الترجمة السابقة (قوله زهير) هو ابن معاوية بن خديج (قوله أستحاض فلا أطهر) بالبناء للمفعول أى يستمرّ بها الدم بعد أيام عادتها. وفى رواية البخارى إنى لا أطهر أى لا أنظف ولا أنقى من الدم، وإنما قالت ذلك لأنها اعتقدت أن طهارة الحائض لا تعرف إلا بانقطاع الدم فكنت بعدم الطهر عن استمرار نزول الدم (قوله أفأدع الصلاة) أى أيكون لى حكم الحائض فأترك الصلاة ما دمت مستحاضة وهو كلام من تقرّر عنده أن الحائض ممنوعة من الصلاة (وظاهر) الحديث أن بنت أبي حبيش سألت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بنفسها وتقدم أن أم سلمة سألت لها وكذا أسماء بنت عميس، ولا منافاة بين الروايات لاحتمال أنها سألت مرّة بنفسها وأخرى بواسطة. ويمكن أن يقال في هذا الحديث إنها سألت بواسطة ولم يذكرها الراوى اختصارا (قوله وليست بالحيضة) أنث الفعل نظرا للخبر. وفي رواية البخارى ليس بالتذكير وهو ظاهر. ويجوز في الحيضة فتح الحاء المهملة بمعنى الحيض وكسرها بمعنى الحالة والأول أظهر (قوله فإذا أقبلت الحيضة) أى إذا أتت أيام حيضتك فيكون ردّا إلى العادة

مذاهب الأئمة في علامة إدبار الحيض وشروط تمييزه * ما دل عليه حديث عائشة من مشروعية سؤال المرأة العالم عن أمر دينها ولو كان مما يستحيى منه وغير ذلك من الفوائد

أو أن المراد ظهرت الحال التى تكون للحيض من قوّة الدم في اللون فيكون ردًّا إلى التمييز ويجوز هاهنا على السواء كسر الحاء المهملة على إرادة الحالة والفتح على المرّة (قوله فإذا أدبرت الخ) أى إذا انقطعت الحيضة فاغسلي عنك الدم ثم صلى بعد الاغتسال كما صرح به في رواية للبخارى من طريق أبى أسامة عن هشام بن عروة في هذا الحديث وفيه ثم اغتسلى وصلى ولم يذكر غسل الدم وهذا الاختلاف بين أصحاب هشام منهم من ذكر غسل الدم دون الاغتسال ومنهم من ذكر الاغتسال دون غسل الدم وكلهم ثقات وأحاديثهم في الصحيحين فيحمل على أن كل فريق اقتصر على أحد الأمرين لوضوحه عنده (وعلامة) إدبار الحيض وانقطاعه عند أبي حنيفة وأصحابه الزمان والعادة فإذا نسيت عادتها تحرّت وإن لم يكن لها ظنّ أخذت بالأقلّ (وعند) الشافعى وأصحابه اختلاف الألوان هو الفاصل فالأسود أقوى من الأحمر والأحمر أقوى من الأشقر والأشقر أقوى من الأصفر والأصفر أقوى من الأكدر فتكون حائضا في أيام القوىّ مستحاضة في أيام الضعيف. والتمييز عنده بثلاثة شروط (أحدها) أن لا يزيد القوى على خمسة عشر يوما (والثانى) أن لا ينقص عن يوم وليلة ليمكن جعله حيضا (والثالث) أن لا ينقص الضعيف عن خمسة عشر يوما ليمكن جعله طهرا بين الحيضتين، وبذلك قال مالك وأحمد أفاده العينى (ثم قال) اعلم أنها إذا مضى زمن حيضها وجب عليها أن تغتسل في الحال لأول صلاة تدركها ولا يجوز لها بعد ذلك أن تترك صلاة أو صوما ويكون حكمها حكم الطاهرات ولا تستظهر بشئ أصلا. وبه قال الشافعى (وعن مالك) ثلاث روايات (الأولى) تستظهر ثلاثة أيام وما بعد ذلك استحاضة (والثانية) تترك الصلاة إلى انتهاء خمسة عشر يوما وهى أكثر مدّة الحيض عنده (والثالثة) كمذهبنا اهـ لكن ما عزاه لمالك من أن أقل الحيض يوم وليلة خلاف المشهور من مذهبه فإن المشهور فيه أن أقله بالنسبة للعدّة يوم أو بعض يوم له بال وبالنسبة للعبادة دفعة واحدة (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أنه يطلب من الجاهل أن يسأل أهل العلم عما جهل، وعلى جواز مشافهة المرأة الرجال عبد الحاجة إلى ذلك، وعلى جواز السؤال عما شأنه أن يستحيى منه وعلى جواز استماع صوت المرأة الأجنبية عند الحاجة، وعلى أنه يطلب من المسئول وإن كان عظيما أن يجيب السائل. وعلى أن الحائض تترك الصلاة من غير قضاء ولم يخالف في عدم وجوب القضاء عليها إلا الخوارج، وعلى نهى المستحاضة عن الصلاة في زمن الحيض وهو نهى تحريم ويقتضى فساد الصلاة هنا بالإجماع ويستوى فيها الفرض والنفل لظاهر الحديث ويتبعها الطواف وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة وسجدة الشكر ومس المصحف ودخول المساجد. وعلى طلب إزالة ما يستقذر، وعلى نجاسة دم الحيض، وعلى أن الصلاة تجب بمجرّد انقطاع دم الحيض بلا استظهار (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والدارقطني والبيهقى

والطحاوى في شرح معاني الآثار بألفاظ متقاربة وأخرجه الترمذى وقال حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ بِإِسْنَادِ زُهَيْرٍ، وَمَعْنَاهُ قَالَ: «فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ، فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا، فَاغْسِلِي الدَّمَ عَنْكِ وَصَلِّي» (ش) (قوله بإسناد زهير ومعناه) أي برجال حديثه وهم هشام وعروة وعائشة ومعناه ولفظه عند البيهقي عن عائشة أن فاطمة بنت أبى حبيش قالت يا رسول الله إنى لا أطهر أفأدع الصلاة قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت فاتركي الصلاة وإذا ذهب قدرها فاغسلى عنك الدم وصلي (قوله فإذا ذهب قدرها) بالدال المهملة الساكنة أى قدر وقت الحيضة حسب عادتها. وصحف بعضهم هذه اللفظة فقال إذا ذهب قذرها بالذال المعجمة وهو غلط والصحيح أن المراد منه قدر الأيام التي كانت تحيض فيها ردّا إلى أيام العادة (والحديث يدلّ) بلفظه على أن هذه المرأة كانت معتادة كما جاء في رواية للبخارى وفيها ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلى وصلى (واستدلّ به) أبو حنيفة على أن المرأة تردّ إلى عادتها سواء أكانت مميزة أم غير مميزة، وبه قال الشافعى في أحد قوليه كما تقدم (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا أَبُو عَقِيلٍ، عَنْ بُهَيَّةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ امْرَأَةً تَسْأَلُ عَائِشَةَ عَنِ امْرَأَةٍ فَسَدَ حَيْضُهَا وَأُهْرِيقَتْ دَمًا، فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ آمُرَهَا «فَلْتَنْظُرْ قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَحَيْضُهَا مُسْتَقِيمٌ، فَلْتَعْتَدَّ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَيَّامِ، ثُمَّ لِتَدَعِ الصَّلَاةَ فِيهِنَّ أَوْ بِقَدْرِهِنَّ، ثُمَّ لِتَغْتَسِلْ، ثُمَّ لِتَسْتَذْفِرْ بِثَوْبٍ، ثُمَّ تُصَلِّي» (ش) وفي بعض النسخ قبل هذا الحديث ترجمة "باب من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة" والصواب إسقاطها. ومناسبة الحديث للترجمة ما تقدم من أن إقبال الحيض قد يعرف بالعادة، وهذا حديث مختصر أخرجه البيهقي مطوّلا من طريق يحيى بن يحيى قال ثنا يحيى بن المتوكل أبو عقيل عن بهية قالت سمعت امرأة تسأل عائشة يعنى عن سبب حيضتها لا تدرى كيف تصلى فقالت لها عائشة سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لامرأة فسدت حيضتها وأهريقت دما لا تدرى كيف تصلى قالت، فأمرني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن آمرها فلتنظر قدر ما كانت تحيض في كل شهر وحيضها مستقيم فلتعتدّ، وفى حديث إسماعيل فلتقعد تقدّر ذلك من الأيام والليالى ثم لتدع الصلاة فيهن بقدرهن ثم لتغتسل ولتحسن طهرها ثم تستذفر

بثوب ثم تصلى فإني أرجو أن يكون هذا من الشيطان وأن يذهبها الله تعالى عنها إن شاء الله تعالى قالت فأمرتها ففعلت فمرى صاحبتك بذلك (رجال الحديث) (قوله أبو عقيل) بفتح العين المهملة هو يحيى بن المتوكل الضرير الحذاء المدني قدم بغداد ومات بها سنة تسع وستين ومائة. روى عن أبيه ويحيى بن سعيد الأنصارى والقاسم بن عبيد الله وعمر بن عبيد الله وغيرهم، وعنه ابن المبارك وأبو نعيم وأبو الوليد الطيالسى وغيرهم. قال النسائى ضعيف وقال أحمد أحاديثه عن بهية منكرة وما روى عنها إلا هو وهو واهي الحديث وقال الجوزجانى وابن معين والساجى منكر الحديث وقال ابن عمار ليس بحجة وقال عمر بن على فيه ضعف شديد وقال أبو حاتم ضعيف يكتب حديثه وقال ابن حبان ينفرد بأشياء ليس لها أصول لا يرتاب الممعن في الصناعة أنها معمولة وقال ابن عدى عامة أحاديثه غير محفوظة وقال ابن عبد البر هو عند جميعهم ضعيف، روى له مسلم في المقدّمة وأبو داود (قوله عن بهية) بضم الموحدة وفتح الهاء وتشديد المثناة التحتية مولاة أبي بكر، روت عن عائشة وعنها أبو عقيل يحيى بن المتوكل. قال ابن عمار ليست بحجة وقال في التقريب لا تعرف (معنى الحديث) (قوله فسد حيضها الخ) أى خرج عن العادة واستمرّ الدم نازلا عليها كما ذكره بقوله وأهريقت دما أى نزل عليها دم الاستحاضة (قوله فأمرني الخ) مرتب على محذوف أى قالت عائشة فسألت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأمرني أن آمر السائلة أن تنتظر قدر الأيام التي كانت تحيضها قبل نزول دم العلة بها فلا تصلى ولا تصوم إلى غير ذلك مما هو ممتنع على الحائض فقوله فلتنظر من النظر بمعنى الانتظار قال تعالى "ما ينظرون إلا صيحة واحدة" أى ما ينتظرون أو من الإنظار وهو التأخير والإمهال والمعنى تؤخر نفسها عما يحرم على الحائض فعله (قوله وحيضها مستقيم) جملة حالية من الضمير في تحيض أى في حالة استقامة الحيض قبل حصول الاستحاضة وهذا يدلّ على أنها كانت معتادة (قوله فلتعتدّ) أى لتحسب أيام حيضها من الاعتداد يقال اعتددت بالشئ أدخلته في العدّ والحساب وفى نسخة فلتعدّ أى تحسب وفي أخرى فلتقعد (قوله بقدر ذلك الخ) أى بقدر الأيام التى كانت تحيضها في كل شهر وحيضها مستقيم ثم لتترك الصلاة في مثل الأيام التي كانت تحيض فيها (قوله أو بقدرهن) شك من الراوى أى بقدر الأيام التى كانت تحيض فيها (من أخرح الحديث أيضا) أخرجه البيهقي بلفظ تقدم (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَقِيلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمِصْرِيَّانِ قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ

عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، إنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ خَتَنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَتَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «إِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ وَلَكِنْ هَذَا عِرْقٌ، فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» (ش) (رجال الحديث) (قوله ابن أبى عقيل) هو أحمد بن أبى عقيل المصري روى عن ابن وهب. وعنه أبو داود. ذكره ابن خلفون في مشايخ أبى داود نقلا عن مغلطاى (قوله وعمرة) هي بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية، روت عن عائشة وأم حبيبة وأم سلمة وغيرهن، وعنها عروة بن الزبير ومحمد بن عبد الرحمن وابن أخيها يحيى بن عبد الله وأبو بكر ابن محمد وجماعة، قال ابن سعد وابن المديني كانت من الثقات العلماء بأخبار عائشة وقال ابن معين والعجلى ثقة حجة وذكرها ابن حبان في الثقات. قيل توفيت سنة ثمان وتسعين روى لها الجماعة (معنى الحديث) (قوله ختنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) بفتح الخاء المعجمة والمثناة الفوقية أى قريبة زوجته (قال) أهل اللغة الأختان جمع ختن وهم أقارب زوجة الرجل (قوله وتحت عبد الرحمن بن عوف) أى أنها زوجه فعرّفها بشيئين أحدهما كونها أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش والثاني كونها زوج عبد الرحمن بن عوف (قوله استحيضت سبع سنين) أى استمرّ بها الدم سبع سنين (قيل) فيه حجة لابن القاسم في إسقاطه عن المستحاضة قضاء الصلاة إذا تركتها ظانة أن ذلك حيض لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يأمرها بالإعادة مع طول المدّة. ويحتمل أن يكون المراد بقولها سبع سنين بيان مدّة استحاضتها مع قطع النظر عما إذا كانت المدّة كلها قبل السؤال أولا فلا يكون فيه حجة لما ذكر اهـ من الفتح (قوله فاغتسلى وصلى) أى إذا مضت أيام الحيض المعلومة بالعادة أو التمييز فلتغتسل من الحيض ولتصلى وإلا فدم العرق لا يوجب غسلا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى البيهقي وابن ماجه (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وزَادَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ،

وَعَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اسْتُحِيضَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ وَهِيَ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ سَبْعَ سِنِينَ، " فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، فإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْكَلَامَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَاب الزُّهْرِيِّ غَيْرُ الْأَوْزَاعِي وَرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، وَاللَّيْثُ، وَيُونُسُ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَمَعْمَرٌ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ «وَلَمْ يَذْكُرُوا هَذَا الْكَلَامَ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَإِنَّمَا هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ (ش) هذه رواية ثانية لعائشة من طريق عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن الزهرى (وحاصلها) أن الأوزاعى زاد فيها قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسم إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغتسلى وصلى (قال) الخطابى هذا خلاف الأول وهو حكم المرأة التي تميز دمها فتراه أسود ثخينا فذلك في إقبال حيضها ثم تراه رقيقا مشرقا فذلك حين إدبار الحيضة ولا يقول لها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا القول إلا وهى تعرف إقبالها وإدبارها بعلامة تفصل بين الأمرين ويبين ذلك حديثه الآخر اهـ ومراده بالحديث الآخر ما أخرجه المصنف بعد عن فاطمة بنت أبى حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي وصلى فإنما هو عرق، هذا وما قاله الخطابى غير متعين لما تقدم من أن إقبال الدم وإدباره يعرفان إما بالعادة وإما بالتمييز، وهذه الرواية وصلها النسائى مختصرة قال أخبرنا هشام بن عمار حدثنا سهل بن هاشم حدثنا الأوزاعى عن الزهرى عن عروة عن عائشة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلى، ووصلها البيهقى بلفظ أطول كما يأتي (قوله ولم يذكر هذا الكلام الخ) أى لم يذكر ما زاده الأوزاعي في حديث الزهرى أحد من تلاميذه الآتى ذكر بعضهم غير الأوزاعي. وهذا غير مسلم فإن النعمان بن المنذر وأبا معبد قد وافقا الأوزاعي في رواية هذه الزيادة عن الزهرى "فقد" أخرج أبو عوانة والنسائى والطحاوى واللفظ له من طريق الهثيم بن

حميد قال أخبرني النعمان والأوزاعي وأبو معبد حفص بن غيلان عن الزهرى قال أخبرني عروة وعمرة عن عائشة قالت استحيضت أم حبيبة بنت جحش فاستفتت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال لها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن هذه ليست بحيضة ولكنه عرق فتقه إبليس فإذا أدبرت الحيضة فاغتسلى وصلى وإذا أقبلت فاتركي لها الصلاة (قوله ورواه عن الزهرى الخ) أى روى هذا الحديث الذى تلته زيادة الأوزاعي عن الزهرى عمرو بن الحارث والليث بن سعد ويونس بن يزيد وابن أبى ذئب محمد بن عبد الرحمن ومحمد بن إسحاق، ورواياتهم وصلها المصنف في الباب الآتى وعلق فيه رواية معمر بن راشد وإبراهيم بن سعد. هذا (وسليمان بن كثير) هو أبو داود العبدى البصرى. روى عن حميد الطويل وعمرو بن دينار والزهرى ويحيى بن سعيد الأنصارى وداود ابن أبى هند وغيرهم. وعنه عبد الرحمن بن مهدى وحبان بن هلال ويزيد بن هارون وعبد الصمد ابن عبد الوارث وأبو الوليد. قال ابن معين ضعيف وقال أبو حاتم يكتب حديثه وقال النسائى ليس به بأس إلا في الزهرى فإنه يخطئُ عليه قال في الخلاصة ردّا على النسائى حديثه عنه في مسلم احتجاجا وفي البخارى متابعة وقد قال ابن عدى له عن الزهرى أحاديث صالحة اهـ وقال العجلى جائز الحديث لا بأس به وقال العقيلى مضطرب الحديث عن ابن شهاب وهو في غيره أثبت وقال ابن حبان كان يخطئُ كثيرا فأما روايته عن الزهرى فقد اختلطت عليه صحيفته فلا يحتج بشئ ينفرد به عن الثقات. مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (قوله ولم يذكروا هذا الكلام) أى لم يذكر أصحاب الزهرى المذكورون ومنهم ابن عيينة ما زاده الأوزاعي في روايته عنه هنا وهو قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأم حبيبة إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة الخ وهذا مغاير في المعنى لما زاده ابن عيينة سابقا في حديث الزهرى عن عمرة من قوله فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها كما تقدم فلا يقال إن في كلام المصنف تناقضا حيث ذكر ابن عيينة هنا ضمن من لم يذكر الزيادة في حديث الزهرى ونسب إليه فيما تقدم انفراده بالزيادة في حديث الزهرى (قوله وإنما هذا لفط حديث هشام) أى إن لفظ إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة الخ إنما ذكرها هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قصة فاطمة بنت أبى حبيش فأدخلها الأوزاعي في حديث الزهرى عن عروة في قصة أم حبيبة وهما منه. وحديث هشام أخرجه البخارى ومسلم والبيهقي من عدّة طرق (منها) طريق ابن أبى عمرو عن سفيان عن الزهرى وقد تقدم (ومنها) طريق جعفر بن عون قال أنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت جاءت فاطمة بنت أبى حبيش إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت إنى امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة قال لا إنما ذاك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلى عنك الدم وصلى. هذا ما أراده المصنف

وقد تبعه البيهقى فقد وصل حديث الأوزاعي من طريق العباس بن الوليد بن مزيد قال أخبرني أبى قال سمعت الأوزاعي قال حدثني ابن شهاب حدثني عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن ابن سعد بن زرارة أن عائشة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالت استحيضت أم حبيبة بنت جحش وهي تحت عبد الرحمن بن عوف سبع سنين فاشتكت ذلك إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال لها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنها ليست بالحيضة إنما هو عرق فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلى ثم صلى قالت عائشة وكانت أم حبيبة تقعد في مركن لأختها زينب بنت حجش حتى إن حمرة الدم لتعلو الماء وقال ذكر الغسل في هذا الحديث صحيح وقوله فإذا أقبلت الحيضة وإذا أدبرت تفرّد به الأوزاعي من بين ثقات أصحاب الزهرى والصحيح أن أم حبيبة كانت معتادة وأن هذه اللفظة إنما ذكرها هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قصة فاطمة بنت أبى حبيش وقد رواه بشر ابن بكر عن الأوزاعي كما رواه غيره من الثقات اهـ هذا وكون أم حبيبة كانت معتادة لا يدلّ على أن ذكر فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة في حديثها يعدّ وهما لما تقدم من أن الإقبال والإدبار كما يعرفان بالتمييز يعرفان بالعادة (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَزَادَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِيهِ أَيْضًا «أَمَرَهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» وَهُوَ وَهْمٌ مِن ابْنِ عُيَيْنَة، وَحَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيهِ شَيْءٌ يَقْرُبُ مِنَ الَّذِي زَادَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي حَدِيثِهِ " (ش) أَى زاد سفيان بن عيينة في حديث الزهرى في قصة أم حبيبة لفظ أمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها كما زاد الأوزاعي فيه إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة قال المصنف وما زاده ابن عيينة وهم منه لتفرّده به وقد تقدم أن الوهم في ذكر هذه الزيادة ليس من ابن عيينة بل من أحد تلاميذه غير الحميدى ولعل إعادة هذا ثانيا خطأ من النساخ أو لقصد ضمه إلى ما قيل من الوهم في الحديث (قوله وحديث محمد بن عمرو الخ) أى حديث محمد بن عمرو الآتى فيه كلام يقرب مما زاده الأوزاعي في حديثه من قوله إذا أقبلت الحيضة الخ (قال العيني) ووجه القرب أن في زيادة الأوزاعى الإقبال والإدبار وفي حديث محمد بن عمرو الذى يأتي ذكر الأسود وغيره ولا شك أن الأسود يكون في أيام الإقبال وغير اللأسود يكون في أيام الإدبار فافهم اهـ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنِي

كلام الفقهاء في رد المستحاضة المميزة إلى تمييزها

ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضَةِ فَإِنَّهُ دم أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ» (ش) (رجال الحديث) (قوله ابن أبى عدى) هو محمد بن إبراهيم بن أبى عدى (قوله محمد يعني ابن عمرو) بن حلحلة بحائين مهملتين المدنى. روى عن الزهرى وعطاء بن يسار ووهب ابن كيسان ومحمد بن عمران وحميد بن مالك وآخرين. وعنه مالك بن أنس وعبد الله بن سعيد والوليد بن كثير وابن إسحاق ويزيد بن محمد القرشى وكثيرون. وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائى وذكره ابن حبان في الثقات. روى له البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى (معنى الحديث) (قوله إذا كان دم الحيضة) أى إذا وجد فهى تامة لا تحتاج إلى خبر (قوله فإنه دم أسود يعرف) في محل رفع صفة لدم وفيه احتمالان لأن الأول مبنىّ للمجهول مأخوذ من المعرفة أى تعرفه النساء بلونه وثخانته كما تعرفه بالعادة والثانى أنه مبنىّ للمعلوم بضم أوله وكسر ما قبل آخره مأخوذ من الإعراف أى له عرف بفتح فسكون أى رائحة (قوله فإذا كان ذلك الخ) بكسر الكاف أى إذا كان الدم الموجود دما أسود فاتركي الصلاة لأنه دم حيض فإذا كان الآخر أى غير الأسود بأن كان أصفر أو أشقر أو أكدر لأن غير الأسود أعمّ فتوضئى أى اغتسلى وتوضئى لوقت كل صلاة وصلى لأن الدم غير الأسود دم عرق انفجر لا دم حيض فلا يمنع صلاة ولا صوما ولا غيرهما مما يحلّ للطاهرات (وبهذا الحديث) تمسك مالك والشافعى في ردّ المستحاضة إلى التمييز وهو أقوى دليل لهما والتمييز إنما يعتبر عندهما إذا كان بين الدمين طهر تام أقله خمسة عشر يوما (قال) في سبل السلام هذا الحديث فيه ردّ المستحاضة إلى صفة الدم بأنه إذا كان بتلك الصفة فهو حيض وإلا فهو استحاضة وقد تقدم أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لها إنما ذلك عرق فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلى عنك الدم وصلى ولا ينافيه هذا الحديث فإنه يكون قوله إن دم الحيض أسود يعرف بيانا لوقت إقبال الحيضة وإدبارها فالمستحاضة إذا ميزت أيام حيضها إما بصفة الدم أو بإتيانه في وقت عادتها إن كانت معتادة عملت بعادتها. ففاطمة هذه يحتمل أنها كانت معتادة فيكون قوله فإذا أقبلت حيضتك أى بالعادة. أو غير معتادة فيراد بإقبال حيضتها بالصفة ولا مانع من اجتماع المعرّفين في حقها وحق غيرها اهـ (وعند الحنفية) وأحمد في المشهور عنه لا اعتبار للتمييز وإنما الاعتبار للعادة كما تقدم في قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلى

عنك الدم وصلى، وفي قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم امكثى قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلى وفي قوله لتنظر عدّة الليالى والأيام التى كانت تحيضهن من أول الشهر قبل أن يصيبها الذى أصابها الخ وقالوا إن حديث الباب ضعفه أبو داود وغيره، لكن الحديث صححه ابن حبان والحاكم وابن حزم قال ابن الصلاح حديث يحتج به (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن الحائض يجب عليها ترك الصلاة، وعلى أن المستحاضة يجب عليها أداؤها. وعلى الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة. وعلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين كل شيء من الأحكام حتى ما شأنه أن يستحيى من ذكره مما يتعلق بأمر النساء (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والدارقطنى والبيهقي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا بِهِ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ مِنْ كِتَابِهِ هَكَذَا، ثُمَّ ثَنَا بِهِ بَعْدُ حِفْظًا قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ. (ش) (قوله قال ابن المثنى الخ) أى قال محمد بن المثنى حدثنا بالحديث المذكور ابن أبى عدى من كتابه هكذا أى يجعله من مسند فاطمة بنت أبى حبيش ثم حدثنا به من حفظه مسندا إلى عائشة والأول أقوى "فقد" أخرح البيهقى من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثنا أبى ثنا محمد بن أبى عدى ثنا محمد بن عمرو يعنى ابن علقمة عن الزهرى عن عروة أن فاطمة بنت أبى حبيش كانت تستحاض فقال لها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن دم الحيضة أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة وإذا كان الآخر فتوضئى وصلى فإنما هو عرق قال عبد الله سمعت أبي يقول كان ابن أبى عدي حدثنا به عن عائشة ثم تركه (وما قيل) إن فيما حدّث به ابن أبى عدى من كتابه انقطاعا لإسقاط عائشة بين عروة وفاطمة (مردود) بأنه لم يسقط من سنده راو، ومحمد بن أبى عدى مكانه من الحفظ والإتقان لا يجهل وقد حفظه وحدّث به مرّة عن عروة عن فاطمة ومرّة عن عائشة وقد أدرك كلتيهما وسمع منهما بلا شك ففاطمة بنت عمه وعائشة خالته وقد صرح بأن فاطمة حدّثته، وقوله حدثنا محمد بن عمرو بيان لما حدّث به ابن أبي عدى من حفظه (قوله فذكر معناه) أى ذكر ابن أبى عدى بسنده إلى عائشة معنى الحديث السابق. ولفظه عند النسائى عن عائشة أن فاطمة بنت أبى حبيش كانت تستحاض فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما الحيض دم أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئى وصلى

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ورَوَى أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ قَالَ: «إِذَا رَأَتِ الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ فَلَا تُصَلِّي، وَإِذَا رَأَتِ الطُّهْرَ وَلَوْ سَاعَةً فَلْتَغْتَسِلْ وَتُصَلِّي» (ش) عرض المصنف بهذا وما بعده بيان أن ابن عباس ومكحولا ممن قالا باعتبار التمييز في المستحاضة. وأثر ابن عباس وصله البيهقي من طريق أبى بكر بن داسة عن أبى داود ووصله المدارمى قال أخبرنا محمد بن عيسى حدثنا ابن علية أنبأنا خالد عن أنس بن سيرين قال استحيضت امرأة من آل أنس فأمروني فسألت ابن عباس فقال إذا رأت الدم البحراني الخ. و (أنس بن سيرين) هو أبو موسى أو أبو عبد الله أو أبو حمزة الأنصارى البصرى مولى أنس بن مالك. روى عن مولاه وابن عمر وابن عباس وشريح القاضى وآخرين. وعنه ابن عون وشعبة وخالد الحذاء والحمادان وأبان وكثيرون وثقه العجلى وابن معين وأبو حاتم والنسائى. مات سنة ثماني عشرة أو عشرين ومائة. روى له الجماعة إلا الترمذى (قوله إذا رأت الدم البحراني الخ) بفتح الموحدة يريد الدم الغليظ الواسع الذى يخرج من قعر الرحم ونسب إلى البحر لكثرته وسعته والمعنى أن المستحاضة إذا رأت دما كثيرا شديد الحمرة فلا تصلى وإذا رأت الطهر بانقطاع الدم البحراني ولو قليلا من الزمن فلتغتسل وتصلى فجعل ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما علامة دم الحيض خروج الدم الكثير وعلامة دم الاستحاضة خروج الدم غير الكثير (ص) قَالَ مَكْحُولٌ: «إِنَّ النِّسَاءَ لَا تَخْفَى عَلَيْهِنَّ الْحَيْضَةُ إِنَّ دَمَهَا أَسْوَدُ غَلِيظٌ، فَإِذَا ذَهَبَ ذَلِكَ وَصَارَتْ صُفْرَةً رَقِيقَةً، فَإِنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ فَلْتَغْتَسِلْ وَلْتُصَلِّي» (ش) هذا الأثر أخرجه البيهقي من طريق المصنف ثم قال وقد روى معنى ما قال مكحول عن أبي أمامة مرفوعا بإسناد ضعيف ثم أخرج بسنده حديث أبى أمامة من طريق عبد الملك عن العلاء قال سمعت مكحولا يقول عن أبي أمامة الباهلى قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذكر الحديث قال ودم الحيض أسود خاثر تعلوه حمرة ودم الاستحاضة أصفر رقيق فإن غلبها فلتحتش كرسفا فإن غلبها فلتعله بأخرى فإن غلبها في الصلاة فلا تقطع الصلاة وإن قطر ويأتيها زوجها وتصوم وتصلى. عبد الملك هذا مجهول والعلاء هو ابن كثير ضعيف الحديث ومكحول لم يسمع من أبى أمامة شيئا اهـ ودعوى البيهقى أن العلاء في هذا الحديث هو ابن كثير يعارضه أن الطبراني روى هذا الحديث وفيه العلاء بن الحارث قال ابن أبى حاتم سألت أبى عن العلاء بن الحارث فقال ثقة لا أعلم أحدا من أصحاب مكحول أوثق منه قال وحدثني أبي سمعت

دحيما وذكر العلاء بن الحارث فقدّمه وعظم شأنه وقال روى الأوزاعي عنه ثلاثة أحاديث وروى له مسلم في صحيحه (قوله لا يخفى عليهن الخ) أى أن النساء لا يخفى عليهن دم الحيض لأنه دم أسود ثخين فإذا ذهب ذلك وصار أصفر رقيقا أو أشقر أو أكدر فإنها حينئذ تكون مستحاضة ويكون حكمها حكم الطاهرة فتغتسل وتصلى (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ: «إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ تَرَكَتِ الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتِ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ» وَرَوَى سُمَيٌّ وَغَيْرُهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «تَجْلِسُ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّب (ش) غرض المصنف بهذه التعاليق بيان أن سعيد بن المسيب ممن يعتبر في المستحاضة العادة لا التمييز وهو مذهب أبى حنيفة وأحمد كما تقدم. وقد وصل البيهقى أول هذه التعاليق من طريق يزيد بن هارون قال أنبأنا يحيى يعنى ابن سعيد أن القعقاع بن حكيم أخبره أنه سأل سعيد ابن المسيب عن المستحاضة فقال يا ابن أخى ما أجد أعلم بهذا منى إذا أقبلت الحيضة فلتدع الصلاة وإذا أدبرت فلتغتسل ثم لتصلّ وكذلك رواه حماد بن زيد عن يحيى (قوله إذا أقبلت الحيضة) تقدّم أن المراد من إقبالها أيام حيضتها التي كانت لها عادة ومن إدبارها زمان انقطاعها (قوله وروى سمىّ) بالتصغير هو أبو عبد الله القرشي المخزومى مولى أبى بكر بن عبد الرحمن. روى عن مولاه وابن المسيب والقعقاع بن حكيم وأبى صالح. وعنه يحيى بن سعيد والسفيانان ومالك وعبيد الله ابن عمر وآخرون. وثقه أحمد والنسائى وأبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات وقال قتله الحرورية سنة خمس وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (قوله وكذلك رواه حماد بن سلمة الخ) أى كما روى سمىّ روى حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد القطان عن ابن المسيب أنها تجلس أيام أقرائها (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَى يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ «الْحَائِضُ إِذَا مَدَّ بِهَا الدَّمُ تُمْسِكُ بَعْدَ حَيْضَتِهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ» (ش) غرض المصنف بهذا الأثر وما بعده أن الحسن البصرى وقتادة ممن قال بالاستظهار للمستحاضة (قوله وروى يونس عن الحسن الحائض الخ) أى روى يونس بن عبيد البصرى عن الحسن البصرى أن الحائض إذا استمرّ بها الدم بعد انقضاء عادتها تمسك بعدها عن الصلاة

وغيرها استظهارا يوما أو يومين ثم تغتسل وتصلى وبه أخذ مالك في رواية. وهذا الأثر وصله الدارمى فقال أخبرنا حجاج حدثنا حماد عن يونس عن الحسن قال إذا رأت الدم فإنها تمسك عن الصلاة بعد أيام حيضها يوما أو يومين ثم هي بعد ذلك مستحاضة (ص) وَقَالَ التَّيْمِيُّ: عَنْ قَتَادَةَ «إِذَا زَادَ عَلَى أَيَّامِ حَيْضِهَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ فَلْتُصَلِّي» وقَال التَّيْمِيُّ: فَجَعَلْتُ أَنْقُصُ حَتَّى بَلَغَتْ يَوْمَيْنِ. فَقَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمَيْنِ فَهُوَ مِنْ حَيْضِهَا، وسُئِلَ ابْنُ سِيرِينَ عَنْهُ فَقَالَ: النِّسَاءُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ (ش) (قوله وقال التيمى الخ) أى قال سليمان التيمى عن قتادة بن دعامة إذا زاد الدم على أيام حيضها المعتادة انتظرت خمسة أيام احتياطا ثم تغتسل وتصلى (قوله فجعلت أنقص الخ) أى من الخمسة الأيام التي زادت على أيام حيضها حتى بلغت يومين فقال قتادة إذا كان الزائد يومين فلا تصلى فيهما ولا يحسبان في الاستظهار لأنهما من أيام الحيض بل عليها أن تمسك وتستظهر مما فوق اليومين بيوم أو يومين أو ثلاثة إلى خمسة أيام فهو يخالف الحسن في موضعين (قوله وسئل ابن سيرين عنه الخ) أى سأل سليمان التيمى محمد بن سيرين عن الحكم المذكور فقال النساء اعلم بذلك لأنهن أعلم بأحوالهن فيفوّض إليهن حكم الاستظهار وغيره فهن يميزن دم الحيض عن دم الاستحاضة فابن سيرين لم يجبه وأحال على معرفة النساء. وقد أخرج الدارمى هذين الأثرين قال أخبرنا محمد بن عيسى حدثنا معتمر عن أبيه قال قلت لقتادة امرأة كان حيضها معلوما فزادت عليه خمسة أيام أو أربعة أيام أو ثلاثة أيام قال تصلي قلت يومين قال ذلك من حيضها وسألت ابن سيرين قال النساء أعلم بذلك (ص) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَغَيْرُهُ قَالَا: ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَمِّهِ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أُمِّهِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَتْ: كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ، فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِ أُخْتِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَمَا تَرَى فِيهَا قَدْ

مَنَعَتْنِي الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ. فَقَالَ: «أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ». قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: «فَاتَّخِذِي ثَوْبًا». فَقَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا أَثجُّ ثَجًّا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ أَيَّهُمَا فَعَلْتِ أَجْزَأَ عَنْكِ مِنَ الْآخَرِ، وَإِنْ قَوِيتِ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ». قَالَ لَهَا: «إِنَّمَا هَذِهِ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي حَتَّى إِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ، وَاسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا وَصُومِي، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُكِ، وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي فِي كُلِّ شَهْرٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ، وَكَمَا يَطْهُرْنَ مِيقَاتُ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ، وَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ فَتَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَتُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فَافْعَلِي، وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الْفَجْرِ فَافْعَلِي، وَصُومِي إِنْ قَدِرْتِ عَلَى ذَلِكَ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَهَذَا أَعْجَبُ الْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ» (ش) (رجال الحديث) (قوله وغيره) هو أبو جعفر محمد بن أبى سمينة كما في رواية أبى الحسن العبدى. وأبو سمينة بفتح السين المهملة كنية جده مهران وأبوه يحيى. روى عن هشيم والمعتمر بن سليمان وأبى عوانة وجرير بن عبد الحميد وبشر بن المفضل وغيرهم. وعنه أبو داود وأبو حاتم وأبو زرعة وأبو يعلى وآخرون. قال أبو حاتم صدوق وقال أحمد بن الحسين كان ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة تسع وثلاثين ومائتين (قوله عبد الملك بن عمرو) بن قيس البصرى أبو عامر العقدى بفتح العين المهملة والقاف نسبة إلى العقد قوم من قيس. روى عن مالك بن أنس والثورى وشعبة وعكرمة بن عمار وفليح بن سليمان وغيرهم. وعنه على بن يحيى وعباس العنبرى وأحمد بن حنبل وابن معين وإسحاق بن راهويه وكثيرون. قال ابن معين وابن سعد ثقة وقال أبو حاتم صدوق وقال النسائى ثقه مأمون وقال عثمان الدارمى أبو عامر ثقة عاقل وقال إسحاق أبو عامر الثقة الأمين وذكره ابن حبان وابن

شاهين في الثقات وقال ابن مهدى كتبت حديث ابن أبى ذئب عن أوثق شيخ أبى عامر العقدى مات سنة أربع أو خمس ومائتين. روى له الجماعة (قوله زهير بن محمد) أبو المنذر العنبرى المروزى الخراسانى نزيل الشام والحجاز. روى عن زيد بن أسلم وعمرو بن شعيب وعاصم الأحول ويحيى بن سعيد الأنصارى وكثيرين. وعنه الوليد بن مسلم وأبو عاصم وعبد الرحمن ابن مهدى وأبو حذيفة وروح بن عبادة وآخرون. قال أحمد مستقيم الحديث ثقة لا بأس به وقال ابن معين صالح لا بأس به ثقة وقال عثمان الدارمى ثقة صدوق وقال النسائى ضعيف وقال أبو حاتم محله الصدق وفي حفظه سوء وكان حديثه بالشام أنكر من حديثه بالعراق لسوء حفظه فما حدّث به من حفظه ففيه أغاليظ وما حدّث من كتبه فهو صالح قال البخارى ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير وما روى عنه أهل البصرة فإنه صحيح وقال الساجى صدوق منكر الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئُ ويخالف. مات سنة اثنتين وستين ومائة. روى له الجماعة إلا النسائى (قوله إبراهيم بن محمد بن طلحة) بن عبيد الله التيمى أبو إسحاق المدني. روى عن عمر بن الخطاب مرسلا وسعيد بن زيد وأبى هريرة وعائشة وابن عباس، وعنه عبد الله بن حسن وعبد الرحمن بن حميد. وثقه العجلى ويعقوب بن شيبة وقال النسائى كان أحد النبلاء وقال ابن سعد كان قليل الحديث. توفي سنة عشر ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى والبخارى في الأدب (قوله عمران بن طلحة) بن عبيد الله بن عثمان بن كعب الليثى التيمى المدنى. ولد في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسماه عمران. روى عن أبيه وأمه حمنة بنت جحش وعلى بن أبى طالب وخولة الأنصارية. وعنه ابنا أخويه معاوية بن إسحاق وإبراهيم بن محمد وسعد بن طريف، وثقه ابن سعد وقال العجلى مدنى تابعى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والترمذى والنسائى (قوله حمنة) بفتح الحاء المهملة وسكون الميم بنت حجش الأسدية أخت زينب زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. كانت تحت مصعب بن عمير فقتل عنها يوم أحد فتزوجها طلحة بن عبيد الله. روى عنها ابنها عمران ابن طلحة. روى لها أبو داود والترمذى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله كثيرة شديدة) أى أيامها كثيرة ودمها شديد الدّفق (قوله أستفتيه وأخبره) الواو لمطلق الجمع وإلا فمقتضى الظاهر أن تقول فأخبره وأستفتيه أى أخبره بحالى وأسأله عن حكم هذا الدم (قوله قد منعتنى الصلاة والصوم) أى منعتنى الحيضة من أدائهما وهذه الجملة مستأنفة لبيان ما حملها على السؤال أو في محل نصب حال من الضمير في قولها فيها (قوله أنعت لك الكرسف الخ) بضم الكاف وسكون الراء وضم السين المهملة أى أصف لك القطن فاستعمليه واحشى به فرجك فإنه يذهب الدم لأن من شأنه تنشيف الرطوبات ولا سيما العتيق منه (قوله

قالت هو أكثر من ذلك) أى دمى أكثر من أن ينقطع بالقطن لاشتداده وفوره (قوله فاتخذى ثوبا) أى إن لم يكف القطن فاستعملي الثوب مكانه ليقطع حجمه خروج الدم. وفي نسخة فتلجمى قبل قوله فاتخذى ثوبا. وفي رواية الدارقطني الاقتصار على فتلجمى. والتلجم أن تشدّ على وسطها خرقة أو خيطا وتأخذ خرقة أخرى فتدخلها بين أليتها وتشدّ طرفيها في وسطها من خلف وأمام وتلصق الخرقة المشدودة بين أليتيها بالقطنة التي على الفرج إلصاقا جيدا (قوله إنما أثج ثجا) بفتح الهمزة وكسر المثلثة أى يسيل منى الدم سيلانا شديدا يقال ثج الدم من باب ضرب سال بشدة فهو ثجاج وعلى هذا فنسبة الثجّ إليها للمبالغة كأنها صارت عين الدم السائل. وقد يتعدى فيقال ثججته ثجا من باب قتل أى صببته صبا ويكون مفعول ثجّ محذوفا تقديره أثجه ثجا وذكر المصدر ينبئُ أيضا عن كثرة الدم (قوله سآمرك بأمرين الخ) أى سأرشدك إلى عملين وهما الغسل لكل صلاة في وقتها والغسل للظهر والعصر في آخر الظهر والجمع بينهما جمعا صوريا وللمغرب والعشاء كذك وللصبح أيهما فعلت كفاك عن الآخر فإن قدرت على كلّ منهما فاخثرت الأقوى منهما وهو الغسل لكل صلاة فأنت أدرى بحالك، وإنما فسرنا الأمرين بما ذكر وإن كان ظاهر الحديث لا يفهم منه ذلك لقول المصنف في آخر الباب الآتى قال أبو داود وفى حديث ابن عقيل الأمران جميعا قال إن قويت فاغتسلى لكل صلاة وإلا فاجمعى. وعليه فيكون المراد بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حديث الباب بعد فصلى ثلاثا وعشرين ليلة أو أربعا وعشرين أى مع الغسل لكل صلاة فيكون هو الأمر الأول والثانى هو الغسل في كل يوم ثلاث مرّات على ما تقدم. ويحتمل على بعد توزيع الأمرين على حال السائلة فإن قدرت على معرفة عادتها بأى علامة ردّت إليها ثم تغتسل غسلا واحدا عند تمامها وتصلى باقى الشهر وهذا هو الأمر الأول وإن لم تقدر على معرفة عادتها تغتسل لكل صلاة أو تغتسل للظهر والعصر غسلا واحدا وكذا للمغرب والعشاء وتصلى الصبح بغسل وهكذا تفعل دائما وهذا هو الأمر الثانى والشقّ الأول منه مطوىّ في الحديث دلت عليه الروايات الآتية (قوله إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان) أى إنما هذه الثجة ونزول الدم بكثرة سبب في تسلط الشيطان وتلبيسه عليها والركضة بفتح الراء وسكون الكاف أصلها الضرب بالرجل والإصابة بها يريد به الإضرار والأذى ومعناه والله أعلم أن الشيطان قد وجد بذلك طريقا إلى التلبيس عليها في أمر دينها ووقت طهرها وصلاتها حتى أنساها ذلك عادتها فكأنها ركضة نالتها من ركضاته وقيل هو حقيقة وأن الشيطان ضربها حتى فتق عرقها. والغرض من هذا بيان أن ما أصابها من الدم ليس بالحيض الذى يمنع الصلاة والصوم وغيرهما وإنما هو دم عرق (قوله فتحيضى الخ) أى اقعدى أيام حيضك عن الصلاة واتركي ما تتركه الحائض ستة أيام أو سبعة. وأوفي قراء ستة

ما دل عليه حديث حمنة من مشروعية التداوي وأن المكلف أمين على دينه في الأمور التي لا تعلم إلا من جهته إلى غير ذلك من المسائل

أيام أو سبعة قيل للشك من الراوى أو للتنويع. ولعل هذه المرأة كانت معتادة ونسيت أن عادتها كانت ستا أو سبعا فأمرها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن تتحرّى وتجتهد وتبني أمرها على ما تيقنته من أحد العددين ويؤيده قوله في علم الله أى فيما علم الله من أمرك من ستة أو سبعة أو أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمرها بذلك اعتبارا لحالها بحال من هنّ مثلها من النساء في السنّ والمزاج فإن كانت عادة مثلها أن تقعد ستة قعدت ستة وإن كانت سبعة فسبعة. وقيل إن أو للتخيير بين كل واحد من العددين (قوله واستنقأت) أى بلغت وقت النقاء والنظافة وهو هكذا في أكثر النسخ بالهمزة وفى نسخة واستنقيت بالياء وهو القياس لأنه من نقى الشئ ينقى من باب تعب نقاء ونقاوة نظف فهو نقيّ ويتعدّى بالهمز والتضعيف يقال أنقيته ونقيته إذا نظفته (قوله فصلى ثلاثا وعشرين ليلة الخ) أى إن كانت أيام الحيض سبعة وأربعا وعشرين ليلة إن كانت أيام حيضها ستة فأوهنا للتنويع (قوله وصومى) أى ما شئت من تطوّع وفريضة (قوله فإن ذلك يجزئك) من الإجزاء أى يكفيك. وهذا أول الأمرين المأمور بهما (قوله كما يحضن النساء الخ) أى اجعلى مدة حيضك بقدر ما يكون حيض النساء عادة من ست أو سبع وكذلك اجعلى مدة طهرك بقدر ما يكون طهر النساء عادة من ثلاث وعشرين أو أربع وعشرين وهذا مبني على الغالب من عادة النساء في الحيض، وما في قوله كما تحيض مصدرية وميقات على وزن مفعال ظرف بمعنى الوقت. وفي نسخة كما يحضن. وفى العينى كما تحيض بتشديد الياء أى كما تقعد النساء أيام حيضهن عن الصلاة (قوله وإن قويت الخ) وفى نسخة فإن قويت أى إن قدرت بعد مرور الستة أو السبعة أن تغتسلى للظهر والعصر غسلا واحدا وتجمعى بينهما جمعا صوريا بأن توقعى الظهر في آخر وقته والعصر في أول وقته وكذا تفعلين في المغرب والعشاء وتغتسلين للصبح فافعلى. وهذا ثانى الأمرين. وتعليقه عليه الصلاة والسلام هذا بقوّتها لا ينافى قوله السابق فإن قويت عليهما فأنت أعلم لأن ذلك لبيان أنها إذا قويت على أى الأمرين بما تعلم من حالها وفعلته أجزأها وهذا لبيان أنها إذا قويت عليهما فالأولى لها أن تختار ما أحبه لها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله سلم لكونه الأسهل عليها وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم وقوله على أن تؤخرى بحذف نون الرفع لنصبه بأن المصدرية. وفى رواية على أن تؤخرين بإثبات النون فيها وما عطف عليها من الأفعال بعدها بجعل أن مخففة ولا يقال إن شرطها أن تقع بعد علم أو ظن وهو غير موجود لأنا نقول قوله إن قويت معناه إن علمت من نفسك أو ظننت منها القوّة (قوله وهذا أعجب الأمرين إلىّ) أى والأمر الثانى أحبهما إلىّ لأنه أيسر وأسهل (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أنه يطلب السؤال عن أحكام الدين ولو كان المسئول عنه مما شأنه أن يستحيى منه. وعلى مشروعية المراجعة في الجواب. وعلى أن المجيب يطلب منه أن يقبل

ما يبديه السائل حيث كان له وجه. وعلى مشروعية التداوى من الأمراض. وعلى أنه يطلب من المجيب أن يسلك مع السائل مسلك السهولة. وعلى أن الشخص يوكل إلى دينه وعلمه في الأمور التي لا تعلم إلا من جهته. وعلى أن الشيطان له تسلط على الإنسان. وعلى أن المستحاضة يجب عليها الصلاة والصوم ونحوهما دون الحائض. وعلى أن المستحاضة التي لم تعرف عادتها ولم تميز ترجع إلى الغالب من عادة النساء في الحيض والطهر. وعلى أن المستحاضة تجمع بين الصلاتين بغسل واحد وعلى أن الجمع الصورى بين الصلاتين مشروع. وعلى أنه يطلب من المفتى أن يرشد المستفتى إلى ما هو أحسن (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى والدارقطني وكذا أحمد والترمذى وصححاه وابن ماجه والحاكم وذكر البخارى تحسينه كما يأتى (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ، عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ فقَالَ: قَالَتْ: حَمْنَةُ: «هَذَا أَعْجَبُ الْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ» لَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ جَعَلَهُ كَلَامَ حَمْنَةَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَعَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ رَافِضِيا وَذَكَرَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْت أَحْمَدَ يَقُولُ: حَدِيثُ ابْنِ عَقِيلٍ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ (ش) هذه رواية أخرى للحديث وصلها الدارقطني قال حدثنا محمد بن القاسم بن زكريا نا عباد ابن يعقوب نا عمرو بن ثابت عن عبد الله بن محمد بن عقيل بهذا الإسناد نحوه اهـ وقال البيهقى بعد نقله رواية المصنف وعمرو بن ثابت هذا غير محتج به وبلغنى عن أبى عيسى الترمذى أنه سمع محمد ابن إسماعيل البخارى يقول حديث حمنة بنت جحش في المستحاضة هو حديث حسن إلا أن إبراهيم ابن محمد بن طلحة هو قديم لا أدرى سمع منه عبد الله بن محمد بن عقيل أم لا وكان أحمد بن حنبل يقول هو حديث صحيح (قوله رواه عمرو بن ثابت الخ) أى روى هذا الحديث عمرو بن ثابت ابن هرمز البكري أبو محمد أو أبو ثابت الكوفى. روى عن أبيه وأبى إسحاق السبيعى والأعمش وسماك بن حرب والحكم بن عتيبة وجماعة. وعنه أبو داود الطيالسي ويحيى بن بكير ويحيى بن آدم وعبد الله بن صالح وسعيد بن منصور والحسن بن الربيع وآخرون. قال أبو زرعة وأبو حاتم ضعيف الحديث وزاد أبو حاتم يكتب حديثه كان ردئ الرأى شديد التشيع وقال البخارى ليس بالقوى وقال النسائى متروك الحديث ليس بثقة ولا مأمون وقال ابن حبان يروى الموضوعات عن الأثبات وقال ابن سعد كان متشيعا مفرطا ليس هو بشئ في الحديث. مات سنة اثنتين

مذاهب العلماء في المستحاضة المبتدأة والمعتادة الناسية لعادتها غير المميزة

وسبعين (قوله لم يجعله قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى لم يجعل عمرو بن ثابت لفظ هذا أعجب الأمرين إلىّ من قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإنما جعله من كلام حمنة، أما زهير بن محمد فقد جعله من كلام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله كان عمرو بن ثابت رافضيا) وفي نسخة عمرو بن ثابت رافضى نسبة إلى الرافضة فرقة من الشيعة سموا بذلك لأنهم رفضوا زيد بن على حين نهاهم عن الطعن في الصحابة ثم استعمل هذا اللفظ في كل من غلا في هذا المذهب وأجاز الطعن في الصحابة (قوله وذكره عن يحيى بن معين) أى ذكر أبو داود كون عمرو بن ثابت رافضيا عن يحيى بن معين وهذا من كلام أحد تلاميذ المصنف (قوله قال أبو داود سمعت أحمد يقول حديث ابن عقيل في نفسى منه شيء) وفي بعض النسخ إسقاط هذه الجملة والمنقول عن أحمد قوله إن في الباب حديثين وثالثا في النفس منه شئ ففسره أبو داود بحديث ابن عقيل بسنده إلى حمنة. ويجاب عن ذلك بأن الترمذى حسنه وصححه ونقل ذلك عن البخارى وأحمد حيث قال سألت محمدا عن هذا الحديث فقال هو حديث حسن صحيح هكذا قال أحمد بن حنبل هو حديث حسن صحيح وكذا نقل البيهقى في المعرفة والسنن تصحيحه عن أحمد كما تقدم فهو أولى مما ذكره أبو داود لأن عبارة أحمد ليس فيها تعيين الحديث الذى في نفسه منه شئ، وعلى فرض أنه عينه فيمكن أن يكون قد كان في نفسه من الحديث شيء ثم ظهرت له صحته ولذا احتج به على أن المستحاضة إذا لم يكن لها أيام معروفة ولم تميز دمها بأن كان كله أسود أو أحمر مثلا أو كان متميزا ولم يصلح أن يكون حيضا بأن نقص عن يوم وليلة أو جاوز الخمسة عشر تترك الصلاة وغيرها من كل شهر غالب الحيض ستة أو سبعة باجتهادها فيما يغلب على ظنها أنه أقرب إلى عادتها أو عادة نساء قومها أو ما يكون أشبه بكونه حيضا ثم تغتسل وتصلي (وقال) مالك في المستحاضة المذكورة يعتبر حيضها خمسة عشر يوما ثم تغتسل وتصلى (وقال) أبو حنيفة فيمن بلغت مستحاضة يعتبر حيضها عشرة من كل شهر ثم تغتسل وتصلى باقى الشهر بوضوء لوقت كل صلاة. وأما المعتادة الناسية للوقت والعدد فتتحرّى ومتي تردّدت بين حيض وطهر تتوضأ لوقت كل صلاة وإن تردّدت يبنهما والدخول في الطهر تغتسل لوقت كل صلاة وتترك السنن غير المؤكدة ولا تدخل مسجدا ولا تجامع، وإن لم يكن لها رأى فهى محيرة لا يحكم لها بشئ من الحيض والطهر على التعيين بل تأخذ بالأحوط في الأحكام فتجتنب ما تجتنبه الحائض من القراءة في غير الصلاة ومس المصحف وقربان الزوج وتغتسل لوقت كل صلاة وتصلى به الوتر والفرض وتقرأ ما تجوز به الصلاة فقط وقيل الفاتحة والسورة لأنهما واجبتان وإن حجت تطوف طواف الإفاضة لأنه ركن ثم تعيده بعد عشرة أيام ثم تطوف طواف الوداع لأنه واجب وتصوم

رمضان ثم تقضى خمسة وعشرين يوما لاحتمال أنها حاضت عشرة من أوله وخمسة من آخره أو بالعكس ثم يحتمل أنها حاضت في القضاء عشرا فسلم لها خمسة عشر يوما والفتوى على أن طهرها في العدّة مقدر بشهرين (وقال) الشافعى في المستحاضة المبتدأة غير المميزة إنها تدع الصلاة وغيرها مما يحرم على الحائض من وقت رؤيتها الدم فإذا انقطع الدم لخمسة عشر يوما فأقل اعتبر الكل حيضا وإن استمرّ أكثر من خمسة عشر يوما اعتبر حيضها يوما وليله وباقى الشهر طهرا فتقضى الصلاة فيما عدا اليوم والليلة وفيما عدا الشهر الأول يعتبر حيضها يوما وليلة وطهرها تسعة وعشرين ومثلها في ذلك المبتدأة المميزة أن نقص القوى عن يوم وليلة أو زاد عن خمسة عشر أو نقص الضعيف عن خمسة عشر يوما. وأما المعتادة الناسية للقدر والوقت فلها حكم الحائض في كل ما لا يتوقف على نية غير الطلاق كمباشرة ما بين السرّة والركبة وقراءة القرآن في غير الصلاة ومس المصحف والمكث في المسجد لغير عبادة متوقفة عليه وعبوره إن خافت تلويثه وكطاهر في الطلاق وكل عبادة تفتقر إلى نية كالصلاة والطواف والصوم والاعتكاف وعليها أن تغتسل لكل فرض في وقته إن جهلت زمن انقطاع الدم أما إذا علمت في زمن الصحة وقت انقطاعه كعند الغروب لزمها الغسل كل يوم عنده فتصلى به المغرب وتتوضأ لباقى الصلوات وإنما لم تأخذ الأئمة الثلاثة بهذا الحديث لضعفه بابن عقيل (قال) البيهقي في المعرفة تفرّد به عبد الله بن محمد بن عقيل وهو مختلف في الاحتجاج به (وقال) ابن منده لا يصح بوجه من الوجوه لأنه من رواية ابن عقيل وقد أجمعوا على ترك حديثه (وتعقبه) ابن دقيق العيد واستنكر منه هذا الإطلاق لأن ابن عقيل لم يقع الإجماع على ترك حديثه فقد كان أحمد وإسحاق والحميدى يحتجون به. وقد يجاب بأن مراد ابن منده بالإجماع إجماع من خرّج الصحيح (قال) ابن أبى حاتم سألت أبى عنه فوهنه ولم يقوّ إسناده (وقال) الترمذى في كتاب العلل إنه سأل البخارى عن هذا الحديث فقال هو حديث حسن إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة قديم لا أدرى سمع منه ابن عقيل أم لا وهذه علة للحديث أخرى (ويجاب) عنها بأن إبراهيم بن محمد بن طلحة مات سنة عشر ومائة كما قاله على بن المديني وخليفة بن خياط وهو تابعى سمع عبد الله بن عمرو بن العاص وأبا هريرة وغيرهما من الصحابة فكيف ينكر سماعه من إبراهيم بن محمد فينظر في صحة هذا عن البخارى. وأعلّ ابن حزم الحديث بالانقطاع بين ابن جريج وابن عقيل وزعم أن ابن جريج لم يسمعه من ابن عقيل وبينهما النعمان بن راشد قال هو ضعيف ورواه أيضا عن ابن عقيل شريك وزهير بن محمد وكلاهما ضعيف (وقال) أيضا عمر بن طلحة الذى رواه إبراهيم بن محمد بن طلحة عنه غير مخلوق لا يعرف لطلحة ابن اسمه عمر. وقد ردّ ابن سيد الناس ما قاله قال أما الانقطاع بين ابن جريج وابن عقيل فقد روى من طريق زهير بن محمد عن ابن عقيل وأما تضعيفه لزهير هذا فقد أخرج له الشيخان محتجين به وقد وثقه أحمد وغيره كما تقدم. وقال البخارى

باب من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة

في تاريخه الصغير ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير وما روى عنه أهل البصرة فإنه صحيح وهذا الحديث من رواية أبى عامر العقدى عنه وهو بصرى أما عمر بن طلحة الذى ذكره فلم يسق الحديث من طريقه بل من طريق عمران بن طلحة وقد نبه الترمذى على أنه لم يقل عمر في هذا الإسناد أحد من الرواة إلا ابن جريج وأن غيره يقول عمران وهو الصواب، وأما شريك الذى ضعفه أيضا فرواه ابن ماجه عن أبى عقيل من طريقه وشريك مخرج له في الصحيح. ومن جملة علل الحديث ما نقله أبو داود عن أحمد وقد تقدم هو والجواب عنه (قال) العينى اعلم أن حكم هذا الحديث بخلاف الحكم الذى في حديث أم سلمة وخلاف الحكم الذى في حديث عائشة وإنما هي امرأة مبتدأة لم تتقدم لها أيام ولا هي مميزة لدمها وقد استمرّ بها الدم حتى غلبها فرّد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمرها إلى العرف الظاهر والأمر الغالب في أحوال النساء، يدلّ على ذلك قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما تحيض النساء وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهن اهـ (باب من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة) وفى بعض النسخ باب ما روى أن المستحاضة وفى بعضها باب من رأى أن المستحاضة الخ (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَقِيلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ قَالَا: ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قالت إنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ خَتَنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَتَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «إِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، وَلَكِنْ هَذَا عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي». قَالَتْ عَائِشَةُ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ فِي مِرْكَنٍ فِي حُجْرَةِ أُخْتِهَا زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حَتَّى تَعْلُوَ حُمْرَةُ الدَّمِ الْمَاءَ. (ش) تقدم هذا الحديث وشرحه مستوفى في باب إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة وإنما

كرّره المصنف لزيادة في آخره وهي قوله قالت عائشة فكانت تغتسل في مركن أى لكل صلاة بدليل ما في الروايتين بعد من قوله فكانت تغتسل لكل صلاة، وبهذا يظهر وجه مناسبته للترجمة وقد أخرجه البيهقي بطوله من طريق حرملة بن يحيى عن ابن وهب (قوله المرادى) نسبة إلى مراد قبيلة باليمن سميت باسم أبيهم مراد بن مالك بن أدد (قوله تغتسل في مركن) بكسر الميم وفتح الكاف هو الإجانة التي تغسل فيه الثياب كما تقدّم (قوله حتى تعلو حمرة الدم الماء) يعني أنها كانت تقعد في الإناء الذى تغسل فيه الثياب فتصب عليها الماء من غيره فيختلط الماء المتساقط عنها بالدم فيعلوه حمرة الدم السائل منها ولا بدّ أن تغسل بعد فراغها من الغسل ما أصاب رجليها من الماء المتغير بالدم (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، نَا عَنْبَسَةُ، نَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قال أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ». (ش) (قوله عنبسة) بن خالد. و (يونس) بن يزيد الأيلي (قوله فكانت تغتسل لكل صلاة) إنما كان ذلك تطوعا منها ولم تؤمر به فقد قال الليث بن سعد في رواية لمسلم لم يذكر ابن شهاب أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمرها أن تغتسل لكل صلاة ولكنه شئ فعلته هي وإلى هذا ذهب الجمهور قالوا لا يجب الغسل على المستحاضة لكل صلاة إلا المتحيرة لكن عليها الوضوء كما سيأتي (ص) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ الْهَمْدَانِيُّ، ثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فِيهِ: فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ. (ش) هذه رواية أخرى لحديث عائشة السابق أول الباب وأخرجها البيهقى مطوّلة من طريق يحيى بن بكير قال حدثني الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة زوج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنها قالت استفتت أم حبيبة بنت جحش رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت إني أستحاض فلا أطهر فقال إنما ذلك عرق فاغتسلى ثم صلى فكانت تغتسل عند كل صلاة قال الليث فلم يذكر ابن شهاب أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر أم حبيبة بنت حجش أن تغتسل يعنى عند كل صلاة ولكنه شيء فعلته رواه مسلم في الصحيح عن قتيبة ومحمد بن رمح عن الليث. وأخرج البيهقي من طريق الربيع عن الشافعى أنه قال إنما أمرها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن تغتسل وتصلى وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة ولا أشك إن شاء الله تعالى أن غسلها كان تطوّعا غير ما أمرت به وذلك واسع لها

(قوله (ص) الهمدانى) بفتح فسكون نسبة إلى همدان بوزن سكران قبيلة من حمير من عرب اليمن (قوله قال فيه الخ) أى قال الليث بن سعد في هذا الحديث فكانت تغتسل الخ (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ مَبْرُورٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَاب، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ (ش) أى روى الحديث القاسم بن مبرور عن يونس بسنده إلى أم حبيبة وهذه رواية ثالثة لحديث عائشة والفرق بينها وبين رواية عنبسة عن يونس السابقة أن القاسم جعل عمرة مكان عروة كما جعلها عنبسة عن يونس إلا أن القاسم ذكر في مسنده عائشة ولم يذكرها عنبسة و (القاسم بن مبرور) هو الأيلى بفتح الهمزة ابن أخى طلحة بن عبد الملك أحد الفقهاء. روى عن عمه طلحة ويونس بن يزيد وهشام بن عروة وابن جريج. وعنه خالد بن نزار الأيلى وأبو أمية عمرو ابن مروان وخالد بن حميد المهرى. ذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة ثمان أو تسع وخمسين ومائة. روى له أبو داود والنسائى (ص) وَكَذَلِكَ رَوَى مَعْمر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَن عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ وَرُبَّمَا قَال مَعْمَرٌ: عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِمَعْنَاهُ، (ش) أى مثل رواية القاسم عن ابن شهاب روى الحديث معمر إلا أنه جعله من مسند عائشة لا من مسند أم حبيبة وربما جعله من مسند أم حبيبة بحذف عائشة (ص) وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَقَال ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي حَدِيثِهِ، وَلَمْ يَقُلْ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ. (ش) أى مثل زواية القاسم روى الحديث إبراهيم بن سعد وسفيان بن عيينة عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة ولم يذكرا عروة ولا أم حبيبة غير أن ابن عيينة قال في روايته لم يذكر الزهرى أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر أم حبيبة بالغسل لكل صلاة فقد وافق ابن عيينة الليث بن سعد فقد قال في حديثه لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر أم حبيبة بنت حجش أن تغتسل عند كل صلاة ولكنه شيء فعلته كما تقدّم وجملة ولم يقل في

محل نصب بيان لقول ابن عيينة (ص) وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ أَيْضًا: قَالَتْ عَائِشَةُ: «فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ» (ش) أى مثل رواية القاسم وغيره من أصحاب الزهرى روى الحديث عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أيضا وذكر في حديثه أن عائشة قالت إن أم حبيبة كانت تغتسل لكل صلاة أى تطوّعا كما تقدّم فقد نسب الأوزاعي هذا القول إلى عائشة ولم يجعله من كلام النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وهذه الرواية وصلها البيهقى من طريق بشر بن بكر قال ثنا الأوزاعي حدثنى الزهرى حدثنى عروة وعمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أن عائشة زوج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالت استحيضت أم حبيبة بنت جحش وهي تحت عبد الرحمن بن عوف سبع سنين فاشتكت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال إن هذه ليست بالحيضة ولكن هذا عرق فاغتسلى ثم صلى قالت عائشة وكانت تغتسل لكل صلاة ثم تصلى وكانت تقعد في مركن لأختها زينب بنت جحش حتى أن حمرة الدم لتعلو الماء. وفى بعض النسخ ذكر تعليق الأوزاعي بعد حديث محمد بن إسحاق المسيبى الآتى (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَيَّبِيُّ، ثَنِي أَبِي، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ «فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنْ تَغْتَسِلَ» فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن إسحاق) بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله ابن المسيب أبو عبد الله المخزومى المدنى سكن بغداد. روى عن أبيه ومحمد بن فليح الخزاعي وعبد الله بن نافع وابن عيينة وأنس بن عياض ويزيد بن هارون وأبى ضمرة ومعن بن عيسى وغيرهم وعنه مسلم وأبو داود ومحمد بن إسحاق الصاغانى وأبو زرعة وأبو حاتم وكثيرون. قال مصعب الزبيرى لا أعلم في قريش أفضل من المسيبى وهو صالح ثقة ووثقه إبراهيم بن إسحاق وابن قانع مات سنة ست وثلاثين ومائتين في ربيع الأول. و (المسيبى) بضم الميم وفتح السين المهملة وتشديد المثناة التحتية المفتوحة نسبة إلى مسيب جده الرابع (قوله حدثتى أبى) هو إسحاق بن محمد المذكور أمير القراء كان جليل القدر ثبتا. روى عن ابن أبى ذئب وابن أبى الزناد ومالك بن أنس ونافع بن عبد الرحمن القارئ وغيرهم. وعنه ابنه محمد وخلف بن هشام وإسماعيل بن عبد الكريم الصنعانى ويحيى بن محمد الجارى وآخرون. سئل عنه ابن معين فقال أفمن أسس بنيانه على تقوى

من الله ورضوان خير الآية وقال أبو الفضل صدوق فيه لين ورمي بالقدر وقال الأزدى ضعيف برى القدر وقال الذهبي في الميزان صالح الحديث. مات سنة ست ومائتين روى له أبو داود و (ابن أبى ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن القرشي (قوله إن أم حبيبة الخ) تقدم شرحه في الراوية الأولى للحديث من طريق عمرو بن الحارث. وفي هذه الرواية أن الاغتسال لكل صلاة من قول عائشة كما في رواية عمرو بن الحارث والليث بن سعد ويونس وغيرهم من الحفاظ عن ابن شهاب لا من قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (ص) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ عَبْدَةَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحِيضَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَأَمَرَهَا بِالْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ»، وَسَاقَ الْحَدِيثَ. (ش) (رجال الحديث) (قوله عبدة) هو ابن سليمان بن حاجب بن زرارة الكلابى أبو محمد الكوفي قيل اسمه عبد الرحمن وعبدة لقب. روى عن عاصم الأحول وعبيد الله بن عمر ويحيى ابن سعيد الأنصارى وسعيد بن أبى عروبة والثورى وجماعة. وعنه أحمد بن حنبل وإسحاق وإبراهيم بن موسى الرازى وعمرو الناقد وأبو سعيد الأشج وهناد بن السرى وغيرهم. قال أحمد ثقة ثقة وقال العجلى ثقة رجل صالح صاحب قرآن وذكره ابن حبان في الثقات وقال مستقيم الحديث وقال ابن سعد والدارقطني ثقة وقال عثمان بن أبى شيبة ثقة صدوق. مات بالكوفة سنة سبع أو ثمان وثمانين ومائة (قوله فأمرها بالغسل لكل صلاة) قد طعن الحفاظ في هذه الزيادة لأن الأثبات من أصحاب الزهرى لم يذكروها وقال البيهقي رواية ابن إسحاق غلط لمخالفتها سائر الروايات عن الزهرى. لكن يمكن أن يقال إن كان هذا مخالفة الترك فلا تناقض في ذلك وإن كان مخالفة التعارض فغير مسلم إذ أكثر الروايات فيه السكوت عن أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لها بالغسل عند كل صلاة وفي بعضها أنها فعلته هي. ويجمع بين هذه الروايات بحمل الأمر بالغسل عند كل صلاة على الندب (قوله وساق الحديث) أى ذكر محمد بن إسحاق حديث أم حبيبة المذكور أول الباب (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اسْتُحِيضَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ

صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «اغْتَسِلِي لِكُلِّ صَلَاةٍ»، وَسَاقَ الْحَدِيثَ. (ش) أي روى هذا الحديث أبو الوليد هشام بن عبد الملك ولم يسمعه المصنف منه مع كونه من تلاميذه فهو معلق. وغرض المصنف بذكر رواية أبى الوليد عن سليمان تقوية رواية ابن إسحاق عن الزهرى الدالة على أن الأمر بالاغتسال لكل صلاة من كلام النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا من كلام عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا لكن هذه الرواية لا يصح الاحتجاج بها لأن أبا داود في يسمعها من أبى الوليد ولا يدري من سمعها منه. على أنها في قصة زينب بنت جحش وحديث ابن إسحاق في قصة أم حبيبة وأيضا فرواية أبى الوليد غير محفوظة وأيضا فإنه يمكن حمل قوله فأمرها بالغسل لكل صلاة على الغسل من الدم الذى أصابها من باب إزالة النجاسة الذى هو شرط في صحة الصلاة. وعلى الجملة فحديث محمد بن إسحاق ورواية أبى الوليد لا يقاومان حديث الثقات الحفاظ من أصحاب الزهرى. ولذا قال البيهقى في السنن ورواية محمد بن إسحاق عن الزهرى غلط لمخالفتها سائر الروايات عن الزهرى ومخالفتها الرواية الصحيحة عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة. وقال أيضا ورواية أبى الوليد أيضا غير محفوظة فقد رواه مسلم بن إبراهيم عن سليمان بن كثير كما رواه سائر الناس عن الزهرى وأخرج بسنده إلى مسلم ثنا سليمان يعنى ابن كثير عن الزهرى عن عروة عن عائشة قالت استحيضت أخت زينب بنت جحش سبع سنين فكانت تملأ مركنا لها ماء ثم تدخله حتى تعلو الماء حمرة الدم فاستفتت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال لها إنه ليس بحيضة ولكنه عرق فاغتسلى وصلى ليس فيه الأمر بالغسل لكل صلاة وهذا أولى لموافقته سائر الروايات عن الزهرى. ففى هاتين الروايتين الصحيحتين بيان أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يأمرها بالغسل عند كل صلاة وأنها كانت تفعل ذلك من عند نفسها فكيف يكون الأمر بالغسل عند كل صلاة ثابتا من حديث عروة اهـ وقد تقدم الجواب بحمل الأمر بالغسل عند كل صلاة على الندب جمعا بينه وبين أكثر الروايات التى فيها السكوت عن أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لها بالغسل عند كل صلاة والتى فيها أنها فعلته هي. وردّ في الجوهر النقى قول البيهقى رواية ابن إسحاق عن الزهرى غلط لمخالفتها سائر الروايات عن الزهرى بقوله المخالفة على وجهين مخالفة ترك ومخالفة تعارض وتناقض فإن أراد مخالفة الترك فلا تناقض في ذلك وإن أراد مخالفة التعارض فليس كذلك إذ الأكثر فيه السكوت عن أمر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لها بالغسل عند كل صلاة وفى بعضها أنها فعلته هي وقد تابع ابن إسحاق سليمان بن كثير كما ذكره البيهقى قريبا وخبر ابن الهاد المتقدم شاهد لذلك (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ عَبْدُ الصَّمَدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ: «تَوَضَّئِي لِكُلِّ

صَلَاةٍ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَذَا وَهْمٌ مِنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ: أَبِي الْوَلِيدِ (ش) (قوله ورواه عبد الصمد عن سليمان الخ) أى روى هذا الحديث عبد الصمد عن سليمان بن كثير بسنده السابق في روايته أن النبي صلى لله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لها توضئى لكل صلاة. وغرض المصنف بذكر هذا التعليق بيان أن سليمان بن كثير اختلف عليه قصة زينب بنت جحش فروى أبو الوليد عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لها اغتسلى لكل صلاة وروى عبد الصمد عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لها توضئي لكل صلاة ورجح المصنف رواية أبى الوليد لما له من الضبط والإتقان ما ليس لعبد الصمد لكن تقدم أن رواية أبى الوليد غير محفوظة فلا ينبغى التعويل عليها. و (عبد الصمد) هو ابن عبد الوارث ابن سعيد بن ذكوان التميمى العنبرى مولاهم أبو سهل البصرى. روى عن أبيه وعكرمة بن عمار وخالد بن دينار وشعبة وسليمان بن المغيرة وحماد بن سلمة وكثيرين. وعنه ابنه عبد الوارث وأحمد وإسحاق بن راهويه ومحمد بن المثني وابن معين وإسحاق بن منصور وآخرون. قال أبو حاتم صدوق وقال أحمد صدوق صالح الحديث وقال ابن سعد كان ثقة وقال الحاكم ثقة مأمون وقال ابن قانع ثقة يخطئُ وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة ست أو سبع ومائتين. روى له الجماعة (قوله وهذا وهم من عبد الصمد الخ) أى قوله توضئي لكل صلاة غلط من عبد الصمد والقول الصحيح في حديث سليمان بن كثير قول أبى الوليد الطيالسي من الأمر بالغسل لا الوضوء. وفي هذا ترجيح من المصنف لثبوت الأمر بالغسل لكل صلاة عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد علمت أنه على فرض ثبوته محمول على الندب، ودعوى المصنف وهم عبد الصمد غير مسلمة ففى العينى ذكر هذا "يعنى قوله توضئى لكل صلاة" في حديث حماد الذى أخرجه النسائى وابن ماجه وقال مسلم في صحيحه وفى حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذكره "وهي توضئي لكل صلاة" وقال النووى وأسقطها مسلم لأنها مما انفرد به حماد "قلنا" لم ينفرد حماد بذلك عن هشام بل رواه عنه أبو عوانة أخرجه الطحاوى في كتاب الرد على الكرابيسى من طريقه بسند جيد. ورواه عنه أيضا حماد بن سلمة أخرجه الدارمى من طريقه. ورواه عنه أيضا أبو حنيفة وأخرجه الطحاوى من طريق أبى نعيم عبد الله ابن يزيد المقرى عن أبى حنيفة عن هشام وأخرجه الترمذى وصححه من طريق وكيع وعبدة وأبى معاوية عن هشام وقال في آخره وقال أبو معاوية في حديثه وقال توضئي لكل صلاة وقد جاء الأمر بالوضوء أيضا فما أخرجه البيهقى في باب المستحاضة إذا كانت مميزة من حديث محمد بن عمرو عن ابن شهاب عن عروة عن فاطمة بنت أبى حبيش إلى آخره. على أن حماد ابن زيد لو انفرد بذلك لكان كافيا لثقته وحفظه لا سيما في هشام وليس هذا يخالفه بل زيادة ثقة

أقوال الأئمة في المستحاضة تغتسل لكل صلاة

وهى مقبولة لا سيما من مثله اهـ وقد روى هذه الزيادة أيضا البخارى في حديث عائشة من طريق أبى معاوية وقال في آخره قال يعني هشام بن عروة وقال أبى ثم توضئي لكل صلاة حتى يجئ ذلك الوقت (قال) في الفتح وادعي بعضهم أن هذا معلق وليس بصواب بل هو بالإسناد المذكور عن محمد عن أبى معاوية عن هشام وقد بين ذلك الترمذى في روايته وادعى آخر أن قوله ثم توضئي من كلام عروة موقوفا عليه. وفيه نظر لأنه لو كان كلامه لقال ثم تتوضأ فلما أتى به بصيغة الأمر شاكل الأمر الذى في المرفوع وهو قوله فاغتسلى اهـ وقال في موضع آخر لم ينفرد أبو معاوية بذلك فقد رواه النسائى من طريق حماد بن زيد عن هشام وادعي أن حمادا تفرّد بهذه الزيادة وأومأ مسلم أيضا إلى ذلك وليس كذلك فقد رواها الدارمى من طريق حماد بن سلمة والسراج من طريق يحيى بن سليم كلاهما عن هشام "إلى أن قال" ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ لكل صلاة ولا تصلى بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤدّاة أو مقضية لظاهر قوله ثم توضئى لكل صلاة وبهذا قال الجمهور (وعند) المالكية يستحب لها الوضوء لكل صلاة ولا يجب إلا بحدث آخر (وقال) أحمد وإسحاق إن اغتسلت لكل فرض فهو أحوط (وعند) الحنفية أن الوضوء متعلق بوقت الصلاة فلها أن تصلى به الفريضة الحاضرة وما شاءت من الفوائت ما لم يخرج وقت الحاضرة وقالوا معنى قوله وتوضئى لكل صلاة أى لوقت كل صلاة ففيه مجاز الحذف ويحتاج إلى دليل اهـ بتصرّف (أقول) مذهب الحنابلة كالحنفية دليلهم ما روى عن أبى حنيفة مرفوعا المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة رواه سبط بن الجوزى. وفي شرح المختصر للطحاوى روى أبو حنيفة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لفاطمة بنت أبى حبيش توضئى لوقت كل صلاة. وفي رواية لأحمد والترمذى والبخارى وتوضئى لكل صلاة حتى يجئ ذلك الوقت وصححه الترمذى. ولا شك أن هذا محكم بالنسبة إلى وقت كل صلاة لأنه لا يحتمل غيره بخلاف حديث لكل صلاة فإن لفظ الصلاة شاع استعماله في لسان الشرع والعرف في وقتها كقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن للصلاة أولا وآخرا أى وقتها وكقولك آتيك لصلاة الظهر أى لوقتها فوجب حمله على المحكم (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْحَجَّاجِ أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: حدثتني زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدَّمَ، وَكَانَتْ تَحْت عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ «أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي» (ش) ذكر المصنف هذا تأييدا وتقوية لحديثي ابن إسحاق وسليمان بن كثير عن الزهرى (رجال الحديث) (قوله عبد الله بن عمرو الخ) التميمى مولاهم البصرى الحافظ روى عن عبد الوارث بن سعيد وملازم بن عمرو وعبد العزيز الدراوردى وعبد الوهاب الثققي وآخرين. وعنه عبد الصمد بن عبد الوارث وأبو زرعة والبخارى وأبو داود وأبو حاتم وكثيرون. قال ابن معين ثقة ثبت وقال يعقوب بن شيبة كان ثقة ثبتا صحيح الكتاب وكان يقول بالقدر وقال العجلى ثقة وكان يرى القدر وقال ابن خراش كان صدوقا وكان قدريا وقال أبو زرعة كان ثقة حافظا وقال أبو حاتم صدوق متقن قوى الحديث غير أنه لم يكن يحفظ وكان له قدر عند أهل العلم. توفى سنة أربع وعشرين ومائتين (قوله الحسين) هو ابن ذكوان المعلم البصرى العوذى بفتح العين المهملة وسكون الواو بعدها ذال معجمة نسبة إلى عوذ بطن من الأزد روى عن قتادة ويحيى بن أبى كثير وعمرو بن سعيد وعطاء وعمرو بن شعيب وسليمان الأحول وآخرين. وعنه إبراهيم بن طهمان وابن أبى عدي وشعبة وابن المبارك ويحيى القطان وغيرهم. وثقه ابن معين وابن سعد والعجلى والبزار والنسائى والدرقطنى وأبو حاتم وقال أبو زرعة ليس به بأس وقال ابن المديني من أثبت أصحاب يحيى بن أبى كثير وقال أبو جعفر العقيلى ضعيف مضطرب الحديث وقال يحيى القطان فيه اضطراب. مات سنة خمس وأربعين ومائة. روى له الجماعة (قوله عن أبى سلمة) هو عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف (قوله أن امرأة) هي أم حبيبة بنت جحش كما تقدّم (قوله أمرها أن تغتسل) الأمر هنا محمول على الندب جمعا بين الروايات كما تقدّم (قال الخطابي) هذا الحديث مختصر وليس فيه ذكر حال هذه المرأة ولا بيان أمرها وكيفية شأنها في استحاضتها وليس كل امرأة مستحاضة يجب عليها الاغتسال لكل صلاة وإنما هو فيمن تبتلى وهي لا تميز دمها أو كانت لها أيام فنسيتها فهى لا تعرف موضعها ولا عددها ولا وقت انقطاع الدم عنها من أيامها المتقدمة فإذا كانت كذلك فإنها لا تدع شيئا من الصلاة وكان عليها أن تغتسل عند كل صلاة لأنه قد يمكن أن يكون ذلك الوقت قد صادف زمان انقطاع دمها فالغسل عليها عند ذلك واجب ومن كان هذا حالها من النساء لم يأتها زوجها في شئ من الأوقات لإمكان أن تكون حائضا وعليها أن تصوم شهر رمضان كله مع الناس وتقضيه بعد ذلك لتحيط علما بأن قد استوفت عدد ثلاثين يوما في وقت كان لها أن تصوم فيه وإن كانت حاجة طافت طوافين بينهما خمسة عشر يوما لتكون على يقين من وقوع الطواف في وقت حكمها فية حكم الطاهرة وهذا على مذهب من رأى أن أكثر الحيض خمسة عشر يوما اهـ (قال العينى) وعلى مذهب من رأى أن أكثره

عشرة أيام طافت طوافين بينهما عشرة أيام (وقال البيهقي) في هذا الحديث وروينا عن أبي سلمة أنها تغتسل غسلا واحدا وهو لا يخالف النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيما يرويه عنه "قلت" كأنه أشار بهذا الكلام إلى تضعيف هذا الحديث وإلى أن ما نقل عنه من أنه أفتى بالغسل عند كل صلاة غير صحيح عنه. ولقائل أن يقول العبرة بما روى الراوى لا برأيه اهـ (وما قاله) الخطابى من أن أم حبيبة كانت متحيرة (مردود) بما أخرجه مسلم في صحيحه من طريق بكر بن مضر قال حدثني جعفر بن ربيعة في قصة أم حبيبة بنت جحش وفيه فقال لها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم امكثى قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلى وصلي فهذه الرواية تدلّ على أنها كانت معتادة أو مميزة فكيف يمكن أن يأمرها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وجوبا بالاغتسال لكل صلاة للتطهير وقد طهرت من الحيض واغتسلت ولو كان قابلا للحجة فلا يخلو إما أن يكون الأمر لكل صلاة محمولا على العلاج أو للندب أو لإزالة الدم عن الجسد أو لتقليل النجاسة (قال) الحافظ في الفتح وما قاله الخطابى من أنها كانت متحيرة فيه نظر لما تقدّم من رواية عكرمة أنه أمرها أن تنتظر أيام أقرائها. ولمسلم من طريق عراك عن عروة في هذه القصة فقال لها امكثى قدر ما كانت تحبسك حيضتك. ولأبى داود وغيره من طريق الأوزاعي وابن عيينة عن الزهرى في حديث الباب نحوه. لكن استنكر أبو داود هذه الزيادة في حديث الزهرى. وأجاب بعض من زعم أنها كانت مميزة بأن قوله فأمرها أن تغتسل لكل صلاة أى من الدم الذى أصابها لأنه من إزالة النجاسة ولو شرط في صحة الصلاة (وقال) الطحاوى حديث أم حبيبة منسوخ بحديث فاطمة بنت أبي حبيش أى لأن فيه الأمر بالوضوء لكل صلاة لا الغسل. والجمع بين الحديثين بحمل الأمر في حديث أم حبيبة على الندب أولى (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن المستحاضة تغتسل وكل صلاة وذلك على سبيل الاستحباب عند الجمهور. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي بإسناد حسن وقال كذلك رواه حسين المعلم وخالفه هشام الدستوائى فأرسله ثم أخرجه من طريق هشام عن يحيى عن أبى سلمة أن أم حبيبة بنت جحش سألت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالت إني أهراق الدم فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة وتصلى. ورواه الأوزاعي عن يحيى فجعل المستحاضة زينب بنت أم سلمة اهـ (ص) وأَخْبَرَنِي أَنَّ أُمَّ بَكْرٍ أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فِي الْمَرْأَةِ تَرَى مَا يُرِيبُهَا بَعْدَ الطُّهْرِ «إِنَّمَا هِيَ» أَوْ قَالَ: «إنما هو

عِرْقٌ أَوْ قَالَ عُرُوقٌ». (ش) هذا تعليق وصله ابن ماجه قال حدثنا محمد بن يحيى ثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة عن أم بكر أنها أخبرته أن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المرأة ترى ما يريبها بعد الطهر قال إنما هي عرق أو عروق قال محمد ابن يحيى يريد بعد الطهر بعد الغسل. فقول المصنف وأخبرنى أن أم بكر بالواو عطف على قوله في السند السابق عن أبى سلمة أى قال يحيى بن أبي كثير أخبرنى أبو سلمة أن أم بكر أخبرته الخ ويقال لها أم أبى بكر. روت عن عائشة. وعنها أبو سلمة. روى لها مسلم وأبو داود. وحالها مجهول (قوله ما يريبها) أى من الدم بفتح الياء وضمها من رابنى الشيء وأرابني بمعنى شككنى ومنه الحديث "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" يروى بفتح الياء وضمها أى دع ما تشك فيه إلى ما لا تشك فيه (قوله بعد الطهر) أى بعد الغسل من الحيض وقيل بعد انقطاع دم الحيض أو بعد انتهاء أيامه (قوله إنما هى أو قال إنما هو عرق) شك من أحد الرواة ومرجع الضمير ما يريبها وأنثه باعتبار أنه استحاضة أى أنه دم عرق يخرج بانفجاره وليس دم حيض حتى يجب الغسل منه. ولعل غرض المصنف بذكر هذه الرواية الإشارة إلى أن الأمر بالاغتسال لكل صلاة في الروايات السابقة ليس للتطهر من الحيض بل لعلة أخرى كتخفيف دم الاستحاضة وإزالته (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَقِيلٍ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا وَقَالَ: «إِنْ قَوِيتِ فَاغْتَسِلِي لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَإِلَّا فَاجْمَعِي» كَمَا قَالَ الْقَاسِمُ فِي حَدِيثِهِ. (ش) أى ذكر في حديث عبد الله بن محمد بن عقيل الذى رواه عنه زهير بن محمد في باب من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة الأمران اللذان بينهما بقوله إن قويت فاغتسلى لكل صلاة وإلا فاجمعى أى إن لم تقدرى على الغسل لكل صلاة فاجمعى بين الظهر والعصر بغسل والمغرب والعشاء بغسل واحد كما قال القاسم بن محمد في حديثه الثاني في الباب الآتي بعد، فحديث ابن عقيل وحديث القاسم الآتي في كليهما الأمران جميعا، وهذا المعنى هو ظاهر عبارة المصنف لكن فيه إشكال لأنه ليس في حديث ابن عقيل الأمر بالاأغتسال لكل صلاة. نعم إن كان المراد بالقاسم القاسم بن مبرور وبحديثه حديث حمنة الذى روى عن ابن عقيل يزول الإشكال أى روى القاسم في روايته عن ابن عقيل الأمرين جميعا إن قويت فاغتسلى لكل صلاة وإن لم تغتسلى فاجمعى بين الصلاتين بغسل واحد لكن هذا المعنى يتوقف على ثبوت رواية القاسم في مبرور عن ابن عقيل لهذا الحديث

باب من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلا

(ص) وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَا (ش) أى روى القول بالاغتسال عند كل صلاة وبالجمع بين الصلاتين بغسل واحد عن سعيد بن جبير عن على وابن عباس، وغرض المصنف بذكر هذا الأثر وما قبله تقوية القول بمشروعية غسل المستحاضة لكل صلاة، وقد وصل هذا الأثر الطحاوى في شرح معاني الآثار قال حدثنا سليمان بن شعيب حدثنا الخصيب بن ناصح حدثنا همام عن قتادة عن أبى حسان عن سعيد بن جبير أن امرأة أتت ابن عباس بكتاب بعد ما ذهب بصره فدفعه إلى ابنه فتترتر فيه فدفعه إلىّ فقرأته فقال لابنه ألا هذرمته كما هذرمه الغلام المصرى فإذا فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من امرأة من المسلمين أنها استحيضت فاستفتت عليا فأمرها أن تغتسل وتصلى فقال اللهم لا أعلم القول إلا ما قال على ثلاث مرّات (قال) قتادة وأخبرني عذرة عن سعيد أنه قيل له إن الكوفة أرض بارده وإنه يشقّ عليها الغسل لكل صلاة فقال لو شاء الله لابتلاها بما هو أشدّ، والترترة التردّد في الكلام. والهذرمة الإسراع فيه. وذكر بعد القول بالغسل بأنها تغتسل للظهر والعصر غسلا واحدا وللمغرب والعشاء غسلا وللصبح غسلا ما نصه. وقد روى ذلك أيضا عن على وابن عباس وذكر بسنده إلى إسماعيل بن رجاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال جاءته امرأة مستحاضة تسأله فلم يفتها وقال لها سلى غيرى قال فأتت ابن عمر فسألته فقال لها لا تصلى ما رأيت الدم فرجعت إلى ابن عباس فأخبرته فقال رحمه الله إن كاد ليكفرك قال ثم سألت على بن أبى طالب فقال تلك ركزة من الشيطان أو قرحة في الرحم اغتسلى عند كل صلاتين مرة وصلى قال فلقيت ابن عباس بعد فسألته فقال ما أجد لك إلا ما قال علىّ، ووصله أيضا ابن أبى شيبة في مصنفه قال حدثنا وكيع نا الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير قال كنت عند ابن عباس فجاءت امرأة بكتاب فقرأته فإذا فيه إني امرأة مستحاضة وإن عليا قال تغتسل لكل صلاة فقال ابن عباس ما أجد لها إلا ما قال علىّ، وحدثنا محمد بن يزيد عن ابن العلاء عن قتادة أن عليا وابن عباس قالا في المستحاضة تغتسل لكل صلاة، حدثنا حفص بن غياث عن ليث عن الحكم عن على في المستحاضة تؤخر في الظهر وتعجل في العصر وتؤخر المغرب وتعجل العشاء قال وأظنه قال وتغتسل قال فذكرت ذلك لابن الزبير وابن عباس فقالا ما نجد لها إلا ما قال علىّ (باب من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلا) أَى تجمع المستحاضة بين الظهر والعصر بغسل واحد والمغرب والعشاء بغسل (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، ثَنَا أَبِي، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ

أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «اسْتُحِيضَتِ امْرَأَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُمِرَتْ أَنْ تُعَجِّلَ الْعَصْرَ وَتُؤَخِّرَ الظُّهْرَ وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا غُسْلًا، وَأَنْ تُؤُخِّرَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلَ الْعِشَاءَ وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا غُسْلًا، وَتَغْتَسِلَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ غُسْلًا». فَقُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: لَا أُحَدِّثُكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ (ش) (قوله حدثنا أبى) هو معاذ بن معاذ. و (شعبة) هو ابن الحجاج (قوله عن أبيه) هو القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق (قوله فأمرت أن تعجل العصر الخ) إنما أمرها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بذلك لما رأى أن الأمر قد طال عليها وقد جهدها الاغتسال لكل صلاة ورخص لها في الجمع بين الصلاتين بغسل واحد كالمسافر الذى رخص له في الجمع بين الصلاتين على مذهب من يرى ذلك ولعل الجمع بين الصلاتين بغسل واحد خاص بمن نسيت أيام حيضها ولم تميز الحيض من الاستحاضة أو ميزت بينهما بأدنى علامة (قوله فقلت لعبد الرحمن الخ) أى قال شعبة لشيخه عبد الرحمن هل أمرها بالغسل لكل صلاتين صادر عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولما كان عبد الرحمن لم يسمع من شيخه إلا لفظ أمرت بالبناء للمجهول لم يتسنّ له أن يسنده إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صريحا ولذا قال له لا أحدثك عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بشئ على ما في أكثر النسخ وفي رواية للبيهقى من طريق أبى داود الطيالسي عن شعبة قال قلت من أمرها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لست أحدّثك عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شيئا. وإنما قال ذلك لأن لفظ أمرت يفيد الإسناد إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بطريق اجتهادى فلم يرد عبد الرحمن أن ينقله إلى ما هو صريح في الرفع بأن يقول فأمرها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم. وفي بعض النسخ لا أحدثك بشئ إلا عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهي ظاهرة في أن الحديث مرفوع. ولا تنافي بينهما لأنه يلزم من امتناعه من صريح النسبة إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ما في أكثر النسخ أن لا يكون مرفوعا بلفظ أمرت على ما عرف من ترجيح أهل الحديث والأصول في هذه الصيغة أنها مرفوعة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الطحاوى والبيهقى والنسائى ولفظه إن امرأة مستحاضة على عهد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قيل لها إنه عرق عاند وأمرت أن تؤخر الظهر

وتعجل العصر وتغتسل لهما غسلا واحدا وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل لهما غسلا واحدا وتغتسل لصلاة الصبح غسلا واحدا (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى، ثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ «اسْتُحِيضَتْ فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» فَلَمَّا جَهَدَهَا ذَلِكَ «أَمَرَهَا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِغُسْلٍ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِغُسْلٍ، وَتَغْتَسِلَ لِلصُّبْحِ» (ش) (قوله سهلة بنت سهيل) بن عمرو القرشية أسلمت قديما وهاجرت مع زوجها أبى حذيفة بن عتبة إلى الحبشة ثم تزوجت عبد الرحمن بن عوف (قوله فلما جهدها ذلك الخ) أى قلما شقّ عليها الاغتسال عند كل صلاة أمرها بالغسل لكل صلاتين (من أخرح الحديث أيضا) أخرجه الطحاوى والبيهقى وقال قال أبو بكر بن إسحاق قال بعض مشايخنا لم يسند هذا الخبر غير ابن إسحاق وشعبة لم يذكر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنكر أن يكون الخبر مرفوعا اهـ وتقدم أن عبد الرحمن إنما امتنع من إسناد الأمر بالغسل لكل صلاة إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صريحا لأنه سمع فأمرت وأن هذا لا ينافي كون الحديث مرفوعا على ما رجحه أهل الحديث والأصول في هذه الصيغة من أنها مرفوعة فتأمله ولا تتوهم من كلام البيهقى وغيره أنه من الموقوف الذى لا تقوم به الحجة. وبهذا يعلم أن ابن إسحاق لم يخالف شعبة في رفعه بل رفعه ابن إسحاق صريحا ورفعه شعبة دلالة (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ امْرَأَةً اسْتُحِيضَتْ فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَأَمَرَهَا بِمَعْنَاهُ (ش) أى روى الحديث سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه بمعنى حديث ابن إسحاق. وهذه الرواية مقطوعة لإضافتها للتابعى ومعلقة حذف فيها أول السند وقد ذكره البيهقي قال أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو بكر بن إسحاق أنا عبد الله يعنى ابن محمد ثنا إسحاق أنبأنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن امرأة من المسلمين استحيضت فسألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "الحديث"

مذاهب الفقهاء في أن المستحاضة تغتسل غسلا واحدا للصلاتين المشركتي الوقت

(ص) حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَنَا خَالِدٌ، عَنْ سُهَيْلٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ اسْتُحِيضَتْ - مُنْذُ كَذَا وَكَذَا - فَلَمْ تُصَلِّي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا مِنَ الشَّيْطَانِ لِتَجْلِسْ فِي مِرْكَنٍ، فَإِذَا رَأَتْ صُفَارَةً فَوْقَ الْمَاءِ فَلْتَغْتَسِلْ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلْ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلْ لِلْفَجْرِ غُسْلًا وَتَتَوَضَّأْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ» (ش) (قوله خالد) هو ابن عبد الله الواسطى (قوله منذ كذا وكذا) أى من أيام وشهور فمنذ بمعنى من وكذا كناية عن العدد والمراد به هنا سبع سنين كما تقدم التصريح به (قوله فلم تصلى) أى لما كانت تعتقده من أن دم الاستحاضة يمنع من الصلاة وغيرها من العبادات (قوله سبحان الله) الغرض منه ها هنا التعجب من تركها الصلاة لمجرّد اعتقاها من غير أن تسأله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو أحدا من أصحابه (قوله هذا من الشيطان) أى الاستحاضة ركضة من ركضاته وتقدم بيانه. ويحتمل أن المراد أن ترك الصلاة من الشيطان حيث سوّل لها أن الاستحاضة كالحيض (قوله لتجلس في مركن) أى فيه ماء لتعرف حال دمها فإذا علا الماء صفرة كان دم استحاضة وإن علاه غيرها فهو حيض (قوله فإذا رأت صفارة الخ) بضم الصاد المهملة. وفي بعض النسخ صفرة أى إذا رأت صفرة فوق الماء الذى تقعد فيه فلتغسل بماء آخر خارج المركن لا بما فيه لنجاسته. وفيه حجة لمن اعتبر التمييز لأن رؤيتها الصفرة دليل على انقطاع دم الحيض (قوله وتوضأ فيما بين ذلك) أى تتوضأ فحذفت إحدى التاءين للتخفيف والمعنى أنها إذا أرادت أن تصلي فيما بين الصلوات صلاة أخرى وقد رأت ناقضا تتوضأ ولا تطالب بغسل لأنه مختص بالأوقات الخمس أما إذا لم تر ناقضا بين الصلاتين فلا وضوء عليها بل هي كالطاهرات وهذا مذهب مالك (وذهبت) الحنفية إلى أن المعنى أنها إذا اغتسلت للصلاة الأولى تتوضأ للثانية ولو لم تر ناقضا للأحاديث الدالة على طلب الوضوء لوقت كل صلاة أو لكل صلاة وهذا حكم المعتادة في غير أيام الحيض فإن هذا الحديث قد تقدم بعضه من طريق جرير عن سهيل بن أبى صالح في باب المرأة تستحاض ومن قال تدع الصلاة في عدّة الأيام التى كانت تحيض ولفظه فأمرها أن تقعد الأيام التى كانت تقعد ثم تغتسل ففى هذا الجزء بين لها

رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حكم أيام الحيض وفى حديث سهيل من طريق خالد بين لها حكم أيام الطهارة وما كان ينبغى لها أن تفعل فيها (وقالت) الشافعية يحمل الأمر بالوضوء فيما بين الصلاتين على قضاء الفوائت (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطنى والطحاوى وكذا البيهقي من طريقين وقال هكذا رواه سهيل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة واختلف فيه عليه والمشهور رواية الجمهور عن الزهرى عن عروة عن عائشة في شأن أم حبيبة بنت جحش كما تقدم اهـ ومراده بيان أن حديث الزهرى رواه عنه سهيل بن أبى صالح في شأن فاطمة بنت أبى حبيش والمشهور رواية الجمهور عن الزهرى أنه في شأن أم حبيبة بنت جحش (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ مُجَاهِدٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهَا الْغُسْلُ أَمَرَهَا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ» (ش) أى روى حديث المستحاضة مجاهد بن جبر عن ابن عباس قال مبينا حكمة ترخيص النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لفاطمة بنت أبى حبيش في الجمع بين الصلاتين بغسل واحد لما شقّ عليها الاغتسال لكل صلاة أمرها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن تجمع بين الصلاتين جمعا صوريا بغسل واحد تيسيرا لها. وهذا الأثر وصله الطحاوى قال حدثنا ابن خزيمة ثنا حجاج ثنا حماد عن قيس بن سعد عن مجاهد قال قيل لابن عباس إن أرضنا أرض باردة قال تؤخّر الظهر وتعجل العصر وتغتسل لهما غسلا واحدا وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل لهما غسلا وتغتسل للفجر غسلا اهـ (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ (ش) أى روى هذا الحديث إبراهيم النخعى عن ابن عباس وهو الخ أى غسل المستحاضة لكل صلاتين قول إبراهيم النخعى. و (عبد الله بن شداد) هو ابن أسامة بن عمرو أبو الوليد الليثى المدني روى عن عمر وابنه عبد الله وعلى وابن عباس ومعاذ وعائشة وأم سلمة. وعنه طاوس والشعبي ومحمد ابن سعد وعكرمة وأبو إسحاق الشيبانى. وثقه أبو زرعة والنسائى وابن سعد وقال العجلى والخطيب هو من كبار التابعين وثقاتهم وقال الواقدى كان ثقة فقيها كثير الحديث متشيعا. وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة اثنتين وثمانين

باب من قال تغتسل من طهر إلى طهر

(باب من قال تغتسل من طهر إلى طهر) بالطاء المهملة أى في بيان قول من قال إن المستحاضة تغتسل مرّة واحدة بعد انقضاء أيام الحيض ثم تقتصر على الوضوء لوقت كل صلاة إلى أن تأتي أيام حيضها فإذا مضت اغتسلت وهكذا وفى نسخة باب من قال تغتسل مرّة أى بعد كل طهر (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ، وحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي «الْمُسْتَحَاضَةِ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، وَالْوُضُوءُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «زَاد عُثْمَانُ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي» (ش) (قوله شريك) هو ابن عبد الله النخعى (قوله عن أبى اليقظان) هو عثمان بن عمير (قوله عن جده) قيل اسمه عبيد بن عازب بن أخى البراء بن عازب (قوله تدع الصلاة الخ) أى تتركها أيام حيضها والأقراء جمع قرء وهو بمعنى الحيض. وفيه حجة لمن قال القرء الحيض لا الطهر (قوله ثم تغتسل) أى بعد انقطاع الحيض غسلا واحدا وهذا هو مذهب الجمهور وهو أقوى دليلا وأحاديث الغسل عند كل صلاة محمولة على الندب كما مرّ (قوله وتصلى) أى بعد الاغتسال متى شاءت وما شاءت (قوله والوضوء عند كل صلاة) أى وعليها الوضوء عند كل صلاة. وفي وواية الترمذى تتوضأ عند كل صلاة وتصوم وتصلى. ولابن ماجه وتتوضأ لكل صلاة لأنها لما كانت معتادة ومضت أيام حيضها واغتسلت صارت طاهرة من الحيض فتتوضأ للصلاة كما تتوضأ غير المستحاضة. وقد تقدم بيان المذاهب في أنها تتوضأ لكل صلاة أو لوقت كل صلاة (قوله زاد عثمان الخ) أى زاد عثمان بن أبى شيبة في روايته وتصوم وتصلى فزاد الصوم (قال) في المرقاة وفي تقديم الصوم على الصلاة إيماء إلى أنه أهمّ في هذا الباب ولذا تقضى فيه أيام الحيض دون الصلاة اهـ لكن الأقرب أن الواو لمطلق الجمع كما هو الأصل فيها (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن المستحاضة تترك الصلاة أيام حيضها ثم تغتسل وتصوم وتصلى وتتوضأ عند كل صلاة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الطحاوى والبيهقي وابن ماجه والترمذى وقال هذا حديث قد تفرّد به شريك عن أبى اليقظان وسألت محمدا يعنى البخارى عن هذا الحديث فقلت عدى بن ثابت عن أبيه عن جده جدّ عدى ما اسمه فلم يعرف محمد اسمه وذكرت لمحمد قول يحيى

ابن معين إن اسمه دينار فلم يعبأ به اهـ (وقال) المنذرى وقد قيل إنه جده أبو أمه عند الله بن يزيد الخطمى قال الدارقطنى ولا يصح من هذا كله شئ (وقال) أبو نعيم وقال غير يحيى اسمه قيس الخطمى وقيل لا يعلم جده وكلام الأئمة يدلّ على ذلك، وشريك هو ابن عبد الله النخعى قاضى الكوفة تكلم فيه غير واحد، وأبو اليقظان هذا هو عثمان بن عمير الكوفي ولا يحتج بحديثه اهـ وقد ردّ ذلك العينى فقال ذكر ابن حبان في الثقات أن ثابتا هو ابن عبيد بن عازب ابن أخى البراء بن عازب وقد دكرناه وقد تقدم أن ابن معين قال شريك صدوق ثقة وقال أحمد بن عبد الله العجلي كوفي ثقة وأما أبو اليقظان فقد أخرج له أبو داود والترمذى وابن ماجه اهـ فالحديث صالح للاحتجاج به (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ خَبَرَهَا وَقَالَ «ثُمَّ اغْتَسِلِي، ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ وَصَلِّي» (ش) (قوله وكيع) هو ابن الجرّاح. و (الأعمش) هو سليمان بن مهران و (عروة) هو عروة المزني وقيل عروة بن الزبير كما صرّح به ابن ماجه لكن ذكر ابن عساكر هذا الحديث في ترجمة عروة المزنى عن عائشة ولم يذكره في ترجمة عروة بن الزبير عنها وقال ابن المديني حبيب بن أبى ثابت لم يرو عن عروة بن الزبير (قوله فذكر خبرها) أى ذكر عروة حديث فاطمة بنت أبي حبيش ولفظه كما في البيهقى وابن ماجه فقالت يا رسول الله إنى امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة قال لا إنما ذلك عرق وليس بالحيضة اجتني الصلاة أيام حيضك ثم اغتسلى وتوضئى الكل صلاة وإن قطر الدم على الحصير (قوله ثم توضئى لكل صلاة) أى لوقت كل صلاة فاللام للتوقيت كما في قوله تعالى "أقم الصلاة لدلوك الشمس" وبه أخذ أبو حنيفة وأحمد أن المستحاضة ومن في معناها يتوضأن لوقت كل صلاة فيصلين في ذلك الوقت ما شئن من الفرائض والنوافل فإذا خرج الوقت بطل وضوؤهن (وقال) الشافعى يتوضأن لكل فرض على حدته ولهنّ أن يصلين النوافل كلها تبعا (وقال) مالك لا يجب عليهن الوضوء وإنما هو مستحب لكل صلاة كما تقدم (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن المستحاضة تغتسل إن انقضت أيام عادتها ثم تتوضأ لكل صلاة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي وابن ماجه بلفظ تقدم وكذا الدارقطني وقد رواه أيضا من طريق على بن هاشم وقرّة بن عيسى ومحمد بن ربيعة وسعيد بن محمد الورّاق وابن نمير

كلهم عن الأعمش (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَطَّانُ، ثَنَا يَزِيدُ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي مِسْكِينٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ، عَنْ عَائِشَةَ «فِي الْمُسْتَحَاضَةِ تَغْتَسِلُ تَعْنِي مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ تَوَضَّأُ إِلَى أَيَّامِ أَقْرَائِهَا» (ش) (رجال الأثر) (قوله أحمد بن سنان) بنونين وكسر السين المهملة ابن أسد ابن حبان بكسر الحاء المهملة أبو جعفر. روى عن يحيى القطان ووكيع وأبى معاوية والشافعى وغيرهم. وعنه ابن المثنى وأبو حاتم والبخارى ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه وكثيرون. قال أبو حاتم ثقة صدوق إمام أهل زمانه ووثقه النسائى وابن حبان وقال الدارقطنى كان من الأثبات الثقات. مات سنة ست أو ثمان وخمسين ومائتين. و (يزيد) هو ابن هارون الواسطى (قوله أيوب بن أبي مسكين) بكسر الميم القصاب أبو العلاء الواسطي التميمى. روى عن قتادة وسعيد المقبرى وأبى سفيان وعبد الله بن شبرمة. وعنه هشيم وإسحاق بن يوسف ويزيد بن هارون وآخرون. قال أحمد بن صالح رجل صالح ثقة ووثقه النسائى وابن عدى وابن سعد وأحمد وقال كان مفتي أهل واسط وقال أبو حاتم لا بأس به شيخ صالح يكتب حديثه ولا يحتج به وقال إسحاق الأزرق ما كان الثورى بأورع منه وما كان أبو حنيفة بأفقه منه وقال ابن حبان في الثقات كان يخطئُ وقال أبو داود يتفقه ولم يكن يجيد الحفظ للإسناد وقال الحاكم في حديثه بعض اضطراب. مات سنة أربعين ومائة. روى له أبو داود والترمذى (قوله الحجاج) هو ابن أرطاة بن ثور الكوفي أبو أرطاة النخعى. روى عن الشعبي وعطاء والزهرى وقتادة وعمرو بن شعيب وكثيرين. وعنه هشيم والحمادان وأبو معاوية والثورى وشعبة وابن المبارك وآخرون. قال الثورى عليكم به فإنه ما بقى أحد أعرف بما يخرج من رأسه منه وقال العجلى كان فقيها أحد مفتي الكوفة وكان فيه تيه وكان جائز الحديث إلا أنه صاحب إرسال وكان يرسل عن يحيى بن أبى كثير ومكحول ولم يسمع منهما وإنما يعيب الناس منه التدليس وقال ابن معين صدوق ليس بالقوى يدلس عن عمرو بن شعيب رقال أبو زرعة وأبو حاتم صدوق يدلس زاد أبو حاتم يكتب حديثه وإذا قال حدثنا فهو صالح لا يرتاب في صدقه وحفظه وقال الحاكم والنسائى ليس بالقوى وقال يعقوب بن شيبة واهي الحديث في حديثه اضطراب كثير صدوق وكان أحد الفقهاء وقال أحمد كان من الحفاظ قيل فلم ليس هو عند الناس بذاك قال لأن في حديثه زيادة على حديث الناس (وعلى الجملة) فقد كثر الكلام فيه. مات سنة خمس وأربعين ومائة. روى له مسلم مقرونا بعبد الملك وأبو داود والترمذى والنسائى (قوله عن أم كلثوم) بضم

الكاف هى بنت محمد بن أبى بكر الصديق الليثية المكية. روت عن عائشة. وعنها عبد الله بن عبيد الله ابن عمر. روى لها أبو داود والترمذى (قوله تعني) بالمثناة الفوقية أى عائشة والآتى بالعناية أم كلثوم. وفي بعض النسخ يعني بالمثناة التحتية وتكون من بعض الرواة. وفي بعضها إسقاط العناية (قوله ثم توضأ الخ) أى تتوضأ لكل صلاة إلى مجئ أيام حيضها المعتاد. وهذا الحديث موقوف على عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا. وأخرجه البيهقى مرفوعا من طريق العباس بن محمد قال ثنا يزيد بن هارون قال ثنا أبو العلاء يعنى أيوب بن أبى مسكين عن الحجاج بن أرطاة عن أم كلثوم عن عائشة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال في المستخاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل مرّة ثم تتوضأ إلى مثل أيام أقرائها فإن رأت صفرة انتضحت وتوضأت وصلت (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْوَاسِطِيُّ، ثَنَا يَزِيدُ، عَنْ أَيُّوبَ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، عَنِ امْرَأَةِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مِثْلَهُ. (ش) (رجال الحديث) (قوله ابن شبرمة) هو عبد الله بن شبرمة بضم الشين المعجمة وسكون الموحدة وضم الراء ابن حسان بن المنذر أبو شبرمة الكوفي الضبى فقيه أهل الكوفة وقاضيهم عداده في التابعين. روى عن أنس وأبى الطفيل وإبراهيم النخعى والشعبي وابن سيرين وأبى زرعة وغيرهم وعنه ابن المبارك والثورى وابن عيينة وشعبة وكثيرون. وثقه أحمد والنسائى وأبو حاتم وقال ابن سعد كان فقيها ثقة قليل الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان من فقهاء أهل العراق وقال الطبرى كان شاعرا فقيها ورعا. ولد سنة اثنتين وتسعين. ومات سنة أربع وأربعين ومائة روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه. و (امرأة مسروق) هي قمير بنت عمرو (قوله مثله) أى مثل الحديث المتقدم لكن ذاك موقوف وهذا مرفوع وأخرجه البيهقى وكذا الدارقطني من طريق عمار بن مطر بسنده إلى الشعبى عن امرأة مسروق عن عائشة أن فاطمة بنت، أبى حبيش أتت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت يا رسول الله إني امرأة أستحاض فقال لها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما ذلك عرق فانظرى أيام أقرائك فإذا جاوزت فاغتسلى واستنقى ثم توضئي لكل صلاة تفرّد به عمار بن مطر وهو ضعيف عن أبى يوسف (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَحَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ هذا وَالْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبٍ، وَأَيُّوبَ أَبِي الْعَلَاءِ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ لَا تَصِحُّ» وَدَلَّ عَلَى ضُعْفِ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبٍ هَذَا الْحَدِيثُ أَوْقَفَهُ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، وَأَنْكَر حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ حَبِيبٍ مَرْفُوعًا، وَأَوْقَفَهُ أَيْضًا

بيان حال أحاديث الباب

أَسْبَاطٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ مَوْقُوفٌ عَنْ عَائِشَةَ " قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ ابْنُ دَاوُدَ، عَنِ الْأَعْمَشِ مَرْفُوعًا أَوَّلُهُ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْوُضُوءُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَدَلَّ عَلَى ضُعْفِ حَدِيثِ حَبِيبٍ هَذَا أَنَّ رِوَايَةَ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ» فِي حَدِيثِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَرَوَى أَبُو الْيَقْظَانِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَعَمَّارٌ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ، وَبَيَانٌ، وَمُغِيرَةُ، وَفِرَاسٌ، وَمُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ حَدِيثِ قَمِيرَ، عَنْ عَائِشَةَ «تتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ» وَرِوَايَةَ دَاوُدَ، وَعَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ قَمِيرَ، عَنْ عَائِشَةَ «تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً» وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ» وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ إِلَّا حَدِيثَ قَمِيرَ، وَحَدِيثَ عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَحَدِيثَ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَالْمَعْرُوفُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْغُسْلُ " (ش) غرض المصنف بهذا بيان حال أحاديث الباب وهي أربعة (الأول) حديث عدى ابن ثابت الذى رواه عنه أبو اليقظان (الثانى) حديث الأعمش عن حبيب بن أبى ثابت الذى رواه عن الأعمش وكيع (الثالث والرابع) حديثا أيوب بن أبى مسكين اللذان رواهما عنه يزيد بن هارون قال المصنف كلها ضعيفة واستدلّ على ضعف الحديث الثاني بدليلين (الأول) أن أصحاب الأعمش اختلفوا في وقف الحديث ورفعه فرفعه وكيع وأوقفه حفص بن غياث النخعى وأنكر رفع الحديث وأوقفه أيضا أسباط عن الأعمش وأن عبد الله بن داود بن عامر رواه عن الأعمش مرفوعا أوله وأنكر أن يكون فيه الوضوء عند كل صلاة. أما رواية حفص فقد أخرجها الدارقطنى من طريق أحمد بن أبى خيثمة قال حدثنا عمر بن حفص ثنا أبي عن الأعمش عن حبيب عن عروة عن عائشة في المستحاضة تصلى وإن قطر الدم على حصيرها وقال ابن أبى خيثمة لم يرفعه حفص وتابعه أبو أسامة اهـ ورواية أسباط لم نقف على من وصلها و (أسباط) بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وموحدة وطاء مهملة هو ابن محمد بن عبد الرحمن ابن خالد بن ميسرة القرشى مولى السائب بن يزيد أبو محمد الكوفى. روى عن أبي إسحاق الشيبانى وابن عجلان والثورى والأعمش وزكرياء بن أبى زائدة وغيرهم. وعنه أحمد بن حنبل وابن نمير

وإسحاق بن راهويه وقتيبة وابن أبى شيبة وآخرون. قال ابن معين ثقة وقال أبو حاتم صالح وقال النسائى ليس به بأس وقال يعقوب بن شيبة ثقة صدوق وقال ابن سعد كان ثقة صدوقا إلا أن فيه بعض الضعف وذكره ابن حبان في الثقات. مات بالكوفة في المحرّم سنة مائتين ورواية ابن داود أخرجها الدارقطني من طريق الفضل بن سهل قال حدثنا عبد الله بن داود عن الأعمش عن حبيب بن أبى ثابت عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت جاءت فاطمة بنت أبى حبيش إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالت يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة فقال دعي الصلاة أيام أقرائك ثم اغتسلى وصلى وإن قطر الدم على الحصير. وعليه فيكون الحديث معلولا من جهتى الإسناد والمتن (وردّ) الأول بأن وكيعا لم ينفرد برفع الحديث عن الأعمش بل رفعه أيضا عن الأعمش علىّ بن هاشم وقرّة بن عيسى ومحمد بن ربيعة وسعيد بن محمد الورّاق وعبد الله بن نمير والجريرى كما في البيهقى والدارقطني فهؤلاء سبعة من كبار الأئمة اتفقوا على رفعه عن الأعمش فترجح رواياتهم لأنها زيادة ثقة ولأنهم أكثر عددا وتحمل رواية من أوقفه على عائشة على أنها سمعته من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فروته مرّة وأفتت به مرّة أخرى (وردّ) الثاني بأن إنكار ابن داود ذكر الوضوء عند كل صلاة في الحديث لا يستلزم أن لا يكون فيه لأن إنكاره منسوب إلى عدم علمه ومن ذكره فقد اعتمد على علمه به فيكون الإنكار من غير دليل فلا يعتبر. وأشار المصنف إلى الدليل الثاني على تضعيف الحديث بقوله ودلّ على ضعف حديث حبيب هذا أن رواية الزهرى الخ (وحاصله) أن حبيب بن أبي ثابت خالف الزهرى لأنه ذكر في روايته عن عروة عن عائشة الاغتسال لكل صلاة وذكر حبيب في رواته الوضوء لكل صلاة وكذا علل البيهقي في تضعيفه وقد ردّ الخطابى تضعيفه بهذا فقال رواية الزهرى لا تدلّ على ضعف حديث حبيب لأن الاغتسال لكل صلاة في حديث الزهرى مضاف إلى فعلها وقد يحتمل أن يكون اختيارا منها وأما الوضوء لكل صلاة في حديث حبيب فهو مروى عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومضاف إليه وإلى أمره إياها بذلك والواجب هو الذى شرعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأمر به دون ما فعلته اهـ ويؤيد حديث حبيب بن أبى ثابت ما أخرجه البخارى في باب غسل الدم من طريق أبى معاوية قال حدثنا هشام عن أبيه عروة عن عائشة قالت جاءت فاطمة بنت أبى حبيش "الحديث" وفيه وقال أبى ثم توضئى لكل صلاة حتى يجئ ذلك الوقت (قال) الحافظ في الفتح ادعى بعضهم أن قوله ثم توضئي من كلام عروة موقوفا عليه وفيه نظر لأنه لو كان من كلامه لقال ثم تتوضأ بصيغة الإخبار فلما أتى به بصيغة الأمر شاكله الأمر الذى في المرفوع وهو قوله فاغسلى اهـ ثم أشار المصنف إلى وجه تضعيف الحديث الأول بقوله وروى أبو اليقظان عن عدى

ابن ثابت الخ (وحاصله) أن في سنده اضطرابا فقد رواه شريك عن أبي اليقظان عن عدى عن أبيه عن جده مرفوعا كما تقدم ورواه بسنده إلى على موقوفا كما وصله البيهقي والطحاوى من طريق شريك وكذا رواه عمار مولى بنى هاشم عن ابن عباس موقوفا (وأجيب) بما تقدم غير مرّة من أن هذا لا يقتضى ضعف الحديث لأن الرفع زيادة ثقة وهي مقبولة، ثم أشار إلى وجه تضعيف الحديثين الثالث والرابع بقوله وروى عبد الملك بن ميسرة وبيان الخ وحاصله أن في سنديهما ومتنيهما اضطرابا فقد رواه أيوب أبو العلاء عن الحجاج عن أم كلثوم عن عائشة موقوفا في المستحاضة تغتسل ثم توضأ إلى أيام أقرائها ورواه عن ابن شبرمة عن امرأة مسروق عن عائشة مرفوعا كما تقدم ورواه عبد الملك بن ميسرة وبيان بن بشر والمغيرة بن مقسم وفراس ابن يحيى الهمداني ومجالد بن سعيد كلهم عن الشعبى عن قمير امرأة مسروق موقوفا على عائشة قالت في المستحاضة توضأ لكل صلاة ورواه داود بن أبي هند وعاصم بن سليمان الأحول عن الشعبي عن قمير موقوفا على عائشة قالت في المستحاضة تغتسل كل يوم مرّة. ومنه ترى أنه اختلف على الشعبى فروى أكثر أصحابه عنه عن قمير عن عائشة توضأ لكل صلاة وروى داود وعاصم عن قمير عن عائشة تغتسل كل يوم مرّة هذا و (عبد الملك بن ميسرة) هو أبو زيد الهلالى العامرى الكوفي. روى عن عبد الله بن عمر وطاوس وسعيد بن جبير وعطاء ومجاهد وجماعة. وعنه الأعمش ومسعر وشعبة ومنصور بن المعتمر وسليمان بن بلال وغيرهم. قال ابن معين وابن خراش والنسائى والعجلى وابن نمير ثقة وقال أبو حاتم ثقة صدوق. روى له الجماعة. وروايته وصلها الطحاوى والبيهقى من طريق شعبة قال ثنا عبد الملك بن ميسرة ومجالد بن سعيد وبيان قالوا سمعنا عامرا الشعبي يحدّث عن قمير امرأة مسروق عن عائشة أنها قالت في المستحاضة تدع الصلاة أيام حيضها ثم تغتسل غسلا واحدا وتتوضأ عند كل صلاة. و (بيان) هو ان بشر الأحمسي البجلى أبو بشر الكوفي المعلم. روى عن أنس بن مالك وقيس بن أبى حازم وإبراهيم التيمى والشعبى وغيرهم. وعنه السفيانان وزائدة وشريك وشعبة وأبو عوانة وآخرون. وثقه أحمد ويعقوب ابن سفيان وأبو حاتم وابن معين والنسائى. روى له الجماعة. وروايته أخرجها البيهقى من طريق عمرو بن مرزوق ثنا شعبة عن بيان قال سمعت الشعبي يحدّث عن قمير عن عائشة أنها قالت في المستحاضة تدع الصلاة. أيام حيضها وتغتسل وتستدثر وتوضأ عند كل صلاة. و (مغيرة) هو ابن مقسم بكسر الميم أبو هشام الضبي مولاهم الكوفي. روى عن مجاهد وسماك بن حرب وأبي وائل والشعبي والنخعى. وعنه الثورى وشعبة وأبو عوانة وسليمان التيمى وآخرون، قال ابن معين ثقة مأمون ووثقه العجلى وعبد الملك بن أبى سليمان وقال ابن فضيل كان يدلس وقال ابن عياش ما رأيت أحدا أفقه من المغيرة وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان مدلسا وقال ابن سعد كان

ثقة كثير الحديث. مات سنة ثلاث أو أربع وثلاثين ومائة. روى له الجماعة. وروايته أخرجها البيهقى. و (فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء هو ابن يحيى الهمداني أبو يحيى الكوفى. روى عن عن الشعبي وأبى صالح السمان وعطية بن سعد وفديك بن عمارة. وعنه الثورى ومنصور بن المعتمر وشعبة وأبو عوانة وسعيد وشريك النخعى. وثقه أحمد والنسائى وابن معين وقال أبو حاتم شيخ ما بحديثه بأس وذكره ابن حبان في الثقات وقال العجلي ثقة من أصحاب الشعبي في عداد الشيوخ ليس بكثير الحديث وقال يعقوب بن شيبة ثقة في حديثه لين. مات سنة تسع وعشرين ومائة روى له الجماعة. ورواية فراس بالسند المذكور ذكرها الدارمى بلفظ قالت عائشة المستحاضة تجلس أيام أقرائها ثم تغتسل غسلا واحدا وتتوضأ لكل صلاة. وأخرجها البيهقى أيضا من طريق شعبة عن فراس. و (مجالد) بضم الميم وتخفيف الجيم هو ابن سعيد بن عمير أبو عمرو ويقال أبو سعيد الكوفى روى عن قيس بن أبى حازم والشعبي وزياد بن علاقة ومحمد بن بشر الهمداني وغيرهم. وعنه الثورى وابن عيينة ويحيى القطان وابن المبارك والسفيانان وكثيرون. قال ابن معين ضعيف الحديث لا يحتج بحديثه وقال أحمد ليس بشئ يرفع حديثا كثيرا لا يرفعه الناس وقال أحمد ابن سنان ليس بشئ تغير حفظه في آخر عمره وقال النسائى ليس بالقوى وقال ابن عدىّ عامة ما يرويه عن غير جابر غير محفوظ وقال يعقوب بن سفيان تكلم الناس فيه وهو صدوق وقال ابن سعد كان ضعيفا في الحديث وقال البخارى صدوق وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به مات سنة ثلاث أو أربع وأربعين ومائة. روى له الجماعة إلا البخارى. وروايته أخرجها الطحاوى والبيهقى من طريق شعبة. ثم أشار المصنف بقوله وروى هشام بن عروة عن أبيه المستحاضة تتوضأ لكل صلاة إلى أن قوله تتوضأ لكل صلاة موقوف على عروة وليس مرفوعا. لكن تقدّم أن البخارى أخرج الحديث من طريق أبى معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وفى آخره وقال أبى ثم توضئى لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت وأن الحافظ قال في الفتح ادعى البعض أن قوله توضئي من كلام عروة موقوفا عليه وفيه نظر لأنه لو كان من كلامه لقال ثم تتوضأ بصيغة الإخبار اهـ فعلم من هذا أن ما رواه أبو داود بصيغة الإخبار مخالف لما رواه البخارى وغير صحيح. ثم قوله في آخر الحديث حتى يجئ ذلك الوقت يمنع أن يكون من كلام عروة بل هو أمر من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالوضوء لكل صلاة فإن بيان الغاية لا ينبغى أن يكون إلا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله والمعروف عن ابن عباس الغسل) أى رواية الغسل لكل صلاة هى المعروفة عن ابن عباس دون رواية الوضوء. ولفظه كما في الدارمى حدثنا شعبة عن عمار مولى بني هاشم عن ابن عباس في المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل ثم تحتشى ولتستثفر ثم تصلى فقال الرجل وإن كانت

باب من قال المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر

تسيل قال وإن كانت تسيل مثل هذا المثعب. وعلى هذا فحديث عمار عن ابن عباس في الوضوء المستثنى ضعيف (والحاصل) أن المؤلف رحمه الله تعالى ذكر في هذا الباب تسع روايات ثلاث منها مرفوعة حديث أبى اليقطان عن عدىّ بن ثابت عن أبيه عن جدّه. وحديث الأعمش عن حبيب بن أبى ثابت. وحديث ابن شبرمة عن قمير امرأة مسروق. وست منها موقوفة. أثر أم كلثوم عن عائشة. وأثر عدى بن ثابت عن أبيه عن علىّ. وأثر عمار عن ابن عباس. وأثر عبد الملك بن ميسرة وبيان ومغيرة وفراس ومجالد عن الشعبي. وأثر داود وعاصم عن الشعبى. وأثر هشام بن عوة عن أبيه (وقال) المؤلف إن هذه الروايات كلها ضعيفة إلا ثلاثة من الآثار المذكورة حديث قمير وحديث عمار مولى بني هاشم وحديث هشام بن عروة عن أبيه لكنه استثنى من هذه الثلاثة حديث عمار بقوله والمعروف عن ابن عباس الغسل أى لكل صلاة كما في رواية الدارمى فتكون كل الروايات المذكورة في هذا الباب ضعيفة إلا أثرين أثر قمير وأثر هشام بن عروة. لكن قد تقدم ردّ تضعيف حديث الأعمش عن حبيب بن أبى ثابت (باب من قال المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر) بالظاء المعجمة أى في بيان قول من قال إن المستحاضة تغتسل من وقت الظهر فيجزئها إلى وقت الظهر من اليوم الثاني (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ الْقَعْقَاعَ، وَزَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ أَرْسَلَاهُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَسْأَلُهُ كَيْفَ تَغْتَسِلُ الْمُسْتَحَاضَةُ فَقَالَ: «تَغْتَسِلُ مِنْ ظُهْرٍ إِلَى ظُهْرٍ، وتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَإِنْ غَلَبَهَا الدَّمُ اسْتَثْفَرَتْ بِثَوْبٍ» (ش) (قوله سمىّ مولى أبي بكر) بن عبد الرحمن. و (القعقاع) هو ابن حكيم (قوله تغتسل من ظهر إلى ظهر) بالظاء المعجمة فيهما وهو المروى. وأما الإهمال فليس رواية مجزوما بها ويؤيده ما أخرجه الدارمى بلفظ إن القعقاع بن حكيم وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب يسأله كيف تغتسل المستحاضة فقال سعيد تغتسل من الظهر إلى مثلها من الغد لصلاة الظهر (قوله استثفرت بثوب) أى شدّت وعصبت فرجها بثوب كما تقدم بيانه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارمى (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «تَغْتَسِلُ مِنْ ظُهْرٍ إِلَى ظُهْرٍ» وَكَذَلِكَ رَوَى دَاوُدُ، وَعَاصِمٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ امْرَأَتِهِ، عَنْ قَمِيرَ، عَنْ عَائِشَةَ، " إِلَّا أَنَّ دَاوُدَ قَالَ:

«كُلَّ يَوْمٍ»، وَفِي حَدِيثِ عَاصِمٍ «عِنْدَ الظُّهْرِ»، وَهُوَ قَوْلُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ (ش) غرض المصنف هذا تقوية قول سعيد بن المسيب إن المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر بالظاء المعجمة بما روى عن ابن عمر وأنس بن مالك وبما رواه داود بن أبى هند وعاصم بن سليمان الأحول عن عامر الشعبى عن امرأة مسروق عن عائشة غير أن داود قال في روايته تغتسل المستحاضة كل يوم مرّة وعاصم قال تغتسل عند الظهر فالروايتان وإن اختلفا في اللفظ فهما متحدان معنى لأن الغسل كل يوم مرّة قدر مشترك بينهما. وبما ذكر قال سالم ابن عبد الله والحسن البصرى وعطاء بن أبى مسلم الخراسانى من التابعين. وقد وصل الدارمى قول ابن عمر من طريق نافع عن ابن عمر أنه كان يقول المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر وأخرج بسنده عن حميد عن الحسن قال المستحاضة تدع الصلاة أيام حيضها من الشهر ثم تغتسل من الظهر إلى الظهر (قوله عن الشعبي عن امرأته عن قمير) كذا في بعض النسخ وفي بعضها عن امرأة ولعل لفظ امرأة زيد هنا غلطا من النساخ فقد ذكر المصنف هذه الرواية قريبا بلفظ ورواية داود وعاصم عن الشعبى عن قمير تغتسل كل يوم مرة ولم يذكر فيها عن امرأته ثم أعاد هنا الرواية السابقة وبين الفرق بين لفظيهما فلا يمكن أن تكون المخالفة في السند. ويحتمل أن الشعبي ذكر مرّة عن قمير باسمها ومرّة عن امرأة مسروق فجمع الراوى بينهما وترك لفظ مسروق وغلط في ذكر الضمير ولا يوجد للشعبي رواية عن امرأته عن قمير ويؤيده ما أخرجه الدارمى عن داود عن الشعبي عن قمير امرأة مسروق أن عائشة قالت في المستحاضة تغتسل كل يوم مرّة ولم يذكر بين الشعبى وبين قمير أحدا (ص) " قَالَ أَبُو دَاوُدَ: " قَالَ مَالِكٌ: إِنِّي لَأَظُنُّ حَدِيثَ ابْنِ الْمُسَيَّب، «مِنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ» فَقَلَبَها النَّاسُ «مِنْ ظُهْرٍ إِلَى ظُهْرٍ» وَلَكِنَّ الْوَهْمَ دَخَلَ فِيهِ "وَرَوَاهُ المِسْوَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ، قَالَ فِيهِ: «مِنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ» فَقَلَبَهَا النَّاسُ: مِنْ ظُهْرٍ إِلَى ظُهْرٍ" (ش) غرض المصنف بهذا بيان ما قيل في المروى عن سعيد بن المسيب فبين أن مالكا قال إنى لأظنه من طهر إلى طهر بالطاء المهملة فغلط الناس وقلبوه من ظهر إلى ظهر بالظاء المعجمة ثم قوى ذلك برواية المسور بن عبد الملك (قال) الخطابى ما أحسن ما قال مالك وما أشبهه بما ظنه من ذلك لأنه لا معنى للاغتسال من وقت صلاة الظهر إلى وقتها من الغد ولا أعلمه قولا لأحد من الفقهاء وإنما هو من طهر إلى طهر وهو وقت انقطاع الحيض اهـ ونازعه أبو بكر بن العربى

باب من قال تغتسل كل يوم مرة ولم يقل عند الظهر

فقال والذى استبعده غير صحيح لأنه إذا سقط لأجل المشقة عنها الاغتسال لكل صلاة فلا أقل من الاغتسال مرّة في كل يوم عند الظهر في وقت دفء النهار وذلك للتنظيف اهـ وردّ ابن العراقي قول الخطابي لا أعلمه قولا لأحد بقوله فيه نظر لأن أبا داود نقله عن جماعة من الصحابة والتابعين اهـ أقول ما ظنه الإمام مالك رحمه الله تعالى لم نقف على مستنده ولا يبعد أن تكون الرواية بالطاء المهملة والظاء المعجمة وقد أخرج الدارمى قول سعيد بن المسيب بطرق تؤيد أنه بالظاء المعجمة فقد أخرج بسنده عن سمىّ قال سألت سعيد بن المسيب عن المستحاضة فقال تغتسل من الظهر إلى الظهر بالمعجمة وعن الأوزاعي قال حدثنا يحيى بن سعيد عن سعيد ابن المسيب قال تغتسل من ظهر إلى ظهر بالظاء المعجمة. وفي رواية عن سمىّ قال قال سعيد تغتسل من الظهر إلى مثلها من العد لصلاة الظهر. وأخرج بسنده عن عبد الكريم عن سعيد بن المسيب قال المستحاضة تغتسل كل يوم عند الصلاة الأولى (وقال) الأشترى ليس كما قال المسور ولا قلبها الناس لأن الرواية الصحيحة التي لم يرو غيرها عن ابن المسيب إنما هي من ظهر إلى ظهر بظاء معجمة ولم يقلبه أحد اهـ (فتحصل) أن رواية من ظهر إلى ظهر بالظائين المعجمتين صحيحة لا وهم فيها ولا قلب وهى مروية عن الأكابر غير أن الخطابى قصرها على حالة خاصة فقال وقد يجئ ما روى من الاغتسال من ظهر إلى ظهر بالمعجمة فيهما في بعض الأحوال لبعض النساء وهو أن تكون المرأة قد نسيت الأيام التي كانت عادتها ونسيت الوقت أيضا إلا أنها تعلم أنها كلما انقطع دمها في أيام العادة كان وقت الظهر فهذه يلزمها أن تغتسل عند كل ظهر وتتوصأ لكل صلاة ما بينها وبين الظهر من اليوم الثاني فقد يحتمل أن يكون سعيد بن المسيب إنما سئل عن امرأة هذه حالها فنقل الراوى الجواب ولم ينقل السؤال على التفصيل اهـ لكن قد علمت أن الظاهر إبقاء الأثر على عمومه (باب من قال تغتسل كل يوم مرّة ولم يقل عند الظهر) أى في بيان قول من قال تغتسل المستحاضة كل يوم مرّة ولم يقيده بالظهر (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ مَعْقِلٍ الْخَثْعَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: «الْمُسْتَحَاضَةُ إِذَا انْقَضَى حَيْضُهَا اغْتَسَلَتْ كُلَّ يَوْمٍ، وَاتَّخَذَتْ صُوفَةً فِيهَا سَمْنٌ أَوْ زَيْتٌ» (ش) (رجال الأثر) (قوله محمد بن أبي إسماعيل) راشد السلمى أبو راشد الكوفي

باب من قال تغتسل بين الأيام

روى عن أنس وعبد الرحمن بن هلال وسعيد بن جبير وعطاء ومعقل الخثعمى وجماعة. وعنه الثورى ويحيى القطان وعبد الله بن نمير وعبد الرحيم بن سلمان وآخرون. وثقه ابن معين والنسائى وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة اثنتين وأربعين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى (قوله اغتسلت كل يوم) أى في أى وقت شاءت وإنما أمر على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بذلك لأجل الاحتياط (قوله واتخذت صوفة الخ) أى اتخذت المستحاضة صوفة مدهونة بالسمن أو الزيت ووضعتها في فرجها لأنها تقطع جريان الدم وتلين صلابة العروق التى هى سبب لسيلان الدم والمعنى أن المستحاضة تستعمل الصوفة الذكورة للتداوى كما أنها تستعمل الكرسف لذلك كما تقدم (باب من قال تغتسل بين الأيام) أى في بيان قول من قال المستحاضة تغتسل أثناء أيام طهرها مرّة بعد الغسل عند انتهاء أيام الحيض (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، أَنَّهُ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْمُسْتَحَاضَةِ فَقَالَ: «تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ فَتُصَلِّي، ثُمَّ تَغْتَسِلُ فِي الْأَيَّامِ» (ش) (رجال الأثر) (قوله محمد بن عثمان) بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومى المدني روى عن القاسم بن محمد وسعيد بن المسيب وعاصم بن عبيد الله وسالم بن عبد الله وغيرهم. وعنه حاتم ابن إسماعيل وفضيل بن سليمان وصفوان بن عيسى وآخرون. وثقه أحمد وقال أبو حاتم شيخ مدني محله الصدق وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود (قوله ثم تغتسل) أى غسلا واحدا بعد انقضاء أيام عادتها التى كانت تحيضها قبل الاستحاضة (قولة ثم تغتسل في الأيام) أى تغتسل ثانيا في الأيام المحسوبة لها طهرا فتغتسل في كل شهر مرّتين مرّة عند انقضاء مدّة الحيض ومرّة في أيام الطهر وهذا قول تفرّد به القاسم بن محمد. والجمهور على أن الأول واجب وما عداه مندوب لتقليل الدم وتنظيف البدن (باب من قال توضأ لكل صلاة) أى تتوضأ لكل صلاة بعد أن تغتسل مرّة واحدة عند انقضاء أيام حيضها (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدٍ يَعْنِي بْنَ عَمْرٍو، حَدَّثَنِي

باب من لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث

ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ، أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ، فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى، وَحَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ حِفْظًا، فَقَالَ: عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ (ش) هذا الحديث تقدم شرحه في باب من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة. ومناسبته للترجمة في قوله فإذا كان الآخر فتوضئى أى بعد الغسل لكل صلاة مفروضة (قوله قال ابن المثني وحدثنا به ابن أبى عدى حفظا) أى من حفطه لا من كتابه وقد تقدم أن ابن أبى عدى قد حدّث بهذا الحديث ابن المثني من كتابه مرّة وردا إلى فاطمة بنت أبى حبيش وحدّثه به من حفظه مسندا إلى عائشة وأن الأول أقوى وأن ما قيل إن فيه انقطاعا لإسقاط عائشة بين عروة وفاطمة مردود (قوله فقال عن عروة الخ) أى قال ابن أبى عدى حدثنا محمد بن عمرو عن الزهرى عن عروة عن عائشة. وهذا بيان لما حدّث به ابن أبى عدى من حفظه وقد تقدم لفظه عند النسائى (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرُوِيَ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَشُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: الْعَلَاءُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، وَأَوْقَفَهُ شُعْبَةُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ «تَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ» (ش) هذا تعليق لم نقف على من وصله (وحاصله) أن هذا الحديث روى عن كل من العلاء ابن المسيب وشعبة عن الحكم بن عتيبة عن أبى جعفر محمد بن علىّ الباقر غير أن قوله توضأ لكل صلاة مرفوع في رواية العلاء وموقوف على أبى جعفر في رواية شعبة (باب من لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث) أى في بيان قول من قال إن الوضوء لا يجب على المستحاضة إلا عند حدث آخر غير جريان الدم (ص) حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، ثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةِ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحِيضَتْ «فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنْ تَنْتَظِرَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا،

ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، فَإِنْ رَأَتْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، تَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ» (ش) (قوله هشيم) بن بشير. و (أبو بشر) هو جعفر بن إياس (قوله فإن رأت شيئا من ذلك) لعل المراد به حدث غير الدم لأنه لا يجب الوضوء من الدم الخارج منها ولو أريد به الدم لم يكن للجملة الشرطية معنى لأنها مستحاضة فلم تزل ترى الدم ما لم تنقطع استحاضتها وبهذا التقرير يطابق الحديث الترجمة. ويحتمل أن المراد بقوله شيئا من ذلك أى من الدم بل هو الظاهر من لفظ الحديث فمتى رأت الدم توضأت لكل صلاة وإذا انقطع عنها الدم وقتا كاملا تصلى بالوضوء الواحد ما شاءت ما لم يحدث لها حدث سواء أكان الحدث دمها الخارج أم غيره. وعلى هذا الاحتمال درج العيني في شرحه حيث قال فإن رأت بعد ذلك شيئا توضأت وصلت ولا ينتقض وضوؤها إلا بخروج الوقت عند أبي حنيفة ومحمد. وعند أبى يوسف ينتقض بالدخول أيضا. وقال زفر ينتقض بالدخول والخروج وهذا مذهب أحمد في أصح الروايتين عنه وقد عرف في الفروع وهذا الحديث مرسل اهـ وعلى هذا الاحتمال يكون الحديث غير مطابق للترجمة (من أخرح الحديث أيضا) أخرجه البيهقى قال الخطابي هذا الحديث منقطع عكرمة لم يسمع من أم حبيبة اهـ (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وهو قَوْلُ مَالِكٍ وَرَبِيعَة (ش) أى ما أخذ من الحديث السابق من أن المستحاضة لا يلزمها الوضوء لكل صلاة إلا إذا رأت حدثا غير الدم قول مالك بن أنس وربيعة بن أبى عبد الرحمن (قال) ابن عبد البر ليس في حديث مالك في الموطأ ذكر الوضوء لكل صلاة على المستحاضة وذكر في حديث غيره فلذا كان مالك يستحبه لها ولا يوجبه كما لا يوجبه على صاحب السلس اهـ من الزرقاني. وقال الخطابى الحديث لا يشهد لما ذهب إليه ربيعة وذلك أن قوله فإن رأت شيئا من ذلك توضأت وصلت يوجب عليها الوضوء ما لم تتيقن زوال تلك العلة وانقطاعها عنها وذلك لأنها لا تزال ترى شيئا من ذلك أبدا إلا أن تنقطع عنها العلة اهـ (أقول) أما إن الحديث السابق لا يشهد لما ذهب إليه ربيعة فمبنىّ على ظاهره من أن المراد بالشئ دم الاستحاضة لكن علمت أن المراد بالشئ ما ينقض الوضوء غير دم الاستحاضة حتى يطابق الحديث الترجمة وعليه فالحديث يشهد لما ذهب إليه ربيعة. وأما إن قوله توضأت وصلت يوجب عليها الوضوء ما لم تتيقن زوال تلك العلة فقد ردّه العينى بقوله كلام الخطابى ليس عن تروّ لأن معنى قوله توضأت وصلت أنه يجب عليها الوضوء بعد انقطاع أيام عادتها عند كل وقت سواء أتيقنت زوال تلك العلة أم لا اهـ وقوله قال أبو داود الخ ساقط من بعض النسخ

باب في المرأة ترى الصفرة والكدرة بعد الطهر

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَنَا اللَّيْثُ، عَنْ رَبِيعَةَ، «أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ وُضُوءًا عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ إِلَّا أَنْ يُصِيبَهَا حَدَثٌ غَيْرُ الدَّمِ، فَتَوَضَّأُ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ يَعْنِي ابْنَ أَنَسٍ (ش) (رجال الأثر) (قوله عبد الملك بن شعيب) بن سعد الفهمى المصرى أبو عبد الله. روى عن أبيه وأسد بن موسى وابن وهب. وعنه مسلم وأبو داود والبيهقى وأبو حاتم وقال صدوق والنسائى ووثقه. مات سنة ثمان وأربعين ومائتين (قوله كان لا يرى على المستحاضة وضوءا الخ) قال الخطابي قول ربيعة شاذ وليس العمل عليه اهـ وما قاله غير مسلم فقد وافقه مالك وكذا أبو حنيفة لأنه لا يرى عليها الوضوء لكل صلاة بل يراه عليها لوقت كل صلاة (قوله حدث غير الدم) كريح وبول وغائط (باب في المرأة ترى الصفرة والكدرة بعد الطهر) أي في بيان ما تراه المرأة من الكدرة والصفرة بعد مضى أيام عادتها هل يعدّ ذلك من الحيض (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا حَمَّادٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أُمِّ الْهُذَيْلِ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ وَكَانَتْ بَايَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَتْ: «كُنَّا لَا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ، وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا» (ش) (رجال الحديث) (قوله حماد) هو ابن زيد. و (قتادة) هو ابن دعامة (قوله عن أم الهذيل) هي حفصة بنت سيرين الأنصارية البصرية. روت عن أخيها يحيى وأنس بن مالك والربيع ابن زياد وأم عطية وأبى العالية وجماعة. وعنها أخوها محمد وعاصم الأحول وقتادة وخالد الحذاء وابن عون وغيرهم. قال ابن معين ثقة حجة وقال أحمد بن عبد الله ثقة وقال إياس بن معاوية ما أدركت أحدا أفضله على حفصة وذكرها ابن حبان في الثقات. ماتت سنة إحدى ومائة. روى لها الجماعة (قوله عن أم عطية) اسمها نسيبة بفتح النون أو ضمها بنت كعب الأنصارية. روى لها عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربعون حديثا اتفق الشيخان على ستة وللبخارى حديث ولمسلم آخر. وعنها أنس بن مالك ومحمد وحفصة ابنا سيرين وعبد الملك بن عمير وأم شراحيل وكانت تغزو مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تمرّض المرضى وتداوى الجرحى نزلت البصرة وسكنتها وكان جماعة من الصحابة وعلماء التابعين بالبصرة يأخذون عنها غسل الميت روى لها الجماعة

أقوال العلماء في ذلك

(معنى الحديث) (قوله كنا لا نعدّ الكدرة الخ) أى كنا لا نعدّ ما ذكر في زمن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد أيام الحيض حيضا مع علمه بذلك. وبهذا يعطى الحديث حكم الرفع ولو لم تصرّح بذكر زمن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. والكدرة بضم الكاف وسكون الدال المهملة في الأصل لون بين الصفرة والشقرة ويسمى اللون الترابى والمراد بها هنا دم يكون بلون الماء الوسخ. والصفرة المراد بها الماء الذي تراه المرأة كالصديد يعلوه اصفرار (قوله بعد الطهر) أى بعد مضى أيام الحيض وإن لم تغتسل. وما في رواية الدارمى من قوله. بعد الغسل فمحمول على الغالب لأن المرأة تبادر إلى الغسل بعد انقطاع دمها (والحديث يدلّ) بمنطوقه على أن الصفرة والكدرة بعد الطهر ليستا من الحيض وبمفهومه على أنهما قبله من الحيض (وقد نسب) القول بذلك في البحر إلى زيد بن علىّ والهادى والمؤيد بالله وأبى طالب وهو مذهب مالك (ولا تنافي) بين هذا الحديث وبين ما علقه البخارى بلفظ كنّ النساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة فتقول لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء (لحمل هذا) على ما إذا رأت الصفرة أو الكدرة في أيام الحيض وحمل حديث أم عطية على ما إذا رأتهما في غيرها (وما روى) عن عائشة كنا نعدّ الصفرة والكدرة حيضا (فقال) النووى في شرح المهذب لا نعلم من رواه بهذا اللفظ (قال) الخطابى اختلف الناس في الصفرة والكدرة بعد الطهر والنقاء فروى عن علىّ أنه قال ليس ذلك بحيض ولا تترك لها الصلاة ولتتوضأ ولتصلى وهو قول سفيان الثورى والأوزاعي (وقال) سعيد بن المسيب إذا رأت ذلك اغتسلت وصلت وبه قال أحمد بن حنبل (وعن) أبي حنيفة إذا رأت بعد الحيض وبعد انقطاع الدم الصفرة والكدرة يوما أو يومين ما لم تجاوز العشرة فهو من حيضها ولا تطهر حتى ترى البياض خالصا (واختلف) قول أصحاب الشافعى في هذا فالمشهور من مذهب أصحابه أنها إذا رأت الصفرة والكدرة بعد انقطاع دم العادة ما لم تجاوز خمسة عشر يوما فإنها حيض. وقال بعضهم إذا رأتها في أيام العادة كانت حيضا ولا تعتبرها فيما جاوزها. وأما البكر "أى المبتدأة" إذا رأت أول ما رأت الدم صفرة أو كدرة فإنها لا تعدّه في قول أكثر الفقهاء حيضا وهو قول عائشة وعطاء (وقال) بعض أصحاب الشافعى حكم المبتدأة بالصفرة والكدرة حكم الحيض اهـ (قال) العينى حجة أصحابنا ما رواه مالك ومحمد بن الحسن في موطئهما عن علقمة ابن أبى علقمة عن أمه مولاة عائشة قالت كانت النساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة من الحيض يسألنها عن الصلاة فتقول لهن لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء تريد بذلك الطهر من الحيض اهـ "والقصة بالقاف المفتوحة والصاد المشدّدة المهملة الجصّ" والمعنى هنا على التشبيه والمراد أن تخرج القطنة أو الخرقة التى تحتشى بها المرأة كأنها قصة لا يخالطها صفرة وقيل المراد النقاء من أثر الدم ورؤية القصة مثل لذلك (قال) محمد وبهذا نأخذ لا تطهر المرأة ما دامت

باب المستحاضة يغشاها زوجها

ترى حمرة أو صفرة أو كدرة حتى ترى البياض خالصا اهـ (وقد) ذكر محمد ثلاثة ألوان وترك السواد والترية والكل حيض إذا كانت في أيام الحيض، أما كون الصفرة حيضا فقد ثبت من أثر عائشة، وأما كون السواد حيضا فثبت من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لفاطمة بنت أبى حبيش إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة. وأما الحمرة فهى أصل لون الدم، وفي رواية العقيلى عن عائشة دم الحيض أحمر قان ودم الاستحاضة كغسالة اللحم، وأما الخضرة فاختلفوا فيها والصحيح أن المرأة إن كانت من ذوات الإقراء تكون حيضا ويحمل على فساد الغذاء وإن كانت كبيرة لا ترى غير الخضرة لا يكون حيضا، وعند أبى يوسف الكدرة ليست بحيض إلا بعد الدم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين وأخرجه ابن ماجه ولم يذكر قوله بعد الطهر وأخرجه الإسماعيلى في مستخرجه بلفظ كنا لا نعدّ الكدرة والصفرة شيئا يعنى في الحيض وأخرجه الدارقطني عن أم عطية بلفظ كنا لا نعدّ الترية بعد الطهر شيئا وهي الصفرة والكدرة (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، نَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، بِمِثْلِهِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أُمُّ الْهُذَيْلِ هِيَ حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ كَانَ ابْنُهَا اسْمُهُ هُذَيْلٌ، وَاسْمُ زَوْجِهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ (ش) (قوله إسماعيل) هو ابن علية. و (أيوب) هو السختياني (قوله بمثله) أى بمثل حديثها المتقدم ولفظه عند البخارى والنسائى والبيهقى عن محمد بن سيرين عن أم عطية قالت كنا لا نعدّ الكدرة والصفرة شيئا، وهو مطلق محمول على المقيد بكونه بعد الطهر (قوله قال أبو داود أم الهذيل الخ) يريد المصنف بيان أم الهذيل التى في سند الحديث. السابق (باب المستحاضة يغشاها زوجها) يعنى يجامعها حال سيلان دم الاستحاضة، وفي نسخة باب في المستحاضة الخ (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا مُعَلَّى يعني ابْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: «كَانَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ تُسْتَحَاضُ فَكَانَ زَوْجُهَا يَغْشَاهَا» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: مُعَلَّى ثِقَةٌ، وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَا يَرْوِي عَنْهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ فِي الرَّأْيِ

(ش) (رجال الأثر) (قوله معلى بن منصور) أبو يعلى الرازى الفقيه سكن بغداد. روى عن مالك والليث بن سعد وسليمان بن بلال وحماد بن زيد وابن عيينة وغيرهم. وعنه زهير بن حرب وابن المديني وأبو قدامة وأبو ثور والبخارى في غير الجامع. وثقه ابن معين والعجلى وقال صاحب سنة وكان نبيلا طلبوه للقضاء غير مرّة فأبى وقال يعقوب بن شيبة متقن صدوق فقيه مأمون ثقة فيما تفرّد به وقال أبو حاتم وابن سعد كان صدوقا في الحديث صاحب رأى وقال أحمد بن حنبل هو من كبار أصحاب أبى يوسف ومحمد ومن ثقاتهم في النقل والرواية وقال في التقريب أخطأ من زعم أن أحمد رماه بالكذب وقال ابن عدى أرجو أنه لا بأس به لأني لم أجد له حديثا منكرا وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان ممن جمع وصنف. قيل توفي سنة إحدى عشرة أو اثنتى عشرة ومائتين. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه (قوله علي بن مسهر) بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء أبو الحسن الكوفي القرشي الحافظ. روى عن إسماعيل بن أبى خالد ويحيى بن سعيد وهشام بن عروة وابن جريج والأعمش وآخرين. وعنه الحسن بن الربيع وبشر بن آدم وأبو بكر وعثمان ابنا أبى شيبة. قال ابن معين والنسائى وأبو زرعة ثقة وقال العجلى صاحب سنة ثقة في الحديث ثبت فيه صالح الكتاب كثير الرواية عن الكوفيين وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث. روى له الجماعة. و (الشيبانى) هو سليمان بن فيروز أبو إسحاق. و (عكرمة) هو أبو عبد الله مولى ابن عباس (معنى الأثر) (قوله فكان زوجها يغشاها) أى يجامعها من غشيها غشيانا إذا جامعها والظاهر أنه لا يجترئُ على ذلك مع ورود النهى عن قربان الحائض في قوله تعالى "ولا تقربوهن حتى يطهرهن" إلا بإذن من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيكون فعله حجة (قوله قال يحيى بن معين معلى ثقة الخ) غرض المصنف بهذا بيان أن معلى بن منصور الذى في سند الحديث ثقة يحتج به وأن عدم رواية أحمد عنه لأنه كان يحدّث بما يوافق الرأى لا يقتضى جرحه فقد تقدم عن أحمد توثيقه وأن من زعم أن أحمد رماه بالكذب مخطئ. وهذا الأثر أخرجه البيهقى وقال النووى إسناد حسن (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ الرَّازِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْجَهْمِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو يعني بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، «أَنَّهَا كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً وَكَانَ زَوْجُهَا يُجَامِعُهَا» (ش) (رجال الأثر) (قوله أحمد بن أبى سريج) بالسين المهملة والجيم مصغرا النهشلى أبو جعفر الدارمى المقرى. روى عن إسماعيل بن علية ووكيع ويحيى بن سعيد ويزيد بن هارون

باب ما جاء في وقت النفساء

وابن خزيمة. قال يعقوب بن شيبة كان ثقة ثبتا أحد أصحاب الحديث وقال ابن حبان في الثقات يغرب على استقامته. مات بعد الأربعين ومائتين (قوله عبد الله بن الجهم) أبو عبد الرحمن الرازى. روى عن عمرو بن أبى قيس وزكريا بن ملازم وعكرمة بن إبراهيم وابن المبارك وغيرهم. وعنه أحمد بن أبى سريج ويوسف بن موسى وعلى بن شهاب ومحمد بن بكير الحضرمى وآخرون. قال أبو زرعة كان صدوقا رأيته ولم أكتب عنه وقال أبو حاتم رأيته ولم أكتب عنه وكان يتشيع وذكره ابن حبان في الثقات (قوله عمرو يعنى ابن أبى قيس) الأزرق الرازى الكوفى. روى عن أبى إسحاق السبيعى والمنهال بن عمرو وسماك بن حرب وأيوب السختياني ومنصور بن المعتمر وآخرين. وعنه إسحاق بن سليمان ومحمد بن سعيد وهارون بن المغيرة وثقه ابن حبان وابن شاهين وقال عثمان بن أبى شيبة لا بأس به كان يهم في الحديث قليلا وقال أبو بكر البزّار مستقيم الحديث وقال أبو داود لا بأس به في حديثه خطأ. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه. و (عاصم) هو ابن سليمان الأحول. و (حمنة بنت جحش) كانت تحت طلحة بن عبيد الله وأما أم حبيبة فكانت تحت عبد الرحمن بن عوف كما تقدم (معنى الأثر) (قوله أنها كانت مستحاضة الخ) يؤخذ من هذين الأثرين جواز وطء المستحاضة حال جريان الدم وهو ما عليه الجمهور منهم ابن عباس وابن المسيب والحسن البصرى وعطاء وسعيد ابن جبير وقتادة وحماد بن أبى سليمان وبكر بن عبد الله المزني والأوزاعي والثورى وأبو ثور ومالك والشافعى مستدلين بهذين الأثرين (وقالت) طائفة لا يجوز وطء المستحاضة منهم النخعى والحكم وهو رواية عن أحمد (وكرهه) ابن سيرين واستدلوا بما رواه الخلال عن عائشة المستحاضة لا يغشاها زوجها. قالوا ولأن بها أذى فيحرم وطؤها كالحائض، لكن هذا لا يصلح دليلا على المنع لأن المنع لا يكون إلا بدليل عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم نعلم لذلك دليلا (والراجح) جواز وطئها لما تقدم من أن الصحابى لا يقدم على ذلك مع ورود النهى عن قربان الحائض إلا بإذن منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأيضا فإنه لم يرد عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما يدلّ على منع وطء المستحاضة. وهذا الأثر أخرجه البيهقى وقال يذكر عن ابن عباس أنه أباح وطئها. وأخرج الدارمى عن ابن عباس في المستحاضة أنه لم ير بأسا أن يأتيها زوجها (قال) المنذرى في سماع عكرمة من أم حبيبة وحمنة نظر وليس فيهما "يعنى في الحديثين "ما يدل على سماعه منهما اهـ ومقصود المنذرى بذلك بيان أن في الأثرين انقطاعا (باب ما جاء في وقت النفساء) أى في بيان مقدار الزمن الذى تمكثه المرأة النفساء من غير صلاة ولا صوم والنفساء المرأة التي أصابها النفاس وهو الدم الخارج عقب الولادة أو حالها يقال نفست المرأة

بالبناء للمفعول فهى نفساء والجمع نفاس بكسر أوله كعشراء وعشار (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، نَا زُهَيْرٌ، نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ أَبِي سَهْلٍ، عَنْ مُسَّةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «كَانَتِ النُّفَسَاءُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقْعُدُ بَعْدَ نِفَاسِهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا - أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً - وَكُنَّا نَطْلِي عَلَى وُجُوهِنَا الْوَرْسَ - تَعْنِي - مِنَ الكَلَفِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله زهير) هو ابن معاوية (قوله على ابن عبد الأعلى) ابن عامر الأحول أبو الحسن الكوفي الثعلبي. روى عن أبيه وأبى سهل والحكم بن عتيبة وغيرهم وعنه شجاع بن الوليد وإبراهيم بن طهمان ومنصور بن وردان وزهير بن معاوية وآخرون. قال أحمد والنسائى ليس به بأس ووثقه الترمذى والعجلى وأبو زرعة والبخارى وقال الدارقطنى وأبو حاتم ليس بالقوى وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (قوله عن أبى سهل) هو كثير بن زياد الأسلمى السهمى مولاهم الأزدى المدني بصرى الأصل سكن بلخ. روى عن الحسن البصرى وأبى سمية وسالم بن عبد الله وعبد الرحمن ابن كعب وعثمان بن ربيعة وجماعة. وعنه حماد بن زيد ومالك بن أنس والدراوردى وسليمان ابن بلال وآخرون. وثقه البخارى والنسائى وابن معين وابن عمار وقال أحمد وأبو حاتم وابن عدى لا بأس به وقال أبو زرعة صدوق فيه لين وذكره ابن حبان في الثقات. توفى في آخر خلافة أبى جعفر وكانت وفاة أبى جعفر سنة ثمان وخمسين ومائة. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه (قوله عن مسة) بضم الميم وتشديد السين المهملة هي أم بسة بضم الموحدة وتشديد السين المهملة الأزدية. روت عن أم سلمة. وعنها كثير بن زياد والحكم بن عتيبة. قال في التقريب مقبولة. روى لها أبو داود والترمذى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله تقعد بعد نفاسها الخ) أى تمكث النفساء بعد ولادتها من غير صلاة أربعين يوما أو ليلة وأو للشك من الراوى، وهذا بالنسبة لبعض النفساء وإلا فلا يمكن اتفاق عادة كل النساء في عصر في مدّة النفاس أو الحيض ويؤيده ما رواه ابن ماجه عن أنس قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقت للنفساء أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك (قوله وكنا نطلى الخ) بفتح النون وضمها وكسر اللام فيهما أى نلطخ من طليت الشئ بالدهن وغيره طليا من باب رمى. والورس بفتح الواو وسكون الراء نبت أصفر يكون باليمن ويصبغ به ينبت بين الشتاء والصيف (قوله تعنى من الكلف) أى تقصد

مذاهب الأئمة في أكثر مدة النفاس وأقله

أم سلمة أن طلاء الوجوه بالورس إنما هو من أجل الكلف بفتحتين شيء يعلو الوجه كالسمسم وهو لون بين السواد والحمرة أو هو حمرة كدرة تعلو الوجه. والحكمة في طلاء وجوههن بالورس مداواة ما ظهر على وجوههن من التغير الناشيء عن الولادة (وبهذا) الحديث تمسك من قال إن أكثر النفاس أربعون يوما وهو قول أكثر أهل العلم وقد روى ذلك عن عمر بن الخطاب وعثمان وعليّ وابن عباس وأنس بن مالك وعائشة وأم سلمة وسفيان الثورى وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق بن راهويه (وروى) عن الشعبي وعطاء أنهما جعلا أقصى النفاس شهرين. وإليه ذهب الشافعى (وحكى) عن مالك أنه كان يقول به في الأول ثم رجع عنه وقال تسأل النساء عن ذلك ولم يحدّ فيه حدًّا إلا أن أصحابه ثابتون على قوله الأول قالوا إذ هو أكثر ما وجد (وقال) الحسن البصرى خمسون (لكن) الحديث يردّ عليهم وهو وإن كان في سنده مقال إلا أن الأدلة الدالة على أن أكثر النفاس أربعون يوما متعاضدة بالغة إلى حدّ الصلاحية والاعتبار فالمصير إليها متعين (منها) ما رواه الحاكم في المستدرك والدارقطنى بإسنادهما إلى عثمان بن أبي العاص قال وقت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للنفساء أربعين يوما (ومنها) ما رواه الطبرانى في معجمه الأوسط بإسناده إلى جابر قال وقت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للنفساء أربعين يوما (ومنها) ما أخرجه ابن عدى في الكامل بإسناده إلى أبى الدرداء وأبى هريرة قالا قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تنتظر النفساء أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإن بلغت أربعين يوما ولم تر الطهر فلتغتسل وهى بمنزلة المستحاضة (ومنها) ما تقدّم عند ابن ماجه (قال) الترمذى في سننه قد أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلى فإذا رأت الدم بعد الأربعين فإن أكثر أهل العلم قالوا لا تدع الصلاة بعد الأربعين اهـ (وأما أقلّ النفاس) فقد اختلف فيه العلماء (فذهبت) الشافعية والمالكية والحنابلة إلى أنه لا حدّ لأقله. وكذا عند أبى حنيفة وأصحابه بالنسبة للعبادة إلا ان احتيج للعدّة فقال أبو حنيفة أقله خمسة وعشرون يوما وعند أبى يوسف أحد عشر يوما. وعند محمد أقله ساعة فإذا قال رجل لامرأته إذا ولدت فأنت طالق فولدت ثم قالت مضت عدّتي فأقلّ مدّة تصدق فيها عند الإمام خمسة وثمانون يوما خمسة وعشرون نفاسا وخمسة عشر طهرا ثم ثلاث حيض كل حيضة خمسة أيام وطهران بين الحيضتين ثلاثون يوما وعند أبى يوسف أدني مدّة تصدق فيها خمسة وستون يوما أحد عشر نفاسا وخمسة عشر طهرا وثلاث حيض كل حيضة ثلاثة أيام بينهما طهران ثلاثون يوما. وعند محمد تصدق في أربعة وخمسين يوما وساعة خمسة عشر طهرا ثم ثلاث حيض بتسعة ثم طهران ثلاثون (وقال) زيد بن على مقدار ثلاثة أقراء فإذا كانت المرأة تحيض خمسا فأقلّ نفاسها خمسة عشر يوما (وقال) الثورى ثلاثة أيام

وجميع الأقوال ما عدا الأول لا دليل عليها ولا مستند لها إلا الظنون (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن أكثر مدّة النفاس أربعون يوما. وعلى مشروعية التداوى (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه وأحمد والترمذى وقال لا نعرفه إلا من حديث أبى سهل عن مسة عن أم سلمة اهـ ورواه البيهقى والدارقطني والحاكم في المستدرك وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه اهـ وقال عبد الحق في أحكامه أحاديث هذا الباب معلولة وأحسنها حديث مسة الأزدية ولا يلتفت في ذلك إلى كلام أبى اليقظان حيث قال حديث مسة معلول لأن مسة لا يعرف حالها ولا عينها ولا تعرف في غير هذا الحديث ولا إلى كلام ابن حبان في كتاب الضعفاء أن كثير بن زياد يروى الأشياء المقلوبات فاستحق مجانبة ما انفرد به من الروايات لأن البخارى أثنى على هذا الحديث وقال مسة هذه أزدية وكثير بن زياد ثقة وكذا قال ابن معين اهـ (وقال) النووى قول جماعة من مصنفى الفقهاء إن هذا الحديث ضعيف مردود عليه وله شاهد اهـ ويعنى بشاهده ما تقدّم ذكره (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ يَعْنِي حُبِّي، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي الْأَزْدِيَّةُ يَعْنِي مُسَّةَ قَالَتْ: حَجَجْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ يَأْمُرُ النِّسَاءَ يَقْضِينَ صَلَاةَ الْمَحِيضِ فَقَالَتْ: «لَا يَقْضِينَ كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ تَقْعُدُ فِي النِّفَاسِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً لَا يَأْمُرُهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِقَضَاءِ صَلَاةِ النِّفَاسِ» قَالَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ حَاتِم: وَاسْمُهَا مُسَّةُ تُكْنَى أُمَّ بُسَّةَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَثِيرُ بْنُ زِيَادٍ كُنْيَتُهُ أَبُو سَهْلٍ (ش) (رجال الحديث) (قوله الحسن بن يحيى) بن هشام الرزّى بضم الراء البصرى روى عن عبد الله بن داود ومحمد بن حاتم والنضر بن شميل وبشر بن عمر والزهرانى. وعنه أبو داود وحجاج بن الشاعر والساجى ومحمد بن هارون وغيرهم. دكره ابن حبان في الثقات وقال مستقيم الحديث وقال الذهبي كان حافظا (قوله محمد بن حاتم) بن يونس الجرجرائى بفتح الجيمين بينهما راء ساكنة وبعد الجيم الثانية راء بعدها ألف فهمزة فياء نسبة إلى جرجرايا. بجيمين مفتوحتين

بينهما راء ساكنة مدينة من أرض العراق بين واسط وبغداد المصيصى أبو جعفر العابد المعروف بحبى بكسر الحاء المهملة وبعدها موحدة لقب له. روى عن أبيه وعبد الله بن المبارك وابن عيينة وأبى معاوية ووكيع ومروان بن معاوية وآخرين. وعنه أبو داود وجعفر بن محمد القطان وابن المديني ويعقوب بن شيبة ويوسف بن يعقوب وجماعة. قال أبو داود كان من الثقات وذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ وقال أبو حاتم كان صدوقا. مات سنة خمس وعشرين ومائتين (قوله يونس بن نافع) أبو غانم المروزى القاضى الخراسانى. روى عن عمرو بن دينار وابن الزبير ومنيع بن عبد الله وأبى إياس وغيرهم. وعنه ابن المبارك ويحيى بن واضح ومعاذ بن أسد وعتبة بن عبد الله المروزى وكثيرون. ذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئُ. مات سنة تسع وخمسين ومائة روى له أبو داود والنسائى (قوله الأزدية يعنى مسه) بفتح الهمزة وسكون الزاى نسبة إلى أزد حىّ من اليمن أى يقصد كثير بن زياد بالأزدية مسة. والعناية من يونس بن نافع (قوله فدخلت على أم سلمة) أى بمكة وقد جاءت للحج أو بالمدينة حين مرّت عليها مسة في سفرها إلى البصرة (قوله إن سمرة بن جندب) بن هلال بن خديج الفزارى أبو سليمان حليف الأنصار. كان غلاما في عهده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويحفظ عنه وكان شديدا على الخوارج فكانوا يطعنون عليه وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعرض غلمان الأنصار فمرّ به غلام فأجازه في البعث وعرض عليه سمرة فردّه فقال لقد أجزت هذا ورددتنى ولو صارعته لصرعته قال فدونكة فصارعه فصرعه سمرة فأجازه. مات رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بالبصرة سنة ثمان وخمسين كان يتعالج بالقعود في الماء من كزاز شديد أصابه فسقط في القدر الحارّة فمات فكان ذلك تصديقا لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم له ولأبى هريرة وأبى محذورة "آخركم موتا في النار" ذكره الحافظ في الإصابة (معنى الحديث) (قوله يأمر النساء يقضين صلاة المحيض) أى الحيض ولعله لم يبلغه حديث عائشة المتقدم في باب الحائض لا تقضى الصلاة كنا نحيض عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلا نقضى ولا نؤمر بالقضاء (قوله كانت المرأة من نساء النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) تعنى بنسائه غير زوجاته من بنات وقريبات وسريته مارية لأن أزواجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليس منهن من كانت نفساء أيام وجودها معه إلا خديجة وزوجيتها كانت قبل الهجرة وبهذا يردّ على من قال إن الحديث منكر المتن (قوله تقعد في النفاس الخ) إنما استدلت بعدم أمر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم النفساء بقضاء الصلاة أيام النفاس مع أن المدّعي عدم قضاء الصلاة أيام الحيض لأن النفاس أقلّ إتيانا من الحيض فإن الحيض قد يتكرّر في السنة اثنتي عشرة مرّة والنفاس لا يكون كذلك فكأنها قالت إن الشارع قد عفا عن الصلاة

باب الاغتسال من الحيض

حال النفاس الذى لا يتكرّر فكيف لا يعفو عنه حال الحيض الذى يتكرّر، ويحتمل أن المراد بالمحيض ما يعمّ النفاس فيتفق الدليل مع المدّعي، وبهذا الحديث احتج أيضا من قال إن النفاس أكثره أربعون يوما (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن الحائض والنفساء يتركان الصلاة أيام الحيض والنفاس وأنهما لا يقضيانها. وعلى أن أكثر النفاس أربعون يوما (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى (باب الاغتسال من الحيض) أى في بيان كيفية اغتسال الحائض من الحيض، وفي نسخة باب الاغتسال من المحيض (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّازِيُّ، ثَنَا سَلَمَةُ يَعْنِي ابْنَ الْفَضْلِ، أَنَا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بِنْتِ أَبِي الصَّلْتِ، عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ قَدْ سَمَّاهَا لِي قَالَتْ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ عَلَى حَقِيبَةِ رَحْلِهِ قَالَتْ: فَوَاللَّهِ، لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ إِلَى الصُّبْحِ، فَأَنَاخَ وَنَزَلْتُ عَنْ حَقِيبَةِ رَحْلِهِ، فَإِذَا بِهَا دَمٌ مِنِّي فَكَانَتْ أَوَّلُ حَيْضَةٍ حِضْتُهَا قَالَتْ: فَتَقَبَّضْتُ إِلَى النَّاقَةِ وَاسْتَحْيَيْتُ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مَا بِي وَرَأَى الدَّمَ قَالَ: «مَا لَكِ لَعَلَّكِ نَفِسْتِ؟ » قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «فَأَصْلِحِي مِنْ نَفْسِكِ، ثُمَّ خُذِي إِنَاءً مِنْ مَاءٍ، فَاطْرَحِي فِيهِ مِلْحًا، ثُمَّ اغْسِلِي مَا أَصَابَ الْحَقِيبَةَ مِنَ الدَّمِ، ثُمَّ عُودِي لِمَرْكَبِكِ». قَالَتْ: فَلَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ رَضَخَ لَنَا مِنَ الفَيْءِ قَالَتْ: وَكَانَتْ لَا تَطَّهَّرُ مِنْ حَيْضَةٍ إِلَّا جَعَلَتْ فِي طَهُورِهَا مِلْحًا، وَأَوْصَتْ بِهِ أَنْ يُجْعَلَ فِي غُسْلِهَا حِينَ مَاتَتْ (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن عمرو) بن بكر بن سالم العدوى (الرازى) التميمي أبو غسان. روى عن جرير بن عبد الحميد وهارون بن المغيرة وجرير بن مسلم وجابر ابن إسماعيل وغيرهم. وعنه البخارى ومسلم وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود والترمذى وابن ماجه

وكثيرون. وثقه أبو حاتم وقال أبو سعد الزاهد كان صدوقا وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة أربعين ومائتين (قوله سلمة يعنى ابن الفضل) أبو عبد الله الأنصارى مولاهم الأزرق الرازى قاضى الرّىّ. روى عن أبى جعفر الرازى وإبراهيم بن طهمان والثورى ومحمد بن إسحاق وغيرهم وعنه يوسف بن موسى وعثمان بن أبي شيبة ومحمد بن حميد وابن معين وطائفة. قال ابن معين ثقة وكان يتشيع وكتبت عنه وليس به بأس وضعفه النسائى وقال البخارى عنده مناكير وقال ابن عدى عنده غرائب وأفراد ولم أجد في حديثه حديثا قد جاوز الحدّ في الإنكار وأحاديثه متقاربة محتملة وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئُ ويخالف وقال الحاكم ليس بالقوى عندهم ووثقه أبو داود وقال أبو حاتم محله الصدق في حديثه إنكار ليس بالقوى يكتب حديثه ولا يحتج به وقال ابن سعد كان ثقة صدوقا. توفي بالرّىّ بعد التسعين ومائة. روى له أبو داود، والترمذى (قوله سليمان بن سحيم) بضم السين وفتح الحاء المهملتين مصغرا أبو أيوب المدني الحزاعى مولى بني كعب بن خراعة. روى عن أمه آمنة الغفارية وسعيد بن المسيب وآمنة بنت أبي الصلت وغيرهم. وعنه ابن جريج وزياد بن سعد وابن عيينة ومحمد بن إسحاق وآخرون. قال أحمد ليس به بأس ووثقه ابن معين والنسائى وابن سعد وابن نمير وذكره ابن حبان وابن شاهين في الثقات وقال أحمد ابن صالح له شأن ثبت. روى له الجماعة إلا الترمذى (قوله عن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد المثناة التحتية والصحيح أنها آمنة بفتح الهمزة الممدودة وكسر الميم وفتح النون أم سليمان بن سحيم. قال الحافظ في التقريب لا يعرف حالها (قوله عن امرأة من بني غفار) زعم السهيلى أن اسمها ليلى ويقال هي امرأة أبى ذرّ كانت تخرج مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المغازى تداوى الجرحى وتقوم على المرضى (قوله قد سماها لى) الظاهر أنه قول سلمة بن الفضل أى قال سلمة أسمى لى تلك المرأة الغفارية محمد بن إسحاق فنسيتها (معنى الحديث) (قوله أردفني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى حملنى خلفه على ظهر الدابة. والإرداف لا يستلزم المماسة فلا إشكال في إردافه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إياها. والحقيبة بفتح الحاء المهملة وكسر القاف الزيادة التى تجعل في مؤخر القتب ويطلق على الوعاء الذى يجمع فيه الرجل متاعه ويشدّه في مؤخر الرحل والمراد هنا الأول وجمعها حقائب وحقب مثل سفينة وسفائن وسفن والرحل يطلق على كل شيء يعدّ للرحيل من وعاء للمتاع وعلى المركب الذى يركب عليه على الإبل وهو المراد هنا (قوله فوالله فلم يزل الخ) هكذا في بعض النسخ أى استمرّ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سائرا إلى الصبح وفي أكثر النسخ فوالله لنزل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى الصبح أى لصلاة الصبح (قوله فإذا بها دم مني الخ) أى ففاجأني أن رأيت بالحقيبة دما مني وكان الدم الذى أصاب الحقيبة أول حيضة. والتأنيث باعتبار الحيضة (قوله فتقبضت) من التقبض أى انزويت

فتح خيبر

استحياء يقال تقبض الجلد أى انزوى (قوله لعلك نفست) بفتح النون وكسر الفاء أى حضت وجاء في الولادة بضم النون أيضا (قال) ابن الأثير يقال نفست المرأة بضحم النون وفتحها إذا ولدت فأما الحيض فلا يقال فيه إلا نفست بالفتح اهـ (قوله فأصلحى من نفسك) أى أصلحى حالك بما اعتاده الحيض من نحو تلجم يمنع ظهور أثر الدم (قوله فاطرحى فيه ملحا) أى من المطعوم لما فيه من المبالغة في التنقية. ويحتمل أن يكون المراد غير المطعوم الذى يظهر في الأرض السبخة والأحجار التى تملح (قوله فلما فتح رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خيبر) هي اسم لجملة من الحصون والقرى سميت باسم رجل من العماليق نزلها وهو خيبر بن قاينة بينها وبين المدينة ثمانية برد إلى جهة الشام وكان فتحها في المحرم سنة سبع من الهجرة وذلك أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما رجع من الحديبية وعده الله فتح خيبر بقوله "وأثابهم فتحا قريبا" خرح إلى خيبر فصبحها بكرة على غرّة من أهلها فلما نزل بساحتهم سار إليهم قوم من أسد وغطفان ليظاهروا اليهود فألقى الله الرعب في قلوبهم فرجعوا ثم هموا أن يتوجهوا إلى المدينة فأعجزهم الله تعالى وذلك قوله "وكفّ أيدى الناس عنكم" ثم أقبل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على حصونها فافتتحها حصنا حصنا حتى انتهى إلى أمنع حصونهم فحاصرهم فيه بضع عشرة ليلة ثم تأخر لمرض أصابه فأخذ الراية أبو بكر وقاتل قتالا شديدا ثم رجع ولم يتمّ الفتح ثم عمر كذلك فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه فبات الناس يخوضون ليلتهم فيمن يعطاها فلما أصبح قال أين عليّ فقالوا هو يا رسول الله يشتكي عينيه فأتى به فبصق صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في عينيه ودعا له فبرأ وأعطاه الراية فقاتل حتى تمّ الفتح على يديه (قوله رضخ لنا من الفئ) أى أعطانا قليلا منه يقال رضخت له رضخا من باب نفع أعطيته شيئا ليس بالكثير والفئ يطلق على الخراج وعلى الغنيمة وهي المرادة هنا (قوله قالت وكانت الخ) أى قالت أمية بنت أبى الصلت وكانت الغفارية لا تريد أن تتطهر من الحيض إلا جعلت ملحا في الماء الذى تريد أن تتطهر به. وتطهر بتشديد الطاء المهملة أصله تتطهر أبدلت التاء الثانية طاء وأدغمت في الطاء وأوصت بالملح أن يكون في غسلها حين موتها لزيادة التنظيف (فقه الحديث) دلّ الحديث على مزيد تواضعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وسعة رحمته وجميل عشرته وعظيم خلقه حيث أردف المرأة على مركوبه. وعلى جواز استعمال الملح في غسل الثوب من الدم لتنقيته وفي معناه سائر المطعومات فيجوز غسل ثياب الحرير بالعسل إذا كان يفسدها الصابون وبالخلّ إذا أصابها الحبر ويجوز التدلك بالنخالة وغسل الأيدى بدقيق الباقلاء والترمس ونحوهما من الأشياء التى لها قوّة الجلاء (وعن) يونس بن عبد الأعلى دخلت الحمام بمصر فرأيت

الشافعى يتدلك بالنخالة (وفى مصنف) عبد الرزاق بسنده إلى حماد عن إبراهيم النخعى أنه كان لا يرى بأسا أن يغسل الرجل يده بشئ من الدقيق والسويق (وفيه) عن أبى معشر قال أكلت مع إبراهيم سمكا فدعا لى بسويق فغسلت يدى (وفيه) قال سئل جابر بن زيد عن الرجل يغسل يده بالدقيق والخبز من الغمر فقال لا بأس بذلك "والغمر بضم الغين المعجمة وسكون الميم الزعفران" (وكره) ذلك بعضهم فقد روى ابن أبى شيبة عن الحسن أنه كان يكره أن يغسل يده بدقيق أو بطحين. ودلّ الحديث أيضا على وجوب غسل دم الحيض. وعلى مشروعية الإعطاء من الغنيمة للنساء ومن في معناهن. وعلى ما كانت عليه نساء الصحابة من الاهتمام بأمر الجهاد والتمسك بإرشاداته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والعمل على مقتضاها والإيصاء بتنفيذها حتى بعد الموت (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَتْ أَسْمَاءُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَغْتَسِلُ إِحْدَانَا إِذَا طَهُرَتْ مِنَ الْمَحِيضِ؟ قَالَ: «تَأْخُذُ سِدْرَهَا وَمَاءَهَا فَتَوَضَّأُ، ثُمَّ تَغْسِلُ رَأْسَهَا، وَتَدْلُكُهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَاءُ أُصُولَ شَعْرِهَا، ثُمَّ تُفِيضُ عَلَى جَسَدِهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَتَهَا فَتَطَّهَّرُ بِهَا» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا. قَالَتْ: عَائِشَةُ فَعَرَفْتُ الَّذِي يَكْنِي عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهَا: تَتَّبِعينَ بِهَا آثَارَ الدَّمِ (ش) (رجال الحديث) (قوله سلام) بتشديد اللام (ابن سليم) بالتصغير كنيته أبو الأحوص (قوله إبراهيم بن مهاجر) بن جابر البجلى بفتح الموحدة وسكون الجيم أبو إسحاق الكوفي. روى عن طارق بن شهاب ومجاهد بن جبر والشعبى وإبراهيم النخعى وغيرهم. وعنه الثورى وشعبة ومسعر وأبو عوانة وشريك والأعمش. قال سفيان وأحمد لا بأس به وقال يحيى القطان والنسائى لم يكن بالقوى وقال ابن عدى حديثه يكتب في الضعفاء وقال ابن حبان في الضعفاء هو كثير الخطأ ووثقه ابن سعد. روى له الجماعة إلا البخارى (قوله دخلت أسماء) هي بنت شكل كما في مسلم قال النووى شكل بالشين المعجمة والكاف المفتوحتين هذا هو الصحيح المشهور وحكى صاحب المطالع فيه إسكان الكاف وما ذكره الخطيب من أنها أسماء بنت يزيد بن السكن فغير مسلم فقد ذكرها كذلك قبل مسلم أبو بكر بن أبى شيبة في مسنده وأبو عوانة وأبو نعيم في كل مستخرجيهما وقد ذكر أسماء بنت شكل في الصحابة جماعة منهم ابن سعد والطبرانى وابن منده والبارودى (معنى الحديث) (قوله

ما دل عليه حديث عائشة من استحباب استعمال المرأة شيئا من الطيب في مواضع دم حيضها من بدنها وجواز غسل الثياب والأيدي بالمطعومات وغير ذلك من الأحكام

تأخذ سدرها وماءها) كأنها سألت عن الكيفية المطلوبة أعمّ من أن تكون مطلوبة على سبيل الوجوب أو الندب في الغسل فبينها لها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإلا فاستعمال السدر ليس بفرض وكذا الوضوء وأخذ الفرصة فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث على افتراض شئ من ذلك، والمراد بالسدر ورق النبق المطحون ففى المصباح إذا أطلق السدر في الغسل فالمراد الورق المطحون اهـ أى أنه يدقّ ويدلك به الجسد مع الماء ويحتمل أنه يغلى في الماء ثم يغسل به والغرض من استعماله التنظيف ويلحق به ما يقوم مقامه في ذلك كالصابون والأشنان (قوله فرصتها) بكسر الفاء وحكى تثليثها وسكون الراء وبالصاد المهملة قطعة من قطن أو خرقة تستعملها المرأة في مسح دم الحيض ويطلب أن تطيب بالمسك أو بغيره من الطيب لتطييب المحل وقطع الرائحة الكريهة كما يدلّ عليه الحديث الآتى (قوله فتطهر بها) بتخفيف الطاء المهملة على حذف إحدى التاءين وبتشديدها بإبدال التاء طاء وإدغامها في الطاء أى تطيب بها كل ما أصابه الدم من جسدها وهذا مستحب لكل مغتسلة من حيض أو نفاس سواء المتزوجة وغيرها وتستعمله بعد الغسل فإن لم تجد طيبا استحب لها استعمال طين أو نحوه مما يزيل الرائحة الكريهة فإن لم تجد شيئا فالماء كاف. وما قيل من أنها تستعمل ذلك قبل الغسل فهو غير موافق يردّه صريح الحديث (قوله كيف أتطهر بها) أى بالفرصة وإنما قالت ذلك لما فهمته من أن المراد بالتطهير الغسل (قوله يكنى عنه) بفتح الياء وسكون الكاف أى يعبر عنه بتطهر وفي رواية البخارى فأخذتها فجذبتها فأخبرتها بما يريد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله آثار الدم) جمع أثر بفتحتين وأثر الشئ ما بقى من رسمه. وفى بعض النسخ تتبعين أثر الدم بالإفراد (فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب السعى لتعلم أحكام الدين. وعلى مشروعية السؤال عما خفى من الأحكام ولو كان من شأنه أن يستحيي من ذكره وكان المسئول أعظم الناس وعلى أنه تطلب الكناية عما يستحيي من التصريح به. وعلى أن المسئول يطلب منه أن يجيب السائل بأوضح بيان. وعلى استحباب استعمال السدر في الغسل لأجل التنقية والنظافة. وعلى استحباب بدء الغسل بالوضوء. وعلى طلب دلك الرأس حتى يبلغ الماء أصول الشعر. وعلى تقديم غسله على باقى أعضاء الجسد. وعلى أنه يطلب من المرأة أخذ شيء من مسك أو طيب بعد انتهاء غسلها وجعله في قطنة أو خرقة وتتبع بها أثر الدم في أى موضع أصابه الدم من بدنها (من أخرح الحديث أيضا) أخرجه مسلم عن أبى الأحوص عن إبراهيم وأخرجه البخارى والنسائى ومسلم عن منصور بن عبد الرحمن عن أمه صفية عن عائشة

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا ذَكَرَتْ نِسَاءَ الْأَنْصَارِ، فَأَثْنَتْ عَلَيْهِنَّ وَقَالَتْ لَهُنَّ: مَعْرُوفًا، وَقَالَتْ: دَخَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَذَكَرَ مَعْنَاهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ «فِرْصَةً مُمَسَّكَةً». قَالَ مُسَدَّدٌ: كَانَ أَبُو عَوَانَةَ يَقُولُ: «فِرْصَةً»، وَكَانَ أَبُو الْأَحْوَصِ يَقُولُ: «قَرْصَةً». (ش) (قوله أبو عوانة) هو الوضاح بن عبد الله الواسطى (قوله نساء الأنصار) أى أهل المدينة وهم الذين تعهدوا بنصر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على من عاداه (قوله فأثنت عليهن) أى وصفتهن بخير وهو عطف تفسير على ذكرت (قوله وقالت لهن معروفا) أى قالت في حقهن قولا حسنا وفيه نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين كما يأتي بعد (قوله دخلت امرأة) هي أسماء المذكورة في الرواية السابقة (قوله فذكر معناه) أى ذكر أبو عوانة معنى الحديث السابق غير أنه قال في روايته فرصة ممسكة بضم الميم الأولى وفتح الثانية وتشديد السين المهملة المفتوحة أى مطيبة بالمسك يتتبع بها أثر الدم لتقطع رائحة الأذى. وقيل هي بضم فسكون وفتح السين مخففة من الإمساك أى أنها تمسكها بيدها فتستعملها لأنه لم يكن المسك عندهم بالحال الذى يمتهن هذا الامتهان فيستعمل في الحيض، وقيل ممسكة أى خلقة وهى التي أمسكت كثيرا فإنه أراد أن لا تستعمل الجديد من القطن وغيره للارتفاق به ولأن الخلق أصلح لذلك. وروى بكسر السين أى ذات مساك تمسك به يبعد اليد عن الأذى. وروى مسك بكسر الميم أى قطعة من المسك الطيب. وروى بفتح الميم أى قطعة جلد فيه شعر. والأول أظهر لقوله في بعض الأحاديث فإن لم تجد فطيبا غيره فإن لم تجد فالماء كاف (واختلف) في الحكمة في استعمال المسك فالصحيح المشهور أن المقصود به تطييب المحل ودفع الرائحة الكريهة. وحكى الماوردى عن البعض أن المقصود منه كونه إلى علوق الولد أسرع لكن قال النووى قول من قال إن المقصود الإسراع في العلوق ضعيف أو باطل فإنه على مقتضى قوله ينبغى أن يخص به ذوات الزوج الحاضر الذى يتوقع جماعه في الحال وهو شيء لم يصر إليه أحد نعلمه. وإطلاق الأحاديث يردّ على من التزمه بل الصواب أن المراد تطييب المحل وإزالة الرائحة الكريهة وأن ذلك مستحب لكل مغتسلة من الحيض أو النفاس سواء ذات الزوج أو غيرها اهـ (قوله كان أبو عوانة يقول فرصة) بالفاء هكذا في أكثر النسخ وفي نسخة العينى قرصة بالقاف المفتوحة والراء الساكنة والصاد المهملة أى شيئا يسيرا مثل القرصة بطرف الأصبعين (قوله وكان أبو الأحوص يقول قرصة) بفتح

الثناء على نساء الأنصار لحرصهن على معرفة الدين

القاف وبالصاد المهملة هكذا في أكثر النسخ وفي العينى قرضة بفتح القاف أو ضمها وبالضاد المعجمة أى قطعة مقروضة وحكى هذا عن أبى عبيد وابن قتيبة. والمشهور الرواية الأولى فرصة بالفاء والصاد المهملة وقد صوّبها النووى (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، نا أَبِي، نا شُعْبَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ يَعْنِي ابْنَ مُهَاجِرٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَسْمَاءَ سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ قَالَ: «فِرْصَةً مُمَسَّكَةً». قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا قَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِي بِهَا وَاسْتَتَرَ بِثَوْبٍ»، وَزَادَ وَسَأَلَتْهُ عَنْ الْغُسْلِ مِنَ الجَنَابَةِ فَقَالَ: «تَأْخُذِينَ مَاءَكِ فَتَطَّهَّرِينَ أَحْسَنَ الطُّهُورِ وَأَبْلَغَهُ، ثُمَّ تَصُبِّينَ عَلَى رَأْسِكِ الْمَاءَ، ثُمَّ تَدْلُكِينَهُ حَتَّى يَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِكِ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَسْأَلْنَ عَنِ الدِّينِ، وَأَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِيهِ» (ش) (قوله عبيد الله بن معاذ) وفى بعض النسخ زيادة العنبرى نسبة إلى العنبرة قرية بسواحل زبيد (قوله حدثنا أبى) هو معاذ بن معاذ (قوله شعبة) بن الحجاج (قوله أسماء) بنت شكل (قوله بمعناه) أى حدّث شعبة بمعنى حديث سلام بن سليم المتقدم ولفظه في مسلم عن عائشة أن أسماء سألت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن غسل المحيض فقال تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكة دلكا شديدا حتى تبلغ شؤون رأسها ثم تصب عليها الماء ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها فقالت أسماء وكيف تطهر بها فقال سبحان الله تطهرين بها فقالت عائشة كأنها تخفى ذلك تتبعين أثر الدم (قوله قال فرصة) أى قال شعبة في روايته فرصة بالفاء (قوله سبحان الله) تعجب منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكأنه قال كيف يخفى مثل هذا الظاهر الذى لا يحتاج الإنسان في فهمه إلى فكر أو تصريح (قوله تطهرى بها) كرّره مع كونها لم تفهمه أولا لأنه يؤخذ من استحيائه وإعراضه عند قوله تطهرى بها إيضاح المحل الذى يستحيى مواجهة المرأة بالتصريح به فاكتفى في ذلك بلسان الحال عن لسان المقال وفهمت عائشة منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك فتولت تعليمها (قوله واستتر) أى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حياء ففى رواية للبخارى استحيى فأعرض بوجهه وللإسماعيلى فلما رأيته استحيى علمتها وزاد الدارمى وهو يسمع فلا ينكر (قوله فتطهرن) أى توضئين لقوله في الرواية السابقة فتوضأ

ما دل عليه حديث عائشة من جواز التسبيح عند التعجب واستحباب الكنايات فيما يتعلق بالعورات إلى غير ذلك من الفوائد

ثم تغسل رأسها (قوله أحسن الطهور) بضم الطاء أى أكمل الوضوء (قوله حتى يبلغ شؤون رأسك) بضم الشين جمع شأن المراد بها أصول شعر الرأس وذكر للمبالغة في شدّة الدلك (قوله وقالت عائشة نعم النساء نساء الأنصار الخ) لما رأت من اجتهاد أسماء وحرصها على تعلم ما جهلت من الدين ولا سيما ما يتعلق بأمر النساء مما يستحيى من ذكره عادة أثنت عليهنّ بقولها لم يمنعهنّ الحياء من السؤال عن أحكام الدين. والحياء في الأصل تغير وانكسار يعترى الإنسان عند خوف ما يعاب عليه أو يذم كما تقدّم وليس مرادا هنا بل المراد ما يقع إجلالا للأكابر ولا يترتب عليه ترك أمر شرعي أما ما يترتب عليه ذلك فهو مذموم وليس حياء شرعيا وإنما هو ضعف في العزيمة فينبغى تركه وقوله أن يسألن عن الدين الخ في موضع نصب على المفعولية وأن مصدرية والتقدير لم يكن يمنعهن الحياء سؤالهنّ عن أمور الدين وتعلم أحكامه (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز التسبيح عند التعجب من الشئ واستعظامه. وعلى طلب استعمال الكنايات فيما يتعلق بالعورات. وعلى طلب إظهار الحياء عند وجود ما يقتضيه. وعلى أنه ينبغي لمن جهل أمر دينه أن يسأل عنه. وعلى أنه تطلب المبالغة في التطهير ومنها الدلك. وعلى أنه يستحب للمغتسلة من حيض استعمال الطيب في جميع المواضع التي أصابها الدم من جسدها ومنه الفرج ومثل الحائض في ذلك النفساء. وعلى أنه يطلب تكرير الجواب لإفهام السائل. وعلى أنه يجوز تفسير كلام العالم بحضرته لمن خفى عليه إذا عرف أن ذلك يعجبه. وعلى جواز الأخذ من المفضول بحضرة الفاضل. وعلى مشروعية الرفق بالمتعلم. وعلى إقامة العذر لمن لم يفهم. وعلى أن المرء مطلوب بستر عيوبه وإن كانت مما جبل عليها. وعلى حسن خلقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعظيم حلمه وحيائه زاده الله تعالى علوًّا وكمالا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم وابن ماجه (باب التيمم) لما فرغ من الطهارة المائية صغرى وكبرى وما يتعلق بهما شرع في بيان الطهارة الترابية وهي التيمم. وأخره عنهما اقتداء بالكتاب ولأنه بدل عنهما ولذا لا يصار إليه إلا عند العجز عنهما وترجم له بالباب دون الكتاب لأنه نوع من الطهارة فيشمله كتاب الطهارة. والتيمم في اللغة مطلق القصد. وفي الشرع قصد الصعيد الطاهر لمسح الوجه واليدين بنية استباحة الصلاة أو غيرها مما يمنع منه الحدث، وسبب وجوبه هو سبب وجوب الوضوء، وشرط جوازه العجز عن استعمال الماء لأنه خلف عنه فلا يشرع معه. وهو من خصائص هذه الأمة لحديث جابر أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد

الإجماع على مشروعية التيمم للحدث مطلقا ومذاهب الفقهاء فيما يستباح بالتيمم

من الأنبياء قبلى نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لى الأرض وفي رواية ولأمتي مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلّ وأحلت لى الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلى وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة" رواه الشيخان وثابت بالكتاب والسنة والإجماع. وهل هو عزيمة أو رخصة خلاف، وفصل بعضهم فقال هو لعدم الماء عزيمة وللعذر من نحو مرض رخصة. وقد أجمع العلماء على مشروعيته في الحدث الأصغر والأكبر لما روى عن أبى هريرة أن أناسا من أهل البادية أتوا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالوا إنا نكون بالرمال الأشهر الثلاثة والأربعة ويكون فينا الجنب والنفساء والحائض ولسنا نجد الماء فقال عليكم بالأرض ثم ضرب بيده الأرض لوجهه ضربة ثم ضرب ضربة أخرى فمسح على يديه للمرفقين رواه أحمد وغيره بسند فيه ضعف. ولم يخالف في ذلك أحد إلا ما حكى عن إبراهيم النخعى من قصره على الحدث الأصغر. وروى هذا عن عمر وابن مسعود وقد قيل إنهما رجعا عنه. وثمرته مختلف فيها فعند الحنفية يستباح به كل ما لا يصح إلا بالطهارة كدخول المسجد وحمل القرآن للجنب فيصلى به المتيمم ما شاء من فرض ونفل ما لم يحدث أو يجد الماء لأنه بدل مطلق عند عدم الماء. ويرتفع به الحدث إلى زوال العذر لما روى عن أبى ذرّ مرفوعا "الصعيد طهر لمن لم يجد الماء ولو عشر سنين" رواه الترمذى وصححه (وعند) الجمهور ومنهم باقى الأئمة أنه لا يرفع الحدث بل يبيح الصلاة فيستبيح به فريضة وما شاء من النوافل ولا يجمع بين فريضتين بتيمم واحد وإن نوى بتيممه الفرض استباح الفريضة والنافلة وإن نوى النفل استباح النفل ولم يستبح به الفرض. وله أن يصلى على جنائز بتيمم واحد. وله أن يصلى بالتيمم الواحد فريضة وجنائز ولا يتيمم قبل دخول وقتها (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ح وحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا عَبْدَةُ الْمَعْنَى وَاحِدٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَأُنَاسًا مَعَهُ فِي طَلَبِ قِلَادَةٍ أَضَلَّتْهَا عَائِشَةُ، «فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَأُنْزِلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ» زَادَ ابْنُ نُفَيْلٍ: فَقَالَ لَهَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْر: يَرْحَمُكِ اللَّهُ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَكِ فِيهِ فَرَجًا

كلام العلماء في صلاة فاقد الطهورين

(ش) (رجال الحديث) (قوله المعنى واحد) أى روايه أبي معاوية محمد بن خازم وعبدة بن سليمان متحدتان في المعنى (قوله بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) وفي رواية للبخارى في باب من لم يجد ماء ولا ترابا فبعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رجلا. وله في فضل عائشة وكذا لمسلم فبعث أناسا من الصحابة. ولا تنافي بين هذه الروايات لأن أسيدا كان رأس من بعث فلذا سمي في هذه الرواية دون غيره. وكني عنه بالرجل في أخرى، و (أسيد بن حضير) هو ابن سماك بن عتيك الأنصارى أبو يحيى. كان من السابقين إلى الإسلام وشهد المشاهد كلها إلا بدرا على الصحيح وقد ثبت يوم أحد وجرح سبع جراحات. ومناقبه كثيرة فعن أبي هريرة مرفوعا "نعم الرجل أسيد بن حضير" رواه البغوى. وعن عائشة أنها قالت كان أسيد من أفاضل الناس وروى الحاكم عن حصين بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال كان أسيد بن حضير رجلا صالحا ضاحكا مليحا فبينما هو عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يحدّث القوم ويضحكهم فطعنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في خاصرته فقال أوجعتني قال اقتصّ قال يا رسول الله إن عليك قميصا ولم يكن علىّ قميص قال فرفع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قميصه فاحتضنه ثم جعل يقبل كشحه فقال بأبى أنت وأمى يا رسول الله أردت هذا. توفي سنة عشرين (معنى الحديث) (قوله في طلب قلادة) بكسر القاف هي التي تعلق في العنق وتسمى عقدا (قوله أضلتها عائشة) أى فقدتها يقال ضلّ الشئ ضاع وأضللته إذا فقدته. والإظهار في مقام الإضمار للإيضاح (قوله فصلوا بغير وضوء) فيه دليل على وجوب الصلاة على فاقد الطهور لأنهم صلوا معتقدين وجوب الصلاة عليهم وأقرّهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ذلك ولو كانت الصلاة غير واجبة حينئذ لأنكر عليهم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وجوب الصلاة وبه قال الشافعى وأحمد وجمهور المحدّثين وأكثر أصحاب مالك لكن اختلفوا في وجوب الإعادة فالمنصوص عن الشافعى وجوبها وصححه أكثر أصحابه. واحتجوا بأنه عذر نادر فلا يسقط الإعادة (والمشهور) عن أحمد لا تحب الإعادة. وبه قال المزني وسحنون وابن المنذر واحتجوا بحديث الباب لأنها لو كانت واجبة لبينها لهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة (وردّ) بأن الإعادة لا تجب على الفور فلم يتأخر البيان عن وقت الحاجة (وقال) مالك وأبو حنيفة في المشهور عنهما لا تصح الصلاة عند فقد الطهورين لما تقدم للمصنف في باب فرض الوضوء وفيه لا يقبل الله صلاة بغير طهور وأجابوا عن حديث الباب باحتمال أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنكر عليهم صلاتهم بلا طهارة وعدم ذكر الإنكار في الحديث لا يستلزم عدمه في الواقع فتكون صلاتهم تلك

ما دل عليه حديث عائشة من جواز سفر المرأة مع زوجها في الجهاد وغير ذلك من المسائل

اجتهادا والمجتهد يخطئُ ويصيب والبيان يجوز تأخيره إلى وقت الحاجة ولا يجوز تأخيره عن وقتها. وبأن حديث لا يقبل الله صلاة بغير طهور صريح في عدم جواز الصلاة عند عدم الطهارة وحديث الباب لو سلم عدم إنكاره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدل على جوازها احتمالا فهو لا يعارض حديث المنع. لكن قال أبو حنيفة وأصحابه يجب عليه القضاء وبه قال الثورى والأوزاعي (وقال) مالك فيما حكاه عنه المدنيون لا يجب عليه القضاء. وهذه الأقوال هي المشهورة في المسألة (قوله فأنزلت آية التيمم) كان نزولها في غزوة بني المصطلق سنة خمس من الهجرة واختلف في المراد هنا بآية التيمم أهى آية النساء أم آية المائدة (فقال) القرطبى هى آية النساء لأن آية المائدة تسمى آية الوضوء ولا ذكر له في آية النساء فيتجه تخصيصها بآية التيمم اهـ والظاهر أن المراد بها هنا آية المائدة وهى قوله تعالى "فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا" وقد جنح إلى ذلك البخارى فأخرج الحديث المتعلق بهذه القصة في تفسير سورة المائدة وأيد ذلك برواية عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم وفيه فنزلت "يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة -إلى قوله- لعلكم تشكرون" وفي هذا دليل على أن الوضوء كان واجبا قبل نزول آيته (قال) ابن عبد البرّ معلوم عند جميع أهل المغازى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يصلّ منذ فرضت عليه الصلاة إلا بوضوء. وفي قوله في هذا الحديث آية التيمم إشارة إلى أن الذى طرأ عليهم من العلم حينئذ هو حكم التيمم لا حكم الوضوء (والحكمة) في نزول آية الوضوء مع تقدم العمل به ليكون فرضه معلوما بالتنزيل اهـ وقال غيره يحتمل أن يكون أول آية الوضوء نزل أولا فعلموا به الوضوء ثم نزل باقيها المتعلق بالتيمم في هذه القصة وإطلاق آية التيمم على هذا من إطلاق اسم الجزء على الكل. لكن رواية عمرو بن الحارث التي أخرجها البخارى في التفسير تدلّ على أن الآية نزلت جميعها في هذه القصة فالظاهر ما قاله ابن عبد البر (قوله زاد ابن نفيل الخ) أى زاد عبد الله بن محمد بن نفيل شيخ المصنف في روايته فقال لها أسيد بن حضير يرحمك الله ما نزل بك أمر الخ أى ما أصابك شيء يحزنك إلا كان فيه فرج لك وللمسلمين. وفي رواية للبخارى فقال أسيد بن حضير لعائشة جزاك الله خيرا فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله ذلك لك وللمسلمين فيه خيرا. وفي رواية مسلم وابن ماجه فوالله ما نزل بك أمر قطّ إلا جعل الله لك منه مخرجا وجعل للمسلمين فيه بركة. وفي رواية عبد الرحمن بن القاسم عند مالك ما هى بأوّل بركتكم يا آل أبى بكر بل هى مسبوقة بغيرها من البركات. وهذا يشعر بأن تلك القصة كانت بعد قصة الإفك فيدلّ على تعدّد ضياع العقد (قال) محمد بن حبيب الأخبارى سقط عقد عائشة في غزوة ذات الرقاع وغزوة بني المصطلق (فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب المحافظة على المال وإن قلّ. وعلى جواز السفر بالنساء

فيما يصح التيمم عليه

في الجهاد وكذا غيره عند الأمن عليهن. وعلى مشروعية طلب المال الضائع. وعلى جواز اتخاذ النساء الحلىّ واستعماله تجملا لأزواجهن. وعلى مشروعية الصلاة لفاقد الطهور. وعلى أن سبب مشروعية التيمم ضياع عقد عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والبيهقى وأحمد بألفاظ متقاربة (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، حدثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ، إنَّ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ حَدَّثَهُ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُمْ «تَمَسَّحُوا وَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِالصَّعِيدِ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ الصَّعِيدَ، ثُمَّ مَسَحُوا وُجُوهَهُمْ مَسْحَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ عَادُوا فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ الصَّعِيدَ مَرَّةً أُخْرَى فَمَسَحُوا بِأَيْدِيهِمْ كُلِّهَا إِلَى الْمَنَاكِبِ وَالْآبَاطِ مِنْ بُطُونِ أَيْدِيهِمْ» (ش) غرض المصنف بهذا الحديث وما بعده بيان كيفية التيمم (قوله تمسحوا بالصعيد) من التمسح وهو في الأصل إمرار اليد على الشئ والمراد به هنا التيمم. والصعيد اسم لوجه الأرض ترابا كان أو غيره (قال) الزجاج لا أعلم في ذلك بين أهل اللغة خلافا اهـ وقيل اسم للتراب خاصة ولهذا اختلف العلماء فيما يتيمم به (فقال) أبو حنيفة ومحمد يصح بكل طاهر من جنس الأرض وهو ما لا يصير رمادا ولا يلين إذا احترق بالنار كالتراب والرمل والحجر والجصّ والنورة والكحل والزرنيخ. أما ما يصير رمادا إذا احترق كالحطب والخشب وما يلين بالنار كالحديد والرصاص فلا يصح التيمم عليه إذا لم يكن عليه غبار وقال أبو يوسف لا يصح إلا بالتراب والرمل (وقال) مالك يصح بكل ما كان من جنس الأرض إذا لم يحرق. وجوّزه بعض أصحابه بكل ما اتصل بالأرض حتى الثلج وكذا النبات إذا لم يمكن قلعه ولم يوجد غيره وضاق الوقت (وقال) الشافعى وأحمد وداود وابن المنذر وأكثر الفقهاء لا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق بالعضو (وقال) الأوزاعي والثورى يجوز بالثلج وكل ما علا الأرض. والأصح ما قاله أبو حنيفة ومالك لما تقدم عن الزجاج. ولقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "جعلت لى الأرض مسجدا وطهورا" رواه الشيخان ولما سيأتى للمصنف في باب التيمم في الحضر عن أبى الجهيم من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تيمم على الجدار. ولما رواه عن عمار بن ياسر من طرق كثيرة أنه قال إنما يكفيك أن تضرب بيديك الأرض هكذا الخ (قال) في حجة الله البالعة إنما

أقوال الأئمة في الضربتين للتيمم

خصت الأرض لأنها لا تكاد تفقد فهى أحق ما يرفع الحرج ولأنها مطهرة لبعض الأشياء كالخفّ والسيف بدلا عن الغسل بالماء ولأن فيه تذللا بتعفير الوجه بالتراب وهو يناسب العفو اهـ (قوله ثم مسحوا وجوههم مسحة واحدة) أى مع الاستيعاب وقد أجمعوا على أن المسح في التيمم لا يتكرّر (قوله فسحوا بأيديهم الخ) جمع يد وهي من المنكب إلى أطراف الأصابع. والمناكب جمع منكب بفتح فسكون فكسر وهو مجمع عظم العضد والكتف. والآباط بمدّ الهمزة المفتوحة جمع إبط بكسر الهمزة وسكون الموحدة يذكر ويؤنث وهو ما تحت المنكب (قوله من بطون أيديهم) أى ببطون أكفهم فمن بمعنى الباء والمراد بالأيدى الأكفّ تسمية للجزء باسم الكل. ويحتمل أن من للابتداء أى ابتدءوا المسح من بطون الأيدى لا من ظهورها اجتهادا من عمار وأصحابه قبل بيان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كيفية التيمم ولما بين لهم عملوا على مقتضاه كما يؤخذ من الحديث الآتى (وفي هذا) الحديث دليل على أن التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة للذراعين وهو مذهب الأكثرين. وبه قال أبو حنيفة والشافعى والثورى وعلى بن أبى طالب وعبد الله بن عمر وهو رواية عن مالك. ومن أدلتهم أيضا حديث جابر مرفوعا "التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين" رواه الحاكم والدارقطنى وقال رجاله ثقات والصواب وقفه اهـ. (وذهبت) طائفة إلى أن الواجب ضربة واحدة للوجه والكفين منهم عطاء ومكحول وداود والأوزاعي والطبرى وأحمد وإسحاق بن راهويه وابن المنذر وعامة أصحاب الحديث وهى رواية عن مالك والزهرى واستدلوا بما يأتى عن عمار بن ياسر قال سألت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن التيمم فأمرني ضربة واحدة للوجه والكفين والمشهور عند المالكية أن الضربة الأولى فرض والثانية سنة (وعن) ابن سيرين وابن المسيب لا يجزئه أقل من ثلاث ضربات ضربة للوجه وضربة ثانية لكفيه وثالثة لذراعيه. ولم يوقف لهما على ما يفيد الوجوب بل قال الإمام يحيى إنه لا دليل يدلّ على ندبية التثليث في التيمم (وحكى) عن الزهرى أنه قال بوجوب مسح اليدين إلى الإبطين أخذا بظاهر هذا الحديث (وردّ) بأن عمارا ومن معه أجروا اسم اليد على ظاهرها من أنها من رءوس الأنامل إلى الإبط ولم يكن عندهم دليل الخصوص فأجروا الحكم على ظاهره. ولكن قام دليل الإجماع على إسقاط ما وراء المرفقين وما دونهما بقى على الأصل لاقتضاء الاسم إياه. ويؤيده أن التيمم بدل عن الوضوء والبدل لا يخالف المبدل عنه وبأن الشافعى قال في رواية المسح إلى الآباط إن كان ذلك وقع بأمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكل تيمم صح له بعد ذلك فهو ناسخ وإن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمر به اهـ (وقال) الخطابي لم يختلف أحد من أهل العلم أنه لا يلزم المتيمم أن يمسح ما وراء المرفقين اهـ (وقال) الطحاوى في شرح معانى الآثار بسنده إلى عمار قال كنت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى

آله وسلم حين نزلت آية التيمم فضربنا ضربة واحدة للوجه ثم ضربنا ضربة لليدين إلى المنكبين ظهرا وبطنا "ثم قال" ذهب قوم إلى هذا فقالوا هكذا التيمم ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المناكب والآباط. وخالفهم في ذلك آخرون فافترقوا فرقتين فقالت فرقة منهم التيمم للوجه واليدين إلى المرفقين. وقالت فرقة منهم التيمم للوجه والكفين فكان من الحجة لهذين الفريقين على الفرقه الأولى أن عمار بن ياسر لم يذكر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمرهم أن يتيمموا كذلك وإنما أخبرهم عن فعلهم فقد يحتمل أن تكون الآية لما أنزلت لم تنزل بتمامها وإنما أنزل منها "فتيمموا صعيدا طيبا" ولم يبين لهم كيف يتيممون فكان ذلك عندهم على كل ما فعلوا من التيمم لا وقت في ذلك وقتا ولا عضوا مقصودا به إليه بعينه حتى نزلت بعد ذلك "فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه" ومما يدلّ على ما قلنا من ذلك حديث عائشة قالت أقبلنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من غزوة له حتى إذا كنا بالمعرّس قريبا من المدينة نعست من الليل وكانت علىّ قلادة تدعي السمط تبلغ السرّة فجعلت أنعس فخرجت من عنقي فلما نزلت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لصلاة الصبح قلت يا رسول الله خرّت قلادتي من عنقي فقال أيها الناس إن أمكم قد ضلت قلادتها فابتغوها فابتغاها الناس ولم يكن معها ماء فاشتغلوا بابتغائها إلى أن حضرتهم الصلاة ووجدوا القلادة ولم يقدروا على ماء فمنهم من تيمم إلى الكف ومنهم من تيمم إلى المنكب وبعضهم على جسده فبلغ ذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأنزلت آية التيمم. ففي هذا الحديث أن نزول آية التيمم كان بعد ما تيمموا هذا التيمم المختلف الذى بعضه إلى المناكب فعلمنا من تيممهم أنهم لم يفعلوا ذلك إلا وقد تقدّم عندهم أصل التيمم وعلمنا بقولها فأنزل الله آية التيمم أن الذى نزل بعد فعلهم هو صفة التيمم فهذا وجه حديث عمار عندنا ومما يدلّ أيضا على أن هذه الآية تنفى ما فعلوا من ذلك أن عمار بن ياسر الذى روى ذلك عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد روى عنه التيمم الذى عمله بعد ذلك خلاف ذلك فمنه حديث سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه أن عمار بن ياسر سأل نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن التيمم فأمره بالوجه والكفين اهـ بتصرّف (قال) الدهلوى والأخذ بأحاديث الضربتين والمرفقين أخذ بالاحتياط وعمل بأحاديث الطرفين لاشتمال الضربتين على ضربة ومسح الذراعين إلى المرفقين على مسح الكفين دون العكس "فإن قلت" التعارض ثابت على تقدير أن تكون الأحاديث متساوية المرتبة والمحدّثون حكموا بأن أحاديث الضربتين والمرفقين غير مذكورة في الصحاح "قلنا" عدم ذكرها في الصحاح محلّ بحث: على أن عدم صحتها وقوّتها في زمن الأئمة الذين استدلوا بها محل منع إذ يحتمل أن يطرق الضعف والوهن فيما بعدهم من جهة لين الرواة الذين رووها بعد زمن الأئمة فالمتأخرون من المحدّثين الذين جاءوا بعدهم أوردوها

في السنن دون الصحاح ولا يلزم من وجود الضعف في الحديث عند المتأخرين وجوده عند المتقدمين وذلك أن أبا حنيفة مثلا كان يروى الحديث عن التابعى وهو عن مثله أو عن الصحابى والكل ثقات من أهل الضبط والإتقان فأخذ بالحديث لثبوت صحته ثم روى ذلك الحديث من بعده من لم يكن في تلك الدرجة فصار الحديث عند علماء الحديث مثل البخارى ومسلم والترمذى وأمثالهم ضعيفا ولا يضر ذلك في الاستدلال به عند أبى حنيفة اهـ (فقه الحديث) والحديث يدلّ على مشروعية التيمم بضربتين ضربة للوجه وضربة لليدين وعلى أن المسح في اليدين إلى المناكب وقد علمت أنه منسوخ والإجماع على عدم لزوم المسح إلى المناكب. وعلى أنه يتيمم بالصعيد وهو ما كان من جنس الأرض (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الطحاوى وابن ماجه وكذا البيهقي من عدّة طرق قال المنذرى هو منقطع فإن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لم يدرك عمار بن ياسر. لكن وصله المصنف عن ابن عباس عن عمار كما في الرواية الآتية ورواه النسائى وابن ماجه والطحاوى والبيهقي موصولا من طريق مالك عن الزهرى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه عن عمار قال تيممنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: «قَامَ الْمُسْلِمُونَ فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ التُّرَابَ، وَلَمْ يَقْبِضُوا مِنَ التُّرَابِ شَيْئًا»، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَنَاكِبَ وَالْآبَاطَ قَالَ: ابْنُ اللَّيْثِ: «إِلَى مَا فَوْقَ الْمِرْفَقَيْنِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله سليمان بن داود) بن حماد بن سعد أبو الربيع المصرى. روى عن أبيه والحجاج بن رشد وابن وهب وإدريس بن يحيى الخولاني وعبد الله بن نافع وغيرهم. وعنه أبو داود والنسائى وزكريا بن يحيى الساجى وأبو بكر بن أبي داود وغيرهم. قال النسائى ثقة وقال ابن يونس كان فقيها على مذهب مالك زاهدا وذكره ابن حبان في الثقات. ولد سنة ثمان وسبعين. وتوفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين. و (المهرى) بفتح الميم وسكون الهاء نسبة إلى مهرة بن حيدان أبى قبيلة تنسب إليها الإبل المهربة (قوله نحو هذا الحديث الخ) اى حدّث سليمان بن داود وعبد الملك ابن شعيب عن ابن وهب نحو ما حدّث به أحمد بن صالح عنه قال ابن وهب في روايته هذه عن الزهرى عن عبيد الله بن عبد الله قام المسلمون فضربوا بأكفهم التراب ولم يقبضوا من التراب شيئا لأن المقصود تحصيل الطهارة بالمسح وهي تحصل بمجرّد الضرب على الصعيد وإمرار اليد على العضوين لا بالتغبير ثم ذكر ابن وهب في هذه الرواية نحو حديثه السابق ولفظه عند ابن ماجه

سبب نزول رخصة التيمم ضياع عقد عائشة

من طريق أحمد بن عمرو بن السرح قال حدثنا عبد الله بن وهب أنبأنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن عمار بن ياسر حين تيمموا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأمر المسلمين فضربوا بأكفهم التراب ولم يقبضوا من التراب شيئا فمسحوا وجوههم مسحة واحدة ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى فمسحوا بأيديهم (قوله قال ابن الليث الخ) أى قال عبد الملك بن شعيب بن الليث في روايته فمسحوا بأيديهم إلى ما قوق المرفقين فروايته تدل على أن المرفقين داخلان في التيمم كما في الوضوء خلافا لزفر (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه. (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ فِي آخَرِينَ قَالُوا: نَا يَعْقُوبُ، نَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ عَرَّسَ بِأُولَاتِ الْجَيْشِ وَمَعَهُ عَائِشَةُ فَانْقَطَعَ عِقْدٌ لَهَا مِنْ جَزْعِ ظَفَارٍ، فَحَبَسَ النَّاسَ ابْتِغَاءَ عِقْدِهَا ذَلِكَ حَتَّى أَضَاءَ الْفَجْرُ، وَلَيْسَ مَعَ النَّاسِ مَاءٌ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: حَبَسْتِ النَّاسَ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذكره عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ رُخْصَةَ التَّطَهُّرِ بِالصَّعِيدِ الطَّيِّبِ، فَقَامَ الْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبُوا بِأَيْدِيهِمْ إِلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ، وَلَمْ يَقْبِضُوا مِنَ التُّرَابِ شَيْئًا، فَمَسَحُوا بِهَا وُجُوهَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ إِلَى الْمَنَاكِبِ، وَمِنْ بِطُونِ أَيْدِيهِمْ إِلَى الْآبَاطِ " زَادَ ابْنُ يَحْيَى فِي حَدِيثِهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فِي حَدِيثِهِ: «وَلَا يَعْتَبِرُ بِهَذَا النَّاسُ». (ش) (رجال الحديث) (قوله النيسابورى) نسبة إلى نيسابور بفتح أوله وسكون المثناة التحتية مدينة عظيمة من بلاد فارس (قوله في آخرين) أى حدثنا حال كوننا ضمن جماعة آخرين (قوله يعقوب) بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم أبو يوسف القرشى الزهرى المدني سكن بغداد. روى عن ابنه وعبد الملك بن الربيع وشريك وشعبة والليث بن سعد وغيرهم. وعنه

مشروعية زجر الأب ابنته إذا اقتضى الحال ذلك ولو بحضور زوجها

أحمد بن حنبل وابن معين ومحمد بن حاتم وابن المدينى وأبو خيثمة وآخرون. قال ابن سعد كان ثقة مأمونا ووثقه ابن معين والعجلى وقال أبو حاتم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات توفي سنة ثمان ومائتين (قوله صالح) بن كيسان المدني أبو محمد ويقال أبو الحارث الغفارى روى عن سليمان بن أبى خيثمة وإسماعيل بن محمد وعروة بن الزبير وسالم بن عبد الله بن عمر والزهرى وغيرهم. وعنه ابن جريج ومعمر وعمرو بن دينار ومالك بن أنس وابن عجلان وابن عيينة وآخرون. قال ابن معين وابن خراش والنسائى والعجلى ثقة وقال مصعب الزبيرى كان جامعا للحديث والفقه والمروءة وسئل عنه أحمد فقال بخ بخ وقال ابن معين ليس في أصحاب الزهرى أثبت من مالك ثم صالح بن كيسان وقال يعقوب صالح ثقة وقال أبو حاتم صالح ثقة يعدّ في التابعين وقال ابن حبان في الثقات كان من فقهاء المدينة والجامعين للحديث والفقه من ذوى الهيئة والمروءة وقال الخليلى كان حافظا إماما وقال ابن عبد البر كان كثير الحديث ثقة حجة فما حمل. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله عرّس) بتشديد الراء من التعريس وهو النزول آخر الليل للنوم والاستراحة (قوله بأولات الجيش) وفي رواية البخارى والبيهقى بالبيداء أو بذات الجيش بفتح الجيم وسكون المثناة التحتية موضع على بريد من جنوب المدينة وهو أحمد مراحل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى بدر وأحد منصرفه من غزوة بنى المصطلق (قوله من جزع ظفار) بالإضافة والجزع بفتح الجيم وكسرها وسكون الزاى خرز يمانيّ ملوّن وظفار بفتح الظاء المعجمة مبنية على الكسر كحذام وقطام وهى مدينة باليمن لحمير. ورواه بعضهم من جزع أظفار وأراد القطر المعروف كأنه يؤخذ ويثقب ويجعل في العقد والقلادة والصحيح في الرواية من جزع ظفار (قوله فحبس الناس ابتغاء عقدها) أى منع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه من السير طلب عقدها وابتغاء مرفوع على الفاعلية والناس منصوب على المفعولية (قوله وليس مع الناس ماء) وفي رواية البخارى وليسوا على ماء وليس معهم ماء أى للوضوء أما ما يحتاجون إليه للشرب فيحتمل أن يكون معهم وأن لا يكون ولا محذور فيه لأن المدينة كانت قريبة منهم فلا دليل فيه على جواز الإقامة بالمكان الذى لا ماء فيه ولا سلوك الطريق الذى لا ماء فيه (قوله فتغيظ عليها الخ) أى غضب على عائشة أبوها غضبا شديدا لما شكى إليه الناس ما كان بسبها من حبس الناس على غير ماء فجاء كما في رواية الشيخين والنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واضع رأسه على فخذها قد نام وقال حبست رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء فقالت عائشة فعاتبنى أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعننى بيده في خاصرتي فلا يمنعنى من التحرّك إلا مكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على فخذى (قوله فقام

ما دل عليه حديث عمار من مشروعية البحث عن المال الضائع وغير ذلك من المسائل

المسلمون مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) المراد أنهم قاموا للتيمم وقد كانوا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما في الرواية المتقدمة وليس المراد أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قام معهم ولعل مثل ما فعلوا (قوله وأيديهم الخ) أى ومسحوا أيديهم مبتدئين من ظهورها إلى المناكب ثم من بطونها إلى الآباط (قوله زاد ابن يحيى الخ) أى زاد محمد بن يحيى في حديثه قال ابن شهاب ولا يعتمر بهذا الناس أى لا يعتدّ الناس بالمسح إلى المناكب والآباط فجملة قال ابن شهاب معمول لزاد وقد تقدم أن ابن شهاب الزهرى يرى وجوب المسح إلى الآباط عملا بحديث عمار وتقدم جواب الجمهور عنه. ويحتمل أن المراد لا يعتبر الناس الاكتفاء في التيمم بضربة واحدة. وتقدّم بيان ذلك في الحديث السابق (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية سفر الزوج مع زوجها، وعلى مشروعية البحث عن المال الضائع، وعلى جواز زجر الأب ابنته إذا صدر منها تفريط فيما يطلب منها حفظه ويلحق بذلك تأديب المرء من له تأديبه وإن لم يأذن له الإمام، وعلى مشروعية التعاون على تحصيل بعض المصالح، وعلى مشروعية التيمم في السفر وهو مجمع عليه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي والبخارى ومسلم عن عائشة وليس فيه كيفية التيمم وأخرجه الطحاوى في شرح معاني الآثار عن عمار بن ياسر قال كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في سفر فهلك عقد لعائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا فطلبوه حتى أصبحوا وليس مع القوم ماء فنزلت الرخصة في التيمم بالصعيد وقام المسلمون فضربوا بأيديهم إلى الأرض فمسحوا بها وجوههم وظاهر أيديهم إلى المناكب وباطنها إلى الآباط (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ فِيهِ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَذَكَرَ ضَرْبَتَيْنِ». كَمَا ذَكَرَهُ يُونُسُ. (ش) أى روى الحديث محمد بن إسحاق متصلا بذكر ابن عباس بين عمار وبين عبيد الله كما رواه صالح بن كيسان وذكر أنهم ضربوا ضربتين كما ذكر يونس بن يزيد عن ابن شهاب في حديث عمار الأول وقد أخرج البزار حديث ابن إسحاق عن الزهرى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن عمار قال كنت في القوم حين نزلت الرخصة في المسح بالتراب إذا لم نجد الماء فأمرنا فضربنا واحدة للوجه ثم ضربة أخرى لليدين إلى المرفقين. ورواه الطحاوى بهذا السند عن عمار قال كنت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين نزلت آية التيمم فضربنا ضربة واحدة للوجه ثم ضربنا ضربة لليدين إلى المنكبين ظهرا وبطنا

(ص) وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ «ضَرْبَتَيْنِ». (ش) أى روى هذا الحديث معمر بن راشد عن الزهرى بذكر الضربتين لكنه منقطع كما رواه يونس. ولم نقف على من أخرج رواية معمر غير أن البيهقى قال بعد أن ذكر حديث ابن أبى ذئب وكذلك رواه معمر بن راشد ويونس بن يزيد الأيلى والليث بن سعد وابن أخى الزهرى وجعفر بن برقان عن الزهرى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عمار وحفظ فيه معمر ويونس ضربتين كما حفظهما ابن أبى ذئب (ص) وَقَالَ مَالِكٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمَّارٍ. (ش) أى روى مالك الحديث عن الزهرى متصلا وذكر بين عبيد الله وعمار والد عبيد الله عبد الله بن عتبة ولم يذكر الضربتين. ورواية مالك أخرجها الطحاوى والبيهقى من طريق جويرية بهذا السند إلى عمار قال تمسحنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالتراب فمسحنا وجوهنا وأيدينا إلى المناكب (ص) وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو أُوَيْسٍ: (ش) أى روى الحديث أبو أويس متصلا ولم يذكر الضربتين كما رواه مالك. و (أبو أويس) هو عبد الله بن أويس بن مالك بن أبى عامر الأصبحى المدني، روى عن الزهرى وعبد الله بن دينار ويحيى بن سعيد الأنصارى وهشام بن عروة وطائفة، وعنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد ومعلى بن منصور ويونس بن محمد وعبد الله بن مسلمة القعنبي وجماعة. قال أحمد ليس به بأس وقال ابن معين صالح ليس بقوى وقال ابن المديني كان عند أصحابنا ضعيفا وقال عمرو بن على فيه ضعف وهو عندهم من أهل الصدق وقال يعقوب بن شيبة صدوق صالح الحديث وقال أبو زرعة صالح صدوق وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به وقال في التقريب صدوق يهم من السابعة، مات سنة سبع وستين ومائة، روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (ص) وَشَكَّ فِيهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ وقَالَ: فيه مَرَّةً عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَوْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، اضْطَرَبَ فِيهِ وَقَالَ مَرَّةً: عَنْ أَبِيهِ، وَمَرّةً قَالَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ اضْطَرَبَ فِيهِ، وَفِي سَمَاعِهِ مِنَ الزُّهْرِيِّ شَكٌّ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ «الضَّرْبَتَيْنِ» إِلَّا مَنْ سَمَّيْتُ

(ش) أى روى حديث عمار سفيان بن عيينة شاكا في ذكر والد عبيد الله أو ابن عباس في السند فقال فيه مرّة عن عبيد الله عن أبيه أو عن عبيد الله عن ابن عباس وقال مرّة عن أبيه ومرّة قال عن ابن عباس وهذا اضطراب كما ترى. واضطرب ابن عيينة أيضا في سماعه عن الزهرى فمرّة رواه عن عمرو بن دينار عن الزهرى ومرّة رواه عن الزهرى بلا واسطة ولم يذكر الضربتين. وروايته عن عمرو بن دينار ذكرها الطحاوى بسنده إلى عمار قال تيممنا مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى المناكب (قوله ولم يذكر أحد منهم الخ) أى لم يذكر أحد ممن روى حديث عمار عن الزهرى الضربتين إلا من ذكرت أسماؤهم وهم يونس وابن إسحاق ومعمر ومن عداهم كصالح بن كيسان والليث في سعد وعمرو بن دينار ومالك وأبو أويس رووه عن الزهرى ولم يذكروا الضربتين. وأما ذكر المناكب والآباط فقد اتفق الكل في روايتهم عن الزهرى على ذكرهما إلا ابن إسحاق فإنه قال في روايته إلى المرفقين "وما قاله" المصنف من أنه لم يذكر الضربتين سوى من سمى "منقوض" بأن ابن أبى ذئب ذكر في روايته أيضا الضربتين "فقد" أخرج البيهقي من طريق يونس بن حبيب قال حدثنا أبو داود ثنا ابن أبى ذئب عن الزهرى عن عبيد الله عن عمار بن ياسر قال هلك عقد لعائشة من جزع ظفار في سفر من أسفار رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعائشة مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ذلك السفر فالتمست عائشة عقدها حتى انتهى الليل فجاء أبو بكر فتغيظ عليها وقال حبست الناس بمكان ليس فيه ماء قال فأنزل الله تعالى آية الصعيد فجاء أبو بكر فقال أنت والله يا بنية ما علمت مباركة قال عبيد الله وكان عمار يحدّث أن الناس طفقوا يومئذ يمسحون بأكفهم الأرض فيمسحون وجوههم ثم يعودون فيضربون ضربة أخرى فيمسحون بها أيديهم إلى المناكب والآباط ثم يصلون (وحاصل) ما أشار إليه المصنف في هذا الباب أن حديث عمار ابن ياسر مضطرب سندا ومتنا. أما اضطرابه في السند فإن يونس بن يزيد ومعمر بن راشد روياه عن الزهرى متقطعا بإسقاط الواسطة بين عبيد الله بن عبد الله وبين عمار واضطرب سفيان ابن عيينة فيه فمرّة رواه عن الزهرى نفسه ومرّة رواه عن عمرو بن دينار عن الزهرى عن عبيد الله عن أبيه عن عمار ومرّة قال عن عبيد الله عن ابن عباس ومرّة قال عن عبيد الله عن أبيه أو عن عبيد الله عن ابن عباس وكذا رواه ابن أبى ذئب والليث بن سعد وابن أخي الزهرى وجعفر بن برقان منقطعا كما تقدم عند البيهقى وباقي أصحاب الزهرى رووا الحديث عنه متصلا فصالح بن كيسان ومحمد بن إسحاق روياه عنه عن عبيد الله عن ابن عباس ومالك وأبو أويس روياه عن الزهرى عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه. وأما اضطرابه في المتن فقد ذكر يونس بن يزيد ومعمر بن راشد وابن إسحاق وابن أبى ذئب في رواياتهم الضربتين ولم يذكرها غيرهم

من أصحاب الزهرى وأيضا فقد ذكر كلهم مسح المناكب والآباط ما عدا ابن إسحاق فإنه قال في روايته إلى المرفقين (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيُّ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي مُوسَى، فقَالَ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا أَمَا كَانَ يَتَيَمَّمُ؟ فَقَالَ: لَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هَذَا لَأَوْشَكُوا إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ الْمَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا بِالصَّعِيدِ. فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِهَذَا. قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدَ الْمَاءَ فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَتَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا وَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الْأَرْضِ فَنَفَضَهَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ وَبِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ عَلَى الْكَفَّيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ» فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: أَفَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ (ش) (قوله أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير. و (شقيق) بن سلمة. و (عبد الله) بن مسعود. و (أبو موسى) هو عبد الله بن قيس الأشعرى (قوله فقال أبو موسى الخ) لعل البحث جرى بينهما فيما يكون له التيمم فكان أبو موسى يقول يكون للحدث الأصغر والأكبر وابن مسعود يقول للحدث الأصغر فقط "فإن قلت" يتأتى قول ابن مسعود هذا لو لم يكن قوله تعالى "أو لامستم النساء" صريحا في عموم الحكم "قلت" لعله لا يحمل الملامسة على الجماع بل على الحدث وأبو عبد الرحمن كنية لابن مسعود (قوله فقال لا) أى قال ابن مسعود جوابا لأبى موسى لا يتيمم (قوله في سورة المائدة الخ) إنما خصها بالذكر لكونها أظهر في مشروعية تيمم الجنب من آية النساء (قوله لأوشكوا إذا برد عليهم الماء الخ) بفتح الموحدة والراء وضمها لغة ووجه الملازمة

مذاهب الفقهاء في اشتراط الترتيب في التيمم

بين الرخصة في تيمم الجنب لفقد الماء والتيمم لبرد الماء اشتراكهما في عدم القدرة على استعمال الماء لأن عدمها إما بفقد الماء حقيقة أو حكما لتعذر استعماله (قال الخطابي) في جواب عبد الله دليل على أنه كان يرى أن المراد بالملامسة في قوله تعالى "أو لامستم النساء" الجماع وإلا لقال لأبي موسى المراد من الملامسة التقاء البشرتين بغير الجماع. وجعل التيمم بدلا عن الوضوء لا يستلزم جعله بدلا من الغسل اهـ وردّ بأن عبد الله لم يرد ذلك وإلا كان مخالفا للآية مخالفة صريحة وهي لا تصدر من مثله فقها وعلما وفهما وإنما تأول الملامسة في الآية على معنى غير الجماع (قوله وإنما كرهتم هذا لهذا) أى كرهتم أن تقولوا بتيمم الجنب الفاقد للماء لأجل دفع تيمم الجنب الذى يخاف برد الماء (قوله فقال له أبو موسى ألم تسمع الخ) هكذا في رواية البخارى من طريق أبي معاوية بذكر أبى موسى قصة عمار بعد احتجاجه بالآية. ورواه من طريق حفص وفيه أن احتجاجه بالآية متأخر عن احتجاجه بحديث عمار ولفظه فقال أبو موسى فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يكفيك الخ قال ألم تر عمر لم يقنع بذلك فقال أبو موسى فدعنا من قول عمار كيف تصنع بهذه الآية فما درى عبد الله ما يقول فقال إنا لو رخصنا لهم الخ ورواية حفص أرجح لأن فيها زيادة تدلّ على ضبط ذلك وهو قوله فدعنا من قول عمار كيف تصنع بهذه الآية وعلى هذا يحتمل أن عبد الله بن مسعود قبل هذا الاستدلال لكنه اكتفى ببيان مذهبه (وحاصله) أنه لا يقول بعدم جواز التيمم للجنب مطلقا بل هو مسلم عنده أيضا وهذا الذى قلته من عدم الجواز كان دفعا للمفسدة لئلا يتسارع الناس في ذلك إذا برد عليهم الماء أو عرض لهم عذر يسير فلو رخص لهم في ذلك لاستبقوا إلى التيمم فلأجل ذلك قال هذا القول احتياطا وسدًّا للباب (قوله فتمرّغت في الصعيد) أى تقلبت في التراب ظنا بأن التيمم للجنابة يلزم فيه تعميم البدن بالتراب كما يلزم تعميمه في الغسل بالماء (قوله فنفضها) أى نفضا خفيفا تخفيفا للغبار فلا دليل فيه لمن قال يجوز التميمم بما لا غبار عليه (قوله ثم مسح وجهه) فيه دلالة على أن الترتيب غير شرط في التيمم وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ومالك وكذا أحمد في التيمم من الحدث الأكبر دون الحدث الأصغر فإنه شرط فيه عنده خلافا للشافعى. واستشكل الكرماني هذه الكيفية المذكورة في حديث الباب من أربعة أوجه (الأول) الاكتفاء بالضربة الواحدة وقد ثبت في الطرق الأخرى ضربتان. لكن لا إشكال لأنه يحمل ما هنا على ما يكفى في الواجب وما ورد من الزيادة على الكمال (الثاني) أن الكف إذا استعمل ترابه في اليد كيف يمسح به الوجه وقد صار مستعملا. ويجاب عنه بأن التراب لا يأخذ حكم الاستعمال بخلاف الماء (الثالث) أنه لم يمسح الذراعين. ولا إشكال في ذلك فقد قالوا مسح الكفين أصح في الرواية ومسح الذراعين أشبه بالأصول (الرابع) عدم مراعاة الترتيب بتقديم اليدين على الوجه. ولا إشكال فيه أيضا

ما دل عليه حديث عمار من جواز الاقتصار في التيمم على ضربة واحدة وغير ذلك من الفوائد

فقد قال بذلك بعض العلماء كما علمت وهو حجة على المخالف (قوله أفلم تر عمر الخ) إنما لم يقنع عمر بقول عمار لكونه أخبره أنه كان معه في تلك الحال وحضر معه القصه كما في الحديث الآتي ولم يتذكر ذلك عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فجوّز على عمار الوهم كما جوّز على نفسه النسيان ولذا قال له يا عمار اتق الله إلى آخر ما سيأتى فتبع ابن مسعود عمر في ذلك. ولعل من ترك الأخذ بظاهر حديث عمار تبع ابن مسعود بناء على تجويز الوهم على عمار لا على التكذيب (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية نفض اليدين عند التيمم. وعلى جواز الاقتصار على ضربة واحدة. وعلى مشروعية مسح الوجه والكفين في التيمم. ويؤخذ من هذه القصة أن رأى عمر وعبد الله بن مسعود انتقاض الطهارة بملامسة البشرتين وأن الجنب لا يتيمم لقوله تعالى "وإن كنتم جنبا فاطهروا" (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى والبيهقى والدارقطني بألفاظ متقاربة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّا نَكُونُ بِالْمَكَانِ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَكُنْ أُصَلِّي حَتَّى أَجِدَ الْمَاءَ. قَالَ: فَقَالَ عَمَّارٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَا تَذْكُرُ إِذْ كُنْتُ أَنَا وَأَنْتَ فِي الْإِبِلِ، فَأَصَابَتْنَا جَنَابَةٌ، فَأَمَّا أَنَا، فَتَمَعَّكْتُ، فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ هَكَذَا، وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ نَفَخَهُمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ» فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَمَّارُ اتَّقِ اللَّهَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ شِئْتَ وَاللَّهِ لَمْ أَذْكُرْهُ أَبَدًا، فَقَالَ عُمَرُ: كَلَّا وَاللَّهِ لَنُوَلِّيَنَّكَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلَّيْتَ (ش) (رجال الحديث) (قوله سفيان) الثورى (قوله سلمة بن كهيل) بن حصين ابن ممازح بن أسد الكوفي أبو يحيى الحضرمى، روى عن جندب بن عبد الله وابن أبى أوفي وأبى الطفيل وعطاء بن أبى رباح وآخرين. وعنه الأعمش والثورى ومسعر وشعبة وغيرهم قال أحمد متقن للحديث ووثقه ابن معين وأبو حاتم وقال أبو زرعة ثقة مأمون وقال العجلى تابعى ثقة ثبت في الحديث وكان فيه تشيع قليل وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال النسائى

ثقة ثبت وقال ابن مهدى لم يكن بالكوفة أثبت من أربعة لا يختلف في حديثهم فمن اختلف عليهم فهو مخطئ وذكره منهم. ولد سنة سبع وأربعين. ومات سنة إحدى أو اثنتين وعشرين ومائة روى له الجماعة (قوله عن أبى مالك) هو غزوان الغفارى الكوفي. روى عن عمار بن ياسر وابن عباس والبراء بن عازب وعبد الرحمن بن أبزى. وعنه السدى وسلمة بن كهيل وحصين ابن عبد الرحمن. قال ابن معين ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والترمذى والنسائى والبخارى في التاريخ. وليس هو حبيب بن صهبان خلافا لمن زعم ذلك لأنه لم يرو له أبو داود كما يؤخذ من تهذيب التهذيب (قوله عبد الرحمن بن أبزى) بفتح الهمزة وسكون الموحدة الخزاعي مولى نافع بن الحارث. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اثنا عشر حديثا. روى عن أبى بكر وعمر وعلى وأبيّ بن كعب وعمار بن ياسر وغيرهم وعنه ابناه سعيد وعبد الله وأبو مالك والشعبى وأبو إسحاق السبيعى. ذكره ابن حبان في ثقات التابعين وذكره غير واحد في الصحابة وقال أبو حاتم أدرك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وصلى خلفه وممن جزم بأن له صحبة البخارى والترمذى ويعقوب بن سفيان والدارقطني. روى له الجماعة إلا الترمذى (قوله فجاءه رجل) من أهل البادية كما في رواية الطبراني ولم يوقف علي اسمه (معنى الحديث) (قوله الشهر والشهرين) وفي بعض النسخ الشهر أو الشهرين. وأو بمعنى الواو لما في رواية النسائى فقال يا أمير المؤمنين ربما نمكث الشهر والشهرين فتصيبنا الجنابة ولا ماء ثمة أفنتيمم (قوله فقال عمر أما أنا الخ) جواب ضمنيّ فكأنه قال لا تصل حتى نجد الماء وقد صرّح به في رواية مسلم فبين عمر أن رأيه تأخير الصلاة لا جواز التيمم للجنابة وقوله أما تذكر إذ كنت أنا وأنت في الإبل أى في مكان نرعاها فيه كما في رواية النسائى. وفي رواية مسلم أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء الخ (قوله فتمعكت) أى تمرغت وتقلبت في التراب وهو يدلّ على أنه كان عنده علم بأصل التيمم ثم لما أخبر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بما فعله علمه صفة التيمم وأنه للجنابة والحدث سواء (قوله يكفيك أن تقول هكذا) أى تفعل هكذا ففيه استعمال القول في الفعل (قوله وضرب بيديه إلى الأرض) بيان لقوله هكذا. وعلمه بالفعل لأنه أوقع في النفس من التعليم القولى. وفي رواية للبخارى وضرب بكفيه الأرض. وفي أخرى له وكذا للبيهقي والنسائى فضرب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله ثم نفخهما) وفي رواية للبخارى ثم أدناهما من فيه وهو كناية عن النفخ وفيها إشارة إلى أنه كان نفخا خفيفا (قوله ثم مسح بهما وجهه ويديه) وفي نسخة ثم مسّ إلخ وظاهره الاكتفاء بضربة واحدة للوجه واليدين وبه قال جماعة كما تقدّم. وأجاب من قال بلزوم الضربتين بأن هذا الحديث والذى قبله لبيان كيفية المسح للتعليم لا لبيان جميع ما يحصل به التيمم قالوا قد أوجب الله

ما دل عليه حديث عمار من وقوع الاجتهاد في زمنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وغير ذلك من الأحكام

تعالى غسل اليدين إلى المرفقين في الوضوء بقوله "فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق" وأوجب المسح في التيمم بقوله تعالى "فامسحوا بوجوهكم وأيديكم" والظاهر أن اليد المطلقة هنا هى المقيدة بالمرفقين في الوضوء في أول الآية فلا يترك هذا الظاهر إلا بصريح اهـ لكن قد علمت أن الضربة الواحدة أقلّ ما يجزئُ في التيمم وما زاد فهو أكمل وأحوط (قوله إلى نصف الذراع) فيه حجة لمن قال إن التيمم إلى الكوعين "وأجيب" عنه بأن هذا بيان صورة الضرب للتعليم وليس فيه جميع ما يحصل به التيمم (قال) الحافظ في الفتح فيه دليل على أن الواجب في التيمم هي الصفة المشروحة في هذا الحديث والزيادة على ذلك لو ثبتت بالأمر دلت على النسخ ولزم قبولها لكن إنما وردت بالفعل فتحمل على الأكمل وهذا هو الأظهر في الدليل اهـ (قوله اتق الله) أى خف الله فيما ترويه وتثبت فلعلك نسيت أو اشتبه عليك الأمر (قوله إن شئت الخ) أى إن رأيت المصلحة في إمساكي عن التحديث به راجحة على مصلحة تحديثى أمسكت فإن طاعتك واجبة عليّ في غير معصية كأنه رأى أن أصل تبليغ هذه السنة قد حصل فإذا أمسك بعد هذا لا يكون داخلا فيمن كتم العلم. وزيادة التبليغ غير واجبة عليه (قوله كلا) هي في الأصل للردع والزجر والتنبيه على الخطأ وقد تأتى بمعنى حقا ومنه قوله تعالى "كلا إن الإنسان ليطغى" وهى هنا بمعنى النفى أى لا تمسك عن تحديثك به وليس لى أن أمنعك منه إذ لا يلزم من عدم تذكرى له أن لا يكون حقا في الواقع (وفى قصة) عمار رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ جواز الاجتهاد في زمن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإن عمارا اجتهد في صفة التيمم (وقد اختلف) الأصوليون فيه على أقوال "أصحها" يجوز الاجتهاد بحضرته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وغير حضرته "وقيل" لا يجوز مطلقا "وقيل" يجوز في غير حضرته ولا يجوز في حضرته (قوله لنولينك من ذلك الخ) أى لنكل إليك ما قلته من أمر التيمم للجنب وما وليته نفسك ورضيت لها به كأنه لم يجزم بخطئه ولم يتذكر القصة فجوّز على نفسه النسيان وعلى عمار الوهم (فقه الحديث) الحديث يدلّ على أنه يطلب من المعلم أن يسلك في تعليمه أوضح الطرق، وعلى أن الضربة الواحدة تكفى في مسح الوجه واليدين في التيمم، وعلى مشروعية نفخ اليدين بعد وضعهما على الأرض، وعلى عدم استحباب تكرار المسح في التيمم لأن التكرار ينافي التخفيف المأخوذ من النفخ، وعلى جواز الاقتصار في التيمم على مسح اليدين إلى الكوعين. وعلى وقوع اجتهاد الصحابة في زمن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وعلى أن المجتهد لا لوم عليه إذا بذل وسعه وإن لم يصب الحق وأنه إذا عمل بالاجتهاد لا تجب عليه الإعادة، وعلى أن فاقد الطهور لا يصلي ولا قضاء عليه فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يأمر عمر بقضاء الصلاة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه

والدارقطني والبيهقي والطحاوى في شرح معاني الآثار مختصرا ومطوّلا (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، نَا حَفْصٌ، نَا الْأَعْمَشُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: «يَا عَمَّارُ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ، ثُمَّ ضَرَبَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَالذِّرَاعَيْنِ إِلَى نِصْفِ السَّاعِدِ، وَلَمْ يَبْلُغِ الْمِرْفَقَيْنِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً» (ش) (قوله حفص) بن غياث (قوله ثم مسح وجهه وذراعيه الخ) وفي نسخة ثم مسح وجهه والذراعين. والذراع اليد من كل حيوان لكنها من الإنسان من المرفق إلى أطراف الأصابع. والساعد ما بين المرفق والكفّ وهو مذكر وسمى ساعدا لأنه يساعد الكفّ في بطشها وعملها (وفي هذا) دلالة على مشروعية التيمم، وعلى أنه لا يشترط الاستيعاب فيه، وعلى أنه تكفي فيه ضربة واحدة. وهذه الرواية أخرجها الطحاوى في شرح معاني الآثار من طريق عيسى بن يونس عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن عبد الرحمن ابن أبزى عن أبيه عن عمار أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال له إنما كان يكفيك هكذا وضرب الأعمش بيديه الأرض ثم نفخهما ومسح بهما وجهه وكفيه. وفي رواية أخرى فمسح بهما وجهه ويديه إلى أنصاف الذراع. ونحوه في الدارقطني (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، وَرَوَاهُ جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى يَعْنِي، عَنْ أَبِيهِ. (ش) غرض المصنف بذكر رواية وكيع بن الجرّاح وجرير بن عبد الحميد بيان أنهما تابعا حفص ابن غياث في الرواية عن الأعمش وأن أصحاب الأعمش اختلفوا عليه في الرواية عنه فقال حفص عنه عن سلمة عن ابن أبزى عن عمار فلم يدخل بين سلمة وبين ابن أبزى أحدا ولم يسمّ ابن أبن أبزى وأما وكيع فروى عنه عن سلمة عن عبد الرحمن بن أبزى فوافق حفصا في ترك الواسطة لكن سمى ابن أبزى. وأما جرير فروى عنه عن سلمة عن سعيد بن عبد الرحمن بزيادة سعيد بين سلمة وبين ابن أبن أبزى وتقدم أن أبا مالك كان هو الواسطة في حديث الثورى بين سلمة وابن أبزى

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمَّارٍ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، فَقَالَ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ وَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا، وَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ» شَكَّ سَلَمَةُ وَقَالَ: «لَا أَدْرِي فِيهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، يَعْنِي أَوْ إِلَى الْكَفَّيْنِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عن ذرّ) بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء هو ابن عبد الله ابن زرارة الهمدانى أبو عمر الكوفي. روى عن سعيد بن جبير وسعيد بن عبد الرحمن بن أبزى وعبد الله بن شدّاد وغيرهم. وعنه ابنه عمر والأعمش والحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل وحبيب ابن أبى ثابت وآخرون. قال أحمد بن حنبل ما بحديثه بأس وقال ابن معين وابن خراش وابن نمير والنسائى ثقة وقال أبو داود كان مرجئا وهجره إبراهيم النخعى وسعيد بن جبير للإرجاء وقال البخارى والساجى وأبو حاتم صدوق في الحديث. روى له الجماعة (قوله ابن عبد الرحمن بن أبزى) هو سعيد بن عبد الرحمن الخزاعي مولاهم الكوفي. روى عن ابن عباس وواثلة ابن الأسقع. وعنه طلحة بن مصرّف وقتادة وعطاء بن السائب وغيرهم. وثقه النسائى وقال أحمد حسن الحديث وذكره ابن حبان في الثقات. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله بهذه القصة الخ) أى حدّث محمد بن بشار بقصة تعليم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عمارا كيفية التيمم المبينة بقوله إنما كان يكفيك الخ (قوله شك سلمة قال لا أدرى الخ) أى لا أعلم أقال ذرّ في روايته إلى المرفقين أى ومسح بهما إلى المرفقين ولم يحفظ شعبة لفظ سلمة الذى قاله مقابلا لقوله إلى المرفقين لكن حفظ معناه قال يعنى إلى الكفين أى يقصد سلمة بالمقابل لقوله إلى المرفقين أو إلى الكفين. وهذه الرواية أخرجها البيهقى والطحاوى (ص) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، نَا حَجَّاجٌ يَعْنِي الْأَعْوَرَ، حَدَّثَنِي شُعْبَةُ بِإِسْنَادِهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: «ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا وَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ» - أَوْ إِلَى الذِّرَاعَيْنِ - قَالَ شُعْبَةُ: كَانَ سَلَمَةُ يَقُولُ: الْكَفَّيْنِ وَالْوَجْهَ وَالذِّرَاعَيْنِ، فَقَالَ لَهُ مَنْصُورٌ ذَاتَ يَوْمٍ: انْظُرْ

مَا تَقُولَ فَإِنَّهُ لَا يَذْكُرُ الذِّرَاعَيْنِ غَيْرُكَ. (ش) لعل غرض المصنف بذكر هذه الرواية بيان أن ما فهمه شعبة أن أحد طرفي الشك الصادر من سلمة قوله أو إلى الكفين غير مسلم لأنه لا يتفق مع ما قبله من قوله ثم نفخ فيها ومسح بها وجهه وكفيه فإنه لا معنى لقوله إلى الكفين بعده حتى يقع الشك في لفظ إلى المرفقين أو إلى الكفين بل الصواب ما صرّح به في هذه الرواية من أن سلمة إنما شك بين لفظ إلى المرفقين أو إلى الذراعين (رجال الحديث) (قوله على بن سهل) بن قادم أبو الحسن نسائى الأصل ونزيل الرملة روى عن الوليد بن مسلم ومروان بن معاوية وضمرة بن ربيعة وآخرين. وعنه أبو داود وابن خزيمة وأبو زرعة وأبو حاتم وقال صدوق ووثقه النسائى وقال الحاكم كان محدّث أهل الرملة وحافظهم وذكره ابن حبان في الثقات. و (الرملى) بفتح الراء وسكون الميم نسبة إلى الرملة قرية من فلسطين (قوله بإسناده) أى بإسناد شعبة السابق وهو سلمة عن ذرّ عن ابن عبد الرحمن ابن أبزى عن أبيه عن عمار (قوله كان سلمة يقول الخ) أى كان سلمة بن كهيل يقول في بعض رواياته فمسح باليد الكفين والوجه والذراعين فقال له منصور بن المعتمر تثبت مما تقول من ذكر الذراعين فإنه لم يذكرهما من تلاميذ ذرّ بن عبد الله غيرك. وغرض المصنف بهذا بيان أن زيادة المسح على الذراعين تفرّد بها سلمة بن كهيل فهى ضعيفة. وردّ بأنها زيادة من ثقة فهى مقبولة ولا سيما وقد ذكرت في روايات أخر. وهذه الرواية أخرجها البيهقى (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِي الْحَكَمُ، عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمَّارٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: فَقَالَ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ إِلَى الْأَرْضِ، وَتَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ»، وَسَاقَ الْحَدِيثَ (ش) غرض المصنف بذكر هذه الرواية وما قبلها بيان أن ذرّ بن عبد الله اختلف عليه فذكر سلمة بن كهيل في روايته عنه غاية المسح فقال ومسح بها وجهه وكفيه إلى المرفقين أو إلى الذراعين ولم يذكر الحكم في روايته عنه غاية المسح. وهذا لا يقدح في صحة الحديث لأن ذكر الغاية زيادة من الثقة وهي مقبولة ولا تنافى بينهما فإن المسح على المرفقين يشمل مسح الكفين (قال) البيهقى هذا الاختلاف في متن حديث ابن أبزى عن عمار إنما وقع أكثره من

سلمة بن كهيل لشك وقع له. والحكم بن عتيبة فقيه حافظ قد رواه عن ذرّ بن عبد الله عن سعيد ابن عبد الرحمن ثم سمعه من سعيد بن عبد الرحمن فساق الحديث على الإثبات من غير شك فيه اهـ (قوله يحيى) بن سعيد القطان. و (شعبة) بن الحجاج، و (الحكم) بن عتيبة (قوله وساق الحديث) أى ذكر عمار الحديث. وهذه الرواية تدلّ على أن التيمم ضربة واحدة، وعلى أن المسح إلى الكوعين. وقد أخرج الدارقطني هذه الرواية عن عمار عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إنما يكفيك وضرب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بيده الأرض ثم نفخ فيها ومسح بها وجهه وكفيه. وأخرجها الطحاوى بلفظ إنما كان يكفيك هكذا وضرب شعبة بكفيه إلى الأرض وأدناهما من فيه فنفخ فيهما ثم مسح وجهه وكفيه. وأخرجها البيهقي عن ذرّ عن ابن لعبد الرحمن بن أبزى عن عبد الرحمن قال الحكم ثم سمعته من ابن عبد الرحمن ابن أبزى بخراسان قال جاء رجل إلى عمر فقال إنه أجنب فلم يجد الماء فقال له عمار أما تذكر أنا كنا في سرية على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأجنبت أنا وأنت فأما أنت فلم تصلّ وأما أنا فتمعكت في التراب ثم صليت فأتيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذكرت ذلك له فقال إنما كان يكفيك هكذا ثم ضرب بيديه إلى الأرض ثم نفخ فيهما ومسح وجهه وكفيه لم يجاوز الكوع. وأخرجها مسلم عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه أن رجلا أتى عمر فقال إنى أجنبت فلم أجد ماء فقال لا تصلّ فقال عمار أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء فأما أنت فلم تصلّ وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك فقال عمر اتق الله يا عمار قال إن شئت لم أحدّث به (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارًا يَخْطُبُ بِمِثْلِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «لَمْ يَنْفُخْ». (ش) أَى روى حديث عمار شعبة بن الحجاج بن الورد عن حصين بن عبد الرحمن عن أبى مالك غزوان الغفارى قال سمعت عمارا يخطب بمثل ما تقدّم في حديثه من مسح الوجه والكفين إلا أنه صرّح في هذه الرواية بعدم النفخ. وقد روى الدارقطنى حديث حصين موقوفا بلفظ قال حصين سمعت أبا مالك يقول سمعت عمار بن ياسر يخطب بالكوفة وذكر التيمم فضرب بيده الأرض فمسح وجهه ويديه. ورواه أيضا من طريق إبراهيم بن طهمان عن حصين عن أبى مالك عن عمار ابن ياسر بلفظ إنه أجنب في سفر له فتمعك في التراب ظهرا لبطن فلما أتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبره فقال يا عمار إنما كان يكفيك أن تضرب بكفيك التراب ثم تنفخ فيهما

ثم تمسح بهما وجهك وكفيك إلى الرسغين قال الدارقطنى لم يروه عن حصين مرفوعا غير إبراهيم بن طهمان ووقفه شعبة وزائدة وغيرهما اهـ وأبو مالك في سماعه من عمار نظر فإن سلمة ابن كهيل قال فيه عن أبى مالك عن ابن أبزى عن عمار (ص) وَذَكَرَ حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: «فضَرَبَ بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ وَنَفَخَ» (ش) أى ذكر حسين بن محمد عن شعبة بن الحجاج عن الحكم بن عتيبة في حديث عمار قوله فضرب بكفيه الأرض ونفخ. وغرض المصنف بذكر هذه الرواية وما قبلها بيان أن بعض الرواة لم يتعرّض لذكر النفخ ونفيه كما في أكثر الروايات السابقة وأن شعبة صرّح في روايته عن حصين بأن عمارا قال لم ينفخ وأن حسينا صرّح في روايته عن شعبة عن الحكم بذكر النفخ و (حسين بن محمد) هو ابن بهرام بكسر أوله وفتحه التيمى أبو محمد أو أبو على المؤذن. روى عن إسرائيل وجرير بن حازم ومحمد بن مطرّف وابن أبى ذئب وشريك النخعى وآخرين. وعنه أحمد وابن منيع وأبو خيثمة وابن مهدى وكثيرون. وثقه ابن سعد والعجلى وقال النسائى ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن نمير صدوق. مات سنة ثلاث عشرة أو أربع عشرة ومائتين. روى له الجماعة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّيَمُّمِ «فَأَمَرَنِي ضَرْبَةً وَاحِدَةً لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ». (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن المنهال) التميمى المجاشعى أبو جعفر ويقال أبو عبد الله البصرى الضرير. روى عن أبى عوانة ويزيد بن زريع وجعفر بن سليمان وأبى داود الطيالسي وغيرهم. وعنه البخارى ومسلم وأبو داود والأثرم وعثمان بن سعيد الدارمى وكثيرون قال أبو حاتم ثقة حافظ كيس وقال العجلى ثقة ولم يكن له كتاب وقال أبو زرعة سألته أن يقرأ علىّ تفسير أبى رجاء فأملى علىّ من حفظه نصفه ثم أتيته يوما آخر بعدكم فأملى علىّ من حيث انتهى فقال خذ فتعجبت من ذلك وقال ابن عدى سمعت أبا يعلى يفخم أمره ويذكر أنه كان أحفظ من بالبصرة في وقته وقال ابن معين ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. مات بالبصرة في شعبان سنة إحدى وثلاثين ومائتين. روى له البخارى ستة أحاديث ومسلم ثلاثة عشر (قوله سعيد) بن

أبى إياس الجريرى (قوله عزرة) بفتح العين المهملة وسكون الزاى ابن عبد الرحمن بن زرارة الخزاعي الكوفي. روى عن عائشة. قال ابن معين وابن المديني ثقة وذكره ابن حبان في الطبقة الثالثة من الثقات روى له الجماعة إلا البخارى (معنى الحديث) (قوله فأمرني ضربة واحدة للوجه والكفين) به احتج من قال بالاكتفاء في التيمم بضربة واحدة للوجه والكفين وأن ما زاد على الكفين لا يلزم مسحه وقد تقدم أن هذا المذهب أقوى المذاهب دليلا (قال) الحافظ في الفتح "قوله باب التيمم للوجه والكفين" أى هو الواجب المجزئُ وأتى بذلك بصيغة الجزم مع شهرة الخلاف فيه لقوّة دليله فإن الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبى جهيم وعمار وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه والراجح عدم رفعه. فأما حديث أبي جهيم فورد بذكر اليدين مجملا، وأما حديث عمار فورد بذكر الكفين في الصحيحين وبذكر المرفقين في السنن وفي رواية إلى نصف الذراع وفي رواية إلى الآباط، فأما رواية المرفقين وكذا نصف الذراع ففيهما مقال، وأما رواية الآباط فقال الشافعى وغيره إن كان ذلك وقع بأمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعده فهو ناسخ له وإن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمر به، ومما يقوّى رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمار يفتي بعده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بذلك وراوى الحديث أعرف بالمراد به من غيره ولا سيما الصحابى المجتهد اهـ (أقول) قد تقدم تصحيح حديث الضربتين وبيان وجه الاحتجاج به وأن القول بلزوم الضربتين ومسح اليدين إلى المرفقين أشبه بالأصول وأصح في القياس (قال) الطحاوى في شرح معانى الآثار لما اختلفوا في التيمم كيف هو واختلفت الروايات فيه رجعنا إلى النظر في ذلك لنستخرج من هذه الأقاويل قولا صحيحا فاعتبرنا ذلك فوجدنا الوضوء على الأعضاء التي ذكرها الله تعالى في كتابه وكان التيمم قد أسقط عن بعضها فأسقط عن الرأس والرجلين فكان التيمم هو على بعض ما عليه الوضوء فبطل بذلك قول من قال إنه إلى المناكب لأنه لما بطل عن الرأس والرجلين وهما مما يوضأ كان أحرى أن لا يجب على ما لا يوضأ. ثم اختلف في الذراعين هل ييممان أم لا فرأينا الوجه يتيمم بالصعيد كما يغسل بالماء ورأينا الرأس والرجلين لا ييمم منهما شيء فكان ما سقط التيمم عن بعضه سقط عن كله وكان ما وجب فيه التيمم كان كالوضوء سواء لأنه جعل بدلا منه فلما ثبت أن بعض ما يغسل من اليدين في حال وجود الماء ييمم في حال عدم الماء ثبت بذلك أن التيمم في اليدين إلى المرفقين قياسا ونظرا على ما بينا من ذلك اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يكفى في التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين. وعلى آن المسح للوجه والكفين لا غير

باب التيمم في الحضر

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبيهقى والطحاوى وكذا الدارقطني بلفظ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم التيمم ضربة للوجه والكفين وسنده صحيح (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبَانُ قَالَ: سُئِلَ قَتَادَةُ، عَنِ التَّيَمُّمِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ: حَدَّثَنِي مُحَدِّثٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ» (ش) (قوله حدّثني محدّث الخ) لم يعرف اسمه. وقوله في السفر ليس بقيد ولعله عبر بالمحدّث إشارة إلى أنه ثقة عنده لكنه لم يتذكر اسمه فلا تضرّ جهالته (قوله قال إلى المرفقين) أى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر عمارا أن يمسح الوجه والكفين إلى المرفقين. والحديث من أدلة من قال بلزوم المسح في التيمم إلى المرفقين ولا يضرّه عدم تسمية شيخ قتادة لما علمته ولأن المصنف ذكره على سبيل المتابعة ويحتمل في المتابع ما لا يحتمل في الأصل (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطني والبيهقي وقال أما حديث قتادة عن محدّث عن الشعبي فهو منقطع لا يعلم من الذى حدّثه فينظر فيه وقد ثبت الحديث من وجه آخر لا يشك أحد في صحة إسناده وأخرجه من طريق إبراهيم بن هانئ قال ثنا موسى بن إسماعيل ثنا أبان قال سئل قتادة عن التيمم في السفر فقال كان ابن عمر يقول إلى المرفقين وكان الحسن وإبراهيم النخعى يقولان إلى المرفقين قال وحدّثني محدّث عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إلى المرفقين قال أبو إسحاق فذكرته لأحمد ابن حنبل فعجب منه وقال ما أحسنه (باب التيمم في الحضر) (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، قال حدثني أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزٍ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ حتى دخلنا عَلَى أَبِي الْجُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الْأَنْصَارِيِّ فقَالَ أَبُو الْجُهَيْمِ: «أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ من نَحْوَ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ عَلَيْهِ السَّلَامَ حَتَّى أَتَى عَلَى جِدَارٍ، فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله حدثنى أبى) هو شعيب بن الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمى مولاهم أبو عبد الملك المصرى. روى عن أبيه وموسى بن على بن رباح. وعنه الربيع ابن سليمان وأحمد بن يحيى ويحيى بن عبد الله بن بكير ويونس بن عبد الأعلى وغيرهم. قال ابن وهب ما رأيت أفضل من شعيب بن الليث وقال ابن يونس كان فقيها مفتيا وكان من أهل الفضل وقال أحمد بن صالح والخطيب كان ثقة. ولد سنة خمس وثلاثين ومائة. ومات سنة تسع وتسعين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى (قوله عن جدّى) هو الليث ابن سعد الإمام (قوله عمير) بن عبد الله الهلالى أبو عبد الله المدنى مولى أم الفضل بنت الحارث ويقال مولى ابنها عبد الله وهو ما درج عليه المصنف. روى عن الفضل وعبد الله ابنى العباس وأبى الجهيم وأسامة ابن زيد. وعنه أبو النضر وعبد الرحمن بن مهران وإسماعيل بن رجاء الزبيدى. وثقه النسائى وابن سعد وابن إسحاق وذكره ابن حبان في الثقات. مات بالمدينة سنة أربع ومائة. روى له الشيخان وأبو داود والنسائى (قوله عبد الله بن يسار) هذا هو الصحيح في حديث الليث. وقد وقع في صحيح مسلم عبد الرحمن بن يسار مولى ميمونة (قال) أبو على الغساني وجميع المتكلمين على أسانيد مسلم قوله عبد الرحمن خطأ صريح وصوابه عبد الله بن يسار وهكذا رواه البخارى وأبو داود والنسائى وغيرهم على الصواب فقالوا عبد الله بن يسار (قال) القاضى عياض ووقع في روايتنا لصحيح مسلم من طريق السمرقندى عن الفارسى عن الجلودى عن عبد الله بن يسار على الصواب وهم أربعة إخوة عبد الله وعبد الرحمن وعبد الملك وعطاء مولى ميمونة (قوله دخلنا على أبى الجهيم) بضم الجيم وفتح الهاء مصغرا على المشهور. وفى صحيح مسلم بفتح الجيم وسكون الهاء وهو خطأ والصواب ما هنا كما وقع في البخارى وغيره واسمه عبد الله (ابن الحارث بن الصمة) بكسر الصاد المهملة وتشديد الميم ابن عمرو بن عتيك بن عمرو بن مبذول ابن عامر بن مالك بن النجار الأنصارى وقيل غير ذلك. اتفق الشيخان له على حديثين. روى عنه بشر بن سعيد الحضرمى وأخوه مسلم ابن سعيد وعمير مولى ابن عباس وعبد الله مولى ميمونة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله من نحو بئر جمل) بفتح الجيم والميم أى من جهة الموضع الذى يعرف ببئر الجمل وهو موضع بقرب المدينة (قوله فلقيه رجل) هو أبو الجهيم كما صرّح به في رواية البغوى في شرح السنة من طريق الشافعى عن أبى الجهيم قال مررت على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو يبول فسلمت عليه فلم يردّ علىّ حتى قام إلى جدار فحته بعصا

كانت معه ثم وضع يديه على الجدار فمسح وجهه وذراعيه ثم ردّ عليّ (قوله فلم يردّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليه السلام) أى لأنه لم يكن على طهارة ففى الحديث الآتى إنه لم يمنعني أن أردّ عليك السلام إلا أني لم أكن على طهر (قوله حتى أتى على جدار) وفى رواية البخارى حتى أقبل على الجدار. واللام فيه للعهد الخارجى أى أتى على جدار هناك. ولعله كان مباحا أو مملوكا لإنسان يعرف رضاه فلم يحتج للإذن. ومثل هذا يجوز لآحاد الناس فالنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أولى وأجدر (قوله فمسح بوجهه ويديه) وفي رواية الدارقطنى من طريق أبى صالح عن الليث فمسح بوجهه وذراعيه وكذا للشافعي من رواية أبى الحويرث وله شاهد من حديث ابن عمر الآتي لكن صوّب الحفاظ وقفه. والثابت في حديث أبى الجهيم لفظ يديه لا ذراعيه فإنها رواية شاذة مع ما في أبي الحويرث وأبي صالح من الضعف وهذا الحديث محمول على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان عادما للماء حال التيمم كما هو مقتضى صنيع البخارى (قال) الحافظ في الفتح لكن تعقب استدلاله به على جواز التيمم في الحضر بأنه ورد على سبب وهو إرادة ذكر الله لأن لفظ السلام من أسمائه وما أريد به استباحة الصلاة "وأجيب" بأنه لما تيمم في الحضر لردّ السلام مع جوازه بدون الطهارة فمن خشى فوت الصلاة في الحضر جاز له التيمم بطريق الأولى لعدم جواز الصلاة بغير الطهارة مع القدرة اهـ وبهذا يظهر وجه مطابقة الحديث للترجمة (قال) العيني قال الشيخ محيي الدين هذا الحديث محمول على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان عادما للماء حال التيمم فإن التيمم مع وجود الماء لا يجوز للقادر على استعماله ولا فرق بين أن يضيق وقت الصلاة وبين أن يتسع ولا فرق بين صلاة الجنازة والعيدين وغيرها "قلت" الحديث مطلق يستفاد منه جواز التيمم لأجل ردّ السلام ونحوه وفي معناه صلاة الجنازة والعيد إذا خاف فوتهما سواء أوجد الماء أم لا ولا ضرورة على حمله على أنه كان عادما للماء لأنه تخصيص بلا مخصص اهـ (وبهذا) الحديث ونحوه أخذ بعض الحنفية جواز التيمم مع القدرة على الماء في الوضوء المندوب دون الواجب (واحتج) بالحديث من قال بجواز التيمم على الحجر وذلك لأن حيطان المدينة مبنية بالحجارة. ولا يصح الاستدلال بهذا الحديث على أن التيمم للمرفقين لأن لفظ اليد مجمل. وأما رواية فمسح بوجهه وذراعيه فهى ضعيفة كما تقدّم (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية السلام، وعلى استحباب الطهارة ولو بالتيمم لمن يردّ السلام ومثله سائر الأذكار، وعلى جواز التيمم بالجدار سواء أكان عليه غبار أم لا لإطلاق الحديث، وعلى أنه يكفي في التيمم مسح الوجه واليدين (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى والنسائى والبيهقى والدارقطنى وكذا البغوى

في شرح السنة بلفظ تقدم. وأخرجه مسلم معلقا حيث لم يذكر شيخه بل قال وروى الليث بن سعد عن جعفر الخ وهو موصول على شرطه (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيُّ أَبُو عَلِيٍّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ الْعَبْدِيُّ، نَا نَافِعٌ قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي حَاجَةٍ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَضَى ابْنُ عُمَرَ حَاجَتَهُ فَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ يَوْمَئِذٍ أَنْ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي سِكَّةٍ مِنَ السِّكَكِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا كَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَتَوَارَى فِي السِّكَّة «ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْحَائِطِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ بهما ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحَ ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلَامَ» وَقَالَ: «إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ السَّلَامَ إِلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ عَلَى طُهْرٍ» (ش) (رجال الحديث) (قوله أحمد بن إبراهيم) بن خالد (أبو على) روى عن حماد بن زيد ومحمد بن ثابت العبدى وشريك بن عبد الله النخعى وابن المبارك ويزيد بن زريع وغيرهم. وعنه أبو داود والنسائى وأبو يعلى وأبو زرعة وموسى بن هارون وطائفة. قال أحمد بن حنبل ليس به بأس وقال ابن معين ثقة صدوق وذكره ابن حبان في الثقات. توفي سنة خمس أو ست وثلاثين ومائتين ببغداد. روى له أبو داود هذا الحديث فقط وكذا ابن ماجه في التفسير. و (الموصلى) بفتح الميم وسكون الواو وكسر الصاد المهملة نسبة إلى الموصل وهى عاصمة ديار بكر (قوله محمد بن ثابت العبدى) البصرى أبو عبد الله. روى عن نافع مولى ابن عمر وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار ويحيى بن سعيد الأنصارى وآخرين. وعنه ابن المبارك ووكيع وابن مهدى وأبو الوليد الطيالسى ويزيد بن هارون وكثيرون. قال ابن معين ليس بشئ وقال الدورى عن ابن معين ضعيف قال فقلت له أليس قد قلت مرّة ليس به بأس قال ما قلت هذا قط وقال ابن عدى عامة ما يرويه لا يتابع عليه وقال أبو حاتم ليس بالمتقن يكتب حديثه وقال النسائى ليس به بأس وقال مرّة ليس بالقوىّ ووثقه العجلى ومحمد بن سليمان. روى له أبو داود وابن ماجه و (نافع) مولى ابن عمر (معنى الحديث) (قوله وكان من حديثه) أى من حديث ابن عمر لا من حديث ابن عباس

لأن هذا الحديث مروىّ من طرق عن ابن عمر ولم يعرف عن ابن عباس. وفى المعرفة للبيهقي فلما أن قضى حاجته كان من حديثه يومئذ (قوله أن قال) أن أولت ما بعدها بمصدر مرفوع على أنه اسم كان وخبرها قوله من حديثه مقدّم عليه والتقدير كان قوله مرّ رجل إلخ من حديثه يومئذ (قوله في سكة إلخ) بكسر السين المهملة وتشديد الكاف أى طريق من الطرق وأصلها الطريق المصطفة من النخل ثم سميت الطرق بذلك لاصطفاف المنازل بجانبيها (قال) في المصباح السكة الزقاق والسكة الطريق المصطف من النخل والجمع سكك مثل سدرة وسدر (قوله حتى إذا كاد الخ) أى قرب أن يغيب عن نظره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله إنه لم يمنعنى أن أردّ عليك الخ) قال ابن الجوزى كره أن يردّ عليه السلام لأنه اسم من أسماء الله تعالى أو يكون هذا في أول الأمر ثم استقرّ الأمر على غير ذلك. وفي شرح الطحاوى حديث المنع من ردّ السلام منسوخ بآية الوضوء وقيل بحديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا كان يذكر الله على كل أحيانه اهـ (فقه الحديث) كالذى قبله مع زيادة التنصيص على الضربتين (من أخرج الحديث أيضا وبيان حاله) أخرجه الدارقطنى والطبرانى في الأوسط وكذا البيهقى من طريقين عن محمد بن ثابت عن نافع قال انطلقت مع ابن عمر في حاجة إلى ابن عباس فلما أن قضى حاجته كان من حديثه يومئذ قال بينما النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في سكة من سكك المدينة وقد خرج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من غائط أو بول فسلم عليه رجل فلم يردّ عليه ثم إن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ضرب بكفيه فمسح بوجهه مسحة ثم ضرب بكفيه الثانية فمسح ذراعيه إلى المرفقين وقال إني لم يمنعنى أن أردّ عليك إلا أنى لم أكن على وضوء أو على طهارة (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: " سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ حَدِيثًا مُنْكَرًا فِي التَّيَمُّمِ " قَالَ ابْنُ دَاسَةَ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يُتَابَعْ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى «ضَرْبَتَيْنِ» عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، وَرَوَوْهُ فِعْلَ ابْنِ عُمَرَ (ش) غرض المصنف بهذا بيان أن الحديث منكر لتفرّد محمد بن ثابت بذكر الضربتين فيه وهو ضعيف جدًّا وإنما روى الحفاظ الثقات الضربتين من فعل ابن عمر غير مرفوع (قال) البيهقى قد أنكر بعض الحفاظ رفع هذا الحديث على محمد بن ثابت فقد رواه جماعة عن نافع من فعل ابن عمر والذى رواه غيره عن نافع من فعل ابن عمر إنما هو التيمم فقط فأما هذه

القصة فهى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مشهورة برواية أبى الجهيم بن الحارث ابن الصمة وغيره اهـ وردّ بأن المنكر على محمد بن ثابت رفع المسح إلى المرفقين لا أصل القصة وقد صرّح بذلك البيهقى في كتاب المعرفة فقال إنما ينفرد محمد بن ثابت من هذا الحديث بذكر الذراعين فيه دون غيره اهـ وإذا كان المنكر عليه هو هذا لا ينفعه كون أصل القصة مشهورا بل قد عدّ اشتهار أصل القصة سببا لتضعيف ذكر الذراعين فإن الذى في الصحيح في قصة أبى الجهيم ومسح وجهه ويديه وليس فيه وذراعيه "ثم قال" البيهقي وروى ثابت عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر أن رجلا مرّ ورسول الله صلى الله تعالى عمليه وعلى آله وسلم يبول فسلم عليه فلم يردّ عليه إلا أنه قصر في روايته ورواية يزيد بن الهاد عن نافع أتمّ من ذلك اهـ ثم أخرج رواية ابن الهاد الآتية للمصنف بعد وقال فهذه الرواية شاهدة لرواية محمد بن ثابت العبدى إلا أنه حفظ فيها الذراعين اهـ وردّ بأنها إنما تشهد لرواية محمد بن ثابت إذا أنكر أصل الرواية عن ابن عمر أما إذا أنكر رفع مسح الذراعين إلى المرفقين فلا شهادة لرواية ابن الهاد ولا لرواية الضحاك ثم ذكر البيهقى بسنده إلى عثمان بن سعيد الدارمى عن يحيى بن معين قال محمد بن ثابت ليس به بأس اهـ وهو معارض بما تقدم عن الدورى عن ابن معين أنه قال ليس بشئ وأنكر قوله فيه ليس به بأس. وبما تقدم في ترجمته من تضعيف الجمهور له "ثم قال" البيهقى ومحمد بن ثابت في هذا الحديث غير مستحق للتنكير بالدلائل التى ذكرتها اهـ وقد علمت ما في هذه الدلائل (قال) العينى قد أنكر البخارى على محمد بن ثابت رفع هذا الحديث (وقال) الخطابي حديث ابن عمر لا يصح لأن محمد ابن ثابت العبدى ضعيف جدّا لا يحتج بحديثه (وقال) البيهقى رفعه غير منكر وفعل ابن عمر التيمم على الوجه والذراعين إلى المرفقين شاهد بصحة رواية محمد بن ثابت غير مناف لها "قلت" أما أنه غير مناف فصحيح. وأما أنه شاهد ففيه نظر لأنه لم يوافق رواية ابن ثابت في رفع الذراعين بل هذا هو علة من علل الرفع فكيف يكون المقتضى للتعليل وهو الوقف مقتضيا للتصحيح (وقال) البيهقى أيضا محمد بن ثابت أثنى عليه مسلم بن إبراهيم ورواه عنه "وأشار" البيهقى بذلك إلى أن مسلما لما رواه عنه قال حدثنا محمد بن ثابت العبدى وكان صدوقا وصدقه لا يمنع أن ينكر عليه رفعه على وجه الغلط لمخالفة غيره له على عادة كثير من أهل الحديث أو أكثرهم اهـ بحذف (ص) حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى الْبُرُلُّسِيُّ، أَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، قال إنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الغَائِطِ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ عِنْدَ بِئْرِ جَمَلٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ

باب الجنب يتيمم

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْحَائِطِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْحَائِطِ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ عَلَى الرَّجُلِ السَّلَامَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله جعفر بن مسافر) بن راشد التنيسي بكسر المثناة الفوقية والنون المشددة منسوب إلى تنيس بلد قرب دمياط أبو صالح الهذلى مولاهم. روى عن يحيى ابن حسان وبشر بن بكر وأيوب بن سويد وعبد الله بن يزيد المقرى وآخرين. وعنه أبو داود والنسائى وابن ماجه وجماعة. قال النسائى صالح وذكره ابن حبان في الثقات وقال كتب عن ابن عيينة وربما أخطأ وقال أبو حاتم شيخ. مات في المحرّم سنة أربع وخمسين ومائتين. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه (قوله عبد الله بن يحيى) المعافرى المصرى أبو يحيى. روى عن نافع ابن يزيد ومعاوية بن صالح وحيوة بن شريح وسعيد بن أبى أيوب والليث بن سعد وغيرهم وعنه دحيم وجعفر بن مسافر والحسن بن عبد العزيز وأبو داود وكثيرون. قال أبو زرعة وأبو حاتم لا بأس به زاد أبو زرعة أحاديثه مستقيمة وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة اثنتي عشرة ومائتين. روى له البخارى وأبو داود. و (البرلسي) بضم الموحدة والراء وتشديد اللام المضمومة نسبة إلى برلس قرية على بحيرة من البحيرات الشمالية بالقطر المصرى (قوله ابن الهاد) هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثى المدني أبو عبد الله. روى عن عبد الله ابن خباب ومحمد بن كعب القرظى ويحيى بن سعيد الأنصارى والزهرى وآخرين. وعنه مالك ابن أنس والليث بن سعد ويحيى بن أيوب وابن عيينة ويحيى بن سعيد الأنصارى وهو من شيوخه قال ابن سعد والنسائى وابن معين والعجلى ثقة وقال يعقوب بن سفيان مدني ثقة حسن الحديث وقال أحمد لا أعلم به بأسا. توفى سنة تسع وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث وفقهه كالذى قبله) غير أن هذا الحديث ليس فيه ذكر الضربتين (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطنى والبيهقى وكذا ابن ماجه في باب الرجل يسلم عليه وهو يبول من حديث أبى هريرة بلفظ مرّ رجل على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يردّ عليه فلما فرغ ضرب بكفيه الأرض فتيمم ثم ردّ عليه السلام وأخرجه من طريق المصنف وقال فهذه الرواية شاهدة لرواية محمد بن ثابت يعنى أنه مرفوع لا ينكر رفعه وحسنه المنذرى (باب الجنب يتيمم) أى في بيان أن الجنب إذا لم يجد الماء يتيمم. وتقدم الخلاف في ذلك وأن المعوّل عليه جوازه

كما جاءت به الأحاديث الصحيحة المشهورة ولم يخالف في ذلك من الصحابة إلا عمر وابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما فإنهما كانا يقولان بعدم جواز التيمم للجنب، وقيل إنهما رجعا عنه ثم أجمع العلماء علي جوازه. ثم إذا صلى الجنب بالتيمم ووجد الماء وجب عليه الاغتسال بإجماع العلماء إلا ما حكى عن أبى سلمة أنه قال لا يلزمه. وهو مذهب متروك بالإجماع وبالأحاديث الصحيحة في أمر الجنب بغسل بدنه إذا وجد الماء (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، وَمُسَدَّدٌ قَالَا حَدَّثنَا خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: اجْتَمَعَتْ غُنَيْمَةٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ ابْدُ فِيهَا». فَبَدَوْتُ إِلَى الرَّبَذَةِ فَكَانَتْ تُصِيبُنِي الْجَنَابَةُ فَأَمْكُثُ الْخَمْسَ وَالسِّتَّ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أبُو ذَرٍّ». فَسَكَتُّ فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ أَبَا ذَرٍّ لِأُمِّكَ الْوَيْلُ». فَدَعَا لِي بِجَارِيَةٍ سَوْدَاءَ فَجَاءَتْ بِعُسٍّ فِيهِ مَاءٌ فَسَتَرَتْنِي بِثَوْبٍ وَاسْتَتَرْتُ بِالرَّاحِلَةِ، وَاغْتَسَلْتُ فَكَأَنِّي أَلْقَيْتُ عَنِّي جَبَلًا فَقَالَ «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ» وَقَالَ: مُسَدَّدٌ: «غُنَيْمَةٌ مِنَ الصَّدَقَةِ» «وَحَدِيثُ عَمْرٍو أَتَمُّ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عن أبى قلابة) هو عبد الله بن زيد الجرمى. وقد وقع في بعض النسخ تحويل في السند بعد أبى قلابة هكذا ح وحدثنا مسدد أنبأنا خالد يعنى ابن عبد الله الواسطى عن خالد الحذاء عن أبى قلابة عن عمرو الخ وفى بعضها تحويل بعد خالد الواسطى هكذا ح وحدثنا مسدّد قال أنبأنا خالد يعنى ابن عبد الله الخ. وكلاهما غير ظاهر لاتحاد رجال السند بعد شيخى المصنف والظاهر ما في نسخة الخطابى وهو قوله حدثنا عمرو ابن عون ومسدّد قالا حدثنا خالد الواسطى الخ وهي التى كتبنا عليها (قوله عمرو بن بجدان) بضم الموحدة وسكون الجيم العامرى القعنبى. روى عن أبى ذرّ وأبى زيد الأنصارى. وعنه أبو قلابة قال ابن المدينى لم يرو عنه غير أبى قلابة وذكره ابن حبان في الثقات وقال العجلي تابعى ثقة وقال أحمد وابن القطان لا يعرف وقال الذهبى مجهول الحال، روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (قوله عن أبى ذرّ) اختلف في اسمه واسم أبيه والمشهور أنه جندب بن جنادة بن السكن

وقيل ابن جنادة بن قيس بن بياض بن عمرو الزاهد المشهور كان من السابقين إلى الإسلام "ففى" الصحيحين من طريق أبى جمرة عن ابن عباس قال لما بلغ أبا ذرّ مبعث النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لأخيه اركب إلى هذا الوادى فاعلم لى علم هذا الرجل الذى يزعم أنه نبىّ يأتيه الخبر من السماء واسمع من قوله ثم ائتنى فانطلق الأخ حتى قدم وسمع من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم رجع إلى أبى ذرّ فقال له رأيته يأمر بمكارم الأخلاق ويقول كلاما ما هو بالشعر فقال ما شفيتني مما أردت فتزوّد وحمل شنة فيها ماء حتى قدم مكة فأتى المسجد فالتمس النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو لا يعرفه وكره أن يسأل عنه حتى أدركه بعض الليل فاضطجع فرآه عليّ فعرف أنه غريب فلما رآه تبعه فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد وظلّ ذلك اليوم ولا يرى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى أمسى فعاد إلى مضجعه فمرّ به علىّ فقال أما آن للرجل أن يعرف منزله فأقامه فذهب به معه لا يسأل أحدهما صاحبه عن شئ حتى كان اليوم الثالث فعل مثل ذلك فأقامه فقال ألا تحدثنى ما الذى أقدمك قال إن أعطيتنى عهدا وميثاقا أن ترشدني فعلت ففعل فأخبره فقال إنه حق وإنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإذا أصبحت فاتبعنى فإني إن رأيت شيئا أخافه عليك قمت كأني أريق الماء فإن مضيت فاتبعنى حتى تدخل مدخلى ففعل فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ودخل معه وسمع من قوله فأسلم مكانه فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمرى فقال والذى نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقام القوم إليه فضربوه حتى أضجعوه وأتى العباس فأكبّ عليه وقال ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار وأنه طريق تجارتكم إلى الشام فأنقذه منهم ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه وثاروا عليه فأكبّ العباس عليه فأنقذه "وفى مسلم" من طريق عبد الله بن الصامت عن أبى ذرّ في قصة إسلامه وفيها فأتيت مكة فتضعفت رجلا منهم "يعنى نظرت إلى أضعفهم لأنه مأمون الغائلة" فقلت أين هذا الذى تدعونه الصابئَ فأشار إلىّ فقال الصابئُ فمال علىّ أهل الوادى بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشيا علىّ قال فارتفعت حين ارتفعت كأنى نصب أحمر فأتيت زمزم فغسلت عنى الدماء وشربت من مائها ولقد لبثت ثلاثين ما بين ليلة ويوم وما كان لى طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطنى "إلى أن قال" ثم أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال إنه قد وجهت إلى أرض ذات نخل لا أراها إلا يثرب فهل أنت مبلغ عني قومك عسى الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم فأتيت أخى أنيسا قال ما صنعت قلت إنى قد أسلمت وصدّقت فقال ما لى رغبة عن دينك وإنى قد أسلمت وصدّقت فأتينا أمنا فقالت ما بى رغبة عن

دينكم فإنى قد أسلمت وصدّقت فاحتملنا حتى أتينا قومنا "الحديث" ويقال إن إسلامه كان بعد أربعة وانصرف إلى بلاد قومه فأقام حتى قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة ومضت بدر وأحد ولم تتهيأ له الهجرة إلا بعد ذلك ومناقبه كثيرة "فقد" أخرج الطبراني من حديث أبى الدرداء قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يبتدئُ أبا ذرّ إذا حضر ويتفقده إذا غاب "وأخرج" أحمد من طريق عراك بن مالك قال قال أبو ذرّ سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول إن أقرّبكم مني مجلسا يوم القيامة من خرج من الدنيا كهيئة يوم تركته فيها وإنه والله ما منكم من أحد إلا وقد نشب فيها بشئ غيرى. رجاله ثقات إلا أن عراك بن مالك عن أبى ذرّ منقطع. وقال عليّ أبو ذرّ وعاء ملئَ علما ثم أوكئَ عليه أخرجه المصنف بسند جيد. وأخرج أيضا وكذا أحمد عن عبد الله بن عمرو سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبى ذرّ وفى السيرة النبوية لابن إسحاق بسند ضعيف عن ابن مسعود قال كان لا يزال يتخلف الرجل في تبوك فيقولون يا رسول الله تخلف فلان فيقول دعوه فإن يكن فيه خير فسيلحقه الله بكم وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه فتلوّن أبو ذرّ على بعيره فأبطأ عليه فأخذ متاعه على ظهره ثم خرج ماشيا فنظر ناظر من المسلمين فقال إن هذا الرجل يمشى على الطريق فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كن أبا ذرّ فلما تأملت القوم قالوا يا رسول الله هو والله أبو ذرّ فقال يرحم الله أبا ذرّ يعيش وحده ويموت وحده ويحشر وحده. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واحد وثمانون ومائتا حديث اتفق الشيخان على اثنى عشر وانفرد البخارى بحديثين ومسلم بسبعة. روى عنه أنس وابن عباس وزيد بن وهب وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن ابن تميم وطوائف. توفى بالربذة سنة إحدى وثلاثين وصلى عليه ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله اجتمعت غنيمة) تصغير غنم لإفادة التقليل وإنما لحقته التاء لأن الغنم اسم مؤنث موضوع للجنس فيقع على الذكر والأنثى واسم الجمع الذى لا واحد له من لفظه إذا كان لغير الآدمى وصغر فالتأنيث لازم له (قوله ابد فيها) فيها متعلق بمحذوف حال وفى للصاحبة أى اخرج إلى البدو مصاحبا الغنم كما في قوله تعالى "فخرج على قومه في زينته" وابد بضم الهمزة أمر من بدا يبدو إذا خرح إلى البدو وهو خلاف الحضر يقال بدا القوم بدوا إذا خرجوا إلى البادية ويتعدى بالهمزة فيقال أبديته وبدا إلى البادية بداوة بفتح أوله وكسره خرج إليها ويقال تبدّى الرجل أقام بالبادية وتبادى تشبه بأهل البادية (قوله فبدوت إلى الربذة) أى أخرجت الغنم إلى بادية الربذة بالراء الموحدة والذال المعجمة المفتوحات قرية بينها وبين المدينة ثلاث

مراحل بها قبر أبى ذرّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (قوله فأمكث الخمس والست) أى من الليالى والإيام فأصلى بغير طهور كما صرّح به في الرواية الآتية ولكن في مسند أحمد فأصابتنى جنابة فتيممت بالصعيد وصليت أياما فوقع في نفسى من ذلك حتى ظننت أنى هالك (قوله فقال أبو ذرّ الخ) أْى قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنت أبو ذرّ فسكتّ. وفى الرواية الآتية فقلت نعم. ويجمع بينهما بأن هذه الرواية اختصرها الراوي أى فسكتّ أولا ثم قلت نعم كما تدلّ عليه رواية الطبراني في الأوسط (قوله ثكلتك أمك) أى فقدتك يقال ثكلت المرأة ولدها ثكلا من باب تعب فقدته والاسم الشكل وزان قفل فهى ثاكل وقد يقال ثاكلة وثكلى والجمع ثواكل وثكالى وجاء فيها مثكال أيضا بكسر الميم أى كثيرة الثكل ويعدّى بالهمزة فيقال أثكلها الله ولدها. كأنه دعا عليه بالموت لسوء فعله أو أن هذه الكلمة مما تجرى على ألسنة العرب ولا يراد بها الدعاء وكذا قوله لأمك الويل لم يرد به الدعاء (قوله أبا ذرّ) منصوب على النداء وحرف النداء محذوف أى يا أبا ذرّ (قوله لأمك الويل) أى الحزن والهلاك والمشقة في العذاب. وكل من وقع في هلكة دعا بالويل والمعنى أنها إذا فقدت ولدها يكون لها الويل والعذاب وتكرار الدعاء دليل على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تغيظ على أبى ذرّ لمكثه بالجنابة هذه المدّة المذكورة (قوله فجاءت بعسّ) بضم العين وتشديد السين المهملتين القدح الكبير وجمعه عساس وأعساس (قال) في المصباح العس بالضم القدح الكبير والجمع عساس مثل سهام وربما قيل أعساس مثل قفل وأقفال اهـ (قوله واستترت بالراحلة) هي المركب من الإبل ذكرا كان أو أنثى (قوله فكأنى ألقيت عنى جبلا) شبه الجنابة بالجبل في الثقل فكأنه يقول لما أجنبت ولم أجد الماء كنت لعدم الاغتسال مكدّرا ومنقبض النفس كأنّ على رأسى الجبل فلما اغتسلت زال عني ذلك الثقل فكأنى طرحت عنى الجبل (قوله الصعيد الطيب الخ) الصعيد مبتدأ خبره وضوء المسلم والطيب صفته أى الطاهر المطهر. وقد تقدم الخلاف في تفسيره وفيما يتيمم به. ووضوء بفتح الواو لأن التراب بمنزلة الماء في صحة التطهر به وقيل بضم الواو أى استعمال الصعيد على الوجه المخصوص كوضوء المسلم فهو تشبيه بليغ وعلى كل فهو يفيد أن التيمم رافع للحدث لا مبيح فقط خلافا لمن قال بذلك وعليه فيصلى به ما شاء من فرض ونفل وقد تقدم بيان الخلاف في ذلك (قوله ولو إلى عشر سنين) بسكون الشين المعجمة والمراد منه الكثرة لا التحديد ومعناه أن له أن يفعل التيمم مرّة بعد أخرى وإن بلغت مدّة عدم الماء عشر سنين وليس معناه أن التيمم دفعة واحدة تكفيه لعشر سنين (وفيه) دليل على أن خروج الوقت غير ناقض للتيمم بل حكمه حكم الوضوء (قال) الخطابى يحتج بهذا الحديث من يرى أن للمتيمم أن يجمع بتيممه بين صلوات ذات عدد وهو مذهب أصحاب أبى حنيفة اهـ وقد وافقهم البخارى

انتقاض طهارة المتيمم إذا وجد الماء دليل من قال بالتيمم للجنازة والعيد إذا خاف فواتهما إن اشتغل بالطهارة المائية

محتجا بعموم قوله صلى الله تعالى عليه، على آله وسلم في حديث عمر إن عليك بالصعيد فإنه يكفيك أى ما لم تحدث أو تجد الماء (قال) الحافظ هذه المسألة وافق فيها البخارى الكوفيين والجمهور. وذهب بعض من التابعين وغيرهم إلى خلاف ذلك. وقد اعترف البيهقي بأنه ليس في المسألة حديث صحيح من الطرفين لكن قال صح عن ابن عمر إيجاب التيمم لكل فريضة ولا يعلم له مخالف من الصحابة "وتعقب" بما رواه ابن المنذر عن ابن عباس أنه لا يجب اهـ (أقول) دعوى البيهقى عدم صحة حديث من الطرفين غير مسلمة فإن حديث الباب قد صححه غير واحد من المحدّثين كما سيأتى (وعلى الجملة) فمذهب الجمهور قوىّ. وقد جاءت آثار تدلّ على ما ذهب إليه البعض من التابعين من أن المصلي يجدّد التيمم لكل صلاة لكن أكثرها ضعيف وما صح منها فليس فيه شيء يحتج به على فرضية التجديد فهى محمولة على الاستحباب "وما ادعاه" صاحب الإيضاح من الشافعية من أنه لا يجوز التيمم قبل الوقت بالإجماع "مردود" عليه بأن التيمم قبل دخول الوقت جائز بعموم حديث الباب ونحوه (قوله فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك) أمسّ أمر من الإمساس أى إذا وجدت الماء الكافى لطهارتك فاضلا عن حاجتك الضرورية وكنت قادرا على استعماله فعليك أن تتطهر به (قال) الخطابى يحتج بهذا على إيجاب انتقاض طهارة المتيمم بوجود الماء على عموم الأحوال سواء أكان في صلاة أم غيرها. ويحتج به من يرى أنه إذا وجد من الماء ما لا يكفى لكمال الطهارة أن يستعمله في بعض أعضائه ويتيمم للباقى وكذلك من كان على بعض أعضائه جرح فإنه يغسل ما لا ضرر عليه في غسله ويتيمم للباقى وهو قول الشافعي. ويحتج به أيضا أصحابه في أنه لا يتيمم في حضر لصلاة فرض ولا لجنازة ولا لعيد لأنه واجد للماء فعليه أن يمسه جلده اهـ (قال) العينى لا نسلم أن الاحتجاج به في الصورة الأولى صحيح لأنه لا يدل على صحة الجمع بين المبدل والمبدل منه ومن أين يعرف من قوله فأمسه جلدك أن يمسّ الماء بعض جلده ويتيمم للبعض. والعبارة لا تدلّ على هذا أصلا بل هذا حجة لنا عليهم لأن قوله فإذا وجدت الماء أى الماء الكافى الوافى للاغتسال أو الوضوء فأمسه جلدك لأنه ذكر محلى بالألف واللام فيتناول الكامل حتى إذا وجد ماء لا يكفى يكون وجوده وعدمه سواء فيتيمم كما إذا وجد ماء كافيا ولكنه يخاف العطش على نفسه أو دابته فإنه كالمعدوم وأما الصورة الثانية فكذلك لا يصح الاحتجاج به فيها لأن مجرّد وجود الماء لا يكفى بل الشرط القدرة عليه فالذى تحضره الجنازة ويخاف فوتها عير قادر على استعمال الماء حتى إذا لم يخف فوتها لا يجوز التيمم أيضا كما هو مصرّح به في كتب الحنفية اهـ (أقول) قد استدلّ الحنفيون على جواز التيمم لمن خاف فوات صلاة الجنازة أو العيد إن اشتغل بالطهارة بقول ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما إذا فجأتك الجنازة وأنت على غير وضوء فتيمم رواه ابن عدى وابن أبى شيبة

ما دل عليه حديث أبي ذر من مشروعية تنمية المال وغير ذلك من المسائل

والطحاوى والنسائى في كتاب الكنى. وعن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما أنه أتى الجنازة وهو على غير وضوء فتيمم وصلى عليها رواه البيهقى في المعرفة. والحديث لا يضرّه الوقف لكثرة طرقه (وفى البدائع) ولنا ما روى عن ابن عمر أنه قال إذا فجأتك جنازة تخشى فواتها وأنت على غير وضوء فتيمم لها. وعن ابن عباس مثله ولأن التيمم شرع في الأصل لخوف فوات الأداء وقد وجد هنا بل أولى لأن هناك تفوت فضيلة الأداء فقط فأما الاستدراك بالقضاء فممكن وهنا تفوت صلاة الجنازة أصلا فكان أولى بالجواز حتى لو كان ولىّ للميت لا يباح له التيمم كذا روى الحسن عن أبى حنيفة لأن له ولاية الإعادة ولا يخاف الفوت (وحاصل) الكلام فيه راجع إلى أن صلاة الجنازة لا تقضى عندنا وعنده تقضى بخلاف الجمعة لأنها تفوت إلى خلف اهـ (قوله فإن ذلك خير) أى الإمساس بركة وأجر وليس معناه أن الوضوء والتيمم كلاهما جائز عند وجود الماء لكن الوضوء خير بل الوضوء حينئذ فرض للأمر بالإمساس وهو للوجوب والخيرية لا تنافى الفرضية (قوله وقال مسدد غنيمة من الصدقة) أشار بهذا إلى أن في رواية مسدد زيادة قوله من الصدقة (قوله وحديث عمر وأتمّ) أى حديث عمرو بن عون شيخ المصنف أتمّ من حديث مسدد وأكمل منه. وقد رواه أحمد أيضا بلفظ أتمّ من طريق سعيد عن أيوب عن أبى قلابة وفيه عن أبى ذرّ قال كنت بالمدينة فاجتويتها فأمر لى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بغنيمة فخرجت فيها فأصابتنى جنابة فتيممت بالصعيد فصليت أياما فوقع في نفسي من ذلك حتى ظننت أني هالك فأمرت بناقة لى أو قعود فشدّ عليها ثم ركبت فأقبلت حتى قدمت المدينة فوجدت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ظل المسجد في نفر من أصحابه فسلمت عليه فرفع رأسه وقال سبحان الله أبو ذرّ فقلت نعم يا رسول الله إنى أصابتنى جنابة فتيممت أياما فوقع في نفسي من ذلك حتى ظننت أنى هالك فدعا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لى بماء فجائت به أمة سوداء في عسّ يتخضخض فاستترت بالراحلة وأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رجلا فسترنى فاغتسلت ثم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا أبا ذرّ إن الصعيد الطيب طهور ما لم تجد الماء ولو في عشر حجج فإذا قدرت على الماء فأمسه بشرتك (فقه الحديث) والحديث يدلّ على طلب تنمية المال وحفظه، وعلى مشروعية تأديب الرئيس المرءوس بما يليق به، وعلى أنه يطلب من الرئيس أن يعمل ما فيه المصلحة للرعية، وعلى مشروعية خدمة الصغير الكبير، وعلى مشروعية ستر العورات، وعلى مشروعية التيمم بالصعيد عند عدم الماء، ويدلّ بظاهره على أن المتيمم يجمع بتيممه بين صلوات كثيرة وهو مذهب أبى حنيفة وغيره كما تقدم، وعلى انتقاض طهارة المتيمم بوجود الماء على سائر الأحوال

سواء أكان في صلاة أم في غيرها. وعلى أن المحدث والجنب سواء في التيمم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبيهقى وكذا الترمذى مختصرا وقال حديث حسن وأخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال حديث صحيح ولم يخرجاه إذ لم يجدا لعمرو "يعنى ابن بجدان" راويا غير أبى قلابة ورواه الدارقطني في سننه "ولا يلتفت" إلى تضعيف ابن القطان لهذا الحديث بعمرو بن بجدان لكون حاله لا يعرف "فقد ذكره" ابن حبان في الثقات ووثقه العجلى كما تقدم ويكفى تصحيح الترمذى للحديث في معرفة حاله فقد قال المنذرى في تلخيص السنن قال الترمذى حديث حسن صحيح وقال ابن تيمية في المنتقى بعد ذكره هذا الحديث رواه أحمد والترمذى وصححه اهـ ولعل المنذرى وابن تيمية وقفا على نسخة للترمذى فيها تصحيح الحديث وإلا فالنسخ التي بأيدينا إنما فيها هذا حديث حسن (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ قَالَ: دَخَلْتُ فِي الْإِسْلَامِ فَأَهَمَّنِي دِينِي، فَأَتَيْتُ أَبَا ذَرٍّ فَقَالَ: أَبُو ذَرٍّ إِنِّي اجْتَوَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِذَوْدٍ وَبِغَنَمٍ فَقَالَ لِي: «اشْرَبْ مِنْ أَلْبَانِهَا» وَأَشُكُّ فِي أَبْوَالِهَا، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: فَكُنْتُ أَعْزُبُ عَنِ الْمَاءِ، وَمَعِي أَهْلِي فَتُصِيبُنِي الْجَنَابَةُ فَأُصَلِّي بِغَيْرِ طَهُورٍ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِنِصْفِ النَّهَارِ، وَهُوَ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ فِي ظِلِّ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ - أَبُو ذَرٍّ: فَقُلْتُ: نَعَمْ. هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «وَمَا أَهْلَكَكَ؟ » قُلْتُ: إِنِّي كُنْتُ أَعْزُبُ عَنِ الْمَاءِ، وَمَعِي أَهْلِي فَتُصِيبُنِي الْجَنَابَةُ فَأُصَلِّي بِغَيْرِ طُهُورٍ، فَأَمَرَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ، فَجَاءَتْ بِهِ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ بِعُسٍّ يَتَخَضْخَضُ مَا هُوَ بِمَلْآنَ، فَتَسَتَّرْتُ إِلَى بَعِيرِي، فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ جِئْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: " يَا أَبَا ذَرٍّ: إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورٌ، وَإِنْ لَمْ تَجِدِ الْمَاءَ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ، فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ "

مذاهب العلماء في طهارة بول مأكول اللحم

(ش) (قوله حماد) بن سلمة. و (أيوب) السختيانى. (قوله رجل من بنى عامر) هو عمرو بن بجدان المتقدم كما صرّح به في رواية النسائى (قوله فأهمني ديني الخ) أى أقلقنى وأحزنني أمر دينى. وفى نسخة فهمنى. يقال أهمنى الأمر بالألف أقلقنى وهمنى هما من باب قتل مثله والمعنى أنى أسلمت لكن ما علمت مسائل الإسلام وأحكامه فأحزنني وأقلقنى جهلي أمر ديني الذى هو عصمة أمرى فحملنى على أن أجلس مجالس العلماء وأتعلم عنهم المسائل فأتيت أبا ذرّ أسأله فقال إنى اجتويت المدينة أى أصابني الجوى وهو داء الجوف إذا تطاول يقال اجتويت البلد إذا كرهت المقام فيه وإن كنت في نعمة. وقيده الخطابى بما إذا تضرّر بالإقامة وهو المناسب هنا. وفى رواية أحمد قال كنت كافرا فهدانى الله للإسلام وكنت أعزب عن الماء ومعى أهلى فتصيبنا الجنابة فوقع ذلك في نفسي فحججت فدخلت مسجد منى فعرفت أبا ذرّ بالنعت فإذا شيخ معروف آدم عليه حلة قطرية فذهبت حتى قمت إلى جنبه وهو يصلى فسلمت عليه فلم يردّ علىّ ثم صلى صلاة أتمها وأحسنها فلما فرغ ردّ علىّ قلت أنت أبو ذرّ قال إن أهلى ليزعمون ذلك قال كنت كافرا فهدانى الله للإسلام وأهمني دينى وكنت أعزب عن الماء ومعى أهلى فتصيبنا الجنابة فوقع ذلك في نفسى قال هل تعرف أبا ذرّ قلت نعم قال فإني اجتويت المدينة "الحديث" (قوله بذود) بفتح الذال المعجمة وسكون الواو ما بين الثلاث إلى العشر لا واحد له من لفظه (قال) ابن الأنبارى سمعت أبا العباس يقول ما بين الثلاث إلى العشر ذود اهـ والذود مؤنثة لأنهم قالوا ليس في أقل من خمس ذود صدقة والجمع أذواد مثل ثوب وأثواب (قوله وبغنم) أى أمر له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بإبل وغنم من الصدقة كما صرّح به في رواية مسدّد السابقة (قوله وأشك في أبوالها) أى هل قالها أيوب والشاك حماد بن سلمة كما صرّح به في بعض النسخ. وسيأتي أنه لم يثبت الأمر بشرب أبوال الإبل إلا في حديث أنس في قصة العرنيين (وبه احتج) من قال بطهارة أبوال الإبل وقاس عليها كل ما يؤكل لحمه وهو قول مالك وأحمد وطائفة من السلف (وقال) أبو حنيفة والشافعى والجمهور بنجاسة الأبوال والأرواث جميعها من مأكول اللحم وغيره مستدلين بعموم حديث استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه رواه الدارقطنى والحاكم وابن خزيمة وصححاه عن أبى هريرة لأنه ظاهر في تناول جميع الأبوال فيلزم اجتنابها لهذا الوعيد (وأجابوا) عن حديث أنس بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما أذن بشرب الأبوال للتداوى لعلمه من طريق الوحى بأن فيه الشفاء لمن أذن له (قوله فكنت أعزب عن الماء) أى أبعد عنه يقال عزب الشئ عزوبا من باب قعد وعزب من بابى قتل وضرب غاب وخفى فهو عازب (قوله فأصلى بغير طهور) أى بلا اغتسال من الجنابة فلا ينافى أنه كان يتيمم كما تقدم التصريح به في رواية أحمد (قوله بنصف النهار) أى في نصفه فالباء بمعنى في (قوله وهو

في رهط) الجملة حالية والرهط بسكون الهاء وفتحها لغة ما دون عشرة من الرجال ليس فيهم امرأة وهو اسم جمع لا واحد له من لفظه وقيل الرهط من سبعة إلى عشرة وما دون السبعة إلى الثلاثة نفر (وقال) أبو زيد الرهط والنفر ما دون العشرة من الرجال (وقال) ابن السكيت الرهط والعشيرة بمعنى ويقال الرهط ما فوق العشرة إلى الأربعين ورهط الرجل قومه وقبيلته الأقربون أهـ مصباح (قوله أبو ذرّ) أى هذا أبو ذرّ أو أنت أبو ذرّ (قوله يتخضخض) بالخاء والضاد المعجمتين المكرّرتين أى يتحرّك ماؤه يقال خضخضت دلوى في الماء خضخضة حركته وتخضخض الماء تحرّك (قوله إن الصعيد الطيب إلخ) فيه دليل على أن الحاضر والمسافر متساويان في جواز التيمم عند عدم القدرة على استعمال الماء وإن طالت مدّة العجز لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يخص موضعا دون موضع بجواز التيمم بل أطلق (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والنسائى والدارقطني والبيهقى وابن حبان في صحيحه (ولا يلتفت) إلى تضعيف ابن القطان له بالاختلاف في سنده قال في كتابه الوهم والإيهام هذا حديث ضعيف بلا شك إذ لا بدّ فيه من عمرو بن بجدان وهو لا يعرف له حال وإنما روى عنه أبو قلابة واختلف عليه فقال خالد الحذاء عنه عن عمرو بن بجدان ولم يختلف على خالد في ذلك أما أيوب فإنه رواه عن أبى قلابة واختلف عليه فمنهم من يقول عنه عن أبي قلابة عن رجل من بنى قلابة ومنهم من يقول عن رجل فقط ومنهم من يقول عن عمرو بن بجدان كقول خالد ومنهم من يقول عن أبى المهلب ومنهم من لا يجعل بينهما أحدا فيجعله عن أبى قلابة عن أبى ذرّ ومنهم من يقول عن أبى قلابة أن رجلا من بنى قسير قال يا نبى الله هذا كله اختلاف على أيوب في روايته عن أبى قلابة وجميع هذه الروايات ذكرها الدارقطنى في سننه وعللها اهـ (فقد ردّ) عليه الشيخ تقىّ الدين قال ومن العجب كون ابن القطان لم يكتف بتصحيح الترمذى في معرفة حال عمرو بن بجدان مع تفرّده بالحديث وهو قد نقل كلامه هذا حديث حسن صحيح وأىّ فرق بين أن يقول هو ثقة أو يصحح له حديثا انفرد به وإن كان قد توقف عن ذلك لكونه لم يرو عنه إلا أبو قلابة فليس هذا بمقتضى مذهبه فإنه لا يلتفت إلى كثرة الرواة في نفي جهالة الحال فكذلك لا يوجب جهالة الحال بانفراد راو واحد عنه بعد وجود ما يقتضى تعديله وهو تصحيح الترمذى. وأما الاختلاف الذى ذكره من كتاب الدارقطنى فينبغى على طريقته وطريقة الفقه أن ينظر في ذلك إذ لا تعارض بين قولنا عن رجل وبين قولنا عن رجل من بنى عامر وبين قولنا عن عمرو بن بجدان وأما من أسقط هذا الرجل فيأخذ بالزيادة ويحكم بها وأما من قال عن أبي المهلب فإن كانت كنية لعمرو فلا اختلاف وإلا فهى رواية واحدة مخالفة احتمالا لا يقينا وأما من قال إن رجلا من بني قسير قال يا نبى الله فهى مخالفة فكان يجب أن ينظر في إسنادها على طريقته فإن لم يكن ثابتا لم يعلل بها

باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ لَمْ يَذْكُرْ أَبْوَالَهَا في هذا الحديث» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَيْسَ فِي أَبْوَالِهَا إِلَّا حَدِيثُ أَنَسٍ تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ الْبَصْرَةِ» (ش) أى روى هذا الحديث حماد بن زيد عن أيوب السختيانى ولم يذكر في روايته أبوالها وذكر الأبوال في هذا الحديث ليس بصحيح ولم يرد في شرب أبوال الإبل إلا حديث أنس وهو ما رواه الستة من حديث أنس أن ناسا من عرينة اجتووا المدينة فرخص لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها فشربوا حتى صلحت أبدانهم فقتلوا الراعي واستاقوا الذود فأرسل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في طلبهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم وتركهم بالحرّة يعضون الحجارة (وحاصل) ما أشار إليه المصنف أن حماد بن سلمة وحماد بن زيد رويا الحديث السابق عن أيوب السختيانى فأما حماد بن سلمة فذكر لفظ أبوالها بطريق الشك وأما حماد بن زيد فلم يذكره مطلقا فترك حماد بن زيد لفظ أبوالها دليل على أن ذكر هذا اللفظ غير صحيح لأن اليقين قاض على الشك (قوله تفرّد به أهل البصرة) أى تفرّد برواية حديث أيوب أهل البصرة فإن كل سنده من موسى بن إسماعيل إلى رجل من بنى عامر بصريون. وغرض المصنف بهذا بيان أن من لطائف هذا السند كون رجاله كلهم بصريين (باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم) وفي نسخة باب إذا خاف الجنب البرد تيمم (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ يُحَدِّثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ الْمِصْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصي قَالَ: احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟ » فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنَ الِاغْتِسَالِ

غزوة ذات السلاسل

وَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا (ش) (رجال الحديث) (قوله ابن المثنى) هو محمد (قوله حدثنا أبى) هو جرير في حازم (قوله عمران بن أبى أنس) المصرى قيل اسم أبيه عبد العزيز بن شرحبيل بن حسنة العامرى ويقال مولى أبى خراش السلمى. روى عن أبى هريرة وسهل بن سعد وعبد الرحمن بن أبى سعيد الخدرى وعروة بن الزبير وكثيرين. وعنه ابن إسحاق والليث بن سعد ويونس بن يزيد والوليد بن أبى الوليد وغيرهم. وثقه أحمد وأبو حاتم وابن إسحاق وابن معين والنسائى والعجلى وابن حبان توفى بالمدينة سنة سبع عشرة ومائة، روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى (قوله عبد الرحمن بن جبير المصرى) الفقيه الفرضى المؤذن العامرى مولى خارجة بن حذافة. روى عن ابن عمرو وعقبة بن عامر وأبى الدرداء وعمرو بن العاصي وغيرهم. وعنه كعب بن علقمة وعمران بن أبى أنس وعقبة بن مسلم ويزيد بن أبى حبيب وآخرون. وثقه النسائى ويعقوب ابن سفيان وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن يونس كان فقيها عالما بالقراءة. توفى سنة سبع أو ثمان وتسعين. روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى (معنى الحديث) (قوله احتلمت) أى أصابتنى جنابة (قال) السيوطى يردّ بهذا على من يقول من الصوفية إذا احتلم المريد أدبه الشيخ فلا أحد أتقى وأصلح ولا أورع من الصحابة وقد ذكر هذا لسيد المرسلين صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلم يقل له شيئا وما عصم من الاحتلام إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام اهـ (قوله في غزوة ذات السلاسل) بفتح السين المهملة الأولى على المشهور وقيل بضمها كانت بموضع وراء وادى القرى بينه وبين المدينة عشرة أميال. سميت بذلك لأن المشركين ارتبط بعضهم ببعض خشية أن يفرّوا وقيل سميت بماء بأرض جذام يقال له السلسل وكانت هذه الغزوة في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة (وحاصل) قصتها أن جمعا من قضاعة تجمعوا وأرادوا الدنوّ من أطراف المدينة فدعا النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عمرو بن العاصى وأرسله في ثلثمائة فلما قرب منهم بلغه أن لهم جمعا كثيرا فبعث إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يستمدّه فبعث إليه أبا عبيدة ابن الجرّاح في مائتين فيهم أبو بكر وعمر فحمل عليهم المسلمون فهربوا وتفرقوا "وقد أشار" إلى هذه القصة الشيخان في حديث عن أبى عثمان النهدى قال بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عمرو بن العاصى على جيش ذات السلاسل قال فأتيته فقلت أىّ الناس أحب إليك قال عائشة قلت ومن الرجال قال أبوها قلت ثم من قال عمر فعدّ رجلا فسكتّ مخافة أن يجعلني في آخرهم

أقوال الأئمة في صلاة من تيمم مخافة البرد وما يبيح التيمم

(قوله (ص) فأشفقت) من الإشفاق يقال أشفقت أشفق إشفاقا وشفقت أشفق شفقا من بابي ضرب وعلم أى خفت (قوله إن اغتسلت أن أهلك) وفي نسخة أن أغتسل فأهلك بكسر اللام من باب ضرب أى أموت من شدّة البرد (قوله ولا تقتلوا أنفسكم) أى بارتكاب ما يؤدّى إلى هلاكها في الدنيا والآخرة كزنا المحصن وقتل النفس بغير حق (قوله إن الله كان بكم رحيما) حيث أرشدكم إلى ما فيه صلاحكم في الدنيا والآخرة (وبهذا) الحديث احتج من قال بجواز التيمم للمسافر الذى يخاف البرد وإن كان واجدا للماء وهو قول الجمهور ويلحق به المقيم لوجود العجز حقيقة ولا إعادة عليه (وعند) الشافعى إذا خاف على نفسه التلف من شدّة البرد تيمم وصلى وأعاد كل صلاة صلاها (وقال) عطاء والحسن يغتسل وإن مات وهو مقتضى قول ابن مسعود لو رخص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا. ويردّه الحديث وقوله تعالى "وما جعل عليكم في الدين من حرج" (فقه الحديث) دلّ الحديث على وقوع الاجتهاد في زمن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وعلى طلب رفع ما يشكل إلى الرئيس للوقوف على الحقيقة، وعلى أنه يطلب ممن رفعت إليه دعوى أن يسأل المدّعي عليه ولا يكتفى بدعوى الخصم، وعلى مشروعية دفاع المدّعي عليه بما يصلح دليلا مسوغا لما فعله، وعلى أنه يطلب من الحاكم أن يظهر قبول ما أبداه المدّعي عليه من الأدلة إذا كان حقا، وعلى أن سكوت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إقرار فيكون دليلا على الحكم، وعلى أنه يباح التيمم لعدم إمكان استعمال الماء وهو الفقد الحكمى كما يباح للفقد الحقيقي وهو يتحقق عند أبى حنيفة يبعد الماء قدر ميل وهو خمسة وخمسون وثمانمائة وألف متر. أما الفقد الحكمى فسببه المرض أو البرد الشديد أو خوف عدوّ أو عطش أو فقد آلة وكذا خوف خروج الوقت ولو الاختيارى عند مالك فيتيمم المحدث مطلقا لمرض خاف حصوله أو زيادته أو بطء برئه باستعمال الماء ولخوفه من البرد تلفا أو مرضا إن تطهر بالماء بشرط أن لا يقدر الجنب على تسخين الماء أو أجرة حمام ولم يجد ثوبا يدفئه ولا مكانا يأويه (قال) ابن رسلان لا يتيمم لشدّة. البرد من أمكنه أن يسخن الماء أو يستعمله على وجه يأمن مشقة الضرر كأن يغسل عضوا ويستره وكلما غسل عضوا ستره ودفأه من البرد فإن قدر على ذلك لزمه وإلا تيمم وصلى وهو قول أكثر العماء. اهـ ويتيمم لخوف عدوّ حال بينه وبين الماء إنسانا كان العدو أو غيره وسواء أخاف على نفسه أم ماله ولو وديعة. وقدّر عند أبى حنيفة بدرهم وعند مالك بما يزيد على ثمن ماء الطهارة لو اشتراه ويتيمم لخوف عطش ولو مآلا على نفسه أو حيوان محترم ولو كلبا غير عقور عند أبى حنيفة (واشترط) مالك أن يكون مأذونا في اتخاذه لحراسة أو صيد ويتيمم لفقد آلة طاهرة يستخرج بها الماء. ودلّ الحديث على أن من صلى بالتيمم بوجه جائز لا يعيد صلاته إذا قدر على استعمال الماء بعد ذلك وهو حجة على من يقول

جواز اقتداء المتوضيء بالمتيمم

بالإعادة لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يأمر سيدنا عمرا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بالإعادة وعلى جواز اقتداء المتوضئ بالمتيمم، وعلى أن التيمم لا يرفع الحدث لقول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم له صليت بأصحابك وأنت جنب، وعلى أن التمسك بالعمومات حجة صحيحة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الحاكم وابن حبان والبيهقي وحسنه المنذرى وعلقه البخارى بلفظ ويذكر أن عمرو بن العاصى أجنب في ليلة باردة فتيمم وتلا "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما" فذكر للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلم يعنفه (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ مِصْرِيٌّ مَوْلَى خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ، وَلَيْسَ هُوَ ابْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ (ش) ساق المصنف هذا لبيان أن عبد الرحمن بن جبير المصرى ليس هو ابن جبير بن نفير دفعا لتوهم أنهما واحد. (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصي، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصي كَانَ عَلَى سَرِيَّةٍ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَهُ. قَالَ: «فَغَسَلَ مَغَابِنَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ»، فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرِ التَّيَمُّمَ. (ش) (رجال الحديث) (قوله ابن وهب) هو عبد الله. و (ابن لهيعة) عبد الله (قوله عن أبى قيس) اسمه عبد الرحمن بن ثابت. روى عن عمرو وعبد الله بن عمرو وأم سلمة وعنه ابنه عروة بن أبى قيس وعبد الرحمن بن جبير المصرى وبشر بن سعيد وعلى بن رباح ويزيد ابن أبى حبيب. يقال إنه رأى أبا بكر الصديق وكان أحد فقهاء الموالى الذين أدركهم يزيد بن أبى حبيب وذكره ابن حبان في الثقات وذكره يعقوب بن سفيان في ثقات المصريين وقال العجلى تابعى ثقة. مات سنة أربع وخمسين. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله كان على سرية) بفتح فكسر فياء مشددة وهى طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدوّ فعيلة بمعنى فاعلة لأنها تسرى في خفية والجمع سرايا وسريات مثل عطية وعطايا وعطيات. وهذه السرية هى جيش غزوة ذات السلاسل المتقدمة (قوله وذكر الحديث نحوه) أى ذكر أبو قيس نحو الحديث السابق ولفظه كما في الحاكم أن

عمرو بن العاصى كان على سرية وأنهم أصابهم برد شديد لم ير مثله فقال والله لقد احتلمت البارحة ولكنى والله ما رأيت بردا مثل هذا هل مرّ على وجوهكم مثله قالوا لا فغسل مغابنه إلخ ونحوه في البيهقى (قوله قال فغسل مغابنه) أى قال أبو قيس فغسل عمرو بن العاصى مغابنه بالغين المعجمة وهي أصول الآباط والأفحاذ وغيرهما من مطاوى الأعضاء وما يجتمع فيه الوسخ والعرق (وقال) ابن الأثير المغابن جمع مغبن وزان مسجد من غبن الثوب إذا ثناه وعطفه وهى معاطف الجلد اهـ (قوله فذكر نحوه) ولفظه كما في الحاكم والبيهقي فلما قدم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كيف وجدتم عمرا في صحابته لكم فأثنوا عليه خيرا وقالوا يا رسول الله صلى بنا وهو جنب فأرسل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى عمرو فسأله فأخبره بذلك وبالذى لقى من البرد فقال يا رسول الله إن الله تعالى قال "ولا تقتلوا أنفسكم" ولو اغتسلت متّ فضحك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى عمرو (قوله ولم يذكر التيمم) أى لم يذكر كل من ابن لهيعة وعمرو بن الحارث في حديثهما تيمم عمرو بن العاصى الذى ذكره محمد بن المثنى في روايته فظاهره يوهم أن عمرو بن العاصى صلى بهم بعد غسل المغابن والوضوء بلا تيمم لكن قد أخرج أحمد الحديث من طريق ابن لهيعة قال حدثنا حسن بن موسى قال حدثنا ابن لهيعة قال ثنا يزيد بن أبى حبيب الخ السند ولم يذكر أبا قيس ولا فغسل مغابنه الخ وذكر التيمم كما في رواية يحيى بن أيوب (قال) البيهقى بعد ذكره الحديثين كما ذكرهما المصنف يحتمل أن يكون "يعنى عمرو بن العاصى" قد فعل ما نقل في الروايتين جميعا غسل ما قدر على غسله وتيمم للباقى اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى والدارقطني والحاكم وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه والذى عندى أنهما عللاه بحديث جرير بن حازم عن يحيى بن أيوب "يعنى الرواية السابقة" ثم قال حديث جرير بن حازم هذا لا يعلل حديث عمرو بن الحارث الذى وصله بذكر أبى قيس فإن أهل مصر أعرف بحديثهم من أهل البصرة (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرُوِيت هَذِهِ الْقِصَّةَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ فِيهِ: «فَتَيَمَّمَ» (ش) أى رويت قصة عمرو بن العاصى المأخوذة من حديثى الباب عن عبد الرحمن الأوزاعي عن حسان بن عطية وفيها ذكر التيمم بعد قوله فغسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة وهذه الرواية لم نقف عليها في كتب الحديث. وساقها المصنف لتقوية ما في الحديث الأول من أن سيدنا عمرو بن العاصى تيمم من الجنابة بخلاف ما دلّ عليه الحديث الثانى من اقتصاره على

باب في المجروح يتيم

غسل المعاطف والوضوء وقد تقدم عن البيهقى احتمال أن يكون فعل ما في الروايتين جميعا غسل ما قدر على غسله وتيمم للباقى (قال) في النيل وله شاهد من حديث ابن عباس ومن حديث أبى أمامة عند الطبرانى اهـ (وحاصل) ما أشار إليه المصنف أن أصحاب يزيد بن أبى حبيب اختلفوا في الرواية عليه فيحيى بن أيوب روى عنه بلا ذكر واسطة بين عبد الرحمن بن جبير وعمرو بن العاصى وذكر في روايته التيمم ولم يذكر غسل المعاطف والوضوء. وعبد الله بن لهيعة وعمرو بن الحارث روياه عن يزيد بن أبى حبيب بذكر أبى قيس عبد الرحمن بن ثابت في السند بين عبد الرحمن ابن جبير وعمرو بن العاصى وذكرا أنه غسل معاطفه وتوضأ وضوءه للصلاة ولم يذكرا أنه تيمم ولكن الأوزاعى روى القصة عن حسان بن عطية وذكر التيمم بعد غسلل المعاطف والوضوء وقد علمت أن الإمام أحمد روى الحديث في مسنده من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب كما رواه عنه يحيى بن أيوب وتقدم عن الحاكم ترجيح حديث عمرو بن الحارث لأنه وصله بذكر أبى قيس في سنده. و (حسان بن عطية) هو الشامى الفقيه أبو بكر المحاربى مولاهم روى عن عنبسة بن سفيان وسعيد بن المسيب والقاسم بن مخيمرة وأبى أمامة وخالد بن معدان وغيرهم. وعنه عبد الرحمن بن ثابت والوليد بن مسلم وأبو غسان المدنى والأوزاعى وآخرون وثقه ابن معين وابن حنبل والعجلى وذكره ابن حبان في الثقات وقال البخارى كان من أفاضل أهل زمانه وقال الجوزجانى كان ممن يتوهم عليه القدر وقال سعيد بن عبد العزيز هو قدريّ فبلغ ذلك الأوزاعى فقال ما أغرّ سعيدا بالله ما أدركت أحدا أشدّ اجتهادا ولا أعمل منه وقال الذهبى بقى إلى قريب الثلاثين والمائة وذكره البخارى في الأوسط في فصل من مات من العشرين إلى الثلاثين ومائة. روى له الجماعة (باب في المجروح يتيمم) أى في بيان مشروعية التيمم للجروح. وفي بعض النسخ في المعذور يتيمم. وفي بعضها المجدور يتيمم. والمطابقة بين الترجمة والحديث على هذه النسخة بقياس الجدرى على الشج. والمجدور الذى به جدرىّ (قال) الجوهرى الجدرى بضم الجيم وفتح الدال والجدرى بفتحهما لغتان تقول منه جدّر الرجل فهو مجدّر بالتشديد. والجدرى الحبيبات التى تظهر في جلد الصبيان قدر العدسة ونحوها (وفى المصباح) الجدرى بفتح الجيم وضمها وأما الدال فمفتوحة فيهما قروح تنفط عن الجلد ممتلئة ماء ثم تنفتح وصاحبها جدير مجدّر ويقال أول من عذّب به قوم فرعون اهـ وقد يظهر في جسد الكبير فيشتد ألمه منه (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْطَاكِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ

خُرَيْقٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ قَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ - أَوْ» يَعْصِبَ «شَكَّ مُوسَى - علَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحُ عَلَيْهَا وَيَغْسِلُ سَائِرَ جَسَدِهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي) بن زياد الحلبى أبو سعيد روى عن زيد بن الحباب ومعتمر بن سليمان ومحمد بن سلمة وعطاء بن مسلم وآخرين. وعنه أبو داود والنسائى وعبد الله بن محمد وإبراهيم بن عبد الله بن الجنيد. قال النسائى لا بأس به وقال أبو حاتم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات ووثقه مسلمة بن قاسم (قوله الزبير بن خريق) بضم الخاء المعجمة مولى بنى قشير الجزرى. روى عن أبى أمامة وعطاء. وعنه محمد بن سلمة وعروة بن دينار. وثقه ابن حبان وقال الدارقطني ليس بالقوى وهو قليل الحديث. روى له أبو داود و (عطاء) بن أبى رباح. و (جابر) بن عبد الله الأنصارى (معنى الحديث) (قوله في سفر) في محل نصب حال أى خرجنا مسافرين. ويحتمل أن في تعليلية أى خرجنا لإرادة سفر (قوله فشجه في رأسه) أى جرحه فيها من شجه يشجه شجا من باب نصر فهو مشجوج وشجيج وأصل الشج خاص بالرأس وهو أن يضربه بشئ يجرحه فيه ويشقه ثم استعمل في غيره من الأعضاء (وفى المصباح) الشجة الجراحة وإنما تسمى بذلك إذا كانت في الوجه أو الرأس والجمع شجاج مثل ظبية وظباء وشجات أيضا على لفظها وشجه شجا من باب قتل على القياس وفى لغة من باب ضرب إذا شق جلده اهـ ملخصا (قوله ثم احتلم الخ) أى أصابته جنابة وخاف لو اغتسل أن يصيب الماء الجرح فيضرّه فسأل من معه بقوله هل تعلمون حكما سهلا يبيح لى التيمم مع وجود الماء لما بى من جرح فقالوا لا نعلم لك رخصة معتقدين أن المراد من قوله تعالى "فلم تجدوا ماء" فقد الماء حقيقة ولم يعلموا أن العاجز عن استعماله لنحو مرض فاقد له حكما (قوله قتلوه) أسند القتل إليهم لأنهم سبب فيه (قوله قتلهم الله) قال ذلك زجرا وتهديدا لهم لا قصدا للحقيقة (وفيه) دلالة على أنه لا قود ولا دية على من أفتى ولو بغير حقّ ولو ترتب

ما دل عليه حديث جابر من ذم من أفتى بغير علم وأنه لا قود ولا دية على المفتي إذا أخطأ في فتواه وغير ذلك من المسائل

على فتواه موت (قوله ألا) بفتح الهمزة وتشديد اللام حرف تحضيض وهو الحثّ على فعل الشئ وتختص بالجمل الفعلية الخبرية كسائر أدوات التحضيض (قوله فإنما شفاء العىّ السؤال) أى لا شفاء لداء الجهل إلا التعلم وسؤال أهل الذكر. وعابهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الإفتاء بغير علم ودعا عليهم لتقصيرهم في التأمل في قوله تعالى "ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج" والعيّ بكسر العين المهملة وتشديد المثناة التحتية في الأصل العجز عن النطق والمراد به الجهل يقال عييّ بالأمر وعن حجته يعيا من باب تعب عيا عجز عنه وقد يدغم الماضى فيقال عيّ فالرجل عيّ وعييّ على فعل وفعيل وعيى بالأمر لم يهتد لوجهه وأعياني كذا بالألف تعبنى فأعييت يستعمل لازما ومتعديا اهـ مصباح (قوله ويعصر الخ) بمعنى يعصب أى يشدّ على جرحه بضم الجيم متعلق بقوله يعصر وقوله شك موسى أى ابن عبد الرحمن معترض بينهما ثم يمسح على الخرقة بالماء ويغسل باقى جسده الذى لا يضرّه الغسل (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن المطلوب الرجوع في المهمات إلى الرئيس، وعلى ذمّ الفتوى بغير علم وأنها إثم كبير يستحق مرتكبها أن يدعي عليه بالقتل، وعلى أن طلب العلم فيه الشفاء من الجهل، وعلى أنه لا قود ولا دية على المفتي وإن أفتى بغير الحق، وعلى أن صاحب الخطأ الواضح غير معذور لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عابهم على الإفتاء بغير علم ودعا عليهم، وعلى مشروعية التيمم لمن يخاف باستعماله الماء ضررا، وعلى جواز المسح على الجراحة بعد العصب عليها (قال) الخطابي فيه من الفقه أنه أمر بالجمع بين التيمم وغسل سائر بدنه بالماء ولم ير أحد الأمرين كافيا دون الآخر (وقال) أصحاب الرأى إن كان أقل أعضائه مجروحا جمع بين الماء والتيمم وإن كان الأكثر كفاه التيمم وحده. وعلى قول الشافعى لا يجزئه في الصحيح من بدنه قل أو كثر إلا الغسل اهـ (قال) العينى أراد بأصحاب الرأى أصحاب أبى حنيفة لكن مذهبهم ليس كما نقله الخطابى بل المذهب أن الرجل إذا كان أكثر بدنه صحيحا وفيه جراحات فإنه يغسل الصحيح ولا يتيمم بل يمسح على الجبائر وإن كان أكثر بدنه جريحا فإنه يتيمم فقط ولا يغسل الصحيح وما نقل عن أصحابنا أنهم جمعوا بين الماء والتراب، والجواب عما في الحديث أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما أمر أن يجمع بين الغسل والتيمم وإنما بين أن الجنب المجروح له أن يتيمم ويمسح على الجراحة ويغسل سائر جسده فيحمل قوله يتيمم ويمسح على ما إذا كان أكثر بدنه جريحا ويحمل قوله ويغسل سائر جسده على ما إذا كان أكثر بدنه صحيحا ويمسح على الجراحة على أن الحديث معلل لأن فيه الزبير بن خريق قال الدارقطني ليس بقوى وقال البيهقي ليس هذا الحديث بالقوى اهـ (وحاصل) المسألة أن من خاف التلف من استعمال الماء جاز له التميمم بلا خلاف. فإن خاف الزيادة في المرض أو تأخير البرء جاز له عند أبى حنيفة ومالك أن يتيمم

ويصلى بلا إعادة. وهو الراجح من مذهب الشافعى. ومن كان بعضو من أعضائه جرح أو كسر أو قرح وألصق عليه جبيرة وخاف من تركها التلف فعند الشافعى يمسح على الجبيرة ويتيمم ولا يقضي على الراجح إن وضع الجبيرة على طهر (وقال) أبو حنيفة ومالك إذا كان بعض جسده جريحا أو قريحا وبعضه صحيحا فإن كان الأكثر صحيحا غسله ومسح على الجرح وإن كان الأكثر جريحا تيمم ويسقط الغسل (وقال) أحمد يغسل الصحيح ويتيمم للجريح (وقال) الشوكانى في النيل الحديث يدلّ على جواز العدول إلى التيمم لخشية الضرر، وقد ذهب إلى ذلك العترة ومالك وأبو حنيفة والشافعى في أحد قوليه (وذهب) أحمد والشافعى في أحد قوليه إلى عدم جواز التيمم لخشية الضرر قالوا لأنه واجد، والحديث وقوله تعالى "وإن كنتم مرضى" الآية يردّان عليهما ويدلّ الحديث أيضا على وجوب المسح على الجبائر ومثله حديث علىّ قال أمرني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن أمسح على الجبائر أخرجه ابن ماجه واتفق الحفاظ على ضعفه (وقد ذهب) إلى وجوب المسح على الجبائر المؤيد بالله والهادى في أحد قوليه (وروى) عن أبى حنيفة والفقهاء السبعة فمن بعدهم وبه قال الشافعى لكن بشرط أن توضع على طهر وأن لا يكون تحتها من الصحيح إلا ما لا بدّ منه. والمسح المذكور عندهم يكون بالماء لا بالتراب اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطنى وصححه ابن السكن وقد تفرّد به الزبير بن خريق وليس بالقوى وخالفه الأوزاعى فرواه عن عطاء عن ابن عباس وهو الصواب ورواه البيهقي من عدّة طرق وضعفه وقال لا يثبت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في هذا الباب شئ "يعنى باب المسح على العصائب والجبائر" ولكن صح عن ابن عمر فعله (وعلى الجملة) فرواية الجمع بين التيمم والغسل ما رواها غير الزبير بن خريق وهو مع كونه غير قوى في الحديث قد خالف سائر من روى عن عطاء فرواية الجمع بين التيمم والغسل رواية ضعيفة لا تثبت بها الأحكام وقد رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم من حديث الوليد بن عبيد بن أبى رباح عن عمه عطاء ابن أبى رباح عن ابن عباس مرفوعا والوليد بن عبيد ضعفه الدارقطنى وقواه من صحح حديثه (ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ الْأَنْطَاكِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنِي الْأَوْزَاعِيُّ أَنَّهُ بَلَغَهُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: أَصَابَ رَجُلًا جُرْحٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، ثُمَّ احْتَلَمَ فَأُمِرَ بِالِاغْتِسَالِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالَ»

(ش) (رجال الحديث) (قوله نصر بن عاصم) روى عن الوليد بن مسلم ومبشر ابن إسماعيل ويحيى القطان ومحمد بن شعيب وغيرهم. وعنه أبو داود وابن ماجه وجعفر بن محمد الفريابى وآخرون. وثقه ابن حبان وذكره ابن وضاح في مشايخه وقال فيه شيخ وذكره العقيلي في الضعفاء. و (الأنطاكي) نسبة إلى أنطاكية بفتح فسكون وبمثناة تحتية مخففة ثغر كبير بالشام (قوله محمد بن شعيب) بن شابور الدمشقى أبو عبد الله الأموى مولى الوليد بن عبد الملك روى عن يحيى بن الحارث والأوزاعي وعبد الله بن العلاء وخالد بن دهقان وكثيرين. وعنه الوليد بن مسلم وهو من أقرانه وسليمان بن عبد الرحمن وابن المبارك وإسحاق بن إبراهيم وجماعة وثقه ابن المبارك ودحيم وابن عدى وابن حبان والعجلى وابن عمار وقال الذهبى ما علمت به بأسا وقال ابن معين كان مرجئا وليس به في الحديث بأس. ولد سنة ست عشرة ومائة. قيل مات سنة مائتين. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله ثم احتلم فأمر الخ) بالبناء للمفعول أى أمره أصحابه بالغسل حين سألهم كما في الحديث السابق (قوله ألم يكن شفاء العيّ السؤال) أى لم لم يسألوا حين لم يعلموا فشفاء الجهل السؤال (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبيهقى والدارامي وابن ماجه اختلف في أن الأوزاعي سمع هذا الحديث من عطاء فحكى عن أبى زرعة وأبى حاتم أنه لم يسمعه منه وإنما سمعه من إسماعيل بن مسلم عن عطاء كما بين ذلك ابن أبى العشرين في روايته عن الأوزاعى لكن رواه الحاكم من طريق بشر بن بكر قال ثنا الأوزاعي ثنا عطاء بن أبى رباح أنه سمع عبد الله بن عباس يخبر أن رجلا أصابه جرح على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم أصابه احتلام فاغتسل فمات "الحديث" قال الحاكم بشر بن بكر ثقة مأمون وقد أقام إسناده وهو صحيح على شرط الشيخين اهـ (وقال) الدارقطني اختلف فيه على الأوزاعي والصواب أن الأوزاعي أرسل آخره عن عطاء عن النبي صلى الله تعالى عليه على آله وسلم وهو الصواب وقال ابن أبى حاتم سألت أبى وأبا زرعة عنه فقالا رواه ابن أبي العشرين عن الأوزاعي عن إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن ابن عباس وأسند الحديث اهـ (أقول) يحتمل أن الأوزاعى روى الحديث عن عطاء بواسطة وبغير واسطة (وقال) الحافظ في التلخيص نقل ابن السكن عن ابن أبى داود أن حديث الزبير بن خريق أصح من حديث الأوزاعي وهذا أمثل ما ورد في المسح على الجبيرة ولم يقع في رواية عطاء هذه عن ابن عباس ذكر للتيمم فيه فثبت أن الزبير بن خريق تفرّد بسياقه لكن روى

باب المتيمم يجد الماء بعد ما يصلي في الوقت

ابن خزيمة والحاكم وابن حبان من حديث الوليد بن عبد الله بن أبى رباح عن عمه عطاء عن ابن عباس أن رجلا أجنب في شتاء فأمر بالغسل فمات فذكر ذلك للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال ما لهم قتلوه قتلهم الله ثلاثا قد جعل الله الصعيد أو التيمم طهورا، والوليد بن عبيد الله ضعفه الدارقطني وقوّاه من صحح حديثه هذا اهـ ملخصا (قال) النووي في مجموعه وهو "يعنى حديث الباب" ضعيف اتفاقا كخبر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر عليا بالمسح على الجبائر اهـ وقول غيره إن رجاله ثقات مع مخالفته للجمهور مدفوع بأن الجرح مقدّم (قال) في المرقاة "دعوى" ابن حجر في شرحه على المصابيح بأنه يجمع بينهما بأن له طريقا أخرى صحيحة "غير صحيحة" للاحتياج إلى بيانها وعدم الاكتفاء باحتمالها. وقوله ومن ثمّ سكت أبو داود عليه مردود لأن سكوته لا يقاوم تصريح غيره بالتضعيف اهـ (باب المتيمم يجد الماء بعد ما يصلى في الوقت) أى المتيمم الذى صلى بالتيمم ثم وجد الماء بعد فراغه من الصلاة وقيل خروج الوقت هل يعيد الصلاة وفي نسخة باب المتيمم يجد الماء بعد ما صلى في الوقت (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَسَيَّبِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَجُلَانِ فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ، فَتَيَمَّمَا صَعِيدًا طَيِّبًا فَصَلَّيَا، ثُمَّ وَجَدَا الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ، فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الصَّلَاةَ وَالْوُضُوءَ وَلَمْ يُعِدِ الْآخَرُ، ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ: «أَصَبْتَ السُّنَّةَ، وَأَجْزَأَتْكَ صَلَاتُكَ». وَقَالَ لِلَّذِي تَوَضَّأَ وَأَعَادَ: «لَكَ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عبد الله بن نافع) بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوّام الأسدى القرشي أبو بكر المدني. روى عن مالك بن أنس وعبد الله بن مصعب وعبد الله بن محمد ابن يحيى وعبد العزيز بن أبى حازم وغيرهم. وعنه ابنه أحمد ومحمد بن إسحاق المسيبى وعباس الدورى وهارون الحمال وطائفة. قال ابن معين صدوق وليس به بأس وقال البخارى أحاديثه معروفة وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو بكر البزار وأحمد بن صالح ثقة. مات في المحرّم سنة ست عشرة ومائتين. روى له مسلم وأبو داود وابن ماجه (قوله بكر بن سوادة) بن ثمامة الجذامى

أقوال الأئمة فيمن صلى بالتيمم ثم وجد الماء في الوقت

أبو ثمامة البصرى. روى عن عبد الله بن عمرو وعبد الرحمن بن جبير وسهل بن سعد وعطاء بن يسار وآخرين. وعنه عمرو بن الحارث وجعفر بن ربيعة والليث بن سعد وعبد الرحمن ابن زياد وغيرهم. قال ابن سعد وابن معين والنسائى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات من التابعين ثم أعاده في أتباعهم فقال يخطئُ وقال ابن يونس كان فقيها مفتيا، توفى سنة ثمان وعشرين ومائة روى له الجماعة إلا البخارى (معنى الحديث) (قوله فتيمما صعيدا طيبا) أى قصداه على الوجه المخصوص فالمراد بالتيمم المعنى الشرعي (قوله ثم وجدا الماء في الوقت) فيه ردّ على من تأول الحديث بأنهما وجدا الماء بعد الوقت (قوله فأعاد أحدهما الخ) إما ظنا بأن الأولى باطلة وإما احتياطا ولم يعد الآخر لاعتقاده أن تلك الصلاة صحيحة (قوله أصبت السنة) أى صادفت الشريعة الواجبة الثابتة بالكتاب والسنة. وفي هذا تصويب لاجتهاده وتخطئة لاجتهاد الآخر وفيه أن الخطأ في الاجتهاد المستوفى للشروط لا ينافى الأجر على العمل المبنىّ عليه والظاهر ثبوت الأجر له ولمن قلده على وجه يصح (قوله أجزأتك صلاتك) أى كفتك عن القضاء وهو من عطف اللازم على الملزوم (قوله لك الأجر مرتين) مرّة لصلاته الأولى ومرّة لصلاته الثانية فإن كلا منهما صحيحة يترتب عليها مثوبة وإن كانت إحداهما فرضا والأخرى نفلا والله لا يضيع أجر من أحسن عملا وفيه إشارة إلى أن العمل بالأحوط أفضل لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" (قال) الخطابى في هذا الحديث من الفقه أن السنة تعجيل الصلاة للمتيمم في أول وقتها كهو للمتطهر بالماء (وقد) اختلف الناس في هذه المسألة فروى عن ابن عمر أنه قال يتيمم ما بينه وبين آخر الوقت وبه قال عطاء وأبو حنيفة وسفيان وهو قول أحمد بن حنبل وإلى نحو ذلك ذهب مالك إلا أنه قال إن كان في موضع لا يرجى فيه وجود الماء تيمم وصلى في أول وقت الصلاة (وعن) الزهرى لا يتيمم حتى يخاف ذهاب الوقت (واختلفوا) في الرجل يتيمم ويصلى ثم يجد الماء قبل خروج الوقت فقال عطاء وطاوس وابن سيرين ومكحول والزهرى يعيد الصلاة واستحبه الأوزاعي ولم يوجبه (وقالت) طائفة لا إعادة عليه روى ذلك عن ابن عمر وبه قال الشعبى وهو مذهب مالك وسفيان الثورى وأصحاب الرأى وإليه ذهب الشافعى وأحمد وإسحاق اهـ (قال) العينى قال الخطابى في هذا الحديث من الفقه أن السنة تعجيل الصلاة للمتيمم في أول وقتها كهو للمتطهر بالماء (قلت) لا نسلم ذلك لأن الحديث لا يدلّ على هذا اهـ (أقول) بل قوله فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما بفاء التعقيب يشهد لما قاله الخطابى (قال) في النيل. الحديث يدلّ على أن من صلى بالتيمم ثم وجد الماء بعد الفراغ من الصلاة لا تجب عليه الإعادة وإليه ذهب الأئمة الأربعة ويحيى (وقال) الهادى والناصر وطاوس وعطاء والقاسم بن محمد بن أبى بكر ومكحول

وابن سيرين والزهرى وربيعة كما حكاه المنذرى وغيره إنها تجب الإعادة مع بقاء الوقت لتوجه الخطاب مع بقائه لقوله تعالى "أقم الصلاة" مع قوله "إذا قمتم إلى الصلاة" فشرط في صحتها الوضوء وقد أمكن في وقتها ولقوله فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته "الحديث" وردّ بأنه لا يتوجه الطلب بعد قوله أصبت السنة وأجزأتك صلاتك وإطلاق قوله فإذا وجد الماء مقيد بحديث الباب. ويؤيد القول بعدم وجوب الإعادة حديث "لا تصلوا صلاة في يوم مرّتين" عند أحمد وأبى داود والنسائى وابن حبان وصححه ابن السكن (ويجاب) عنه بأنهما عند القائل بوجوب الإعادة صلاة واحدة لأن الأولى قد فسدت بوجود الماء فلا يرد ذلك عليه "وما قيل" من تأويل الحديث بأنهما وجدا الماء بعد الوقت "فتعسف" يخالف ما صرّح به الحديث من أنهما وجدا ذلك في الوقت وأما إذا وجد الماء قيل الصلاة بعد التيمم فيجب الوضوء عند العترة والفقهاء (وقال) داود وأبو سلمة ابن عبد الرحمن لا يجب لقوله تعالى "ولا تبطلوا أعمالكم"، وأما إذا وجد الماء بعد الدخول في الصلاة قبل الفراغ منها فإنه يجب عليه الخروج من الصلاة وإعادتها بالوضوء عند الهادى والناصر والمؤيد بالله وأبي طالب وأبى حنيفة والأوزاعى والثورى والمزنى وابن شريح (وقال) مالك وداود لا يجب عليه الخروج بل يحرم والصلاة صحيحة اهـ ما في النيل (وعلى الجملة) فالجمهور على أنه إذا رأى الماء بعد فراغه من الصلاة لا إعادة عليه وإن كان الوقت باقيا وأنه إذا وجد الماء بعد دخوله في الصلاة لا يقطعها (وقال) أبو حنيفة وأحمد في رواية عنه إنه يبطل تيممه أما إذا تيمم ثم وجد الماء قبل دخول الصلاة فقد أجمعوا على بطلان تيممه هذا. وفي إعادة الصلاة التي أديت بالتيمم عند الشافعى تفصيل بينه النووى بقوله أما إعادة الصلاة التي يفعلها بالتيمم فذهبنا أنه لا يعيد إذا تيمم للمرض أو الجراحة أو نحوهما أما إذا تيمم للعجز عن الماء فإن كان في موضع يعدم فيه الماء غالبا كالسفر لم تجب الإعادة وإن كان في موضع لا يعدم فيه الماء إلا نادرا وجبت الإعادة على المذهب الصحيح وإذا رأى المتيمم لفقد الماء ماء وهو في الصلاة لم تبطل صلاته بل له أن يتمها إلا إذا كان ممن تلزمه الإعادة فإن صلاته تبطل برؤية الماء اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يسوغ الاجتهاد في زمنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتقدم الخلاف في ذلك، وعلى مشروعية التيمم عند فقد الماء، وعلى أن مرجع المهمات إلى الرئيس، وعلى أن المسئول يطلب منه إجابة السائل المستفهم، وعلى أن الله تعالى لا يضيع أجر العاملين، وعلى أن من صلى بالتيمم المشروع لا تجب عليه الإعادة إذا وجد الماء قبل خروج الوقت (من أخرح الحديث أيضا) أخرجه البيهقى والدارمى والحاكم وقال هذا صحيح على شرط الشيخين فإن عبد الله بن نافع ثقة وأخرجه الدارقطني وقال تفرّد به ابن نافع عن الليث بهذا

الإسناد متصلا وخالفه ابن المبارك وغيره فلم يذكروا أبا سعيد، وأخرجه النسائي بلفظ إن رجلين تيمما وصليا ثم وجدا ماء في الوقت فتوضأ أحدهما وعاد لصلاته ما كان في الوقت ولم يعد الآخر فسألا النبى صلى الله عليه وآله وسلم فقال للذى لم يعد أصبت السنة وأجزأتك صلاتك وقال للآخر أما أنت فلك مثل سهم جمع اهـ أى سهم من الخير جمع يه أجر الصلاتين، وقوله ما كان في الوقت أى ما دام الرجل ثابتا في الوقت. وفي رواية البيهقى فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَغَيْرُ ابْنِ نَافِعٍ، يَرْوِيهِ عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُمَيْرَةَ بْنِ أَبِي نَاجِيَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَذِكْرُ أَبِى سَعِيدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَهُوَ مُرْسَلٌ» (ش) أى روى غير عبد الله بن نافع وهو عبد الله بن المبارك ويحيى بن بكير الحديث عن الليث بن سعد بسنده إلى عطاء بن يسار مرسلا لم يذكرا أبا سعيد الخدرى، وغرض المصنف بهذا بيان أن أصحاب الليث اختلفوا عليه فعبد الله بن نافع روى الحديث عنه عن بكر بن سوادة غير مرسل منقطعا بإسقاط الواسطة بين الليث وبين بكر بن سوادة وهو عميرة بن أبى ناجية وعبد الله بن المبارك رواه عن الليث مرسلا بإسقاط أبى سعيد غير منقطع. وروايته أخرجها النسائى قال أخبرنا سويد بن نصر قال حدثنا عبد الله عن ليث بن سعد قال حدثني عميرة وغيره عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار أن رجلين وساق الحديث. وأخرجها الدارقطني مرسلة منقطعة قال حدثنا محمد بن إسماعيل الفارسى أنبأبا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الرازق عن عبد الله ابن المبارك عن ليث عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار أن رجلين أصابتهما جنابة فتيمما الخ ولم يذكر أبا سعيد، ويحيى بن بكير روى الحديث عن الليث بسنده مرسلا غير منقطع. وروايته أخرجها البيهقى والحاكم بسنده إلى يحيى قال حدثنا الليث عن عميرة بن أبى ناجية عن بكر ابن سوادة عن عطاء بن يسار عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وذكر نحو حديث الدارقطنى، لكن قول المصنف وذكر أبى سعيد في هذا الحديث ليس بمحفوظ يردّه أن ابن السكن روى الحديث بسنده إلى أبى الوليد الطيالسى قال حدثنا الليث بن سعد عن عمرو بن الحارث وعميرة بن أبى ناجية عن بكر بن سوادة عن عطاء عن أبى سعيد أن رجلين خرجا في سفر "الحديث" فوصله ما بين الليث وبكر بعمرو بن الحارث الثقة وقرنه بعميرة وأسنده بذكر أبى سعيد وعليه فهو متصل لا مرسل وقد تقدم أن الحاكم صحح رواية الاتصال على شرط الشيخين (قال) الشوكانى قال موسى بن هارون رفعه وهم من ابن نافع لكن يقوى رفعه ويصححه ما تقدم من رواية أبى على

باب في الغسل يوم الجمعة

ابن السكن في صحيحه موصولا فلا يقدح فيه كونه مرسلا من بعض الطرق اهـ هذا و (عميرة) بفتح العين وكسر الميم (ابن أبى ناجية) هو أبو يحيى المصرى. روى عن يزيد بن أبي حبيب وبكر بن سوادة ويحيى بن سعيد الأنصارى وغيرهم. وعنه سعيد بن زكريا وابن لهيعة وبكر بن مضر وابن وهب وآخرون. وثقه النسائى وذكره ابن حبان في الثقات (وبهذا) علم ردّ قول ابن القطان عميرة مجهول الحال. مات سنة إحدى أو ثلاث وخمسين ومائة. روى له أبو داود والنسائى (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ (ش) غرض المصنف بذكر هذه الرواية بيان اختلاف ثالث في الحديث (حاصله) أن عبد الله بن لهيعة خالف عبد الله بن نافع في روايته عن الليث بذكر أبى عبد الله مولى إسماعيل بن عبيد بن بكر بن سوادة وعطاء وإرساله الحديث وقد تقدّم أن النسائى والبيهقي والدارقطنى والحاكم أخرجوا الحديث مرسلا بإسنادهم إلى الليث من عدّة طرق وليس فيها بين بكر وعطاء أحد فزيادة ابن لهيعة بينهما أبا عبد الله غير مقبولة لأنه ضعيف خالف الثقة فلا تعلّ بزيادته روايات الثقات. وهذه الرواية أخرجها البيهقي من طريق أبى بكر بن داسة (قوله عن أبي عبد لله الخ) المصرى. روى عن عطاء بن يسار. وعنه بكر بن سوادة. قال الذهبى لا يعرف وقال الحافظ في التقريب مجهول. روى له أبو داود (قوله بمعناه) أى معنى الحديث المتقدّم (باب في الغسل يوم الجمعة) وفي نسخة باب في الغسل للجمعة. أهو واجب أم لا (ص) حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، نَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ يَحْيَى، قال أَخْبَرَني أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَقَالَ عُمَرُ: أَتَحْتَبِسُونَ عَنِ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ النِّدَاءَ فَتَوَضَّأْتُ. قَالَ عُمَرُ: وَالْوُضُوءُ أَيْضًا، أَوَ لَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» (ش) (رجال الحديث) (قوله معاوية) بن سلام بن أبى سلام ممطور الحبشى. روى عن أبيه ويحيى بن أبى كثير والزهرى ونافع وآخرين. وعنه محمد بن شعيب والوليد بن مسلم ومحمد ابن المبارك وكثيرون. وثقه أحمد وابن معين والنسائى وأبو زرعة ودحيم وقال جيد الحديث وقال أبو حاتم لا بأس بحديثه. روى له الجماعة إلا الترمذى (معنى الحديث) (قوله إذ دخل رجل) جواب بينا والرجل هو عثمان بن عفان ففى رواية مسلم بينما عمر بن الخطاب يخطب الناس يوم الجمعة إذ دخل عثمان بن عفان فعرّض به عمر فقال ما بال رجال يتأخرون بعد النداء (قوله أتحتبسون عن الصلاة) أى عن التبكير إليها فإنكار عمر على عثمان لعدم تبكيره (قوله ما هو إلا أن سمعت النداء الخ) أى لم يكن شأنى إلا أني حينما سمعت الأذان اشتغلت بالوضوء (قوله قال عمر والوضوء) وفى نسخة فقال. وهذا إنكار آخر على ترك الواجب أو السنة المؤكدة وهي الغسل. وقوله والوضوء بالواو كما في رواية البخارى وفي نسخة الوضوء بإسقاط الواو وهى رواية الموطأ وهو منصوب مفعول لمحذوف أى أتترك الغسل كما تركت التبكير إلى المسجد وتتوضأ الوضوء مقتصرا عليه. وجوّز القرطبي الرفع على أنه مبتدأ حذف خبره أى والوضوء تقتصر عليه (قوله أو لم تسمعوا) بهمزة الاستفهام الداخلة على محذوف تقديره أتقتصرون على الوضوء ولم تسمعوا قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أراد أحدكم أن يأتى الجمعة فليغتسل كما في رواية مسلم ويؤيده ما في رواية البخارى بلفظ من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فهو صريح في تأخير الرواح عن الغسل (وبهذا) علم فساد قول من حمله على ظاهره واحتج به على أن الغسل لليوم لا للصلاة لأن الحديث واحد ومخرّجه واحد. والتقييد بالإتيان لكونه الغالب وإلا فحكم الغسل شامل للمقيم بالجامع. وفي إضافة أحد إلى ضمير الجمع دليل على أن هذا الحكم يعمّ البالغين وغيرهم من الصبيان. والمراد بالجمعة الصلاة أو المكان الذى تقام فيه (قال الخطابى) في الحديث دلالة على أن غسل الجمعة غير واجب ولو كان واجبا لأمر عمر عثمان أن ينصرف فيغتسل فدلّ سكوت عمر ومن حضره من الصحابة على أن الأمر به على سبيل الاستحباب دون الوجوب وليس يجوز على عمر وعثمان ومن بحضرتهما من المهاجرين والأنصار أن يجتمعوا على ترك واجب اهـ (ونقل) في الفتح عن الشافعى أنه قال فلما لم يترك عثمان الصلاة للغسل ولم يأمره عمر بالخروج للغسل دلّ ذلك على أنهما قد علما أن الأمر بالغسل للاختيار (قال) الحافظ وعلى هذا الجواب عوّل أكثر المصنفين في هذه المسألة كابن خزيمة والطبرى والطحاوى وابن حبان وابن عبد البرّ وهلمّ جرّا وزاد بعضهم فيه أن من حضر من

أقوال العلماء في ذلك

الصحابة وافقوهما على ذلك فكان إجماعا منهم على أن الغسل ليس شرطا في صحة الصلاة وهو استدلال قوى، وقد نقل الخطابي وغيره الإجماع على أن صلاة الجمعة بدون الغسل مجزئة ولكن حكى الطبرى عن قوم أنهم قالوا بوجوبه ولم يقولوا إنه شرط، بل هو واجب مستقلّ تصح الصلاة بدونه كأن أصله قصد التنظيف وإزالة الروايح الكريهة التي يتأذى بها الحاضرون من الملائكة والناس اهـ كلام الفتح (وعلى الجملة) فقد اختلف أهل العلم في حكم هذا الغسل فحكى وجوبه عن طائفة من السلف وبعض الصحابة كأبى هريرة وعمار بن ياسر ومالك وغيرهم وهو قول الظاهرية وحكاه الخطابى عن الحسن البصرى ومالك. وكلام مالك في الموطأ وأكثر الروايات عنه تردّه (وذهب) جمهور العلماء من السلف والخلف إلى أنه سنة وهو المعروف من مذهب مالك وأصحابه (واحتج) من أوجبه بظواهر الأحاديث الدالة على الوجوب وفى بعضها التصريح بلفظ الوجوب وفى بعضها الأمر به وفى بعضها أنه حق على كل مسلم (واحتج) الجمهور بأحاديث صحيحة (منها) حديث الباب (ومنها) حديث من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل رواه أحمد والأربعة عن سمرة بن جندب فدلّ على اشتراك الغسل والوضوء في أصل الفضيلة وعدم تحتم الغسل وهو حديث حسن مشهور (ومنها) قول عائشة كان الناس أهل عمل ولم يكن لهم كفاءة فكانوا لهم تفل "رائحة كريهة" فقيل لهم لو اغتسلتم يوم الجمعة رواه مسلم وسيأتى نحوه للمصنف وهذا اللفظ يقتضى أنه ليس بواجب لأن تقديره لكان أفضل وأكمل وأيضا فإنما طلب منهم الغسل لأجل تلك الروايح الكريهة لا لوجوبه هذا ولا يخفى ما في الاستدلال بحديث الباب على أن الغسل سنة وقد تقدم أن من قال بوجوب الغسل استدلّ به وهو إنما يردّ على من قال باشتراط الغسل لصحة صلاة الجمعة وهم قوم من الظاهرية (ومنها) حديث من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة الثلاثة أيام أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة. ووجه الاستدلال به على الاستحباب أن ذكر الوضوء وما معه مرتبا عليه الثواب المقتضى للصحة يدل على أن الوضوء كاف (قال) ابن حجر في التلخيص إنه من أقوى ما استدلّ به على عدم فرضية الغسل يوم الجمعة (ومنها) حديث أبى سعيد الآتى ووجه دلالته أنه قرنه بما ليس بواجب إجماعا وهو السواك والطيب. فيكون مثلهما (ومنها) حديث أوس الثقفى الآتى ووجه دلالته جعله قرينا للتبكير والمشى والدنوّ من الإمام وليست بواجبة فيكون مثلها (وأجابوا) عن الأحاديث التى صرّح فيها بالأمر بأنها محمولة على الندب والقرينة الصارفة عن الوجوب هذه الأدلة المتعاضدة والجمع بين الأدلة ما أمكن واجب وقد أمكن بهذا. وعن الأحاديث التى صرّح فيها لفظ الوجوب والتي فيها أنه حق على كل مسلم بأن المراد متأكد في حقه كما يقول الرجل لصاحبه حقك واجب

علىّ ومواصلتك حق علىّ وليس المراد الوجوب المتحتم المستلزم للعقاب. وقد دلّ حديث الباب أيضا على تعليق طلب الغسل بالمجئ إلى الجمعة. والمراد إرادة المجئ وقصد المشروع فيه (فقه الحديث) دلّ الحديث على تأكد الغسل على من يحضر صلاة الجمعة. ويؤخذ من قصة عمر وعثمان أنه ينبغى للإمام أن يتفقد رعيته وينكر على من أخلّ بالفضل منهم ولو كان كبيرا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والبيهقى من حديث أبى هريرة وأخرجه أيضا مالك والشيخان والترمذى والبيهقي من حديث ابن عمر عن أبيه ولفظه في البخارى أن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بينا هو قائم في الخطبة إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فناداه عمر أيّة ساعة هذه فقال إنى شغلت فلم أنقلب على أهلى حتى سمعت التأذين فلم أزد أن توضأت وقال والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يأمر بالغسل (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» (ش) (قوله غسل يوم الجمعة) الإضافة على معنى في. وبظاهرها احتج من قال إن الغسل لليوم لا للجمعة. وفى رواية الشيخين الغسل يوم الجمعة إلخ وظاهره أن الغسل حيث وجد فيه كفى لكون اليوم ظرفا للغسل. ويحتمل أن تكون اللام للعهد فتتفق الروايات. وقد تقدّم بيان الخلاف في ذلك. ويؤخذ من هذه الرواية أن وقت الغسل يدخل بفجر يومها فلا يجوز قبله خلافا للأوزاعى وبعض الفقهاء. ويؤخذ منه أيضا أن ليوم الجمعة غسلا خاصا فلو وجدت صورة الغسل لم يجز عن غسل الجمعة إلا بالنية وبه قال أبو قتادة فقد أخرج الطحاوى وابن المنذر عنه أنه قد رأى ابنه يغتسل يوم الجمعة فقال إن كان غسلك عن جنابة فأعد غسلا آخر للجمعة. والجمهور على أنه لو اتفق يوم الجمعة ويوم العيد أو يوم عرفة وجامع ثم اغتسل ينوب عن الكل. وقيل لو اغتسل يوم الخميس أو ليلة الجمعة استن بالسنة لحصول المقصود الذى هو قطع الرائحة الكريهة (قوله واجب) أى ثابت لا ينبغي أن يترك لا أنه يأثم تاركه (قال الخطابى) معناه وجوب الاختيار والاستحباب دون وجوب الفرض كما يقول الرجل لصاحبه حقك عليّ واجب وأنا أوجب حقك وليس بمعنى اللزوم الذى لا يسع غيره ويشهد لصحة هذا التأويل حديث عمر الذى تقدّم ذكره اهـ (قال) ابن دقيق العيد

في شرح حديث "من جاء منكم الجمعة فليغتسل" ما نصه: الحديث صريح في الأمر بالغسل للجمعة وظاهر الأمر الوجوب وقد جاء مصرّحا به بلفظ الوجوب في حديث آخر فقال بعض الناس بالوجوب بناء على الظاهر. وخالف الأكثرون فقالوا بالاستحباب وهم محتاجون إلى الاعتذار عن مخالفة هذا الظاهر فأوّلوا صيغة الأمر على الندب وصيغة الوجوب على التأكيد كما يقال حقك واجب علىّ وهذا التأويل الثانى أضعف من الأول وإنما يصار إليه إذا كان المعارض راجحا في الدلالة على هذا الظاهر. وأقوى ما عارضوا به حديث من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل ولا يقاوم سنده سند هذه الأحاديث اهـ (قال) العينى قد أجاب بعض أصحابنا أن هذه الأحاديث التي ظاهرها الوجوب منسوخة بحديث من توضأ فبها ونعمت ومن اغتسل فهو أفضل (وقال) ابن الجوزى أحاديث الوجوب أصح وأقوى والضعيف لا ينسخ القوى "قلت" هذا الحديث رواه أبو داود في الطهارة والترمذى والنسائى في الصلاة وقال الترمذى حديث حسن صحيح ورواه أحمد في سننه والبيهقي كذلك وابن أبى شيبة في مصنفه وسنتكلم عليه اهـ (قوله على كل محتلم) أى بالغ فالاحتلام عام يشمل من بلغ بالسنّ أو بعلامة أخرى كالإحبال والحيض وإنبات العانة وإنما خصّ الاحتلام بالذكر لكونه الغالب. والمراد بالغ خال عن عذر يبيح الترك وإلا فالمعذور مستثنى بقواعد الشرع (قال) الحافظ في الفتح استدلّ به على دخول النساء في ذلك اهـ (وقال) غيره المراد الذكر كما هو مقتضى الصيغة وأيضا الاحتلام أكثر ما يبلغ به الذكور دون الإناث وفيهن الحيض أكثر. وعمومه يشمل من يأتى الجمعة وغيره ولكن حديث أبى هريرة السابق وحديث ابن عباس الآتي وغيرهما تخصه بمن يأتي الجمعة وعليه الجمهور اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على تأكد غسل يوم الجمعة على كل بالغ ولو لم يحضر الصلاة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ الرَّمْلِيُّ، نَا الْمُفَضَّلُ يَعْنِي ابْنَ فَضَالَةَ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ بُكَيْرٍ، ونَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ رَوَاحٌ الْجُمُعَةِ، وَعَلَى كُلِّ مَنْ رَاحَ إِلَى الْجُمُعَةِ الْغُسْلُ» (ش) (قوله بكير) بن عبد الله بن الأشج (قوله رواح الجمعة) أى الذهاب إليها أىّ وقت كان "قال" في المصباح يتوهم بعض الناس أن الرواح لا يكون إلا في آخر النهار وليس كذلك بل الرواح والغدوّ عند العرب مستعملان في المسير أىّ وقت كان من ليل أو نهار اهـ (قوله على كل من راح إلى الجمعة الغسل) الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدّم والغسل مبتدأ مؤخر

أقوال العلماء في وقت الغسل يوم الجمعة

وهذا الحديث مخصوص بغير المريض والمسافر والمرأة والمملوك فإن صلاة الجمعة لا تجب عليهم وإن كانوا بالغين لحديث طارق بن شهاب عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض رواه المصنف في باب الجمعة للمملوك والمرأة. وفى البخارى إلا على صبي أو مملوك أو مسافر (فقه الحديث) والحديث يدلّ على وجوب الذهاب إلى صلاة الجمعة على كل بالغ. وعلى تأكد الغسل على من يريد صلاتها (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى مختصرا بلفظ رواح الجمعة واجب على كل محتلم وحسنه المنذرى (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «إِذَا اغتسل الرَّجُلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ مِنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ أَجْنَبَ» (ش) غرض المصنف بهذا بيان أن غسل الجمعة لليوم لا للصلاة وأنه يدخل وقته بطلوع الفجر لأنه أول اليوم شرعا كما أن من اغتسل قبل طلوع الفجر لا يجزئه عن الجمعة لأنه اغتسل قبل مجئ الوقت (قال) العينى أشار بهذا إلى أن هذا الغسل لليوم لا للصلاة وهو قول محمد والحسن بن زياد من أصحابنا (وقال) أبو يوسف للصلاة. وفائدته تظهر فيما قال أبو داود فعندهما إذا اغتسل بعد طلوع الفجر ينال أجر الغسل لأنه وجد في يوم الجمعة. وعند أبى يوسف لا ينال لأنه لم يصلّ به الجمعة وكذا الخلاف إذا اغتسل بعد صلاة الجمعة اهـ (وقد اختلف) في وقت غسل الجمعة على أقوال "الأول" أن وقته عند إرادة الرواح إلى المسجد بشرط الاتصال بين الغسل والرواح وإليه ذهب مالك والأوزاعي والليث مستدلين يحديث إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل ونحوه "الثانى" أن وقته يدخل بطلوع الفجر ولا يشترط اتصاله بالرواح لكن يستحب اتصاله به فيجزئُ فعله بعد الفجر لا بعد صلاة الجمعة وهو مذهب الجمهور مستدلين بالأحاديث التى أطلق فيها يوم الجمعة وقالوا لا يكفى الغسل بعد الصلاة لأنه شرع لإزالة الروائح الكريهة دفعا لتأذى الحاضرين وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة ولأن المراد بالجمعة سبب الاجتماع وهو الصلاة لا اليوم لأن اليوم لا يؤتي وقد أخرج ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما مرفوعا من أتى الجمعة فليغتسل زاد ابن خزيمة ومن لم يأتها فلا يغتسل "الثالث" أن وقته كل اليوم فلا يشترط تقديم الغسل على صلاة الجمعة بل لو اغتسل بعد الجمعة أجزأ عنه وإليه ذهب داود والحسن بن زياد ومحمد بن الحسن من أصحاب أبى حنيفة (واستبعده) ابن دقيق العيد وقال يكاد يجزم ببطلانه وزعم ابن عبد البر الإجماع على أن من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة (قوله وإن أجنب) أى وإن كان جنبا واغتسل للجنابة بعد طلوع الفجر أجزأه عن غسل الجمعة

الترغيب في الغسل ولبس أحسن الثياب والتطيب يوم الجمعة

(قال) ابن المنذر أكثر أهل العلم يقولون يجزئُ غسلة واحدة للجنابة والجمعة وهو مروى عن ابن عمر ومجاهد ومكحل والثورى والأوزاعي وأبى ثور وهو مذهب أبي حنيفة فعنده يكفي غسل واحد لعيد وجمعة اجتمعا مع جنابة وينبغى أن ينوى به الكل ليحصل له ثواب الجميع (وقال) أحمد أرجو أن يجزئه وهو قول أشهب والمزنى، وعن أحمد لا يجزئه عن غسل الجنابة حتى ينويها وهو قول مالك في المدوّنة (قال) الباجى فإذا قلنا يفتقر إلى النية فمن اغتسل ينوى الجمعة والجنابة فقد قال ابن القاسم يجزئه وبه قال الشافعى. وقال محمد بن مسلمة لا يجزئه ذلك وإنما يجزئه أن يغتسل لجنابته وينوى أن يجزئه عن غسل جمعته "وجه" ما قاله ابن القاسم أن الجمعة والجنابة موجبهما واحد وهو الغسل وهي عبادة تتداخل فجاز أن يفعل لهما كالوضوء من البول والغائط والنوم ومسّ الذكر والطواف والسعى والحج والعمرة "ووجه" قول محمد بن مسلمة أن نية الجمعة تقتضى النفل ونية الجنابة تقتضى الوجوب ومقتضى أحدهما ينافي الآخر. ويحتمل أن يعنى بذلك أن غسل الجمعة لا يفتقر إلى النية فإذا نواه مع غسل الجنابة الذى يفتقر إلى النية منع ذلك صحة النية. وذكر ابن المنذر عن بعض ولد أبي قتادة أنه قال من اغتسل يوم الجمعة من الجنابة اغتسل للجمعة (ص) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيُّ الْهَمْدَانِيُّ، ح وحَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِيُّ قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، ح حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ وَهَذَا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَة، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ يَزِيدُ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ فِي حَدِيثِهِمَا - عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ، ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا» - قَالَ: وَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةِ: «وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» - وَيَقُولُ: «إِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدِيثُ مُحَمَّدِ

بْنِ سَلَمَةَ أَتَمُّ، وَلَمْ يَذْكُرْ حَمَّادٌ كَلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ. (ش) حاصل ما أشار إليه المصنف أن شيوخه في هذا السند ثلاثة يزيد وعبد العزيز وقد حدّثاه عن محمد ابن سلمة وزادا في السند مع أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبا أمامة بن سهل. والثالث موسى بن إسماعيل وقد حدّث المصنف عن حماد بن سلمة ولم يذكر في سنده أبا أمامة. وكل من محمد بن سلمة وحماد حدّث عن محمد بن إسحاق، والحديث المذكور لفظ حديث محمد بن سلمة لا لفظ حديث حماد (رجال الحديث) (قوله وأبى أمامة) اسمه أسعد وقيل سعد (بن سهل) ابن حنيف الأنصارى. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حديثا مرسلا وروى عن عمر بن الخطاب وعثمان وأبى هريرة وأبى سعيد وابن عباس وعائشة وغيرهم وعنه ابناه محمد وسهل والزهرى وعبد الله بن سعيد ويحيى الأنصارى. قال البغوى وابن حبان وابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقد سئل أبو حاتم عنه أهو ثقة فقال لا يسأل عن مثله هو أجلّ من ذاك وقال الطبرانى له رؤية وقال أبو منصور مختلف في صحته إلا أنه ولد في عهده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو ممن يعدّ في الصحابة الذين روى عنهم الزهرى وقال البخارى أدرك النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يسمع منه "قال" ابن منده قول البخارى أصح. مات سنة مائة. روى له النسائى وابن ماجه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وبقية الجماعة عن الصحابة (معنى الحديث) (قوله ومس من طيب) أى طيب الرجال وهو ما خفي لونه وظهر ريحه إن وجد وإلا مسّ من طيب النساء كما سيأتي (قوله ثم صلى ما كتب الله تعالى له) أى صلى ما قدّر الله له من تحية المسجد ونفل مطلق أو قضاء فائتة (قوله ثم أنصت) أى استمع يقال نصت له ينصت من باب ضرب لغة أى سكت مستمعا ويقال أنصت إذا سكت وأنصته إذا أسكته فهو لازم ومتعدّ (قوله إذا خرج إمامه) أى للخطبة (قوله حتى يفرغ من صلاته) أي ينتهى الإمام منها. وفى رواية مسلم حتى يفرغ من خطبته وهي تدلّ على أن الكلام بعد الخطبة وقبل الإحرام بالصلاة لا بأس به (قوله كانت كفارة لما بينها الخ) أي كانت هذه الخصال المذكورة أى فعلها من الغسل وما بعده ساترة وماحية للذنوب التي بين تلك الساعة التي يصلي فيها الجمعة وبين صلاة الجمعة التي قبلها (قال) الخطابى يريد بذلك ما بين الساعة التي يصلي فيها الجمعة إلى مثلها من الجمعة الأخرى لأنه لو كان المراد به ما بين الجمعتين على أن يكون الطرفان وهما يوما الجمعة غير داخلين في العدد لكان لا يتحصل من عدد المحسوب على أكثر من ستة أيام ولو أراد ما بينهما على تقدير إدخال الطرفين فيه بلغ العدد ثمانية فإذا ضممت إليها الثلاثة المزيدة التي ذكرها أبو هريرة

ما دل عليه حديث أبي هريرة من التنفير من تخطي أعناق الناس يوم الجمعة وغير ذلك من الفوائد

صار جملتها إما أحد عشر على أحد الوجهين وإما تسعة أيام على الوجه الآخر فدلّ على أن المراد به ما قلناه على سبيل التكثير لليوم ليستقيم الأمر في تكميل عدد العشرة اهـ (قوله قال ويقول الخ) أى قال محمد بن سلمة بسنده إلى أبى هريرة إن أبا هريرة يقول في روايته كانت كفارة لما بينها وبين جمعته التى قبلها وزيادة ثلاثة أيام ويقول إن الحسنة بعشر أمثالها مشيرا إلى قوله تعالى "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" "فإن قيل" تكفير الذنوب الماضية بالحسنات وبالتوبة وبتجاوز الله تعالى وتكفير ذنوب الأيام الثلاثة الآتية الزائدة على السبعة من تكفير الذنب قبل وقوعه فكيف يعقل هذا "قيل" المراد عدم المؤاخذة والذنب إذا وقع (قوله وحديث محمد بن سلمة أتمّ) أى من حديث حماد لأنه ذكر في روايته ما زاده أبو هريرة ولم يذكره حماد "وهذا" الحديث من أدلة الجمهور على استحباب غسل الجمعة حيث قرن فيه بين الغسل ولبس أحسن الثياب ومسّ الطيب وهما ليسا بواجبين "ونازع" في هذا الاستدلال ابن دقيق العيد بأن القران في الذكر لا يستلزم القران في الحكم (فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب الغسل ولبس أحسن الثياب يوم الجمعة وعلى استحباب مسّ الطيب إن وجده. وعلى طلب ترك تخطى أعناق الناس. وعلى مشروعية الصلاة لمن دخل المسجد. وعلى أن النوافل المطلقة لا حدّ لها لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الحديث ثم صلى ما كتب الله تعالى له. وعلى طلب الإنصات من حين قيام الإمام للخطبة إلى أن يفرغ من الصلاة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم مختصرا من حديث سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدّر له ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته ثم يصلى معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي هِلَالٍ، وَبُكَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ حَدَّثَاهُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَالسِّوَاكُ وَيَمَسُّ مِنَ الطِّيبِ مَا قُدِّرَ لَهُ» إِلَّا أَنَّ بُكَيْرًا لَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَقَالَ فِي الطِّيبِ: «وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله ابن وهب) هو عبد الله (قوله سعيد بن أبي هلال)

أبا العلاء المصرى. روى عن محمد بن المنكدر وزيد بن أسلم وأبى حازم وأبى الزناد وآخرين وعنه الليث بن سعد وهشام بن سعد وسعيد المقبرى ويحيى بن أيوب وغيرهم. قال أبو حاتم لا بأس به وقال الساجى صدوق ووثقه ابن خزيمة وابن سعد والبيهقى والدارقطنى والخطيب وابن عبد البر والعجلى وقال ابن حزم ليس بالقوى. قيل توفى سنة خمس وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (قوله عن أبى بكر بن المنكدر) هو أخو محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير التيمى لم يعرف اسمه واشتهر بكنيته ومن لم يميز بينهما ربما يعتقد أن المراد من أبى بكر في هذا الحديث محمد بن المنكدر روى عن عمه ربيعة بن عبد الله وعثمان التيمي وجابر بن عبد الله وأبى أمامة وعطاء بن يسار. وعنه يحيى ابن سعيد ويزيد بن الهادي وبكير بن الأشج وشعبة وغيرهم. قال أبو داود كان من ثقات الناس وقال محمد بن عمر كان ثقة قليل الحديث. روى له الشيخان والترمذى والنسائى وابن ماجه (قوله عمرو بن سليم الزرقى) بالتصغير ابن عمرو بن خلدة بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام الأنصارى. روى عن عمر بن الخطاب وأبى هريرة وأبى قتادة وأبى سعيد الخدرى. وعنه ابنه سعيد والزهرى وسعيد المقبرى وأبو بكر بن المنكدر وغيرهم. قال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث وقال ابن خراش في حديثه اختلاط وقال العجلي تابعى ثقة ووثقه ابن حبان والنسائى. مات سنة أربع ومائة. روى له الجماعة (قوله عبد الرحمن بن أبى سعيد الخدرى) الأنصارى الخزرجى أبى حفص أو أبو محمد. روى عن أبيه وعمارة بن حارثة وأبى حميد الساعدى. وعنه ابنه ربيع وعطاء بن يسار وزيد بن أسلم وعمرو بن سليم وآخرون. وثقه النسائي وابن حبان وقال ابن سعد كان كثير الحديث وليس هو بثبت ويستضعفون روايته ولا يحتجون به وقال العجلى تابعى ثقة. مات سنة اثنتي عشرة ومائة وله سبع وسبعون سنة. روى له الجماعة إلا البخارى (معنى الحديث) (قوله الغسل يوم الجمعة على كل محتلم) وفي رواية البخارى الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وأن يستن وأن يمس طيبا إن وجد أى الغسل وما عطف عليه متأكد على كل بالغ يوم الجمعة (قوله ويمس من الطيب) بفتح الميم على الأفصح من باب تعب وجاء ضمها من باب قتل وهو مرفوع على أنه منقطع عما قبله ويصح نصبه بتقدير أن فيكون في قوّة مصدر معطوف على السواك. وحكمة مشروعية الغسل والسواك والطيب في هذا اليوم أن يكون المصلى فيه على أكمل حال وأحسن هيئة فلا يتأذى به أحد ولا سيما وأن الملائكة يقفون على أبواب المساجد يكتبون الأول فالأول فربما صافحوه أو لمسوه (قوله ما قدّر له) في محل نصب مفعول يمسّ. وفى رواية مسلم والنسائى ما قدّر عليه (قال) القاضى عياض يحتمل أن يراد به التأكيد ليفعل ما أمكنه ويحتمل إرادة الكثرة والأول أظهر ويؤيده قوله الآتي ولو من طيب المرأة لأنه يكره استعماله للرجال وهو ما ظهر لونه وخفى ريحه فإباحته للرجل لعدم غيره تدلّ على تأكد الأمر في ذلك (قوله إلا أن

أقوال العلماء في حكم غسل يوم الجمعة للسافر وتأكد السواك يومها

بكيرًا لم يذكر الخ) غرض المصنف بهذا بيان أن بكير بن عبد الله بن الأشج خالف سعيد بن أبى هلال في سند الحديث ومتنه. أما المخالفة في السند فإنه لم يذكر فيه عبد الرحمن بن أبى سعيد وقد وافقه على ذلك شعبة فقد أخرج البخارى الحديث من طريق شعبة عن أبى بكر بن المنكدر قال حدثني عمرو ابن سليم قال أشهد على أبى سعيد الخ ووافقه أيضا محمد بن المنكدر كما أخرجه ابن خزيمة من طريقه ومنه يعلم أن سعيد بن أبى هلال هو المنفرد بزيادة عبد الرحمن بن أبى سعيد في السند (قال) في الفتح الذى يظهر أن عمرو بن سليم سمعه من عبد الرحمن بن أبى سعيد عن أبيه لقى أبا سعيد فحدّثه وسماعه منه ليس بمنكر لأنه قديم ولد في خلافة عمر بن الخطاب ولم يوصف بالتدليس، وحكى الدارقطنى في العلل فيه اختلافا آخر على عليّ بن المديني شيخ البخارى فيه فذكر إن الباغندى حدّث به عنه بزيادة عبد الرحمن أيضا وخالفه وتمام عنه فلم بذكر عبد الرحمن. وفيما قال نظر فقد أخرجه الإسماعيلى عن الباغندى بإسقاط عبد الرحمن وكذا أخرجه أبو نعيم في المستخرج عن أبى إسحاق ابن حمزة وأبو أحمد الغطريفي كلاهما عن الباغندى فهؤلاء ثلاثة من الحفاظ حدّثوا به عن الباغندى فلم يذكروا عبد الرحمن في الإسناد فلعلّ الوهم فيه ممن حدّث به الدارقطنى عن الباغندى وأما المخالفة في المتن فإن بكيرا زاد في روايته بعد قوله ويمس من الطيب ولو من طيب المرأة أى ولو كان الطيب من طيب المرأة (وبظاهر) هذا الحديث استدلّ من قال بوجوب غسل يوم الجمعة للتصريح فيه بلفظ واجب في رواية البخارى "وأجيب" بأن المراد بالواجب المتأكد الذى لا ينبغى أن يترك كما تقدّم بل الحديث من أدلة الجمهور على عدم الوجوب لاقتران الغسل بالسواك ومسّ الطيب وليسا بواجبين اتفاقا فدّل على أن الغسل ليس بواجب إذ لا يصح تشريك ما ليس بواجب بالواجب بلفظ واحد "وتعقبه" ابن الجوزى بأنه لا يمتنع عطف ما ليس بواجب على الواجب لا سيما ولم يقع التصريح بحكم المعطوف. ولكن قد علمت المراد بالواجب (وهذا) الحديث ظاهر في أن الغسل مشروع للبالغ سواء أراد الجمعة أم لا. وحديث إذا جاء أحدكم الجمعة ظاهر في أنه لمن أرادها سواء البالغ والصبيّ. ويجمع بينهما بأنه مستحب لكل ومتأكد في حق المريد وآكد في حق البالغ والمشهور عند الجمهور أنه مستحب لكل من أراد الإتيان ليها (واختلف) في الغسل للمسافر فالجمهور على أنه مطلوب منه إذا أراد صلاة الجمعة وكذا كل من لم تجب عليه الجمعة كالعبد والمريض خلافا للحنابلة في المرأة حيث قالوا لا يستحب لها لظاهر حديث من أتى منكم الجمعة فليغتسل (وقال) الشافعي ما تركته في حضر ولا سفر وإن اشتريته بدينار، وممن لا يراه علقمة وعبد الله ابن عمرو وابن جبير بن مطعم والقاسم بن محمد والأسود وإياس بن معاوية (فقه الحديث) والحديث يدلّ على تأكد الغسل والسواك والتطيب يوم الجمعة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى وكذا البخارى من طريق شعبة عن أبى

بكر بن المنكدر كما تقدّم. (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْجَرْجَرَائِيُّ حِبِّي، ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، حَدَّثَنِي أَبُو الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنِي أَوْسُ بْنُ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ وَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا». (ش) (رجال الحديث) (قوله أبو الأشعث) هو شراحيل بن آدة بالمدّ وتخفيف الدال المهملة ويقال شراحيل بن شرحبيل بن كليب بن آدة. روى عن ثوبان وعبادة بن الصامت وأبى هريرة وشدّاد بن أوس وآخرين. وعنه عبد الرحمن بن يزيد وحسان بن عطية وأبو قلابة ومسلم بن يسار وجماعة، قال العجلي تابعى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له الجماعة إلا البخارى. و (الصنعانى) نسبة إلى صنعاء على غير قياس وهى قرية قربية من دمشق وهى الآن أرض ذات بساتين وقيل هى صنعاء اليمن (قوله أوس بن أوس الثقفى) روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه أبو الأشعث وعبادة بن نسىّ. نقل عن ابن معين وأبى داود أنه هو أوس بن أبى أوس الثقفى وهو خطأ لأن أوس بن أبى أوس هو أوس بن حذيفة والتحقيق أنهما اثنان. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذى (معنى الحديث) (قوله من غسل يوم الجمعة الخ) روى غسل مخففا ومشددا ومعناه جامع امرأته قبل الخروح إلى الصلاة لأنه أغضّ للبصر في الطريق يقال غسل الرجل امرأته بالتشديد والتخفيف إذا جامعها. وقيل معناه غسل غيره واغتسل هو لأنه إذا جامعها أحوجها إلى الغسل وقيل أراد بغسل غسل أعضائه للوضوء ثم اغتسل للجمعة وقيل هما بمعنى والتكرار للتأكيد وقيل التشديد فيه للمبالغة دون التعدية ومعناه غسل الرأس خاصة لأن العرب لهم لمم وشعور وفى غسلها كلفة فأفرد ذكر غسل الرأس لذلك. واغتسل معناه غسل سائر جسده وإليه ذهب مكحول ويؤيده الرواية الآتية (قال) النووى في شرح المهذب يروى غسل بالتخفيف والتشديد والأرجح عند المحققين التخفيف والمختار أن معناه غسل رأسه ويؤيده رواية أبى داود من غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل. وإنما أفرد الرأس بالذكر لأنهم كانوا يجعلون فيه الدهن والخطمىّ ونحوهما وكانوا يغسلونه أولا ثم يغتسلون. وذكر بعض الفقهاء عسل بالعين المهملة

مذاهب الفقهاء في حكم الكلام وقت الخطبة * ما دل عليه حديث أوس الثقفي من الترغيب في الرواح ماشيا إلى صلاة الجمعة والدنو من الخطيب وغير ذلك من المسائل

أى جامع وهو تصحيف (قوله ثم بكر) بالتشديد على المشهور أى بادر إلى صلاة الجمعة أو إلى الجامع أو راح في الساعة الأولى وكل من أسرع إلى شيء فقد بكر إليه (وقال) ابن الأنبارى بكر أى تصدّق قبل خروجه ويجعل من ذلك ما روى في الحديث باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطى الصدقة رواه الطبرانى في الأوسط والبيهقي عن أنس (قوله وابتكر) أى فعل فعل المبتكرين من الصلاة والقراءة وسائر وجوه الطاعة. وقيل معنى ابتكر أدرك أول الخطبة وأول كل شئ باكورته وقيل هما بمعنى وجمع بإنهما للتأكيد (قوله ومشى) أى حال ذهابه للصلاة لأنه أقرب إلى الخشوع إن لم يكن له عذر أما حال رجوعه منها فلا يطالب بالمشي لانقضاء العبادة (قوله ولم يركب) قيل إنه تأكيد لقوله مشى والمختار أنه تأسيس لإفادة شيئين "أحدهما" نفى توهم حمل المشى على المضىّ والذهاب وإن كان راكبا "والثانى" نفى الركوب بالكلية لأنه لو اقتصر على مشى احتمل أن المراد وجود شئ من المشى ولو في بعض الطريق فنفى ذلك الاحتمال وبين أن المراد مشي جميع الطريق ولم يركب في شيء منها (قوله ودنا من الإمام واستمع) وفي نسخة فاستمع أى قرب من الإمام واستمع الخطبة فلا بدّ من الأمرين جميعا فلو قرب ولم يستمع أو استمع وهو بعيد لم ينل هذا الأجر (قوله ولم يلغ) أى لم يتكلم لأن الكلام حال الخطبة لغو يقال لغا يلغو من باب نصر ولغى يلغى من باب علم لغتان والأولى أفصح وظاهر القرآن يقتضي الثانية قال تعالى "والغوا فيه" ولو كان من الأول لقال والغوا بضم الغين المعجمة ويقال لغى يلغى من باب فتح (واختلف) في الكلام حال الخطبة هل هو حرام أو مكروه تنزيها "فقال" مالك وأبو حنيفة والجمهور بالحرمة وهو مقتضى الأحاديث الصحيحة "وذهبت" الشافعية إلى كراهته تنزيها (قوله بكل خطوة) بضم الخاء المعجمة ما بين الرجلين في المشى وجمعه خطى وخطوات كغرف وغرفات بسكون الراء في الثانى وضمها وفتحها وبفتح الخاء المرّة وجمعها خطوات كشهوات والمراد بكل خطوة ذهابا وإيابا أو ذهابا فقط (قوله أجر صيامها) بالرفع بدل من العمل (قوله وقيامها) أى إحياء ليلها بالطاعة. والظاهر أن المراد أنه يحصل أجر من استوعب السنة بالصيام والقيام لو كان ولا يتوقف على تحقق الاستيعاب من أحد. ثم الظاهر أن المراد ثبوت أصل أجر الأعمال لا مع المضاعفات المعلومة بالنصوص ويحتمل أن يكون مع المضاعفات (فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب الغسل يوم الجمعة. وعلى طلب المبادرة بالذهاب إلى المسجد لصلاة الجمعة، وعلى استحباب المشى حال الذهاب إلى صلاتها وترك الركوب، وعلى طلب القرب من الخطيب والاستماع لقوله، وعلى مشروعية ترك الاشتغال بغير سماع الخطبة وأن من فعل ذلك يعطي ثوابا كثيرا جزيلا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وابن ماجه والحاكم والبيهقي والترمذى وقال حديث حسن

(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ غَسَلَ رَأْسَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ» ثُمَّ سَاقَ نَحْوَهُ. (ش) هذه رواية ثانية لحديث أَوس أوردها المصنف للتصريح فيها بغسل الرأس. ولم نقف على من أخرج هذه الرواية غير المصنف من المحدّثين (قوله خالد بن يزيد) الجمحى أبو عبد الرحيم المصرى. روى عن سعيد بن أبى هلال والزهرى وعطاء بن أبى رباح وأبى الزبير وغيرهم. وعنه الليثِ بن سعد وحيوة بن شريح والمفضل بن فضالة وبكر بن مضر وآخرون. قال ابن يونس كان فقيها مفتيا ووثقة أبو زرعة والعجلى ويعقوب بن سفيان والنسائى وابن حبان وقال أبو حاتم لا بأس به. مات سنة تسع وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (قوله غسل رأسه) بالتخفيف وبالتشديد مبالغة. ورغبهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ذلك لأنهم أصحاب شعور كما تقدم (قوله ثم ساق نحوه) وفى نسخة وساق نحوه أى ساق عبادة بن نسىّ نحو حديث أبى الأشعث ويحتمل أن يكون ساق قتيبة نحو حديث محمد بن حاتم المتقدم (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَقِيلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمِصْرِيَّانِ قَالَا: ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: ابْنُ أَبِي عَقِيلٍ، أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ إِنْ كَانَ لَهَا، وَلَبِسَ مِنْ صَالِحِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ، وَلَمْ يَلْغُ عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُمَا، وَمَنْ لَغَا وَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ كَانَتْ لَهُ ظُهْرًا». (ش) (قوله ابن أبى عقيل) هو أحمد المصرى (قوله قال أخبرنى) أى قال عبد الله بن وهب أخبرنى أسامة. وفي بعض النسخ إسقاط لفظ قال. وغرض المؤلف بهذا بيان أن رواية ابن أبي عقيل صرّح فيها ابن وهب بأن أسامة أخبره بالحديث بخلاف محمد بن سلمة فإنه رواه بالعنعنة (قوله ومسّ من طيب امرأته) أى إن لم يكن له طيب كما في الحديث السابق (قوله عند الموعظة) أى الخطبة وسميت موعظة لاشتمالها على الوعظ (قوله لما بينهما) أى لما بين الجمعتين (قوله كانت له ظهرا) أى كانت هذه الصلاة لهذا المصلي مثل صلاة الظهر في الثواب

أقوال العلماء في الغسل من الحجامة ومن غسل الميت وبيان الحكمة في ذلك

بمعنى أن الفضيلة التى كانت تحصل له من صلاة الجمعة لا تحصل له لفوات شروط هذه الفضيلة بسبب ارتكابه تخطى الرقاب واللغو. وفى هذا الحديث عمرو بن شعيب وقد سبق الخلاف فيه. (فقه الحديث) دلّ الحديث على استحباب غسل الجمعة والتطيب ولبس أحسن الثياب يومها، وعلى التحذير من تخطى الرقاب والتكلم وقت الخطبة لما يترتب على ذلك من الحرمان من الثواب المرتب على صلاة الجمعة (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، نَا زَكَرِيَّا، نَا مُصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ الْعَنَزِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ " يَغْتَسِلُ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنَ الْجَنَابَةِ، وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَمِنَ الحِجَامَةِ، وَمِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ ". (ش) (قوله زكريا) بن أبى زائدة (قوله يغتسل من أربع) أى يغتسل من بعضها ويأمر بالغسل من بعضها لأنه لم يثبت أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غسل ميتا قط (قوله من الجنابة) من تعليلية أى من أجلها وهو بدل بإعادة الجار ولا دليل في عطف ما بعده عليه على وجوب المعطوف لأن دلالة الاقتران غير حجة قال تعالى "كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده" والأكل جائز والإيتاء واجب إجماعا فيهما (قوله ويوم الجمعة) بالجرّ عطف على الجنابة على تقدير من التعليلية وفى تركها إشارة إلى أن الغسل الواحد يوم الجمعة ينوب عن الجنابة والسنة إذا نواهما (قوله ومن الحجامة) بكسر الحاء المهملة من حجمه حجما من باب قتل إذا شرطه أى كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يغتسل من أجلها (قوله ومن غسل الميت) أى من أجل تغسيله (والحكمة) في مشروعية الغسل من الحجامة ومن غسل الميت أن الدم كثيرا ما ينتشر على الجسد ويتعسر غسل كل نقطة على حدتها ولأن المصّ بالآلة جاذب للدم من كل جانب والغسل يزيل السيلان ويمنع انجذابه. وأما الاغتسال من غسل الميت فلأن رشاش الماء ينتشر على بدن الغاسل فإذا علم أنه سيغتسل لم يأل جهدا في تغسيل الميت ولأن الغاسل يمسه الميت يحصل له ضعف فالغسل يزيل ذلك الضعف (والحديث) يدلّ على أن الغسل مشروع لهذه الأربع. أما غسل الجمعة فقد تقدم. وأما الغسل للحجامة فهو سنة عند الهادوية لهذا الحديث ولما روى عن علىّ أنه قال الغسل من الحجامة سنة وإن تطهرت أجزأك "والجمهور" على عدم استحبابه لأن الحجامة كالرعاف. ولما أخرجه الدارقطنى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم احتجم ولم يزد على

غسل محاجمه لكن فيه صالح بن مقاتل وليس بالقوى، وأما حديث الباب فلا يحتج به لأنه متكلم فيه كما يأتى، وأما الغسل من غسل الميت فقد روى عن على وأبى هريرة وجوبه وهو قول الإمامية لحديث الباب وحديث من غسل ميتا فليغتسل رواه أحمد والأربعة عن أبى هريرة وقال أبو داود هذا منسوخ. وقال البيهقى الصحيح أنه موقوف. وقال أحمد لا يصح في الباب شيء. وقال مالك وأحمد وأصحاب الشافعى إنه مستحب وحملوا الأمر في حديث أبي هريرة على الندب لحديث كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل أخرجه الخطيب من حديث عمر وصحح ابن حجر إسناده ولحديث أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر الصديق أنها غسلت أبا بكر ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت إن هذا يوم شديد البرد وأنا صائمة فهل عليّ من غسل قالوا لا رواه مالك (وقال) الليث والحنفية لا يستحب وقالوا المراد بالاغتسال في الأحاديث الواردة به غسل الأيدى لحديث إن ميتكم يموت طاهرا فحسبكم أن تغسلوا أيدكم أخرجه البيهقى وحسنه ابن حجر (قال) الخطابى قد يجمع النظم قرائن الألفاظ والأشياء المختلفة الأحكام والمعانى ترتبها وتنزلها منازلها فأما الاغتسال من الجنابة فواجب بالاتفاق، وأما الاغتسال للجمعة فقد قام الدليل على أنه كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعله ويأمر به استحبابا. ومعقول أن الاغتسال من الحجامة إنما هو لإماطة الأذى ولما لا يؤمن من أن يكون قد أصاب المحتجم رشاش من الدم فالاغتسال منه استظهار للطهارة واستحباب للنظافة. وأما الاغتسال من غسل الميت فقد اتفق أكثر العلماء على أنه غير واجب وقد روى عن أبى هريرة عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من غسل ميتا فليغتسل. وروى عن ابن المسيب والزهرى معنى ذلك. وقال النخعى وأحمد وإسحاق يتوضأ غاسل الميت وروى عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا ليس على غاسل الميت غسل (وقال) أحمد لا يثبت في الاغتسال من غسل الميت حديث. وقال أبو داود حديث مصعب بن شيبة ضعيف ويشبه أن يكون من رأى الاغتسال منه إنما رأى ذلك لما لا يؤمن أن يصيب الغاسل من رشاش المغسول نضح وربما كانت على بدن الميت نجاسة فإذا علمت سلامته منها فلا يجب الاغتسال اهـ ومما تقدم لك تعلم فقه الحديث (من أخرح الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبيهقى والدارقطنى ولفظه عن عائشة قالت قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الغسل من أربع من الجنابة والجمعة والحجامة وغسل الميت وقال مصعب بن شيبة ليس بالقوى ولا بالحافظ اهـ وضعفه أيضا أبو زرعة وأحمد والبخارى وصحح الحديث ابن خزيمة وأخرجه المصنف في كتاب الجنائز في باب الغسل من غسل الميت وقال حديث مصعب فيه خصال ليس العمل عليها. وقال البخارى حديث عائشة في هذا الباب ليس بذاك. وقال الإمام أحمد وابن المدينى لا يثبت في هذا الباب شئ. وقال محمد بن يحيى لا أعلم فيمن غسل ميتا حديثا

ثابتا ولو ثبت لزمنا استعماله. (ص) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ، نَا مَرْوَانُ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَوْشَبٍ سَأَلْتُ مَكْحُولًا عَنْ هَذَا الْقَوْلِ «غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ» فَقَالَ: «غَسَّلَ رَأْسَهُ وَغَسَلَ جَسَدَهُ»، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الدِّمَشْقِيُّ، ثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي قوله «غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ». قَالَ: قَالَ سَعِيدٌ: «غَسَّلَ رَأْسَهُ وَغَسَلَ جَسَدَهُ» (ش) غرض المصنف بذكر هذين الأثرين بيان ما قاله مكحول أبو عبد الله الشامى الفقيه وسعيد بن عبد العزيز في تفسير غسل واغتسل في حديث أوس بن أوس الثقفى وهو أن معنى غسل غسل الرأس بخطمىّ ونحوه ومعنى اغتسل غسل سائر جسده. وكان المناسب ذكرهما عقب الحديث كما فعل البيهقى قال بعد تخريجه الحديث روينا عن مكحول أنه قال في قوله غسل واغتسل يعني غسل رأسه وجسده وكذلك قاله سعيد بن عبد العزيز وهذا هو الصحيح لأنهم كانوا يجعلون في رءوسهم الخطمىّ أو غيره فكانوا أولا يغسلون رءوسهم ثم يغتسلون والله تعالى أعلم اهـ (رجال الأثرين) (قوله مروان) بن محمد بن حسان (قوله علىّ بن حوشب) على وزن جعفر أبو سليمان الفزارى الدمشقي. روى عن أبيه ومكحول الشامى وأبى سلام الأسود. وعنه زيد ابن يحيى والوليد بن مسلم وأبو توبة وغيرهم. وثقه أبو زرعة والعجلى وابن حبان وقال دحيم لا بأس به روى له أبو داود (قوله محمد بن الوليد الدمشقى) بن هبيرة أبو هبيرة القلانسىّ الهاشمى. روى عن أبى مسهر وسليمان بن عبد الرحمن وعبد الله بن يزيد وغيرهم. وعنه أبو داود وأبو حاتم وأبو زرعة وآخرون. قال ابن أبى حاتم صدوق وقال مسلمة لا بأس به أحاديثه مستقيمة. توفى سنة ست وثمانين ومائتين (قوله أبو مسهر) بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء هو عبد الأعلى بن مسهر بن عبد الأعلى الغسانى الدمشقي. روى عن صدقة بن خالد ومالك بن أنس وسعيد بن عبد العزيز ويحيى بن حمزة وجماعة. وعنه أحمد وابن معين وأبو نعيم وأبو حاتم والبخارى وآخرون. قال أحمد رحم الله أبا مسهر ما كان أثبته ووثقه ابن معين والعجلى وقال الخليلى ثقة حافظ إمام متفق عليه وقال ابن وضاح كان ثقة فاضلا وقال ابن حبان كان إمام أهل الشام في الحفظ والإتقان وإليه كان يرجع أهل الشام في الجرح والعدالة لشيوخهم وقال التنوخى كان من أحفظ الناس وقال أبو حاتم ما رأيت فيمن كتبنا عنه أفصح منه ولا رأيت أحدا في كورة أعظم قدرا ولا أجلّ عند أهل العلم من أبى مسهر وقال أبو داود كان من ثقات الناس. ولد سنة أربعين ومائة. وتوفى ببغداد

كلام الأئمة في الساعات المطلوب الزواح فيها إلى صلاة الجمعة

سنة ثمانى عشرة ومائتين وهو ابن سبع وسبعين سنة. روى له الجماعة إلا البخارى (قوله سعيد ابن عبد العزيز) بن أبى يحيى التنوخى أبى محمد أو أبى عبد العزيز الدمشقى. روى عن الزهرى وبلال بن سعد وزيد بن أسلم ومكحول وعطاء وغيرهم. وعنه الثورى وشعبة وابن المبارك والوليد بن مسلم وأبو مسهر وكثيرون. وثقه ابن معين وأبو حاتم وابن سعد والعجلى والنسائى وقال أحمد ليس بالشام رجل أصح حديثا منه وقال الحاكم أبو عبد الله هو لأهل الشام كمالك لأهل المدينة في التقدّم والفضل والفقه والأمانة دينا وورعا وكان مفتى أهل دمشق وقال ابن حبان في الثقات كان من عباد أهل الشام وفقهائهم ومتقنيهم في الرواية وقال ابن معين اختلط قبل موته ولد سنة تسعين. ومات سنة سبع أو ثمان وستين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ». (ش) (قوله عن سمىّ) هو مولى أبى بكر بن عبد الرحمن (قوله من اغتسل) يدخل في عمومه كل من يصح منه التقرّب ولو أنثى أو مريضا أو مسافرا أو عبدا (قوله غسل الجنابة) بنصب غسل صفة لمحذوف أى غسلا كغسل الجنابة ويشهد له رواية ابن جريج عن سمىّ عند عبد الرزاق فاغتسل أحدكم كما يغتسل من الجنابة. وظاهره أن التشبيه في الكيفية لا في الحكم وهو قول الأكثر. وقيل إن المراد غسل الجنابة حقيقة حتى يستحب له أن يواقع زوجه ليكون أغضّ لبصره وأسكن لنفسه ويشهد له ما في حديث أوس السابق من قوله من غسل يوم الجمعة واغتسل الخ (قوله ثم راح الخ) أى ذهب أول النهار. زاد في الموطأ في الساعة الأولى ويدلّ على هذا المعنى قرينة المقابلة وهى تعين المراد (قال) مالك المراد بالساعات لحظات لطيفة بعد زوال الشمس وبه قال القاضى حسين وإمام الحرمين من الشافعية وادّعوا أن ذلك حقيقة الرواح في اللغة لأن حقيقته من الزوال إلى آخر النهار والغدوّ من أوله إلى الزوال (ومذهب) جماهير العلماء

استحباب التبكير إلى الجمعة أول النهار وبه قال الشافعى وابن حبيب المالكي. والساعات عندهم من أول النهار والرواح يكون أول النهار وآخره كما قاله الأزهرى وهذا هو الصواب الذى يقتضيه الحديث والمعنى لأن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبر أن الملائكة تكتب من جاء في الساعة الأولى وهو كالمهدى بدنه ثم من جاء في الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة وفى رواية النسائى السادسة وفي رواية مسلم والنسائى فإذا خرج الإمام طووا الصحف ولم يكتبوا بعد ذلك أحدا. ومعلوم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يخرج إلى الجمعة متصلا بالزوال وهو بعد انقضاء السادسة فدلّ على أنه لا شيء من الفضيلة لمن جاء بعد الزوال فلا يصح حمل الرواح على ما بعد الزوال. ولأن ذكر الساعات إنما كان للحث على التبكير إليها والترغيب في فضيلة السبق وتحصيل الصف الأول وانتظار الصلاة والاشتغال بالتنفل والذكر ونحوهما ولا يحصل هذا بعد الزوال. ولا فضيلة لمن أتى بعد الزوال لأن النداء يكون حينئذ ويحرم التخلف بعد النداء (واختلف) العلماء هل تعتبر الساعات من طلوع الفجر أم من طلوع الشمس (فقال) الروياني إن ظاهر كلام الشافعى أن التبكير يكون من طلوع الفجر وصححه الرافعى والنووى (وقال) الماوردى الأصح أنه من طلوع الشمس لأن ما قبل ذلك زمان غسل وتأهب (وقال) الرافعىّ ليس المراد من الساعات الساعات الفلكية وإنما المراد ترتيب الدرجات وتفضيل السابق على الذى يليه ومن جاء في أول ساعة من هذه الساعات ومن جاء في آخرها مشتركان في تحصيل أصل البدنة أو البقرة أو الكبش ولكن بدنه الأول أكمل من بدنة من جاء في آخر الساعة وبدنة المتوسط متوسطة وهذا كما أن صلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة ومعلوم أن الجماعة تطلق على اثنين وعلى ألوف فمن صلى في جماعة هم عشرة آلاف له سبع وعشرون درجة ومن صلى مع اثنين له سبع وعشرون درجة لكن درجات الأول أكمل. وأشباه هذا كثيرة. وقوله فكأنما قرّب بدنة أى تصدّق كقوله تعالى "إذ قرّبا قربانا" أى تصدّقا متقرّبين إلى الله تعالى. وقيل المراد أن للمبادر في أول ساعة نظير ما لصاحب البدنة من الثواب ممن شرع له القربان لأن القربان لم يشرع لهذه الأمة على الكيفية التى كانت للأمم الماضية. وقيل ليس المراد بالحديث إلا بيان تفاوت المبادرين إلى الجمعة في الثواب وأن نسبة ثواب الثاني إلى الأول كنسبة البقرة إلى البدنة في القيمة مثلا ويدلّ عليه أن في مرسل طاوس عند عبد الرزاق كفضل صاحب الجزور على صاحب البقرة وقيل معناه الإهداء بها إلى الكعبة لما في رواية للبخارى من قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومثل المهجر كمثل الذى يهدى بدنة من الإهداء (وردّ) بأن إهداء الدجاجة والبيضة غير معهود فالوجه حمل رواية البخارى على التصدق أيضا. ولا وجه للردّ لأن الكلام وقع على التشبيه أى لو كان إهداء الدجاجة والبيضة ثابتا وأهدى أحد ذلك حصل له ثوابه فكذلك من أتى

إلى الجمعة في الساعات المذكورة يعطى له مقدار ثواب ذلك. والغرض من هذا التشبيه الحث على التبكير لأن حسنات الحرم أعظم "وأجاب" القسطلانى بأنه من باب المشاكلة أى تسمية الشئ باسم قرينه. والبدنة تقع على الواحدة من الإبل والغنم والبقر كما قال جمهور أهل اللغة. وسميت بذلك لعظم بدنها. وخصها جماعة بالإبل وهو المراد هنا بالاتفاق. والبدنة والبقرة يقعان على الذكر والأنثى والهاء فيه للوحدة كقمحة وشعيرة ونحوهما من أفراد الجنس (قال) النووى فيه أن التضحية بالإبل أفضل من البقر لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قدّم الإبل وجعل البقر في الدرجة الثانية اهـ وسيأتى الكلام على ذلك في كتاب الضحايا إن شاء الله تعالى (قوله فكأنما قرّب كبشا أقرّن) الكبش فحل الغنم وصفه بأقرن لأنه أكمل وأحسن صورة (قوله فكأنما قرّب دجاجة) بفتح الدال المهملة وكسرها تطلق على الذكر والأنثى والتاء للوحدة لا للتأنيث (قوله فكأنما قرّب بيضة) واحدة البيض والجمع بيوض وجاء في الشعر بيضاة، وفى رواية النسائى بعد الكبش بطة ثم دجاجة ثم بيضة. وفي رواية بعد الكبش دجاجة ثم عصفور ثم بيضة وإسناد الروايتين صحيح "فإن قيل" كيف يتقرّب بالدجاجة والبيضة "قلنا" قد تقدم أن معنى التقرّب التصدق ويجوز التصدق بالدجاجة والبيضة ونحوهما. وفيه دليل على أن التقرّب والصدقة يقعان على القليل والكثير (قوله حضرت الملائكة) بفتح الضاد المعجمة وكسرها لغتان مشهورتان والفتح أشهر وأفصح وفى مسلم فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر والمراد أنهم يطوون الصحف التي كانوا يكتبون فيها ثواب حاضرى صلاة الجمعة فلا يكتب بعد ذلك ثواب مخصوص بحضور الجمعة من هذه الأنواع. وكأن ابتداء طىّ الصحف عند ابتداء خروح الإمام وانتهاءه بجلوسه على المنبر وهو أول سماعهم الخطبة. والمراد من الملائكة الملائكة الذين وظيفتهم كتابة حاضرى الجمعة وما يشتمل عليه من ذكر وغيره وهم غير الحفظة (قوله يستمعون الذكر) أى الخطبة لأن فيها ذكر الله تعالى والثناء عليه والموعظة والوصية للمسلمين (فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب الغسل يوم الجمعة، وعلى طلب المبادرة بالذهاب إلى مسجد الجمعة، وعلى أن الجزاء على قدر العمل، وعلى أن الجمعة تحضرها الملائكة. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى والترمذى وقال حديث حسن صحيح وكذا البيهقى في باب فضل التبكير إلى الجمعة وأخرجه ابن ماجه من حديث سعيد ابن المسيب عن أبى هريرة قالا قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس على قدر منازلهم الأول فالأول فإذا خرج الإمام طووا الصحف واستمعوا الخطبة فالمهجر إلى الصلاة كالمهدى بدنة ثم الذى يليه كمهدى بقرة ثم الذى يليه كمهدى كبش حتى ذكر الدجاجة والبيضة

باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة

(باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة) أى في بيان التسهيل في ترك الغسل يوم الجمعة لعدم وجوبه (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ مُهَّانَ أَنْفُسِهِمْ، فَيَرُوحُونَ إِلَى الْجُمُعَةِ بِهَيْئَتِهِمْ، فَقِيلَ لَهُمْ: «لَوِ اغْتَسَلْتُمْ». (ش) (قوله عن عمرة) بنت عبد الرحمن الأنصارية (قوله كان الناس مهان أنفسهم) بضم الميم وتشديد الهاء جمع ماهن ككتاب جمع كاتب "وقال" الحافظ أبو موسى مهان بكسر الميم والتخفيف جمع ماهن كقيام وصيام جمع قائم وصائم. وفي رواية البخارى مهنة أنفسهم جمع ماهن أيضا ككتبة جمع كاتب والماهن الخادم أى كانوا يخدمون أنفسهم ويعملون أعمالهم بأنفسهم إذ لم يكن لهم من يخدمهم في ذلك الوقت والإنسان إذا باشر العمل الشاقّ حمى بدنه وعرق ولا سيما في البلاد الحارّة فربما تكون منه الرائحة الكريهة فأمروا بالاغتسال تنظيفا للبدن وقطعا للرائحة (قوله فيروحون بهيئتهم) أى يذهبون إلى صلاة الجمعة بحالتهم التي هم عليها من العرق ووسخ أجسادهم فكانت تظهر لهم رائحة كريهة (قوله فقيل لهم لو اغتسلم) لو للتمنى فلا تحتاج إلى جواب أو للشرط فيكون الجواب محذوفا تقديره لكان حسنا. والقائل لهم هو النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ففى رواية البخارى فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا وهو يدلّ على عدم وجوب غسل الجمعة لأنهم لم يؤمروا بالاغتسال إلا لأجل تلك الروايح الكريهة فإذا زالت زال الوجوب. والأحاديث الواردة في الأمر بالغسل محمولة على الندب جمعا بين الأحاديث (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن وقت الجمعة بعد الزوال وهو وقت الظهر لقوله في الحديث فيروحون والرواح من بعد الزوال كما قاله أكثر أهل اللغة، وعلى أن حكمة الاغتسال يوم الجمعة إزالة الرائحة الكريهة حتى لا تتأذى الناس والملائكة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى بلفظ كان الناس مهنة أنفسهم وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم فقال لهم لو اغتسلتم. وأخرجه مسلم بلفظ كان الناس أهل عمل ولم يكن لهم كفاءة فكانوا يكون لهم تفل "بفتحتين أى رائحة كريهة" فقيل لهم لو اغتسلتم. وأخرجه الطحاوى بلفظ كان الناس عمال أنفسهم الخ وقال فهذه عائشة تخبر بأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما ندبهم إلى الغسل للعلة التي أخبر بها ابن عباس "أى في الحديث الآتى" وأنه لم يجعل ذلك عليهم حتما وهى ممن روينا عنها أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يأمر بالغسل

في ذلك اليوم اهـ. (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو يعني ابْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ جَاءُوا فَقَالُوا: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَتَرَى الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبًا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ أَطْهَرُ، وَخَيْرٌ لِمَنِ اغْتَسَلَ، وَمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ بِوَاجِبٍ، وَسَأُخْبِرُكُمْ كَيْفَ بَدْءُ الْغُسْلِ كَانَ النَّاسُ مَجْهُودِينَ يَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَيَعْمَلُونَ عَلَى ظُهُورِهِمْ، وَكَانَ مَسْجِدُهُمْ ضَيِّقًا مُقَارِبَ السَّقْفِ -إِنَّمَا هُوَ عَرِيشٌ- فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي يَوْمٍ حَارٍّ وَعَرِقَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الصُّوفِ حَتَّى ثَارَتْ مِنْهُمْ رِيَاحٌ آذَى بِذَلِكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَمَّا وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الرِّيحَ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِذَا كَانَ هَذَا الْيَوْمَ فَاغْتَسِلُوا، وَلْيَمَسَّ أَحَدُكُمْ أَفْضَلَ مَا يَجِدُ مِنْ دُهْنِهِ وَطِيبِهِ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثُمَّ جَاءَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ وَلَبِسُوا غَيْرَ الصُّوفِ، وَكُفُوا الْعَمَلَ وَوُسِّعَ مَسْجِدُهُمْ، وَذَهَبَ بَعْضُ الَّذِي كَانَ يُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنَ الْعَرَقِ (ش) (رجال الحديث) (قوله عمرو يعنى ابن أبى عمرو) ميسرة المدني ابن عبد الله بن حنطب. روى عن عكرمة وسعيد بن جبير وأنس بن مالك وغيرهم. وعنه مالك بن أنس وسليمان ابن بلال وسعيد بن سلمة وكثيرون. قال أبو حاتم وأحمد ليس به بأس وقال النسائى ليس بالقوى وقال ابن معين ضعيف ليس بالقوى وليس بحجة ووثقه أبو زرعة وقال ابن عدى لا بأس به لأن مالكا قد روى عنه وهو لا يروى إلا عن صدوق ثقة وقال ابن حبان في الثقات ربما أخطأ يعتبر حديثه من رواية الثقات عنه وقال العجلي ثقة ينكر عليه حديث البهيمة "يعنى من أتى بهيمة فاقتلوه" وقال الذهبى حديثه حسن وقال الساجى صدوق إلا أنه يهم. مات سنة خمسين ومائة. روى له الجماعة. (معنى الحديث) (قوله من أهل العراق) أى العربى وهي بلاد تمتدّ من الخليج الفارسى

إلى الموصل (قوله ولكنه أطهر وخير) أى أكمل طهارة للبدن وأفضل ثوابا لورود الحث عليه (قوله وسأخبركم كيف بدء الغسل الخ) أى سأبين لكم سبب ابتداء مشروعية غسل الجمعة وهو أن الصحابة كانوا مجهودين أى واقعين في الجهد والمشقة لتحصيل معاشهم لعدم وجود الخدم وكان مسجدهم ضيقا أى طولا وعرضا فكان سبعين ذراعا في ستين وكان له ثلاثة أبواب ولم يسطحوه فشكوا الحرّ فجعلوا خشبه وسواريه جذوع النخل وظللوه بالجريد ثم بالخوص ثم طينوه وكان ارتفاعه قامة وشبرا وبقى كذلك إلى خلافة عمر فزاد فيه وبناه باللبن والجريد ثم زاد فيه عثمان وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والجصّ وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج (قوله إنما هو عريش) بفتح العين المهملة وهو ما يستظل به أى أن سقفه كان من الجريد والسعف كما تقدّم (قوله حتى ثارت منهم رياح) أى هاجت وظهرت من أجسادهم رياح كريهة يقال ثار يثور ثورا وثورانا إذا انتشر وظهر (قوله فلما وجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى أحسّ بتلك الريح الكريهة أو وجد أثرها من الأذى (قوله من دهنه وطيبه) بضم الدال المهملة هو ما يدّهن به من الزيت ودهن السمسم وغيرهما من الأدهان المطيبة وكذا الطيب يتناول سائر أنواع الطيب كالمسك والعنبر والمراد دهن الشعر وتطييب سائر البدن (قوله ثم جاء الله تعالى ذكره بالخير) أى المال وأتى بثم للدلالة على التراخى في الزمان لأنهم مكثوا مجهودين مدّة طويلة ثم فتح الله تعالى مصر والشام والعراق على أيدى الصحابة وكثرت أموالهم وعبيدهم فغيروا اللبس والبناه وغير ذلك. وفى ثم أيضا دلالة على التراخى في الرتبة لأن أحوال جهدهم كانت منبئة عن عدم ظهور الإسلام بخلاف أحوال سعتهم فإنها منبئة عن ظهوره وليس المراد أن الغنى خير من الفقر حتى يكون الشكر أفضل من الصبر فإن الجمهور على خلافه (قوله وكفوا العمل) بالبناء للمفعول مخففا أى أغناهم الله تعالى عن العمل باستغنائهم أو بإعطائهم الخدم. يقال كفاه الله يكفيه إذا أغناه. وظاهر كلام ابن عباس أن الغسل كان في أول الإسلام واجبا لدفع الإيذاء بالريح الكريهة حينئذ ثم لما زال سبب الإيذاء نسخ وجوبه وبه إن صح يجمع بين الأحاديث السابقة (قال) الطحاوى بعد رواية ابن عباس فهذا ابن عباس يخبر أن الأمر الذى أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم به لم يكن للوجوب عليهم وإنما كان لعلة ثم ذهبت تلك العلة فذهب وجوب الغسل وهو احد من روى عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان يأمر بالغسل اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب الغسل يوم الجمعة، وعلى أنه يطلب ممن أراد المسجد أو مجالسة الناس أن يتجنب الريح الكريهة في جسده وثوبه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الطحاوى في شرح معاني الآثار والحاكم وكذا البيهقى

بسنده إلى عكرمة عن ابن عباس أن رجلين من أهل العراق أتياه فسألاه عن الغسل يوم الجمعة أواجب هو فقال لهما ابن عباس من اغتسل فهو أحسن وأطهر وسأخبركم لماذا بدأ الغسل كان الناس في عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم محتاجين يلبسون الصوف ويسقون النخل على ظهورهم وكان المسجد ضيقا مقارب السقف فخرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الجمعة في يوم صائف شديد الحرّ ومنبره قصير إنما هو ثلاث درجات فخطب الناس فعرق الناس في الصوف فثارت أرواحهم ريح العرق والصوف حتى كاد يؤذى بعضهم بعضا حتى بلغت أرواحهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو على المنبر فقال يا أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا وليمسّ أحدكم ما يجد من طيبه أو دهنه (ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، نَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ». (ش) (قوله أبو الوليد) هشام بن عبد الملك. و (همام) بن يحيى (قوله من توضأ فبها ونعمت) وفى بعض النسخ من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت أى فبرخصة الوضوء ينال الفضل ونعمت هذه الرخصة. ونعم بكسر النون وسكون العين على المختار ويجوز فتح النون وكسر العين وفتح الميم وهو الأصل في هذه اللفظة. وقيل إن التقدير فبالسنة أخذو نعمت الخصلة هي. وفيه نظر لأنه إنما يكون آخذا بالسنة إذا اغتسل أما إذا توضأ فإنما أتى بالفرض الذى عليه (قوله فهو أفضل) أى الغسل المفهوم من اغتسل أفضل لأنه تطهير أكمل (قال) الخطابى فيه البيان الواضح أن الوضوء كاف للجمعة وأن الغسل لها فضيلة لا فريضة اهـ (وقال) الترمذى دلّ هذا الحديث على أن الغسل يوم الجمعة فيه فضل من غير وجوب اهـ (تخريج الحديث وبيان حاله) اعلم أن هذا الحديث روى عن سمرة وأنس وأبى سعيد الخدرى وأبى هريرة وجابر وعبد الرحمن بن سمرة وابن عباس، أما حديث سمرة فهو حديث الباب وأخرجه الترمذى في فضل غسل الجمعة وقال حديث حسن وأخرجه النسائى في الباب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة وقال لم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة اهـ ورواه أحمد والبيهقي وابن أبى شيبة في مصنفه. وأما حديث أنس فرواه ابن ماجه من طريق إسماعيل بن مسلم المكي عن يزيد الرقاشى عن أنس بن مالك عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت يجزئُ عنه الفريضة ومن اغتسل فالغسل أفضل وأخرجه البيهقى بنحوه وزاد والغسل من السنه ولم يذكر يجزئُ عنه الفريضة وسنده ضعيف لضعف يزيد بن أبان الرقاشى، وأما حديث أبى سعيد الخدرى فرواه البيهقى في سننه والبزار في مسنده من طريق أبي نضرة عن أبى سعيد. وأما حديث أبى هريرة

الخلاف في سماع الحسن البصري من سمرة بن جندب

فأخرجه البزار من طريق أبى بكر الهذلى وأعله ابن عدى في الكامل بأبى بكر الهذلى، وأما حديث جابر فرواه عبد بن حميد في مسنده من طريق أبان عن أبى نضرة عن جابر مرفوعا. ورواه عبد الرزاق في مصنفه عن الثورى عن رجل عن أبى نضرة ورواه إسحاق بن راهويه في مسنده وابن عدى في الكامل، وأما حديث عبد الرحمن بن سمرة فرواه الطبرانى في معجمه الوسط وأما حديث ابن عباس فرواه البيهقى في سننه عن عكرمة عن ابن عباس عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من توضأ فبها ونعمت ويجزئُ من الفريضة ومن اغتسل فالغسل أفضل (واعلم) أيضا أن في سماع الحسن من سمرة ثلاثة مذاهب (الأول) أنه سمع منه مطلقا وهو قول ابن المدينى ذكره عنه البخارى في أول تاريخه الوسط عن إسرائيل قال سمعت الحسن يقول ولدت لسنتين بقيتا من خلافة عمر (وقال) علىّ سماع الحسن من سمرة صحيح. ونقله الترمذى في كتابه قال في باب الصلاة الوسطى قال محمد بن إسماعيل يعنى البخارى قال على يعنى ابن المدينى سماع الحسن من سمرة صحيح (وقال) الترمذى سماع الحسن من سمرة عندى صحيح، واختار الحاكم هذا القول وأخرج في كتابه عدّة أحاديث من رواية الحسن عن سمرة وقال في بعضها على شرط البخارى (الثانى) أنه لم يسمع منه شيئا واختاره ابن حبان في صحيحه فقال بعد أن روى حديث الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كانت له سكتتان والحسن لم يسمع من سمرة شيئا (وقال) صاحب التنقيح قال ابن معين الحسن لم يلق سمرة (وقال) شعبة الحسن لم يسمع من سمرة (وقال) البردعي أحاديث الحسن عن سمرة كتاب ولا يثبت عنه حديث قال فيه سمعت سمرة (الثالث) أنه سمع منه حديث العقيقة لا غير قاله النسائى وإليه مال الدارقطنى فقال في حديث السكتتين والحسن اختلف في سماعه من سمرة ولم يسمع منه إلا حديث العقيقة فيما قاله قريش بن أنس واختاره عبد الحق في أحكامه واختاره البزار في مسنده أفاده العينى (أقول) المختار القول الأول لأن المثبت مقدّم على النافى (قال) الحافظ فأما الحديث فعوّل على المعارضة به كثير من المصنفين ووجه الدلالة منه قوله فالغسل أفضل فإنه يقتضى اشتراك الوضوء والغسل في أصل الفضل فيستلزم إجزاء الوضوء ولهذا الحديث طرق أشهرها وأقواها رواية الحسن عن سمرة أخرجها أصحاب السنن الثلاثة وابن خزيمة وابن حبان وله علتان إحداهما أنه من عنعنة الحسن والأخرى أنه اختلف عليه فيه وأخرجه ابن ماجه من حديث أنس والطبرانى من حديث عبد الرحمن بن سمرة والبزار من حديث أبى سعيد وابن عدىّ من حديث جابر وكلها ضعيفة اهـ (باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل) أى يؤمر بعد الإسلام بالغسل ونحوه كالحلق والاختتان كما في الحديث الآتى. ويسلم من الإسلام

مذاهب الأئمة في حكم هذا الغسل

وهو الإقرار بالشهادتين، وفي بعض النسخ باب الرجل يسلم فيؤمر بالغسل (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، نَا الْأَغَرُّ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ جَدِّهِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أُرِيدُ الْإِسْلَامَ فَأَمَرَنِي أَنْ أَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» (ش) (رجال الحديث) (قوله سفيان) الثورى (قوله الأغر) بفتح الهمزة والغين المعجمة وتشديد الراء ابن الصباح الكوفى التميمي المنقرى مولى آل قيس بن عاصم. روى عن خليفة بن حصين وأبى نضرة. وعنه الثورى وأبو شيبة وقيس بن الربيع، وثقه العجلى والنسائى وابن معين وابن حبان وقال أبو حاتم صالح. روى له أبو داود والترمذى والنسائى (قوله خليفة ابن حصين) بن قيس بن عاصم التميمى المنقرى البصرى. روى عن أبيه وجده وعلى بن أبى طالب وزيد بن أرقم وأبى الأحوص. وعنه الأغرّ بن الصباح. وثقه النسائى وابن حبان. روى له أبو داود والترمذى والنسائى (قوله عن جدّه قيس بن عاصم) بن سنان بن خالد بن منقر بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف ابن عبيد السعدى التميمي. وفد على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في وفد بنى تميم سنة تسع فأسلم فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا سيد أهل الوبر وكان عاقلا حليما جوادا، روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وعنه ابناه حكيم وحصين والأحنف بن قيس والحسن البصرى وغيرهم. قال ابن عبد البر كان قد حرم على نفسه الخمر في الجاهلية نزل البصرة وبنى بها دارا، ومات بها عن اثنين وثلاثين ذكرا من أولاده، روى له أبو داود والترمذى والنسائى (معنى الحديث) (قوله فأمرنى أن أغتسل بماء وسدر) أى أمرنى بالاغتسال بماء مخلوط بورق النبق بعد ما أسلمت. ويؤيده ما في رواية الترمذى والنسائى من أنه أسلم فأمره النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالغسل. ويحتمل أنه أمره بالغسل أولا ثم أسلم ويؤيده ما رواه البخارى في المغازى في قصة ثمامة بن أثال بلفظ فقال أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله (وبالحديث) استدلّ من قال بوجوب الغسل على من أسلم لأن الأمر يدلّ على الوجوب وبه قال أحمد وأبو ثور وقالوا لا يخلو المشرك في أيام كفره من جماع أو احتلام وهو لا يغتسل ولو اغتسل لم يصح منه لأن الاغتسال من الجنابة فرض فلا يجزئه إلا بعد الإيمان كالصلاة والزكاة، واستدل أيضا من قال بالوجوب بحديث أبى هريرة أن ثمامة أسلم فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

الخلاف في وضوء المشرك قبل إسلامه

إذهبوا به إلى حائط بنى فلان فمروه أن يغتسل رواه أبو عبد الرزاق والبيهقى وابن خزيمة وابن حبان وبحديث أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالغسل واثلة وقتادة الرهاوى عند الطبرانى وعقيل ابن أبى طالب عند الحاكم في تاريخ نيسابور وفى أسانيد الثلاثة ضعف كما قاله الحافظ (وذهب) مالك والشافعى والهادى إلى وجوبه على من أجنب حال كفره اغتسل أم لا لعدم صحة غسله وإلى استحبابه لمن لم يجنب، واستدلوا بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يأمر كل من أسلم بالغسل ولو كان واجبا لما خص بالأمر به بعضا دون بعض فيكون ذلك قرينة تصرف الأمر إلى الندب وأما وجوبه على من أجنب فللأدلة القاضية بوجوبه لأنها لم تفرق بين كافر ومسلم (وقال) أبو حنيفة وأصحابه بوجوبه على من أجنب ولم يغتسل حال كفره فإن اغتسل لا يجب لما تقدّم من الأدلة ولا يصح قياسه على الصلاة والزكاة لأنهما لا يصحان بدون النية لعدم الإيمان بخلاف اغتساله لأن الماء مطهر بنفسه فلا يحتاج إلى النية (وقال) المنصور بالله باستحبابه مطلقا وإن لم يغتسل من جنابة أصابته قبل إسلامه لحديث الإسلام يجبّ ما قبله (واحتلفوا) في الشرك يتوضأ حال شركه ثم يسلم (فقالت) الحنفية يصلى بالوضوء المتقدّم حال شركه لكن لو تيمم ثم أسلم لم يصلّ بذلك التيمم بل يستأنف تيمما آخر في الإسلام إن لم يجد الماء. والفرق بينهما عندهم أن التيمم مفتقر إلى النية ونية العبادة لا تصح من مشرك والوضوء غير مفتقر إلى نية فإذا وجد من المشرك حكم بصحته كما يوجد من المسلم (وقال) مالك والشافعى وأحمد إذا توضأ وهو مشرك أو تيمم ثم أسلم أعاد الوضوء للصلاة بعد الإسلام وكذا التيمم فلا فرق بينهما (وقول) أحمد بإيجاب الاغتسال والوضوء عليه إذا أسلم أشبه بظاهر الحديث (فقه الحديث) دلّ الحديث على وجوب الغسل على الكافر إذا أسلم وقد علمت ما فيه من التفصيل والخلاف، وعلى مشروعية الاغتسال بماء خلط بما يقصد به النظافة كالصابون (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد وابن حبان وابن خزيمة والنسائى والبيهقى والترمذى وقال حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه وصححه ابن السكن (ص) حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنْ عُثَيْمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: قَدْ أَسْلَمْتُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ» يَقُولُ: احْلِقْ قَالَ: وأَخْبَرَنِي آخَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ لِآخَرَ مَعَهُ: «أَلْقِ عَنْكَ

شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ». (ش) لعلّ وجه مناسبة الحديث للترجمة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما أمره بإزالة شعر الكفر والاختتان الذى هو شعار الإسلام فإزالة الأوساخ التى في حال الكفر أولى وأهمّ لأن النظافة مندوب إليها في الإسلام. (رجال الحديث) (قوله ابن جريج) هو عبد الملك بن عبد العزيز (قوله أخبرت) بالبناء للمفعول والذى أخبره هو إبراهيم بن محمد بن أبى يحيى كما قاله ابن عدى وقد ينسب إلى جدّه أبى إسحاق المدنى. روى عن الزهرى ويحيى بن سعيد وابن المنكدر وغيرهم. وعنه الثورى وابن جريج قال يحيى القطان سألت مالكا عنه أكان ثقة قال لا ولا ثقة في دينه وقال أحمد كان قدريا جهميا كل بلاء فيه لا يكتب حديثه كان يروى أحاديث منكرة وقال النسائى متروك الحديث وقال الشافعى كان ثقة في الحديث وقال أحمد بن محمد بن سعيد ليس بمنكر الحديث وقال ابن عدى نظرت في حديثه الكثير فلم أجد فيه منكرا وإنما يروى المنكر من قبل الراوى عنه أو من قبل شيوخه وهو من جملة من يكتب حديثه ولكنه جزم بضعفه. مات سنة أربع وثمانين ومائة، روى له ابن ماجه (قوله عن عثيم) بضم العين المهملة وفتح المثلثة وسكون المثناة التحتية ابن كثير (بن كليب) الحجازى الحضرمى وقد ينسب إلى جده كما هنا. روى عن أبيه عن جده. وعنه محمد بن مسلم وإبراهيم بن أبى يحيى. وثقه ابن حبان وقال في التقريب مجهول ولا وجه لمن عدّ ابن جريج ممن روى عنه قال الحافظ في تهذيب التهذيب إنما قال البخارى في تاريخه قال ابن جريج أخبرت عن عثيم وكذا قال ابن حبان روى ابن جريج عن رجل عنه وقال ابن ماكولا روى عنه إبراهيم بن أبى يحيى فسمى جدّه كلابا وروى عنه عبد الله بن منيب فقال عثيم بن قيس ابن كثير ونسبه الجوسق إلى جدّه اهـ وغرضه أولا الردّ على من جعل ابن جريج من تلاميذ عثيم فإن قوله أخبرت عن عثيم صريح في أن بينهما واسطة وقد علمت أنه إبراهيم بن محمد. وثانيا بيان أنه لا خلاف في أن كليبا ليس أبا لعثيم فمن نسبه إليه فقد أسقط أباه وهو كثير أو قيس على الخلاف فيه (قوله عن أبيه) هو كثير على الصواب خلافا لما يوهمه ظاهر سياق المصنف روى عن أبيه. وعنه ابنه عثيم. قال ابن خراش صدوق. روى له مسلم وأبو داود والنسائى (قوله عن جده) هو كليب الجهنى أو الحضرمى صحابى له ثلاثة أحاديث أحدها هذا والآخران رواهما الواقدى وذكر ابن منده وغيره أن اسم والد كليب الصلت وترجم له في الصحابة بناء على ظاهر الإسناد وليس الأمر كذلك بل الصواب أنه عثيم بن كثير بن كليب والصحبة لكليب وكان من ابن جريج أنه نسب عثيما إلى جدّه فصار الظاهر أن الصحابى والد كليب وليس كذلك

مشروعية اختتان وحلق شعر من أسلم

وإنما كليب هو الصحابي ولا يعرف لأبيه صحبة وقد روى ابن منده هذا الحديث من طريق إبراهيم بن أبي يحيى عن عثيم على الصواب وكذا رواه أحمد في المسند أفاده في تهذيب التهذيب وقال في الخلاصة روى عنه ابنه كثير اهـ "وقول" العينى كليب والد عثيم البصرى روى عن أبيه وعنه ابنه عثيم اهـ "تبع" فيه ظاهر سياق المصنف وقد علمت ما فيه (معنى الحديث) (قوله ألق عنك شعر الكفر) أى أزله عنك وليس المراد أن كل من أسلم يلزمه أن يحلق رأسه كما يلزمه الغسل بل إضافة الشعر إلى الكفر تدل على أن المراد حلق الشعر الذى هو علامة خاصة للكفار وهي مختلفة باختلاف البلاد فكفرة الهند ومصر لهم في موضع من الرأس شعور طويلة لا يتعرّضون لها بحلق ولا قصّ وإذا أرادوا حلق الرأس حلقوا ما عدا ذلك وهو على الظاهر علامة مميزة بين الكفر والإسلام فأمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كليبا ومن كان معه أن يحلقا شعرهما الذى كان علامة على الكفر. وقيل المراد من شعر الكفر والشوارب والآباط (قال) العيني إنما أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالحلق زيادة لتنظيفه وإزالة للشعر الذى رباه في الكفر وأما أمره بالاختتان فظاهر ولو أسلم الكافر ولم يطق الم الختان يترك اهـ (قوله يقول احلق) تفسير من الراوى لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ألق عنك شعر الكفر (قوله قال وأخبرني آخر الخ) أى قال كثير والد عثيم أخبرنى غير كليب من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لآخر مع المخبر أو مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ألق عنك شعر الكفر واختن. واختتن أمر من الاختتان وهو في الرجل قطع الجلدة التي تغطى الحشفة وفي المرأة قطع الجلدة التي فوق محل الإيلاج وتشبه عرف الديك. وفيه دلالة على أن الاختتان على من أسلم واجب وأنه علامة على الإسلام. لكن الحديث ضعيف لجهالة الواسطة بين ابن جريج وعثيم. وعلى أنه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى كما تقدم فقد علمت أنه متكلم فيه لا لجهالة عثيم وأبيه خلافا لما ادعاه الحافظ، وقد تقدم الكلام في الاختتان وافيا في باب السواك من الفطرة (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يطلب ممن أسلم أن يزيل شعره وأن يختتن. وسرّه أن يتمثل عنده الخروج من الكفر بأجلى معانيه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والطبرانى وابن عدى والبيهقى وابن منده وفيه انقطاع كما تقدم (باب المرأة تغسل ثوبها الذى تلبسه في حيضها) وفى بعض النسخ الذى تلبسه في حيضتها أى في بيان كيفية تطهير المرأة ثوبها من دم الحيض

باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها

بالماء وغيره كالريق كما في الحديث الثاني (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَتْنِي أُمُّ الْحَسَنِ يَعْنِي جَدَّةَ أَبِي بَكْرٍ الْعَدَوِيِّ، عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ الْحَائِضِ يُصِيبُ ثَوْبَهَا الدَّمُ قَالَتْ: «تَغْسِلُهُ فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ أَثَرُهُ فَلْتُغَيِّرْهُ بِشَيْءٍ مِنْ صُفْرَةٍ». قَالَتْ: «لَقَدْ كُنْتُ أَحِيضُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ ثَلَاثَ حِيَضٍ جَمِيعًا لَا أَغْسِلُ لِي ثَوْبًا». (ش) (رجال الحديث) (قوله أم الحسن يعنى جدّة أبى بكر العدوى) روت عن معاذة العدوية عن عائشة. وعنها عبد الوارث بن سعيد وعبد الصمد بن عبد الوارث، مجهولة كما في التقريب والميزان. روى لها أبو داود وابن ماجه (قوله معاذة) بنت عبد الله العدوية البصرية (معنى الحديث) (قوله تغسله الخ) أى تزيل الدم عن الثوب بالغسل وتصلى فيه فإن بقى أثر الدم من لون أو ريح فلتستره بنحو الورس أو الزعفران، وفي رواية للدارمى عن عائشة إذا غسلت المرأة الدم فلم يذهب فلتغيره بصفرة ورس أو زعفران، وعن سعيد بن جبير في الحائض يصيب ثوبها من دمها قال تغسله ثم تلطخ مكانه بالورس والزعفران أو العنبر رواه عبد الرزاق في مصنفه، والغرض من ذلك إزالة الرائحة الكريهة ودفع الوسوسة (قوله ثلاث حيض جميعا) أى مجتمعات متواليات (قوله لا أغسل لى ثوبا) أى لأن الدم لم يكن يصيب ثوبها لكمال تحفظها ونظافتها رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا وهذا الحديث موقوف لكنه في حكم المرفوع لأن عدم غسل ثوبها الذي كانت تلبسه زمن الحيض كان في عهده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم ينكر عليها والقول بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يقف على فعلها بعيد. (فقه الحديث) دلّ الحديث على نجاسة دم الحيض، وعلى أنه يطهر بالغسل ولا يضرّ بقاء أثره، وعلى أنه يطلب من المرأة التحفظ من النجاسات، وعلى أن ما كان الأصل فيه الطهارة فهو باق على طهارته حتى تظهر فيه نجاسة فيجب غسلها (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارمى (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ يَذْكُرُ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ،

مذاهب العلماء في إزالة النجاسة بكل مائع طاهر

فَإِنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ بَلَّتْهُ بِرِيقِهَا، ثُمَّ قَصَعَتْهُ بِرِيقِهَا». (ش) (قوله مجاهد) بن جبر المكي (قوله إلا ثوب تحيض فيه) جملة في محل رفع صفة لثوب. لا يقال هذا معارض بحديث أم سلمة الذى رواه البخارى في باب من سمى النفاس حيضا فأخذت ثياب حيضتي وهو يدلّ على تعدّد الثوب لأن حديث عائشة محمول على ما كان في أول الإسلام وحديث أم سلمة محمول على ما كان بعد اتساع الحال (قوله فإن أصابه) أى الثوب، وفي نسخة فإذا أصابه (قوله بلته بريقها) من البلل ضد اليبس وهو من باب نصر وفى رواية البخارى قالت بريقها والمراد بلته كما هنا (قوله ثم قصعته بريقها) وفى نسخة بظفرها أى دلكته به، وأكثر روايات البخارى فمصعته بالميم والمصع التحريك والفرك بالظفر وأما فصع الرطبة فهو بالفاء وهو أن يأخذها بين أصبعيه فيغمزها أدنى غمز فتخرج الرطبة خالعة قشرها (واستدلّ) أبو حنيفة وأصحابه بالحديث على جواز إزالة النجاسة من الثوب وغيره بغير الماء من كل مائع طاهر مزيل كالريق والخلّ (وقال) غيرهم لا يصح إزالتها إلا بالماء وقالوا إن الحديث وارد في الدم اليسير الذى يكون معفوّا عنه وأما الكثير منه فصح عنها أنها كانت تغسله، ويؤيده ما سيأتى للمصنف من طريق عطاء عن عائشة وفيه ثم ترى فيه قطرة من دم فتقصعه بريقها (قال) الحافظ في الفتح وليس فيه "أى في حديث عائشة" أنها صلت فيه "أى الثوب" فلا يكون فيه حجة لمن أجاز إزالة النجاسة بغير الماء وإنما أزالت الدم بريقها ليذهب أثره ولم تقصد تطهيره وقد مضى قبل باب عنها ذكر الغسل بعد القرص قالت ثم فصلى فيه فدلّ على أنها عند إرادة الصلاة فيه كانت تغسله اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز إزالة النجاسة بغير الماء على ما فيه من الخلاف (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى والبخارى من طريق إبراهيم عن ابن أبى نجيح عن مجاهد، قيل فيه انقطاع واضطراب، فأما الانقطاع فقال أبو حاتم لم يسمع مجاهد من عائشة وهذا مردود فقد وقع التصريح بسماعه منها عند البخارى في غير هذا الإسناد وأثبته على بن المدينى فهو مقدّم على من نفاه. وأما الاضطراب فلرواية أبى داود له عن محمد بن كثير عن إبراهيم بن نافع عن الحسن بن مسلم بدل ابن أبى نجيح وهذا الاختلاف لا يوجب الاضطراب لاحتمال أن إبراهيم ابن نافع سمعه من شيخين ولو لم يكن كذلك فأبو نعيم شيخ البخارى فيه أحفظ من محمد بن كثير شيخ أبى داود فيه وقد تابع أبا نعيم خلاد بن يحيى وأبو حذيفة والنعمان بن عبد السلام فرجعت روايته والرواية المرجوحة لا تؤتر في الرواية، الراجحة اهـ من الفتح (ص) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ، ثَنَا بَكَّارُ بْنُ يَحْيَى،

حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَسَأَلَتْهَا امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَنِ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبِ الْحَائِضِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: «قَدْ كَانَ يُصِيبُنَا الْحَيْضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَلْبَثُ إِحْدَانَا أَيَّامَ حَيْضِهَا ثُمَّ تَطَّهَّرُ، فَتَنْظُرُ الثَّوْبَ الَّذِي كَانَتْ تَقَلَّبُ فِيهِ، فَإِنْ أَصَابَهُ دَمٌ غَسَلْنَاهُ وَصَلَّيْنَا فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ تَرَكْنَاهُ وَلَمْ يَمْنَعْنَا ذَلِكَ مِنْ أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِ، وَأَمَّا الْمُمْتَشِطَةُ فَكَانَتْ إِحْدَانَا تَكُونُ مُمْتَشِطَةً فَإِذَا اغْتَسَلَتْ لَمْ تَنْقُضْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهَا تَحْفِنُ عَلَى رَأْسِهَا ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ، فَإِذَا رَأَتِ الْبَلَلَ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ دَلَكَتْهُ، ثُمَّ أَفَاضَتْ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهَا» (ش) (رجال الحديث) (قوله بكار بن يحيى) روى عن جدته عن أم سلمة في الحيض وعنه عبد الرحمن بن مهدى، قال الحافظ في التقريب بكار بن يحيى مجهول من الثامنة. روى له أبو داود (قوله حدثتني جدتي) لا يعرف اسمها ولا حالها (معنى الحديث) (قوله ثم تطهر) بصيغة المضارع بحذف إحدى التاءين من باب تفعل يقال تطهرت إذا اغتسلت (قوله الذى كانت تقلب فيه) بحذف إحدى التاءين وتشديد اللام من التقلب أى تمشى كما في قوله تعالى "أو يأخذهم في تقلبهم" ويقال فلان يتقلب في أمره أى يتحوّل من حال إلى حال. وفى نسخة الذى كانت تعلت فيه من قولهم تعلت المرأة من حيضها إذا طهرت وكذا يقال تعلت النفساء إذا ارتفعت وطهرت ويقال تعالت أيضا ويجوز في أن يكون من قولهم تعلّ الرجل من علته إذا برئَ أى خرجت من نفاسها وسلمت (قوله ولم يمنعنا ذلك الخ) أى لم يمنعنا تقلبنا في الثوب حال حيضنا من الصلاة فيه. وفيه دليل على أن الطاهر يبقى على أصله حتى تتحقق نجاسته فيجب غسله (قوله وأما الممتشطة) أى المرأة الممتشطة بصيغة اسم الفاعل من الامتشاط يقال مشطت الشعر مشطا من بابى قتل وضرب سرّحته والتثقيل مبالغة وامتشطت المرأة مثله (قوله لم تنقض ذلك) أى لم تحلّ الشعر المضفور وهو من أدلة من قال لا يلزم المرأة نقض ضفرها في الغسل متى وصل الماء أصول الشعر، وقد تقدّم بيان ذلك وافيا في "باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل" (قوله ولكنها تحفن) من الحفن وهو ملء الكفين من أى شيء أى تأخذ الحفنة من الماء وهو من باب ضرب (قوله فإذا رأت البلل إلخ) أي إذا علمت وصول الماء إلى أصول الشعر

ما دل عليه حديث أم سلمة من جواز صلاة المرأة في ثوبها الذي كانت تتحيض فيه ولم يصبه دم وعدم نقض شعرها في الغسل إذا وصل الماء أصول شعرها وغير ذلك من الأحكام

دلكته بيدها ثم أفاضت الماء على سائر جسدها (فقه الحديث) والحديث يدلّ على جواز الصلاة في الثوب الذى أصابه شيء من دم الحيض بعد غسله. وعلى جواز صلاة المرأة في الثوب الذى تحيض فيه ولم يصبه دم الحيض. وعلى أن المرأة إذا اغتسلت من الحيض وبلغ الماء أصول شعرها لا يطلب منها نقض ضفائرها لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقرّ أزواجه على ذلك ومثل غسل الحيض غسل الجنابة والنفاس (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ امْرَأَةً تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ تَصْنَعُ إِحْدَانَا بِثَوْبِهَا إِذَا رَأَتِ الطُّهْرَ أَتُصَلِّي فِيهِ؟ قَالَ: «تَنْظُرُ فَإِنْ رَأَتْ فِيهِ دَمًا فَلْتَقْرُصْهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، وَلْتَنْضَحْ مَا لَمْ تَرَ وَلْتُصَلِّ فِيهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله فاطمة بنت المنذر) بن الزبير بن العوَّام الأسدية المدنية روت عن جدّتها أسماء بنت أبى بكر وأم سلمة وعمرة بنت عبد الرحمن. وعنها زوجها هشام ابن عروة ومحمد بن إسحاق، قال العجلى تابعية ثقة وذكرها ابن حبان في الثقات. روى لها الجماعة (قوله أسماء بنت أبى بكر) هى زوج الزبير بن العوّام، روت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وعنها ابناها عبد الله وعروة وأحفادها عباد بن حمزة بن عبد الله وعباد بن عبد الله وعبد الله ابن عروة في الزبير وفاطمة بنت المنذر، أسلمت قديما بعد إسلام سبعة عشر وهاجرت إلى المدينة وهى حامل بابنها عبد الله وبلغت من السن مائة سنة ولم ينكر لها عقل. ماتت بمكة سنة ثلاث وسبعين روى لها الجماعة (معنى الحديث) (قوله سمعت امرأة) الذى في رواية الشيخين جاءت امرأة. وفى رواية الشافعى عن سفيان بن عيينة عن هشام في هذا الحديث أن أسماء هى السائلة. وأغرب النووى فضعف هذه الرواية بلا دليل وهى صحيحة الإسناد ولا يبعد أن يهم الراوى اسم نفسه أفاده الحافظ في الفتح (قوله كيف تصنع الخ) متعلق بالسؤال أى أخبرنا بما تفعل إحدانا إذا علمت انقطاع حيضها بعلامة من العلامات (قوله فلتقرصه الخ) روى مخففا ومثقلا والأكثر رواه بضم الراء وتخفيفها وهو بالصاد المهملة وسكون لام الأمر في الروايتين (قال) في النهاية القرص الدلك بأطراف الأصابع والأظفار مع صبّ الماء عليه حتى يذهب أثره والتقريص مثله وهو أبلغ في غسل الدم من غسله بجميع اليد اهـ (وقال) الخطابى أصل القرص أن يقبض

الإجماع على نجاسة الدم المسفوح

بأصبعيه على الشئ في يغمز غمزا جيدا اهـ "والحكمة" في القرص تسهيل الغسل، وقوله من ماء استدلّ به غير الحنفية على أن غسل النجاسة بنحو الخلّ وغيره من المائعات لا يجزئُ لأنه نصّ على الماء وفى تركه ترك المأمور به (وأجاب) الحنفية عنه بأن ذكر الماء خرج مخرج الغالب لا مخرج القيد لأن المراد إزالة النجاسة، وغير الماء من المائعات الطاهرة قد يكون أبلغ في القطع والإزالة. وبأن مفهوم الماء مفهوم لقب وهو ليس بحجة عند الخصم (قوله ولتنضح ما لم تر) بلام الأمر والضاد المعجمة مكسورة أو مفتوحة والفتح أولى أى ولترشّ المرأة الموضع الذى لم تر فيه أثر الدم ولكن شكت فيه. ورواية الدارمي من طريق ابن إسحاق إن رأيت فيه دما فحكيه ثم اقرصيه بماء ثم انضحى في سائره فصلى فيه (قال) القرطبى المراد بالنضح الرشّ لأن غسل الدم استفيد من قوله تقرصيه بالماء وأما النضح فهو لما شكت فيه من الثوب اهـ (وقال) الخطابى النضح الرشّ وقد يكون أيضا بمعنى الغسل والصبّ (قوله ولتصلى) بلام الأمر عطف على فلتقرص وإثبات الياء للإشباع وفى نسخة ولتصلّ بحذف الياء وفى أخرى وتصلى بدون لام الأمر (فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب تعلم أحكام الدين ولو كان المسئول عنه شأنه أن يستحيى من ذكره، وعلى أنه يطلب من المسئول إجابة السائل، وعلى أن الدم نجس وهو مجمع عليه، وعلى طلب إزالة النجاسة، وعلى أنه لا يشترط في إزالتها عدد من الغسلات بل المدار على الإنقاء، وعلى أنه يطلب رش الموضع الذى شك في وجود النجاسة فيه وتشرع الصلاة فيه بعد الرشّ، وعلى أنه يجب طهارة الثياب للصلاة، وعلى طلب إزالة النجاسة بالماء وتقدّم ما فيه من الخلاف (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشافعى والبيهقى من حديث سفيان عن هشام عن فاطمة عن أسماء قالت سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب فقال حتيه ثم اقرصيه بالماء ورشيه وصلى فيه، وأخرجه ابن ماجه عن أسماء قالت سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب قال اقرصيه واغسليه وصلى فيه (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ: «إِذَا أَصَابَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضِ فَلْتَقْرُصْهُ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ لِتُصَلِّي»

أقوال الأئمة يما يعفى عنه وما لا يعفى عنه من الدم وغيره من النجاسات

(ش) (قوله سألت امرأة) لم يعرف اسمها ولعلها أم قيس كما في الحديث الآتى وقيل إنها خولة بنت يسار (قوله أرأيت الخ) استفهام بمعنى الأمر لاشتراكهما في الطلب. وحكمة العدول عنه سلوك الأدب وفيه مضاف مقدّر أى أخبرنى عن حال إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم (قوله من الحيضة) بفتح الحاء المهملة أى الحيض (قال) في المرقاة وبكسرها هى الخرقة تستثفرها المرأة في الحيض وكلاهما محتمل في الحديث والمشهور في الرواية الكسر (قوله إذا أصاب إحداكن الدم الخ) أى إذا أصاب الدم ثوب إحداكنّ كما في رواية البخارى وذكر الثوب ليس بقيد بل لموافقه السؤال فلو أصاب البدن فكذلك لا بدّ من غسله ولكن لا يحتاج إلى التقريص (قال) العيني في شرح البخارى قال ابن بطال حديث أسماء أصل عند العلماء في غسل النجاسات من الثياب "ثم قال" هذا الحديث محمول عندهم على الدم الكثير لأن الله تعالى شرط في نجاسته أن يكون مسفوحا وهو كناية عن الكثير الجارى إلا أن الفقهاء اختلفوا في مقدار ما يتجاوز عنه من الدم فاعتبر الكوفيون فيه وفى النجاسات ما دون الدرهم في الفرق بين قليله وكثيره (وقال) مالك قليل الدم معفوّ عنه ويغسل قليل سائر النجاسات. وروى عن ابن وهب أن قليل دم الحيض ككثيره وكسائر الأنجاس بخلاف سائر الدماء. والحجة في أن اليسير من دم الحيض كالكثير قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأسماء حتيه ثم اقرصيه حيث لم يفرق بين قليله وكثيره ولا سألها عن مقداره ولم يحدّ فيه مقدار الدرهم ولا دونه "قلت" حديث عائشة ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد فيه تحيض فإن أصابه شيء من دم بلته بريقها ثم قصعته بريقها رواه أبو داود وأخرجه البخارى أيضا ولفظه قالت بريقها فمصعته يدلّ على الفرق بين القليل والكثير (وقال) البيهقى هذا في الدم اليسير الذى يكون معفوا عنه وأما الكثير منه فصح عنها أى عن عائشة أنها كانت تغسله فهذا حجة عليهم في عدم الفرق بين القليل والكثير من النجاسة وعلى الشافعى أيضا في قوله إن يسير الدم يغسل كسائر الأنجاس إلا دم البراغيث فإنه لا يمكن التحرّر عنه. وقد روى عن أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أنه لا يرى بالقطرة والقطرتين بأسا في الصلاة. وعصر ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما بثرة فخرج منها دم فمسحه بيده وصلى. فالشافعية ليسوا بأكثر احتياطا من أبى هريرة وابن عمر ولا أكثر رواية منهما حتى خالفوهما حيث لم يفرقوا بين القليل والكثير، على أن قليل الدم موضع ضرورة لأن الإنسان لا يخلو في غالب حاله من بثرة أو دمل أو برغوث فعفى عنه ولهذا حرّم الله المسفوح منه فدلّ أن غيره ليس بمحرّم، وأما تقدير أصحابنا القليل بقدر الدرهم فلما ذكره صاحب الأسرار عن على وابن مسعود أنهما قدّرا النجاسة بالدرهم وكفى بهما حجة في الاقتداء، وروى عن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أيضا أنه قدّره بظفره. وفي المحيط وكان ظفره قريبا من كفنا فدلّ على أن ما دون الدرهم لا يمنع. وقال في المحيط أيضا الدرهم الكبير ما يكون مثل عرض الكفّ، وعند

السرخسى يعتبر بدرهم زمانه. وأما الحديث الذى رواه الدارقطنى في سننه عن روح بن غطيف عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال تعاد الصلاة من قدر درهم من الدم وفي لفظ إذا كان في الثوبَ قدر الدرهم من الدم غسل الثوب وأعيدت الصلاة فإن أصحابنا لم يحتجوا به لأنه حديث منكر بل قال البخارى إنه باطل "فإن قلت" النص وهو قوله تعالى "وثيابك فطهر" لم يفصل بين القليل والكثير فلا يعفى القليل "قلت" القليل غير مراد منه بالإجماع بدليل عفو موضع الاستنجاء فتعين الكثير وقد قدر الكثير بالآثار اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والبيهقى والترمذى والنسائى وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، ح وحَدَّثَنَا مُسَدَّد، قَالَ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، ح وحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْمَعْنَى قَالَا: «حُتِّيهِ، ثُمَّ اقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ، ثُمَّ انْضَحِيهِ» (ش) حاصل ما أشار إليه المصنف في سند هذا الحديث أنه مروى من ثلاث طرق اثنان عن مسدّد أحدهما عن حماد بن زيد عن هشام بن عروة والآخر عن عيسى بن يونس عن هشام بن عروة والثالث عن موسى بن إسماعيل المنقرىّ عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة، وغرض المصنف بذكر رواية هشام هذه وما قبلها بعد حديث محمد بن إسحاق الإشارة إلى أن محمد بن إسحاق خالف في حديثه هشام بن عروة وزاد ولتنضح ما لم تر ولم يذكر هشام هذه الزيادة وهشام أثبت من ابن إسحاق (قوله يعنى ابن سلمة) أى يقصد موسى بن إسماعيل أن حمادا شيخه هو ابن سلمة لا حماد بن زيد شيخ مسدّد وهذه العناية من المصنف. وهذا على ما تقدّم من أن المراد بحماد شيخ مسدّد حماد بن زيد كما قاله العينى، ويحتمل أن المراد به حماد بن سلمة فتكون العناية لبيان أن المراد من حماد في الطريقين حماد بن سلمة (قوله بهذا المعنى) أى معنى الحديث السابق ولفظه في النسائى من طريق حماد عن أسماء أن امرأة استفتت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب فقال حتيه واقرصيه وانضحيه وصلى فيه (قوله قالا) أى مسدّد وموسى بن إسماعيل في روايتهما، ويحتمل إرجاع الضمير إلى عيسى بن يونس وحماد بن سلمة أو إلى الحمادين (قوله حتيه) أى حكيه بنحو حجر وهو أمر من حتّ من باب قتل "قال" الأزهري الحتّ أن يحك بطرف حجر أو عود (قوله ثم اقرصيه بالماء) أمر من قرص وفى رواية قرّصيه بالتشديد "قال" الأزهرى القرص أن يدلك بأطراف الأصابع والأظفار دلكا شديدا ويصبّ عليه الماء حتى تزول عينه وأثره (قوله ثم انضحيه) أى اغسليه فالمراد بالنضح هنا الغسل دون الرشّ

قاله العينى وتقدّم ما فيه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم من طريق يحيى بن سعيد عن هشام بلفظ متقارب وهو كما في مسلم جاءت امرأة إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيض كيف تصنع به قال تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلى فيه. وأخرجه الترمذى من طريق ابن عيينة عن هشام بلفظ إن امرأة سألت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الثوب يصيبه الدم من الحيض فقال حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم رشيه وصلى فيه وقال حديث حسن صحيح. وأخرجه البيهقي من هذا الطريق وأخرجه النسائى (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى ابْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي ثَابِتٌ الْحَدَّادُ، حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ قَيْسٍ بِنْتَ مِحْصَنٍ تَقُولُ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ دَمِ الْحَيْضِ يَكُونُ فِي الثَّوْبِ قَالَ: «حُكِّيهِ بِضِلْعٍ، وَاغْسِلِيهِ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ». (ش) (رجال الحديث) (قوله سفيان) الثورى (قوله ثابت الحدّاد) هو ابن هرمز الكوفى أبو المقدام. روى عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وزيد بن وهب وأبى وائل وغيرهم وعنه ابنه عمرو والأعمش والثورى وشعبة والحكم بن عتيبة وآخرون. وثقه أحمد وابن معين والنسائى وأبو داود ويعقوب بن سفيان وابن المدينى وقال أبو حاتم صالح وقال عقبة ثابت ثقة ولا أعلم أحدا ضعفه غير الدارقطنى وقال ابن صالح كان شيخا عاليا صاحب سنة. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه (قوله عدى بن دينار) المدني مولى أم قيس. روى عن مولاته التوأمة هذا الحديث وعن أبى سفيان. وعنه ثابت بن هرمز وصالح مولى التوأمة، وثقه النسائى وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه حديث الباب فقط (قوله أم قيس بنت محصن) في جرثان بن قيس بن مرّة الأسدية اسمها جذامة، كانت من المهاجرات الأول أسلمت بمكة قديما وهاجرت إلى المدينة. روى لها عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربعة وعشرون حديثا اتفق الشيخان على حديثين. روى عنها وابصة بن معبد ونافع مولى حمنة بنت شجاع وعبيد الله بن عبد الله وعدى بن دينار وآخرون. ذكر أبو القاسم الجوهرى في مسند الموطأ أن اسمها آمنة قالت توفي ابني فجزعت فقلت للذى يغسله لا تغسل ابني بالماء البارد فتقتله فانطلق أخوها عكاشة إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخبره بقوله فتبسم

ثم قال مالها طال عمرها فلا نعلم امرأة عمرت ما عمرت. روى لها الجماعة (معنى الحديث) (قوله حكيه بضلع الخ) بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام أى بعود والأصل فيه ضلع الحيوان سمى به العود الذى يشبهه وقد تسكن اللام تخفيفا هكذا رواه الثقات، وذكر ابن دقيق العيد في الإمام أنه وجده بخطه في روايته من جهة ابن حيوة عن النسائى بصلع بفتح الصاد المهملة وسكون اللام وهو الحجر قال ووقع في موضع بالضاد المعجمة ولعله تصحيف لأنه لا معنى يقتضى تخصيص الضلع بالذكر. وأما الحجر فيحتمل أن يحمل ذكره على غلبة وجوده واستعماله في الحك اهـ (قال) العراقى وفيما قاله نظر فإنه خلاف المعروف في الرواية والمضبوط في الأصل (قال) الخطابى إنما أمر بحكه بالضلع لينقلع المتجسد منه اللاصق بالثوب ثم تتبعه الماء لتزيل الأثر اهـ وزيادة السدر للمبالغة في الإنقاء وقطع أثر دم الحيض وإلا فالماء كاف (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان وذكره عبد الحق في الأحكام وقال الأحاديث الصحاح ليس فيها ذكر الضلع والسدر "قال" ابن القطان وذلك غير قادح في صحة الحديث فإنه في غاية الصحة ولا نعلمه روى بغير هذا الإسناد ولا على غير هذا الوجه فلا اضطراب في سنده ولا في متنه ولا نعلم له علة (ص) حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «قَدْ كَانَ يَكُونَ لِإِحْدَانَا الدِّرْعُ فِيهِ تَحِيضُ قَدْ تُصِيبُهَا الْجَنَابَةُ، ثُمَّ تَرَى فِيهِ قَطْرَةً مِنْ دَمٍ فَتَقْصَعُهُ بَرِيقِهَا» (ش) (قوله النفيلى) عبد الله بن محمد. و (سفيان) الثورى. و (ابن أبى نجيح) عبد الله ابن يسار. و (عطاء) بن أبى رباح (قوله قد كان يكون الخ) كان تامة فلا تحتاج إلى الخبر أى قد كان الشأن أى وجد ووقع، ويكون ناقصة والدرع اسمها ولإحدانا خبرها والدّرع بكسر الدال المهملة وسكون الراء القميص. وتعنى عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا بقولها لإحدانا أزواجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكنّ يصنعن ذلك في زمنه والشأن اطلاعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ذلك فالحديث في حكم المرفوع (قوله فتقصعه بريقها) أى تدلكه وتزيله (وهذا) الحديث من أدلة من قال بجواز إزالة النجاسة بغير الماء بكل مائع طاهر مزيل (وحمله) الجمهور على القليل المعفوّ عنه من النجاسة (قال) البيهقى بعد تخريج الحديث وهذا في الدم اليسير الذى يكون معفوّا عنه أما في الكثير منه فصحيح عنها أنها كانت تغسله وقد تقدم بيان ذلك وافيا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى من طريق المصنف والدارمى مرفوعا بسند فيه

باب الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه

ضعف عن أم سلمة بلفظ إن إحداهن تسبقها القطرة من الدم فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أصاب إحداكن ذلك فلتقصعه بريقها اهـ (تتميم) قد وقع في بعض النسخ بعد الحديث السابق ما نصه وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب عن عيسى ابن طلحة عن أبى هريرة أن خولة بنت يسار أتت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت يا رسول الله إنه ليس لى إلا ثوب واحد وأنا أحيض فيه فكيف أصنع قال إذا طهرت فاغسليه ثم صلى فيه فقالت فإن لم يخرج الدم قال يكفيك غسل الدم ولا يضرك أثره" وهذا الحديث في رواية أبى سعيد بن الأعرابى وليس في رواية اللؤلؤى فلذا لم يذكره المنذرى في مختصره وقد رواه أحمد والبيهقى من طريقين عن خولة "قال" الحافظ في التلخيص وفيه ابن لهيعة قال إبراهيم الحربي لم يسمع بخولة بنت يسار إلا في هذا الحديث ورواه الطبرانى في الكبير من حديث خولة بنت حكيم وإسناده أضعف من الأول اهـ ويوجد في بعض النسخ أيضا بعد حديث النفيلى ما نصه "حدثنا محمد بن كثير قال أخبرنا إبراهيم يعني ابن نافع قال سمعت الحسن يذكر عن مجاهد قال قالت عائشة ما كان لإحدانا إلا ثوب فيه تحيض فإن أصابه شيء من دم بلته بريقها ثم قصعته بريقها" وهو كما ترى مكرّر مع الحديث الثانى في الباب فذكره هنا خطأ (باب الصلاة في الثوب الذى يصيب أهله فيه) أى في بيان حكم الصلاة في الثوب الذى بجامع الرجل امرأته فيه. وفي بعض النسخ في الثوب الذى يجامع فيه الرجل أهله، وفى بعضها في الثوب الذى يجامع فيه أهله (ص) حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الْمِصْرِيُّ، أَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، أَنَّهُ سَأَلَ أُخْتَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّ فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُجَامِعُهَا فِيهِ؟ فَقَالَتْ: «نَعَمْ إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِ أَذًى». (ش) (رجال الحديث) (قوله الليث) بن سعد (قوله سويد بن قيس) التجيبى بضم المثناة الفوقية وكسر الجيم المصرى. روى عن ابن عمرو وابن عمر ومعاوية بن حديج وآخرين. وعنه يزيد ابن أبي حبيب، وثقه النسائى ويعقوب بن سفيان وابن حبان. قال الذهبي لا يعرف تفرّد عنه يزيد ابن أبى حبيب لكن وثقه النسائى اهـ. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه (قوله معاوية ابن خديج) بضم الخاء وفتح الدال المهملتين مصغرا ابن جفنة بن قتيرة بن حارثة بن عبد شمس

ما دل عليه حديث أم حبيبة من نجاسة المني وأنه يعمل بالأصل حتى يتبين خلافه وغير ذلك من الفوائد

التجيبى الكندى المصرى أبى عبد الرحمن أو أبى نعيم. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن عمر وأبى ذرّ. وعنه ابنه عبد الرحمن وسويد بن قيس وعبد الرحمن بن شماسة وعلى ابن رباح وآخرون. قال البخارى له صحبة وقال المفضل الغلابى له صحبة وأثبت صحبته أبو حاتم وابن البرقى (وقال) ابن يونس وفد على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وشهد فتح مصر وكان الوافد على عمر بفتج الإسكندرية وذكره ابن حبان في ثقات التابعين وذكره يعقوب بن سفيان في الثقات من تابعى أهل مصر، والحاصل أنه مختلف في صحبته والأكثر على أنه صحابى (معنى الحديث) (قوله إذا لم ير فيه أذى) أى إذا لم ير في الثوب أثر النجاسة من المنىّ أو المذى أو رطوبة فرج المرأة. ويستدلّ بهذا الحديث على نجاسة المنىّ (قال) الحافظ في باب الوضوء قبل الغسل في حديث ميمونة وفيه وغسل فرجه وما أصابه من الأذى، وأبعد من استدل به على نجاسة المنىّ أو على نجاسة رطوبة الفرج لأن الغسل ليس مقصورا على إزالة النجاسة اهـ (وقال) العينى في شرح البخارى قال بعضهم قوله وما أصابه من الأذى ليس بظاهر في النجاسة "قلت" هذه مكابرة فيما قاله اهـ أى فإن قولها من الأذى ظاهر في النجاسة لا غير ولا يعارض بطهارة فضلات النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأن الأحكام يراعي فيها حال الأمة، ويستدل به أيضا على أنه لا يحب العمل بالظن لأن الثوب الذى يجامع فيه مظنة للتنجس فأرشد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى أن الواجب العمل باليقين دون ظن خلاف الأصل. وبه استدل ابن رسلان في شرح السنن على طهارة رطوبة فرج المرأة لأنه لم يذكر هنا أنه كان يغسل ثوبه من الجماع قبل أن يصلى ولو غسله لنقل، ومن المعلوم أن الذكر يخرج وعليه رطوبة من فرج المرأة اهـ وقد علمت ما فيه (فقه الحديث) والحديث يدلّ على جواز الصلاة في الثوب الذى يجامع الرجل فيه امرأته إذا لم ير فيه أذى، وعلى نجاسة المنىّ، وعلى أنه يطلب من المصلى تجنب الثوب المتنجس، وعلى أنه يطلب العمل بالأصل حتى يتيقن خلافه ولا عبرة بظن خلاف الأصل (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وابن ماجه (باب الصلاة في شعر النساء) (بضم الشين المعجمة والعين المهملة شعار مثل كتب وكتاب وهو في الأصل الثوب الذى يلبسه الإنسان مما يلى بدنه والمراد به هنا ما يتغطى به وقت النوم وإن لم يباشر الجسد (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، نَا أَبِي، نَا أَشْعَثُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ

باب الصلاة في شعر النساء

بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ لَا يُصَلِّي فِي شُعُرِنَا، أَوْ فِي لُحُفِنَا» قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: شَكَّ أَبِي. (ش) (رجال الحديث) (قوله أشعث) بن عبد الملك الحمرانى أبو هانئ البصرى مولى حمران روى عن محمد بن سيرين وعاصم الأحول ويونس بن عبيد والحسن البصرى وآخرين. وعنه خالد بن الحارث وحماد بن زيد وشعبة وروح بن عبادة وكثيرون. قال يحيى القطان ثقة مأمون لم أدرك أحدا من أصحابنا أثبت منه ولا أدركت أحدا من أصحاب ابن سيرين بعد ابن عون أثبت منه ولم ألق أحدا يحدّث عن الحسن أثبت منه وقال أحمد بن حنبل هو أحمد في الحديث من أشعث بن سوار كان عالما بمسائل الحسن ووثقه ابن معين والنسائى وقال أبو حاتم لا بأس به وقال ابن عدى أحاديثه مستقيمة وهو ممن يكتب حديثه ويحتج به وهو في جملة أهل الصدق وقال ابن حبان في الثقات كان فقيها متقنا مات سنة ست أو اثنتين وأربعين ومائة (قوله عبد الله بن شقيق) العقيلى بضم العين المهملة ابن كعب أبي عبد الرحمن أو أبى محمد أو أبى معاوية. روى عن عثمان وعمر وعلى وأبى ذرّ وأبي هريرة وابن عباس وابن عمر وعائشة وآخرين. وعنه ابنه عبد الكريم ومحمد بن سيرين وقتادة وعاصم الأحول وأيوب. قال ابن سعد كان ثقة في الحديث وهو في الطبقة الأولى من تابعى أهل البصرة وقال ابن عدىّ ما بأحاديثه بأس وقال ابن معين ثقة من خيار المسلمين لا يطعن في حديثه وقال ابن خراش كان ثقة وكان عثمانيا يبغض عليا وقال أحمد والعجلي ثقة وكان يحمل على علىّ ووثقه أبو حاتم وأبو زرعة وابن حبان. مات سنة ثمان ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله لا يصلى في شعرنا) خصت الشعر بالذكر لأنها أقرب إلى أن تنالها النجاسة من الدثار وإنما امتنع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الصلاة فيها مخافة أن يكون أصابها شئ من دم الحيض (قوله أو لحفنا) وفى نسخة أو في لحفنا جمع لحاف وهو اسم لما يلتحف به وكل شيء تغطيت به فقد التحفت به (قوله قال عبيد الله شك أبى) أى قال عبيد الله بن معاذ شيخ المصنف تردّد أبى معاذ بن معاذ بن حسان فيما وقع من شيخه أشعث بن عبد الملك هل قالت عائشة في شعرنا أو قالت لحفنا (فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب تجنب ثياب النساء التى يظن نجاستها ومثلها سائر الثياب التى تكون كذلك. وعلى أن الاحتياط والأخذ باليقين مطلوب شرعا وليس من الوسواس وقد تقدّم في الباب السابق أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلى في الثوب الذى يجامع فيه ما لم ير فيه أذى وتقدّم أنه من باب الأخذ باليقين وسيأتي في الباب الآتى ما يدلّ على عدم وجوب تجنب ثياب النساء فيحمل ما هنا على الندب جمعا بين الأحاديث

باب الرخصة في ذلك يعني في جواز الصلاة في ثياب النساء

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه وكذا الترمذى وصححه ولفظه لا يصلي في لحف نسائه وأخرجه المصنف أيضا في الصلاة تحت مثل هذه الترجمة. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ لَا يُصَلِّي فِي مَلَاحِفِنَا» (ش) مناسبة الحديث للترجمة باعتبار أن المراد بالشعار مطلق الساتر للبدن وإن كان في الأصل لما يلى الجسد (قوله حماد) بن زيد. و (هشام) بن عروة (قوله في ملاحفنا) جمع ملحفة بكسر الميم وهى الملاءة التى تلتحف بها المرأة وهى واللحاف والملحف تطلق على اللباس الذى فوق سائر الثياب وعلى كل ما يتغطى به أعمّ من أن يلى الجسد أو يكون فوق الثياب قال أبو عبيد اللحاف كل ما تغطيت به اهـ وهذا هو المراد هنا (تخريج الحديث وبيان حاله) أخرجه أيضا النسائى والترمذى وقال حديث حسن صحيح (ص) قَالَ حَمَّادٌ: وَسَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ أَبِي صَدَقَةَ قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْهُ فَلَمْ يُحَدِّثْنِي، وَقَالَ: سَمِعْتُهُ مُنْذُ زَمَانٍ، وَلَا أَدْرِي مِمَّنْ سَمِعْتُهُ، وَلَا أَدْرِي أَسَمِعْتُهُ مِنْ ثَبْتٍ أَوْ لَا فَسَلُوا عَنْهُ (ش) غرض المصنف بهذا بيان أن في الحديث انقطاعا فإن حماد بن زيد رواه عن هشام عن ابن سيرين عن عائشة. ومحمد بن سيرين لم يسمع من عائشة شيئا كما قاله أبو حاتم ثم أثبت هذا الانقطاع من سعيد بن أبى صدقة فإنه سأل محمد بن سيرين عن هذا الحديث فلم يحدثه وقال لا أدرى أسمعته من ثقة ثبت أو غيره. لكن شك ابن سيرين في سماعه لا يقدح في الحديث (قال) ابن عبد البر قول من حفظ عنه حجة على من سأله حال نسيانه أو تغير فكره من نحو غضب ففى مثل هذا لا يسأل العالم. وقوله فسلوا عنه لا يقدح في الرواية السابقة فإنه محمول على أنه أمر بسؤال غيره لتقوية الحجة هذا و (سعيد بن أبى صدقة) هو أبو قرّة البصرى. روى عن محمد بن سيرين ويعلى بن حكيم. وعنه حماد بن زيد وابن علية ووهيب بن خالد. وثقه أحمد وابن معين وابن سعد وابن حبان (باب في الرخصة في ذلك) أى في بيان ما ورد من التسهيل بجواز الصلاة في ثياب النساء (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، سَمِعَهُ مِنْ

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ يُحَدِّثُهُ، عَنْ مَيْمُونَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ صَلَّى وَعَلَيْهِ مِرْطٌ وَعَلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ مِنْهُ وَهِيَ حَائِضٌ، وَهُوَ يُصَلِّي وَهُوَ عَلَيْهِ» (ش) وجه مناسبة الحديث للترجمة أن المرط الذى كان عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقت الصلاة وعلى بعض أزواجه كان خاصا بها لقولها في الحديث الآتى وعليّ مرط لى وعليه بعضه فلما صلى فيه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم جواز الصلاة في ثياب النساء (رجال الحديث) (قوله محمد بن الصباح بن سفيان) بن أبى سفيان الجرجرائى أبو جعفر مولى عمر بن عبد العزيز. روى عن عاصم بن سويد والدراوردى وحفص بن غياث وابن عيينة وكثيرين. وعنه أبو داود وابن ماجه وأبو زرعة ومحمد بن إسحاق وجماعة. قال ابن معين ليس به بأس وقال أبو حاتم صالح الحديث ووثقه أبو زرعة ومحمد بن عبد الله الحضرمى وقال يعقوب بن شيبة ذكر ليحيى بن معين ابن الصباح فقال يحيى حدّث بحديث منكر عن على بن ثابت عن إسراءيل عن أبى ليلى عن نافع عن ابن عمر مرفوعا صنفان ليس لهما في الإسلام المرجئة والقدرية قال يعقوب هذا حديث منكر جدّا من هذا الوجه كالموضوع وإنما يرويه على بن نزار شيخ ضعيف وإنما ذكر المؤلف جدّه لئلا يلتبس بمحمد بن الصباح البزّاز الدولابىّ فإن كلام منهما من شيوخه (قوله سفيان) الثورى أو ابن عيينة (قوله عن أبى إسحاق) سليمان بن فيروز (قوله سمعه من عبد الله الخ) أى سمع أبو إسحاق هذا الحديث من عبد الله بن شداد وهو يخبره به عن ميمونة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (معنى الحديث) (قوله صلى وعليه مرط) الجملة حال من فاعل صلى والمرط بكسر الميم كساء من صوف أو كتان أو غير ذلك وقيل لا يسمى المرط إلا الأخضر ويكون إزارا ورداء يلبسه الرجال والنساء (قوله وعلى بعض أزواجه منه) الجار والمجرور خبر مقدم ومن مبتدأ مؤخر بمعنى بعض والجملة حال من المرط. والمراد من البعض عائشة كما في الحديث الآتى ويحتمل أنها ميمونة كما يؤخذ من رواية ابن ماجه عن ميمونة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى وعليه مرط بعضه عليه وعليها بعضه وهي حائض. وهو المصرّح به في رواية الشيخين (قوله وهو يصلي) حال منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله وهو عليه) أى والحال أن المرط عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (فقه الحديث) دلّ الحديث على طهارة ثوب الحائض لكن ما لم ير عليه دم أو نجاسة أخرى وعلى جواز مجاورة المصلي لامرأته الحائض. وعلى جواز الصلاة في ثوب بعضه على المصلى

باب المني يصيب الثوب

وبعضه على زوجه الحائض. وعلى تواضعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكمال زهده في متاع الدنيا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه وفى مسلم والبخارى نحوه ولفظ مسلم كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى وأنا حذاءه وأنا حائض وربما أصابنى ثوبه إذا سجد (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، نَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةِ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ، وَأَنَا حَائِضٌ وَعَلَيَّ مِرْطٌ لِي وَعَلَيْهِ بَعْضُهُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله طلحه بن يحيى) بن طلحة بن عبيد الله التيمى المدني القرشى نزيل الكوفة. روى عن أبيه وأعمامه موسى وعيسى ويحيى وعمته عائشة ومعاوية ابن إسحاق وآخرين. وعنه عبد الله بن إدريس وأبو أسامة والسفيانان وعبد الواحد بن زياد وغيرهم. وثقه يعقوب بن شيبة والعجلى وابن معين وأحمد والدارقطنى وابن سعد وقال أبو داود ليس به بأس وقال أبو زرعة والنسائى وأبو حاتم صالح الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان يخطئُ وقال البخارى منكر الحديث وقال الساجى صدوق لم يكن بالقوى. ولد سنة إحدى وستين. ومات سة ثمان وأربعين ومائة. روى له الجماعة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى وابن ماجه (باب المنيّ يصيب الثوب) أى في بيان حكم المنيّ إذا أصاب الثوب أيغسل أم يفرك (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَاحْتَلَمَ، فَأَبْصَرَتْهُ جَارِيَةٌ لِعَائِشَةَ وَهُوَ يَغْسِلُ أَثَرَ الْجَنَابَةِ مِنْ ثَوْبِهِ، أَوْ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ، فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَأَنَا أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله شعبة) بن الحجاح. و (الحكم) بن عتيبة. و (إبراهيم)

مذاهب الأئمة في صفة تطهير المني إذا أصاب الثوب

ابن يزيد النخعى (قوله همام بن الحارث) بن قيس بن عمرو بن ربيعة بن حارثة النخعى الكوفى روى عن عمر بن الخطاب وابن مسعود وعمار بن ياسر وحذيفة وعائشة وآخرين. وعنه سليمان ابن يسار وإبراهيم النخعى ووبرة بن عبد الرحمن. وثقه ابن معين وابن حبان وقال العجلى تابعى ثقة. مات سنة ثلاث أو خمس وستين. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله كان عند عائشة فاحتلم) أى همام بن الحارث. وفى رواية مسلم من طريق شبيب بن غرقدة عن عبد الله بن شهاب الخولاني قال كنت نازلا على عائشة فاحتلمت في ثوبى فغمستها في الماء "الحديث" ففيه أن المحتلم هو عبد الله بن شهاب الخولانى فيحملان على تعدّد الواقعة (قوله يغسل أثر الجنابة) أى المنىّ الناشئ عن الاحتلام (قوله وأنا أفركه) بضم الراء وقد تكسر أى أحكه بيدى حتى يذهب أثره من الثوب والجملة حالية من ضمير عائشة (واحتج بهذا) الحديث من قال إن المنيّ يطهر بالفرك يابسا (وقد اختلف) العلماء فيه فذهب الثورى والأوزاعي والعترة وأبو حنيفة ومالك إلى نجاسته إلا أن أبا حنيفة قال يكفى في تطهيره فركه إذا كان يابسا وهو رواية عن أحمد (وقال) مالك والأوزاعي والعترة لا بدّ من غسله رطبا أو يابسا (وقال) الليث هو نجس ولا تعاد الصلاة منه (وقال) الحسن بن صالح لا تعاد الصلاة من المنيّ في الثوب وإن كان كثيرا وتعاد منه إن كان في الجسد وإن قلّ (واستدلّ) القائلون بنجاسته بحديث الباب وبما رواه مسلم من طريق عمرو بن ميمون قال سألت سليمان بن يسار عن المنىّ يصيب ثوب الرجل أيغسله أم يغسل الثوب فقال أخبرتنى عائشة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يغسل المنىّ ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه. وبما رواه البخارى ومسلم والمصنف عنها أيضا أنها كانت تغسل المنىّ من ثوب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. واستدلوا أيضا بقياسه على البول والحيض (وذهب) الشافعي وداود وابن المنذر وسعيد بن المسيب وعطاء وإسحاق وأبو ثور إلى طهارته وهو أصح الروايتين عن أحمد. وروى عن على وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وعائشة وداود. وحجتهم في ذلك رواية الفرك قالوا فلو كان نجسا لم يكف فركه كالدم وغيره (وأجاب) الأولون بأن الرواية لا تدلّ على الطهارة وإنما تدلّ على كيفية التطهير فغاية الأمر أنه نجس خفف في تطهيره بغير الماء فإنه لا يتعين لإزالة كل النجاسات فإن الخفّ والنعل ونحوهما إذا تنجست بماله جرم تطهر بالدلك في الأرض أو التراب حتى يذهب أثر النجاسة لما سيأتى في باب الأذى يصيب النعل من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا وطئَ بنعليه أحدكم الأذى فإن التراب له طهور. ولما سيأتى في باب الصلاة في النعال من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه وليصلّ فيهما. ونحو السيف والسكين من كل جسم صقيل لا مسامّ له إذا تنجس يطهر بالمسح لأن

الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم كانوا يقاتلون بسيوفهم ثم يمسحونها ويصلون بها. والأرض إذا تنجست تطهر بالجفاف على ما سيأتى فيه من الخلاف. ولو قلنا إن رواية فرك المنىّ تدلّ على طهارته للزم طهارة العذرة التى تصيب النعل فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بمسحها في التراب ورتب على ذلك الصلاة فيها. وأما قول ابن عباس سئل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن المنىّ يصيب الثوب فقال إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة فقد رواه الدارقطنى وقال لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك والصحيح أنه موقوف كما قاله البيهقى فلا يحتج به (وأجابوا) أيضا عن قول الخصم الأصل الطهارة فلا ينتقل عنها إلا بدليل بأن التعبد بالإزالة غسلا أو مسحا أو فركا أو حتا ثابت ولا معنى لكون الشئ نجسا إلا أنه مأمور بإزالته بما أمر به الشارع فالصواب أن المنىّ نجس يطهر محله بالغسل إذا كان رطبا أو يابسا خالطه نجس خارج المخرج وبالفرك إذا كان يابسا ولم يخالطه نجس. ودليل هذا التفصيل قول عائشة كنت أفرك المنىّ من ثوب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا كان يابسا وأغسله إذا كان رطبا رواه الدارقطنى، وبهذا تعلم أنه لا منافاة بين روايات الغسل وروايات الفرك (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن ما أصابه المنىّ يطهر بالفرك إذا كان يابسا كما علمته من التفصيل (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى وأخرج الترمذى وابن ماجه نحوه (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُنْتُ أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَيُصَلِّي فِيهِ». (ش) (قوله فيصلى فيه) أى في الثوب. ولو كان الفرك غير مطهر ما صلى فيه وقد تقدم بيانه وافيا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الطحاوى (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَافَقَهُ مُغِيرَةُ، وَأَبُو مَعْشَرٍ وَوَاصِلٌ ورَوَاهُ الْأَعْمَشُ كَمَا رَوَاهُ الْحَكَمُ (ش) أي وافق حماد بن أبي سليمان في روايته عن إبراهيم النخعى عن الأسود مغيرة ابن مقسم وأبو معشر زياد بن كليب الكوفي وواصل بن حيان الأحدب. وروى

الحديث أيضا سليمان الأعمش عن إبراهيم النخعي عن همام بن الحارث كما رواه الحكم بن عتيبة وغرض المصنف بهذا بيان أن أصحاب إبراهيم النخعى اختلفوا في رواية هذا الحديث عن إبراهيم فروى الحكم عن همام بن الحارث عن عائشة وروى حماد بن أبى سليمان عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة. ووافق حماد بن أبى سليمان مغيرة وأبو معشر وواصل. ووافق الأعمش الحكم وكل هؤلاء حفاظ ثقات لا يقدح هذا الاختلاف في حديثهم فثبث أن إبراهيم النخعى روى عنهما جميعا. ورواية مغيره بن مقسم أخرجها مسلم وكذا ابن ماجه عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت لقد رأيتنى أجده في ثوب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأحته عنه. ورواية أبى معشر أخرجها الطحاوى والترمذى وكذا مسلم بسنده إلى أبى معشر عن إبراهيم النخعى عن علقمة والأسود أن رجلا نزل بعائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا فأصبح يغسل ثوبه فقالت عائشة إنما كان يجزئك إن رأيته أن تغسل مكانه فإن لم تره نضحت حوله لقد رأيتنى أفركه من ثوب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فركا فيصلى فيه. ورواية واصل أخرجها مسلم وكذا الطحاوى بسنده إلى مهدى بن ميمون قال ثنا واصل الأحدب عن إبراهيم النخعى عن الأسود قال لقد رأتنى عائشة وأنا أغسل جنابة من ثوبى فقالت لقد رأيتنى وإنه ليصيب ثوب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فما يزيد على أن يفعل به هكذا تعنى يفركه. ورواية الأعمش أخرجها الطحاوى وكذا الترمذى قال حدثنا هناد نا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال ضاف عائشة ضيف فأمرت له بملحف صفراء فنام فيها فاحتلم فاستحيا أن يرسل إليها وبها أثر الاحتلام فغمسها في الماء ثم أرسل بها فقالت عائشة لم أفسد علينا ثوبنا إنما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه وربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأصابعى قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح. ورواها الطحاوى وكذا مسلم بسنده إلى الأعمش عن إبراهيم عن الأسود وهمام عن عائشة في المنيّ قالت كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وقد وافق الحكم أيضا منصور بن المعتمر كما في مسلم والترمذى والطحاوى (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، نَا زُهَيْرٌ، ح وثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ الْبَصْرِيُّ، نَا سُلَيْمٌ يَعْنِي ابْنَ أَخْضَرَ الْمَعْنَى، وَالْإِخْبَارُ فِي حَدِيثِ سُلَيْمٍ قَالَا: نَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قال سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: «إِنَّهَا كَانَتْ

تَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ» قَالَتْ: «ثُمَّ أَرَى فِيهِ بُقْعَةً أَوْ بُقَعًا» (ش) (رجال الحديث) (قوله زهير) بن معاوية (قوله سليم يعنى ابن أخضر) العناية من المصنف وسليم بضم أوله مصغرا كما في الخلاصة والتقريب وضبطه النووى بفتح السين المهملة روى عن عبد الله بن عون وعكرمة بن عمار وسليمان التيمى وعمرو بن ميمون وغيرهم. وعنه ابن مهدى وحميد بن مسعدة وسليمان بن حرب وجماعة. قال ابن حرب ثقة مأمون وقال أحمد كان من أهل الصدق والأمانة ووثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائى. مات سنة ثمانين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والترمذى (قوله المعنى) أى حدّث سليم بمعنى حديث زهير (قوله والإخبار في حديث سليم) أى أن سند سليم إلى عائشة بالإخبار والسماع لا بالعنعنة وسند زهير بالعنعنة وفى نسخة صحيحة المعنى والإخبار واحد أى أن الإخبار ثابت في سند سليم وزهير. والإخبار بكسر الهمزة المراد به ما يشمل السماع. وغرض المصنف بذلك إثبات سماع سليمان بن يسار من عاشة (قوله عمرو بن ميمون بن مهران) بكسر الميم أبو عبد الله الجزرى. روى عن أبيه وسليمان بن يسار والشعبى والزهرى ومكحول وآخرين. وعنه الثورى وشريك ومحمد بن إسحاق وزهير وابن المبارك وغيرهم. قال أحمد ليس به بأس ووثقه ابن حبان وابن سعد والنسائى وابن معين وابن نمير وقال ابن خراش شيخ صدوق. مات سنة خمس أو سبع أو ثمان وأربعين ومائة (قوله سمعت عائشة) وفى مسلم ورواية للبخارى سألت. وفيه ردّ على البزار وأحمد إذ زعما أن سليمان بن يسار لم يسمع من عائشة وكذا حكاه الشافعى في الأم عن غيره وزاد أن الحفاظ قالوا إن عمرو بن ميمون غلط في رفعه وإنما هو في فتوى سليمان بن يسار وقد تبين من تصريح الشيخين وغيرهما بسماعه منها صحة سماعه وأن رفعه صحيح وليس بين فتواه وروايته تناف (معنى الحديث) (قوله إنها كانت تغسل المنيّ الخ) ذكره بالمعنى بدلا عن لفظها أى قالت عائشة كنت أغسل المنىّ الخ ليشاكل قولها بعد ثم أرى فيه وفى نسخة أراه فيه أى أبصر أثر الغسل في الثوب. يدلّ عليه ما في ابن ماجه وأنا أرى أثر الغسل فيه والضمير المنصوب في نسخة أراه راجع إلى أثر الغسل المفهوم من قوله تغسل (قوله بقعة) بضم الموحدة وسكون القاف هي في الأصل قطعة من الأرض يخالف لونها لون ما يليها والمراد هنا أثر الغسل كما تقدم (قوله أو بقعا) يحتمل أن يكون من كلام عائشة وينزّل على حالتين أو شكا من أحد الرواة (واحتج) بالحديث من قال بنجاسة المنىّ لقوله في الحديث كانت تغسل المنىّ وهو يدلّ على التكرار (وقال) الكرماني لا حجة فيه لاحتمال أن يكون غسله بسبب أن ممرّه كان نجسا أو لاختلاطه برطوبة فرجها على مذهب

باب بول الصبي يصيب الثوب

من قال بنجاسته وهو مردود لأن المشرّحين من الأطباء قالوا إن مستقرّ المنىّ غير مستقر البول وكذا مخرجاهما. وأما نجاسة رطوبة فرج المرأة فغير متفق عليها أفاده العينى على البخارى (وقال) في شرح أبى داود قال الخطابى هذا لا يخالف حديث الفرك وإنما هذا استحباب واستظهار بالنظافة كما قد يغسل الثوب من النخامة والمخاطة ونحوهما. والحديثان إذا أمكن استعمالهما لم يجز أن يحملا على التناقض اهـ "قلت" ما ادعى أحد المخالفة بين الحدثين ولا التناقض وإنما هذا الحديث يدلّ على أن المنىّ نجس بدلالة غسله وكان هذا هو القياس أيضا في يابسه ولكن خص بحديث الفرك. ولا نسلم أن غسل هذا مثل غسل النخامة والمخاطة لأنه ورد في حديث أخرجه الدارقطنى في سننه "يا عمار ما نخامتك ولا دموعك إلا بمنزلة الماء الذى في ركوتك إنما يغسل الثوب من خمس من البول والغائط والمنيّ والدم والقئ" فانظر كيف ذكره بين الغائط والدم "فإن قيل" قال الدارقطنى لم يروه غير ثابت بن حماد وهو ضعيف جدّا "قلت" قال البزار ثابت بن حماد كان ثقة "فإن قيل" قد قال البيهقى أما حديث عمار بن ياسر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال له يا عمار ما نخامتك ولا دموع عينيك إلا بمنزلة الماء الذى في ركوتك إنما يغسل ثوبك من البول والغائط والمنىّ والدم والقئ فهذا باطل لا أصل له إنما رواه ثابت بن حماد عن علىّ بن زيد عن ابن المسيب عن عمار وعلى بن زيد غير محتج به "قلت" هذا لا يفيد دعواه لأن مسلما روى له مقرونا بغيره وروى له أبو داود والترمذى والنسائى وقال رجل لابن معين اختلط علىّ بن زيد قال ما اختلط علي بن زيد قط وهو أحب إلى من ابن عقيل ومن عاصم بن عبيد الله. وقال العجلي لا بأس به وفى موضع آخر قال يكتب حديثه. وروى له الحاكم في المستدرك وقال الترمذى صدوق وقال الشيخ علاء الدين البركماني أما كون ثابت بن حماد متهما بالوضع فما رأيت أحدا بعد الكشف التام ذكره غير البيهقى، وقد ذكر أيضا هو هذا الحديث في كتاب المعرفة وضعف ثابتا هذا ولم ينسبه إلى التهمة بالوضع اهـ (فقه الحديث) والحديث يدلّ على نجاسة المنىّ وقد علمت ما فيه من الخلاف، وعلى جواز خدمة المرأة زوجها بنحو غسل ثيابه وهو من حسن العشرة وجميل الصحبة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الأئمة الستة (باب بول الصبى يصيب الثوب) أى في بيان كيفية تطهير الثوب الذى أصابه بول الصبي. والصبي الصغير ما دام رضيعا فإذا فطم يسمى غلاما إلى سبع سنين

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ أَنَّهَا، «أَتَتْ بَابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِجْرِهِ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ» (ش) (قوله ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهرى. و (أم قيس) اسمها جذامة بالجيم وبالذال المعجمة وقيل آمنة (قوله أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام) المراد به ما عدا اللبن الذى يرتضعه والتمر الذى يحنك به والعسل الذى يلعقه للمداواة وغيرها (وقال) ابن التين يحتمل أنها أرادت أنه لم يتقوّت بالطعام ولم يستغن به عن الرضاع. ويحتمل أنها جاءت به عند ولادته ليحنكه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيحمل النفى على عمومه. ويؤيده رواية البخارى في العقيقة أتى بصبىّ يحنكة اهـ (قوله فأجلسه في حجره) أى وضع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الابن في حجره بفتح الحاء المهملة وكسرها وهو مقدّم الثوب وهذا إن كان أتى به حين ولد. ويحتمل أن يكون الجلوس باقيا على حقيقته إن قلنا إنه كان في سنّ من يحبو كما في قصة الحسن (وقال) العينى في شرح البخارى المراد هنا أنه أقامه من مضجعه لأن الظاهر أن أم قيس أتت به وهو في قماطه مضطجع فأقامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حجره وإن كانت أتت به وهو في يدها بأن كان عمره مقدار سنة والحال أنه رضيع يكون المعنى تناوله منها وأجلسه في حجره وهو يمسكه اهـ "والقماط خرقة عريضة يشدّ بها الصغير" (قوله فبال على ثوبه الخ) أى بال الصغير على ثوب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنضحه أى رشه كما في القاموس وتقدّم أنه يطلق على الغسل لكن إطلاقه على الرش أكثر وأشهر فلا يفهم غير هذا المعنى إلا بقرينة ولا يخفى أن الرش غير الغسل لأن الرشّ أخفّ والمقصود منه غير المقصود من الغسل (قوله ولم يغسله) أى الثوب وهو تأكيد للنضح وأتى به لدفع توهم أن المراد بالنضح الغسل كما قال به بعضهم أى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اكتفى بالرشّ ولم يغسل المحل المتلوّث بالبول ويؤيده ما في مسلم من قوله فدعا بماء فنضحه على ثوبه ولم يغسله غسلا. وفى رواية له ولابن ماجه فدعا بماء فرشه. وفى لفظ له فلم يزد على أن نضح بالماء. وادعى الأصيلي أن قوله ولم يغسله من كلام ابن شهاب راوى الحديث وأن المرفوع انتهى إلى قوله فنضحه قال وكذلك روى معمر عن ابن شهاب وكذا أخرجه ابن أبى شيبة بلفظ فرشه ولم يزد على ذلك

أقوال العلماء في صفة تطهير ما يصيبه بول الصبي والجارية

(قال) في الفتح ليس في سياق معمر ما يدلّ على ما ادعاه من الإدراج وقد أخرجه عبد الرزاق عنه بنحو سياق مالك لكنه لم يقل ولم يغسله وقد قالها مع مالك الليث وعمرو بن الحارث ويونس ابن يزيد كلهم عن ابن شهاب أخرجه ابن خزيمة والإسماعيلى وغيرهم من طريق ابن وهب عنهم وهو لمسلم عن يونس وحده. نعم زاد معمر في روايته قال قال ابن شهاب فمضت السنة أن يرشّ بول الصبى ويغسل بول الجارية فلو كانت هذه الزيادة هي التى زادها مالك ومن تبعه لا يمكن دعوى الإدراج لكنها غيرها فلا إدراج اهـ (والحديث) يدلّ على أن بول الصبيّ يكفى في تطهير ما أصابه النضح (قال) النووى في شرح مسلم الخلاف في كيفية تطهير الشئ الذى بال عليه الصبى ولا خلاف في نجاسته وقد نقل بعض أصحابنا إجماع العلماء على نجاسة بول الصبىّ وإنما لم يخالف فيه إلا داود الظاهرى، وأما ما حكاه أبو الحسن بن بطال ثم القاضى عياض عن الشافعي وغيره أنهم قالوا بول الصبىّ طاهر وينضح فحكاية باطلة قطعا اهـ (واختلف) العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب (الأول) الاكتفاء بالنضح في بول الصبيّ ووجوب الغسل في بول الجارية وهو قول علىّ وعطاء والحسن والزهرى وأحمد والثورى والشافعية والنخعى وهو رواية شاذة عن مالك. واستدلوا بحديث الباب وبما روى عن علىّ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال بول الغلام الرضيع ينضح وبول الجارية يغسل رواه أحمد والترمذى وقال حديث حسن. وبما رواه مسلم عن عائشة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم فأتى بصبيّ فبال عليه فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله، وبما رواه أحمد عن أم كرز الخزاعية أنها قالت أتي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بغلام فبال عليه فأمر به فنضح وأتى بجارية فبالت عليه فأمر به فغسل، والأحاديث الدالة على التفرقة كثيرة (الثاني) أنه يكفى النضح فيهما وهو مذهب الأوزاعى وحكى عن مالك والشافعىّ. ولم نقف لهذا المذهب على دليل (الثالث) أنهما سواء في وجوب الغسل وهو مذهب العترة والحنفية وسائر الكوفيين والمالكية، واستدلوا بحديث عمار مرفوعا إنما تغسل الثوب من الغائط والبول "الحديث" رواه أبو يعلى الموصلى وكذا البزار وابن عدىّ والدارقطنى والبيهقي وضعفوه لأن في إسناده ثابت بن حماد اتهمه بعضهم بالوضع (قال) البيهقى هذا حديث باطل إنما رواه ثابت بن حماد وهو متهم. وقال اللالكائيّ أجمعوا على تركه. ووجه الاستدلال أن البول فيه عامّ يشمل بول الغلام والجارية وقد علمت أنه لا يصلح للاستدلال. واحتجوا أيضا بقياس بول الصبى على الصبية لاتفاق العلماء على استواء الحكم فيهما بعد أكل غير اللبن فلا بدّ من غسل بولهما بالإجماع ولأن الأصل في إزالة النجاسة الغسل (قال) الطحاوي في شرح معاني الآثار إنا رأينا الغلام والجارية حكم أبوالهما سواء بعد ما يأكلان الطعام فالنظر على ذلك أن يكونا أيضا سواء قبل أن يأكلا الطعام فإذا كان بول الجارية نجسا فبول

الغلام أيضا نجس وهذا قول أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد اهـ (وأجابوا) عن حديث الباب بأن المراد بالنضح الغسل لأن النضح يستعمل في الغسل كما في قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في صاحب المذى فلينضح فرجه. وحديث أسماء في غسل الدم وانضحيه فإن المراد بالنضح فيهما الغسل وهو في لسان العرب كثير، وبأن معنى قوله ولم يغسله لم يعركه ولم يبالغ في غسله بالدلك وبأن قول أم قيس لم يأكل الطعام ليس علة في الحكم وإنما هو وصف حال وحكاية قضية والنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يعلل بهذا ولا أشار إليه، وهذا ملخص كلامهم (لكن) الظاهر ما ذهب إليه الفريق الأول من التفرقة بين بول الصبيّ والصبية كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة الصريحة. وما استدلّ به الفريق الثالث من حديث عمار فقد علمت ما فيه من الضعف فلا يعارض أحاديث الباب الصحيحة. وعلى تقدير صحته فهو عام يحمل على الخاص. واستدلالهم بالقياس غير ظاهر لأن القياس لا يصبح إذا عارض النص الصحيح الصريح. وقولهم إن المراد بالنضح الغسل مردود لأنه لا قرينة تصرفه عن ظاهره. وقولهم إن معنى ولم يغسله في الحديث عدم مبالغته في الغسل خلاف الظاهر. وقولهم إن قول أم قيس لم يأكل الطعام حكاية حال غير مسلم لأنه تخصيص بلا دليل فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بنضح بول الصبي الموصوف بهذه الصفة فلا فرق بين ابن أم قيس وغيره فالحكم عامّ. وقولهم إن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يعلل بهذا ولا أشار إليه مردود بما رواه الدارقطني عن عطاء عن عائشة قالت بال ابن الزبير على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخذته أخذا عنيفا فقال إنه لم يأكل الطعام ولا يضرّ بوله. وفى رواية فقال دعيه فإنه لم يطعم الطعام فإنه لا يقذر بوله اهـ فقد علل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعدم أكل الطعام في الحديث (قال) ابن دقيق العيد الحديث ظاهر في الاكتفاء بالنضح وعدم الغسل ولا سيما مع قولها ولم يغسله والذين أوجبوا غسله اتبعوا القياس على سائر النجاسات وأولوا الحديث وقولها ولم يغسله أى غسلا مبالغا فيه كغيره وهو لمخالفة الظاهر محتاج إلى دليل يقاوم هذا الظاهر. ويبعده أيضا ما ورد في بعض الأحاديث من التفرقة بين بول الصبي والصبية فإن الموجبين للغسل لا يفرقون بينهما ولما فرق في الحديث بين النضح في الصبي والغسل في الصبية كان ذلك قويا في أن النضح غير الغسل إلا أن يحلموا ذلك على قريب من تأويلهم الأول وهو إنما يفعل في بول الصبية أبلغ مما يفعل في بول الصبي فسمى الأبلغ غسلا والأخفّ نضحا واعتل بعضهم في هذا بأن بول الصبي يقع في محل واحد وبول الصبية يقع منتشرا فيحتاج إلى صبّ الماء في مواضع متعددة ما لا يحتاج إليه في بول الصبي اهـ ومحل الخلاف المتقدم في الصبي ما لم يأكل طعاما غير اللبن وإلا فالغسل متفق عليه. وقد جاء في وجه التفرقة بين بول الغلام وبول الجارية آثار (منها) ما رواه ابن ماجة عن أبي الحسن بن سلمة قال حدثنا أحمد بن موسى بن معقل

قال حدثنا أبو اليمان المصرى قال سألت الشافعى عن حديث النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يرشّ من بول الغلام ويغسل من بول الجارية والماآن جميعا واحد قال لأن بول الغلام من الماء والطين وبول الجارية من اللحم والدم ثم قال لى فهمت أو قال لقنت قال قلت لا قال فإن الله تعالى لما خلق آدم خلقت حوّاء من ضلعه الأيسر فصار بول الغلام من الماء والطين وصار بول الجارية من اللحم والدم قال قال لى فهمت قلت نعم قال لى نفعك الله به اهـ (ومنها) أن هذا أمر كان قد تقرر في الجاهلية فأبقاه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ما كان عليه (ومنها) أن بول الأنثى أغلظ وأنتن من بول الذكر (ومنها) أن الصبى ترغب فيه النفوس والأنثى تعافها فخفف الأمر بالنسبة للذكر دفعا للمشقة والحرج (فقه الحديث) والحديث يدلّ على نضح الثوب الذى أصابه بول الصبي الذى لم يتغذّ بالطعام وعلى مشروعية الترخيص في الحكم لدفع المشقة، وعلى مزيد تواضع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكمال مكارم أخلاقه، وعلى مشروعية التبرّك بأهل الفضل، وعلى مشروعية حمل الأطفال إلى أهل الفضل للتبرك بهم، وعلى طلب الرفق بالصغار والشفقة عليهم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مالك والبخارى ومسلم والترمذى وابن ماجه والطحاوى والدارمى (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، وَالرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ الْمَعْنَى قَالَا: نَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ لُبَابَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ: كَانَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَبَالَ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: الْبَسْ ثَوْبًا وَأَعْطِنِي إِزَارَكَ حَتَّى أَغْسِلَهُ. قَالَ: «إِنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْأُنْثَى وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله المعنى) أى أن معنى حديثيهما واحد وإن اختلفا في اللفظ. ولفظ مسدد ما ذكره المصنف. أما لفظ الربيع فقد رواه الحاكم عن لبابة أيضا قالت وبال الحسن في حجر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت هات ثوبك حتى أغسله فقال إنما يغسل بول الأنثى وينضح بول الذكر. و (أبو الأحوص) سلام بن سليم. و (سماك) ابن حرب (قوله عن قابوس) بن أبى المخارق ويقال ابن المخارق بن سليم الشيبانى الكوفى روى عن أبيه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أم الفضل. وعنه سماك بن حرب وثقه ابن حبان وقال النسائى لا بأس به. روى له أبو داود والنسائى (قوله عن لبابة)

بضم اللام وتخفيف الموحدتين (بنت الحارث) بن حزن بن بجير بن الهرم أم الفضل الهلالية زوج العباس بن عبد المطلب. قيل هي أول امرأة أسلمت بعد خديجة. روى لها عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثلاثون حديثا اتفق الشيخان على واحد وانفرد كل منهما بآخر. روى عنها ابناها عبد الله وتمام ومولاها عمير بن الحارث وأنس بن مالك وغيرهم. ماتت في خلافة عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما. روى لها الجماعة (معنى الحديث) (قوله فبال عليه) أى بال الحسين على ثوب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله فقلت البس ثوبا الخ) أى قالت لبابة للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم البس ثوبا غيره وأعطنى إياه لأغسله. وفي رواية ابن ماجة فقلت يا رسول الله أعطنى ثوبك والبس ثوبا غيره (قوله إنما يغسل من بول الأنثى الخ) أى لا يغسل إلا من بول الأنثى ولا ينضح إلا من بول الذكر. وفيه ردّ على من سوّى بين الصبىّ والصبية في النضح وكذا من سوّى بينهما في الغسل وهو حجة لمن قال بالتفرقة بينهما (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد وابن ماجة والطحاوى وابن خزيمة والبيهقى في سننه من وجوه كثيرة وأخرجه الحاكم بلفظ تقدم (ص) حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْمَعْنَى قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنِي مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو السَّمْحِ قَالَ: كُنْتُ أَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ قَالَ: «وَلِّنِي قَفَاكَ». فَأُوَلِّيهِ قَفَايَ فَأَسْتُرُهُ بِهِ، فَأُتِيَ بِحَسَنٍ، أَوْ حُسَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَا فَبَالَ عَلَى صَدْرِهِ فَجِئْتُ أَغْسِلُهُ فَقَالَ: «يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ، وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ» قَالَ عَبَّاسٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهُوَ أَبُو الزَّعْرَاءِ (ش) (رجال الحديث) (قوله مجاهد بن موسى) بن فرّوخ أبو على الخوارزمى. روى عن ابن عيينة ومروان بن معاوية وعبد الرحمن بن مهدى وآخرين. وعنه أبو زرعة وأبو حاتم ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. قال ابن معين ثقة لا بأس به وقال أبو حاتم محله الصدق وقال صالح بن محمد صدوق ووثقه مسلمة بن قاسم والنسائي وابن حبان. ولد سنة ثمان وخمسين ومائة. ومات لتسع بقين من رمضان سنة أربع وأربعين ومائتين (قوله وعباس بن عبد العظيم)

مذاهب الفقهاء في حكم الاستتار وقت الغسل في الخلوة والجلوة

ابن إسماعيل بن توبة أبو الفضل العنبرى البصرى. روى عن يحيى القطان وأبى داود الطيالسي وابن مهدى ومعاذ بن هشام وغيرهم. وعنه أبو حاتم وابن خزيمة ومسلم وابن ماجه وطائفة قال النسائى ثقة مأمون وقال أبو حاتم صدوق وقال محمد بن المثنى هو من سادات المسلمين ووثقه مسلمة بن قاسم. مات سنة ست وأربعين ومائتين (قوله يحيى بن الوليد) بن المسيب الطائى أبو الزعراء الكوفى. روى عن محلّ بن خليفة وسعيد بن عمر. وعنه ابن مهدى وأبو عاصم وزيد بن الحباب وسويد بن عمرو. وثقه ابن حبان وقال النسائى ليس به بأس. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه (قوله محلّ) بضم الميم وكسر الحاء المهملة وتشديد اللام (ابن خليفة) الطائى الكوفى. روى عن جدّه عدى بن حاتم وأبى السمح وأبى وائل. وعنه شعبة والثورى ويحيى بن الوليد. وثقه النسائى وابن خزيمة والدارقطنى وابن حبان وابن معين وقال أبو حاتم صدوق وقال ابن عبد البر ضعيف لكن لم يتابع عليه. روى له البخارى وأبو داود والنسائى وابن ماجه (قوله أبو السمح) بفتح السين المهملة وسكون الميم مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وخادمه. قال أبو زرعة لا أعرف اسمه ولا أعرف له غير هذا الحديث وقال غيره اسمه إياد وقيل أبو ذرّ. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه محلّ بن خليفة (معنى الحديث) (قوله فكان إذا أراد أن يغتسل) ظاهره أن ذلك كان يتكرّر منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله ولنى قفاك) بتشديد اللام المكسورة أى اجعله جهتي وانصرف عنى بوجهك يقال وليت وتوليت أعرضت وانصرفت "قال" في اللسان التولية تكون انصرافا قال الله تعالى "ثم وليتم مدبرين" اهـ (قوله فأستره به) أى أحجبه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن أعين الناس بقفاى، وظاهر هذه الرواية أن الستر كان بالقفا. والأظهر أن في الكلام حذفا يدلّ عليه ما في رواية ابن ماجه والدارقطنى فأوليه قفاى وأنشر الثوب فأستره به. على أنه لا تنافى بينهما لاحتمال أن يكون الستر وقع بالثوب في وقت وبالقفا في وقت آخر (وفى هذا) دلالة على مشروعية الستر عند الغسل. واتفق العلماء على وجوبه في الجلوة حيث يراه الناس واختلفوا فيه في الخلوة أو في الجلوة ولم يره أحد (فذهب) ابن أبى ليلى إلى وجوبه مستدلا بظاهر حديث يعلى بن أمية أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأى رجلا يغتسل بالبراز فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله عزّ وجلّ حييّ ستير يحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر رواه النسائي (وذهب) الجمهور إلى استحبابه مستدلين بحديث الباب وبما رواه مسلم عن أم هانئ قالت ذهبت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة تستره بثوب. فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل في بيته ولم يأمر أبا السمح إلا بانصراف وجهه عنه ولم يأمره بالستر

وإنما كان يفعله هو من نفسه وكذلك فاطمة. وهو صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإن أقرّهما على ذلك فلا يلزم من الإقرار الوجوب. وحملوا الأمر في الحديث المتقدّم على ما إذا كان يراه الناس (قوله فأتى بحسن أو حسين) وفى نسخة بالحسن أو الحسين وهو شك من أحد الرواة والأقرب أنه من محلّ بن خليفة (قوله فبال على صدره) أى على موضع صدره من الثياب والصدر من كل شئ أوله وجمعه صدور (قوله فجئت أغسله الخ) وفى رواية الحاكم فأرادوا أن يغسلوه فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رشوه رشا (قوله قال عباس الخ) أى قال عباس بن عبد العظيم في روايته لهذا الحديث حدثنا بصيغة الجمع. أما مجاهد بن موسى فقال حدثني بالإفراد (قوله وهو أبو الزعراء) أى يحيى بن الوليد يكنى بأبى الزعراء بفتح الزاى وسكون العين المهملة (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية خدمة أهل الفضل، وعلى طلب ستر العورات وعلى مزيد تواضعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعظيم شفقته، وعلى مشروعية غسل بول الأنثى ورشّ بول الذكر وهو نصّ صريح في الفرق بين بوليهما (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البزار والنسائى وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم والدارقطنى (ص) وَقَالَ هَارُونُ بْنُ تَمِيمٍ: عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: «الْأَبْوَالُ كُلُّهَا سَوَاءٌ» (ش) أى روى هارون بن تميم عن الحسن البصرى أن بول الذكر والأنثى سواء في النجاسة ولزوم غسل ما يصيبانه. وهذا التعليق لم نقف على من وصله غير أن الطحاوى أخرج بسنده إلى حميد عن الحسن أنه قال بول الجارية يغسل غسلا وبول الغلام يتبع بالماء. و (هارون ابن تميم) هو الراسبىّ يروى عن الحسن. وعنه أبو هلال الراسبىّ وثقه ابن حبان (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: «يُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ، وَيُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ مَا لَمْ يَطْعَمْ» (ش) (رجال الأثر) (قوله ابن أبي عروبة) سعيد بن مهران (قوله عن أبى حرب بن أبى الأسود) الديلى البصرى قيل اسمه كنيته وقيل اسمه محجن. روى عن أبيه وابن عمرو بن العاصي وعبد الله بن قيس وعبد الله بن فضالة وغيرهم. وعنه قتادة وعثمان بن عمير وداود ابن أبى هند، وثقه ابن عبد البر وابن حبان وقال ابن سعد كان معروفا. مات سنة ثمان أو تسع ومائة. روى له مسلم وأبو داود الترمذى وابن ماجة (قوله عن أبيه) هو أبو الأسود واسمه ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل البصرى. روى عن عمر وعلي ومعاذ وابن مسعود وأبى ذرّ وأبى موسى. وعنه ابنه أبو حرب ويحيى بن يعمر وعبد الله بن بريدة وآخرون. قال الواقدي كان ممن أسلم على عهد النبي صلى الله تعالى عليه

وعلى آله وسلم وقاتل مع علىّ يوم الجمل وقال ابن سعد هو من الطبقة الأولى من أهل البصرة وكان شاعرا متشيعا وكان ثقة في حديثه وقال ابن عبد البرّ كان ذا دين وعقل ولسان وفهم وذكاء وحزم وكان من كبار التابعين وقال العجلى تابعي وهو أول من تكلم في النحو. مات سنة تسع وستين. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله يغسل بول الجارية) وفى نسخة من بول الجارية وقد رواه سعيد ابن أبى عروبة موقوفا على علىّ (قوله ما لم يطعم) أى مدّة عدم تغذّي الغلام بالطعام وهو غاية لكفاية رشّ بول الغلام. ومفهومه أنه إذا تغذى بالطعام لا يكفى في بوله الرشّ بل لا بدّ من الغسل (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن أبى شيبة في مصنفه (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، نَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَذَكَرَ مَعْنَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ «مَا لَمْ يَطْعَمْ زَادَ». قَالَ قَتَادَةُ: «هَذَا مَا لَمْ يَطْعَمَا الطَّعَامَ، فَإِذَا طَعِمَا غُسِلَا جَمِيعًا» (ش) ساق المصنف هذه الرواية لبيان أن أصحاب قتادة اختلفوا عليه فسعيد بن أبى عروبة روى عنه الحديث موقوفا على علىّ وذكر في روايته ما لم يطعم. وهشام الدستوائى رواه مرفوعا وذكر قول قتادة ما لم يطعما الطعام فإذا طعما غسلا جميعا. وسيأتى أن هذا الخلاف لا يقدح في صحة الحديث (قوله ابن المثني) هو محمد (قوله فذكر معناه) أى معنى الحديث السابق ولفظه كما في ابن ماجه قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بول الرضيع ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية. وأخرجه الطحاوي في شرح معانى الآثار وابن ماجة والترمذى وقال حديث حسن. وأخرجه الدارقطنى وأحمد وابن خزيمة وابن حبان قال المنذرى إن هشاما الدستوائى رفعه عن قتادة وإن سعيد بن أبى عروبة وقفه عنه ولم يرفعه وقال البخارى سعيد بن أبى عروبة لا يرفعه وهشام يرفعه وهو حافظ اهـ وقال الحافظ في التلخيص إسناده صحيح إلا أنه اختلف في رفعه ووقفه ووصله وإرساله وقد رجح البخارى صحته وكذا الدارقطني وقال البزار تفرّد برفعه معاذ بن هشام عن أبيه وقد روى هذا الفعل من حديث جماعة من الصحابة وأحسنها إسناد علىّ اهـ

باب الأرض يصيبها البول

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْحَجَّاجِ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ، قَالَتْ: إِنَّهَا أَبْصَرَتْ أُمَّ سَلَمَةَ «تَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى بَوْلِ الْغُلَامِ مَا لَمْ يَطْعَمْ، فَإِذَا طَعِمَ غَسَلَتْهُ، وَكَانَتْ تَغْسِلُ بَوْلَ الْجَارِيَةِ» (ش) (رجال الأثر) (قوله عبد الوارث) بن سعيد، و (يونس) بن عبيد (قوله عن أمه) هي خيرة بالخاء المعجمة أم الحسن البصرى مولاة أم سلمة. روت عن مولاتها وعائشة. وعنها ابناها الحسن وسعيد وحفصة بنت سيرين ومعاوية بن قرّة. وثقها ابن حبان. روى لها الجماعة إلا البخارى (معنى الأثر) (قوله تصب الماء الخ) أى ترشه فالمراد من الصبّ الرش بدليل مقابلته بالغسل وللجمع بين الروايات. وهو يردّ على من قال إن الواجب في بولهما الغسل مستدلا بما رواه الطحاوي عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يؤتى بالصبيان فيدعو لهم فأتي بصبىّ مرّة فبال عليه فقال صبوا عليه الماء صبا. وأراد بالصبّ الغسل (من أخرج هذا الأثر أيضا) أخرجه البيقى من وجه آخر عن أم سلمة موقوفا أيضا وصححه. وأخرجه أيضا عن أنس وفى إسناده نافع أبو هرمز وهو متروك الحديث. وأخرجه الطبرانى عن أم سلمة من طريق إسماعيل بن مسلم المكيّ وهو ضعيف ذكره الحافظ في التلخيص (باب الأرض يصيبها البول) أى في بيان كيفية تطهير الأرض التي يصيبها البول (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، وَابْنُ عَبْدَةَ فِي آخَرِينَ قَالَ -وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ عَبْدَة- قال أَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةِ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ جَالِسٌ فَصَلَّى قَالَ ابْنُ عَبْدَة: رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا». ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَالَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَأَسْرَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَقَالَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا

مُعَسِّرِينَ، صُبُّوا عَلَيْهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ» أَوْ قَالَ: «ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ». (ش) (رجال الحديث) (قوله وابن عبدة) هو أحمد بن عبدة بن موسى الضبيّ أبو عبد الله البصرى. روى عن حماد بن زيد وابن عيينة ويزيد بن زريع وفضيل بن عياض. وعنه الجماعة إلا البخارى وأبو زرعة وأبو حاتم وابن خزيمة. وثقه النسائى وأبو حاتم وابن حبان وقال الذهبي قال ابن خراش تكلم الناس فيه فلم يصدق والرجل حجة اهـ. مات سنة خمس وأربعين ومائتين (قوله في آخرين) أى حدثنا بهذا الحديث جماعة من شيوخنا وكان أحمد بن عمرو وأحمد ابن عبدة منهم (معنى الحديث) (قوله أن أعرابيا) بفتح الهمزة نسبة إلى الأعراب سكان البوادى ونسب إلى الجمع دون الواحد قيل لأنه جرى مجرى القبيلة كأنمار ولأنه لو نسب إلى الواحد وهو عرب لقيل عربيّ فيشتبه المعنى المراد وهو أنه من سكان البادية لأن العربى كل من هو من ولد إسماعيل سواء أكان ساكن البادية أم القرى وهذا غير مراد. واسم ذلك الأعرابى ذو الخويصرة اليماني كما أخرجه أبو موسى المديني عن سليمان بن يسار مرسلا. وقيل هو الأقرع بن حابس التميمي كما حكاه أبو بكر التاريخى عن عبد الله بن نافع المزنى (قوله قال ابن عبدة الخ) أى قال أحمد بن عبدة في حديثه صلى ركعتين (قوله اللهم ارحمني الخ) هذه الزيادة ليست في أكثر روايات البخارى وفي رواية ابن ماجه قال اللهم اغفر لى ولمحمد ولا تغفر لأحد معنا فضحك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. في رواية له أيضا عن واثلة بن الأسقع قال اللهم ارحمنى ومحمدا ولا تشرك في رحمتك إيانا أحدا (قوله لقد تحجرت وسعا) أى ضيقت من رحمة الله ما وسعه ومنعت ما أباحه وخصصت به نفسك دون غيرك. وأصل الحجر المنع ومنه الحجر على السفيه وهو منعه من التصرّف في ماله وقبض يده عنه. وذكر بصيغة التفعيل إشارة إلى أنه قد تكلف في هذا الدعاء الذى خصص به نفسه (قوله ثم لم يلبث أن بال) أى لم يمكث زمنا طويلا بعد قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم له ذلك حتى شرع في البول فأن مصدرية. وفعل الأعرابى ذلك لأنه كان قريب عهد بالإسلام فلم يعلم أن المساجد تصان عن مثل هذا. ويدل عليه ما في مسلم من أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دعاه فقال له إن هذه المساجد لا تصلح لشئ من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن (قوله فأسرع الناس إليه) أى بادروا إليه ليمنعوه. وفي رواية للبخارى فزجره الناس. وفى أخرى له فثار إليه الناس. وللبيهقى والنسائى فصاح به الناس، ولمسلم فقال الصحابة مه مه (قوله فنهاهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) أى نهاهم عن منعهم له لأنهم لو منعوه لدار أمره بين شيئين إما أن يقطع بوله فيتضرّ بانحباس بوله

أقوال الأئمة في كيفية تطهيرها

فيه وإما أن لا يقطعه فينجس ثوبه وبدنه وتنتشر النجاسة في المسجد وكلا الأمرين أحق بالمنع من إتمام بوله (قوله إنما بعثتم ميسرين) بالبناء للمجهول أى مسهلين على الناس في الإرشاد طبقا للوارد عن الشارع، وأسند البعث إليهم على طريق المجاز لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو المبعوث لكنهم لما كانوا في مقام التبليغ عنه في حضوره وغيبته أطلق عليهم ذلك إذ هم مبعوثون من قبله بذلك أى مأمورون. وكان ديدنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يقول لمن أرسله إلى جهة من الجهات يسروا ولا تعسروا (قوله ولم تبعثوا معسرين) أى لم تبعثوا مشدّدين بإرشادكم على خلاف الوارد. وهو تأكيد لقوله بعثتم ميسرين. وفائدته بعده الدلالة على أن الشرع جاء باليسر قطعا (قوله صبوا عليه سجلا من ماء) أى اسكبوا على البول دلوا عظيما من الماء وفي رواية للبخارى "وهريقوا على بوله" والسجل بفتح السين المهملة وسكون الجيم الدلو العظيمة. وقال أبو حاتم هو الدلو ملأى ولا يقال لها ذلك وهي فارغة اهـ وهو مذكر وجمعه سجال (قوله أو قال ذنوبا) بفتح الذال المعجمة وضم النون يذكر ويؤنث ويجمع جمع قلة على أذنبة وكثرة على ذنائب "قال" الخليل هي الدلو ملأى ماء "وقال" ابن فارس الدلو العظيمة "وقال" ابن السكيت فيها ماء قريب من الملء ولا يقال لها وهي فارغة ذنوب. فعلى أنها الدلو العظيمة تكون مرادفة للسجل وتكون أو للشك من الراوى. وعلى أنها الدلو ملأى أو فيها ماء قريب من الملأى تكون أو للتخيير وتكون من كلامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ومال" ابن الملك إلى أنها للتخيير وقال إنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خيرهم بين أن يضعوا على بول الأعرابى دلوا مملوءة أو دلوا غير ملأى والأظهر أنها للشك فإن رواية أنس لم يختلف في أنها ذنوب (قوله من ماء) أتى به في الموضعين للتأكيد لأن السجل والذنوب لا يستعملان إلا في الدلو التى فيها الماء. وقيل للبيان لاحتمال أن يكون السجل أو الذنوب من ماء وغيره على رأى من يجوز التطهير بغير الماء ولأن الذنوب مشترك بين الدلو والفرس الطويلة وغيرهما (وفي الحديث) دلالة على أن صبّ الماء مطهر للأرض بدون حفر سواء أكانت رخوة أم صلبة وهو قول الجمهور (وقال) أبو حنيفة لا تطهر الأرض حتى تحفر إلى الموضع الذى وصلت إليه النداوة وينقل التراب. وفصل أصحابه بين الأرض الرخوة والصلبة فقالوا إذا أصابت الأرض نجاسة رطبة فإن كانت رخوة صبّ عليها الماء حتى يتسفل فيها ولا يعتبر فيه العدد بل المدار على غلبة الظن بأنها طهرت ويقوم التسفل مقام العصر وإن كانت الأرض صلبة فإن كانت منحدرة يحفر في أسفلها حفيرة ويصبّ عليها الماء ثلاث مرّات ويتسفل إلى الحفيرة ثم تكبس الحفيرة وإن كانت مستوية بحيث لا يزول عنها الماء لا تغسل لعدم الفائدة في الغسل بل تحفر فقط. واستدلوا بما رواه الدارقطنى من طريق أبى بكر بن عياش قال حدثنا سمعان بن مالك عن أبى وائل عن

ما دل عليه حديث أبي هريرة من استحباب التعميم في الدعاء ومشروعية ارتكاب أخف الضررين وغير ذلك من الفوائد

عبد الله "يعني ابن مسعود" قال جاء أعرابى فبال في المسجد فأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمكانه فاحتفر فصبّ عليه دلو من ماء قال الدارقطني سمعان مجهول وقال أبو زرعة ليس بالقوى وقال أحمد وابن أبى حاتم في العلل عن أبى زرعة هو حديث منكر وقال أبو حاتم لا أصل له واستدلوا أيضا بالحديث الآتي للمصنف بعد. وسيأتي أنه مرسل (وبهذا) تعلم أن مذهب الجمهور القائلين بتطهير الأرض بصبّ الماء عليها مطلقا هو الأقوى لقوّة أدلته (قال) ابن دقيق العيد في الحديث دليل على الأرض المتنجسة بالمكاثرة بالماء. واستدل بالحديث أيضا على أنه يكتفى بإفاضة الماء ولا يشترط نقل التراب من المكان بعد ذلك خلافا لمن قال به. ووجه الاستدلال بذلك أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يرد عنه في هذا الحديث الأمر بنقل التراب وظاهر ذلك الاكتفاء بصبّ الماء فإنه لو وجب لأمر به ولو أمر به لذكر. وقد ورد في حديث آخر الأمر بنقل التراب من حديث سفيان بن عيينة ولكنه تكلم فيه. وأيضا لو كان نقل التراب واجبا في التطهير لاكتفى به فإن الأمر بصبّ الماء حينئذ يكون زيادة تكليف وتعب من غير منفعة تعود إلى المقصود وهو تطهير الأرض اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يطلب من الداعي أن لا يخصّ نفسه بالدعاء وعلى أنه يطلب الرفق بالجاهل ما لم يرتكب المخالفة استخفافا أو عنادا، وعلى جواز مبادرة المرءوسين بالإنكار على من ارتكب المخالفة بحضرة رئيسهم قبل استئذانه، وعلى دفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما، وعلى نجاسة بول الآدمى (قال) النووي هو مجمع عليه بإجماع من يعتدّ به ولا فرق بين الكبير والصغير إلا أن بول الصغير يكفى فيه النضح ولم يخالف في بول الصبي إلا داود الظاهرى اهـ ودلّ الحديث أيضا على احترام المسجد وتنزيهه عن الأقذار، وعلى أنه يكتفى في إزالة النجاسة عن الأرض بإفاضة الماء عليها ولا يشترط نقل التراب من المكان بعد ذلك، وعلى أن تطهير الأرض المتنجسة يكون بالماء لا بالجفاف. وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، وعلى جواز التمسك بالعموم إلى أن يظهر الخصوص لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم ينكر على الصحابة ما فعلوه مع الأعرابى بل أمرهم بالكفّ عنه للمصلحة الراجحة، وعلى الترغيب في التيسير والتنفير عن التعسير، وعلى طلب المبادرة إلى إزالة المفاسد عند زوال المانع لأمره لهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند فراغه من البول بصبّ الماء. وعلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على خلق عظيم ورحمة (قال) في الفتح في الحديث أن غسالة النجاسة الواقعة على الأرض طاهرة ويلحق بها غير الواقعة لأن البلة الباقية على الأرض غسالة نجاسة فإذا لم يثبت أن التراب نقل وعلمنا أن المقصود التطهير تعين الحكم بطهارة البلة وإذا كانت طاهرة فالمنفصلة أيضا مثلها لعدم الفارق، ويستدلّ به على عدم اشتراط ذهاب الماء في الأرض لأنه لو اشترط

لتوقفت طهارة الأرض على الجفاف وكذا لا يشترط عصر الثوب إذ لا فارق اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الترمذى والنسائى وأخرجه ابن ماجه من حديث أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة وأخرجه البخارى من حديث عبد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة وأخرج البخارى ومسلم من حديث أنس نحوه (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا جَرِيرٌ يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ يَعْنِي ابْنَ عُمَيْرٍ، يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلِ بْنِ مُقَرِّنٍ قَالَ: صَلَّى أَعْرَابِيٌّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ فِيهِ: وَقَالَ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوا مَا بَالَ عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ فَأَلْقُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى مَكَانِهِ مَاءً» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهُوَ مُرْسَلٌ ابْنُ مَعْقِلٍ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ (ش) (رجال الحديث) (قوله عبد الملك يعني ابن عمير) بن سويد القرشى أبا عمرو الكوفي المعروف بالقبطي. روى عن جرير بن عبد الله وجابر بن سمرة والمغيرة بن شعبة والأشعث بن قيس وكثيرين. وعنه ابنه موسى وسليمان التيمى والأعمش وشهر بن حوشب وشعبة والثورى وجماعة، قال ابن المديني له نحو مائتى حديث مضطرب الحديث جدّا مع قلة روايته وقال ابن معين مخلط وقال العجلى صالح الحديث روى أكثر من مائة حديث تغير حفظه قبل موته وقال ابن نمير كان ثقة ثبتا في الحديث وقال النسائى لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان مدلسا. مات سنة ست وثلاثين ومائة وله ثلاث ومائة سنة. روى له الجماعة (قوله عبد الله ابن معقل) بفتح الميم وسكون العين وكسر القاف (ابن مقرن) بضم الميم وفتح القاف وتشديد الراء المفتوحة قاله العينى وهو مضبوط بالقلم في كثير من النسخ بكسر الراء وهو المعروف أبي الوليد الكوفى. روى عن أبيه وعلى وابن مسعود وثابت بن الضحاك وعدى بن حاتم وغيرهم وعنه عبد الملك بن عمير وعبد الرحمن الأصبهاني وعبد الله بن السائب الشيبانى وطائفة، قال أحمد ابن عبد الله تابعى ثقة من خيار التابعين وقال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث ووثقه ابن حبان والعجلى مات سنة ثمان وثمانين. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله صلى أعرابى مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) ظاهر هذه الرواية أن الأعرابى اجتمع معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الصلاة وليس كذلك بل المراد أنه صلى بحضرته كما في الرواية السابقة (قوله بهذه القصة) أى حدّث بقصة الأعرابى الذى

باب في طهور الأرض إذا يبست

بال في المسجد (قوله قال فيه الخ) أى قال عبد الله بن معقل في حديثه قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خذوا ما بال عليه من التراب الخ (واستدلّ) بهذا من قال إنه يشترط في تطهير الأرض بصبّ الماء عليها نقل التراب الذى وقعت عليه النجاسة. والحديث وإن كان مرسلا فإسناده صحيح يقويه ما رواه الدارقطني موصولا عن سمعان بن مالك عن أبى وائل عن عبد الله قال جاء أعرابى فبال في المسجد فأمر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمكانه فاحتفر فصبّ عليه دلوان من ماء. وما أخرجه أيضا عن عبد الجبار بن العلاء عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن أنس أن أعرابيا بال في المسجد فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم احفروا مكانه ثم صبوا عليه ذنوبا من ماء وإن كان الأول فيه سمعان بن مالك وهو ضعيف كما تقدم. والثانى أعله الدارقطني بتفرّد عبد الجبار به (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطني وأحمد والطبراني والدارمى مسندا بألفاظ متقاربة وأخرجه الطحاوى مرسلا (باب في طهور الأرض إذا يبست) أى في بيان أن الأرض المتنجسة تطهر إذا جفت الشمس أو الهواء يقال يبس الشئ ييبس من باب تعب إذا جفّ بعد رطوبته، وفي بعض النسخ باب طهور الأرض إذا يبست (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، وَكُنْتُ فَتًى شَابًّا عَزَبًا، وَكَانَتِ الْكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ» (ش) (رجال الحديث) (وله يونس) بن يزيد (قوله حمزة بن عبد الله بن عمر) ابن الخطاب أبو عمارة القرشي العدوى. روى عن أبيه وعمته حفصة. وعنه أخوه عبد الله وموسى ابن عقبة والزهرى وغيرهم، قال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث وقال العجلى تابعى ثقة ووثقه ابن حبان وذكره يحيى بن سعيد في فقهاء أهل المدينة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله كنت أبيت في المسجد) أى أسهر فيه ليلا للتعبد وتأتى بات نادرا بمعنى نام ليلا "قال" الفراء بات إذا سهر الليل كله في طاعة أو معصية، وسبب بيات ابن عمر في المسجد ما رواه البخارى عن الزهرى عن سالم عن أبيه قال كان الرجل في حياة النبي صلى الله تعالى عليه

مذاهب الأئمة في طهارة الأرض المتنجسة إذا جفت

وعلى آله وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكنت غلاما شابا وكنت أنام في المسجد على عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فرأيت في النوم كأن ملكين أخذانى فذهبا بى إلى النار فإذا هي مطوية كطيّ البئر وإذا لها قرنان فإذا فيها أناس قد عرفتهم فجعلت أقول أعوذ بالله من النار قال فلقينا ملك آخر فقال لى لا ترع فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال نعم الرجل عبد الله لو كان يصلى من الليل فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا (قوله عزبا) أى غير متزوّج وهو بفتح العين والزاى وصف من عزب الرجل يعزب من باب قتل عزبة وزان غرفة وعزوبة إذا لم يكن له أهل فهو عزب بفتحتين ويقال امرأة عزب أيضا وعزبة وجمعه أعزاب ولا يقال رجل أعزب إلا قليلا وبه جاءت رواية البخارى (قوله في المسجد) أل فيه للعهد والمعهود مسجد الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله فلم يكونوا يرشون) أى ينضحون وفي ذكر الكون مبالغة ليست في حذفه كما في قوله تعالى "وما كان الله ليعذبهم" حيث لم يقل وما يعذبهم وكذا في ذكر الرشّ لأن الرشّ ليس فيه جريان الماء بخلاف الغسل فنفي الرشّ أبلغ من نفى الغسل أى أن قوله فلم يكونوا يرشون يدل على نفى صبّ الماء من باب أولى فلولا أن الجفاف مطهر للأرض ما تركوا ذلك ولهذا المعنى ترجم المصنف لهذا الحديث بهذه الترجمة (واستدلّ) بهذا الحديث أبو حنيفة وأبو يوسف على أن الأرض تطهر بالجفاف. قال ابن الهمام فلولا اعتبار أنها تطهر بالجفاف كان ذلك تبقية لها بوصف النجاسة مع العلم بأنهم يقومون عليها في الصلاة ألبتة إذ لا بدّ منه مع صغر المسجد وعدم من يتخلف للصلاة في بيته وكون ذلك يكون في بقع كثيرة من المسجد لا في بقعة واحدة حيث تقبل وتدبر وتبول فإن هذا التركيب في الاستعمال يفيد تكرار الكائن منها ولأن تبقيتها نجسة ينافي الأمر بتطهيرها فوجب كونها تطهر بالجفاف بخلاف أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بإهراق ذنوب من ماء على بول الأعربى في المسجد لأنه كان نهارا والصلاة فيه تتتابع نهارا وقد لا يجفّ قبل الصلاة فأمر بتطهيرها بالماء بخلاف مدّة الليل أو لأن الوقت كان إذ ذاك قد آن، أو أريد أن ذاك كان أكمل الطهارتين للتيسر في ذلك الوقت اهـ لكن استدلالهم بالحديث مبنى على أن قوله في المسجد متعلق بقوله تبول وهو ليس بمتعين لأنه يحتمل أن يكون متعلقا بقوله تقبل وتدبر لا غير وإذا احتمل الأمرين فلا يصلح أن يكون دليلا (قال) ابن حجر وعلى تسليم أنه عائد للجميع فيحتمل أن عدم الرشّ إنما هو لخفاء محل بولها. وعلى التنزّل فكان هذا من قبل الأمر بقتلها وعلى التنزّل فعدم الرشّ لا يستلزم طهارة الأرض بالجفاف بل يستلزم العفو لا غير فلا دليل

باب الأذى يصيب الذيل

فيه للقائل بالطهارة اهـ (وقال) الخطابى يتأول على أنها كانت تبول خارج المسجد في مواطنها وتقبل وتدبر في المسجد عابرة إذ لا يجوز أن تترك الكلاب تنتاب المسجد حتى تمتهنه وتبول فيه وإنما كان إقبالها وإدبارها في أوقات نادرة ولم يكن على المسجد أبواب تمنع من عبورها فيه اهـ (قال) العينى هذا تأويل بعيد لأن قوله في المسجد ليس ظرفا لقوله تقبل وحده إنما هو ظرف لقوله تبول وتقبل وتدبر كلها. وأيضا قوله فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك يمنع هذا التأويل لأنها لو كانت تبول في مواطنها ما كان يحتاج إلى ذكر الرشّ وعدمه إذ لا فائدة فيه وكذلك التبويب بقوله طهور الأرض إذا يبست يردّ هذا التأويل بل الظاهر أنها كانت تبول في المسجد ولكنها تنشف وتيبس فتطهر فلا يحتاج إلى رشّ الماء اهـ (قال) الخطابى قد اختلف الناس في هذه المسألة. فروى عن أبى قلابة أنه قال جفوف الأرض طهورها. وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن الشمس تزيل النجاسة عن الأرض إذا ذهب الأثر. وقال الشافعى وأحمد بن حنبل في الأرض إذا أصابتها نجاسة لا يطهرها إلا الماء اهـ وكذا قال مالك (فقه الحديث) والحديث يدلّ على جواز البيات في المسجد، وعلى أن الأرض المتنجسة تطهر بالجفاف وقد علم الخلاف الذى فيه (باب الأذى يصيب الذيل) أى في بيان ما يطهر ذيل الثوب إذا أصابته النجاسة. وهذا الباب في رواية اللؤلؤى ذكر بعد باب البزاق في آخر كتاب الطهارة. وفي بعض النسخ باب في الأذى يصيب الذيل (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ أُطِيلُ ذَيْلِي، وَأَمْشِي فِي الْمَكَانِ الْقَذِرِ فَقَالَتْ: أُمُّ سَلَمَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم) الأنصارى. روى عن أبى بكر بن عمرو ومحمد في إبراهيم التيمى وعبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة وغيرهم. وعنه مالك وعبد الله بن إدريس وحاتم بن إسماعيل وأبو عاصم وآخرون. قال أبو حاتم صالح ليس

أقوال الفقهاء في تطهير ذيل المرأة الذي أصابته نجاسة الطريق

بذاك القوى ووثقه ابن معين وابن حبان (قوله عن أم ولد لإبراهيم) اسمها حميدة تابعية صغيرة مقبولة من الرابعة قاله الحافظ في التقريب. روت عن أم سلمة. وعنها محمد بن إبراهيم التيمى (معنى الحديث) (قوله أطيل ذيلى) أى أمدّه والذيل في الأصل مصدر ذال من باب باع ثم أطلق على طرف الثوب الذى يلى الأرض وإن لم يمسها تسمية بالمصدر وجمعه ذيول أى أن هذه المرأة كانت تطيل ثوبها الذى تلبسه ليستر قدميها في مشيتها على عادة العرب ولم تكن نساؤهم يلبسن الخفاف فكنّ يطلن الذيل للستر. ورخص النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيه لذلك (قوله في المكان القذر) أي النجس وهو بفتح القاف وكسر الذال المعجمة صفة للمكان بخلاف المصدر فإنه بفتح القاف والذال (قوله يطهره ما بعده) أى يطهر الذيل المكان الطاهر الذى جاء بعد المكان القذر بزوال ما علق به من النجاسة. وأفتتها أم سلمة بالحديث وأخبرتها بما عندها في ذلك من العلم ليجتمع لأم ولد إبراهيم معرفة الحكم ودليله. وصنعت أم سلمة ذلك لما رأته من حفظها وضبطها وأنها من تصلح لنقل العلم وفهمه وهكذا يجب أن يكون العالم إذا سأله من يفهم ويصلح للتعليم عن مسألة بينها له وذكر أدلتها وما يتعلق بها بحسب ما يليق بالسائل ويصلح له وإذا سأله من ليس من أهل العلم ولا يصلح لنقله بين له حكم ما سأله عنه خاصة (وبظاهر) هذا الحديث أخذ جماعة فقالوا إن المرور على المكان الطاهر يطهر الذيل الذى أصابته نجاسة ولو رطبة وقالوا لأن الذيل للمرأة كالخفّ والنعل. ويؤيده ما رواه ابن ماجه عن أبى هريرة قيل يا رسول الله إنا نريد المسجد فنطأ الطريق النجسة فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الأرض يطهر بعضها بعضا وهو ضعيف كما قال البيهقى وغيره (والجمهور) على أن ذلك في الموضع اليابس الذى لا يلتصق بالثوب منه شئ وإنما يعلق به فيزول المتعلق بما بعده لا أن النجاسة يطهرها غير الماء (وقال) الشافعى إنما هو فيما جرّ على ما كان يابسا لا يعلق بالثوب منه شيء فأما إذا جرّ على رطب فلا يطهره إلا الغسل (وقال) أحمد بن حنبل ليس معناه إذا أصابه بول ثم جرّ بعده على الأرض أنها تطهره ولكنه يمرّ بالمكان فيقذره ثم يمرّ بمكان أطيب منه فيكون هذا بذاك لا على أنه يصيبه منه شئ اهـ (وقال) الزرقاني قال مالك فيما روى عنه أن الأرض يطهر بعضها بعضا إنما هو أن يطأ الأرض القذرة ثم يطأ الأرض اليابسة النظيفة فإن بعضها يطهر بعضا فأما النجاسة مثل البول ونحوه يصيب الثوب أو بعض الجسد فإن ذلك لا يطهر إلا بالغسل وهذا إجماع الأمة اهـ (وقال) الدهلوى في حديث أم سلمة هذا إن أصاب الذيل نجاسة الطريق ثم مرّ بمكان آخر واختلط به طين الطريق وغبار الأرض وتراب ذلك المكان ويبست النجاسة المتعلقة فيطهر الذيل المنجس بالتناثر أو الفرك وذلك معفوّ عنه من الشارع بسبب الحرج والضيق كما أن غسل العضو والثوب من دم الجراحة معفوّ عنه عند

المالكية بسبب الحرج وكما أن النجاسة الرطبة إذا أصابت الخفّ تزال بالدلك ويطهر الخفّ به عند الحنفية والمالكية بسبب الحرج وكما أن الماء المستنقع الواقع في الطريق وإن وقع فيه نجاسة معفوّ عنه عند المالكية بسبب الحرج. وإني لا أجد الفرق بين الثوب الذى أصابه دم الجراحة والثوب الذى أصابه الماء المستنقع النجس وبين الذيل الذى تعلقت به نجاسة رطبة ثم اختلط به تراب الأرض وغبارها وطين الطريق فتناثرت به النجاسة أو زالت بالفرك فإن حكمها واحد "وما قاله" البغوى من أن هذا الحديث محمول على النجاسة اليابسة التي أصابت الثوب ثم تناثرت بعد ذلك "فيه نظر" لأن النجاسة التي تتعلق بالذيل في المشى في المكان القذر تكون رطبة في غالب الأحوال وهو معلوم بالقطع في عادة الناس فإخراج الشئ الذى تحقق وجوده قطعا أو غالبا عن حالته الأصلية بعيد. وأما طين الشارع يطهره ما بعده ففيه نوع من التوسع في الكلام لأن المقام يقتضى أن يقال هو معفوّ عنه أو لا بأس به لكن عدل عنه بإسناد التطهير إلى شيء لا يصلح أن يكون مطهرا للنجاسة فعلم أنه معفوّ عنه وهذا أبلغ من الأول اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية طول الثياب للنساء، وعلى أن الذيل النجس يطهر بمروره على أرض طاهرة وقد علمت ما فيه من التفصيل (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مالك والترمذى وابن ماجه والدارمى، قال الخطابي في هذا الحديث مقال لأن فيه عن أم ولد لإبراهيم وهي مجهولة لا يعرف حالها في الثقة والعدالة اهـ لكن تقدم أنها مقبولة (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَا: نَا زُهَيْرٌ، نَا عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عِيسَى، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لَنَا طَرِيقًا إِلَى الْمَسْجِد مُنْتِنَةً فَكَيْفَ نَفْعَلُ إِذَا مُطِرْنَا؟ قَالَ: «أَلَيْسَ بَعْدَهَا طَرِيقٌ هِيَ أَطْيَبُ مِنْهَا؟ » قَالَتْ: قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: «فَهَذِهِ بِهَذِهِ». (ش) (رجال الحديث) (قوله زهير) بن معاوية (قوله موسى بن عبد الله بن يزيد) الخطمى بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء الأنصارى الكوفي. روى عن أبيه وأمه وعبد الرحمن ابن هلال وأبي حميد الساعدى وغيرهم. وعنه ابنه عمر والأعمش ومعتمر بن سليمان ومسعر ابن كدام وكثيرون، وثقه ابن معين والعجلى والدارقطنى وابن حبان. روى له أبو داود وابن ماجه (قوله عن امرأة من بني عبد الأشهل) لا يعرف اسمها ولا نسبها وهي صحابية من الأنصار

جواز ذهاب النساء إلى المساجد بشرط أمن الفتنة

وجهالة الصحابى لا تضرّ (معنى الحديث) (قوله إن لنا طريقا إلى المسجد) أى يوصلنا إليه، والطريق مذكر في لغة نجد ومؤنث في لغة الحجاز وجمعه طرق بضمتين وجمع الطرق طرقات ويجمع أيضا على التذكير على أطرقة (قوله منتنة) أى ذات رائحة كريهة لما فيها من أثر الجيف والنجاسات وهو بضم الميم وقد تكسر للإتباع اسم فاعل أو اسم مفعول من أنتن (قوله فكيف نفعل إذا مطرنا) أى فكيف نصنع إذا مررنا في الطريق وقت المطر وعلق بثيابنا شئ منها (قوله أطيب منها) أى أطهر وأفعل التفضيل ليس على بابه لأن المراد طريق طاهرة (قوله فهذه بهذه) أى ما علق بالثياب من تلك الطريق المنتنة يزيله انسحاب الذيل على الأرض الطاهرة (فقه الحديث) والحديث يدل على طلب معرفة أحكام الدين. وعلى مشروعية سؤال النساء العالم عن أحكام الشريعة، وعلى أن عظم مقام المسئول لا يمنع من سؤال من هو أقل منه، وعلى جواز ذهاب النساء إلى المساجد لكنه مقيد بعدم الفتنة، وعلى أن مرور الشئ المتنجس على الأرض الطاهرة يزيل حكم النجاسة وقد علمت ما فيه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه بلفظ عن امرأة من بنى عبد الأشهل قالت سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت إن بينى وبين المسجد طريقا قذرة قال فبعدها طريق أنظف منها قلت نعم قال فهذه بهذه (قال) الخطابى في هذا الحديث مقال لأن امرأة من بنى عبد الأشهل مجهولة والمجهول لا يقوم به الحجة، وردّ عليه المنذرى في مختصره فقال ما قاله الخطابى فيه نظر فإن جهالة اسم الصحابى غير مؤثرة في صحة الحديث (باب الأذى يصيب النعل) أى في بيان تطهير النعل ونحوه كالخفّ إذا أصابته نجاسة، وفي بعض النسخ باب في الأذى الخ (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، ح وحَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ، قال أَخْبَرَنِي أَبِي ح، وحَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، نَا عُمَرُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ الْمَعْنَى قَالَ: أُنْبِئْتُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيَّ حَدَّثَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ بِنَعْلِهِ الْأَذَى، فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُ طَهُورٌ» (ش) (رجال الحديث) (قوله أبو المغيرة) هو عبد القدوس بن الحجاج (قوله عباس ابن الوليد بن مزيد) بفتح الميم وسكون الزاى وفتح المثناة التحتية البيروتي العذرى أبو الفضل

باب الأذى يصيب النعل

روى عن أبيه ومحمد بن شعيب وشعيب بن إسحاق وعقبة بن علقمة وآخرين. وعنه أبو زرعة ويعقوب بن سفيان وأبو بكر بن أبى داود وأبو حاتم وقال صدوق ووثقه النسائى وابن حبان وقال كان من خيار عباد الله المتقنين في الروايات وقال مسلمة كان ثقة مأمونا فقيها. ولد سنة تسع وستين ومائة. ومات سنة سبعين ومائتين. روى له أبو داود والنسائى (قوله أخبرني أبى) هو الوليد ابن مزيد أبو العباس. روى عن الأوزاعي وعثمان بن عطاء ومقاتل بن سليمان وغيرهم. وعنه ابنه العباس ودحيم وأبو مسهر وهشام بن إسماعيل وآخرون. قال الأوزاعى عليكم بكتب الوليد فإنها صحيحة وما عرض على كتاب أصح من كتبه ووثقه دحيم وأبو مسهر والحاكم وأبو داود وابن حبان ومسلمة وقال الدارقطني ثقة ثبت وقال النسائى لا يخطئُ ولا يدلس. قيل مات سنة سبع وثمانين ومائة. روى له أبو داود والنسائى (قوله عمر يعنى ابن عبد الواحد) بن قيس أبو حفص السلمى الدمشقي. روى عن الأوزاعى وعبد الرحمن بن يزيد والنعمان بن المنذر ومالك بن أنس وغيرهم. وعنه محمود بن خالد وإسحاق بن راهويه وهشام بن عمار والوليد بن عتبة وآخرون وثقه ابن سعد والعجلى وإبراهيم بن يوسف ودحيم وأحمد بن عبد الله وابن حبان. ولد سنة ثماني عشرة ومائة. ومات سنة مائتين أو إحدى ومائتين (قوله الأوزاعي) هو عبد الرحمن بن عمرو (قوله المعنى) أى أن أحاديث هؤلاء متفقة في المعنى وإن اختلفت ألفاظها (قوله أنبئت) بالبناء للمجهول أى أخبرت ولم يذكر من أخبره ولعله محمد بن عجلان كما في الرواية الآتية ورواية الطحاوى (قوله عن أبيه) هو أبو سعيد كيسان بن سعيد المدنى المقبرى (معنى الحديث) (قوله إذا وطئَ الخ) بفتح الواو وكسر الطاء أى إذا داس بنعله النجاسة والنعل مؤنثة وجمعها أنعل ونعال. وقوله فإن التراب الخ علة لمحذوف جواب إذا أى فليدلكه بالأرض فإن التراب مطهر له (وظاهر) الحديث يدلّ على أن النعل إذا أصابتها نجاسة ولو رطبة تطهر بدلكها بالأرض ومثلها الخفّ وإلى ذلك ذهب الأوزاعي وأبو يوسف والظاهرية وأبو ثور وإسحاق وأحمد في رواية وهو قول الشافعي في القديم (قال) البغوى في شرح السنة ذهب أكثر أهل العلم إلى ظاهر الحديث وقالوا إذا أصاب أكثر الخفّ أو النعل نجاسة فدلكها بالأرض حتى ذهب أثرها فهو طاهر وجازت الصلاة فيه وبه قال الشافعى في القديم اهـ (وقال) الدهلوى النعل والخفّ يطهران من النجاسة التي لها جرم بالدلك لأنه جسم صلب لا يتخلل فيه النجاسة والظاهر أنه عام في الرطبة واليابسة اهـ ويدلّ لهم على التعميم أيضا ما رواه أحمد عن أبى سعيد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما فإن رأى خبثا فليمسحه بالأرض ثم ليصلّ فيهما. سيأتي نحوه للمصنف في باب الصلاة، في النعل لأن الخبث يطلق على كل مستخبث (وذهبت) العترة ومحمد إلى أنه لا يطهر بالدلك مطلقا وبه قال مالك

وزفر والشافعى في الجديد وقالوا لا بدّ فيه من الغسل بالماء ويؤولون حديث الباب على أن الوطء على نجاسة يابسة فيعلق شيء منها ويزول بالدلك كما أولوا حديث أم سلمة المتقدم. لكن قال التوربشتي بين الحديثين بون بعيد لأن حديث أم سلمة على ظاهره يخالف الإجماع على أن الثوب لا تطهر إلا بالغسل بخلاف الخفّ وما في معناه فإن جماعة من التابعين ذهبوا إلى أن الدلك يطهره على أن حديث أبو هريرة حسن لم يطعن فيه وحديث أم سلمة مطعون فيه لأن ممن يرويه أم ولد لإبراهيم وهي مجهولة اهـ (وبهذا) تعلم أن الحديث حجة عليهم (وذهب) بعض العلماء إلى أن النعل تطهر بالدلك إذا كانت النجاسة جافة لا رطبة وقالوا إن الحديث محتمل لهما فتعين الموافق للقياس وهى الجافة (وقال) أبو حنيفة المراد بالأذى النجاسة العينية اليابسة لأن الرطبة تزداد بالمسح بالأرض انتشارا وتلوّثا (قال) العينى "فإن قيل" الحديث مطلق فلم قيده أبو حنيفة بقوله النجاسة العينية أى التي لها جرم "قلت" التي لا جرم لها خرجت بالتعليل وهو قوله فإن التراب له طهور أى يزيل نجاسته ونحن نعلم يقينا أن النعل أو الخفّ إذا تشرّب البول أو الخمر لا يزيله المسح ولا يخرجه من أجزاء الجلد فكان إطلاق الحديث مصروفا إلى الأذى الذى يقبل الإزالة بالمسح حتى أن البول أو الخمر لو استجسد بالرمل أو التراب فجفّ فإنه يطهر أيضا بالمسح على ما قال شمس الأئمة وهو الصحيح اهـ (والظاهر) ما ذهب إليه الأوّلون من عدم الفرق بين الرطبة واليابسة والعينية وغيرها أخذا بظاهر الأحاديث. ودعوى التخصيص بالجافة أو العينية لا دليل عليها (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن التراب يطهر ما في النعل من النجاسة وقد علمت ما فيه من الخلاف والتفصيل (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن السكن والبيهقى والحاكم (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ يَعْنِي الصَّنْعَانِيَّ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ قَالَ: «إِذَا وَطِئَ الْأَذَى بِخُفَّيْهِ، فَطَهُورُهُمَا التُّرَابُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله أحمد بن إبراهيم) بن كثير بن زيد الدورقى أبو عبد الله البغدادى روى عن حفص بن غياث وهشيم ويزيد بن هارون وإسماعيل بن علية. وعنه مسلم وأبو داود والترمذى وابن ماجه ويعقوب بن شيبة. قال أبو حاتم صدوق وقال الخليلى ثقة متفق عليه ووثقه العقيلى وابن حبان. توفى سنة ست وأربعين ومائتين (قوله محمد بن كثير) بن أبى عطاء أبو يوسف الثقفى مولاهم نزيل المصيصة. روى عن معمر بن راشد والأوزاعي والسفيانين

وحماد بن سلمة وآخرين. وعنه أحمد بن إبراهيم وإسحاق بن منصور والحسن بن الربيع والحسن ابن الصباح وغيرهم. ضعفه أحمد وقال ابن معين كان صدوقا في روايته ثقة وقال ابن سعد كان ثقة ويذكر أنه اختلط في آخر عمره وقال أبو داود لم يكن يفهم الحديث وقال صالح بن محمد والساجى صدوق كثير الغلط وقال الحاكم ليس بالقوى وقال النسائى ليس بالقوى كثير الخطأ وقال ابن عدىّ له أحاديث لا يتابعه عليها أحد وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئُ ويغرب، توفي سنة ست عشرة ومائتين (قوله يعنى الصنعانى) نسبة إلى صنعاء على غير قياس. والعناية من المصنف (قوله بمعناه) أى حدّث محمد بن كثير ما ذكره المصنف عن الأوزاعي بمعنى ما حدث به عنه المغيرة والوليد بن مزيد وعمر بن عبد الواحد في الحديث السابق. ولفظ حديث محمد بن كثير ما ذكره المصنف بقوله قال إذا وطئَ الأذى الخ وتقدّم شرحه وفقهه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الطحاوى في شرح معانى الآثار بلفظ إذا وطئَ أحدكم الأذى بخفيه أو بنعليه فطهورهما التراب. ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك واختلف في وصله وإرساله ورجح أبو حاتم في العلل الوصل. وقال النووى رواه أبو داود بإسناد صحيح ولا يلتفت إلى قول ابن القطان هذا حديث رواه أبو داود من طريق لا نظن بها الصحة اهـ ومحمد بن كثير وإن ضعف لكن تابعه أبو المغيرة والوليد بن مزيد وعمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي وكلهم ثقات. ومحمد بن عجلان وإن ضعفه بعضهم لكن الأكثر على توثيقه (ص) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، نَا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ عَائِذٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ حَمْزَةَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ، قَالَ أَخْبَرَنِي أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ (ش) غرض المصنف بسياق هذا الطريق وما قبله بيان أن أصحاب الأوزاعي اختلفوا عليه فأبو المغيرة عبد القدوس والوليد بن مزيد وعمر بن عبد الواحد رووا الحديث عن الأوزاعي قال أنبئت أن سعيد بن أبي سعيد المقبرى حدث عن أبيه عن أبى هريرة. كما في الطريق الأول ورواه محمد بن كثير عن الأوزاعي عن محمد بن عجلان عن سعد عن أبيه عن أبى هريرة أيضا كما في الطريق الثاني ورواه يحيى بن حمزة عن الأوزاعي عن محمد بن الوليد عن سعيد عن القعقاع عن عائشة (رجال الحديث) (قوله محمد يعنى ابن عائذ) بن عبد الرحمن بن عبد الله أبو أحمد أو أبو عبد الله. روى عن يحيى بن حمزة والوليد بن مسلم وإسماعيل بن عياش وأبى مسهر

باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب يعني إعادة الصلاة

وغيرهم. وعنه أبو زرعة ويعقوب بن سفيان وأبو داود والنسائى وقال لا بأس به ووثقه ابن حبان وابن معين وقال دحيم صدوق وقال صالح بن محمد ثقة إلا أنه قدرى. ولد سنة خمسين ومائة. وتوفي سنة أربع وثلاثين ومائتين وله ثلاث وثمانون سنة. والعناية من المصنف (قوله يحيى يعنى ابن حمزة) بن واقد الحضرمى أبو عبد الرحمن الدمشقى. روى عن محمد بن الوليد والأوزاعى وزيد بن واقد وعبد الرحمن بن يزيد. وعنه ابن المبارك وابن مهدى والوليد بن مسلم ومحمد بن غائذ وغيرهم. قال أبو حاتم كان صدوقا ووثقه ابن معين وأبو داود والنسائى وابن حبان والعجلى ويعقوب بن شيبة وقال ابن سعد كان كثير الحديث صالحه وقال أحمد لا بأس به. ولد سنة ثلاث ومائة. ومات سنة ثلاث وثمانين ومائة. روى له الجماعة. والعناية من شيخ المصنف (قوله أخبرني أيضا الخ) هكذا في جميع النسخ بزيادة لفظ أيضا أى قال محمد بن الوليد أخبرنى سعيد عن القعقاع بن حكيم عن عائشة كما أخبر سعيد ابن عجلان به عن أبيه عن أبى هريرة. ويحتمل أن يكون المعنى قال محمد بن الوليد أخبرني أيضا بالحديث سعيد بن أبى سعيد كما أخبرنى غيره عن القعقاع بن حكيم عن عائشة. وقيل إن المعنى قال محمد بن الوليد أخبرنى سعيد بن أبى سعيد عن القعقاع عن عائشة كما أخبرنى سعيد عن أبيه عن أبى هريرة (قوله بمعناه) أى بمعنى الحديث الأول وروى لفظه ابن عدى في الكامل عن عبد الله بن زياد بن سمعان القرشي عن سعيد المقبرى عن القعقاع بن حكيم عن أبيه عن عائشة قالت سألت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الرجل يطأ بنعليه في الأذى قال التراب لهما طهور قال الدارقطنى مدار الحديث على ابن سمعان وهو ضعيف. وقال مالك كذاب، وقال أحمد متروك الحديث (باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب) أى في بيان إعادة الصلاة من النجاسة التي تكون في الثوب ولم يعلم بها صاحبها أهي مطلوبة أم لا (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، نَا أَبُو مَعْمَرٍ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَتْنَا أُمُّ يُونُسَ بِنْتُ شَدَّادٍ قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي حَمَاتِي أُمُّ جَحْدَرٍ الْعَامِرِيَّةُ، أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ عَنْ دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَتْ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَعَلَيْنَا شِعَارُنَا، وَقَدْ أَلْقَيْنَا فَوْقَهُ كِسَاءً، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَخَذَ الْكِسَاءَ فَلَبِسَهُ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْغَدَاةَ، ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ لُمْعَةٌ

مِنْ دَمٍ، فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ عَلَى مَا يَلِيهَا، فَبَعَثَ بِهَا إِلَيَّ مَصْرُورَةً فِي يَدِ الْغُلَامِ فَقَالَ: «اغْسِلِي هَذِهِ وَأَجِفِّيهَا وأَرْسِلِي بِهَا إِلَيَّ». فَدَعَوْتُ بِقَصْعَتِي فَغَسَلْتُهَا، ثُمَّ أَجْفَفْتُهَا فَأَحَرْتُهَا إِلَيْهِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِنِصْفِ النَّهَارِ وَهِيَ عَلَيْهِ (ش) مناسبة الحديث للترجمة أنه لم يذكر فيه أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أعاد الصلاة بتلك اللمعة ولو أعادها لنقل فعلم بهذا أن القليل من النجاسة إذا أصابت الثوب لا تعاد الصلاة من أجله (رجال الحديث) (قوله أبو معمر) هو عبد الله بن عمرو. و (عبد الوارث) بن سعيد العنبرى (قوله أم يونس بنت شداد) روت عن أم جحدر. وعنها عبد الوارث بن سعيد. قال الذهبى والحافظ في التقريب لا يعرف حالها. روى لها أبو داود (قوله حدثتنى حماتي) أى أم زوجى ويطلق الحم أيضا على كل قريب الزوج مثل الأب والأخ والعمّ وأما أقارب الزوجة فهم الأختان هكذا فسر بعض أهل اللغة. وقال ابن فارس الحم أبو الزوج وأبو امرأة الرجل اهـ فعلى هذا يكون الحم من الجانبين كالصهر (قوله أم جحدر) بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة (العامرية) روت عن عائشة. وعنها أم يونس بنت شداد. قال الذهبى والحافظ في التقريب لا يعرف حالها (معنى الحديث) (قوله فصلى الغداة الخ) أى صلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم صلاة الصبح ثم جلس بعد الفراغ منها ليعلم القوم ما يحتاجون إليه وليقصوا عليه ما عندهم من الرؤيا كما كانت عادته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. واللمعة بضم اللام وسكون الميم هي في الأصل قطعة من نبات إذا أخذت في اليبس ثم استعملت في كل لون يبدو بين ألوان أخر (قوله فبعث بها) أى بالثوب الذى فيه اللمعة، وعدّاه بحرف الجرّ لأن كل شيء لا ينبعث بنفسه يتعدى إليه الفعل بالباء بخلاف ما ينبعث بنفسه فإنه يتعدى إليه بنفسه (قوله مصرورة) أى مجموعة مشدودة والصرّ الجمع والشدّ وكل شيء جمعته فقد صررته ومنه قيل للأسير مصرور لأن يديه جمعتا إلى عنقه (قوله وأجفيها) أى يبسى اللمعة الواقعة في الثوب وهو أمر من الإجفاف وثلاثيه جفّ من باب ضرب وفى لغة من باب تعب يقال جفّ الثوب يجفّ جفافا وجفوفا يبس (قوله فأحرتها) بالحاء المهملة والراء أى رددتها يقال حار الشئ يحور أى رجع قال الله تعالى "إنه ظنّ أن لن يحور" أى لن يرجع الينا بالبعث يوم القيامة للحساب، وفي نسخة فأخرجتها (قوله وهي عليه) أى والحال

مذاهب العلماء في إزالة النجاسة هل هي شرط في صحة الصلاة

أن الكساء الذى كانت فيه اللمعة على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وفي بعض النسخ وهو عليه والتذكير باعتبار المذكور أو باعتبار الكساء (وليس في هذا) الحديث ما يدل على أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أعاد الصلاة التي صلاها في الكساء المتنجس بالدم وغاية ما فيه أنه يدلّ على تجنب المصلى للثوب المتنجس وعلى العفو عما لا يعلم من النجاسة فلا يصلح أن يكون حجة لمن قال إن إزالة النجاسة شرط في صحة الصلاة، نعم فيه الأمر بإزالة النجاسة وهو لا يستلزم الشرطية (واختلف) في إزالة النجاسة أهى شرط في صحة الصلاة أم لا فذهب ابن عباس وابن مسعود وسعيد بن جبير ومالك في أحد قوليه والشافعى في القديم إلى أنها غير شرط (وذهب) الأكثرون إلى أنها شرط واستدلوا بقوله تعالى "وثيابك فطهر" قالوا المراد طهرها للصلاة للإجماع على أنه لا وجوب في غيرها، لكن لا يخفى أن غاية ما يستفاد من الآية الوجوب عند من جعل الأمر حقيقة فيه، والوجوب لا يستلزم الشرطية لأن كون الشئ شرطا حكم شرعي وضعى لا يثبت إلا بتصريح من الشارع بأنه شرط أو بتعليق الفعل به بأداة الشرط أو بنفي الفعل بدونه نفيا متوجها إلى الصحة لا إلى الكمال أو بنفى الثمرة ولا يثبت بمجرّد الأمر به (قال) في النيل قد أجاب صاحب ضوء النهار عن الاستدلال بالآية بأنها مطلقة وقد حملها القائلون بالشرطية على الندب في الجملة فأين دليل الوجوب في المقيد وهو الصلاة وفيه أنهم لم يحملوها على الندب بل صرّحوا بأنها مقتضية للوجوب في الجملة لكنه قام الإجماع على عدم الوجوب في غير الصلاة فكان صارفا عن اقتضاء الوجوب فيما عدا المقيد اهـ واستدلوا أيضا بما سيأتى للمصنف عن أبى سعيد الخدرى قال بينما رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم فلما قضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاته قال ما حملكم على إلقائكم نعالكم قالوا رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا وقال إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه وليصلّ فيهما، وغاية ما فيه الأمر بمسح النعل وقد عرفت أنه لا يستلزم الشرطية على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بني على ما كان قد صلى قبل الخلع ولو كانت طهارة الثياب ونحوها شرطا لوجب عليه الاستئناف لأن الشرط يؤثر عدمه في عدم المشروط، وعلى أن هذا الحديث قد اختلف في وصله وإرساله ورواه الحاكم عن أنس وابن مسعود ورواه الدارقطني عن ابن عباس وعبد الله بن الشخير ورواه البزار عن أبى هريرة بأسانيد فيها ضعف كما قاله الحافظ في التلخيص، واستدلوا بأحاديث أخر لا تفيد الشرطية كحديث تعذيب من لم يستنزه من البول وحديث الأمر بغسل المذى لأنها أوامر وهي لا تدل على الشرطية التي هي محل النزاع

باب البزاق يصيب الثوب

"ولا يقال" يمكن الاستدلال بالأوامر المذكورة على الشرطية لأن الأمر بالشئ نهى عن ضدّه وإن النهى يقتضى الفساد "لأن" ها هنا مانعا يمنع من الاستدلال بها على الشرطية وهو عدم إعادته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للصلاة التى صلاها في الكساء المتنجس بالدم وعدم استئنافه الصلاة التى خلع النعلين فيها فبناؤه على ما فعله من الصلاة دليل على عدم الشرطية على أن في هاتين المسألتين خلافا عند الأصوليين (وبهذا) تعلم أن ما استدل به الأكثرون حجة عليهم لا لهم وأن الراجح أن إزالة النجاسة غير شرط في صحة الصلاة (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز قرب الرجل من زوجه الحائض، وعلى مشروعية تنبيه الغير على إصلاح ما لا يوافق، وعلى أنه يطلب قبول الإرشاد من الغير إلى ما فيه مصلحة. وعلى طلب المبادرة إلى إزالة النجاسة، وعلى مشروعية خدمة المرأة لزوجها، وعلى جواز الاقتصار على غسل موضع النجاسة من الثوب، وعلى مزيد تواضع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعظيم خلقه (باب البزاق يصيب الثوب) أى في بيان حكم البزاق الذى يكون في الثوب أى والبدن ونحوهما أيبطل الصلاة أم لا وفي بعض النسخ باب في البزاق يصيب الثوب، وذكر هذا الباب في أبواب الطهارة لأن البزاق لا ينجس الماء لو خالطه فكذلك لا ينجس الثوب إذا أصابه. والبزاق بضم الموحدة ما يخرج من الفم وفيه ثلاث لغات بالزاى والصاد والسين والأوليان مشهورتان (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، أَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: «بَزَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي ثَوْبِهِ، وَحَكَّ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ». (ش) (رجال الحديث) (قوله حماد) بن سلمة (قوله عن أبى نضرة) هو المنذر بن مالك بن قطعة بضم القاف وفتح الطاء المهملة كما في التقريب أو بكسر القاف وسكون الطاء كما في الخلاصة العبدى. روى عن على وابن عباس وأبى موسى وأبى ذرّ وأنس وغيرهم. وعنه سليمان التيمى وعبد العزيز بن صهيب وحميد الطويل وقتادة وعاصم الأحول وكثيرون. وثقه ابن معين والنسائى وابن سعد وأحمد وأبو زرعة وأبن حبان وقال كان يخطئُ وهو من فصحاء الناس. مات سنة ثمان أو تسع ومائة. روى له الجماعة إلا البخارى (معنى الحديث) (قوله بزق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى أخرج من فمه شيئا من اللعاب وهو في الصلاة رواه أبو نعيم من طريق الفريابى بلفظ بزق

الخلاف في طهارة البزاق

رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ثوبه وهو في الصلاة (وفيه دلالة) على طهارة البزاق مطلقا خلافا لمن قال بنجاسته مطلقا ولمن فرق بين مفارقته الفم وعدم مفارقته (قال) العينى قال ابن بطال طهارة البزاق أمس مجمع عليه لا نعلم فيه خلافا إلا ما روى عن سلمان أنه جعله غير طاهر وأن الحسن بن حييّ كرهه في الثوب (وعن) الأوزاعي أنه كره أن يدخل سواكه في وضوئه، وذكر ابن أبى شيبة أيضا في مصنفه أنه ليس بطاهر، وقال ابن حزم صح عن سلمان الفارسى وإبراهيم النخعى أن اللعاب نجس إذا فارق الفم، وقال بعض الشراح وما ثبت عن الشارع من خلافهم فهو المتبع والحجة البالغة فلا معنى لقول من خالف. وقد أمر الشارع المصلى أنه يبزق عن شماله أو تحت قدميه وبزق الشارع في طرف ردائه ثم ردّ بعضه على بعض وقال أو تفعل هكذا وهذا ظاهر في طهارته لأنه لا يجوز أن يقوم المصلى على نجاسة ولا أن يصلى وفى ثوبه نجاسة "قلت" أما بصاق النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فهو أطيب من كل طيب وأطهر من كل طاهر وأما بصاق غيره فينبغى أن يكون بالتفصيل وهو أن البزاق طاهر إذا كان من فم طاهر وأما إذا كان من فم من يشرب الخمر فينبغى أن يكون نجسا في حالة شربه لأن سؤره في ذلك الوقت نجس فكذلك بصاقه وكذا إذا كان من فم من في فمه جراحة أو دمل يخرج منه دم أو قيح. ثم إذا حكم بطهارة البزاق على الوجه الذى ذكرناه يعلم منه أنه إذا وقع شئ منه في الماء لا ينجسه ويجوز الوضوء منه وكذا إذا وقع في الطعام لا يفسده غير أن بعض الطباع يستقذر ذلك فلا يخلو عن الكراهة اهـ (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ (ش) ساق المصنف هذه الرواية لتقوية الرواية السابقة المرسلة فإن أبا نضرة تابعى لم يدرك النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد أخرج هذه الرواية البخاري من طريق سفيان عن حميد عن أنس قال بزق النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ثوبه قال أبو عبد الله "يعنى البخارى" طوّله ابن أبى مريم قال أخبرنا يحيى بن أيوب قال حدثنى حميد قال سمعت أنسا عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ وفى تصريح حميد بالسماع من أنس ردّ لقول يحيى القطان عن حماد بن سلمة حديث حميد عن أنس في البزاق إنما سمعه من ثابت عن أبى نضرة فظهر أن حميدا لم يدلس فيه اهـ من الفتح (قوله بمثله) أى بمثل حديث أبى نضرة المتقدم، ولفظه عند النسائى من طريق إسماعيل عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخذ طرف ردائه فبصق فيه فردّ بعضه على بعض. تقدم شرحه وفقهه

كتاب الصلاة

ولما فرغ من الطهارة بأنواعها التى هي شرط ووسيلة شرع في بيان الصلاة التي هي مشروط ومقصود فقال: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (كتاب الصلاة) أى هذا كتاب في بيان أحكام الصلاة وما يتعلق بها. والصلاة في اللغة قيل هى الدعاء خاصة ومنه قوله تعالى "وصلّ عليهم" أى ادع لهم ثم سمى بها الأفعال المعلومة لاشتمالها على الدعاء، وهل سبيله النقل حتى تكون الصلاة حقيقة شرعية في هذه الأفعال مجازا لغويا في الدعاء لأن النقل في اللغات كالنسخ في الأحكام أو يقال استعمال اللفظ في المنقول إليه مجاز راجح وفي المنقول عنه حقيقة مرجوحة فيه خلاف عند الأصوليين. وقيل هي في اللغة مشتركة بين الدعاء والتعظيم والرحمة والبركة. وفي الشرع أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم والصلاة اسم وضع موضع المصدر يقال صليت صلاة ولا يقال صليت تصلية وإن كان هو القياس لإيهامه الإحراق. واختلف في اشتقاقها فقيل مشتقة من الصلويين بفتح الصاد واللام وهما العظمان الناتئان عند العجيزة ولذا تكتب بالواو. وقيل إنها مشتقة من الصلة لأنها توصل العبد وتقرّبه من رحمة ربه وعلى هذا فيكون أصلها وصلة فدخلها القلب المكانى فصارت صلوة تحرّكت الواو وانفتح ما قبلها فصارت صلاة. وقيل مأخوذة من صليت العود أى قوّمته بالنار لأنها تحمل الإنسان على الاستقامة وتنهاه عن الفحشاء (وهي ثابتة) بالكتاب والسنة وإجماع الأمه قال الله تعالى "وأقيموا الصلاة" وقال "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا" أى مفروضا مقدّرا وقتها فلا تؤخر عنه (وقال) رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لمعاذ حين أرسله إلى اليمن إنك ستأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله تعالى قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة "الحديث" رواه الستة من حديث ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما (وقد انعقد) الإجماع على فرضيتها فيكفر منكرها فيقتل، أما تاركها كسلا مع اعتقاد فرضيتها (فقالت) الحنفية يفسق فيحبس ويضرب حتى يؤديها أو يموت (وقالت) المالكية يؤخر إلى آخر الوقت الضرورى فإن أداها خلى سبيله وإلا قتل حدّا (وقالت) الشافعية يؤخر إلى آخر وقتها حتى وقت العذر ثم يستتاب ندبا أو وجوبا فإن تاب وصلى خلى سبيله وإلا قتل حدّا. ولا يقتل لترك الظهر والعصر حتى تغرب الشمس ولا لترك المغرب والعشاء حتى يطلع الفجر ويقتل في الصبح بطلوع الشمس بشرط

ابتداء فرضية الصلاة وحكمة مشروعيتها

مطالبته بالأداء في الوقت إذا ضاق ويتوعد بالقتل إن أخرها عنه (وقالت) الحنابلة من ترك الصلاة كسلا دعاه إمام أو نائبه إلى فعلها فإن امتنع حتى تضايق وقت التي بعدها وجب قتله لكن لا يقتل حتى يستتاب ثلاثة أيام كالتارك لها جحدا فإن تاب بفعلها خلى سبيله وإلا ضرب عنقه كفرا لقول الله تعالى "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم" ومن ترك الصلاة لم يأت بشرط التخلية فيبقي على إباحة القتل، ولما رواه مسلم عن جابر أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة، ولما رواه أحمد وابن ماجه والنسائى والترمذى وصححه عن بريدة قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول العهد الذى بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر، ولما رواه الطبرانى عن عبادة مرفوعا من ترك الصلاة متعمدا فقد خرج من الملة (وفرضت) ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف، فرضت أولا خمسين فعن أنس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال فرضت على النبى صلى الله عليه وآله وسلم ليلة أسرى به الصلاة خمسين ثم نقصت حتى جعلت خمسا ثم نودى يا محمد إنه لا يبدّل القول لديّ وإن لك بهذه الخمس خمسين رواه الشيخان والترمذى والنسائى (وحكمة) مشروعيتها شكر المنعم وتكفير الذنوب بأدائها "فعن" أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرّات ما تقولون يبقى ذلك من درنه شيئا قالوا لا يبقى ذلك من درنه شيئا قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا رواه الشيخان (وثمرة) أدائها سقوط الطلب في الدنيا ونيل الثواب في العقبى والبعد عن المخالفات قال الله تعالى "إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا" وقال تعالى "وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" وعن أبى أمامة الباهلىّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال اتقوا الله وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم رواه البيهقي والترمذى وقال حسن صحيح (والسبب) الحقيقى لافتراضها إيجاب الله تعالى في الأزل لكن لما كان مغيبا عنا جعل الله تعالى لها أسبابا ظاهرية تيسيرا وهي الأوقات قال تعالى "أقم الصلاة لدلوك الشمس" أى زوالها يعنى الظهر وقال "وأقم الصلاة طرفى النهار" يعنى العصر والصبح "وزلفا من الليل" يعنى المغرب والعشاء وقد بينها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حديث أمنى جبريل الآتى. ولما كانت الصلاة أصل كل خير اهتمّ الشارع ببيان فضلها وتعيين أوقاتها وشروطها وأركانها وآدابها ورخصها ونوافلها اهتماما عظيما لم يكن مثله في سائر أنواع الطاعات وجعلها من أعظم شعائر الدين

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ: حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ». قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: «لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ». قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ». قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: «لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ». قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ الصَّدَقَةَ. قَالَ: فَهَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لَا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ». فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ». (ش) (رجال الحديث) (قوله عن أبى سهيل) وفى نسخة عن عمه أبى سهيل هو نافع ابن مالك بن أبي أبى عامر الأصبحى التيمى المدنى. روى عن أنس وابن عمر وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب وآخرين. وعنه الزهرى ومالك وإسماعيل ومحمد ابنا جعفر وجماعة وثقه أحمد وابن حبان وأبو حاتم والنسائى وقال ابن خراش كان صدوقا. روى له الجماعة (قوله عن أبيه) هو مالك بن عامر ويقال ابن أبى عامر أبو عطية الوداعي الكوفي الهمدانى. روى عن ابن مسعود وعائشة وعمر وعثمان وطلحة وغيرهم. وعنه خيثمة بن عبد الرحمن ومحمد بن سيرين وعمارة بن عمير والأعمش وآخرون، وثقه ابن معين والنسائى وابن سعد وابن حبان. روى له الجماعة (قوله طلحة بن عبيد الله) بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب بن لؤى ابن غالب أبا محمد المدنى التيمى أحد العشرة المبشرين بالجنة. سماه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم طلحة الخير وطلحة الجود وطلحة الفياض، وكان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال ذاك يوم كله لطلحة، وسبب إسلامه ما رواه الحاكم من طريق الضحاك بن عثمان حدثه مخرمة بن سليمان الوالبي عن إبراهيم بن محمد بن طلحة قال قال لى طلحة بن عبيد الله حضرت سوق بصرى فإذا راهب في صومعته يقول سلوا أهل هذا الموسم أفيهم أحد من أهل الحرم قال طلحة قلت نعم أنا

فقال هل ظهر أحمد بعد قلت ومن أحمد قال ابن عبد الله بن عبد المطلب هذا شهره الذى يخرج فيه وهو آخر الأنبياء مخرجه من الحرم ومهاجره إلى نخل وحرّة وسباخ فإياك أن تسبق إليه قال طلحة فوفع في قلبي ما قال فخرجت سريعا حتى قدمت مكة فقلت هل كان من حدث قالوا نعم محمد ابن عبد الله الأمين تنبأ وقد تبعه ابن أبى قحافة قال فخرجت حتى دخلت على أبى بكر فقلت أتبعت هذا الرجل قال نعم فانطلق إليه فادخل عليه فاتبعه فإنه يدعو إلى الحق فأخبره طلحة بما قال الراهب فخرج أبو بكر بطلحة فدخل به على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأسلم طلحة وأخبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بما قال الراهب فسرّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلما أسلم أبو بكر وطلحة أخذهما نوفل بن خويلد بن العدوية فشدّهما في حبل واحد ولم يمنعهما بنو تميم وكان نوفل بن خويلد يدعى أسد قريش فلذلك سمى أبو بكر وطلحة القرينين، ولم يشهد طلحة بن عبيد الله بدرا وذلك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان وجَّهه وسعيد إبن زيد يتجسسان خبر العير فانصرفا وقد فرغ رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من قتال من لقيه من المشركين فلقياه فيما بين ظلل وسبالة على المحجة منصرفا من بدر، وشهد أحدا وغيرها من المشاهد مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وكان ممن ثبت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم أحد حين ولى الناس وبايعه على الموت، ورمى مالك بن زهير رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يومئذ فاتقى طلحة بيده وجه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأصاب خنصره فشلت فقال حسّ حسّ حين أصابته الرمية فذكر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لو قال بسم الله لدخل الجنة والناس ينظرون إليه "وحسّ بفتح المهملة وكسر السين المشدّدة كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه ما يؤلمه بغتة" وضرب طلحة يومئذ في رأسه رجل من المشركين ضربتين ضربة وهو مقبل وضربة وهو معرض عنه، وقال ابن إسحاق كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم أحد ينهض على صخرة من الجبل ليعلوها وكان قد ظاهر بين درعين فلما ذهب لينهض لم يستطع فجلس تحته طلحة فنهض حتى استوى عليها أخرجه أبو يعلى، روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وعنه بنوه الثلاثة يحيى وموسى وعيسى وقيس ابن أبى حازم والأحنف ومالك بن أبى عامر وأبو سلمة بن عبد الرحمن وآخرون (معنى الحديث) (قوله جاء رجل) هو ضمام بن ثعلبة أخو بنى سعد بن بكر لما أخرجه البخارى في باب القراءة والعرض على المحدّث عن شريك عن أنس قال بينما نحن جلوس في المسجد إذ دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد "الحديث" وفيه وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بنى سعد بن بكر (قوله من أهل نجد) هى قسم من بلاد العرب بين الحجاز والعراق. وأصل النجد كل ما ارتفع

حقيقة الإسلام والإيمان ومذاهب الأئمة فيهما

من الأرض وجمعه نجود مثل فلس وفلوس (قوله ثائر الرأس) أي منتشر الشعر غير مرجله وأسند الانتثار إلى الرأس مبالغة في شدته أو لأن الشعر ينبت منه. وهو مرفوع على أنه صفة لرجل ويجوز نصبه على الحال "ولا يقال" يجب تقديم الحال على صاحبها إذا كان نكرة وهنا لم يتقدم "لأن محله" إذا لم يكن موصوفا كما هنا فإنه موصوف بأنه من أهل نجد (قوله يسمع دويّ صوته الخ) روى يسمع ويفقه بالمثناة التحتية فيهما بالبناء للمجهول وبالنون المفتوحة بالبناء للفاعل وهي رواية مسلم قال النووى وهو أشهر وأكثر. ودوى الصوت بفتح الدال وكسر الواو وتشديد المثناة التحتية بعده في الهواء. وحكى صاحب المطالع ضم الدال أيضا. والأول أشهر. وقال في النهاية هو صوت غير عال كصوت النحل اهـ وقال الخطابى صوت مرتفع متكرّر لا يفهم اهـ وإنما كان كذلك لأنه نادى من بعد (قوله حتى دنا الخ) وفى نسخة حتى إذا دنا الخ أى قرب ذلك الرجل منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ففهم كلامه فإذا هو يسأل عن أركان الإسلام، فقوله عن الإسلام أى عن أركانه فهو على حذف مضاف بدليل الجواب ويحتمل أنه سأل عن حقيقة الإسلام لكنه بعيد لأن الجواب ينبغى أن يكون مطابقا للسؤال ولو كان السؤال عن نفس الإسلام لكان الجواب غير هذا لأن الصلوات الخمس وصيام رمضان ليست عين الإسلام وإنما هي أركانه وشرائعه كما ورد في حديث بنى الإسلام على خمس والمبنى غير المبي عليه "فإن قيل" إذا كان المراد بالإسلام أركانه فلم لم يذكر الحج "قيل" إن الحج لم يكن فرض في ذاك الوقت أو أن السائل إنما سأل عن الواجب عليه بقوله هل علىّ غيرهن فأجاب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بما عرف من حاله وهو أنه ممن لم يجب عليه الحج أو لأن الحج كان معلوما للسائل (والإسلام) لغة الانقياد. وشرعا الخضوع وقبول قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإن وجد معه اعتقاد وتصديق بالقلب فهو الإيمان وإلا فلا فالإيمان أخص من الإسلام وإطلاق أحدهما على الآخر جائز بطريق التجوّز. وهل الإيمان والإسلام متحدان أو متغايران وهل الإيمان يزيد وينقص فيه خلاف مشهور بين العلماء (وقد اختلفوا) في حقيقتهما، فقال الجمهور الإسلام هو الانقياد الظاهري والخضوع لما جاء به النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والإيمان هو التصديق الجازم بوجود الله تعالى متصفا بالكمالات منزّها عن النقائص وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبكل ما علم مجئ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم به بالضرورة (وقال) الشافعى الإيمان التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان. ونقل ذلك عن على ومالك وأحمد وأصحاب الحديث (قوله خمس صلوات) مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أى فرض الإسلام خمس صلوات أو مبتدأ محذوف الخبر أى عليك خمس صلوات (قوله إلا أن تطوّع) بتشديد الطاء

الخلاف في النوافل هل تلزم بالشروع فيها

المهملة أصله تتطوع فأدغمت إحدى التائين في الطاء ويحتمل أن يكون بتخفيف الطاء بحذف إحدى التائين (والاستثناء) فيه يجوز أن يكون منقطعا بمعنى لكن أي لكن يستحب لك أن تتطوّع واختاره الشافعية ولذا قالوا لا تلتزم النوافل بالشروع لكن يستحب إتمامها وإن الوتر ليس بواجب. والأصح كون الاستثناء متصلا لأنه الأصل واختاره الحنفية والمالكية. والمعنى إلا أن تشرع في التطوّع فيجب عليك إتمامه ويؤيه قوله تعالى "ولا تبطلوا أعمالكم" وقد اتف العلماء على أن حج التطوّع يلزم بالشروع فيه (قال) الطيبي الحديث متمسك لنا في أصلين "أحدهما" في شمول عدم الوجوب في غير ما ذكر في الحديث كعدم وجوب الوتر "والثانى" في أن الشروع غير ملزم لأنه نفي وجوب شئ آخر مطلقا شرع فيه أو لم يشرع وتمسك الخصم به على أن الشروع ملزم لأنه نفى وجوب شيء آخر إلا ما تطوّع به والاستثناء من النفي إثبات فيكون المثبت الاستثناء وجوب ما تطوّع به وهو المطلوب. وهذا مغالطة لأن هذا الاستثناء من وادى قوله تعالى "لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى" أي لا يجب شئ إلا أن تتطوّع وقد علم أن التطوّع ليس بواجب فلا يجب شئ آخر أصلا اهـ (قال) العيني في شرح البخارى أما الأول فلا نسلم شمول عدم الوجوب مطلقا بل الشمول بالنظر إلى تلك الحالة ووقت الإخبار والوتر لم يكن واجبا حينئذ يدلّ عليه أنه لم يذكر الحج والوتر مثله. وأما الثانى فليس من وادى قوله تعالى "لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى" على أن يكون المعنى لا يجب شئ إلا أن تطوّع بل معنى إلا أن تطوّع أن تشرع فيه فيصير واجبا كما يصير واجبا بالنذر. وقال بعضهم من قال إنه منقطع احتاج إلى دليل والدليل عليه ما روى النسائى وغيره أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان أحيانا ينوى صوم التطوّع ثم يفطر. وفى البخارى أنه أمر جويرية بنت الحارث أن تفطر يوم الجمعة بعد أن شرعت فيه فدلّ على أن الشروع في العبادة لا يستلزم الإتمام إذا كانت نافلة بهذا النص في الصوم وبالقياس في الباقى "قلت" من العجب أن هذا القائل لم يذكر الأحاديث الدالة على استلزام الشروع في العبادة الإتمام وعلى القضاء بالإفساد وقد روى أحمد في مسنده عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت أصبحت أنا وحفصة صائمتين فأهديت لنا شاة فأكلنا منها فدخل علينا النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخبرناه فقال صوما يوما مكانه. أمر بالقضاء والأمر للوجوب فدلّ على أن الشروع ملزم وأن القضاء بالإفساد واجب وروى الدارقطني عن أم سلمة أنها صامت يوما تطوّعا فأفطرت فأمرها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن تقضى يوما مكانه. وحديث النسائى لا يدلّ على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم ترك القضاء بعد الإفطار وإفطاره ربما كان عن عذر. وحديث جويرية إنما أمرها بالإفطار عند تحقق واحد من الأعذار كالضيافة. وكل ما جاء من أحاديث هذا الباب محمول على مثل هذا ولو وقع التعارض

بين الأخبار فالترجيح معنا لثلاثة أوجه "أحدها" إجماع الصحابة "والثانى" أن أحاديثنا مثبتة وأحاديثهم نافية والمثبت مقدّم "والثالث" أنه احتياط في العبادة اهـ (قوله وذكر له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصدقة) أى الزكاة الواجبة كما صرّح به في رواية الشيخين وكأن الراوى نسى اللفظ الذى قاله النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الزكاة والصوم فلذا قال وذكر له صيام شهر رمضان والصدقة وهذا يؤذن بأن مراعاة الألفاظ مشروطة في الرواية فإذا التبس عليه يشير إلى ما ينبئُ عنه كما فعل الراوى هنا (قوله أفلح إن صدق) أى فاز وظفر بالخير أن صدق في قوله. ولم يقل إذا صدق لأنه لم يجزم بصدقه. قيل هذا الفلاح راجع إلى قوله لا أنقص خاصة. والأظهر أنه عائد إلى المجموع بمعنى أنه إذا لم يزد ولم ينقص كان مفلحا لأنه أتى بما عليه ومن أتى بما عليه فهو مفلح وليس فيه أنه إذا أتى بزائد لا يكون مفلحا لأن هذا مما يعرف بالضرورة فإنه إذا أفلح بالواجب فقط يكون فلاحه بالواجب والمندوب أولى وأجدر "فإن قيل" كيف قال لا أزيد على هذا الخ وليس في هذا الحديث جميع الواجبات ولا المنهيات الشرعية ولا السنن المندوبة "قلنا" قد جاء في رواية البخارى في آخر هذا الحديث زيادة توضح المقصود وهي قوله فأخبره رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بشرائع الإسلام فأدبر الرجل وهو يقول لا أزيد ولا أنقص مما فرض الله علىّ شيئا. فعلى عموم قوله بشرائع الإسلام وقوله مما فرض الله يزول الإشكال في الفرائض. أما النوافل فقيل يحتمل أن هذا كان قبل شرعها. ويحتمل أنه أراد أن لا أزيد في الفرض بتغيير صفته كأنه يقول لا أصلى الظهر خمسا. ويحتمل أنه أراد أنه لا يصلى نافلة مع أنه لا يخلّ بشئ من الفرائض. ويحتمل أن يكون السائل رسول قومه فحلف أن لا أزيد في الإبلاغ على ما سمعت ولا أنقص في تبليغ ما سمعته منك إلى قومى. ويحتمل صدور هذا الكلام منه على سبيل المبالغة في التصديق والقبول أى قبلت قولك فيما سألتك عنه قبولا لا مزيد عليه من جهة السؤال ولا نقصان فيه من جهة القبول (قال) النووى اعلم أنه لم يأت في هذا الحديث ذكر الحج ولا جاء ذكره في حديث جبريل من رواية أبى هريرة وكذا غير هذا من هذه الأحاديث لم يذكر في بعضها الصوم ولم يذكر في بعضها الزكاة وذكر في بعضها صلة الرحم وفى بعضها أداء الخمس ولم يقع في بعضها ذكر الإيمان فتفاوتت هذه الأحاديث في عدد خصال الإيمان زيادة ونقصا وإثباتا وحذفا وقد أجاب القاضى عياض وغيره رحمهم الله تعالى عنها بجواب لخصه الشيخ أبو عمرو بن الصلاح وهذّبه فقال ليس هذا باختلاف صادر من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بل هو من تفاوت الرواة في الحفظ والضبط فمنهم من قصر فاقتصر على ما حفظه فأدّاه ولم يتعرّض لما زاده غيره بنفى ولا إثبات وإن كان اقتصاره على ذلك يشعر بأنه الكل فقد بان بما أتى به غيره من

ما دل عليه حديث طلحة بن عبيد الله من نسخ وجوب صلاة الليل وجواز الحلف من غير استحلاف إلى غير ذلك من الأحكام

الثقات أن ذلك ليس بالكل وأن اقتصاره عليه كان لقصور حفظه عن تمامه اهـ (أقول) الظاهر أن سبب الاختلاف في الجواب أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يجيب كل سائل بما يناسب حاله فعدم ذكر الصيام في بعض الأحاديث لأنه لم يأت وقته وعدم ذكر الحج لأنه لم يكن فرض وقتئذ وعدم ذكر الزكاة لفقر السائل (فقه الحديث) والحديث يدلّ على مشروعية السعى لمعرفة أحكام الدين. وعلى أن الصلاة ركن من أركان الإسلام، وعلى أنها خمس مرّات في اليوم والليلة. وعلى أن صيام رمضان وأداء الزكاة من أركان الإسلام، وعلى أن وجوب صلاة الليل منسوخ في حق الأمة واختلف في وجوبه في حقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والأصح نسخه (قال) ابن عبد البر قال جماعة من أهل العلم إن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يكن عليه صلاة مفروضة قبل الإسراء إلا ما كان أمر به من صلاة الليل على نحو قيام رمضان من غير توقيت ولا تحديد ركعات معلومات ولا لوقت محصور وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه وقام معه المسلمون نحوا من حول حتى شق عليهم ذلك فأنزل الله تعالى التوبة عنهم والتخفيف في ذلك ونسخه وحطه فضلا منه ورحمة فلم يبق من الصلاة فريضة إلا الخمس اهـ ودلّ الحديث أيضا على أن الوتر غير محتم الفعل، وعلى أن صلاة العيد ليست بفريضة خلافا لأبي سعيد الإصطخرى فإنها فرض كفاية عنده، وعلى أن صوم عاشوراء ونحوه ليس بواجب. وعلى أنه لا يجب في المال حق سوى الزكاة، وعلى أن من يأتى بهذه الخصال المذكورة في الحديث ويواظب عليها مع الصديق يكون من الفائزين، وعلى جواز الحلف بالله تعالى من غير استحلاف ولا ضرورة لأن الرجل حلف بحضرة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم ينكر عليه. وعلى صحة الاكتفاء بالاعتقاد من غير نظر ولا استدلال (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مالك والبخارى ومسلم والنسائى والبيهقى (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ نَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ بِإِسْنَادِهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ» (ش) غرض المصنف بسياق هذه الرواية بيان اختلاف الحديث فإن في حديث مالك أفلح إن صدق وفى حديث إسماعيل بن جعفر هذا زيادة لفظ وأبيه ولفظ دخل الجنة وأبيه إن صدق وهذه زيادة ثقة فهى مقبولة (قوله بإسناده) أى سند الحديث المتقدّم وهو عن أبيه عن طلحة

باب في المواقيت

(قوله (ص) قال أفلح وأبيه الخ) أى قال إسماعيل بن جعفر في روايته عمن ذكر عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أفلح وأبيه إن صدق (قال) الخطابى هذه كلمة جارية على ألسنة العرب تستعملها كثيرا في خطابها تريد بها التوكيد وقد نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يحلف الرجل بأبيه فيحتمل أن يكون هذا القول منه قبل النهى. ويحتمل أن يكون جرى ذلك منه على عادة الكلام الجارى على الألسن وهو لا يقصد به القسم كلغو اليمين المعفوّ عنه قال الله تعالى "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤخذكم بما كسبت قلوبكم" قالت عائشة هو قول الرجل في كلامه لا والله وبلى والله ونحو ذلك. وفيه وجه آخر وهو أن يكون صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أضمر فيه اسم الله تعالى كأنه قال لا وربّ أبيه. وإنما نهاهم عن ذلك لأنهم لم يكونوا يضمرون ذلك في أيمانهم وإنما كان مذهبهم في ذلك مذهب التعظيم لآبائهم اهـ (قوله دخل الجنة) أتى به بعد الفلاح لأنه ثمرته وأهمّ ما يقصد من الطاعات (باب في المواقيت) أى في بيان مواقيت الصلاة. وفي بعض النسخ باب ما جاء في المواقيت. وفي بعضها باب المواقيت. والمواقيت جمع ميقات بمعنى وقت. وقدم الكلام على الوقت لأنه سبب للصلاة وتتوقف صحتها على معرفته (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ فُلَانِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، قال أَبُو دَاوُدَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الحَارِثِ بْنِ العَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَتْ قَدْرَ الشِّرَاكِ، وَصَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، وَصَلَّى بِيَ يَعْنِي الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَصَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، وَصَلَّى بِيَ الْفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، وَصَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ، وَصَلَّى بِيَ الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَصَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ،

وَصَلَّى بِيَ الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ» ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ، وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله يحيى) القطان. و (سفيان) الثورى (قوله عبد الرحمن ابن الحارث بن العياش) بتشديد المثناة التحتية ابن عبد الله (بن أبى ربيعة) القرشي المخزومى أبو الحارث المدنى. روى عن الحسن البصرى وسليمان بن موسى وعمرو بن شعيب وزيد ابن على وآخرين. وعنه ابن المغيرة والثورى وسليمان بن بلال وعبد العزيز بن محمد وغيرهم قال ابن معين صالح وقال النسائى ليس بالقوى وذكره ابن حبان في الثقات وقال العجلي مدنى ثقة وقال أحمد متروك وضعفه على بن المدينى وقال ابن نمير لا أقدم على ترك حديثه وقال ابن سعد كان ثقة. ولد سنة ثمانين. ومات سنة ثلاث وأربعين ومائة، روى له الترمذى وأبو داود وابن ماجه (قوله حكيم بن حكيم) بن عباد بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة الأنصارى الأوسى. روى عن أبى أمامة ونافع بن جبير ومسعود بن الحكم والزهرى وغيرهم. وعنه عبد الرحمن بن الحارث وسهيل بن أبى صالح وعبد العزيز بن عبيد الله وجماعة. قال ابن سعد كان قليل الحديث ولا يحتجون بحديثه وقال العجلي وابن حبان ثقة وقال ابن القطان لا يعرف حاله روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه (قوله نافع بن جبير بن مطعم) بن عدى بن نوفل بن عبد مناف أبى محمد أو أبى عبد الله القرشى المدنى النوفلى. روى عن أبيه والعباس بن عبد المطلب وعلى بن أبي طالب والزبير بن العوّام وأبى هريرة وكثيرين. وعنه عروة بن الزبير وصالح بن كيسان وعمرو بن دينار والزهرى وغيرهم. وثقه أبو زرعة وابن سعد والعجلى وقال ابن خراش ثقة مشهور أحد الأئمة وذكره ابن حبان في الثقات وقال من خيار الناس (معنى الحديث) (قوله أمَّنى جبريل عند البيت) أى تقدم ليصل بى إماما عند الكعبة (قال) ابن عبد البر كانت إمامة جبريل له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في اليوم الذى يلى ليلة الإسراء "فقد" أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال قال نافع بن جبير وغيره لما أصبح النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الليلة التى أسرى به فيها لم يرعه إلا جبريل نزل حين زاغت الشمس فأمر فصيح بأصحابه الصلاة جامعة فاجتمعوا فصلى جبريل بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وصلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالناس وطوّل الركعتين الأوليين ثم قصر الباقيتين. ونودى بالصلاة جامعة لأن الأذان لم يكن شرع وقتئذ. وظاهره صحة الاقتداء بالمقتدى لأن الصحابة لم يشاهدوا جبريل وإلا لنقل ذلك. والأظهر دفعه بأن إمامة جبريل لم تكن على حقيقته بل على النسبة المجازية من دلالته بالإيماء والإشارة إلى كيفية أداء الأركان وكميتها

أقوال الفقهاء في الشفق الذي بغيبوبته يدخل وقت صلاة العشاء

كما يقع لبعض المعلمين حيث لم يكونوا في الصلاة ويعلمون غيرهم بالإشارة القولية، وجبريل ملك ينزل بالوحى على الأنبياء وهو مركب من كلمتين جبر بمعنى عبد وإيل بمعنى الله فمعناه عبد الله (قوله فصلى بى الظهر) إنما ابتدأ بالظهر مع أن فرض الصلاة كان ليلا فقياسه أن أول صلاة تؤدى هي الصبح لأن أول وقت الصبح فيه خفاء للغلس فلو وقع فيه ابتداء البيان لم يكن فيه من ظهور الكيفية ما في وقوعه وقت الظهر. ولأن فيه إشارة إلى أن دين صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سيظهر على الأديان كلها "وذكر" ابن أبى خيثمة عن الحسن إنه لما كان عند صلاة الظهر نودى أن الصلاة جامعة ففزع الناس فاجتمعوا إلى نبيهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصلى بهم الظهر أربع ركعات يؤمّ جبريل محمدا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويؤم محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الناس لا يسمعهم فيهن قراءة (قوله حين زالت الشمس الخ) أى حين مالت عن كبد السماء إلى جهة المغرب يسيرا وكانت قدر الشراك أى كان فيؤها قدر شراك النعل ففيه إطلاق السبب على المسبب لأن الشمس سبب في الفئ. ويؤيده رواية الترمذى فصلى الظهر في الأولى منهما حين كان الفئ مثل الشراك. والمراد منه أن وقت الظهر حين يأخذ الظل في الزيادة بعد الزوال. وشراك النعل أحد سيوره التى يكون على وجهها وليس هذا على التحديد بل على وجه التقرب وإلا فالمدار على تحقق زوال الشمس ولو كان الفئ جهة المشرق أقلّ من الشراك لأن الظلّ يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، وإنما يتبين ذلك في مثل مكة من البلاد التى يقلّ فيها الظلّ فإذا كان أطول النهار واستوت الشمس فوق الكعبة لم ير لشئ من جوانبها ظلّ فبمقدار قرب البلد من خط الاستواء يكون قصر الظلّ فيه وكلما بعد جهة الشمال كان الظلّ فيه طويلا (قوله حين كان ظله مثله) أى الشئ وفى بعض الروايات حين صار ظل كلّ شيء مثله أى بعد ظلّ الزوال. والظلّ في الأصل الستر يقال أنا في ظلّ فلان أى ستره (قال) في المصباح يذهب الناس إلى أن الظلّ والفئ بمعنى واحد وليس كذلك بل الظلّ يكون غدوة وعشية والفيء لا يكون إلا بعد الزوال فلا يقال لما قبل الزوال فيء وإنما سمى بعد الزّوال فيئا لأنه ظلّ فاء من جانب المغرب إلى جانب المشرق والفئ الرجوع (وقال) ابن السكيت الظلّ من الطلوع إلى الزوال والفئ من الزوال إلى الغروب اهـ (قوله حين أفطر الصائم) أى دخل وقت إفطاره بأن غابت الشمس ودخل الليل. وفى رواية حين وجبت الشمس وأفطر الصائم (قوله حين غاب الشفق) قيل هو البياض المعترض في الأفق لأنه من أثر النهار وبه قال أبو حنيفة وزفر وداود والمزنى واختاره المبرّد والفرّاء وهو قول أبى بكر الصدّيق وعائشة وأبى هريرة ومعاذ وأبىّ وابن الزبير والأوزاعى، وقيل هو الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة وهو المشهور في كتب اللغة وبه قال أبو يوسف ومحمد ومالك والشافعى وأحمد

مذاهب العلماء في وقت الظهر والعصر

والثورى وابن أبى ليلى وإسحاق بن راهويه وابن عمر وابن عباس وشدّاد بن أوس وعبادة بن الصامت وحكي عن مكحول وطاوس، وحكي عن أحمد أيضا أنه البياض في البنيان والحمرة في الصحارى، وقال بعضهم الشفق اسم للحمرة والبياض معا إلا أنه إنما يطلق على أحمر ليس بقان وأبيض ليس بناصع. وقال ابن الأثير الشفق من الأضداد يقع على الحمرة التى ترى في المغرب بعد مغيب الشمس وبه أخذ الشافعى. وعلى البياض الباقى في الأفق الغربى بعد الحمرة المذكورة وبه أخذ أبو حنيفة اهـ (قوله حين حرم الطعام) وهو أول طلوع الفجر الصادق (قوله صلى بى الظهر حين كان ظله مثله) وهو آخر وقت الظهر (وفى الحديث) دلالة على أن أول وقت الظهر الزوال ولا خلاف في ذلك يعتدّ به وآخره مصير ظلّ الشئ مثله (وقد اختلف) العلماء أيخرج وقت الظهر بمصير ظلّ الشيء مثله أم لا، فذهب الهادى ومالك وطائفة من العلماء إلى أنه يدخل وقت العصر ولا يخرج وقت الظهر وقالوا يبقى بعد ذلك قدر أربع ركعات صالحا للظهر والعصر أداء، واحتجوا بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصلى بى الظهر في اليوم الثانى حين صار ظل كل شئ مثله وصلى العصر في اليوم الأوّل حين صار ظلّ كل شيء مثله. وظاهره اشتراكهما في قدر أربع ركعات (وذهب) الشافعى والأكثرون إلى أنه لا اشتراك بين وقت الظهر ووقت العصر بل متى خرج وقت الظهر بمصير ظل الشئ مثله غير الظل الذى يكون عند الزوال دخل وقت العصر وإذا دخل وقت العصر لم يبق شيء من وقت الظهر، واحتجوا بحديث ابن عمرو بن العاصى عند مسلم مرفوعا بلفظ وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، وأجابوا عن حديث الباب بأن معناه فرغ من الظهر حين صار ظل كل شي مثله وشرع في العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شئ مثله فلا اشتراك بينهما (قال) النووى هذا التأويل متعين للجمع بين الأحاديث ولأنه إذا حمل على الاشتراك يكون آخر وقت الظهر مجهولا لأنه إذا ابتدأ بها حين صار ظل كل شئ مثله لم يعلم متى فرغ منها وحينئذ لا يحصل بيان حدود الأوقات وإذا حمل على ذلك التأويل حصل معرفة آخر الوقت وانتظمت الأحاديث على اتفاق اهـ (قال) أبو الطيب هذا تأويل حسن لو لم يعارضه ما رواه النسائى عن جابر أن جبريل أتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعلمه مواقيت الصلاة فتقدّم جبريل ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خلفه والناس خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصلى الظهر حين زالت الشمس وأتاه حين كان الظل مثل شخصه فصنع كما صنع فتقدم جبريل ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خلفه والناس خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصلى العصر "إلى أن قال" ثم أتاه في اليوم الثانى حين كان ظل الرجل مثل شخصه فصنع كما صنع بالأمس فصلى الظهر ثم أتاه جبريل

حين كان ظلّ الرجل مثلى شخصه فصنع كما صنع بالأمس فصلى العصر. فهذا صريح في أنه تقدم للإمامة للظهر في اليوم الثانى بعد صيرورة ظل الرجل مثل شخصه كما صنع في العصر في اليوم الأول اهـ (وقال) الباجى إن آخر وقت الظهر إذا كملت القامة بأن صار ظل كل شئ مثله وهو بنفسه أول وقت العصر فيقع الاشتراك بين الوقتين ما دام ظل كل شئ مثله فإذا تبينت الزيادة خرج وقت الظهر وانفرد وقت العصر هذا الذى حكاه أشهب عن مالك في المجموعة وقاله أبو محمد بن نصر وهو الصواب اهـ (قال) الخطابى اعتمد الشافعى هذا الحديث وعوّل عليه في بيان مواقيت الصلاة وقد اختلف أهل العلم في القول بظاهره فقالت به طائفة وعدل آخرون عن القول ببعض ما فيه إلى حديث آخر وإلى سنة سنها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بعض المواقيت لما هاجر إلى المدينة قالوا وإنما يؤخذ بالأخير من أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وممن) قال بظاهر حديث ابن عباس بتوقيت أول صلاة الظهر وآخرها مالك وسفيان الثورى والشافعى وأحمد وبه قال أبو يوسف ومحمد (وقال) أبو حنيفة آخر وقت الظهر إذا صار الظل قامتين (وقال) ابن المبارك وإسحاق بن راهويه آخر وقت الظهر أول وقت العصر واحتجا بما في الرواية الآتية أنه صلى الظهر من اليوم الثانى في الوقت الذى صلى فيه العصر من اليوم الأول (وقد) نسب هذا القول إلى محمد بن جرير الطبرى وإلى مالك بن أنس أيضا وقال لو أن مصليين صليا أحدهما الظهر والآخر العصر في وقت واحد صحت صلاة كل واحد منهما اهـ ملخصا (واعلم) أن طريق معرفة الزوال أن ينصب عود مستو في أرض مستوية فما دام ظلّ العود في النقصان يعلم أن الشمس في الارتفاع لم تزل وإن استوى الظل علم أنها حالة الزوال فإذا أخذ الظل في الزيادة علم أنها زالت فيخط على رأس الزيادة فإذا صار ظلّ العود مثله من رأس الخط لا من العود جاء وقت العصر (قوله وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه) أى بعد فيء الزوال (وفي الحديث) دلالة على أن أول وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثله وبه أخذ مالك وأبو يوسف ومحمد والثورى وأحمد وإسحاق والشافعى والعتره (وقال) أبو حنيفة أول وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه. والأحاديث الصحيحة تردّ عليه، وفيه دلالة أيضا على أن آخر وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه وبه قال الإصطخرى وقال إن ما بعده قضاء، وقال الحسن بن زياد آخره الاصفرار. ودليله ما روى عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقت صلاة الظهر ما لم يحضر العصر ووقت صلاة العصر ما لم تصفرّ الشمس "الحديث" رواه أحمد ومسلم والنسائى (وقال) الجمهور إن آخر وقت العصر غروب الشمس مستدلين بحديث أبى هريرة مرفوعا "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" رواه الشيخان. وبما رواه مسلم من حديث ابن عمر وفيه ووقت

مذاهب العلماء في وقت المغرب والعشاء

صلاة العصر ما لم تصفرّ الشمس ويسقط قرنها الأول (وأجابوا) عن حديث الباب الذى أخذ به الإصطخرى بأنه محمول على بيان وقت الاختيار لا لاستيعاب وقت الاضطرار والجواز وهذا الحمل لا بدّ منه للجمع بين الأحاديث وهو أولى من قول من قال إن هذه الأحاديث ناسخة لحديث جبريل لأن النسخ لا يصار إليه مع إمكان الجمع (قال في النيل) ويؤيد هذا الجمع حديث تلك صلاة المنافقين ففيه دلالة على كراهة تأخير الصلاة إلى وقت الاصفرار، ويجاب عما استدل به الحسن بن زياد بما في الرواية الأخرى من الزيادة من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويسقط قرنها الأول فتحمل روايته الخالية من هذه الزيادة على الرواية التى فيها الزيادة فلا يكون الحديث حجة له (قال النووى) في شرح مسلم قال أصحابنا للعصر خمسة أوقات وقت فضيلة واختيار وجواز بلا كراهة وجواز مع كراهة ووقت عذر، فأما وقت الفضيلة فأول وقتها ووقت الاختيار يمتدّ إلى أن يصير ظل الشئ مثليه ووقت الجواز إلى الاصفرار ووقت الجواز مع الكراهة حال الاصفرار مع الغروب ووقت العذر هو وقت الظهر في حق من يجمع بين العصر والظهر لسفر أو مطر ويكون العصر في هذه الأوقات الخمسة أداء فإذا فاتت كلها بغروب الشمس صارت قضاء اهـ (قوله وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم) أى حين غابت الشمس. والإجماع على أن أول وقت المغرب غروب الشمس، واختلفوا فيها أهي ذات وقت أم وقتين (فقال) الأوزاعي والشافعى في الجديد لها وقت واحد وهو مقدّر بمقدار فعلها مع تحصيل شروطها (وقال) أبو حنيفة وأصحابه وقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق وبه قال أحمد والثورى وإسحاق بن راهويه وقول عند المالكية والشافعى في القديم ورجحه الثورى (قال) الخطابى أما المغرب فقد أجمع أهل العلم على أن أول وقتها غروب الشمس واختلفوا في آخر وقتها فقال مالك والشافعى والأوزاعى لا وقت للمغرب إلا وقت واحد (وقال) الثورى وأصحاب الرأى وأحمد وإسحاق آخر وقت المغرب إلى أن يغيب الشفق وهذا أصح القولين (وذهب) الناصر وعطاء وطاوس إلى أن لها وقتين أحدهما ينتهى بمغيب الشفق والآخر يمتدّ إلى طلوع الفجر (وذهب) جماعة من الشافعية إلى أن لها وقتين أحدهما ينتهى بفعلها مع تحصيل شروطها والآخر ينتهى بمغيب الشفق (قوله وصلى بى العشاء إلى ثلث الليل) يجوز أن تكون إلى بمعنى في أى صلى في ثلث الليل على حدّ قوله تعالى "ليجمعنكم إلى يوم القيامة" أى في يوم القيامة. ويجوز أن تكون بمعنى مع أى صلى بى العشاء صلاة مصاحبة لآخر ثلث الليل وتؤيده الرواية الأخرى ثم صلى العشاء الأخيرة حين ذهب ثلث اللبل. وهذا وقت الاستحباب والاختيار وهو قول كثير من العلماء. وفى قول للشافعى إن آخر وقتها المختار نصف الليل محتجا بما رواه أحمد ومسلم والنسائى من حديث عبد الله بن عمر وفيه ووقت صلاة العشاء إلى نصف

مذاهب العلماء في آخر وقت الصبح

الليل. وبحديث أبى هريرة الذى رواه أحمد وابن ماجة والترمذى وصححه "لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى نصف الليل أو ثلثه" وبحديث عائشة الذى رواه مسلم والنسائي قالت أعتم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل وحتى نام أهل المسجد ثم خرج فصلى فقال إنه لوقتها لولا أن أشقّ على أمتى. وبحديث أنس الذى رواه البخارى ومسلم قال أخر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل ثم صلى ثم قال قد صلى الناس وناموا أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها "الحديث" (وهذه الأحاديث) ينبغى المصير إليها لوجوه "منها" اشتمالها على الزيادة وهي مقبولة "ومنها" اشتمالها على الأقوال والأفعال. وحديث جبريل أفعال فقط وهي لا تعارض الأقوال "ومنها" كثرة طرقها فالراجح أن آخر وقت العشاء الاختيارى نصف الليل. وما أجاب به صاحب البحر من أن النصف مجمل فصله حديث جبريل فليس على ما ينبغي. وأما وقت الجواز والاضطرار فهو ممتدّ إلى الفجر لحديث أبى قتادة عند مسلم وفيه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى فإنه ظاهر في امتداد وقت الصلاة إلى دخول وقت الصلاة الأخرى إلا صلاة الفجر فإنها مخصوصة من هذا العموم بالإجماع. وأما حديث عائشة المتقدم فهو وإن كان فيه إشعار بامتداد وقت العشاء المختار إلى بعد نصف الليل ولكنه يؤول بأن المراد بعامة الليل كثير منه لا أكثره لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيه إنه لوقتها "يعنى المختار" (قال) الخطابى أما آخر وقت العشاء الآخرة فروى عن عمر بن الخطاب وأبى هريرة أن آخر وقتها ثلث الليل وكذلك قال عمر بن عبد العزيز وبه قال الشافعى (وقال) الثورى وأصحاب الرأى وابن المبارك وإسحاق آخر وقتها نصف الليل. وقد روى عن ابن عباس أنه قال لا يفوت وقت العشاء إلى الفجر وإليه ذهب عطاء وطاوس وعكرمة اهـ (قوله وصلى بى الفجر فأسفر) أى صلى جبريل بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصبح مؤخرا له إلى وقت الإسفار أى ظهور النور، ويحتمل عود الضمير في أسفر إلى الصبح أى أسفر الصبح وقت صلاته. ويحتمل عوده إلى الموضع الذى صلى فيه أى أسفر الموضع في وقت صلاة الصبح ويؤيده رواية الترمذى ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض. ولا خلاف في أن أول وقت الصبح هو طلوع الفجر الصادق وعلامته انتشار البياض المعترض في الأفق (واختلف) في آخره فذهب الجمهور إلى أنه طلوع الشمس إلا أن مشهور مذهب مالك أن وقته المختار إلى الإسفار (وقال) الشافعي إنه الإسفار لأرباب الرفاهية ولمن لا عذر له وطلوع الشمس لأرباب الأعذار والضرورات (وقال) الإصطخرى إنه إلى الإسفار البين فمن صلى بعده يكون قاضيا وإن لم تطلع الشمس (قوله هذا وقت الأنبياء من قبلك) ظاهره يوهم أن هذه الصلاة في هذه الأوقات كانت مشروعة لمن

ما دل عليه حديث طلحة في عبيد الله من أن العبادة مقصورة على الوارد عن الله تعالى وأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليس مشروعا من قبل نفسه وغير ذلك من المسائل

كان قبله من الأنبياء وليس كذلك بل المراد أن هذا الوقت الموسع المحدود بطرفين الأول والآخر كان مثله وقتا للأنبياء قبلك فصلاتهم كانت واسعة الوقت وذات طرفين وإلا فلم تكن هذه الصلوات على هذا الميقات إلا لهذه الأمة خاصة وإن كان غيرهم قد شاركهم في بعضها لأن ما عدا العشاء كان مفرقا فيهم لما أخرجه المصنف وابن أبى شيبة في مصنفه والبيهقى في سننه عن معاذ بن جبل قال أخر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة العتمة ليلة حتى ظنّ الظانّ أنه قد صلى ثم خرج فقال أعتموا بهذه الصلاة فإنكم فضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم، ولما أخرجه الطحاوى عن عبيد الله بن محمد عن عائشة أن آدم لما تيب عليه عند الفجر صلى ركعتين فصارت الصبح. وفدى إسحاق عند الظهر فصلى أربع ركعات فصارت الظهر. وبعث عزيز فقيل له كم ليلة لبثت قال يوما فرأى الشمس فقال أو بعض يوم فصلى أربع ركعات فصارت العصر وغفر لداود عند المغرب فقام فصلى أربع ركعات فجهد في الثالثة "أى تعب فيها عن الإتيان بالرابعة" لشدّة ما حصل له من البكاء على ما اقترفه مما هو خلاف الأولى به فصارت المغرب ثلاثا، وأول من صلى العشاء الآخرة نبينا محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وبهذا) يندفع قول البيضاوى توفيقا بين هذا وبين خبر أبى داود وغيره المذكور في العشاء إن العشاء كانت الرسل تصليها نافلة لهم ولم تكتب على أممهم كالتهجد فإنه وجب على نبينا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يجب علينا (قال) ابن حجر يحتمل أن اسم الإشارة في حديث الباب راجع إلى وقت الإسفار فإنه قد اشترك فيه جميع الأنبياء الماضية والأمم الدارجة (قوله والوقت ما بين هذين الوقتين) أى وقتى اليوم الأول واليوم الثانى الذى أمّ جبريل فيهما النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "فإن قيل" هذا يقتضى أن لا يكون الأول والآخر وقتا "قيل" لما صلى في أول الوقت وآخره وجد البيان بالفعل وبقى الاحتياج إلى بيان ما بين الأول والآخر فبين بالقول أن هذا بيان للوقت المستحب إذ الأداء في أول الوقت مما يتعسر على الناس ويؤدى أيضا إلى تقليل الجماعة وفى التأخير إلى آخر الوقت خشية الفوات فكان المستحب ما بينهما لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خير الأمور أوساطها (فقه الحديث) والحديث يدلّ على عظيم الاهتمام بأمر الصلوات الخمس ومزيد قدرها حيث أرسل الله سبحانه وتعالى جبريل عليه السلام لبيان كيفيتها وأوقاتها بالفعل ولم يكتف بالقول كسائر الأحكام وفعل ذلك مرّتين في يومين فهذا أكبر برهان على أن الصلاة أصل كل خير وفقنا الله عزّ وجلّ جميعا لأدائها على الوجه الذي يرضيه ونعوذ به تعالى ممن يفرّط في أدائها فإنه لا عقل له ولا دين وأقام الدليل على أنه خسر الدنيا والآخرة. ويدلّ الحديث أيضا على أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليس مشرّعا من قبل نفسه، وعلى أن العبادة مقصورة على الوارد عن الله تعالى

بالتحديد، وعلى أن أوقات الصلوات بينت بالقول والفعل، وعلى جواز صلاة المفترض خلف المتنفل وفيه الخلاف المشهور، وعلى أنه قد تتعين إمامة المفضول للفاضل، وعلى أداء الصلوات الخمس في المساجد، وعلى أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يصلون في أوقات مخصوصة وعلى أن أوقات الصلوات موسعة ما عدا المغرب على الخلاف (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى والترمذى وقال حديث حسن ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه وعبد الرزاق في مصنفه من طريقين وقال ابن عبد البر في التمهيد قد تكلم بعض الناس في حديث ابن عباس هذا بكلام لا وجه له. ورواته كلهم مشهورون بالعلم (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ، أَخْبَرَهُ، أَنّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ قَاعِدًا عَلَى الْمِنْبَرِ فَأَخَّرَ الْعَصْرَ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ: عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْر أَمَا إِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام قد أَخْبَرَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ لَهُ عُمَر: اعْلَمْ مَا تَقُولُ: فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: سَمِعْتُ بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «نَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي بِوَقْتِ الصَّلَاةِ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ» يَحْسُبُ بِأَصَابِعِهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ. «فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَرُبَّمَا أَخَّرَهَا حِينَ يَشْتَدُّ الْحَرُّ، وَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَهَا الصُّفْرَةُ، فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ مِنَ الصَّلَاةِ، فَيَأْتِي ذَا الْحُلَيْفَةِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ حِينَ سُقُوطِ الشَّمْسِ، وَيُصَلِّي الْعِشَاءَ حِينَ يَسْوَدُّ الْأُفُقُ، وَرُبَّمَا أَخَّرَهَا حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ،

وَصَلَّى الصُّبْحَ مَرَّةً بِغَلَسٍ، ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى فَأَسْفَرَ بِهَا، ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّغْلِيسَ حَتَّى مَاتَ، وَلَمْ يَعُدْ إِلَى أَنْ يُسْفِرَ». (ش) (رجال الحديث) (قوله ابن وهب) هو عبد الله (قوله عمر بن عبد العزيز) ابن مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية القرشي الأموى أبا حفص أمير المؤمنين. روى عن أنس بن مالك وعبد الله بن جعفر وعقبة بن عامر والسائب بن يزيد وكثيرين. وعنه أبو سلمة ابن عبد الرحمن وهو من شيوخه والزهرى وتمام بن نجيح وعمر بن مهاجر وطوائف. قال أنس ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من هذا الفتى "يعنى عمر" وقال مالك بن أنس كان سعيد بن المسيب لا يأتي أحدا من الأمراء غيره وقال ابن سعد كان ثقة مأمونا له فقه وعلم وورع وروى حديثا كثيرا وكان إمام عدل وقال مجاهد أتيناه نعلمه فما برحنا حتى تعلمنا منه وقال ميمون بن مهران ما كانت العلماء عند عمر إلا تلامذة وقال محمد بن على بن الحسين لكل قوم نجيبة وإن نجيبة بنى أمية عمر بن عبد العزيز وإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده وقال ابن عون لما ولى عمر بن عبد العزيز الخلافة قام على المنبر فقال يا أيها الناس إن كرهتموني لم أقم عليكم فقالوا رضينا رضينا وذكره ابن حبان في ثقات التابعين وقال الحسن البصرى يوم مات مات خير الناس، قال غير واحد مات في رجب سنة إحدى ومائة وهو ابن تسع وثلاثين سنة وستة أشهر وفضائله أفردت بالتأليف. روى له الجماعة (قوله فأخر العصر شيئا) أى يسيرا فالتنكير للتقليل وفي رواية البخارى أن عمر بن عبد العزيز أخر صلاة العصر يوما زمنا يسيرا عن أول وقتها المستحب لا أن ذلك كان سجية له كما كانت تفعل ولاة بنى أمية ولا سيما العصر فقد كان الوليد بن عتبة يؤخرها في زمن عثمان وكان ابن مسعود ينكر عليه وكذلك كان يفعل الحجاج. وإنكار عروة عليه لتركه الوقت الفاضل الذى صلى فيه جبريل عليه السلام وعلى هذا فيحمل ما رواه الطبراني عن يزيد بن أبى حبيب عن أسامة بن زيد الليثى عن ابن شهاب قال دعا المؤذن لصلاة العصر فأمسى عمر بن عبد العزيز قبل أن يصليها أى قارب المساء لا أنه دخل وقت المساء (قال) القاضى عياض لم يكن تأخيره لعذر لأنه لم يعتذر ولا عمدا مع العلم بالتحديد وإنما ظنَّ الجواز مع أنه لم يكن ذلك عادة له لقوله في الحديث أخر الصلاة يوما. ثم تأخيره إن كان عن الوقت المختار فالإنكار بين وإن كان عن وقت الفضيلة المستحب الذى هو سنة للجماعة فالإنكار لما فيه من التغرير خوف الوقوع في الوقت المحظور ولا سيما تأخير الأئمة المقتدى بهم، وقد يكون تأخيره لأنه يرى أن العصر لا ضرورىّ لها كما هو مذهب أهل الظاهر. أو يكون قد خفى عليه أن جبريل هو الذى حدّد الأوقات وخفيت عليه السنة

في ذلك. وإحاطة البشر بكلها ممتنعة اهـ (وقال) القرطبى الأشبه بفضل عمر أنه إنما أخر عن الوقت المختار وإنما أنكر عليه لعدوله عن الأفضل وهو ممن يقتدى به فيتوهم أن تأخيره سنة اهـ (وقال) النووى في شرح مسلم أخر عمر العصر فأنكر عليه عروة وأخرها المغيرة فأنكر عليه ابن مسعود واحتجا بإمامة جبريل عليه السلام، أما تأخير عمر والمغيرة فلأن الحديث لم يبلغهما أو أنهما كانا يريان جواز التأخير ما لم يخرج الوقت كما هو مذهبنا ومذهب الجمهور. وأما احتجاج عروة وابن مسعود بالحديث فقد يقال ثبت في الحديث في سنن أبى داود والترمذى وغيرهما من رواية ابن عباس وغيره في إمامة جبريل له أنه صلى الصلوات الخمس مرّتين في يومين فصلى الخمس في اليوم الأول في أول الوقت وفى اليوم الثانى في آخر وقت الاختيار وإذا كان كذلك فكيف يتوجه الاستدلال بالحديث. وجوابه أنه يحتمل أنهما أخرا العصر عن الوقت الثانى وهو مصير ظل كل شيء مثليه اهـ (قوله أما إن جبريل الخ) هو إنكار لما أتى به عمر من التأخير وصدّره بأما التى هى من طلائع القسم للتأكيد وقوله اعلم ما تقول بصيغة الأمر من العلم أى كن حافظا وضابطا له ولا تقله عن غفلة وقيل من الإعلام أى بين لى حاله وإسنادك فيه. ويحتمل أن يكون أعلم بصيغة المتكلم والأول هو الصحيح. وفى رواية للشافعى عن سفيان عن الزهرى فقال اتق الله يا عروة وانظر ما تقول (قال) الرافعى لا يحمل مثله على الاتهام ولكن المقصود الاحتياط والاستثبات ليتذكر الراوى ويجتنب ما عساه يعرض له من نسيان أو غلط اهـ فهو تنبيه من عمر لعروة لتحقق ما يقول وكأنه استبعاد لإخبار عروة بنزول جبريل بدون الإسناد فأغلظ عليه في ذلك مع عظم جلالته إشارة إلى مزيد الاحتياط في الرواية لئلا يقع في محذور الكذب على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإن لم يتعمده فلما أسند عروة الحديث إلى بشير قنع به عمر. وفى هذه القصة دخول العلماء على الأمراء وإنكارهم عليهم ما يخالف الدين والرجوع عند التنازع إلى السنة (قوله فقال له عروة سمعت الخ) أتى بالحديث ردّا لإنكار عمر عليه فكأنه قال كيف لا أدرى ما أقول وأنا سمعته ممن سمع صاحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يذكره. و (بشير) بفتح الموحدة وكسر الشين المعجمة (ابن أبي مسعود) عقبة بن عمرو الأنصارى. روى عن أبيه. وعنه ابنه عبد الرحمن وعروة بن الزبير ويونس بن ميسرة وهلال بن جبر. قال العجلى تابعى ثقة وذكره البخارى ومسلم وأبو حاتم وابن حبان في ثقات التابعين وقال ابن منده كانت له صحبة. روى له البخارى ومسلم وابن ماجه (قوله سمعت أبا مسعود) هو عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصارى صحب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وروى عنه. وروى عنه ابنه بشير وأبو وائل وعلقمة وأبو الأحوص وقيس بن أبى حازم وآخرون. اختلف في شهوده بدرا والصحيح أنه شهدها ففى صحيح البخارى من حديث عروة بن الزبير قال أخر المغيرة بن شعبة العصر فدخل عليه

ظهور جبريل في صورة رجل للائتناس

أبو مسعود عقبة بن عمرو جدّ زيد بن حسن وكان قد شهد بدرا فقال يا مغيرة "فذكر الحديث" سمعه عروة من بشير بن أبى مسعود عن أبيه. وبذلك عدّه البخارى في البدريين. وقال مسلم ابن الحجاج في الكنى شهد بدرا وقال أبو القاسم البغوى حدثني أبو عمرو يعنى على بن عبد العزيز عن أبى عبيد يعنى القاسم بن سلام قال أبو مسعود عقبة بن عمرو شهد بدرا وقال ابن سعد شهد أحدا وما بعدها. قيل مات سنة أربعين. (معنى الحديث) (قوله نزل جبريل) قال الحافظ الحق أن تمثيل الملك رجلا ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلا بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسا لمن يخاطبه. والظاهر أن القدر الزائد لا يزول ولا يفنى بل يخفى على الرائى فقط اهـ وهو ردّ على من قال بالفناء والإزالة (قوله فأخبرني الخ) يعنى علمنى وقت الصلاة بالفعل والقول. أما الفعل فظاهر وأما القول فلما في حديث ابن عباس المتقدم من قول جبريل له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والوقت ما بين هذين. ويحتمل أنه أطلق الإخبار على الفعل لما يلزم من البيان به الإخبار والإعلام (قوله فصليت معه الخ) هو بيان للإخبار بالفعل "ولا يقال" ليس في الحديث بيان لأوقات الصلوات "لأنه" إحالة على ما يعرف المخاطب (قوله يحسب بأصابعه) بالمثناة التحتية وضم السين المهملة أى يعدّ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حال كونه يقول صليت مكرّرا فالجملة حال منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ما هو الظاهر (وقال) الطيبى هو بالنون اهـ أى يقول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك القول ونحن نحسب بعقد أصابعه. وهذا مما يدلّ على إتقان أبى مسعود وضبطه أحوال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله خمس صلوات) كذا في أكثر الروايات عن ابن شهاب وهو محمول على الصلوات الخمس في كل يوم فلا تنافى بين هذه الرواية ورواية ابن عباس المتقدمة الدالة على أنه صلى عشر صلوات (قوله فرأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) مرتب على محذوف أى فبعد أن أخبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بنزول جبريل وتبيينه أوقات الصلاة رأيته يصلى الظهر الخ (قوله والشمس مرتفعة الخ) يعنى أول وقت العصر وفى ذكر الارتفاع إشارة إلى بقاء حرها وضوئها. وذو الحليفة قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة وقوله حين يسودّ الأفق أى يظلم وذلك بعد غيبوبة الشفق (قوله بغلس) بفتحتين أى بظلمة (قال) ابن الأثير الغلس ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح (قوله فأسفر بها) أى أضاء وأشرق بالصبح (قوله ولم يعد إلى أن يسفر) أى لم يرجع إلى الإسفار إلى أن مات صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وفى رواية للدارقطنى والطحاوى فأسفر ثم لم يعد إلى الإسفار حتى قبضه الله عزّ وجلّ (وفي هذا) دلالة على أن التغليس بصلاة الصبح أفضل وسيأتى بيانه إن شاء الله تعالى

ما دل عليه حديث أبي سعود الأنصاري من أن دخول الوقت شرط في صحة الصلاة وأفضلية التغليس بصلاة الفجر وغير ذلك من الأحكام

(فقه الحديث) دلّ الحديث على أن وقت الصلاة شرط في صحتها، وعلى مشروعية تأخير صلاة الظهر عند اشتداد الحرّ، وعلى طلب المبادرة بصلاة العصر والمغرب، وعلى مشروعية تأخير صلاة العشاء، وعلى أفضلية التغليس بصلاة الصبح. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مالك في الموطأ وأحمد والبخارى ومسلم والنسائى والبيهقي والطحاوى والدارقطني مع اختلاف في بعض الألفاظ. (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، مَعْمَرٌ وَمَالِكٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا الْوَقْتَ الَّذِي صَلَّى فِيهِ وَلَمْ يُفَسِّرُوهُ. (ش) أى روى حديث إمامة جبريل المذكور من طريق محمد بن مسلم الزهرى أيضا معمر بن راشد ومالك بن أنس وسفيان بن عيينة وشعيب بن أبى حمزة القرشي والليث بن سعد وغيرم كالأوزاعي ومحمد بن إسحاق ولم يذكر هؤلاء في رواياتهم عن الزهرى الوقت الذى صلى فيه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلوات ولم يبينوه كما بين وفسر أسامة بن زيد في روايته عن الزهرى. وغرض المصنف بذكر هذه التعاليق بيانا أن أصحاب الزهرى اختلفوا عليه فأسامة ابن زيد روى هذا الحديث عن الزهرى فذكر أولا أوقات الصلاة مجملا ثم فسرها فيما بعد وأما معمر ومالك وابن عيينة وشعيب والليث وغيرهم فإنهم ذكروا أوقات الصلاة مجملا لم يفسروه. ففى رواية أسامة بن زيد زيادة قوله فرأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى الظهر حين تزول الشمس "الحديث" وليست هذه الزيادة في رواية هؤلاء المذكورين أما رواية معمر عن الزهرى فأخرجها عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الزهرى "الحديث" وأما رواية مالك فأخرجها مسلم في صحيحه من طريق يحيى بن يحيى التميمي قال قرأت على مالك عن ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخّر الصلاة يوما فدخل عليه عروة بن الزبير فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخّر الصلاة يوما وهو بالكوفة فدخل عليه أبو مسعود الأنصارى فقال ما هذا يا مغيرة أليس قد علمت أن جبريل عليه السلام نزل فصلى فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم قال بهذا أمرت فقال عمر لعروة انظر ما تحدّث به يا عروة أو أن جبريل عليه السلام هو أقام لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقت الصلاة فقال عروة كذلك كان بشير بن أبى مسعود يحدّث عن أبيه قال عروة

لقد حدثتنى عائشة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلى العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر. وأخرجها أيضا الإمام أحمد في مسنده من طريق عبد الرحمن عن مالك بن أنس عن ابن شهاب "الحديث" وأما رواية سفيان ابن عيينة عن الزهرى فأخرجها البيهقى من طريق حسن بن محمد الزعفرانى قال حدثنا سفيان ابن عيينة عن الزهرى أن عروة بن الزبير قال عند عمر بن عبد العزيز قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نزل جبريل عليه السلام فأمنا فصليت معه ثم نزل فأمنا فصليت معه ثم نزل فأمنا فصليت معه حتى عدّ خمس صلوات فقال عمر بن عبد العزيز اتق الله وانظر ما تقول يا عروة فقال عروة أخبرني بشير بن أبى مسعود عن أبيه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال نزل جبريل فأمنا فصليت معه ثم نزل فأمنا فصليت معه حتى عدّ خمس صلوات "ولا يقال" إن رواية أسامة شاذة "لأنه" ليس في رواية مالك ومن تبعه ما ينفى الزيادة المذكورة في رواية أسامة بل في روايتهم اختصار من وجهين "أحدهما" أنه لم تعين فيها الأوقات "وثانيهما" أنه لم تذكر فيها صلاة جبريل بالنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخمس إلا مرّة واحدة، وقد ذكر الدارقطنى والطبراني وابن عبد البر في التمهيد من طريق أيوب بن عتبة عن أبي بكر بن حزم عن عروة بن الزبير بسنده إلى أبى مسعود الأنصارى أن جبريل صلى به الخمس مرّتين في يومين. على أنه قد ورد من رواية الزهرى نفسه "فقد" أخرج ابن أبى ذئب في موطئه عن ابن شهاب بسنده إلى أبى مسعود وفيه أن جبريل نزل على محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصلى وصلى وصلى وصلى وصلى ثم صلى وصلى وصلى وصلى وصلى ثم قال هكذا أمرت. وأخرج البيهقى من طريق مالك عن ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخّر الصلاة يوما فدخل عليه عروة بن الزبير فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخّر الصلاة يوما وهو بالكوفة فدخل عليه أبو مسعود الأنصارى فقال ما هذا يا مغيرة أليس قد علمت أن جبريل عليه السلام نزل فصلى فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم قال بهذا أمرت فقال عمر لعروة انظر ما تحدّث يا عروة أو أن جبريل هو أقام لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقت الصلاة فقال عروة كذلك كان بشير بن أبى مسعود يحدّث عن أبيه قال عروة ولقد حدثتنى عائشة زوج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر "قال" رواه البخارى في الصحيح عن عبد الله بن مسلمة ورواه مسلم عن يحيى ابن يحيى اهـ وثبتت أيضا صلاته مرتين مع تفسير الأوقات الخمس عن ابن عباس عند

الترمذى والمصنف وأنس عند الدارقطني وعمرو بن حزم عبد عبد الرزاق في مصنفه وابن راهويه في مسنده وجابر بن عبد الله عند الترمذى والنسائى والدارقطنى وأبى سعيد عند أحمد وأبى هريرة عند البزار وابن عمر عند الدارقطني فهذه الرواية تعضد رواية أسامة بن زيد الليثى وتدفع علة الشذوذ. (ص) وَكَذَلِكَ أَيْضًا رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي مَرْزُوقٍ، عَنْ عُرْوَةَ نَحْوَ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَأَصْحَابِهِ إِلَّا أَنَّ حَبِيبًا لَمْ يَذْكُرْ بَشِيرًا (ش) أى روى هذا الحديث هشام بن عروة كما رواه معمر بن راشد وأصحابه من غير بيان الأوقات إلا أن حبيبا لم يذكر في روايته بشير بن أبي مسعود بل ذكر أن عروة روى عن أبى مسعود من غير واسطة ابنه بشير. ولم نقف على من وصل هذين التعليقين و (حبيب بن أبى مرزوق) هو الرقى. روى عن عطاء بن أبي رباح وعروة بن الزبير وعطاء بن مسلم. وعنه جعفر ابن برقان وأبو المليح. قال أحمد ما أرى به بأسا وقال ابن معين مشهور ووثقه ابن حبان وأبو داود والدارقطني وقال يحتج به. مات سنة ثمان وثلاثين ومائة. روى له الترمذى والنسائي (ص) وَرَوَى وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْتَ الْمَغْرِبِ قَالَ: «ثُمَّ جَاءَهُ الْمَغْرِبِ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ يَعْنِي مِنَ الْغَدِ وَقْتًا وَاحِدًا». (ش) أى روى وهب بن كيسان حديثا ذكر فيه أن جبريل عليه السلام جاء له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لصلاة المغرب في اليوم الأول والثاني في وقت واحد وهو غروب الشمس و (وهب بن كيسان) هو أبو نعيم القرشي مولى آل الزبير. روى عن جابر بن عبد الله وابن عباس وابن عمر وابن الزبير. وعنه ابن عمر وهشام بن عروة وابن عجلان ومالك وآخرون. وثقه النسائي وابن حبان وابن معين والعجلى وابن سعد. مات سنة سبع وعشرين ومائة. روى له الجماعة وروايته أخرجها الترمذى وكذا الدارقطني والبيهقي والحاكم من طريق ابن المبارك عن حسين بن على بن الحسين حدثنى وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله قال جاء جبريل عليه السلام إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين زالت الشمس فقال قم يا محمد فصلّ الظهر فقام فصلى الظهر حين مالت الشمس ثم مكث حتى إذا كان فيء الرجل مثله جاءه العصر فقال قم يا محمد فصلّ العصر فقام فصلى العصر ثم مكث حتى إذا غابت الشمس جاءه فقال قم فصلّ المغرب فقام فصلاها حين غابت الشمس سواء ثم مكث حتى إذا ذهب الشفق جاءه ففال قم فصلّ العشاء فقام فصلاها ثم جاءه حين سطع الفجر بالصبح فقال قم يا محمد فصلّ فقام فصلى الصبح ثم جاءه من الغد حين

كان فئ الرجل مثله فقال قم يا محمد فصلّ الظهر فقام فصلى الظهر ثم جاءه حين كان فئ الرجل مثليه فقال قم يا محمد فصلّ فقام فصلى العصر ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمس وقتا واحدا لم يزل عنه فقال قم فصلّ فصلى المغرب ثم جاءه للعشاء حين ذهب ثلث الليل الأول فقال قم فصلّ فصلى العشاء ثم جاءه للصبح حين أسفر جدّا فقال قم فصلّ فصلى الصبح ثم قال ما بين هذين وقت كله قال الترمذى قال محمد "يعنى البخارى" حديث جابر أصح شيء في المواقيت (وقال) ابن القطان هذا الحديث يجب أن يكون مرسلا لأن جابرا لم يذكر من حدّثه بذك وجابر لم يشاهد ذلك صبيحة الإسراء لما علم أنه أنصارى إنما صحب بالمدينة بخلاف حديث أبى هريرة وابن عباس فإنهما رويا إمامة جبريل من قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ (وقال) في الإمام هذا إرسال غير ضارّ لأنه يبعد أن يكون جابر قد سمعه من غير صحابي اهـ (واستدلّ) الشافعى بحديث وهب بن كيسان هذا على أن وقت المغرب واحد وهو عقيب غروب الشمس بقدر ما يتطهر ويستر عورته ويؤذن ويقيم فإن أخر الدخول في الصلاة عن هذا الوقت أثم وصارت قضاء لكن المحققون من أصحابه رجحوا أنه إلى مغيب الشفق (وأجابوا) عن هذا الحديث ونحوه بثلاثة أوجه "الأول" أنه اقتصر على بيان وقت الاختيار ولم يستوعب وقت الجواز "الثاني" أن هذا متقدم في أول الأمر بمكة والأحاديث التى وردت بامتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق متأخرّة في أواخر الأمر بالمدينة فوجب اعتمادها "الثالث" أن الأحاديث التى وردت بامتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق أصح إسنادا من هذا الحديث فوجب تقديمها (منها) ما ذكره مسلم ضمن حديث وفيه فإذا صليتم المغرب فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق. وفى رواية وقت المغرب إلى أن يسقط نور الشفق. وفى رواية ما لم يغب الشفق (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثُمَّ صَلَّى بِيَ الْمَغْرِبَ». يَعْنِي مِنَ الْغَدِ وَقْتًا وَاحِدًا (ش) أى روى الحديث عن أبى هريرة وفيه أن صلاة المغرب كانت في اليومين في وقت واحد كما رواه جابر. وحديث أبى هريرة أخرجه النسائى قال أخبرنا الحسين بن حريث قال أنبأنا الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا جبريل عليه السلام جاءكم يعلمكم دينكم فصلى الصبح حين طلع الفجر وصلى الظهر حين زاغت الشمس ثم صلى العصر حين رأى الظلّ مثله ثم صلى المغرب حين غربت الشمس وحلّ فطر الصائم ثم صلى العشاء حين ذهب شفق الليل ثم جاءه الغد فصلى به الصبح حين أسفر قليلا ثم صلى به الظهر حين كان الظلّ مثله ثم صلى العصر حين كان الظلّ مثليه ثم صلى المغرب

بوقت واحد حين غربت الشمس وحلّ فطر الصائم ثم صلى العشاء حين ذهب ساعة من الليل ثم قال الصلاة ما بين صلاتك أمس وصلاتك اليوم. ورواه الدارقطنى والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم (ص) وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصي مِنْ حَدِيثِ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ش) أى روى عن عبد الله بن عمرو بن العاصى حديث مثل حديث جابر وأبى هريرة في أن جبريل صلى بالنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المغرب في وقت واحد. وروايته أخرجها البيهقي بسنده إلى الأوزاعي ثنا حسان بن عطية حدثنى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال سأل رجل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن وقت الصلاة فصلى الظهر حين فاء الفئ وصلى العصر حين صار ظلّ كل شيء مثله وصلى المغرب حين وجبت الشمس وصلى العشاء حين غاب الشفق وصلى الصبح حين بدا أول الفجر ثم صلى الظهر اليوم الثانى حين كان ظلّ كل شئ مثله وصلى العصر حين كان ظلّ كل شئ مثليه وصلى المغرب حين وجبت الشمس وصلى العشاء في ثلث الليل وصلى الصبح بعد ما أسفر ثم قال إن جبريل أمَّني ليعلمكم أن ما بين هذين الوقتين وقت ومقصود المصنف من إيراد هذه التعاليق تقوية أنه لم ترد صلاة المغرب في إمامة جبريل إلا في وقت واحد كما في رواية أسامة بن زيد وحديث ابن عباس المتقدّم. لكن صح عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه صلى المغرب في وقتين مختلفين من حديث بريدة عند مسلم وفيه فأقام المغرب حين غابت الشمس وفية أيضا فلما أن كان اليوم الثاني صلى المغرب قبل أن يغيب الشفق وحديث أبى موسى عند مسلم أيضا وفيه فأقام المغرب حين وقعت الشمس "أى في اليوم الأول" وفيه أيضا ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق "أى في اليوم الثاني" ففى هذا دلالة صريحة على أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى المغرب في وقتين وهو المختار كما تقدّم (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، ثَنَا بَدْرُ بْنُ عُثْمَانَ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُوسَى (*)، "أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا حَتَّى

_ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: نبه في خاتمة الجزء السادس أن هذا الموضع فيه سقط، وأن الصواب: «أبو بكر بن أبي موسى عن أبي موسى»

دليل من قال إن للمغرب وقتين مختلفين

أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ، فَصَلَّى حِينَ كَانَ الرَّجُلُ لَا يَعْرِفُ وَجْهَ صَاحِبِهِ -أَوْ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَعْرِفُ مَنْ إِلَى جَنْبِهِ- ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ حَتَّى قَالَ: الْقَائِلُ انْتَصَفَ النَّهَارُ وَهُوَ أَعْلَمُ، ثُمَّ أَمَر بِلَالًا فَأَقَامَ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ مُرْتَفِعَةٌ، وَأَمَر بِلَالًا فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ، وَأَمَر بِلَالًا فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ صَلَّى الْفَجْرَ وَانْصَرَفَ، فَقُلْنَا أَطَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَأَقَامَ الظُّهْرَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ وَصَلَّى الْعَصْرَ، وَقَدِ اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ -أَوْ قَالَ: أَمْسَى- وَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، وَصَلَّى الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ"، ثُمَّ قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ». (ش) (رجال الحديث) (قوله بدر بن عثمان) القرشي الأموى مولى عثمان بن عفان روى عن الشعبى وعكرمة وأبى بكر بن أبى موسى وغيرهم. وعنه وكيع وأبو نعيم وابن نمير وآخرون. وثقه العجلى والدارقطني وابن معين وابن حبان وقال النسائى لا بأس به. روى له أبو داود والنسائى (قوله أبو بكر بن أبى موسى) الأشعرى الكوفي يقال اسمه عمرو. روى عن أبيه والبراء بن عازب وابن عباس وجابر بن سمرة وغيرهم. وعنه أبو عمران الجونى وأبو إسحاق السبيعى ويونس بن أبى إسحاق وكثيرون. قال العجلى تابعى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن سعد كان قليل الحديث يستضعف. مات سنة ست ومائة، روى له الجماعة (قوله عن أبى موسى) هو عبد الله بن قيس الأشعرى. (معنى الحديث) (قوله أن سائلا سأل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) أى عن مواقيت الصلاة كما صرّح به في رواية مسلم والنسائى. ولم يعرف اسم السائل (قوله فلم يردّ عليه شيئا الخ) يعنى لم يبين له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالقول بل أمره بالإقامة والصلاة معه يومين كما صرّح به في بعض الروايات وليس المراد أنه لم يردّ عليه بالقول ولا بالفعل كما هو الظاهر لأن المعلوم من أحواله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان يجيب إذا سئل. وبهذا التأويل يجمع بين رواية النسائى عن جابر وفيها قال له صلّ معى ورواية الترمذى وفيها قال له أقم معنا (واستدلّ) بهذا من يرى جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة. فقوله حتى أمر بلالا الخ أى انتهى

عدم البيان من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى أن أمر بلال بن رباح المؤذن فأقام لصلاة الصبح وقت طلوع الفجر الصادق في أول يوم. وقوله انشق الفجر أى طلع يقال شقّ الفجر وانشقّ طلع كأنه شقّ محل طوعه وخرج منه (قوله أو أن الرجل لا يعرف من إلى جنبه) شك من الراوى أى لا يعرف مصاحب جنبه من هو. وفى رواية مسلم والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضا. والمراد أنه صلى في الغلس أول الوقت بدليل قوله حين انشق الفجر (قوله حتى قال القائل الخ) وفي نسخة حين قال القائل. فعلى النسخة الأولى تكون حتى بمعنى الواو العاطفة وقد صرّح بها في رواية مسلم أى وقال القائل انتصف النهار. وهذا من قبيل الإخبار أى أمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بإقامة صلاة الظهر وقت زوال الشمس وقول القائل انتصف النهار. ويحتمل أن يكون على الاستفهام أى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بإقامة الظهر حين زوال الشمس وفى وقت يصح للمستفهم أن يستفهم فيه عن انتصاف النهار والحال أن القائل انتصف النهار أعلم بانتصافه. وإنما استفهم ليعلم ما عند الغير ويتأكده. والمراد أنه أوقع الصلاة أول الوقت (قوله والشمس بيضاء مرتفعة) هو كناية عن بقاء ضوئها وحرارتها ويكون كذلك إذا صار ظلّ كل شيء مثله (وهو) دليل لمن قال إن أول وقت العصر إذا صار ظلّ كل شيء مثله وهو مذهب الجمهور كما تقدم (قوله أطلعت الشمس) بالاستفهام. وفي مسلم والقائل يقول قد طلعت الشمس أو كادت وهو كناية عن الإسفار بالصبح إسفارا بينا (قوله فأقام الظهر في وقت العصر الخ) أى صلى الظهر في الوقت الذى صلى فيه العصر في اليوم الأول (وهو) دليل صريح لمن قال بالاشتراك بين الظهر والعصر (قوله وقد اصفرّت الشمس) وفي رواية مسلم ثم أخر العصر حتى انصرف منها والقائل يقول قد احمرّت الشمس. والمراد أنها شرعت في الاصفرار ولم يكمل اصفرارها لأن تأخير العصر إلى تمام الاصفرار مكروه لما في حديث تلك صلاة المنافقين. واصفرار الشمس أن يصير قرصها بحال لا تحار فيه الأعين (واعتبر) سفيان وإبراهيم النخعى تغير الضوء الذى يبقى على الجدران (قيل) علامة ذلك أن يوضع في الصحراء طست ماء وينظر فيه فإن كان القرص لا يبدو للناظر فقد تغير. وقيل إذا بقيت الشمس للغروب قدر رمح أو رمحين لم يتغير القرص وإذا صارت أقل من ذلك فقد تغير (قوله وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق) وفى رواية مسلم ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق (وهو) حجة على الشافعى ومالك القائلين بتضييق وقت المغرب (قوله وصلى العشاء إلى ثلث الليل) وفي رواية مسلم ثم أخر العشاء حتى كان ثلث الليل (وهو) صريح في أنه لم يؤخرها إلى آخر الليل الذى هو وقت الجواز لحصول الحرج بسهر الليل كله وكراهة النوم قبل فعلها (قوله الوقت فيما بين هذين) وفي رواية مسلم ثم أصبح فدعا السائل فقال الوقت بين هذين أى هذا الوقت

الذى لا إفراط فيه تعجيلا ولا تفريط فيه تأخيرا فإنى قد بينت بما فعلت أول الوقت وآخره فالصلاة جائزة من غير كراهة أوله ووسطه وآخره، فتجوز صلاة الظهر ما لم يدخل وقت العصر والعصر ما لم تغرب الشمس والمغرب ما لم يغب الشفق والعشاء إلى ثلث الليل والفجر ما لم تطلع الشمس. (فقه الحديث) والحديث يدلّ على طلب معرفة أحكام الدين، وعلى أن عطم قدر المسئول لا يمنع من سؤال من هو أقل منه، وعلى أن وقت الصلوات موسع، وعلى أن العالم يطلب منه الاهتمام بتعليم الجاهل وأن يسلك معه أقرب الطرق إلى الفهم، وعلى أنه ينبغى للمعلم أن يجمع في تعليمه بين البيان الفعلى والقولى (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى والبيهقى (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَغْرِبِ بِنَحْوِ هَذَا قَالَ: «ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ». قَالَ بَعْضُهُمْ: «إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ». وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «إِلَى شَطْرِهِ». (ش) أى روى هذا الحديث سليمان بن موسى عن عطاء بن أبى رباح عن جابر عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه صلى المغرب في أول يوم حين غابت الشمس وفي ثاني يوم صلاه قبل أن يغيب الشفق كما في حديث أبى موسى. وإنما خصّ المغرب بالذكر لأن وقته هو المختلف فيه (قوله قال ثم صلى العشاء الخ) أى قال جابر في حديثه بعد أن ذكر صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المغرب ثم صلى العشاء فقال بعض الصحابة إنه صلاها ثلث الليل وقال بعضهم صلاها نصف الليل فاختلفوا في آخر وقت صلاته العشاء "ويحتمل" أن المعنى قال سليمان بن موسى بسنده ثم صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العشاء فقال بعض رواة الحديث عن جابر في روايته إنه صلاها إلى ثلث الليل وقال آخرون صلاها نصف الليل. ورواية سليمان أخرجها أحمد في مسنده والبيهقى والطحاوى في شرح معاني الآثار من طريق عبد الله بن الحارث قال حدثني ثور بن يزيد عن سليمان بن موسى عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال سأل رجل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن وقت الصلاة فقال صل معي فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصبع حين طلع الفجر ثم صلى الظهر حين زاغت الشمس ثم صلى العصر حين كان فئ الإنسان مثله ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس ثم صلى العشاء بعد، غيبوبة الشفق ثم صلى الصبح

فأسفر ثم صلى الظهر حين كان فيء الإنسان مثله ثم صلى العصر حين كان فيء الإنسان مثليه ثم صلى المغرب قبل غيبوبة الشفق ثم صلى العشاء فقال بعضهم ثلث الليل وقال بعضهم شطر الليل و (سليمان بن موسى) هو أبو أيوب أو أبو الربيع أو أبو هشام الأموى مولاهم الدمشقى الأشدق فقيه أهل الشام في زمانه. روى عن واثلة بن الأسقع وعطاء بن أبى رباح ونافع ابن جبير وكريب مولى ابن عباس ومكحول والزهرى وغيرهم. وعنه الأوزاعي وابن جريج وزيد بن واقد وجماعة. قال أبو حاتم محله الصدق وفي حديثه بعض الاضطراب وقال البخارى عنده مناكير وقال النسائى أحد الفقهاء وليس بالقوى في حديثه شيء وقال ابن عدى فقيه حدّث عنه الثقات وهو أحد علماء أهل الشام قد روى أحاديث ينفرد بها لا يرويها غيره وهو عندى ثبت صدوق ووثقه ابن معين ودحيم وابن سعد. مات سنة تسع عشرة ومائة، روى له أبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه (ص) وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ش) أى روى سليمان بن بريدة بن الحصيب الأسلمى عن أبيه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الحديث مثل رواية جابر في أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى المغرب في وقتين. وأخرج روايته مسلم في صحيحه من طريق حرمىّ بن عمارة حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلا أتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسأله عن مواقيت الصلاة فقال له اشهد معنا الصلاة فأمر بلالا فأذن بغلس فصلى الصبح حين طلع الفجر ثم أمره بالظهر حين زالت الشمس عن بطن السماء ثم أمره بالعصر والشمس مرتفعة ثم أمره بالمغرب حين وجبت الشمس ثم أمره بالعشاء حين وقع الشفق ثم أمره الغد فنوّر بالصبح ثم أمره بالظهر فأبرد ثم أمره بالعصر والشمس بيضاء نقية لم تخالطها صفرة ثم أمره بالمغرب قبل أن يقع الشفق ثم أمره بالعشاء عند ذهاب ثلث الليل أو بعضه شك حرمىّ فلما أصبح قال أين السائل ما بين ما رأيت وقت (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، نَا أَبِي، نَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعَ أَبَا أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ تَحْضُرِ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ فَوْرُ

الشَّفَقِ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله حدثنا أبى) هو معاذ بن معاذ بن حسان، و (شعبة) ابن الحجاج، و (قتادة) بن دعامة (قوله أنه سمع أبا أيوب) اسمه يحيى بن مالك ويقال حبيب ابن مالك البصرى الأزدى العتكي. روى عن عبد الله بن عمرو بن العاصى وأبى هريرة وابن عباس وسمرة بن جندب وغيرهم، وعنه ثابت البناني وأسلم العجلى وأبو عمران الجونى وقتادة وكثيرون. وثقه النسائى وابن حبان وقال العجلى تابعى ثقة وقال ابن سعد كان ثقة مأمونا. روى له الجماعة إلا الترمذى (معنى الحديث) (قوله وقت الظهر ما لم تحضر العصر) أى وقت صلاة الظهر مدّة عدم حضور وقت العصر فإذا جاء وقت العصر خرج وقت الظهر. وفي رواية مسلم من طريق همام عن قتادة وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم تحضر العصر (وهو) حجة لمن قال بعدم اشتراكهما في الوقت وتقدم الخلاف في ذلك (قوله ما لم تصفرّ الشمس) هو بيان لوقت الاختيار والفضيلة وإلا فوقت الجواز ممتدّ إلى غروب الشمس فليس فيه حجة لمن قال إن وقت الجواز للعصر إلى اصفرار الشمس (قوله ما لم يسقط فور الشفق) بالفاء المفتوحة أى بقية حمرة الشمس في الأفق الغربى وسمى فورا لسطوعه وحمرته. وفي رواية مسلم ثور الشفق بالثاء المثلثة وهو ثوران حمرته (قال) العراقى صحفه بعضهم بالنون ولو صحت الرواية لكان له وجه اهـ وتقدم الخلاف في الشفق في أول باب المواقيت (وفيه دلالة) لمن قال بامتداد وقت المغرب إلى مغيب الشفق خلافا لمن قدّره بفعلها مع تحصيل شروطها (قوله ووقت العشاء إلى نصف الليل) فيه دلالة صريحة على أن آخر وقت العشاء إلى نصف الليل وهو وقت الفضيلة على ما فيه من الخلاف (قال) الطحاوى في شرح معاني الآثار يظهر من مجموع الأحاديث أن آخر وقت العشاء إلى حين يطلع الفجر وذلك أن ابن عباس وأبا سعيد الخدرى وأبا موسى ذكروا أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخرها إلى ثلث الليل. وروى أبو هريرة وأنس أنه أخرها حتى انتصف الليل. وروى ابن عمر أنه أخرها حتى ذهب ثلث الليل. وروت عائشة أنه أعتم بها حتى ذهب عامة الليل "فثبت" بهذه الآثار أن أول وقت العشاء الآخرة من حين يغيب الشفق إلى أن يمضى الليل كله ولكنه على أوقات ثلاثة "فأما" من حين يدخل وقتها إلى أن يمضى ثلث الليل فأفضل وقت صليت فيه "وأما" بعد ذلك إلى أن يتمّ نصف الليل ففى الفضل دون ذلك "وأما" بعد نصف الليل ففى الفضل دون كل ما قبله "ثم ساق" ما يدل على ذلك عن نافع بن جبير قال كتب عمر إلى أبى موسى وصلّ العشاء أى الليل شئت ولا تغفلها "ففى" هذا أنه جعل الليل كله وقتا لها وقد روى عن عبيد بن جريج أنه قال لأبي هريرة ما إفراط صلاة العشاء قال طلوع

باب في وقت صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكيف كان يصليها

الفجر "فهذا" أبو هريرة قد جعل إفراطها الذى به تفوت طلوع الفجر "فثبت" بذلك أن وقتها إلى طلوع الفجر ولكن بعضه أفضل من بعض اهـ بتصرّف (قوله ووقت صلاة الفجر الخ) فيه دلالة على أن وقت الصبح إلى طلوع الشمس (فقه الحديث) دلّ الحديث على بيان نهاية أوقات الصلوات الخمس، وعلى أن آخر وقت العشاء نصف الليل وقد تقدم ما فيه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد ومسلم والنسائى والطحاوى في شرح معانى الآثار (باب في وقت صلاة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكيف كان يصليها) أى في بيان أى جزء من وقت الصلاة كان يختاره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لإيقاع الصلاة فيه وكيف كان يصليها في الأوقات المختلفة. وفي بعض النسخ إسقاط قوله وكيف كان يصليها. وفى نسخة باب ما جاء في وقت صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ ابْنُ الْحَسَنِ قَالَ: سَأَلْنَا جَابِرًا عَنْ وَقْتِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَالْعِشَاءَ إِذَا كَثُرَ النَّاسُ عَجَّلَ، وَإِذَا قَلُّوا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ بِغَلَسٍ» (ش) (رجال الحديث) (قوله سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهرى أبو إسحاق. روى عن ابن عمر وأنس وأبى أمامة وعروة بن الزبير وعبد الله بن جعفر وآخرين وعنة السفيانان ويحيى بن سعيد وشعبة وغيرهم. قال ابن معين ثقة لا يشك فيه وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال الساجى أجمع أهل العلم على صدقه والرواية عنه إلا مالكا ولم يرتض أحمد عدم رواية مالك عنه وقال هو ثقة ووثقه أبو حاتم والنسائى والعجلى ويعقوب بن شيبة. قيل توفي بالمدينة سنة سبع وعشرين ومائة. روى له الجماعة (قوله محمد بن عمرو وهو ابن الحسن) بن على ابن أبى طالب القرشي الهاشمى المدنى أبى عبد الله. روى عن ابن عباس وجابر بن عبد الله. وعنه سعد بن إبراهيم ومحمد بن عبد الرحمن وعبد الله بن ميمون. وثقه أبو زرعة والنسائى وابن خراش وأبو حاتم وابن حبان. روى له البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى

مذاهب العلماء في تعجيل صلاة العشاء وتأخيرها

(معنى الحديث) (قوله كان يصلى الظهر بالهاجرة) أى وقت شدّة الحر عقب الزوال وهى مأخوذة من الهجر وهو الترك سميت بها لأن الناس يتركون العمل حينئذ لشدّة الحر ويقيلون، ومقتضاه أنه كان يصليها أول وقتها فيكون معارضا لحديث الإبراد لأن كان تشعر بالكثرة عرفا كما قاله ابن دقيق العيد، ويجمع بين الحديثين بأنه أطلق الهاجرة على ما بعد الزوال مطلقا لأن الإبراد مقيد بحال شدّة الحرّ فإن وجدت شروطه أبرد وإلا عجل فالمعنى كان يصلى أول وقتها إلا إن احتاج إلى الإبراد فيبرد (قوله والعصر والشمس حية) أى كان يصلى العصر والشمس باق ضوءها الشديد (قال) الخطابى حياة الشمس يفسر على وجهين "أحدهما" أن حياتها شدّة وهجها وبقاء حرّها لم ينكسر منه شيء "والآخر" أن حياتها صفاء لونها لم يدخلها التغير لأنهم شبهوا صفرتها بالموت اهـ (قوله والمغرب إذا غربت الشمس) أى وكان يصلى المغرب إذا غربت الشمس وفى رواية الشيخين إذا وجبت. ولأبى عوانة من طريق أبى النضر والمغرب حين تجب الشمس والوجوب السقوط (وفيه) دلالة على أنه يدخل وقت المغرب بتحقق غروب الشمس (قوله والعشاء إذا كثر الناس عجل وإذا قلوا أخر) الجملتان الشرطيتان في محل نصب حالان من الفاعل أى كان يصلى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العشاء معجلا لها أول الوقت إذا كثر الناس فيه ومؤخرا لها إذا قلوا. ويحتمل أن تكونا حالين من المفعول أى صلى العشاء حال كونها معجلة في أول وقتها إذا كثروا ومؤخرة إلى ثلث الليل إذا قلوا أول الوقت، وفى رواية للبخارى والعشاء أحيانا واحيانا إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطأوا أخر وفى رواية مسلم أحيانا يؤخرها وأحيانا يعجل كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطأوا أخر (وفى هذا) دلالة على أن انتظار كثرة الجماعة أفضل في العشاء من صلاتها أول الوقت فرادى أو في جماعة قليلة. لكن محله ما لم يفحش التأخير ولم يشقّ على الحاضرين (قال) ابن دقيق العيد أما العشاء فاختلف الفقهاء فيها "فقال" قوم تقديمها أفضل وهو ظاهر مذهب الشافعى "وقال" قوم تأخيرها أفضل "وقال" قوم إن اجتمعت الجماعة فالتقديم أفضل وإن تأخرت فالتأخير أفضل وهو قول عند المالكية. ومستندهم هذا الحديث "وقال" آخرون إنه يختلف باختلاف الأوقات ففى الشتاء وفى رمضان تؤخر وفى غيرهما تقدم وإنما أخرّت في الشتاء لطول الليل وكراهية الحديث بعدها (وهذا) الحديث يتعلق بمسألة تكلموا فيها وهو أن صلاة الجماعة أفضل من الصلاة في أول الوقت أو بالعكس حتى أنه إذا تعارض في حق شخص أمران أحدهما أن يقدم الصلاة في أول الوقت منفردا أو يؤخر الصلاة في الجماعة أيهما أفضل والأقرب عندى أن التأخير لصلاة الجماعة أفضل وهذا الحديث يدلّ عليه لقوله وإذا أبطأوا أخر فأخر لأجل الجماعة مع إمكان التقديم. ولأن التشديد في ترك الجماعة والترغيب في فعلها موجود للأحاديث الصحيحة. وفضيلة الصلاة في أول الوقت وردت على جهة الترغيب في الفضيلة. وأما

استحباب أداء الصلاة أول وقتها إلا الظهر لشدة الحر والعشاء لانتظار الجماعة

جانب التشديد في التأخير عن أول الوقت فلم يرد كما في صلاة الجماعة. وهذا دليل على الرجحان لصلاة الجماعة. نعم إذا صح لفظ يدلّ دلالة ظاهرة على أن الصلاة في أول وقتها أفضل الأعمال كان متمسكا لمن يرى خلاف هذا المذهب اهـ (قوله والصبح بغلس) أى وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى الصبح بظلمة آخر الليل المختلطة بضوء الصباح (وفيه) دلالة على أن التغليس بالصبح أفضل من الإسفار كما سيأتي بيانه (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية سؤال أهل العلم عن أحكام الدين، وعلى أنه يطلب من المسئول أن يجيب السائل ويبين له دليله إذا كان عالما به، وعلى أن المبادرة بالصلوات أول الوقت أفضل لكن محله في غير الظهر عند شدة الحرّ والعشاء عند انتظار الجماعة كما دلت على ذلك الأحاديث (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَيُصَلِّي الْعَصْرَ وَإِنَّ أَحَدَنَا لَيَذْهَبُ إِلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ، وَيَرْجِعُ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَنَسِيتُ الْمَغْرِبَ، وَكَانَ لَا يُبَالِي تَأْخِيرَ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ» -قَالَ: ثُمَّ قَالَ: إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ- قَالَ: «وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ ويَعْرِفُ أَحَدُنَا جَلِيسَهُ الَّذِي كَانَ يَعْرِفُهُ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِيهَا مِنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عن أبى المنهال) هو سيار بن سلامة البصري، الرياحي بالمثناة التحتية. روى عن أبى برزة الأسلمى وأبى العالية وأبى مسلم الجرميّ وابن حوشب وغيرهم. وعنه سليمان التيمى وخالد الحذاء ويونس بن عبيد وعوف الأعرابى وكثيرون. وثقه العجلى والنسائى وابن سعد وابن معين وابن حبان وقال أبو حاتم صدوق صالح الحديث. مات سنة تسع وعشرين ومائة. روى له الجماعة (قوله عن أبى برزة) بفتح الموحدة وسكون الراء هو نضلة بن عبيد ويقال ابن عائذ الأسلمي الصحابى أسلم قديما وشهد فتح مكة. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ستة وأربعون حديثا اتفق الشيخان على حديثين

أقوال الأئمة في حكم النوم قبل صلاة العشاء والتحدث بعدها

وانفرد مسلم بأربعة والبخارى بحديثين. وعنه أبو المنهال وأبو عثمان النهدى وكنانة بن نعيم والأزرق بن قيس وآخرون. نزل البصرة وغزا مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبع غزوات ثم غزا خراسان ومات بها في آخر خلافة معاوية أو في أيام يزيد. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله وإن أحدنا ليذهب الخ) أى كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى العصر والحال أن الواحد منا يذهب بعد الصلاة إلى رحله بأبعد مكان من المدينة ويرجع من رحله إلى المسجد والشمس بيضاء نقية لم تدخلها صفرة. وهذا ظاهر سياق المصنف. وسياق رواية البخارى من طريق شعبة والعصر وأحدنا يذهب إلى أقصى المدينة ويرجع والشمس حية فقوله ويرجع هذا في رواية. وفى رواية أبى ذرّ والأصيلى رجع والشمس حية. ويخالفه ما رواه البخارى من طريق عبد الله بن المبارك عن عوف ولفظه ويصلى العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية فليس فيه إلا الذهاب فقط. ورواية أحمد عن حجاج ابن محمد عن شعبة بلفظ والعصر يرجع الرجل إلى أقصى المدينة والشمس حية. ولمسلم والنسائي من طريق خالد بن الحارث عن شعبة مثله لكن بلفظ يذهب بدل يرجع ففيها التصريح بأن المراد بالرجوع من المسجد إلى أقصى المدينة "فعلى" هذا لا ينبغى أن يعتمد على ما في ظاهر سياق لفظ أبى داود من أن المراد من الرجوع الرجوع من أقصى المدينة إلى المسجد بل يجب أن يؤوّل في سياق أبى داود بأن قوله ويرجع عطف تفسيرىّ ليذهب ويكون تقديره وإن أحدنا ليذهب أى يرجع إلى أقصى المدينة والشمس حية فعلى هذا تتوافق جميع الروايات (قوله ونسيت المغرب) أى قال أبو المنهال نسيت ما قاله أبو برزة في بيان وقت صلاة المغرب (قوله ثم قال إلى شطر الليل الخ) أى ثم قال أبو برزة مرّة أخرى كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يبالى بتأخير صلاة العشاء إلى نصف الليل وكان يكره النوم قبلها لخوف فوات وقتها باستغراق النوم ولئلا يتساهل الناس في ذلك فيناموا عن صلاتها في جماعة (قال) الترمذى كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها. ورخص في ذلك بعضهم وقال عبد الله بن المبارك أكثر الأحاديث على الكراهة ورخص بعضهم في النوم قبل صلاة العشاء في رمضان اهـ (وقال) النووى إذا غلبه النوم لم يكره له إذا لم يخف فوات الوقت (وقال) ابن سيد الناس في شرح الترمذى وقد كرهه "أى النوم قبل صلاة العشاء" جماعة وأغلظوا فيه (منهم) عمر وابنه وابن عباس وإليه ذهب مالك (ورخص) فيه بعضهم منهم علىّ وأبو موسى وهو مذهب الكوفيين. وشرط بعضهم أن يجعل معه من يوقظه لصلاتها. وروى عن ابن عمر مثله وإليه ذهب الطحاوى (وقال) ابن العربى إن ذلك جائز لمن علم من نفسه اليقظة قبل خروج الوقت بعادة أو يكون معه من يوقظه (واحتج) من قال بالكراهة بحديث الباب (واحتج) من قال بعدم الكراهة

بما أخرجه البخارى وغيره من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أعتم بالعشاء حتى ناداه عمر نام النساء والصبيان ولم ينكر عليهم. وبحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شغل عنها ليلة فأخرها حتى رقدنا في المسجد ثم استيقظنا ثم رقدنا ثم استيقطنا ثم خرج علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "الحديث" ولم ينكر عليهم (قال) ابن سيد الناس وما أرى هذا من هذا الباب ولا نعاسهم في المسجد وهم في انتظار الصلاة من النوم المنهى عنه وإنما هو من السنة التى مبادئُ النوم أفاده في النيل (قوله والحديث بعدها) أى كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يكره التحدّث بكلام الدنيا بعد صلاة العشاء لا بعد دخول وقتها ليكون آخر عمله عبادة فإن النوم أخو الموت (وممن) قال بكراهة التحدّث بعد صلاة العشاء جماعة منهم سعيد بن المسيب قال لأن أنام عن العشاء أحب إلىّ من اللغو بعدها (وكان) عمر بن الخطاب يضرب الناس على ذلك ويقول أسمر أول الليل ونوما آخره وذلك لأنه يؤدى إلى السهر فيخشى منه إذا نام أن يفوته قيام الليل أو صلاة الصبح في وقتها المختار أو الجائز ولأن السهر في الليل سبب للكسل في النهار عما يطلب من حقوق الدين والطاعات والمصالح الأخرى (وقال) النووى ومن المحرّم قراءة نحو سيرة البطال وعنترة وغيرهما من الأخبار الكاذبة وأما الحديث في خير أو لعذر فلا كراهة فيه اهـ (وقال) الحافظ إن هذه الكراهة مخصوصة بما إذا لم يكن في أمر مطلوب اهـ ومن هذا يعلم أن المكروه من الحديث بعد العشاء ما كان في أمور لا مصلحة فيها أما ما فيه مصلحة كمدارسة علم وحكايات الصالحين ومحادثة الرجل أهله وأولاده ومحادثة المسافرين لحفظ متاعهم أو أنفسهم أو الحديث في مصالح المسلمين فلا كراهة فيه لما روى الترمذى من حديث عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسمر هو وأبو بكر في الأمر من أمور المسلمين وأنا معهم (قوله ويعرف أحدنا جليسه) أى بعد الانصراف من صلاة الصبح ويؤيد هذا ما في رواية مسلم وكان يصلى الصبح فينصرف الرجل فينظر إلى وجه جليسه الذى يعرف فيعرفه وما في رواية البخارى من طريق عوف وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه وفى بعض النسخ وما يعرف أحدنا جليسه بزيادة ما النافية، وعلى فرض صحتها فيحمل عدم المعرفة على ما قبل الشروع في الصلاة والمعرفة على ما بعد الفراغ منها (قوله وكان يقرأ فيها من الستين إلى المائة) أى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ بهذا القدر من الآيات وربما يزيد وقدّرها في رواية للطبراني بسورة الحاقة (واستدلّ) بهذا الحديث من قال يستحب التعجيل بصلاة الصبح لأن ابتداء معرفة الإنسان وجه جليسه يكون في أواخر الغلس. وقد صرّح بأن ذلك كان عند الفراغ من الصلاة. وكان من عادته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترتيل القراءة وتعديل الأركان فمقتضى ذلك أنه كان يدخل فيها مغلسا (وادعى) الزين ابن المنير أنه مخالف لحديث عائشة الآتى

باب في وقت صلاة الظهر

حيث قالت فيه لا يعرفن من الغلس (وردّ) بأنه لا مخالفة بينهما فإن حديث أبى برزة متعلق بمعرفة من هو مسفر جالس إلى جانب المصلى وحديث عائشة متعلق بمن هو مستور بعيد (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أفضلية الصلاة أول وقتها، وعلى جواز تأخير صلاة العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه، وعلى كراهية النوم قبلها والحديث بعدها. ومحله ما لم يكن لمصلحة كما تقدّم، وعلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يطيل القراءة في صلاة الصبح (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه وأخرج الترمذى طرفا منه بلفظ كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها (باب وقت صلاة الظهر) أى في بيان وقت صلاة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الظهر. وفى نسخة باب في وقت صلاة الظهر. وترجم المصنف لكل وقت على حدته بعد ذكر الأحاديث التي فيها معرفة الأوقات لزيادة الإيضاح (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَمُسَدَّدٌ قَالَا: نَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كُنْتُ أُصَلِّي الظُّهْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَآخُذُ قَبْضَةً مِنَ الْحَصَى لِتَبْرُدَ فِي كَفِّي أَضَعُهَا لِجَبْهَتِي أَسْجُدُ عَلَيْهَا لِشِدَّةِ الْحَرِّ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عباد بن عباد) بن حبيب بن المهلب أبو معاوية العتكي المهلبى الأزدى البصرى. روى عن هشام بن عروة وعاصم الأحول ويونس بن خباب. وعنه قتيبة بن سعيد وسليمان بن حرب وابن معين وأحمد وآخرون. وثقه يعقوب بن شيبة وأبو داود وابن خراش والعجلى والعقيلى وأبو أحمد المروزى وابن قتيبة وابن معين والنسائى وابن حبان وقال أبو حاتم صدوق لا بأس به قيل له يحتج بحديثه قال لا وقال ابن سعد كان ثقة وربما غلط وقال في موضع آخر لم يكن بالقوى في الحديث وقال ابن جرير الطبرى كان ثقة غير أنه كان يغلط أحيانا. مات في رجب سنة ثمانين أو إحدى وثمانين ومائة. روى له الجماعة (قوله سعيد ابن الحارث) بن أبى سعيد بن المعلى الأنصارى. روى عن ابن عمر وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدرى وأبى هريرة. وعنه محمد بن عمرو وعمرو بن الحارث وفليح بن سليمان وعمارة ابن غزية. قال في الخلاصة موثق وقال ابن معين مشهور ووثقه يعقوب بن سفيان وذكره ابن حبان

جواز سجود المصلي على ثوبه المتصل به وبالأرض لاتقاء حرها

في الثقات. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله فآخذ قبضة) بتسهيل الهمزة والقبضة بفتح القاف وضمها لغة ملء اليد من الشئ مع ضم الأصابع عليه (قوله لتبرد) أى لتسكن حرارة ما فيها من الحصى فنسبة البرودة إلى القبضة مجاز وهو من برد الشئ برودة مثل سهل سهولة إذا سكنت حرارته وأما برد بردا من باب قتل فيستعمل لازما ومتعدّيا يقال برد الماء وبرّدته (قوله لجبهتى) أى موضع سجودى (وظاهر) هذا أنهم كانوا يصلون الظهر في أول وقتها. ولا معارضه بينه وبين حديث الإبراد لأن الأحاديث الدالة على أفضلية الصلاة أول الوقت عامة أو مطلقة وحديث الإبراد خاص أو مقيد ولا تعارض بين خاص وعامّ ولا بين مطلق ومقيد (وقال) الحافظ في الفتح ظاهر الأحاديث والواردة في الأمر بالإبراد يعارضه فمن قال الإبراد رخصة فلا إشكال ومن قال سنة فإما أن يقول التقديم المذكور رخصة وإما أن يقول منسوخ بالأمر بالإبراد. وأحسن منهما أن يقال إن شدّة الحرّ قد توجد مع الإبراد فيحتاج إلى السجود على الثوب أو إلى تبريد الحصى لأنه قد يستمرّ حرّه بعد الإبراد ويكون فائدة الإبراد وجود ظل يمشى فيه إلى المسجد أو يصلي فيه في المسجد أشار إلى هذا الجمع القرطبي ثم ابن دقيق العيد اهـ (قوله أسجد عليها) أى على القبضة من الحصى. وظاهره أنه لا يجوز السجود إلا على الجبهة ولو جاز السجود على ثوب هو لابسه أو الاقتصار في السجود على الأرنبة دون الجبهة لم يحتج إلى هذا الصنيع لكن يعارض هذا الظاهر ما جاء في رواية للبخارى من طرق بشر بن المفضل عن غالب القطان عن بكر بن عبد الله عن أنس بن مالك قال كنا نصلى مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحرّ في مكان السجود. وله من طريق أخرى عن خالد بن عبد الرحمن عن غالب سجدنا على ثيابنا اتقاء الحرّ. وفي رواية مسلم فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه "فهذه" الأحاديث تدلّ على جواز السجود على الثوب المتصل بالمصلى للحيلولة بين المصلى وبين الأرض لاتقاء حرّها. ولا معارضة بينهما لأن حديث الباب محمول على أن جابرا الذى كان يبرّد الحصى لم يكن في ثوبه شئ زائد عما يستره ليسجد عليه بخلاف ما في الأحاديث الأخر (فقه الحديث) والحديث يدلّ على طلب تعجيل صلاة الظهر، وعلى مشروعية دفع الضرر حال الصلاة بشئ أجنبيّ عنها، وعلى أن العمل اليسير لا يبطل الصلاة، وعلى الاهتمام بأداء الصلاة ولو مع المشقة، وعلى مراعاة ما يؤدى إلى الخشوع فيها لأن صنيعهم هذا كان لإزالة العبث الذى ينشأ من مباشرة حرارة الأرض حال السجود (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى

ضبط وقت صلاتي الظهر والعصر بالظل والقدم

(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ سَعْدِ بْنِ طَارق، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُدْرِكٍ، عَنِ الْأَسْوَدِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: «كَانَتْ قَدْرُ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي الصَّيْفِ ثَلَاثَةَ أَقْدَامٍ إِلَى خَمْسَةِ أَقْدَامٍ، وَفِي الشِّتَاءِ خَمْسَةَ أَقْدَامٍ إِلَى سَبْعَةِ أَقْدَامٍ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عبيدة) بفتح العين المهملة وكسر الموحدة (ابن حميد) بن صهيب أبو عبد الرحمن الحذاء (قوله عن أبى مالك الأشجعى سعد بن طارق) الكوفي. روى عن أبيه وأنس بن مالك وعبد الله بن أبى أوفى وغيرهم. وعنه الثورى وخلف ابن خليفة وابن إسحاق وشعبة وأبو عوانة وجماعة. وثقه أحمد والعجلى وابن إسحاق وابن نمير وابن معين وقال ابن عبد البر لا أعلمهم يختلفون في أنه ثقة وقال النسائى ليس به بأس وقال أبو حاتم يكتب حديثه. روى له الجماعة إلا البخارى (قوله كثير بن مدرك) بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر الراء الأشجعى أبى مالك الكوفى. روى عن علقمة بن قيس والأسود وعبد الرحمن بن يزيد. وعنه حصين بن عبد الرحمن ومنصور بن المعتمر وأبو مالك الأشجعى وثقه العجلى وابن حبان. روى له مسلم وأبو داود والنسائى. و (الأسود) بن زيد (معنى الحديث) (قوله كانت قدر صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) وفي بعض النسخ كان قدر الخ وهي رواية النسائى. والمراد من الصلاة صلاة الظهر أى كان تأخير رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لصلاة الظهر في الصف منتهيا بصيرورة ظلّ كل إنسان ثلاثة أقدام إلى خمسة أى بقدم نفسه. وكان ابتداء صلاته الظهر في الشتاء إذا صار ظلّ كل إنسان خمسة أقدام إلى سبعة على حسب قصر ظل الفئ وطوله (قال) الدهلوى الظلّ الأصلى في المدينة يكون في ابتداء الشتاء خمسة أقدام وفى شدة الشتاء يكون سبعة أقدام وفي ابتداء الصيف يكون ثلاثة أقدام فتكون الصلاة في هذه الأيام على هذا الظل في أول الوقت ويكون الظل الأصلى في شدة الحرّ نصف القدم فصلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على خمسة أقدام في الصيف كانت للإبراد اهـ (وقال) الخطابى هذا أمر يختلف في الأقاليم والبلدان ولا يستوى في جميع المدن والأمصار وذلك أن العلة في طول الظل وقصره هو زيادة ارتفاع الشمس في السماء وانحطاطها فكلما كانت أعلى وإلى محاذاة الرءوس في مجراها أقرب كان الظل أقصر وكلما كانت أخفض ومن محاذاة الرءوس أبعد كان الظل أطول ولذلك ترى ظلال الشتاء أبدا أطول

من ظلال الصيف في كل مكان. وكانت صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمكة والمدينة وهما من الإقليم الثانى. ويذكرون أن الظل فيهما في أول الصيف ثلاثة أقدام وشيء ويشبه أن تكون صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا اشتدّ الحرّ متأخرة عن الوقت المعهود قبله فيكون الظل عند ذلك خمسة أقدام. وأما الظل في أول الشتاء فإنه يكون خمسة أقدام أو خمسة أقدام وشيئا وفي شدة الشتاء يكون الظل سبعة أقدام أو سبعة أقدام وشيئا فقول ابن مسعود ينزّل على هذا التقدير في ذلك الإقليم دون سائر الأقاليم والبلدان التى هى خارجية عن الإقليم الثانى اهـ بتصرّف (ويعرف) الزوال بزيادة ظل الشئ على ظله وقت الاستواء أو بحدوثه إن لم يبق وقته ظل. وإذا أردت معرفة ذلك فاغرز خشبة مستوية في أرض مستوية واجعل عند منتهى. ظلها علامة فما دام الظل ينقص فالشمس لم تزل ومتى وقف فهو وقت الاستواء وحينئذ فاجعل علامة على رأس الظل فما بين العلامة وأصل العود هو فئ الزوال. وإذا أخذ الظل في الزيادة علم أن الشمس زالت فإذا لم تجد ما تغرزه فاعتبر قامتك. وقامة كل إنسان سبعة أقدام بقدمه على المشهور (وعن) محمد بن الحسن أن علامة الزوال أن يستقبل القبلة فما دامت الشمس على حاجبه الأيسر فالشمس لم تزل وإن صارت على حاجبه الأيمن فقد زالت، وهذا إذا كان المشرق إلى يساره كمن بالمدينة أما إذا كان إلى يمينه كمن باليمين فبالعكس وإذا كان المشرق أمامه كمن بجدّة فمتى صارت الشمس على القفا فقد زالت وإذا كانت القبلة إلى الغرب كمن بنجد والعراق فمتى صارت الشمس على الوجه فقد زالت (وقد ذكر) السيوطى ضابطا لظل الاستواء في القطر المصرى مراعيا فيه الأشهر القبطية لعدم اختلافها من أول طوبة إلى كيهك ناظما ذلك بقوله نظمتها بقولى المشروح ... حروفه طزه جبا أبدو حى 579 123 1086421 وهذه الحروف إشارة إلى عدد الأقدام التى يعرف بها الزوال في الشهور القبطية فالطاء إلى طوبة والزاى إلى أمشير والهاء إلى برمهات والجيم إلى برمودة والباء إلى بشنس والألفان إلى بؤنة وأبيب والباء إلى مسرى والدال إلى توت والواو إلى بابة والحاء إلى هاتور والياء إلى كيهك (ومن) أراد معرفة دخول وقت العصر يزيد سبعة أقدام على أقدام ظل الزوال. مثلا ظل الزوال في أول طوبة يكون تسعة أقدام فمتى بلغ الظل ستة عشر قدما فقد دخل وقت العصر، ولا بدّ أن يكون الواقف الذى يريد معرفة الظل واقفا على أرض مستوية مكشوف الرأس غير منتعل (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن الظل بالنظر لوقت الصلاة لا يلزم حالة واحدة بل يكون في الشتاء. أطول منه في الصيف، وعلى مشروعية ضبط أوقات الصلاة بقياس الظل بالقدم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والحاكم والبيهقي

(ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، نَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ قَالَ: أَبُو دَاوُدَ أَبُو الْحَسَنِ هُوَ مُهَاجِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ الظُّهْرَ فَقَالَ: «أَبْرِدْ». ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ: «أَبْرِدْ» -مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا- حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله أبو الحسن هو مهاجر) التيمى مولى تيم الله الكوفى الصائغ روى عن البراء بن عازب وابن عباس وعمرو بن ميمون وزيد بن وهب وآخرين. وعنه الثورى وشعبة ومسعر وشريك وطائفة. ووقه ابن حبان وأحمد وابن معين والنسائى ويعقوب بن سفيان والعجلى وقال أبو حاتم لا بأس به. روى له البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائى (معنى الحديث) (قوله فأراد المؤذن الخ) هو بلال كما صرح به في بعض الروايات. وظاهر هذه الرواية ورواية للبخارى أن المؤذن لم يؤذن. وفى رواية للبخارى ومسلم أذن مؤذن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الظهر. ولا تنافى بينهما لأن قوله أذن أى أراد أن يؤذن أو شرع في الأذان فلما قيل له أبرد تركه (قوله فقال أبرد الخ) أى أخر الأذان حتى ينكسر حرّ الظهيرة. وكرّرها مرتين أو ثلاثا بالشك فيها. وفي رواية للبخارى ذكر الثلاث بدون شك. وكرّر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الأمر بالإبراد لتكرّر إرادة المؤذن الأذان مرّتين أو ثلاثا "فإن قيل" الإبراد للصلاة فكيف أمر المؤذن به للأذان "فالجواب" أنه لما جرت عادتهم أنهم لا يتخلفون عند سماع الأذان عن الحضور إلى الجماعة كان الإبراد بالأذان إبرادا بالصلاة. ويحتمل أن المراد بالأذان الإقامة ويؤيده رواية الترمذى عن أبى ذرّ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان في سفر ومعه بلال فأراد أن يقيم فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أبرد ثم أراد أن يقيم فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أبرد في الظهر (قوله حتى رأينا فيء التلول) هو غاية للإبراد أى قال له أبرد فأبرد إلى أن أبصرنا فيء التلول. والفيء بفتح الفاء وسكون المثناة التحتية ما بعد الزوال من الظلّ كما تقدّم. والتلول جمع تلّ وهو ما اجتمع على الأرض من نحو تراب أو رمل وهي في الغالب منبطحة غير شاخصة فلا يظهر لها الظلّ إلا إذا ذهب أكثر وقت الظهر (وقال) القاضى عياض التلول لا يظهر ظلها إلا بعد تمكن الظلّ واستطالته بخلاف الأشياء المنتصبة التي يظهر ظلها في أسفلها سريعا لاعتدال أسفلها

وأعلاها اهـ (واختلف) في غاية الإبراد فقيل حتى يصير الظلّ ذراعا بعد ظلّ الزوال. وقيل ربع قامة. وقيل ثلثها. وقيل نصفها (وقال) المازرى هي على اختلاف الأوقات والجارى على القواعد أنه يختلف باختلاف الأحوال لكن يشترط أن لا يمتدّ إلى آخر الوقت. أما ما وقع عند المصنف وكذا البخارى عن مسلم بن إبراهيم بلفظ حتى ساوى الظلّ التلول ظاهره يقتضى أنه أخرها إلى أن صار ظلّ كل شئ مثله فيحتمل أن يراد بهذه المساواة ظهور الظلّ بجنب التلّ بعد أن لم يكن ظاهرا فساواه في الظهور لا في المقدار. أو يقال كان ذلك في السفر فلعله أخرها حتى يجمعها مع العصر اهـ من الفتح (قوله إن شدة الحرّ من فيح جهنم) تعليل لمشروعية التأخير المذكور. والحكمة فيه دفع المشقة لكونها قد تسلب الخشوع وهذا أظهر. أو أنها الحالة التي ينتشر فيها العذاب. ويؤيده حديث عمرو بن عبسة عند مسلم حيث قال له أقصر عن الصلاة عند استواء الشمس فإنها ساعة تسجر فيها جهنم "وقد استشكل" هذا بأن الصلاة سبب الرحمة ففعلها مظنة لطرد العذاب فكيف أمر بتركها "وأجاب" عنه أبو الفتح اليعمرى بأن التعليل إذا جاء من جهة الشارع وجب قبوله وإن لم يفهم معناه. واستنبط له الزين بن المنير معنى يناسبه فقال وقت ظهور أثر الغضب لا ينجع فيه الطلب إلا ممن أذن له فيه والصلاة لا تنفك عن كونها طلبا ودعاء فناسب الاقتصار عنها حينئذ وظاهره أن مثار وهج الحرّ من فيح جهنم حقيقة لما روى أن الله تعالى أذن لجهنم في نفسين نفس في الصيف ونفس في الشتاء. ويحتمل أن يكون على التشبيه والتقريب أى كأن شدّة الحرّ من نار جهنم فاحذروها واجتنبوا ضررها (قال) النووى الأول هو الصواب لأنه ظاهر الحديث ولا مانع من حمله على حقيقته (قوله فأبردوا بالصلاة) أى أخروا أداءها عن وقت الهاجرة إلى حين برد النهار وانكسار شدّة الحرّ. ويحتمل أن المعنى ادخلوا الصلاة في وقت البرد. والمراد صلاة الظهر لأنها الصلاة التي يشتدّ فيها الحرّ غالبا (وقال) أشهب المراد بالصلاة الظهر والعصر. ولعلّ وجهه أن وقت هاتين الصلاتين مظنة اشتداد الحرّ دون غيرهما (وظاهر) الحديث يدلّ على وجوب الإبراد وبه قال بعضهم كما حكاه القاضى عياض (وذهب) الجمهور إلى أن الأمر فيه للندب وقيل للإرشاد. والقرينة الصارفة عن الوجوب أنه لما كانت الحكمة في الإبراد دفع المشقة عن المصلى كان ذلك من باب النفع له فلو كان الأمر للوجوب لكان حرجا وتضييقا عليه فيعود الأمر عليه بالمضرّة وهذا خلف (وخصّ) الجمهور ندبية الإبراد بشدّة الحرّ كما يشعر بذلك التعليل ولما رواه النسائى عن أنس قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا كان الحرّ أبرد بالصلاة وإذا كان البرد عجل (وظاهر) الأحاديث يدلّ على أنه لا فرق بين الجماعة والمنفرد في الإبراد بالصلاة (وإلى هذا) ذهب أحمد وإسحاق والكوفيون وابن المنذر (وقال) أكثر المالكية الأفضل للمنفرد التعجيل. لكن مقتضى التعليل الذى يتسبب عنه ذهاب

الخشوع أنه لا فرق بين المنفرد وغيره (وخصه) الشافعى بالبلد الحارّ لظاهر التعليل. وقيد الجماعة بما إذا كانوا يأتون المسجد من بعيد وإذا كانوا مجتمعين أو يمشون في ظل فالأفضل التعجيل لكن ظاهر الأحاديث عدم الفرق كما علمت (وذهب) الهادى والقاسم وغيرهما إلى أن تعجيل الظهر أفضل مطلقا متمسكين بما رواه مسلم وابن ماجه والمصنف عن جابر بن سمرة قال كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى الظهر إذا دحضت الشمس "أى زالت عن وسط السماء" وبأحاديث أفضلية الوقت كحديث أبى ذرّ قال سألت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أىّ العمل أحبّ إلى الله تعالى قال الصلاة لوقتها "أى لأول وقتها" وبحديث خباب عند مسلم شكونا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حرّ الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا "أى لم يعذرنا" ولم يجبنا فيما سألنا زاد ابن المنذر والبيهقى وقال إذا زالت الشمس فصلوا (وتأولوا حديث) الإبراد بأن معنى أبردوا صلوا أول الوقت أخذا من برد النهار وهو أوله وهو تأويل بعيد لأن التعليل بشدّة الحرّ يردّه ما رواه البخارى عن أبى ذرّ قال أذن مؤذن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الظهر فقال أبرد أبرد أو قال انتظر انتظر وقال شدّة الحرّ من فيح جهنم حتى رأينا فيء التلول (ويجاب) عما تقدّم بأن الأحاديث الواردة في تعجيل الظهر وأفضلية أول الوقت عامة أو مطلقة وحديث الإبراد خاص أو مقيد ولا تعارض بين عام وخاص ولا بين مطلق ومقيد كما تقدم (ويجاب) أيضا عن حديث خباب بأنه كما قال الأثرم والطحاوى منسوخ (قال) الطحاوى يدلّ على نسخه حديث المغيرة كنا نصلى بالهاجرة فقال لنا أبردوا فبين أن الإبراد كان بعد التهجير. أو يحمل حديث خباب على أن القوم طلبوا تأخيرا زائدا على قدر الإبراد لأن الإبراد أن يؤخر بحيث يصير للحيطان فيء يمشون فيه ويتناقص الحرّ (وبعضهم) حمل حديث الإبراد على ما إذا صار الظل فيئا وحديث خباب على ما إذا كان الحصى لم يبرد لأنه لا يبرد حتى تصفرّ الشمس فلذلك رخص في الإبراد ولم يرخص في التأخير إلى خروج الوقت (وقال) النووى اختلف العلماء في الجمع بين هذين الحديثين فقال بعضهم الإبراد رخصة والتقديم أفضل واعتمدوا حديث خباب وحملوا حديث الإبراد على الترخيص والتخفيف في التأخير (وبهذا قال) بعض أصحابنا وغيرهم (وقال) جماعة حديث خباب منسوخ بأحاديث الإبراد (وقال) آخرون المختار استحباب الإبراد لأحاديثه. وأما حديث خباب فمحمول على أنهم طلبوا تأخيرا زائدا على قدر الإبراد لأن الإبراد أن يؤخر بحيث يحصل للحيطان فيء يمشون فيه ويتناقص الحرّ اهـ (وقال) في النيل وعلى فرض عدم إمكان الجمع فرواية الخلال عن المغيرة بلفظ كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الإبراد. وقد صحح أبو حاتم وأحمد حديث المغيرة وعدّه البخارى محفوظا من أعظم

الأدلة الدالة على النسخ كما قاله الأثرم والطحاوى. ولو سلمنا جهل التاريخ وعدم معرفة المتأخر لكانت أحاديث الإبراد أرجح لأنها في الصحيحين بل في جميع الأمهات بطرق متعدّدة وحديث خباب في مسلم فقط ولا شك أن المتفق عليه يقدّم وكذا ما جاء من طرق اهـ (فقه الحديث) والحديث يدل على مشروعية تأخير الأذان لصلاة الظهر عن أول الوقت إذا اشتد الحرّ، وعلى أن من أمر بشئ يطلب منه أن يبين حكمته (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والبيهقى والنسائى وابن ماجه والطبرانى في معجمه وأبو بكر بن أبى شيبة في مصنفه وأحمد والترمذى وقال حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الْهَمْدَانِيُّ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ، أَنَّ اللَّيْثَ حَدَّثَهُمْ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ» قَالَ: ابْنُ مَوْهَبٍ: «بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» (ش) (قوله الليث) بن سعد. و (ابن شهاب) هو محمد بن مسلم الزهرى. و (أبو سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن (قوله فأبردوا عن الصلاة) هذا لفط قتيبة أى أخروا الصلاة فهو على التضمين. وعن قيل زائدة أو بمعنى الباء أو للمجاوزة أى تجاوزوا وقتها المعتاد إلى أن تنكسر شدة الحرّ والمراد بالصلاة الظهر كما تقدم (قوله قال ابن موهب بالصلاة) أى قال يزيد بن خالد ابن موهب في روايته أبردوا بالصلاة بباء الجرّ. وتقدم بيان الحديث مستوفى (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والبيهقي والترمذى وقال حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، «أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ الظُّهْرَ إِذَا دَحَضَتِ الشَّمْسُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله حماد) بن سلمة (قوله جابر بن سمرة) بن جنادة ويقال ابن عمرو بن جندب بن حجير السوائى أبى عبد الله له ولأبيه صحبة. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ستة وأربعون ومائة حديث اتفق الشيخان على حديثين وانفرد مسلم بستة وعشرين. روى عن أبيه وسعد ان أبى وقاص وعمر وعلى وأبى أيوب وغيرهم. وعنه

باب وقت العصر

عبد الملك بن عمير وعامر بن سعد بن أبى وقاص وتميم بن طرفة وعامر الشعبى وسماك بن حرب وآخرون. مات بالكوفة سنة اثنتين أو ثلاث وسبعين. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله إذا دحضت الشمس) أى زالت عن كبد السماء. وأصل الدحض الزلق يقال دحضت رجله أى زلت عن موضعها وأدحضت حجة فلان أى أزلتها وأبطلتها. وفى رواية مسلم كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي الظهر إذا دحضت الشمس (قال) النووى فيه دليل على استحباب تقديمها وبه قال الشافعى والجمهور (وقال) العيني لا دليل فيه على ذلك لأن الذى يبرد بها يصدق عليه أنه صلاها بعد أن دحضت الشمس اهـ فلا منافاة بين هذا الحديث والذى قبله (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه (باب وقت العصر) أى في بيان وقت صلاة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العصر. وفى بعض النسخ باب ما جاء في وقت العصر، وفى بعضها باب في وقت صلاة العصر (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ» وَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْعَوَالِي وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ. (ش) (قوله والشمس بيضاء مرتفعة حية) المراد بحياتها شدّة حرّها (قوله ويذهب الذاهب إلى العوالى) وفى رواية البخارى ثم يخرج إنسان إلى بنى عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر. والعوالى هى القرى التى شرق المدينة أبعدها على ثمانية أميال من المدينة وأقربها على ميلين (قال) في الفتح العوالى عبارة عن القرى المجتمعة حول المدينة من جهة نجدها وأما ما كان من جهة تهامتها فيقال لها السافلة اهـ (وفى الحديث) دلالة على استحباب المبادرة بصلاة العصر أول وقتها لأنه لا يمكن أن يذهب الذاهب بعد صلاة العصر ميلين أو ثلاثا والشمس لم تتغير بصفرة إلا إذا صلى العصر حين صار ظل كل شئ مثله. ولا يكاد يحصل هذا إلا في الأيام الطويلة (وفيه) دليل أيضا لمذهب جمهور العلماء على أن وقت العصر يدخل إذا صار ظل الشيء مثله سوى فئ الزوال وبه قال أبو يوسف ومحمد والحسن وزفر والطحاوى وهو رواية الحسن عن أبى حنيفة وهو الأظهر المأخوذ به وبه يفتى ويدلّ عليه أخبار وآثار كثيرة (وقال) أبو حنيفة

مذاهب الأئمة في حكم المبادرة بصلاة العصر

في المشهور عنه لا يدخل وقت العصر حتى يصير الظل مثليه كما تقدم واستدلّ على ذلك بقول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أبردوا بالظهر بمعنى صلوها إذا سكنت شدّة الحرّ واشتداد الحرّ في ديارهم يكون في وقت صيرورة ظل كل شيء مثله ولا يفتر الحرّ إلا بعد المثلين فإذا تعارضت الأخبار يبقى ما كان على ما كان ووقت الظهر ثابت بيقين فلا يزول بالشكّ ووقت العصر ما كان ثابتا فلا يدخل بالشك، وأما حديث ابن عباس وجابر وغيرهما فلا يدل على أن لا يكون ما وراء القامة وقتا للظهر ألا ترى أن جبريل عليه السلام أمّ للفجر في اليوم الثانى حين أسفر والوقت يبقى بعده إلى طلوع الشمس وكذلك صلى العشاء حين ذهب ثلث الليل والوقت يبقى بعده إلى طلوع الفجر لكن قوله "إن شدّة الحرّ تكون في وقت صيرورة ظل كل شيء مثله ولا يفتر الحرّ إلا بعد المثلين "غير مسلم" لأن قول أبى ذرّ في روايته المتقدمة للمصنف حتى رأينا فيء التلول يدل على أن نهاية الإبراد مجرّد ظهور الظل لا بصيرورة ظل كل شيء مثله "وقوله" إن حديث ابن عباس ليس فيه ما يدل على أن ما وراء القامة ليس وقتا للظهر "مردود" بقول جبريل فيه والوقت ما بين هذين فإنه صريح في أن ما وراء القامة ليس وقتا للظهر "واستدلاله" بما رواه ابن ماجه وأبو داود عن على بن شيبان قال قدمنا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية. وبما رواه ابن أبى شيبة من حديث جابر قال صلى بنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين صار ظل كل شئ مثليه "ليس على ما ينبغي" لأنهما إنما يدلان على جواز الصلاة عند المثلين لا على أنه لا يدخل وقت العصر إلا عند ذلك على أن الأحاديث الكثيرة الصحيحة صريحة في أن وقت العصر إذا صار ظل الشيء مثله وأْحاديث المثلين ليست صريحة في أنه لا يدخل وقت العصر إلا إلى المثلين وإنما استنبط منها هذا الأمر. والأمر المستنبط لا يعارض الصريح، على أن جمعا من الفقهاء ذكروا رجوع أبى حنيفه عن قوله بالمثلين إلى المثل (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: وَالْعَوَالِي عَلَى مِيلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: أَوْ أَرْبَعَةٍ (ش) غرض المصنف بهذا الأثر بيان المسافة التي بين العوالى والمدينة (قوله عبد الرزاق) ابن همام. و (معمر) بن راشد (قوله والعوالى الخ) أى الأماكن التي بأعلى أراضى المدينة والنسبة إليها علوىّ على غير قياس. وما ذكره المصنف من التحديد بهذا المقدار بالنظر إلى الأماكن القريبة من العوالى إلى المدينة أما البعيدة فبينها وبين المدينة ثمانية أميال كما تقدم (قال) ابن الأثير

أدناها من المدينة على أربعة أميال وأبعدها من جهة نجد ثمانية اهـ (قوله قال وأحسبه الخ) أى قال معمر وأظن الزهرى قال في الرواية أو أربعة بالشك فيها (ص) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، نَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ: «حَيَاتُهَا أَنْ تَجِدَ حَرَّهَا» (ش) ساق المصنف هذا الأثر لبيان معنى حياة الشمس التي ذكرت في حديث أنس بن مالك السابق (رجال الأثر) (قوله جرير) بن عبد الحميد. و (منصور) بن المعتمر (قوله عن خيثمة) بن عبد الرحمن بن أبي سبرة يزيد بن مالك الجعفى الكوفي. روى عن على وابن عمر وابن عمرو والبراء بن عازب. وعنه أبو إسحاق السبيعى وطلحة بن مصرّف والأعمش وآخرون. قال ابن معين والنسائى والعجلى وابن حبان تابعى ثقة. قيل مات سنة ثمانين. روى له الجماعة (قوله حياتها أن تجد حرّها) تقدّم أن حياتها مستعارة لبقاء ضوئها وشدة حرارتها وصفاء لونها، وأخرج البيهقى هذا الأثر قال حدثنا أبو صالح بن أبى طاهر ثنا جدّى يحيى بن منصور ثنا أحمد بن سلمة ثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأ جرير عن منصور قال تذاكرنا عبد خيثمة والشمس بيضاء حية فقال أن تجد حرّها (ص) حَدَّثَنَا عَبدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: عُرْوَة، وَلَقَدْ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ» (قوله والشمس في حجرتها) أى ضوء الشمس باق في حجرتها فهو على تقدير مضاف. والحجرة بضم الحاء المهملة وسكون الجيم البيت (قوله قبل أن تظهر) أى قبل أن يرتفع ضوءها من البيت وينبسط الفيء فيه (قال) الخطابى معنى الظهور هنا الصعود والعلوّ يقال ظهرت على الشئ إذا علوته ومنه قوله تعالى "ومعارج عليها يظهرون" والحديث يدل على مشروعية تعجيل صلاة العصر أول وقتها وهو كما تقدّم صيرورة ظلّ كل شيء مثله وهو الذى فهمته عائشة وعروة بن الزبير الراوى عنها ولذا احتج به على عمر بن عبد العزيز في تأخيره صلاة العصر كما تقدّم (وقال) الطحاوى لا دلالة فيه على التعجيل لاحتمال أن الحجرة كانت قصيرة الجدار فلم تكن الشمس تحتجب عنها إلا بقرب غروبها فتدلّ على التأخير لا على التعجيل اهـ لكن الذى ذكره إنما يتصوّر مع اتساع الحجرة وقد عرف بالاستفاضة والمشاهدة أن حجر أزواجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم تكن متسعة ولا يكون ضوء الشمس باقيا في قعر الحجرة الصغيرة إلا والشمس قائمة مرتفعة وإلا فمتى مالت ميلا تاما ارتفع ضوءها عن قعر الحجرة

صفة حجر أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(وقال) الشافعى بعد أن ذكر حديث مالك هذا الحديث من أبين ما روى في أول الوقت لأن حجرة أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في موضع منخفض من المدينة وليست بالواسعة وذلك أقرب لها من أن ترتفع الشمس منها في أول وقت العصر (وقال) النووى كانت الحجرة ضيقة العرصة قصيرة الجدار بحيث كان طول جدارها أقلّ من مسافة العرصة بشئ يسير فإذا صار ظلّ الجدار مثله كانت الشمس أبعد في أواخر العرصة اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والبيهقى والترمذى وقال حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَنْبَرِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْيَمَامِيُّ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ قَالَ: «قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَكَانَ يُؤَخِّرُ الْعَصْرَ مَا دَامَتِ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً» (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن عبد الرحمن) بن عبد الصمد أبو عبد الله البصرى. روى عن ابن مهدى وأمية بن خالد وأبى أمامة وآخرين. وعنه أبو داود وأبو زرعة والبزّار وعبد الله بن أحمد. وثقه ابن حبان وعلىّ بن الحسين. توفى سنة أربع وثلاثين ومائتين. و (العنبرى) نسبة إلى العنبرة قرية بسواحل زبيد (قوله محمد بن يزيد) روى عن يزيد بن عبد الرحمن. وعنه إبراهيم بن أبى الوزير ومحمد بن عبد الرحمن. وهو مجهول كما قاله الذهبي. روى له أبو داود. و (اليمامى) نسبة إلى اليمامة إقليم من بلاد العرب (قوله يزيد بن عبد الرحمن الخ) اليمامى الحنفى. روى عن أبيه عن جدّه حديث الباب. وعنه محمد بن يزيد قال الحافظ والذهبي مجهول. روى له أبو داود (قوله عن أبيه) هو عبد الرحمن بن على بن شيبان الحنفى اليمامى. روى عن أبيه. وعنه ابنه محمد وعبد الله بن بدر ووعلة بن عبد الرحمن وثقه العجلى وابن حبان. روى له أبو داود وابن ماجه (قوله علىّ بن شيبان) بن محرز بن عمرو بن عبد الله الحنفى اليمامى صحابى وفد على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم روى عنه ابنه عبد الرحمن. روى له أبو داود وابن ماجة (معنى الحديث) (قوله فكان يؤخر العصر الخ) يدلّ على مشروعية تأخير صلاة العصر ما لم تصفرّ الشمس وهو مذهب أبى حنيفة وأصحابه وعللوا ذلك بأن في تأخيرها تكثير النوافل

لكن ردّه صاحب التعليق الممجد من الحنفية فقال إنه تعليل في مقابلة النصوص الصحيحة الصريحة الدالة على أفضلية التعجيل وهي كثيرة مروية في الصحاح الستة وغيرها "قال" والحديث لا يدلّ إلا على أنه كان يؤخر العصر ما دام كون الشمس بيضاء وهذا أمر غير مستنكر فإنه لم يقل أحد بعدم جواز ذلك. والكلام إنما هو في أفضلية التأخير وهو ليس ثابت منه "ولا يقال" هذا الحديث يدلّ على أن التأخير كان عادته يشهد به لفظ كان "لأنه" لو دلّ على ذلك لعارضه كثير من الأحاديث القوية الدالة على أن عادته صلى الله عليه وآله وسلم كانت التعجيل فالأولى أن لا يحمل هذا الحديث على الدوام دفعا للمعارضة واعتبار التقديم الأحاديث القوية. على أن حديث عبد الرحمن بن على بن شيبان ضعيف فإنه رواه عنه يزيد بن عبد الرحمن بن على بن شيبان وهو مجهول كما صرّح به في التقريب والخلاصة والميزان. فهذا الحديث الضعيف لا يصلح للاحتجاح به اهـ ببعض تصرّف "واستدلالهم" بما رواه البيهقى والدارقطني عن عبد الواحد أو عبد الحميد بن نافع بسنده إلى رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يأمرهم بتأخير العصر "لا يصلح" للاستدلال به لأنه ضعيف فإن في سنده عبد الله بن رافع قال الدارقطنى ليس بالقوى ولم يرو عنه غير عبد الواحد ولا يصح هذا الحديث عن رافع ولا عن غيره من الصحابة وقد روى الدارقطنى والبيهقى هذا الحديث وقالا إن روايته بهذا اللفظ خطأ وساقه البيهقى بلفظ آخر بسنده إلى الأوزاعي حدثنى أبو النجاشيّ حدثني رافع بن خديج قال كنا نصلى مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة العصر ثم تنحر الجزور فتقسم عشر قسم ثم نطبخ فنأكل لحما نضيجا قبل أن تغيب الشمس رواه البخارى في الصحيح عن محمد بن يوسف عن الأوزاعي ورواه مسلم عن محمد بن مهران الرّازى عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي وهذه الرواية الصحيحة عن رافع بن خديج تدل على خطأ ما رواه عبد الواحد أو عبد الحميد بن نافع أو نفيع الكلابى عن ابن رافع بن خديج عن أبيه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يأمرهم بتأخير العصر وهو مختلف في اسمه واسم أبيه واختلف عليه في اسم ابن رافع فقيل فيه عبد الله وقيل عبد الرحمن (قال) البخارى لا يتابع عليه واحتج على خطئه بحديث أبى النجاشي عن رافع وقال أبو الحسن الدارقطني فيما أخبرنا أبو بكر بن الحارث عنه هذا حديث ضعيف الإسناد والصحيح عن رافع وغيره ضدّ هذا "وما رواه" الترمذي عن أيوب عن ابن أبى مليكة عن أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أشدّ تعجيلا للظهر منكم وأنتم تعجيلا للعصر منه "لا يدلّ" على التأخير كما زعموا بل الذى فيه أن الذين خاطبتهم أم سلمة كانوا أشدّ تعجيلا للعصر منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهذا لا يدلّ على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يؤخر العصر حتى يكون دليلا على الاستحباب (قال) الفاضل اللكنوى الحنفى هذا الحديث إنما يدلّ

باب في الصلاة الوسطى

على أن التعجيل في الظهر أشدّ من التعجيل في العصر لا على استحباب التأخير اهـ (باب في الصلاة الوسطى) أى في بيان أن الصلاة الوسطى ما هي. وفي بعض النسخ إسقاط هذه الترجمة. وعليها فتكون مناسبة الحديث للترجمة الأولى أن فيه الأمر بالمحافظة على صلاة العصر والأمر بالمحافظة يقتضى أنها موقتة بوقت. وإثبات الترجمة هو الأولى (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: «حَبَسُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا» (ش) (رجال الحديث) (قوله عبيدة) بفتح العين المهملة وكسر الموحدة ابن عمرو ويقال ابن قيس بن عمرو السلماني المرادى. روى عن على وابن مسعود وابن الزبير. وعنه الشعبى وإبراهيم النخعى وعبد الله بن سلمة وابن سيرين وآخرون. قال ابن عيينة كان يوازى شريحا في العلم والقضاء وقال العجلى تابعى ثقة وقال ابن معين ثقة لا يسأل عن مثله ووثقه ابن حبان توفى سنة اثنتين أو ثلاث وسبعين. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله قال يوم الخندق) وهو يوم الأحزاب وكان في شوّال في السنة الرابعة من الهجرة على ما اختاره البخارى. وقيل في السنة الخامسة. وسميت بالأحزاب لاجتماع طوائف من مشركي قريش وغطفان واليهود ومن على شاكلتهم. على حرب المسلمين وكانوا ثلاثة آلاف وكان عدد المشركين اثني عشر ألفا. وسميت الغزوة بالخندق لحفره في زمانها حول المدينة بإشارة سلمان الفارسى لأنه من مكايد الفرس دون العرب فأمر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحفره (وسبب) هذه الغزوة على ما ذكره أهل السير أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما أجلى بني النضير جعل حيىّ بن أخطب يسعى بالغوائل وذهب إلى مكة في رجال من قومه ودعوا قريشا إلى حرب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأخبروهم بأنهم أهدى سبيلا منه وفيهم نزل قوله تعالى "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت" الآية. فلما أجابتهم قريش تقدموا إلى قبائل قيس عيلان فدعوهم إلى مثل ذلك فأجابوهم فسارت تلك القبائل ولما علم بهم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شرع

غزوة الخندق

في حفر الخندق بمشورة سلمان الفارسي وقطع لكل عشرة أربعين ذراعا فجهدوا أنفسهم في حفره متنافسين في الثواب لا ينصرف أحد منهم لحاجة إلا بإذن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يكابد معهم "ففى" صحيح البخارى عن البراء "بن عازب" قال كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى أغمر بطنه أو أغبر بطنه يقول والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا إن الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا ويرفع بها صوته أبينا أبينا. ولما رآهم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يحملون التراب على متونهم وما بهم من النصب والجزع قال: اللهمّ إن العيش عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة فقالوا مجيبين له: نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا وتمام القصة مذكور في كتب أهل السير (قوله حبسونا الخ) وفي رواية لمسلم شغلونا عن صلاة الوسطى أى منعنا الكفار لاشتغالنا بحفر الخندق عن فعل الصلاة الوسطى ففى الكلام حذف وهذا على رأى البصريين الذين يمنعون إضافة الموصوف إلى الصفة أما على رأى الكوفيين المجيزين لذلك فلا حاجة إلى التقدير. والوسطى تأنيث الأوسط من الوسط بمعنى الخيار لأنه الذى يقبل التفاضل فيبنى منه أفعل التفضيل لا من التوسط لأنه لا يقبل التفاضل. وقوله صلاة العصر بدل من الصلاة الوسطى (وهو حجة) لمن قال إن الصلاة الوسطى هى العصر وبه قال على وابن مسعود وأبو أيوب وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد الخدرى وأبو هريرة وعبيدة السلمانى والحسن البصرى وإبراهيم النخعى وقتادة والضحاك والكلبى ومقاتل وأبو حنيفة وأحمد وداود وابن المنذر وكثيرون وقال الترمذى هو قول أكثر العلماء من الصحابه فمن بعدهم اهـ واستدلوا بحديث الباب وبما رواه مسلم من طريق شتير بن شكل عن على شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر وزاد في آخره ثم صلاها بين المغرب والعشاء ولمسلم عن ابن مسعود نحو حديث على وللترمذى والنسائى من طريق زرّ بن حبيش عن علىّ مثله. ولمسلم أيضا من طريق أبى حسان الأعرج عن عبيدة السلمانى عن على قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الأحزاب شغلونا عن الصلاة الوسطى "الحديث" وروى أحمد والترمذى من حديث سمرة رفعه قال صلاة الوسطى صلاة العصر. وروى ابن جرير من حديث أبى هريرة مرفوعا الصلاة الوسطى صلاة العصر. ومن طريق

كهيل بن حرملة سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى فقال اختلفنا فيها ونحن بفناء بيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفينا أبو هاشم بن عتبة فقال أنا أعلم لكم فقام فاستأذن على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم خرج إلينا فقال أخبرنا أنها صلاة العصر. ومن طريق عبد العزيز بن مروان أنه أرسل. إلى رجل فقال أىّ شئ سمعت من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الصلاة الوسطى فقال أرسلنى أبو بكر وعمر أسأله وأنا غلام صغير فقال هى العصر. ومن حديث أبى مالك الأشعرى رفعه الصلاة الوسطى صلاة العصر. وروى الترمذى وابن حبان من حديث ابن مسعود مثله. وروى ابن جرير من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال كان في مصحف عائشة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر. وروى ابن المنذر من طريق مقسم عن ابن عباس قال شغل الأحزاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر حتى غربت الشمس فقال شغلونا عن الصلاة الوسطى. وأخرج أحمد من حديث أم سلمة وأبى أيوب وأبى سعيد وزيد بن ثابت وأبى هريرة وابن عباس من قولهم إنها صلاة العصر (وذهب) عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وابن عباس وابن عمر وجابر وعطاء وعكرمة ومجاهد والربيع بن أنس ومالك والشافعى إلى أنها الصبح واستدلوا بأن الصبح تأتي وقت مشقة البرد في الشتاء وطيب النوم في الصيف وفتور الأعضاء وغفلة الناس. وبورود الأخبار الصحيحة في تأكيد أمرها فخصت بتأكيد الحثّ على المحافظة عليها لكونها معرّضة للضياع بخلاف غيرها. وبما رواه ابن جرير من طريق عوف الأعرابى عن أبى رجاء العطاردى قال صليت خلف ابن عباس الصبح فقنت فيها ورفع يديه ثم قال هذه الصلاة الوسطى التى أمرنا أن نقوم فيها قانتين. وبأنها لا تقصر في السفر. وبأنها بين صلاتي جهر وصلاتي سرّ (أقول) ما ذكروا من الأدلة لا يصلح معارضا لما تقدم من الأحاديث الصحيحة المرفوعة الصريحة في أن المراد بالصلاة الوسطى في الآية صلاة العصر (قال) النووى في شرح المهذب الذى تقتضيه الأحاديث الصحيحة أنها العصر وهو المختار (وقال) صاحب الحاوى نصّ الشافعى رحمه الله تعالى أنها الصبح وصحت الأحاديث أنها العصر ومذهبه اتباع الحديث فصار مذهبه أنها العصر ولا يكون في المسألة قولان كما وهم بعض أصحابنا اهـ وكون الصبح لا تقصر في السفر معارض بأن المغرب كذلك. وكونها بين صلاتي جهر وصلاتي سرّ لا يستلزم أن تكون الآية نازلة فيها وإن اقتضى أنها تسمى وسطى (ونقل) عن زيد بن ثابت وأسامة بن زيد وأبى سعيد الخدرى وعائشة وعبد الله بن شدّاد وهو رواية عن أبى حنيفة أنها الظهر محتجين بأن الظهر متوسطة بين نهاريتين وبأنها في وسط النهار. وبما رواه المصنف والنسائى عن زيد بن ثابت قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلى صلاة أشدّ على أصحابه

منها فنزلت حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقال إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين، وبما رواه أحمد والنسائى عن أسامة بن زيد قال إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلى الظهر بالهجير ولا يكون وراءه إلا الصفّ والصفان والناس في قائلتهم وتجارتهم فأنزل الله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين (وأنت) خبير بأن مجرّد كون صلاة الظهر كانت شديدة على الصحابة لا يستلزم أن تكون الآية نازلة فيها، غاية ما فيه أن المناسب أن تكون الوسطى هي الظهر. ومثل هذا لا يعارض به تلك النصوص الصحيحة الصريحة الثابتة في الصحيحين من طرق متعددة، وعلى فرض أن قول هذين الصحابيين تصريح ببيان سبب النزول لا إبداء مناسبة فلا ينتهض لمعارضة هذه الأحاديث (وقيل) هي المغرب نقله ابن أبى حاتم بإسناد حسن عن ابن عباس قال صلاة الوسطى هي المغرب وبه قال قبيصة بن ذئب (وحجتهم) في ذلك أنها معتدلة في عدد الركعات وأنها لا تقصر في السفر وأن العمل مضى على المبادرة إليها والتعجيل بها في أول غروب الشمس وأن قبلها صلاتى سرّ وبعدها صلاتا جهر. لكن علمت أن ما رواه ابن عباس عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنها العصر والعمل بما رواه لا بما رآه كما تقدم (وذهبت) الإمامية إلى أنها العشاء، واختاره الواحدى. واحتج له بأنها بين صلاتين لا تقصران وبأنها تقع عند النوم فأمر بالمحافظة عليها (وقال) الربيع بن خيثم وسعيد بن جبير وشريح القاضى ونافع واختاره إمام الحرمين من الشافعية إنهما واحدة من الخمس غير معينة (واحتجوا) بما روى أن رجلا سأل زيد بن ثابت عن الصلاة الوسطى فقال حافظ على الصلوات تصبها فهى مخبوءة في جميع الصلوات خبء ساعة الإجابة في ساعات يوم الجمعة وليلة القدر في ليالى شهر رمضان والاسم الأعظم في جميع الأسماء (وقال) ابن عمر ومعاذ بن جبل وابن عبد البر إنها الصلوات الخمس واحتج له بأن قوله تعالى "حافظوا على الصلوات" يتناول الفرائض والنوافل فعطف عليه الوسطى وأريد بها كل الفرائض تأكيدا لها (وقيل) إنها الجمعة ذكره ابن حبيب ورجحه أبو شامة وذلك لما اختصبت به من الاجتماع والخطبة. ولما ورد من الترغيب في المحافظة عليها (وقيل) إنها الجماعة حكاه أبو الحسن الماوردى لأن ذلك أبعث على المحافظة عليها أيضا (وقيل) غير ذلك. وقد جمع الدمياطى جزءا مشهورا سماه كشف الغطاء عن الصلاة الوسطى فبلغ تسعة عشر قولا (وأقوى حجة) لمن قال إنها غير العصر ما رواه مسلم وأحمد والبيهقى من من طريق شقيق بن عقبة عن البراء بن عازب قال نزلت هذه الآية حافظوا على الصلوات وصلاة العصر فقرأناها ما شاء الله ثم نسخها الله فنزلت حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فقال رجل هي إذن صلاة العصر فقال قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله. وما رواه مسلم وأحمد من طريق أبى يونس عن عائشة أنها أمرته أن يكتب لها مصحفا فلما بلغت حافظوا على

الصلوات والصلاة الوسطى قال فأملت عليّ وصلاة العصر قالت سمعتها من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وروى مالك والبيهقي وعمرو بن رافع قال كنت أكتب مصحفا لحفصة فقالت إذا بلغت هذه الآية فآذني "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى" فلما بلغتها آذنتها فأملت علىّ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وأخرجه ابن جرير من وجه آخر حسن عن عمرو بن رافع. وروى ابن المنذر من طريق عبد الله بن رافع أمرتنى أم سلمة أن أكتب لها مصحفا فذكر مثل حديث عمرو بن رافع سواء. ومن طريق سالم بن عبد الله ابن عمر أن حفصة أمرت إنسانا أن يكتب لها مصحفا نحوه. ومن طريق نافع أن حفصة أمرت مولى لها أن يكتب لها مصحفا فذكر مثله وزاد كما سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقولها قال نافع فقرأت ذلك المصحف فوجدت فيه الواو. فتمسك قوم أن العطف يقتضى المغايرة فتكون صلاة العصر غير الوسطى (وأجيب) بأن حديث علىّ ومن وافقه أصحّ إسنادا وأصرح. وبأن حديث عائشة قد عورض برواية عروة أنه كان في مصحفها وهى العصر فيحتمل أن تكون الواو زائدة ويؤيده ما رواه أبو عبيد بإسناد صحيح عن أبيّ بن كعب أنه كان يقرؤها حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر بغير واو أو هي عاطفة لكن عطف صفة لا عطف ذات، وبأن قوله والصلاة الوسطى والعصر لم يقرأ بها أحد ولعل أصل ذلك ما في حديث البراء أنها نزلت أولا والعصر ثم نزلت ثانيا بدلها والصلاة الوسطى فجمع الراوى بينهما، ومع وجود الاحتمال لا ينهض الاستدلال فكيف يكون مقدّما على النصّ الصريح بأنها صلاة العصر (قال الحافظ) صلاح الدين العلائى حاصل أدلة من قال إنها غير العصر يرجع إلى ثلاثة أنواع (أحدها) تنصيص بعض الصحابة. وهو معارض بمثله ممن قال منهم إنها العصر ويترجح قول العصر بالنصّ الصريح المرفوع وإذا اختلفت الصحابة لم يكن قول بعضهم حجة على غيره فتبقى حجة المرفوع قائمة (ثانيها) معارضة المرفوع بورود التأكيد على فعل غيرها كالحثّ على المواظبة على الصبح والعشاء. وهو معارض بما هو أقوى منه وهو الوعيد الشديد الوارد في ترك صلاة العصر (ثالثها) ما جاء عن عائشة وحفصة من قراءة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر فإن العطف يقتضى المغايرة. وهذا يرد عليه إثبات القرآن بخبر الآحاد وهو ممتنع وكونه ينزّل منزلة خبر الواحد مختلف فيه. سلمنا لكن لا يصلح معارضا للمنصوص صريحا. وأيضا فليس العطف صريحا في اقتضاء المغايرة لوروده في نسق الصفات كقوله تعالى "هو الأول والآخر والظاهر والباطن" اهـ (قوله ملأ الله بيوتهم الخ) وفى رواية البخارى ملأ الله قبورهم وبيوتهم أو أجوافهم، وفى رواية مسلم ملأ الله قبورهم وبيوتهم أو قبورهم وبطونهم، وفى رواية له أيضا ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا أو حشى الله أجوافهم وقبورهم نارا

وهو دعاء عليهم أخرجه في صورة الخبر تأكيدا وإشعارا بأنه من الدعوات المجابة. وعبر بالماضى ثقة بالاستجابة فكأنه أجيب سؤاله فأخبر عن وجود إجابته ووقوعها (وقال) الطيبى أى جعل الله النار ملازمة لهم في الحياة والممات وعذبهم في الدنيا والآخرة. وقيل أراد عذاب الدنيا من تخريب البيوت ونهب الأموال وسبي الأولاد وعذاب الآخرة باشتعال قبورهم نارا. وقيل هو من باب المشاكلة لذكر النار في البيوت أو استعيرت النار للفتنة، وعلى هذا فلا يستشكل أن دعاءه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد أجيب في أحد الشقين دون الآخر اهـ (فقه الحديث) والحديث يدلّ على جواز وقوع إيذاء الكافر للمسلم في الدنيا التي هى دار أكدار، وعلى جواز حصول الأعراض البشرية التى ليس فيها نقص لأفضل المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم وعلى آلهم أجمعين، وعلى جواز الدعاء على الظالم بما يليق بظلمه، وعلى أن الصلاة الوسطى هى صلاة العصر، وعلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه أخروا صلاة العصر عن وقتها لاشتغالهم بالعدوّ لما في رواية أحمد والنسائى عن أبى سعيد أنهم شغلوه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الظهر والعصر والمغرب وصلوا بعد هوىّ من الليل وذلك قبل أن ينزل الله في صلاة الخوف فرجالا أو ركبانا. وما رواه الترمذى والنسائى عن ابن مسعود أنهم شغلوه عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله. وفى قوله أربع تجوّز لأن العشاء لم تفت. ومقتضى حديث على وجابر في الصحيحين أنه لم يفت غير العصر فمال ابن العربى إلى الترجح فقال إنه الصحيح، وجمع النووى بأن وقعة الخندق دامت أياما فكان هذا في بعض الأيام وذاك في بعضها الآخر. وتأخيره للصلاة يحتمل أنه كان عمدا لاشتغاله بالعدوّ وكان قبل نزول صلاة الخوف فكان هذا عذرا له, ويحتمل أنه نسيها لاشتغاله بالعدوّ. وتقدم في رواية مسلم أنه صلاها بين المغرب والعشاء. وأما اليوم فلا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها للقتال بل تصلى صلاة الخوف على حسب الحال (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا وَقَالَتْ: " إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الْآيَةَ فَآذِنِّي: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] «، فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا، فَأَمْلَتْ عَلَيَّ» حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى، وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ "، ثُمَّ قَالَتْ عَائِشَةُ: «سَمِعْتُهَا

مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ». (ش) (رجال الحديث) (قوله عن أبي يونس مولى عائشة) بنت أبى بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما. روى عن عائشة. وعنه القعقاع بن حكيم وزيد بن أسلم وأبو طوالة الأنصارى ومحمد بن عتيق. ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية وذكره ابن حبان في الثقات وذكره مسلم في الطبقة الأولى من المدنيين. روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى (معنى الحديث) (قوله فآذنى) بالمدّ أى أعلمنى. وأمرت أن يعلمها لأنها أرادت أن تملى عليه زيادة لم تكن ثابتة بما كان ينسخ منه (قوله فأملت علىّ الخ) بتشديد اللام أى ألقت يقال أمللت الكتاب على الكاتب إملالا ألقيته عليه وهي لغة الحجاز وبني أسد وأمليت عليه إملاء بالتخفيف كذلك وهي لغة بنى تميم وقيس وبهما جاء القرآن "وليملل الذى عليه الحق" "فهى تملى عليه" (واستدل) بهذا الحديث من قال إن صلاة العصر ليست هي الوسطى لأن العطف يقتضى المغايرة. لكنه لا يصلح دليلا على ذلك لاحتمال أن يكون العطف للتفسير جمعا بين الأحاديث وهذه القراءة شاذة. ولعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالها تفسيرا أو كانت قرآنا ثم نسخت وصنيع عائشة هذا يقتضى أن ما وقع كان بعد جمع القرآن في مصحف وقيل أن تجمع المصاحف على المصاحف التى كتبها عثمان وأنفذها إلى الأمصار لأنه لم يكتب بعد ذلك في المصاحف إلا ما أجمع عليه وثبت بالتواتر أنه قرآن (قوله وقوموا لله قانتين) أى مطيعين لا مكرهين ولا كسالى بل ممتثلين الأمر مجتنبين النهى لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كل قنوت في القرآن فهو طاعة. وقيل ساكتين إلا عن ذكر لحديث زيد بن أرقم كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت هذه الآية فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام رواه الشيخان (قوله قالت عائشة سمعتها من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) قال الباجى ذلك يحتمل وجهين "أحدهما" أن تكون هذه اللفظة الزائدة من القرآن ثم نسخت. روى ذلك عن البراء بن عازب فإن صحّ خبر البراء بنسخها فلعل عائشة لم تعلم بنسخها إذا أرادت إثباتها في المصحف. ولعلها اعتقدت أنها مما نسخ حكمها وثبت رسمها فأرادت إثباتها "والوجه الثاني" أن تكون عائشة سمعت اللفظة من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذكرها على أنها من غير القرآن لتأكيد فضيلة العصر مع الصلاة الوسطى كما روى عنه جرير بن عبد الله البجلى أنه قال إن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فأكد فضيلتها فأرادت عائشة أن تثبتها في المصحف لما ظنت أنها من القرآن أو لأنها اعتقدت جواز إثبات غير القرآن مع القرآن على ما روى عن أبيّ بن كعب وغيره من الصحابة أنهم جوّزوا

دليل من قال الصلاة الوسطى هي الظهر

إثبات القنوت وبعض التفسير في المصحف وإن لم يعتقدوه قرآنا اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن من عرف شيئا خفى على غيره ينبغى له أن ينبه عليه وعلى الاعتناء بالقرآن، وعلى أن صلاة العصر غير الصلاة الوسطى وقد علم ما فيه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والتزمذى والنسائى (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي حَكِيمٍ قَالَ: سَمِعْتُ الزِّبْرِقَانَ يُحَدِّثُ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي صَلَاةً أَشَدَّ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مِنْهَا، فَنَزَلَتْ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] وَقَالَ: «إِنَّ قَبْلَهَا صَلَاتَيْنِ، وَبَعْدَهَا صَلَاتَيْنِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عمرو بن أبى حكيم) أبو سعيد ويقال أبو سهل الواسطى الكردى. روى عن عروة بن الزبير وعكرمة وأبى مجلز وعبد الله بن بريدة وغيرهم. وعنه خالد الحذّاء وداود بن أبى هند وشعبة وعدى بن الفضل وكثيرون. وثقه أبو داود والنسائى وابن معين وابن حبان وابن شاهين وقال أبو حاتم صالح الحديث. روى له أبو داود (قوله سمعت الزّبرقان) بكسر الزاى وسكون الموحدة وكسر الراء ابن عمرو بن أمية الضمرى. وقيل ابن عبد الله ابن عمرو بن أمية. روى عن عروة بن الزبير وأبى سلمة وأبى رزين وغيرهم. وعنه عمرو بن أبى حكيم وابن أبى ذئب وجعفر بن ربيعة وبكر بن سوادة ويعقوب بن عمرو وآخرون وثقه النسائى ويحيى بن سعيد وابن حبان. روى له أبو داود وابن ماجه (قوله زيد بن ثابت) ابن الضحاك بن زيد بن لوذان بفتح اللام وسكون الواو ابن عمر الأنصارى أبى سعيد أو أبى خارجة. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اثنان وتسعون حديثا اتفق الشيخان على خمسة وانفرد البخارى بأربعة ومسلم بحديث. روى عن أبى بكر وعمر وعثمان وعنه ابن عمر وأنس وأبو هريرة وأبو سعيد الخدرى ومروان بن الحكم وعطاء بن يسار وكثيرون قدم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة وهو ابن إحدى عشرة سنة وكان يكتب الوحى لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكتب لعمر أيضا وكان يستخلفه إذا حجّ وكان معه حين قدم الشام لفتح بيت المقدس وهو الذى تولى قسمة غنائم اليرموك وقال الشعبى غلب زيد الناس على اثنتين الفرائض والقرآن وقال مسروق إنه كان من أصحاب الفتوى

الراسخين في العلم. وقال ابن عباس وقت إدخال زيد بن ثابت القبر من سرّه أن يعلم كيف ذهاب العلم فهكذا ذهاب العلم والله لقد دفن اليوم علم كثير وقال أبو هريرة يوم مات زيد مات اليوم حبر الأمة وعسى الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفا (وعلى الجملة) فمناقبه كثيرة روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى الظهر بالهاجرة الخ) أى في وقت اشتداد الحرّ في نصف النهار ولم يكن يصلى صلاة أشدّ وأشقّ وأصعب على الصحابة من صلاة الظهر وذلك لكونه يصلى وقت شدّة الحرّ ثم أبرد بعد ذلك وأمر بالإبراد أيضا (قوله فنزلت حافظوا على الصلوات الخ) أى لا يجوز لكم أن تضيعوها لثقلها عليكم فإنها الفضلى (قوله وقال إن قبلها صلاتين الخ) أى قال زيد بن ثابت على الصواب لما في رواية الطحاوى عنه قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى الظهر بالهجير وكانت أثقل الصلوات على أصحابه فنزلت حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى لأن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين (وظاهر) الحديث يدلّ على أن الصلاة الوسطى هي الظهر وهو قول جماعة لأن نزول الآية كان لاستثقالهم صلاة الظهر بالهاجرة فبين أن المراد من قوله حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة الظهر لأن قبلها صلاة الصبح والعشاء إحداهما نهارية والأخرى ليلية وبعدها صلاة العصر والمغرب وهما كذلك وتقدم ردّه وأن الأصح أنها صلاة العصر، وذكر هذا الحديث هنا استطرادا لمناسبة ما قيل في الصلاة الوسطى (فقه الحديث) والحديث يدلّ على طلب تعجيل صلاة الظهر أول وقتها وقد علمت أنه كان قبل الأمر بالإبراد، ودلّ بظاهره أن الصلاة الوسطى هي الظهر (قال) علىّ القارى الظاهر أن هذا اجتهاد من الصحابى نشأ من ظنه أن الآية نزلت في الظهر فلا يعارض نصه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنها العصر اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى في التاريخ والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ، وَمَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْفَجْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ»

أقوال العلماء فيمن أدرك ركعة من الصلاة قبل خروج وقتها

(ش) هكذا ذكر هذا الحديث في أكثر النسخ تحت ترجمة "باب في وقت العصر" ومناسبته لها أنه يدل على أن وقت العصر ينتهى بغروب الشمس. وفي بعض النسخ ذكر تحت ترجمة "باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها" وأل في الصلاة للعهد والمعهود صلاة العصر والفجر (رجال الحديث) (قوله الحسن بن الربيع) بن سليمان البجلى القسرى أبو على الكوفي روى عن حماد بن زيد وأبى عوانة وعبد الله بن إدريس وأبى الأحوص وعبد الله بن المبارك وآخرين. وعنه أبو زرعة وأبو حاتم ومسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه وغيرهم. قال العجلى وابن خراش ثقة متعبد وقال أبو حاتم كان من أوثق أصحاب ابن إدريس وقال عثمان بن أبى شيبة صدوق وليس بحجة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له الجماعة (قوله ابن طاوس) هو عبد الله بن طاوس بن كيسان أبو محمد اليمانى الحميرى. روى عن أبيه وعكرمة بن خالد وعطاء وعمرو بن شعيب ووهب بن منبه وغيرهم. وعنه عمرو بن دينار وابن جريج ومعمر ابن راشد والسفيانان وكثيرون. قال أبو حاتم والنسائى والدارقطني والعجلى ثقة وقال معمر قال لى أيوب إن كنت راحلا إلى أحد فعليك بابن طاوس فهذه رحلتي إليه وقال معمر كان من أعلم الناس بالعربية وأحسنهم خلقا. مات سنة إحدى أو اثنتين وثلاثين ومائة روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله من أدرك من العصر ركعة الخ) أى من صلى ركعة من العصر أو الصبح في آخر وقتها ثم خرج وقتها فقد أدّى الصلاة كلها في وقتها لا فرق في ذلك بين معذور وغيره وهو مذهب الجمهور خلافا لأبى حنيفة القائل ببطلان صلاة الصبح ولمن قال إنها تقع كلها قضاء ولمن قال ما وقع في الوقت أداء وما بعده قضاء (قال) النووى في شرح مسلم تظهر فائدة الخلاف في مسافر نوى القصر وصلى ركعة في الوقت. فإن قلنا الجميع أداء فله قصرها وإن قلنا كلها قضاء أو بعضها وجب إتمامها أربعا إن قلنا إن فائتة السفر إذا قضاها في السفر يجب إتمامها هذا كله إن أدرك ركعة في الوقت فإن كان دون ركعة فقال بعض أصحابنا هو كالركعة وقال الجمهور كلها قضاء اهـ ويحتمل أن المعنى من أدرك قدر ركعة من وقت العصر أو الصبح ممن كان معذورا بجنون أو حيض أو نفاس أو إغماء أو صبا وزال عذره وقد بقي من الوقت قدر ذلك لزمته تلك الصلاة وعلى هذا حمل الحديث أبو حنيفة (ويدل) لما ذهب إليه الجمهور من صحة الصلاة ولو صبحا بإدراك ركعة في آخر الوقت ووقوعها أداء ما أخرجه البيهقى عن زيد بن أسلم بلفظ من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس وركعة بعد ما تطلع الشمس فقد أدرك الصلاة. وما رواه أيضا من طريق أبي غسان محمد بن مطرّف عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة بلفظ من صلى ركعة من قبل أن تغرب الشمس ثم صلى ما بقي بعد غروب الشمس

فلم يفته العصر. وما رواه أيضا من طريق آخر بلفظ من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليصلّ إليها أخرى. وما رواه النسائى من طريق ابن شهاب عن سالم. بلفظ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضى ما فاته "أى يصلى ما فاته" وما رواه البخارى من طريق أبى سلمة عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتمّ صلاته وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتمّ صلاته. والمراد بالسجدة الركعة بتمامها فهو من إطلاق الجزء وإرادة الكلّ (قال) الحافظ في الفتح يؤخذ من هذا الردّ على الطحاوى حيث خصّ الإدراك باحتلام الصبي وطهر الحائض وإسلام الكافر ونحوها وأراد بذلك نصرة مذهبه في أن من أدرك من الصبح ركعة تفسد صلاته لأنه لا يكملها إلا في وقت الكراهة وهو مبنيّ على أن الكراهة تتناول الفرض والنفل وهي خلافية مشهورة (قال) الترمذى وبهذا يقول الشافعى وأحمد وإسحاق، وخالف أبو حنيفة فقال من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت صلاته، واحتج لذلك بالأحاديث الواردة في النهى عن الصلاة عند طلوع الشمس، وادعى بعضهم أن أحاديث النهى ناسخة لهذا الحديث، وهي دعوى تحتاج إلى دليل فإنه لا يصار إلى النسخ بالاحتمال، والجمع بين الحديثين ممكن بأن يحمل أحاديث النهى على ما لا سبب له من النوافل، ولا شك أن التخصيص أولى من ادعاء النسخ اهـ (أقول) هذا أيضا جمع بما يوافق مذهب الحافظ. والحق أن أحاديث النهى عامة تشمل كل صلاة ولا يجوز في ذلك الوقت شيء من الصلوات لا فرق بين ذوات الأسباب وغيرها إلا بدليل يخصه وصلاة الصبح ورد فيها ما يخصصها وهو حديث الباب (ومفهوم) الحديث أن من أدرك أقلّ من ركعة لا يكون مدركا للوقت وأن صلاته تكون قضاء وإليه ذهب الجمهور (وذهب) بعضهم إلى أنها تكون أداء لكن مفهوم الحديث يردّه. واختلفوا فيمن زال عذره وأدرك دون ركعة من وقتها أتجب عليه الصلاة أم لا فيه قولان للشافعي "أحدهما" لا تجب وروى عن مالك عملا بمفهوم هذا الحديث "وأصحهما" عند أصحاب الشافعى أنها تلزمه وبه قال أبو حنيفة لأنه أدرك جزءا من الوقت فاستوى قليله وكثيره (وأجابوا) عن مفهوم الحديث بأن التقييد بركعة خرّج مخرج الغالب، ولا يخفى بعده أما إذا أدرك أحد هؤلاء ركعة وجبت عليه الصلاة بالاتفاق (قال) النووى في شرح مسلم هل يشترط مع التكبيرة أو الركعة إمكان الطهارة فيه وجهان لأصحابنا أصحهما أنه لا يشترط اهـ (وعند) المالكية يشترط في حق المعذور غير الكافر أن يدرك من الوقت زمنا يسع الطهر المحتاج إليه وركعة كاملة. أما الكافر فلا يقدّر له الطهر لأن إزالة عذره بإسلامه في وسعه (وعند) الحنفية يشترط في وجوب الصلاة على من طرأ عليه سبب الوجوب أن يدرك في آخر الوقت زمنا

يسع الطهارة وستر العورة وتكبيرة الإحرام (قال) العينى اعلم أن هذا الحديث دليل صريح في أن من صلى ركعة من العصر ثم خرج الوقت قبل سلامة لا تبطل صلاته بل يتمها وهذا بالإجماع وأما في الصبح فكذلك عند الشافعى ومالك وأحمد لا عند أبى حنيفة فإنه قال تبطل صلاة الصبح بطلوع الشمس فيها (وقالت) الشافعية الحديث حجة على أبى حنيفة (واعلم) أن ها هنا بحثا عظيما إذا وقفت عليه عرفت ما أسس عليه أبو حنيفة وعرفت أن الحديث ليس بحجة على أبى حنيفة وأن غير هذا الحديث من الأحاديث حجة عليهم فنقول لا شك أن الوقت سبب للصلاة وظرف لها ولكن لا يمكن أن يكون كل الوقت سببا لأنه لو كان كذلك يلزم تأخير الأداء عن الوقت فتعين أن يجعل بعض الوقت سببا وهو الجزء الأول لسلامته عن المزاحم فإن اتصل به الأداء تقرّرت السببية وإلا ينتقل إلى الجزء الثانى والثالث والرابع وما بعده إلى أن يتمكن فيه من عقد التحريمة إلى آخر جزء من أجزاء الوقت. ثم هذا الجزء إن كان صحيحا بحيث لم ينسب إلى الشيطان ولم يوصف بالكراهة كما في الفجر وجب عليه كاملا حتى لو اعترض الفساد في الوقت بطلوع الشمس في خلال الفجر فسد خلافا لهم لأن ما وجب كاملا لا يتأدى بالناقص كالصوم المنذور المطلق لا يتأدى في أيام النحر والتشريق وإن كان هذا الجزء ناقصا بأن صار منسوبا إلى الشيطان كالعصر وقت الاحمرار وجب ناقصا لأن نقصان السبب مؤثر في نقصان المسبب فيتأدى بصفة النقصان لأنه أدّى كما لزم كما إذا نذر صوم النحر وأدّاه فيه فإذا غربت الشمس في أثناء الصلاة لم تفسد العصر لأن ما بعد الغروب كامل فيتأدى فيه لأن ما وجب ناقصا يتأدى كاملا بالطريق الأولى "فإن قيل" يلزم أن تفسد العصر إذا شرع فيه من الجزء الصحيح ومدّها إلى أن غربت "قلنا" لما كان الوقت متسعا جاز له شغل كل الوقت فينتفى الفساد الذى يتصل به بالبناء لأن الاحتراز عنه مع الإقبال على الصلاة متعذّر. والجواب عن الحديث ما ذكره الطحاوى في شرح الآثار أن ورود الحديث كان قبل نهيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الصلاة في الأوقات المكروهة اهـ كلام العينى (لكن) هذه أبحاث عقلية فلا تقاوم النصوص الصريحة الدالة على صحة صلاة الصبح الذى شرع فيها قبل طلوع الشمس وطلعت عليه في أثنائها (وما ذكره) الطحاوى من أن الحديث منسوخ بأحاديث النهي عن الصلاة في تلك الأوقات (قد علمت) ردّه وإدراك الركعة قبل خروج الوقت لا يخصّ الصبح والعصر كما هو ظاهر الحديث لما ثبت عند الشيخين عن أبى هريرة مرفوعا "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" وهو أعمّ من حديث الباب قال بعضهم إن حديث الباب مقيد بالعصر والصبح وحديث الشيخين مطلق فيحمل المطلق على المقيد أى فيكون المراد بالصلاة في حديثهما الصبح والعصر. ولكن حديث الباب دل بمفهومه على اختصاص الصبح والعصر بهذا الحكم وحديث

باب التشديد في تأخير صلاة العصر إلى الاصفرار

الشيخين دلّ بمنطوقه على أن حكم جميع الصلوات لا يختلف في ذلك، والمنطوق أرجح من المفهوم فيصار إليه ولاشتماله على الزيادة التي ليست منافية للمزيد عليه (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن الصلاة تقع أداء بفعل ركعة قبل خروج الوقت (قال) النووى اتفق العلماء على أنه لا يجوز تعمد التأخير إلى هذا الوقت اهـ، ودلّ أيضا على وجوبها على من زال عذره قبل خروج الوقت بما يسع ركعة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائي والترمذى وابن ماجه (باب التشديد في تأخير العصر إلى الاصفرار) هكذا بالترجمة في بعض النسخ لحديث أنس. وفى بعضها إسقاط الترجمة. والأولى إثباتها (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَقَامَ يُصَلِّي الْعَصْرَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ ذَكَرْنَا تَعْجِيلَ الصَّلَاةِ أَوْ ذَكَرَهَا، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ حَتَّى إِذَا اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ فَكَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، أَوْ عَلَى قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا» (ش) (قوله القعنبى) هو عبد الله بن مسلمة (قوله دخلنا على أنس بن مالك بعد الظهر) أى دخلنا عليه في داره بعد أن صلينا الظهر. وفى مسلم عن العلاء بن عبد الرحمن أنه دخل على أنس ابن مالك في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر وداره بجنب المسجد فلما دخلنا عليه قال أصليتم العصر فقلنا له إنما انصرفنا الساعة من الظهر قال فصلوا العصر فقمنا فصلينا فلما انصرفنا قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول تلك صلاة المنافقين الخ (قوله فقام يصلى العصر) يعنى أول وقتها. وصلى في بيته ولم يصلّ مع الإمام لأن الأمراء كانوا يؤخرون الصلاة عن أول وقتها حينئذ وقد أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من يدركهم أن يصلى الصلاة أول وقتها ويجعل صلاته معهم نافلة كما يأتى للمصنف (قوله ذكرنا تعجيل الصلاة الخ) أى سألناه عن سبب تعجيله صلاة العصر أو ذكره هو فأوفيه للشك من الراوى. ويؤيد الأول ما في رواية لمسلم والنسائى عن أبى بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف قال سمعت أبا أمامة

ابن سهل يقول صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلى العصر فقلنا يا عمّ ما هذه الصلاة التي صليت قال العصر وهذه صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم التى كنا نصلى معه (قوله تلك صلاة المنافقين الخ) يعنى صلاة العصر التى أخرت إلى الاصفرار فالإشارة عائدة على متقدّم حكما (وقال) الطيبي تلك إشارة إلى ما في الذهن من الصلاة المخصوصة اهـ وإنما كرّرها ثلاثا مبالغة في ذمّ من يؤخر الصلاة إلى هذا الوقت بلا عذر (قوله يجلس أحدهم الخ) يعنى يؤخر أحدهم صلاة العصر إلى أن تصفرّ الشمس فحتى غائية لا زائدة خلافا لمن زعمه، والمراد بالجلوس التأخير وهذه الجملة لبيان هيئة الصلاة المذمومة الموسومة بأنها صلاة المنافقين (قوله فكانت بين قرنى شيطان) اختلفوا فيه فقيل هو على حقيقته وظاهر لفظه والمراد أن يحاذيها بقرنيه عند غروبها وكذا عند طلوعها لأن الكفار يسجدون له حينئذ فيقارنها ليكون الساجد لها في صورة الساجد له ويخيل لنفسه ولأعوانه أنهم إنما يسجدون له (وقيل) هو على المجاز والمراد بقرنيه علوّه وارتفاعه وسلطانه وتسلطه وغلبة أعوانه وسجود مطيعيه من الكفار للشمس (وقال) الخطابى اختلفوا في تأويله على وجوه فقال قائل معناه مقارنة الشيطان الشمس عند دنوّها للغروب على معنى ما روى أن الشيطان يقارنها إذا طلعت فإذا ارتفعت فارقها فإذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها فحرمت الصلاة في هذه الأوقات لذلك. وقيل معنى قرن الشيطان فوّته من قولك أنا مقرن لهذا الأمر أى مطيق له قوىّ عليه قال الله تعالى "وما كنا له مقرنين" أى مطيقين وذلك أن الشيطان إنما يقوى أمره في هذه الأوقات لأنه يسوّل لعبدة الشمس أن يسجدوا لها في هذه الأوقات الثلاثة. وقيل قرنه حزبه وأصحابه الذين يعبدون الشمس وقيل هذا تمثيل وتشبيه وذلك أن تأخير الصلاة إنما هو تسويل الشيطان لهم وتسويفه وتزيينه ذلك في قلوبهم. وذوات القرون إنما تعالج الأشياء وتدفعها بقرونها فكأنهم لما دفعوا الصلاة وأخروها عن أوقاتها بتسويل الشيطان لهم صار ذلك منه بمنزلة ما تعالجه ذوات القرون وتدفعه بقرونها اهـ (قوله قام فبقر أربعا لا يذكر الله عزّ وجل فيها إلا قليلا) هو كناية عن الإسراع بالصلاة وعدم الخشوع والطمأنينة فيها ففيه ذمّ صريح لمن يفعل ذلك في صلاته لأنه قد شبه نفسه بالمنافق فإن المنافق لا يعتقد صحة الصلاة بل إنما يصلى لدفع السيف عنه ولا يبالى بالتأخير إذ لا يطلب فضيلة ولا ثوابا. وتخصيص الأربع بالنقر وفي العصر ثمانى سجدات اعتبار بالركعة أو أن الحديث جاء حين كانت صلاة العصر ركعتين ثم زيدت بعده. وإنما خصّ العصر بالذكر لأنها الصلاة الوسطى ولأنها تأتى في وقت تعب الناس من مقاساة أعمالهم وإلا فتأخير غيرها من المكتوبة إلى آخر وقتها بدون عذر مذموم وفيه الوعيد الشديد

باب التشديد في الذي تفوته صلاة العصر

(فقه الحديث) والحديث يدلّ على كراهة تأخير صلاة العصر إلى الاصفرار، وعلى التصريح بذمّ من أخرّ صلاة العصر والحكم على صلاته بأنها صلاة المنافق ولا أقبح من هذا الوصف للمخالفين، وعلى التصريح بذمّ من صلى مسرعا بحيث لا يكمل الطمأنينة والخشوع والأذكار ودلّ بمفهومه على أن صلاة المؤمنين إنما تكون بالطمأنينة والخشوع والأذكار على الصفة الواردة عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المشار إليها بقوله "صلوا كما رأيتموني أصلى" رواه البخارى (وبذلك) تزداد علما أن صلاة غالب أهل هذا الزمان ليست صلاة شرعية وإنما هي صلاة المنافقين نعوذ بالله تعالى من شرور نفوسنا وعمى البصيرة واستحواذ الشياطين (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والترمذى والنسائى والبيهقي (باب التشديد في الذى تفوته صلاة العصر) يعنى بخروج وقتها الجائز، وفي بعض النسخ إسقاط هذه الترجمة. والصواب إثباتها، وقد ترجم لهذا الحديث البخارى فقال باب إثم من فاتته صلاة العصر (قال) الحافظ في الفتح أشار المصنف بذكر الإثم إلى أن المراد بالفوات تأخيرها عن وقت الجواز بغير عذر لأن الإثم إنما يترتب على ذلك (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ: «الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» (ش) (قوله فكأنما وتر أهله وماله) بنصب الأهل على أنه مفعول ثان لوتر ومفعوله الأول ضمير نائب الفاعل العائد على الذى. ويجوز أن يكون منصوبا على نزع الخافض والمعنى على الأول نقص وسلب أهله وماله فيبقى بلا أهل ولا مال فليحذر من تفويتها كحذره من ذهاب أهله وماله، وعلى الثاني أصيب في أهله وماله ويجوز أن يكون الأهل مرفوعا على أنه نائب فاعل وتر والمعنى فكأنما انتزع منه أهله وماله (قال) في الفتح الموتور من أخذ أهله أو ماله وهو ينظر إليه وذلك أشدّ لغمه فوقع التشبيه بذلك لمن فاتته الصلاة لأنه يجتمع عليه غمان غمّ الإثم وغمّ فقد الثواب كما يجتمع على الموتور غمان غمّ السلب وغمّ الطلب بالثأر (وقال) ابن عبد البر معناه عند أهل اللغة والفقه أنه كالذى يصاب بأهله وماله إصابة يطلب بها وترا والوتر الجناية التى يطلب ثأرها فيجتمع عليه غمان غمّ المصيبة وغم مقاساة طلب الثأر اهـ (وقال) الداودى معناه يتوجه عليه من الاسترجاع ما يتوجه على من فقد أهله وماله فيتوجه عليه الندم والأسف بتفويته الصلاة اهـ (أقول) الكلّ محتمل ولا مانع من إرادة الجميع والمراد بفوات

العصر إخراجها عن وقتها بغروب الشمس وبه قال سحنون والأصيلى ويدلّ لذلك ما وقع في رواية عبد الرزاق لهذا الحديث عن ابن جريج عن نافع قلت لنافع حين تغيب الشمس قال نعم. وتفسير الراوى إذا كان فقيها أولى من غيره "وما سيأتي" للمصنف عن الأوزاعي من أن فواتها باصفرار الشمس "فلعله مبنىّ" على مذهبه في خروج وقت العصر كما نقله عنه الخطابى (وقال) المهلب ومن تبعه المراد فواتها في الجماعة لا فواتها باصفرار الشمس أو بمغيبها ولو كان بفوات وقتها كله لبطل اختصاصه بالعصر لأن ذهاب الوقت موجود في كل صلاة اهـ لكن نوقض بعين ما ادعاه لأن فوات الجماعة موجود أيضا في كل صلاة "وما قاله" من أن العصر اختصت بذلك لاجتماع المتعاقبين من الملائكة فيها "تعقبه" ابن المنير بأن الفجر كذلك فلا تختص العصر بتعاقب الملائكة قال والحق أن الله تعالى يختص ما شاء من الصلوات بما شاء من الفضيلة (واختلف) أهذا الوعيد فيمن فاتته العصر ناسيا أم عامدا فقال سالم بن عبد الله بن عمر ذلك فيمن فاتته ناسيا (ومال إليه) الترمذى حيث بوّب لهذا الحديث فقال "باب ما جاء في السهو عن وقت العصر" وقال الداودى هذا فيمن فاتته عامدا واختاره النووى وهو الظاهر ويؤيده ما رواه البخارى في صحيحه من ترك صلاة العصر حبط عمله وزاد معمر في روايته متعمدا وكذا أخرجه أحمد من حديث أبى الدرداء (وقد أخذ) بظاهر هذا الحديث الإمام أحمد كما تقدم (وحمله الجمهور) على التغليظ والتنفير من تركها. وقيل معناه كاد أن يحبط عمله أو يحرم من ثواب عمله مدّة حتى يوفقه الله تعالى لعمل يدرك به ما فاته من الثواب (وظاهر) الحديث أن هذا التغليظ فيمن تفوته العصر خاصة (قال النووى) في شرح مسلم قال ابن عبد البر يحتمل أن يلحق بالعصر باقى الصلوات والعصر جاءت في سؤال سائل أو نبه بالعصر على غيرها. وإنما خصها بالذكر لأنها تأتى وقت تعب الناس ومقاساة أعمالهم وحرصهم على أشغالهم وتسويفهم بها إلى انقضاء وظائفهم (وفيما قاله نظر) لأن الشرع ورد في العصر ولم تتحقق العلة في هذا الحكم فلا يلحق بها غيرها بالشك والتوهم وإنما يلحق غير المخصوص بالمنصوص إذا عرفنا العلة واشتركا فيها اهـ (وقد يحتج) للعموم بما رواه ابن أبي شيبة وغيره من طريق أبى قلابة عن أبى الدرداء مرفوعا من ترك صلاة مكتوبة حتى تفوته فكأنما وتر أهله وماله (قال) الحافظ في إسناده انقطاع لأن أبا قلابة لم يسمع من أبى الدرداء وما رواه ابن حبان وغيره من طريق نوفل بن معاوية مرفوعا من فاتته الصلاة فكأنما وتر أهله وماله. وما أخرجه عبد الرزاق من وجه آخر عن نوفل بلفظ لأن يوتر أحدكم أهله وماله خير له من أن يفوته وقت صلاة (فهذه الأحاديث) ظاهرة في العموم. لكن أخرج أحمد حديث أبى الدرداء بلفظ من ترك العصر فكأنما ترك أهله وماله. فتحمل روايته المتقدمة وكذا بقية الروايات المطلقة على الرواية المقيدة. ويؤيد هذا ما رواه الطبرانى بلفظ من الصلاة صلاة من فاتته فكأنما وتر

أهله وماله وزاد فيه عن الزهرى قلت لأبي بكر بن عبد الرحمن الذى حدّث به ما هذه الصلاة قال العصر. ورواه ابن أبى خيثمة من وجه آخر فصرّح بأنها العصر كما في رواية المصنف ورواية أحمد المتقدّمة فالظاهر اختصاص العصر بذلك التغليظ كما قاله الحافظ. وهذا لا ينافي أن فوات غير العصر من الصلوات موجب للإثم (فقه الحديث) دلّ الحديث على الترهيب من تأخير صلاة العصر عن وقتها وقد شبه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أخرها عن وقتها بمن فقد أهله وهذا تقريب لنا وإلا فما يلحقه من العذاب أشدّ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والبيهقى (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: «أُوتِرَ» وَاخْتُلِفَ عَلَى أَيُّوبَ فِيهِ. (ش) ساق المصنف هذا لبيان أنه قد اختلف على نافع في رواية الحديث عن ابن عمر هل هو بلفظ وتر بالواو أو أتر بالهمزة فروى مالك عن نافع وتر بالواو. وروى عنه عبيد الله بن عمر بن حفص القواريري أحد شيوخ المصنف أتر بالهمزة بدلا من الواو كما في قوله تعالى "وإذا الرسل أقتت" وأن أيوب السختيانى قد اختلف عليه في روايته عن نافع فرواه بعضهم وتر بالواو كما في رواية مالك ورواه بعضهم عنه أتر بالهمزة كما في رواية عبيد الله عن نافع. ورواية عبيد الله وصلها الدارمي كرواية مالك قال أخبرنا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وولده قال أبو محمد أو ماله. وأما رواية أيوب فلم نقف على من أخرجها غير أن الحافظ في الفتح أشار إلى أن أبا مسلم الكجي روى الحديث عن حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع (ص) وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وُتِرَ». (ش) غرض المصنف بسياق هذا التعليق ترجيح رواية وتر بالواو لاتفاق أكثر الحفاظ عليها. وهذا التعليق وصله مسلم والنسائى وابن ماجه والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، نَا الْوَلِيدُ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو يَعْنِي الْأَوْزَاعِيَّ: وَذَلِكَ أَنْ تَرَى مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الشَّمْسِ صَفْرَاءَ

باب في وقت المغرب

(ش) غرض المصنف بهذا الأثر بيان ما به يفوت وقت العصر (قوله الوليد) بن مسلم (قوله وذلك أن ترى الخ) أى فوات العصر المفهوم من تفوته يتحقق برؤيتك ضوء الشمس أصفر على وجه الأرض فقوله من الشمس بيان لما. وهذا مذهب الأوزاعي وقد علمت أن المعوّل عليه في الفوات تأخيرها إلى أن تغيب الشمس (باب في وقت المغرب) أى في بيان وقت صلاة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المغرب، وفى بعض النسخ "باب وقت المغرب" (ص) حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ شَبِيبٍ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، ثُمَّ نَرْمِي فَيَرَى أَحَدُنَا مَوْضِعَ نَبْلِهِ» (ش) (قوله حماد) بن سلمة (قوله فيرى أحدنا موضع نبله) أى يرى الموضع الذى تصل إليه السهام إذا رمى بها. والمراد أنا نبكر بالمغرب أول وقتها عقب غروب الشمس. والنبل بفتح النون وسكون الموحدة السهام العربية لا واحد لها من لفظها. وقيل واحدها نبلة (والحديث) يدلّ على أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يعجل صلاة المغرب وأنه كان يقرأ فيها بالسور القصار إذ لا يكون كذلك إلا عند التعجيل وقراءة السور القصار ولعل هذا كان في غالب أحيانه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلا ينافى ما ثبت من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ فيها بالأعراف أو الصافات أو بالدخان أو بالطور أو المرسلات ومن أنه كان يؤخرّها إلى قرب مغيب الشفق. وهذا الحديث في حكم المرفوع (فقه الحديث) والحديث يدلّ على مشروعية تعجيل صلاة المغرب وهذا مجمع عليه (من أخرج الحديث أيضا) أخرج البخاري ومسلم وابن ماجة والبيهقي نحوه من حديث رافع بن خديج عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وأخرج النسائي نحوه من رواية رجل من أسلم أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ورواه أحمد من طريق عليّ بن بلال عن ناس من الأنصار بلفظ كنا نصلي مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المغرب ثم نرجع فنترامى حتى نأتى ديارنا فما يخفى علينا مواقع سهامنا

(ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ سَاعَةَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ إِذَا غَابَ حَاجِبُهَا» (ش) (رجال الحديث) (قوله يزيد بن أبى عبيد) الأسلمى الحجازى مولى سلمة ابن الأكوع. روى عن مولاه وعمير وهشام بن عروة. وعنه يحيى القطان وحفص بن غياث وصفوان بن عيسى وحاتم بن إسماعيل وآخرون. وثقه أبو داود وابن حبان وابن معين والآجرى وقال العجلى تابعى ثقة وقال ابن سعد ثقة كثير الحديث. مات سنة ست أو سبع وأربعين ومائة روى له الجماعة (قوله سلمة بن الأكوع) هو سلمة بن عمرو بن الأكوع بن سنان بن عبد الله ابن بشير الأسلمى أبو مسلم فالأكوع لقب لجدّه. شهد بيعة الرضوان وبايع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يومئذ ثلاث مرار أول الناس وأوسطهم وآخرهم. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبعة وسبعون حديثا اتفق الشيخان على ستة عشر وانفرد البخارى بخمسة ومسلم بسبعة. وعنه ابنه إياس وزيد بن أسلم ومولاه يزيد بن أبى عبيد وأبو سلمة بن عبد الرحمن وكثيرون. كان شجاعا راميا محسنا خيرا يقال كان يسبق الفرس على قدميه. مات بالمدينة سنة أربع وسبعين. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله ساعة تغرب الخ) ساعة ظرف زمان مضاف إلى الجملة أي حين تغرب الشمس. وقوله إذا غاب حاجبها بدل من قوله ساعة تغرب. وحواجب الشمس نواحيها والمراد هنا طرفها الأعلى الذى يبقى بعد مغيب أكثرها. والمعنى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلى المغرب إذا تحقق غروب الشمس في أول وقتها (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم وابن ماجه بألفاظ متقاربة والترمذى وقال حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو أَيُّوبَ غَازِيًا وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِر يَوْمَئِذٍ عَلَى مِصْرَ فَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو أَيُّوبَ، فَقَالَ: لَهُ مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ يَا عُقْبَةُ، فَقَالَ: شُغِلْنَا، قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ» - أَوْ قَالَ:

ما دل عليه حديث أبي أيوب من كراهة تأخير صلاة المغرب إلى اشتباك النجوم وغير ذلك من الفوائد

عَلَى الْفِطْرَةِ - مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ إِلَى أَنْ تَشْتَبِكَ النُّجُومُ " (ش) (رجال الحديث) (قوله مرثد) بفتح الميم وسكون الراء وفتح المثلثة (ابن عبد الله) أو الخير اليزني المصرى. روى عن سعيد بن زيد وأبى أيوب خالد بن زيد الأنصارى وعمرو ابن العاصى وابنه عبد الله وزيد بن ثابت. وعنه عبد الرحمن بن شماسة وكعب بن علقمة ويزيد ابن أبى حبيب وجعفر بن ربيعة وغيرهم. قال أبو سعيد كان مفتى أهل مصر في زمانه وقال العجلى تابعى ثقة وقال ابن سعد كان ثقة وله فضل وعبادة وقال ابن معين رجل صدق ووثقه ابن حبان وابن شاهين ويعقوب بن سفيان. توفي سنة تسعين. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله قال قدم علينا) وفى نسخة قال لما قدم علينا (قوله وعقبة بن عامر يومئذ الخ) أى يوم قدم أبو أيوب مصر كان عقبة واليا عليها من قبل معاوية سنة أربع وأربعين (قوله ما هذه الصلاة) إنكار من أبى أيوب على عقبة بن عامر في تأخيره المغرب إلى اشتباك النجوم (قوله شغلنا) لعلّ اشتغاله كان بشئ من مصالح المسلمين (قوله أما سمعت رسول الله صلى في الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) وفى رواية الحاكم فقال أما والله ما آسى "أى أحزن" إلا أن يظنّ الناس أنك رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصنع هكذا سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول لا تزال أمتي الخ (قوله أو قال على الفطرة) شك من الراوى وكذا في رواية الحاكم وفى رواية له أيضا وابن خزيمة وابن ماجه عن العباس بن عبد المطلب لا تزال أمتى على الفطرة بدون شك. والمراد من الفطرة السنة والدين الحق كما في قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عشر من الفطرة (قوله إلى أن تشتبك النجوم) أى إلى اشتباك النجوم. واشتباكها ظهور الكثير منها واختلاط بعضها ببعض، وغرض أبى أيوب من سوق هذا الحديث ذمّ تأخير صلاة المغرب عن أول وقتها (فقه الحديث) والحديث يدلّ على استحباب المبادرة بصلاة المغرب وكراهة تأخيرها إلى اشتباك النجوم، وعلى أن تأخيرها سبب لزوال الخير وتعجيلها سبب لاستجلابه وقد عكست الروافض فجعلت تأخير صلاة المغرب إلى اشتباك النجوم مستحبا، والإجماع وأحاديث الباب تردّه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والحاكم في المستدرك وأخرج ابن ماجه وابن خزيمة والدارمى عن العباس بن عبد المطلب نحوه (قال) الشيخ زكي الدين في إسناده محمد بن إسحاق بن يسار اهـ وكأنه أشار بهذا إلى ضعف الحديث لأن محمد بن إسحاق متكلم فيه. لكن ليس الأمر كما زعمه فإن محمد بن إسحاق موثق عند الجمهور وقد صرّح هنا بالحديث. ومحلّ التكلم ما لم يصرّح

باب في وقت العشاء الآخرة

بالتحديث وأيضا فإن الحاكم قال صحيح على شرط مسلم (باب في وقت العشاء الآخرة) أى في بيان وقت صلاة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العشاء الآخرة، وفي بعض النسخ باب وقت العشاء الآخرة، وفى بعضها باب ما جاء في وقت عشاء الآخرة بالإضافة (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِوَقْتِ هَذِهِ الصَّلَاةِ «صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يُصَلِّيهَا لِسُقُوطِ الْقَمَرِ لِثَالِثَةٍ» (ش) (رجال الحديث) (قوله أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله (قوله عن أبى بشر) هو جعفر ابن أبى وحشية (قوله بشير) بفتح الموحدة (ابن ثابت) الأنصارى مولى النعمان بن بشير. روى عن حبيب بن سالم. وعنه شعبة وأبو بشر. وثقه ابن معين وابن حبان. روى له أبو داود والترمذى والنسائى (قوله حبيب بن سالم) الأنصارى مولى النعمان بن بشير وكاتبه. روى عن النعمان وأبى هريرة. وعنه محمد بن المنتشر وأبو بشر وخالد بن عرفطة وغيرهم. وثقه أبو داود وابن حبان وقال البخارى فيه نظر وقال ابن عدى ليس في متون أحاديثه حديث منكر بل قد اضطرب في أسانيد ما يروى عنه. روى له الجماعة إلا البخارى (قوله النعمان بن بشير) بن سعد بن ثعلبة ابن جلاس بالجيم المضمومة ابن زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصارى الخزرجي أبى عبد الله المدنى له ولأبويه صحبة. وهو أول مولود ولد في الأنصار بعد قدومه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عام اثنتين من الهجرة. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربعة وعشرون ومائة حديث اتفق الشيخان على خمسة وانفرد البخارى بحديث ومسلم بأربعة. وعنه ابنه محمد والشعبى وسالم بن أبى الجعد وسماك بن حرب وحبيب بن سالم وعروة ابن الزبير وكثيرون. قال عبد الملك بن عمير أتى بشير بن سعد بالنعمان إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله ادع له فقال أما ترضى أن يبلغ ما بلغت ثم يأتى الشام فيقتله منافق من أهل الشام وقال أبو مسهر كان النعمان بن بشير عاملا على حمص "يعنى من قبل معاوية" فبايع لابن الزبير بعد موت يزيد بن معاوية فلما تمرّد أهل حمص خرج هاربا فأتبعه خالد بن خلى فقتله اهـ وكان ذلك سنة أربع أو ست وستين. روى له الجماعة

(معنى الحديث) (قوله أنا أعلم الناس الخ) وفي رواية للنسائي والله إني لأعلم، وفي رواية له أيضا أنا أعلم الناس بميقات هذه الصلاة. وهو من باب التحدّث بنعمة الله تعالى عليه بزيادة العلم مع ما فيه من حمل السامعين على اعتماد مرويه. ولعلّ وقوع هذا القول منه بعد موت غالب أكابر الصحابة وحفاظهم الذين هم أعلم بذلك منه. أو أنه قال ذلك ظنا منه أنه لم يضبط هذه العلامة من الصحابة أحد كما ضبطها هو. وقوله صلاة العشاء الآخرة بدل من الصلاة قبلها (هو دليل) على جواز وصفها بالآخرة وأنه لا كراهة فيه خلافا لما حكى عن الأصمعى من كراهته (قوله لسقوط القمر لثالثة) أي أي وقت غروبه في ليلة ثالثة. وفى نسخة بعد غروب القمر لثلاث، ويغرب القمر في تلك الليلة بعد مضىّ ثنتين وعشرين درجة من غروب الشمس "وذلك نحو ساعة ونصف" (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يعجل بصلاة العشاء أول وقتها وكان هذا في بعض الأحيان لما تقدم من أنه كان يعجلها تارة ويؤخرها أخرى (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الترمذى والنسائى والدّارمى (قال) النووى إسناده جيد صحيح (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَكَثْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ فَخَرَجَ إِلَيْنَا حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا نَدْرِي أَشَيْءٌ شَغَلَهُ أَمْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَقَالَ: حِينَ خَرَجَ «أَتَنْتَظِرُونَ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَوْلَا أَنْ تَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِي لَصَلَّيْتُ بِهِمْ هَذِهِ السَّاعَةَ»، ثُمَّ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ (ش) (قوله جرير) بن عبد الحميد. و (منصور) بن المعتمر. و (الحكم) بن عتيبة (قوله مكثنا الخ) بفتح الكاف وضمها أى لبثنا في المسجد ليلة من الليالى منتظرين صلاة العشاء فخرج إلينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين ذهب ثلث الليل (قوله أشيء شغله الخ) أى منعه عن الخروج لأدائها أول وقتها المعتاد. وفى رواية مسلم أشيء شغله في أهله أم غير ذلك بأن قصد بتأخيرها إحياء جزء من الليل بالسهر في العبادة. وقوله أتنتظرون

هذه الصلاة استفهام بمعنى الخبر أى انتظر ثم هذه الصلاة دون غيركم من الأمم. ويؤيده رواية مسلم إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم. والمعنى أن انتظار هذه الصلاة من بين سائر الصلوات من خصوصياتكم التى خصكم الله تعالى بها فكلما زدتم في الانتظار كان الأجر أكمل لأن الوقت وقت راحة ولأن الذاكرين في الغافلين كالصابرين في الفارّين فالمثوبة على قدر المشقة (وبهذا) يندفع قول ابن حجر إنه لا دليل في الحديث على أفضلية تأخير العشاء لأن ثواب انتظار الصلاة يعمّ كل صلاة (قوله لولا أن تثقل على أمتي الخ) تثقل بالمثناة الفوقية أى هذه الصلاة وهى رواية مسلم، وفى نسخة لولا أن يثقل بالمثناة التحتية أى التأخير وهي رواية النسائى والمعنى لولا أن يشقّ ويصعب على الأمة تأخير صلاة العشاء للازمت وداومت على صلاتها بالقوم في مثل هذه الساعة التي هي في نهاية ثلث الليل الأول أو بعده (والحديث يدلّ) على أفضلية تأخير العشاء عن أول وقتها (وقد) اختلف العلماء أتقديمها أفضل أم تأخيرها وهما مذهبان مشهوران للسلف وقولان لمالك والشافعى (فذهب) فريق إلى تفضيل التأخير محتجا بهذه الأحاديث المذكورة في الباب (وذهب) فريق إلى تفضيل التقديم محتجا بأن العادة الغالبة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هى التقديم وإنما أخرها في أوقات يسيرة لبيان الجواز أو لشغل أو لعذر ولو كان تأخيرها أفضل لواظب عليه وإن كان فيه مشقة (وردّ) بأن هذا إنما يتمّ لو لم يكن منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا مجرّد الفعل لها في ذلك الوقت وهو ممنوع لورود الأقوال كما في حديث أبى هريرة قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لولا أن أشقّ على أمتى لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه" رواه ابن ماجه والترمذى وصححه (إلى غير) ذلك من الأحاديث التي فيها تنبيه على أفضلية التأخير وعلى أن ترك المواظبة عليه لما فيه من المشقة. وأفعاله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تعارض هذه الأقوال وأما ما ورد من أفضلية أول الوقت على العموم فهى مخصوصة بأحاديث هذا الباب (فقه الحديث) والحديث يدلّ بظاهره على أفضلية تأخير صلاة العشاء إلى نحو ثلث الليل وعلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رحيم بالمؤمنين، وعلى أن الدين يسر لا مشقة فيه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الْحِمْصِيُّ، نَا أَبِي، نَا حَرِيزٌ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ السَّكُونِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، يَقُولُ: أَبْقَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْعَتَمَةِ فَتَأَخَّرَ حَتَّى ظَنَّ الظَّانُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ وَالْقَائِلُ مِنَّا يَقُولُ: صَلَّى،

فَإِنَّا لَكَذَلِكَ حَتَّى خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَقَالُوا لَهُ كَمَا قَالُوا، فَقَالَ «أَعْتِمُوا بِهَذِهِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّكُمْ قَدْ فُضِّلْتُمْ بِهَا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ، وَلَمْ تُصَلِّهَا أُمَّةٌ قَبْلَكُمْ» (ش) (رجال الحديث) (قوله حدثنا أبى) هو عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصى أبو عمرو القرشى. روى عن حريز بن عثمان وشعيب بن أبى حمزة ومحمد بن مطرف وكثيرين. وعنه ابناه عمرو ويحيى ومؤمل بن شهاب ومحمد بن عوف وطائفة. وثقه أحمد وابن معين وقال في التقريب ثقة عابد من التاسعة. مات سنة تسع ومائتين. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه (قوله حريز) بالحاء المهملة ابن عثمان (قوله عاصم بن حميد) الحمصى. روى عن عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وعوف بن مالك الأشجعى وعائشة وكثيرين. وعنه عمرو بن قيس ومالك بن زياد وراشد بن سعد وغيرهم. وثقه أحمد وابن معين والحافظ والدارقطنى وابن حبان وذكره أبو زرعة في الطبقة العليا من تابعى أهل الشام وقال ابن القطان لا يعرف أنه ثقة روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه. و (السكونى) نسبة إلى سكون بن أشرس (معنى الحديث) (قوله أبقينا النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى انتظرناه في صلاة العشاء الآخرة، وفى بعض النسخ بقينا بلا همز وهو أشهر رواية، وفى نسخة ارتقبنا يقال بقيت الرجل أبقيه وارتقبته إذا انتظرته. ووصفها بالعتمة لأن العرب يطلقون العشاء على المغرب فلو قال في صلاة العشاء لتوهم إن المراد صلاة المغرب. وقوله حتى ظنّ الظانّ الخ غاية لتأخرّه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن صلاة العشاء حتى اضطرب القوم فقال بعضهم إنه ليس بخارج وقال آخرون إنه قد صلى واستمرّوا مضطربين حتى خرج فأخبروه مما قالوه فقال أعتموا بهذه الصلاة فالباء للتعدية أى أدخلوها في العتمة أو للمصاحبة أى ادخلوا في العتمة متلبسين بهذه الصلاة. والعتمة ظلمة الليل من غيبوبة الشفق إلى آخر الثلث الأول. والمراد أخروا صلاة العشاء الآخرة إلى ثلث الليل أو نصفه والأمر في هذا الحديث للندب بدليل قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الحديث السابق لولا أن تثقل على أمتى لصليت بهم هذه الساعة. ولا منافاة بين حديث الباب وما رواه أحمد وابن ماجه والترمذى عن أبي هريرة مرفوعا لولا أن أشقّ على أمتى لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه. لأن الأمر المنفىّ فيه للإيجاب. وحديث الباب حجة لمن قال بأفضلية تأخير صلاة العشاء وتقدم بيانه (قوله فإنكم قد فضلتم بها الخ) أى خصكم الله تعالى بإيجاب صلاة العشاء عليكم دون سائر الأمم وهو تعليل للأمر بتأخيرها "ولا منافاة" بينه وبين قوله في حديث جبريل المتقدم هذا وقت الأنبياء من قبلك "لأن صلاة" العشاء كانت تصليها الرسل نافلة لهم ولم تكتب على أممهم كالتهجد فإنه وجب على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم

يجب علينا أو أن هذا بالنسبة لغير العشاء "فإن قلت" ما المناسبة بين الأمر بتأخير العشاء واختصاصها بالأمة دون سائر الأمم حتى يجعل الثاني علة الأول "قلت" كأن المراد أنهم إذا أخروها منتظرين خروج الإمام كانوا في صلاة وكتب لهم ثواب المصلي فإذا كان الله تعالى شرّفهم بالاختصاص بهذه الصلاة فينبغى أن يطوّلوها ويستعملوا أكثر الوقت فيها فإن عجزوا عن ذلك فعلوا فعلا يحصل لهم به ثواب المصلي (فقه الحديث) والحديث يدلّ على مشروعية انتظار الإمام إذا تأخر عن الحضور أول وقت الصلاة، وعلى استحباب تأخير صلاة العشاء عن أول وقتها إلى ثلث الليل أو نصفه لكن محله ما لم يثقل على الحاضرين كما تقدم، وعلى أن الله تعالى خصّ الأمة المحمدية بفضل لم يكن لغيرها وعلى أن من أتى بشئ يخفى على غيره يطلب منه أن بين وجهه، وعلى أن من خفي عليه شئ يطلب منه أن يسأل عنه الخبير به (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى بسنده إلى عاصم بن حميد السكوني صاحب معاذ بن جبل عن معاذ قال بقينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لصلاة العتمة ليلة فتأخر بها حتى ظنّ الظانّ أن قد صلى أو ليس بخارج ثم إنه خرج بعد فقال له قائل يا نبي الله لقد ظننا أنك قد صليت يا نبي الله أولست بخارج فقال لنا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أعتموا بهذه الصلاة فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، نَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ صَلَاةَ الْعَتَمَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى مَضَى نَحْوٌ مِنْ شَطْرِ اللَّيْلِ فَقَالَ: «خُذُوا مَقَاعِدَكُمْ» فَأَخَذْنَا مَقَاعِدَنَا فَقَالَ: «إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَأَخَذُوا مَضَاجِعَهُمْ وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلَاةَ وَلَوْلَا ضَعْفُ الضَّعِيفِ وَسَقَمُ السَّقِيمِ لَأَخَّرْتُ هَذِهِ الصَّلَاةَ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ» (ش) (قوله عن أبى نضرة) هو منذر بن مالك (قوله صلينا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى أردنا أن نصل معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في جماعة صلاة العشاء الآخرة "فإن قيل" قد ورد النهى عن إطلاق العتمة على العشاء ففى مسلم لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء فإنها في كتاب الله العشاء وإنها تعتم بحلاب الإبل وفى رواية لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء وهم يعتمون بالإبل "أجيب"

بأن النهي فيه محمول على التنزيه وإطلاق اسم العتمة عليها في حديث الباب وغيره من الأحاديث الصحيحة كحديث لو يعلمون ما في الصبح والعتمة لأتوهما ولو حبواً لأن اسم العتمة أشهر عند العرب وقد خاطب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بذاك من لا يعرف العشاء (قوله حتى مضى نحو من شطر الليل الخ) غاية لعدم خروجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أي لم يخرج إلى أن ذهب من الليل ما يقرب من نصفه فخرج فصلى بهم ثم قال خذوا مقاعدكم أي الزموا مجالسكم حتى أحدّثكم عن ثواب تأخير صلاة العشاء كما في رواية النسائي وابن ماجة فخرج فصلى بهم ثم قال إن الناس قد صلوا. ويحتمل أن قوله خذوا مقاعدكم وقع منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبل الصلاة أي قال لهم بعد فراغكم من الصلاة خذوا مقاعدكم. وقوله إن الناس قد صلوا المراد بهم المسلمون الذين لم يحضروا صلاة العشاء معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في تلك الليلة (قوله وإنكم لم تزالوا في صلاة الخ) وفى نسخة لن تزالوا. وهو من باب التشبيه البليغ والواو فيه للاستئناف أي إنكم ما دمتم منتظرين الصلاة فلكم ثواب المتلبسين بها لأن المقصود من الصلاة عبادة الله عزّ وجلّ ومراقبته وانتظار العبادة عبادة (قوله ولولا ضعف الضعيف الخ) أى لولا الضعف والسقم موجودان في الناس لأخرت صلاة العشاء دائما لكن تركت المداومة على تأخيرها لدفع المشقة فبين صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فضيلة التأخير من وجهين (أحدهما) أن الناس في صلاة ما داموا منتظرين لها (ثانيهما) أن تأخيرها إلى نصف الليل أكثر ثوابا لكن لرعاية جانبي أصحاب الأسقام والضعفاء الذين لا يستطيعون التأخير قدّمها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإن في إحراز فضيلة التأخير تفويت فضيلة تكثير الجماعة وهي أهمّ منها والضعف بضم الضاد المعجمة لغة قريش وبفتحها لغة تميم خلاف القوّة والصحة. ومنهم من فرق فجعل المضموم في جانب الجسد والمفتوح في جانب الرأى والمضموم مصدر ضعف من باب قرب والمفتوح مصدر ضعف من باب قتل. والسقم بضم السين المهملة وسكون القاف المرض مصدر سقم من باب قرب وبفتحها مصدر سقم من باب تعب والاسم منه سقيم وجمعه سقام. والضعيف أعمّ من السقيم لأنه يتناول من به سقم ومن ذهبت قوّته كالشيخ الهرم وكل عاجز عن الحضور وذكر الثانى بعد الأول لشدّة الاهتمام. والحديث حجة لمن قال بأفضلية تأخير صلاة العشاء إلى نحو ثلث الليل (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يطلب من العالم أن يعلم الجاهل، وعلى مشروعية الاستعداد لسماع الموعظة، وعلى أن انتظار الصلاة فيه الثواب للمنتظر كثواب المتلبس بالصلاة وعلى أنه يطلب مراعاة حال الضعيف والرحمة به. وعلى عظم رأفة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالضعفاء، وعلى أن الدين سهل لا صعوبة فيه

باب في وقت الصبح

(من روى الحديث أيضا) رواه أحمد والنسائى وابن ماجه والبيهقى (باب في وقت الصبح) أى في بيان وقت صلاة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصبح. وفى نسخة باب في وقت صلاة الصبح (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا، قَالَتْ: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الغَلَسِ» (ش) (قوله إن كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) إن مخففة واسمها ضمير الشأن أى إنه كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليصلى الصبح فينصرف النساء اللاتى يصلين معه حال كونهنّ متلفعات بالعين المهملة أى مستترات بمروطهنّ. وفي نسخة متلففات بالفاء وهي رواية الترمذى من التلفف بمعنى التلفع. والمروط جمع مرط بكسر الميم كساء من صوف أو خزّ أو كتان يؤتزر به وتتلفع به المرأة. وكنّ في ذلك الزمن على غاية الصيانة فما كان يتطرّق إليهنّ فتنة ولما حدثت الفتنة لهنّ وبهنّ منعهنّ العلماء من ذلك ولقد قالت عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا لو علم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما أحدث النساء بعده لمنعهنّ المساجد كما منعت نساء بنى إسرائيل (قوله ما يعرفن من الغلس) أى حال الانصراف في الطرقات لا داخل المسجد لأن جملة ما يعرفن حال من فاعل ينصرفن فتجب المقارنة بينهما أى ما يعرفهنّ أحد من أجل ظلمة آخر الليل المختلطة بضوء الصباح. وقيل من أجل ظلمة المسجد وعدم إسفاره لأنه ما كان يظهر النور إلا قريبا من طلوع الشمس لقرب السقف من الأرض وضيق المسجد وعدم السرج. لكن هذا مردود لأن فيه صرف الغلس عن حقيقته اللغوية ولما عرفت من أن قوله ما يعرفن حال من فاعل ينصرفن فتجب مقارنته له "ولا منافاة" بين هذا الحديث وحديث أبى برزة أنه كان ينصرف من الصلاة حين يعرف الرجل جليسه "لأن هذا" إخبار عن رؤية المتلفعة على بعد وذاك إخبار عن رؤية الجليس السافر (والحديث يدلّ) على استحباب المبادرة بصلاة الفجر أول الوقت. وبه قال مالك والشافعى وأحمد وإسحاق وأبو ثور والأوزاعي وداود بن على والطبرى وهو المروى عن عمر وعثمان وابن الزبير وأنس وأبى موسى وأبى هريرة. وحكى هذا القول الحازمى عن بقية الخلفاء الأربعة

مذاهب العلماء في التغليس بصلاة الفجر والإسفار بها

وأبى مسعود الأنصارى وأهل الحجاز. واحتجوا بحديث الباب وبقوله تعالى "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم" والتعجيل من باب المسارعة إلى الخير. وقد ذمّ الله تعالى أقواما على الكسل بقوله "وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى" والتأخير من الكسل. وروى الترمذى من حديث ابن عمر مرفوعا الوقت الأول من الصلاة رضوان الله، وبقوله تعالى "فاستبقوا الخيرات" وبما رواه البخارى ومسلم عن عائشة قالت كنّ نساء المؤمنات يشهدن مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهنّ ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس. وبما رواه أبو برزة قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله ولسلم ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه وكان يقرأ بالستين إلى المائة. وتقدم نحوه للمصنف. وبما تقدم للمصنف عن أبى مسعود أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى الصبح مرّة بغلس ثم صلى مرّة أخرى فأسفر بها ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات ولم يعد إلى أن يسفر. وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة في أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلى الصبح بغلس (وذهب) أبو حنيفة وأصحابه والثورى وأكثر العراقيين إلى أن الإسفار بالصبح أفضل. وروى عن على وابن مسعود. واحتجوا بحديث رافع بن خديج أسفروا بالفجر وسيأتى للمصنف نحوه. وبما رواه البخارى ومسلم عن ابن مسعود قال ما رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء يجمع "أى المزدلفة" وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها. قالوا ومعلوم أنه لم يصلها قبل طلوع الفجر وإنما صلاها بعد طلوعه مغلسا بها فدلّ على أنه كان يصليها في جميع الأيام غير ذلك مسفرا بها. وقالوا ولأن الإسفار يؤدّي إلى كثرة الجماعة واتصال الصفوف ولأنه يتسع به وقت التنفل قبلها وما أفاد كثرة التنفل كان أفضل "وأجيب" عن حديث رافع بن خديج بأن المراد بالإسفار انكشاف الفجر وظهوره فإنه يقال أسفر الفجر إذا انكشف وأضاء وأسفرت المرأة كشفت وجهها "ولا يشكل" على هذا التأويل قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإنه أعظم للأجر "ولأن هذا" يدلّ على صحة الصلاة قبل الإسفار لكن الأجر فيها أقل لأنه إذا غلب على الظنّ دخول الوقت ولم يتيقنه جاز له الصلاة وله فيها أجر وإن تيقن طلوع الفجر فهو أفضل وأعظم للأجر. أو أن الأمر بالإسفار خاصّ بالليالي المقمرة لأن أول الصبح لا يتبين فيها فأمروا بالإسفار احتياطيا (وأجيب) أيضا عن قوله في حديث ابن مسعود "وصلى الفجر قبل ميقاتها" بأن معناه أنه صلاها قبل وقتها المعتاد لها في بقية الأيام وقد صلى في هذا اليوم أول طلوع الفجر ليتسع الوقت لمناسك الحج وكان يؤخرها في غير هذا اليوم قدر ما يتوضأ المحدث ويغتسل الجنب. وجمع الطحاوي بين أحاديث التغليس وأحاديث

الإسفار بأنه يدخل في الصلاة مغلسا ويطوّل القراءة حتى ينصرف منها مسفرا. وقال إن حديث عائشة هذا كان قبل الأمر بطول القراءة فهو منسوخ اهـ لكن دعواه النسخ لحديث عائشة لا دليل عليه. ويقوّى عدم النسخ ما قاله الترمذى من أن حديث عائشة حسن صحيح وهو الذى اختاره غير واحد من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منهم أبو بكر وعمر ومن بعدهم من التابعين اهـ فلو كان منسوخا لما ذهب إليه هؤلاء الأكابر الذين هم أعلم بالنسخ من غيرهم. ولعلّ حديث عائشة مبنيّ على بعض الأحوال فإن الظاهر من الأدلة أنه كان يبتدئُ بغلس وهو الغالب من أحواله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وينصرف منها تارة بغلس كما في حديث عائشة وتارة بإسفار كما في حديث أبى برزة المتقدم وكان ذلك على حسب طول القراءة وقصرها فقد كان يقرأ فيها من الستين إلى المائة. وروى الطحاوى من طريق شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال صلى بنا أبو بكر صلاة الصبح فقرأ بسورة آل عمران فقالوا كادت الشمس تطلع فقال لو طلعت لم تجدنا غافلين. وروى أيضا من طريق عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدى قال صلى بنا أبو بكر صلاة الصبح فقرأ سورة البقرة في الركعتين جميعا فقال له عمر كادت الشمس تطلع فقال لو طلعت لم تجدنا غافلين "قال" أبو جعفر فهذا أبو بكر قد دخل في وقت غير الإسفار ثم مدّ القراءة فيها حتى خيف طلوع الشمس وهذا بحضرة أصحاب ر سول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وبقرب عهدهم من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا ينكر عليه منهم منكر فدلّ ذلك على متابعتهم له ثم فعل ذلك عمر من بعده فلم ينكره من حضره منهم "إذا" علمت هذا "تبين لك" أن الراجح القول بالتغليس لصحة أدلته وقوّتها (فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب المبادرة بصلاة الصبح أول الوقت، وعلى جواز خروج النساء إلى المساجد لشهود الصلاة في الليل ومحلّ ذلك ما لم يخش عليهنّ أو بهنّ فتنة وعلى أنه يطلب من النساء الاستتار التامّ إذا خرجن لأمر مشروع لهنّ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى والبيهقي وأخرجه ابن ماجه من طريق عروة عن عائشة (ص) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «أَصْبِحُوا بِالصُّبْحِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأُجُورِكُمْ أَوْ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ»

(ش) (رجال الحديث) (قوله سفيان) الثوري. و (ابن عجلان) هو محمد (قوله عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان) الظفري الأوسي الأنصاري أبي عمر. روى عن أبيه وجابر ابن عبد الله وأنس وعلى بن الحسين وآخرين. وعنه ابنه الفضل وابن عجلان وزيد بن أسلم ومحمد ابن إسحاق. وثقه ابن معين والنسائى والبزّار وابن القطان وأبو زرعة وابن حبان وقال ابن سعد كان راوية للعلم ثقة كثير الحديث عالما. توفي سنة تسع عشرة أو عشرين ومائة. روى له الجماعة (قوله محمود بن لبيد) بن عقبة بن رافع بن امرئ القيس الأشهلى الأنصارى أبى نعيم. ولد في حياة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. روى عن عمر وعثمان وأبى سعيد الخدرى وآخرين، وعنه الزهرى وعاصم بن عمر ومحمد بن إبراهيم وبكير بن الأشج. ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من التابعين فيمن ولد على عهده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال كان ثقة قليل الحديث وذكره مسلم في الطبقة الثانية من التابعين ووثقه يعقوب بن سفيان وقال ابن عبد البرّ قول البخارى في إثبات صحبته أولى وذكره ابن حبان في الصحابة وقال الترمذى رأى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو غلام صغير وقال الواقدى مات وهو ابن تسع وتسعين سنة (قال) الحافظ ابن حجر قول الواقدى يقوّى قول من أثبت الصحبة له لأن سنه يوم مات صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان ثلاث عشرة سنة اهـ (قوله رافع بن خديج) ابن رافع بن عدي الخزرجي الأنصاري الحارثي أبي عبد الله أحدا والخندق. روى له عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثمانية وسبعون حديثا اتفق الشيخان على خمسة وانفرد مسلم بثلاثة. وعنه عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والسائب بن يزيد وحنظلة ابن قيس وكثيرون. مات سنة ثلاث أو أربع سبعين (معنى الحديث) (قوله أصبحوا بالصبح) أي صلوها عند طلوع الصبح يقال أصبح الرجل إذا دخل في الصبح (قال) السيوطى بهذا يعرف أن رواية من رواه بلفظ أسفروا بالفجر رواية بمعناه اهـ (قوله فإنه أعظم للأجر) أى أن الإصباح المأخوذ من أصبحوا أكثر ثوابا من تأخيرها عن أول الوقت وهو تعليل للأمر بالإصباح (قال) الخطابي تأولوا حديث رافع بن خديج على أنه أراد بالإصباح والإسفار أن يصليها بعد الفجر الثاني "وزعموا" أنه يحتمل أن يكون أولئك القوم لما أمروا بتعجيل الصلاة جعلوا يصلونها بين الفجر الأول والفجر الثانى طلبا للأجر في تعجيلها ورغبة في الثواب فقيل لهم صلوها بعد الفجر الثانى وأصبحوا بها إذا كنتم تريدون الأجر فإن ذلك أعظم لأجوركم "فإن قيل" كيف يستقيم هذا ومعلوم أن الصلاة إذا لم يكن لها جواز لم يكن فيها أجر "قيل" أما الصلاة فلا جواز لها ولكن أجرهم

فيما نووه ثابت لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر ألا تراه أنه عليه وعلى آله الصلاة والسلام قد أبطل حكمه ولم يبطل أجره اهـ (وقال) في المرقاة حمله بعضهم على الليالى القصيرة لإدراك النوّام الصلاة قال معاذ بعثنى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال إذا كان في الشتاء فغلس بالفجر وأطل القراءة قدر ما يطيق الناس ولا تملهم وإذا كان في الصيف فأسفر بالفجر فإن الليل قصير والناس نيام فأمهلهم حتى يدركوا ذكره في شرح السنة اهـ وتقدم بيان ذلك وافيا وأن المراد بالإصباح والإسفار تحقق طلوع الفجر وظهوره (فقه الحديث) والحديث يدلّ على طلب التغليس بالفجر، وعلى أن المبادرة بها فيها زيادة الأجر (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الترمذى والنسائى وابن ماجه وقال الترمذى حديث رافع بن خديج حسن صحيح (تم الجزء الثالث) (من المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود) (ويليه الجزء الرابع وأوله) (باب في المحافظة على وقت الصلوات)

المنهل العذب المورود «شرح سنن الإمام أبي داود» تأليف الإمام الجليل المحقق، والعارف الرباني المدقق، محيي السنة وقامع البدعة صاحب الفضيلة والإرشاد الشيخ/ محمود محمد خطاب السبكي المتوفى في الرابع عشر من شهر ربيع الأول سنة 1352 هـ عمه الله بالرحمة والرضوان وأسكنه عالي الجنان [الجزء الرابع]

باب في المحافظة على وقت الصلوات

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (باب في المحافظة على وقت الصلوات) وفي نسخة باب المحافظة على الصلوات، وفي أخرى باب في المحافظة على الصلوات، وفي أخرى باب في المحافظة على الوقت (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الْوَاسِطِيُّ، نَا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ هَارُونَ، أنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصُّنَابِحِيِّ، قَالَ: زَعَمَ أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ، فَقَالَ: عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن حرب الواسطى) روى عن إسماعيل بن علية وأبى معاوية ومحمد بن ربيعة ويزيد بن هارون وكثيرين. وعنه البخارى ومسلم وأبو داود وأبو زرعة وابن خزيمة وأبو حاتم وآخرون. قال الطبرانى كان ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم صدوق. مات سنة خمس وخمسين ومائتين (قوله عبد الله بن الصنابحي) بضم الصاد المهملة نسبة إلى صنابح بن زاهر بطن من مراد. وهو مختلف في صحبته فقال ابن معين وابن السكن أنه صحابى معدود في المدنيين. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن عبادة بن الصامت. وعنه عطاء بن يسار حديث الباب، وليس هو عبد الرحمن بن عسيلة بن عسل الصنابحى لأن عبد الرحمن رحل إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

فقبض النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو في الطريق فلم يره "وبهذا" تعلم أن من قال إن الصنابحى راوى حديث الباب هو عبد الرحمن بن عسيلة فقد وهم (قوله زعم) أى قال وتأتى أيضا بمعنى ظن واعتقد أو قال قولا لا يدرى أحق هو أم باطل. وعبر الصنابحي. بزعم إشارة إلى ضعف هذا القول، و (أبو محمد) هو مسعود بن أوس بن زيد الأنصارى البدرى شهد بدرا والعقبة، قال ابن حبان له صحبة (قوله عبادة بن الصامت) بن قيس بن أصرم بن فهر بن قيس الأنصارى الخزرجى أبو الوليد أحد النقباء ليلة العقبة، شهد بدرا وأحدا وبيعة الرضوان والمشاهد كلها. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحد وثمانون ومائة حديث، اتفق الشيخان على ستة وانفرد كل منهما بحديثين. روى عنه أنس وأبو أمامة ومحمود بن الربيع وجابر بن عبد الله وكثيرون، قال ابن سعد آخى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بينه وبين أبى مرثد وروى البخارى في تاريخه الصغير أنه أحد من جمع القرآن في زمن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال الأوزاعي أول من ولى قضاء فلسطين عبادة بن الصامت. مات بالشام سنة أربع وثلاثين وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله كذب أبو محمد) أى أخطأ فيما قاله حيث أخبر بخلاف الواقع ولا إثم عليه في ذلك لأنه لم يتعمد الكذب وهو رجل من الأنصار له صحبة. ويبعد على الصحابة رضوان الله عليهم تعمد الكذب. والعرب تضع الكذب موضع الخطأ فتقول كذب سمعى وكذب بصرى أى أخطأ. والإثم بالكذب منوط بالعمد فيه (قوله أشهد أنى سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى أعترف بذلك وهذه شهادة حسبة. والغرض منها تأكيد خبره عند السامعين وأنه لا شك فيه (وبهذا استدلّ) من قال إن الوتر ليس بواجب. لكن الاستدلال به ضعيف لأن عبادة إنما أنكر أن يكون الوتر كفرض الصلوات الخمس دون أن يكون واجبا. ولذلك استشهد بالصلوات الخمس المفروضة في اليوم والليلة (قوله خمس صلوات الخ) أي في اليوم والليلة كما في رواية للبخارى وخمس مبتدأ وافترضهنّ الله صفة أو خبر وقوله من أحسن وضوءهنّ خبر على الأول أو خبر بعد خبر على الثانى أى من أتم وضوءهنّ بمراعاة فرائضه وشرائطه فالمراد بالإحسان التصحيح لا الأمر الزائد على أصل الفعل "وما قاله" بعضهم من أن المراد بالإحسان مراعاة الفرائض والسنن "غير مسلم" لأن الوعيد المذكور بعد لا يترتب على ترك السنن (قوله وصلاهنّ لوقتهنّ) أى في وقتهنّ فاللام بمعنى في (قال) الطيبى المراد في أول وقتهنّ (قال) ابن حجر لا دليل على ذلك بل الصواب ما أفادته في التى اللام بمعناها من أن الشرط

لأداء في الوقت وإن لم يكن أوّله اهـ (قوله وأتم ركوعهنّ) بأن اطمأنّ وأتى بتسبيحه المطلوب فيه، ويأتي بيانه في باب مقدار الركوع إن شاء الله تعالى، وخصّ بالذكر دون بقية الأركان إما تغليبا له على ما عداه من الأركان أو لكونه كالمقدّمة والوسيلة لغيره أو لأن الجاهلية كانوا يتساهلون فيه ففيه تنبيه على غيره بطريق المساواة (قوله وخشوعهنّ) الخشوع في الصلاة ظاهرىّ وهو سكون الجوارح عن العبث وجعل بصره موضع سجوده، وباطنيّ وهو حفظ القلب عن الاشتغال بغير ما هو فيه من التأمل في معانى القرآن وفي السبب الذى شرع كل ركن لأجله من القيام بين يدي الرّبّ تعظيما وإجلالا، ومن الركوع وهو الانقياد ظاهرا وباطنا، ومن السجود وهو غاية التذلل والخضوع والانكسار. بجعل أشرف ما فيه من الأعضاء على موطئ الأقدام (قوله كان له على الله عهد أن يغفر له) العهد في الأصل اليمين والأمانة والذمة والحفظ والمراد به الوعد. وسمى الله تعالى وعده عهدا لأنه أوثق من كل وعد وليس هذا على الله بطريق الوجوب لأن العبد لا يجب له على الله شيء وإنما يذكر مثل هذا لبيان أنه متحقق لا محالة، والمراد أنه يغفر الذنوب الصغائر. وغفرها محوها من صحائف الأعمال أو سترها عن أعين الملائكة أما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة أو عفو الله تعالى كما هو مذهب أهل السنة وقال بعضهم يغفر له الكبائر أيضا (قوله ومن لم يفعل الخ) أى من لم يفعل ما ذكر من إحسان الوضوء وغيره فليس له على الله وعد بالغفران وأمره مفوّض لربه إن شاء غفر له تفضلا وإن شاء عذّبه عدلا، وقدّم مشيئة الله تعالى تجويزا للعفو عنه فإن عادة الكرام المحافظة على الوعد والمسامحة في الوعيد وهذا في غير الكافر فإنه مقطوع بتعذيبه (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن المفروض من الصلوات خمس، وعلى أن من أدّى الصلوات على وجهها المشروع بوضوئها التامّ مضمون له غفران الذنوب دون من قصر في ذلك وعلى أن عقاب العاصى بغير الكفر وإثابة المطيع غير واجب لأن الله تعالى لا يجب عليه لخلقه شئ وله تعذيب المطيع والأطفال وإثابة الفاسق فهو ردّ على من قال بوجوب الصلاح والأصلح (من روى الحديث أيضا) رواه أحمد وروى مالك والنسائى وابن ماجه وابن حبان نحوه (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَا: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ غَنَّامٍ، عَنْ بَعْضِ أُمَّهَاتِهِ، عَنْ أُمِّ فَرْوَةَ، قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا»، قَالَ: الْخُزَاعِيُّ فِي

حَدِيثِهِ: عَنْ عَمَّةٍ لَهُ يُقَالُ لَهَا أُمُّ فَرْوَةَ قَدْ بَايَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ سُئِلَ (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن عبد الله) بن عثمان البصرى أبو عبد الله. روى عن عبد الله ابن عمر العمرى وأبى الأشهل وجرير بن حازم وحماد بن سلمة ومالك وآخرين. وعنه أبو داود وأبو زرعة وأبو حاتم وإبراهيم الحربى. وثقه علىّ بن محمد وأبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن قانع صالح. مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين. روى له ابن ماجه، و (الخزاعى) نسبة إلى خزاعة حىّ من الأزد سموا بذلك لأنهم تخزّعوا أى تفرّقوا عن قومهم وأقاموا بمكة (قوله القاسم بن غنام) الأنصارى البياضى. روى عن عمته أم فروة. وعنه الضحاك بن عثمان وعبد الله بن عمر العمرى. ذكره ابن حبان في الثقات وذكره العقيلى في الضعفاء وقال في حديثه اضطراب. روى له أبو داود والترمذى (قوله عن بعض أمهاته) هذا لفظ عبد الله بن مسلمة، ورواية الخزاعى عن عمة كما يأتى ولم يعرف اسمها (قوله عن أم فروة) الأنصارية الصحابية كانت من المبايعات، وقيل إن أم فروة هذه هى أخت أبى بكر الصديق لأبيه ذكره أبن العربى. روى عنها القاسم بن غنام روى لها أبو داود والترمذى (معنى الحديث) (قوله سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) ظاهره أن السائل غير أم فروة. ويؤيده رواية الدارقطني عن عبد الله بن عمر عن القاسم بن غنام عن جدّته عن أم فروة قالت سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وأنا أسمع عن أفضل الأعمال "الحديث" وفى رواية له أيضا عن أم فروة أنها قالت سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أي العمل أفضل الخ ولا منافاة بين هذه الروايات لجواز أن تكون سألت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وسمعت غيرها يسأله (قوله أىّ الأعمال أفضل الخ) أى أي الأعمال أحب إلى الله تعالى وأكثر ثوابا فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم الصلاة في أول وقتها أى أداؤها في أول وقتها وهذا يدل على أن إيقاع الصلاة في أول الوقت أفضل من جميع الأعمال حتى من الصلاة في غير الجزء الأول من الوقت ويؤيده ما رواه الترمذى عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الوقت الأول من الصلاة رضوان الله والوقت الآخر عفو الله. وهو لا ينافى قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحبّ الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها أي من بقية الأعمال لأن حديث الباب أفاد ما أفاده هذا الحديث وزيادة "فإن قيل" كيف التوفيق بين حديث الباب وبين قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين سئل أىّ الأعمال أفضل قال الإيمان بالله "الحديث" رواه الطبرانى عن

الترغيب في المحافظة على صلاتي الصبح والعصر

ماعز "قيل" قد دلت القرائن على أن المراد من الأعمال في حديث الباب أعمال الإيمان فكأنه قال أىّ أعمال الإيمان أفضل، وعلى أن المراد بالأعمال في الحديث الثانى الأعمال التى يدخل بها الرجل في دين الإسلام فعلى هذا تكون الصلاة في وقتها أفضل الأعمال بعد الإيمان لأنه أصل كل عبادة ولا اعتبار لجميع العبادات إلا به. وما الأحاديث التى جعل فيها الجهاد أفضل الأعمال وفي بعضها الحج وفي بعضها برّ الوالدين وفي بعضها إطعام الطعام فالتوفيق بينها أن يقال إن التفضيل فيها نسبىّ فلا يراد أن كل واحد منها أفضل جميع الأشياء من جميع الوجوه وفى جميع الأحوال والأشخاص بل في حال دون حال ويختلف ذلك باختلاف الأحوال والأشخاص. أو يكون على تقدير من ويكون التقدير من أفضل الأعمال الجهاد إلى غير ذلك (قوله قال الخزاعي في حديثه الخ) غرض المصنف بهذا الإشارة إلى أن في الحديث اضطرابا فقد رواه عبد الله بن مسلمة عن ابن عمر العمري عن القاسم عن بعض أمهاته عن أم فروة بواسطة بين القاسم وأم فروة ورواه الخزاعي عن ابن عمر العمرى عن القاسم عن عمة له يقال لها أم فروة بدون واسطة بين القاسم وأم فروة وجعلها عمة له وزاد فيه المبايعة. وقد تابع الخزاعيّ في ذلك الفضل بن موسى عند الترمذى ورواه الدارقطنى بسنده إلى القاسم بن غنام عن جدته الدّنيا أم أبيه عن جدّته أم فروة. وفى رواية له أيضا عن القاسم عن امرأة من المبايعات (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن الصلاة في أول وقتها أفضل الأعمال لكن قد علمت أن ذلك مخصوص بغير الظهر أيام الجرّ والعشاء، وعلى مشروعية سؤال الجاهل للعالم عما خفى عليه، وعلى أن عظم قدر العالم لا يمنع من السؤال (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطنى وأحمد والحاكم والبيهقى والترمذى وقال حديث أم فروة لا يروى إلا من حديث عبد الله بن عمر العمرى وهو ليس بالقوى عند أهل الحديث واضطربوا في هذا الحديث اهـ (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ»، قَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْهُ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ: نَعَمْ، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَأَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ

التنفير من القذف والسب وأكل مال الغير ظلما

(ش) هكذا ذكر هذا الحديث عقب حديث أم فروة في بعض النسخ، وفى بعضها تأخيره عن حديث عمرو بن عون (رجال الحديث) (قوله يحيى) بن سعيد القطان (قوله إسماعيل بن أبي خالد) أبى عبد الله البجلى الكوفى. روى عن أبيه وعبد الله بن أبي أوفى وعمرو بن حريث وقيس بن عائذ والشعبى وغيرهم وعنه الثورى وابن عيينة وشعبة وابن المبارك ووكيع ويحيى القطان وآخرون، قال العجلى تابعى ثقة كان رجلا صالحا ووثقه أبو حاتم ويعقوب بن شيبة وابن معين وابن مهدي والنسائى وقال أحمد أصحّ الناس حديثا عن الشعبى ابن أبى خالد وقال ابن عمار الموصلى هو حجة له نحو ثلثمائة حديث وقال الثورى حفاظ الناس ثلاثة إسماعيل بن أبي خالد ويحيى بن سعيد وعبد الملك بن أبى سليمان. مات سنة ست أو خمس وأربعين ومائة. روى له الجماعة (قوله أبو بكر بن عمارة ابن رؤيبة) بالهمزة مصغرا، وفى نسخة رويبة بالواو الثقفى البصرى. روى عن أبيه. وعنه عبد الملك بن عمير وإسماعيل بن ابى خالد وأبو إسحاق ومسعر، وثقه ابن حبان وقال في التقريب مقبول من الثالثة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي (قوله عن أبيه) هو عمارة بضم العين المهملة ابن رؤيبة الثقفى أبو زهيرة الكوفى. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تسعة أحاديث انفرد مسلم بحديثين. روى عنه ابنه أبو بكر وحصين بن عبد الرحمن وأبو إسحاق السبيعى. روى له أبو داود والترمذى والنسائى (معنى الحديث) (قوله لا يلج النار رجل) وفي رواية مسلم لن يلج النار أحد أى لا يدخلها أصلا للتعذيب بل يدخلها أو يمرّ عليها تحلة القسم وهذا إذا وفق لبقية الأعمال أو لا يدخلها على وجه التأبيد وهذا لا ينافى أنه قد يعذّب لما في حديث أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أتدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال إن المفلس من أمتى من يأتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتى قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار رواه مسلم (قوله صلى قبل طلوع الشمس الخ) يعنى الفجر والعصر وخصّ هاتين الصلاتين بالذكر لأن وقت الصبح وقت نوم والعصر وقت اشتغال كما تقدم ولأنهما مشهودان تشهدهما ملائكة الليل وملائكة النهار فمن حافظ عليهما كان محافظا على غيرهما بالأولى والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر (قوله قال أنت سمعته الخ) أى قال السائل لعمارة أأنت سمعته على تقدير الاستفهام وقد صرّح به في بعض النسخ. وكرّر الاستفهام ثلاث مرّات (قوله كل ذلك الخ) أى كل مرّة يقول عمارة سمعته أذناى ووعاه قلبى والمقصود من هذا كله زيادة التأكيد والتثبيت وإن كان حافظا لما سأله عنه (قوله وأنا سمعته الخ) وفى رواية

لمسلم قال الرجل وأنا أشهد أني سمعته من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سمعته أذناى ووعاه قلبي، وفي رواية له وأنا أشهد لقد سمعت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقوله بالمكان الذى سمعته منه (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن المحافظة على أداء الصلوات الخمس في أوقاتها ولا سيما العصر والصبح علامة على عدم دخول النار (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى والبيهقى (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَنَا خَالِدٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ فِيمَا عَلَّمَنِي «وَحَافِظْ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ»، قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ هَذِهِ سَاعَاتٌ لِي فِيهَا أَشْغَالٌ فَمُرْنِي بِأَمْرٍ جَامِعٍ إِذَا أَنَا فَعَلْتُهُ أَجْزَأَ عَنِّي، فَقَالَ: «حَافِظْ عَلَى الْعَصْرَيْنِ» وَمَا كَانَتْ مِنْ لُغَتِنَا، فَقُلْتُ: وَمَا الْعَصْرَانِ؟ ، فَقَالَ: «صَلَاةُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَصَلَاةُ قَبْلَ غُرُوبِهَا» (ش) (رجال الحديث) (قوله خالد) بن عبد الله الواسطي (قوله عن أبي حرب بن أبى الأسود) قيل اسمه كنيته وقيل اسمه محجن (قوله عبد الله بن فضالة) الليثى. روى عن أبيه. وعنه أبو حرب، ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن منده وأبو نعيم الرازى لم تصحّ له صحبة. روى له أبو داود (قوله عن أبيه) هو فضاله الليثى الصحابى ابن عبد الله وقيل ابن وهب. روى عنه ابنه عبد الله. روى له أبو داود (معنى الحديث) (قوله علمنى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) يعنى أحكام الإسلام وما يحتاج إليه من أمر دينه فحذف المفعول للتعميم فيه (قوله وحافظ على الصلوات الخمس) أى أول وقتها كما قاله البيهقى. ويحتمل أن المراد حافظ على صلاتها في جماعة. وهي جملة قصد لفظها اسم كان وقوله فيما علمنى خبرها (قوله إن هذه ساعات الخ) أشار بها إلى أوقات الصلوات الخمس المعلومة من السياق وهو اعتذار عن المحافظة على الصلوات في أول وقتها (قوله فمرنى بأمر جامع الخ) وفي نسخة فأمرنى بأمر جامع أى لأشياء كثيرة الخير والثواب لا مشقة فيها إذا فعلت ذلك الأمر الجامع كفانى عن غيره في الثواب (قوله حافظ على العصرين) أى واظب على صلاة الصبح والعصر وأدّهما أول وقتهما مع الجماعة. وهو بيان للأمر الجامع الذى

الترغيب في الإيمان بالله وبقية أركان الإسلام

سأله فضالة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (قال) ابن حبان إنما أمره بالمحافظة على العصرين زيادة تأكيد للأمر بالمحافظة على أول وقتهما مع بقاء الأمر بالمحافظة على أوائل الأوقات على حاله اهـ أى أنه إذا واظب على العصرين في وقتهما المستحب مع الجماعة كفر عنه ما يقع منه من التقصير في غير الصلاة من أبواب الفضائل والقربات. ويحتمل أن يكون المراد كفر عنه تقصيره في غير العصرين من الصلوات بأن أدّاهما في غير الجماعة أو في غير أول وقتها بسبب الاشتغال بالأعمال فإن تقصيره في ذلك قد يجبر بما ذكر وليس المراد أنه يجزئُ عنه إقامتهما عن غيرهما فإن ذلك لا يجزئُ إلا عنهما وكذا كل صلاة تؤدّى لا تجزئُ إلا عن تلك الصلاة بعينها وخصّ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذين الوقتين لكثرة وقوع التوانى والكسل فيهما لأن الصبح تكون عقيب النوم والقيام من الفراش واستعمال الماء البارد ولا سيما في أيام الشتاء والعصر تكون وقت اشتغال الناس بالبيع والشراء والاشتغال بالأعمال ويقوى بيع الناس وشراؤهم وسائر معاملاتهم آخر النهار (قوله وما كانت من لغتنا الخ) أى ما كان إطلاق العصرين على الصبح والعصر معروفا في لغتنا فلذلك قلت وما العصران فأجاب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقوله صلاة قبل طلوع الشمس وهى صلاة الصبح وصلاة قبل غروبها وهي صلاة العصر. والعرب قد تحمل أحد الاسمين على الآخر فتجمع بينهما في التسمية طلبا للتخفيف كقولهم سنة العمرين لأبى بكر وعمر والأسودين التمر والماء. والأصل في العصرين عند العرب الليل والنهار فيقال لهاتين الصلاتين العصران لأنهما يقعان في طرفى العصرين وهما الليل والنهار ويكون هذا من قبيل ذكر المحلّ وإرادة الحالّ (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أنه يطلب من العالم أن يعلم الجاهل، وعلى طلب المحافظة على أداء الصلوات الخمس أول وقتها ولا سيما الصبح والعصر، وعلى مشروعية مراجعة المتعلم للمعلم في الأمر الذى صعب عليه فهمه، وعلى جواز طلب ما فيه سهولة، وعلى عظيم أخلاقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وسعة صدره (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى والبيهقى. ويوجد في بعض النسخ حديثان من رواية ابن الأعرابى حديث أبى الدرداء وحديث أبى قتادة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَنْبَرِيُّ، ثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، أَنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ، ثَنَا قَتَادَةُ، وَأَبَانُ، كِلَاهُمَا، عَنْ خُلَيْدٍ الْعَصَرِيِّ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ, عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: " خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ

مَعَ إِيمَانٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ: مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ، وَصَامَ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَأَعْطَى الزَّكَاةَ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ " قَالُوا: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، وَمَا أَدَاءُ الْأَمَانَةِ قَالَ: «الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عمران القطان) هو ابن داور بفتح الواو بعدها راء أبو العوّام البصرى. روى عن قتادة ومحمد بن سيرين وأبي إسحاق الشيبانى وسليمان التيمى وآخرين. وعنه أبو داود الطيالسي وابن مهدى وسهل بن تمام ومحمد بن بلال ومسلم بن قتيبة وكثيرون. قال ابن معين ليس بالقوى وضعفه النسائى وقال ابن عدى يكتب حديثه. وقال الحاكم والساجى صدوق ووثقه عفان بن مسلم والعجلى وابن حبان وقال البخارى صدوق يهم وقال الدارقطنى كان كثير المخالفة والوهم وقال أبو حاتم شيخ يكتب حديثه ليس بالقوى (قوله وأبان) بن أبى عياش فيروز أبو إسماعيل مولى عبد القيس البصرى. روى عن أنس وسعيد ابن جبير وخلاد العصرى وغيرهم. وعنه عمران القطان ومعمر وأبو إسحاق الفزارى ويزيد ابن هارون وآخرون. قال أحمد بن حنبل والفلاس وابن معين والنسائى والدارقطني وأبو حاتم وابن سعد متروك الحديث وسئل عنه أبو زرعة فقال ترك حديثه ولم يقرأه علينا فقيل له كان يتعمد الكذب قال لا كان يسمع الحديث من أنس ومن شهر ومن الحسن فلا يميز بينهم وقال ابن عدى عامة ما يرويه لا يتابع عليه وهو بين الأمر في الضعف وأرجو أنه لا يتعمد الكذب إلا أنه يشتبه عليه ويغلط وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق وقال ابن المدينى كان ضعيفا وقال الساجى كان رجلا صالحا فيه غفلة يهم في الحديث ويخطئُ فيه. مات سنة ثمان وثلاثين ومائة. روى له أبو داود هذا الحديث لا غير مقرونا بقتادة (قوله خليد) ضبطه في الخلاصة بفتح الخاء المعجمة ابن عبد الله أبو سليمان البصرى. روى عن علىّ وسلمان وأبى الدرداء وأبى ذرّ وغيرهم. وعنه قتادة وأبو الأشهب العطاردى وأبان بن أبى عياش وعوف الأعرابى. وثقه ابن حبان. و (العصرى) بفتح العين والصاد المهملتين نسبة إلى عصر بطن من عبد قيس (قوله أم الدرداء) الصغرى. زوج أبى الدرداء اسمها هجيمة ويقال جهيمة بنت حييّ الأوصابية الدمشقية. ووقع عند البيهقي أن اسمها حمامة. روت عن زوجها وسلمان الفارسي وأبى هريرة وكعب بن عاصم وعائشة وغيرهم. وعنها جبير بن نفير وسالم بن أبي الجعد وزيد بن أسلم ومكحول وكثيرون. ذكرها ابن سميع في الطبقة الثانية من تابعى أهل الشام. يروى عنها الأحاديث الكثيرة وكانت فقيهة عالمة زاهدة فصيحة وهي غير أم الدرداء الكبرى الصحابية (قوله عن

أقسام الأمانة المطلوب أداؤها

أبى الدرداء) هو عويمر بن مالك وقيل ابن عامر بن على بن كعب بن الخزرج الأنصارى الخزرجى. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن زيد بن ثابت وعائشة وأبى أمامة وفضالة. روى له تسعة وسبعون ومائة حديث اتفق الشيخان على حديثين وانفرد البخارى بثلاثة ومسلم ثمانية. وعنه ابنه بلال وزوجه أم الدرداء وجبير بن نفير وزيد بن وهب وأبو إدريس الخولانى وعلقمة بن قيس وكثيرون. أسلم يوم بدر وشهد أحدا وأبلى فيها وقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم أحد نعم الفارس عويمر وقال هو حكيم أمتي (وعن) خيثمة عن أبى الدرداء قال كنت تاجرا قبل البعث تم حاولت التجارة بعد الإسلام فلم يجتمعا (وقال) ابن حبان ولاه معاوية قضاء دمشق بأمر عمر بن الخطاب وقال ابن سعد آخى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بينه وبين عوف بن مالك (وعلى الجملة) فمناقبه وفضائله كثيرة. قيل مات سنة اثنتين وثلاثين (معنى الحديث) (قوله خمس الخ) أى خمس خصال من واظب عليهن مع إذعان وتصديق إذ ذلك أصل لصحة كل عمل دينى دخل الجنة بلا سابقة عذاب (قوله من حافظ على الصلوات الخمس الخ) أى أتى بها مستجمعة للشروط والأركان والآداب على الهيئة التي كان يفعلها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وقوله على وضوئهن الخ بيان لما يحافظ عليه (قوله إن استطاع إليه سبيلا) أى قدر على أداء الحج بطريق مشروع وفسره النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بوجود الزّاد والرّاحلة كما في الحاكم (قوله طيبة بها نفسه) أى حال كونها راضية بأدائها غير كارهة. وإنما قيد بذلك في جانب الزكاة لأن غالب النفوس جبلت على الشح وكراهة أداء ما وجب عليها أداؤه من المال فضلا عن التطوّع (قوله وأدّى الأمانة الخ) هى في الأصل مصدر أمن من باب علم وتقع على ثلاثة أقسام (الأول) عبادة الله تعالى بأن يفعل المأمورات ويجتنب المنهيات (الثانى) نعمه التى أنعم الله بها على عباده كالسمع والبصر والعافية فلا يصرفها العبد فيما يغضب الله تعالى (الثالث) حقوق العباد كالودائع فالواجب على المكلف تأدية الأمانات كلها. وقد بين أبو الدرداء أن المراد منها هنا غسل الجنابة اعتمادا على قرينة فهمها من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعلى هذا فتكون أل في الأمانة للعهد ويحتمل أن يكون اللفظ باقيا على عمومه وأنه رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال ذلك فهما منه (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن المحافظة على أداء مهمات الدين وسيلة إلى الفلاح ودخول الجنة فنسأل الله عزّ وجلّ أن يوفقنا لذلك (ص) حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْمِصْرِيُّ، ثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ ضُبَارَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

أَبِي سُلَيْكٍ الْأَلْهَانِيِّ، أَخْبَرَنِي ابْنُ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: إِنَّ أَبَا قَتَادَةَ بْنَ رِبْعِيٍّ أَخْبَرَهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «إِنِّي فَرَضْتُ عَلَى أُمَّتِكَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ وَعَهِدْتُ عِنْدِي عَهْدًا أَنَّهُ مَنْ جَاءَ يُحَافِظُ عَلَيْهِنَّ لِوَقْتِهِنَّ أَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ فَلَا عَهْدَ لَهُ عِنْدِي» (ش) (رجال الحديث) (قوله بقية) بن الوليد. وفى بعض النسخ حدثنا محمد بن عبد الملك بن يزيد الرّواس يكنى أبا أسامة قال نا أبو داود نا حيوة الخ (قوله ضبارة) بضم الضاد المعجمة وبالموحدة المخففة (ابن عبد الله) بن مالك (بن أبى سليك) بفتح السين المهملة أبى شريح الحمصى. روى عن أبيه ودويد بن نافع وأبى الصلت. وعنه ابنه محمد وإسماعيل ابن عياش وبقية. وثقه ابن حبان. و (الألهاني) نسبة إلى ألهان موضع قرب المدينة (قوله ابن نافع) هو دويد بضم الدال المهملة وكسر الواو الأموى مولاهم أبو عيسى. روى عن عروة بن الزبير والزهرى وأبى صالح السمان وعطاء بن أبى رباح وآخرين وعنه ابنه عبد الله وأخوه مسلمة وضبارة بن عبد الله والليث. قال ابن حبان مستقيم الحديث إذا كان دونه ثقة ووثقه الذهلى والعجلى وقال أبو حاتم شيخ (معنى الحديث) (قوله إني فرضت على أمتك) أى عليك وعلى أمتك كما يدلّ عليه حديث المعراج (قوله وعهدت عندى عهدا الخ) أى وعدتهم وعدا بأن من جاء يوم القيامة وقد حافظ على تأدية الصلوات الخمس في أوقاتهنّ أدخلته الجنة بلا سابقة عذاب. والمصدر للتأكيد والعندية عندية مكانة وشرف لا مكان (قوله فلا عهد له عندى) أى فليس له وعد عند الله بدخول الجنة بل إن شاء غفر له وإن شاء عذّبه (وليس) فيه دليل على أن تارك الصلاة ليس له حظ في دخول الجنة خلافا لمن ادّعى ذلك مستدلا بما رواه الترمذى عن بريدة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "العهد الذى بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" فإن الحديث محمول عند الجمهور على من تركها جاحدا (قفه الحديث) دلّ الحديث على أن الصلوات المفروضة خمس. وعلى أن من حافظ عليهنّ في أوقاتهنّ استحقّ دخول الجنة، وعلى أن من لم يحافظ عليهنّ وقع في خطر عظيم فنسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا لأدائهنّ على الوجه المشروع (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه قال في الزوائد في إسناده نظر من أجل

باب إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت

ضبارة ودويد اهـ وهذا الحديث والذى قبله ليسا من رواية اللؤلؤى وإنما هما من رواية ابن الأعرابى وقد أشير إلى ذلك في بعض النسخ وفى بعض النسخ تقديم هذا الحديث على ما قبله (باب إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت) ماذا يصنع الناس أينتظرون صلاة الإمام ويؤخرونها كما يؤخر أم يصلونها أول الوقت ويتركون الجماعة معه، والإمام يطلق على خليفة المسلمين وعلى العالم المقتدى به وعلى من يؤتمّ به في الصلاة والمراد هنا الأول، وفى بعض النسخ باب ما جاء في الإمام إذا أخر الخ (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ يَعْنِي الْجَوْنِيَّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: " يَا أَبَا ذَرٍّ كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ؟ -أَوْ قَالَ: يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ؟ -"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنِي، قَالَ: «صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّهَا فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عن أبى عمران) هو عبد الملك بن حبيب الأزدى البصرى. روى عن أنس وجندب بن عبد الله وربيعة بن كعب وعبد الله بن الصامت وكثيرين وعنه شعبة والحمادان والحارث بن عبد الله وهمام بن يحيى وآخرون. وثقه ابن سعد وابن معين وابن حبان وقال أبو حاتم صالح وقال النسائى ليس به بأس. مات سنة ثمان وعشرين ومائة روى له الجماعة. و (الجونى) نسبة إلى الجونة قرية بين مكة والطائف (قوله عبد الله بن الصامت) البصرى الغفاري. روى عن عمه أبى ذرّ وعمر وعثمان وحذيفة وعائشة. وعنه حميد بن هلال وأبو عمران وسوادة بن عاصم ومحمد بن واسع وغيرهم. قال أبو حاتم يكتب حديثه ووثقه النسائى وابن سعد وابن حبان وقال العجلي تابعي ثقة. روى له الجماعة إلا البخارى (قوله عن أبى ذرّ) هو جندب بن جنادة الغفارى (معنى الحديث) (قوله كيف أنت الخ) أى ماذا تصنع إذا تولى عليك أمراء لا يؤدّون الصلاة في أوقاتها ليجعلونها كالميت الذى خرجت روحه (وقال الأبى) لعله كناية عن عدم قبولها لأن ما لا روح له من الأعمال لا أثر له وهذا كنى ابن عطاء الله عن شرطية الإخلاص في الأعمال بقوله الأعمال صور قائمة وروحها الإخلاص اهـ (قوله أو قال يؤخرون الصلاة) شك من الراوى والأقرب أنه عبد الله بن الصامت، وقول ابن حجر شك أبو داود غير مسلم

مذاهب العلماء فيمن صلى المكتوبة وحده ثم أعادها مع الإمام. ما دل عليه حديث أبي ذر من طلب موافقة الأمراء في غير معصية وغير ذلك من الأحكام

والمراد تأخيرها عن وقتها المختار لا عن جميع وقتها فإن المنقول عن الأمراء المتقدمين والمتأخرين إنما هو تأخيرها عن وقتها المختار ولم يؤخرها أحد منهم عن جميع وقتها فوجب حمل الأخبار على ما هو الواقع قاله النووى (قال) العينى لكن لفظ يميتون الصلاة ينافى هذا التأويل لأن معنى إماتة الصلاة ان يصليها خارج الوقت لأن الصلاة ما دامت في وقتها لا توصف بالميتة وكذا قوله ولم يؤخرها أحد منهم عن جميع وقتها غير مسلم فإنه نقل عن كثير من الخلفاء الفسقة والسلاطين الظلمة ترك الصلاة فضلا عن تأخيرها عن وقتها اهـ (قوله فما تأمرنى الخ) أى فأىّ شئ تأمرنى به أن أفعله في ذلك الوقت فقال له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلّ الصلاة لوقتها أى في وقتها المختار فإن حضرت الصلاة مع الأمراء المذكورين فصلها، وفى نسخة فصله أى الفرض أو ما أدركته أو هي هاء السكت. وفى رواية مسلم فصلّ بدون هاء (قوله فإنها لك نافلة) أى الصلاة الثانية لك زيادة خير كما في رواية مسلم، وأمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالصلاة أول الوقت وإعادتها معهم احتياطا للوقت وتركا للخلاف وافتراق الكلمة ففى رواية لمسلم عن أبى ذرّ إن خليلى أوصانى أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا مجدعّ الأطراف وأن أصلى الصلاة لوقتها قال فإن أدركت القوم وقد صلوا كنت أحرزت صلاتك وإلا كانت نافلة، وفى رواية له عن أبى العالية البراء قال أخر ابن زياد الصلاة فجاءني عبد الله بن الصامت فألقيت له كرسيا فجلس عليه فذكرت له صنيع ابن زياد فعضّ على شفته فضرب فخذي وقال إنى سألت أبا ذرّ كما سألتنى فضرب فخذى كما ضربت فخذك وقال إنى سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما سألتنى فضرب فخذى كما ضربت فخذك وقال صلّ الصلاة لوقتها فإن أدركت الصلاة معهم فصلّ ولا تقل إنى قد صليت فلا أصلى (وحديث) الباب صريح في أن الصلاة الأولى هي الفريضة وأن الثانية نافلة وإلى ذلك ذهب الجمهور (ومشهور) مذهب المالكيه أنه يدخل في الثانية مفوّضا لله تعالى في قبول أيتهما. وصريح أيضا في أن هذا الحكم عام في جميع الصلوات حتى في الصبح والعصر لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أطلق الأمر بالإعادة ولم يفرق بين صلاة وصلاة فيكون مخصصا لحديث لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس رواه البخارى ومسلم (وخالفت) الحنفية فقالوا بعدم الإعادة فيهما لورود النهى عن الصلاة بعدهما، لكن قد علمت أنه مخصص بحديث الباب وقالوا إن أعاد المغرب يضيف إليها ركعة حتى تصير شفعا لأن التنفل بالبتراء مكروه (وقالت) المالكية في المغرب لا تعاد لأنها تصير مع الأولى شفعا ولأنه يحتمل أن تكون نافلة والنفل لا يكون بثلاث وكذا قالت الحنابلة وسيأتي مزيد لهذا إن شاء الله تعالى في باب من صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلى معهم (ففه الحديث) دلّ الحديث على أن الإمام إذا أخر الصلاة عن أول وقتها المستحب

يطلب من المأموم أن يصليها أول الوقت منفردا ثم يصليها مع الإمام إن أدركه فيجمع بين فضيلتي أول الوقت والجماعة فإن أراد الاقتصار على أحدهما فهل الأفضل الاقتصار على فعلها منفردا أول الوقت أم فعلها آخره في جماعة خلاف والمختار استحباب الانتظار إن لم يفحش التأخير، ودلّ أيضا على طلب موافقة الأمراء في غير معصية لئلا تتفرق الكلمة وتقع الفتنة، وعلى الحثّ على الصلاة في جماعة، وعلى رعاية الوقت المستحب للصلاة، وعلى ذمّ من أخر الصلاة عن وقتها، وفيه من دلائل النبوّة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبر عن الأمراء الذين يميتون الصلاة وقد وقع في زمن بنى أمية ومن بعدهم إلى زماننا هذا، ودلّ أيضا على عظيم ملاطفته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأصحابه، وعلى أن الجاهل بالحكم يطلب منه أن يسأل عنه العالم به (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى وابن ماجه والبيهقى والترمذى وقال حديث حسن (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ دُحَيْمٌ الدِّمَشْقِيُّ، ثَنَا الْوَلِيدُ، ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي حَسَّانُ يَعْنِي ابْنَ عَطِيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ الْيَمَنَ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ إِلَيْنَا، قَالَ: فَسَمِعْتُ تَكْبِيرَهُ مَعَ الْفَجْرِ رَجُلٌ أَجَشُّ الصَّوْتِ، قَالَ: فَأُلْقِيَتْ عَلَيْهِ مَحَبَّتِي فَمَا فَارَقْتُهُ حَتَّى دَفَنْتُهُ بِالشَّامِ مَيِّتًا، ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى أَفْقَهِ النَّاسِ بَعْدَهُ فَأَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَلَزِمْتُهُ حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «كَيْفَ بِكُمْ إِذَا أَتَتْ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ لِغَيْرِ مِيقَاتِهَا»، قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «صَلِّ الصَّلَاةَ لِمِيقَاتِهَا وَاجْعَلْ صَلَاتَكَ مَعَهُمْ سُبْحَةً» (ش) (رجال الحديث) (قوله عبد الرحمن بن إبراهيم) بن عمرو بن ميمون القرشي الأموى أبو سعيد (الدمشقى) المعروف بدحيم قاضى الأردن وفلسطين. روى عن الوليد ابن مسلم وعمر بن عبد الواحد ومحمد بن شعيب ومروان بن معاوية وابن عيينة وكثيرين. وعنه أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان والبخارى ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وجماعة. قال النسائى ثقة مأمون وقال ابن يونس ثقة ثبت وكان أحمد يثنى عليه ووثقه أبو حاتم والعجلى والدارقطني وقال أبو داود حجة لم يكن بدمشق في زمنة مثله وهو ثقة وقال الخليلى كان أحد

حفاظ الأئمة متفق عليه ويعتمد عليه في تعديل شيوخ الشام. مات في رمضان سنة خمس وأربعين ومائتين بالرملة. و (الأوزاعي) هو عبد الرحمن بن عمرو (قوله عبد الرحمن ابن سابط) ويقال عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط بن أبى حميضة بن عمرو بن أهيب الجمحى القرشي تابعى أرسل عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. روى عن عباس بن عبد المطلب ومعاذ بن جبل وابن عباس وعائشة وعمرو بن ميمون وغيرهم. وعنه موسى بن مسلم وعلقمة بن مرثد وابن جريج والليث بن سعد وكثيرون، قال أبو زرعة وابن معين ثقة وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وذكره البخارى وأبو حاتم وابن حبان في الثقات. مات سنه ثماني عشرة ومائة. روى له مسلم وأبو داود والترمذى وابن ماجه (قوله عمرو بن ميمون) أبي عبد الله الكوفي. روى عن عمر بن الخطاب وسعد بن أبى وقاص وابن مسعود ومعاذ بن جبل وابن عباس وكثيرين من الصحابة والتابعين. وعنه أبو إسحاق السبيعى وعبد الملك بن عمير والشعبي وسعيد بن جبير وآخرون. وثقه النسائى وابن معين وابن حبان وقال العجلى تابعى ثقة وقال أبو إسحاق كان أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يرتضون به. و (الأودى) نسبة إلى أود بن سعد العشيرة (معنى الحديث) (قوله قدم علينا معاذ بن جبل اليمن) وكان ذلك حين بعثه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أميرا عليها وكتب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى أهل اليمن وقتئذ إنى بعثت إليكم خير أهلى ولما ودعه قال له حفظك الله من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك ومن فوقك ومن تحتك ودرأ عنك شرور الإنس والجن وكان معه أبو موسى الأشعرى فقد روى النسائى وابن ماجه والترمذى عن أبى موسى الأشعرى قال بعثني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومعاذا إلى اليمن فقال ادعوا الناس وبشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا وتطاوعا ولا تختلفا فقدمنا اليمن فكان لكل واحد منا قبة ينزلها على حدة وكانا يتزاوران فأتى معاذ أبا موسى فإذا هو جالس في فناء قبته وإذا يهودى قائم عنده يريد قتله فقال يا أبا موسى ما هذا قال كان يهوديا فأسلم ثم رجع إلى يهوديته فقال ما أنا بجالس حتى تقتله فقتله ثم جلسا يتحدّثان فقال معاذ يا أبا موسى كيف تقرأ القرآن قال أتفوّقه تفوّقا على فراشى وفي صلاتى وعلى راحلتي ثم قال أبو موسى لمعاذ كيف تقرؤه أنت فقال سأنبئك بذلك أما أنا فأنام ثم أقوم فأقرأ وأحتسب ما أحتسب في قومتى اهـ وقوله أتفوّقه تفوّقا أى أقرؤه شيئا بعد شيء ووقتا بعد وقت (قوله أجش الصوت) بفتح الهمزة أى غليظة (قوله فألقىت عليه محبتي) أى جعل الله تعالى في قلبي ميلا إلى معاذ ورغبة فيه. والمحبة مصدر بمعنى الحبّ مضاف إلى الياء من إضافة المصدر إلى فاعله والمفعول محذوف أى محبتي إياه (قوله ميتا) حال من الضمير المنصوب في دفنته وأتى

به بعد ذكر الدفن لأن الدفن الإخفاء تحت أطباق التراب ولا يلزم منه أن يكون المدفون ذهبت روحه حال الدفن. وميت بالتثقيل والتخفيف أما الحىّ فيقال بالتثقيل لا غير والمعنى أني لازمته طول حياته حتى فارق الدنيا (قوله فأتيت ابن مسعود) مرتب على محذوف أى فوجدت ابن مسعود أفقه الناس فأتيته (قوله كيف بكم الخ) أى كيف حالكم وشأنكم حين يولى عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها المختار أتوافقونهم أم تصلونها أول الوقت (قوله واجعل صلاتك معهم سبحة) بضم السين المهملة أى نافلة يقال فلان يسبح على راحلته أى يصلى النافلة وخصت النافلة بالسبحة وإن شاركتها الفريضة في معنى التسبيح لأن التسبيح في الفرائض نوافل فقيل لصلاة النافلة سبحة لأنها نافلة كالتسبيحات والأذكار غير الواجبة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي وأخرج البخارى ومسلم والترمذى نحوه وأخرجه البيهقى من طريق محمد بن أحمد بن الوليد الأزرقى أنبأ داود بن عبد الرحمن عن ابن خثيم عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ستكون بعدى أمراء يؤخرون الصلاة عن مواقيتها ويحدثون البدعة فقال ابن مسعود وكيف أصنع إن أدركتهم قال تسألنى ابن أم عبد كيف تصنع لا طاعة لمن عصى الله تابعه إسماعيل بن زكريا عن ابن خثيم وزاد فيه ويطفئون السنة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ أَعْيَنَ، ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ أَبِي الْمُثَنَّى، عَنِ ابْنِ أُخْتِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، ح وَثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيُّ، ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ الْمَعْنَى، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ أَبِي الْمُثَنَّى الْحِمْصِيِّ، عَنْ أَبِي أُبَيٍّ ابْنِ امْرَأَةِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا سَتَكُونُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي أُمَرَاءُ تَشْغَلُهُمْ أَشْيَاءُ عَنِ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُصَلِّي مَعَهُمْ؟ ، قَالَ: «نَعَمْ، إِنْ شِئْتَ» -وَقَالَ سُفْيَانُ: إِنْ أَدْرَكْتُهَا مَعَهُمْ أُصَلِّي مَعَهُمْ؟ - قَالَ: «نَعَمْ، إِنْ شِئْتَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن قدامة بن أعين) بن المسور القرشي الهاشمى مولاهم أبو عبد الله. وأعين كأحمد. روى عن فضيل بن عياض ومنصور بن المعتمر وابن عيينة

وجرير بن عبد الحميد ووكيع. وعنه النسائى وأبو داود ومحمد بن المسيب وعبد الله بن محمد البغوى وكثيرون. قال النسائى لا بأس به وضعفه أبو داود وقال ابن معين ليس بشئ وقال مسلمة بن قاسم ثقة صدوق ووثقه الدارقطني وابن حبان. مات قريبا من سنة خمسين ومائتين (قوله عن أبى المثني) هو ضمضم الأملوكي الحمصى. روى عن كعب الأحبار وأبيّ بن حرام. وعنه صفوان بن عمرو وهلال بن يساف. وثقه ابن عبد البرّ وابن حبان وقال في التقريب مجهول. روى له أبو داود (قوله عن ابن أخت عبادة) هو المثنى كما قاله ابن حبان. وصحح بعضهم أنه ابن امرأته كما في السند الثاني (قوله الأنبارى) بفتح الهمزة نسبة إلى أنبار مدينة قريبة من دجلة (قوله سفيان) الثورى (قوله المعنى) أى أن الأنبارى حدّث أبا داود هذا الحديث بالمعنى واللفظ المذكور لابن قدامة (قوله عن أبي أبيّ بن امرأة عبادة الخ) هو عبد الله بن عمرو كما اختاره ابن عبد البرّ وقيل ابن كعب المعروف بابن أم حرام صحابى نزل بيت المقدس وهو آخر من مات من الصحابة بها روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن عبادة بن الصامت. وعنه ضمضم بن المثنى وإبراهيم بن أبى عبلة المقدسى (معنى الحديث) (قوله حتى يذهب وقتها) أى يمضى وقتها المختار (قوله فصلوا الصلاة لوقتها) أى أول وقتها ولو منفردين لكن على وجه لا يترتب عليه فتنة (قوله أصلى الخ) بحذف حرف الاستفهام وقد صرّح به في بعض النسخ أى هل أصلى الصلاة إذا أدركتها معهم فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نعم إن شئت يعنى صلّ معهم لأنها زيادة خير لك إن شئته. وهو صارف للأمر المستفاد من نعم عن الوجوب إلى الاستحباب (قوله وقال سفيان الخ) غرض المصنف بهذا بيان الاختلاف الواقع بين لفظ جرير عن منصور ولفظ سفيان عنه فقال جرير يا رسول الله أصلى معهم قال نعم إن شئت وقال سفيان الثورى يا رسول الله إن أدركتها معهم أأصلى معهم الخ (فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على إخباره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بوقوع ما سيكون بعده بوحى من الله عز وجل وهى من معجزاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وعلى أن الأمراء سيتحولون عن طريق الحق (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه من طريق سفيان بن عيينة وأحمد في مسنده من طريقين "الأول" عن وكيع عن سفيان عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي المثنى الحمصى عن أبى أبيّ ابن امرأة عبادة "الثانى" عن محمد بن جعفر عن شعبة عن هلال بن يساف عن أبى المثنى عن ابن امرأة عبادة

جواز الصلاة خلف الفاسق إذا كان من الأمراء

(ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، ثَنَا أَبُو هَاشِمٍ يَعْنِي الزَّعْفَرَانِيَّ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «يَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ مِنْ بَعْدِي يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ فَهِيَ لَكُمْ وَهِيَ عَلَيْهِمْ، فَصَلُّوا مَعَهُمْ مَا صَلَّوُا الْقِبْلَةَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله أبو هاشم) هو عمار بن عمارة البصرى. روى عن الحسن وابن سيرين وصالح بن عبيد وآخرين. وعنه أبو الوليد وروح بن عبادة وقرّة ابن حبيب وعبد الصمد بن عبد الوارث وغيرهم. قال أبو الوليد الطيالسى وابن معين ثقة وقال أبو حاتم صالح ما أرى به بأسا وذكره ابن حبان في الثقات وقال البخارى فيه نظر وذكره العقيلى في الضعفاء. روى له أبو داود. و (الزعفرانى) نسبة إلى زعفرانية قرية قريبة من بغداد ينسب إليها كثير من المحدّثين أو هو نسبة إلى بيع الزعفران وليس نسبة إلى القرية المذكورة (قوله صالح بن عبيد) روى عن قبيصة، وعنه أبو هاشم وعمرو بن الحارث. وثقه ابن حبان وقال ابن القطان لا نعرف حاله وقال الحافظ في التقريب هو مقبول (قوله قبيصة بن وقاص) السلمى الصحابى عداده في أهل البصرة، روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حديث الباب فقط، وعنه صالح بن عبيد، روى له أبو داود (معنى الحديث) (قوله يكون عليكم) وفى نسخة تكون عليكم (قوله فهى لكم الخ) أى ثواب الصلاة المؤخرة عن أول الوقت حاصل لكم كصلاتكم أول الوقت لأن تأخيركم تبع لهم وأوزار تأخيرهم الصلاة عليهم لتقصيرهم عن أدائها في وقتها المختار (قوله ما صلوا القبلة) أى مدّة صلاتهم نحو القبلة فما مصدرية والقبلة منصوب على نزعَ الخافض والمراد منه إظهار الطاعة والامتثال للولاة فيما وافق الحق وجواز الصلاة خلفهم وإن كانوا جائرين ما داموا على الإسلام "فقد" روى الدارقطنى بإسناده إلى أبى هريرة مرفوعا سيليكم بعدى ولاة فاسمعوا لهم وأطيعوا فيما وافق الحق وصلوا وراءهم فإن أحسنوا فلهم وإن أساءوا فعليهم فإن خرجوا عن الإسلام فلا يطاعون (واستفيد) من الحديث جواز الصلاة خلف الفاجر إذا كان من الأمراء وورد عن بعض السلف أنهم كانوا يصلون في بيوتهم في الوقت ثم يعيدون مع أمراء الجور وعن بعضهم أنهم كانوا لا يعيدون الصلاة معهم قال النخعى كان عبد الله يصلى معهم إذا أخروا عن الوقت قليلا ويرى أن مأثم ذلك عليهم، وروى ابن ماجه بسند صحيح عن ابن مسعود قال قال

باب فيمن نام عن صلاة أو نسيها

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ستدركون أقواما يصلون الصلاة لغير وقتها فإن أدركتموهم فصلوا في بيوتكم الذى تعرفون ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة (فقه الحديث) والحديث يدلّ زيادة على ما تقدم على أن الطائع له ثواب طاعته والمخالف عليه وبال مخالفته، ويدلّ بمفهومه على أن الكافر لا يطاع (باب فيمن نام عن صلاة أو نسيها) أى في بيان حكم من نام عن الصلاة أو نسيها، وفي بعض النسخ باب ما جاء فيمن نام عن صلاة أو نسيها (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ حِينَ قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ فَسَارَ لَيْلَةً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَنَا الْكَرَى عَرَّسَ، وَقَال لِبِلَالٍ: «اكْلَأْ لَنَا اللَّيْلَ» قَالَ: فَغَلَبَتْ بِلَالًا عَيْنَاهُ، وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَلَمْ يَسْتَيْقِظِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بِلَالٌ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَهُمُ اسْتِيقَاظًا، فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا بِلَالُ»، فَقَالَ: أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَاقْتَادُوا رَوَاحِلَهُمْ شَيْئًا ثُمَّ تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ لَهُمُ الصَّلَاةَ وَصَلَّى لَهُمُ الصُّبْحَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَالَ: " مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: «أَقِمِ الصَّلَاةَ لِلذِّكْرَى»، قَالَ يُونُسُ: وَكَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ، قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ عَنْبَسَةُ: يَعْنِي عَنْ يُونُسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «لِذِكْرِي»، قَالَ أَحْمَدُ: الْكَرَى النُّعَاسُ. (ش) (قوله يونس) بن يزيد. و (ابن المسيب) هو سعيد (قوله حين قفل من غزوة خيبر) أى رجع منها إلى المدينة وهكذا رواية مسلم بذكر غزوة خيبر وهو الصواب كما قا له الباجى

وابن عبد البرّ والنووى (قال) القاضى عياض وهو قول أهل السير وهو الصحيح اهـ خلافا للأصيلى القائل إن ذلك كان في غزوة حنين وكانت تلك الغزوة في المحرم سنة سبع من الهجرة (قوله حتى إذا أدركنا الكرى عرّس) غاية للسير وفي رواية الطبراني عن ابن عمر حتى إذا كان مع السحر. والكرى بفتح الكاف النعاس كما ذكر أحمد بن صالح. وقيل النوم. وقيل أن يكون الإنسان بين النوم واليقظة، وعرّس من التعريس وهو نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة كما قاله الخليل والجمهور. وقال أبو زيد هو النزول أىّ وقت كان من ليل أو نهار. وفى البخارى إنهم الذين سألوا التعريس فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخاف أن تناموا فقال بلال أنا أوقظكم فأخذ لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ابتداء بالأحوط فلما رأى حاجتهم أباح لهم النزول (قوله اكلأ لنا الليل) أى ارقب لنا آخره واحفظه لإدراك صلاة الصبح. ولعله خصّ بلالا بذلك لأنه كان المؤذن فكان أعرف بالوقت (قوله فغلبت بلالا عيناه) أى غلبه النوم فالمراد بالعينين النوم وعبر بهما عنه لأنه يظهر فيهما فهو مجاز مرسل علاقته المحلية. وفى رواية مسلم قال يا بلال اكلأ لنا الليل فصلى ما قدّر له ونام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه فلما تقارب الفجر استند بلال الى راحلته مواجه الفجر فغلبت بلا لا عيناه (قوله وهو مستند إلى راحلته) الجملة حالية تفيد اضطجاع بلال عند غلبة النوم عليه وعدم تفريطه في الحراسة. والراحلة المركب من الإبل ذكرا كان أو أنثى وبعضهم خصها بالأنثى (قوله حتى ضربتهم الشمس) أى أصابهم حرّها وهو غاية لعدم استيقاظهم "فإن قيل" يعارضه قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تنام عيناى ولا ينام قلبي "أجيب" بأن معناه لا يستغرقه النوم حتى يكون منه الحدث أو أنه أخبر أن عينيه تنامان وهما اللتان نامتا لأن طلوع الفجر يدرك بالعين لا بالقلب وهذا أحسن "وما قيل" من أن معناه لا ينام قلبه في أكثر الزمن وقد ينام نادرا "ضعيف أو باطل" لأنه لا يناسب مقام النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله فكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أولهم استيقاظا) وفي رواية مسلم عن عمران بن حصين قال كنت مع نبى الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في مسير له فأدلجنا ليلتنا حتى إذا كان في وجه الصبح عرّسنا فغلبتنا أعيننا حتى بزغت الشمس فكان أول من استيقظ منا أبو بكر وكنا لا نوقظ نبى الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من منامه إذا نام حتى يستيقظ ثم استيقظ عمر فقام عند نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فجعل يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ولا تنافى بينهما لتعدّد القصة كما ذهب إليه القاضى عياض وابن حجر "ففى" الصحيحين عن عمران وأبي قتادة كنا في سفر بدون تعيين. وفي مسلم عن ابن مسعود أقبل صلى الله تعالى

الخلاف في النفس والروح أهما شيء واحد أم لا

عليه وعلى آله وسلم من الحديبية ليلا. وفي البيهقى عن عقبة بن عامر والطبراني عن ابن عمر بطريق تبوك. ويؤيده أيضا ما في هذه الرواية من أن الذى أمر بالحفظ بلال. وفى رواية الطبرانى أن الذى أمر بالحفظ ذو مخبر. وفى صحيح ابن حبان أن الذى كلأ عبد الله بن مسعود قال الحافظ فهذا كله يدل على تعدد القصة اهـ وهو يردّ ما قاله الأصيلى من أن القصة واحدة (قوله ففزع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) أى هبّ وانتبه مذعورا لما رأى من فوات الوقت "وما قاله" الأصيلى من أن فزعه كان لأجل المشركين الذين رجع من غزوهم لئلا يتبعوه ويطلبوا أثره فيجدوه وجميع أصحابه نياما "غير مسلم" لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يتبعه عدوّ حين انصرف من خيبر وحنين ولا ذكر ذلك أحد من أهل المغازى بل انصرف منهما ظافرا (قوله يا بلال) أى لم نمت حتى خرج وقت الصلاة. وفى رواية ابن إسحاق ماذا صنعت بنا يا بلال وفى حديث أبى قتادة قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم يا بلال أين ما قلت قال ما ألقيت على نومة مثلها قط، وإنما قال له صلى الله عليه وآله وسلم ذلك تنبيها له على اجتناب الدّعوى والثقة بالنفس وحسن الظن بها ولا سيما في مظانّ الغلبة وسلب الاختيار فإن بلالا قد ألزم نفسه بحفظ الوقت بقوله أنا أوقظكم كما تقدم في رواية البخارى (قوله أخذ بنفسى الذى أخذ بنفسك) أى قبض نفسى الذى قبض نفسك وهو اعتذار من بلال حيث لم يقم بما أمر به. ومراده أن الله عزّ وجل استولى علىّ بقدرته كما استولى عليك مع منزلتك (واختلف) هل النفس والروح شئ واحد وهو التحقيق أم شيئان "فعلى" الأول تعرّف النفس بأنها جسم لطيف مشتبك بالأجسام الكثيفة اشتباك الماء بالعود الأخضر على هيئة جسد صاحبها، وعلى الثانى تعرّف بأنها جسم لطيف مودع في الجسم محلا للأخلاق المذمومة كما أن الروح محلّ للأخلاق المحمودة (واختلف) أيضا هل في الإنسان روح واحدة والتعدّد باعتبار أوصافها وهو الراجح أم روحان أحدهما روح اليقظة التى أجرى الله تعالى العادة بأنها إذا كانت في الجسد كان الإنسان متيقظا فإذا خرجت منه نام ورأت المنامات والأخرى روح الحياة التي أجرى الله تعالى العادة بأنها إذا كانت في الجسد كان حيا فإذا فارقته مات (قوله بأبى أنت وأمى) الجار متعلق بمحذوف خبر أى أنت مفدى بأبى وأمى أو متعلق بفعل محذوف أى فديتك بأبى وأمى وحذف المتعلق تخفيفا لكثرة الاستعمال (قوله فاقتادوا رواحلهم) أى قادوها وساقوها شيئا يسيرا من الزمن أو اقتيادا قليلا بعد أن أمرهم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بذلك ففى الرواية الآتية تحولوا عن مكانكم الذى أصابتكم فيه الغفلة. وفى رواية لمسلم ليأخذ كل رجل برأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان "وقول بعضهم" إنما أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالاقتياد لأنه انتبه حين طلوع الشمس والصلاة منهىّ عنها وفي هذا الوقت فأمر بالاقتياد حتى ترتفع الشمس "يردّه" قوله في الحديث حتى ضربتهم الشمس

أقوال الفقهاء في الأذان والإمامة للصلاة الفائتة وفي قضائها أهو على الفور أم لا

فإنه يدلّ على أنها قد ارتفعت كثيرا فكيف يكون انتقالهم لارتفاعها. ويرده أيضا قوله في حديث عمران بن حصين فما أيقظنا إلا حرّ الشمس ولا يكون ذلك إلا بعد ارتفاعها. ومما يبين فساد هذا التأويل قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن هذا واد به شيطان فجعل ذلك علة في خروجهم عن الوادى واقتيادهم رواحلهم شيئا ولو كان طلوع الشمس مانعا من الصلاة وموجبا للاقتياد لعلل به (قوله فأقام لهم الصلاة) فيه دلالة على أن الفائتة يقام لها وليس لها أذان وبه أخذ مالك والشافعى في الجديد والأوزاعي مستدلين أيضا بما رواه الشافعى وأحمد عن أبى سعيد الخدرى قال حبسنا يوم الخندق حتى ذهب هويّ من الليل فدعا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بلالا فأقام الظهر فصلاها كما كان يصلى في وقتها ثم أقام العصر فصلاها كذلك ثم أقام المغرب فصلاها كذلك ثم أقام العشاء فصلاها كذلك. وقالوا إن الأذان إنما هو إعلام بدخول الوقت ودعاء للناس إلى الجماعة ووقت القضاء ليس وقت إعلام بدخول الوقت ولا دعاء للجماعة ولأن في الأذان في غير أوقات الصلاة تخليطا على الناس وإذا اختصّ بأوقات الصلاة لم يكن مشروعا في الفوائت لأنها لا تختصّ بوقت كالنوافل "وما ورد" في بعض الروايات من أنه أذن فهو محمول على الإعلام بالصلاة لا الألفاظ المخصوصة في الإعلام بدخول الوقت (وذهب) أبو حنيفة وأحمد وأبو ثور والشافعى في القديم وعليه عمل أصحابه إلى أنه يؤذن للفائتة ويقام لها مستدلين بما في الصحيحين في هذه القصة من قوله ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ركعتين ثم صلى صلاة الغدوة فصنع كما كان يصنع كل يوم. وقالوا إن قوله في الحديث ثم صلى ركعتين الخ يفيد أن المراد بالأذان حقيقته لا الإقامة. واستدلوا أيضا بما سيأتى عن عمران بن حصين وعمرو بن أمية من أنه جمع بين الأذان والإقامة (وأجابوا) عن حديث الباب ونحوه مما لم يذكر فيه الأذان بأنه أقام الصلاة بعد أن أذن. أو أنه ترك الأذان لبيان الجواز. وعن حديث الخندق بأنه لا يعارض الأحاديث التى جمع فيها بين الأذان والإقامة لأنها أصح منه ومتأخرة عنه. على أنه قد جاء في بعض الروايات في قصة الخندق أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بلالا فأذن ثم أقام (أقول) دعوى أن الأذان حقّ للوقت ودعاء للناس إلى الجماعة غير مسلمة فقد نص الكتاب على أن الأذان للصلاة قال الله تعالى "إذا نودى للصلاة" وقال تعالى "وإذا ناديتم إلى الصلاة" ولذا أمر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالأذان للفائتة كما تقدم وقد أمر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المنفرد بالأذان "فعن" عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أن أبا سعيد الخدرى قال له إنى أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جنّ ولا إنس ولا شيء إلا يشهد له يوم القيامة قال أبو سعيد سمعته من

رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رواه أحمد والبخاري والنسائى وابن ماجه ومالك في الموطأ والشافعى "وقولهم" إن في الأذان للفائتة تخليطا "مردود" بأنه إنما يؤذن لها على وجه لا يشوش "وحملهم" الأذان الوارد في الأحاديث على مجرد الإعلام ولو بالإقامة "لا دليل عليه" ولا سيما وقد صرّح في الأحاديث بالجمع بين الأذان والإقامة (وذهب) سفيان الثورى إلى أنه لا يؤذن ولا يقام للفائتة "وهو مردود" بما تقدم من الأحاديث (واختلف من قال) بالأذان للفائتة إذا تعدّدت (فذهبت) الشافعية ومحمد من الحنفية إلى أنه يؤذن ويقام للأولى فقط ويقام وكل صلاة من البقية (وقال) أبو حنيفة يخير في الباقى إن شاء أذن وأقام وإن شاء اقتصر على الإقامة (قوله من نسي صلاة) أى أو نام عنها كما ذكر في ترجمة الباب وقد صرّح به في رواية الترمذى عن أبى قتادة ورواية لمسلم عن أنس. واكتفى بالنسيان عن النوم هنا لأنه مثله. بجامع عدم الشعور وعدم التقصير في كلّ (قوله فليصلها إذا ذكرها) أى وقت تذكره لها (وفيه دلالة) على وجوب قضاء الفائتة على الناسى والنائم فورا وإليه ذهب الهادى والمؤيد بالله والناصر وأبو حنيفة وأبو يوسف والمزنى والكرخى مستدلين بأحاديث الباب وبما رواه النسائى والترمذى وصححه وسيأتى للمصنف عن أبى قتادة قال ذكروا للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نومهم عن الصلاة فقال إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها. وبما رواه مسلم عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى يقول "أقم الصلاة لذكرى" (وذهب) القاسم ومالك والشافعى إلى أنه يجب القضاء على التراخى (مستدلين) بما في حديث الباب وغيره من أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمرهم بالارتحال من المكان الذى أصابهم فيه النوم عن الصلاة. وقالوا إن الأمر في قوله فليصلها إذا ذكرها محمول على الاستحباب. وقالوا أيضا إن وقت التذكر متسع فإنه لو تذكرها ودام ذلك التذكر مدّة وصلى أثناء تلك المدّة صدق عليه أنه صلاها حين التذكر وليس بلازم أن يكون أوّل حال التذكر وقالوا أيضا إن الجزاء لا يلزم أن يترتب على الشرط في الحال بل يترتب عليه في الجملة (وفى الحديث) دلالة أيضا على وجوب القضاء على من فاتته الصلاة عامدا وإلى ذلك ذهب الجمهور وقالوا إن التقييد في الأحاديث بالنسيان أو النوم لا للاحتراز بل من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى لأنه إذا وجب القضاء على الناسى والنائم مع سقوط الإثم عنهما فيجب على العامد بالأولى (وذهب) جماعة من الصحابة منهم عمر وابنه عبد الله وسعد بن أبى وقاص وابن مسعود وسلمان إلى عدم وجوب القضاء على العامد وهو رواية عن القاسم والناصر وبه قال داود وعمر بن عبد العزيز وسالم بن أبى الجعد ومحمد بن سيرين ومطرّف بن عبد الله أخذا بمفهوم قوله من نسى

لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط فيلزم منه أن من لم ينس لا يصلى (وردّ) بأن قوله من نسى يدل بفحوى الخطاب وقياس الأولى على وجوب القضاء على من تعمد ترك الصلاة. فهو مفهوم موافقة لا مفهوم مخالفة كما ادّعوا فهو نظير تحريم ضرب الوالدين بحرمة التأفيف المنصوص عليها بقوله تعالى "ولا تقل لهما أفّ" وقد اتفقت الأئمة على أن هذا من فحوى الخطاب فإن كل واحد يفهم بمجرّد سماع قوله تعالى "ولا تقل لهما أف" لا تضربهما ولا تشتمهما ولا تؤذهما بأيّ نوع من أنواع الإيذاء. وعلى فرض أنه مفهوم مخالفة فإنما يعمل به إذا لم يكن الشرط خرّج على الغالب كما هنا أو لم يكن ورد على سبب خاصّ كأن يكون جوابا لمن سأل عن فضاء الصلاة المنسية (قال) الشوكانى لم أقف مع البحث الشديد للموجبين للقضاء على العامد على دليل ينفق في سوق المناظرة ويصلح للتعويل عليه في مثل هذا الأصل العظيم إلا حديث "فدين الله أحقّ أن يقضى" باعتبار ما يقتضيه اسم الجنس المضاف من العموم ولكنهم لم يرفعوا إليه رأسا. وأنهض ما جاءوا به في هذا المقام قولهم إن الأحاديث الواردة بوجوب القضاء على الناسى يستفاد من مفهوم خطابها وجوب القضاء على العامد لأنها من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى فتدلّ بفحوى الخطاب وقياس الأولى على المطلوب. وهذا مردود لأن القائل بأن العامد لا يقضى لم يرد أنه أخص حالا من الناسى بل صرّح بأن المانع من وجوب القضاء على العامد أنه لا يسقط الإثم عنه فلا فائدة فيه فيكون إثباته مع عدم النصّ عبثا بخلاف الناسى والنائم فقد أمرهما الشارع بذلك وصرّح بأن القضاء كفارة لهما ولا كفارة لهما سواه. ومن جملة حججهم أن قوله في الحديث لا كفارة لها إلا ذلك يدلّ على أن العامد مراد بالحديث لأن النائم والناسى لا إثم عليهما قالوا فالمراد بالناسى التارك سواء أكان عن ذهول أم لا ومنه قوله تعالى "نسوا الله فنسيهم" وقوله تعالى "نسوا الله فأنساهم أنفسهم" ولا يخفى عليك أن هذا يستلزم عدم وجوب القضاء على الناسى والنائم لعدم الإثم الذى جعلوا الكفارة منوطة به والأحاديث الصحيحة قد صرّحت بوجوب ذلك عليهما. وقد استضعف الحافظ في الفتح هذا الاستدلال وقال الكفارة قد تكون عن الخطأ كما تكون عن العمد. على أنه قد قيل إن المراد بالكفارة هي الإتيان بها تنبيها على أنه لا يكفى مجرّد التوبة والاستغفار من دون فعل لها. وقد أنصف ابن دقيق العيد فردّ جميع ما تشبثوا به والمحتاج إلى إمعان النظر ما ذكرنا لك سابقا من عموم حديث "فدين الله أحقّ أن يقضى" لا سيما على قول من قال إن وجوب القضاء بدليل هو الخطاب الأول الدالّ على وجوب الأداء فليس عنده في وجوب القضاء على العامد فيما نحن بصدده تردّد لأنه يقول المتعمد للترك قد خوطب بالصلاة ووجب عليه تأديتها فصارت دينا عليه والدين لا يسقط إلا بأدائه أو قضائه اهـ كلام الشوكاني (أقول) قد ثبت في حق تارك الصلاة أمران (أحدهما) ثبوت الإثم على تركها عمدا. والإثم

سواء أكان صغيرا أم كبيرا يرتفع بالتوبة وهي لا تتحقق إلا بقضاء ما عليه، ولا نزاع في أن تارك الصلاة عمدا إذا قضاها لا يسقط عنه إثم التأخير. ولا يلزم من عدم سقوطه أنه لا فائدة في القضاء فقد سقط به الطلب الثابت بطريق الأولى من أمر الناسى والنائم بالقضاء ومن عموم حديث "فدين الله أحقّ أن يقضى" ومنه تعلم ردّ قول الشوكاني إن قضاء العامد لا فائدة فيه فيكون إثباته مع عدم النصّ عبثا، على أن قول الشوكانى قد أنصف ابن دقيق العيد فردّ جميع ما تشبثوا به الخ يشعر بأنه قد رجع عما ذهب إليه من عدم وجوب القضاء على تارك الصلاة عمدا (الثانى) شغل ذمة التارك بوجوب الصلاة عليه إذا دخل وقتها وبراءة ذمته تكون إما بالأداء ولم يوجد في وقتها وإما بالعجز ولم يتحقق فإنه قادر على أصل العبادة وإن عجز عن إدراك فضيلة الوقت لخروجه وإما بإسقاط صاحب الحق لحقه وهذا لم يوجد لا صراحة ولا ضمنا إنما الذى وجد خروج الوقت وهو لا يصلح مسقطا لما تقرّر في ذمته أوّلا. ولما لم توجد براءة الذمة. بأىّ نوع من تلك الأنواع كان ما ترتب في ذمته باقيا يطلب منه أداؤه فيجب الإتيان به لأجل براءة الذمة فلو لم يصح إتيان القضاء من العامد لكان طلب الشارع منه طلبا للمحال (وما تقدم) في باب وقت صلاة العصر من أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه شغلوا يوم الخندق عن صلاة العصر فلم يصلوها إلا بعد المغرب كما في رواية مسلم. وفي رواية الترمذى والنسائى عن ابن مسعود أنهم شغلوا عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله. وما ثبت من أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر مناديا بعد غزوة الخندق أن ينادى لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدركتهم صلاة العصر في الطريق فصلاها قوم وامتنع آخرون فلم يصلوها إلا في بني قريظة ليلا آخذين بظاهر اللفظ فلم يعنف النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحدا منهم (لا دليل فيهما) للجمهور على وجوب قضاء الصلاة على من تركها عامدا لأن تأخير الصلاة يوم الخندق كان لاشتغالهم بالعدوّ ولم تكن شرعت صلاة الخوف فقد روى أحمد والنسائى عن أبى سعيد أنهم شغلوه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الظهر والعصر والمغرب وصلوا بعد هوى من الليل وذلك قبل أن ينزل الله في صلاة الخوف "فرجالا أو ركبانا" ومن أخرها يوم بني قريظة فهو متأوّل آخذ بظاهر اللفظ فهو في حكم الناسى (قال) القاضى عياض لم يختلف في أن الناسى يقضى. وشذّ بعض الناس وقال لا يقضى ما كثر كالستّ ولعله لمشقة قضاء الكثير كوجه الفرق في أن الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة لمشقتها لتكرّرها. وكذلك لم يختلف في أن المتعمد يقضى (وحكى) عن مالك أنه لا يقضى ولا يصحّ عنه ولا عن أحد ممن ينتسب إلى العلم إلا عن داود وأبى عبد الرحمن الشافعى ولا حجة لهما في الحديث لأنا إن لم نقل بدليل الخطاب فواضح وإن قلنا به فالحديث ليس منه بل من التنبيه بالأدنى على

ما دل عليه حديث أبي هريرة من مشروعية اتخاذ الحارس للأمور المهمة والبعد عن المكان الذي يظن أنه مأوى للشيطان وغير ذلك من المسائل

الأعلى لأنه إذا قضى الناسى مع عدم الإثم فأحرى المتعمد فالخلاف في قضاء المتعمد كالخلاف في الكفارة في قتل العمد. وينبنى الخلاف في الآية وفى الحديث على الخلاف هل هما من دليل الخطاب أو مفهومه (وأخذ) بعضهم قضاء العامد من الحديث من قوله فليصلها إذا ذكرها لأنه بغفلته عنها بجهله وعمده كالناسى ومتى ذكر تركه لها لزمه قضاؤها ومن قوله لا كفارة لها إلا ذلك لأن الكفارة إنما هي مع الذنب والذنب إنما يكون في العمد اهـ من الأبىّ شرح مسلم (قوله أقم الصلاة للذكرى) بلامين وفتح الراء بعدها ألف مقصورة أى لذكراها (قال) القاضى عياض فيه أن شرع من قبلنا شرع لنا لأن الحكم أخذ من الآية وهي إنما خوطب بها موسى عليه الصلاة والسلام اهـ (قال) الأبىّ ليس فيه ذلك لأن ذلك إنما يكون في احتجاج غير المشرّع به أما المشرّع فاحتجاجه به إدخال له في شريعته اهـ (قوله قال يونس وكان ابن شهاب الخ) أىَ قال يونس بن يزيد وكان محمد بن شهاب الزهرى يقرؤها في تلاوته للقرآن للذكرى كما في الرواية وهي قراءة شاذة أو أن المراد كان يقرؤها في روايته للحديث (قوله قال أحمد الخ) أى قال أحمد بن صالح قال عنبسة بن خالد عن يونس بن يزيد أقم الصلاة لذكرى بلام واحدة وكسر الراء وهى القراءة المشهورة وهي رواية للبخارى ومسلم وابن ماجه أى لتذكرني فيها بلا رياء فهو من إضافة المصدر لمفعوله وقيل إنه مضاف للفاعل والمعنى لأذكرك بالثاء أو لأني ذكرتها في الكتاب وأمرت بها، وفى بعض النسخ للذكرى ولعلها خطأ من النساخ. والغرض من هذا بيان تعدّد الطرق عن يونس (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية النوم وأخذ الراحة عند الجاجة، وعلى طلب اتخاذ الحارس للأمور المهمة، وعلى أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تجوز عليه الأعراض البشرية التي لا نقص فيها، وعلى مشروعية قبول عذر من لم يف بما وعد به لعذر طرأ عليه، وعلى مشروعية التحوّل عن المكان الذى يظنّ أنه مأوى للشيطان، وعلى طلب قضاء الصلاة الفائتة، وعلى مشروعية الإقامة لها، وعلى مشروعية الجماعة فيها، وعلى أنه يطلب من ذوى العلم أن يعلموا غيرهم أحكام الدين، وعلى أن وقت صلاة الفائتة وقت ذكرها (من روى الحديث أيضا) رواه مسلم وابن ماجه والبيهقى (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا أَبَانُ، نَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَحَوَّلُوا عَنْ مَكَانِكُمُ الَّذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ الْغَفْلَةُ»، قَالَ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى،

(ش) غرض المصنف بسياق هذا بيان أن الزهرى قد اختلف عليه في رواية الحديث فرواه عنه يونس ولم يذكر فيه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بلالا بالأذان عند الصلاة إنما الذى فيه أنه أمره بالإقامة وتقدم بيانه. ورواه معمر عن الزهرى بذكر الأذان والإقامة. وقد أخرج البيهقي رواية معمر عن الزهرى عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال عرّس بنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرجعه من خيبر قال من يحفظ علينا الصلاة فقال بلال أنا فناموا حتى طلعت الشمس فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تحوّلوا عن مكانكم الذى أصابتكم فيه الغفلة فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا بلال نمت فقال أخذ بنفسى الذى أخذ بأنفاسكم فأمر بلالا فأذن وأقام وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز وجلّ قال "أقم الصلاة لذكرى" وقال والأذان في هذه القصة صحيح ثابت قد رواه غير أبى هريرة (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمُ الْأَذَانَ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ هَذَا، وَلَمْ يُسْنِدْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا الْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبَانُ الْعَطَّارُ، عَنْ مَعْمَرٍ (ش) ساق المصنف هذه التعاليق (أولا) لتقوية رواية يونس بعدم ذكر الأذان فيها وللإشارة إلى أن زيادة الأذان في حديث أبى هريرة ضعيفة لأنها لم ترو عن الزهرى إلا من طريق أبان عن معمر. لكن يعضدها ما سيأتى للمصنف عن عمران بن حصين وأبى قتادة وفيه ذكر الأذان. والزيادة إذا صحت لزم قبولها والعمل بها (وثانيا) أنه قد اختلف على الزهرى في رفع الحديث فرواه مالك في الموطأ وسفيان بن عيينة وعبد الرزاق بن همام مرسلا لم يذكروا فيه أبا هريرة. ورواه الأوزاعي وأبان ويونس متصلا بذكر أبى هريرة (قال) الزرقاني رواية الإرسال لا تضرّ في رواية من وصله لأن يونس من الثقات الحفاظ احتج به الأئمة وتابعه الأوزاعي وابن إسحاق في رواية ابن عبد البرّ اهـ ورواية مالك أخرجها في الموطأ عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين قفل من خيبر أسرى حتى إذا كان من آخر الليل عرّس وقال لبلال اكلأ لنا الصبح ونام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه وكلأ بلال ما قدّر له ثم استند إلى راحلته وهو مقابل الفجر فغلبته عيناه فلم يستيقظ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا بلال ولا أحد من الركب حتى ضربتهم الشمس ففزع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال بلال يا رسول الله

أخذ بنفسى الذى أخذ بنفسك فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اقتادوا فبعثوا رواحلهم واقتادوا شيئا ثم أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بلالا فأقام الصلاة فصلى بهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصبح ثم قال حين قضى الصلاة من نسى الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى يقول في كتابه "أقم الصلاة لذكرى" اهـ ولم نقف على من أخرج بقية التعاليق (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيِّ، ثَنَا أَبُو قَتَادَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ لَهُ فَمَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَمِلْتُ مَعَهُ، قَالَ: «انْظُرْ»، فَقُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ، هَذَانِ رَاكِبَانِ، هَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ، حَتَّى صِرْنَا سَبْعَةً، فَقَالَ: «احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا» -يَعْنِي صَلَاةَ الْفَجْرِ- فَضُرِبَ عَلَى آذَانِهِمْ فَمَا أَيْقَظَهُمْ إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ فَقَامُوا فَسَارُوا هُنَيَّةً ثُمَّ نَزَلُوا فَتَوَضَّئُوا وَأَذَّنَ بِلَالٌ فَصَلَّوْا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، ثُمَّ صَلَّوُا الْفَجْرَ وَرَكِبُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: قَدْ فَرَّطْنَا فِي صَلَاتِنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَا تَفْرِيطَ فِي النَّوْمِ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ فَإِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ عَنْ صَلَاةٍ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَذْكُرُهَا وَمِنَ الْغَدِ لِلْوَقْتِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله حماد) بن سلمة (قوله عبد الله بن رباح) أبو خالد (الأنصارى) سكن البصرة. روى عن أبيّ بن كعب وعمار بن ياسر وأبى قتادة وأبى هريرة وعائشة وآخرين. وعنه ثابت البناني وقتادة وعاصم الأحول وأبو عمران الجونى وكثيرون وثقه النسائى وابن سعد وقال العجلى تابعى ثقة. روى له الجماعة إلا البخارى. و (أبو قتادة) هو الحارث بن ربعى (معنى الحديث) (قوله فمال) أى تحوّل عن الطريق (قوله فقال انظر) أى هل ترى أحدا من السائرين فإنهم كانوا متفرّقين في سيرهم "ففى" مسلم عن أبى قتادة قال خطبنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون الماء إن شاء الله غدا فانطلق الناس لا يلوى أحد على أحد قال أبو قتادة فبينما رسول الله صلى الله تعالى عليه

الكلام في قضاء سنة الفجر بعد الشمس إذا فاتت مع الفرض وفيمن نام عن الصلاة أو نسيها أيصليها مرتين أم لا

وعلى آله وسلم يسير حتى ابهارّ الليل وأنا إلى جنبه قال فنعس رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فمال عن راحلته فأتيته فدعمته من غير أن أوقظه حتى اعتدل على راحلته ثم سار حتى تهوّر الليل مال عن راحلته فدعمته من غير أن أوقظه حتى اعتدل على راحلته ثم سار حتى إذا كان من آخر السحر مال ميلة هي أشدّ من الميلتين الأوليين حتى كاد ينجفل فأتيته فدعمته فرفع رأسه فقال من هذا قلت أبو قتادة قال متى كان هذا مسيرك مني قلت مازال هذا مسيرى منذ الليلة قال حفظك الله بما حفظت به نبيه ثم قال هل ترانا نخفى على الناس ثم قال هل ترى من أحد قلت هذا راكب ثم قلت هذا راكب آخر حتى اجتمعنا فكنا سبعة ركب قال فمال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الطريق ووضع رأسه ثم قال احفظوا علينا صلاتنا "الحديث" أى وقت صلاتنا (قوله فضرب على آذانهم) أى حجب الصوت والحسّ بسبب النوم عن أن يلج آذانهم فينتبهوا فكأنها قد ضرب عليها حجاب ومن هذا قوله تعالى "فضربنا على آذانهم في الكهف" (قوله فساروا هنية) أى قليلا من الزمن بأمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ففى رواية مسلم قال اركبوا فركبوا فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس. وهنية تصغير هنة ويقال هنيهة أيضا (قوله فصلوا ركعتى الفجر) أى سنة الفجر (وبهذا استدل) أبو حنيفة وأبو يوسف على أن سنة الفجر إذا فاتت مع الفرض تقضى بعد طلوع الشمس قبل الفرض وقال أبو حنيفة إذا فاتت السنة وحدها فلا تقضى خلافا لمحمد فإنه يقيسها على ما إذا فاتت مع الفرض ولأبي حنيفة وأبى يوسف أيضا أن الأصل في السنن أن لا تقضى لكن سنة الفجر إذا فاتت مع الفرض خصت بهذا الحديث (وذهبت) الشافعية إلى أن سنة الفجر تقضى فاتت مع الفرض أو وحدها والأفضل أن تكون قبله وكذا بقية الرواتب (ولا تقضى) في المشهور عن مالك. وعند أصحابه تقضى مطلقا إلى الزوال فاتت مع الفرض أو وحدها ومشهور المذهب أنها تصلى بعد الفرض. وقال ابن زياد وأشهب تقضى قبله وسيأتى هذا مزيد إن شاء الله تعالى في باب قضاء ركعتى الفجر (قوله قد فرّطنا في صلاتنا) أى قصرنا في صلاتنا حيث أوقعناها في غير وقتها المحدّد لها (قوله لا تفريط في النوم الخ) أى لا تقصير فيه وإنما التقصير في اليقظة لوجود التقصير حالة التكليف. وفى رواية مسلم إنما التفريط على من لم يصلّ الصلاة حتى يجئ وقت الأخرى فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه وقوله لا تفريط في النوم دليل لمن قال إن النائم ليس مكلفا إنما القضاء بأمر جديد (قوله ومن الغد للوقت) أى وليصلّ أيضا من الغد في الوقت فظاهره أن الفائتة يصليها مرّة حين ذكرها ومرّة من الغد في وقتها. وبهذا قال بعضهم لكن حملوا الإعادة على الاستحباب. قال الخطابى لا أعلم أحدا من الفقهاء قال به وجوبا. ويشبه أن يكون الأمر به استحبابا ليحرز فضيلة الوقت في القضاء عند مصادقة الوقت اهـ (وقال) جمهور العلماء ليس هذا الظاهر مرادا ولم يقل

ما دل عليه حديث أبي قتادة من أن تأخير الصلاة بسبب النوم لا إثم فيه وغير ذلك من الفوائد

أحد من السلف باستحباب إعادة الصلاة من الغد (قال) النووى معناه أنه إذا فاتته صلاة فقضاها لا يتغير وقتها ولا يتحوّل في المستقبل بل يبقى كما كان فإذا كان الغد صلى صلاة الغد في وقتها المعتاد ولا يتحول وليس معناه أنه يقضى الفائتة مرّتين مرة في الحال ومرّة في الغد وإنما معناه ما قدمناه فهذا هو الصواب اهـ ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور قوله في الرواية الآتية لا كفارة لها إلا ذلك فإنه يستفاد من الحصر أنه لا يجب غير إعادتها. وما رواه الدارقطني عن عمران بن حصين وفيه أمر بلالا فأقام فصلى الغداة فقلنا يا نبي الله ألا نقضيها لوقتها من الغد فقال لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم. وقد ترجم البخارى لحديث من نسى صلاة الخ فقال باب منى نسى صلاة فليصلها إذا ذكر ولا يعيد إلا تلك الصلاة. وقال إبراهيم النخعى من ترك صلاة واحدة عشرين سنة لم يعد إلا تلك الصلاة الواحدة (قال) الحافظ يحتمل أن يكون البخارى أشار بقوله ولا يعيد إلا تلك الصلاة إلى تضعيف ما وقع في بعض طرف حديث أبى قتادة عند مسلم في قصة النوم عن الصلاة حيث قال فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها فإن بعضهم زعم أن ظاهره إعادة الصلاة مرّتين عند ذكرها وعند حضور مثلها من الوقت الآتى ولكن اللفظ المذكور ليس نصا في ذلك لأنه يحتمل أن يريد بقوله فليصلها عند وقتها أى الصلاة التى تحضر لا أنه يريد أن يعيد التى صلاها بعد خروج وقتها ولم يقل أحد من السلف باستحباب ذلك، ويؤيد ذلك ما رواه النسائى من حديث عمران ابن حصين أيضا أنهم قالوا يا رسول الله ألا نقضيها لوقتها من الغد فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا ينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على مشروعية الأذان للفائتة وتقدم بيانه وعلى أن ركعتى الفجر تقضى، وعلى أن تأخير الصلاة بسبب النوم لا إثم فيه سواء أكان قبل دخول وقتها أم بعده قبل تضييقه. وقيل إنه إذا تعمد النوم قيل تضييق الوقت واتخذ ذلك ذريعة إلى ترك الصلاة بغلبة ظنه أنه لا يستيقط إلا وقد خرج الوقت كان آثما، لكن الظاهر أنه لا إثم عليه بالنظر إلى النوم لأنه فعله في وقت له فعله فيه فيشمله الحديث. وأما من نام بعد تضييق الوقت فلا شك انه آثم لتعلق الخطاب به والنوم مانع عن الامتثال والواجب إزالة المانع (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم بلفظ أتمّ تقدم بعضه وأخرج النسائى والترمذى وابن ماجه طرفا منه وقال الترمذى حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، ثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، ثَنَا خَالِدُ بْنُ

سُمَيْرٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ، مِنَ الْمَدِينَةِ وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ تُفَقِّهُهُ، فَحَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ جَيْشَ الْأُمَرَاءِ -بِهَذِهِ الْقِصَّةِ- قَالَ: فَلَمْ تُوقِظْنَا إِلَّا الشَّمْسُ طَالِعَةً فَقُمْنَا وَهِلِينَ لِصَلَاتِنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُوَيْدًا رُوَيْدًا»، حَتَّى إِذَا تَعَالَتِ الشَّمْسُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَرْكَعُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَلْيَرْكَعْهُمَا»، فَقَامَ مَنْ كَانَ يَرْكَعُهُمَا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ يَرْكَعُهُمَا فَرَكَعَهُمَا ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنْ يُنَادَى بِالصَّلَاةِ فَنُودِيَ بِهَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَصَلَّى بِنَا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «أَلَا إِنَّا نَحْمَدُ اللَّهَ أَنَّا لَمْ نَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا يَشْغَلُنَا عَنْ صَلَاتِنَا وَلَكِنَّ أَرْوَاحَنَا كَانَتْ بِيَدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَرْسَلَهَا أَنَّى شَاءَ فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ صَلَاةَ الْغَدِ مِنْ غَدِهِ صَالِحًا فَلْيَقْضِ مَعَهَا مِثْلَهَا». (ش) (رجال الحديث) (قوله على بن نصر) بن عليّ بن نصر بن عليّ بن صهبان أبو الحسن الأزدى الجهضمى البصرى الصغير. روى عن وهب بن جرير وأبى داود الطيالسى وعبد الصمد بن عبد الوارث وعبد الله بن داود وكثيرين. وعنه أبو زرعة وأبو حاتم ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وآخرون، وثقة أبو حاتم وأطنب في الثناء عليه وقال صالح بن محمد ثقة صدوق وقال الترمذى كان حافظا صاحب حديث ووثقه النسائى وابن حبان. مات سنة خمسين ومائتين (قوله الأسود بن شيبان) السدوسى أبو شيبان البصرى مولى أنس بن مالك روى عن الحسن البصرى ويزيد بن عبد الله وموسى بن أنس وخالد بن سمير وغيرهم. وعنه ابن المبارك وابن مهدى ووكيع ووهب بن جرير وآخرون، وثقه العجلى وأحمد والنسائى وابن معين وقال أبو حاتم صالح الحديث. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه. مات سنة ستين ومائة (قوله خالد بن سمير) هكذا في جميع النسخ الموجودة بأيدينا بالسين المهملة

مصغرا. وفى الخلاصة خالد بن شمير بالشين المعجمة مصغرا، السدوسى البصرى. روى عن عبد الله بن عمر وأنس بن مالك وبشير بن نهيك وعبد الله بن رباح وغيرهم. وعنه الأسود بن شيبان. قال العجلى بصرى ثقة ووثقه ابن حبان والنسائى. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله وكانت الأنصار تفقهه) أى تعدّه فقيها (قوله بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جيش الأمراء) هو جيش غزوة موتة بضم الميم وسكون الواو بغير همزة وحكى بالهمزة أيضا، وسميت بذلك لكثرة الأمراء فيها. وذكر جيش الأمراء في هذه الرواية غلط لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يكن مع الجيش في غزوة موتة بل كان بالمدينة. ويؤيده ما في البخارى في باب غزوة موتة من أرض الشام عن أنس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذ جعفر فأصيب ثم أخذ ابن رواحة فأصيب وعيناه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله تعالى حتى فتح الله تعالى عليه. أو أن المراد به من كانوا في غزوة خيبر فإنه قد تولى على الجيش فيها أمراء كثيرة فإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما نزل خيبر أخذته الشقيقة "وجع في الرأس" فلم يخرج للقتال وإن أبا بكر أخذ راية رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم نهض فقاتل قتالا شديدا ثم رجع فأخذها عمر فقاتل قتالا شديدا هو أشدّ من القتال الأول ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال أما والله لأعطينها غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يأخذها عنوة وليس ثمة عليّ فتطاولت لها قريش ورجا كل واحد منهم أن يكون صاحب ذلك فجاء عليّ على بعير له حتى أناخ قريبا من قباء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو أرمد فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مالك قال رمدت بعد فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ادن منى فدنا منه فتفل في عينيه فما وجعهما قط ثم أعطاه الراية فنهض بها معه إلى آخر القصة فهذه الغزوة أيضا تستحق أن تسمى بجيش الأمراء لأنها تأمر فيها أميرا بعد أمير وهذا هو الموافق لسياق الحديث وليس المراد بجيش الأمراء غزوة موتة (قوله بهذه القصة) أى قصة نومهم عن صلاة الصبح التى ذكرها ثابت البنانى عن عبد الله بن رباح في الحديث السابق (قوله فقمنا وهلين الخ) أي فزعين لأجل فوات صلاتنا. ووهلين جمع وهل بفتح الواو وكسر الهاء صفة مشبهة من وهل يوهل إذا فزع من شيء يصيبه (قوله رويدا رويدا) أى أمهلوا إمهالا فهو اسم فعل وكرّر للتأكيد والمراد أخروا الصلاة حتى تنتقلوا من هذا المكان كما تقدم (قوله حتى إذا تعالت الشمس) أى ارتفعت وتكامل ظهورها. وفي نسخة تقالت بالقاف وتشديد اللام وهي بمعنى

الأولى (قوله من كان منكم يركع ركعتي الفجر الخ) أى من كان يعتاد صلاة ركعتين سنة الفجر في السفر فليصلهما ومن لا فلا فخيرهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ذلك من أجل السفر فقاموا جميعا فركعوهما بعد أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ويحتمل أن المراد من كان منكم يصليهما قبل اليوم في الحضر فليصلها الآن فصلاهما بعد أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من كان من الصحابة يصليهما قبل ومن لم يكن يصليهما فدلّ على أن بعض الصحابة لم يكن يصلى ركعتى الفجر في الحضر. ولعله لم يبلغه ما ورد فيهما من الفضل فإنه يبعد على الصحابة أن يتركوا ما واظب عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ورغب فيه فقد روى مسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يكن على شيء من النوافل أشدّ معاهدة منه على ركعتين قبل الصبح. وروى أيضا عنها أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها. أو لعل هذا خطأ من خالد بن سمير في أداء العبارة فإن حديث عبد الله ابن رباح عن أبى قتادة رواه ثابت البناني عن عبد الله بن رباح ولم يذكر من كان منكم يركع الخ كما تقدم وثابت البناني أحد الأئمة الأثبات، وإنما تفرّد به خالد بن سمير عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة فوهم فيه. على أن جماعة من الصحابة غير أبى قتادة رووا قصة النوم عن الصلاة مفصلة ومجملة منهم الله بن مسعود وبلال وأبو هريرة وعمران بن حصين وعمرو بن أمية الضمرى وأنس وابن عباس وعبد الله بن عمر وأبو أمامة ولم يذكر أحد منهم في حديثه هذه العبارة وأحاديث هؤلاء مروية في الصحيحين وغيرهما ولم ينقل أحد من الصحابة أنهم كانوا مخيرين في أداء ركعتى الفجر (قوله أن ينادى بالصلاة) أى يقام لها لقوله فقام فصلى بنا ولأن النداء كان عقب صلاة سنة الفجر (قوله ألا إنا نحمد الله الخ) ألا بفتح الهمزة وتحفيف اللام حرف تنبيه تدلّ على تحقق ما بعدها أى نحمد الله عزّ وجلّ على عدم كوننا في شيء من أمور الدنيا يلهينا عن صلاتنا ولكن أرواحنا بيد الله عزّ وجلّ فأرسلها متى شاء فإنه يتوفى نفس النائم عند النوم ثم يرسلها عند اليقظة وقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لهم ذلك لما رأى من الصحابة عظم فوات وقت الصبح فسهل عليهم الأمر بهذا القول. والرّوح يذكر ويؤنث وهو جوهر لطيف مشتبك بالجسم اشتباك الماء بالعود الأخضر على هيئة جسد صاحبها كما تقدم "لا يقال" كيف تفسر الروح وقد قال تعالى حكاية عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "قل الروح من أمر ربى" "لأن السؤال" كان عنها من حيث قدمها وحدوثها وليس فيه ما ينافي جواز تفسيرها وأيضا أمر الروح كان مبهما في التوراة فقالت اليهود نسأله عن أصحاب الكهف وعن ذى القرنين وعن الروح فإن أجاب عنه أو سكت فليس بنبيّ وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبى فبين لهم القصتين وأبهم الروح حتى لا يطعنوا في نبوّته (قوله فليقض معها مثلها) أى يصلى مع صلاة الغداة الحاضرة فائتة

مثلها فهو صريح في أن الفائتة تصلى مرتين مرة حين ذكرها ومرّة من الغد في وقتها. لكن قال البيهقى في معرفة السنن قد روى الأسود بن شيبان عن خالد بن سمير عن عبد الله بن رباح عن أبى قتادة في قصة نومهم عن الصلاة وقضائهم لها قال فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فمن أدركته هذه الصلاة من غد صالحا فليصل معها مثلها ولم يتابعه على هذه الرواية ثقة وإنما الحديث عند سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح عن أبى قتادة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في هذه القصة قال ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصلّ الصلاة حتى يجئ وقت الأخرى فإذا كان ذلك فليصلها حين يستيقظ فإذا كان من الغد فليصلها عند وقتها ورواه مسلم في الصحيح عن شيبان بن فرّوخ عن سليمان وإنما أراد والله تعالى أعلم أن وقتها لم يتحوّل إلى ما بعد طلوع الشمس بنومهم وقضائهم لها بعد الطلوع فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها يعنى صلاة الغد هذا هو اللفظ الصحيح وهذا هو المراد به فحمله خالد بن سمير عن عبد الله بن رباح على الوهم اهـ (والحاصل) أن خالد بن سمير وهم في هذا الحديث في ثلاثة مواضع "الأول" في قوله جيش الأمراء "الثاني" في قوله من كان منكم يركع ركعتي الفجر الخ "الثالث" في قوله فليقض معها مثلها (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَنَا خَالِدٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، فِي هَذَا الْخَبَرِ قَالَ: فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حَيْثُ شَاءَ وَرَدَّهَا حَيْثُ شَاءَ قُمْ فَأَذِّنْ بِالصَّلَاةِ» فَقَامُوا فَتَطَهَّرُوا، حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ. (ش) لعلّ غرض المصنف بسياق رواية حصين بن عبد الرحمن السلمي بيان أن فيها التصريح بالأمر بالأذان بخلاف رواية شيبان السابقة فإن فيها الأمر بالنداء وهو يصدق بالإقامة وأن فيها التصريح بالطهارة (قوله خالد) بن عبد الله الطحان. و (ابن أبى قتادة) هو عبد الله بن الحارث بن ربعيّ (قوله في هذا الخبر الخ) متعلق بقال الآتية أى قال أبو قتادة في هذا الخبر فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن الله قبض أرواحكم الخ (قوله فتطهروا الخ) ظاهر هذه الرواية أن الأمر بالأذان وتطهرهم كانا قيل ارتفاع الشمس وما تقدم من الروايات وما سيأتى يفيد أنهما كانا بعد ارتفاع الشمس ولا منافاة بينهما لتعدد القصة. وهذه الرواية أخرجها البيهقى من طريق محمد بن فضيل عن حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن أبى قتادة عن أبيه قال سرينا مع رسول الله صلى الله تعالى

عليه وعلى آله وسلم ليلة فقال بعض القوم لو عرّست بنا يا رسول الله فقال إنى أخاف أن تناموا عن الصلاة فقال بلال أنا أوقظكم فنزل القوم فاضطجعوا وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عينه فاستيقظ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد طلع حاجب الشمس فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا بلال أين ما قلت قال بلال يا رسول الله ما ألقيت على من نومة مثلها قط فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردّها إليكم حين شاء ثم قال يا بلال قم فأذن الناس بالصلاة فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابيضت قام فصلى (ص) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، ثَنَا عَبْثَرٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ حِينَ ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى بِهِمْ (ش) مقصود المصنف من ذكر هذه الرواية بيان أنه قد اختلف على حصين فروى عنه خالد أن تطهر الصحابة كان قبل ارتفاع الشمس وروى عنه عبثر أن تطهرهم كان بعد ارتفاع الشمس وقد علمت أنه لا منافاة بينهما لتعدد القصة (رجال الحديث) (قوله هناد) بن السرىّ (قوله عبثر) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة ابن القاسم أبو زبيد الزبيدى الكوفي. روى عن أبى إسحاق الشيباني والأعمش وحصين والثورى، وعنه عمرو بن عون ويحيى بن آدم وأبو نعيم وكثيرون. وثقه النسائى وابن معين وأبو داود وابن سعد ويعقوب بن سفيان وابن حبان وقال أبو حاتم صدوق. مات سنة ثمان أو تسع وسبعين ومائه. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله بمعناه) أى حديث عبثر عن حصين بن عبد الرحمن بمعنى حديث خالد عنه. وهذه الرواية أخرج البخارى نحوها مطوّلة من طريق محمد بن فضيل عن حصين (ص) حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ الْعَنْبَرِيُّ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ وَهُوَ الطَّيَالِسِيُّ، ثَنَا سُلَيْمَانُ يَعْنِي ابْنَ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ أَنْ تُؤَخِّرَ صَلَاةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ أُخْرَى» (ش) غرض المصنف من ذكر حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت بيان الزيادة في حديثه

بأن فيه أن التفريط في اليقظة أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى ولم يكن هذا مذكورا في حديث حماد عن ثابت ولا في حديث خالد بن سمير وكان ينبغى للمصنف أن يذكر هذه الرواية عقب رواية حماد المذكورة حيث كان الغرض أن ابن المغيرة عن ثابت زاد على رواية حماد عن ثابت في حديث أبى قتادة زيادة ليست فيها (رجال الحديث) (قوله العباس العنبرى) هو ابن عبد العظيم (قوله سليمان بن المغيرة) أبو سعيد القيسي مولاهم البصرى. روى عن أبيه والحسن البصرى وابن سيرين وثابت البنانى وحميد بن هلال. وعنه الثورى وشعبة وابن مهدى وأبو داود الطيالسى وآخرون. قال أحمد ثبت ثبت وقال ابن سعد كان ثقة ثبتا وقال سليمان بن حرب ثقة مأمون ووثقه ابن معين وابن حبان والنسائى وابن أبى شيبة والعجلى والبزّار. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله ليس في النوم تفريط الخ) أى ليس في حالة النوم تقصير إذ ليس للإنسان اختيار حينئذ وإنما التفريط في اليقظة بأن تؤخر الصلاة إلى أن يدخل وقت التي بعدها وذلك بأن يتركها عامدا كسلا، وفي ذلك دلالة على امتداد وقت كل صلاة إلى وقت الأخرى وهو عامّ في كل صلاة حتى في المغرب على المختار إلا الصبح فإنها لا تمتدّ إلى الظهر بل يخرج وقتها طلوع الشمس لمفهوم قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن فوات الصلاة بالنوم ومثله النسيان لا يعدّ تقصيرا وأن التقصير والإثم في عدم أدائها في الوقت بدون عذر، وعلى أن وقت كل صلاة يمتدّ إلى الأخرى وتقدّم بيانه (من أخرج الحديث أيضا) أخرج الطحاوى والترمذى نحوه من طريق أبى عوانة عن قتادة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ» (ش) (قوله همام) بن يحيى. و (قتادة) بن دعامة (قوله لا كفارة له إلا ذلك) أى إلا فعلها وقت تذكرها (وفى هذا) الحصر دلالة على أنه لا يجب غير فعلها مرة خلافا لمن قال إنها تصلى ثانيا في وقتها من اليوم الثاني كما تقدم (قال) الخطابى يريد أنه لا يلزمه في تركها غرم كفارة من صدقة أو نحوها كما تلزمه في ترك الصوم في رمضان من غير عذر الكفارة وكما يلزم المحرم

عدم جواز صلاة أحد عن أحد وبطلان ما يفعله كثير من الناس من إسقاط الصلاة عن الميت

إدا ترك شيئا من نسكه كفارة وجبران من دم أو طعام ونحوه. وفيه دليل على أنه لا يجوز لأحد أن يصلى عن أحد كما يحجّ عنه وكما يؤدّى عنه الديون ونحوها. وفيه دليل على أن الصلاة لا تجبر بالمال كما يجبر الصوم وغيره اهـ وبهذا يعلم أن ما يفعله بعض الناس بعد موت تارك الصلاة من إعطاء بعض الناس شيئا من المال ويسمونه إسقاط الصلاة لا دليل عليه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشيخان والنسائى وابن ماجه والطحاوى من طريق أبى الوليد وأخرجه الترمذى وقال حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ فِي مَسِيرٍ لَهُ فَنَامُوا عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَاسْتَيْقَظُوا بِحَرِّ الشَّمْسِ فَارْتَفَعُوا قَلِيلًا حَتَّى اسْتَقَلَّتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَ مُؤَذِّنًا فَأَذَّنَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عمران بن حصين) بن عبيد بن خلف الخزاعى أبى نجيد أسلم عام خيبر. روى له عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثمانون ومائة حديث اتفق الشيخان على ثمانية وانفرد البخارى بأربعة ومسلم بتسعة. روى عنه أبو رجاء العطاردى ومطرّف ابن عبد الله والشعبى وابن سيرين والحسن البصرى. قال ابن سعد كانت الملائكة تصافحه وتسلم عليه وهو ممن اعتزل الفتنة وغزا عدّة غزوات وكان صاحب راية خراعة يوم الفتح وقال ابن عبد البرّ كان من فضلاء الصحابة وفقهائهم يقول عنه أهل البصرة إنه كان يرى الحفظة وكانت تكلمه حتى اكتوى فلما اكتوى احتبست عنه حتى ذهب أثر الكيّ وقال أبو نعيم كان مجاب الدعوة. روى له الجماعة. توفي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بالبصرة سنة اثنتين أو ثلاث وخمسين (معنى الحديث) (قوله في مسير له) أى سفر ولعله كان راجعا من خيبر. والمسير مصدر ميمى من سار على غير قياس إذ القياس مسار (قوله فارتفعوا الخ) أى انتقلوا حتى ارتفعت الشمس. وهذه الرواية تدلُّ على أنه أذن وأقام للفائتة وتقدم بيانه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشيخان مطوّلا من طريق أبى رجاء العطاردى وليس فيه ذكر الأذان والإقامة وذكر ابن المديني وأبو حاتم الرّازى وغيرهما أن الحسن لم يسمع من عمران في حصين وأخرجه البيهقى من طريق عبد الوهاب بن عطاء أنبأنا يونس بن عبيد عن الحسن عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان في سفر فنام

حتى طلعت الشمس قال فأمر بلالا فأذن وصلى ركعتين ثم انتظر حتى استقلت الشمس ثم أمره فأقام فصلى بهم. ورواه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والدارقطنى والطحاوى والحاكم في المستدرك وقال صحيح (ص) حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الْعَنْبَرِيُّ، ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَهَذَا لَفْظُ عَبَّاسٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ حَدَّثَهُمْ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ يَعْنِي الْقِتْبَانِيَّ، أَنَّ كُلَيْبَ بْنَ صُبْحٍ، حَدَّثَهُمْ أَنَّ الزِّبْرِقَانَ حَدَّثَهُ، عَنْ عَمِّهِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَنَامَ، عَنِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: «تَنَحَّوْا عَنْ هَذَا الْمَكَانِ»، قَالَ: «ثُمَّ أَمَر بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ تَوَضَّئُوا وَصَلَّوْا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الصُّبْحِ». (ش) (رجال الحديث) (قوله عياش) بالمثناة التحتية والشين المعجمة (ابن عباس) بالموحدة, و (القتباني) نسبة إلى قتبان بكسر القاف وسكون المثناة الفوقية وبالموحدة موضع من نواحى عدن (قوله كليب بن صبح) الأصبحى المصرى. روى عن عقبة بن عامر والزبرقان ابن عبد الله. وعنه جعفر بن ربيعة وعياش بن عباس. وثقه ابن معين وابن حبان. روى له أبو داود (قوله الزّبرقان) بن عبد الله بن أمية (قوله عمرو بن أمية) بن خويلد بن عبد الله بن إياس أبو أمية. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عشرون حديثا اتفق الشيخان على واحد وانفرد البخارى بآخر. روى عنه عبد الله بن جعفر والشعبى وأبو سلمة والزبرقان وآخرون. قال ابن سعد أسلم حين انصرف المشركون عن أحد وكان شجاعا له إقدام. مات بالمدينة في زمن معاوية. روى له الجماعة. و (الضمرى) بفتح فسكون فكسر نسبة إلى ضمرة موضع (معنى الحديث) (قوله تنحوا عن هذا المكان) أى انتقلوا عنه وتقدم أن انتقالهم عن المكان الذى ناموا فيه لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان أو أصابتنا فيه الغفلة. وهذه الرواية حجة لمن قال إنه يؤذن للفائتة ويقام لها (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ، ثَنَا حَجَّاجٌ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ، ثَنَا حَرِيزٌ، ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ

بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ، حَدَّثَنَا مُبَشِّرٌ يَعْنِي الْحَلَبِيَّ، ثَنَا حَرِيزٌ يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ ذِي مِخْبَرٍ الْحَبَشِيِّ، وَكَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ -يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ - وُضُوءًا لَمْ يَلُتَّ مِنْهُ التُّرَابُ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ غَيْرَ عَجِلٍ، ثُمَّ قَالَ لِبِلَالٍ: «أَقِمِ الصَّلَاةَ»، ثُمَّ صَلَّى الْفَرْضَ وَهُوَ غَيْرُ عَجِلٍ. قَالَ عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ صُلَيْحٍ، قَالَ حَدَّثَنِي ذُو مِخْبَرٍ رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ وقَالَ عُبَيْدٌ: يَزِيدُ بْنُ صُلْحٍ (ش) (رجال الحديث) (قوله إبراهيم بن الحسن) بن الهيثم الخثعمى المصيصى أبو إسحاق. روى عن مخلد بن يزيد وحجاج بن محمد والحارث بن عطية وآخرين. وعنه أبو داود والنسائى وموسى الحمال وغيرهم. كتب عنه أبو حاتم وقال صدوق وقال النسائى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه في التفسير (قوله عبيد بن أبى الوزير) ويقال ابن أبى الوزر. روى عن مبشر بن إسماعيل. وعنه أبو داود قال الحافظ لا يعرف حاله وقال السيوطى لا يعلم راو عنه سوى أبى داود ولا يعلم فيه توثيق ولا حرج (قوله مبشر) بن إسماعيل (قوله يزيد بن صالح) كذا في النسخة الصحيحة وقيل ابن صبح وقيل ابن صليح أو ابن صبيح الرحبي الحمصى. روى عن ذى مخبر. وعنه حريز بن عثمان. وثقه أبو داود وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو داود شيوخ حريز كلهم ثقات وقال الدارقطنى لا يعتبر به وقال في الميزان يزيد بن صالح أو يزيد بن صبيح تابعى حمصى لا يكاد يعرف (قوله عن ذى مخبر) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الموحدة ويقال ذو مخمر بالميم بدل الموحدة (الحبشى) الصحابى كان الأوزاعى لا يقوله إلا بالميم وصححه الترمذى بالموحدة. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعنه جبير بن نفير وخالد بن معدان ويحيى بن أبى عمرو وأبو حيّ المؤذن وعمرو بن عبد الله الحضرمى وآخرون. نزل الشام. ومات به. روى له أبو داود (معنى الحديث) (قوله في هذا الخبر الخ) متعلق بقوله حدثني أى قال حريز حدثنى بهذا الخبر يزيد بن صالح ففى بمعنى الياء وقوله وكان يخدم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم معترض بينهما ويحتمل أن يكون متعلقا بقال بعده أى قال ذو مخبر في هذا الخبر فتوضأ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ (قوله لم يلت منه التراب) بفتح المثناة التحتية وضم اللام وبمثناة

فوقية من لتت أى لم يختلط بماء وضوئه التراب يقال لتّ السويق يلته إذا خلطه بالماء ونحوه وفي نسخة لم يلث بالمثلثة وهى بمعنى الأولى وهو كناية عن قلة ماء وضوئه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله غير عجل) أى حال كونه غير مسرع فيما (قوله قال عن حجاج عن يزيد بن صليح الخ) أى قال إبراهيم بن الحسن في روايته عن حجاج الأعور عن حريز حدثني يزيد بن صليح باللام مصغر صلح. وفي نسخة قال حجاج. فعلى الأول ضمير قال يعود إلى إبراهيم ابن الحسن وعلى الثانى فاعل قال حجاج. وفى نسخة قال غير حجاح (قوله قال عبيد الخ) أى قال عبيد بن أبى الوزير في روايته عن مبشر عن حريز حدثنى يزيد بن صليح وقد ذكر المصنف بعد ذلك رواية أخرى لحديث ذى مخبر عن مؤمل بن الفضل عن الوليد عن حريز وقال فيهما عن يزيد ابن صليح كما في النسخ الكثيرة (وحاصل) ما ذكره المصنف أنه قد اختلف في اسم والد يزيد فقال المصنف إن شيخى إبراهيم بن الحسن قال عن شيخه حجاج عن حريز قال يزيد بن صليح وقال عبيد بن أبى الوزير بسنده عن حريز قال ابن صالح أو ابن صبح أو ابن صبح فعلى هذا تختلف روايتهما في هذا اللفظ (ص) حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ، ثَنَا الْوَلِيدُ، عَنْ حَرِيزٍ يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ صُلَيْحٍ، عَنْ ذِي مِخْبَرٍ ابْنِ أَخِي النَّجَاشِيِّ، فِي هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَأَذَّنَ وَهُوَ غَيْرُ عَجِلٍ (ش) لعل غرض المصنف بسياق هذه الرواية تقوية رواية حجاج في أن اسم والد يزيد صليح وأن ذى مخبر ابن أخى النجاشي. وحديث ذى مخبر أخرجه الطحاوى من طريق داود ابن أبي هند عن العباس بن عبد الرحمن مولى بني هاشم عن ذى مخبر بن أخى النجاشي قال كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في سفر فنمنا فلم نستيقظ إلا بحرّ الشمس فتنحينا من ذلك المكان قالا فصلى بنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلما كان من الغد حين بزغ الشمس أمر بلالا فأذن ثم أمره فأقام فصلى بنا الصلاة فلما قضى الصلاة قال هذه صلاتنا بالأمس (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي عَلْقَمَةَ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ

الصلاة المقضية كالؤداة في السر والجهر

وَسَلَّمَ: «مَنْ يَكْلَؤُنَا» فَقَالَ بِلَالٌ: أَنَا، فَنَامُوا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «افْعَلُوا كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ»، قَالَ: فَفَعَلْنَا، قَالَ: «فَكَذَلِكَ فَافْعَلُوا لِمَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عبد الرحمن بن أبى علقمة) ويقال ابن علقمة الثقفى مختلف في صحبته ذكره يعقوب بن سفيان وخليفة وابن منده في الصحابة وقال الدارقطني لا تصحّ له رؤية ولا نعرفه وقال أبو حاتم ليست له صحبة وفرق ابن حبان بين الراوى لحديث إن وفد ثقيف قدموا عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومعهم هدية وبين الراوى عن ابن مسعود فذكر الثاني في التابعين والأول في الصحابة وفرق أيضا ابن أبي حاتم بينهما فقال في الأول روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفي الثاني روى عنه مرسلا. روى عن ابن مسعود وعنه جابر بن شداد وعبد الملك بن محمد وعون بن أبى جحيفة. روى له أبو داود والنسائى (معنى الحديث) (قوله زمن الحديبية) أى في زمان غزوها وهو سنة ست من الهجرة والحديبية بتخفيف المثناة التحتية وتشديدها قرية قريبة من مكة سميت ببئر هناك. ثم هو في يحتمل أن يكون إقبالهم من الحديبية نفسها ويؤيده ما في بعض النسخ أقبلنا من الحديبية. ولا منافاة بينه وبين ما تقدم من أنهم كانوا في خيبر لأن القصة متعدّدة على ما هو المختار. ويحتمل أنهم كانوا مقبلين من خيبر كما تقدم لأنها كانت عقب انصرافهم من الحديبية فذكر الحديبية (قوله افعلوا كما كنتم تفعلون) أى كل يوم من الطهارة والأذان والإقامة والصلاة وفي رواية لمسلم وأحمد فصنع كما كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصنع كل يوم (قوله قال فكذلك فافعلوا الخ) أى قال فليفعل مثل ذلك من نام عن صلاة أو نسيها فاللام في قوله لمن نام زائدة أو متعلقة بقال ومن بدل من الواو. ويحتمل أن المعنى مروا من نام عن صلاة أو نسيها أن يفعل مثل ذلك (فقه الحديث) والحديث يدلّ كما تقدم على أن صفة قضاء الصلاة الفائتة كصفة أدائها فيؤخذ منه أنه يجهر في صلاة الصبح المقضية بعد طلوع الشمس وكذلك المغرب والعشاء ويسرّ في صلاة الظهر والعصر إذا قضاهما ليلا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وكذا البيهقى بنحوه

باب في بناء المساجد

(باب في بناء المساجد) وفي بعض النسخ باب ما جاء في بناء المسجد، وفي نسخة تفريع أبواب المساجد، والمساجد جمع مسجد, وهو في اللغة موضع السجود، وفي العرف البقعة المعدّة للعبادة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ سُفْيَانَ، أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي فَزَارَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ»، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى (ش) (رجال الحديث) (قوله عن أبى فزارة) هو راشد بن كيسان (قوله يزيد بن الأصم) وفى نسخة يزيد الأصمّ واسمه عمرو بن عبيد بن معاوية بن عبادة أبى عوف الكوفي سكن الرّقة. روى عن سعد بن أبى وقاص وابن عباس وأبى هريرة ومعاوية بن أبى سفيان وخالته ميمونة وغيرهم. وعنه جعفر بن برقان والزهرى وميمون بن مهران وأبو فزارة وطائفة. وثقه أبو زرعة والنسائى والعجلى وابن سعد وابن حبان وذكره ابن منده في الصحابة وقال أبو نعيم وابن حبان وغيرهما لا تصحّ له صحبة. مات سنة ثلاث أو أربع ومائة وهو ابن ثلاث وسبعين سنة (معنى الحديث) (قوله ما أمرت بتشييد المساجد) أى ما أذن الله تعالى لى في رفع بنائها وتجصيصها لأن ذلك زائد على قدر الحاجة فالتشييد رفع البناء وتطويله ومنه قوله تعالى "في بروج مشيدة" أى مطوّل بناؤها يقال شدت البيت أشيده من باب باع بنيته بالشيد أى الجصّ وشيدته تشييدا طوّلته ورفعته (قال) ابن رسلان المشهور في الحديث أن المراد بتشييد المساجد رفع البناء وتطويله كما قال البغوى (وفيه ردّ) على من حمل قوله تعالى "في بيوت أذن الله أن ترفع" على رفع بنائها وهو الحقيقة بل المراد أن تعظم فلا يذكر فيها الخنا من الأقوال وتطييبها من الأدناس والأنجاس ولا ترفع فيها الأصوات اهـ (قوله قال ابن عباس لتزخرفنها) هو موقوف كما رواه ابن حبان لكنه في حكم المرفوع لأن مثل هذا لا يكون من قبل الرأى. واللام في لتزخرفنها لام القسم وهو الذى اعتمده الحافظ خلافا للطينى فإنه ظنّ أنهما حديث واحد فشرحه على أن اللام في لتزخرفنها مكسورة ثم قال هي لام التعليل للمنفى قبله والمعنى ما أمرت

الخلاف في زخرفتها وما ورد في ذم ذلك

بالتشييد ليجعل ذريعة إلى الزخرفة اهـ لأنه لا تثبت الرواية به أصلا فلا يعتمد عليه. وكلام ابن عباس مفصول من كلام النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الكتب المشهورة والزخرفة الزينة وأصل الزخرف الذهب ثم استعمل في كل ما يتزين به. وفى النهاية الزخرف النقوش والتصاوير بالذهب ومنه قولهم زخرف الرجل كلامه إذا موّهه وزينه بالباطل (قوله كما زخرفت اليهود والنصارى) يريد أن اليهود والنصارى زخرفوا معابدهم عندما حرّفوا وبدّلوا وتركوا العمل بما في كتبهم فكأنه يقول أنتم تصيرون إلى مثل حالهم إذا طلبتم الدنيا بالدين وتركتم الإخلاص في العمل وصار أمركم إلى المراءاة بالمساجد والمباهاة بتشييدها وتزيينها (قال) الخطابى إنما زخرفت اليهود والنصارى كنائسهم وبيعهم حين حرّفت الكتب وبدّلتها فضيعوا الدين وعرجوا على الزخارف والتزيين اهـ وأول من زخرف المساجد الوليد ابن عبد الملك بن مروان وذلك في أواخر عصر الصحابة وسكت عليه كثير من أهل العلم خوف الفتنة. وروى ابن ماجه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أراكم تستشرفون مساجدكم بعدى كما شرّفت اليهود كنائسها وكما شرّفت النصارى بيعها (قال) العينى به استدلّ أصحابنا على أن نقش المسجد وتزيينه مكروه ولا يجوز من مال الوقف ويغرم الذى يخرجه سواء ناظر أو غيره "فإن قيل" ما وجه الكراهة إذا كان من نفس ماله "قلت" إما اشتغال المصلى به أو إخراج المال في غير وجهه اهـ (قال) ابن رسلان هذا الحديث فيه معجزة ظاهرة لإخباره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عما سيقع بعده فإن تزويق المساجد والمباهاة بزخرفتها كثر من الملوك والأمراء في هذا الزمان بالقاهرة والشام وبيت المقدس بأخذهم أموال الناس ظلما وعمارتهم بها المدارس على شكل بديع نسأل الله السلامة والعافية اهـ (وقال) الشوكانى الحديث يدلّ على أن تشييد المساجد بدعة وقد روى عن أبى حنيفة الترخيص في ذلك. وروى عن أبى طالب أنه لا كراهة في تزيين المحراب (وقال) المنصور بالله إنه يجوز في جميع المسجد (وقال) البدر بن المنير لما شيد الناس بيوتهم وزخرفوها ناسب أن يصنع ذلك بالمساجد صونا لها عن الاستهانة (وتعقب) بأن المنع إن كان للحثّ على اتباع السلف في ترك الرفاهية فهو كما قال وإن كان لخشية شغل بال المصلى بالزخرفة فلا لبقاء العلة (ومن جملة) ما عوّل عليه المجوّزون للتزيين أن السلف لم يحصل منهم الإنكار على من فعل ذلك وبأنه بدعة مستحسنة وبأنه مرغب إلى المسجد (وهذه حجج) لا يعوّل عليها من له حظ من التوفيق لا سيما مع مقابلتها للأحاديث الدالة على أن التزيين ليس من أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنه نوع من المباهاة المحرّمة وأنه من علامات الساعة كما روى عن عليّ عليه السلام وأنه من صنع اليهود والنصارى وقد كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يحب مخالفتهم ويرشد إليها عموما وخصوصا "ودعوى"

ترك إنكار السلف "ممنوعة" لأن التزيين بدعة أحدثها أهل الدّول الجائرة من غير مؤاذنة لأهل العلم والفضل وأحدثوا من البدع ما لا يأتى عليه الحصر ولا ينكره أحد وسكت العلماء عنهم تقية لا رضا بل قام في وجه باطلهم جماعة من علماء الآخرة وصرخوا بين ذلك عليهم "ودعوى" أنه بدعة مستحسنة "باطلة" وقد عرّفناك وجه بطلانها حديث من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ في باب الصلاة في ثوب الحرير والغصب "ودعوى" أنه مرغب إلى المسجد "فاسدة" لأن كونه داعيا إلى المسجد ومرغبا إليه لا يكون إلا غرضه قصده النظر إلى تلك النقوش والزخرفة. فأما من كان غرضه قصد المساجد لعبادة الله عزّ وجلّ التي لا تكون عبادة على الحقيقة إلا مع خشوع وإلا كانت كجسم بلا روح فليست إلا شاغلة عن ذلك كما فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الإنبجانية التي بعث بها إلى أبي جهم. وكما سيأتى في باب تنزيه قبلة المصلى عما يلهى. وتقويم البدع المعوجة التي يحدثها الملوك توقع أهل العلم في المسالك الضيقة فيتكلفون لذلك من الحجج الواهية ما لا ينفق إلا على بهيمة اهـ ببعض تصرّف (قال) الحافظ في الفتح رخص في ذلك بعضهم وهو قول أبي حنيفة إذا وقع ذلك على سبيل التعظيم للمساجد ولم يقع الصرف على ذلك من بيت المال فها هنا أمور (أولها) أن تزويق المساجد وتحسينها إذا كان يلهى المصلين ويشغل قلوبهم فهو مجمع على كراهته (والأمر) الثاني إذا كان هذا مباهاة ورياء وسمعة فهو أيضا مكروه بل بناء المساجد بهذه النية الفاسدة يكون مكروها أيضا فضلا عن التزيين والتحسين (والأمر) الثالث أن يحكم بناؤها ويبنى بالجصّ وغيرها مما يستحكم به الصنعة فهذا غير مكروه عندنا. والدليل عليه أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم عن عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول من بنى مسجدا لله بنى الله له بيتا في الجنة مثله. وأيضا يؤيده ما فعل عثمان رضي الله تعالى عنه في خلافته كما في الحديث الذى بعد هذا فإنه فعل ما فعل مستدلا بهذا الحديث وكل ما فعل كان من باب الإحكام لا من باب التزيين المحض. وأما الحجاره المنقوشة فلم ينقشها ولم يأمر بنقشها بل حصل له كذلك منقوشة من بعض ولاياته فركبها في المسجد وقد قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين" والذين أنكروا عليه من الصحابة لم يكن عندهم دليل يوجب المنع إلا الحثّ على اتباع السلف في ترك الرفاهية وهذا كما ترى لا يقتضى التحريم ولا الكراهة. وأما حديث أبي داود هذا فهو أيضا لا يدلّ على المنع ودلالته على المنع ممنوعة فإن فيه ما أمرت بتشييد المساجد. فنفي كون التشييد مأمورا به لا يقتضى الكراهة فإن نفى الوجوب يصدق بجواز الفعل أيضا فلا يستوجب الكراهة. وأما قول ابن عباس لتزخرفنها فلا دليل فيه أيضا لأنه موقوف على ابن عباس ولو سلم رفعه حكما

فهو محمول على التزيين والزخرفة التي تلهى بال المصلى أو يكون مباهاة ورياء وسمعة كما تفعله اليهود والنصارى (والأمر) الرابع أن يبنى المسجد بالغصب بأخذ أموال الناس ظلما (والخامس) أن يبنيه الواقف بمال الوقف فهذا أيضا حرام لم يرخص فيه أحد من العلماء (ثم اعلم) أنه قد ثبت أن عبد الله بن الزبير رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قد بنى الكعبة ورفع بناءها على ما كان قبل ذلك من البناء وشيدها والذين خالفوه ما كان عندهم حجة إلا أنهم يقولون لا ينبغي أن تغير عما كانت عليه كما أشار ابن عباس على ابن الزبير لما أراد أن يهدم الكعبة ويجدّد بناءها بأن يرمّ ما وهي منها ولا يتعرّض لها بزيادة ولا نقصان وقال له لا آمن أن يجئ من بعدك أمير فيغير الذى صنعت. وقد حكى عن الرشيد أو المهدى أو المنصور أنه أراد أن يعيد الكعبة على ما فعله ابن الزبير فناشده مالك في ذلك وقال أخشى أن يصير ملعبة للملوك فتركه، فإنكار الشوكانى وغيره على تشييد المساجد مطلقا من غير تفصيل ليس في محله اهـ ببعض تصرّف (فقه الحديث) والحديث يدل على عدم مشروعية رفع بناء المساجد وتشييدها، وعلى عدم جواز زخرفتها بالنقوش والذهب والفضة ونحو ذلك وأن ذلك من عمل اليهود والنصارى فيطلب البعد عنه (من أخرج الحديث أيضا) أخرج البخارى قول ابن عباس تعليقا. قال الحافظ ولم يخرج المرفوع للاختلاف على يزيد بن الأصمّ في وصله وإرساله اهـ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، وَقَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ» (ش) (قوله أيوب) السختيانى (قوله عن أبى قلابة) هو عبد الله بن زيد الجرمى البصرى (قوله لا تقوم الساعة الخ) أى لا تقوم القيامة حتى يتفاخروا ببنائها وذلك كأن يقول أحدهم للآخر مسجدى أرفع من مسجدك أو أزين أو أوسع أو أحسن رياء وسمعة وطلبا للمدحة (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن زخرفة المساجد والمباهاة بها من علامة القيامة فيطلب البعد عن ذلك (وقد ورد) في ذمّ زخرفة المساجد أحاديث (منها) ما رواه ابن خزيمة وصححه من طريق أبي قلابة أن أنسا قال سمعته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول يأتي على أمتي زمان يتباهون بالمساجد ثم لا يعمرونها إلا قليلا (ومنها) ما رواه الترمذى ابنوا المساجد واتحذوها جما "بضم الجيم وتشديد الميم أى بدون شرف جمع شرفة وهي ما يوضع على أعالى القصور والمدن وبينها فرج

طلب جعل أماكن عبادة الكافرين مساجد إذا آل أمرها إلى المسلمين

شبه طاقات الشباك لتطويل البناء والزخرفة" (ومنها) ما رواه البيهقى عن ابن عمر نهانا أو نهينا أن نصلى في مسجد مشرف (ومنها) ما صححه ابن خزيمة أمر عمر ببناء المسجد فقال أكنّ الناس وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس "وأكن بفتح الهمزة من الإكنان أى استرهم" وما رواه ابن ماجه من طريق عمرو بن ميمون عن عمر مرفوعا ما ساء عمل قوم إلا زخرفوا مساجدهم (وقال) أبو الدرداء إذا حليتم مصاحفكم وزوّقتم مساجدكم فالدّمار عليكم (من روى الحديث أيضا) رواوه النسائى بلفظ من أشراط الساعة أن يتباهي الناس في المساجد ورواه أحمد وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا رَجَاءُ بْنُ الْمُرَجَّى، ثَنَا أَبُو هَمَّامٍ الدَّلَّالُ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَسْجِدَ الطَّائِفِ حَيْثُ كَانَ طَوَاغِيتُهُمْ» (ش) (رجال الحديث) (قوله رجاء بن المرجى) بضم الميم وفتح الراء وتشديد الجيم ابن رافع الغفارى أبو محمد ويقال أبو أحمد المروزى أو السمرقندى. روى عن أبى نعيم وأبى اليمان وقبيصة والنضر بن شميل وغيرهم. وعنه أبو حاتم الرازى وأبو بكر بن أبي الدنيا وأبو داود وابن ماجه وآخرون. قال أبو حاتم صدوق وقال الخطيب كان ثقة ثبتا إماما في علم الحديث وحفظه والمعرفة به وقال الدارقطنى حافظ ثقة وقال ابن حبان كان متيقظا ممن جمع وصنف. مات ببغداد غرّة جمادى الأولى سنة تسع وأربعين ومائتين (قوله أبو همام) هو أبو محمد بن محبب وقد صرّح به في بعض النسخ ومحبب بصيغة اسم المفعول بوزن معظم القرشي البصرى. روى عن الثورى وإبراهيم بن طهمان وهشام بن سعد وإسراءيل وسعيد بن السائب وغيرهم. وعنه ابن بشار وابن المثنى والبخارى وأبو داود وابن ماجه وكثيرون. قال أبو حاتم صالح الحديث صدوق ثقة وقال أبو داود ثقة وأثنى عليه وقال الحاكم شيخ ثقة وقال مسلمة بن قاسم ثقة معروف وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة إحدى وعشرين ومائتين (قوله سعيد بن السائب) ابن يسار الطائفى. روى عن أبيه ونوح في صعصعة وعبد الله بن يزيد. وعنه معن بن عيسى ووكيع وشعيب بن حرب وابن عيينة وابن مهدى. وثقه ابن معين والدارقطنى وابن حبان وقال أبو داود والنسائى لا بأس به. مات سنة إحدى وسبعين ومائة. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه (قوله محمد بن عبد الله بن عياض) روى عن عثمان بن أبى العاص. وعنه سعيد بن السائب ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول. روى له أبو داود (قوله عثمان بن أبى

صفة مسجد النبي صل الله تعالى عليه وعلى آله وسم في عهده وعهد خلفائه الراشدين

العاص) بن بشر أبى عبد الله نزيل البصرة. قدم على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في وفد ثقيف واستعمله على الطائف ثم أقرّه أبو بكر وعمر ثم استعمله عمر على عمان والبحرين روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تسعة أحاديث روى عنه سعيد ابن المسيب ونافع بن جبير ويزيد بن عبد الله والحسن بن أبى الحسن. مات سنة إحدى أو خمس وخمسين في خلافة معاوية. روى له الترمذى وأبو داود وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله أمره أن يجعل مسجد الطائف الخ) أى أمره أن يجعل المسجد في المكان الذى كانت فيه أصنامهم. والطائف بلد شرقى مكة على مرحلتين أو ثلاث منها. والطواغيت جمع طاغوت يطلق بالاشتراك على الشيطان وعلى الصنم وهو المراد هنا ويكون جمعا وواحدا ومذكرا ومؤنثا (ومن هذا) الحديث أخذت الأمة أن أىّ بلد يفتحونها يحوّلون كنائسها مساجد ومدارس انتهاكا للكفر ومحوا لأثره وإيذاء للكفار حيث عبدوا غير الله تعالى في هذا المكان (فقه الحديث) والحديث يدلّ على طلب جعل أماكن عبادة الكافرين مساجد إذا آل أمرها إلى المسلمين لمحو معالم الكفر وقد فعل ذلك كثير من الصحابة (من روى الحديث أيضا) رواه ابن ماجه والحاكم (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، وَمُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، وَهُوَ أَتَمُّ، قَالَا: ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، أَخْبَرَهُ، "أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ وسَقْفُهُ بالْجَرِيدِ وعَمَدُهُ قال مجاهد وَعُمُدُهُ مِنْ خَشَبِ النَّخْلِ - فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَى بِنَائِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ وَأَعَادَ عَمَدَهُ -قَالَ مُجَاهِدٌ: عُمُدَهُ خَشَبًا- وَغَيَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ، وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ وَسَقْفَهُ بِالسَّاجِ -قَالَ مُجَاهِدٌ: وَسَقَّفَهُ السَّاجَ-"، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الْقَصَّةُ: الْجِصُّ (ش) (قوله وهو أتمّ) أى حديث مجاهد أتم في الرواية من حديث محمد بن يحيى (قوله حدثنا أبى) هو إبراهيم بن سعد (قوله صالح) بن كيسان (قوله مبنيا باللبن الخ) بفتح

عدم جواز إدخال شيء من أملاك الناس في المساجد غصبا ولو مع دفع القيمة

اللام وكسر الموحدة جمع لبنة وهو ما يعمل من الطين مربعا للبناء غير مطبوخ (قوله وسقفه بالجريد) وفى أكثر النسخ مبنيا باللبن والجريد أى وسقفه الجريد كما صرح به في رواية البخارى والجريد سعف النخل إذا جرّد عن الخوص (قوله قال مجاهد وعمده الخ) غرض المصنف بهذا بيان الاختلاف بين لفظى شيخيه فإن محمد بن يحيى قال عمده بفتحتين، ومجاهد بن موسى قال عمده بضمتين هكذا ضبطه بعض الشراح. فالخلاف بينهما في ضبط لفظ عمد. ويحتمل أنهما اتفقا على قوله وعمده وزاد مجاهد قوله من خشب النخل. ويؤيده ما في بعض النسخ قال مجاهد من خشب النخل بدون لفظ وعمده، وهذا هو الظاهر. وعمد جمع كثرة لعمود وجمع القلة أعمدة وهو مبتدأ خبره قوله من خشب النخل. وخشب بفتح الخاء والشين المعجمتين ويجوز ضمهما، وفى بعض النسخ وعمده خشب النخل بإسقاط لفظ من (قوله فلم يزد فيه أبو بكر شيئا الخ) أى لم يغير أبو بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ في مسجده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شيئا بالزيادة والنقصان حين بناه بل أعاده على ما كان عليه من القدار وزاد عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُفى طوله وعرضه وبناه بما بنى به زمن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وروى) أحمد عن نافع أن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ زاد في المسجد من الأسطوانة إلى المقصورة وقال عمر لولا أنى سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول ينبغى أن نزيد في مسجدنا ما زدت (وروى) يحيى أن ابن عمر قال إن الناس كثروا في عهد عمر فقال له قائل يا أمير المؤمنين لو وسعت في المسجد فقال عمر لولا أني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول إنى أريد أن أزيد في قبلة مسجدنا ما زدت فيه (وقال ابن سعد) أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا أبو أمية بن يعلى عن سالم أبى النضر قال لما كثر المسلمون في عهد عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وضاق بهم السجد فاشترى عمر ما حول المسجد من الدور إلا دار العباس بن عبد المطلب وحجر أمهات الؤمنين فقال عمر للعباس يا أبا الفضل إن مسجد المسلمين قد ضاق بهم وقد ابتعت ما حواله من المنازل نوسع به على المسلمين في مسجدهم إلا دارك وحجر أمهات المؤمنين فأما حجر أمهات المؤمنين فلا سبيل إليها وأما دارك فبعنيها بما شئت من بيت مال المسلمين أوسع بها في مسجدهم فقال العباس ما كنت لأفعل قال فقال له عمر اختر منى إحدى ثلاث إما أن تبيعنيها بما شئت من بيت المال وإما أن أخطك حيث شئت من المدينة وأبنيها لك من بيت مال المسلمين وإما أن تصدّق بها على المسلمين فتوسع في مسجدهم فقال لا ولا واحدة منها فقال عمر اجعل بينى وبينك من شئت فقال أبيّ بن كعب فانطلقا إلى أبيّ فقصا عليه القصة فقال أبىّ إن شئتما حدّثتكما بحديث سمعته من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالا حدثنا فقال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول إن الله تعالى أوحى إلى داود أن ابن لى بيتا أذكر فيه فخط له هذه الخطة خطة بيت

المقدس فإذا تربيعها بزاوية بيت رجل من بنى إسراءيل فسأله داود أن يبيعه إياها فأبى فحدّث داود نفسه أن يأخذه منه فأوحى الله إليه أن يا داود أمرتك أن تبني لى بيتا أذكر فيه فأردت أن تدخل في بيتي الغصب وليس من شأنى الغصب وإن عقوبتك أن لا تبنيه قال يا رب فمن ولدي عال فمن ولدك فأخذ عمر بمجامع أبيّ بن كعب فقال جئتك بشيء فجئت بما هو أشدّ منه لتخرجنّ مما قلت فجاء يقوده حتى دخل المسجد فأوقفه على حلقة من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيهم أبو ذرّ فقال أبيّ نشدت الله رجلا سمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يذكر حديث بيت المقدس حين أمر الله داود أن يبنيه إلا ذكره فقال أبو ذرّ أنا سمعته من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال آخر أنا سمعته يعني من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال فأرسل أبيا قال فأقبل أبيّ على عمر فقال يا عمر أتتهمنى على حديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال عمر والله يا أبا المنذر ما اتهمتك عليه ولكن أردت أن يكون الحديث عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ظاهرا قال وقال عمر للعباس اذهب فلا أعرض لك في دارك فقال العباس أما إذا قلت ذلك فإنى قد تصدّقت بها على المسلمين أوسع عليهم في مسجدهم فأما وأنت تخاصمنى فلا قال فخط له عمر داره التى هي اليوم وبناها من بيت مال المسلمين ذكره السمهودي في تاريخ المدينة (قوله وأعاد عمده الخ) أى قال محمد بن يحيى في روايته وأعاد عمر عمده التى كان عليها المسجد في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال مجاهد بن موسى في روايته أعاد عمده حال كونها خشبا. وهو مع كثرة الفتوحات في أيامه وسعة المال عنده لم يغير المسجد عما كان عليه من هيئة البناء وإنما احتاج إلى تجديده للتوسعة. والقصة بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة الجصّ بلغة أهل الحجاز (وقال) الخطابى تشبه الجصّ وليست به (وقال) العيني الجصّ لغة فارسية معرّبة وأصلها كجّ وفيه لغتان فتح الجيم وكسرها وهو الذي يسميه أهل مصر جيرا وأهل الشام يسمونه كلسا اهـ (قوله وسقفه بالساج الخ) أى قال محمد في روايته وسقف عثمان المسجد بالساج فهى جملة فعلية معطوفة على قوله وجعل عمده. وقال مجاهد في روايته وسقفه الساج فهى جملة اسمية. والساج خشب يجلب من الهند واحدته ساجة وهو من شجر يعظم جدّا ويذهب طولا وعرضا وله ورق عريض يتغطى الرجل بورقة منه فتكنه من المطر اهـ من اللسان (وروى) يحيى عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال لما ولى عثمان كلمه الناس أن يزيد في مسجدهم وشكوا إليه ضيقه يوم الجمعة حتى إنهم ليصلون في الرحاب فشاور فيه عثمان أهل الرأى من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأجمعوا على أن يهدمه ويزيد فيه فصلى الظهر بالناس ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إنى قد أردت أن أهدم مسجد رسول الله

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأزيد فيه وأشهد أنى سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة وقد كان لى سلف وإمام سبقنى وتقدّمنى عمر بن الخطاب كان قد زاد فيه وبناه وقد شاورت أهل الرأى من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأجمعوا على هدمه وبنائه وتوسيعه فحسن الناس يومئذ ذلك ودعوا له فأصبح فدعا العمال وباشر ذلك بنفسه. وكان ذلك في شهر ربيع الأول سنة تسع وعشرين وفرغ منه حين دخلت سنة ثلاثين اهـ (قال) ابن بطال الحديث يدلّ على أن السنة في بنيان المساجد القصد وترك الغلوّ في تحسينها وتشييدها والمباهاة ببنيانها خشية الفتنة فقد كان عمر مع كثرة الفتوح في أيامه وسعة المال عنده لم يغير المسجد عما كان عليه في عهده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإنما احتاج إلى تجديده لأن جريد النخل قد نخر في أيامه ثم كان عثمان والمال في زمانه أكثر ولم يزد على أن يجعل مكان اللبن حجارة وقصة سقفه بالساج مكان الجريد فحسنه بما لا يقتضى الزخرفة ومع ذلك فقد أنكر بعض الصحابة عليه فلم يقتصر هو وعمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما عن البلوغ في تشييده إلى أبلغ الغايات إلا عن علمهما بكراهة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك وليقتدى بهما بالأخذ من الدنيا بالقصد والزهد والكفاية في معالى أمورها وإيثار البلغة منها اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على بيان هيئة بناء مسجد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعلى أنه حصل فيه تغيير في زمان عمر وعثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما لكنه لم يكن بالزخرفة المكروهة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ «إِنَّ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَتْ سَوَارِيهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مِنْ جُذُوعِ النَّخْلِ أَعْلَاهُ مُظَلَّلٌ بِجَرِيدِ النَّخْلِ، ثُمَّ إِنَّهَا نَخِرَتْ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ فَبَنَاهَا بِجُذُوعِ النَّخْلِ وَبِجَرِيدِ النَّخْلِ، ثُمَّ إِنَّهَا نَخِرَتْ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ فَبَنَاهَا بِالْآجُرِّ فَلَمْ تَزَلْ ثَابِتَةً حَتَّى الْآنَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله شيبان) بن عبد الرحمن أبو معاوية التميمي البصرى سكن الكوفة ثم انتقل إلى بغداد ومات بها. روى عن الحسن البصري وقتادة والأعمش وعبد الملك بن عمير وسماك بن حرب وغيرهم. وعنه عبد الرحمن بن مهدى وأبو داود الطيالسى

مبدأ قدومه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة مهاجرا وبناء مسجده

ومعاذ بن معاذ وعبيد الله بن موسى وآخرون. قال أبو حاتم حسن الحديث صالحه يكتب حديثه ووثقه العجلى والنسائي والترمذى والبزّار وابن سعد وابن شاهين وابن حبان وابن معين وقال ابن خراش كان صدوقا وأثنى عليه أحمد وقال الساجى صدوق وعنده مناكير وأحاديث عن الأعمش تفرّد بها. مات سنة أربع وستين ومائة. روى له الجماعة (قوله عن عطية) ابن سعد بن جنادة العوفى أبى الحسن الكوفى. روى عن أبي سعيد الخدرى وابن عباس وأبى هريرة وابن عمر وزيد بن أرقم وآخرين. وعنه فراس بن يحيى والأعمش وحجاج بن أرطاة وفضيل بن مرزوق وغيرهم. قال ابن معين صالح وقال أبو داود ليس بالذى يعتمد عليه وقال أبو زرعة لين وقال فضيل كان ثقة وله أحاديث صالحة وقال أحمد والنسائى والثورى وابن عدى ضعيف زاد ابن عدى يكتب حديثه وكان يعدّ مع شيعة أهل الكوفة وقال أبن سعد كان ثقة إن شاء الله تعالى وله أحاديث صالحة ومن الناس من لا يحتج به وقال أبو حاتم ضعيف يكتب حديثه وحسن له الترمذى أحاديث. قيل توفى سنة إحدى عشرة ومائة وقيل سنة سبع وعشرين ومائة. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله كانت سواريه الخ) أى كانت أعمدته في زمن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من جذوع النخل وسقفه من جريد النخل ثم بليت الأعمدة في زمن أبى بكر رضي الله تعالى عنه فأعادها كما كانت ثم بليت زمن عثمان فبناها بالطوب المحروق فلم يزل كذلك حتى حدّث ابن عمر بهذا الحديث. فالسوارى جمع سارية وهى الأعمدة. والآجر بمدّ الهمزة وضم الجيم وتشديد الراء واحده آجرة فارسى معرّب وهو الطوب المحروق (وظاهره ينافى) ما تقدم من أن عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ جعل عمده من حجارة منقوشة. ويمكن الجمع بأنه جعل بعض الأعمدة من حجارة منقوشة وبعضها من الآجرّ. وقيل إن هذه الرواية ضعيفة لأن فيها عطية ابن سعد العوفى وقد ضعفه غير واحد. ولم يذكر ابن عمر بناء عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لأن بناءه كان كبناء أبى بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فكان فعله كفعله فلذا ذكره مرّة حيث أراد ذكر الزيادة وتركه مرّة حيث لم يرد ذكرها وأما بناء عثمان فكان مغايرا لبنائهم لاعتبار تغيير الآلات والزيادة فاحتاج إلى ذكره (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ فِي عُلُوِّ الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ: لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِينَ

سُيُوفَهُمْ، فَقَالَ أَنَسٌ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ، وَمَلَأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يُصَلِّي، حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ، وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَإِنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ فَقَالَ: «يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا» فَقَالُوا: وَاللَّهِ، لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ، كَانَتْ فِيهِ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ فِيهِ خِرَبٌ، وَكَانَت فِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ، فَنُبِشَتْ وَبِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ، وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مَعَهُمْ، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَهْ ... فَانْصُرِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ» (ش) (قوله عبد الوارث) بن سعيد (قوله عن أبى التياح) هو يزيد بن حميد (قوله قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة) أى أول هجرته إليها لما همّ كفار مكة بقتله وكان قدومه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لثمان خلون من ربيع الأول كما قاله الحاكم، ويقال لاثنتى عشرة خلت من ربيع الأول كما جزم به الكلبي والنووى وابن النجار. وفى نسخة لما قدم (قوله فنزل في علو المدينة) بضم العين المهملة وكسرها لغتان مشهورتان وهى العالية التى من جهة نجد وما كان دون ذلك من جهة تهامة فهى السافلة. وأخذ من نزوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بأعلى المدينة التفاؤل له ولدينه بالرفعة وعلوّ الشأن (قوله في حىّ الخ) بتشديد المثناة التحتية القبيلة وجمعها أحياء (ولما نزل) رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ببنى عمرو بن عوف وكان بين الأوس والخزرج ما كان من العداوة وكانت الخزرج تخاف أن يدخل دار الأوس والأوس تخاف أن يدخل دار الخزرج وكان أبو أمامة أسعد بن زرارة قتل ابنا للحارث يوم بعاث فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أين أسعد بن زرارة فقال سعد بن خيثمة ومبشر ابن عبد المنذر ورفاعة بن عبد المنذر كان يا رسول الله أصاب منا رجلا يوم بعاث فلما كانت ليلة

الأربعاء جاء أسعد إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم متقنعا بين المغرب والعشاء فلما رآه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال يا أبا أمامة جئت من منزلك إلى هنا وبينك وبين القوم ما بينك قال أبو أمامة لا والذى بعثك بالحق ما كنت لأسمع بك في مكان إلا جئت ثم بات عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى أصبح ثم غدا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لسعد بن خيثمة ورفاعة ومبشر ابنى عبد المنذر أجيروه قالوا أنت يا رسول الله أجره فجوارنا في جوارك فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يجيره بعضكم فقال سعد بن خيثمة هو في جوارى ثم قالت الأوس يا رسول الله كلنا له جار فكان أسعد بن زرارة بعد يغدو ويروح إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله فأقام فيهم أربع عشرة ليلة) وعن عويمر بن ساعدة لبث فيهم ثمانى عشرة ليلة وفى رواية للبخارى فلبث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بنى عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذى أسس على التقوى وصلى فيه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وروى يونس بن بكير عن المسعودى عن الحكم بن عتيبة قال لما قدم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنزل بقباء قال عمار بن ياسر ما لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بدّ من أن يجعل له مكانا يستظل به إذا استيقظ ويصلى فيه فجمع حجارة فبنى مسجد قباء فهو أول مسجد بنى بالمدينة وهو في أول مسجد صلى فيه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأصحابه جماعة ظاهرا وأول مسجد بنى لجماعة المسلمين عامة وإن كان قد تقدم بناء غيره من المساجد (وروى) ابن أبى شيبة عن جابر قال لقد لبثنا بالمدينة قبل أن يقدم علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بسنين نعمر المساجد ونقييم الصلاة. فهذه الرواية تدلّ على أن المسجد الذى أسس على التقوى هو مسجد قباء (وروى) مسلم من طريق عبد الرحمن ابن أبي سعيد عن أبيه سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن المسجد الذى أسس على التقوى فقال هو مسجدكم هذا (ولأحمد) والترمذى من وجه آخر عن أبى سعيد اختلف رجلان في المسجد الذى أسس على التقوى فقال أحدهما هو مسجد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال آخر هو مسجد قباء فأتيا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسألاه عن ذلك فقال هو هذا وفى ذلك "يعنى مسجد قباء" خير كثير. وهذا السؤال صدر ممن ظهرت له المساواة بين المسجدين في اشتراكهما في أن كلا منهما بناه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلذلك سئل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عنه فأجاب بأن المراد مسجده (قال) في الفتح يحتمل أن تكون المزية لما اتفق من طول إقامته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمسجد المدينة بخلاف مسجد قباء فما أقام به إلا أياما قلائل وكفى بهذا مزية والحق

أن كلا منهما أسس على التقوى وقوله تعالى في بقية الآية "فيه رجال يحبون أن يتطهروا" يؤيد كون المراد مسجد قباء. وعند أبى داود بإسناد صحيح عن أبى هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال نزلت هذه الآية في أهل قباء فيه رجال يحبون أن يتطهروا. وعلى هذا فالسرّ في جوابه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأن المسجد الذى أسس على التقوى مسجده دفع توهم أن ذلك خاصّ بمسجد قباء اهـ (قوله ثم أرسل إلى بني النجار) هم قبيلة كبيرة من الأنصار والنجار أبو هذه القبيلة واسمه تيم اللات ولقب بالنجار لأنه كما قيل اختتن بالقدوم وإنما دعا بني النجار لأنهم كانوا أخوال عبد المطلب (قوله متقلدين سيوفهم) كذا في رواية الأكثر بثبوت النون ونصب السيوف. وفي رواية متقلدى سيوفهم بالإضافة. والتقليد جعل نجاد السيف على المنكب (قوله فقال أنس الخ) مرتب على محذوف أى جاء بنو النجار متقلدين سيوفهم وسار بهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من بني عمرو بن عوف إلى المدينة فقال أنس فكأني أنظر إلى أبي بكر وهو خلفه. وأردفه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تشريفا له وإشارة إلى عظيم قدره وإلا فقد كان لأبى بكر ناقة أخرى هاجر عليها (قوله وملأ بني النجار حوله الخ) أي أشراف بني النجار ورؤساؤهم سائرون حوله. وسموا بذلك لأنهم ملأى بالرأى والغنى وكأنهم مشوا معه صلى الله عليه وآله وسلم متقلدين بسيوفهم أدبا وتشريفا حتى ألقي بفناء أى نزل في فناء دار أبى أيوب خالد بن زيد الأنصارى. والفناء بكسر الفاء فضاء أمام الدار وجمعه أفنية (وروى) أن الناقة لما بركت عند باب أبى أيوب جعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يريد أن ينزل عنها فتحلحل فطاف بها أبو أيوب فوجد جبار بن صخر ينخسها برجله فقال له أبو أيوب يا جبار عن منزلى تنخسها أما والذى بعثه بالحق لولا الإسلام لضربتك بالسيف فنزل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منزل أبى أيوب وقرّ قراره واطمأنت داره (وعن) عمارة بن خزيمة أنه قال لما كان يوم الجمعة وارتفع النهار دعا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم براحلته وحشد المسلمون ولبسوا السلاح وركب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ناقته القصوى والناس معه عن يمينه وعن شماله وخلفه منهم الراكب والماشي فاعترضنا الأنصار فما مرّ بدار من دورهم إلا قالوا هلمّ يا رسول الله إلى العزّة والمنعة والثروة فيقول لهم خيرا ويدعو ويقول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خلوا سبيلها فإنها مأمورة وقد أرخى لها زمامها وما يحركها وهى تنظر يمينا وشمالا والناس كنفيها حتى بركت على باب مسجده ثم ثارت وهو عليها فسارت حتى بركت على باب أبى أيوب الأنصارى ثم التفتت يمينا وشمالا ثم ثارت وبركت في مبركها الأول وألقت جرانها "أى مقدّم عنقها" بالأرض فنزل عنها وقال هذا المنزل إن شاء الله تعالى فاحتمل أبو أيوب رحله وأدخله بيته فاختار الله لنبيه صلى الله

تعالى عليه وعلى آله وسلم ما كان يحبه فقد كان يحب النزول على بني النجار لنسبه فيهم. وقد صحّ عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه قال خير دور الأنصار دار بنى النجار فهم أوسط دور الأنصار وأخوال عبد المطلب. واستمرّ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في منزل أبى أيوب حتى بنى فسجده ومساكنه. قيل كانت إقامته عنده شهرا (قوله يصلى حيث أدركته الصلاة) أى في المكان الذى أدركه فيه وقت الصلاة، وفي رواية البخارى وكان يحب أن يصلى حيث أدركته الصلاة (قوله وإنه أمر ببناء المسجد) أى أمره الله تعالى ببناء مسجد المدينة. وإن بكسر الهمزة لأنه كلام مستقل. وأمر بالبناء للمجهول. ويحتمل أن يكون مبنيا للمعلوم والضمير في إنه للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. والمسجد بكسر الجيم وفتحها الموضع الذى يسجد فيه. وفي الصحاح المسجد بفتح الجيم موضع السجود وبكسرها البيت الذى يصلى فيه (قوله فأرسل إلى بني النجار الخ) وفى رواية الشيخين فأرسل إلى ملأ بنى النجار فقال يا بني النجار فهو عطف على محذوف أى فجاءوا فقال يا بنى النجار وقد صرح به في رواية مسلم. وقوله ثامنوني بحائطكم هذا أى قدّروا ثمنه وبيعونيه بالثمن يقال ثامنت الرجل في البيع أثامنه إذا قاولته في ثمنه وساومته على بيعه واشترائه اهـ نهاية. والحائط البستان فيه النخيل إذا كان عليه جدار (قوله لا نطلب ثمنه لا إلى الله) أى لا نطلب ثمنه إلا من الله عزّ وجلّ فإلى بمعنى من كما عند الإسماعيلى ويجوز أن تكون لانتهاء الغاية ويكون التقدير ننهى طلب الثمن إلى الله تعالى والمعنى لا نطلب منك الثمن بل نتبرّع به ونطلب الأجر من الله تعالى. وهذا هو المشهور في الصحيحين (وظاهر الحديث) أنهم لم يأخذوا ثمنه منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لكن روى عن الزهرى أن المربد الذى بني فيه المسجد كان لسهل وسهيل ابنى عمرو وأنهما كان في حجر أبى أمامة أسعد بن زرارة وأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال حين بركت ناقته هذا المنزل إن شاء الله تعالى ثم دعا اليتيمين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا فقالا بل نهبه لك يا رسول الله فأبى أن يقبله هبة حتى ابتاعه منهما ثم بناه مسجدا (وروى) الواقدى أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اشتراه من بنى عفراء بعشرة دنانير ذهبا دفعها أبو بكر (وروى) أن أسعد بن زرارة عوّض الغلامين نخلا له في بني بياضة (وروى) أيضا أن أبا أيوب قال هو ليتيمين وأنا أرضهيما فأرضاهما (وروى) مثله أيضا عن معاذ بن عفراء (وطريق) الجمع بين رواية الباب ورواية الزهرى أنهم لما قالوا لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تعالى سأل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عمن يختص بملكه منهم فعينوا له الغلامين فابتاعه منهما (ويجمع) بين رواية الواقدى وما بعدها بأن أبا بكر رغب في الخير كما رغب فيه أسعد وأبو أيوب ومعاذ بن عفراء فدفع أبو بكر العشرة ودفع كل من أولئك ما دفع فاشتركوا في الثمن (قوله وكان فيه الخ) أى كان في الحائط الذى بنى في مكانه المسجد خرب

الكلام في جعل قبور المشركين مساجد وقبور المسلين أيضا إذا اندرست وفي اتخاذها مساكن ومزارع

بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء جمع خربة ككلم وكلمة كما قاله ابن الجوزى وهو مضبوط في بعض النسخ كذلك. ويجوز أن يكون بكسر الخاء وفتح الراء جمع خربة كعنب وعنبة وهو ما يهدم من البناء (وقال) الخطابى لعلّ صوابه خرب بضم الخاء جمع خربة بضمها أيضا وهي الخروق في الأرض إلا أنهم يقولونها في كل ثقبة مستديرة في أرض أو جدار. أو لعل الرواية جرف جمع جرفة. وأبين منه إن ساعدته الرواية حدب جمع حدبة لقوله فسوّيت وإنما يسوى المحدودب أو الخروق في الأرض وأما الخرب فإنها تعمر ولا تسوى اهـ (قال القاضى) عياض هذا التكلف لا حاجة إليه فإن الذى في الرواية صحيح المعنى لأنه كما أمر بقطع النخل لتسوية الأرض أمر بالخرب فرفعت رسومها وسوّيت مواضعها لتصير جميع الأرض مبسوطة مستوية للمصلين. وفي مصنف ابن أبى شيبة فأمر بالحرث فحرث. وهو الذى قاله ابن الأثير إنه روى بالحاء المهملة وبالثاء المثلثة يريد الموضع المحروث للزراعة (قوله فنبشت) أى كشفت وأخرج ما فيها من العظام والصديد. وأمر بنبشها لأنهم لا حرمة لهم "فإن قيل" كيف اشترى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبور المشركين وأمر بنبشها والقبر مختص بمن دفن فيه فلا يجوز بيعه ولا نقله عنه "قيل" إن ذلك مختص بقبور المسلمين لا الكفار. أو يقال إنه دعت الضرورة والحاجة إلى نبش قبورهم فأمر به لذلك. والأول أظهر (وبهذا الحديث) احتج من أجاز نبش قبور الكفار لتتخذ مكانها مساجد. وبما سيأتى للمصنف عن عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا قبر أبي رغال وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه فابتدره الناس فاستخرجوا الغصن. وقالوا إذا جاز نبشها لطلب المال فنبشها للانتفاع بمواضعها في المساجد أولى وليس حرمتهم موتى بأعظم منها أحياء بل هو مأجور في مثل ذلك (وقال) الأوزاعي لا يفعل لأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما مرّ بالحجر قال لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا إلا أن تكونوا باكين فنهى أن ندخل عليهم بيوتهم فكيف قبورهم اهـ (وردّ بأن) ما قاله قياس معارض للنصّ فلا يعوّل عليه (وأما بناء المساجد) في مقابر المسلمين فلا يجوز ما لم تندرس فإذا اندرست جاز ذلك (قال) ابن القاسم من المالكية لو أن مقبرة من مقابر المسلمين عفت فبنى قوم عليها مسجدا لم أر بذلك بأسا وذلك لأن المقابر وقف من أوقاف المسلمين لدفن موتاهم لا يجوز لأحد أن يملكها فإذا درست واستغنى عن الدفن فيها جاز صرفها إلى المسجد لأن المسجد أيضا وقف من أوقاف المسلمين لا يجوز تمليكه لأحد وما هو لله فلا بأس أن يستعان ببعضه في بعض (وقال) ابن وهب منهم أيضا إن المقبرة إذا ضاقت عن الدفن تحرث "أى تزرع" بعد عشر سنين (وقال) ابن الماجشون

منهم أيضا المقبرة إذا ضاقت عن الدفن وبجانبها مسجد ضاق بأهله لا بأس أن يوسع المسجد ببعضها والمقبرة والمسجد حبس على المسلمين (وقالت) الحنابلة إذا صار الميت رميما جازت زراعة المقبرة وحرثها والبناء عليها وإلا فلا يجوز (وقال) العينى من الخنفية ذكر أصحابنا أن المسجد إذا خرب ودثر ولم يبق حوله جماعة والمقبرة إذا عفت ودثرت تعود ملكا لأربابها فإذا عادت ملكا يجوز أن يبنى موضع المسجد دار وموضع المقبرة مسجد وغير ذلك فإن لم يكن لها أرباب تكون لبيت المال اهـ (وقالت) الشافعية يكره البناء في مقبرة غير مسبلة ويحرم في المسبلة سواء أكان البناء فوق الأرض أم في باطنها فيجب على الحاكم هدم جميع الأبنية التى في القرافة المسبلة للدفن فيها وهي التى جرت عادة أهل البلد بالدفن فيها لأنه يضيق على الناس ولا فرق بين أن يكون البناء قبة أو بيتا أو مسجدا أو غير ذلك (قوله وبالنخل فقطع) أى أمر بالنخل فقطع. وهو محمول على غير المثمر فإن قطعه جائز مطلقا أو على المثمر لأجل الحاجة (قوله فصفوا النخل قبلة المسجد) وفي نسخة فصفف النخل الخ أى جعلوه سوارى جهة القبلة ليسقف عليها (وعن) الحسن لما أخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بناء المسجد قال ابنوا لى عريشا كعريش موسى ثمامات وخشبات وظلة كظلة موسى والأمر أعجل من ذلك قيل له وما ظلة موسى قال كان إذا قام أصاب رأسه السقف "والثمامات جمع ثمامة وهو نبت يسدّ به خصاص البيوت" (وروى) أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى فيه وهو عريش اثنى عشر يوما ثم بناه باللبن وسقفه (وروى) أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال له يا محمد إن الله تعالى يأمرك أن تبنى له بيتا وأن ترفع بنيانه بالرهص والحجارة فقال كم أرفعه يا جبريل قال سبعة أذرع. وقيل خمسة أذرع ولما ابتدأ في بنائه أمر بالحجارة وأخذ حجرا فوضعه بيده أوّلا ثم أمر أبا بكر فجاء بحجر فوضعه إلى جنب حجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم عمر كذلك ثم عثمان كذلك ثم عليا نقله السمهودى عن الأقشهرى (وروى) البيهقي وأبو يعلى نحوه وزاد فيه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هؤلاء الخلفاء من بعدى "والرهص الطين الذى يتخذ منه الجدار" ولما أسسوه جعلوا قبلته إلى بيت المقدس وجعلوا طوله مما يلى القبلة إلى مؤخره مائة ذراع وفى الجانبين الآخرين مثل ذلك فهو مربع وقيل كان أولا سبعين ذراعا في ستين ثم لما فتح صلى الله عليه وآله وسلم خيبر زاد عليه مثله وجعل له ثلاثة أبواب باب في مؤخره وباب عاتكة المسمى بباب الرحمة والباب الذى كان يدخل منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المسمى بباب آل عثمان اليوم وهذان البابان لم يغيرا بعد أن صرفت القبلة ولما صرفت القبلة عن بيت المقدس سدّ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الباب الذى كان خلفه وفتح بابا حذاءه (قوله وجعلوا عضادتيه حجارة) أى بنوا جانبى الباب بحجارة. والعضادة بكسر العين المهملة الخشبة التي على كتف الباب (وقال)

الكلام على ما وقع من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من إنشاد الشعر

الأزهرى عضادتا الباب الخشبتان المنصوبتان عن يمين الداخل منه وشماله فوقهما العارضة (قوله وجعلوا ينقلون الصخر) أى صاروا ينقلون الحجارة لأجل تأسيس المسجد (فقد) روى أنهم أسسوه إلى ثلاثة أذرع بالحجارة وكملوه باللبن (وعن) أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه يبنون المسجد فجعل أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يحمل كل رجل منهم لبنة وعمار بن ياسر لبنتين لبنة عنه ولبنة عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقام إليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فمسح ظهره وقال يا ابن سمية لك أجران وللناس أجر وآخر زادك من الدنيا شربة من لبن وتقتلك الفئة الباغية (وما رواه) أحمد عن أبى هريرة أنهم كانوا يحملون اللبن إلى بناء المسجد ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم معهم قال فاستقبلت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو عارض لبنة على بطنه فظننت أنها شقت عليه فقلت: ناولنيها يا رسول الله قال خذ غيرها يا أبا هريرة فإنه لا عيش إلا عيش الآخرة (فكاد) في البناء الثانى لأن أبا هريرة لم يحضر البناء الأول لأن قدومه كان عام خيبر فلا منافاة بينه وبين حديث أم سلمة (قوله وهم يرتجزون) جملة حالية من الضمير في ينقلون أى يقولون رجزا. والرجز بحر من بحور الشعر معروف يكون كل مصراع منه مفردا تسمى قصائده أراجيز واحدها أرجوزة فهو كهيئة السجع إلا أنه في وزن الشعر ويسمى قائله راجزا كما يسمى قائل الشعر شاعرا يقال رجز الرجل يرجز من باب قتل قال شعرا رجز وارتجز مثله (قوله ويقول اللهم) أى وهم يقولون معه ذلك كما في رواية الشيخين فكانوا يرتجزون ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم معهم وهم يقولون اللهم لا خير الخ وفى رواية للبخارى اللهم لا أجر إلا أجر الآخره "ولا يقال" كيف يقول ذلك والشعر محرّم عليه لقوله تعالى "وما علمناه الشعر وما ينبغى له" "لأن ما هنا" سجع لا شعر لأنه غير موزون، وعلى فرض أنه موزون فهو إنشاد من كلام الغير "ففى" رواية للبخارى بعد البيت فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسمّ لى. والمحرّم عليه إنشاؤه لا إنشاده. على أنهم اتفقوا على أن الشعر ما قصد وزنه فإن جرى الموزون على اللسان من غير قصد فليس بشعر وعليه يحمل ما جاء من ذلك عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كقوله: هل أنت إلا أصبع دميت ... وفى سبيل الله ما لقيت وقوله: أنا النبى لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب (قوله فانصر الأنصار والمهاجره) الأنصار جمع نصير كأشراف جمع شريف وناصر كصاحب وأصحاب والاسم النصرة بالضم وسموا بذلك لأنهم أعانوه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على أعدائه. والمهاجره الجماعة المهاجرة الذين هاجروا من مكة إلى المدينة محبة فيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وطلبا للآخرة والهجرة في الأصل اسم من الهجر ضدّ الوصل ثم غلب على الخروج من أرض إلى أرض وترك الأولى

ما دل عليه حديث أنس من مشروعية الهجرة إلى بلاد الإسلام والصلاة في غير المساجد وغير ذلك من المسائل

(فقه الحديث) والحديث يدلّ على مشروعية الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام وعلى جواز الإرداف، وعلى مشروعية التفاف المرءوسين حول الرئيس، وعلى مشروعية الصلاة في أىّ مكان حضرت الصلاة فيه، وعلى جواز الصلاة في مرابض الغنم، وعلى طلب المبادرة ببناء المساجد، وعلى مشروعية البيع والشراء ومنع الغضب، وعلى مشروعية التبرّع لله عزّ وجلّ وعلى جواز نبش قبور المشركين الدراسة وبيعها، وعلى جواز قطع الأشجار المثمرة لأجل الحاجة، وعلى جواز الصلاة في مقابر المشركين بعد نبشها وإخراج ما فيها (قال) الخطابى إن المقابر إذا نبشت ونقل ترابها ولم يبق هناك نجاسة تخالط أرضها فإن الصلاة فيها جائزة وإنما نهى عن الصلاة في المقبرة إذا كان قد خالط ترابها صديد الموتى ودماؤهم فإذا نقلت عنها زال ذلك الاسم وعاد حكم الأرض إلى الطهارة اهـ، ودلّ الحديث أيضا على جواز بناء المساجد موضع قبور المشركين (قال) الخطابى فيه دليل على أن من لا حرمة لدمه في حياته لا حرمة لعظامه بعد مماته اهـ ودلّ أيضا على جواز قول الشعر ولا سيما الرجز للتعاون على الأعمال الشاقة لما فيه من تحريك الهمة وتشجيع النفوس على معالجة الأمور الصعبة، وعلى تواضعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكمال أخلاقه، وعلى أن خير الآخرة هو الخير الدائم دون غيره، وعلى مشروعية الدعاء بالنصر للمسلمين (من روى الحديث أيضا) رواه البخارى ومسلم والنسائى (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ مَوْضِعُ الْمَسْجِدِ حَائِطًا لِبَنِي النَّجَّارِ فِيهِ حَرْثٌ وَنَخْلٌ، وَقُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «ثَامِنُونِي بِهِ» فَقَالُوا: لَا نَبْغِي، فَقُطِعَ النَّخْلُ وَسَوَّى الْحَرْثَ وَنُبَشَ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ: «فَاغْفِرْ» مَكَانَ «فَانْصُرْ». (ش) ساق المصنف هذه الرواية لبيان أنه قد اختلف على أبى التياح في بعض ألفاظه فرواه عنه عبد الوارث باللفظ المتقدم ورواه عنه حماد بن سلمة وقال فيه حرث مكان كانت فيه خرب في رواية عبد الوارث، وفيه فاغفر للأنصار بدل فانصر الأنصار. وأخرج هذه الرواية ابن ماجه من طريق وكيع عن حماد بن سلمة بلفظ كان موضع مسجد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لبنى النجار وكان فيه نخل ومقابر للمشركين فقال لهم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثامنونى به قالوا لا نأخذ له ثمنا أبدا قال فكان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يبنيه وهم يناولونه والنبى صلى الله تعالى عليه على آله وسلم يقول ألا إن العيش عيش

باب اتخاذ المساجد في الدور

الآخره فاغفر للأنصار والمهاجره قال وكان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى قبل أن يبنى المسجد حيث أدركته الصلاة (ص) قَالَ مُوسَى: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، بِنَحْوِهِ، وَكَانَ عَبْدُ الْوَارِثِ، يَقُولُ: خِرَبٌ، وَزَعَمَ عَبْدُ الْوَارِثِ، أَنَّهُ أَفَادَ حَمَّادًا هَذَا الْحَدِيثَ (ش) غرضه من هذا بيان أن شيخه موسى بن إسماعيل رواه من طريق عبد الوارث بن سعيد كما رواه من طريق حماد غير أنه قال فيه خرب كما رواه عنه مسدد وبيان أن حمادا أخذ هذا الحديث عن عبد الوارث كما أخذه عن أبى التياح وهذا هو المراد بقوله وزعم عبد الوارث أنه أفاد حمادا هذا الحديث (باب اتخاذ المساجد في الدور) أى في بيان حكم اتخاذ المساجد في الدور، وفي بعض النسخ باب في المساجد تبنى في الدور وفي بعضها باب ما جاء في المساجد تبنى في الدور (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ» (ش) (قوله زائدة) بن قدامة الثقفى (قوله أمر ببناء المساجد في الدور) جمع دار وهو اسم جامع للبناء والعرصة والمحلة فإنهم كانوا يسمون المحلة التي اجتمعت فيها قبيلة دارا، وعلى هذا فالمساجد جمع مسجد بكسر الجيم. أو هو محمول على اتخاذ بيت في الدار للصلاة كالمسجد يصلى فيه أهل البيت قاله ابن الملك وعليه فالمساجد جمع مسجد بفتح الجيم قال في المرقاة والأول هو المعوّل عليه وعليه العمل "وحكمة" أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أهل كل محلة ببناء مسجد فيها أنه قد يتعذر أو يشق على أهل محلة الذهاب إلى الأخرى فيحرمون فضل المسجد وفضل إقامة الجماعة فيه فأمر بذلك ليتيسر لأهل كل محلة العبادة في مسجدهم من غير مشقة تلحقهم (وذكر) الخطابى أنها البيوت وحكى أيضا أنه يراد بها المحالّ التي فيها الدور (قال) العينى الظاهر أن المراد بها ما قاله الخطابى لورود النهى عن اتخاذ البيوت مثل المقابر (وفيه حجة) لأصحابنا أن المكان لا يكون مسجدا حتى يسبله صاحبه وحتى يصلي الناس فيه جماعة ولو كان

الأمر يتمّ فيه بأن يجعله مسجدا بالتسمية فقط لكانت مواضع تلك المساجد في بيوتهم خارجة عن أملاكهم فدلّ أنه لا يصح أن يكون مسجدا بنفس التسمية ولذلك قال صاحب الهداية إن اتخذ وسط داره مسجدا وأذن للناس بالدخول فيه له أن يبيعه ويورث عنه لأن المسجد ما لا يكون لأحد فيه حق المنع وإذا كان ملكة محيطا بجوانبه كان له حق المنع فلم يصر مسجدا اهـ (قوله وأن تنظف وتطيب) أى أمر أيضا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بإزالة النتن والأقذار. وأمر بتطييبها بالروائح الطيبة لأن لها حرمة لإقامة الصلاة فيها ولتشبهها بالمساجد المطلقة (قال) ابن رسلان تطيب المساجد بطيب الرجال وهو ما خفي لونه وظهر ريحه فإن اللون ربما شغل بصر المصلى. والأولى في تطييب المسجد مواضع المصلين ومواضع سجودهم اهـ ويجوز أن يحتمل التطييب على التجمير ولهذا قال ابن حجر يعلم من الحديث أنه يستحب تجمير المسجد بالبخور خلافا لمالك حيث كرهه فقد كان عبد الله يجمر المسجد إذا قعد عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ على المنبر. واستحب بعض السلف تخليق المسجد بالزعفران والطيب. وروى عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعله اهـ (وقال) الشعبي هو سنة. وأخرج ابن أبى شيبة أن ابن الزبير لما بنى الكعبة طلى حيطانها بالمسك اهـ (فقه الحديث) والحديث يدلّ على مشروعية اتخاذ المساجد في البيوت للصلاة والعبادة وقد ثبت أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اتخذ لبعض أصحابه مسجدا في بيته "فقد" روى البخارى من طريق ابن شهاب قال أخبرني محمود بن الربيع الأنصارى أن عتبان بن مالك وهو من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ممن شهد بدرا من الأنصار أنه أتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله قد أنكرت بصرى وأنا أصلى لقومى فإذا كانت الأمطار سال الوادى الذى بينى وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلى بهم ووددت يا رسول الله أنك تأتينى فتصلى في بيتي فأتخذه مصلى فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سأفعل إن شاء الله تعالى قال عتبان فغدا عليّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار فاستأذن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأذنت له فلم يجلس حين دخل البيت ثم قال أين تحب أن أصلى من بيتك قال فأشرت له إلى ناحية من البيت فقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكبر فقمنا فصففنا فصلى ركعتين ثم سلم "الحديث" ودلّ الحديث على طلب تنظيفها من الأقذار ونحوها، وعلى طلب تعطيرها بما يناسب من أنواع الطيب (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه وأحمد والترمذى مسندا ومرسلا وقال المرسل أصح

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُفْيَانَ، ثَنَا يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ، ثَنِي خُبَيْبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ أَبِيهِ سَمُرَةَ، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى بَنِيهِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «كَانَ يَأْمُرُنَا بِالْمَسَاجِدِ أَنْ نَصْنَعَهَا فِي دَوْرِنَا، وَنُصْلِحَ صَنْعَتَهَا وَنُطَهِّرَهَا» (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن داود بن سفيان) روى عن عبد الرزاق ويحيى بن حسان وعنه أبو داود. قال في التقريب مقبول من الحادية عشرة (قوله يحيى يعنى ابن حسان) بن حيان أبو زكرياء البصرى. روى عن الليث بن سعد ومعاوية بن سلام ووهيب بن خالد والحمادين وغيرهم وعنه الشافعى ودحيم وأحمد بن صالح ومحمد بن مسكين وكثيرون. وثقه أحمد والعجلى والنسائى وابن يونس وابن حبان والبزّار وقال أبو حاتم صالح الحديث. توفى بمصر سنة ثمان ومائتين عن أربع وستين سنة. روى له البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائى (قوله سليمان بن موسى) أبو داود الزهرى الخراسانى الأصل سكن الكوفة ثم تحوّل إلى دمشق. روى عن موسى بن عبيدة ودلهم بن صالح ومسعر بن كدام وجعفر بن سعد وغيرهم. وعنه الوليد بن مسلم وهشام بن عمار ويحيى بن حسان. قال أبو حاتم محله الصدق صالح الحديث وقال، مروان بن محمد كان ثقة وقال أبو داود ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات وذكر العقيلى عن البخارى أنه قال منكر الحديث وحكى ابن عساكر أن أبا زرعة ذكره في الضعفاء (قوله جعفر بن سعد بن سمرة) ابن جندب الفزارى أبو محمد. روى عن ابن عمه خبيب بن سليمان وسليمان بن موسى وعبد الجبار ابن العباس وصالح بن أبى عنيقة. ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن حزم مجهول وقال عبد الحق في الأحكام ليس ممن يعتمد عليه وقال ابن عبد البرّ ليس بالقوى. روى له أبو داود (قوله خبيب) بالتصغير (ابن سليمان) بن سمرة بن جندب الفزارى أبو سليمان الكوفى. روى عن أبيه عن جده. وعنه ابن عمه جعفر بن سعد. ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن حزم مجهول وقال عبد الحق ليس بقوى وقال الذهبى لا يعرف. روى له أبو داود (قوله عن أبيه سليمان بن سمرة) بن جندب الفزارى. روى عن أبيه. وعنه ابنه خبيب وعلى بن ربيعة. وثقه ابن حبان وقال ابن القطان حاله مجهول. روى له أبو داود (قوله عن أبيه سمرة) هو ابن جندب الصحابى الفزارى (معنى الحديث) (قوله كان يأمرنا بالمساجد أن نصنعها الخ) أى كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأمرنا باتخاذ المساجد في بيوتنا أو في المحالّ التى فيها دورنا وأن نصلح صنعتها

باب في السرج في المساجد

ونتقنها ونجعل لها ما يميزها عن غيرها من البيوت وننظفها عن الأقذار ونحوها. والأمر ليس للوجوب بل بمعنى الإذن لأن مبناه دفع المشقة عنهم إذا ذهبوا إلى جهة أخرى للصلاة فيها (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والترمذى وصححه بلفظ أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن نتخذ المساجد في ديارنا وأمرنا أن ننظفها (باب في السرج في المساجد) أى في بيان مشروعية اتخاذ السرج في المساجد، وفى بعض النسخ باب ما جاء في السرج في المساجد. والسُّرُج بضمتين جمع سراج وهو المصباح (ص) حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، ثَنَا مِسْكِينٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي سَوْدَةَ، عَنْ مَيْمُونَةَ، مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ: «ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ» وَكَانَتِ الْبِلَادُ إِذْ ذَاكَ حَرْبًا، «فَإِنْ لَمْ تَأْتُوهُ وَتُصَلُّوا فِيهِ، فَابْعَثُوا بِزَيْتٍ يُسْرَجُ فِي قَنَادِيلِهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله النفيلى) هو عبد الله بن محمد. و (مسكين) بن بكير أبو عبد الرحمن الحرّانى الحذّاء. روى عن جعفر بن برقان وثابت بن عجلان ومالك والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز. وعنه أحمد والنفيلى ونصر بن عاصم وعمرو بن خالد وغيرهم. قال أحمد لا بأس به لكن في حديثه خطأ، وقال ابن معين وأبو حاتم لا بأس به زاد أبو حاتم كان صالح الحديث يحفظه. وقال ابن عمار يقولون إنه ثقة ولم أسمع منه شيئا وذكره ابن حبان وابن شاهين في الثقات وقال أبو أحمد الحاكم له مناكير كثيرة. مات سنة ثمان وتسعين ومائة. روى له الجماعة إلا ابن ماجه (قوله زياد بن أبى سودة) أبى المنهال أو أبى نصر المقدسى. روى عن أبي هريرة وأبى الدرداء وميمونة وغيرهم. وعنه ثور بن يزيد وشبيب بن أبى شيبة والأوزاعي وآخرون. قال مروان بن محمد ثقة ثبت وذكره ابن حبان في الثقات روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه (قوله ميمونة) هي بنت سعد كانت خادمة له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. روت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في فضل بيت المقدس وقيل إن التي روت في فضل بيت المقدس ميمونة أخرى غير بنت سعد والأول أصح. روى عنها زياد بن أبى سودة وأخوه عثمان وأبو زيد الضبي وهلال بن أبى هلال وأيوب بن خالد الأنصارى وغيرهم. روى لها أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه

ما دل عليه حديث ميمونة مولانة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من مشروعية شد الرحال إلى بيت المقدس وغير ذلك من الأحكام

(معنى الحديث) (قوله أفتنا في بيت المقدس) لعل مرادها بين لنا هل تحلّ الصلاة فيه بعد أن نسخ التوجه إليه. والمقدس بفتح الميم وكسر الدال مخففة أو بضم الميم وفتح الدال مشددة (قوله ائتوه فصلوا فيه) وفى رواية ابن ماجه قال أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره. والأمر بالإتيان والصلاة فيه للندب (قوله وكانت البلاد الخ) أى بلاد بيت المقدس وقت السؤال كانت دار حرب بين المسلمين والمشركين فلا يستطيع أحد من المسلمين دخوله ولم تفتح إلا في زمن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سنة خمس عشرة من الهجرة (قوله فإن لم تأتوه الخ) أى إن لم يسهل عليكم الإتيان إليه فابعثوا إليه زيتا يوقد فيه. وفي رواية ابن ماجه قلت أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه قال فتهدى له زيتا يسرج فيه فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه (فقه الحديث) والحديث يدلّ على فضيلة بيت المقدس، وعلى مشروعية شدّ الرّحال إليه وأداء الصلاة فيه، وعلى مشروعية إرسال الزيت إلى المساجد للإصباح وإن كانت في غير بلده، وعلى مشروعية إرسال المسلمين زيتا إلى المساجد التي في دار الحرب لينتفع به كل من أراد أداء الصلاة فيه من المسلمين، ومثل الزيت غيره من كل ما فيه منفعة للمساجد، وعلى أنه يطلب من غير العالم بالحكم أن يسأل. عنه من هو عالم به (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه (باب في حصى المسجد) أى في بيان ما يدلّ على إباحة إدخال الحصى في المسجد وعدم إخراجه منه. وفي بعض النسخ باب ما جاء في حصى المسجد (ص) حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ تَمَّامِ بْنِ بَزِيعٍ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ سُلَيْمٍ الْبَاهِلِيُّ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ قال، سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ، عَنِ الْحَصَى الَّذِي فِي الْمَسْجِدِ؟ فَقَالَ: مُطِرْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ مُبْتَلَّةً، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْتِي بِالْحَصَى فِي ثَوْبِهِ، فَيَبْسُطُهُ تَحْتَهُ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ، قَالَ: «مَا أَحْسَنَ هَذَا» (ش) (رجال الحديث) (قوله سهل بن تمام بن بزيع) بفتح الموحدة وكسر الزاى وسكون المثناة التحتية آخره عين مهملة أبو عمرو البصرى. روى عن أبيه والمبارك بن فضالة وصالح بن أبي الجوزاء وقرّة بن خالد وعطية بن بهرام وآخرين. وعنه أبو داود وأبو قلابة وأبو زرعة وأبو حاتم

وغيرهم. قال أبو زرعة لم يكن بكذّاب وكان ربما وهم في الشئ وقال أبو حاتم شيخ وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئُ (قوله عمر بن سليم الباهلى) البصري. روى عن أبى غالب والحسن وقتادة وأبى الوليد وغيرهم. وعنه سهل بن تمام وزيد بن الحباب وعبد الوارث وابنه عبد الصمد. قال أبو زرعة صدوق وقال أبو حاتم شيخ وذكره ابن حبان في الثقات وقال العقيلى غير مشهور يحدّث بمناكير. روى له ابن خزيمة في صحيحه وأبو داود وابن ماجه (قوله عن أبي الوليد) هو عبد الله بن الحارث البصرى التابعى. روى عن ابن عباس وابن عمر وزيد بن أرقم وأبى هريرة وعائشة. وعنه ابنه يوسف وأيوب السختياني وعاصم الأحول وخالد الحذّاء. وثقه النسائى وسليمان بن حرب وابن حبان وأبو زرعة وقال أبو حاتم يكتب حديثه روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله سألت ابن عمر عن الحصى الذى في المسجد الخ) أى عن الحصى الذى هو مفروش في المسجد أهو جائز أم لا فأجابه ابن عمر بما وقع في عهده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأقرّ الصحابة عليه بقوله مطرنا ذات ليلة فجعل الرجل يأتي بالحصى في طرف ثوبه فيفرشه تحته ليصلى عليه احترازا عن التلوّث بالطين وليتمكن من السجود على الوجه الأكمل فلما رأى ذلك صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ما أحسن هذا. والغرض منه مدح فاعليه ولم يكن تعجبا حقيقة لأنه لم يخف بسببه (فقه الحديث) والحديث يدلّ على مشروعية الصلاة على الحصى في المسجد، وعلى أنه لم يكن في المسجد إذ ذاك فراش من حصير ونحوه، وعلى مشروعية مدح الرئيس المرءوس إذا فعل ما هو موافق. وعلى جواز فعل المرءوس ما هو حسن بدون إذن خاصّ من الرئيس (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ، قَالَا: نَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: " كَانَ يُقَالُ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَخْرَجَ الْحَصَى مِنَ الْمَسْجِدِ يُنَاشِدُهُ " (ش) (قوله أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير. و (أبو صالح) ذكوان السمان (قوله كان يقال إن الرجل الخ) أى كانت الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم يتحدثون فيما بينهم بأن الرجل كان إذا أخرج الحصاة من المسجد تسأله بالله وتقسم عليه أن لا يخرجها منه يقال نشدتك الله وأنشدك الله وبالله وناشدتك الله وبالله أى سألتك وأقسمت عليك به (ولعل) الحكمة في مناشدة الحصاة أنها مادامت في المسجد يصلى عليها وتبعد عن القاذورات فإذا أخرجت منه بعدت عن هذا. ومناشدتها يحتمل أن تكون حقيقة بلسان المقال بكيفية لا نعلمها وهو الذى اختاره جمهور السلف في تسبيح الجمادات والحيوانات غير العاقلة. ويحتمل أن تكون بلسان الحال فيكون مجازا تشبيها لها بمن يناشد صاحبه لأمر

باب في حصى المسجد

عرض له. وظاهر المصنف أن الصحابة كانوا يقولون ذلك ولا يروونه مسندا إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. لكن لما كان هذا الأمر لا مدخل للعقل فيه والقائلون به هم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كان مرفوعا حكما (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ، ثَنَا شَرِيكٌ، ثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ أَبُو بَدْرٍ: أُرَاهُ قَدْ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْحَصَاةَ لَتُنَاشِدُ الَّذِي يُخْرِجُهَا مِنَ الْمَسْجِدِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن إسحاق) بن جعفر (أبو بكر) الصاغاني خراساني الأصل سكن بغداد. روى عن أبى عامر العقدى وروح بن عبادة وأبى مسهر والفضل بن دكين وشجاع ابن الوليد وكثيرين. وعنه الجماعة إلا البخارى وأبو بكر بن خزيمة وجماعة. قال الدارقطني ثقة فوق الثقة وقال مسلمة وابن خراش ثقة مأمون وقال الخطيب كان أحد الأثبات المتقنين مع صلابة في الدين واشتهار بالسنة واتساع في الرواية ووثقه أبو حاتم والنسائى وابن حبان وقال ابن أبي حاتم هو ثبت صدوق. مات يوم الخميس لسبع خلون من صفر سنة سبعين ومائتين (قوله أبو بدر شجاع بن الوليد) بن قيس السكوني الكوفى سكن بغداد. روى عن عطاء بن السائب والأعمش وموسى بن عقبة وهشام بن عروة وغيرهم. وعنه ابنه الوليد وبقية بن الوليد وأحمد وابن معين وإسحاق بن راهويه وكثيرون. وثقه ابن معين وابن حبان وابن نمير وقال العجلى وأبو زرعة لا بأس به وقال أبو حاتم شيخ ليس بالمتين لا يحتج بحديثه. مات ببغداد سنة أربع أو خمس ومائتين (قوله شريك) هكذا وقع في جميع النسخ شريك بدون ذكر نسبه ولعله شريك بن عبد الله بن أبى شريك النمرى القرشي المدني. قال ابن معين والنسائى ليس به بأس وقال مرّة ليس بالقوى وقال ابن سعد ثقة كثير الحديث وقال أبو داود ثقة وقال ابن الجارود ليس به بأس وليس بالقوى وكان يحيى بن سعيد لا يحدّث عنه وقال الساجى كان يرى القدر وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق يخطئ من الخامسة. مات في حدود الأربعين ومائة (قوله أبو حصين) بفتح الحاء المهملة هو عثمان بن عاصم بن حصين ويقال ابن عاصم بن زيد بن كثير ابن زيد بن مرّة الأسدى الكوفى. روى عن ابن عباس وأنس وابن الزبير وجابر بن سمرة وأبى سعيد الخدرى وكثيرين. وعنه سعد بن طارق وشعبة والسفيانان وقيس بن الربيع وطائفة وثقه ابن معين وأبو حاتم ويعقوب بن شيبة والنسائى وابن خراش وابن حبان وقال ابن عبد البرّ أجمعوا على أنه ثقة حافظ وعدّه ابن مهديّ في أثبات أهل الكوفة الذين من اختلف عليهم يكون

باب في كنس المساجد

مخطئا وقال أحمد كان صحيح الحديث، وقال العجلى كان شيخا عاليا صاحب سنة. قيل مات سنة ثمان وعشرين ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله قال أبو بدر أراه الخ) بضم الهمزة أى قال أبو بدر أظنّ أن شريكا حدثنى بهذا الحديث بسنده إلى أبى هريرة وقد رفع الحديث إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله إن الحصاة لتناشد الخ) أى لتسأل وتقسم على الذى يخرجها من المسجد بالله أن لا يخرجها منه. وروى ابن أبى شيبة عن سعيد بن جبير قال الحصاة تسبّ وتلعن من يخرجها من المسجد وروى أيضا عن سليمان بن يسار قال الحصاة إذا أخرجت من المسجد تصيح حتى تردّ إلى موضعها وعن ابن سيرين أنه كان يقول لغلام له أو لخادمه إن وجدت في خفى حصاة فردّها إلى المسجد (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن الحصاة لا تحبّ أن تفارق المسجد الذى هو محلّ العبادة وتستجير بالله عزّ وجلّ أن لا تخرج منه (فانظر) إلى هذه الجمادات وإلى حال غالبنا يضيق ذرعا من بقائه في المسجد وقت الصلاة لا سيما إن صلى مع إمام صلاة صحيحة وربما قطع الصلاة وخرج من المسجد ساخطا على هذا الإمام الذى صلى صلاة موافقة للوارد عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويقول من أمّ بالناس فليخفف لزعمه أن التخفيف هو نقر الغراب الذى يفعله أمثاله وهو لا يسمى صلاة بالإجماع. نعوذ بالله تعالى من غضبه ومقته. ويدلّ الحديث أيضا على التنفير من إخراج الحصى من المسجد. ولعل محله في المساجد غير المفروشة. أما المفروشة فيطلب إخراج الحصى ونحوه منها لما يترتب على بقائه فيها من تعفيش المسجد وضرر المصلى بالسجود عليها (باب في كنس المساجد) وفى نسخة باب فضل كسح المسجد. وفي أخرى باب كنس المسجد (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الْخَزَّازُ، ثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي، فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا»

(ش) (رجال الحديث) (قوله عبد الوهاب بن عبد الحكم الخرّاز) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الزاى الأولى ويقال ابن الحكم بن نافع أبو الحسن الورّاق البغدادى نسائى الأصل روى عن معاذ بن معاذ وحجاج بن محمد ويزيد بن هارون وعبد المجيد بن عبد العزيز. وعنه ابنه الحسن وأبو داود والترمذى. والنسائى وابن ماجه وأبو بكر بن أبى الدنيا وغيرهم. وثقه النسائى وابن حبان والدارقطنى والخطيب وقال أحمد قلّ أن يرى مثله. مات سنة خمسين أو إحدى وخمسين ومائتين (قوله عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبى روّاد) بفتح الراء وتشديد الواو المكي مولى المهلب. روى عن أبيه وأيمن بن نابل ومعمر بن راشد وابن جريج والليث بن سعد. وعنه شريح بن يونس والشافعى وأحمد والزبير بن بكار وموسى بن طارق وكثيرون. قال ابن معين ثقة كان يروى عن قوم ضعفاء وكان يعلن بالإرجاء وقال أبو حاتم ليس بالقوى يكتب حديثه وقال الدارقطنى لا يحتج به وقال أحمد ثقة وكان فيه غلوّ في الإرجاء وقال أبو داود ثقة وكان مرجئا داعية في الإرجاء وأهل خراسان لا يحدّثون عنه وقال أبو أحمد الحاكم ليس بالمتين عندهم وقال الخليل ثقة ولكنه أخطأ في أحاديث وقال ابن حبان كان يقلب الأخبار ويروى المناكير عن المشاهير فاستحقّ الترك. روى له مسلم مقرونا بهشام بن سليمان. مات سنة ست ومائتين. روى له أبو داود والترمذى والنسائى. و (ابن جريج) هو عبد الملك بن عبد العزيز (قوله المطلب بن عبد الله ابن حنطب) بن الحارث بن عبيد أبى الحكم القرشي المخزومى المدنى. روى عن أبيه وعمر بن الخطاب وابنه عبد الله وابن عباس وأنس وأبى هريرة وأبى موسى. وعنه ابنه عبد العزيز ومحمد بن عباد وابن جريج والأوزاعي. قال ابن سعد كان كثير الحديث ولا يحتج بحديثه لأنه يرسل عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كثيرا وليس له لقىّ وعامة أصحابه يدلسون وقال الدارقطنى وأبو زرعة ويعقوب بن سفيان ثقة. روى له أبو داود والتزمذى والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله عرضت عليّ أجور أمتى) أى أطلعنى الله عزّ وجلّ على ثواب أمتي وفى رواية مسلم عرضت عليّ أعمال أمتى حسنها وسيئها الخ ولا منافاة بينهما لأن كلا من الأعمال وجزائها يعرض عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعرض الأعمال كناية عن إحاطة علمه بها. ويجوز أن يكون على وجه الحقيقة بأن تكون عرضت عليه الأعمال الحسنة في صور حسان والأعمال السيئة في صور رديئة كما توزن الأعمال يوم القيامة (قوله حتى القذاة الخ) أى حتى أجر إخراج القذاة من المسجد. وحتى عاطفة والقذاة مبتدأ وجملة يخرجها خبر. والقذاة ما يقع في العين والماء والشراب من تراب أو تبن أو وسخ. وهذا مبالغة في الحثّ على تنظيف المساجد لأنه إذا حصل الأجر لمن يخرج القذاة منه فالذى يكنسه ويزيل ترابه وغباره وينظفه عن الأقذار والأوساخ الكثيرة بالطريق الأولى أن يكون له أجور كثيرة (قال) ابن رسلان فيه

الترهيب من نسيان شيء من القرآن بعد حفظه

ترغيب في تنظيف المساجد مما يحصل فيها من القمامات القليلة فإنها تكتب في أجورهم وتعرض على نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم وإذا كتب هذا القليل وعرض فليكتب الكبير ويعرض بالأولى ففيه تنبيه بالأدنى على الأعلى اهـ وعدّ إخراج القذاة التي لا يؤبه لها من الأجور تعظيما لبيت الله عزّ وجلّ وكأن مخرج القذاة من المسجد عدّ الحقير عظيما بالنسبة إلى الله العظيم (قوله فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية الخ) أى من ذنب نسيان سورة من القرآن أو آية منه. والسورة الطائفة من القرآن المعبر عنها بسورة كذا التى أقلها ثلاث آيات. وواوها إما أن تكون أصلية أو منقلبة عن همزة فإن كان الأول فيكون منقولا من سور المدينة لأنها طائفة من القرآن محدودة على انفرادها أو لأنها محتوية على فنون من العلم وأجناس من الفوائد كاحتواء سور المدينة على ما فيها. وإن كان الثاني فلأنها قطعة وطائفة من القرآن كالسؤر الذى هو البقية من الشئ والفضلة. والآية في الأصل العلامة والمراد بها هنا طائفة من القرآن أقلها ستة أحرف وأصلها أوية بالتحريك قلبت الواو ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها فصارت آية والنسبة إليها أووى وجمعها آى وآيات (قوله ثم نسيها) أى بعد ما حفظها لأن مدار الشريعة على القرآن فنسيانها كالسعى في الإخلال بها "ولا يقال" إن النسيان لا يؤاخذ العبد عليه "لأن المراد" ترك القرآن عمدا إلى أن أفضى هذا الترك إلى النسيان. وعدّ هذا من أعظم الذنوب تعظيما لكلام الله تعالى وكأن التارك جعل هذا العظيم حقيرا فأزاله الله تعالى عن قلبه جزاء له جزاء وفاقا "ولا يقال" كيف يكون هذا من أعظم الذنوب وقد ورد في الصحيح أىّ الذنب أعظم عند الله تعالى قال أن تجعل لله ندّا وهو خلقك ثم ذكر قل الولد مخافة الفقر ثم الزنا بحليلة الجار "لأن التفضيل" بالنسبة إلى ما تحته من الذنوب لا مطلقا إذ هناك ما هو أعظم منه كالكفر (وقال) في المرقاة التفضيل فيه بالنسبة للذنوب الصغائر لأن نسيان القرآن بعد الحفظ ليس بذنب كبير إن لم يكن من استخفافه وقلة تعظيمه للقرآن وإنما قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا التشديد العظيم تحريضا منه على مراعاة حفظ القرآن اهـ (ويحتمل) أن المراد بنسيانها الإعراض عنها وعدم الإيمان بها كما قال جمهور المفسرين في قوله تعالى "كذلك أتتك آياتنا فنسيتها" وعلى هذا فلا إشكال في الحديث ولا يصح الاستدلال بهذه الآية على أن من حفظ القرآن ثم نسيه يحشر يوم القيامة أعمى لأن هذا اختلف فيه العلماء (فذهب) مالك إلى أن حفظ الزائد عما تصح به الصلاة من القرآن مستحب أكيدا ابتداء ودواما فنسيانه مكروه (وذهب) الشافعى إلى أن نسيان كل حرف منه كبيرة تكفر بالتوبة والرجوع إلى حفظه (وظاهر) مذهب الحنابلة أن نسيانه من الكبائر (وقالت) الحنفية نسيانه كله أو بعضه ولو آية كبيرة وإنما قال أوتيها دون حفظها إشعارا بأنها كانت نعمة جسيمة أولاه الله تعالى إياها ليشكرها فلما نسيها كان قد كفر تلك النعمة فبالنظر إلى هذا المعنى

باب في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال

كان أعظم جرما وإن لم يعدّ من الكبائر (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن الله تعالى يطلع نبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ما شاء، وعلى أن الله عزّ وجلّ لا يضيع أجر من عمل خيرا ولو قلّ، وعلى الحثّ على تنظيف المساجد وإخراج القمامة منها وإن قلت، وعلى عظم ذنب من نسي شيئا من القرآن بعد حفظه أو ترك العمل به (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه وابن خزيمة وصححه والترمذى وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه قال وذاكرت به محمد بن إسماعيل يعني البخارى فلم يعرفه واستغربه قال محمد ولا أعرف للمطلب بن عبد الله سماعا من أحد من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا قوله حدثنى من شهد خطبة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول لا نعرف للمطلب سماعا من أحد من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال عبد الله وأنكر علىّ بن المدينى أن يكون المطلب سمع من أنس اهـ ملخصا قال العينى قد ذكر صاحب الكمال أنه روى عن أنس اهـ (باب في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال) أى في بيان طلب اعتزال النساء عن الرجال أثناء الدخول في المساجد والخروج منها للصلاة فيها. وفي بعض النسخ باب ما جاء في اعتزال النساء (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَبُو مَعْمَرٍ، ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ»، قَالَ نَافِعٌ: فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ، حَتَّى مَاتَ، وَقَالَ غَيْرُ عَبْدِ الْوَارِثِ: قَالَ عُمَرُ: وَهُوَ أَصَحُّ. (ش) (قوله عبد الوارث) بن سعيد. و (أيوب) بن أبى تميمة كيسان السختياني (قوله لو تركنا هذا الباب للنساء) أى باب المسجد الذى أشار إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو الباب الذي فتحه إلى جهة بيت المقدس بعد تحويل القبلة. وجواب لو محذوف والتقدير لو تركنا هذا الباب للنساء لكان حسنا وذلك لئلا يختلط الرجال بالنساء في الدخول والخروج إذا حضرن المسجد لصلاة الجماعة فتحصل الفتنة. فينبغى أن يجعل في المساجد باب مخصوص للنساء يدخلن ويخرجن منه وإلا فيحترزن عن الاختلاط بهم. ومحلّ جواز ذهابهنّ إلى المساجد إن أمنت الفتنة وإلا فيمنعن من حضور المساجد كما قالت عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعه نساء بنى إسرائيل رواه المصنف في باب التشديد في ذلك "أى

في خروج النساء إلى المسجد" (قوله فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات) أى لم يدخل عبد الله ابن عمر من هذا الباب الذى أشار إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى أن مات رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُلأنه فهم من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لو تركنا هذا الباب الخ نهى الرجال عن دخولهم من هذا الباب وهو كان أشدّ اتباعا للسنة. وظاهر هذا أن غير ابن عمر من الصحابة كان يدخل من هذا الباب وهو إن ثبت فمحمول على غير أوقات الصلاة أو أنهم لم يسمعوا من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهيا صريحا في ذلك (قوله وقال غير عبد الوارث الخ) أى قال غير عبد الوارث ممن روى هذا الحديث في روايته كإسماعيل بن علية قال عمر بن الخطاب لو تركنا هذا الباب الخ بجعل الحديث من مسند عمر موقوفا عليه وإسقاط ابن عمر فهو منقطع وهو أصحّ. وأيد المصنف هذا بذكر الروايتين الآتيتين (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ أَعْيَنَ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فذكر مَعْنَاهُ، وَهُوَ أَصَحُّ (ش) (قوله فذكر معناه) أى ذكر إسماعيل بن علية عن أيوب السختياني معنى الحديث المتقدم الذى رواه عبد الوارث عن أيوب غير أن حديث عبد الوارث وحديث إسماعيل موقوف على عمر. وصحح المصنف الوقف. ولعل وجه تصحيحه ما ذكره عن نافع من أن عمر كان ينهى الرجال عن الدخول من باب النساء. لكن هذا الترجيح غير مسلم فإن رواية الرفع فيها عبد الله بن عمرو وعبد الوارث وكلاهما ثقتان ثبتان فلا ترجح رواية الوقف عليه، على أن الترجيح يحتاج إلى أن يكون بينهما معارضة وليس هنا كذلك بل يمكن أن يكون مرفوعا أيضا قاله رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم قاله عمر بن الخطاب ونهى عنه لما رأى من رغبته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيه ولم يكن عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى صريح بل إشارة فنهى عنه سيدنا عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لما رأى في ذلك من المصلحة فإن راوى الحديث قد يسمع الحديث منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم يفتي به ولا يرفعه إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مع أن رواية نافع عن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ منقطعة قال أحمد بن حنبل نافع عن عمر منقطع (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ، ثَنَا بَكْرُ بْنَ مُضَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، «كَانَ يَنْهَى أَنْ يُدْخَلَ مِنْ بَابِ النِّسَاءِ»

باب فما يقوله الرجل عند دخول المسجد

(ش) (قوله بكير) بن عبد الله بن الأشج (قوله كان ينهى أن يدخل الخ) بالبناء للمفعول أى كان عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ينهى الرجال عن الدخول من باب النساء يعنى باب المسجد المخصوص بدخول النساء للصلاة. ونهى عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عن ذلك لما رآه من أن اجتماع الرجال مع النساء عند دخولهنّ من باب واحد ربما أدى إلى الفتنة فينبغى أن يجعل للنساء باب في المسجد خاصّ لدخولهنّ وخروجهنّ دفعا لما يترتب على الاختلاط من الفتنة. وإذا كان هذا بالنسبة لدخولهنّ المساجد وخروجهنّ منها فبالأولى الاحتراز في غيرها (باب فيما يقول الرجل عند دخوله المسجد) وفى بعض النسخ باب ما جاء فيما يقول عند دخول المسجد (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حُمَيْدٍ، أَوْ أَبَا أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: " إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، فَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ " (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن عثمان) التنوخى (الدمشقى) أبو عبد الرحمن روى عن الدراوردى ومروان بن معاوية وسعيد بن بشير وسليمان بن بلال وآخرين. وعنه أبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود وابن ماجه وكثيرون. قال أبو حاتم وأبو مسهر وابن حبان وعثمان الدارمى ثقة وقال دحيم حجة ثقة لم يكن بدمشق في زمانه مثله. ولد سنة أربعين ومائة. ومات سنة أربع وعشرين ومائتين (قوله عبد العزيز) بن محمد (يعنى الدراوردى) نسبة إلى دراورد أصلها درابجرد مدينة بفارس فاستثقلوا أن يقولوا درابجردى فقالوا راوردى (قوله عبد الملك بن سعيد بن سويد) الأنصاري. روى عن أبى حميد أو أبى أسيد وجابر بن عبد الله وأبى سعيد وعنه بكير بن عبد الله وربيعة بن أبى عبد الرحمن وعبد العزيز الدراوردى. قال النسائى ليس به بأس وقال العجلى تابعى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه (قوله سمعت أبا حميد) الساعدى قيل اسمه المنذر وقيل عبد الرحمن بن سعد بن المنذر وقيل اسم جدّه مالك بن سعد بن خالد بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج. روى له عن

رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ستة وعشرون حديثا اتفق الشيخان على ثلاثة وانفرد البخارى بحديث ومسلم بآخر. روى عنه جابر بن عبد الله وعروة بن الزبير وعباس ابن سهل وعمرو بن سليم وعبد الملك إن سعيد وغيرهم. شهد أحدا وما بعدها. روى له الجماعة (قوله أو أبا أسيد) بالشك وهكذا رواية مسلم وفى رواية لابن ماجة عن أبى حميد بدون شك وفى أخرى له عن أبى حميد وأبي أسيد يقولان. وأسيد بضم الهمزة مصغرا. واسم أبى أسيد مالك على الأشهر ابن ربيعة بن البدن بالموحدة وفتح الدال المهملة وكسرها ابن عمرو بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج الأنصارى الساعدى، شهد بدرا. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثمانية وعشرون حديثا اتفق الشيخان على واحد وانفرد البخارى بحديثين ومسلم بحديث. روى عنه أنس بن مالك وأبو سلمة وابنه المنذر وعباس بن سهل وعبد الملك بن سعيد. قيل مات سنة ستين. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله إذا دخل أحدكم المسجد الخ) أى إذا أراد دخوله أو شرع فيه فليسلم على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وليدع بقوله اللهم افتح لى أبواب رحمتك أى سهل لى نعمك وحسانك. وكذا يصلى على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما رواه ابن السني عن أنس قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا دخل المسجد قال بسم الله اللهم صلّ على محمد وإذا خرج قال بسم الله اللهم صلّ على محمد. وما رواه الحاكم وصححه عن أبى هريرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا دخل أحدكم المسجد فليصلّ على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وليقل اللهم أجرنى من الشيطان الرجيم. ويطلب المغفرة أيضا في الدخول والخروج لما رواه ابن ماجه وأحمد عن فاطمة الزهراء رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا دخل المسجد قال بسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لى ذنوبى وافتح لى أبواب رحمتك وإذا خرج قال بسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لى ذنوبى وافتح لى أبواب فضلك. وما رواه الترمذى عن فاطمة بنت الحسين عن جدّتها الكبرى قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال رب اغفر لى ذنوبى وافتح لى أبواب رحمتك وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال رب اغفر لى ذنوبى وافتح لى أبواب فضلك "قال" الترمذى حديث فاطمة حسن وليس إسناده بمتصل وفاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى إنما عاشت فاطمة بعد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أشهرا اهـ (وقال) النووى روينا الصلاة على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند دخول المسجد والخروج منه من رواية ابن عمر اهـ (قوله اللهم إنى أسألك من فضلك) أى من رزقك الحلال (قال) ابن رسلان سؤال الفضل عند الخروج

موافق لقوله تعالى "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله" يعنى الرزق الحلال. وقيل وابتغوا من فضل الله هو طلب العلم. والوجهان متقاربان فإن العلم من رزق الله تعالى لأن الرزق لا يختصّ بقوت الأبدان بل يدخل فيه قوت الأرواح والأسماع وغيرها وقيل فضل الله عيادة المريض وزيارة أخ صالح اهـ وظاهره أنه يقتصر في الخروج على سؤال الفضل لكن تقدم في رواية الترمذى أنه يصلى ويسلم على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويسأل الفضل فيحمل هذا على ما تقدم (ولعل السرّ) في تخصيص الرحمة بالدخول والفضل بالخروج أن من دخل اشتغل بما يقرّ به إلى ثواب ربه وجنته فيناسب ذكر الرحمة وإذا خرج لابتغاء الرزق الحلال ناسب ذكر الفضل كما قال تعالى "فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله" قال في حجة الله البالغة الحكمة في تخصيص الداخل بالرحمة والخارج بالفضل أن الرحمة في كتاب الله أريد بها النعم النفسانية والأخروية كالولاية والنبوة قال تعالى "ورحمة ربك خير مما يجمعون" والفضل على النعم الدنيوية قال تعالى "ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم" وقال تعالى "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله" ومن دخل المسجد إنما يطلب القرب من الله تعالى والخروج وقت ابتغاء الرزق اهـ (فقه الحديث) والحديث يدلّ على استحباب السلام على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وطلب فتح أبواب الرحمة عند دخول المسجد، وعلى استحباب السؤال من فضل الله تعالى عند الخروج منه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى وأحمد وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، قَالَ: لَقِيتُ عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ، فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ حَدَّثْتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»، قَالَ: أَقَطْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِذَا قَالَ: ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ: حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ (ش) (رجال الحديث) (قوله إسماعيل بن بشر بن منصور) أبو بشر السلمى البصرى روى عن أبيه وعبد الرحمن بن مهدى وفضيل بن سليمان وعبد الأعلى بن عبد الأعلى وغيرهم وعنه أبو داود وابن ماجه وإبراهيم بن أبى طالب وكثيرون. ذكره ابن حبان في الثقات وقال

مذهب السلف والخلف في المتشابهات

أبو داود صدوق وكان قدريا. مات سنة خمس وخمسين ومائتين (قوله عقبة بن مسلم) أبا محمد التجيبى المصرى. روى عن عبد الله بن عمرو بن العاصى وابن عمر وعقبة بن عامر وآخرين. وعنه حيوة بن شريح والوليد بن أبى الوليد وحرملة بن عمران وجعفر بن ربيعة وغيرهم. قال العجلى تابعى ثقة ووثقه يعقوب بن سفيان وابن حبان. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه. (معنى الحديث) (قوله بلغنى أنك حدّثت) بالبناء للفاعل (قوله وبوجهه) هذا من المتشابه (وللسلف) والخلف فيه وأمثاله مذهبان مشهوران. فالسلف وهم من قبل الخمسمائة يقولون نؤمن بكل ما ورد من ذلك ولا نتكلم في معناه مع اعتقاد تنزيه الله عزّ وجلّ عن سمات الحوادث لقوله تعالى "ليس كمثله شيء" وهو الأسلم. والخلف وهم من بعد الخمسمائة يؤوّلون جميع المتشابهات فيقولون المراد بالوجه الذات على ما تقتضيه لغة القرآن (قوله الكريم) أى الجواد الذى لا ينفد عطاؤه وهو الكريم المطلق الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل (قوله وسلطانه القديم) أى قهره وقوّته الذى لا أوّل له (قوله من الشيطان الرجيم) أى المبعد عن رحمة الله عزّ وجلّ فيكون من شطن من باب قعد أى بعد عن الحق ووزنه فيعال. أو المهلك بعذاب الله تعالى فيكون من شاط إذا احترق ووزنه فعلان. وهو على الأول مصروف. وعلى الثانى ممنوع من الصرف. والشيطان كل متمرد من الجنّ والإنس والدوابّ كما قاله ابن عباس. والرجيم فعيل بمعنى مفعول مأخوذ من الرجم وهو الرمي بالحجارة والمراد هنا المرجوم بشهب السماء واللعن. وهذا كله خبر معناه الدعاء أى اللهمّ احفظنى من وسوسته وإغوائه وخطواته وخطراته وتسوليه وإضلاله فإنه السبب في الضلالة والغواية والجهالة. ويحتمل أن يكون التعوّذ من صفات الشيطان وأخلاقه من الحسد والكبر والعجب والغرور والإباء والإغواء (وقد جاء) في هذا الباب أذكار كثيرة ومجموعها أن يقال عند الدخول أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم باسم الله والحمد لله اللهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد وسلم اللهم اغفر لى ذنوبى وافتح لى أبواب رحمتك السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، ويقال ذلك أيضا عند الخروج من المسجد غير أنه يقول اللهمّ إنى أسألك من فضلك بدل قوله اللهمّ افتح لى أبواب رحمتك (قوله قال أقطّ الخ) الهمزة للاستفهام أى قال عقبة بن مسلم لحيوة بن شريح أبلغك عنى هذا القدر من الحديث فقط فقال حيوة نعم لم يبلغني إلا هذا المقدار (قوله قال فإذا قال ذلك الخ) أى قال عقبة لم يتمّ الحديث بما ذكرت بل فيه بعده فإذا قال داخل المسجد هذا الدعاء المذكور قال الشيطان حفظ منى بقية اليوم فلا أقدر على أن أوسوس له فيه ويحتمل أن يكون فاعل قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويكون في الكلام حذف بعد قوله قلت نعم تقديره قال عقبة لم يتمّ الحديث بهذا بل تمامه قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإذا قال داخل المسجد هذا الدعاء قال الشيطان حفظ منى بقية اليوم. والمراد به مطلق

باب ما جاء في الصلاة عند دخول المسجد

الوقت (قال) ابن حجر المكي إن أريد حفظه من جنس الشياطين تعين حمله على حفظه من شيء مخصوص وهو الكبائر وإن أريد حفظه من إبليس فقط بقى الحفظ على عمومه فيشمل الصغائر وما يقع منه من الذنوب حاصل من إغواء جنوده اهـ بتصرّف. لكن الظاهر أن اللام في الشيطان للعهد والمراد منه قرينه الموكل بإغوائه وأن القائل ما ذكر من الذكر يحفظ منه في الجملة ذلك الوقت عن بعض المعاصى. وتعيينه عند الله تعالى اهـ من الرقاة (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يتحصن من الشيطان تعليما للأمة، وعلى أن الشيطان له تسلط على بنى آدم، وعلى أن المرجع في دفع المضارّ وجلب المنافع إلى الله عزّ وجلّ (باب ما جاء في الصلاة عند دخول السجد) (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، ثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُصَلِّ سَجْدَتَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجْلِسَ». (ش) (رجال الحديث) (قوله القعنبى) هو عبد الله بن مسلمة (قوله عامر بن عبد الله ابن الزبير) بن العوّام القرشي الأسدى المدنى أبى الحارث. روى عن أبيه وأنس بن مالك وعوف بن الحارث وعمرو بن سليم وغيرهم. وعنه سعيد المقبرى وابن جريج ويحيى الأنصارى ومالك وكثيرون. وثقه ابن معين وأبو حاتم وقال أحمد من أوثق الناس وقال أبو حاتم ثقة صالح وقال العجلى تابعى ثقة وقال ابن سعد كان عابدا فاضلا ثقة مأمونا وقال الخليلى أحاديثه كلها يحتج بها وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان عالما فاضلا. مات سنة إحدى وعشرين ومائة روى له الجماعة إلا الترمذى (قوله عن أبى قتادة) هو الحارث بن ربعى (معنى الحديث) (قوله فليصلّ سجدتين الخ) أى ركعتين تعظيما للمسجد. وفى رواية للبخارى إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين. العدد لا مفهوم له فلا خلاف في أنه لا حدّ لأكثر ما تحصل به تحية المسجد (واختلف) في أقله والصحيح أنه ركعتان فلا تتأدى هذه السنة بأقلّ من ركعتين. ويقوم مقامهما غيرهما من فرض وسنة وطواف (وظاهر الحديث) يدلّ على وجوب صلاة ركعتين تحية المسجد وبه قالت الظاهرية ما عدا ابن حزم فإنه قال بسنيتهما مستدلين بحديث الباب. وبما رواه البخارى ومسلم ويأتي للمصنف ولفظه في باب إذا دخل الرجل

والإمام يخطب من كتاب الجمعة عن جابر وعن أبى صالح عن أبى هريرة قالا جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب فقال له أصليت شيئا قال لا قال صلّ ركعتين تجوّز فيهما (وذهب) الجمهور إلى أنهما سنة قائلين إن الأمر في ذلك للندب مستدلين بحديث ضمام ابن ثعلبة عند البخارى ومسلم والنسائى والمصنف وفيه فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة قال هل علىّ غيرهنّ قال لا إلا أن تطوّع. وبما رواه ابن أبى شيبة عن زيد بن أسلم قال كان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدخلون المسجد ثم يخرجون ولا يصلون. وبما رواه الطحاوى عن عبد الله بن بسر قال كنت جالسا إلى جنبه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الجمعة فجاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اجلس فقد آذيت وآنيت. فأمره بالجلوس ولم يأمره بالصلاة (قال) العينى لو قلنا بوجوبهما لحرم على المحدث الحدث الأصغر دخول المسجد حتى يتوضأ ولا قائل به، فإذا جاز دخول المسجد على غير وضوء لزم منه أنه لا يجب سجودهما عند دخوله اهـ (قال) ابن دقيق العيد جمهور العلماء على عدم الوجوب لهما. ولا شك أن ظاهر الامر الوجوب وظاهر النهى التحريم فمن أزالهما عن الظاهر فهو محتاج إلى الدليل. ولعلهم يفعلون في مثل هذا ما فعلوا في مسألة الوتر حيث استدلوا على عدم الوجوب فيه بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خمس صلوات كتبهنّ الله على العباد، وقول السائل هل علىّ غيرهنّ قال لا إلا أن تطوّع. فحملوا لذلك صيغة الأمر على الندب لدلالة هذا الحديث على عدم وجوب غير الخمس اهـ (وظاهر) الحديث يدلّ أيضا على مشروعية هاتين الركعتين في جميع الأوقات حتى وقت الخطبة وبه قالت الشافعية وابن عيينة وأبو ثور والحميدى وابن المنذر وداود وإسحاق بن راهويه والحسن البصرى ومكحول مستدلين بحديث الباب وأشباهه وبحديث سليك المتقدم. وقالوا إن أحاديث النهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس محمولة على ما لا سبب له من الصلوات واستدلوا أيضا بما يأتي للمصنف في باب الصلاة بعد العصر من حديث أم سلمة وفيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عنهما "أى عن الركعتين بعد العصر" ثم رأيته يصليهما "أى بعد العصر" وقالوا إنه لم يترك التحية في حال من الأحوال بل أمر الذى دخل المسجد وهو يخطب فجلس قبل أن يركع أن يقوم فيركع ركعتين مع أن الصلاة حال الخطبة ممنوعة إلا التحية فلولا شدّة الاهتمام بالتحية في جميع الأوقات لما أمره بها أثناء خطبته (وذهب) ابن سيرين وعطاء بن أبى رباح والنخعى وقتادة وأصحاب الرأى والليث وشريح وسعيد بن عبد لعزيز إلى كراهة تحية المسجد في أوقات النهى وكذا حال الخطبة يوم الجمعة (وذهبت) المالكية إلى كراهتهما في أوقات النهى

وإلى حرمتهما حال الخطبة وحال طلوع الشمس وغروبها. وقاوا إن حديث الأمر بالصلاة عند دخول المسجد عامّ فيخصّ بأحاديث النهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب "ودعوى" أن أحاديث النهى محمولة على ما لا سبب له "لا دليل عليها" "وصلاته" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ركعتى الظهر بعد العصر "مختصة به" لما ثبت عند أحمد وغيره أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما قالت له أم سلمة أفنقضيهما إذا فاتتنا قال لا "ولو سلم" عدم الاختصاص "لما كان" في ذلك إلا جواز قضاء سنة الظهر لا جواز جميع ذوات الأسباب (وأجابوا) عن حديث أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سليكا بصلاة الركعتين بوجوه "الأول" أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنصت له حتى فرغ من صلاته "ويؤيده" ما رواه الدارقطنى من حديث عبيد بن محمد العبدى قال ثنا معتمر عن أبيه عن قتادة عن أنس قال دخل رجل المسجد ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قم فاركع ركعتين وأمسك عن الخطبة حتى فرغ من صلاته قال الدارقطنى أسنده عبيد بن محمد العبدى ووهم فيه. ورواه أيضا أحمد ابن حنبل بسنده إلى معتمر عن أبيه قال جاء رجل والنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب فقال يا فلان أصليت قال لا قال قم فصلّ ثم انتظره حتى صلى. قال وهذا المرسل هو الصواب. ثم أخرج عن أبى معشر عن محمد بن قيس أن النبى صلى الله. تعالى عليه وعلى آله وسلم حين أمره "يعنى سليكا" أن يصلى ركعتين أمسك عن الخطبة حتى فرغ من ركعيه ثم عاد إلى خطبته "قال" وهذا مرسل لا تقوم به الحجة وأبو معشر ضعيف "الثاني" أنه يحتمل أن دخوله كان قبل شروعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الخطبة "وقد" بوّب النسائي في سننه الكبرى على حديث سليك فقال باب الصلاة قبل الخطبة. ثم أخرجه عن ابن الزبير عن جابر قال جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قاعد على المنبر فقعد سليك قبل أن يصلي فقال له النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أركعت ركعتين قال لا قال قم فاركعهما "الثالث" أن ذلك مخصوص بسليك الغطفاني فإنه كان فقيرا فأراد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قيامه لتستشرفه العيون ويتصدّق عليه "ويؤيده" ما رواه الطحاوى عن أبى سعيد أن رجلا دخل المسجد ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المنبر فناداه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فما زال يقول ادن حتى دنا فأمره فركع ركعتين قبل أن يجلس وعليه خرقة خلق ثم صنع مثل ذلك في الثانية فأمره بمثل ذلك ثم صنع مثل ذلك في الجمعة الثالثة فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للناس تصدّقوا فألقوا الثياب فأمره رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأخذ ثوبين فلما كان بعد ذلك أمر الناس أن

يتصدّقوا فألقى الرجل أحدث ثوبيه فغضب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمره أن يأخذ ثوبه (فهذه أجوبة) عن حديث أمر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الداخل المسجد أن يركع ركعتين حال الخطبة (وكلها ضعيفة) يعارضها ما في الدارقطني من حديث جابر بن عبد الله أنه قال جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب يوم الجمعة فجلس قبل أن يصلى فأمره رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يصلى ركعتين ثم أقبل على الناس بوجهه فقال إذا جاء أحدكم إلى الجمعة والإمام يخطب فليصل ركعتين يتجوز فيهما (فهذه) الرواية تنفى الاحتمالات كلها (وأقوى أدلة) من قال بعدم جواز الصلاة حال الخطبة ما رواه الستة والطحاوى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب أنصت فقد لغوت. قالوا فإذا منع من هذه الكلمة مع كونها أمرا بمعروف ونهيا عن منكر في زمن يسير وهو واجب فلأن يمنع من الركعتين مع كونهما مسنونتين وفي زمن طويل من باب أولى (وردّ بأن) هذا قياس في مقابلة النصّ فلا يعوّل عليه (والظاهر من الأدلة) أن من دخل المسجد أىّ وقت يصلى ركعتين ولو حاله الخطبة إلا في أوقات الكراهة (قال) الخطابى إذا دخل المسجد كان عليه أن يصلى ركعتين تحية المسجد قبل أن يجلس وسواء أكان في جمعة أم غيرها كان الإمام على المنبر أم لم يكن لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عمّ ولم يخصّ اهـ (وقال) في النيل التحقيق أنه قد تعارض في المقام عمومان. النهى عن الصلاة في أوقات مخصوصة من غير تفصيل. والأمر للداخل بصلاة التحية من غير تفصيل فتخصيص أحد العمومين بالآخر تحكم. وكذلك. ترجيح أحدهما على الآخر مع كون كلّ واحد منهما في الصحيحين بطرق متعدّدة "إلى أن قال" والمقام عندى من المضايق والأولى للمتورّع ترك دخول المساجد في أوقات الكراهة اهـ ملخصا (وما قاله) فيه نظر فإن العموم في النهى من حيث الصلوات والعموم في الأمر بالصلاة لداخل المسجد من حيث الأوقات فالجهة ليست متحدة فلا تعارض بينهما والحق أن حديث النهى خاص في الأوقات. وحديث الأمر بالصلاة لداخل المسجد عامّ فيها فيحمل العامّ على الخاص وفي ذلك إعمال لكل من الدليلين (وما قاله) من أن الأولى للمتورّع ترك دخول المساجد في أوقات الكراهة "غير مسلم" إذ المساجد مأذون في دخولها في جميع الأوقات (وهل تحية المسجد) تفوت بالجلوس فيه خلاف (فذهبت) الحنفية والمالكية إلى أنها لا تفوت بالجلوس ولو طال وإن كان الجلوس قبلها مكروها لما تقدم في قصة الرجل الذى دخل المسجد فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمره بالصلاة بعد جلوسه. ولما رواه ابن حبان في صحيحه عن أبى ذرّ أنه دخل المسجد فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أركعت ركعتين قال لا قال قم فاركعهما (وذهبت) الحنابلة إلى أنها لا تفوت بالجلوس إلا إذا طال وكذلك قالت الشافعية

مذاهب الفقهاء في تحية المسجد

إن كان الجلوس عن سهو أو نسيان وإلا فاتت به مطلقا (قال) النووى ولا يشرع قضاؤها (وقال) الطبرى يحتمل أن يقال وقتها قبل الجلوس وقت فضيلة وبعده وقت جواز أو يقال وقتها قبله أداء وبعده قضاء (وظاهر الحديث) أيضا أن التحية مشروعة وإن تكرّر دخول المسجد وإلى ذلك ذهبت الشافعية (وذهبت) الحنفية إلى أنه إذا تكرّر دخوله يكفيه ركعتان لها في اليوم (وقالت) المالكية إن تكرّر دخوله كفته الأولى إن قرب رجوعه عرفا وإلا كرّرها (وقالت) الحنابلة تسن تحية المسجد لكل داخل في غير وقت النهي قبل أن يجلس إذا كان متطهرا ولو تكرّر دخوله غير خطيب دخل للخطبة وغير داخل لصلاة عيد وغير قيم للمسجد تكرّر دخوله (قال) ابن دقيق العيد من كثر تردّده إلى المسجد وكرّر هل يتكرّر له الركوع مأمورا به. قال بعضهم لا وقاسه على الخطابين والفكاهين المترددين إلى مكة في سقوط الإحرام عنهم إذا كثر ترددهم. والحديث يقتضى تكرار الركوع بتكرار الدخول. وقول هذا القائل يتعلق بمسأله أصولية وهو تخصيص العموم بالقياس وللأصوليين في ذلك أقوال متعددة اهـ (فوائد) "الأولى" هل يصلى التحية من دخل المسجد لصلاة العيد "الظاهر" من لفظ هذا الحديث أنه يصلى "ولا ينافيه" ما ذكره المصنف في باب الصلاة بعد صلاة العيد من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما كان يصلى قبل العيد ولا بعدها "فإنه محمول" على صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إياها في الصحراء كما كانت عادته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وما صلاها في المسجد إلا لضرورة مطر كما سيأتى بيانه إن شاء الله تعالى (الثانية) يستثنى من عموم طلب تحية المسجد من دخل المسجد الحرام فإن تحيته الطواف إلا إذا أراد الجلوس قبل الطواف فإنه يشرع له أن يصلى التحية (قال) ابن دقيق العيد لفظة المسجد تتناول كل مسجد وقد أخرجوا عنه المسجد الحرام وجعلوا تحيته الطواف فإذا كان في ذلك خلاف فلمخالفهم أن يستدلّ بهذا الحديث. وإن لم يكن فالسبب في ذلك النظر إلى المعنى وهو أن المقصود افتتاح الدخول في محل العبادة بعبادة وعبادة الطواف تحصل هذا المقصود مع أن غير هذا المسجد لا يشاركه فيها فاجتمع في ذلك تحصيل المقصود مع الاختصاص. وأيضا فقد يؤخذ ذلك من فعل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حجته حين دخل المسجد فابتدأ بالطواف على ما يقتضيه ظاهر الحديث واستمر عليه العمل وذلك أخصّ من هذا العموم. وأيضا فإذا اتفق أن طاف ومشى على السنة في تعقيب الطواف بركعتيه وجرينا على ظاهر اللفظ في الحديث فقد وفينا بمقتضاه اهـ "ويستثنى أيضا" خطيب الجمعة إذا دخل المسجد بعد الزوال فإنه يصعد المنبر كما كان يفعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإن دخل قبل الزوال صلاها (الثالثة) قال ابن القيم من هديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن الداخل إلى المسجد يبتدئ بركعتين تحية المسجد ثم يسلم على القوم فتكون تحية المسجد

قبل تحية أهله فإن تلك حقّ الله تعالى والسلام على الخلق حقّ لهم وحق الله تعالى في مثل هذا أحق بالتقديم بخلاف الحقوق المالية فإن فيها نزاعا معروفا. والفرق بينهما حاجة الآدمى وعدم تساع الحقّ المالى لأداء الحقين بخلاف السلام وكانت عادة القوم معه صلى الله عليه وآله وسلم هكذا يدخل أحدهم المسجد فيصلى ركعتين ثم يسلم على النبى صلى الله عليه وآله وسلم "ففي" حديث رفاعة ابن رافع أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بينما هو جالس في المسجد يوما قال رفاعة ونحن معه إذ جاء رجل كالبدوى فصلى فأخف صلاته ثم انصرف فسلم على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعليك السلام ارجع فصلّ فإنك لم تصل "الحديث" فأنكر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليه صلاته ولم ينكر عليه تأخير السلام عليه بعد الصلاة، وعلى هذا فيسنّ لداخل المسجد إذا كان فيه جماعة ثلاث تحيات مرتبة "أحدها" أن يقول عند دخوله باسم الله والصلاة والسلام على رسول الله "ثم يصلى" ركعتين تحية "ثم يسلم" على القوم اهـ (الرابعة) إذا دخل مجتازا لا يطالب بالتحية عند المالكية ويطالب بها عند الجمهور لعموم الأحاديث (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخاري ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه وأحمد والبيهقى والدارقطنى وكذا الأثرم في سننه بلفظ أعطوا المساجد حقها قالوا وما حقها قال تصلوا ركعتين قبل أن تجلسوا (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، نَا أَبُو عُمَيْسٍ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ وزَادَ: «ثُمَّ لِيَقْعُدْ بَعْدُ إِنْ شَاءَ أَوْ لِيَذْهَبْ لِحَاجَتِهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله أبو عميس) بضم العين المهملة مصغرا هو (عتبة بن عبد الله) ابن عتبة بن مسعود الهذلى المسعودى. روى عن أبيه والشعبى وأبي إسحاق وعمرو بن مرّة وكثيرين وعنه محمد بن إسحاق وشعبة وابن عيينة ووكيع وآخرون. قال أحمد وابن معين وابن سعد وابن حبان ثقة وقال أبو حاتم صالح الحديث. روى له الجماعة (قوله عن رجل من بني زريق) قال الحافظ هو عمرو بن سليم الزّرقى ثقة من كبار التابعين اهـ ويدل له الرواية المتقدمة. ومنه تعلم أن قول المنذرى إنه مجهول غير مسلم (معنى الحديث) (قوله نحوه) أى نحو حديث مالك عن عامر (قوله وزاد الخ) أى زاد أبو عميس في حديثه ثم ليقعد بعد أن صلى الركعتين إن شاء القعود أو ليمض إلى حاجته. وهذه الرواية تدل على أن من دخل المسجد ولو مجتازا يطلب منه التحية خلافا

باب في فضل القعود في المسجد

للمالكية القائلين بأنه لا يطالب بها إلا من أراد الجلوس أخذا بمفهوم الحديث المتقدم وبمفهوم ما رواه البخارى بلفظ إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس (باب في فضل القعود في المسجد) أى في بيان الترغيب في الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة وغيرها. وفى بعض النسخ باب فضل القعود في المسجد (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: " الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ، أَوْ يَقُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ " (ش) (قوله عن أبى الزناد) هو عبد الله بن ذكوان. و (الأعرج) هو عبد الرحمن بن هرمز (قوله الملائكة تصلى على أحدكم الخ) أى تدعو له بالمغفرة والرحمة مدّة دوامه في المكان الذى صلى فيه من المسجد يذكر الله تعالى أو ينتظر صلاة أخرى كما في رواية للبخارى. ويحتمل أن المراد بالمصلى المسجد كله ويؤيده ما رواه الترمذى عن أبى هريرة مرفوعا لا يزال أحدكم في صلاة مادام ينتظرها ولا تزال الملائكة تصلى على أحدكم مادام في المسجد. فأفاد أنه لو انتقل إلى موضع آخر من المسجد غير موضع صلاته منه يحصل له ذلك الثواب، ولا فرق في ذلك بين المسجد ومصلى البيت فلو جلست امرأة في مصلى بيتها تنتظر وقت صلاة أخرى لم يبعد أن تصلى عليها الملائكة أيضا لأنها حبست نفسها لأجل الصلاة (قوله ما لم يحدث) بسكون الحاء المهملة وتخفيف الدال المكسورة أى يخرج منه ريح لما يأتى للمصنف أن أبا هريرة لما ذكر الحديث قال له رجل وما الحدث يا أبا هريرة قال يفسو أو يضرط. وانقضى ثواب الانتظار بالحدث لأنه لا يكون متهيئا للعبادة (قال) ابن المهلب معناه أن الحدث في المسجد خطيئة يحرم بها المحدث استغفار الملائكة ودعاءهم المرجو بركته اهـ وظاهر كلامه أن إخراج الريح في المسجد حرام. والجمهور على أنه لا يحرم وأن الأولى اجتنابه لأن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم. ويؤخذ منه أن الحدث الأصغر وإن منع دعاء الملائكة لا يمنع جواز الجلوس في المسجد. وإن جلس فيه لعبادة كاعتكاف أو انتظار صلاة أو ذكر كان مستحبا وإلا فمباحا. وقيل يكره لخبر فإن المساجد لم تبن لهذا رواه المصنف في الباب الآتى من حديث أبى هريرة ولهذا قالوا يكره النوم في المساجد لأنه مظنة خروج الريح (وقال) ابن حجر يجوز النوم فيه بلا كراهة لأن أهل الصفة كانوا يديمون النوم في المسجد اهـ وقيل يكره للمقيم دون الغريب وهو مذهب

مالك وأحمد (وقال) جمع من السلف بكراهته مطلقا (قوله أو يقم) بالجزم عطف على لفظ يحدث وفي نسخة أو يقوم بالرفع عطف على ما لم يحدث باعتبار المعنى (قوله اللهم اغفر له اللهم ارحمه) بيان لصلاة الملائكة عليه. زاد ابن ماجه اللهم تب عليه. والمعنى أن الملائكة تدعو له بقولها اللهم اغفر له الخ (قال) ابن حجر استدلّ به على أفضلية الصلاة على غيرها من الأعمال لما ذكر من صلاة الملائكة عليه ودعائهم له بالرحمة والمغفرة والتوبة. وعلى تفضيل صالحى الناس على الملائكة لأنهم يكونون في تحصيل الدرجات بعبادتهم والملائكة مشغولون بالاستغفار والدعاء لهم اهـ وعطف الرحمة على المغفرة من عطف العامّ على الخاصّ فإن المغفرة محو الذنب من الصحيفة أو سترها عن أعين الملائكة والرحمة هي الإحسان وهو شامل لتكفير السيئات ورفع الدرجات وغيرهما من أنواع النعم (فقه الحديث) والحديث يدل على الترغيب في مكث المصلى في مصلاه ليحصل على دعاء الملائكة، وعلى عظيم قدر الصلاة والتهيؤ لها، وعلى أن الحدث في المسجد مانع من الخير، وعلى فضل الإنسان الطائع لربه حيث جعلت الملائكة الكرام مسخرين لطلب المغفرة والرحمة له (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى والنسائى ومالك وأخرجه البخارى ومسلم وابن ماجه من حديث أبى صالح عن أبى هريرة ولفظه في ابن ماجه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن أحدكم إذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذى صلى فيه يقولون اللهم اغفر له اللهم ارحمه اللهم تب عليه ما لم يحدث فيه ما لم يؤذ فيه اهـ (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ، لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ» (ش) (قوله لا يزال أحدكم في صلاة) أى في ثواب صلاة لا في حكمها لأنه يحلّ له الكلام وغيره مما منع في الصلاة (قوله ما كانت الصلاة تحبسه) أى مدّة كون انتظار الصلاة مانعا له من الخروج إلى حاجته (قال) الزرقانى هذا يقتضى أنه إذا صرف نيته عن ذلك صارف آخر انقطع عنه الثواب وكذلك إذا شارك نية الانتظار أمر آخر اهـ لكن قال الأبىّ يحصل له الثواب حتى لو كان إماما بأجر. وكان الشيخ يقول وحتى لو كان انتظاره ليدرأ به عن نفسه تعب الذهاب والرجوع. وهذا كله بشرط أن لا يتحدّث بحديث غير علم أو ينام اختيارا اهـ وسواء

الحث على تحسين النية حين الذهاب إلى المسجد

أكان الانتطار بين مشتركتى الوقت أم لا خلافا لما قاله الباجى من أن حصول الثواب إذا كان في مشتركتى الوقت. وهل يحصل الثواب لمن نيته إيقاع الصلاة في المسجد ولو لم يكن فيه. الظاهر أنه لا يحصل له لأنه رتب الثواب على المجموع من النية وشغل البقعة بالعبادة لكن له ثواب يخصه (قوله لا يمنعه أن ينقلب الخ) أى لا يمنعه من الرجوع إلى أهله إلا انتظار الصلاة (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن منتظر الصلاة له ثواب كثواب المصلى (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم ومالك في الموطأ والبيهقى (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ فِي مُصَلَّاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، تَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، حَتَّى يَنْصَرِفَ، أَوْ يُحْدِثَ"، فَقِيلَ مَا يُحْدِثُ؟ قَالَ: يَفْسُو، أَوْ يَضْرِطُ (ش) (قوله حماد) بن سلمة. و (ثابت) البنانى. و (أبو رافع) هو نفيع الصائغ (قوله فقيل وما يحدث الخ) أى قيل لأبى هريرة والقائل له أبو رافع كما في رواية مسلم. ولعل سبب الاستفسار إطلاق الحدث على غير ذلك عندهم. أو ظنوا أن الإحداث بمعنى الابتداع والفساء الريح الخارج من الدبر من غير صوت. ويضرط بفتح الراء وكسرها من بابى تعب وضرب والاسم منه ضرط ككتف وهو الريح الخارج من الدبر بصوت (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم (ص) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاتِكَةِ الْأَزْدِيُّ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ الْعَنْسِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ لِشَيْءٍ فَهُوَ حَظُّهُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله هشام بن عمار) بن نصير بن ميسرة بن أبان أبو الوليد السلمى الظفرى الدمشقى. روى عن يحيى بن حمزة وابن عيينة ومالك وصدقة بن خالد وكثيرين وعنه ابن معين وابن سعد والبخارى وأبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى بواسطة البخارى قال ابن معين هو كيس ثقة وقال العجلى ثقة صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وقال مسلمة تكلم

باب في كراهية إنشاد الضالة في المسجد

فيه وهو جائز الحديث صدوق وقال عبدان ما كان في الدنيا مثله وقال الدارقطنى صدوق كبير وقال الآجرى عن أبى داود حدّث هشام بأربعمائة حديث مسندة ليس لها أصل وقال المزّى ذكر أحمد هشاما فقال طياش خفيف. ولد سنة ثلاثا وخمسين ومائة. قيل توفى سنة خمس وأربعين ومائتين (قوله صدقة بن خالد) الدمشقى أبو العباس الأموى. روى عن أبيه وزيد بن واقد وعتبة بن أبى حكيم وعثمان بن أبى العاتكة والأوزاعي وغيرهم. وعنه الوليد بن مسلم ويحيى بن حمزة وأبو مسهر وهشام بن عمار وطائفة. قال أحمد ثقة ثقة ليس به بأس صالح الحديث ووثقه ابن معين ودحيم وابن نمير والعجلى وأبو زرعة وابن لسعد والنسائى وابن عمار وأبو داود. قيل توفى سنة إحدى وثمانين ومائة. روى له البخارى وأبو داود والنسائى وابن ماجه (قوله عثمان ابن أبى العاتكة) أبو حفص الأزدى الدمشقى. روى عن عمير بن هانئ وعمرو بن مهاجر وعلى ابن يزيد الألهانى وسليمان بن حبيب وغيرهم. وعنه صدقة بن خالد والوليد بن مسلم ومحمد بن شعيب وجماعة. قال ابن معين ليس بشئ وقال دحيم والعجلي وأبو حاتم لا بأس به وقال النسائى ضعيف وقال ابن عدى هو مع ضعفه يكتب حديثه وقال أبو أحمد الحاكم ليس بالقوى عندهم وقال خليفة كان ثقة كثير الحديث وقال الواقدى كان ثقة في الحديث وذكره ابن حبان في الثقات توفى سنة خمس وخمسين ومائة. روى له أبو داود وابن ماجه (قوله عمير بن هانئ) أبى الوليد الدمشقى. روى عن ابن عمر ومعاوية بن أبى سفيان وأبى هريرة وغيرهم. وعنه قتادة والزهرى وسعيد بن بشير ومعاوية بن صالح والأوزاعي وكثيرون. قال العجلى تابعى ثقة ووثقه ابن حبان مات سنة سبع وعشرين ومائة. روى له الجماعة إلا النسائى. و (العنسى) بفتح فسكون نسبة إلى عنس بن مالك بن أدد (معنى الحديث) (قوله من أتى المسجد لشئ الخ) أى من حضره لقصد حصول شئ أخروى أو دنيوى فذلك الشئ نصيبه يثاب عليه أو يعاقب فهو كقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإنما لكل امرئ ما نوى ففيه تنبيه على تحسين النية في إتيان المسجد لئلا تكون مختلطة بغرض دنيوى كالاجتماع مع الأصحاب أو النوم فيه أو الكلام بل ينوى الاعتكاف والعزلة والعبادة واستفادة علم أو إفادته أو نحو ذلك (ففه الحديث) والحديث يدلّ على الترغيب في عمارة المساجد بالعبادة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى (باب في كراهية إنشاد الضالة في المسجد) أى في بيان النهى عن تعريف الحيوان أو غيره الضائع في المسجد. فالضالة بتشديد اللام

الضائعة من كل ما يقتنى من الحيوان وغيره يقال صلّ الشئ إذا ضاع وضلّ عن الطريق إذا جار. وهى في الأصل فاعلة ثم اتسع فيها فصارت من الصفات الغالبة. وتقع على الذكر والأنثى والاثنين والجمع وتجمع على ضوال كذا في النهاية. وقال في المصباح الضالة مختصّ بالحيوان ويقال لغير الحيوان ضائع ولقيط اهـ (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجُشَمِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، ثَنَا حَيْوَةُ يَعْنِي ابْنَ شُرَيْحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْأَسْوَدِ يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، مَوْلَى شَدَّادٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ، فَلْيَقُلْ: لَا أَدَّاهَا اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا " (ش) (رجال الحديث) (قوله الجشمى) نسبة إلى جشم قرية من قرى بيهق من أعمال نيسابور بخراسان (قوله سمعت أبا الأسود يعنى محمد بن عبد الرحمن بن نوفل) بن الأسود ابن نوفل بهن خويلد الأسدى المدنى. روى عن عروة وعلى بن الحسين وسليمان بن يسار والقاسم ابن محمد والأعرج. وعنه الزهرى وعمرو بن الحارث ومالك وسعيد بن أبى أيوب وحيوة بن شريح. وثقه أبو حاتم والنسائى وابن سعد وابن حبان وابن شاهين وقال أحمد بن صالح ثبت له شأن. قيل مات سنة ثلاثين ومائة. روى له الجماعة (قوله أبو عبد الله) هو سالم بن عبد الله (مولى شدّاد بن الهاد) روى عن أبى هريرة وعثمان وعائشة وعبد الرحمن بن أبى بكر وأبى سعيد الخدرى وعنه أبو الأسود وبكير بن الأشج وسعيد المقبرى ويحبى بن أبى كثير وغيرهم. قال العجلى تابعى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم شيخ. مات سنة عشر ومائة روى له مسلم وأبو داود وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله من سمع رجلا ينشد الخ) بفتح المثناة التحتية وضم الشين المعجمة كيطلب وزنا ومعنى يقال نشدت الدّابة إذا طلبتها وعرّفتها وأنشدتها إذا عرّفتها فالنشد يستعمل في الطلب والتعريف بخلاف الإنشاد فإنه يستعمل في التعريف فقط (قوله لا أداها الله إليك) أى لا أوصلها الله إليك. وفى رواية مسلم لا ردّها الله عليك. وفى رواية النسائى لا وجدت فهو دعاء عليه. فلا لنفى الماضى ودخولها عليه بلا تكرار جائز في الدعاء وفي غير الدعاء

مذاهب الأئمة في رفع الصوت في المسجد وفائدة جليلة في ذلك

الغالب التكرار كقوله تعالى "فلا صدّق ولا صلى" (قال) ابن رسلان قوله لا أداها الله إليك فيه دليل على جواز الدعاء على الناشد في المسجد بعدم الوجدان معاقبة له في ماله ومعاملة له بنقيض قصده اهـ (قوله فإن المساجد لم تبن لهذا) أى لنشد الضالة بل بنيت لذكر الله عزّ وجلّ والصلاة وتعليم العلم ونحو ذلك. وروى ابن أبى شيبة بسند جيد عن عاصم بن عمر بن قتادة أن عمر سمع ناسا من التجار يذكرون تجارتهم والدنيا في المسجد فقال إنما بنيت هذه المساجد لذكر الله فإذا ذكرتم تجاراتكم ودنياكم فاخرجوا إلى البقيع (وفى الحديث) دلالة على النهى عن رفع الصوت بنشد الضالة في المسجد ومثله البيع والشراء. لما رواه الترمذى وحسنه إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة فقولوا لا ردها الله عليك ومثل البيع الإجارة (قال) في المرقاة وكذا يندب أن يقال لمن أنشد شعرا مذموما فضّ الله فاك ثلاثا للأمر بذلك رواه ابن السنى اهـ (وقال) المازرى في الحديث منع السؤال في المسجد اهـ لكن سيأتي للمصنف في باب المسألة في المساجد أنه صلى الله تعالى وعليه وعلى آله وسلم قال هل فيكم أحد أطعم اليوم مسكينا فقال أبو بكر دخلت المسجد فإذا أنا بسائل يسأل فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن فأخذتها منه فدفعتها إليه. فهذا يدلّ على جواز السؤال بالمسجد وهو الذى اختاره النووى (قال) في المرقاة لا بأس بإعطاء السائل فيه شيئا للحديث الصحيح هل فيكم أحد أطعم اليوم مسكينا "الحديث" وروى البيهقي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر سليكا الغطفانى بالصلاة يوم الجمعة في حال الخطبة ليراه الناس فيتصدقوا عليه وأنه أمرهم بالصدقة وهو على المنبر (وفصل) بعضهم بين من يؤذى الناس بالمرور ونحوه فيكره إعطاؤه لأنه إعانة له على ممنوع وبين من لا يؤذى فيجوز إعطاؤه لأن السؤّال كانوا يسألون على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المسجد اهـ (وقال) القاضى عياض فيه دليل على منع عمل الصانع في المسجد كالخياطة وشبهها "والراجح" منع الصنائع التى يختص بنفعها آحاد الناس ويكتسب بها فلا يتخذ المسجد متجرا وأما المثاقفة وإصلاح آلات الجهاد مما لا امتهان للمسجد في عمله فلا بأس اهـ (فائدة) لا يجوز رفع الصوت في المسجد ولو بالقرآن والذكر. فقد روى المصنف عن أبي سعيد الخدرى أنه قال اعتكف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذينّ بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة. وقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم "الحديث" رواه ابن ماجه عن واثلة بن الأسقع، وقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة، رواه الخطيب عن جابر. ونحو ذلك من الأحاديث المشهورة. ولذا أنكرت

الكلام في منع الصبي من دخول المسجد

الصحابة رضوان الله تعالى عليهم على من رفع صوته في المسجد بقراءة أو ذكر كما هو منصوص عليه في البخارى وغيره (قال البزّازى) وفى فتاوى القاضى الجهر بالذكر حرام، وقد صحّ عن ابن مسعود أنه سمع قوما اجتمعوا في مسجد يهللون ويصلون على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جهرا فذهب إليهم وقال ما عهدنا ذلك على عهده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وما أراكم إلا مبتدعين فما زال يذكر ذلك حتى أخرجهم من المسجد اهـ وروى عن سعيد ابن المسيب أنه كان في المسجد آخر الليل يتهجد ثم دخل عمر بن عبد العزيز وكان إذ ذاك خليفة وكان حسن الصوت فجهر بالقراءة فلما سمعه سعيد بن المسيب قال لخادمه اذهب إلى هذا المصلى فقل له إما أن تخفض من صوتك وإما أن تخرج من المسجد ثم أقبل على صلاته فجاء الخادم فوجد المصلى عمر بن عبد العزيز فرجع ولم يقل له شيئا فلما سلم سعيد قال لخادمه ألم أقل لك تنهى هذا المصلى عما يفعل فقال له هو الخليفة عمر بن عبد العزيز قال اذهب إليه وقل له ما أخبرتك به فذهب إليه فقال له إن سعيدا يقول لك إما أن تخفض من صوتك وإما أن تخرج من المسجد فخفف في صلاته فلما سلم منها أخذ نعليه وخرج من المسجد اهـ وروى ابن أبى شيبة بسند جيد عن سالم بن عبد الله أن عمر بن الخطاب اتخذ مكانا إلى جانب المسجد يقال له البطيحاء وقال من أراد أن يلغط أو يرفع صوتا أو ينشد شعرا فليخرج إليه. وروى يحيى عن نافع أن عمر بينما هو في المسجد عشاء إذ سمع ضحك رجل فأرسل إليه فقال من أنت فقال أنا رجل من ثقيف فقال أمن أهل البلد أنت فقال بل من أهل الطائف فتوعده فقال لو كنت من أهل البلد لنكلت بك إن مسجدنا هذا لا ترفع فيه الأصوات. وعن السائب بن يزيد قال كنت مضطجعا في المسجد فحصبني رجل فرفعت رأسى فإذا عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فقال اذهب فأتنى بهذين الرجلين فجئت بهما فقال من أين أنتما قالا من أهل الطائف قال لو كنتما من أهل البلد ما فارقتمانى حتى أوجعتكما جلدا ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (ومن ثمّ) نصت الأئمة على منع رفع الصوت في المساجد بقرآن أو ذكر (قال) في الدرّ المختار يحرم في المسجد رفع الصوت بذكر إلا للمتفقهة اهـ (وقال) في البحر الرائق إذا جهر الإمام فوق حاجة الناس فقد أساء اهـ ونحوه في سائر كتب السادة الحنفية (وقال) في مختصر الإمام خليل وشروحه وحواشيه يكره رفع الصوت بقراءة القرآن في المسجد خشية التشويش على المصلين والذاكرين فإن شوّش حرم اتفاقا اهـ ونحوه في باقى كتب السادة المالكية (وقال) ابن العماد تحرم القراءة جهرا على وجه يشوّش على نحو مصلّ اهـ ومثله في كتب السادة الشافعية ونظير ذلك في كتب السادة الحنابلة (فائدة أخرى) يمنع دخول الصبيان المساجد لحديث جنبوا مساجدكم صبيانكم الخ (قال في الدرّ المختار) يحرم إدخال صبيان ومجانين المسجد حيث

غلب تنجيسهم وإلا فيكره (وقالت) المالكية يجوز بمسجد إحضار الصبي الذى شأنه أنه لا يعبث أو يعبث لكن ينكفّ عن العبث إذا نهى وإلا منع إدخاله اهـ (وقالت) الشافعية والحنابلة يكره إدخال الصبيان الذين لا يميزون المسجد لأنه لا يؤمن تلويثهم إياه اهـ لكن قالت الحنابلة محله إذا كان لغير مصلحة ولا فائدة أما إذا كان لها كقراءة وصلاة فيجوز (فقه الحديث) دلّ الحديث على النهى عن طلب الضائع في المسجد، وعلى أن من سمع ذلك يطلب منه أن يدعو عليه بعدم ردّه اليه، وعلى أن المساجد لم تبن للاشتغال بالأمور الدنيوية (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم وابن ماجه (باب في كراهية البزاق في المسجد) وفي بعض النسخ باب في كراهة البزاق في المسجد. وتقدم أن الكراهية والكراهة كلاهما مصدران من كره يكره من باب علم (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا هِشَامٌ، وَشُعْبَةُ، وَأَبَانٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «التَّفْلُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُوَارِيَهُ» (ش) (قوله هشام) بن أبى عبد الله الدستوائى. و (أبان) بن يزيد العطار. و (قتادة) ابن دعامة (قوله التفل في المسجد الخ) بفتح المثناة من فوق وإسكان الفاء نفخ معه أدني بزاق وهو أكثر من النفث وأقل من البزاق أى إلقاء البزاق في المسجد ذنب. وفى رواية لأحمد التفل في المسجد سيئة. وقوله في المسجد ظرف للفعل فيتناول النهى من تفل في المسجد وهو خارج عنه وقوله وكفارته أن يواريه أى يستره. وفي نسخة أن يواريه. وفي رواية في الصحيحين وكفارتها أى يجب عليه أن يكفر هذه الخطيئة بستر ودفن التفل في تراب المسجد إن كان ترابيا وإلا أزالها (قال) المازرى هو خطيئة لمن فعل ولم يدفن لأنه يقذّر المسجد ويتأذى به من تعلق به أو رآه كما جاء في الحديث الآخر لئلا يصيب جلد مؤمن. وأما من اضطر إليه ودفنه فقيل إن الخطيئة ثبتت ولكن كفرها الدفن. والصواب أنه لم يأت خطيئة. وإنما جعل الدفن كفارة لأنه على تقدير عدم الدفن ثبتت الخطيئة فلما أسقط ما يقذّر سمى كفارة كما سميت تحلة اليمين كفارة مع أن اليمين ليست إثما يكفر ولكن لما جعلها الله تعالى فسحة لعباده ورافعة لحكم اليمين سماها

باب كراهية البزاق في المسجد

كفارة ولذا جاز إخراجها قبل الحنث اهـ (قال) النووى "ما ذكر من" أنه ليس بخطيئة إلا في حق من لم يدفنه وأما من أراد دفنه فليس بخطيئة "قول باطل" لا يغترّ به بل البصاق في المسجد خطيئة بنصّ الحديث لكن كفرها الدفن فإن اضطرّ فليبصق في ثوبه اهـ (قال) الحافظ في الفتح حاصل النزاع أن هنا عمومين تعارضا وهما قوله البزاق في المسجد خطيئة وقوله وليبصق عن يساره أو تحت قدمه. فالنووى يجعل الأول عاما ويخصّ الثانى بما إذا لم يكن في المسجد والقاضى بخلافه يجعل الثانى عاما ويخصّ الأول بمن لم يرد دفنها. وقد وافق القاضى جماعة منهم ابن مكيّ في التنقيب والقرطبي في المفهم وغيرهما. ويشهد لهم ما رواه أحمد بإسناد حسن من حديث سعد بن أبى وقاص مرفوعا قال من تنخم في المسجد فليغيب نخامته أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه. وأوضح منه في المقصود ما رواه أحمد أيضا والطبرانى بإسناد حسن من حديث أبى أمامة مرفوعا قال من تنخع في المسجد فلم يدفنه فسيئة وإن دفنه فحسنة. فلم يجعله سيئة إلا بقيد عدم الدفن. ونحوه ما في حديث أبى ذرّ عند مسلم مرفوعا قال ووجدت في مساوى أعمال أمتي النخاعة تكون في المسجد لا تدفن (قال) القرطبى فلم يثبت لها حكم السيئة لمجرد إيقاعها في المسجد بل به وبتركها غير مدفونة اهـ ببعض تصرّف. وروى سعيد بن منصور عن أبى عبيدة في الجرّاح أنه تنخم في المسجد ليلة فنسى أن يدفنها حتى رجع إلى منزله فأخذ شعلة من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها ثم قال الحمد لله الذى لم يكتب عليّ خطيئة الليلة. وتوسط بعضهم فحمل الجواز على ما إذا كان له عذر كأن لم يتمكن من الخروح من المسجد والمنع على ما إذا لم يكن له عذر (أقول) الحق ما قاله النووى "وما ذكره" غيره من الأدلة "لا يدفع" أن البصاق في المسجد خطيئة وكل ما فيها أن الدفن يمحوها "وأما قوله" في حديث أبى أمامة وإن دفنه فحسنة "فمعناه" أن الدفن حسنة كفرت سيئة البصاق. فالمعوّل عليه أن البصاق في المسجد خطيئة مطلقا سواء احتاج إلى البصاق أم لم يحتج بل يبزق في ثوبه فإن بزق في المسجد فقد ارتكب خطيئة وعليه تكفيرها بدفن البزاق (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن التفل في المسجد ذنب يطلب تكفيره بدفنه في الأرض، وعلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم الأمة أحكام دينها ولو صغرت في زعم الزاعمين (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم من طريق شعبة (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا».

(ش) (قوله أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله (قوله البزاق في المسجد خطيئة) وفي نسخة إن البزاق. وهو ما يخرج من الريق المجتمع في الفم. ويقال فيه بصاق بالصاد المهملة وهي رواية النسائى. وفي لغة قليلة بساق بالسين المهملة وعدّها جماعة غلطا. والمعنى طرح البزاق في أرض المسجد وجدرانه إثم. وإنما أطلق عليه لفظ خطيئة لأن من شأن المسلم أن لا يصدر منه ذلك الفعل إلا خطأ حتى قال ابن العماد لا خلاف أن من بصق في المسجد استهانة به كفر والعياذ بالله تعالى (قوله وكفارتها دفنها) أى سترها ولم يقل كفارتها تغطيتها لأن التغطية يستمر الضرر بها إذ لا يؤمن أن يجلس غيره عليها فتؤذيه بخلاف الدفن فإنه يفهم منه التعميق في باطن الأرض (واختلف) في المراد بالدفن فالجمهور على أنه الدفن في تراب المسجد ورمله وحصبائه إن كانت فيه هذه الأشياء فإن لم تكن المساجد تربة وكانت ذات حصير أو كان فرشها من الجصّ أو الحجر أخرجها. وقيل المراد بالدفن إخراجها مطلقا سواء أكانت تربة أم لا. لكن الأول أوفق بلفظ الحديث (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى والترمذى وقال حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، ثَنَا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «النُّخَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ» فَذَكَرَ مِثْلَهُ (ش) (قوله أبو كامل) هو فضيل بن حسين الجحدرى (قوله النخاعة) بضم النون هي النخامة وهي ما يخرج من الخيشوم عند التنخع ويقال نخاعة بالكسر والفتح أيضا (قال) النووى قال أهل اللغة المخاط من الأنف والبصاق والبزاق من الفم والنخاعة من الرأس أيضا ومن الصدر اهـ (قوله فذكر مثله) أى ذكر سعيد بن أبى عروبة مثل الحديث المتقدم الذى رواه كلّ من أبى عوانة وهشام وشعبة وأبان عن قتادة (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، ثَنَا أَبُو مَوْدُودٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «مَنْ دَخَلَ هَذَا الْمَسْجِدَ فَبَزَقَ فِيهِ، أَوْ تَنَخَّمَ فَلْيَحْفِرْ وَلْيَدْفِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيَبْزُقْ فِي ثَوْبِهِ ثُمَّ لِيَخْرُجْ بِهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله أبو مودود) هو عبد العزيز بن أبى سليمان

المدني الهذلى مولاهم. روى عن السائب بن يزيد وعبد الرحمن بن أبى حدرد ومحمد بن كعب وآخرين. وعنه عبد الرحمن بن مهدى وابن أبى فديك ووكيع والقعنبى. وثقه أحمد وابن معين وأبو داود وابن المدينى وابن نمير وابن حبان وضعفه البرقى وقال يكتب حديثه روى له أبو داود (قوله عبد الرحمن بن أبى حدرد) بفتح الحاء وسكون الدال المهملتين (الأسلمى) المدنى. روى عن أبى هريرة. وعنه أبو مودود. قال الدارقطنى لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات (معنى الحديث) (قوله أو تنخم) من النخامة وهى البزقة التي تخرج من أقصى الحلق ومن مخرج الخاء المعجمة يقال تنخم إذا رمى نخامته (قوله فليحفر الخ) بكسر الفاء من باب ضرب أى فليحفر موضعا في المسجد إن أمكن الحفر كأن كان ترابيا وليدفنه وإن لم يتمكن من ذلك بزق في ثوبه وأبقاه في الثوب حتى يخرج به من المسجد ولا يقذّره به (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أن من بزق وهو في المسجد يطلب منه أن يدفن بزاقه في تراب المسجد إن كان تربيا وإلا بزق في ثوبه ويبقيه فيه ولا يلطخ به المسجد، وعلى أن البزاق طاهر. وليس في طهارته خلاف إلا ما حكى عن إبراهيم النخعى من أن البزاق نجس كما تقدم، وعلى طلب احترام المساجد (ص) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «إِذَا قَامَ الرَّجُلُ إِلَى الصَّلَاةِ، أَوْ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلَا يَبْزُقَنَّ أَمَامَهُ، وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ تِلْقَاءِ يَسَارِهِ، إِنْ كَانَ فَارِغًا أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى ثُمَّ لِيَقُلْ بِهِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عن أبى الأحوص) هو سلام بن سليم. و (منصور) ابن المعتمر (قوله عن ربعىّ) بكسر الراء وسكون الموحدة ابن خراش بن جحش بن عمرو الغطفانى العبسى أبى مريم الكوفي. روى عن عمر وعلى وأبى موسى وحذيفة وابن مسعود وطارق بن عبد الله وغيرهم. وعنه الشعبى ومنصور وعبد الملك بن عمير وأبو مالك الأشجعى وطائفة. قال العجلى تابعى ثقة من خيار الناس لم يكذب كذبة قط ووثقه ابن حبان وابن سعد وقال اللالكائى مجمع على توثيقه. مات سنة مائة أو إحدى أو أربع ومائة. روى له الجماعة (قوله طارق بن عبد الله المحاربى) الكوفي حديثه في أهل الكوفة. روى عنه ربعىّ وكامل بن شدّاد وأبو الشعثاء. روى له أبو داود

أقوال الفقهاء في البزاق جهتي القبلة واليمين

والنسائى والترمذى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله إذا قام الرجل إلى الصلاة أو إذا صلى أحدكم الخ) بالشك من الراوى أى إذا دخل أحدكم في الصلاة فلا يبزقنّ أمامه تعظيما للقبلة. وفى نسخة فلا يبزق (وظاهر) النهى التحريم ويؤيده تعليله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأن الله تعالى بينه وبين القبلة كما في رواية البخارى من حديث أنس. وبأن الله قبل وجهه كما سيأتي للمصنف من حديث ابن عمر وجابر (قال) الحافظ هذا التعليل يدلّ على أن البزاق في القبلة حرام سواء أكان في المسجد أم لا ولا سيما من المصلى فلا يجرى فيه الخلاف في أن كراهية البزاق في المسجد هل هى للتنزيه أو للتحريم. وفى صحيحى ابن خزيمة وابن حبان من حديث حذيفة مرفوعا من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه. وفى رواية لابن خزيمة من حديث ابن عمر مرفوعا يبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهى في وجهه. ولأبي داود وابن حبان من حديث السائب بن خلاد أن رجلا أمّ قوما فبصق في القبلة فلما فرغ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يصلى لكم "الحديث" وفيه أنه قال له إنك آذيت الله ورسوله اهـ (قوله ولا عن يمينه) أى ولا يبزق جهة اليمين تشريفا لها عن الأقذار أو لأن بها ملكا يكتب الحسنات (وظاهر الحديث) أن النهى عن ذلك مقيد بحالة الصلاة فقط وإلى ذلك ذهب مالك وقال لا بأس بالتفل جهة اليمين خارج الصلاة. وجزم النووى بالمنع مطلقا داخل الصلاة وخارجها. ويدلّ له ما رواه الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأى نخامة في جدار المسجد فتناول حصاة فحتها وقال إذا تنخم أحدكم فلا يتنخمنّ قبل وجهه ولا عن يمينه وليبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى. فهو يدلّ على المنع مطلقا. ويدلّ له أيضا ما سيأتى للمصنف عن أبى سعيد وجابر (قال) الحافظ ويشهد للمنع "يعني مطلقا" ما رواه عبد الرازق وغيره عن ابن مسعود أنه كره أن يبصق عن يمينه وليس في صلاة "وعن" معاذ بن جبل قال ما بصقت عن يمينى منذ أسلمت "وعن" عمر بن عبد العزيز أنه نهى ابنه عنه مطلقا. وكأن الذى خصه بحالة الصلاة أخذه من علة النهى المذكورة في رواية همام عن أبى هريرة حيث قال فإن عن يمينه ملكا. هذا إذا قلنا إن المراد بالملك غير الكاتب والحافظ فيظهر حينئذ اختصاصه بحالة الصلاة اهـ (وقال) القاضى عياض النهى عن البصاق جهة اليمين في الصلاة إنما هو مع إمكان غيره فإن تعذّر فله ذلك اهـ (قال) الحافظ لا يظهر وجود التعذر مع وجود الثوب الذى هو لابسه وقد أرشده الشارع إلى التفل فيه اهـ (قوله ولكن عن تلقاء يساره الخ) أى حذاءه وجهته إن لم يكن جهة يساره أحد وإن كان جهة يساره أحد بزق تحت قدمه اليسرى فأوفى قوله أو تحت قدمه اليسرى للتفصيل (قال) النووى الأمر بالبصاق عن يساره وتحت قدمه فيما إذا كان في غير المسجد وأما في المسجد فلا يبصق إلا في ثوبه لحديث البصاق في المسجد خطيئة اهـ يعنى

فيبعد أن يأذن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في البزاق في المسجد بعد بيان أنه خطيئة (وقال) ابن حجر في شرح مشكاة المصابيح هذا إذا كان المصلى في غير المسجد أو فيه ولم يصل البزاق إلى شيء من أجزائه. ويلحق بالصلاة في ذلك خارجها ولو في غير المسجد اهـ (قوله ثم ليقل به) يعنى ثم ليمسح البصاق وليدلكه (فقه الحديث) والحديث يدل على أن البزاق حال الصلاة لا يبطلها ومثله التنخع إذا اضطر إليه وعلى تعظيم جهتى القبلة واليمين، وعلى جواز البزاق جهة اليسار أو تحت القدم عند الضرورة وعلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم الأمة الآداب الشرعية حتى كيف يبزقون (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الترمذى وقال حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم اهـ وأخرجه النسائى عن طارق قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا كنت تصلى فلا تبزقنّ بين يديك ولا عن يمينك وابصق خلفك أو تلقاء شمالك إن كان فارغا وإلا فهكذا وبزق تحت رجله ودلكه (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، ثَنَا حَمَّادٌ، ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمًا إِذْ رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَتَغَيَّظَ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ حَكَّهَا، قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: فَدَعَا بِزَعْفَرَانٍ فَلَطَّخَهُ بِهِ، وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِ أَحَدِكُمْ إِذَا صَلَّى، فَلَا يَبْزُقْ بَيْنَ يَدَيْهِ». (ش) (قوله حماد) بن زيد. و (أيوب) السختيانى (قوله إذ رأى نخامة في قبلة المسجد) إذ للمفاجأة أى ففاجأه رؤية النخامة في الحائط الذى جهة القبلة. وفي رواية البخارى رأى بصاقا في جدار القبلة. وفى رواية المستملى في جدار المسجد. وليس المراد بها المحراب الذى يسميه الناس قبلة لأن المحاريب من المحدثات بعده صلى الله تعالى عليه وآله وسلم "ومن ثمّ" كره جمع من السلف اتخاذها والصلاة فيها (قال) القضاعى أوّل من أحدث ذلك عمر بن عبد العزيز وهو يومئذ عامل للوليد بن عبد الملك على المدينة حينما جدّد المسجد وزاد فيه اهـ (وقال) في روح المعانى إن الصلاة في المحاريب المشهورة الموجودة في مساجد المسلمين قد كرهها جماعة من الأئمة وهي من البدع التى لم تكن في العصر الأول اهـ ملخصا (وقال) السمهودى في تاريخ المدينة أسند يحيى عن عبد المهيمن بن عباس عن أبيه قال مات عثمان وليس في المسجد شرفات ولا محراب فأوّل من أحدث المحراب والشرفات عمر بن عبد العزيز اهـ (وقال) النووى في شرح

كلام الإمام السيوطي وغيره في ذم محاريب المساجد وأنها من علامات القيامة

المهذب قال أصحابنا إذا صلى في مدينة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فمحراب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حقه كالكعبة فمن يعاينه يعتمده ولا يجوز العدول عنه بالاجتهاد بحال "ويعنى بمحراب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مصلاه وموقفه" لأنه لم يكن هذا المحراب المعروف "موجودا" في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما أحدثت المحاريب بعده اهـ (وللإمام السيوطى) في ذلك رسالة مستقلة، وهاك نصها: - (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، هذا جزء سميته "إعلام الأريب بحدوث بدعة المحاريب" لأن قوما خفى عليهم كون المحراب في المساجد بدعة، وظنوا أنه كان في مسجد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في زمنه. ولم يكن في زمانه قطّ محراب ولا في زمان الخلفاء الأربعة فمن بعدهم إلى آخر المائة الأولى وإنما حدث في آخر المائة الثانية (¬1) مع ورود الحديث بالنهى عن اتخاذه وأنه من شأن الكنائس وأن اتخاذه في المساجد من أشراط الساعة "قال" البيهقى في السنن الكبرى "باب في كيفية بناء المساجد" أخبرنا أبو مضر بن قتادة أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسن البرّاج ثنا مطين ثنا سهل بن زنجلة الرازى ثنا أبو زهير عبد الرحمن بن مغراء عن ابن أبجر عن نعيم بن هند عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اتقوا هذه المذابح يعنى المحاريب هذا حديث ثابت فإن سالم بن أبى الجعد من رجال الصحيحين بل الأئمة الستة. ونعيم بن هند من رجال مسلم وابن أبجر اسمه عبد الملك بن سعيد من رجال مسلم أيضا. وأبو زهير عبد الرحمن بن مغراء من رجال الأربعة قال الذهبي في الكاشف وثقه أبو زرعة الرّازى وغيره ولينه ابن عدى وقال في الميزان ما به بأس وقال في المغنى صدوق. فالحديث على رأى أبى زرعة ومتابعيه صحيح وعلى رأى ابن عدى حسن والحسن إذا ورد من طريق ثان ارتقى إلى درجة الصحة وهذا له طرق أخرى تأتى فيصير المتن صحيحا من قسم الصحيح لغيره وهو أحد قسمى الصحيح ولهذا احتج به البيهقى في الباب مشيرا إلى كراهة اتخاذ المحاريب والبيهقى مع كونه من كبار الحفاظ فهو أيضا من كبار أئمة الشافعية الحاملين للفقه والأصول والحديث كما ذكره النووى في شرح المهذب. فهو أهل أن يستنبط ويخرّج ويحتجّ. وأما سهل ابن زنجلة ومطين فإمامان حافظان ثقتان فوق الثقة "وقال" البزّار في مسنده ثنا محمد بن مرداس ¬

_ (¬1) لعلها آخر المائة الأولى لما تقدّم عن القضاعي والسمهودى من أن أول من أحدثها عمر بن عبد العزيز

ثنا محبوب بن الحسن ثنا أبو حمزة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أنه كره الصلاة في المحراب وقال إنما كانت للكنائس فلا تشبهوا بأهل الكتاب "يعنى أنه كره الصلاة في الطاق" قال شيخ شيوخنا الحافظ أبو الحسن الهيتمى في مجمع الزوائد رجاله موثقون "وقال" ابن أبى شيبة في المصنف ثنا وكيع ثنا إسرائيل عن موسى الجهنى قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لا تزال هذه الأمة أو قال أمتي بخير ما لم يتخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى" هذا مرسل صحيح الإسناد فإن وكيعا أحد الأئمة الأعلام من رجال الأئمة الستة وكذا شيخه. وموسى من رجال مسلم قال في الكاشف حجة، والمرسل عند الأئمة الثلاثة صحيح مطلقا. وعند الإمام الشافعى رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ صحيح إذا اعتضد بواحد من عدّة أمور "منها" مرسل آخر ومسند ضعيف أو قول صحابىّ أو فتوى أكثر أهل العلم بمقتضاه أو مسند صحيح "وأورد" على هذا الأخير أنه إذا وجد المسند الصحيح استغنى عن المرسل فإن الحجة تقوم به وحده "وأجيب" بأن وجود المسند الصحيح يصير المرسل حديثا صحيحا ويصير في المسألة حديثان صحيحان. قال العراقى في ألفيته مشيرا إلى ذلك: فإن يعلّ فالمسند المعتمد ... فقل دليلان به يعتضد وهذا المرسل قد عضده المسند المبدوء بذكره. وقد تقدم أنه صحيح على رأى من وثق راويه وحسن على رأى من لينه. ولهذا اقتصر البيهقي على الاحتجاج به. وعضده قول ابن مسعود وعضده أحاديث أخر مرفوعة وموقوفة وفتوى جماعة من الصحابة والتابعين بمقتضاه. أخرج ابن أبى شيبة عن أبى ذرّ قال إن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المساجد. هذا له حكم الرفع فإن الإخبار عن أشراط الساعة والأمور الآتية لا مدخل للرأى فيه وإنما يدرك بالتوقيف من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وأخرج ابن أبى شيبة عن عبيد بن أبى الجعد قال كان أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقولون إن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المساجد يعنى الطاقات. هذا بمنزلة عدّة أحاديث مرفوعة فإن كل واحد من الصحابة المذكورين سمع ذلك من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأخبر به وأخرج ابن أبى شيبة عن علىّ بن أبى طالب أنه كره الصلاة في الطاق. وأخرج ابن أبى شيبة عن ابن مسعود قال اتقوا هذه المحاريب. وأخرج ابن أبى شيبة عن إبراهيم النخعى أنه كان يكره الصلاة في الطاق. وأخرج ابن أبى شيبة عن سالم بن أبى الجعد قال لا تتخذوا المذابح في المساجد. وأخرج ابن أبى شيبة عن كعب أنه كره المذبح في المسجد. وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن كعب قال يكون في آخر الزمان قوم يزينون مساجدهم ويتخذون بها مذابح كمذابح النصارى فإذا فعلوا ذلك صبّ عليهم البلاء. وأخرج عبد الرزاق عن الضحاك بن مزاحم

قال أوّل شرك في هذه الصلاة هذه المحاريب (وقال) عبد الرزاق عن الثورى عن منصور والأعمش عن إبراهيم أنه كان يكره أن يصلي في طاق الإمام "قال" الثورى ونحن نكره ذلك وأخرج عبد الرزاق عن الحسن أنه صلى واعتزل الطاق أن يصلي فيه (فائدة) روى الطبراني في الأوسط عن جابر ابن أسامة الجهني قال لقيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في أصحابه بالسوق فقلت أين تريد يا رسول الله صلى الله تعالى عليك وعلى آلك وسلم قال نريد أن نخطّ لقومك مسجدا فأتيت وقد خطّ لهم مسجدا وغرز في قبلته خشبة فأقامها قبلة ثم والحمد لله وحده اهـ كلام الإمام السيوطى رحمه الله تعالى (وبهذا) تعلم سقوط ما قاله بعضهم من أن المحاريب موجودة من عهده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مستدلا بما رواه البيهقي في السنن الكبرى من طريق سعيد بن عبد الجبار بن وائل عن أبيه عن أمه عن وائل بن حجر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال حضرت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهض إلى المسجد فدخل المحراب ثم رفع يديه بالتكبير "الحديث" لأنه يحتمل أن يكون المراد به صدر المسجد وأشرف مكان فيه وهى البقعة التى يصلي فيها الإمام لا المكان المجوّف المعروف الآن بالمحراب. وتعلم أيضا سقوط قوله ومن ادّعى الكراهة فعليه البينة فإن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تركه هو وأصحابه مع قيام المقتضى وتركه للشئ مع قيام المقتضى سنة فإذاً يكون فعله بدعة (قوله فتغيظ على الناس) أى غضب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الحاضرين في المسجد. ولعل غضبه عليهم لغفلتهم عن تطهير المسجد عن القاذورات (قوله ثم حكها) أي ثم نزل فأزالها بعرجون في يده كما سيأتى للمصنف أو بحصاة كما في رواية للبخارى (وظاهر) رواية الباب وغيرها من الروايات الصحيحة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم باشر إزالتها بيده. ورواية النسائى عن أنس رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نخامة في قبلة المسجد فغضب حتى احمرّ وجهه فقامت امرأة من الأنصار فحكتها وجعلت مكانها خلوقا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما أحسن هذا. وهى صريحة في أن الذى باشر إزالة النخامة المرأة. ولا تنافي بينهما لاحتمال تعدد القصة. وظاهر الرواية أيضا أن النخامة كانت يابسة إذ لو كانت رطبة لقال مسحها بدل حكها. فهى تفيد أن الاستقذار يكون باليابس كما يكون بالرطب (قوله قال وأحسبه الخ) أى قال نافع وأظن أن ابن عمر قال طلب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم زعفران فلطخ به موضع النخامة أى لوّث موضعها بالزعفران وطيبه وحسنه به (قوله وقال إن الله تعالى قبل الخ) أى قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن قبلة الله تعالى أو عظمته أو ثوابه فهو على حذف مضاف. وفي نسخة قال. وقال الخ أى قال ابن عمر وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن الله تعالى الخ (قال) الخطابى

ما دل عليه حديث ابن عمر من الحث على تنظيف المسجد وتطييبه وغير ذلك من الفوائد

تأويله أن القبلة التي أمر الله عزّ وجلّ بالتوجه إليها في الصلاة قبل وجهه فليصلها عن النخامة وفيه إضمار وحذف واختصار كقوله تعالى "وأشربوا في قلوبهم العجل" أى حبّ العجل. وإنما أضيفت تلك الجهة إلى الله تعالى على سبيل التكرمة كما قيل بيت الله وكعبة الله تعالى اهـ (وقال) المازرى لما كانت القبلة دليلا على أن قاصدها موحد كانت علامة على التوحيد. والمصلى يتقرّب إلى الله تعالى بالتوجه إليها فهو محل معظم. فالمعنى فإن الجهة المعظمة قبل وجهه فلا يقابلها بالبصاق الذى جرت به العادة أن لا يقابل به إلا الحقير المهان ولذا قال أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخم في وجهه اهـ (قوله إذا صلى) أى إذا دخل في الصلاة. ونصّ في الحديث على النهى عن البصاق قيل وجهه حال الصلاة لفضيلة تلك الحال على سائر الأحوال، وإلا فالبصاق إلى جهة القبلة ممتنع مطلقا في الصلاة وغيرها وفى المسجد وغيره كما تقدم عن ابن حجر خلافا لمن خصه بقبلة المسجد أو حال الصلاة كما تقدم بيانه (وقال الباجى) يحتمل أن يكون خصّ بذلك حال الصلاة لأنه حينئذ يكون مستقبل القبلة وفى سائر الأحوال قد تكون عن يساره وهي الجهة التى أمر بالبصاق إليها اهـ (قوله فلا يبزق بين يديه) أى أمامه. وفى نسخة فلا يبزقن. وفى أخرى زيادة "قال أبو داود رواه إسماعيل وعبد الوارث عن أيوب عن نافع ومالك وعبيد الله وموسى بن عقبة عن نافع نحو حماد إلا أنهم لم يذكروا الزعفران. ورواه معمر عن أيوب وأثبت الزعفران فيه وذكر يحيى بن سليم عن عبيد الله عن نافع الخلوق" (فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب إزالة ما يستقذر من المسجد، وعلى أنه ينبغى للإمام أن يتفقد أحوال المساجد لتعظيمها وصيانتها عن الأقذار، وعلى الحثّ على الاستكثار من الحسنات وإن كان المستكثر رفيع المقام كثير الحسنات، وعلى تعظيم تواضعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وعلى أنه يطلب ممن رأى منكرا أن يغيره، وعلى مشروعية الغضب عند رؤية المنكر، وعلى مشروعية جعل الزعفران ونحوه في المساجد إن دعت الحاجة إليه، وعلى طلب احترام جهة القبلة فلا يستخفّ بها ببزاق أو نحوه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى ومالك في الموطأ (ص) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ، ثَنَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ الْعَرَاجِينَ وَلَا يَزَالُ فِي يَدِهِ مِنْهَا، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَرَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَحَكَّهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ مُغْضَبًا، فَقَالَ: «أَيَسُرُّ أَحَدَكُمْ أَنْ يُبْصَقَ فِي وَجْهِهِ؟ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا اسْتَقْبَلَ

الْقِبْلَةَ فَإِنَّمَا يَسْتَقْبِلُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْمَلَكُ عَنْ يَمِينِهِ، فَلَا يَتْفُلْ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَا فِي قِبْلَتِهِ، وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ، فَإِنْ عَجِلَ بِهِ أَمْرٌ فَلْيَقُلْ هَكَذَا» وَوَصَفَ لَنَا ابْنُ عَجْلَانَ ذَلِكَ أَنْ يَتْفُلَ فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ يَرُدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ (ش) (رجال الحديث) (قوله يحيى بن حبيب بن عربى) الحارثى أبو زكرياء البصرى روى عن حماد بن زيد ويزيد بن زريع وخالد بن الحارث ومعتمر بن سليمان وغيرهم. وعنه مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه وأبو حاتم وقال صدوق وقال النسائى ثقة مأمون ووثقه مسلمة بن قاسم وابن حبان. قيل مات بالبصرة سنة ثمان وأربعين ومائتين (قوله خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليمان أبو عثمان البصرى. روى عن هشام بن عروة وأيوب السختياني وابن عون وابن عجلان وغيرهم. وعنه أحمد وإسحاق بن راهويه ومحمد بن المثنى وعمرو بن على ومحمد بن الفضل وآخرون. قال أحمد إليه المنتهى في التثبت بالبصرة وقال أبو حاتم إمام ثقة وقال ابن معين من أثبت شيوخ البصريين وقال الترمذى ثقة مأمون سمعت ابن المثني يقول. ما رأيت بالبصرة مثله وقال الدارقطنى أحد الأثبات ووثقه ابن حبان وابن شاهين والنسائى وابن سعد توفى بالبصرة سنه ست وثمانين ومائة. روى له الجماعة (قوله عياض بن عبد الله) بن سعد بن أبى سرح بن الحارث القرشي العامرى. روى عن أبى هريرة وأبى سعيد الخدرى وجابر بن عبد الله وعنه زيد بن أسلم وسعيد المقبرى ومحمد بن عجلان وبكير بن الأشجّ وغيرهم. وثقه النسائى وابن حبان وابن معين. مات بمكة على رأس المائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله كان يحب العراجين) هى جمع عرجون بضم العين المهملة وهو العود الأصفر الذي فيه الشماريخ إذا يبس واعوجّ من الانعراج وهو الانعطاف والواو والنون فيه زائدتان. ولعله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب حملها لما فيها من المنافع (قوله أيسرّ أحدكم الخ) استفهام إنكارى بمعنى النفى أى لا يسرّ أحدكم البصاق في وجهه. والغرض منه التوبيخ والتحذير من مثل ذلك. وبيان شرف القبلة وأن البصاق جهتها كالبصاق في وجه أحدهم في الأذى وإثارة الغضب فالله عزّ وجلّ يغضب من البصاق جهة القبلة لأنها جهة المناجاة (قوله فإنما يستقبل ربه) أى قبلة ربه كما تقدم (قوله والملك عن يمينه) الظاهر أن هذا الملك كاتب الحسنات، وخصّ بهذا تكرمة له على صاحب الشمال. وقيل إنه ملك خاصّ يحضر الصلاة للتأمين على الدعاء (قوله فلا يتفل عن يمينه) تنزيها لليمين عن الأقذار أو تشريفا للملك. وعند ابن أبى شيبة بسند صحيح لا يبزق عن يمينه ففى يمينه كاتب الحسنات ولكن يبزق عن شماله أو خلف ظهره (قوله وليبصق

عن يساره أو تحت قدمه) قال الحافظ كذا للأكثر. وفي رواية أبى الوقت وتحت قدمه بالواو. ووقع عند مسلم من طريق أبى رافع عن أبى هريرة ولكن عن يساره تحت قدمه بحذف أو، وكذا للمصنف من حديث أنس في أواخر الصلاة، والرواية التي فيها أو أعمّ لكونها تشمل ما تحت القدم وغيره. وفى الرواية الآتية وليبصق عن يساره تحت رجله اليسرى بحذف أو (وظاهر الحديث) أن المصلى لا يكون عن يساره ملك. وبه قال القاضى عياض وقال لأنه لا يجد ما يكتب لأن المصلى في طاعة اهـ "لكن ما ذكره" من أنه لا يجد ما يكتب "مردود" يحديث إدبار الشيطان عند سماع الأذان ورجوعه في الصلاة بعد انتهائه ووسوسته للمصلى حال الصلاة فقد يترتب عليها الوقوع في المخالفة. وأحسن ما يجاب به أن يقال إن لكل واحد قرينا وموقفه في يساره كما ورد في حديث الطبرانى عن أبى أمامة وفيه أنه يقوم بين يدى الله وملكه عن يمينه وقرينه عن يساره فالمصلى إذا تفل عن يساره يقع على الشيطان ولا يصيب الملك منه شيء أو أنه يتحوّل في الصلاة إلى اليمين (قوله فإن عجل به أمر الخ) أى إن غلب عليه البزاق أو النخامة ولم يتمكن من إلقائها جهة يساره أو تحت قدمه فليتفل في ثوبه. وفي رواية لمسلم فإن لم يجد فليقل به هكذا (قوله ووصف لنا الخ) أى قال خالد بن الحارث بين لنا محمد بن عجلان كيفية فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأن تفل في ثوبه ومسح بعضه ببعض. وفى رواية لمسلم فتفل في ثوبه ثم مسح بعضه على بعض. وفي رواية للبخارى ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم ردّ بعضه على بعض فقال أو يفعل هكذا (فقه الحديث) والحديث يدلّ زيادة على ما تقدم على مشروعية استصحاب الشخص شيئا في يده كالعرجون والعصا لقضاء المصالح، وعلى طلب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وعلى مشروعية الجمع في التعليم بين القول والفعل، وعلى جواز البصق جهة اليسار أو تحت القدم عند الحاجة فإن لم يمكن بصق في ثوبه ثم مسح بعضه ببعض، وعلى أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حريص على مصالح الأمة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الحاكم بلفظ إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يعجبه العراجين أن يمسكها بيده فدخل المسجد ذات يوم وفى يده واحد منها فرأى نخامات في قبلة المسجد فحتهنّ حتى أنقاهنّ ثم أقبل على الناس "الحديث" وقال حديث صحيح على شرط مسلم (ص) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْفَضْلِ السِّجِسْتَانِيُّ، وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالُوا: حَدَّثَنَا حَاتِمُ يَعْنِي بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُجَاهِدٍ أَبُو حَزْرَةَ، عَنْ عُبَادَةَ

بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَتَيْنَا جَابِرًا يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ فِي مَسْجِدِهِ، فَقَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي مَسْجِدِنَا هَذَا، وَفِي يَدِهِ عُرْجُونُ ابْنِ طَابٍ فَنَظَرَ فَرَأَى فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ نُخَامَةً فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا، فَحَتَّهَا بِالْعُرْجُونِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يُعْرِضَ اللَّهُ عَنْهُ بِوَجْهِهِ» ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَلَا يَبْصُقَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ، وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَبصُقْ عَنْ يَسَارِهِ تَحْتَ رِجْلِهِ الْيُسْرَى، فَإِنْ عَجِلَتْ بِهِ بَادِرَةٌ فَلْيَقُلْ بِثَوْبِهِ هَكَذَا» وَوَضَعَهُ عَلَى فِيهِ ثُمَّ دَلَكَهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَرُونِي عَبِيرًا» فَقَامَ فَتًى مِنَ الْحَيِّ يَشْتَدُّ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِخَلُوقٍ فِي رَاحَتِهِ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَهُ عَلَى رَأْسِ الْعُرْجُونِ ثُمَّ لَطَخَ بِهِ عَلَى أَثَرِ النُّخَامَةِ، قَالَ جَابِرٌ: فَمِنْ هُنَاكَ جَعَلْتُمُ الْخَلُوقَ فِي مَسَاجِدِكُمْ (ش) (رجال الحديث) (قوله السجستانى) نسبة إلى سجستان بكسر أوله وثانيه وسين مهملة ساكنة ومثناة فوقية ناحية كبيرة بخراسان (قوله سليمان بن عبد الرحمن) بن عيسي بن ميمون أبو أيوب التميمي الدمشقى. روى عن يحيى بن حمزة وابن عيينة ومروان بن معاوية وعيسى بن يونس وكثيرين. وعنه أبو حاتم والبخارى والترمذى والنسائي. قال ابن معين وابن حبان ليس به بأس ثقة إذا روى عن المعروفين وقال صالح بن محمد لا بأس به ولكنه يحدّث عن الضعفاه وقال الدارقطنى ثقة وقال أبو داود ثقة يخطئُ وقال أبو حاتم والنسائى صدوق وزاد أبو حاتم مستقيم الحديث ولكنه روى عن الضعفاء والمجهولين. توفى سنة اثنتين أو ثلاث وثلاثين ومائتين (قوله حاتم يعنى ابن إسماعيل) الكوفى الأصل أبو إسماعيل نزيل المدينة. روى عن هشام ابن عروة وجعفر بن محمد ويحيى بن سعيد الأنصارى ويزيد بن أبي عبيد. وعنه قتيبة بن سعيد وابن مهدى وإسحاق بن راهويه والقعنبى وغيرهم. قال الخطيب كان ثقة وقال ابن سعد كان ثقة مأمونا كثير الحديث وقال النسائى لا بأس به ليس بالقوى ووثقه العجلى وابن معين وابن حبان قيل مات بالمدينة سنة ست أو سبع وثمانين ومائة (قوله عبادة بن الوليد الخ) أبى الصامت الأنصارى. روى عن أبيه وجدّه وكعب بن عمرو وجابر في عبد الله وأبى سعيد الخدرى

التحذير من البصق جهة القبلة ومنع الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من فعله من الإمامة

وآخرين. وعنه يحيى بن سعيد ويزيد بن الهاد ويعقوب بن مجاهد ومحمد بن عجلان وغيرهم. وثقه أبو زرعة والنسائي وابن حبان. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه. وقوله (يعني ابن عبد الله) العناية من يعقوب بن مجاهد (معنى الحديث) (قوله وفى يده عرجون ابن طاب) هو رجل من أهل المدينة ينسب إليه نوع من تمر المدينة (قوله أيكم يحب أن يعرض الله عنه) من الإعراض وهو التولية والمراد منه لازمه وهو الغضب. والاستفهام فيه للتوبيخ والتهديد (قوله فليقل بثوبه هكذا الخ) أى فليفعل بثوبه هكذا ووضع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثوبه على فمه ثم دلكه حتى تلاشي البزاق فيه (قوله أرونى عبيرا) يعنى أحضروا لى عبيرا بفتح العين المهملة وكسر الموحدة وهو نوع من الطيب ذو لون مركب من زعفران وغيره (قوله فقام فتى من الحيّ الخ) أى فقام شابّ من القبيلة يعدو ويسرع في مشيه فجاء بخلوق في كفه فأخذه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فجعله على رأس العود ثم لوّث به أثر النخامة لإزالة المستقذر من المسجد. والخلوق بفتح الخاء المعجمة وضم اللام وفى آخره قاف طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة وهو من طيب النساء اهـ نهاية (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ الْجُذَامِيِّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيْوَانَ، عَنْ أَبِي سَهْلَةَ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ -قَالَ أَحْمَدُ: مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ- أَنَّ رَجُلًا أَمَّ قَوْمًا، فَبَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَنْظُرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَرَغَ: «لَا يُصَلِّي لَكُمْ»، فَأَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ لَهُمْ فَمَنَعُوهُ وَأَخْبَرُوهُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «نَعَمْ»، وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّكَ آذَيْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ -» (ش) (رجال الحديث) (قوله عمرو) بن الحارث (قوله الجذامى) نسبة إلى جذام بوزن غراب قبيلة من معدّ (قوله صالح بن حيوان) بالحاء المهملة السبائى المصرى كما قاله البخارى

وابن يونس. ويقال بالخاء المعجمة "وقال" ابن الأعرابى عن أبى داود ليس أحد يقوله خيوان بالخاء المعجمة إلا أخطأ. وقد فهم الدارقطني أنه الخولاني فقال هو بالخاء المعجمة لكن قد علمت أنه السبائى فالحقّ أنه بالمهملة "ففى" تهذيب التهذيب قال سعيد بن كثير من نسبه خولانيا فهو بالمعجمة ومن نسبه سبائيا فهو بالمهملة. روى عن عقبة بن عامر وابن عمر وأبى سهلة. وعنه بكر بن سوادة وثقه العجلى وابن حبان وصحح حديثه ابن القطان وعاب على عبد الحق في قوله لا يحتجّ به. روى له أبو داود (قوله السائب بن خلاد) بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امرئ القيس الخزرجى المدني. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه صالح بن حيوان وعطاء بن يسار وعبد الرحمن بن أبى صعصعة وغيرهم. شهد بدرا وهو صحابى عمل لعمر على اليمن. مات سنة إحدى وسبعين. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (قوله قال أحمد الخ) أى قال أحمد بن صالح السائب بن خلاد من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وإنما قال ذلك لأنه لم يكن من مشاهير الصحابة. ولردّ قول بعضهم إنه ليس بصحابى (معنى الحديث) (قوله أن رجلا أم قوما) أى صلى بهم إماما. ولعلهم كانوا وفدا أتوا بعد فراغه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الصلاة (قوله فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى قال لقومه وقت انتهاء الرجل من الصلاة لا يصلى لكم بإثبات المثناة التحتية أى لا يؤمكم هذا الرجل بعد لما فعل من الإخلال بالأدب وعدم احترام القبلة (وهو نفى) بمعنى النهى. ووجه الخطاب إليهم دونه زجرا وتحذيرا له عن مثل هذا الصنع. هذا على أنه كان موجودا معهم وقت الخطاب. ويحتمل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وجه الخطاب إليهم بعد ذهاب الرجل وهو الأقرب. ويؤيده ما في الحديث نفسه من أنهم منعوه وأخبروه بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ولأنه لو كان موجودا وقت الخطاب ونهيه عن إمامته بهم ما احتاج إلى إخبارهم له ولما تقدّم للإمامة ثانيا ولما احتاج إلى الاستفسار بعد (قال) في شرح السنة في الإعراض عنه غضب شديد حيث لم يجعله محلا للخطاب أو أن هذا النهى في غيبته اهـ (قوله فمنعوه) أى منع القوم الرجل عن الإمامة بهم (قوله فذكر ذلك الخ) أى ذكر الرجل للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منع قومه له عن الإمامة وإخبارهم له بأن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى عن إمامته فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نعم نهيت عن إمامتك (قوله وحسبت الخ) أى قال السائب بن خلاد ظننت أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال بعد قوله نعم تعليلا إنك آذيت الله ورسوله أى فعلت فعلا يكرهه الله ورسوله -أما كراهة النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم لإمامته فظاهرة- وأما كراهة الله تعالى فهى كناية عن انتقامه. ويحتمل أن المراد أذية الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقط وذكر

الله للتبرّك. أو أن إيذاء الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمخالفة نهيه ولا سيما بحضرته منزّل منزلة إيذائه تعالى. وقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا القول زجرا وتهديدا له فلا يدخل تحت قوله تعالى "إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة" لأن هذا الفعل صدر من الرجل جهلا أو خطأ فلا يكون كفرا (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه لا يؤم الناس في الصلاة إلا من كان متأدبا بالآداب الشرعية، وعلى أن الإمام إذا ارتكب شيئا من المخالفات يبعد عن الإمامة، وعلى أنه يطلب من كبير القوم أن يتفقد أحوال رعيته، وعلى التنفير من مخالفة الشريعة لما يترتب على ذلك من غضب الله عزّ وجلّ وغضب رسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن حبان في صحيحه وأخرج الطبراني عن ابن عمر نحوه بلفظ أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رجلا يصلى بالناس الظهر فتفل بالقبلة وهو يصلى للناس فلما كان صلاة العصر أرسل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى آخر فأشفق الرجل الأول فجاء إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله أنزل فيّ شئ قال لا ولكنك تفلت بين يديك وأنت تؤم الناس فآذيت الله والملائكة (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، أَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَبَزَقَ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى». (ش) (رجال الحديث) (قوله حماد) بن سلمة. و (سعيد) بن إياس (الجريرى) نسبة إلى جرير بالتصغير موضع قرب مكة (قوله عن أبى العلاء) هو يزيد بن عبد الله بن الشخير العامرى البصرى. روى عن أبيه ومطرّف وأبى هريرة وسمرة بن جندب. وعنه قتادة وسليمان وخالد الحذاء وآخرون. وثقه النسائى وابن حبان وابن سعد والعجلى. قيل توفى سنة ثمان ومائة. روى له الجماعة (قوله عن أبيه) هو عبد الله بن الشخير بن عوف بن كعب العامرى الصحابي. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه بنوه مطرّف ويزيد وهانئ. روى له مسلم وأبو داود والترمذى وابن ماجه والنسائى (معنى الحديث) (قوله فبزق تحت قدمه اليسرى) قال العينى هذا كان في غير المسجد لأن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى عن البزاق في المسجد مطلقا اهـ لكن ما قاله ليس بمتعين لاحتمال أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل ذلك في المسجد ودفنها

أو دلكها بنعله كما في الرواية الآتية (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، بِمَعْنَاهُ زَادَ ثُمَّ دَلَكَهُ بِنَعْلِهِ (ش) ساق المصنف هذه الرواية لبيان أنه قد اختلف على سعيد الجريرى في الحديث فرواه عنه حماد بن سلمة عن أبي العلاء عن أبيه مطرّف عن أبيه بواسطة مطرّف بينه وبين أبيه ورواه عنه يزيد بن زريع عن أبى العلاء عن أبيه بلا واسطة أخيه مطرّف وبزيادة ثم دلكه بنعله وهكذا رواية مسلم من طريق يزيد بن زريع ورواه أيضا من طريق كهمس عن يزيد بن عبد الله عن أبيه بدون واسطة مطرّف ورواه الحاكم من طريق إسماعيل بن إبراهيم عن الجريرى عن أبى العلاء عن أبيه بلا واسطة مطرّف أيضا (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ، "فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ بَصَقَ عَلَى الْبُورِيِّ، ثُمَّ مَسَحَهُ بِرِجْلِهِ، فَقِيلَ لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: لِأَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَفْعَلُهُ " (ش) (رجال الحديث) (قوله الفرج بن فضالة) بن النعمان بن نعيم الحمصى أبو فضالة القضاعي. روى عن يحيى بن سعيد وهشام بن عروة وعبد الله بن عامر. وعنه شعبة ووكيع وبقية بن الوليد وقتيبة بن سعيد وكثيرون. ضعفه النسائى وابن المدينى وابن معين والدارقطنى والساجى وابن سعد وقال يحيى بن سعيد والشيخان منكر الحديث وقال الحاكم ليس بالقائم وقال أبو حاتم صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه (قوله عن أبي سعيد) الحميرى الحمصى. وفي نسخة عن أبي سعد. روى عن واثلة وأبى هريرة. وعنه الفرج بن فضالة. قال ابن القطان لا يعرف. روى له أبو داود (قوله رأيت واثلة بن الأسقع) ابن كعب بن عامر. أسلم قبل تبوك وشهدها معه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وكان من أهل الصفة. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ستة وخمسون حديثا انفرد البخارى بواحد ومسلم بآخر. روى عن أبى هريرة وأبى مرثد الغنوى وأم سلمة وعنه عبد الواحد بن عبد الله وشداد بن عبد الله ومكحول وكثيرون. توفى بدمشق سنة ثلاث وثمانين وهو ابن ثمان وسبعين سنة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله بصق على البورىّ) بضم الموحدة وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف

باب في المشرك يدخل المسجد

هو الحصير المتخذ من القصب وهو كل نبات يكون ساقه أنابيب وكعوبا (قوله لأنى رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعله) أى كان يبزق على البورىّ ثم يمسحه برجله. وهذا الحديث معارض لما تقدم من أن التفل في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها. والتفل على البورىّ لا يمكن دفنه. ومسحه بالرجل يزيده تلويثا وانتشارا فيزيد الضرر. لكن لا معارضة لأن هذا الحديث فيه فرج بن فضالة وقد ضعفه غير واحد كما تقدم وفيه أيضا أبو سعيد وقد قال ابن القطان لا يعرف بخلاف الحديث المتقدم فإنه صحيح (باب في المشرك يدخل المسجد) (ص) حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ، أَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَقُلْنَا لَهُ: هَذَا الْأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَجَبْتُكَ» فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي سَائِلُكَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ. (ش) (قوله الليث) بن سعد (قوله دخل رجل) هو ضمام بن ثعلبة كما في الرواية الآتية (قوله فأناخه في المسجد) أى مسجده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (واستنبط) منه ابن بطال طهارة أبوال الإبل وأرواثها إذ لا يؤمن منه ذلك مدّة كونه في المسجد ولم ينكره النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قال) في الفتح دلالته غير واضحة وإنما فيه مجرد الاحتمال. ويدفعه رواية أبى نعيم أقبل على بعير له حتى أتى المسجد فأناخه ثم عقله فدخل المسجد. فهذا السياق يدلّ على أنه ما دخل به المسجد. وأصرح منه رواية ابن عباس عند أحمد والحاكم ولفظها فأناخ بعيره على باب المسجد فعقله ثم دخل. فعلى هذا في رواية أنس مجاز حذف والتقدير فأناخه في ساحة المسجد أو نحو ذلك اهـ (قوله ثم عقله) أى شدّ على ساق الجمل حبلا بعد أن ثنى ركبتيه (قوله متكئ بين ظهرانيهم) أى جالس بينهم على وطاء (قال) الخطابى كل من استوى قاعدا على وطاء فهو متكئ والعامة لا تعرف المتكئ إلا من مال على أحد شقيه اهـ وزيدت في ظهرانيهم ألف ونون توكيدا (قال في النهاية) قد تكرّرت هذه اللفظة في الحديث والمراد بها أنهم أقاموه بينهم على سبيل الاستظهار والاستناد إليهم. وزيدت فيه ألف ونون مفتوحة تأكيدا ومعناه أن ظهرا

يعنى جماعة منهم قدّامه وظهرا منهم وراءه فهو مكنوف من جانبيه ومن حواليه إذا قيل بين أظهرهم ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقا اهـ (قوله يا ابن عبد المطلب) نسبه إلى جده لكونه كان مشهورا بين العرب به فإن أباه مات قبل ولادته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنسب إلى جدّه (قوله قد أجبتك) يعني سمعتك. وكثيرا ما تكنى العرب بمثل هذا عن الإجابة بنعم (وقال) في الفتح إنما لم يقل له نعم لأنه لم يخاطبه بما يليق بمنزلته من التعظيم لا سيما مع قوله تعالى "لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا" والعذر عنه إن قلنا إنه قدم مسلما أنه لم يبلغه النهى وكانت فيه بقية من جفاء الأعراب وقد ظهرت بعد ذلك في قوله فمشدّد عليك في المسألة وفى قوله في رواية ثابت وزعم رسولك أنك تزعم. ولهذا وقع في أول رواية ثابت عن أنس كنا نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجئ الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع. زاد أبو عوانة في صحيحه وكانوا أجرأ على ذلك منا. يعني أن الصحابة واقفون عند النهى وأولئك يعذرون بالجهل. وتمنوه عاقلا ليكون عارفا بما يسأل عنه. وظهر عقل ضمام في تقديمه الاعتذار بين يدى مسألته لظنه أنه لا يصل إلى مقصوده إلا بتلك المخاطبة. وفى رواية ثابت من الزيادة أنه سأله من رفع السماء وبسط الأرض وغير ذلك من المصنوعات ثم أقسم عليه به أنه يصدقه عما يسأل عنه. وكرّر القسم تأكيدا وتقريرا للأمر ثم صرّح بالتصديق فكل ذلك دليل على حسن تصرفه وتمكن عقله فلهذا قال عمر في رواية عن أبى هريرة ما رأيت أحدا أحسن مسألة ولا أوجز من ضمام اهـ (قوله وساق الحديث) أى ذكر أنس الحديث. وتمامه كما في البخارى يا محمد إنى سائلك فمشدّد عليك في المسألة فلا تجد عليّ في نفسك فقال سل عما بدالك فقال أسألك بربك وربّ من قبلك آلله أرسلك إلى الناس كلهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم نعم قال أنشدك بالله آلله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة قال اللهم نعم قال أنشدك بالله آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة قال اللهم نعم قال أنشدك بالله آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم اللهم نعم فقال الرجل آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائى من قومى وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بنى سعد بن بكر. وكانوا أرسلوه سنة تسع من الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليستطلع خبر الرسالة "وقوله فلا تجد عليّ أى لا تغضب من وجد عليه إذا غضب. ولم يذكر الحج في هذه الرواية وقد ذكره مسلم في رواية عن أنس" وقوله آمنت بما جئت به يحتمل أن يكون إنشاء إسلام وأنه لم يكن مسلما وقت قدومه وبه قال القرطبي وجماعة. ويدلّ له ما رواه ابن إسحاق وغيره عن ابن عباس أن بني سعد بن بكر بعثوا ضمام بن ثعلبة "الحديث" وفيه حتى إذا فرغ قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. ويدل له أيضا

الخلاف في ذلك * ما دل عليه حديث أنس من مشروعية السفر لتعلم العلم وغير ذلك من المسائل

ما في حديث ثابت عن أنس عند مسلم فإن رسولك زعم. فإن الزعم القول الذى لا يوثق به. وعلى هذا يكون الحديث مطابقا للترجمة. ويحتمل أن يكون قوله آمنت إخبارا عن إيمانه السابق. وهو اختيار البخارى ورجحه القاضى عياض. وحضر ضمام ليتثبت ما أخبر به رسول رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ففى الطبراني عن كريب عن ابن عباس أتتنا كتبك ورسلك (وقال) الكرمانى ومما يؤيد أنه إخبار أنه لم يسأل عن دليل التوحيد بل عن عموم الرسالة وعن شرائع الإسلام ولو كان إنشاء لطلب معجزة توجب له التصديق "وأطال" ابن حجر في ترويجه. لكن ما ذكروه لا ينهض أن يكون حجة على إيمانه قبل قدومه (فالظاهر) أنه إنشاء كما ذهب إليه الأولون (فقه الحديث) والحديث يدلّ على جواز دخول الكافر المسجد إذا كانت له فيه حاجة (واختلف) في ذلك فذهب أبو حنيفة إلى جواز دخول الكتابى مطلقا دون غيره محتجا بما رواه أحمد في مسنده بسند جيد عن جابر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يدخل مسجدنا هذا بعد عامنا هذا مشرك إلا أهل العهد وخدمهم "وبه قال" مجاهد وابن محيريز (وقال) عمر بن عبد العزيز وقتادة والمزنى لا يجوز دخوله مطلقا (وقال مالك) لا يجوز دخوله إلا لحاجة (وذهبت) الشافعية إلى أنه يجوز دخول الكافر المسجد بإذن المسلم سواء أكان كتابيا أم غيره إلا مسجد مكة وحرمه. مستدلين بحديث الباب وبما رواه البخارى عن أبى هريرة قال بعث النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بنى حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سوارى المسجد فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من السجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ودلّ الحديث أيضا على جواز الاتكاء في المسجد وعلى مشروعية التعريف بالأوصاف، وعلى جواز الخطاب باسم الجدّ لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله سلم أقرّ الرجل حيث قال له يا ابن عبد الطلب. وعلى عظيم حلمه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومكارم أخلاقه. وعلى مشروعية إجابة السائل وإن تكرّر منه السؤال. وعلى مشروعية تعريف الشخص نفسه لمن لم يعرفه. وعلى مشروعية السفر لطلب العلم، وعلى مشروعية تحصيل العلم بالواسطة لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقرّ الرجل على كل ذلك (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشيخان والنسائى وابن ماجه وأحمد والحاكم (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، ثَنَا سَلَمَةُ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ نُوَيْفِعٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَتْ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ

ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَقَدِمَ عَلَيْهِ فَأَنَاخَ بَعِيرَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، قَالَ: فَقَالَ: أَيُّكُمْ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ»، قَالَ: يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ (ش) غرض المصنف بسياق هذه الرواية بيان الاختلاف الواقع بينها وبين رواية أنس السابقة ففى رواية أنس لم يذكر اسم السائل وقال فأناخه في المسجد وعبر في السؤال باسم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وفي رواية ابن عباس ذكر اسم السائل وقال فأناخ بعيره عند باب المسجد وعبر في السؤال بابن عبد المطلب. وسيأتى بيان وجه الاختلاف (قوله محمد بن الوليد بن نويفع) بالتصغير الأسدى مولى الزبير بن العوام. روى عن كريب مولى ابن عباس وعبه محمد بن إسحاق. قال الدارقطنى من أهل المدينة يعتبر به وذكره ابن حبان في الثقات روى له أبو داود (معنى الحديث) (قوله بعثت بنو سعد) وفي نسخة بعث "وذلك" كان سنة تسع من الهجرة كما صرّح به الحافظ ابن حجر. وجزم به ابن إسحاق وأبو عبيدة خلافا لما جزم به الواقدى من أن قدومه كان سنة خمس من الهجرة (قوله عند باب المسجد) وفي نسخة على باب المسجد وهذا صريح في أنه أناخ بعيره خارج المسجد فيؤيد ما تقدم من أن قوله فأناخه في المسجد على حذف مضاف (قوله فذكر نحوه) أى ذكر ابن عباس نحو حديث أنس (قوله أيكم ابن عبد المطلب الخ) هذا لا ينافى ما تقدم في الحديث السابق من أنه قال أيكم محمد ومن أن المجيب له الصحابة لاحتمال أنه قال أيكم محمد بن عبد المطلب فاقتصر أنس على لفظ أيكم محمد. وابن عباس على لفظ ابن عبد المطلب. ولاحتمال أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أجابه بقوله أنا ابن عبد المطلب اعتناء بشأنه بعد إجابة الصحابة بقولهم هذا الأبيض المتكئ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ثَنَا رَجُلٌ، مِنْ مُزَيْنَةَ وَنَحْنُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " الْيَهُودُ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا تَقُول

باب المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة

فِي رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا مِنْهُمْ " (ش) (قوله عبد الرزاق) بن همام و (معمر) بن راشد (قوله رجل من مزينة) بالتصغير وهو مجهول (قوله في أصحابه) أي بين جماعة من أصحابه (قوله ما تقول في رجل وامرأة الخ) أى في شأن رجل وامرأة زنيا. وسيأتى الحديث للمصنف في الحدود إن شاء الله تعالى (وحاصل) القصة أن رجلا وامرأة من اليهود محصنين زنيا فأفتى الأحبار بأنهما يجلدان مائة سوط ويسودان بالفحم ويركبان على حمار مقلوبين ثم بعثوا بنى قريظة للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسألونه عن ذلك وقالوا إن قال لكم مثل ذلك فهو صادق وقوله حجة لنا عند ربنا وإلا فهو كذاب فأتوه فأخبرهم بأنهما يرجمان وفى التوراة كذلك فقالوا إن أحبارنا أخبرونا بأنهما يجلدان فقال جبريل للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اجعل بينك وبينهم ابن صوريا ووصفه له فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هل تعرفون شابا أبيض أعور يقال له ابن صوريا قالوا نعم هو أعلم يهودى على وجه الأرض بما في التوراة قال فأرسلوا إليه فأحضروه ففعلوا فأتاهم فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنت ابن صوريا قال نعم قال وأنت أعلم اليهود قال كذلك يزعمون قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لهم أترضون به حكما قالوا نعم قال له النبيّ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنشدك الله الذى لا إله إلا هو الذي فلق البحر وأنجاكم وأغرق آل فرعون هل تجدون في كتابكم الرجم على من أحصن قال نعم والذي ذكرتنى به لولا خشيت أن تحرقنى التوراة إن كذبت أو غيرت ما اعترفت فوثب عليه سفلة اليهود فقال أنا خفت إن كذبت أن ينزل علينا العذاب ثم سأل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن أشياء كان يعرفها من أعلامه فأجابه عنها فأسلم وأمر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالزانيين فرجما عند باب المسجد (باب المواضع التى لا تجوز فيها الصلاة) أى وما تجوز فيها الصلاة. ففى الكلام اكتفاء "وبهذا يظهر" مطابقة الحديث الأول للترجمة (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا»

الكلام فما يصح به التيمم

(ش) (رجال الحديث) (قوله جرير) بن عبد الحميد. و (الأعمش) هو سليمان ابن مهران (قوله عبيد بن عمير) بالتصغير فيهما ابن قتادة بن سعيد الليثى أبى عاصم المكي قاضى مكة. روى عن أبيه وعمر وعلى وأبى موسى الأشعرى وأبيّ بن كعب وآخرين، وعنه عطاء ابن أبى رباح وعمرو بن دينار ومجاهد وكثيرون. قال ابن معين وأبو زرعة ثقة وقال العجلي ثقة من كبار التابعين وذكره ابن حبان في الثقات وقال مجاهد نفخر على التابعين بأربعة فذكره فيهم مات سنة أربع أو ثمان وستين. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله جعلت لى الأرض طهورا الخ) أى مطهرا عند عدم المقدرة على استعمال الماء قال الله تعالى "وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا" وفى الكلام حذف الواو مع معطوفها أى جعلت لى ولأمتى كما يدلّ عليه رواية مسلم عن حذيفة بن اليمان جعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا وكما في رواية أبى أمامة عند البيهقى أن نبى الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن الله قد فضلني على الأنبياء أو قال أمتي على الأمم بأربع جعل الأرض كلها لى ولأمتي طهورا ومسجدا (واحتج أبو حنيفة) بهذا الحديث على أن التيمم جائز بجميع أجزاء الأرض من رمل وجصّ ونورة وزرنيخ ونحوها (وبه قال مالك) إلا ما كان محروقا (وذهب) الشافعى وأحمد وجماعة إلى أنه لا يجوز التيمم إلا بالتراب خاصة وحملوا المطلق في حديث الباب على المقيد في حديث حذيفة وتقدم بيان ذلك في التيمم مستوفى. وقوله ومسجدا أى موضع صلاة لا تختص منها بموضع دون غيره. ويمكن أن يكون من باب التشبيه البليغ أى جعلت الأرض كالمسجد في جواز الصلاة. وهذا من باب الامتنان على هذه الأمة حيث رخص لها الصلاة في جميع بقاع الأرض إلا ما نهى عن الصلاة فيه إما لنجاسته كالمقبرة والمجزرة والمزبلة أو لمعنى آخر كمعاطن الإبل والحمام وقارعة الطريق كما سيأتي بخلاف الأمم المتقدّمة لأنهم كانوا لا يصلون إلا في كنائسهم وبيعهم كما قاله الخطابى وهو الأظهر. ويؤيده ما ذكره في رواية عمرو بن شعيب من قوله وكان من قبلى إنما كانوا يصلون في كنائسهم وما أخرجه البزار من حديث ابن عباس وفيه. لم يكن من الأنبياء أحد يصلى حتى يبلغ محرابه (وقال) القاضى المراد جعلت لى الأرض مسجدا وطهورا وجعلت لغيرى مسجدا ولم تجعل له طهورا اهـ "وقيل" إنما أبيح لهم في موطن يتيقنون طهارته بخلاف هذه الأمة فأبيح لها في جميع الأمكنة إلا فيما يتيقنون نجاسته (فقه الحديث) والحديث يدل على أن الله تعالى اختص هذه الأمة. بجواز التيمم عند الحاجة إليه. وعلى جواز الصلاة في أىّ مكان من الأمكنة الطاهرة

التنفير من الصلاة بأرض بابل

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى والبيهقى عن جابر بن عبد الله مطولا بلفظ إن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلّ وأحلت لى الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلى وأعطيت الشفاعة وكان النبى يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة. وأخرجه مسلم والنسائى وابن ماجه عن جابر مطولا بنحوه (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، أَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنُ أَزْهَرَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ الْمُرَادِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْغِفَارِيِّ، أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، مَرَّ بِبَابِلَ وَهُوَ يَسِيرُ فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ، فَلَمَّا بَرَزَ مِنْهَا أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ، فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: «إِنَّ حِبِّي صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ نَهَانِي أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْمَقْبَرَةِ، وَنَهَانِي أَنْ أُصَلِّيَ فِي أَرْضِ بَابِلَ فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ». (ش) (رجال الحديث) (قوله سليمان بن داود) العتكي الزهرانى. و (ابن وهب) هو عبد الله. و (ابن لهيعة) هو عبد الله بن لهيعة بن عقبة. و (يحيى بن أزهر) المصرى روى عن حجاج بن شدّاد وأفلح بن حميد وعمار بن سعد. وعنه ابن القاسم وابن وهب وبكر ابن مضر وغيرهم، قال الذهبي ثقة وأثنى عليه ابن بكير وقال في التقريب صدوق وذكره ابن حبان في الثقات. توفى سنة إحدى وستين ومائة. روى له أبو داود (قوله عمار بن سعد) السلهمى روى عن عمر وعقبة بن نافع وأبى صالح الغفارى ويزيد بن رباح وغيرهم. وعنه ابن لهيعة وبكير بن الأشج وحيوة بن شريح ويحيى بن أزهر وطائفة، قال ابن يونس ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. توفى سنة ثمان وأربعين ومائة. روى له أبو داود، و (المرادى) نسبة إلى مراد قبيلة (قوله عن أبى صالح) هو سعيد بن عبد الرحمن بن مليك الغفارى. روى عن عليّ وأبى هريرة وعقبة بن عامر. وعنه الحجاج بن شداد وعمار بن سعد، قال العجلي تابعى ثقة وذكره ابن حبان. في الثقات وقال ابن يونس ما أظنه سمع من على. روى له أبو داود (معنى الحديث) (قوله مرّ ببابل) أى وهو في بعض أسفاره، وبابل أقدم أبنية العراق ينسب إلى أهلها السحر والخمر. كانت ملوك الكنعانيين وغيرهم يقيمون بها. وبها آثار أبنية من قديم الزمان. ويقال إن أول من سكنها وعمرها نوح عليه الصلاة والسلام وكان قد نزلها عقب الطوفان هو ومن كان معه في السفينة لطلب الدفء فأقاموا بها وتناسلوا فيها وكثروا من بعد نوح

مذاهب العلماء في الصلاة في المقابر

وملكوا عليهم ملوكا وابتنوا بها المدائن واتصلت مساكنهم بدجلة والفرات. وقال أبو المنذر إن مدينة بابل كانت اثني عشر فرسخا في مثل ذلك وكان بابها مما يلي الكوفة وكان الفرات يجرى بها حتى صرفه بختنصر إلى موضعه الآن مخافة أن يهدم سور المدينة (قوله يؤذنه) أى يعلمه من آذن بالمدّ ويؤذن فسقط في المضارع إحدى الهمزتين (قوله فلما برز منها الخ) أى خرج من أرض بابل. وهو مرتب على مجذوف أى أن المؤذن جاء يؤذنه بالصلاة فأمره بالانتظار حتى يخرج منها فلما خرج أمر المؤذن فأقام الصلاة الخ (قوله إنّ حبي) بكسر الحاء المهملة. وفي نسخة حبيبى يعني النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم (قوله نهاني أن أصلى في المقبرة) بفتح الميم وقد تكسر وبتثليث الموحدة وهى المحلّ الذى يذفن فيه الموتى (وفي الحديث دلالة) على منع الصلاة في المقابر. وقد اختلف في ذلك فذهب أحمد وأصحابه إلى تحريم الصلاة فيها وعدم صحتها. ولم يفرق بين المنبوشة وغيرها ولا بين أن يفرش عليها شيء يقي من النجاسة أولا ولا بين أن يكون في القبور أو في مكان منفرد عنها كالبيت. وإلى ذلك ذهبت الظاهرية (قال) ابن حزم وبه قال طوائف من السلف فحكى عن خمسة من الصحابة النهي كما ذلك وهم عمر وعلي وأبو هريرة وأنس وابن عباس. وقال ما نعلم لهم مخالفا من الصحابة وحكاه عن جماعة من التابعين إبراهيم النخعى ونافع بن جبير بن مطعم وطاوس وعمرو بن دينار وخيثمة وغيرهم اهـ "وقوله" ما نعلم لهم مخالفا من الصحابة "إخبار" عن علمه وإلا فقد حكى الخطابي في معالم السنن عن عبد الله بن عمر أنه رخص في الصلاة في المقبرة. وحكي أيضا عن الحسن أنه صلى في المقبرة. وقد ذهب إلى تحريم الصلاة على القبر من أهل البيت المنصور بالله والهادوية وصرحوا بعدم صحتها إن وقعت فيها (وفرقت الشافعية) بين المقبرة المنبوشة وغيرها فقالوا إذا كانت منبوشة ومختلطة بلحم الموتى وصديدهم وما يخرج منهم لم تجز الصلاة فيها للنجاسة فإن صلى في مكان طاهر منها أجزأته. وإن كانت غير منبوشة جازت الصلاة مع الكراهة. وإن شك في نبشها ففيها قولان أصحهما تصح مع الكراهة (وذهب الثورى) والأوزاعي وأبو حنيفة إلى كراهة الصلاة في المقبرة ولم يفرقوا بين المنبوشة وغيرها (وذهبت المالكية) إلى جواز الصلاة في المقابر بدون كراهة. وتمسكوا بحديث جعلت لى الأرض طهورا ومسجدا المتقدم. وبما تقدم أيضا في رواية البخارى من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلّ وحملوا أحاديث النهى عن الصلاة في المقابر على ما إذا كان بها نجاسة (وردّ بأن) حديث جعلت لى الأرض طهورا ومسجدا ونحوه عامّ خصّ بأحاديث النهى عن الصلاة في المقبرة. وهى مطلقة لا دليل على تقييدها بما إذا كان بها نجاسة بل هى وغيرها في ذلك سواء (قوله فإنها ملعونة) أى ملعون أهلها فوصف الأرض باللعنة باعتبار أهلها وذلك لما ذكره أهل التفسير في قوله تعالى "قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد" من أن نمروذ بن كنعان كان أكبر

ملوك الأرض في زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام وكان من مكره أنه بنى صرحا ببابل ليصعد إلى السماء ويقاتل أهلها في زعمه "قال" ابن عباس كان طول الصرح في السماء خمسة آلاف ذراع "وقال" كعب ومقاتل كان طوله فرسخين فهبت ريح فقصفته وألقت رأسه في البحر وأتاهم الله بزلزال قلعت بنيانهم من قواعده وأساسه فانهدم عليهم وهم تحته فأهلكهم. ولما سقط تبلبلت الألسن من الفزع فتكلموا يومئذ بثلاث وسبعين لسانا فلذلك سميت ببابل (والحديث يدلّ) على أن الصلاة ببابل منهيّ عنها. وهو وإن كان ضعيفا يؤيده ما رواه ابن أبي شيبة عن سفيان عن عبد الله بن شريك عن عبد الله بن أبي المحلّ العامرى قال كنا مع علىّ فمررنا على الخسف الذى ببابل فلم يصلّ حتى أجازه. وعن حجر بن عنيس الحضرمي عن على قال ما كنت لأصلى في أرض خسف الله بها ثلاث مرار. أى قالها ثلاث مرات (قال البيهقى) هذا النهى إن ثبت مرفوعا ليس لمعنى يرجع إلى الصلاة إذ لو صلى فيها لم يعدو إنما هو كما جاء في قضية الحجر اهـ "والحجر مساكن ثمود قوم صالح" (وقال الخطابي) في إسناد هذا الحديث مقال ولا أعلم أحدا من العلماء حرّم الصلاة في أرض بابل وقد عارضه ما هو أصحّ منه وهو قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جعلت لى الأرض مسجدا وطهورا. ويشبه أن يكون معناه إن ثبت أنه نهاه أن يتخذ أرض بابل وطنا ودارا للإقامة فتكون صلاته فيها إذا كانت إقامته بها ناقصة "يعنى أن المراد بقوله نهانى أن أصلى ببابل أي أن أقيم فيها فأطلق الملزوم وأراد اللازم" ويخرّج هذا النهى فيه على الخصوص. ألا تراه يقول نهاني. ولعل ذلك إنذار له بما أصابه من المحنة في الكوفة وهي أرض بابل ولم ينتقل أحد من الخلفاء الراشدين قبله من المدينة اهـ وما ذكره بعيد كما قاله الحافظ "وقوله" يعارضه ما هو أصحّ منه "غير مسلم" لأن هذا الحديث على فرض صحته خاصّ وذلك عامّ مخصوص بالمواضع التى نهى عن الصلاة فيها فلا تعارض (فقه الحديث) والحديث يدلّ على النهى عن الصلاة في المقابر، وعلى النهى عن الصلاة في أرض بابل، وعلى أن عقوبة المعاصى تجرّ بذيلها على المكان الذى وقعت فيه فيحرم من حصول الخير فيه، وعلى أن الاتصال بأهل الذنوب وبال وحرمان من الرحمة (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَزْهَرَ، وَابْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْغِفَارِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، بِمَعْنَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ منها مَكَانَ فَلَمَّا بَرَزَ (ش) ساق المصنف هذه الرواية لبيان أن شيخ ابن لهيعة ويحيى بن أزهر مختلف وفي

مذاهب العلماء في الصلاة في الحمام وفائدة جليلة في بيان المواضع التي نهى عن الصلاة فيها

حديث سليمان شيخهما عمار بن سعد. وفي حديث أحمد بن صالح شيخهما الحجاج بن شدّاد ولا تنافي بينهما لأنهما قد رويا الحديث عن كل منهما. وقد اتفقا في المعنى واللفظ غير أن الحجاج قال في روايته فلما خرج منها بدل قول عمار بن سعد في روايته فلما برز (قوله الحجاج بن شدّاد) الصنعاني. روى عن أبى صالح الغفارى. وعنه ابن لهيعة وحيوة بن شريح ويحيى بن أزهر. ذكره ابن حبان في الثقات وقال إنه من صنعاء الشام وقال ابن القطان لا يعرف حاله وقال في التقريب مقبول من السابعة. روى له أبو داود هذا الحديث فقط (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، ح وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: -وَقَالَ مُوسَى فِي حَدِيثِهِ فِيمَا يَحْسَبُ عَمْرٌو- إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْحَمَّامَ وَالْمَقْبَرَةَ» (ش) (قوله حماد) بن سلمة. و (عبد الواحد) بن زياد (قوله عن أبيه) هو يحيى بن عمارة (قوله وقال موسى في حديثه فيما يحسب عمرو الخ) أشار به إلى بيان الاختلاف الواقع في رفع الحديث فرواه مسدد عن عبد الواحد عن عمرو جازما برفعه. ورواه موسى عن حماد عن عمرو غير متيقن رفعه. وهذا هو المشار إليه بقوله فيما يحسب عمر والخ (قوله الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة) الحمام هو الموضع الذى يغتسل فيه بالحميم وهو في الأصل الماء الحارّ ثم قيل للماء الذى يغتسل به مطلقا (والحديث يدلّ) على منع الصلاة في المقبرة والحمام. أما الصلاة في المقبرة فقد تقدم الكلام. عليها (وأما الحمام) فاختلف العلماء في الصلاة فيه. فذهب أحمد إلى عدم صحة الصلاة فيه أخذا بظاهر الحديث وبه قال أبو ثور والظاهرية. وروى عن ابن عباس أنه قال لا يصلين إلى حشّ "بيت الخلاء" ولا في حمام (قال ابن حزم) لا نعلم لابن عباس في هذا مخالفا من الصحابة اهـ. وروى ذلك عن نافع بن جبير وإبراهيم النخعي وخيثمة والعلاء بن زياد (قال) ابن حزم ولا تحلّ الصلاة في حمام سواء في ذلك مبدأ بابه إلى جميع حدوده ولا على سطحه وسقف مستوقده وأعالى حيطانه خربا كان أو قائما فإن سقط من بنائه شيء يسقط عنه اسم الحمام جازت الصلاة في أرضه حينئذ اهـ (وذهب الجمهور) إلى صحة الصلاة في الحمام مع الكراهة إن أمنت النجاسة وإلا فلا تصحّ. وهو محمل الحديث عندهم غير أن المالكية قالوا بالجواز من غير كراهة (فائدة) المواضع التى ورد النهى عن الصلاة فيها كثيرة (منها) الثلاثة المذكورة في الباب (ومنها) المزبلة والمجزرة وقارعة الطريق وأعطان

الإبل وفوق ظهر بيت الله تعالى. يدلّ على هذا ما رواه ابن ماجه والترمذى عن زيد بن جبير عن داود ابن حصين عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى أن يصلى في سبعة مواطن في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق وفى الحمام وفي أعطان الإبل وفوق ظهر بيت الله تعالى قال الترمذى إسناده ليس بذاك القوى (ومنها) الصلاة إلى المقبرة وإلى جدار مرحاض عليه نجاسة وفى الكنيسة والبيعة وإلى التماثيل (ومنها) الأرض المغصوبة ومسجد الضرار والصلاة إلى التنور وفى بطن الوادى والصلاة إلى النائم وإلى المتحدّث. وزادت الهادوية كراهة الصلاة إلى المحدث والفاسق والسراج. وزاد الإمام يحيى الجنب والحائض. فيكون الجميع خمسة وعشرين موضعا (وهاك) دليل المنع من الصلاة في هذه المواطن، أما الثلاثة الأول فأدلتها المذكورة في الباب. وأما الخمسة التي تليها فدليلها ما ذكر من حديث زيد بن جبير. وأما الصلاة إلى المقبرة فما رواه الترمذى وسيأتى للمصنف عن أبى مرثد الغنوى قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها وأما الصلاة إلى جدار مرحاض فلحديث ابن عباس نهى عن الصلاة في المسجد تجاه حشّ أخرجه ابن عدى قال العراقي ولم يصحّ إسناده. وروى ابن أبى شيبة في المصنف عن عبد الله ابن عمرو أنه قال لا يصلى إلى الحشّ. وعن على قال لا يصل تجاه حشّ. وعن إبراهيم كانوا يكرهون ثلاثة أشياء فذكر منها الحشّ. وفى كراهة استقباله خلاف بين الفقهاء. وأما الكنيسة والبيعة فروى ابن أبى شيبة في المصنف عن ابن عباس أنه كره الصلاة في الكنيسة إذا كان فيها تصاوير. وقد رويت الكراهة عن الحسن ولم ير الشعبى وعطاء بن أبى رباح بالصلاة في الكنيسة والبيعة بأسا ولم ير ابن سيرين بالصلاة في الكنيسة بأسا. وصلى أبو موسى الأشعرى وعمر بن عبد العزيز في كنيسة. ولعل وجه الكراهة ما تقدم من اتخاذهم لقبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد لأنها تصير جميع البيع والمساجد مظنة لذلك. وأما الصلاة إلى التماثيل فلحديث عائشة الصحيح أنه قال لها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أزيلى عنى قرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره تعرض لى في صلاتى. وكان لها ستر فيه تماثيل. وأما الصلاة إلى النائم والمتحدّث فلحديث ابن عباس عند أبى داود وابن ماجه بلفظ نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن نصلى خلف النائم والمتحدّث. وأما الصلاة في الأرض المغصوبة فلما فيها من استعمال مال الغير بغير إذنه. وأما الصلاة في مسجد الضرار فقال ابن حزم إنه لا يجزئُ أحدا الصلاة فيه لقصة مسجد الضرار وقوله تعالى "لا تقم فيه أبدا" فصحّ أنه ليس موضع صلاة. وأما الصلاة إلى التنور فكرهها محمد بن سيرين وقال بيت نار رواه ابن أبى شيبة في المصنف. وزاد ابن حزم فقال لا تجوز الصلاة في مسجد يستهزأ فيه بالله أو برسوله أو شيء من الدين أو في مكان يكفر فيه

باب النهي عن الصلاة في مبارك الإبل

بشيء من ذلك (واستدل) على كراهة الصلاة إلى المحدث تحديث ذكره الإمام يحيى في الانتصار بلفظ لا صلاة إلى محدث لا صلاة إلى جنب لا صلاة إلى حائض "وقيل" في الاستدلال على كراهة الصلاة إليه القياس على الحائض وقد ثبت أنها تقطع الصلاة. وأما الفاسق فإهانة له كالنجاسة. وأما السراج فللفرار من التشبه بعبدة النار. والأولى عدم التخصيص بالسراج ولا بالتنور بل إطلاق الكراهة على استقبال النار فيكون التنور والسراج وغيرهما من أنواع النار قسما واحدا. وأما الجنب والحائض فللحديث الذى في الانتصار. ولما في الحائض من قطعها الصلاة (قال) الشوكاني اعلم أن القائلين بصحة الصلاة في هذه المواطن أو في أكثرها تمسكوا في المواطن التي صحت أحاديثها بأحاديث أينما أدركتك الصلاة فصلّ ونحوها وجعلوها قرينة قاضية بصحة تأويل الأحاديث القاضية بعدم الصحة. وقد عرّفناك أن أحاديث النهى عن المقبرة والحمام ونحوها خاصة فتبنى العامة عليها. وتمسكوا في المواطن التى لم تصحّ أحاديثها بالقدح فيها لعدم التعبد بما لم يصحّ. وكفاية البراءة الأصلية حتى يقوم دليل صحيح ينقل عنها لا سيما بعد ورود عمومات قاضية بأن كل موطن من مواطن الأرض مسجد تصح الصلاة فيه. وهذا متمسك صحيح لا بدّ منه اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد وابن ماجة والحاكم والشافعى وابن حبان وابن خزيمة والترمذى وقال هذا حديث فيه اضطراب رواه سفيان الثورى عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرسلا. ورواه حماد بن سلمة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وكأن رواية الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه أثبت وأصحّ اهـ وقال الدارقطني في العلل المرسل هو المحفوظ اهـ ورجح البيهقي المرسل. لكن هذا غير مسلم فإن الوصل زيادة من ثقة فتقبل. وقد رفعه حماد بن سلمة عن عمرو بن يحيى وهو ثقة. وقد تعضد وصله برواية عبد الواحد عن عمرو بن يحيى. قال ميرك: فقد روى الحديث أبو داود مسندا والذى وصله ثقة فلا يضرّه إرساله (باب النهى عن الصلاة في مبارك الإبل) وفى بعض النسخ باب ما جاء في النهى عن الصلاة في مبارك الإبل. وفى بعضها باب في الصلاة في مبارك الإبل. والمبارك جمع مبرك بفتح الميم وسكون الموحدة موضع بروك الإبل عند الرجوع من الماء ويستعمل في المكان الذى تكون الإبل فيه بالليل (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

باب متى يؤمر الغلام بالصلاة

عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ؟ فَقَالَ: «لَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ» وَسُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ فَقَالَ: «صَلُّوا فِيهَا فَإِنَّهَا بَرَكَةٌ» (ش) تقدّم هذا الحديث مطوّلا وشرحه مستوفى في "باب الوضوء من لحوم الإبل" ولا بأس أن نوردها هنا زيادة على ما تقدم في حكمة نهيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الصلاة في مبارك الإبل دون مرابض الغنم ما قيل إن الإبل إنما تأوى إلى السهول وتعطن فيها والغنم تبوء وتروح إلى الأرض الصلبة والأرض الرّخوة التى يكثر ترابها وربما كانت فيها النجاسة فلا يتبين موضعها فلا يأمن المصلى أن تكون صلاته فيها على نجاسة. فأما الصلب من الأرض فإنه بارز لا يخفى موضع النجاسة فيه. وزعم بعضهم أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما أراد بمبارك الإبل المواضع التى يحط الناس رحالهم فيها إذا نزلوا المنازل في الأسفار ومن عادة المسافرين أن يكون برازهم بالقرب من رحالهم فتكون هذه الأماكن في الغالب نجسة فقيل لهم لا تصلوا فيها وتباعدوا عنها (باب متى يؤمر الغلام بالصلاة) وفى بعض النسخ باب متى يؤمر الصبى بالصلاة. أى في بيان الزمان الذى يؤمر فيه الصبي بالصلاة. والغلام الصغير ذكرا كان أو أنثى وجاء غلامة بالهاء وجمع القلة غلمة وجمع الكثرة غلمان (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى يَعْنِي ابْنَ الطَّبَّاعِ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ، وَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا» (ش) (رجال الحديث) (قوله عبد الملك بن الربيع بن سبرة) بن معبد الجهنى. روى عن أبيه وعنه إبراهيم بن سعد وزيد بن الحباب وحرملة بن عبد العزيز وغيرهم. وثقه العجلى وقال ابن معين ضعيف وقال ابن القطان لم تثبت عدالته وإن كان مسلم أخرج له فغير محتجّ به اهـ

مذاهب الأئمة في أمر ولي الصبي إياه بالصلاة لسبع سنين وضربه عليها لعشر

ومسلم إنما أخرج له حديثا واحدا في المتعة متابعة. روى له الجماعة إلا البخارى (قوله عن أبيه) هو الربيع بن سبرة بن معبد الجهنى المدني. روى عن أبيه ويحيى بن سعيد وعمر بن عبد العزيز. وعنه الزهرى وابناه عبد الملك وعبد العزيز وغيرهم. وثقه العجلي والنسائى وذكره ابن حبان في الثقات. روى له الجماعة إلا البخارى (قوله عن جدّه) هو سبرة بن معبد ويقال ابن عوسجة بن حرملة بن سبرة بن خديج الجهنى. وفرق ابن حبان بين سبرة بن معبد والد الربيع وبين سبرة بن عوسجة. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تسعة عشر حديثا. روى له مسلم حديثا واحدا. روى عنه ابنه الربيع. توفي في خلافة معاوية روى له أبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله مروا الصبىّ بالصلاة) أى مروا الصغير ذكرا أو أنثى بأداء الصلاة وعلموه ما تتوقف عليه صحتها من الشروط والأركان وإن بأجر من مال الصبى إن كان له مال وإلا فمن مال الأب وإلا فمن مال الأمّ (قال) النووى وهل يجوز أن يعطى أجرة تعليم ما سوى الفاتحة والفرائض من مال الصبيّ فيه وجهان "أصحهما" يجوز اهـ وأصل مروا ائمروا حذفت الهمزة الثانية للتخفيف والأولى استغناء عنها (وهو خطاب) للأولياء لأن الصغير غير مكلف لحديث رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبيّ حتى يحتلم رواه أحمد والحاكم والمصنف عن علىّ وعمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما (قوله إذا بلغ سبع سنين) أى وكان مميزا إذ لو كان غير مميز لم تصحّ صلاته. وقيد بالسبع لأن التمييز يحصل بعدها غالبا (قوله فاضربوه عليها) أى على ترك الصلاة ضربا غير مبرّح، ويضرب عند العشر لأنه قريب من البلوغ حينئذ. وأمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للأولياء للوجوب وليس أمرا للصبى لأن الأمر بالأمر بالشئ ليس أمرا به كما هو رأى الجمهور خلافا للمالكية حيث قالوا إن الأمر بالأمر بالشئ أمر بذلك الشئ فالصبى عندهم مأمور بالصلاة ندبا وتكتب له الحسنات ولا تكتب عليه السيئات. وأوجب الشارع على الولى أن يأمر الصبى بالصلاة ويضربه عليها سواء أكان الولىّ أبا أم جدّا أم وصيا أم قيما من جهة القاضى لقوله تعالى "وأمر اهلك بالصلاة" وقوله تعالى "قوا أنفسكم وأهليكم نارا" وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "إن لولدك عليك حقا" رواه مسلم عن عمرو بن العاصى. وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "كلكم راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته" رواه الشيخان (قال) النووى قال الشافعى في المختصر على الآباء والأمهات أن يؤدبوا أولادهم ويعلموهم الطهارة والصلاة ويضربوهم على ذلك إذا عقلوا "قال" أصحابنا ويأمره الولى بحضور الصلوات في الجماعة وبالسواك وسائر الوظائف الدينية ويعرّفه تحريم الزّنا واللواط والخمر والكذب والغيبة وشبهها اهـ

الحث على التفريق بين الأولاد في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين

(وقيل إن) الأمر للوليّ مندوب لا واجب (قال في النيل) لكنه إن صحّ ذلك في قوله مروهم لم يصحّ في قوله واضربوهم لأن الضرب إيلام للغير وهو لا يباح للأمر المندوب "والاعتراض" بأن عدم تكليف الصبى يمنع من حمل الأمر على حقيقته لأن الإجبار إنما يكون على فعل واجب أو ترك محرّم وليست الصلاة بواجبة على الصبى ولا تركها محظورا عليه "مدفوع" بأن ذلك إنما يلزم لو اتحد المحل وهو هنا مختلف فإن محلّ الوجوب الولىّ. ومحلّ عدمه ابن العشر ولا يلزم من عدم الوجوب على الصغير عدمه على الولى اهـ (قال الخطابي) هذا الحديث يدلّ على إغلاظ العقوبة له إذا تركها متعمدا بعد البلوغ. وكان بعض أصحاب الشافعى يحتجّ في وجوب قتله إذا تركها متعمدا بعد البلوغ ويقول إذا استحقّ الصبى الضرب وهو غير بالغ فقد عقل أنه بعد البلوغ يستحق من العقوبة ما هو أشدّ من الضرب وليس بعد الضرب شئ مما قاله العلماء أشدّ من القتل اهـ (قال العينى) هذا استدلال ضعيف لأنا لا نسلم أن الضرب كان عليه واجبا قبل البلوغ حتى يستحق ما هو أشدّ من الضرب وهو القتل بعد البلوغ. ولا نسلم أيضا أن القتل واجب بالذنب للحديث المشهور أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله "الحديث" وأيضا الضرب في نفسه يتفاوت فيضرب بعد البلوغ ضربا مبرّحا حتى يخرج منه الدم ويحبس كما هو مذهب أبى حنيفة. فهذا أشدّ من الضرب المجرد فكيف يقول هذا القائل وليس بعد الضرب شيء مما قاله العلماء أشد من القتل. وأيضا الضرب قبل البلوغ بطريق التأديب وبعده بطريق الزّجر والتعزير فكان هذا أشدّ من الضرب الأول اهـ (فقه الحديث) والحديث يدلّ على أنه يجب على وليّ الصغير أن يأمره بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ويضربه على تركها إذا بلغ عشرا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطني والترمذى وقال حسن صحيح وأخرجه البيهقي بلفظ علموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين واضربوه عليها ابن عشر (ص) حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ يَعْنِي الْيَشْكُرِيَّ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ سَوَّارٍ أَبِي حَمْزَةَ -قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهُوَ سَوَّارُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو حَمْزَةَ الْمُزَنِيُّ الصَّيْرَفِيُّ- عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ». (ش) (رجال الحديث) (قوله مؤمل) بتشديد الميم الثانية المفتوحة بصيغة المفعول

(ابن هشام) أبو هشام البصرى. روى عن إسماعيل بن علية ويحيى بن عباد وأبى معاوية وجماعة وعنه البخارى وأبو داود والنسائى وأبو حاتم وغيرهم. قال أبو حاتم والنسائى وابن حبان ومسلمة ابن قاسم ثقة وقال أبو حاتم صدوق. مات سنة ثلاث وخسمين ومائتين. و (اليشكرى) نسبة إلى يشكر بن علي بن بكر بن وائل أو يشكر بن مبشر بن صعب أبوي قبيلتين (قوله إسماعيل) بن علية (قوله عن سوّار) بتشديد الواو ابن داود (أبي حمزة) المزنى البصرى. روى عن ثابت البنانى وعمرو ابن شعيب وطاوس وعطاء. عنه إسماعيل بن علية ووكيع وابن المبارك وغيرهم. قال أحمد بن حنبل شيخ لا بأس به وقال ابن معين ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئُ. روى له أبو داود و (الصيرفى) بائع الذهب والفضة (قوله عن أبيه) هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو (قوله عن جدّه) أى جدّ شعيب وهو عمرو بن العاصى رضي الله تعالى عنه (معنى الحديث) (قوله وفرّقوا بينهم في المضاجع) أي المراقد لأنهم إذا بلغوا عشر سنين يقربون من أدنى حدّ البلوغ فتكثر شهواتهم فيخاف عليهم الفساد (وفي هذا دلالة) على أنه يجب على الولىّ أن يفرق بين الصبيان في المضاجع ولو كانوا إخوة وهم أبناء عشر إذا جعل قوله وفرّقوا معطوفا على اضربوا. ويحتمل أنه معطوفا على قوله مروهم فيجب التفريق وهم أنناء سبع. ويؤيده ما رواه البزّار عن أبى رافع قال وجدنا في صحيفة في قراب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد وفاته فيها مكتوب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وفرّقوا بين الغلمان والجوارى والإخوة والأخوات لسبع سنين واضربوا أبناءكم على الصلاة إذا بلغوا أظنه تسع سنين. ويكفى في التفريق أن يكون كلّ واحد في ثوب ولو كانوا تحت غطاء واحد والأكمل أن يجعل لكلّ فراش يخصه، ولا سيما في هذا الزمان الذى غلب فيه الفساد (وقالت) المالكية يكره تلاصقهم ولو بحائل ولو مع قصد اللذّة لأن لذّتهم كلا لذّة. والكراهة تتعلق بهم لأنهم مخاطبون بها وبالمندوب (قال) الأمير والظاهر أن الوليّ إذا اطلع على ذلك يحرم عليه إقرارهم لأنه يجب عليه إصلاحهم اهـ أما تلاصق البالغين فإن كان بالعورة بلا حائل فهو حرام قصدت اللذّة أم لا. وإن كان بالعورة مع الحائل فإن قصدت اللذّة حرم وإلا فلا (وجمع) صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دين الأمر بالصلاة والتفرقة بينهم في المضاجع تأديبا لهم محافظة على حدود الله تعالى وأن لا يقفوا مواقف التهم ويجتنبوا المحارم (فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على وجوب التفرقة بين الصبيان في المراقد إذا بلغوا عشر سنين ليتعودوا الخير ويتباعدوا عن الشرّ. لكن غالب أهل هذا الزمان لم يعملوا على تلك الأوامر الشرعية فانعكس الحال، ونشأ الأولاد على سيئ الفعال، فنسأل الله عزّ وجلّ السلامة والتوفيق للعمل على مقتضى الشريعة المطهرة

منع السيد من النظر إلى ما بين سرة أمته وركبتها إذا زوجها لعبده أو أجيره

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الحاكم وأحمد والبيهقي والترمذي والدارقطني وكذا البزّار بلفظ تقدّم (ص) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ سَوَّارٍ الْمُزَنِيُّ، بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ وَزَادَ فيه: «وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ، فَلَا يَنْظُرْ إِلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهِمَ وَكِيعٌ فِي اسْمِهِ، وَرَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: ثَنَا أَبُو حَمْزَةَ سَوَّارٌ الصَّيْرَفِيُّ (ش) (قوله بإسناده ومعناه الخ) أي سند ومعنى الحديث المتقدم لكن زاد وكيع ابن الجرّاح في روايته وإذا زوّج أحدكم جاريته لعبده أو أجيره فلا يحلّ له أن ينظر من أمته إلى ما بين السرّة والرّكبة لأنها حرمت عليه حينئذ. ويؤيده ما سيأتي للمصنف في باب قول الله عزّ وجلّ "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ" من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا زوّج أحدكم عبده أمته فلا ينظر إلى عورتها. وقيل إن الضمير في قوله فلا ينظر عائد على الخادم الشامل للذكر والأنثى. والمراد هنا الأمة. والمعنى عليه إذا زوّج السيد عبده أو أجيره أمته فلا يجوز للأمة أن تنظر إلى ما بين ركبة سيدها وسرّته لأن ذلك محرّم عليها حينئذ. ويؤيد هذا رواية الدارقطني من طريق النضر بن شميل عن سوّار بن داود عن عمرو بن شعيب بلفظ وإذا زوّج أحدكم عبده أمته أو أجيره فلا تنظر الأمة إلى شيء من عورته فإن ما تحت السرّة إلى الرّكبة من العورة. ومفهومه أنه يجوز له النظر إلى غير ذلك إلا إذا كان بشهوة فلا يجوز (قوله وهم وكيع في اسمه الخ) أي في اسم شيخه فقال داود بن سوّار. والصواب أنه سوّار بن داود كما تقدّم ويؤيده قول المصنف وروى عنه الخ أي روى أبو داود سليمان بن داود الطيالسي فقال حدثنا أبو حمزة سوار الصيرفي كما قال إسماعيل بن علية، وقد تابعهما النضر بن شميل وعبد الله بن بكر فقالا حدثنا أبو حمزة الصيرفي وهو سوّار بن داود كما في الدارقطني (وقد دلت) هذه الرواية زيادة على ما تقدم على أنه لا يجوز للسيد أن ينظر إلى عورة أمته إذا كانت متزوّجة بعبده أو أجيره وكذا غيرهما. وهذه الرواية أخرجها الدارقطني من طريق النضر بن شميل كما تقدم وأخرج المصنف ما زاده وكيع في هذه الرواية في باب قول الله عزّ وجلّ "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ" من كتاب اللباس

أقوال العلماء في الصبي يبلغ أثناء الوقت وقد صلى أيعيد تلك الصلاة أم لا

(ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أخبرني هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ الْجُهَنِيُّ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: مَتَى يُصَلِّي الصَّبِيُّ، فَقَالَتْ: كَانَ رَجُلٌ مِنَّا يَذْكُرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إِذَا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ، فَمُرُوهُ بِالصَّلَاةِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله معاذ بن عبد الله بن خبيب) بالتصغير الجهني المدني روى عن أبيه وابن عباس وجابر بن عبد الله وجابر بن أسامة وغيرهم. وعنه أسامة بن زياد وعثمان بن مرّة وزيد ابن أسلم وآخرون. قال أبو داود وابن معين ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال الدارقطنى ليس بذاك وقال ابن حزم مجهول. مات سنة ثمانى عشرة ومائة. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله قال دخلنا الخ) أى قال هشام بن سعد دخلنا على معاذ بن عبد الله فسأل معاذ امرأته عن الوقت الذى يصلى فيه الصبى فقالت امرأة معاذ كان رجل منا الخ قال ابن القطان لا تعرف هذه المرأة ولا الرجل الذى روت عنه الوقت الذى يؤمر فيه الصبي بالصلاة ولعلّ الرجل المبهم صحابى فإبهامه لا يضرّ لأن الصحابة كلهم عدول (قوله إذا عرف يمينه من شماله) أى إذا ميز بينهما. ويحصل التمييز للصبى إذا كان ابن سبع سنين غالبا وإلا فقد يحصل قبل ذلك لأنه يختلف باختلاف ذكاء الصبي وبلادته فكم من صبى عمره خمس سنين أو أكثر من ذلك بقليل يعرف ذلك وكم من صبي عمره عشر سنين أو أقل من ذلك بقليل لا يعرفه (فائدة) إذا بلغ الصبى في أثناء الوقت وقد صلى لزمه إعادة الصلاة دون الطهارة عند أبى حنيفة ومالك وأحمد. وقال داود يلزمه إعادة الطهارة والصلاة. وقالت الشافعية لا يلزمه إعادة الصلاة بل تستحب. وقيل تجب قلّ الباقي من الوقت أم كثر. وقيل إن بقى من الوقت ما يسع تلك الصلاة بعد بلوغه وجبت وإلا فلا. ومشهور المذهب الأول أنه إذا بلغ أثناء الصلاة بالسنّ ونحوه مما لا يبطل الوضوء يخرج عن شفع إن ركع واتسع الوقت وإلا قطع وابتدأها فرضا عند المالكية. وعند الشافعية ثلاثة أقوال. الصحيح الذى عليه الجمهور أنه يلزمه إتمامها ويعيد استحبابا وقيل يستحب الإتمام وتجب الإعادة. وقيل إن بقي من الوقت ما يسع تلك الصلاة وجبت الإعادة وإلا فلا (وقال) أحمد يلزمه إتمامها وإعادتها (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى والطبرانى عن أبى معاذ بن عبد الله بن خبيب عن أبيه قال ابن صاعد إسناده حسن غريب

باب بدء الأذان

ولما فرغ من بيان المواقيت التى هي سبب وقت الصلاة شرع في بيان الأذان فقال (باب بدء الأذان) أى في بيان سبب بدء الأذان، وهو اسم مصدر أذن يؤذن قال في المصباح أذن المؤذن بالصلاة أعلم بها "قال" ابن برّى وقولهم أذن العصر بالبناء للفاعل خطأ والصواب أذن بالعصر بالبناء للمفعول مع حرف الصلة. والأذان لغة الإعلام بالشئ. وشرعا إعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة. وهو مشروع للصلوات الخمس بالإجماع. وسبب مشروعيته ما ذكر في الحديث وقدّم عليه بيان المواقيت لما فيها من معنى السببية. وكان بدء مشروعية الأذان بالمدينة على ما هو الصحيح لما رواه الشيخان عن عبد الله بن عمر قال كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلوات ليس ينادى للصلاة فتكلموا يوما في ذلك فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا الخ وفيه فقال عمر أولا تبعثوا رجلا ينادى بالصلاة فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قم يا بلال فناد بالصلاة. ولما في روايات الباب من أنه رواه عبد الله بن زيد وهو من الأنصار (وقد وردت) أحاديث تدلّ على أنه شرع بمكة قيل الهجرة (منها) ما رواه الطبراني من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال لما أسرى بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أوحى الله إليه الأذان فنزل به فعلمه بلالا وفى إسناده طلحة بن زيد وهو متروك (وما رواه) الدارقطني في الأطراف من حديث أنس أن جبريل أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالأذان حين فرضت الصلاة وإسناده ضعيف أيضا (وما رواه) ابن مردويه من حديث عائشة مرفوعا لما أسرى بى أذن جبريل فظنت الملائكة أنه يصلى بهم فقدمنى فصليت وفيه من لا يعرف (وما رواه البزّار) وغيره من حديث عليّ قال لما أراد الله تعالى أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها البراق فركبها "فذكر الحديث" وفيه إذ خرج ملك من وراء الحجاب فقال الله أكبر الله أكبر وفى آخره ثم أخذ الملك بيده فأمّ بأهل السماء وفي إسناده زياد بن المنذر أبو الجارود وهو متروك أيضا. والحق أنه لا يصح شيء من هذه الأحاديث (وقد جزم) ابن المنذر بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلى بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة وإلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور في ذلك على ما في حديث عبد الله بن عمر ثم حديث عبد الله بن زيد (وقد حاول) السهيلى الجمع بينهما فقال بانيا على صحة الحكمة في مجئ الأذان على لسان الصحابى إن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سمعه فوق سبع سماوات وهو أقوى من الوحى فلما تأخر الأمر بالأذان عن فرض الصلاة وأراد إعلامهم بالوقت فرأى الصحابى المنام فقصها فوافقت ما كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سمعه فقال إنها لرؤيا حقّ وعلم حينئد أن مراد

الله تعالى بما أراه في السماء أن يكون سنة في الأرض. وتقوّى ذلك بموافقة عمر لأن السكينة تنطق على لسانه اهـ من الفتح (ص) حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الْخُتَّلِيُّ، وَزِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، وَحَدِيثُ عَبَّادٍ أَتَمُّ، قَالَا: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، قَالَ زِيَادٌ: نَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: اهْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ لِلصَّلَاةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا، فَقِيلَ لَهُ: انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، قَالَ: فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ -يَعْنِي الشَّبُّورَ وَقَالَ زِيَادٌ: شَبُّورُ الْيَهُودِ- فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، وَقَالَ: «هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ» قَالَ: فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ، فَقَالَ: «هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى» فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَأُرِيَ الْأَذَانَ فِي مَنَامِهِ، قَالَ: فَغَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَبَيْنَ نَائِمٍ وَيَقْظَانَ، إِذْ أَتَانِي آتٍ فَأَرَانِي الْأَذَانَ، قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَدْ رَآهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَكَتَمَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا، قَالَ: ثُمَّ أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تُخْبِرَنِي؟ »، فَقَالَ: سَبَقَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «يَا بِلَالُ، قُمْ فَانْظُرْ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، فَافْعَلْهُ» قَالَ: فَأَذَّنَ بِلَالٌ. (ش) (رجال الحديث) (قوله الختلى) بضم الخاء المعجمة وتشديد المثناة الفوقية المفتوحة نسبة إلى ختل ناحية واسعة كثيرة المدن وراء النهر. وبعضهم ينسبها إلى بلخ وهو خطأ لأنها خلف جيحون (قوله عن أبي بشر) هو جعفر بن أبي وحشية (قوله قال زياد الخ) أى قال زياد بن أيوب في روايته حدثنا هشيم حدثنا أبو بشر. وأما عباد فقال حدثنا هشيم عن أبي بشر فزياد صرح بحديث هشيم بن بشير عن أبي بشر فارتفعت مظنة التدليس عن هشيم (قوله عن

أبى عمير) هو عبد الله بن أنس بن مالك الأنصارى. روى عن عمومة له من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه أبو بشر. قال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن عبد البرّ مجهول لا يحتجّ به ووثقه ابن المنذر وابن حزم روى أبو داود والنسائى وابن ماجه (قوله عن عمومة له) هي جمع عمّ كالبعولة لم تعرف أسماؤهم (معنى الحديث) (قوله قال اهتمّ النبى صلى الله عليه وآله وسلم الخ) أى قال المحدّث أبا عمير من العمومة قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشأن الصلاة وعزم على على أن يعمل ما يسهل به اجتماع الناس لها. يقال اهتمّ الرجل بالأمر قام به وهمّ بالأمر يهمّ عزم عليه فقال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم انصب راية بكسر الصاد المهملة من باب ضرب. والراية العلم فإذا رأى المسلمون الراية آذن بمدّ الهمزة أى أعلم بعضهم بعضا بدخول وقت الصلاة فلم يرض صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بنصب الراية لأنه لا تحصل به الثمرة المقصودة على العموم مع السهولة لأن الإعلام بنصب الراية يختص بمن رآها وهو نادر. أما المشتغلون بأعمالهم فلا يعلمون إلا بإخبار أو سماع (قوله فذكر له القنع) بضم القاف وسكون النون هو الشبور كما قال المصنف. ويقال له البوق كما في رواية البخارى. والقرن كما في رواية مسلم وهو ما ينفخ فيه ليخرج منه صوت مرتقع (قال في النهاية) هذه اللفظة "يعني القنع" قد اختلف في ضبطها فرويت بالباء والتاء والثاء والنون وأشهرها وأكثرها النون (قال الخطابى) قد سألت عنه غير واحد من أهل اللغة فلم يثبتوه لى على شيء واحد. فإن كانت الرواية بالنون صحيحة فلا أراه سمى إلا لإقناع الصوت وهو رفعه يقال أقنع الرجل صوته ورأسه إذا رفعه ومن يريد أن ينفخ في البوق يرفع رأسه وصوته (قال) الزمخشرى أو لأن أطرافه أقنعت إلى داخله أى عطفت. وأما القبع بالباء المفتوحة فلا أحسبه سمى به إلا لأنه يقبع فم صاحبه أى يستره يقال قبع الرجل رأسه في جيبه إذا أدخله فيه (قال الخطابى) سمعت أبا عمر الزاهد يقول هو القثع بالثاء المثلثة. ولم أسمعه من غيره. ويجوز أن يكون من قثع في الأرض قثوعا إذا ذهب فسمى به لذهاب الصوت منه. وقد روى القتع بتاء بنقطتين وهو دود يكون في الخشب الواحدة قتعة. ومدار هذا الحرف على هشيم وكان كثير اللحن والتحريف على جلالة محله من الحديث اهـ. من النهاية ملخصا. وقال في القاموس القنع بالضم الشبور وليس بتصحيف قبع ولا قثع بل ثلاث لغات اهـ (قوله وقال زياد الخ) أى قال زياد بن أيوب أحد شيخى المصنف في روايته مفسرا القنع بشبور اليهود بالإضافة (قوله فذكر له الناقوس) أى ذكر بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم الناقوس وهو خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها تجعله النصارى علامة على أوقات صلاتهم. وهذا كان أوّلا أما الآن فالناقوس هو المعروف بالجرس (قوله فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتمّ لهمّ رسول الله

مذاهب الأئمة في الأذان قاعدا

صلى الله عليه وآله وسلم الخ) أى انصرف عبد الله بن زيد والحال أنه مهتمّ بما يتخذونه لجمع الناس للصلاة لاهتمامه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فأراه الله عزّ وجلّ الأذان في نومه فذهب وقت الغداة إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخبره بما رآه فقال إني لبين نائم ويقظان أى أنه كان نائما نوما خفيفا إذ أتاني من أعلمنى كلمات الأذان وكان عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رأى الأذان قبل رؤيتى له فكتمه عشرين يوما. ولعله إنما كتمه هذه المدّة انتظارا لنزول الوحى به على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله قال ثم أخبر الخ) أى قال عبد الله ابن زيد ثم أخبر عمر النبى صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن سمع صوت بلال وهو يؤذن وخرج يجرّ رداءه كما في الرواية الآتية، وقوله سبقني الخ هو على التقديم والتأخير أى قال عمر استحييت من الإخبار فسبقنى عبد الله بن زيد فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا بلال قم. وخصّ بلال بذلك دون غيره لأنه حينما كان يعذّب ليرجع عن الإسلام كان يقول أحد أحد فجوزى بولاية الأذان المشتمل على التوحيد في البداية والنهاية. ولانه كان أرفع صوتا من عبد الله بن زيد كما في الحديث بعد (قال) النووى المراد بقوله قم أى اذهب إلى موضع بارز فناد فيه بالصلاة ليسمعك الناس. قال وليس فيه تعرّض للقيام في حال الأذان اهـ (قال) الحافظ وما نفاه ليس ببعيد من ظاهر اللفظ فإن الصيغة محتملة للأمرين وإن كان ما قاله أرجح (ونقل عياض) أن مذهب العلماء كافة أن الأذان قاعدا لا يجوز إلا أبا ثور ووافقه أبو الفرج المالكي "وتعقب" بأن الخلاف معروف عند الشافعية. وبأن المشهور عند الحنفية كلهم أن القيام سنة وأنه لو أذن قاعدا صحّ "والصواب" ما قاله ابن المنذر من انهم اتفقوا على أن القيام من السنة اهـ (قوله فانظر ما يأمرك به الخ) أى تنبه لما يلقيه عليك عبد الله بن زيد فأذن به فقام بلال فألقى عليه عبد الله الأذان فأذن بما ألقاه إليه (وظاهر) الحديث يدلّ على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بالأذان مستندا إلى رؤيا عبد الله بن زيد ورؤيا غير الأنبياء لا تؤمن من الخطأ فلا يبنى عليها حكم شرعيّ (ويجاب بأن) استناده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى رؤيا عبد الله ظاهرىّ وفي الواقع هو مستند إلى الوحى لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا ينطق عن الهوى "فقد جاء" الوحى مقارنا للرؤيا. ويؤيده ما رواه عبد الرزاق وأبو داود في المراسيل من طريق عبيد بن عمير الليثى أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر به النبى صلى الله عليه وآله وسلم فوجد الوحى قد ورد بذلك فما راعه إلا أذان بلال فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سبقك بذلك الوحي وروى أن الأذان رآه جمع من الصحابة غير عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب "ففى الأوسط" للطبراني أن أبا بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رآه "وفي الأوسط" للغزالى أنه رآه بضعة عشر رجلا (قال) ابن حجر ولا يثبت شيء من ذلك إلا لعبد الله بن زيد. وقصة عمر جاءت في بعض طرقه اهـ

مذاهب الأئمة في حكم الأذان

(ص) قَالَ أَبُو بِشْرٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو عُمَيْرٍ، أَنَّ الْأَنْصَارَ تَزْعُمُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ، لَوْلَا أَنَّهُ كَانَ يَوْمَئِذٍ مَرِيضًا لَجَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مُؤَذِّنًا (ش) غرض المصنف بذكره بيان أن الأنصار زعموا أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما أمر بلالا بالأذان دون عبد الله بن زيد لأن هذا كان مريضا ضعيفا لا يقدر على الأذان ولولا ذلك لجعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مؤذنا. وهذا ظنّ منهم. والمعوّل عليه أنه إنما خصّ بلالا لأنه كان أرفع صوتا من عبد الله بن زيد ولو كان كما ظنوا لجعله النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مؤذنا بعد ما برئ من مرضه (فقه الحديث) والحديث يدلّ على طلب الاهتمام بأمور الدين، وعلى مشروعية التشاور في الأمور المهمة وإبداء المرءوس ما عنده من الرأى إلى الرئيس فيما يراه مصلحة، وعلى أن المطلوب مخالفة أهل الباطل في أعمالهم، وعلى طلب مبادرة من رأى مصلحة إلى إخبار الرئيس بها. وعلى أن رؤيا المؤمن حقّ، وعلى أن غير النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قد يطلع في المنام على مراد الحقّ تعالى. لكن لا يكلف الناس به حتى يقرّره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعلى مشروعية الأذان للصلوات المكتوبة (واختلف) في حكمه "فذهبت" المالكية إلى أنه سنة كفاية لجماعة طلبت غيرها بكل مسجد وبكل موضع جرت العادة بالاجتماع فيه وقالوا بوجوبه كفائيا في المصر (وذهبت) الحنفية والشافعية إلى أنه سنة للمنفرد والجماعة سفرا وحضرا (وذهبت) الحنابلة إلى أنه فرض كفاية للصلوات الخمس المؤداة دون غيرها للرجال جماعة في الأمصار والقرى وغيرهما حضرا (وقال) ابن المنذر هو فرض في حق الجماعة في الحضر والسفر (وقال) داود هو فرض لصلاة الجماعة وليس بشرط لصحتها (وقال) المحاملى قال أهل الظاهر هو واجب لكل صلاة. واختلفوا في اشتراطه لصحتها (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى من طريق المصنف (باب كيف الأذان) أى في بيان صفة الأذان وكذا الإقامة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ، ثَنَا يَعْقُوبُ، ثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ،

حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ فَقَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى، قَالَ: فَقَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ، قَالَ: وَتَقُولُ: إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، بِمَا رَأَيْتُ فَقَالَ: «إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ، فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ» فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ، فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ، وَيُؤَذِّنُ بِهِ، قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، وَيَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا أُرِيَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «فَلِلَّهِ الْحَمْدُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن منصور) بن داود بن إبراهيم أبو جعفر العابد سكن بغداد. روى عن يعقوب بن إبراهيم وروح بن عبادة وإسماعيل بن علية وابن عيينة وكثيرين وعنه أبو داود والنسائي وأبو حاتم وابن خزيمة وطائفة. قال النسائى ومسلمة وابن حبان ثقة

وقال أحمد لا أعلم عنه إلا خيرا وقال ابن أبى داود كان من الأخيار. مات سنة أربع أو ست وخمسين ومائتين وله ثمانون سنة. و (الطوسى) نسبة إلى طوس مدينة بخراسان بينها وبين خراسان عشرة فراسخ (قوله يعقوب) بن إبراهيم بن سعد (قوله محمد بن عبد الله بن زيد ابن عبد ربه) الأنصارى الخزرجى. روى عن أبيه وأبى مسعود. وعنه أبو سلمة ونعيم بن عبد الله ومحمد بن إبراهيم التيمى وغيرهم. قال العجلى تابعى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. ولد في عهد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. روى له الجماعة (قوله عبد الله بن زيد) بن عبد ربه بن ثعلبة بن زيد الأنصارى الخزرجى أبو محمد المدني. شهد العقبة وبدرا والمشاهد وهو الذى أرى النداء للصلاة في النوم وكانت رؤياه في السنة الأولى بعد بناء المسجد. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابنه محمد وسعيد بن المسيب وابن أبى ليلى وجماعة (قال) البخارى وابن عدى لا يعرف له إلا حديث الأذان اهـ قال الحافظ قد وجدت له أحاديث غير الأذان جمعتها في جزء. واغترّ الأصبهانى بالأول فجزم به وتبعه جماعة فوهموا. وفى ترجمة عمر بن عبد العزيز من الحلية بسند صحيح عن عبيد الله بن عمر العمرى قال دخلت ابنة عبد الله ابن زيد بن عبد ربه على عمر بن عبد العزيز فقالت أنا ابنة عبد الله بن زيد شهد أبى بدرا وقتل بأحد فقال سليني ما شئت فأعطاها وقال على بن المدينى بسنده عن محمد بن عبد الله بن زيد مات أبى سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن أربع وستين وصلى عليه عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (معنى الحديث) (قوله لما أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالناقوس يعمل) وفى رواية ابن ماجه وأمر بالناقوس فنحت "ولا منافاة" بين هذه الرواية وما تقدم من قوله هو من أمر النصارى، وما في رواية ابن ماجه من قوله فكرهه من أجل النصارى "لأن ذلك" كان ابتداء ولما اضطرّ إلى اتخاذ شيء يجمع الناس به للصلاة أمر أن يعمل فأرى عبد الله بن زيد الأذان "ولا يقال" إن الأمر في الحديث بمعنى الإرادة "لأنه لا يصحّ" أن يريد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعلا يكرهه ولعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اختار ناقوس النصارى لأنهم أكثر طواعية له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومودّة إليه من اليهود قال تعالى "لتجدنّ أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدنّ أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى" (قوله طاف بى وأنا نائم) أى ألمّ بى طائف حال النوم يقال طاف به الخيال طوفا ألمّ به في النوم (قوله أفلا أدلك) الهمزة للاستفهام داخلة على محذوف أى أترغب فيما تجمع به الناس للصلاة فلا أدلك فالهمزة مقدمة من تأخير أى فألا أدلك (قوله قال فقال الخ) أى قال عبد الله بن زيد قال الرجل الذى يحمل الناقوس تقول الله أكبر الخ أى أكبر من أن يعرف كنه كبريائه وعظمته. أو من أن ينسب إليه ما لا يليق بجلاله. أو أكبر من كل شيء فأفعل التفضيل على بابه على تقدير من. ويحتمل

باب كيف الأذان

أن أفعل التفضيل على غير بابه فيكون أكبر بمعنى كبير (قال) ابن الهمام إن أفعل وفعيلا في صفاته تعالى سواء لأنه لا يراد بأكبر إثبات الزيادة في صفته بالنسبة إلى غيره بعد المشاركة لأنه لا يساويه أحد في أصل الكبرياء فكان أفعل بمعنى فعيل اهـ وابتدأ الأذان بالتكبير لأن في لفظة الله أكبر مع اختصارها إثبات الذات وسائر ما يستحقه الله تعالى من الكمالات (وقال) في المرقاة ولأن هذا الذكر مما يستحب أن يقال في كل مقام عال والغالب أن الأذان يكون في مكان مرتفع. ولعلّ وجه تكريره أربعا إشارة إلى أن هذا الحكم جار في الجهات الأربع وسار في تطهير شهوات النفس الناشئة عن طبائعها الأربع اهـ (قوله أشهد أن لا إله إلا الله الخ) أى أعتقد أنه لا معبود بحقّ في الوجود إلا الله وأعتقد أن محمدا رسول الله (قوله حىّ على الصلاة الخ) أى أقبلوا على الصلاة والفوز فحىّ اسم فعل أمر مبنيّ على فتح الياء المشددة. والفلاح الفوز يقال أفلح الرجل إذا فاز (قوله قال ثم استأخر عني الخ) أى قال عبد الله بن زيد ثم تأخر عني هذا الرجل قليلا بعد أن علمني الأذان ثم قال إذا أردت إقامة الصلاة تقول الله أكبر الخ (قال) الخطابى وهو يدلّ على أن المستحب أن تكون الإقامة في غير موقف الأذان اهـ وفيه إشارة أيضا إلى أنه يطلب الفصل بين الأذان والإقامة (قوله إنها لرؤيا حق) أى صادقة. وحكم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بصدق هذه الرؤيا لما تقدم من أن عمر لما رأى الأذان في المنام أتى ليخبر به النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبقك بذلك الوحى فهذا يؤيد أنه قيل للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند قصة رؤيا عبد الله بن زيد أنفذها فأنفذها (قوله فألق عليه الخ) أى أمل على بلال ما رأيته ليؤذن به فإنه أندى صوتا منك. وفى رواية الترمذى فإنه أندى وأمدّ صوتا منك أى أرفع. وقيل أحسن وأعذب (قال الخطابى) فيه دليل على أن كل من كان أرفع صوتا كان أولى بالأذان لأن الأذان إعلام وكل من كان الإعلام بصوته أرفع كان به أحق وأجدر اهـ (قوله فجعلت ألقيه عليه) أى صرت ألقى الأذان على بلال وألقنه له (قوله فخرج يجرّ رداءه) وفى رواية الترمذى يجرّ إزاره. والمراد بالإزار الرّداء لأن الإزار لا بدّ أن يكون مربوطا وإلا ينكشف صاحبه (قوله مثل ما أرى) بضم الهمزة على صيغة المجهول ونائب الفاعل ضمير يعود على عبد الله بن زيد والأصل أراه الله تعالى. وفي نسخة مثل ما رأى بصيغة المعلوم. ولعلّ هذا القول صدر منه بعد ما حكى عبد الله بن زيد رؤياه أو كان ذلك مكاشفة له رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وهو ظاهر العبارة (وفى الحديث دلالة) على تربيع التكبير في أول الأذان وقد ذهب إلى ذلك الشافعى وأبو حنيفة وأحمد وجمهور العلماء محتجين بهذا الحديث وبحديث أبى محذورة الآتي. وبأن التربيع عمل أهل مكة وهي مجمع المسلمين في المواسم وغيرها ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة وغيرهم (وذهب مالك) وأبو يوسف وزيد بن على والصادق

ما دل عليه حديث عبد الله بن زيد من مشروعية رفع الصوت بالأذان وحمد الله تعالى عند حصول الخير والترتيب في كلمات الأذان والإقامة وغير ذلك من المسائل

والهادى والقاسم إلى تثنيته محتجين بما وقع في بعض روايات حديث عبد الله بن زيد وهو ما رواه الصنف عن معمر ويونس عن الزهرى من عدم التربيع. وبأن التثنية عمل أهل المدينة وهم أعرف بالسنن. وبحديث أبى محذورة الآتى من طريق إبراهيم بن إسماعيل ومن طريق زياد بن يونس وبما رواه مسلم عنه وفيه أن التكبير مثنى فقط (قال في النيل) الحق أن روايات البربيع أرجح لاشتمالها على الزيادة وهى مقبولة لعدم منافاتها وصحة مخرجها اهـ وفيه دلاله على تثنية الشهادتين وأن لا ترجيع فيهما وإلى ذلك ذهب الكوفيون والهادوية والناصر والحنفية وقالوا لا يستحب الترجيع تمسكا بظاهر هذا الحديث وقالوا إن أكثر الروايات لا ترجيع فيها ولم يكن الترجيع في أذان بلال رئيس المؤذنين ولا في أذان ابن أم مكتوم وهما كانا مؤذنين له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بل ذكر الترجيع ليس إلا في حديث أبى محذورة الآتي (وأجابوا) عنه بما قاله الطحاوى من أنه يحتمل أن الترجيع إنما كان لأن أبا محذورة لم يمدّ بذلك صوته كما أراده النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إرجع فامدد من صوتك. وبما قاله ابن الجوزى في التحقيق من أن أبا محذورة كان كافرا فلما أسلم ولقنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الأذان أعاد عليه الشهادة وكرّرها لتثبت عنده ويحفظها ويكرّرها على أصحابه المشركين فإنهم كانوا ينفرون منها خلاف نفورهم من غيرها فلما كرّرها عليه ظنها فمن الأذان. لكن يردّ هذا كله ما ذكر في الحديث من قوله قلت يا رسول الله علمنى سنة الأذان وقوله تقول أشهد أن لا إله إلا الله تخفض بها صوتك م ترفع صوتك بها فجعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من سنة الأذان. والترجيع في اللغة الترديد. وفى الاصطلاح العود إلى الشهادتين مرّتين مرّتين برفع الصوت بعد قولهما مرّتين مرّتين بخفضه (وذهب) الشافعى ومالك وأحمد وجمهور العلماء إلى أن الترجيع مشروع في الأذان لحديث أبي محذورة الآتى بعده وهو حديث صحيح مشتمل على زيادة غير منافية فيجب قبولها. وهو متأخرّ عن حديث عبد الله بن زيد (قال) النووى في شرح مسلم إن حديث أبى محذورة سنة ثمان من الهجرة بعد حنين وحديث عبد الله بن زيد في أول الأمر اهـ والترجيع مندوب عند المالكية وسنة عند الحنابلة والشافعية على المذهب الصحيح عندهم فلو تركه عمدا أو سهوا صحّ أذانه وفاتته الفضيلة (وقد ذهب) جماعة من المحدّثين وغيرهم إلى التخيير بين فعل الترجيع وتركه. والصواب إثباته (والحاصل) أن تربيع التكبير وتثنيته والترجيع وتركه في الأذان ثابت في السنة فمن شاء ربع ومن شاء ثني ومن شاء رجع ومن شاء ترك. واختلاف الروايات في هذا كاختلاف القراءات (فقه الحديث) والحديث يدلّ على مشروعية الأذان والإقامة للصلاة، وعلى أن المطلوب في الأذان رفع الصوت، وعلى مشروعية حمد الله تعالى عند حصول الخير، وعلى مشروعية تربيع

فائدة جليلة في أن الأذان جامع لعقائد الإيمان

التكبير في الأذان وتثنية باقى ألفاظه ما عدا لا إله إلا الله. وعلى مشروعية تثنية التكبير ولفظ قد قامت الصلاة في الإقامة وإفراد باقى ألفاظها، وعلى عدم مشروعية الترجيع في الأذان وعلى أنه يطلب الترتيب في الأذان والإقامة فإذا أتى بكلمة في غير موضعها أعادها في محلها ومشهور مذهب مالك أنه يستأنف (فائدة) قال القاضى عياض إن الأذان كلام جامع لعقيدة الإيمان مشتمل على نوعيه من العقليات والسمعيات. فأوّله إثبات الذّات وما تستحقه من الكمال والتتزيه عن أضدادها وذلك بقوله "الله أكبر" وهذه اللفظة مع اختصار لفظها دالة على ما ذكرناه. ثم صرّح بإثبات الوحدانية ونفى ضدّها من الشركة المستحيلة في حقه سبحانه وتعالى. وهذه عمدة الإيمان والتوحيد المقدّمة على كل وظائف الدين. ثم صرّح بإثبات النبوّة والشهادة بالرسالة لنبينا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهي قاعدة عظيمة بعد الشهادة بالوحدانية. وموضعها بعد التوحيد لأنها من باب الأفعال الجائزة الوقوع وتلك المقدّمات من باب الواجبات. وبعد هذه القواعد كملت العقائد العقليات فيما يجب ويستحيل ويجوز في حقه سبحانه وتعالى. ثم دعا إلى ما دعاهم إليه من العبادات فدعا إلى الصلاة وعقبها بعد إثبات النبوّة لأن معرفة وجوبها من جهة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا من جهة العقل. ثم دعا إلى الفلاح وهو الفوز والبقاء في النعيم المقيم وفيه إشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء وهي آخر تراجم عقائد الإسلام ثم كرّر ذلك بإقامة الصلاة للإعلام بالشروع فيها وهو متضمن لتأكيد الإيمان وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان وليدخل المصلى فيها على بينة من أمره وبصيرة من إيمانه ويستشعر عظيم ما دخل فيه وعظمة حق من يعبده وجزيل ثوابه اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والبيهقى وأحمد والدارمى والترمذى وقال حسن صحيح قال محمد بن يحيى الذهلى ليس في أخبار عبد الله ابن زيد أصحّ من حديث محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمى لأن محمدا قد سمع من أبيه عبد الله بن زيد اهـ وقال ابن خزيمة حديث صحيح ثابت من جهة النقل لأن محمدا سمع من أبيه وابن إسحاق سمع من التيمى وليس هذا مما دلسه (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَكَذَا رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَالَ: فِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَقَالَ مَعْمَرٌ، وَيُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيهِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَمْ يُثَنِّيَا

(ش) أى كما روى محمد بن إبراهيم بن الحارث عن محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه عبد الله بن زيد رواه محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى عن سعيد بن المسيب عن عبد الله ابن زيد بتربيع التكبير أول الأذان وبتثنيته في الإقامه وبإفراد كل ألفاظها غير جملة قد قامت الصلاة. وحديث الزهرى أخرجه أحمد في مسنده عن محمد بن إسحاق عن الزهرى عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال لما أجمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يضرب بالناقوس وهو له كاره لموافقته النصارى طاف بى من الليل طائف وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران "الحديث" وأخرجه الحاكم من هذا الطريق وقال هذه أمثل الروايات في قصة عبد الله بن زيد لأن سعيد بن المسيب قد سمع من عبد الله بن زيد ورواه يونس ومعمر وشعيب وابن إسحاق عن الزهرى. ومتابعة هؤلاء لمحمد بن إسحاق عن الزهري ترفع احتمال التدليس الذى تحتمله عنعنة ابن إسحاق (قوله وقال فيه ابن إسحاق عن الزهرى الخ) الغرض منه بيان الاختلاف على الزهرى في التكبير الأول في الأذان فرواه محمد بن إسحاق عنه مربعا ورواه معمر ويونس عنه بلا تربيع بل بذكره مرّتين. وقوله لم يثنيا يعنى لم يذكرا الله أكبر الله أكبر مرّتين تنزيلا لهاتين الجملتين منزلة الجملة الواحدة (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي سُنَّةَ الْأَذَانِ؟ ، قَالَ: فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِي، قَالَ: " تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، تَرْفَعُ بِهَا صَوْتَكَ، ثُمَّ تَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، تَخْفِضُ بِهَا صَوْتَكَ، ثُمَّ تَرْفَعُ صَوْتَكَ بِالشَّهَادَةِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، فَإِنْ كَانَ صَلَاةُ الصُّبْحِ قُلْتَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ". (ش) (رجال الحديث) (قوله الحارث بن عبيد) الأيادى أبو قدامة البصري. روى عن ثابت البنانى وأبى عمران الجونى ومالك بن دينار وآخرين. وعنه ابن المبارك ومسدد وزيد

ابن الحباب وسعيد بن منصور. قال ابن مهدى كان من شيوخنا وما رأيته إلا جيدا وقال أحمد مضطرب الحديث وقال ابن حبان كان ممن كثر وهمه حتى خرج عن جملة من يحتجّ بهم إذا انفردوا وقال الساجى صدوق عنده مناكير وقال النسائى صالح وقال ابن معين ضعيف وقال أبو حاتم ليس بالقوى يكتب حديثه ولا يحتجّ به. روى له الجماعة إلا البخارى (قوله محمد ابن عبد الملك بن أبى محذورة) القرشى الجمحي المكي المؤذن. روى عن أبيه عن جده في الأذان وعنه الحارث بن عبيد والثورى. وثقه ابن حبان وقال ابن القطان مجهول الحال لا نعلم روى عنه إلا الحارث وقال عبد الحق لا يحتج بهذا الإسناد وقال الذهبى في الميزان محمد بن عبد الملك ابن أبى محذورة في الأذان ليس بحجة يكتب حديثه. روى له أبو داود (قوله عن أبيه) هو عبد الملك بن أبي محذورة القرشي الجمحى المكي. روى عن أبيه وعبد الله بن محيريز. وعنه أولاده عبد العزيز ومحمد وإسماعيل وحفيداه إبراهيم بن إسماعيل وإبراهيم بن عبد العزيز والنعمان ابن راشد وغيرهم. وثقه ابن حبان وقال في التقريب مقبول. روى له أبو داود والترمذى والنسائى (قوله عن جده) هو أبو محذورة القرشي الجمحى المكي الصحابى. قيل اسمه أوس وقيل سمرة بن معير بكسر الميم وسكون العين المهملة وقيل غير ذلك. وقال الزبير بن بكار أبو محذورة اسمه أوس بن معير بن لوذان بن سعد بن جمح من قال غير هذا فقد أخطأ. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابنه عبد الملك وعبد الله بن محيريز ومحمد بن يزيد النخعى وغيرهم. قيل مات سنة تسع وخمسين ولاه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الأذان يوم الفتح وكان أحسن الناس أذانا وأنداهم صوتا. روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (معني الحديث) (قوله علمنى سنة الأذان) أى طريقته المشروعة (قوله فمسح مقدّم رأسى) أى مسح رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مقدّم رأس أبى محذورة. ولعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل ذلك لتحصل له بركة يده الشريفة فيحفظ ما يلقى إليه فقد روى ابن ماجه والبيهقى عن عبد الله بن محيريز وكان يتيما في حجر أبى محذورة بن معير حين جهزه إلى الشام فقلت لأبى محذورة أى عمّ إنى خارج إلى الشام وإني أسأل عن تأذينك فأخبرنى أن أبا محذورة قال خرجت في نفر فكنا ببعض الطريق فأذن مؤذن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالصلاة عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسمعنا صوت المؤذن ونحن عنه متنكبون فصرخنا نحكيه نهزأ به فسمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأرسل إلينا قوما فأقعدونا بين يديه فقال أيكم الذى سمعت صوته قد ارتفع فأشار إليّ القوم كلهم وصدقوا فأرسل كلهم وحبسنى وقال لى قم فأذن فقمت

الخلاف في قول المؤذن الصلاة خير من النوم أهي في أذاني الصبح أم في أحدهما والكلام في حي على خير العمل

ولا شئ أكره إليّ من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا مما يأمرني به فقمت بين يدى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فألقى عليّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم التأذين هو بنفسه فقال قل الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال لى ارفع من صوتك أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حىّ على الصلاة حيّ على الصلاة حىّ على الفلاح حيّ على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ثم دعانى حين قضيت التأذين فأعطانى صرّة فيها شئ من فضة ثم وضع يده على ناصية أبى محذورة ثم أمّرها على وجهه ثم على ثدييه ثم على كبده ثم بلغت يد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سرة أبي محذورة ثم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بارك الله لك وبارك عليك فقلت يا رسول الله أمرتنى بالتأذين بمكة قال نعم قد أمرتك فذهب كلّ شيء كان لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من كراهية وعاد ذلك كله محبة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمكة فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ ورواه الدارقطني في سننه وفيه عن أبى محذورة قال لما خرج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى حنين خرجت عاشر عشرة من أهل مكة أطلبهم فكنا في بعض طريق حنين فقفل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من حنين فلقينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بعض الطريق فأذن مؤذن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للصلاة قال فسمعنا صوت المؤذن ونحن متنكبون "الحديث" (قوله تقول الخ) هو خبر بمعنى الأمر أى قل الله أكبر الخ (قوله فإن كان صلاة الصبح إلخ) أى إن كان ما يؤذن له صلاة الصبح قلت في أذانها بعد الحيعلتين الصلاة خير من النوم أى لذّتها خير من لذّته عند أرباب الذوق وأصحاب الشوق (وأصل مشروعيتها) كما رواه الطبراني بسنده أن بلالا أتى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يؤذنه بالصبح فوجده راقدا فقال الصلاة خير من النوم مرّتين فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا يا بلال اجعله في أذانك إذا أذنت للصبح. وروى ابن ماجه نحوه عن سعيد بن المسيب "ولا يشكل" على هذا ما رواه مالك في الموطأ من أن المؤذن جاء عمر بن الخطاب يؤذنه بصلاة الصبح فوجده نائما فقال الصلاة خير من النوم فقال اجعلها في نداء الصبح "لأن مراد عمر" الإنكار على المؤذن حيث جعل هذه الكلمة في غير موضعها وهو نداء الصبح فكأنه قال اجعلها في الموضع الذى جعلها فيه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ولا يتوهم أن عمر أتى بها من نفسه (وفى هذا دلالة) على أن التثويب مشروع

في أذان الصبح خاصة وإلى ذلك ذهب الجمهور، ويدلّ لهم أيضا ما جاء عن بلال قال قال لى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تثوبنّ في شيء من الصلوات إلا في صلاة الفجر رواه ابن ماجه والترمذى وضعف إسناده. وما سيأتى للمصنف في باب في الثويب عن مجاهد قال كنت مع ابن عمر فثوّب رجل في الظهر أو العصر فقال اخرج بنا فإن هذه بدعة (وحكى) الشيخ أبو حامد والمحاملى وغيرهما عن النخعى أنه كان يقول التثويب سنة في كل الصلوات كالصبح (وحكى) القاضى أبو الطيب عن الحسن بن صالح أنه مستحب في أذان العشاء أيضا وقال لأن بعض الناس قد ينام عنها. وروى نحوه عن الشعبي. لكن ما قالوه لا دليل عليه لأن الأحاديث لم ترد بإثباته إلا في الصبح خاصة (قال في النيل) الواجب الاقتصار على فعلها في الصبح والجزم بأن فعلها في غيرها بدعة كما صرّح بذلك ابن عمر وغيره (وذهبت) العترة والشافعى في أحد قوليه إلى أن التثويب بدعة (قال) في البحر أحدثه عمر فقال ابنه هذه بدعة. وعن على عليه السلام حين سمعه لا يزيدوا في الأذان ما ليس منه "ثم قال" بعد أن ذكر حديث أبى محذورة وبلال لو كان لما أنكره علىّ وابن عمر وطاوس. سلمنا فأمر به إشعارا في حال لا شرعا جمعا بين الآثار اهـ "وأقول" قد عرفت رفعه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والأمر به على جهة العموم من دون تخصيص بوقت دون وقت. وابن عمر لم ينكر مطلق التثويب بل أنكره في صلاة الظهر. ورواية الإنكار عن علىّ عليه السلام بعد صحتها لا تقدح في مروىّ غيره لأن المثبت أولى ومن علم حجة. والتثويب زيادة ثابتة فالقول بها لازم اهـ كلام النيل. ويعنى برفعه أحاديث الباب. وما رواه البيهقى عن حفص ابن عمر في سعد المؤذن أن سعدا كان يؤذن لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال حفص فحدثتي أهلى أن بلالا أتي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليؤذنه بصلاة الفجر فقالوا إنه نائم فنادى بلال بأعلى صوته الصلاة خير من النوم فأقرّت في صلاة الفجر إلى غير ذلك من الأحاديث (وعلى) القول بأن الصبح له أذانان هل يكون التثويب فيهما أم في اللأول دون الثاني (فذهب) إلى الأول الشافعية وهو ظاهر مذهب المالكية. ويدلّ لهم ما جاء من الروايات التي فيها التثويب ولم تقيد بالأول (منها) ما ذكره المصنف (ومنها) ما رواه الطحاوى بسنده عن محمد بن سيرين عن أنس قال كان التثويب في صلاة الغداة إذا قال المؤذن حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم مرّتين (ومال صاحب) سبل السلام إلى أن التثويب في الأذان الأول دون الثاني وحمل المطلق من الروايات على المقيدة بالأول حيث قال في شرح حديث رواه ابن خزيمة عن أنس من السنة إذا قال المؤذن في الفجر حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم وفى رواية النسائى الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم في الأذان الأول من الصبح وفي هذا تقييد لما أطلقته الروايات (قال) ابن رسلان وصحح هذه الرواية ابن خزيمة

قال فشرعية التثويب إنما في الأذان الأول للفجر لأنه لإيقاظ النائم. وأما الأذان الثانى فإنه إعلام بدخول الوقت ودعاء إلى الصلاة. ولفظ النسائى في سننه الكبرى من جهة سفيان عن أبى جعفر عن أبى سليمان عن أبى محذورة قال كنت أؤذن لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكنت أقول في أذان الفجر الأول حىّ على الفلاح الصلاة خير من النوم قال ابن حزم وإسناده صحيح. ومثل ذلك في سنن البيهقى الكبرى من حديث أبى محذورة أنه كان يثوّب في الأذان الأول من الصبح بأمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "قلت" وعلى هذا ليس الصلاة خير من النوم من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلى الصلاة والإخبار بدخول وقتها بل هو من الألفاظ التى شرعت لإيقاظ النائم. وإذا عرفت هذا هان عليك ما اعتاده الفقهاء من الجدال في التثويب هل هو من ألفاظ الأذان أو لا وهل هو بدعة أو لا اهـ كلام صاحب سبل السلام (ويدلّ على) أن التثويب في الأول ما رواه الطحاوى بسنده عن أبى محذورة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علمه في الأذان الأول من الصبح الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم (وما رواه) أيضا عن نافع عن ابن عمر أنه قال كان في الأذان الأول بعد الفلاح الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم (وما رواه) البيهقى عنه أنه قال لمؤذنه إذا بلغت حىّ على الفلاح في الفجر فقل الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم (وما سيأتى) للمصنف عن أبى محذورة وفيه الصلاة خير من النوم في الأول من الصبح (والحاصل) أن الأئمة الأربعة يقولون بالتثويب في أذان الصبح لا فرق بين من يقول منهم إن له أذانا واحدا وبين من يقول إن له أذانين. ولم نر من قال منهم بمثل ما قاله صاحب سبل السلام (وليس في الحديث) ذكر حىّ على خير العمل (وقد ذهبت) العترة إلى إثباته وأنه بعد أن يقول المؤذن حىّ على الفلاح يقول مرّتين حيّ على خير العمل (واحتج) القائلون بذلك بما في كتب أهل البيت كأمالى أحمد ابن عيسى والتجريد والإحكام وجامع آل محمد من إثبات ذلك مسندا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال في الإحكام قد صح لنا أن حىّ على خير العمل كانت على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يؤذن بها وتطرح إلا في زمن عمر وهكذا قال الحسن بن يحيى (وبما أخرجه) البيهقى في سننه الكبرى بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يؤذن بحيّ على خير العمل أحيانا. وروى فيها عن علىّ بن الحسين أنه قال هو الأذان الأول. وروى الطبرى في إحكامه عن زيد بن أرقم أنه أذن بذلك. قال الطبرى رواه ابن حزم. ورواه سعيد ابن منصور في سننه عن أبى أمامة بن سهل البدرى. ولم يرو ذلك من طريق غير أهل البيت مرفوعا (وأجاب الجمهور) عنه بأن الأحاديث الواردة بذكر ألفاظ الأذان في الصحيحين وغيرهما من دواوين الحديث ليس في شيء منها ما يدلّ على ثبوت ذلك. قالوا وإذا صحّ ما روى من أنه

الأذان الأول فهو منسوخ بأحاديث الأذان التي لم تذكر فيها جملة حيّ على خير العمل. وقد أورد البيهقى حديثا في نسخ ذلك ولكنه من طريق لا يثبت النسخ بمثلها اهـ من النيل ببعض تصرف (فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على أن من جهل شيئا يطلب منه أن يسأل من هو عالم به. وعلى طلب الرأفة والشفقة بالمتعلم، وعلى مشروعية التبرّك بأهل الفضل، وعلى مشروعية الترجيع في الأذان وقد علمت بيانه، وعلى مشروعية التثويب في أذان الصبح بقوله الصلاة خير من النوم مرّتين بعد الحيعلتين. وإلى ذلك ذهب الجمهور، كما تقدم منهم عمر بن الخطاب وابنه وأنس والحسن البصرى وابن سيرين والزهرى ومالك والثورى وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وأصحاب الشافعى (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد وابن حبان والنسائى والبيهقى وفي إسناده محمد ابن عبد الملك بن أبى محذورة والحارث بن عبيد والأول غير معروف والثانى فيه مقال. لكن قد رواه النسائى والطحاوى من طرق أخرى والروايات يقوّى بعضها بعضا (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ السَّائِبِ، أَخْبَرَنِي أَبِي، وَأُمُّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ نَحْوَ هَذَا الْخَبَرِ وَفِيهِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ فِي الْأُول مِنَ الصُّبْحِ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدِيثُ مُسَدَّدٍ أَبْيَنُ، قَالَ فِيهِ: وَقَالَ: وَعَلَّمَنِي الْإِقَامَةَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قال أبو داود وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَإِذَا أَقَمْتَ الصلاة فَقُلْهَا مَرَّتَيْنِ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، أَسَمِعْتَ؟ قَالَ: فَكَانَ أَبُو مَحْذُورَةَ، لَا يَجُزُّ نَاصِيَتَهُ وَلَا يَفْرُقُهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَيْهَا

(ش) غرض المصنف بذكر هذا الحديث بيان أن بينه وبين ما قبله اختلافا ففيه التقييد بقوله في الأول من الصبح دون الحديث الأول. والأول أصرح وأكمل في ألفاظ الأذان من هذا وفى هذا ذكر ألفاظ الإقامة دون الأول غير أن الحسن بن عليّ ذكر في روايته عن أبى عاصم ألفاظ الإقامة مفصلة ولم يذكر فيها قد قامت الصلاة. وفى روايته عن عبد الرزاق ذكر الإقامة مجملة وأنها مرّتان وذكر فيها قد قامت الصلاة مرّتين. وهذا الاختلاف لا يقدح في الحديث لأنها زيادة من ثقة وهي مقبولة (رجال الحديث) (قوله أبو عاصم) الضحاك بن مخلد. و (عبد الرزاق) بن همام و (ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قوله عثمان بن السائب) المكي الجمحى مولى أبى محذورة روى عن أبيه وأم عبد الملك. وعنه ابن جريج. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول وقال ابن القطان لا يعرف. روى له أبو داود والنسائى (قوله أخبرنى أبي) هو السائب المكي الجمحى. روى عن أبى محذورة. وعنه ابنه عثمان. ذكره ابن حبان في الثقات وقال الذهبي لا يعرف روى له أبو داود والنسائى هذا الحديث فقط (قوله وأم عبد الملك) كذا في رواية البيهقي والدارقطنى. وهي زوج أبي محذورة قال في التقريب مقبولة وقال البيهقى مجهولة الحال روت عن زوجها وعنها عثمان بن السائب (معنى الحديث) (قوله نحو هذا الخبر) أى حدّث محمد بن عبد الملك بن أبى محذورة عن أبيه عن جده نحو هذا الحديث. ولفظه عند البيهقي من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج بسنده إلى أبى محذورة قال خرجت في عشرة فتيان مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى حنين فأذنوا وقمنا نؤذن مستهزئين بهم فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ائتونى بهؤلاء الفتيان فقال أذنوا فأذنوا وكنت أحدّهم صوتا فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نعم هذا الذى سمعت صوته اذهب فأذن لأهل مكة وقل لعتاب بن أسيد أمرنى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. أن أؤذن لأهل مكة وقال قل الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مرّتين أشهد أن محمدا رسول الله مرّتين ثم ارجع فقل أشهد أن لا إله إلا الله مرتين أشهد أن محمدا رسول الله مرّتين حيّ على الصلاة مرّتين حيّ على الفلاح مرتين الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فإذا أقمت للصلاة فقلها مرّتين قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ونحوه عند الدارقطنى (قوله في الأول من الصبح) أى في الأذان الأول من الصبح. وفى نسخة في الأولى من الصبح أى في المناداة الأولى للصبح. والنسخة الأولى هي الصحيحة ويؤيدها ما تقدم من الروايات التى فيها الأذان الأول (وفى هذا) دلالة على أن التثويب في الأذان الأول للفجر دون الثانى وقد علمت ما فيه (قوله وحديث مسدد أبين) أي حديث مسدد بن

مسرهد السابق أظهر وأتمّ في بيان ألفاظ الأذان من حديث الحسن بن علىّ وإن كان في حديث الحسن زيادة ألفاظ الإقامة (قوله قال فيه وقال الخ) أى قال الحسن بن على في الحديث وقال أبو محذورة وعلمنى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن أقول الإقامة مرّتين مرّتين الله أكبر الله أكبر الخ (قوله وقال عبد الرزاق الخ) أى قال في روايته بسنده قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأبي محذورة وإذا اقمت الصلاة فقل قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة مرّتين (قوله أسمعت) بهمزة الاستفهام أى قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هل سمعت ما قلته لك في الأذان والإقامة. ويحتمل أن يكون هذا قول عبد الرزاق لتلميذه أسمعت ما رويت لك. ويمكن أن يقال إنه على صيغة الخطاب من الإسماع أى قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأبى محذورة أى إذا أقمت الصلاة وقلت كلمات الإقامة فقد أسمعت الجماعة. ولعلّ الغرض من هذا تثبيت أبى محذورة في الأذان (قوله لا يجزّ ناصيته) أى لا يقطع شعر ناصيته يقال جزّ الصوف إذا قطعه من باب قتل وردّ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى والدارقطني بلفظ تقدم وأخرجه الطحاوى من طريق روح بن عبادة وأبى عاصم عن ابن جريج ورواه النسائى والدارقطنى أيضا من طريق حجاح عن ابن جريج بسند المصنف وفيه وعلمنى الإقامة مرّتين ثم ذكر كلمات الإقامة فذكر الله أكبر أربع مرّات والشهادتين مرّتين والحيعلتين مرّتين وقد قامت الصلاة مرّتين ثم التكبير مرّتين ثم ذكر كلمة التوحيد مرّة. وكذلك أخرج البيهقي بسنده من طريق روح بن عبادة عن ابن جريج بهذا السند وذكر فيه قال وقد علمنى الإقامة مرّتين مرّتين ثم ذكر كلمات الإقامة. وأخرج الدارقطنى حديث عبد الرازق عن ابن جريج بهذذ السند فذكر قصة الأذان مفصلة وقال في آخره وإذا أقمت فقلها مرّتين قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة أسمعت. وكما ذكر المصنف والدارقطنى حديث عبد الرزاق كذلك ذكره البيهقى وإذا أقمت فقلها مرّتين قد قامت الصلاة أسمعت. وأخرجه البيهقى أيضا من طريق روح بن عبادة عن ابن جريج بسنده وفيه وقد علمنى الإقامة مرّتين ثم ذكر كلمات الإقامة (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا عَفَّانُ، وَسَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، وَحَجَّاجٌ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، قَالُوا: ثَنَا هَمَّامٌ، ثَنَا عَامِرٌ الْأَحْوَلُ، حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ، أَنَّ ابْنَ مُحَيْرِيزٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ عَلَّمَهُ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَالْإِقَامَةَ

سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً: الْأَذَانُ: "اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَالْإِقَامَةُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ "، كَذَا فِي كِتَابِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ (ش) (رجال الحديث) (قوله عفان) بن مسلم بن عبد الله البصرى الأنصارى أبو عثمان. روى عن شعبة وهمام بن يحيى وسليمان بن المغيرة وأبي عوانة والحمادين وغيرهم. وعنه البخارى وأحمد وقتيبة وابن معين وكثيرون. قال أبو حاتم ثقة متقن متقن وقال العجلي ثقة ثبت صاحب سنة وقال ابن سعد كان ثقة ثبتا حجة كثير الحديث وقال ابن خراش كان من خيار المسلمين وقال ابن قانع ثقة مأمون ووثقه كثيرون. مات ببغداد سنة عشرين ومائتين. روى له الجماعة (قوله وسعيد بن عامر) الضبعى أبو محمد البصري. روى عن سعيد بن أبى عروبة وشعبة وهمام بن يحيى ومحمد بن عمرو بن علقمة وغيرهم. وعنه أحمد بن حنبل وأبو خيثمة وإسحاق ابن راهويه وابن معين وآخرون. قال ابن معين هو الثقة المأمون وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال العجلى رجل صالح ثقة من خيار المسلمين وقال أبو حاتم كان رجلا صالحا في حديثه بعض الغلط وهو صدوق ووثقه ابن حبان وابن قانع. توفي لأربع بقين من شوال سنة ثمان ومائتين. روى له البخارى ومسلم وأبو داود (قوله وحجاج) بن منهال الأنماطي أبو محمد السلامى البصرى. روى عن الحمادين وجرير بن حازم وشعبة وعبد العزيز بن الماجشون. وعنه البخارى والذهلي والجوزجاني والفضل بن العباس وهلال بن العلاء وآخرون. وثقه أحمد والنسائى وابن سعد وقال كثير الحديث وقال أبو حاتم ثقة فاضل وقال العجلي ثقة رجل صالح وقال ابن قانع ثقة مأمون وقال الفلاس ما رأيت مثله فضلا ودينا. مات سنة ست عشرة أو سبع عشرة ومائتين

أقوال العلماء في عدد كلمات الأذان والإقامة

روى له الجماعة (قوله المعنى واحد) أى أن روايتهم جميعا متفقة في المعنى وإن اختلفت ألفاظهم (قوله عامر الأحول) هو ابن عبد الواحد البصرى. روى عن عائذ بن عمرو وعطاء بن أبى رباح وشهر بن حوشب ونافع مولى ابن عمر ومكحول وجماعة. وعنه شعبة وسعيد بن أبي عروبة والحمادان وأبان بن يزيد وآخرون. قال أحمد والنسائى ليس حديثه بشئ وليس بالقوى وقال أبو حاتم ثقة لا بأس به وقال ابن عدى لا أرى برواياته بأسا ووثقه ابن حبان. روى له الجماعة إلا البخارى. و (مكحول) الدمشقى الإمام. و (ابن محيريز) بضم الميم وفتح الحاء المهملة بعدها مثناة تحتية ساكنة هو عبد الله بن محيريز بن جنادة بن وهب بن لوذان أبو محيريز المكي سكن بيت المقدس. روى عن أبى محذورة وعبادة بن الصامت وأبى سعيد الخدرى وفضالة بن عبيد ومعاوية بن أبى سفيان وآخرين. وعنه عبد الملك بن أبى محذورة وبسر بن عبد الله ومكحول وعطاء. قال أحمد بن عبد الله العجلى وابن خراش ثقة من خيار الناس ووثقه النسائى. روى له البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى (معنى الحديث) (قوله تسع عشرة كلمة) بتقديم المثناة الفوقية على السين المهملة وهذا بالنسبة للترجيع. وما في بعض النسخ من إسقاطه فهو غلط (وإلى أن) كلمات الأذان تسع عشرة كلمة ذهبت الشافعية وطائفة من أهل العلم (وذهب) أبو حنيفة والثورى وأحمد إلى أنه خمس عشرة كلمة واحتجوا بحديث عبد الله بن زيد المتقدم. لكن العمل على حديث أبى محذورة مقدّم على العمل بحديث عبد الله بن زيد لأوجه (منها) أن حديث أبى محذورة متأخر فإنه سنة ثمان من الهجرة وحديث عبد الله بنّ زيد أول الإمر (الثاني) أن فيه زيادة وزيادة الثقة مقبولة (الثالث) أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لقنه إياه (الرابع) أنه عمل أهل الحرمين (وذهب) مالك إلى أنه سبع عشرة كلمة لعدم تربيع التكبير أول الأذان عبده. يدلّ له ما رواه مسلم عن أبى محذورة أن نبىّ الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علمه الأذان الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله لا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم يعود فيقول أشهد أن لا إله إلا الله الخ (قال ابن رشد) في البداية اختلف العلماء في الأذان على أربع صفات مشهورة (إحداها) تثنية التكبير فيه وتربيع الشهادتين وباقيه مثنى. وهو مذهب أهل المدينة مالك وغيره. واختار المتأخرون من أصحاب مالك الترجيع وهو أن يثني الشهادتين أولا خفيا ثم يثنيهما مرة ثانية مرفوع الصوت (والصفة الثانية) أذان المكيين وبه قال الشافعى وهو تربيع التكبير الأول والشهادتين وتثنية باقى الأذان (والصفة الثالثة) أذان الكوفيين وهو تربيع التكبير الأول وتثنية باقى الأذان وبه قال أبو حنيفة (والصفة الرابعة) أذان البصريين وهو تربيع التكبير الأول وتثليث الشهادتين وحىّ على الصلاة وحى على الفلاح يبدأ بأشهد

أن لا إله إلا الله حتى يصل حىّ على الفلاح ثم يعيد كذلك مرة ثانية ثم يعيدهنّ ثالثة وبه قال الحسن البصرى وابن سيرين. والسبب في اختلاف كل واحد من هؤلاء الفرق الأربع اختلاف الآثار في ذلك واختلاف اتصال العمل عند كل واحد منهم وذلك أن المدنيين يحتجون لمذهبهم بالعمل المتصل بذلك في المدينة. والمكيون كذلك أيضا يحتجون بالعمل المتصل عندهم بذلك. وكذلك الكوفيون والبصريون. ولكل واحد منهم آثار تشهد لقوله. أما تثنية التكبير في أوله على مذهب أهل الحجاز فروى من طرق صحاح عن أبى محذورة وعبد الله بن زيد الأنصارى وتربيعه أيضا مروىّ عن أبى محذورة من طرق أخر. وعن عبد الله بن زيد (قال الشافعى) هى زيادات يجب قبولها مع اتصال العمل بذلك بمكة. وأما الترجيع الذى اختاره المتأخرون من أصحاب مالك فروى من طريق أبى قدامة. قال أبو عمر أبو قدامة عندهم ضعيف. وأما الكوفيون فبحديث ابن أبي ليلى. وفيه أن عبد الله بن زيد رأى في المنام رجلا قام على خرم حائط وعليه بردان أخضران فأذن مثنى وأقام مثنى وأنه أخبر بذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقام بلال فأذن مثنى وأقام مثنى. والذى خرّجه البخارى في هذا الباب إنما هو من حديث أنس فقط وهو أن بلالا أمر أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلا قد قامت الصلاة فإنه يثنيها وخرّج مسلم عن أبى محذورة صفة أذان الحجازيين. ولمكان هذا التعارض الذى ورد في الأذان رأى أحمد بن حنبل وداود أن هذه الصفات المختلفة إنما وردت على التخيير لا على إيجاب واحدة منها وأن الإنسان مخير فيها اهـ ببعض تصرّف (قوله سبع عشرة كلمة) هذا صريح في شفع الإقامة إلا كلمة التوحيد. وبه قال أبو حنيفة والثورى وابن المبارك مستدلين بهذا الحديث وبقياسا على الأذان (وقال مالك) هي عشر كلمات وجعل قد قامت الصلاة مرّة واحدة. فهى عنده وتر إلا التكبير. وهو قول للشافعى في القديم. واستدلّ بما سيأتى للمصنف ورواه البخارى عن أنس أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة. وبأن نقل أهل المدينة المتواتر وعملهم المستفيض على ذلك (وقال الشافعى) إن الإقامة إحدى عشرة كلمة بتكرير قد قامت الصلاة مرتين وهو قول عمر بن الخطاب وابنه وأنس والحسن البصرى والزهرى ومكحول والأوزاعي وأحمد وإسحاق وداود وابن المنذر. واحتحوا بحديث عبد الله بن زيد المتقدم. وبما رواه البخارى عن أنس أمر بلال أن يشفع الأذان ووتر الإقامة إلا قد قامت الصلاة. وبما سيأتى للمصنف عن ابن عمر قال كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرّتين مرّتين والإقامة مرّة مرّة غير أنه يقول قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة. قالوا والحكمة في إفراد الإقامة أن السامع يعلم أنها إقامة فلو ثنيت لاشتبهت بالأذان. ولأنها للحاضرين فلم تحتج إلى تكرير بخلاف الأذان (وحكى) إمام الحرمين أن الإقامة تسع كلمات

يفرد جميع كلماتها ما عدا التكبير الأول. هو قول قديم للشافعى (وحكى) القاضى حسين والفوراني والسرخسى والبغوى أنها ثمان كلمات بإفراد ألفاظها كلها (واختار) محمد بن أبى بكر ابن إسحاق بن خزيمة أنه إن رجع في الأذان ثنى جميع كلمات الإقامة فيجعلها سبع عشرة كلمة وإن لم يرجع أفرد الإقامة يجعلها إحدى عشرة كلمة (قوله كذا في كتابه في حديث أبى محذورة) أى ما ذكر في حديث أبى محذورة من أن كلمات الأذان تسع عشرة كلمة وكلمات الإقامة سبع عشرة كلمة حدّث به همام بن يحيى من كتابه لا من حفظه وإذا حدّث من كتابه أتقن أو أن المراد أن هماما حدّث بالحديث من حفظه. وفي التحديث من لفظه مقال فأراد تلاميذه تقوية ما حدّث به بأنه هكذا في كتابه فوافق حفظه كتابه. فلا يقال إن هماما وهم في ذكر الإقامة كما قال البيهقي في المعرفة إن مسلم بن الحجاج ترك رواية همام عن عامر واعتمد على رواية هشام عن عامر التي ليس فيها ذكر الإقامة؛ لأن عدم تخريج مسلم له لا يقتضى عدم صحته لأنه لم يلتزم إخراج كل الصحيح. على أنه قد تابع سعيد بن أبى عروبة عند الطبراني هماما في روايته عن عامر فلا وهم في رواية همام (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه والدارمى والدارقطي والحاكم والطبراني والشافعى والبيهقى وتكلم عليه بأوجه من التضعيف. لكن ردّها ابن دقيق العيد وصحح الحديث. ورواه الترمذى وقال حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ يَعْنِي عَبْدَ الْعَزِيزِ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، قَالَ: أَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ التَّأْذِينَ هُوَ بِنَفْسِهِ، فَقَالَ: "قُل: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: ثُمَّ ارْجِعْ، فَمُدَّ مِنْ صَوْتِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ "

(ش) (رجال الحديث) (قوله ابن عبد الملك الخ) القرشى الجمحى المكي المؤذن. روى عن عطاء الخراسانى وعن ابن محيريز عن جدّه. وعنه ابنه إبراهيم وابن جريج ومحمد بن سعيد الطائفى. وثقه ابن حبان وقال ابن المديني بنو أبى محذورة الذين يحدّثون كلهم ضعفاء ليسوا بشئ روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (قوله عن ابن محيريز) كذا في أكثر النسخ وهي رواية الدارقطني وهو عبد الله بن محيريز. وفي بعض النسخ عن ابن أبى محيريز ولعله غلط (معنى الحديث) (قوله ألقى علىّ الخ) أى أملى عليّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الأذان بقوله قل الله أكبر الخ وفيه دليل على أن الأذان تسع عشرة كلمة ولم يذكر فيه الإقامة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطنى من عدّة طرق عن ابن جريج وكذا ابن ماجه والبيهقى من طريق المصنف مطوّلا بلفظ تقدّم في شرح الحديث الثانى من الباب (ص) حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَدِّي عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِي مَحْذُورَةَ، يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مَحْذُورَةَ، يَقُولُ: "أَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ الْأَذَانَ، حَرْفًا حَرْفًا: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ "، قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ فِي الْفَجْرِ: «الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ». (ش) (رجال الحديث) (قوله النفيلى) هو عبد الله بن محمد (قوله إبراهيم بن إسماعيل الخ) أبو إسماعيل القرشى. روى عن أبيه وجده. وعنه بشر بن معاذ وعبد الله بن عبد الوهاب وآخرون. ضعفه الأزدى وقال في التقريب مجهول. روى له الترمذى والنسائى وأبو داود (معنى الحديث) (قوله يذكر أنه سمع أبا محذورة الخ) وفي رواية الدارقطني يحدّث عن أبيه أبى محذورة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى إله وسلم ألقى هذا الأذان عليه الله أكبر الخ بدون قوله حرفا حرفا (قوله حرفا حرفا) أى كلمة كلمة من إطلاق الجزء وإرادة الكل وانتصابه

على الحال وإن كان غير مشتقّ لأن غير المشتق يقع حالا في مواضع منها إذا دلّ على الترتيب كما هنا (قوله الله أكبر الخ) بتربيع التكبير وهكذا رواه البيهقى من طريق إسحاق بن إبراهيم الحنظلى قال أنبأنا إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبى محذورة قال أدركت أبى وجدّى يؤذنون هذا الأذان الذى أؤذن ويقيمون هذه الإقامة فيقولون إن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علمه أبا محذورة فذكر الأذان بتربيع التكبير أوّله وتثنية الشهادتين ثم رجع بهما مثنى مثنى أيضا وتثنية الحيعلتين والتكبير وختم بلا إله إلا الله. وفي بعض نسخ المتن بتثنية التكبير وهى رواية ابن الأعرابى وابن عيسى (وبها استدلّ) مالك على تثنية التكبير في الأذان (واستدلّ) أيضا بما أخرجه النسائى قال حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنى إبراهيم وهو ابن عبد العزيز ابن عبد الملك بن أبى محذورة قال حدثنى أبي عبد العزيز وجدّى عبد الملك عن أبى محذورة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقعده فألقى عليه الأذان حرفا حرفا قال إبراهيم هو مثل أذاننا هذا قلت له أعد علىّ قال الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مرّتين أشهد أن محمدا رسول الله مرّتين ثم قال بصوت دون ذلك الصوت يسمع من حوله أشهد أن لا إله إلا الله مرّتين أشهد أن محمدا رسول الله مرّتين حي على الصلاة مرتين حي على الفلاح مرتين الله أكبر ألله أكبر لا إله إلا الله (فظهر) من هذه الروايات أن أبا محذورة وأولاده لم يقتصروا على الرواية التى فيها التكبير مثنى في أوّله والترجيع في الشهادتين (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى بلفظ تقدم والدارقطني بتربيع التكبير أوّل الأذان وأخرجه الطبرانى (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ، ثَنَا زِيَادٌ يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ يَعْنِي الْجُمَحِيَّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ الْجُمَحِيِّ، عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ عَلَّمَهُ الْأَذَانَ يَقُولُ: «اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ أَذَانِ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَمَعْنَاهُ. (ش) (رجال الحديث) (قوله نافع بن عمر) بن عبد الله بن جميل (الجمحى) القرشى المكي. روى عن ابن أبى مليكة وعمرو بن دينار وبشر بن عاصم. وعنه يحيى القطان وابن المبارك

والقعنبى وابن مهدى ووكيع وكثيرون. قال أحمد ثبت صحيح الكتاب ووثقه ابن معين والنسائى وابن حبان وأبو حاتم. مات بمكة سنة تسع وستين ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله ثم ذكر مثل أذان حديث ابن جريج) أى ذكر نافع بن عمر في حديثه مثل ما ذكر عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج في حديثه من الترجبع وبقية ألفاظ الأذان إلا التكبير أوّله فإنه في رواية ابن جريج بالتربيع وفى رواية نافع بالتثنية (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَفِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ أَبِي مَحْذُورَةَ، قُلْتُ: حَدِّثْنِي عَنْ أَذَانِ أَبِيكَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَذَكَرَ، فَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ»، قَطْ. (ش) يعنى أن التكبير في حديث مالك بن دينار أوّل الأذان مثنى فقط كما في رواية نافع ابن عمر. لكن هذا التعليق وصله الدارقطنى وليس فيه لفظ الله أكبر الله أكبر مرّتين قال حدثنا القاضى أبو عمر حدثنا على بن عبد العزير حدثنا مسلم حدثنا داود بن أبى عبد الرحمن القرشي حدثنا مالك بن دينار قال صعدت إلى ابن أبى محذورة فوق المسجد الحرام بعد ما أذن فقلت له أخبرنى عن أذان أبيك لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال كان يبدأ فيكبر ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حيّ على الصلاة حي على الفلاح مرّة ثم يرجع فيقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حتى يأتى على آخر الأذان الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. وذكر في هذه الرواية أن الترجيع في الشهادة مرّة وكذا في الحيعلتين. لكن الحديث تفرّد به داود بن أبى عبد الرحمن كما قاله الدارقطنى (ص) وَكَذَلِكَ حَدِيثُ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ جَدِّهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: " ثُمَّ تَرَجَّعْ فَتَرْفَعُ صَوْتَكَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ " (ش) أى ورواية جعفر بن سليمان مثل رواية نافع بن عمر بتثنية التكبير وباقى الألفاظ إلا أن جعفرا قال في حديثه ثم ترجع فترفع صوتك "بلفظ الأمر من التفعل. أو بلفظ المضارع من رجع ورفع في الصيغتين" بدل قول ابن جريج في حديثه ثم ارجع فمدّ من صوتك. وقوله الله أكبر الله أكبر بيان للتشبيه في كذلك ذكره لزيادة الإيضاح (قوله عن ابن أبي محذورة عن عمه عن جدّه) الظاهر أن المراد من ابن أبي محذورة في هذا السند ابن ابنه فإن أبى محذورة لا يروى عن عمه

أى عن أخى أبى محذورة ولم يثبت أن أخا أبى محذورة أسلم وروى عنه أحد من الناس بل قال الحافظ في تهذيب التهذيب قال ابن جرير وغيره كان لأبى محذورة أخ يسمى أنيسا قتل يوم بدر كافرا فلا يمكن أن يروى ابن أبى محذورة وهو عبد الملك عن عمه أخى أبيه بل هو يروى عن أبيه بلا واسطة بينهما. وكذلك يشكل رواية عمه عن جدّه فإنه محال لأنه لم يثبت أن جدّ عبد الملك بن أبى محذورة أسلم. ولم يرو الأذان إلا عن أبي محذورة لا عن أبيه. فيمكن أن يوجه الكلام بأن المراد من ابن أبى محذورة عبد العزيز بن عبد الملك بن أبى محذورة وهو يروى عن عمه وهو عبد الله بن محيريز فإنه وإن لم يكن له عما على الحقيقة فهو عمّ مجازىّ فإنه كان يتيما في حجر أبى محذورة فكأنه ابنه فصار كأنه عمّ لعبد العزيز وهو يروى عن جدّه أى جدّ عبد العزيز ابن عبد الملك بن أبى محذورة وهو أبو محذورة صاحب الأذان. ويمكن أن يكون المراد من ابن أبى محذورة ابن ابن ابنه إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبى محذورة وهو يروى عن عمه عبد العزيز بن عبد الملك بن أبى محذورة وهو يروى عن جده عبد الملك أو أبى محذورة وعبد العزيز هذا له رواية عن عبد الله بن محيريز وأبى محذورة. ووقع في رواية ابن السني عن النسائى عن بشر بن معاذ عن إبراهيم بن عبد العزيز حدثني أبى عبد العزيز حدثنى جدى عبد الملك عن أبى محذورة وهو وهم والصواب ما رواه الترمذى عن بشر بن معاذ عن إبراهيم قال حدثنى أبي وجدّى جميعا عن أبى محذورة اهـ من تهذيب التهذيب. فهذا الكلام يدلّ على أن عبد العزيز له رواية عن أبيه عبد الملك وعن جدّه أبى محذورة فيمكن أن يكون المراد عن جدّه في حديث جعفر بن سليمان إما عبد الملك أو أبا محذورة. وقد بالغت في تصفح هذا الحديث فلم أجد هذا السياق لغير أبى داود فيما تصفحت من الكتب. والذى يغلب على الظن أن في هذا السند تصحيفا ولعله كتب في محلّ عن أبيه عمه غلطا والله تعالى أعلم (ظهر لك) مما تقدم أن الأذان فيه تثنية التكبير أوّله وتربيعه والترجيع في الشهادتين وعدمه مع تثنية التكبير وتربيعه وأن الإقامة ورد فيها تربيع التكبير مع تثنية جميع كلماتها ما عدا لا إله إلا الله وفيها تثنية جميع ألفاظها إلا كلمة التوحيد وفيها إفراد جميع كلماتها إلا التكبير أوّلها وآخرها وقد قامت الصلاة فإنها مثناة (قال) الحافظ ابن القيم كل هذه الوجوه جائزة مجزئة لا كراهة فيها وإن كان بعضها أفضل من بعض لأنه قد ثبت عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جميع ذلك وعمل به أصحابه فمن شاء ربع التكبير ومن شاء ثنى الإقامة ومن شاء أفردها إلا قوله قد قامت الصلاة فإن ذلك مرّتان على كل حال وهذا كما قيل في التشهدات والتوجهات. ولكن ذلك لا ينافى أن يختار الإنسان لنفسه أصحّ ما ورد أو أن يأخذ بالزائد فالزائد هذا خلاصة ما في الباب اهـ لكن قد علمت أن قد قامت الصلاة وردت مفردة أيضا كما عليه عمل أهل المدينة

(ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قال سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: أُحِيلَتِ الصَّلَاةُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «لَقَدْ أَعْجَبَنِي أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْمُسْلِمِينَ -أَوْ قَالَ- الْمُؤْمِنِينَ، وَاحِدَةً، حَتَّى لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبُثَّ رِجَالًا فِي الدُّورِ يُنَادُونَ النَّاسَ بِحِينِ الصَّلَاةِ، وَحَتَّى هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رِجَالًا يَقُومُونَ عَلَى الْآطَامِ يُنَادُونَ الْمُسْلِمِينَ بِحِينِ الصَّلَاةِ حَتَّى نَقَسُوا أَوْ كَادُوا أَنْ يَنْقُسُوا»، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَمَّا رَجَعْتُ لِمَا رَأَيْتُ مِنَ اهْتِمَامِكَ رَأَيْتُ رَجُلًا كَأَنَّ عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ أَخْضَرَيْنِ، فَقَامَ عَلَى الْمَسْجِدِ فَأَذَّنَ، ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ مِثْلَهَا، إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ وَلَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ -قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: أَنْ تَقُولُوا- لَقُلْتُ إِنِّي كُنْتُ يَقْظَانَ غَيْرَ نَائِمٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: -وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى- «لَقَدْ أَرَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا»، -وَلَمْ يَقُلْ عَمْرٌو: «لَقَدْ» - فَمُر بِلَالًا فَلْيُؤَذِّنْ، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى، وَلَكِن لَمَّا سُبِقْتُ اسْتَحْيَيْتُ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا، قَالَ: وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا جَاءَ يَسْأَلُ فَيُخْبَرُ بِمَا سُبِقَ مِنْ صَلَاتِهِ وَإِنَّهُمْ قَامُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ قَائِمٍ وَرَاكِعٍ وَقَاعِدٍ وَمُصَلٍّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: قَالَ عَمْرٌو: وَحَدَّثَنِي بِهَا حُصَيْنٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى حَتَّى جَاءَ مُعَاذٌ، قَالَ شُعْبَةُ: وَقَدْ سَمِعْتُهَا مِنْ حُصَيْنٍ، فَقَالَ: لَا أَرَاهُ عَلَى حَالٍ إِلَى قَوْلِهِ كَذَلِكَ فَافْعَلُوا، "ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ، قَالَ: فَجَاءَ مُعَاذٌ،

تغييرات الصلاة والصيام في ابتداء الأمر

فَأَشَارُوا إِلَيْهِ، قَالَ شُعْبَةُ: وَهَذِهِ سَمِعْتُهَا مِن حُصَيْنٍ، قَالَ: فَقَالَ مُعَاذٌ: لَا أَرَاهُ عَلَى حَالٍ إِلَّا كُنْتُ عَلَيْهَا، قَالَ: فَقَالَ: إِنَّ مُعَاذًا، قَدْ سَنَّ لَكُمْ سُنَّةً، كَذَلِكَ فَافْعَلُوا "قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ" أَمَرَهُمْ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ أُنْزِلَ رَمَضَانُ، وَكَانُوا قَوْمًا لَمْ يَتَعَوَّدُوا الصِّيَامَ، وَكَانَ الصِّيَامُ عَلَيْهِمْ شَدِيدًا فَكَانَ مَنْ لَمْ يَصُمْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] فَكَانَتِ الرُّخْصَةُ لِلْمَرِيضِ، وَالْمُسَافِرِ فَأُمِرُوا بِالصِّيَامِ " قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا، قَالَ: وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَفْطَرَ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ لَمْ يَأْكُلْ حَتَّى يُصْبِحَ، قَالَ: " فَجَاءَ عُمَرُ، فَأَرَادَ امْرَأَتَهُ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ نِمْتُ فَظَنَّ أَنَّهَا تَعْتَلُّ فَأَتَاهَا، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَرَادَ الطَّعَامَ فَقَالُوا: حَتَّى نُسَخِّنَ لَكَ شَيْئًا، فَنَامَ " فَلَمَّا أَصْبَحُوا نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ فيها {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187]. (ش) (قوله شعبة) بن الحجاج. و (ابن المثنى) هو محمد. و (ابن أبى ليلى) عبد الرحمن بن بسار (قوله أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال) أى غيرت ثلاثة تغييرات وكذا الصيام كما سيأتي. والمراد من الصلاة الصلاة وما يتعلق بها من الأذان (الحالة الأولى) أنهم كانوا قبل مشروعية الأذان يؤذن بعضهم بعضا بحضور الصلاة فغير هذا بمشروعية الأذان (الثانية) كان أحدهم إذا جاء إلى الصلاة وقد سبقه الإمام بشئ منها أخبره القوم بما سبق به فيشتغل بفعله ثم يوافق الإمام فيما هو فيه (الثالثة) استقبال بيت المقدس والتحوّل إلى الكعبة. وهذه الحالة لم تذكر في هذا الحديث بل سقطت من الراوى سهوا وذكر بدلها الصيام. وقد جاءت هذه التحويلات الثلاثة في رواية أحمد عن المسعودى قال حدثنى عمرو بن مرّة عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن معاذ ابن جبل قال أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال. فأما أحوال الصلاة فإن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قدم المدينة وهو يصلي سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس ثم إن الله عز وجل أنزل عليه "قد نرى تقلب وجهك في السماء فنولينك قبلة ترضاها" الآية فوجهه الله إلى مكة فهذا حول قال وكانوا يجتمعون للصلاة ويؤذن بها بعضهم بعضا حتى نقسوا أو كادوا ينقسون ثم إن رجلا من الأنصار يقال له عبد الله بن زيد أتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله

وسلم فقال يا رسول الله إني رأيت فيما يرى النائم ولو قلت إني لم أكن نائما لصدقت إنى أنا بين النائم واليقظان إذ رأيت شخصا عليه ثوبان أخضران فاستقبل القبلة فقال الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مثنى حتى فرغ من الأذان ثم أمهل ساعة ثم قال مثل الذى قال غير أنه يزيد في ذلك قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علمها بلالا فليؤذن بها فكان بلال أوّل من أذن بها. قال وجاءه عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله إنى قد طاف بي مثل الذى طاف به غير أنه سبقنى. وهذان حولان قال وكانوا يأتون الصلاة وقد سبقهم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ببعضها فكان الرجل يشير إلى الرجل إذا جاءكم صلى فيقول واحدة أو اثنتين فيصليها ثم يدخل مع القوم في صلاتهم قال فجاء معاذ فقال لا أجده على حال أبدا إلا كنت عليها ثم قضيت ما سبقنى قال فجاء وقد سبقه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ببعضها قال فثبت معه فلما قضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاته قام فقضى فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنه قد سنّ لكم معاذ فهكذا فاصنعوا. فهذه ثلاثة أحوال "الحديث" (قوله قال وحدثنا أصحابنا الخ) أى قال عبد الرحمن ابن أبى ليلى حدثنا أصحابنا والمراد بأصحابه الصحابة فإنه قد سمع من جماعة منهم فالحديث مسند لا مرسل وجهالة أسماء الصحابة لا تضرّ. ويؤيد أنه سمع من الصحابة ما رواء الطحاوى وابن أبى شيبة في مصنفه قال حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرّة عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال حدثنا أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن عبد الله بن زيد الأنصارى جاء إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله رأيت في المنام كأن رجلا قام وعليه بردان أخضران فقام على حائط فأذن مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى اهـ (قوله لقد أعجبنى الخ) أى سرّني أن تكون صلاة المسلمين أو قال المؤمنين بالشك من الراوى واحدة أى أن تكون جماعة بإمام واحد لا منفردين حتى لقد أردت ان أبعث رجالا وأنشرهم في الدور والقبائل يعلمون الناس بدخول وقت الصلاة ولقد رأيت أيضا أن آمر رجالا يقومون على الآطام يعلمون الناس بالصلاة "يقال همّ بالشئ من باب قتل إذا أراده ولم يفعله. ويقال بث السلطان الجند في البلاد نشرهم" وقوله بحين الصلاة أى في وقت الصلاة فالباء بمعنى في كقوله تعالى "وبالأسحار هم يستغفرون" أى في وقت الأسحار. ويحتمل أن تكون زائدة. والآطام جمع أطم بضم الهمزة والطاء المهملة بناء مرتفع (قوله حتى نقسوا الخ) من باب نصر وهو مفرّع على محذوف أى أن بعض الصحابة لما رأى اهتمام النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لجمع الناس للصلاة أشار بالناقوس فأمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم به فصنع كما تقدم فضربوا به أو قاربوا أن يضربوا به. وهذه الجملة من كلام النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

على ما هو الظاهر. ويحتمل أن يكون أدرج في الحديث من بعض رواته (قوله قال فجاء الخ) أى قال ابن أبى ليلى جاء رجل من الأنصار وهو عبد الله بن زيد كما في رواية أحمد المتقدمة والبيهقي (قوله لما رأيت من اهتمامك) بكسر اللام وفتح الميم علة لقوله رأيت رجلا مقدّمة عليه (قوله ثم قام فقال مثلها الخ) أى قال الرجل كلمات مثل كلمات الأذان إلا أنه زاد قد قامت الصلاة. وفي رواية البيهقى قد قامت الصلاة مرّتين (قوله ولولا أن يقول الناس الخ) مقول لقول محذوف أى قال عمرو بن مرزوق في روايته قال عبد الله بن زيد ولولا أن يقول الناس بالاسم الظاهر. وقال محمد بن المثنى في روايته لولا أن تقولوا بالضمير أي لولا أني أخاف أن يقول الناس إني كاذب لقلت إني كنت يقظانا غير نائم أى غير مستغرق في النوم كأنى كنت يقظانا، وفي رواية أحمد إني رأيت فيما يرى النائم ولو قلت إني لم أكن نائما لصدقت (قوله وقال ابن المثنى لقد أراك الله خيرا الخ) أى قال ابن المثنى في روايته قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعبد الله بن زيد لقد أراك الله خيرا بزيادة لقد. ولم يقل عمرو بن مرّة في روايته لقد بل قال أراك الله خيرا كما هو في بعض النسخ وهي الصواب (قوله فقال عمر أما إني الخ) بفتح الهمزة وتحفيف الميم وكسر همزة إن. أى قال عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إنى قد رأيت رؤيا مثل رؤيا عبد الله بن زيد لكن لما سبقني عبد الله بذكر ما رآه استحييت أن اقصّ عليك رؤياى فسبقت مبنىّ للمفعول. وإلى هنا تمت الحالة الأولى من الأحوال الثلاثة (ثم شرع) في بيان الحالة الثانية للصلاة بقوله كان الرجل إذا جاء يسأل الخ أى كان الواحد من الصحابة إذا جاء لأداء الصلاة في الجماعة معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسأل كم صلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الركعات فيخبره من دخل المسجد قبله ولم يدخل في الصلاة. أو يخبره المصلون بالإشارة كما تقدم في رواية أحمد فكان الرجل يشير إلى الرجل إذا جاءكم صلى فيقول واحدة أو اثنتين فيصليها ثم يدخل مع القوم في صلاتهم. أو كان يخبره بالكلام قبل تحريمه في الصلاة (قوله وإنهم قاموا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى أن الصحابة كانوا إذا أتوا للصلاة معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدخلون في الصلاة فمن كان مسبوقا اشتغل بما سبق به فيكونون على أحوال مختلفة، فمنهم القائم ومنهم الراكع ومنهم الساجد ومنهم القاعد ومنهم الموافق للإمام ويحتمل أن المعنى كانوا إذا دخلوا المسجد وقد سبقوا صلوا ما فاتهم منفردين قبل أن يدخلوا في الجماعة ثم يدخلون بعد. ويؤيده ما في رواية أحمد المتقدمة من قوله فكان الرجل يشير إلى الرجل كم صلى فيقول واحدة أو اثنتين فيصليها ثم يدخل مع القوم في صلاتهم (قوله قال ابن المثنى قال عمرو وحدثنى الخ) أى قال محمد بن المثنى في روايته بسنده قال عمرو بن مرّة حدثني بهذه القصة حصين بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن أبى ليلى كما حدثنى بها ابن أبى ليلى

بدون واسطة (قوله حتى جاء معاذ الخ) مرتبط بقوله قاموا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من بين قائم الخ أى أنهم داموا على هذه الحالة حتى جاء معاذ بن جبل. فقوله قال ابن المثنى الخ معترض بينهما. وقوله قال شعبة الخ معترض بين قوله حتى جاء معاذ وبين قوله لا أراه على حال (قوله وقد سمعتها من حصين الخ) أى قال شعبة بن الحجاج سمعت هذه الرواية أيضا من حصين وقد زاد حصين فيها بعد قوله حتى جاء معاذ قوله فقال لا آراه على حال إلا كنت عليها إلى قوله كذلك فافعلوا. ففى رواية شعبة عن حصين تمام الحديث إلى قوله كذلك فافعلوا. وفي رواية عمرو بن مرّة تمامه إلى قوله حتى جاء معاذ (قوله ثم رجعت إلى حديث عمرو بن مرزوق) لأنه أوضح من حديث ابن المثنى (قوله قال فجاء معاذ فأشاروا الخ) أى قال عمرو بن مرزوق بسنده إلى ابن أبى ليلى. والغرض منه بيان أنه روى هذه الزيادة عن شعبة عن حصين كما رواها ابن المثنى إلا أن ابن مرزوق زاد فيها قوله فأشاروا إليه أى بالذى سبق به من الصلاة (قوله وهذه سمعتها من حصين) أى جملة فأشاروا إليه بكذا وكذا من الركعات (والحاصل) أن شعبة روى هذا الحديث من طريقين (الأولى) عن عمرو بن مرّة عن ابن أبى ليلى وهو من أول الحديث إلى آخره (الثانية) عن حصين عن ابن أبى ليلى وهو من أول الحديث إلى قوله إن معاذا قد سنّ لكم سنة كذلك فافعلوا. وأما عمرو بن مرّة فرواه أيضا من طريقين (الأولى) عن ابن أبى ليلى (الثانية) عن حصين عن ابن أبى ليلى. فرواية عمرو بن مرّة عن ابن أبى ليلى مطوّلة. وروايته عن حصين إلى قوله حتى جاء معاذ فقط (قوله فقال معاذ لا أراه الخ) أى لا أعلمه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على حال إلا كنت على تلك الحالة وأصنع كما يصنع فإذا سلم قضيت ما سبقت به. وقال رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ذلك اجتهادا منه كراهة مخالفته النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيما هو عليه (قوله إن معاذا قد سنّ لكم الخ) وفى رواية أحمد فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنه قد سنّ لكم معاذ فهكذا فاصنعوا. فرضى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بما فعله معاذ ورغب الناس فيه وأمرهم بسلوكه. ولعله جاء الوحي موافقا له فرضى به وأقرّه. ونسب صلى الله عليه وآله وسلم هذه السنة إلى معاذ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ظاهرا لإجرائها على يديه أوّلا وإلا فهى سنته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأنه أقرّها وأمر بها (ويستفاد) من هذا أن المسبوق يجب عليه أن يوافق الإمام فيما هو فيه من الأركان والأعمال فإذا فرغ الإمام قضى ما فاته (وأنه يجوز) الاجتهاد بحضرته صلى الله تعالى عليه وآله وسلم. وإلى هنا تمت الحالة الثانية للصلاة (والحالة الثالثة) ليست بمذكورة في هذا الحديث وإنما هي الرواية الآتية (قوله وحدثنا أصحابنا أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما قدم المدينة الخ) شروع في بيان تحويلات الصيام الثلاثة (الأولى) أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصوم من كل شهر

ثلاثة أيام ويأمر أصحابه بها حين قدم المدينة وكان يصوم يوم عاشوراء فحوّل إلى صيام رمضان لكن على التخيير فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم ثم حوّل إلى تحتم الصيام على من كان حاضرا صحيحا ورخص للمريض والمسافر وهى الحالة الثانية (والثالثة) كانوا إذا نام الواحد منهم بعد الغروب يمنع من الطعام والشراب والجماع إلى الليلة التالية فحوّل هذا إلى الترخيص في ذلك إلى طلوع الفجر. ويوضح هذا ما رواه الإمام أحمد وفيه أما أحوال الصيام فإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قدم المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وصام عاشوراء ثم إن الله عز وجل فرض عليه الصيام فأنزل الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلهم" إلى هذه الآية "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين" قال وكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينا فأجزأ ذلك عنه قال ثم إن الله عز وجل أنزل الآية الأخرى "شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن" إلى قوله "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" قال فأثبت الله عزّ وجلّ صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر وثبت الإطعام للكبير الذى لا يستطيع الصيام. فهذان حولان قال وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا امتنعوا قال ثم إن رجلا من الأنصار يقال له صرمة "بكسر فسكون" ظلّ يعمل صائما حتى أمسى فجاء إلى أهله فصلى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح فأصبح صائما فرآه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد جهد جهدا شديدا قال مالى أراك قد جهدت جهدا شديدا قال يا رسول الله إني عملت أمس فجئت حين جئت فألقيت نفسي فنمت فأصبحت حين أصبحت صائما قال وكان عمر قد أصاب من النساء من جارية أو حرّة بعد ما نام وأتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذكر ذلك له فأنزل الله عز وجل "أحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم" إلى قوله تعالى "ثم أتموا الصيام إلى الليل" اهـ. وقوله ثم أنزل رمضان أى صوم شهر رمضان. وهذا هو التحويل الأوّل (قوله وكانوا قوما لم يتعوّدوا الخ) أى لم تكن عاداتهم الصيام فلا يتحملونه (قوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه) أى من كان حاضرا مقيما صحيحا وجب عليه صيامه (قوله فكانت الرخصة للمريض والمسافر) أى جعلت سهولة الأمر بعدم وجوب الصيام على المريض والمسافر فأمروا بالصيام أى امر بالصيام من كان حاضرا صحيحا بقوله تعالى "فمن شهدم منكم الشهر فليصمه" وهذا هو التحويل الثانى (قوله قال وكان الرجل الخ) أى قال ابن أبي ليلى وكان الرجل أول الإسلام إذا جاء وقت الفطر ونام قبل فطره امتنع عليه الإكل وكذا غيره من المفطرات حتى يصبح. ولا مفهوم للإصباح فإنه إذا أصبح حرم عليه الأكل ونحوه حتى يمسى كما في رواية البخاري إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي فجاء عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في المساء فأراد

حكمة نسخ الأحكام بعضها ببعض

وقاع زوجه فقالت إنى قد نمت فظن أنها تعتلّ أى تتمسك بحجة وهى كاذبة لأجل دفعه فواقعها وجاء صرمة بن قيس رجل من الأنصار وكان عاملا في أرض له وهو صائم فلما أتى المساء رجع إلى أهله فأراد طعاما فقالوا له اصبر حتى نسخن لك شيئا من الطعام فغلبته عيناه من التعب فلما حضر الطعام أيقظه أهله فكره أن يأكل خوفا من الله تعالى فبات طاويا وأصبح صائما فما انتصف النهار إلا وقد اشتدّ عليه الجهد فرآه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال له مالى أراك قد جهدت جهدا شديدا فقصّ خبره كما تقدم في رواية أحمد (قوله فلما أصبحوا الخ) أى لما أصبحوا وقد جاء عمر فقال يا رسول الله إنى أعتذر إلى الله تعالى وإليك مما وقع مني وذكر له قصته مع امرأته. وقام جماعة وقالوا مثل ما قال عمر فنزلت عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذه الآية "أحلّ لكم ليلة الصيام الرّفث" أى الجماع "إلى نسائكم" فكانت رخصة لحلّ الجماع في الليل ونزل أيضا "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر" فكانت رخصة في حلّ الأكل في الليل ولو بعد النوم (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه ينبغى لكبير القوم أن ينظر في مصالحهم ولا سيما أمور الدين وعلى أن من رأى من الرّعية شيئا يظنه مهما يستحب له أن يعرضه على كبيرهم، وعلى مشروعية الأذان والإقامة، وعلى أن الصلاة لم تشرع من مبدأ الأمر على هذه الحالة بل دخلها التغيير (ولعلّ الحكمة) في ذلك تمييز المؤمن من المنافق فبها يظهر إيمان المؤمن ويزداد إيمانا على إيمانه حيث يمتثل لما جاءت به الشريعة المطهرة. ويظهر نفاق المنافق ويزداد شقاء على شقائه لعدم امتثاله لذلك. وعلى أن الصيام أيضا لم يكن مشروط من مبدإ الأمر على الحالة التى هو بها الآن بل دخله التغيير كالصلاة. ولعلّ الحكمة في ذلك تسهيل أمر الصيام على الأمة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطنى من طريق الأعمش عن عمرو بن مرّة وأخرجه ابن خزيمة والطحاوى والبيهقي وأبو بكر بن أبى شيبة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، ح وَثَنَا نَصْرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: أُحِيلَتِ الصَّلَاةُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، وَأُحِيلَ الصِّيَامُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ -وَسَاقَ نَصْرٌ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَاقْتَصَّ ابْنُ الْمُثَنَّى مِنْهُ قِصَّةَ صَلَاتِهِمْ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَطُّ- قَالَ: الْحَالُ الثَّالِثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَصَلَّى -يَعْنِي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ- ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا، فَأَنْزَلَ

اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] فَوَجَّهَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الْكَعْبَةِ -وَتَمَّ حَدِيثُهُ- وَسَمَّى نَصْرٌ صَاحِبَ الرُّؤْيَا، قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَقَالَ فِيهِ: فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، مَرَّتَيْنِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، مَرَّتَيْنِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ أَمْهَلَ هُنَيَّةً، ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ مِثْلَهَا، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: زَادَ بَعْدَ مَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَقِّنْهَا بِلَالًا» فَأَذَّنَ بِهَا بِلَالٌ. وَقَالَ فِي الصَّوْمِ: قَالَ: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ " يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَيَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 183، 184] فَكان مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُفْطِرَ، وَيُطْعِمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، فَهَذَا حَوْلٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] فَثَبَتَ الصِّيَامُ عَلَى مَنْ شَهِدَ الشَّهْرَ وَعَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يَقْضِيَ، وَثَبَتَ الطَّعَامُ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْعَجُوزِ اللَّذَيْنِ لَا يَسْتَطِيعَانِ الصَّوْمَ "، وَجَاءَ صِرْمَةُ وَقَدْ عَمِلَ يَوْمَهُ وَسَاقَ الْحَدِيثَ

بيان مدة استقباله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بيت المقدس في الصلاة

(ش) (رجال الحديث) (قوله عن أبي داود) هو سليمان بن داود الطيالسي (قوله المسعودى) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود. روى عن إسحاق الشيبانى وأبى إسحاق السبيعى وجامع بن شدّاد وعبد الرحمن بن الأسود وعطاء بن السائب وآخرّين. وعنه السفيانان وشعبة ووكيع ويزيد بن هارون وأبو نعيم وجماعة. قال يعقوب ابن شيبة كان ثقة صدوقا إلا أنه تغير بآخره وقال ابن عمار كان ثبتا قبل أن يختلط ومن سمع منه ببغداد فسماعه ضعيف وقال العجلي وابن خراش ثقة إلا أنه تغير بآخره وقال ابن حبان اختلط حديثه فلم يتميز فاستحقّ الترك. مات سنة ستين أو خمس. وستين ومائة. روى له البخارى في التاريخ وأبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله وساق نصر الحديث) أى ذكر نصر بن المهاجر الحديث بتمامه في روايته وتقدم لفظه عند أحمد عن أبى النضر عن المسعودى (قوله واقتصّ ابن المثنى منه الخ) أى قصّ محمد بن المثنى أحد شيخى المصنف بهذا السند في الحديث قصة صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه، جهة بيت المقدس واقتصر عليها ولم يذكر بقية الأحوال الثلاثة فقال الحال الثالث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ثلاثة عشر شهرا. وفى رواية البخارى ستة عشر أو سبعة عشر. وفي صحيح مسلم والنسائى ستة عشر. ورجحه النووى في شرح مسلم والحافظ في الفتح وقال رواية ثلاثة عشر شاذة كما شذّت رواية تسعة أشهر وعشرة أشهر وشهرين وثمانية عشر شهرا وسنتين لأن أسانيد الجميع ضعيفة اهـ وجاء السبعة عشر فيما أخرجه الطبرى وغيره من طريق على بن أبى طلحة عن ابن عباس قال لما هاجر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة واليهود أكثر أهلها يستقبلون بيت المقدس أمره الله تعالى أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها سبعة عشر شهرا وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب أن يستقبل قبلة إبراهيم فكان يدعو وينظر إلى السماء فنزل قوله تعالى "قد نرى تقلب وجهك في السماء" الآية. ويمكن الجمع بين رواية ستة عشر ورواية سبعة عشر بأن من جزم بستة عشر لفق من شهر القدوم وشهر التحويل شهرا وألغى الزائد فإن القدوم كان في ثانى عشر ربيع الأول وكان التحويل بعد نصف رجب من السنة الثانية. ومن جزم بسبعة عشر لم يلغ الزائد (وظاهر حديث) الباب ورواية ابن عباس المذكورة أن استقباله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بيت المقدس وقع بعد الهجرة إلى المدينة. لكن روى أحمد من طريق أخرى عن ابن عباس قال كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه. فهذه الرواية تفيد أن استقباله بيت المقدس كان قبل الهجرة. ويمكن الجمع بينهما بأن يكون أمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولما هاجر إلى المدينة أن يستمرّ على

الصلاة إلى بيت المقدس. ويؤيده ما أخرجه الطبراني من طريق ابن جريج قال صلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أول ما صلى إلى الكعبة ثم صرف إلى بيت المقدس وهو بمكة فصلى ثلاث حجج ثم هاجر فصلى إليه بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا ثم وجهه الله تعالى إلى الكعبة (قوله قد نرى تقلب وجهك في السماء) أى تردّد وجهك وتصرّف نظرك إلى جهة السماء متشوّقا للأمر باستقبال الكعبة. وهو خطاب تودّد ورحمة. وقد للتحقيق أو التكثير بالنظر لتردّد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا لرؤية الله تعالى إذ لا تكثير فيها (قوله فلنولينك الخ) أى لنحوّلنك عن بيت المقدس إلى قبلة تحبها وتميل إليها. وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يحبها لأنها قبلة أبيه إبراهيم ولأنها أدعى إلى إسلام العرب لأنها مزارهم ومطافهم ومفخرتهم ولأنها قبلته من قبل فهو يميل إليها بحسب الطبع وإذا كانت موافقة للطبع كانت أحب. وهذا وعد من الله تعالى له بما يحبه "وفى قوله فولّ وجهك شطر المسجد الحرام" أى جهته "إنجاز له" والمراد بالمسجد الحرام الكعبة فهو من إطلاق اسم الكلّ على الجزء. وعبر بالمسجد إشارة إلى أن البعيد يكفيه استقبال الجهة ولا يلزمه استقبال عين الكعبة. ولما نزلت الآية وتحوّل إلى الكعبة قال السفهاء من اليهود ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها. وقال حيّ بن أخطب إن كان استقبالكم إلى بيت المقدس فيما مضى على هدى فقد انتقلتم الآن إلى ضلال وإن كان على ضلال فلم أقرّكم عليه ومن مات منكم قبل التحويل مات على ضلال وضاعت أعماله فشقّ ذلك على أقارب من مات قبل التحويل فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنزل قوله تعالى "قل لله المشرق والمغرب" وقوله "وما كان الله ليضيع إيمانكم" أى صلاتكم إلى بيت المقدس (والحاصل) أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلى مستقبلا الكعبة وهو بمكه ثم أمر باستقبال بيت المقدس تأليفا لليهود فصلى إليه مدّة وهو بمكة ثم هاجر إلى المدينة فصلى إليه ستة عشر شهرا أو سبعة عشر فكانوا يقولون إن محمدا يفارق ديننا ويصلى لقبلتنا وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يحب أن يصلى إلى الكعبة حتى نزل عليه جبريل يوما فقال له يا جبريل أودّ أن الله عزّ وجلّ يحوّلنى إلى قبلة أبى إبراهيم فسل ربك ذلك فقال له أنت أكرم عليه منى ثم صعد إلى السماء فصار النبى صلى الله عليه وآله وسلم ينظر لجهتها منتظرا الإذن فنزل عليه جبريل عليه السلام بعد ركعتين من صلاة الظهر في رجب بالأمر بالتحويل إلى الكعبة فتحوّل وتحوّل الناس معه وكان يوما مشهودا فافتتن اليهود وأهل النفاق. وتحويل القبلة أول نسخ وقع في شريعته صلى الله تعالى عليه وعلى آله اسلم (قولة فولوا وجوهكم شطره) أى نحو البيت الحرام وهو أمر للأمة بعد أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لدفع ما يتوهم من أن استقبال الكعبة من خصائصه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله وتمّ حديثه) أى انتهى حديث محمد بن المثنى من هذا الطريق (قوله

وسمى نصر الخ) أي ذكر نصر بن المهاجر في روايته عن يزيد بن هارون اسم من رأى الأذان في منامه فقال جاء عبد الله بن زيد وقال في الحديث فاستقبل الرجل المرئى القبلة وقال الله أكبر بتثنية التكبير. والمشهور عنه تربيعه كما في الروايات الصحيحة. وفى هذه الرواية ضعف لأن ابن أبي ليلى لم يسمع عن معاذ كما تقدم وفيها المسعودى وفيه مقال (قوله ثم أمهل هنية) بالتصغير أى زمنا قليلا (قوله إلا أنه قال الخ) أى قال عبد الله بن زيد زاد الرجل المرئيّ جملة قد قامت الصلاة مرّتين بعد الحيعلتين (قوله وقال في الصوم الخ) أى قال نصر بن المهاجر في روايته في أحوال الصوم قال معاذ إنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر قيل هى البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ويصوم يوم عاشوراء فأنزل الله تعالى "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم" أى فرض الله عليكم الصيام كما فرضه على الذين من قبلكم من الأنبياء والأمم من لدن آدم إلى يومنا ما أخلى الله تعالى أمة لم تفرضه عليهم كما فرضه عليكم. وفى هذا التشبيه تأكيد للحكم وترغيب لنفوس المخاطبين فإن الصوم عبادة شاقة والشئ الشاقّ إذا عمّ سهل. وعن ابن عباس ومجاهد أن المراد بمن قبلكم أهل الكتاب. وعن الحسن والسدّى والشعبى أنهم النصارى. والمماثلة إما في أصل الوجوب وعليه أبو مسلم والجبائى. وإما في الوقت والمقدار بناء على أن أهل الكتاب فرض عليهم صوم رمضان فتركه اليهود إلى صوم يوم من السنة وزعموا أنه اليوم الذي أغرق فيه فرعون. وزاد النصارى على رمضان عشرين يوما "فقد" أخرج الطبرانى عن مغفل بن حنظلة مرفوعا كان على النصارى صوم شهر رمضان فمرض ملكهم فقالوا لئن شفاه الله لنزيدن عشرا ثم كان ملك آخر فأكل لحما فأوجع فوه فقالوا لئن شفاه الله لنزيدن سبعة ثم كان عليهم ملك آخر فقال ما ندع من هذه الثلاثة الأيام شيئا أن نتمها ونجعل صومنا في الربيع ففعل فصارت خمسين يوما (قوله لعلكم تتقون) أى تحذرون المعاصى لأن الصوم فيه كسر النفس وترك الشهوات التى هى أمّ المعاصى "فقد" أخرج الشيخان مرفوعا يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء "أى قاطع للشهوة" (قوله أياما معدودات) أياما منصوب على أنه مفعول لصيام أو بفعل مقدّر أى صوموا أياما معدودات أى قلائل معينات بالعدد. وقيل معدّات للعطايا الرّبانية فالصالحون يتهيأون لها لما في الحديث إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرّضوا له لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدا رواه الطبرانى عن محمد بن مسلمة (قوله فعدّة من أيام أخر) عطف على محذوف جواب الشرط أى من كان مريضا أو مسافرا فأفطر يجب عليه صيام عدّة أيام فطره من أيام غير رمضان (قوله وعلى الذين يطيقونه الخ) أى ويجب على الذين يستطيعون الصيام إن أفطروا إعطاء فدية إطعام مسكين قدر ما يأكله كلّ يوم. وهو

الحكمة في عدم نزول القرآن جملة واحدة

نصف صاع من برّ أو صاع من غيره عند الحنفية ومدّ عند الجمهور (قوله فكان من شاء أن يصوم صام الخ) خيرهم الله تعالى لئلا يشقّ عليهم لأنهم كانوا لم يتعوّدوا الصوم ثم نسخ التخيير بقوله تعالى "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" وقد أخرج الشيخان والترمذى والنسائي والطبرانى عن سلمة بن الأكوع قال لما نزلت هذه الآية "وعلى الذين يطيقونه" كان من شاء صام ومن شاء أفطر ويفتدى. فعل ذلك حتى نزلت الآية التى بعدها فنسختها "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" (قوله فهذا حول) أى الانتقال من صوم ثلاثة أيام ويوم عاشوراء إلى رمضان على التخيير حول من أحوال الصيام (قوله فأنزل الله عز وجل شهر رمضان) أى تلك الأيام المعدودات شهر رمضان فشهر خبر لمبتدإ محذوف وشهر يجمع على أشهر جمع قلة وكثرة على شهور وأصله من شهر الشئ أشهره. وهو لكونه ميقاتا للعبادات والمعاملات صار مشهورا بين الناس فلذلك سمى شهرا. ورمضان مصدر رمض من باب علم إذا احترق لأنه يحرق ذنوب الصائم. وقال الخليل إنه من الرمض بسكون الميم وهو مطر يأتى قبل الخريف يطهر وجه الأرض من الغبار. والمناسبة فيه ظاهرة أيضا فإن رمضان يطهر من صامه من الذنوب (قوله الذى أنزل فيه القرآن) أى جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم أنزل عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منجما في ثلاث وعشرين سنة على حسب الوقائع. وذلك أن جبريل عليه السلام تلقاه من اللوح المحفوظ ونزل به إلى سماء الدنيا فأملاه على السفرة الذين مقرّهم بيت العزّة في سماء الدنيا فكتبته في الصحف على هذا الترتيب ثم نزل به علي النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ثلاث وعشرين سنة مفرّقا على حسب الوقائع. فجبريل أملاه على السفرة ابتداء وتلقاه عنهم انتهاء (والحكمة) في نزوله مفرّقا تجديد الحجج على المعاندين وزيادة إيمان للؤمنين. والقرآن لغة ماخوذ من القرء وهو الجمع. واصطلاحا اللفظ المنزل على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للإعجاز بأقصر سورة منه المتعبد بتلاوته (قوله هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) حالان من القرآن لازمان له أي أنزل هاديا وآيات واضحات للناس فارقا بين الحق والباطل (قوله ومن كان مريضا أو على سفر الخ) كرّر لأن الله تعالى ذكر في الآية الأولى تخيير المريض والمسافر والمقيم الصحيح ثم نسخ تخيير المقيم الصحيح بقوله تعالى "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" فلو اقتصر على هذا لاحتمل أن يشمل النسخ الجميع فأعاد بعد ذكر الناسخ الرخصة للمريض والمسافر ليعلم أن الحكم باق فيهما على ما كان عليه. والمراد بالمسافر من سافر سفر قصر وتلبس به قبل الفجر (قوله وثبت الطعام الخ) أى استمرّ جواز الإفطار والإطعام للشيخ الكبير والمرأة العجوز اللذين لا يقدران على الصوم من غير نسخ. وهذا حول ثان للصيام. وهذا كله مبنيّ على أن آية "وعلى الذين يطيقونه" منسوخة. وأما على أنها غير منسوخة فتكون على تقدير لا أى وعلى الذين لا يطيقونه فدية الخ

باب ما جاء في الإقامة

وروى عن حفصة أنها قرأتها كذلك وتكون الآية محكمة وجاءت في حق الشيخ الكبير ونحوه ممن لا يقدرون على الصيام وتكون أحوال الصيام ثنتين لا ثلاثا كما ذكر في الحديث (قوله وجاء صرمة الخ) هو بكسر الصاد المهملة وسكون الراء ابن قيس كنيته أبو قيس. وقوله وقد عمل يومه الخ أى اشتغل طول نهاره صائما حتى أمسى فجاء إلى أهله فطلب الطعام فقالوا حتى نسخن لك شيئا فنام قبل أن يأكل الخ ما تقدم بيانه في رواية أحمد (قوله وساق الحديث) أى ذكر نصر ابن المهاجر الحديث بطوله. وتمامه في رواية أحمد المذكورة آنفا (باب ما جاء في الإقامة) وفى نسخة باب في الإقامة أى في صفتها. والإقامة كل مصدر أقام يقيم. وفى اصطلاح الفقهاء ألفاظ مخصوصة تذكر لإعلام الحاضرين بالتهيؤ للدخول في الصلاة (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَا: ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ عَطِيَّةَ، ح وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، جَمِيعًا عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ»، زَادَ حَمَّادٌ فِي حَدِيثِهِ: إِلَّا الْإِقَامَةَ. (ش) (رجال الحديث) (قوله عبد الرحمن بن المبارك) بن عبد الله أبو بكر أو أبو محمد البصرى روى عن وهيب بن خالد وأبى عوانة وحماد بن زيد وعبد العزيز بن مسلم وآخرين. وعنه البخارى وأبو زرعة وأبو حاتم ويعقوب بن سفيان وأبو الأحوص وكثيرون. وثقه أبو حاتم وابن حبان والعجلى والبزّار. قيل مات سنة ثمان وعشرين ومائتين. روى له البخارى والنسائي وأبو داود (قوله سمك بن عطية) البصرى. روى عن عمرو بن دينار والحسن البصرى وأيوب السختياني وعنه حماد بن زيد والهيثم بن الربيع وحرب بن ميمون. وثقه ابن معين والنسائي وابن حبان روى له البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى (قوله عن أبى قلابة) هو عبد الله بن زيد الجرمى (معنى الحديث) (قوله أمر بلال الخ) بالبناء للمجهول والآمر له النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأن أمور العبادة إنما تؤخذ عن توقيف. ويؤيده ما رواه النسائى والدارقطنى من طريق أيوب عن أبى قلابة والبيهقى بالسند الصحيح عن أنس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بلالا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة أى يأتي بألفاظ الأذان شفعا بأن يقول كلّ كلمة مرّتين سوى كلمة التوحيد في آخره فأنه لم يختلف في أنها مفردة. فرواية الباب ونحوها مخصصة بالأحاديث التي ذكر فيها كلمة التوحيد مرّة واحدة. أما التكبير أول

الأذان فقد وردت الروايات بتربيعه وتثنيته كما تقدم (قوله ويوتر الإقامة) أى ويقول كلمات الإقامة مرّة مرّة (قوله زاد حماد في حديثه إلا الإقامة) أى إلا لفظ قد قامت الصلاة فإنه يشفعها وكذا يشفع التكبير أولها وآخرها كما تقدم في الروايات الصحيحة. وعدم استثنائه في هذا الحديث لا يقدح في ثبوت شفعه "وادّعى" ابن منده والأصيلى أن زيادة حماد هذه ليست من الحديث وإنما هي مدرجة من كلام أيوب. وفي دعواهما نظر لأن عبد الرزاق رواه عن معمر عن أيوب بسنده متصلا بلفظ كان يثنى الأذان ويوتر الإقامة إلا قوله قد قامت الصلاة. وأخرجه أبو عوانة في صحيحه والسراج في مسنده كذلك. وأخرجه الإسماعيلي من طريق عبد الرزاق وفيه وتقول قد قامت الصلاة مرّتين. والأصل أن كلّ ما كان في الخبر فهو منه حتى يقوم دليل على خلافه. ولا دليل. وفى رواية أيوب زيادة من حافظ فتقبل (قال) الحافظ في الفتح هذا الحديث حجة على من زعم أن الإقامة مثنى مثل الأذان (وأجاب) بعض الحنفية بدعوى النسخ وأن إفراد الإقامة كان أولا ثم نسخ بحديث أبى محذورة يعنى الذى رواه أصحاب السنن وفيه تثنية الإقامة وهو متأخر عن حديث أنس فيكون ناسخا (وعورض) بأن في بعض طرق حديث أبى محذورة المحسنة التربيع والترّجيع فكان يلزمهم القول به (وقد أنكر) أحمد على من ادّعى النسخ بحديث أبى محذورة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ واحتج بأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رجع بعد الفتح إلى المدينة وأقرّ بلالا على إفراد الإقامة وعلمه سعدا القرظ فأذن به بعده اهـ وحديث سعد الذى أشار إليه رواه البيهقى والحاكم والدارقطنى من طريق الحميدى بسنده عن عمر بن سعد عن أبيه سعد القرظ أنه سمعه يقول إن هذا الأذان أذان بلال الذى أمره رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإقامته وهو الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم يرجع فيقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حىّ على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والإقامة واحدة واحدة ويقول قد قامت الصلاة مرّة واحدة قال سعد بن عائذ وقال لى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا سعد إذا لم تر بلالا معى فأذن ومسح رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأسه وقال بارك الله فيك يا سعد إذا لم تر بلالا معى فأذن قال فأذن سعد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقباء ثلاث مرات قال فلما استأذن بلال عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ في الخروج إلى الجهاد في سبيل الله قال له عمر إلى من أدفع الأذان يا بلال قال إلى سعد فإنه قد أذن لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقباء فدعا عمر سعدا فقال الأذان إليك وإلى عقبك من بعدك وأعطاه عمر

الحكمة في إفرادها وتثنية الأذان

رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ العنزة التى كان يحمل بلال للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال امش بها بين يديّ كما كان بلال يمشى بها بين يدى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى تركزها بالمصلى ففعل اهـ (والحكمة) في تثنية الأذان وإفراد الإقامة أن الأذان لإعلام الغائبين فيكرّر ليكون أوصل إليهم بخلاف الإقامة فإنها للحاضرين ولذا يكون الصوت في الأذان أرفع منه في الإقامة ويكون الأذان مرتلا والإقامة مسرعة. وقد تقدم بيان صفة الأذان والإقامة وافيا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشيخان وأحمد والبيهقى والنسائي وليس في روايته قوله إلا الإقامة وأخرجه الطحاوى في شرح معاني الآثار والدارقطنى (ص) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، مِثْلَ حَدِيثِ وُهَيْبٍ قَالَ: إِسْمَاعِيلُ، فَحَدَّثْتُ بِهِ أَيُّوبَ، فَقَالَ: إِلَّا الْإِقَامَةَ (ش) (قوله إسماعيل) بن إبراهيم المعروف بابن علية (قوله مثل حديث وهيب) أى من غير زيادة قوله إلا الإقامة (قوله فحدّثت به أيوب الخ) وفى رواية فذكرته لأيوب فقال هو كما ذكرت إلا لفظة قد قامت الصلاة فإنها مرّتان (وظاهره أنها مدرجة) من كلام أيوب وليست مرفوعة. لكن تقدم أنها في أحاديث كثيرة مرفوعة. وأخرج رواية خالد هذه مسلم والدارقطني والطحاوى وابن ماجة والبيهقى والترمذى وقال حديث حسن صحيح وهو قول بعض أهل العلم من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والتابعين وبه يقول مالك والشافعى وأحمد وإبن إسحاق اهـ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ، يُحَدِّثُ عَنْ مُسْلِمٍ أَبِي الْمُثَنَّى، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " إِنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ، مَرَّتَيْنِ وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً، مَرَّةً غَيْرَ أَنَّهُ، يَقُولُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، فَإِذَا سَمِعْنَا الْإِقَامَةَ تَوَضَّأْنَا، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الصَّلَاةِ "، قَالَ شُعْبَةُ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ. (ش) (رجال الحديث) (قوله سمعت أبا جعفر) هو محمد بن إبراهيم بن مسلم بن مهران

ابن المثنى القرشي مولاهم ويقال البصرى. روى عن جدّه أبى المثنى وسلمة بن كهيل وعلىّ بن بذيمة وحماد بن أبى سليمان. وعنه شعبة بن الحجاج وأبو داود الطيالسى وأبو قتيبة ويحيى القطان. قال ابن معين والدارقطنى لا بأس به وقال ابن حبان في الثقات كان يخطئ وقال ابن عدى ليس له من الحديث إلا اليسير. روى له أبو داود والترمذى والنسائى (قوله عن مسلم أبى المثنى) هو ابن المثنى ويقال ابن مهران بن المثنى الكوفي المؤذن. روى عن ابن عمر. وعنه حفيده وأبو جعفر وإسماعيل بن أبى خالد وحجاج بن أرطاة. وثقة أبو زرعة وابن حبان. روى له مسلم وأبو داود والنسائى (معنى الحديث) (قوله إنما كان الأذان الخ) أى كلماته وفى رواية النسائى عن أبى المثنى مؤذن مسجد الجامع قال سألت ابن عمر عن الأذان فقال كان الأذان الخ (قوله مرّتين مرّتين) أى يقول المؤذن كلّ كلمة مرّتين يعنى إلا كلمة التوحيد فإنها مرة والتكبير فإن فيه التربيع أيضا. وهذا الحديث ليس فيه ذكر الترجيع. لكن تقدم ثبوته في بعض الروايات الصحيحة (قوله والإقامة مرّة مرّة الخ) أى كانت كلمات الإقامة على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرّة مرّة إلا قد قامت الصلاة فإنها كانت تقال مرتين. وتقدم استثناء التكبير أولها وآخرها فإنه مرّتان وكذا كلمة التوحيد فإنها مرّة بلا خلاف (قوله فإذا سمعنا الإقامة الخ) لعل مراده أن بعضهم كان احيانا يؤخر الخروج إلى الصلاة والتهيؤ لها إلى حين الإقامة اعتمادا على تطويل قراءته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله قال شعبة لم أسمع من أبى جعفر الخ) وفي نسخة قال أبو داود قال شعبة لم أسمع عن أبى جعفر الخ. ولعل غرض المصنف من ذكر قول شعبة أن أبا جعفر قليل الرواية (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وأحمد والدارمى والشافعى والدارقطنى والحاكم والبيهقى وابن خزيمة وأبو عوانة والطحاوى في شرح معاني الآثار (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، ثَنَا أَبُو عَامِر يَعْنِى الْعَقَدِيَّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، مُؤَذِّنِ مَسْجِدِ الْعُرْيَانِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْمُثَنَّى مُؤَذِّنَ مَسْجِدِ الْأَكْبَرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ (ش) (قوله العقدي) بفتح العين المهملة والقاف نسبة إلى عقد قبيلة من بجيلة أو اليمن (قوله عن أبى جعفر) هو محمد بن إبراهيم بن مسلم وفى رواية البيهقى والطحاوى ثنا شعبة عن أبي جعفر الفرّاء. وأبو جعفر الفرّاء هو سليمان وقيل كيسان وقيل زياد وهو غير أبى جعفر

باب الرجل يؤذن ويقيم آخر

المؤذن المذكور (قوله مسجد العريان) بضم العين المهملة وسكون الراء وبالمثناة التحتية مسجد بالكوفة كذا في أكثر النسخ الصحيحة وهي رواية النسائي. وفى بعض النسخ عربان بالموحدة (قوله سمعت أبا المثنى) هو مسلم بن المثنى (قوله مسجد الأكبر) أى مسجد الجامع الأكبر فالأكبر صفة لموصوف محذوف. وفى رواية النسائى مؤذن مسجد الجامع. وفى رواية الطحاوى مؤذن كان لأهل الكوفة (قوله وساق الحديث) أى ذكر محمد بن يحيى بن فارس الحديث بتمامه كما ذكره محمد بن بشار (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى من طريق شعبة عن أبى جعفر الفرّاء بسنده إلى ابن عمر قال كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مثنى مثنى والإقامة مرّة مرّة غير أنه إذا قال قد قامت الصلاة ثناها فإذا سمع الإقامة أحدنا توضأ ثم خرج وقال رواه غندر وعثمان بن جبلة عن شعبة عن أبى جعفر المدنى عن مسلم بن المثنى. ورواه أبو عامر عن شعبة عن أبى جعفر مؤذن مسجد العريان قال سمعت أبا المثني مؤذن مسجد الأكبر (باب الرجل يؤذن ويقيم آخر) وفي نسخة باب في الرجل الخ. وفى أخرى باب يؤذن الرجل ويقيم آخر (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي الْأَذَانِ أَشْيَاءَ، لَمْ يَصْنَعْ مِنْهَا شَيْئًا، قَالَ: فَأُرِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْأَذَانَ فِي الْمَنَامِ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: «أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ»، فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ فَأَذَّنَ بِلَالٌ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَنَا رَأَيْتُهُ وَأَنَا كُنْتُ أُرِيدُهُ، قَالَ: «فَأَقِمْ أَنْتَ». (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن عمرو) المدني الأنصارى. روى عن عبد الله ابن محمد. وعنه عبد الرحمن بن مهدى وحماد بن خالد. قال الذهبى حكمه العدالة وقال في التقريب مقبول من السابعة. روى له أبو داود (قوله محمد بن عبد الله) ذكر هكذا في هذا السند عند المصنف والدارقطنى أنه روى عن عمه عبد الله بن زيد وروى عنه محمد بن عمرو الأنصارى وهو خطأ والصواب ما في السند الآتى من أنه عبد الله بن محمد. روى عن جده عبد الله بن زيد هذا. و (محمد بن عبد الله) بن زيد بن عبد ربه الخزرجى الأنصارى المدني. روى عن أبيه

أقوال الفقهاء في ذلك

وأبى مسعود الأنصارى. وعنه ابنه عبد الله بن محمد وأبو سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن إبراهيم التيمى وطائفة. ذكره ابن حبان في الثقات وقال العجلى مدنى تابعى ثقة وقال ابن منده ولد في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله عن عمه) هو هكذا في نسخ المصنف وفى البيهقى ومسند أحمد ولا نعلم له وجها فإن هذا السند إما أن يكون فيه عبد الله بن محمد أو محمد ابن عبد الله فإن كان عبد الله بن محمد فهو حفيد عبد الله بن زيد يروى عن جدّه وإن كان محمد ابن عبد الله فهو ولد عبد الله بن زيد يروى عن أبيه وعلى كلّ فلا يصح أن يقال عن عمه بل الصواب عن جده أو عن أبيه (معنى الحديث) (قوله أراد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الأذان الخ) أى أراد في الإعلام بدخول وقت الصلاة أشياء من البوق والناقوس والنار والراية ولم يستعمل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شيئا منها لما تقدم (قوله وأنا كنت أريده الخ) أى كنت أريد أن أؤذن لأنى رأيته وقد أمرتنى يا رسول الله أن ألقيه على بلال ففعلت فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تطيبا له فأقم أنت. وفى رواية أحمد ألقه على بلال فألقيته فأذن فأراد أن يقيم فقلت يا رسول الله أنا رأيت وأريد أن أقيم قال فأقم أنت فأقام هو وأذن بلال (وظاهر الحديث) يدلّ على أنه يجوز أن يؤذن شخص ويقيم آخر وهذا متفق عليه. لكن اختلفوا في الأولى (فذهب أبو حنيفة) ومالك وأكثر أهل الحجاز والكوفة وأبو ثور إلى أنه لا فرق في ذلك بين المؤذن وغيره وأن الأمر متسع أخذا بظاهر هذا الحديث (وذهبت الحنابلة) والهادوية والشافعية إلى أن من أذن أولى بالإقامة لحديث زياد بن الحارث الصدائى الآتي في الباب بعد. قالوا وفى حديث عبد الله بن زيد اختلاف سندا ومتنا. وحديث الصدائى أقوم إسنادا من حديث عبد الله بن زيد ثم حديث ابن زيد كان أول ما شرع الأذان في السنة الأولى وحديث الصدائى بعده بلا شك والأخذ بآخر الأمرين أولى (قال في النيل) على أنه لو لم يتأخر لكان هذا الحديث خاصا بعبد الله بن زيد. والأولوية باعتبار غيره من الأمة (والحكمة) في التخصيص تلك المزية التى لا يشاركه فيها غيره أعنى الرؤيا. فإلحاق غيره به لا يجوز لوجهين "الأول" أنه يؤدّى إلى إبطال فائدة النصّ أعنى حديث من أذن فهو يقيم فيكون فاسد الاعتبار "الثاني" وجود الفارق وهو بمجرّده مانع من الإلحاق اهـ (قال الحازمى) طريق الإنصاف أن يقال الأمر في هذا الباب على التوسعة. وادّعاء النسخ مع إمكان الجمع بين الحديثين على خلاف الأصل اهـ وهذا كله إذا كان المؤذن واحدا فإن أذن جماعة دفعة واحدة فإن اتفقوا على من يقيم منهم أقام وإن تشاحوا أقرع بينهم. وإن أذنوا واحدا بعد واحد فإن كان الأول هو المؤذن الراتب أو لم يكن هناك راتب فالذى يقيم هو الأوّل. وإن أذن غير الرّاتب ثم أذن بعده الرّاتب ففى

باب من أذن فهو يقيم

الأولى بالإقامة منهما قولان "أصحهما" الراتب لأنه صاحب ولاية الأذان والإقامة. ولو أقام في هذه الصور غير من له ولاية الإقامة اعتدّ بإقامته على الصحيح. وقيل لا يعتدّ به استنباطا من قول الشافعى إنه لا يجوز أن يخطب واحد ويصلى آخر لكنه ليس بشئ اهـ من شرح المهذب للنووى ملخصا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبيهقى (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كَانَ جَدِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، يُحَدِّثُ بِهَذَا الْخَبَرِ قَالَ: فَأَقَامَ جَدِّي (ش) (قوله القواريرى) نسبة إلى قارورة من حصون زبيد باليمن (قوله عبد الله ابن محمد) هذا هو الصواب كما تقدم وهو ابن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصارى الخزرجى روى عن جدّه وقيل عن أبيه عن جدّه وعنه عتبة بن عبد الله المسعودى ومحمد بن سيرين ومحمد بن عمرو الأنصارى. ذكره ابن حبان في الثقات، روى له أبو داود (قوله قال فأقام جدّى) أى قال عبد الله بن محمد في روايته بعد قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لعبد الله ابن زيد فأقم أنت فأقام جدّى (باب من أذن فهو يقيم) هكذا في أكثر النسخ بالترجمة لحديث الصدائى. وفى بعضها إسقاطها وجعل الحديث داخلا تحت الترجمة السابقة. لكنه غير مناسب لها فالصواب إثبات الترجمة. ولعل إسقاطها من بعض النسخ خطأ من النساخ (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، قال ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ غَانِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ زِيَادٍ يَعْنِي الْأَفْرِيقِيَّ، أَنَّهُ سَمِعَ زِيَادَ بْنَ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيَّ، أَنَّهُ سَمِعَ زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ، قَالَ: لَمَّا كَانَ أَوَّلُ أَذَانِ الصُّبْحِ أَمَرَنِي يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذَّنْتُ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أُقِيمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ إِلَى الْفَجْرِ، فَيَقُولُ: «لَا» حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ نَزَلَ فَبَرَزَ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيَّ وَقَدْ تَلَاحَقَ أَصْحَابُهُ -يَعْنِي فَتَوَضَّأَ- فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ، فَقَالَ لَهُ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «إِنَّ أَخَا صُدَاءٍ

هُوَ أَذَّنَ وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ»، قَالَ: فَأَقَمْتُ (ش) (قوله الإفريقى) نسبة إلى إفريقية اسم لبلاد واسعة ومملكة كبيرة قبالة جزيرة صقلية وينتهى آخرها إلى جزيرة الأندلس (قوله زياد بن نعيم) هو ابن ربيعة بن نعيم بن ربيعة ابن عمر فهو منسوب إلى جده. روى عن زياد بن الحارث وأبى ذرّ وأبى أيوب وابن عمر وعنه بكر بن سوادة وعبد الرحمن بن زياد. قال العجلى تابعى ثقة ووثقه ابن حبان ويعقوب ابن سفيان. مات سنة خمس وتسعين. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه. و (الحضرمى) نسبة إلى حضرموت ناحية واسعة في شرق عدن بقرب البحر وتعرف بالأحقاف وبها قبر هود عليه السلام وبقربها بئر برهوت (قوله زياد بن الحارث) الصحابي قدم على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وبايعه. روى عنه زياد بن نعيم. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه و (الصدائى) منسوب إلى صداء بضم الصاد المهملة وبالمدّ أبي قبيلة من اليمن واسمه يزيد بن حرب (معنى الحديث) (قوله لما كان أول أذان الصبح الخ) أى وقت الأذان الأول للصبح وهو الذى يؤذن فيه ليقوم القائم ويتسحر الصائم ويرجع القائم أمرنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أؤذن في هذا الوقت فأذنت. ولعلّ بلالا كان غالبا كما في رواية البيهقى من طريق خلف ابن هشام المقرئ قال ثنا سعيد بن راشد المازني ثنا عطاء بن أبى رباح عن ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان في مسير له فحضرت الصلاة فنزل القوم فطلبوا بلالا فلم يجدوه فقام رجل فأذن ثم جاء بلال فقال القوم إن رجلا قد أذن فمكث القوم هونا ثم إن بلالا أراد أن يقيم فقال له النبى صلى الله عليه وآله وسلم مهلا يا بلال فإنما يقيم من أذن "قال البيهقي" تفرّد به سعيد بن راشد وهو ضعيف اهـ (قوله فجعلت أقول أقيم) أى صرت بعد أن أذنت أقول أقيم يا رسول الله. ولعله لقرب عهده بالإسلام ظنّ أن الصبح تصلى عقب الأذان ولو قبل ظهور الفجر (قوله فيقول لا) أى لا تقم لأن وقت الإقامة لم يجئ (قوله فبرز) أى خرج لقضاء حاجته (قوله وقد تلاحق أصحابه) أى لحقوه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واجتمعوا به فإنهم كانوا متفرقين في الطريق الذى هم مسافرون به (قوله يعني) هى زيادة من زياد بن نعيم لأنه لم يحفظ لفظ شيخه ولكن حفظ معناه (قوله فتوضأ) أى بعد أن أقبل على الصدائى وسأله عن الماء فلم يجد عنده إلا ماء قليلا فوضع يده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيه ففاض الماء كما سيأتى في تمام الرواية (قوله إن أخا صداء هو أذن الخ) علة لمحذوف فكأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لبلال لا تقم لأن أخا صداء أذن ومن أذن فهو يقيم أى أحق بإقامة الصلاة من غيره (والحديث يدلّ) على أنه يكفى الأذان قبل

قصة نبع الماء من بين أصابع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى وآله وسلم وذم الإمارة والسؤال عن ظهر غنى

الفجر عن إعادته بعده لأنه أذن قبل الفجر وأراد الإقامة فمنعه صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن طلع الفجر فأمره فأقام من غير إعادة الأذان بعد الفجر. وسيأتى تحقيقه إن شاء الله تعالى. ودلّ أيضا على أن من أذن أولى بالإقامة. والحديث وإن كان ضعيفا لأن فيه الإفريقى وضعفه غير واحد لكن حسنه الحازمى وقوّاه العقيلى وابن الجوزى (قال الأحوذى) حديث عبد الله بن زيد وحديث الصدائى كلاهما ضعيفان والأخذ بحديث الصدائى أولى لأن حديث عبد الله بن زيد كان أول ما شرع الأذان في السنة الأولى من الهجرة وحديث الصدائى بعده. ولأن قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حديث الصدائى من أذن فهو يقيم قانون كلىّ. وأما حديث عبد الله بن زيد ففيه بيان واقعة جزئية يحتمل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أراد بقوله له فأقم أنت تطييب قلبه لأنه رأى الأذان في المنام. ويحتمل أن يكون لبيان الجواز. ولأن لحديث الصدائى شاهدا من حديث ابن عمر أخرجه الطبرانى والعقيلى وأبو الشيخ وكذا البيهقي بلفظ تقدّم وإن كان قد ضعفه أبو حاتم وابن حبان (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذى وأخرجه البيهقى وأخرجه المزّى بسنده مطوّلا عن زياد بن نعيم الحضرمى قال سمعت زياد بن الحارث الصدائى صاحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يحدّث قال أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فبايعته على الإسلام وأخبرت أنه بعث جيشا إلى قومى فقلت يا رسول الله اردد الجيش وأنا لك بإسلام قومى فقال لى اذهب فردّهم فقلت يا رسول الله إن راحلتى قد كلت فبعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رجلا فردّهم قال الصدائى وكتبت إليهم كتابا فقدم وفدهم بإسلامهم فقال لى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا أخا صداء إنك لمطاع في قومك فقلت بل الله هو هداهم للإسلام فقال لى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أفلا أؤمرك عليهم فقلت بلى يا رسول الله قال فكتب لى كتابا فقلت يا رسول الله مرلى بشئ من صدقاتهم قال نعم فكتب لى كتابا آخر قال الصدائي وكان ذلك في بعض أسفاره فنزل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منزلا فأتاه أهل ذلك المنزل يشكون عاملهم ويقولون أخذنا بشيء كان بيننا وبين قومه في الجاهلية فقال نبىّ الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو فعل فقالوا نعم فالتفت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى أصحابه وأنا فيهم فقال لا خير في الإمارة لرجل مؤمن قال الصدائى فدخل قوله في نفسى ثم أتاه آخر فقال يا نبى الله أعطنى فقال نبىّ الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من سأل الناس عن ظهر غنى فصداع في الرأس وداء في البطن فقال السائل فأعطنى من الصدقة فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن الله لم يرض بحكم نبى ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها فجزأها ثمانية أجزاء

باب رفع الصوت بالأذان

فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك أو أعطيناك حقك قال الصدائى فدخل ذلك في نفسى أني سألته من الصدقات وأنا غنى ثم إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اعتشى من أول الليل فلزمته وكنت قويا وكان أصحابه ينقطعون عنه ويستأخرون حتى لم يبق معه أحد غيرى فلما كان أوان أذان الصبح أمرنى فأذنت فجعلت أقول أقيم يا رسول الله فجعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينظر ناحية المشرق إلى الفجر فيقول لا حتى إذا طلع الفجر نزل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فتبرّز ثم انصرف إلىّ وقد تلاحق أصحابه فقال هل من ماء يا أخا صداء فقلت لا إلا شيء قليل لا يكفيك فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اجعله في إناء ثم ائتنى به ففعلت فوضع كفه في الماء قال الصدائى فرأيت بين كل أصبعين من أصابعه عينا تفور فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لولا إنى أستحيى من ربي لسقينا واستقينا ناد في أصحابى من له حاجة في الماء فناديت فيهم فأخذ من أراد منهم ثم قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأراد بلال أن يقيم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أخا صداء أذن ومن أذن فهو يقيم. قال الصدائى فأقمت الصلاة فلما قضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة أتيته بالكتابين فقلت يا رسول الله اعفنى من هذين فقال نبى الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما بدا لك فقلت سمعتك يا نبى الله تقول لا خير في الإمارة لرجل مؤمن وأنا أو من بالله ورسوله وسمعتك تقول للسائل من سأل الناس عن ظهر غنى فصداع في الرأس وداء في البطن وسألتك وأنا غنىّ فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو ذاك فإن شئت فاقبل وإن شئت فدع فقلت أدع فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فدلني على رجل أؤمره عليكم فدللته على رجل من الوفد الذين قدموا عليه فأمره عليهم ثم قلنا يا نبى الله إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا وإذا كان الصيف قلّ ماؤها وتفرّقنا على مياه حولنا وقد أسلمنا وكلّ من حولنا عدوّ لنا فادع الله لنا في بئرنا أن يسعنا ماؤها فنجتمع عليها ولا نتفرّق فدعا بسبع حصيات فعركهنّ في يده ودعا فيهن ثم قال اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيتم البئر فألقوها واحدة واحدة واذكروا اسم الله تعالى قال الصدائى ففعلنا ما قال لنا فما استطعنا بعد أن ننظر إلى قعرها يعنى البئر اهـ (باب رفع الصوت بالأذان) وفي بعض النسخ باب ما جاء في رفع الصوت بالأذان. والصوت هو القرع وقيل تموّج الهواء (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرِيُّ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عائشة، عَنْ

الترغيب في ذلك وفي حضور صلاة الجماعة

أَبِي يَحْيَى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ: «الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَى صَوْتِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ وَشَاهِدُ الصَّلَاةِ يُكْتَبُ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ صَلَاةً وَيُكَفَّرُ عَنْهُ مَا بَيْنَهُمَا» (ش) (رجال الحديث) (قوله النمرى) نسبة إلى نمر بفتح النون وكسر الميم واد بنجد في ديار بنى كلاب (قوله عن موسى بن أبى عائشة) هكذا في أكثر النسخ. وفي نسخة موسى بن أبى عثمان ولعلها الصواب لموافقتها رواية النسائى وابن ماجه والبيهقى. وهو التبان بمثناة فوقية وموحدة المدنى وقيل الكوفي مولى المغيرة. روى عن أبيه وأبي يحيى المكي والأعرج وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعى وغيرهم، وعنه شعبة وأبو الزناد ومالك بن مغول والثورى. قال سفيان نعم الشيخ كان مؤدبا وذكره ابن حبان في الثقات (قوله عن أبى يحيى) هو المكي. روى عن أبى هريرة حديث الباب. وعنه موسى بن أبى عثمان. ذكره ابن حبان في الثقات وزعم أنه سمعان الأسلمى وقال ابن القطان لا يعرف أصلا وقال المنذرى والثورى إنه مجهول. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله المؤذن يغفر له مدى صوته) أى غاية صوته ومنتهاه. وهو منصوب على الظرفية أى أن المؤذن يستكمل مغفرة الله تعالى إذا بذل جهده في رفع الصوت بالأذان. وقيل إن الكلام على وجه التمثيل والتشبيه يريد أن المكان الذى ينتهى إليه صوت المؤذن لو قدّر وكان ما بين أقصاه وبين مقامه الذى هو فيه ذنوب تملأ تلك المسافة لغفرها الله تعالى له. وقيل معناه يغفر لأجله ذنوب كلّ من سمع صوته فحضر للصلاة المسببة عن ندائه. وقيل معناه يغفر ذنوبه التي باشرها في تلك النواحى إلى حيث يبلغ صوته. وقيل معناه يغفر بشفاعته ذنوب من كان ساكنا أو مقيما إلى حيث يبلغ صوته (قوله ويشهد له كلّ رطب ويابس) أى كلّ نام وجماد مما يبلغه صوته من الإنس والجنّ وسائر الحيوانات والمخلوقات، ويقوى هذا ما في رواية للبخارى من قوله فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جنّ ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة واختلف في هذه الشهادة (قال) الحافظ في الفتح نقلا عن ابن بزيرة تقرّر في العادة أن السماع والشهادة والتسبيح لا يكون إلا من حىّ فهل هى هنا لسان الحال لأن الموجودات ناطقة بلسان حالها بجلال بارئها أم على ظاهرها. وغير ممتنع عقلا أن الله تعالى يخلق فيها الحياة والكلام اهـ والصحيح أن للجمادات والنباتات والحيوانات علما وإدراكا وتسبيحا كما يعلم من قوله تعالى "وإن منها لما يهبط من خشية الله" وقوله تعالى "وإن من شيء إلا يسبح بحمده" (قال) البغوى

هذا مذهب أهل السنة. يدلّ عليه قضية كلام الذئب والبقر وغيرهما اهـ ويؤيده ما في رواية مسلم من حديث جابر بن سمرة مرفوعا إنى لأعرف حجرا كان يسلم عليّ. وما في رواية الصحيحين من قول النار أكل بعضى معضا (والحكمة) في هذه الشهادة اشتهار المشهود له يوم القيامة بالفضل وعلوّ الدرجة وكما أن الله تعالى يفضح بالشهادة قوما فكذلك يكرم بالشهادة آخرين (وقال) الزّين بن المنير والسرّ في هذه الشهادة أن أحكام الآخرة جرت على نعت أحكام الخلق في الدنيا في توجيه الدعوى والجواب والشهادة اهـ (قوله وشاهد الصلاة الخ) أى حاضرها مع الجماعة المسببة غالبا عن الأذان. وهو عطف على جملة قوله المؤذن يغفر له فكأنه قال المؤذن يغفر له والذى يحضر الصلاة مع الجماعة يكتب له ثواب خمس وعشرين صلاة زيادة على صلاة المنفرد. ويؤيده ما سيأتى للمصنف في باب فضل المشى إلى الصلاة عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمسا وعشرين درجة (قوله ويكفر عنه ما بينهما) أى يكفر عن حاضر الصلاة ما بين الصلاتين اللتين شهدهما. وفى رواية ابن ماجه ويكفر له ما بينهما. وظاهر الحديث أنه يكفر عنه الذنوب مطلقا وبعضهم خصها بالصغائر (فقه الحديث) دلّ الحديث على استحباب رفع الصوت بالأذان لكونه سببا للمغفرة وشهادة الموجودات ولأن فيه الأمر بالمجيء للصلاة فكلما كان أدعى للإسماع كان أولى لما يترتب عليه من زيادة الخير. لكن لا يبالغ في رفع الصوت حتى يتضرّر به لما روى البيهقي أن عمر بن الخطاب سمع أبا محذورة رفع صوته فقال أما خشيت أن ينشقّ مريطاؤك "بضم الميم وفتح الراء وسكون المثناة التحتية ما بين السرّة والعانة وقيل من الصدر إلى العانة". ودلّ الحديث أيضا على رفعة شأن المؤذن يوم القيامة، وعلى فضل صلاة الجماعة وأنها تكفر ما بينها وبين الصلاة الأخرى من الذنوب (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والبيهقى من وجهين والنسائى إلى قوله كل رطب ويابس. وقال فيه وله مثل أجر من صلى (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قُضِيَ النِّدَاءُ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ، حَتَّى

إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، وَيَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ أَنْ لا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى " (ش) وجه مطابقة الحديث للترجمة أن قوله إذا نودى بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين ظاهر في أنه يبعد إلى غاية ينتفى فيها سماعه للصوت المرتفع بالأذان (قوله عن أبى الزّناد) هو عبد الله بن ذكوان. و (الأعرج) هو عبد الرحمن بن هرمز (قوله إذا نودي بالصلاة) أي للصلاة فالباء بمعنى اللام. في رواية البخاري ومسلم إذا نودي للصلاة (قوله أدبر الشيطان) تقدم أنه كل عات متمرّد من الإنس والجنّ والدوابّ. والمراد به هنا المتمرّد من الجنّ. وهل المراد به إبليس أو جنس الشيطان. الأقرب الثاني إذ لا فرق في التضرّر بالأذان بين إبليس وغيره (قوله وله ضراط) بضم الضاد المعجمة. وتقدم أنه ريح له صوت يخرج من دبر الإنسان وغيره. ثم هو يحتمل أن يكون باقيا على ظاهره لأن الشيطان جسم يأكل ويشرب كما جاء في الأخبار فيصح منه خروج الريح. ويحتمل أن يكون على سبيل التمثيل فيكون صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شبه حال الشيطان عند هروبه من سماع الأذان بحال من حزبه أمر عظيم واعتراه خطب جسيم فلم يزل يحصل له الضراط من شدّة ما هو فيه لأن الواقع في شدّة من خوف وغيره تسترخى مفاصله ولا يملك نفسه فينفتح مخرجه. ولما كان الشيطان يعتريه شدّة قوية عند النداء للصلاة فيهرب حتى لا يسمع الأذان شبه حاله بحال ذلك الرجل وأثبت له على وجه الادّعاء الضراط الذى ينشأ من شدة الخوف (قوله حتى لا يسمع التأذين) غاية لإدباره. وجاء بيان مكان الغاية في رواية لمسلم من حديث جابر وفيه فقال حتى يكون مكان الروحاء (وحكى) الأعمش عن أبى سفيان عن جابر أن بين المدينة والروحاء ستة وثلاثين ميلا (وفيه دليل) على استحباب رفع الصوت بالأذان لأن قوله حتى لا يسمع ظاهر في أنه يبعد إلى غاية ينتفى فيها سماعه للصوت (قوله فإذا قضى النداء الخ) أى فإذا فرغ المؤذن من الأذان أقبل الشيطان. وفى رواية لمسلم فإذا سكت رجع يوسوس. وقضى بالبناء للمجهول ويروى بالبناء للمعلوم وفاعله ضمير يعود على النادى المعلوم من المقام (قوله حتى إذا ثوّب بالصلاة أدبر) أى إذا أقيم للصلاة وسمع الإقامة ذهب الشيطان. ثوّب بضم المثلثة وتشديد الواو المكسورة أقيم للصلاة فالمراد بالتثويب هنا الإقامة كما عليه الجمهور. وجزم به أبو عوانة في صحيحه والبيهقي والخطابى وغيرهم. والعامة لا تعرف التثويب إلا قول المؤذن في صلاة الفجر الصلاة خير من النوم. والأصل في التثويب أن يجئ الرجل مستصرخا فيلوح بثوبه ليرى

الحكمة في هروب الشيطان عند سماع الأذان دون سماعه القرآن وفائدة في دفع أذى الجن

ويشتهر فسمى الدعاء تثويبا لذلك وكل داع مثوّب. وقيل إنما سمى تثويبا من باب ثاب يثوب إذا رجع فهو رجوع إلى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة ثم كثر استعماله في كل إعلام يجهر به الصوت. وسميت الإقامة تثويبا لأنها إعلام لإقامة الصلاة ودعاء لها (قوله حتى يخطر بين المرء ونفسه) أى قلبه والمراد أنه يوسوس للمرء حتى يحول بينه وبين ما يريده من إقباله على صلاته وإخلاصه فيها. ويخطر بضم الطاء المهملة وكسرها كذا في المصباح. وقال عياض ضبطناه عن المتقنين بالكسر وهو الوجه ومعناه يوسوس وأصله من خطر البعير بذنبه إذا حرّكه فضرب به فخذيه. أما بالضم فمن المرور أى يدنو منه فيمرّ بينه وبين قلبه فيشغله عما هو فيه (قوله اذكر كذا اذكر كذا الخ) هكذا في رواية للبخارى وفى رواية لمسلم بعد قوله اذكر كذا فهناه ومناه وذكره من حاجاته ما لم يكن يذكر أى من أمور الدنيا قبل دخوله في الصلاة من مال وبيع وشراء ونحو ذلك (قال في الفتح) قيل خصه بما يعلم دون ما لا يعلم لأنه يميل لما يعلم أكثر لتحقق وجوده. والذى يظهر أنه الأعم من ذلك فيذكره بما سبق له به علم ليشغل باله به وبما لم يكن سبق له ليوقعه في الفكرة فيه وهذا أعمّ من أن يكون في أمور الدنيا أو في أمور الدين كالعلم اهـ (قوله حتى يظل الرجل الخ) غاية لوسوسة الشيطان أى أنه يوسوس للرجل حتى يصير لا يدرى كم صلى من الركعات أثلاثا أم أربعا. ويظلّ بالظاء المعجمة المفتوحة هي في الأصل لاتصاف المخبر عنه بالخبر نهارا. وفي بعض النسخ وللأصيلى يضلّ بكسر الضاد المعجمة من باب ضرب أي ينسى الرجل فلا يعلم كم صلى. أو بفتحها من باب تعب أى يخطئُ ويتحير. وفي نسخة حتى يظلّ الرجل إن يدرى بكسر همزة إن نافية بمعنى ما. وفي رواية البيهقى ما يدرى (والحكمة) في هروب الشيطان عند سماع الأذان والإقامة دون سماع القرآن والذكر في الصلاة أن الأذان دعاء إلى الصلاة المشتملة على السجود الذى أباه وعصى بسببه وهو إعلام بالصلاة التى هي أفضل الأعمال بألفاظ هي من أفضل الذكر لا يزاد فيها ولا ينقص منها بل تقع على وفق الأمر فينفر من سماعها. أما الصلاة فلا يقع من كثير من الناس فيها من التفريط فيتمكن الشيطان من المفرّط فلو قدّر أن المصلى فعل جميع ما أمر به فيها لم يقربه فيها إن كان وحده. وهو نادر وكذا إذا انضم إليه مثله. وهو أندر (قال ابن الجوزى) على الأذان هيبة يشتد انزعاج الشيطان بسببها لأنه لا يكاد يقع في الأذان رياء ولا غفلة عند النطق به لأن النفس لا تحضره بخلاف الصلاة فإن النفس تحضر فيها فيفتح الشيطان لها أبواب الوسوسة اهـ ومحلّ ما ذكر إذا كان الأذان موافقا لما جاءت به الشريعة المطهرة من عدم التغنى والتمطيط بكلماته والزيادة عليها بخلاف ما يقع من غالب مؤذنى أهل هذا الزمان من التغنى والتحريف في كلماته فإنه لا يترتب عليه ما ذكر بل هو بغية الشيطان (فائدة) يكون الأذان الشرعى لدفع أذى الجنّ وبعدهم ففى رواية مسلم من طريق سهيل بن أبى صالح قال أرسلنى أبى إلى بني حارثة ومعى غلام لنا

باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت

أو صاحب لنا فناداه مناد من حائط باسمه فأشرف الذى معى على الحائط فلم ير شيئا فذكرت ذلك لأبى فقال لو شعرت أن تلقى هذا لم أرسلك ولكن إذا سمعت صوتا فناد بالصلاة فإنى سمعت أبا هريرة يحدّث عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه قال إن الشيطان إذا نودى بالصلاة ولى وله حصاص (وقال) ابن عبد البرّ قال مالك استعمل زيد بن أسلم على معدن بنى سليم وكان لا يزال يصاب فيه الناس من الجنّ فلما وليهم شكوا ذلك إليه فأمرهم بالأذان وأن يرفعوا أصواتهم به ففعلوا فارتفع ذلك عنهم فهم عليه حتى اليوم قال مالك أعجبني ذلك من زيد. وذكرت الغيلان "أى المردة من الجنّ" عند عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فقال إن شيئا من الخلق لا يستطيع أن يتحوّل في غير خلقه ولكن للجنّ سحرة كما للإنس سحرة فإذا خشيتم شيئا من ذلك فاذنوا بالصلاة (فقه الحديث) دلّ الحديث على مزيد فضل الأذان، وعلى أن الشيطان يتأذى به فلا يستطيع سماعه، وعلى أن الشيطان له تسلط على الإنسان غير الأنبياء بالوسوسة حتى حال الصلاة، وعلى أن الشيطان شديد الحرص على إضرار الإنسان فيجب الحذر منه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشيخان والنسائى ومالك في الموطأ وأخرجه البيهقي من طريق معمر عن همام بن منبه عن أبى هريرة (باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت) أى من حفط وقت الصلاة ومراعاته. وفى نسخة باب ما جاء فيما يجب الخ. وفي أخرى باب ما يجب على المؤذن من تعهد الوقت (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أَرْشِدِ الْأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ». (ش) (قوله الأعمش) سليمان بن مهران (قوله عن رجل) لم أقف على اسمه وحاله (قوله الإمام ضامن) أى حافظ لصلاة المأمومين وراع لها فصلاة القوم في عهدته وصحتها مقرونة بصحة صلاته لأنه يحفظ عليهم الأركان والسنن وأعداد الركعات ويتولى السفارة بينهم وبين ربهم في الدعاء ويتحمل القراءة عنهم إما مطلقا عند من لا يوجب القراءة على المأموم أو إذا كانوا مسبوقين. ولهذا الضمان كان ثواب الأئمة أوفر إذا رعوا حقها ووزرهم أكثر إذا

أقوال الأئمة في الأذان والإمامة أيهما أفضل * ما دل عليه حديث أبي هريرة من الترغيب في أن يكون الإمام من خيرة الناس وفي صفة من يختار للأذان وغير ذلك من الفوائد

أخلوا بها (قال) ابن العربى إن ضمان الإمام لصلاة المأموم هو التزام شروطها وحفظ صلاته في نفسه لأن صلاة المأموم بنيت عليها فإن أفسد صلاته فسدت صلاة من ائتمّ به فكان غارما لها اهـ (قوله والمؤذن مؤتمن) بصيغة المفعول أى أمين في الأوقات يعتمد الناس على أذانه في الصلاة والصيام وسائر الوظائف المؤقتة. ويؤيده ما رواه ابن ماجه من حديث ابن عمر خصلتان متعلقتان في أعناق المؤذنين للمسلمين صلاتهم وصيامهم (وما رواه) البيهقى من حديث أبى محذورة أمناء المسلمين على صلاتهم وسحورهم المؤذنون. ولأن المؤذن يرتقى على أماكن عالية فيطلب منه أن لا ينظر إلى بيوت الناس وعوراتهم (قوله اللهم أرشد الأئمة الخ) أى يا ألله وفق الأئمة للعمل بما تكفلوا به والخروج من عهدته واغفر للمؤذنين ما عساه أن يقع منهم من التفريط في الأمانة التى تحملوها من جهة تقديم على الوقت أو تأخير عنه سهوا (وفي هذا) الحديث إشارة إلى فضيلة الإمامة على الأذان لأن الإمام متكفل بأركان الصلاة وجميع أعمالها والمؤذن متكفل للوقت فحسب. والإمام خليفة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والمؤذن خليفة بلال رضي الله تعالى عنه. فأين أحدهما من الآخر. ولأن الدعاء بالمغفرة يؤذن بالتقصير بخلاف الدعاء بالإرشاد (وإلى تفضيل) الإمامة على الأذان ذهب أبو حنيفة والخراسانيون وجمع من الشافعية كما قال القارى (قال) النووى وصححه القاضى أبو الطيب وقطع به الدارمي اهـ وقيل الأذان أفضل (قال) النووى وهو نص الشافعى في الأمّ (قال) المحاملى وأبو حامد إنه مذهب الشافعى. وقيل إنهما سيان. وقيل إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة وجميع خصالها فهى في حقه أفضل وإلا كان الأذان في حقه أفضل (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن إمام الصلاة ينبغى أن يكون من خيار القوم حتى يكون أهل للضمان، وعلى أن الإمام يتحمل عن المأمومين ما يقع منهم من التفريط في صلاتهم لكن ما لم يؤدّ ذلك إلى بطلانها، وعلى أن المؤذن أمين فيطلب أن يكون مسلما عاقلا عدلا فلا يصح من كافر ولا مجنون. وهل يكون الكافر بأذانه مسلما. فيه تفصيل فإن كان عيسويا فلا يكون بأذانه مسلما لاعتقاده اختصاص الرسالة بالعرب لأن العيسوية طائفة من اليهود ينسبون إلى أبى عيسى اليهودى الأصبهاني ويعتقدون اختصاص رسالته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالعرب فإذا نطق بالشهادة اعتقد فيها الاختصاص. وإن كان غير عيسويّ فله ثلاثة أحوال (إحداها) أن ينطق بالشهادة حكاية كأن يقول سمعت فلانا يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فهذا لا يكون مسلما بذلك اتفاقا لأنه حاك كما لا يصير المسلم كافرا بحكايته الكفر (الثانية) أن يقولها بعد استدعاء كأن يقول له إنسان قل أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فيقولها فهذا يكون مسلما بلا خلاف (الثالثة) أن يقولها ابتداء لا حكاية

الخلاف في أذان المحدث والصبي المميز

ولا باستدعاء ففيه وجهان. الصحيح الذي عليه الأكثرون أنه يصير مسلما. وعلى أىّ حال لا يصح أذانه لوقوع بعض الأذان حال الكفر. وإن كان فاسقا صحّ أذانه مع الكراهة (قال) بعضهم إنما يصح أذانه في تحصيل وظيفة الأذان ولا يجوز تقليده وقبول خبره بدخول الوقت لأن خبره غير مقبول اهـ من شرح المهذب (فوائد. الأولى) الأكمل أن يكون المؤذن حرّا فيصحّ أذان العبد لكن إن أذن لنفسه لم يلزمه استئذان سيده لأن ذلك لا يضرّ بخدمته وإن أذن للجماعة لزمه استئذانه لأنه يحتاج إلى مراعاة الأوقات فيضرّ بخدمته (الثانية) اختلف العلماء في أذان الصبي المميز فقال بصحته جمهور الشافعية وأحمد والمالكية واشترطوا في صحة أذانه أن يعتمد في دخول الوقت على عدل (وقال) داود لا يصح أذانه (وقالت) الحنفية يصح أذان الصبى المراهق العاقل (وقال) جماعة من الشافعية بكراهته (الثالثة) اختلف العلماء في أذان المحدث (فقالت) الشافعية يصحّ سواء أكان حدثا أصغر أم أكبر مع الكراهة. وبه قال الحسن البصرى وداود وقتادة وحماد بن أبى سليمان وأبو حنيفة والثورى وأحمد وأبو ثور وابن المنذر وهو مشهور مذهب مالك (وقال) عطاء ومجاهد والأوزاعي وإسحاق لا يصح أذانه ولا إقامته (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد وابن حبان وابن خزيمة والشافعى وأخرجه البيهقى والبزار من طريق أبى حمزة السكرى وزادا فيه قالوا يا رسول الله لقد تركتنا نتنافس في الأذان بعدك فقال إنه يكون بعدكم قوم سفلتهم مؤذنوهم (قال) الدارقطنى هذه الزيادة ليست بمحفوظة وأشار ابن القطان إلى أن البزّار هو المنفرد بها. وليس كذلك فقد جزم ابن عدى بأنها من أفراد أبى حمزة وكذا قال الخليلى وابن عبد البرّ. وأخرجه الترمذى أيضا وليس في إسناده واسطة بين الأعمش وأبى صالح وقال في آخر الباب وحديث أبى هريرة رواه سفيان الثورى وحفص ابن غياث وغير واحد عن الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وروى أسباط بن محمد عن الأعمش قال حدّثت عن أبى صالح عن أبى هريرة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وروى نافع بن سليمان عن محمد بن أبى صالح عن أبيه عن عائشة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا الحديث وقال وسمعت أبا زرعة يقول حديث أبى صالح عن أبى هريرة أصح من حديثه عن عائشة وسمعت محمدا يقول حديث أبى صالح عن عائشة أصح وذكر عن علي بن المدينى أنه قال لم يثبت ذكر حديث أبى صالح عن أبى هريرة ولا حديث أبى صالح عن عائشة في هذا اهـ وأما ابن حبان فصحح حديث أبى هريرة وعائشة جميعا وقال قد سمع أبو صالح هذين الخبرين من عائشة وأبى هريرة جميعا. وقال إبراهيم ابن حميد الرواسى قال الأعمش وقد سمعته من أبى صالح قال هشيم عن الأعمش حدثنا أبو صالح عن أبى هريرة "فتبين" من هذه الطرق أن الأعمش سمعه من غير أبى صالح ثم سمعه

باب الأذان فوق المنارة

منه قال اليعمرى والكلّ صحيح والحديث متصل اهـ (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: نُبِّئْتُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: وَلَا أُرَانِي إِلَّا قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مِثْلَهُ (ش) (قوله ابن نمير) هو عبد الله (قوله قال نبئت الخ) بالبناء للمجهول أى قال سليمان بن مهران الأعمش أخبرت بواسطة رجل عن أبى صالح السمان ولا أظنّ نفسى إلا قد حدّثت بهذا الحديث عن أبى صالح وسمعته منه. ولعلّ الأعمش سمع الحديث من أبى صالح ثم تردّد في ذلك أسمعه من رجل عنه أو سمعه منه. والغرض منه تقوية روايته لهذا الحديث عن أبى صالح (قوله مثله) أى مثل الحديث السابق (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي (باب الأذان فوق المنارة) وفي بعض النسخ باب ما جاء في الأذان فوق المنارة وهي المكان المرتفع الذى يؤذن عليه وتجمع على مناور ولا تهمز لأنها أصلية وبعضهم يهمزها فيقول منائر تشبيها للأصلى بالزائد وتطلق أيضا على العلامة التي تجعل بين الحدّين (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَالَتْ: كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ كان حَوْلَ الْمَسْجِدِ فَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ عَلَيْهِ الْفَجْرَ فَيَأْتِي بِسَحَرٍ فَيَجْلِسُ عَلَى الْبَيْتِ يَنْظُرُ إِلَى الْفَجْرِ، فَإِذَا رَآهُ تَمَطَّى، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَحْمَدُكَ وَأَسْتَعِينُكَ عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ يُقِيمُوا دِينَكَ» قَالَتْ: ثُمَّ يُؤَذِّنُ، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُهُ كَانَ تَرَكَهَا لَيْلَةً وَاحِدَةً تَعْنِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ (ش) (رجال الحديث) (قوله أحمد بن محمد بن أيوب) الورّاق أبو جعفر البغدادى. روى عن إبراهيم بن سعد وأبى بكر بن عياش. وعنه أبو داود ويعقوب بن شيبة وأبو يعلى وأبو بكر بن أبى الدنيا وآخرون. كان أحمد وابن المدينى يحسنان القول فيه وكان يحيى يحمل عليه وقال يعقوب ابن شيبة ليس من أصحاب الحديث ووثقه ابن حبان والحربىّ وقال الحاكم ليس بالقوى وقال أبو حاتم روى عن أبى بكر بن عياش أحاديث منكرة. مات ببغداد سنة ثمان وعشرين ومائتين

صفة المنارة في عهد السلف وذم ما أحدث فيها في هذا الزمان من وجوه

(قوله (ص) عن امرأة من بني النجار) قال ابن حجر صحابية لم تسمّ اهـ لكن في رواية ابن سعد في الطبقات أنها النوّار أم زيد بن ثابت (معنى الحديث) (قوله فكان بلال يؤذن عليه) أى على بيتي للمبالغة في الإعلام بدخول وقت الصلاة (قوله تمطى) وفي نسخة تمطأ أى تمدّد لطول جلوسه وليحصل له النشاط (قوله اللهم إني أحمدك الخ) أى أثني عليك الثناء الجميل على الإسلام وعلى خدمة الأذان وأطلب منك الإعانه على هداية قريش لأن يقيموا دينك. وخص قريشا بذلك لما لهم من القوّة والغلبة فحيث أسلموا أسلم غيرهم ولعلّ هذا كان قبل فتح مكة (قوله والله ما علمته كان تركها) كان زائدة بين المفعولين والغرض منه تقوية ما ذكرته عن بلال (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه ينبغى أن يكون الأذان على مكان يرتفع لأن المقصود منه إعلام الناس بدخول وقت الصلاة وكلما كان المكان أرفع كان الإعلام أبلغ وقد جاء في الأذان على مرتفع أحاديث وآثار (منها) ما رواه ابن أبى شيبة قال حدثنا أبو خالد عن هشام عن أبيه قال أمر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بلالا أن يؤذن يوم الفتح فوق الكعبة (ومنها) ما رواه أيضا من طريق عبد الأعلى عن الجريرى عن عبد الله بن شقيق قال من السنة الأذان في المنارة والإقامة في المسجد وكان عبد الله يفعله (ومنها) ما ذكره السمهودى عن ابن زبالة قال حدثني محمد بن إسماعيل وغيره قال كان في دار عبد الله بن عمر أسطوانة في قبلة المسجد يؤذن عليها بلال يرقى إليها بأقتاب (وينبغى) أن لا يتفاحش المكان في الارتفاع كما يفعله أهل زماننا في مناورهم لما في ذلك من السرف المؤدى لضياع المال ولما فيه من ضياع حكمة الأذان التي هي الإعلام فإن صوته حينئذ قلّ من يسمعه (قال) في المدخل من السنة الماضية أن يؤذن المؤذن على المنار فإن تعذر ذلك فعلى سطح المسجد فإن تعذر ذلك فعلى بابه "وكان" المنار عند السلف رضوان الله تعالى عليهم بناء يبنونه على سطح المسجد كهيئته اليوم لكن هؤلاء أحدثوا فيه أنهم عملوه مربعا على أركان أربعة "وكان" في عهد السلف رضوان الله تعالى عليهم مدوّرا. وكان قريبا من البيوت خلافا لما أحدثوه اليوم من تعلية المنار وذلك يمنع لوجوه (أحدها) مخالفة السلف رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم (الثاني) أنه يكشف على حريم المسلمين (الثالث) أن صوته يبعد عن أهل الأرض. ونداؤه إنما هو لهم (وقد) بنى بعض الملوك في المغرب منارا زاد في علوّه فبقى المؤذن إذا أذن لا يسمع أحدا ممن تحته. وهذا إذا كان المنار تقدّم وجوبه على بناء الدار. وأما إذا كانت الدور مبنية ثم جاء بعض الناس يريد أن يعمل المنار فإنه يمنع من ذلك لأنه يكشف عليهم اللهم إلا أن يكون بين المنار والدور سكك وبعد بحيث إنه إذا طلع المؤذن على المنار ورأى الناس على أسطحة بيوتهم لا يميز بين الذكر والأنثى

باب في المؤذن يستدير في أذانه

منهم فهذا جائز على ما قاله علماؤنا اهـ ودلّ الحديث أيضا على أنه ينبغى للمؤذن أن يحرص على مراقبة الوقت كي يقع الأذان في وقته المحدّد له شرعا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي قال السخاوى وأخرجه ابن سعد في الطبقات عن النوّار أم زيد بن ثابت بلفظ قالت كان بيتي أطول بيت حول المسجد وكان بلال يؤذن فوقه إلى أن بنى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسجده فكان يؤذن بعده على ظهر المسجد وقد رفع له شئ فوق ظهره اهـ (باب في المؤذن يستدير في أذانه) وفى نسخة باب المؤذن يستدير في أذانه. أى يصرف وجهه يمينا وشمالا في أذانه حين يقول حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا قَيْسٌ يَعْنِي ابْنَ الرَّبِيعِ، ح وَثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيُّ، ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، جَمِيعًا عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أُدُمٍ فَخَرَج بِلَالٌ فَأَذَّنَ فَكُنْتُ أَتَتَبَّعُ فَمَهُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، قَالَ: «ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ بُرُودٌ يَمَانِيَةٌ قِطْرِيٌّ» -وَقَالَ مُوسَى- قَالَ: رَأَيْتُ بِلَالًا خَرَجَ إِلَى الْأَبْطَحِ فَأَذَّنَ فَلَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، لَوَى عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَمْ يَسْتَدِرْ ثُمَّ دَخَلَ فَأَخْرَجَ الْعَنَزَةَ وَسَاقَ حَدِيثَهُ (ش) (رجال الحديث) (قوله قيس يعنى ابن الربيع) أبو محمد الأسدى الكوفى روى عن عون بن أبى جحيفة وأبي إسحاق السبيعى وسماك بن حرب وهشام بن عروة وطائفة. وعنه الثورى وأبو معاوية وابن المبارك وشعبة وآخرون. قال أبو الوليد ثقة حسن الحديث وقال ابن عيينة ما رأيت بالكوفة أجود حديثا منه وقال أحمد روى أحاديث منكرة وقال ابن معين ضعيف لا يكتب حديثه وليس حديثه بشئ وقال عثمان بن أبى شيبة كان صدوقا لكن اضطرب عليه بعض محدثيه وسئل أحمد لما ترك الناس حديثه قال كان يتشيع ويخطئُ في الحديث وقال ابن حبان تتبعت حديثه فرأيته صادقا إلا أنه لما كبر ساء حفظه

فيدخل عليه ابنه فيحدّث عنه ثقة به فوقعت المناكير في روايته فاستحق المجانبة وضعفه آخرون روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه. و (سفيان) الثورى (قوله جميعا) حال من قيس وسفيان (قوله عون بن أبى جحيفة) والسوائى الكوفي. روى عن أبيه ومسلم بن رباح والمنذر ابن جرير وكثيرين. وعنه عمرو بن أبي زائدة ومسعر بن كدام ومالك بن دينار والثورى وغيرهم. وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائى وابن حبان. روى له الجماعة. مات سنة ست عشرة ومائة (قوله عن أبيه) هو وهب بن عبد الله بن مسلم بن جنادة أبو جحيفة السوائى قدم على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم في آخر عمره وحفظ عنه ثم صحب عليا بعد وولاه شرطة الكوفة روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خمسة وأربعون حديثا اتفق الشيخان على حديثين وانفرد البخارى بحديثين ومسلم بثلاثة وروى أيضا عن على والبراء بن عازب. وعنه إسماعيل بن أبى خالد والحكم في عتيبة وأبو إسحاق السبيعى. روى له الجماعة. قال ابن حبان. مات سنة أربع وستين وقيل سنة أربع وسبعين (معنى الحديث) (قوله أتيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمكة) لعل مجيئه بمكة كان في حجة الوداع أو في زمن فتحها (قوله وهو في قبة حمراء من أدم) القبة بضم القاف وتشديد الموحدة من الخيام بيت صغير مستدير ويطلق أيضا على البناء المعروف وتجمع على قباب وقبب من أدم بضمتين أو بفتحتين جمع أديم وهو الجلد المدبوغ (قوله فخرج بلال فأذن) أى خرج إلى الأبطح كما سيأتي وهو موضع معروف خارج مكة فأذن بالظهر أو العصر كما يؤخذ من رواية البخارى عن أبى جحيفة قال خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالهاجرة فصلى بالبطحاء الظهر أو العصر ركعتين ونصب بين يديه عنزة "الحديث" (قوله فكنت أتتبع فمه هاهنا وهاهنا) أى جهتي اليمين والشمال، والمعنى أن أبا جحيفة كان ينظر إلى فم بلال وقت أن كان يلتفت برأسه يمينا وشمالا كما تدل عليه رواية مسلم من طريق سفيان فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يمينا وشمالا يقول حيّ على الصلاة حى على الفلاح (قوله ثم خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) أى من القبة متوضئا وصلى الظهر أو العصر ركعتين وجعل الناس يتمسحون بوضوئه كما في رواية البخارى (قوله وعليه حلة الخ) بضم الحاء المهملة إزار ورداء قال ابن الأثير الحلة واحدة الحلل وهى برود اليمن ولا تسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد. وقوله حمراء أى مخطصة بخطوط حمر وليست حمراء مصمتة كما فهمه بعضهم (قال ابن القيم) لو كانت حمراء مصمتة لم تكن من البرود وإنما كان فيها خطوط حمر كالبرود. ووصفت بالحمرة باعتبار ما فيها من الخطوط وقد صح عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم النهى عن لبس المعصفر والأحمر من غير معارض. وأمر عبد الله بن عمر لما رأى

أقوال الفقهاء في ذلك وفي وضع المؤذن إصبعيه في أذنيه حال الأذان في التفاته حال الإقامة

عليه ثوبين أحمرين أن يحرقهما فلم يكن ليكره الأحمر الشديد هذه الكراهة ثم يلبسه اهـ بتصرّف (قوله برود يمانية قطرىّ) وفي نسخة قطرية والبرود جمع برد والمراد بالجمع ما فوق الواحد ويمانية نسبة إلى اليمن. وقطرىّ بكسر القاف وسكون الطاء نسبة إلى قطر بفتحتين فكسروا القاف وخففوه بسكون الطاء وهي قرية على سيف الخط بين عمان والعقير. وصحّ كون قطرىّ وصفا لبرود لأنه بكثرة الاستعمال صار كالاسم لذلك النوع من الحلل فلا يقال إن الصفة والموصوف لم يتطابقا. ولا مانع أن تكون قطرية يمانية. أما كونها قطرية فلكونها تأتى منها. وكونها يمانية فلكونها تباع فيها فيكون وصف الحلة بثلاث صفات "الأولى" حمراء "والثانية" برود وبين به أن جنس هذه الحلة الحمراء من البرود اليمانية "والثالثة" قطرىّ لأن البرود اليمانية أنواع قطرىّ وغيره ويحتمل أن يكون الكلام على التشبيه أى برود يمانية كثوب قطرىّ فيكون وصف الحلة بوصفين الحمرة وكونها برودا يمانية (قوله وقال موسى الخ) أى قال موسى بن إسماعيل أحد شيخى المصنف في روايته قال أبو جحيفة رأيت بلالا خرج إلى الأبطح. والأبطح والبطيحة والبطحاء مسيل واسع فيه دقاق الحصى والمراد هنا أبطح مكة وهو مسيل واد بها المعروف بالمحصب. وقال في المرقاة الأبطح بفتح الهمزة محلّ أعلى من المعلى إلى جهة منى ينتهى إليه السبيل من وادى منى (قوله لوى عنقه الخ) أى أمال بلال عنقه إلى جهة اليمن وجهة الشمال حين قوله حىّ على الصلاة حىّ على الفلاح ولم يتحوّل بصدره عن القبلة ولا بقدمه. وفيه تقييد لمحلّ الالتفات في الأذان وهو عند الحيعلتين وبوّب عليه ابن خزيمة انحراف المؤذن عند قوله حىّ على الصلاة حىّ على الفلاح بفمه لا ببدنه كله (وفي كيفية) الالتفات أوجه "أحدها" أنه يلتفت عن يمينه فيقول حىّ على الصلاة حىّ على الصلاة ثم يلتفت عن يساره فيقول حىّ على الفلاح حىّ على الفلاح "قال النووى" رحمه الله تعالى هو أصحها وبه قطع العراقيون وجماعة من الخراسانيين "الثانى" أنه يلتفت عن يمينه فيقول حيّ على الصلاة ثم يعود إلى القبلة ثم يلتفت عن يمينه فيقولها ثانية ثم يلتفت عن يساره فيقول حيّ على الفلاح ثم يعود إلى القبلة ثم يلتفت عن يساره فيقولها ثانية "الثالث" يقول حىّ على الصلاة مرّة عن يمينه ومرّة عن يساره ثم يقول حىّ على الفلاح كذلك (وإلى استحباب) الالتفات بالعنق في الأذان يمينا وشمالا من غير تحول عن القبلة بصدره وقدميه من غير دوران سواء أكان المؤذن على الأرض أم على غيرها ذهب الشافعى والنخعى والثورى والأوزاعى وأبو ثور وهو رواية عن أحمد أخذا بظاهر هذا الحديث (وقال مالك) لا يدور ولا يلتفت يمينا ولا شمالا إلا أن يريد الإسماع (وقال أبو حنيفة) وإسحاق وأحمد في رواية يلتفت ولا يدور إلا أن يكون على منارة فيدور "واستدلّ من قال" يدور مما زواة ابن ماجه والبيهقي من طريق الحجاج بن أرطاة عن عون بن أبى جحيفة عن أبيه قال رأيت النبي صلى الله تعالى

عليه وعلى آله وسلم خرج إلى الأبطح فخرج بلال فأذن فاستدار في أذانه "وأجاب عنه" من قال بعدم الدوران بأنه ضعيف لأن الحجاح ضعيف ومدلس ولا سيما إذا روى بالعنعنة. وبأن هذا الحديث مخالف لرواية الثقات عن عون بن أبى جحيفة عن أبيه فيوجب ردّه. وبأن الاستدارة تحمل على الالتفات بالوجه يمينا وشمالا جمعا بين الروايات (قال الحافظ) في الفتح اختلفت الروايات في الاستدارة ففى بعضها أنه كان يستدير. وفي بعضها ولم يستدر. لكن تروى الاستدارة من طريق حجاج وإدريس الأودى ومحمد العرزمى عن عون وهم ضعفاء وقد خالفهم من هو مثلهم أو أمثل وهو قيس بن الربيع فرواه عن عون فقال في حديثه ولم يستدر أخرجه أبو داود. ويمكن الجمع بأن من أثبت الاستدارة عنى استدارة الرأس. ومن نفاها عني استدارة الجسد كله اهـ ببعض تصرّف (قوله فأخرج العنزة) أى وجعلها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين يديه ليصلى إليها. وهي مثل نصف الرمح أو أكثر شيئا وفيها سنان مثل سنان الرمح اهـ من النهاية. وروى عمر بن شبة في أخبار المدينة من حديث الليث أنه بلغه أن العنزة التي كانت بين يديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كانت لرجل من المشركين فقتله الزبير بن العوّام يوم أحد فأخذها منه صلى الله عليه وآله وسلم فكان ينصبها بين يديه إذا صلى (قوله وساق حديثه) أى ذكر موسى بن إسماعيل تمام حديث أبى جحيفة وهو فصلى بنا إلى العنزة الظهر والعصر تمرّ المرأة والكلب والحمار لا يمنع ثم لم يزل يصلى ركعتين حتى أتى المدينة وفي رواية وكان يمرّ من ورائها الحمار والمرأة ثم قام الناس فجعلوا يمسحون بها وجوههم فأخذت يده فوضعتها على وجهى فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك. وهذه الروايات في الصحيحين وفى مسند أحمد (فائدتان. الأولى) استحب العلماء وضع المؤذن أصبعيه في أذنيه حين الأذان لما أخرجه الترمذى عن أبى جحيفة قال رأيت بلالا يؤذن ويدور ويتبع فاه هاهنا وأصبعاه في أذنيه قال الترمذى حديث حسن صحيح وعليه العمل عند أهل العلم يستحبون أن يدخل المؤذن أصبعيه في أذنيه في الأذان وقال بعض أهل العلم وفي الإقامة أيضا وهو قول الأوزاعي اهـ مختصرا. وروى ابن ماجه والحاكم نحوه. ولأن ذلك أجمع للصوت (قال) النووى قال أصحابنا وفيه فائدة أخرى وهى أنه ربما لم يسمع إنسان صوته لصمم أو بعد أو غيرهما فيستدلّ بوضع أصبعيه في أذنيه على أذانه فإن كان في إحدى يديه علة تمنعه من ذلك جعل الأصبع الأخرى في صماخه اهـ (الثانية) السنة في إقامة الصلاة أن يكون المقيم مستقبل القبلة قائما كالأذان. وهل يستحب الالتفات فيها. فيه ثلاثة أوجه "أصحها" يستحب. ونقل إمام الحرمين اتفاق الأصحاب عليه "الثانى" لا يستحب ورجحه البغوى قال لأن الإقامة للحاضرين فلا حاجة فيها إلى الالتفات "الثالث" لا يلتفت إلا أن يكبر المسجد اهـ من شرح المهذب

ما دل عليه حديث أبي جحيفة من مشروعية التبرك بآثار الصالحين وغير ذلك من الأحكام

(فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز لبس الثوب المخطط بالأحمر. وسيأتى بيانه في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى، وعلى مشروعية الالتفات في الأذان يمينا وشمالا عند الحيعلتين وعلى مشروعية اتخاذ السترة للمصلى، ودلت بقية الحديث على جواز التبرّك بآثار الصالحين، وعلى مشروعية قصر الصلاة في السفر، وعلى تعظيم الصحابة له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشيخان مطولا ومختصرا وأخرجه الحاكم والنسائى وابن ماجه والبيهقى وأخرجه ابن خزيمة وأبو عوانة في صحيحه وأبو نعيم في مستخرجه والترمذى بزيادة جعل الأصبعين في الأذنين (باب ما جاء في الدعاء بين الأذان والإقامة) أى في بيان ما ورد من الترغيب في الدعاء بين الأذان والإقامة. وفي نسخة باب الدعاء بين الأذان والإقامة. وظاهر البينية أن وقت الإجابة يبتدئُ من انتهاء الأذان وينتهى بابتداء الإقامة. ويحتمل أن يكون المراد أن الدعاء لا يردّ بين أثناء الأذان من حين ابتدائه إلى انتهائه وكذا الإقامة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ، عَنْ أَبِي إِيَاسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله سفيان) الثورى (قوله عن زيد) هو ابن الحوارى البصرى أبو الحوارى. روى عن أنس والحسن البصرى وعكرمة وعروة بن الزبير وآخرين وعنه الثورى والأعمش وشعبة وهشام بن حسان وأبو إسحاق الفزارى وكثيرون. قال أحمد صالح وقال ابن حبان يروى عن أنس أشياء موضوعة لا أصول لها حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها وكان يحيى يمرّض القول فيه وهو عندى لا يجوز الاحتجاج بخبره ولا أكتبه إلا للاعتبار وقال أبو حاتم ضعيف الحديث ولا يحتج به وقال أبو زرعة ليس بقوى واهي الحديث ضعيف وضعفه النسائى والعجلي وابن معين وكثيرون. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه و (العمى) بفتح العين المهملة وتشديد الميم المكسورة نسبة إلى العمّ بطن من تميم ولقب بذلك لأنه كان إذا سئل عن الشئ يقول حتى أسأل عمى (قوله عن أبى إياس) هو معاوية بن قرّة بن إياس ابن هلال البصرى المزنى. روى عن أبيه وأنس وأبي أيوب الأنصارى وعبد الله بن مغفل

باب ما جاء في الدعاء بين الأذان والإقامة

وجماعة. وعنه ثابت البناني وأبو إسحاق الهمداني وسماك بن حرب وأبو عوانة وقتادة والأعمش وآخرون. وثقه أبو حاتم وابن معين والنسائى والعجلى وابن حبان وابن سعد وقال كان كثير الحديث مات سنة ثلاث عشرة ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله لا يردّ الدعاء بين الأذان والإقامة) أى لا يردّ الله تعالى طلب الحوائج الدنيوية والأخروية الجليلة والحقيرة في هذا الوقت بل يجيب الدعاء ويقبله كما رواه الحاكم وأبو يعلى عن أبى أمامة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا نادى المنادى فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء. وروى الخطيب عن أنس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند أذان المؤذن يستجاب الدعاء فإذا كان الإقامة لا تردّ دعوته وروى مالك والبيهقي عن أبى حازم عن سهل بن سعد قال ساعتان تفتح لهما أبواب السماء وقلّ داع تردّ عليه دعوته عند حضور النداء للصلاة والصفّ في سبيل الله. وروى البيهقي من طريق أبي حازم بن دينار أن سهل بن سعد أخبره أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ثنتان لا تردّان أو قلما تردّان الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا. والدعاء عامّ يشمل كلّ دعاء إلا أنه مخصوص بما في الأحاديث الصحيحة من أنه ما لم يكن بإثم أو قطيعة رحم. ومشروط بشروط (منها) أن لا يستعجل بالإجابة لما رواه مسلم عن أبى هريرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل قيل يا رسول الله ما الاستعجال قال يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لى فيستحسر "أى ينقطع" عند ذلك ويدع الدعاء (ومنها) إقبال العبد على ربه حال دعائه. وأن يكون موقنا بالإجابة. لكن تكون على حسب مراد الله تعالى وفى الوقت الذى يريده لا على حسب مراد الداعي ولا في الوقت الذى يريده إذ قد يدعو بما تكون عاقبته وبالا كما وقع لثعلبة حين طلب منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يدعو له بالمال ويؤدّى منه كل ذى حقّ حقه فقال له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويحك يا ثعلبة قليل تؤدّى شكره خير من كثير لا تطيقه ثم أتاه بعد فقال له مثل ذلك فقال له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أما لك فيّ أسوة حسنة والذى نفسي بيده لو أردت أن تسير معى الجبال ذهبا وفضة لسارت ثم أتاه بعد فقال له والذى بعثك بالحق لئن رزقنى الله تعالى مالا لأعطين كل ذى حق حقه وكان في ذلك الوقت ملازما له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الجمعة والجماعات فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اللهم ارزق ثعلبة مالا فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها ونزل واديا من أوديتها وهي تكثر وتزيد فكان يصلى معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الظهر والعصر ويصلى باقى الصلوات في غنمه ثم كثرت الغنم فتباعد عن المدينة حتى صار لا يشهد

باب ما يقول إذا سمع المؤذن

إلا الجمعة ثم كثرت فكان لا يشهد لا جمعة ولا جماعة وصار يتلقى الناس يسألهم عن الأخبار كل يوم فذكره رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذات يوم فقال ما فعل ثعلبة فقالوا اتخذ غنما لا يسعها واد فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة فلما نزلت آية الصدقة بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رجلين وكتب لهما أسنان الصدقة وكيف يأخذانها وقال لهما مرّا على ثعلبة بن حنطب وعلى رجل من بنى سليم فخذا صدقاتهما فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة وقرآ عليه كتابه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال ما هذه إلا جزية ما هذه إلا أخت الجزية انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إلىّ فانطلقا وسمع بهما السليمى فنظر إلى خيار إبله فعزلها للصدقة ثم استقبلهما بها فلما رأياه قالا ما هذا عليك قال خذاه فإن نفسي بذلك طيبة ثم رجعا إلى ثعلبة فقال أروني كتابكما فقرأه فقال ما هذه إلا جزية انطلقا حتى أرى رأيى فانطلقا فلما رآهما صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال قبل أن يكلماه يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة ثم دعا للسليمى بخير فأخبراه بالذى صنع ثعلبة فنزل قوله تعالى "فلما آتاهم من فضله بخلوا به" الآية "وقد وردت" أدعية بين الأذان والإقامة يأتى بعضها للمصنف (ومنها) ما ذكره الترمذى في حديث الباب لما قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يردّ الدعاء بين الأذان والإقامة قالوا فما نقول يا رسول الله قال سلوا الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة (فقه الحديث) دلّ الحديث على الترغيب في الدعاء بين الأذان والإقامة، وعلى أفضلية الدعاء في هذا الوقت (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وابن خزيمة وابن حبان والضياء في المختارة والبيهقى والترمذى وحسنه (باب ما يقول إذا سمع المؤذن) أى في بيان ما يقوله الشخص إذا سمع المؤذن (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ» (ش) (قوله إذا سمعتم النداء) ظاهره اختصاص إجابة السامع المؤذن فلو رأى شخص

مذاهب العلماء فيمن يجيب المؤذن وفيما يقوله وفي حكم إجابة المؤذن

المؤذن في محلّ الأذان وعلم أنه يؤذن لكن لم يسمع أذانه لبعد أو صمم لا يطالب بالإجابة (قوله فقولوا مثل ما يقول المؤذن) مثل منصوب صفة لمصدر محذوف وما مصدرية أى قولوا قولا مثل قول المؤذن. أو أنه مفعول مطلق لأن الصفة إذا قامت مقام الموصوف المحذوف تعرب مفعولا مطلقا. ويحتمل أن تكون ما موصولة والعائد محذوف. وعبر بالمضارع ولم يقل مثل ما قال ليشعر بأنه يجيبه بعد كلّ كلمة بمثلها. ويؤيد هذا ما رواه الطحاوى من حديث أم حبيبة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقول كما يقول المؤذن حتى يسكت. وادّعى ابن وضاح أن الحديث انتهى عند قوله مثل ما يقول وأن لفظ المؤذن مدرج فيه. لكن قد اتفقت الروايات في الصحيحين والموطأ على إثباته فلم يصعب ابن وضاح في دعواه ولا سيما وأن الإدراج لا يثبت بمجرّد الدعوى (وظاهر) الحديث يدلّ على أن السامع يقول مثل قول المؤذن في جميع ألفاظ الأذان حتى في الحيعلتين لكن حديث عمر بن الخطاب الآتى يخصص الحيعلتين فإن فيه يقول السامع فيما لا حول ولا قوّة إلا بالله وهو مذهب الجمهور. ورواية عن مالك. والثانية يتابعه لمنتهى الشهادتين فقط (قال) ابن المنذر يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح فيقول تارة مثل قول المؤذن حتى في الحيعلتين وتارة يبدلهما بالحوقلتين اهـ (وحكى) بعض المتأخرين عن بعض أهل الأصول أن الخاصّ والعامّ إذا أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما قال فلم لا يقال يستحب للسامع أن يجمع بين الحيعلة والحوقلة وهو وجه عند الحنابلة اهـ ولعل وجهه أنه لا مانع أن يدعو الإنسان نفسه ثم يتبرّأ من الحول والقوّة. ونقل عبد الرزاق عن ابن جريح أول قال حدّثت أن الناس كانوا ينصتون للمؤذن إنصاتهم للقراءة فلا يقول شيئا إلا قالوا مثله حتى إذا قال حيّ على الصلاة قالوا لا حول ولا قوّة إلا بالله وإذا قال حيّ على الفلاح قالوا ما شاء الله. وروى ابن أبى شيبة مثله عن عثمان. وروى عن سعيد بن جبير قال يقول في جواب الحيعلة سمعنا وأطعنا (وظاهر الحديث) أيضا أن السامع يقول في حكايته الصلاة خير من النوم كالمؤذن. وقال بعضهم يقول صدقت وبررت. لكن لا دليل عليه. وقال الحطاب لم أقف على كلام أحد من أهل المذهب على ما يقوله الحاكي في قول المؤذن إذا أذن الصبح الصلاة خير من النوم. وحكى النووى في ذلك خلافا فقال يقول فيها صدقت وبررت. وقيل يقول صدق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة خير من النوم. واقتصر على الأول في المنهاج. قال الدميرى وادعى ابن الرفعة أن خبرا ورد فيه. ولا يعرف ما قاله اهـ (وظاهر الحديث) التعبد بالقول وعدم كفاية إمرار الإجابة على القلب. وظاهر المماثلة في القول عدم اشتراط المساواة من جميع الوجوه لاتفاقهم على أنه لا يلزم المجيب أن يرفع صوته لأن المؤذن مقصوده الإعلام فاحتاج إلى رفع الصوت. والسامع مقصوده ذكر الله عزّ وجلّ فيكتفى بالسرّ (قال في الفتح) وأغرب ابن المنير فقال حقيقة الأذان

جميع ما يصدر عن المؤذن من قول وفعل وهيئة (وتعقب) بأن الأذان معناه الإعلام لغة وخصه الشرع بألفاظ مخصوصة في أوقات مخصوصة فإذا وجدت وجد الأذان وما زاد على ذلك من قول أو فعل أو هيئة يكون من مكملاته ووجد الأذان من دونها ولو كان على ما أطلق لكان ما أحدث من التسبيح قبل الصبح وقبل الجمعة ومن الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من جملة الأذان وليس كذلك لا لغة ولا شرعا اهـ (وظاهر الحديث) إجابة المؤذن في جميع الحالات من غير فرق بين طاهر ومحدث وجنب وحائض لأنه ذكر لله تعالى وكل هؤلاء من أهل الذكر. ويستثنى من ذلك المجامع وقاضى الحاجة. فإذا فرغا حكياه (واختلفوا في المصلى) فذهبت الشافعية والحنابلة إلى أنه لا يحكي في الصلاة مطلقا فرضا كانت أو نفلا فإن حكى بطلت صلاته إذا قال حىّ على الصلاة حى على الفلاح أو الصلاة خير من النوم. لكن محله عند الشافعية إذا كان عالما بأنه في الصلاة وأن هذا خطاب آدمىّ (وعند المالكية) روايات فروى ابن القاسم عن مالك أنه يحكيه في النافلة دون الفريضة. وروى أبو مصعب عنه أنه يحكي في الفرض والنفل وقال سحنون لا يحكيه فيهما. وعلى القول بالحكاية فيهما أو في النفل فقط فلو قال حىّ على الصلاة حىّ على الفلاح قيل تبطل صلاته وقيل لا (وقالت الحنفية) لا يجيب في الصلاة فرضا كانت أو نفلا. ومن قال بعدم الحكاية في الصلاة مطلقا أو في الفرض دون النفل يقول بحكايته بعد الفراغ منها وكذا إذا سمعه خارج الصلاة ولم يحكه ما لم يطل الفصل فيهما. ودليل من قال بعدم الحكاية في الصلاة ما رواه الشيخان عن ابن مسعود مرفوعا "إن في الصلاة لشغلا" أى اشتغالا بأعمالها المطلوبة فيها دون سواها. ويؤيده امتناع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن إجابة السلام فيها وهو أهمّ من الإجابة للمؤذن (والحديث يدلّ) بظاهره على وجوب إجابة المؤذن وبه قالت الحنفية وابن وهب من أصحاب مالك والظاهرية محتجين بهذا الحديث وأشباهه (وقال مالك) والشافعى وأحمد وجمهور الفقهاء الأمر فيه محمول على الاستحباب وهو اختيار الطحاوى قالوا والصارف له عن الوجوب ما رواه مسلم والطحاوى من طريق علقمة عن عبد الله قال كنا مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بعض أسفاره فسمع مناديا وهو يقول الله أكبر الله أكبر فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الفطرة فقال أشهد أن لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج من النار قال فابتدرناه فإذا هو صاحب ماشية أدركته الصلاة فنادى بها (قال) الطحاوى فهذا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد سمع المنادى ينادى فقال غير ما قال فدلّ ذلك على أن قوله إذا سمعتم المنادى فقولوا مثل الذى يقول ليس على الإيجاب وأنه على الاستحباب والندبة إلى الخير وإصابة الفضل كما علم الناس في الدعاء الذى أمرهم به أن يقولوه في دبر الصلوات وما أشبه ذلك اهـ (قال الحافظ) وتعقب بأنه ليس

الترغيب في طلب الوسيلة للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والحث على الصلاة عليه بعد الأذان وصفتها من السامع والمؤذن وبدء رفع الصوت بها بعد الأذان من المؤذن وبيان أنه بدعة وتصريح الأئمة المجتهدين بذم الاستحسان في الدين وبطلان الاستحسان من المقلدين

في الحديث أنه لم يقل هل ما قال فيجوز أن يكون قاله ولم ينقله الراوى اكتفاء بالعادة ونقل القول الزائد. وبأنه يحتمل أن يكون ذلك وقع قبل صدور الأمر. أو أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما أمر لم يرد أن يدخل نفسه فيمن خوطب بذلك اهـ وأيضا كون الأذان الذى هو الأصل ليس بواجب كما عليه الأكثر فالإجابة لا تكون واجبة بالطريق الأولى (قال) ابن عبد السلام ظاهر الحديث الوجوب لكن قد تكون القرينة الصارفة عنه هى تبعية قول الحاكي للقول المحكي الذى هو الأذان اهـ (فائدة) أيحكي الترجيع أم لا. ظاهر قوله فقولوا مثل ما يقول أنه يحكيه لأن الترجيع مما يقوله (قال) النووى وهذا أظهر وأحوط اهـ وهل يختصّ استحباب الحكاية بالأول إذا تعدّد المؤذنون وسمعهم. فيه خلاف للسلف حكاه القاضى عياض (قال النووى) ولم أر شيئا لأصحابنا، والمسألة محتملة، والمختار أن يقال إن الحكاية سنة متأكدة يكره تركها لتصريح الأحاديث الصحيحة بالأمر بها. وهذا يختص بالأول لأن الأمر لا يقتضى التكرار وأما أصل الفضيلة والثواب في المتابعة فلا يختص اهـ (من روى الحديث أيضا) رواه الجماعة والطحاوى في شرح معاني الآثار ومالك في الموطأ والبيهقى (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَحَيْوَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله ابن وهب) هو عبد الله. و (ابن لهيعة) هو عبد الله و (حيوة) بن شريح. و (سعيد بن أبى أيوب) الخزاعي المصرى أبى يحيى. روى عن كعب بن علقمة وعقيل بن خالد وأبى الأسود وجعفر بن ربيعة وكثيرين. وعنه ابن جريج وابن المبارك ونافع بن يزيد وابن وهب وجماعة. قال أحمد وأبو حاتم لا بأس به ووثقه النسائي وابن معين وابن حبان ويحيى بن بكير وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث. قيل توفي سنة إحدى

وستين ومائة. روى له الجماعة (قوله كعب بن علقمة) بن كعب بن عدى أبى عبد الحميد التنوخى المصرى. روى عن مرثد بن عبد الله وبلال بن عبد الله وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن ابن جبير وجماعة. وعنه عمرو بن الحارث وسعيد بن أبى أيوب والليث بن سعد ويحيى بن أيوب وآخرون. وثقه ابن حبان. توفي سنة سبع وعشرين أو ثلاثين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى والبخارى في التاريخ (معنى الحديث) (قوله ثم صلوا عليّ) أى ادعوا الله لى بتعظيم شأنى في الدنيا بإعلاء ذكرى وإظهار سنتى وإبقاء العمل بشريعتى وفي الآخرة بتشفيعى في أمتى وبإكثار أجرى ومثوبتي وإظهار فضلى للأولين والآخرين بالمقام المحمود. وأمرهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بذلك امتثالا لأمر الله تعالى وتشريعا ولقصور المؤمنين عن أداء حقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وقد جاء) بيان كيفية الصلاة عليه في روايات صحيحة (منها) ما رواه الشيخان والنسائى والمصنف وغيرهم عن كعب بن عجرة لما نزل قوله تعالى "إن الله وملائكته" الآية قال رجل يا رسول الله أما السلام عليك فقد علمناه فكيف الصلاة عليك قال قل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد (ومنها) ما أخرجه البخارى والنسائى وأحمد وغيرهم عن أبي سعيد الخدرى قلنا هذا السلام يا رسول الله عليك قد علمناه فكيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم (ومنها) ما أخرجه النسائى وغيره عن أبى هريرة أنهم سألوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كيف نصلى عليك قال قولوا اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم (والأمر بالصلاة) على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في هذا الحديث موجه لمن سمع الأذان. ومثله في ذلك المؤذن لفراغه من الأذان حينئذ ولعدم ما يشغله ولأنه داخل في قوله من صلى علىّ (قال النووى) يستحب للمؤذن أن يقول بعد فراغ أذانه الأذكار المذكورة من الصلاة على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وسؤال الوسيلة والدعاء بين الأذان والإقامة والدعاء عند أذان المغرب اهـ (والأمر بالصلاة) على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الحديث محمول على الندب عند الجمهور وقالوا صرفه عن الوجوب ما في الحديث من الترغيب في الثواب فإن مثله يستعمل في المستحب غالبا (وقال) العيني يستفاد من الحديث وجوب الحكاية ووجوب الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد الإجابة ولا سيما وقد ذكر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الأذان

فإنّ الطحاوى أوجب الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلما سمع ذكره وهو المختار اهـ (وظاهر) الحديث جواز إفراد الصلاة على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من غير كراهة وإلى ذلك ذهب كثيرون. وقال بعضهم يكره إفراد الصلاة عن السلام. لكن لا وجه له. وذكر ابن حجر الهيتمى أن الحق أن المراد بالكراهة خلاف الأولى وقال لأنه لم يوجد مقتضيها من النهى المخصوص اهـ (والصلاة) على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد الأذان من المؤذن والسامع تكون سرّا يسمع نفسه ومن يليه. أما رفع الصوت بها على الكيفية التي جرت بها عادة غالب مؤذني أهل زماننا فهو بدعة مخالف لهدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. والخير كله في الاتباع. وقد حدثت هذه البدعة في عهد صلاح الدين يوسف ابن أيوب سنة إحدى وثمانين وسبعمائة في ربيع الأول. وقيل زمن المنصور قلاوون سنة إحدى وتسعين وسبعمائة (وقال في الدرّ المختار) التسليم بعد الأذان حدث في ربيع الآخر سنة إحدى وثمانين وسبعمائة في عشاء ليلة الإثنين ثم يوم الجمعة ثم بعد عشر سنين حدث في الكلّ إلا المغرب اهـ (قال) ابن الحاج في المدخل يطلب من إمام المسجد أن ينهى المؤنين عما أحدثوه من صفة الصلاة والتسليم على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند الأذان. وإن كانت الصلاة والتسليم على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أكبر العبادات ولكن ينبغى أن يسلك بها مسلكها فلا توضع إلا في مواضعها التى جعلت لها ألا ترى أن قراءة القرآن من أعظم العبادات ومع ذلك لا يجوز للمكلف أن يقرأه في الركوع ولا في السجود ولا في الجلوس أعني الجلوس في الصلاة لأن ذلك لم يرد والخير كله في الاتباع. وهي بدعة قريبة الحدوث جدّا اهـ ملخصا (وقال ابن حجر الهيتمى) قد أحدث المؤذنون رفع الصوت بالصلاة والسلام على النبى صلى الله عليه وآله وسلم عقب الأذان في الفرائض الخمس "إلى أن قال" وقد استفتى مشايخنا وغيرهم في الصلاة والسلام على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد الأذان على الكيفية التي يفعلها المؤذنون فأفتوا بأن الأصل سنة والكيفية بدعة اهـ ملخصا (وقال الشعرانى) نقلا عن شيخه لم يكن التسليم الذى يفعله المؤذنون في أيام حياته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا الخلفاء الراشدين بل كان في أيام الروافض بمصر اهـ ولا يخفى عليك قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ رواه الشيخان والنسائي والمصنف. وفى رواية لمسلم من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ. وما رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا خطب احمرّت عيناه وعلا صوته واشتدّ غضبه حتى كأنه منذر جيش "الحديث" وفيه أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وإن أفضل الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة

زاد الإمام أحمد رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ في روايته من حديث عمرو بن تغلب وكلّ ضلالة في النار (وقال) الإمام مالك رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ من أحدث في هذه الأمة شيئا لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خان الدين لأن الله تعالى يقول "اليوم أكملت لكم دينكم" فما لم يكن حينئذ دينا لا يكون اليوم دينا (وقال) الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه من حسن فقد شرّع (إلى غير ذلك) مما يطول ذكره. وبما تقدم لك تعلم أن الصلاة والتسليم على النبى صلى الله عليه وآله وسلم من المؤذن بعد الأذان بالكيفية المتعارفة في زماننا هذا لم تكن في زمانه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا في زمان أصحابه رضوان الله تعالى عليهم ولا في زمان السلف الصالح (وما قال) باستحسانها أحد من الأئمة المجتهدين. ومن قال باستحسانها من متأخرى المقلدين فقوله مردود عليه بهذه الأحاديث الصحيحة لأن شرط الاستحسان أن لا يكون مصادرا لما كان عليه الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه فضلا عن كون المقلد لا يصح منه التحسين. فإذا علمت هذا فاعلم أنه ينبغي ترك ذلك ولا سيما وأن العامة اعتقدوا أنها من جملة الأذان المشروع وأن الأذان بدونها باطل وقد علم بعض المؤذنين الحكم الشرعى في ذلك وعملوا عليه فقال غالب الناس قد أبطل الأذان بتركه رفع الصوت بالصلاة والسلام بعده. وإنهم بهذا قد أدخلوا في الدين ما ليس منه وخلطوا على الناس أمر دينهم فلا حول ولا قوة إلا بالله العلىّ العظيم. وقد بسطنا الكلام على ذلك في كتبنا الأخر (قوله صلى الله عليه بها عشرا) أى أعطاه الله تعالى في مقابلة صلاته على النبى صلى الله عليه وآله وسلم أجر عشر صلوات فالباء للمقابلة. وهذا الحديث نظير قوله تعالى "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" والصلاة من الله تعالى على عباده ثناؤه عليهم عند الملائكة كما رواه البخارى عن أبى العالية وغيره عن الربيع بن أنس وجرى عليه الحليمى في شعب الإيمان. وقيل رحمة الله لهم كما نقله الترمذى عن الثورى وغير واحد من أهل العلم وجرى عليه المبرّد والماوردى وقال إن ذلك أظهر الوجوه (قوله ثم سلوا الله لي الوسيلة) هي في الأصل ما يتوصل به إلى الشئ ويتقرّب به إليه. وقيل هي الشفاعة العظمى يوم القيامة. وقيل منزلة في الجنة كما في الحديث وهى المرادة هنا وقيل قبتان في أعلى عليين إحداهما يسكنها النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وآله والأخرى من ياقوتة صفراء يسكنها إبراهيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وآله (قوله فإنها منزلة في الجنة) وهى أعلاها وأغلاها وسميت تلك المنزلة بالوسيلة لأن الواصل إليها يكون فائزا بلقائه تعالى مخصوصا من بين سائر الخلق بأنواع الكرامات (قوله لا تنبغى الخ) بالمثناة الفوقية وفى بعض النسخ بالمثناة التحتية أى لا تتيسر ولا تكون إلا لعبد واحد من سائر عباد الله تعالى وأرجو أن أكون أنا هو. وقال ذلك صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يوحى إليه أنه صاحبها. ويحتمل أنه قاله بعد أن أوحى إليه بها

فيكون ذلك تواضعا منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وأمره للأمة بسؤال الوسيلة بعد لزيادة الرفعة والمقام كبقية الدعاء له ولنيل الأمة الأجر على الدعاء له "وقوله أنا هو" قيل هو خبر أكون وضع موضع إياه. ويحتمل أن يكون من باب وضع الضمير موضع اسم الإشارة أى أكون ذلك العبد. وعليهما فأنا تأكيد للضمير في أكون (قوله حلت عليه الشفاعة) أى وجبت له كما صرّح به في رواية الطحاوى عن ابن مسعود فعلى بمعنى اللام. أو نزلت عليه فهى من الحلول ولا يصح أن تكون حلت من الحلّ لأنها لم تكن قبل ذلك محرّمة "ولا يقال" إن الشفاعة للمذنبين فكيف تكون لقائل هذا القول إذا لم يكن من المذنبين "لأن له" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شفاعات أخر كإدخال الجنة بغير حساب ورفع الدرجات فيعطى كل أحد ما يناسبه (فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب إجابة المؤذن ممن سمعه، وعلى مشروعية الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد الإجابة وقد علمت بيانه، وعلى مضاعفة الأجر للأمة، وعلى أن الأمة مأمورة بطلب الوسيلة له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد الأذان وعلى ثبوت الشفاعة لمن سأل ذلك له، وعلى اختصاص الوسيلة المذكورة بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وعلى تواضعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حيث رغب الأمة في الدعاء له (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى والبيهقى والترمذى وأحمد والطحاوى في شرح معاني الآثار (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ السَّرْحِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَا: ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ حُيَيٍّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَعْنِي الْحُبُلِيَّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يَفْضُلُونَنَا، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «قُلْ كَمَا يَقُولُونَ فَإِذَا انْتَهَيْتَ فَسَلْ تُعْطَهْ» (ش) (رجال الحديث) (قوله ابن السرح) هو أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو ابن السرح فهو منسوب إلى جدّه الأعلى (قوله عن حييّ) بضم الحاء المهملة وفتح الياء الأولى وتشديد الثانية هو عبد الله بن شريح المعافرى أبو عبد الله المصرى. روى عن أبى عبد الرحمن الحبلى. وعنه الليث بن سعد وابن لهيعة وابن وهب وآخرون. قال أحمد أحاديثه مناكير وقال ابن معين ليس به بأس وقال النسائى ليس بالقوى وقال البخارى فيه نظر وقال ابن عدى أرجو أنه لا بأس به إذا روى عنه ثقة. توفى سنة ثلاث وأربعين ومائة. روى له أبو داود والترمذى

والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله إن المؤذنين يفضلوننا) يعنى يغلبوننا في الفضل ويزيدون علينا بسبب الأذان فهو من فضلته إذا غلبته بالفضل (قوله قل كما يقولون الخ) أى إلا الحيعلتين. وهو جواب لاستفهام مقدّر تقديره فأىّ عمل تأمرنا به كي نلحقهم بسببه فقال صلى الله عليه وآله وسلم جوابا له قل كما يقولون فإذا انتهيت أى من الإجابة فاطلب من الله تعالى ما تريده يقبل دعاءك ويعطك ما سألته فإن هذا وقت إجابة فالهاء مفعول ثان لتعط عائد على معلوم من السياق (وظاهره) يدلّ على أن السامع إذا أجاب المؤذن يحصل له من الفضل مثل ما للمؤذن. لكن هذا من باب الترضية لمجيب المؤذن وإلا فالمؤذن يثاب ثوابا أزيد كما تدلّ عليه الأحاديث "فقد" روى مسلم وابن حبان في صحيحه عن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة، وروى "الطبرانى في الأوسط عن أنس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لو أقسمت لبررت أن أحب عباد الله إلى الله لرعاة الشمس والقمر يعنى المؤذنين وإنهم ليعرفون يوم القيامة بطول أعناقهم "وروى" الطبرانى في الكبير عن ابن عمر قال لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا مرّة ومرّة ومرّة حتى عدّ سبع مرّات لما حدّثت به سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة لا يهولهم الفزع ولا يفزعون حين يفزع الناس رجل علم القرآن فقام يطلب به وجه الله وما عنده ورجل نادى في كل يوم وليلة خمس صلوات يطلب وجه الله وما عنده ومملوك لم يمنعه رقّ الدنيا من طاعة ربه "وروى" البخارى في التاريخ والطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال جاء رجل إلى النبى على الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال علمني أو دلنى على عمل يدخلني الجنة قال كن مؤذنا قال لا أستطيع قال كن إماما قال لا أستطيع فقال قم بإزاء الإمام. إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه ينبغى للإنسان أن يحثّ نفسه على تحصيل الخير ولا سيما إذا رأى أن غيره قد سبقه به، وعلى أن المؤذنين لهم ثواب كبير، وعلى أن الدعاء عقب الأذان مشروع ومجاب، وعلى أن من يجيب المؤذن يحرز ثوابا مثله (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى والنسائى في عمل اليوم والليلة وابن حبان في صحيحه ورواه ابن خزيمة والحاكم عن أم حبيبة بلفظ إن المؤذنين يفضلوننا فقال قل كما يقولون فإذا انتهيت فسل تعطه وفي سنده عبد الله بن لهيعة وفيه مقال (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ الْحُكَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَامِرِ

بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ قَالَ: حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا غُفِرَ لَهُ " (ش) (رجال الحديث) (قوله عن الحكيم) بضم الحاء المهملة وفتح الكاف (ابن عبد الله ابن قيس) بن مخرمة بن المطلب المصرى. روى عن ابن عمر وعامر بن سعد ونافع بن جبير وعنه الليث بن سعد ويزيد بن أبي حبيب وعمرو بن الحارث وعبيد الله بن المغيرة. وثقه ابن حبان وقال النسائى ليس به بأس. توفى بمصر سنة ثماني عشرة ومائة. روى له الجماعة إلا البخارى (قوله عامر بن سعد بن أبى وقاص) الزهرى المدنى. روى عن أبيه وابن عمر وعائشة وعثمان وجابر ابن سمرة وجماعة. وعنه ابنه داود وعطاء بن يسار وعمرو بن دينار وسعيد بن المسيب ومجاهد والزهرى وكثيرون. قال العجلى تابعى ثقة وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث ووثقه ابن حبان توفى سنة أربع ومائة. روى له أبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه (قوله سعد بن أبى وقاص) بن مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤَيّ بن غالب القرشى الزهرى. أحد العشرة المبشرين بالجنة وآخرهم موتا أسلم قديما "فقد" روى البخارى عنه أنه قال لقد مكثت سبعة أيام وإنى لثالث الإسلام. وهاجر إلى المدينة قبله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وشهد بدرا والمشاهد كلها وكان مجاب الدعوة "فقد" روى الترمذى من حديث قيس بن أبى حازم عن سعد أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال اللهم استجب لسعد إذا دعاك فكان لا يدعو إلا استجيب له. وهو أوّل من رمى بسهم في سبيل الله وكان يقال له فارس الإسلام وكان رأس من فتح العراق وولى الكوفة لعمر ثم وليها لعثمان وفتح مدائن كسرى وجاءه ابن أخيه هاشم بن عتبة فقال هاهنا مائة ألف سيف يرونك أنك أحقّ بهذا الأمر فقال أريد منها سيفا واحدا إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئا وإذا ضربت به الكافر قطع قال ابن إسحاق كان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يستخفون بصلاتهم فبينا سعد في شعب من شعب مكة في نفر من الصحابة إذ ظهر عليهم المشركون فنافروهم وعابوا عليهم دينهم حتى قاتلوهم فضرب سعد رجلا من المشركين بلحى جمل فشجه فكان أول دم أريق في الإسلام روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحاديث كثيرة اتفق الشيخان على خمسة عشر وانفرد البخارى بخمسة ومسلم بثمانية عشر. روى عنه عائشة وابن عمر وابن عباس وجابر بن سمرة وسعيد بن المسيب وبنوه محمد وإبراهيم وعامر ومصعب وكثيرون من الصحابة

بيان أصول الدين وفروعه

والتابعين. مات رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بالعتيق على عشرة أميال من المدينة فحمل إليها ودفن بالبقيع وصلى عليه مروان بن الحكم سنة خمس وخمسين على الأصح. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله من قال حين يسمع المؤذن الخ) ظاهره يدّل على أنه يقول هذا الذكر حال الأذان عقب سماعه الشهادتين. ويحتمل أنه يقوله بعد تمام الأذان إذ لو قال ذلك حال الأذان لفاته إجابة المؤذن في بعض كلمات الأذان (قوله رضيت بالله ربا الخ) أى اخترته واكتفيت به ولم أطلب غيره ورضيت بجميع قضائه وقدره وبرسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إليّ وإلى سائر المكلفين ورضيت بدين الإسلام الذى جاء به صلى الله عليه وآله وسلم من أصول وفروع وامتثلت أوامره واجتنبت نواهيه. فربّا تمييز محّول عن المضاف أى رضيت بربوبيته. ويحتمل أن يكون حالا أى رضيت بالله مربيا ومالكا وكذا قوله رسولا ودينا في الجملتين بعده (وجاء بيان أصول) الدين في رواية النسائى عن عمر قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب الخ وفيه فقال يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت فعجبنا له يسأله ويصدقه قال فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشرّه قال صدقت قال فأخبرنى عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك "الحديث" فقد أطلق صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الدين على الإسلام والإيمان والإحسان التى هي الأصول والفروع "فإن قيل" لم ذكر الإسلام ولم يقل وبالإيمان "قيل أل" في الإسلام للكمال وهو الإسلام المنجى وهو يستلزم الإيمان (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والحاكم والنسائى وابن ماجه والطحاوى في شرح معانى الآثار والبيهقى والترمذى وقال حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد عن حكيم بن عبد الله بن قيس (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يَتَشَهَّدُ، قَالَ: «وَأَنَا، وَأَنَا» (ش) (رجال الحديث) (قوله إبراهيم بن مهدى) المصيصى بغدادى الأصل. روى عن

حفص بن غياث وابن إدريس وابن عيينة وأبى عوانة وآخرين. وعنه أحمد وأبو حاتم ويعقوب بن شيبة وجماعة. وثقه أبو حاتم وابن قانع وابن حبان وقال ابن معين ما أراه يكذب. وقال الأزدى له عن عليّ بن مسهر أحاديث لا يتابع عليها. توفى سنة أربع أو خمس وعشرين ومائتين (قوله عن أبيه) هو عروة بن الزبير (معنى الحديث) (قوله كان إذا سمع المؤذن يتشهد) أى يقول أشهد أن لا إله إلا الله إلى آخر الشهادتين. ويحتمل أن يراد بالتشهد الأذان كله فيكون من إطلاق الجزء وإرادة الكلّ ويؤيده رواية الحاكم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا سمع المؤذن قال وأنا وأنا. على هذا يكون قد وقع الاكتفاء منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بما قاله ولم يقل مثل ما قال المؤذن إما لأن إجابة المؤذن غير واجبة وإما لأنه كان قبل الأمر بالقول مثل ما يقول المؤذن أو أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال مثل ما قال المؤذن ولم ينقله الراوى. لكن هذا بعيد (قوله قال وأنا وأنا) يحتمل أن يكون التكرير للتأكيد وأن يكون الضمير الأول راجعا إلى الشهادة الأولى أى أنت تشهد أن لا إله إلا الله وأنا أشهد أن لا إله إلا الله. والضمير الثانى راجع إلى الشهادة الثانية أى وأنا أشهد أن محمدا رسول الله فأنا مبتدأ خبره محذوف والجملة عطف على مقدّر. ويحتمل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقول وأنا وأنا عند الشهادتين لله تعالى وكذلك مثلهما عند الشهادتين للرّسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيكون قالها أربع مرّات. وعلى الاحتمالين الأخيرين يكون للتأسيس. واختلف في أنه هل كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتشهد مثلنا أو يقول إنى رسول الله. الظاهر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يتشهد كتشهدنا فيقول أشهد أن محمدا رسول الله (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يشهد لنفسه بالرسالة كبقية الأمة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ خَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يسَافٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ: أَحَدُكُمْ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَإِذَا قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ

لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ " (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد بن جهضم) بن عبد الله الثقفى أبو جعفر البصرى روى عن إسماعيل بن جعفر ومحمد بن طلحة وابن عيينة وأزهر بن سنان. وعنه إسحاق بن منصور وعباس بن عبد العظيم ويحيى بن محمد ويعقوب بن سفيان وجماعة. وثقه ابن حبان وقال أبو زرعة صدوق لا بأس به. روى له البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى (قوله عمارة بن غزية) بفتح الغين المعجمة وكسر الزاى وتشديد المثناة التحتية ابن الحارث بن عمرو بن غزية الأنصارى المازنى. روى عن أنس وعباد بن تميم ويحيى بن عمارة وعباس بن سهل وأبى الزبير وآخرين. وعنه سليمان بن بلال ويحيى بن أيوب ويونس بن يزيد والثورى وجماعة. وثقه أبو زرعة وأحمد والعجلى وابن سعد وقال كان كثير الحديث وقال ابن معين صالح وقال النسائى وأبو حاتم ما به بأس وكان صدوقا. توفي سنة أربعين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذي والبخارى في التاريخ (قوله عن خبيب) بالتصغير (ابن عبد الرحمن) بن خبيب (بن يساف) بفتح المثناة التحتية والسين المهملة المخففة ويقال فيه إساف بالهمزة المكسورة الأنصاري الخزرجى أبى الحارث. روى عن أبيه عن جدّه وعن عمته أنيسة وحفص بن عاصم. وعن يحيى الأنصارى وابن إسحاق وعمارة بن غزية ومالك وشعبة وآخرون. وثقه ابن معين وابن حبان وقال أبو حاتم صالح وقال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث. روى له الجماعة (قوله حفص بن عاصم) بن عمر بن الخطاب المدني. روى عن أبيه وعمه عبد الله بن عمر وأبي هريرة وأبي سعيد الخدرى وغيرهم. وعنه القاسم بن محمد وسعد بن إبراهيم وسالم بن عبد الله وخبيب بن عبد الرحمن. ذكره مسلم في الطبقة الأولى من أهل المدينة ووثقه أبو زرعة وابن حبان والنسائي وقال الطبرى ثقة مجمع عليه (قوله عن أبيه) هو عاصم بن عمر بن الخطاب العدوى أبو عمر ويقال أبو عمرو المدني. ولد في حياة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يرو عنه شيئا. روى عن أبيه. وعنه ابناه حفص وعبد الله وعروة بن الزبير. قال الزبير كان من أحسن الناس خلقا وذكره جماعة ممن ألف في الصحابة. مات بالربذة سنة سبعين أو ثلاث

الكلام في فصل جمل الأذان بعضها عن بعض بسكتة لطيفة وذكر الحكمة في إبدال السامع الحيعلتين بالحوقلتين

وسبعين. روى له الشيخان وأبو داود والترمذى والنسائى (معنى الحديث) (قوله إذا قال المؤذن) جملة شرطية جزاؤها قوله الآتى "دخل الجنة" (قوله الله أكبر الله أكبر) يحتمل أن يكون وصل جملة الله أكبر الأولى بالثانية وحرّك الراء من أكبر الأولى، أو يكون وقف عليها بسكتة لطيفة من غير تنفس وهو الأقرب ويؤيده حديث "إذا أذنت فترسل" أى تمهل وافصل جمله بعضها عن بعض فإنه ظاهر في أنه يقف على آخر كلّ جملة لا فرق بين جمل التكبير وغيرها، ويؤيده أيضا كون الأصل في الجمل الوقف ولهذا قالت المالكية إن الأذان مجزوم الجمل لامتداد الصوت. ونقل البنانى منهم عن أبى الحسن وعياض ويونس وابن راشد والفاكهانى أن جزمه ليس الصفات الواجبة التى تتوقف صحته عليها. وما ذكره عبد الباقى تبعا للحطاب من أن جزمه ليس من الصفات الواجبة فقد ردّه البناني نقلا عن أبى الحسن (قال) ابن راشد الخلاف إنما هو في التكبيرتين الأوليين وأما غيرهما من ألفاظ الأذان فلم ينقل عن أحد من السلف والخلف أنه نطق به إلا موقوفا اهـ لكن لا وجه للخلاف فإنه لا فرق بين جمله كلها كما تقدّم. وفى الرهونى على شرح عبد الباقى نصّ ابن يونس قال النخعى الأذان والتكبير كل ذلك جزم قال وعوامّ الناس يضمون الراء من الله أكبر والصواب جزمها لأن الأذان سمع موقوفا ومن أعرب الله أكبر لزمه أن يعرب الصلاة والفلاح بالخفض اهـ (وقال) ابن حجر الهيتمى الشافعى يسنّ الوقف على أواخر الكلمات من الأذان لأنه روى موقوفا اهـ (قال) محشيه موهبة ذى فضل "قوله يسنّ الوقف على أواخر الكلمات" أى مطلقا سواء التكبير وغيره "وقوله روى موقوفا" أى ورد موقوفا على أواخر الكلمات ومبنى العبادات على الاتباع اهـ (وقال) الكردى وعبارة الإمداد تسكين راء التكبيرة التانية وكذا الأولى اهـ (وقال) في البداية للحنفية ويترسل في الأذان (قال) ابن الهمام هو "أى الترسل" أن يفصل بين كل كلمتين من كلمتى الأذان بسكتة اهـ (وقال) في البحر الرائق ويترسل فيه ويحدر فيها أى يتمهل في الأذان ويسرع في الإقامة. وحدّه أن يفصل بين كل كلمتي الأذان بسكتة بخلاف الإقامة للتوارث ولحديث الترمذى أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لبلال إذا أذنت فترسل في أذانك وإذا أقمت فاحدر فكان سنة فيكره تركه اهـ (وقال) ابن عابدين رأيت لسيدى عبد الغنى رسالة في هذه المسألة سماها تصديق من أخبر بفتح راء الله أكبر أكثر فيها النقل وحاصلها أن السنة أن يسكن الراء من الله أكبر الأولى أو يصلها بالله أكبر الثانية فإن سكنها كفى وإن وصلها نوى السكون فحرّك الراء بالفتحة فإن ضمها خالف السنة لأن طلب الوقف على أكبر الأول صيره كالساكن أصالة فحرّك بالفتح اهـ (وقال) في الإقناع وشرحه للحنابلة ولا يعربهما "أى الأذان والإقامة" بل يقف على كل جملة منهما اهـ فقد علمت من هذا كله أن المذاهب الأربعة

على اختيار الوقف في جمل الأذان كلها من غير فرق بين التكبير الأول وغيره "فما يفعله" غالب المؤذنين من جمع التكبيرتين في نفس من غير سكتة بينهما المرتب عليه تحريك راء التكبيرة الأولى "في غير محله" (قوله لا حول ولا قوّة إلا بالله) أى لا حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله. وقيل لا حول في دفع الشرّ ولا قوّة على تحصيل الخير إلا بالله. وقيل لا تحوّل عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوّة على طاعة الله. إلا بمعونة الله (والحديث صريح) في أن من سمع المؤذن يقول مثل ما يقول إلا في الحيعلتين فيبدلهما بلا حول ولا قوة إلا بالله فهو مخصص للروايات التي ذكر فيها الحيعلتين كما تقدم. وما رواه الحاكم عن أبي أمامة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُعن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا نادى المنادى فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء فمن نزل به كرب أو شدّة فليتحين المنادى فإذا كبر كبر وإذا تشهد تشهد وإذا قال حيّ على الصلاة قال حيّ على الصلاة وإذا قال حيّ على الفلاح قال حيّ على الفلاح "الحديث" قال المنذرى هو من رواية عفير بن معدان وهو واه اهـ أى فيكون ضعيفا فلا يعارض حديث الباب. وعلى تقدير صحته فلا يعارض أيضا لما تقدم من أنه يصح الإتيان بالحيعلتين تارة وبالحوقلتين أخرى ويصح الجمع بينهما (والحكمة) في إبدال الحعلتين بالحوقلتين أن الأذكار الزائدة على الحيعلة يشترك السامع والمؤذن قى ثوابها. أما الحيعلة فالمقصود منها الدعاء إلى الصلاة وذلك يكون من المؤذن فقط فعوّض السامع عما يفوته من ثواب الحيعلة بثواب الحوقلة (قوله من قلبه) أى من قال عقب قول المؤذن ما ذكر خالصا من قلبه فهو راجع إلى الجميع على الظاهر ويحتمل أنه راجع إلى كلمة التوحيد (قوله دخل الجنة) أى يدخل ووضع الماضى موضع المستقبل لتحقق حصول الموعود به. والمراد أنه يدخل مع السابقين وإلا فكل مؤمن لا بدّ له من دخولها حيث مات على الإيمان وإن سبقه عذاب. واستحق دخول الجنة بما ذكر لأنه توحيد وثناء على الله وانقياد لطاعته وتفويض إليه في الحول والقوّة فمن حصل هذا فقد حاز حقيقة الإيمان وكمال الإسلام فإن هذه العبادة من أعظم شعائر الإسلام وأشهر معالمه. ووقعت المواظبة عليها منذ شرعها الله تعالى إلى أن توفي النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ليل ونهار وحضر وسفر ولم يسمع بأنه وقع الإخلال بها أو الترخيص في تركها وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأمر أمراء الجند في الغزو أنهم أذا سمعوا الأذان من قوم كفوا عن قتالهم وإن لم يسمعوه قاتلوهم. وناهيك بهذا حيث جعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علامة للإسلام ودلالة للتمسك به والدخول فيه (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يطلب من السامع أن يجيب المؤذن في الأذان، وعلى أنه يقول كل كلمة عقب فراغ المؤذن منها، وعلى أن السامع يبدل الحيعلتين بالحوقلتين، وعلى أن حكاية الأذان فيها فضل عظيم حيث رتب عليها دخول الجنة، وعلى أن الأعمال لا بدّ فيها من الإخلاص

باب ما يقول إذا سمع الإقامة

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والبيهقى والنسائى والطحاوى في شرح معاني الآثار وأخرج البخارى نحوه من طريق عيسى بن طلحة قال دخلنا على معاوية فنادى مناد بالصلاة فقال الله أكبر الله أكبر فقال معاوية الله أكبر الله أكبر فقال أشهد أن لا إله إلا الله فقال معاوية وأنا أشهد أن لا إله إلا الله فقال أشهد أن محمدا رسول الله فقال معاوية وأنا أشهد أن محمدا رسول الله قال يحيى فحدثني صاحب لنا أنه لما قال حيّ على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال هكذا سمعنا نبيكم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول (باب ما يقول إذا سمع الإقامة) هكذا في بعض النسخ بالترجمة لهذا الحديث وهى الأنسب به وكذا في البيهقي، وفي بعضها إسقاط الترجمة وجعل الحديث تحت الترجمة السابقة. ولعله خطأ من النساخ أو أن في الترجمة حذفا والأصل باب ما يقول إذا سمع المؤذن والمقيم أو أراد بالمؤذن ما يشمل المقيم فإنه مؤذن في الجملة (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ، مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَوْ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ بِلَالًا أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ، فَلَمَّا أَنْ قَالَ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا» وَقَالَ: فِي سَائِرِ الْإِقَامَةِ كَنَحْوِ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الْأَذَانِ (ش) (قوله العتكي) بفتح العين المهملة والمثناة الفوقية المخففة نسبة إلى عتيك على وزن أمير فخذ من الأزد (قوله عن أبى أمامة) هو صدىّ بن عجلان الباهلى (قوله أو عن بعض أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) شك من الراوى (قوله أخذ في الإقامة فلما أن قال الخ) أى شرع بلال فيها فحين قال قد قامت الصلاة قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقامها الله وأدامها أى أثبت الله الصلاة وأظهرها وأدام فعلها وقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حكاية بقية ألفاظ الإقامة نحو ما في حديث عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ المتقدم في حكاية السامع الأذان فكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول مثل قول المقيم إلا في الحيعلتين فكان يبدلهما بالحوقلتين (وهو صريح) في أن الإقامة تحكى كما يحكى الأذان وإلى ذلك ذهبت الشافعية والحنابلة (وذهبت) المالكية إلى عدم حكايتها. لكن الحديث يردّ عليهم وهو وإن كان ضعيفا لأن فيه محمد بن ثابت وهو ضعيف وشهر بن حوشب وهو مختلف في

أقوال العلماء في ذلك

عدالته لكن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال باتفاق العلماء (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى وقال قال الشيخ وهذا إن صح شاهد لما استحسنه الشافعى رحمه الله تعالى من قولهم اللهم أقمها وأدمها واجعلنا من صالحى أهلها عملا وبعض هذه اللفظة "فيما أخبرنا" أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبى عمرو قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا يحيى بن أبى طالب ثنا عبد الوهاب بن عطاء أنا شعبة عن عاصم الأحول عن أبي عيسى الأسوارى قال كان ابن عمر إذا سمع الأذان قال اللهم رب هذه الدعوة المستجابة المستجاب لها دعوة الحق وكلمة التقوى توفني عليها وأحينى عليها واجعلنى من صالحى أهلها عملا يوم القيامة (باب في الدعاء عند الأذان) وفى نسخة باب الدعاء عند الأذان (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، ثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ: حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، إِلَّا حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (ش) (قوله من قال حين يسمع النداء) ظاهره أنه يقول هذا الدعاء حال الأذان. ويحتمل أن يكون المراد من النداء تمامه إذ المطلق يحمل على الكامل منه وهو الأولى لما تقدم في حديث عمرو بن العاصى من قوله فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليّ الخ فإنه يدلّ على أن الدعاء يكون عقب الفراغ من الأذان (قوله اللهمّ ربّ هذه الدعوة التامة) بفتح الدال المهملة في الأصل الطلب والمراد بها هنا الأذان لأنه دعاء إلى عبادة الله تعالى. والمراد بالرب الصاحب ويطلق أيضا على المالك والسيد والمدبر والمنعم. ووصفت بالتمام لما فيها من الثناء على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والدعاء إلى طاعته ونفى الشريك ولأنها لا يدخلها تغيير ولا تبديل بل هي باقية إلى يوم النشور ولذلك يهرب الشيطان عند سماعها دون غيرها من بقية العبادات (قوله والصلاة القائمة) أى الدائمة التى لا تغيرها ملة ولا تنسخها شريعة فإنها قائمة مادامت السماوات والأرض وأل في الصلاة للعهد والمعهود الصلاة المدعو لها (قوله آت محمدا الخ) أى أعطه الوسيلة والمراد بها هنا أعلى منزلة في الجنة. والفضيلة خلاف النقيصة والنقص والمراد هنا المرتبة الزائدة

على سائر الخلق فهى مرادفة للوسيلة. ويحتمل أن تكون منزلة أخرى. وزاد بعضهم في هذا الحديث بعد قوله والفضيلة قوله والدرجة الرفيعة (قال السخاوى) في المقاصد الحسنة لم أره في شيء من الروايات. وكأن من زادها اغترّ بما في بعض نسخ الشفاء في الحديث لكن مع زيادتها في هذه النسخة علم عليها كاتبها بما يشير إلى ما فيها ولم أرها في سائر نسخ الشفاء بل عقد لها في الشفاء فصلا في معان أخر ولم يذكر فيه حديثا صريحا وهو دليل لغلطها (وقال) الدميرى وقع في الروضة والمحرّر بعد والفضيلة زيادة والدرجة الرفيعة ولا وجود لها في كتب الحديث اهـ (قوله وابعثه مقاما محمودا الخ) أى ابعثه يوم القيامة فأقمه في مقام محمود. فمقاما منصوب على الظرفية بفعل محذوف أو منصوب بابعثه على تضمينها معنى أقمه والمراد أوصله إلى مقام يحمده فيه الأولون والآخرون كما وعدته في كتابك بقولك "عسى أن يبعثك ربك مقاما حمودا" وأطلق عليه الوعد لأن عسى من الله للتحقق (والحكمة) في سؤال ذلك للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مع كونه واجب الوقوع له بوعد الله تعالى إظهار شرفه وعظم منزلته وتلذّذ بحصول مرتبته ورجاء لشفاعته. والأكثر على أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة في فصل القضاء قال ابن حجر الهيتمى وهو متفق عليه في الأذان أما المقام المحمود في الآية ففيه أقوال أشهرها ما ذكر (قوله إلا حلت له الشفاعة) كذا في رواية الترمذى والنسائى أيضا بإثبات إلا للتأكيد ورواية البخارى بدونها ومع إلا تكون من في قوله من قال استفهامية للإنكار بمعنى النفي وقال بمعنى يقول أى ما من أحد يقول ذلك إلا حلت أى وجبت له الشفاعة ومثله قوله تعالى "من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان" والمعنى أن من قال هذه الكلمات عقب الأذان وجبت له شفاعة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واستحقها. وهى تختلف باختلاف المقامات. والشفاعة طلب التجاوز عن الذنوب وطلب الخير من الغير للغير (وقد جاءت أدعية) أخرى عقب الأذان غير ما ذكر (منها) ما رواه أحمد والطبرانى في الأوسط عن جابر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من قال حين ينادى المنادى اللهم رب هذه الدعوة القائمة والصلاة النافعة صلّ على محمد وارض عنى رضا لا سخط بعده استجاب الله دعوته وفى إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف (ومنها) ما رواه الحاكم عن أبى أمامة مرفوعا كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا سمع المؤذن قال اللهم رب هذه الدعوة المستجابة المستجاب لها دعوة الحق وكلمة التقوى توفنى عليها وأحينى عليها واجعلنى من صالحى أهلها عملا يوم القيامة (ومنها) ما رواه الطبرانى في الكبير والأوسط عن أبى الدرداء أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقول إذا سمع المؤذن اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صلّ على محمد وأعطه سؤله يوم القيامة وقال من قال مثل ذلك إذا سمع المؤذن وجبت له شفاعة محمد صلى الله تعالى

باب ما يقول عند أذان المغرب

عليه وعلى آله وسلم يوم القيامة وفي إسناده صدقة بن عبد الله السمين (ومنها) ما رواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من سمع النداء فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله اللهم صلّ على محمد وبلغه درجة الوسيلة عندك واجعلنا في شفاعته يوم القيامة وجبت له الشفاعة. وفيه إسحاق بن عبد الله بن كيسان لين الحديث (فقه الحديث) دلّ الحديث على الترغيب في الدعاء عقب الأذان به بالكلمات المذكورة وعلى أن الدعاء بها جالب للخير الكثير واستحقاق الشفاعة، وفيه البشرى بحسن الخاتمة للداعي بها، وعلى مشروعية دعاء المفضول للفاضل ليحصل للمفضول النفع الكثير (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى والنسائى وابن ماجه والطبرانى والبيهقي وابن حبان وابن خزيمة والطحاوى والترمذى وقال حديث جابر صحيح حسن غريب من حديث محمد ابن المنكدر لا نعلم أحدا رواه غير شعيب بن أبي حمزة اهـ (فائدة) لم يذكر المصنف ما يقال عقب الإقامة من الأدعية ولكن قال النووى في الأذكار روينا في كتاب ابن السني عن أبى هريرة أنه كان إذا سمع المؤذن يقيم يقول اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صلّ على محمد وآته سؤله يوم القيامة اهـ وهو وإن كان موقوفا على أبى هريرة يعمل به فإن مثله لا يقال من قبل الرأى (باب ما يقول عند أذان المغرب) (ص) حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِهَابٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ، ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ، ثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُولَ عِنْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ: «اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا إِقْبَالُ لَيْلِكَ، وَإِدْبَارُ نَهَارِكَ، وَأَصْوَاتُ دُعَاتِكَ، فَاغْفِرْ لِي» (ش) (رجال الحديث) (قوله مؤمل) بوزن محمد (بن إهاب) بكسر أوله ويقال يهاب بن عبد العزيز بن قفل أبو عبد الرحمن الربعى الكوفى نزل الرملة. روى عن أبى داود الطيالسي ويزيد ابن هارون وحمزة بن ربيعة والنضر بن محمد وعبد الله بن الوليد وآخرين. وعنه أبو بكر بن أبي الدنيا وأبو داود والنسائى وأبو حاتم وأبو يعلى وكثيرون. قال أبو داود كتبت عنه وقال أبو حاتم صدوق وقال النسائى لا بأس به وقال مسلمة بن قاسم ثقة صدوق وضعفه ابن معين. توفي بالرملة سنة أربع

وخمسين ومائتين (قوله عبد الله بن الوليد) بن ميمون بن عبد الله الأموى مولاهم أبو محمد المكي. روى عن الثورى والقاسم بن معن ومصعب بن ثابت. وعنه مؤمل بن إهاب وأحمد ابن حنبل وسعيد بن عبد الرحمن وزهير بن سالم ويعقوب بن حميد. ضعفه ابن معين وقال الأزدى يهم في أحاديث وهو عندى وسط وقال أبو زرعة صدوق وقال العقيلي ثقة معروف وقال الدارقطني ثقة مأمون وقال ابن حبان في الثقات مستقيم الحديث. روى له أبو داود والترمذى والنسائى والبخارى في التاريخ. و (العدني) نسبة إلى عدن بفتح العين والدال المهملتين بلدة علي ساحل بحر الهند من ناحية اليمن سميت بعدن بن سنان (قوله القاسم بن معن) بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن مسعود المسعودى أبو عبد الله الكوفى. روى عن عاصم الأحول ومنصور ابن المعتمر وهشام بن عروة والأعمش وابن جريج. وعنه على بن نصر وأبو غسان النهدى وأبو نعيم وابن مهدى وغيرهم. قال ابن معين كان رجلا نبيلا وقال أحمد ثقة وكان أروى الناس للحديث والشعر وأعلمهم بالعربية والفقه وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة خمس وسبعين ومائة. و (المسعودى) هو عبد الرحمن بن عبد الله (قوله عن أبى كثير مولى أم سلمة) روى عن أم سلمة. وعنه المسعودى وابنته حفصة. قال في التقريب مقبول وقال الترمذى لا يعرف روى له أبو داود والترمذى، و (أم سلمة) هى هند بنت أبى أمامة أم المؤمنين رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا (معنى الحديث) (قوله عند أذان المغرب) ظاهره أنه يكون عند الشروع في الأذان ويحتمل أن يكون بعد الفراغ منه كبقية الأدعية (قوله اللهم إن هذا إقبال ليلك الخ) أى أوان إقبال ليلك وأوان إدبار نهارك وأصوات المؤذنين في الآفاق لأداء عبادتك فدعاة جمع داع كقضاة جمع قاض. والإشارة إلى مبهم في الذهن مفسر بالخبر أو أنه إشارة إلى الأذان وهو الظاهر لقوله وأصوات دعاتك. وأضاف هذه الأشياء الثلاثة إلى الله تعالى وإن كانت جميع الأشياء له لإظهار فضلها لأن المضاف يكتسب الفضل من المضاف إليه كما في قوله تعالى "ناقة الله" (قوله فاغفر لى) رتب على ما قبله بالفاء لأنه كالوسيلة له لاشتماله على ذكر اسم الله والدعوة إلى طاعته لطلب الغفران وللتنبيه على صدور فرطات من القائل في نهاره السابق (قال القارى) ولعلّ وجه تخصيص المغرب بهذا الدعاء أنه بين طرفى النهار والليل وهو يقتضى طلب المغفرة اللاحقة والسابقة. ويمكن أن يؤخذ بالمقايسة عليه ويقال عند أذان الصبح أيضا لكن بلفظ اللهم إن هذا إدبار ليلك وإقبال نهارك اهـ واعترضه ابن حجر بأن هذه أمور توقيفية فلا يجوز فيها القياس (فقه الحديث) دلّ الحديث على الحثّ على الدعاء بهذه الكلمات عند أذان المغرب لأنه آخر النهار وأول وقت الليل اللذين هما آيتان من آيات الله عزّ وجلّ الدالة على وحدانيته وهو

باب أخذ الأجر على التأذين

يقتضى طلب المغفرة السابقة واللاحقة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي في الدعوات والترمذى وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه (باب أخذ الأجر على التأذين) أهو جائز أم لا (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، أَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: قُلْتُ: وَقَالَ مُوسَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْنِي إِمَامَ قَوْمِي، قَالَ: «أَنْتَ إِمَامُهُمْ وَاقْتَدِ بِأَضْعَفِهِمْ وَاتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا» (ش) (قوله حماد) بن سلمة. و (سعيد الجريرى) هو ابن إياس. و (أبو العلاء) هو يزيد ابن عبد الله (قوله قال قلت وقال موسى في موضع آخر الخ) أشار به إلى أنه اختلف لفظه في رواية الحديث بسنده إلى عثمان فمرّة نقل كلام عثمان بلفظه فقال قلت يا رسول الله ومرّة حكى قوله وجعله غائبا وقال أن عثمان قال يا رسول الله اجعلني إمام قومى أى كبيرا عليهم وقدوة لهم وقومه هم أهل الطائف لأنه لما أسلم في وفد ثقيف استعمله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الطائف وأقرّه أبو بكر ثم عمر. ولعله رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ طلب ذلك من النبى صلى الله عليه وآله وسلم لعلمه بأن في توليته صلاح القوم ولهذا لما توفي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأراد القوم الردّة منعهم وخطب فيهم فقال كنتم آخر الناس إسلاما فلا تكونوا أولهم ارتدادا "ولا يقال" إن هذا من باب طلب الرياسة وهو غير جائز "لأن ذلك" محمول على طلب الرياسة في أمور الدنيا (قوله أنت إمامهم) أى جعلتك إماما لهم. وعدل إلى الجملة الاسمية للدلالة على الثبوت فكأن إمامته حاصلة وهو صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخبر عنها (قوله واقتد بأضعفهم) المراد راع حال الضعيف منهم في تخفيف الصلاة من غير ترك شيء من الأركان والقراءة والتسبيحات حتى لا يملّ القوم. وعبر عن المراعاة بالاقتداء مشاكلة لاقتدائهم به فكأنه قال كما أن الضعيف يقتدى بصلاتك فاقتد أنت أيضا بضعفه واسلك سبيل التخفيف. وقيل لا تشرع في الانتقالات حتى يبلغك أضعف القوم ولا تطل حتى تثقل عليه (قوله واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا) لأن ذلك أقرب إلى الإخلاص (وظاهره يدلّ) على منع أخذ الأجرة على الأذان. وللعلماء

في ذلك خلاف وتفاصيل. فذهب إلى التحريم الهادى والقاسم والناصر وأبو حنيفة إن كان الأجر مشروطا. مستدلين بحديث الباب وبما رواه ابن حبان عن يحيى البكالى قال سمعت رجلا قال لابن عمر إني لأحبك في الله فقال له ابن عمر إني لأبغضك في الله فقال سبحان الله أحبك في الله وتبغضنى في الله قال نعم إنك تسأل على أذانك أجرا. وبما روى عن ابن مسعود أنه قال أربع لا يؤخذ عليهن أجر الأذان وقراءة القرآن والمقاسم والقضاء ذكره ابن سيد الناس في شرح الترمذى وروى ابن أبي شيبة عن الضحاك أنه كره أن يأخذ المؤذن على أذانه جعلا ويقول إن أعطى بغير مسألة فلا بأس. ولأن الاستئجار على الأذان وكذا الإقامة سبب في تنفير الناس عن الصلاة في الجماعة لأن ثقل الأجر يمنعهم من ذلك (وللشافعية فيه أوجه) أصحها يجوز للإمام أن يعطي من مال بيت المال ومن مال نفسه ولآحاد الناس من أهل المحلة ومن غيرهم من مال نفسه "الثانى" لا يجوز الاستئجار لأحد "الثالث" يجوز للإمام دون آحاد الناس (وقال الشافعى) في الأمّ أحب أن يكون المؤذنون متطوّعين وليس للإمام أن يرزقهم وهو يجد من يؤذن متطوّعا ممن له أمانة إلا أن يرزقهم من ماله. ولا أحب أحدا ببلد كثير الأهل يعوزه أن يجد مؤذنا أمينا لازما يؤذن متطوّعا فإن لم يجد فلا بأس أن يرزق مؤذنا ولا يرزقه إلا من خمس الخمس سهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا يجوز أن يرزقه من غيره من الفيء لأن لكله مالكا موصوفا ولا يجوز أن يرزقه من الصدقات شيئا ويجوز للمؤذن أخذ الرزق إذا رزق من حيث وصفت أن يرزق ولا يجوز له أخذه من غيره اهـ (وذهبت الحنابلة) إلى عدم الجواز إن وجد متبرّع به وإلا رزق من بيت المال وقالوا بجواز الجعالة عليه وكذا قال الأوزاعي بالجعالة (وللمالكية فيه قولان) بالمنع والجواز (وقال) ابن العربى الصحيح جواز أخذ الأجرة على الأذان والصلاة والقضاء وجميع الأعمال الدينية فإن الخليفة يأخذ أجرته على هذا كله وفي كل واحد منها يأخذ النائب أجره كما يأخذ المستنيب والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم ما تركت بعد نفقة نسائى ومؤنة عاملى فهو صدقة اهـ فقاس المؤذن على العامل. وهو قياس في مصادمة النصّ "وقد عقد" ابن حبان ترجمة على الرخصة في ذلك وأخرج عن أبى محذورة أنه قال فألقى عليّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الأذان فأذنت ثم أعطانى حين قضيت التأذين صرّة فيها شيء من فضة "قال اليعمرى" ولا دليل فيه لوجهين "الأول" أن قصة أبى محذورة أول ما أسلم لأنه أعطاه حين علمه الأذان وذلك قبل إسلام عثمان بن أبى العاص فحديث عثمان متأخر "الثاني" أنها واقعة يتطرّق إليها الاحتمال. وأقرب الاحتمالات فيها أن يكون من باب التأليف لحداثة عهده بالإسلام كما أعطى حينئذ غيره من المؤلفة قلوبهم. ووقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال سلبها الاستدلال لما يبقى فيها من الإجمال اهـ (واختلفت المالكية)

مذاهب الأئمة في ذلك

في الأحباس الموقوفة على من يؤذن أو يصلى فقيل إنها إجارة وهو الذى فهمه بعضهم من أقوال الموثقين. وقيل إنها إعانة ولا يدخلها الخلاف في الإجارة على الأذان والإمامة (قال ابن عرفة) وهو قول بعض شيوخنا وقال إن أقوال الموثقين في استئجار الناظر في أحباس المساجد من يؤذن ويؤمّ ويقوم بمؤنة المسجد فلعله فيما حبس ليستأجر في غلته لذلك. وأحباس زماننا ليست كذلك وإنما هي عطية لمن قام بتلك المؤنة. وقال بعض شيوخنا لو كانت أحباس المساجد على وجه الإجارة لافتقرت لضرب الأجل اهـ (وقال ابن ناجى) استمرّت الفتوى من كل أشياخى القرويين وغيرهم بجواز أخذ من يصلى أو يؤذن من الأحباس الموقوفة على ذلك من غير اختلاف بينهم لما ذكر من أنها إعانة أو لضرورة الأخذ ولولا ذلك لتعطلت المساجد اهـ (وقال البرزلى) أخذ مرتب الإمامة والتدريس مباح بما يعرف من النص على الاختصاص به من واضعه وهو إعانة على الصحيح لا على معنى الأجر. وقد أجرى السلف أرزاقهم من بيت المال من المؤذنين والعمال وغيرهم ولن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها اهـ أفاده الحطاب (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز طلب الرياسة في الخير، وعلى أنه يتأكد على الإمام أن يرعي حال المصلين خلفه، وعلى أنه ينبغى لكبير القوم أن يتخذ مؤذنا ليجمع الناس للصلاة وعلى أن المؤذن المأمور باتخاذه يطلب أن لا يأخذ على أذانه أجرا وتقدم بيانه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والحاكم وأخرج مسلم منه الطرف الأول والترمذى الطرف الأخير وابن ماجه الطرفين في موضعين وأخرجه البيهقي تحت ترجمة باب التطوّع بالأذان (باب في الأذان قبل دخول الوقت) أيجوز أم لا. وفي نسخة باب ما جاء في الأذان قبل دخول الوقت (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَدَاوُدُ بْنُ شَبِيبٍ الْمَعْنَى قَالَا: ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِعَ فَيُنَادِيَ: «أَلَا إِنَّ الْعَبْدَ، قَدْ نَامَ»، زَادَ مُوسَى: فَرَجَعَ فَنَادَى: أَلَا إِنَّ الْعَبْدَ نَامَ، (ش) (قوله المعنى) أى أن معنى حديثيهما واحد وإن اختلفت ألفاظهما. و (حماد) بن سلمة. و (أيوب) السختياني. و (نافع) مولى ابن عمر (قوله أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر الخ) أى ظنا منه أن الفجر قد طلع. وفي رواية للدارقطنى عن أيوب مرسلة قال أذن بلال مرّة بليل

مذاهب الفقهاء في الأذان قبل الفجر

وفى رواية له عن حميد بن هلال أن بلالا أذن ليلة بسواد فأمره النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يرجع. وفي رواية للدارقطني أن يرجع الى مقامه. ولعلّ هذا كان أول زمان الهجرة فإن بلالا كان في آخر أيامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يؤذن بليل ثم يؤذن بعده ابن أم مكتوم مع الفجر ويأتى للمصنف عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه قال إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم (قوله ألا إن العبد قد نام) وفي رواية للدارقطنى ألا إن العبد قد نام ثلاث مرّات أى غلب النوم على عينيه فمنعه من تبين الفجر. وأمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يعلم الناس بذلك لئلا ينزعجوا من نومهم وسكونهم (قوله زاد موسى الخ) أى زاد موسى بن إسماعيل في روايته فرجع فنادى ألا إن العبد نام. وفى رواية للدارقطنى فرجع وهو يقول ليت بلالا لم تلده أمه وابتلّ من نضح دم جبينه (والحديث يدلّ) على عدم جواز الأذان قبل الفجر وإلى ذلك ذهب الثورى وأبو حنيفة ومحمد والهادى والناصر والقاسم وزيد بن عليّ. مستدلين بحديث الباب وبما سيأتى للمصنف من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لبلال لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر. وبقياسه على سائر الصلوات (وذهب الجمهور) إلى جواز تقديم الأذان قبل الفجر مطلقا في رمضان وغيره خلافا لابن القطان فإنه خصه برمضان. واستدلوا بما رواه الشيخان والمصنف وغيرهم عن ابن عمر وعائشة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم زاد البخارى فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر، وبما رواه الشيخان والمصنف عن ابن مسعود أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو قال ينادى بليل ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم. واستدلوا أيضا بما أخرجه البيهقي من طريق أحمد بن حنبل قال حدثنا شعيب بن حرب قال قلت لمالك بن أنس أليس قد أمر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بلالا أن يعيد الأذان فقال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا قلت أليس قد أمره أن يعيد الأذان قال لا لم يزل الأذان عندنا بليل (وأجابوا) عن حديث الباب بأنه ضعيف ضعفه المصنف كما سيأتي وقال أحمد أسند حماد بن سلمة عن أيوب أحاديث لا يسندها الناس عنه. وقال البيهقي فيه أحد أئمة المسلمين إلا أنه لما كبر سنه ساء حفظه فلذا تركه البخارى. وقال ابن المديني حديث حماد ابن سلمة غير محفوظ وأخطأ فيه حماد بن سلمة وقد صرّح بأنه موقوف أكابر الأئمة كأحمد والبخارى والذهلى وأبى داود وأبى حاتم والدارقطني والأثرم والترمذى وجزموا بأن حمادا أخطأ في رفعه وأن الصواب وقفه (وأجابوا) عن حديث بلال لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر بأنه لا ينتهض لمعارضة ما في الصحيحين لأن فيه انقطاعا وفيه سدّاد بن عياض وهو مجهول. وعلى تقدير صحة هذين

الحديثين فيحملان على أن ذلك كان قبل مشروعية الأذان الأول فإن بلالا كان المؤذن الأول الذى أمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عبد الله بن زيد أن يعلمه الأذان ثم اتخذ ابن أم مكتوم بعد مؤذنا معه فكان بلال يؤذن أولا لإرجاع القائم وإيقاظ النائم فإذا طلع الفجر أذن ابن أم مكتوم (قال مالك) لم تزل صلاة الصبح ينادى لها قبل الفجر "يعني في أول السدس الأخير من الليل" فأما غيرها من الصلوات فإنا لم نرها ينادى لها إلا بعد أن يحلّ وقتها (قال الزرقاني) قال الكرخى من الحنفية كان أبو بوسف يقول بقول أبى حنيفة لا يؤذن لها حتى أتى المدينة فرجع إلى قول مالك وعلم أنه عملهم المتصل اهـ (واختلف القائلون) بجواز الأذان قبل الفجر في الوقت الذى يكون فيه (فقيل وقت السحر) ورجحه جماعة من أصحاب الشافعى. وهو ظاهر مذهب المالكية. وقيل نصف الليل الأخير ورجحه النووى. وقيل يكون في السبع الأخير في الشتاء وفي نصف السبع في الصيف وبه قال الجوينى. وقيل وقته الليل جميعه ذكره صاحب العمدة. وكأن دليله إطلاق قوله في الحديث إن بلالا يؤذن بليل. وقيل بعد آخر اختيارىّ العشاء. والظاهر أنه يكون وقت السحر ويؤيده ما رواه النسائى والطحاوى من حديث عائشة أنه لم يكن بين أذان بلال وابن أم مكتوم إلا أن يرقى هذا وينزل هذا وكانا يؤذنان في بيت مرتفع (وهل يكتفى) بالأذان قبل الفجر للصلاة أم يعاد بعده فذهبت الشافعية والحنابلة إلى أنه يكتفي به للصلاة. وعند المالكية قولان أرجحهما عدم الاكتفاء (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَيُّوبَ، إِلَّا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ». (ش) أى لم يرو هذا الحديث مرفوعا عن أيوب السختياني إلا حماد بن سلمة. وغرض المصنف بهذا الإشارة إلى ضعف الحديث (قال في الفتح) قد وجد لحماد متابع في روايته فقد أخرجه البيهقي والدارقطني من طريق سعيد بن زربيّ عن أيوب موصولا. وسعيد ضعيف. ورواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب أيضا ولم يذكر نافعا ولا ابن عمر. وله طريق أخرى عن نافع عند الدارقطني اختلف في رفعها ووقفها. وأخرى مرسلة من طريق يونس بن عبيد عن حميد بن هلال. وأخرى من طريق سعيد عن قتادة مرسلة وهذه طرق يقوى بعضها بعضا اهـ لكن قد علمت أنه على تقدير رفعه وصحته محمول على أن ذلك كان قبل مشروعية الأذان الأوّل (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه ينبغى للمؤذن أن يتحرّى الوقت، وعلى أنه يجوز عليه الخطأ مهما اجتهد، وعلى أنه إن تحرّى وظهر له الخطأ يطلب منه أن يعلم الناس به، وعلى أن الإنسان يطلب منه أن يطيع كبيره ولا سيما في أمور الدين، وعلى أنه لا يجوز الأذان للصبح قبل دخول وقتها. وقد علمت ما فيه

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الترمذى والطحاوى في شرح معاني الآثار والدارقطني من عدّة طرق مرفوعا وموقوفا وأخرجه البيهقي (ص) حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، أَنَا نَافِعٌ عَنْ مُؤَذِّنٍ لِعُمَرَ يُقَالُ لَهُ مَسْرُوحٌ أَذَّنَ قَبْلَ الصُّبْحِ فَأَمَرَهُ عُمَرُ فَذَكَرَ نَحْوَهُ. (ش) (رجال الأثر) (قوله أيوب بن منصور) الكوفى. روى عن شعيب بن حرب وعلي بن مسهر. وعنه أبو داود وأبو قلابة. قال العقيلى في حديثه وهم اهـ (قال) الحافظ إنما هو حديث واحد أخطأ في إسناده رواه عن علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة والصواب عن مسعر عن قتادة عن زرارة عن أبى هريرة ومتنه تجاوز لأمتي ما حدّثت به أنفسها اهـ و (شعيب بن حرب) المدائني أبو صالح البغدادى نزيل مكة. روى عن حريز بن عثمان وعكرمة بن عمار وصخر بن جويرة والثورى وشعبة وجماعة. وعنه أحمد بن حنبل وأحمد بن خالد الخلال ويعقوب بن إبراهيم الدورقى وآخرون. قال ابن معين وأبو حاتم ثقة مأمون ووثقه العجلى والنسائى والدارقطني والحاكم وابن حبان وقال كان من خيار عباد الله. مات سنة اثنتين وتسعين ومائة. روى له البخارى وأبو داود والنسائى. و (عبد العزيز بن أبي روّاد) بفتح الراء وتشديد الواو ميمون وقيل أيمن المكي مولى المهلب بن أبى صفرة. روى عن نافع وعكرمة والضحاك وسالم بن عبد الله وآخرين. وعنه ابنه عبد الله والثورى وأبو عاصم وابن مهدى وغيرهم. قال ابن عدى في بعض أحاديثه ما لا يتابع عليه وقال أبو حاتم صدوق في الحديث متعبد ووثقه ابن معين والعجلى وقال ابن سعد له أحاديث وكان مرجئا معروفا بالورع والصلاح والعبادة وقال على بن الجنيد كان ضعيفا وأحاديثه منكرات وقال الساجى صدوق يرى الإرجاء وقال أحمد كان رجلا صالحا وكان مرجئا وليس هو في التثبت مثل غيره وقال النسائى ليس به بأس. مات سنة تسع وخمسين ومائة. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه والبخارى في التاريخ. و (مسروح) هو ابن سبرة النهشلى مولى عمر ومؤذنه. روى عن مولاه. وعنه نافع. قال الحافظ قرأت بخطّ الذهبي فيه جهالة وذكره ابن حبان في الثقات (معنى الأثر) (قوله فذكر نحوه) أى ذكر شعيب بن حرب عن عبد العزيز نحو حديث حماد عن أيوب. ولفظه كما في الترمذى فأمره عمر أن يعيد الأذان. وهذه الرواية أخرجها الدارقطني والترمذى وأخرجها البيهقي موقوفة وأخرجها أيضا من طريق محمد بن بكر بن خالد النيسابورى نا إبراهيم بن عبد العزيز بن أبى محذورة عن عبد العزيز بن أبي روّاد عن نافع عن ابن عمر أن بلالا أذن بليل فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما حملك على ذلك قال

استيقظت وأنا وسنان فظننت أن الفجر قد طلع فأذنت فأمره النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن ينادى في المدينة ثلاثا إن العبد رقد ثم أقعده إلى جنبه حتى طلع الفجر ثم قال قم الآن ثم ركع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ركعتي الفجر. ورواه أيضا عامر بن مدرك عن عبد العزيز موصولا مختصرا وهو وهم والصواب رواية شعيب بن حرب "وقال" أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه قال سمعت أبا بكر المطرّز يقول سمعت محمد بن يحيى يقول حديث حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر شاذ غير واقع على القلب وهو خلاف ما رواه الناس عن ابن عمر "قال الشيخ" وقد رواه معمر بن راشد عن أيوب قال أذن بلال مرّة بليل فذكره مرسلا وروى عن عبد العزيز بن أبى روّاد عن نافع موصولا وهو ضعيف لا يصح اهـ (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَدْ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ مُؤَذِّنًا لِعُمَرَ، يُقَالُ لَهُ: مَسْرُوحٌ (ش) مقصود المصنف بهذا وما بعده تقويه رواية عبد العزيز بن أبي روّاد بأن عبيد الله ابن عمر قد تابع عبد العزيز على أن الآمر في هذه الواقعة هو عمر بن الخطاب لمؤذنه لا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لبلال. واختلاف اسم المؤذن فيها بأنه مسروح أو مسعود لا يقدح في المقصود فيها. واختلف في اسمه لاحتمال تعدّده أو أنه متحد واختلفت الرواة في اسمه (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ لِعُمَرَ مُؤَذِّنٌ، يُقَالُ: لَهُ مَسْعُودٌ وَذَكَرَ نَحْوَهُ وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ ذَاكَ (ش) هذه متابعة أقوى مما قبلها لأنها عن نافع عن ابن عمر فهو متصل بخلاف ما قبلها فإنها منقطعة (قوله وهذا أصحّ من ذاك) أى أن حديث نافع عن مؤذن لعمر الذى رواه عبد العزيز بن أبى روّاد وعبيد الله بن عمر عن نافع أصحّ من حديث أيوب عن نافع فإن حماد بن سلمة وهم في روايته عن أيوب وقد اتفق الحفاظ على خطأ حماد بن سلمة في رفع هذه الرواية كما تقدّم وهو الصحيح والصواب وأفعل التفضيل في قوله أصحّ على غير بابه والمراد أنه صحيح لأن حديث حماد بن سلمة ليس بصحيح قال الترمذى في جامعه حديث حماد بن سلمة غير محفوظ والصحيح ما روى عبيد الله ابن عمر وغيره عن نافع عن ابن عمر أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم. وروى عبد العزيز بن أبى روّاد عن نافع

أن مؤذنا لعمر أذن بليل فأمره عمر أن يعيد الأذان. وهذا لا يصح لأنه عن نافع عن عمر منقطع ولعلّ حماد بن سلمة أراد هذا الحديث. والصحيح رواية عبيد الله بن عمر وغير واحد عن نافع عن ابن عمر والزهرى عن سالم عن ابن عمر أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن بلالا يؤذن بليل. ولو كان حديث حماد صحيحا لم يكن لهذا الحديث معنى يعنى قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن بلالا يؤذن بليل فإنما أمرهم فيما يستقبل فقال إن بلالا يؤذن بليل ولو أنه أمره بإعادة الأذان حين أذن قبل طلوع الفجر لم يقل إن بلالا يؤذن بليل (قال على) ابن المديني حديث حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غير محفوظ وأخطأ فيه حماد بن سلمة اهـ (ص) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، عَنْ شَدَّادٍ مَوْلَى عِيَاضِ ابْنِ عَامِرٍ، عَنْ بِلَالٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكَ الْفَجْرُ هَكَذَا» وَمَدَّ يَدَيْهِ عَرْضًا، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «شَدَّادٌ مَوْلَى عِيَاضٍ لَمْ يُدْرِكْ بِلَالًا» (ش) (رجال الحديث) (قوله وكيع) بن الجرّاح. و (جعفر بن برقان) بضم الموحدة وسكون الراء الجزرى أبو عبد الله الكلابى مولاهم الرّقى قدم الكوفة. روى عن عكرمة مولى ابن عباس والزهرى وميمون بن مهران وعطاء ونافع مولى ابن عمر وآخرين. وعنه السفيانان ووكيع وعيسى بن يونس ومعمر بن راشد وأبو نعيم وجماعة. قال ابن معين كان أميا لا يقرأ ولا يكتب وكان ثقة صدوقا وقال ابن سعد كان ثقة صدوقا له رواية وفقه وفتوى في دهره وكان كثير الخطأ في حديثه وقال النسائى وأحمد ليس بالقوى في الزهرى ولا بأس به في غيره وضعفه غير واحد في الزهرى وقال الساجى عنده مناكير. مات بالرّقة قيل سنة أربع وخمسين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والبخارى في التاريخ والترمذى والنسائى وابن ماجه و (شداد مولى عياض بن عامر) بن الأسلع العامرى. روى عن أبي هريرة ووابصة بن معبد وعنه جعفر بن برقان. ذكره ابن حبان في الثقات وقال الذهبي لا يعرف وقال ابن القطان مجهول لا يعرف بغير رواية جعفر بن برقان (معنى الحديث) (قوله حتى يستبين لك الفجر الخ) أى يظهر لك الفجر وهو ضوء الصباح المستطير يبدو ساطعا يملأ الأفق بياضه وهو الفجر الصادق وبه يدخل النهار ويحرم على الصائم

باب الأذان للأعمى

الطعام والشراب بخلاف الكاذب فإنه يبدو مستطيلا كذنب السرحان (وهذا الحديث) يدلّ أنه لا يجوز الأذان قبل الفجر. لكنه ضعيف لأن فيه جعفر بن برقان وفيه مقال ولأن فيه انقطاعا كما أشار إليه المصنف بقوله شدّاد مولى عياض لم يدرك بلالا وكذا أعله البيهقي لانقطاع وأيضا شدّاد فيه جهالة كما تقدم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى من طريق محمد بن يوسف الفريابى قال حدثنا سفيان عن جعفر بن برقان عن شدّاد مولى عياض قال جاء بلال إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو يتسحر فقال لا تؤذن حتى ترى الفجر ثم جاءه من الغد فقال لا تؤذن حتى يطلع الفجر ثم جاءه من الغد فقال لا تؤذن حتى ترى الفجر هكذا وجمع بين يديه ثم فرّق بينهما وهذا مرسل "وأخبرنا" بذلك أبو على الروذبارى ثنا أبو بكر بن داسة عن أبى داود "قال الشيخ" وقد روى من أوجه أخر كلها ضعيفة. وإنما يعرف مرسلا من حديث حميد بن هلال وغيره اهـ (باب الأذان للأعمى) وفي بعض النسخ إسقاط هذه الترجمة ولعله خطأ من النساخ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، كَانَ مُؤَذِّنًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَهُوَ أَعْمَى» (ش) (رجال الحديث) (قوله يحيى بن عبد الله الخ) القرشى المدني. روى عن عبيد الله ابن عمر ويزيد بن عبد الله وعبد الرحمن بن الحارث وهشام بن عروة وجماعة. وعنه الليث بن سعد وعبد الله بن وهب وعبد الله بن صالح وغيرهم. وثقه ابن حبان والدارقطني وقال النسائى مستقيم الحديث وقال ابن معين صدوق ضعيف الحديث. روى له مسلم وأبو داود والنسائى و (سعيد بن عبد الرحمن) بن عبد الله بن جميل القرشى الجمحى أبى عبد الله المدني قاضى بغداد روى عن هشام بن عروة وأبى حازم وعبيد الله بن عمر وسهيل بن أبى صالح وآخربن. وعنه الليث بن سعد وأبو توبة وابن وهب ومحمد بن الصباح وجماعة. قال النسائى لا بأس به ووثقه ابن معين والعجلى والحاكم وابن نمير وقال ابن حبان يروى عن عبد الله بن عمر وغيره من الثقات أشياء موضوعة يتخيل إلى من سمعها أنه كان المتعمد لها وقال أبو حاتم لا يحتج به. مات سنة ست وسبعين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه. و (ابن أم مكتوم)

باب الخروج من المسجد بعد الأذان

اسمه عبد الله ويقال عمرو بن قيس بن زائدة بن الأصمّ وأم مكتوم اسمها عاتكة بنت عبد الله أسلم قديما وكان من المهاجرين الأوّلين قدم المدينة قبل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله واستخلفه عليها ثلاث عشرة مرّة في غزواته ليصلى بالناس. وشهد فتح القادسية وقتل بها وكان بيده اللواء يومئذ ونزل فيه سورة عبس ونزلت فيه "غير أولى الضرر" لما نزل قوله تعالى "لا يستوى القاعدون" (معنى الحديث) (قوله كان مؤذنا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو أعمى) جملة حالية من اسم كان. وفي رواية للبخارى وكان رجلا أعمى لا ينادى حتى يقال له أصبحت أصبحت (والحديث) يدلّ على جواز أذان الأعمى بلا كراهة وهذا متفق عليه إذا كان معه من يعلمه بدخول الوقت ولكن البصير أفضل من الأعمى لأنه لا علم له بدخول الوقت والإعلام بدخول الوقت ممن لا علم له بدخوله متعذّر (قال) ابن عبد البرّ أذان الأعمى جائز عند أهل العلم إذا كان معه آخر يهديه للأوقات (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم وأحمد وأبو بكر بن أبى شيبة في مصنفه والبيهقى (باب الخروج من المسجد بعد الأذان) أهو جائز أم لا. وفي نسخة باب في الخروج من المسجد بعد النداء (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ رَجُلٌ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِلْعَصْرِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله سفيان) الثورى (قوله عن أبى الشعثاء) هو سليم ابن أسود بن حنظلة المحاربى الكوفى. روى عن عمر وابنه وأبى ذرّ وحذيفة وابن مسعود وعائشة وأبى هريرة وآخرين. وعنه إبراهيم النخعى وعبد الرحمن بن الأسود وجامع بن شدّاد وأبو إسحاق السبيعى وجماعة. وثقه ابن معين والعجلى والنسائى وابن خرّاش وأحمد وقال أبو حاتم لا يسأل عن مثله وقال ابن عبد البرّ أجمعوا على أنه ثقة. توفي سنة ثلاث أو خمس وثمانين روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله فخرج رجل حين أذن المؤذن الخ) أى حين فرغ المؤذن من الأذان كما تدل عليه رواية النسائى عن أبى الشعثاء قال خرج رجل من المسجد بعد ما نودى بالصلاة

أقوال العلماء في ذلك والترهيب من الخروج منه بعد الأذان إلا لعذر كوجود البدع فيه

وفي رواية له أيضا قال رأيت أبا هريرة ومرّ رجل في المسجد بعد النداء حتى قطعه. وفي رواية ابن ماجة فأذن المؤذن فقام رجل من المسجد يمشى فأتبعة أبو هريرة بصره فقال أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وآله وسلم. وهو مقابل لمحذوف لأن أما للتفصيل تقتضى شيئين فصاعدا فكأنه قال أما من ثبت في المسجد حتى صلى فقد أطاع أبا القاسم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأما هذا فقد عصاه (وظاهره) يدل على تحريم الخروج من المسجد بعد الأذان لأنه وإن كان موقوفا لكنه في حكم المرفوع إذ مثل هذا لا يقال من قبل الرأى بل لا يعرف إلا من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وإلى) تحريم الخروج من المسجد بعد الأذان ذهبت الحنابلة (وقالت) المالكية بالكراهة عقب الأذان وقبل الإقامة ويحرم بعدها (وذهبت) الحنفية والشافعية إلى الكراهة أيضا (قال) ابن الهمام النهى عن الخروج بعد الأذان مقيد بما إذا لم يكن صلى وليس ممن تنتظم به جماعة أخرى فإن كان خرج إليهم (وقال) إبراهيم النخعى يجوز لا الخروج ما لم يأخذ المؤذن في الإقامة. لكن هذا كله محمول على من خرج لغير ضرورة. أما من خرج لها كأن يكون محدثا أو حاقنا أو حصل له رعاف فلا حرج عليه. ويؤيده ما رواه ابن ماجه بسنده إلى عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُأنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أدركه الأذان في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجعة فهو منافق. وما أخرجه الطبرانى في الأوسط مرفوعا من طريق سعيد بن المسيب عن أبى هريرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يسمع النداء في مسجدى ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق اهـ وقوله في مسجدى ليس للاحتراز عن غيره كما تدلّ عليه روايه ابن ماجه المذكورة. وخصّ مسجده صلى الله عليه وآله وسلم بالذكر تشريفا له. وكأن أبا هريرة علم أن الرجل المذكور خرج لغير حاجة (قال مالك) بلغنى أن رجلا قدم حاجا وأنه جلس إلى سعيد بن المسيب وقد أذن المؤذن وأراد أن يخرج من المسجد واستبطأ الصلاة فقال له سعيد لا تخرج فإنه بلغني أنه من خرج بعد الأذان خروجا لا يرجع اليه أصابه أمر سوء قال فقعد الرجل ثم إنه استبطأ الإقامة فقال ما أراه إلا قد حبسنى فخرج فركب راحلته فصرع فكسر فبلغ ذلك ابن المسيب فقال قد ظننت أنه سيصيبه ما يكره (قال ابن رشد) قول ابن المسيب بلغنى معناه عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذ لا يقال مثله بالرأى. وهي عقوبة معجلة لمن خرج بعد الأذان من المسجد على أنه لا يعود إليه لإيثاره تعجيل حوائج دنياه على الصلاة التي أذن لها وحضر وقتها (قال) أبو عمر بن عبد البرّ أجمعوا على القول بهذا الحديث لمن لم يصلّ وكان على طهارة وكذا إن كان قد صلى وحده إلا ما لا يعاد من الصلوات فلا يحلّ الخروج من المسجد بإجماع إلا أن يخرج للوضوء وينوى الرجوع اهـ ملخصا. ومن الأعذار المبيحة أيضا الخروج من المسجد بعد الأذان ما أحدث أهل

باب في المؤذن ينتظر الإمام

زماننا في المساجد من البدع كرفع الصوت بقراءة قرآن أو ذكر لأنه يشوّش على المتعبدين وكالتبليغ لغير حاجة إليه وكأن يكون إمام الصلاة لابسا للحرير أو الذهب أو غير مؤدّ للصلاة على الهيئة التى كان عليها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والخلفاء الراشدون من بعده (إلى) غير ذلك من المخالفات التى ذكرها يطول. يدل لذلك ما يأتى للمصنف في باب في التثويب عن مجاهد "ابن جبر" قال كنت مع "عبد الله" بن عمر "بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما" فثوّب رجل "أى قال الصلاة خير من النوم" في الظهر أو العصر فقال ابن عمر "لمجاهد" اخرج بنا فإن هذه بدعة (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن الخروج من المسجد بعد الأذان ممتنع وتقدّم بيانه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه ورواه أحمد بزيادة قال أبو هريرة أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا كنتم في المسجد فنودى بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلى (باب في المؤذن ينتظر الإمام) أى لا يقيم الصلاة حتى يجئ الإمام قال الترمذى قال بعض أهل العلم إن المؤذن أملك بالأذان والإمام أملك بالإقامة (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا شَبَابَةُ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «كَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ، ثُمَّ يُمْهِلُ فَإِذَا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ أَقَامَ الصَّلَاةَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله شبابة) قيل اسمه مروان وغلب عليه شبابة بن سوّار الفزارى مولاهم المدائني أبو عمرو. روى عن ابن أبى ذئب ويونس بن أبى إسحاق وشعبة والليث ابن سعد وغيرهم. وعنه أحمد وإسحاق بن راهويه وابن معين وابن المديني والحسن بن على الخلال وكثيرون. قال ابن معين صدوق وقال ابن سعد كان ثقة صالح الأمر في الحديث وكان مرجئا وقال أبو حاتم صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به وقال أحمد تركته لم أكتب عنه للإرجاء. قيل مات سنة ست وخمسين ومائتين. روى له الجماعة. و (إسرائيل) بن يونس. و (سماك) بن حرب (معنى الحديث) (قوله كان بلال يؤذن الخ) أى للصلاة عند دخول وقتها ثم يمهل أى يؤخر الإقامة حتى يخرج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وفى رواية مسلم فلا يقيم حتى يخرج

مشروعية الفصل بين الأذان والإقامة واستحباب صلاة النافلة في البيت

النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله فإذا رأى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى إذا رأى بلال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج من الحجرة أقام الصلاة وفي رواية مسلم فإذا خرج أقام الصلاة حين يراه "ولا منافاة" بين هذه الروايات وبين ما رواه البيهقى من طريق موسى بن عقبة عن سالم أبى النضر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يخرج بعد النداء إلى المسجد فإذا رأى أهل المسجد قليلا جلس حتى يجتمعوا ثم يصلى "لأنه" كان يفعل ذلك في بعض الأحيان (وفى الحديث دلالة) على مشروعية الفصل بين الأذان والإقامة لما في عدم الفصل من تفويت صلاة الجماعة على كثير من المريدين لها ولا سيما إذا كانت سكنه بعيدا عن مسجد الجماعة فالتراخى بالإقامة نوع من المعاونة على البرّ والتقوى (وقد جاء بيان) مقدار الفصل في رواية للترمذى والحاكم عن جابر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لبلال اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته قال الحافظ في الفتح إسناده ضعيف وله شاهد من حديث أبى هريرة ومن حديث سلمان أخرجهما أبو الشيخ ومن حديث أبى بن كعب أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند وكلها واهية وقال ابن بطال لا حدّ لذلك غير تمكن دخول الوقت واجتماع المصلين اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية الفصل بين الأذان والإقامة وهذا في كل الصلوات إلا في المغرب ففيها خلاف يأتى بيانه، وعلى أن غير الراتبة تصلى في البيت فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا خرج من البيت أقام بلال الصلاة وهو يدلّ على أنه لم يخرج إلا بعد أن يصلى النافلة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والترمذى والحاكم وأخرجه البيهقى بنحوه (في باب في التثويب) وفي نسخة باب ما جاء في التثويب. وفي أخرى باب التثويب في الظهر. وتقدم أن التثويب في الأصل أن يجئ الرجل مستصرخا فيلوح بثوبه ليرى ويشتهر ثم استعمل في الإعلام برفع الصوت (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنَا سُفْيَانُ، ثَنَا أَبُو يَحْيَى الْقَتَّاتُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عبد الله ابْنِ عُمَرَ فَثَوَّبَ رَجُلٌ فِي الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ، فَقَالَ: «اخْرُجْ بِنَا فَإِنَّ هَذِهِ بِدْعَةٌ» (ش) (رجال الأثر) (قوله سفيان) الثورى. و (أبو يحيى) اسمه زاذان وقيل اسمه دينار الكوفي الكناني. روى عن مجاهد بن جبر وعطاء بن أبى رباح وحبيب بن

باب في التثويب

أبي ثابت. وعنه الأعمش وأبو بكر بن عياش والثورى وغيرهم. قال أحمد روى عنه إسرائيل أحاديث كثيرة مناكير وقال ابن معين في حديثه ضعف وقال ابن عدى في حديثه بعض ما فيه إلا أنه يكتب حديثه وقال ابن حبان فحش خطؤه وكثر وهمه حتى سلك غير مسلك العدول في الروايات وقال النسائى ليس بالقوى. روى له مسلم وأبو داود والترمذى وابن ماجه والبخارى في الأدب المفرد. و (القتات) نسبة إلى بيع القتّ وهو الرطب من علف الدوابّ (معنى الأثر) (قوله فثوّب رجل في الظهر أو العصر) شك من الراوى أى قال الصلاة خير من النوم. ويحتمل أن المراد بالتثويب قول حيّ على الصلاة حىّ على الفلاح بين الأذان والإقامة لأن علماء الكوفة أحدثوها بين الأذان والإقامة للفجر. ويحتمل كما قال العينى أنه خرج إلى باب المسجد ونادى الصلاة رحمكم الله (قوله فقال اخرج بنا فإن هذه بدعة) أنكرها ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما مع كونها مشروعة لأن المؤذن أتى بها في غير موضعها الذى شرعت فيه وهو أذان الفجر كما أنكرها عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُعلى بلال حينما أتاه في بيته يؤذنه بالصبح فوجده نائما فقال له الصلاة خير من النوم فأنكر عليه جعلها في غير أذان الصبح. وكما أنكر عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُأيضا التثويب بين الأذان والإقامة حينما أتاه أبو محذورة وقد أذن فقال الصلاة يا أمير الؤمنين حيّ على الصلاة حىّ على الفلاح فقال له عمر ويحك يا مجنون أما كان في دعائك الذى دعوتنا ما نأتيك. وكما أنكرها علىّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لما رأى مؤذنا ثوب في العشاء فقال أخرجوا هذا المبتدع من المسجد (وقصد) ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما بخروجه من المسجد زجر المبتدع عن الحدث في الدين والتنفير من البدع وأنه يطلب البعد عن المكان الذى حدثت فيه بدعة كما وقع له لما كان مارّا في طريق البصرة فسمع المؤذن فدخل المسجد يصلي فيه الفرض فركع فبينما هو في أثناء الركوع وإذا بالمؤذن قد وقف على باب المسجد وقال حضرت الصلاة رحمكم الله ففرغ من ركوعه وأخذ نعليه وخرج وقال والله لا أصلى في مسجد فيه بدعة. والبدعة الشئ الذى لم يكن في زمان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ويقال هي كل ما خالفت أصول الشريعة ولم يوافق السنة. وفي المصباح البدعة ما أحدث على غير مثال سابق يقال ابتدعت الشئ وابتدعته استخرجته وأحدثته ومنه قيل للحالة المخالفة بدعة وهي اسم من الابتداع ثم غلب استعمالها فيما هو نقص في الدين أو زيادة اهـ (وقد جاء) في السنة الغراء ذمّ البدعة وأهلها "فقد روى" أبو حاتم الخزاعى في جزئه عن أبى أمامة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مرفوعا أصحاب البدع كلاب النار "وروى" البخارى عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا مرفوعا من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ. وفي رواية لمسلم من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ. وروى الديلمى عن أبى هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال يجئ قوم يميتون السنة ويوغلون "يبتدعون" في الدين فعلى أولئك لعنة الله ولعنة اللاعنين

باب في الصلاة تقام ولم يأت الإمام ينتظرونه قعودا

والملائكة والناس أجمعين. وروى الدارقطنى في الأفراد عن أنس مرفوعا من غشّ أمتي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين قيل يا رسول الله وما الغشّ قال أن يبتدع لهم بدعة فيعمل بها وروى الطبرانى عن الحكيم بن عمير الأمر المفظع والحمل المضلع والشرّ الذى لا ينقطع إظهار البدع. وروى ابن ماجه عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يقبل الله تعالى لصاحب بدعة صلاة ولا صوما ولا صدقة ولا حجا ولا عمرة ولا جهادا ولا صرفا ولا عدلا يخرج من الإسلام كما يخرج الشعر من العجين (إلى غير ذلك) من الأحاديث الكثيرة الدالة على ذمّ البدع والعاملين بها (باب في الصلاة تقام ولم يأت الإمام ينتظرونه قعودا) (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَا: ثَنَا أَبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي». (ش) (قوله قالا حدثنا أبان عن يحيى) وفى رواية للبخارى حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا هشام قال كتب إليّ يحيى الخ ولعلّ مسلم بن إبراهيم له في سند هذا الحديث شيخان و (أبان) هو ابن يزيد العطار. و (يحيى) بن أبى كثير (قوله فلا تقوموا حتى تروني) أى قد خرجت فقوموا. وفى قوله لا تقوموا نهى عن القيام وقوله حتى ترونى تسويغ للقيام عند الرؤية وهو مطلق غير مقيد بشئ من ألفاظ الإقامة. ومن ثم اختلف العلماء في ذلك (فقال مالك) في الموطأ لم أسمع في قيام الناس حين تقام الصلاة بحدّ محدود إلا أني أرى ذلك على قدر طاقة الناس فإن منهم الثقيل والخفيف ولا يستطيعون أن يكونوا كرجل واحد. وقال في المجموعة قيل لمالك إذا أقيمت الصلاة فمتى يقوم الناس قال ما سمعت في حدّا وليقوموا بقدر ما استوت الصفوف وفرغت الإقامة. وقال ابن حبيب كان ابن عمر لا يقوم حتى يسمع قد قامت الصلاة (وذهبت) الشافعية إلى أنه لا يقوم كلّ من الإمام والمأموم حتى يفرغ المؤذن من الإقامة (وبهذا) قال أبو يوسف وأهل الحجاز وإسحاق وهو رواية عن أحمد (وذهب) عمر بن عبد العزيز ومحمد بن كعب وسالم بن عبد الله وأبو قلابة وعراك بن مالك والزهرى وسليمان بن حبيب إلى أنهم يقومون حين الشروع في الإقامة مطلقا وقال به أحمد وإسحاق وعطاء إذا كان الإمام في المسجد. وعن أنس أنه كان يقوم إذا قال قد قامت الصلاة. وقال سعيد بن المسيب إذا قال المؤذن الله أكبر وجب

القيام وإذا قال حيّ على الصلاة عدّلت الصفوف وإذا قال لا إله إلا الله كبر الإمام. وقال زفر إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة مرّة قاموا وإذا قال ثانيا افتحوا (وقال أبو حنيفة) ومحمد يقومون في الصفّ إذا قال حيّ على الصلاة فإذا قال قد قامت الصلاة كبر الإمام قالا لأنه أمين الشرع وقد أخبر بقيامها فيجب تصديقه. واحتج لهما بما رواه البيهقى من طريق الحجاج ابن فرّوخ عن العوّام بن حوشب عن عبد الله بن أبى أوفى قال كان بلال إذا قال قد قامت الصلاة نهض النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكبر. وبما رواه المصنف أن بلالا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تسبقنى بآمين. قالا ولأنه إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة ولم يكبر الإمام يكون كاذبا. لكن قولهما إن الإمام يكبر إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة مخالف لما تقدم للمصنف عن أبي أمامة أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقامها الله وأدامها وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر في الأذان فإنه صريح في أنه لم يكن يكبر للصلاة إلا بعد فراغ الإقامة ولأن الإقامة دعاء للصلاة فلم يشرع الدخول فيها إلا بعد الفراغ منها كالأذان (وأجيب) عن حديث ابن أبى أوفي بأنه ضعيف لأنه من طريق الحجاج بن فرّوخ وهو مجهول كما قال أبو حاتم. وقال الدارقطنى ضعيف وضعفه ابن معين والنسائى. ولأن العوّام بن حوشب لم يدرك ابن أبى أوفى ولم يسمع أحدا من الصحابة. وروايته عن التابعين. وعن حديث بلال من وجهين (أحدهما) ما قاله البيهقى وغيره من أنه ضعيف لأنه روى مرسلا عن الثقات ومسندا إسناد ليس بشئ ورواه أحمد بإسناده عن أبى عثمان النهديّ قال قال بلال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تسبقنى بآمين (قال) البيهقى فيرجع الحديث إلى أن بلالا كان يؤمن قبل تأمين النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال لا تسبقنى (الثانى) أن بلالا عرضت له حاجة خارج المسجد فسأل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم التمهل بقوله لا تسبقنى بآمين. على أن بين قوله قد قامت الصلاة وبين آخر الإقامة زمنا يسيرا يمكنه إتمام الإقامة وإدراك آخر الفاتحة بل إدراك أولها بل إدراك ما قبلها لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ دعاء الافتتاح بعد الإحرام ثم يشرع في الفاتحة. وقولهما إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة ولم يكبر الإمام يكون كاذبا ليس المراد منه الدخول في الصلاة بالفعل بل معناه قرب الدخول فيها كما قاله أهل العربية والفقهاء فهو مجاز حسن على حدّ قوله تعالى "فإذا بلغن أجلهنّ" أى قاربن بلوغهنّ اهـ من شرح المهذب للنووى ملخصا (وظاهر) حديث الباب أن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من بيته. وهو معارض لحديث جابر بن سمرة المتقدّم فإن فيه أن بلالا كان يؤذن ثم يمهل فإذا رأى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج أقام الصلاة. ويمكن

الجمع بينهما بأن بلالا كان يراقب خروج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأوّل ما يراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه الناس فإذا رأوه قاموا (وظاهره) أيضا يعارض رواية مسلم أقيمت الصلاة فقمنا فعدّلنا الصفوف قبل أن يخرج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ورواية البخارى عن أبي هريرة أقيمت الصلاة فسوّى الناس صفوفهم فخرج صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "الحديث" ويمكن الجمع بينهما أيضا بأن ذلك كان سببا للنهى في حديث أبى قتادة فإنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم يخرج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنهاهم عن ذلك لاحتمال أن يقع شغل يبطئُ فيه عن الخروج فيشقّ عليهم انتظاره. أو بأن هذا وقع لبيان الجواز ليبين أن النهى في حديث الباب محمول على الكراهة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبخارى ومسلم والنسائى (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَكَذَا رَوَاهُ أَيُّوبُ، وَحَجَّاجٌ الصَّوَّافُ، عَنْ يَحْيَى، وَهِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ يَحْيَى. (ش) أى روى الحديث المذكور أيوب السختياني وحجاج عن يحيى مثل رواية أبان بالعنعنة. ورواية أيوب لم نقف على من أخرجها. ورواية حجاج أخرجها مسلم. و (حجاج) هو ابن أبى عثمان ميسرة (الصوّاف) أبو الصلت الكندى مولاهم البصرى. روى عن حميد بن هلال وأبى الزبير ويحيى بن أبى كثير والحسن البصرى وغيرهم. وعنه الحمادان ويحيى القطان ويزيد بن زريع وأبو عوانة وأبو عاصم وجماعة. وثقه ابن معين وأبو حاتم وأحمد وأبو زرعة والنسائى والعجلى وابن حبان وغيرهم. توفي سنة ثلاث وأربعين ومائة (قوله وهشام الدستوائى الخ) بالرفع أى وأما هشام الدستوائى فقال في روايته كتب إليّ يحيى بن أبى كثير هذا الحديث ورواية هشام أخرجها البخارى (قال) الحافظ قوله كتب إليّ يحيى ظاهر في أنه لم يسمعه منه وقد رواه الإسماعيلى من طريق هشيم عن هشام وحجاج الصوّاف كلاهما عن يحيى وهو من تدليس الصنيع وصرحّ أبو نعيم في المستخرج من وجه آخر عن هشام أن يحيى كتب إليه أن عبد الله بن أبى قتادة حدّثه فأمن بذلك تدليس يحيى اهـ والحاصل أنه قد اختلف على يحيى فروى عنه أبان وأيوب وحجاج الحديث بالعنعنة ورواه هشام الدستوائى عنه كتابة (ص) وَرَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، وَعَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى، وَقَالَا فِيهِ: «حَتَّى تَرَوْنِي وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةَ».

(ش) أى روى الحديث معاوية بن سلام وعلى بن المبارك عن يحيى بن أبى كثير أيضا بالعنعنة لكن بزيادة قوله وعليكم السكينة أى الخشوع والوقار بخلاف رواية أبان وهشام عن يحيى فليس فيها هذه الزيادة. ورواية معاوية وصلها مسلم. ورواية على بن المبارك وصلها البخارى في كتاب الجمعة وغرض المصنف بذكر هذا التعليق تقوية الرواية عن يحيى بالعنعنة وبيان أنه كما اختلف في السند اختلف في المتن هذا. و (على بن المبارك) هو الهنائى البصرى. روى عن عبد العزيز بن صهيب وأيوب السختياني وهشام بن عروة ويحيى بن أبى كثير وآخرين. وعنه وكيع والقطان وابن علية ومسلم بن قتيبة وجماعة. قال ابن حبان كان ضابطا متقنا ووثقه ابن معين وابن نمير والعجلى وابن المديني وجماعة. روى له الجماعة (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَنَا عِيسَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، قَالَ: «حَتَّى تَرَوْنِي قَدْ خَرَجْتُ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَذْكُرْ: «قَدْ خَرَجْتُ»، إِلَّا مَعْمَرٌ. (ش) (قوله عيسى) بن يونس (قوله بإسناده) أي سند الحديث السابق وهو عن عبد الله بن أبى قتادة عن أبيه عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله قال حتى ترونى قد خرجت الخ) أى قال معمر بن راشد في روايته هذه الزيادة عن يحيى بن أبى كثير ولم يذكرها غير معمر كما قال المصنف. وغرض المصنف بهذا تضعيف هذه الزيادة لتفرّد معمر بها ورواية معمر التى فيها هذه الزيادة أخرجها النسائى من طريق الفضل بن موسى عنه (ص) وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَعْمَرٍ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: «قَدْ خَرَجْتُ». (ش) أشار به إلى أنه قد اختلف على معمر في هذه الزيادة فرواه عنه عيسى بن يونس بها كما تقدم ورواه عنه سفيان بن عيينة بدونها وهى الموافقة للروايات الأخر. ورواية سفيان عن معمر أخرجها مسلم (ص) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا الْوَلِيدُ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو: ح وَثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، ثَنَا الْوَلِيدُ -وَهَذَا لَفْظُهُ- عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ تُقَامُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَيَأْخُذُ النَّاسُ مَقَامَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ».

(ش) (رجال الحديث) (أبو عمرو) هو عبد الرحمن الأوزاعي كما صرّح به في رواية مسلم (قوله داود بن رشيد) بالتصغير الهاشمي مولاهم أبو الفضل الخوارزمى سكن بغداد. روى عن هشيم والوليد بن مسلم ومعتمر بن سليمان وابن علية وجماعة. وعنه مسلم وأبو داود وابن ماجه وأبو زرعة وأبو حاتم وآخرون. وثقه اين معين وابن حبان وقال أبو حاتم صدوق وقال الدارقطني ثقة نبيل. توفي سنة تسع وثلاثين ومائتين (قوله وهذا لفظه) أى ما ذكره المصنف لفظ حديث داود بن رشيد (معنى الحديث) (قوله فيأخذ الناس مقامهم الخ) أى مواضعهم التي يقومون فيها للصلاة قبل أن يأخذ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مقامه. وفي رواية أن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيأخذ الناس مصافهم قبل أن يقوم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مقامه. وهذا لا ينافى ما تقدم من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تقوموا حتى تروني لأنه لا يلزم من عدم أخذه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مقامه عدم رؤيته بل يرونه في غير مقامه فيقومون مقامهم قبل أن يقف صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في مكان صلاته (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية قيام الناس واصطفافهم للصلاة قبل أن يقوم الإمام في مكانه الذى يصلى فيه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم وأخرج النسائى نحوه (ص) حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُعَاذٍ، ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ، عَنِ الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ بَعْدَمَا تُقَامُ الصَّلَاةُ فَحَدَّثَنِي، عَنْ أَنَسِ، قَالَ: «أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَعَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ رَجُلٌ، فَحَبَسَهُ بَعْدَ مَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ» (ش) (رجال الحديث) (قوله حسين بن معاذ) بن خليف بالمعجمة وقيل بالمهملة مصغرا البصرى. روى عن عبد الأعلى وابن أبى عدى وعثمان بن عمر. وعنه أبو داود وبقىّ ابن مخلد والحسن بن سفيان. وثقه ابن حبان ومسلمة وقال أبو داود ثبت في عبد الأعلى ابن عبد الأعلى. و (حميد) هو الطويل. و (البنانى) بضم الموحدة وتحفيف النون نسبة إلى بنانة زوج سعد بن لؤى بن غالب بن فهر. وقيل كانت حاضنة لبنيه كما تقدم (معنى الحديث) (قوله فعرض لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رجل الخ) لم أقف على اسمه وذكر بعضهم أنه كان كبيرا في قومه فأراد النبي صلى الله تعالى عليه

الكلام في وقت قيام المأمومين حينما تقام الصلاة

وعلى آله وسلم أن يتألفه للإسلام فحبسه أى منعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الدخول في الصلاة. زاد هشيم في روايته عند البخارى حتى نعس بعض القوم وسيأتى للمصنف (وفى هذا دليل) على جواز الفصل بين الإقامة والإحرام بالصلاة لحاجة (قال الحافظ) ويكره إذا كات لغيرها. وفيه ردّ على من قال من الحنفية يجب على الإمام أن يحرم بالصلاة عند قول المؤذن قد قامت الصلاة اهـ ملخصا (وقال العينى) فيه دليل على أن اتصال الإقامة بالصلاة ليس من وكيد السنن بل هو من مستحبها اهـ (وقالت المالكية) اتصال الإقامة بالصلاة سنة والفصل اليسير لا يضرّ بخلاف الكثير فإنه يبطلها وبه قال بعض الحنفية (وذهبت) الحنابلة إلى أنه يستحب أتصلها بالصلاة وأنها لا تعاد ولو طال الفصل (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز الفصل بين الإقامة وتكبيرة الإحرام، وعلى جواز تأخير الصلاة عن أول وقتها، وعلى مزيد رأفته وتواضعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى وأحمد وابن حبان (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مَنْجُوفٍ السَّدُوسِيُّ، ثَنَا عَوْنُ بْنُ كَهْمَسٍ، عَنْ أَبِيهِ كَهْمَسٍ، قَالَ: قُمْنَا إِلَى الصَّلَاةِ بِمِنًى وَالْإِمَامُ لَمْ يَخْرُجْ فَقَعَدَ بَعْضُنَا، فَقَالَ لِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ: مَا يُقْعِدُكَ؟ قُلْتُ: ابْنُ بُرَيْدَةَ، قَالَ: هَذَا السَّمُودُ: فَقَالَ لِي الشَّيْخُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْسَجَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «كُنَّا نَقُومُ فِي الصُّفُوفِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ طَوِيلًا قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ»، قَالَ: وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ، وَمَا مِنْ خَطْوَةٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا يَصِلُ بِهَا صَفًّا» (ش) (رجال الحديث) (قوله أحمد بن على) منسوب إلى جده فإنه أحمد بن عبد الله ابن على الخ. روى عن أبي داود الطيالسى والأصمعى وروح بن عبادة. وعنه البخارى والنسائى وابن خزيمة والمصنف وآخرون. وثقه ابن حبان وابن إسحاق وقال النسائى صالح. توفى سنة اثنتين وخمسين ومائتين. و (السدوسى) نسبة إلى سدوس بوزن رسول قبيلة من بكر (قوله عون بن كهمس) بن الحسن التميمى أبو يحيى البصرى. روى عن أبيه وبشر بن عمير وهشام ابن حسان وشعبة. وعنه السدوسى وخليفة بن خياط ومحمد بن يحيى وجماعة. ذكره ابن حبان

في الثقات وقال أبو داود لم يبلغنى عنه إلا الخير وقال أحمد لا أعرفه. روى له أبو داود (قوله عن أبيه كهمس) بن الحسن أبى الحسن التميمي البصرى. روى عن عبد الله بن بريدة وأبى الطفيل وعبد الله بن شقيق وأبى نضرة العبدى. وعنه معاذ بن معاذ وابن المبارك ووكيع وآخرون وثقه ابن معين وأحمد وأبو داود وابن سعد وقال أبو حاتم لا بأس به وقال الساجى صدوق يهم ونقل أن ابن معين والأزدى ضعفاه وذكره ابن حبان في الثقات. وقال مات سنة تسع وأربعين ومائة. روى له الجماعة (قوله قمنا إلى الصلاة بمنى) أى فيها وهو اسم موضع قرب مكة يقال بينه وبين مكة ثلاثة أميال والغالب عليه التذكير فيصرف وسمى الموضع بمنى لما يمنى ويراق به من الدماء (قوله ما يقعدك) أى أىّ شئ يقعدك فما استفهامية وكأن كهمسا لم يكن مع من جلس لكن أراد الجلوس فخاطبه الشيخ. ولعلّ غرضه أنهم ينتظرون الإمام قائمين ولا يجلسون (قوله قلت ابن بريدة الخ) أى قال كهمس مجيبا الشيخ أقعدنى قول ابن بريدة إن انتظار الناس للإمام قياما هو السمود فاسم الإشارة عائد على انتظار القوم للإمام من قيام المعلوم من السياق. والسمود رفع الرأس تكبرا يقال سمد سمودا رفع رأسه تكبرا وعلا كما في القاموس (وقال) في النهاية في حديث عليّ أنه خرج والناس ينتظرونه للصلاة قياما فقال مالى أراكم سامدين السامد المنتصب إذا كان رافعا رأسه ناصبا صدره أنكر عليهم قيامهم قبل أن يروا إمامهم. وقيل السامد القائم في تحير اهـ ويطلق السمود أيضا على الغفلة ومنه قوله تعالى "وأنتم سامدون" أى ساهون لاهون غافلون (وحكى) عن إبراهيم النخعى أنه قال كانوا يكرهون أن ينتظروا الإمام قياما ويقولون ذلك السمود (قوله فقال لى الشيخ الخ) أى قال كهمس فقال لى الشيخ لما ذكرت له قول ابن بريدة حدثنى عبد الرحمن الخ ومقصود الشيخ بذلك ردّ قول ابن بريدة. و (عبد الرحمن بن عوسجة) هو الهمدانى الكوفي. روى عن البراء وعلقمة بن قيس والضحاك بن مزاحم وأرسل عن علىّ. وعنه طلحة بن مصرّف وأبو إسحاق السبيعى وطلحة بن نافع. وثقه ابن حبان والنسائى والعجلى وقال ابن سعد كان قليل الحديث. توفي سنة اثنتين وثمانين. روى له أبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه والبخارى في الأدب (معنى الحديث) (قوله كنا نقوم في الصفوف الخ) ذكره دليلا على إنكاره القعود لكن لا يدلّ على أن قيامهم كان لانتظاره صلى الله عليه وآله وسلم بل يجوز أن يكون بعد حضوره ويكون طول القيام لعارض. على أنه قال قبل أن يكبر ولم يقل قبل أن يأتى ولا يلزم من عدم تكبيره عدم حضوره. ولو سلم هذا كله فالحديث لا يخلو عن ضعف إذ الشيخ غير معلوم فلا يعارض حديث لا تقوموا حتى تروني (قوله قال وقال الخ) أى قال البراء بن عازب قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن الله عز وجل وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف الأول أى يرحم الله الذين

يصلون في الصفوف الأول ويقومون فيها وكذا الملائكة تستغفر لهم. وفي نسخة يصلون على الذين يلون الصفوف الأول. وليست الصفوف الأول في الفضيلة سواء بل الأفضل الأول فالأول. لما رواه النسائى وابن ماجه عن العرباض بن سارية أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يستغفر للصف الأول المقدّم ثلاثا والثانى مرّة. ولما رواه مسلم وابن ماجه والترمذى والمصنف عن أبى هريرة خير صفوف الرجال أولها وخير صفوف النساء آخرها (قوله وما من خطوة الخ) بفتح الخاء المعجمة المرّة الواحدة وجمعها خطوات بفتح الطاء وخطاء بالكسر والمدّ مثل ركوة وركاء وبضم الخاء ما بين القدمين وجمعها خطوات بتثليث الطاء وخطا. وخطوة بالرفع اسم ما على أنها عاملة. وأحبّ بالنصب خبرها ويجوز أن يكون خطوة مبتدأ وأحب بالرفع خبر ومن زائدة في الوجهين (قوله يمشيها الخ) بالمثناة التحتية صفة لخطوة وكذا قوله يصل بها صفا وقيل بالمثناة الفوقية فيهما. والتفضيل بالنسبة للخطوات التى يخطوها من بيته إلى المسجد وإلا فهناك ما هو مساو للخطوات التى يمشيها إلى المسجد في الفضل أو ما هو أفضل كالخطوات في الجهاد في سبيل الله تعالى وفي فريضة الحج (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز انتظار المأمومين الإمام قياما قبل الإحرام. وعلى جواز الفصل بين الإقامة والصلاة، وعلى فضل الصفوف الأول على غيرها، وعلى الترغيب في سدّ الفرج في الصفوف (من أخرج الحديث أيضا) أخرج ابن خزيمة قوله إن الله عزّ وجلّ وملائكته يصلون على الذين يلون الصفوف الأول (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ نَجِيُّ رَجُلٍ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، فَمَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ حَتَّى نَامَ الْقَوْمُ» (ش) (قوله أقيمت الصلاة) أى صلاة العشاء كما صرّح به في رواية مسلم وكما يدلّ عليه قوله حتى نام القوم (قوله ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نجىّ رجل) أى مناج رجلا. وفى رواية البخارى يناجى رجلا أى يتحدّث معه سرّا وهو بعيد عن القوم يقال تناجى القوم إذا دخلوا في حديثهم سرّا وهم متناجون (قوله حتى نام القوم) غاية للمناجاة زاد شعبة عن عبد العزيز في رواية مسلم ثم قام فصلى. ولعلّ نجواه صلى الله عليه وآله وسلم كانت في أمر من أمور الدين لا ينبغى تأخيره وإلا لم يكن ليؤخر الصلاة عن أول الوقت حتى ينام القوم

ما دل عليه حديث أنس من جواز مناجاة الغير بحضرة الجماعة وتأخير الصلاة عن أول وقتها وغير ذلك من المسائل

(فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز مناجاة الشخص غيره بحضور الجماعة، وعلى جواز تأخير الصلاة عن أول وقتها، وعلى جواز الكلام بين الإقامة والصلاة، وعلى جواز تأخير الصلاة عن الإقامة إن عرضت حاجة للإمام بخلاف المأموم لأنه لا يتقيد به غيره (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشيخان والنسائى وابن حبان (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْجَوْهَرِيُّ، أَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ إِذَا رَآهُمْ قَلِيلًا جَلَسَ لَمْ يُصَلِّ، وَإِذَا رَآهُمْ جَمَاعَةً صَلَّى». (ش) (رجال الحديث) (قوله عبد الله بن إسحاق) المصرى. روى عن أبى عاصم وعبد الله ابن رجاء وأبى زيد الهرواى. وعنه أبى داود وأبى حاتم والترمذى والنسائى وابن ماجه وجماعة ذكره ابن حبان في الثقات وقال مستقيم الحديث. وقال في التقريب ثقة حافظ وقال ابن قانع كان حافظا مات سنة سبع وخمسين ومائتين. و (الجوهرى) نسبة إلى بيع الجوهر. و (أبو عاصم) الضحاك ابن مخلد النبيل. و (ابن جريج) هو عبد الملك بن عبد العزيز. و (موسى بن عقبة) بن أبى عياش الأسدى أبي محمد مولى آل الزبير. روى عن أمّ خالد وكريب وعكرمة ومحمد بن المنكدر وعروة ابن الزبير وطائفة. وعنه يحيى بن سعيد وابن جريج ومالك وابن المبارك والسفيانان وشعبة وكثيرون قال ابن سعد كان ثقة ثبتا كثير الحديث ووثقه أحمد وابن معين والعجلي وغير واحد. مات سنة إحدى أو اثنتين وأربعين ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله حين تقام الصلاة في المسجد الخ) لعلها كانت تقام حين يرونه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خارجا من الججرة وقبل دخوله المسجد فإذا دخل المسجد ووجد القوم قليلين جلس لاجتماعهم وإذا وجدهم كثيرين صلى بهم. وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعل ذلك في بعض الأحيان كما تقدم "ولا ينافيه" التعبير بكان المفيدة للدوام "لأن ذلك" أغلبي فيها بل لا تفيده إلا بقرينة كما تقدم. لكن روى البيهقى هذا الحديث من طريق موسى بن عقبة عن سالم أيضا بلفظ إنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يخرج بعد النداء إلى المسجد فإن رأى أهل المسجد قليلا جلس حتى يجتمعوا ثم يصلى (قال) الحافظ إسناده قوىّ مع إرساله اهـ فظاهره أن جلوسه في المسجد وانتظاره للجماعة بعد الأذان لا الإقامة ويمكن الجمع بينهما باحتمال أن يراد بالنداء في رواية البيهقي الإقامة ويؤيده ما في الروايات المتقدمة من أنه كان يخرج بعد الإقامة. وعلى احتمال أن يراد بالنداء في رواية البيهقي الأذان فيشبه أن

ما دل عليه حديت سالم النضر من مشروعية انتظار الإمام كثرة الجماعة وغير ذلك من الأحكام

يكون المعنى في قوله في حديث الباب حين تقام الصلاة أى حين جاء وقت أدائها فيكون لفظ تقام ليس المراد به ذكر ألفاظ الإقامة المعروفة ويكون المعنى كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا دخل المسجد لأداء الصلاة ورأى الحاضرين قليلين جلس لانتظار غيرهم وإن رآهم كثيرين صلى. والإقامة المعروفة تكون عند الدخول في الصلاة. وعلى كلّ فالحديث مطابق للترجمة إذ يبعد أن يجلس صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويقوم الحاضرون (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية انتظار الإمام لكثرة الجماعة، وعلى أنه لا يؤخر الصلاة إذا كثروا ولا سيما أئمة مساجد الأسواق والطرقات، وعلى جواز تأخير الصلاة عن أول وقتها لحاجة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى بلفظ تقدم. وهذا الحديث مرسل لأن سالما أبا النضر لم يدرك النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، مِثْلَ ذَلِكَ (ش) (رجال الحديث) (قوله عن أبى مسعود) الأنصارى. روى عن على. وعنه نافع بن جبير. روى له أبو داود. قال الحافظ مجهول من الثالثة. و (الزرقى) نسبة إلى بنى زريق قوم من الأنصار (قوله مثل ذلك) أى حدّث عبد الله بن إسحاق بسنده حديثا مثل الحديث الذى حدّث به أولا بسنده عن سالم أبى النضر فمثل صفة لموصوف محذوف ولفظه كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أقيمت الصلاة فرأى الناس قليلا جلس وإن رآهم جماعة صلى. والحديث وإن كان متصلا فيه الزّرقى وهو مجهول كما قال الحافظ (باب التشديد في ترك الجماعة) وفي نسخة باب في التشديد في ترك الجماعة (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا زَائِدَةُ، ثَنَا السَّائِبُ بْنُ حُبَيْشٍ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ»، قَالَ زَائِدَةُ: قَالَ السَّائِبُ: يَعْنِي بِالْجَمَاعَةِ: الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ

(ش) (رجال الحديث) (السائب بن حبيش) بالموحدة مصغرا الكلاعي الحمصى روى عن معدان بن أبى طلحة وأبى الشماخ الأزدى. وعنه زائدة بن قدامة وحفص ابن عمر. وثقة العجلى وابن حبان وقال الدارقطنى صالح لا أعلم حدّث عنه غير زائدة وسئل عنه أحمد أثقة هو فقال لا أدرى. روى له أبو داود والنسائى. و (معدان بن أبى طلحة) ويقال ابن طلحة الكنانى. روى عن عمر وأبى الدرداء وثوبان مولى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وغيرهم. وعنه سالم بن أبي الجعد والوليد بن هشام والسائب بن حبيش وثقه العجلى وابن حبان وابن سعد وذكره في الطبقة الأولى من أهل الشام. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذي. و (اليعمرى) نسبة إلى يعمر بوزن يشكر منقول من الفعل اسم موضع من كنانة (معنى الحديث) (قوله ما من ثلاثة الخ) أى من الرجال لأن جماعة النساء وإمامهنّ منهنّ فيها خلاف. وتقييده بالثلاثة المفيد أن ما فوقها كذلك بالأولى ونظرا إلى أن أقلّ أهل القرية يكونون كذلك غالبا ولأنه أقلّ الجمع وأقلّ صور الكمال في الجماعة وإن كانت تحصل باثنين. وثلاثة مبتدأ خبره جملة استحوذ ومن زائدة. والقرية بفتح القاف وبكسرها لغة يمانية كل مكان اتصلت به الأبنية واتخذ قرارا وتقع على المدن وغيرها والجمع قرى على غير قياس لأن ما كان على فعلة من المعتلّ فبابه أن يجمع على فعال بالكسر مثل ظبية وظباء اهـ مصباح. وسميت قرية لاجتماع الناس فيها من قريت الماء في الحوض إذا جمعته فيه. وقوله ولا بدو أى ولا في بادية وبدو كفلس خلاف الحاضرة والنسبة إليه بدوىّ (قوله لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان) أى غلبهم وحوّلهم إليه فينسيهم ذكر الله فيتركون الشريعة والعمل عليها واستحوذ مما جاء على أصله بلا إعلال على خلاف القياس إذ قياسه استحاذ بقلب الواو ألفاً كاستقام (قوله فعليك بالجماعة الخ) أى استمسك بها فإن الشيطان بعيد عن الجماعة ويستولى على من فارقها كما علل صلى الله عليه وآله وسلم بقوله فإنما يأكل الذئب القاصية أى البعيدة من الشياه ومراده أن الشيطان يتسلط على تارك الجماعة كما يتسلط الذئب على الشاة المنفردة عن القطيع لأن عين الراعي تحمى الغنم المجتمعة (قوله قال زائدة الخ) غرض المصنف بذلك بيان المراد من الجماعة المذكورة في الحديث لقوله لا تقام فيهم الصلاة فإن المراد إقامتها في جماعة وإلا فيمكن حمله على ملازمة جماعة المسلمين التى من ضمنها الصلاة في الجماعة (فقه الحديث) دلّ الحديث على تأكيد أمر الصلاة في الجماعة للحاضر والبادى، وعلى التحذير من تركها وأن من تركها تسلط عليه الشيطان واستولى عليه فيفتح له باب التهاون، وعلى مشروعية ضرب الأمثال تقريبا للأفهام

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وأحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم قال المنذرى زاد رزين في جامعه وإن ذئب الإنسان الشيطان إذا خلا به أكله اهـ (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقُ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقُ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» (ش) (أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير. و (الأعمش) سليمان بن مهران و (أبو صالح) ذكوان السمان (قوله لقد هممت الخ) قال ذلك صلى الله عليه وآله وسلم لما فقد بعض الصحابة في بعض الصلوات كما في رواية لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد ناسا في بعض الصلوات فقال لقد هممت الخ. وفى رواية البيهقى قال إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لا توهما ولو حبوا ولقد هممت الخ وهمّ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بإتيانهم في هذا الوقت لأن فيه تتحقق مخالفتهم وتخلفهم فيستحقون العقوبة. وقوله ثم آمر رجلا الخ يدلّ على أن الإمام إذا عرض له أمر يستخلف من يصلى بالناس (قوله ثم أنطلق معى برجال الخ) أى أذهب برجال مصاحبين لى يحملون الحطب إلى قوم لا يحضرون الصلاة مع الجماعة من غير عذر فأحرّق عليهم بيوتهم وحزم جمع حزمة كغرف جمع غرفة ما يجمع ويربط بحبل ونحوه. ولفظ الصلاة عام يشمل جميع الصلوات كما هو ظاهر. ويحتمل أنه خاص بالعشاء لما رواه أحمد عن أبى هريرة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لولا ما في البيوت، من النساء. والذرّية أقمت لصلاة العشاء وأمرت فتياني يحرّقون ما في البيوت بالنار. ولما رواه ابن خزيمة وأحمد والحاكم من طريق حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن شدّاد عن ابن أم مكتوم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم استقبل الناس في صلاة العشاء فقال لقد هممت أن آتى هؤلاء الذين يتخلفون عن الصلاة فأحرّق عليهم بيوتهم. ولما رواه البخارى عن أبي هريرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال والذى نفسى بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤمّ الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرّق عليهم بيوتهم والذى نفسى بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء (قال) الأصمعى العرق

باب التشديد في ترك الجماعة

بفتح العين المهملة وسكون الراء قطعة لحم والمرماتان تثنية مرماة بكسر الميم. قال الخليل هي ما بين ظلفي الشاة من اللحم. ويحتمل أن الصلاة التي وقع التهديد لأجلها هى صلاة الفجر والعشاء لما رواه مسلم والنسائى والمصنف وأحمد عن أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا "الحديث" ويحتمل أنها الجمعة لما رواه مسلم عن ابن مسعود أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة لقد هممت أن آمر رجلا يصلى بالناس ثم أحرّق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم (وظاهر هذا التشديد) يدل على وجوب الجماعة في جميع الصلوات عينا وبه قال عطاء والأوزاعي وإسحاق والحنابلة وأبو ثور وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان وداود وأهل الظاهر. محتجين بحديث الباب وأشباهه. وبأحاديث أخر يأتى بعضها للمصنف. وقالوا لو كانت فرض كفاية لسقط بفعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومن معه ولو كانت سنة ما همّ بقتلهم لأن تارك السنة لا يقتل فتعين أن تكون فرضا على الأعيان "ولا يقال" إذا كانت الجماعة واجبة عينا فكيف يجوز أن يتخلف عنها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لأن تخلفه" كان لتكميل أمر الجماعة فكأنه حاضر فيها. واستدلت الحنابلة أيضا بقوله تعالى "وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك" فأمر بالجماعة حال الخوف ففى غيره أولى (وهؤلاء اختلفوا) أهى شرط في صحة الصلاة أم لا فقال بشرطيتها داود ومن تبعه وابن حزم وقال لا تجزئُ صلاة فرض أحدا من الرجال إذا كان بحيث يسمع الأذان أن يصليها إلا في المسجد مع الإمام فإن تعمد ترك ذلك بغير عذر بطلت صلاته فإن كان بحيث لا يسمع أذانا ففرض عليه أن يصلى في جماعة مع واحد إليه فصاعدا ولابدّ فإن لم يفعل فلا صلاة له إلا أن لا يجد أحدا يصليها معه فيجزئه حينئذ إلا من له عذر فيجزئه حينئذ التخلف عن الجماعة اهـ (وذهب بعض) الشافعية والمالكية إلى أنها فرض كفاية وهو اختيار الطحاوى والكرخى من الحنفية. لكن خصه الشافعية بالصلاة المؤدّاة بخلاف المقضية فالجماعة فيها مستحبة إذا اتفق الإمام والمأموم فيها كأن يفوتهما ظهر. واستدلوا بأدلة القائلين بالوجوب العينى لقيام القرينة الصارفة للأدلة من فرض العين إلى فرض الكفاية وهى حديث صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذّ بخمس وعشرين درجة فإنه يفيد صحة صلاة المنفرد فيبقى الوجوب المستفاد فيها وجوبا كفائيا (وذهب الجمهور) إلى أن الجماعة سنة مؤكدة وهو مشهور مذهب المالكية والشافعية والحنفية. مستدلين بما رواه الشيخان عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال صلاة الرجل في الجماعة أفضل من صلاة الفذّ بسبع وعشرين درجة. وفي رواية لهما أيضا عن أبى هريرة بخمس وعشرين درجة. قالوا وجه الدلالة

فيه أن المفاضلة إنما تكون بين فاضلين جائزين وإن الصلاتين قد اشتركتا في الفضيلة ولو كانت الفرادى غير مجزئة لما كانت لها فضيلة. وبما رواه الشيخان أيضا عن أبى موسى قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم والذى ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذى يصليها ثم ينام. وبما رواه النسائى وغيره من حديث يزيد بن الأسود من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما وجد رجلين جالسين ولم يصليا معه ما منعكما أن تصليا معنا فقالا يا رسول الله قد صلينا في رحالنا فقال لهما إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة (وأجابوا عن حديث) الهمّ بتحريق البيوت بوجوه (منها) أن الحديث ورد في قوم منافقين يتخلفون عن الجماعة ولا يصلون فرادى كما يدلّ عليه حديث ابن مسعود الآتى وفيه ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق بين النفاق (ومنها) أنه صلى الله عليه وآله وسلم همّ ولم يحرقهم بالفعل ولو كان واجبا لما تركه (ومنها) ما حكاه القاضى عياض من أن فرضية الجماعة كانت أول الإسلام لأجل سدّ باب التخلف عن الصلاة على المنافقين ثم نسخ الوجوب (قال في الفتح) ويدلّ على النسخ الأحاديث الواردة في تفضيل صلاة الجماعة لأن الأفضلية تقتضى الاشتراك في أصل الفضل ومن لازم ذلك الجواز اهـ (والظاهر ما ذهب) إليه الجمهور من القول بالسنية لما فيه من الجمع بين الأدلة وعدم إهمال بعضها (قال في النيل) قد تقرّر أن الجمع بين الأحاديث ما أمكن هو الواجب وتبقية الأحاديث المشعرة بالوجوب على ظاهرها من دون تأويل والتمسك بما يقضى به الظاهر إهدار للأدلة القاضية بعدم الوجوب وهو لا يجوز. فأعدل الأقوال وأقربها إلى الصواب أن الجماعة من السنن المؤكدة التي لا يخلّ بملازمتها ما أمكن إلا محروم مشئوم. وأما أنها فرض عين أو كفاية أو شرط لصحة الصلاة فلا. ولهذا قال المصنف "يعنى ابن تيمية" رحمه الله تعالى بعد أن ساق حديث أبى هريرة ما لفظه "وهذا الحديث يردّ على من أبطل صلاة المنفرد لغير عذر وجعل الجماعة شرطا لأن المفاضلة بينهما تستدعي صحتهما. وحمل النصّ على المنفرد لعذر لا يصح لأن الأحاديث قد دلت على أن أجره لا ينقص عما يفعله لولا العذر فروى أبو موسى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا رواه أحمد والبخارى وأبو داود. وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من توضأ فأحسن الوضوء ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله عزّ وجلّ مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا رواه أحمد وأبو داود والنسائى اهـ" استدلّ المصنف رحمه الله تعالى بهذين الحديثين على ما ذكره من عدم صحة حمل النصّ على المنفرد لعذر لأن أجره كأجر المجمع اهـ (وقال في حجة الله البالغة) الجماعة سنة مؤكدة

أقوال العلماء في المعاقبة بالمال

تقام اللائمة على تركها لأنها من شعائر الدين لكنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأى من بعض من هنالك تأخرا واستبطاء وعرف أن سببه ضعف النية في الإسلام فشدّد النكير عليهم وأخاف قلوبهم. ثم لما كان في شهود الجماعة حرج للضعيف والسقيم وذى الحاجة اقتضت الحكمة أن يرخص في تركها عند ذلك ليتحقق العدل بين الإفراط والتفريط اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية الحلف من غير طلب، وعلى جواز تقديم الوعيد والتهديد على العقوبة. وسرّه أن المفسدة إذا ارتفعت بالأهون من الزّجر اكتقى به عن الأعلى وعلى مشروعية الاستعانة في الأمور، وعلى جواز المعاقبة بالمال بحسب الظاهر. وبه قال جماعة من المالكية. وقال الجمهور إن ذلك كان في أول الإسلام ثم نسخ، ودلّ أيضا على جواز إخراج من طلب بحق من بيته إذا اختفى فيه وامتنع بكلّ طريق يتوصل إليه لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أراد إخراج المتخلفين عن الصلاة بإيقاد النار عليهم في بيوتهم، ودلّ أيضا على جواز أخذ أهل الجرائم والمعاصى على غرّة، وعلى تأكد أمر الصلاة في الجماعة (من أخرج الحديث أيضا) أخرج الشيخان والنسائى وأحمد وابن ماجه نحوه (ص) حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، ثَنَا أَبُو الْمَلِيحِ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ فِتْيَتِي فَيَجْمَعُوا لي حُزَمًا مِنْ حَطَبٍ، ثُمَّ آتِيَ قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ فَأُحَرِّقَهَا عَلَيْهِمْ»، قُلْتُ لِيَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ: يَا أَبَا عَوْفٍ الْجُمُعَةَ عَنَى أَوْ غَيْرَهَا؟ فقَالَ: صُمَّتَا أُذُنَايَ إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَأْثُرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مَا ذَكَرَ جُمُعَةً وَلَا غَيْرَهَا (ش) (رجال الحديث) (النفيلى) هو عبد الله بن محمد. و (أبو المليح) هو الحسن بن عمر الرّقى. و (يزيد بن يزيد) بن جابر الرّقى الدمشقى أصله من البصرة. روى عن الزهرى ومكحول ويزيد بن الأصم وغيرهم. وعنه الأوزاعي والثورى وابن عيينة. وثقه ابن معين والنسائى وأبو داود وقال أحمد لا بأس به وقال ابن عيينة كان حافظا ثقة عاقلا وقال في التقريب مجهول وقال في الميزان لا يعرف. مات سنة ثلاث أو أربع وثلاثين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والترمذى وابن ماجه

(معنى الحديث) (قوله لقد هممت أن آمر فتيتي) جمع فتي أى جماعة من شبان أصحابى أو خدمى وغلمانى (قوله ثم آتى قوما يصلون في بيوتهم الخ) أى يتخلفون عن الجماعة في المسجد وليس بهم عذر من مرض أو خوف. وهو يدلّ على أن القصة كانت في شأن المؤمنين لا المنافقين لأنهم ما كانوا يصلون في بيوتهم وإنما كانوا يصلون مع الجماعة رياء وتقية من السيف (قوله الجمعة عنى أو غيرها) أى أقصد النبى صلى الله عليه وآله وسلم بذلك من تخلف عن صلاة الجمعة أم قصد من تخلف عن الجمعة وغيرها من الصلوات (قوله فقال صمتا أذناى الخ) أى كفتا عن السماع إن لم أكن سمعت أبا هريرة يذكره الخ وهو خبر بمعنى الإنشاء. والمقصود منه أنه متثبت فيما سمعه من أبى هريرة. وألحق بالفعل علامة التثنية مع إسناده إلى الظاهر على حدّ قوله تعالى "وأسرّوا النجوى الذين ظلموا" وقوله صلى الله عليه وآله وسلم يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل "الحديث" وقوله ما ذكر جمعة ولا غيرها أى أن أبا هريرة لم يذكر فيما سمعه من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جمعة ولا غيرها بل ذكر الصلاة مطلقا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والترمذى وابن ماجه والبيهقى (ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبَّادٍ الْأَزْدِيُّ، ثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «حَافِظُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ بَيِّنُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ، وَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَلَهُ مَسْجِدٌ فِي بَيْتِهِ، وَلَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَتَرَكْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَكَفَرْتُمْ» (ش) (رجال الحديث) (هارون بن عباد) المصيصى الأنطاكي. روى عن جرير ومروان بن معاوية ووكيع بن الجرّاح وابن علية. وعنه أبو داود ومحمد بن وضاح والقرطبي. قال في التقريب مقبول من العاشرة. و (الأزدى) نسبة إلى أزد بوزن فلس حيّ من اليمن. و (المسعودى) هو عبد الرحمن بن عبد الله. و (عليّ بن الأقمر) بن عمرو بن الحارث الهمداني الوداعي الكوفي. روى عن أبى جحيفة وأسامة بن شريك وابن عمر. وعنه

الأعمش ومنصور بن المعتمر وشعبة. وثقه ابن معين والنسائى والدارقطني وأبو حاتم وقال صدوق (قوله عن أبى الأحوص) هو عوف بن مالك بن فضلة الجشمى الكوفى. روى عن أبيه وابن مسعود وعلى وأبى هريرة ومسروق بن الأجدع. وعنه أبو إسحاق السبيعى ومالك بن الحارث وحميد بن هلال وعلى بن الأقمر. وثقه ابن معين وابن حبان والنسائى وابن سعد. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى (معنى الحديث) (قوله حافظوا على هؤلاء الصلوات الخ) أى أدّوها مستوفية لشروطها وأركانها وآدابها في المساجد مع الجماعة. وفى رواية مسلم وابن ماجه من سرّه أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهنّ الخ أى حين يؤذن لهنّ أول أوقاتهنّ فإنهنّ من سنن الهدى بضم السين وفتحها أى طريق الهدى والصواب والإضافة فيه بيانية. وسنة الهدى ما تكون إقامتها تكميلا للدين تاركها بلا عذر على سبيل الإصرار ملوم فهى من العبادات بخلاف سنن الزوائد كقيامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقعوده ونومه ولباسه أخذها حسن يثاب عليه وتركها لا يساء عليه (قال ابن عابدين) في حاشيته على الدرّ المختار ما نصه: المشروعات أربعة أقسام فرض وواجب وسنة ونفل فما كان فعله أولى من تركه مع منع الترك إن ثبت بدليل قطعىّ ففرض أو بظنىّ فواجب وبلا منع الترك إن كان مما واظب عليه الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو الخلفاء الراشدون من بعده فسنة وإلا فمندوب ونفل. والسنة نوعان سنة الهدى وتركها يوجب إساءة وكراهية كالجماعة والأذان والإقامة وسنة الزوائد وتركها لا يوجب ذلك كسير النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في لباسه وقيامه وقعوده. والنفل ومنه المندوب يثاب فاعله ولا يساء تاركه وقيل هو دون سنن الزوائد اهـ (قوله ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها الخ) أى لقد رأيتنا معاشر الصحابة أو جماعة المسلمين وما يتخلف عن صلاة الجماعة في المسجد من غير عذر إلا منافق. والجملة حال دالة على المفعول الثاني لرأى فكأنه قال لقد علمت نفسي والصحابة نصلى الصلوات في جماعة والحال أنه ما كان يتأخر عنها حينئذ إلا منافق ظاهر النفاق. وفى رواية لمسلم وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق والنفاق ستر الكفر وإظهار الإيمان. والمنافق هو الذى يستر كفره ويظهر إيمانه وأصله مأخوذ من النافقاء أحد حجرى اليربوع إذا طلب من واحد هرب إلى الآخر وخرج منه. وقيل هو من النفق وهو السرب الذى يستتر فيه لستره كفره اهـ من النهاية (وفيه دلالة) على أن المراد بالتغليظ المتقدّم والهمّ بإحراق البيوت خصوص المنافقين (قوله ليهادى بين الرجلين) وفي رواية مسلم ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين أى يمشى بينهما معتمدا عليهما من ضعفه وتمايله (وهذا يدلّ) على تأكيد أمر صلاة الجماعة وتحمل المشقة في حضورها وأنه إذا أمكن المريض

ونحوه التوصل إليها استحب له حضورها (قوله وما منكم من أحد إلا وله مسجد في بيته) أى موضع صلاة فيه. ولعله قال ذلك لعلمه بأن المخاطبين كانوا يصلون النافلة في بيوتهم عملا بما رواه النسائى عن عمر من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة (قوله ولو صليتم في بيوتكم الخ) أى لو صليتم الصلوات المكتوبة في مساجد بيوتكم لتركتم طريقة نبيكم فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلى المكتوبة في المسجد العامّ ولا يصليها في بيته إلا لعذر ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم. وفي رواية مسلم والنسائى لضللتم (واستدلّ بهذا) الحديث من قال إن صلاة الجماعة فرض على الأعيان. لكن لا دلالة فيه لأنه محمول على التغليظ والتهديد في ترك صلاة الجماعة. أو أنه محمول على الترك تهاونا وقلة مبالاة بها (وقال) الخطابي معناه أنه يؤديكم إلى الكفر بأن تتركوا عرى الإسلام شيئا فشيئا حتى تخرجوا من الملة اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على الحثّ على المحافظة على أداء الصلوات الخمس جماعة. وعلى أنه ينبغى للمريض حضور صلاة الجماعة ولو بإعانة. لكن محله إذا أمكنه، وعلى الترهيب من ترك صلاة الجماعة إلا لعذر (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والنسائى وابن ماجه موقوفا كما أخرجه المصنف (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ أَبِي جَنَابٍ، عَنْ مَغْرَاءَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّبَاعِهِ، عُذْرٌ»، قَالُوا: وَمَا الْعُذْرُ؟ ، قَالَ: «خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ، لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّى». (ش) (رجال الحديث) (قتيبة) بن سعيد. و (جرير) بن عبد الحميد (قوله عن أبى جناب) هو يحيى بن حيّ الكلبي الكوفى. روى عن أبيه وعبد الرحمن بن أبى ليلى والضحاك بن مزاحم والحسن البصرى وشهر بن حوشب وجماعة. وعنه السفيانان والحسن بن صالح والنضر بن زرارة ووكيع وأبو نعيم وغيرهم. قال ابن سعد كان ضعيفا في الحديث وقال على بن المديني كان يحيى بن سعيد يتكلم فيه وفي أبيه وقال البخارى وأبو حاتم كان يحيى القطان يضعفه وقال يزيد بن هارون كان صدوقا يدلس وقال ابن معين ليس به بأس صدوق وقال النسائى ليس بالقوىّ. قيل مات سنة سبع وأربعين ومائة (قوله عن مغراء) بفتح فسكون أبي المخارق

الأعذار المبيحة التخلف عن صلاة الجماعة

الكوفي. روى عن ابن عمر وعدى بن ثابت. وعنه أبو إسحاق السبيعى والأعمش والحسن بن عبيد الله النخعى. قال الترمذى حديثه ليس بالمعروف وقال في الخلاصة مجهول. و (العبدى) نسبة إلى العبد جبل لبنى أسد أو موضع بالسبعان في بلاد طيء (معنى الحديث) (قوله من سمع المنادى الخ) أى من سمع نداء المؤذن للصلاة المكتوبة فلم يمنعه من إتيانه المسجد إلى الجماعة التي دعا إليها المؤذن نوع من الأعذار لم تقبل منه الصلاة التي صلى والتقييد بسماع النداء وبالجماعة التي يسمع مؤذنها جرى على الغالب لأن الإنسان إنما يذهب إلى الجماعة التي يسمع مؤذنها غالبا فإذا لم يسمع المؤذن ولا عذر له لم يسقط عنه الطلب إذ عدم سماعه المؤذن ليس من الأعذار ولو ذهب إلى جماعة لم يسمع مؤذنها فقد أدّى ما طلب منه (قوله قالوا وما العذر) أى قالت الصحابة للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وما العذر الذى يبيح التخلف ويحتمل أن المسئول ابن عباس فيكون السؤال والجواب مدرجين في الحديث (قوله قال خوف أو مرض) أى خوف على نفس أو عرض أو مال أو مرض يشقّ معه الذهاب إلى المسجد (ومن) الأعذار أيضا المطر والبرد الشديدان لما رواه البخارى ومسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يأمر مؤذنا يؤذن ثم يقول على إثره ألا صلوا في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر. وفي رواية لمسلم يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول ألا صلوا في الرحال. والرحال المنازل سواء أكانت من مدر أم شعر أم وبر أم غيرها (ومنها) حضور الطعام ونفسه تتوقه ومدافعة البول والغائط لما رواه مسلم والمصنف عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان. وما رواه البخارى عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضى حاجته منه وإن أقيمت الصلاة (قال) النووى ومثل البول والغائط الريح اهـ (قوله لم تقبل منه الصلاة التي صلى) أى لم تصح (وبه استدلّ) من قال إن صلاة الجماعة فرض على الأعيان. لكن المراد لم تقبل قبولا كاملا (قال العينى) هذا الحديث حكمه الزجر والتهديد وقوله لم تقبل من قبيل قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد. والمراد منه نفى الفضيلة والكمال اهـ (وقال) النووى معنى عدم قبول الصلاة أن لا ثواب له فيها وإن كانت مجزئة في سقوط الفرض عنه كالصلاة في الدار المغصوبة. تسقط الفرض ولا ثواب له فيها اهـ على أن الحديث ضعيف لأنه من رواية أبى جناب ومغراء وفيهما مقال كما علمت (فقه الحديث) دلّ الحديث على تأكيد أمر الصلاة في الجماعة وأن من تخلف عنها لغير عذر حرم من الثواب الكثير، وعلى مشروعية التخلف عن الجماعة لعذر من الأعذار

عدم الترخيص في ترك الجماعة لمن أمكنه سماع الأذان

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطنى وكذا ابن حبان والحاكم وابن ماجه بلفظ من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر. وفى بعض النسخ بعد هذا الحديث زيادة "قال أبو داود روى عن مغراء أبو إسحاق" ولعل الغرض منها تقوية مغراء العبدى حيث روى عنه أبو إسحاق السبيعى (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ شَاسِعُ الدَّارِ، وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَاوِمُنِي فَهَلْ لِي رُخْصَةٌ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي؟ ، قَالَ: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «لَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً» (ش) (أبو رزين) مسعود بن مالك (قوله شاسع الدار) أى بعيدها عن المسجد (قوله ولى قائد لا يلاومنى) أى لا يوافقنى والقائد من القود بفتح القاف وسكون الواو وهو أن يكون الرجل أمام الدابة آخذا بقيادها وجمعه قادة وقوّاد ويلاومنى بالواو في أكثر النسخ وفي بعضها يلائمنى بالهمزة (قال) الخطابى وهي الصواب أى لا يوافقنى ولا يساعدنى فأما الملاومة فإنها مفاعلة من اللوم وليس هذا موضعه اهـ (قوله فهل لى رخصة الخ) أى فهل يسوغ لى بذلك التأخر عن الصلاة جماعة في المسجد وأن أصلي في البيت. والرخصة في الأصل السهولة (قوله لا أجد لك رخصة) وفى رواية لمسلم قال فأجب (وهو صريح) في أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يرخص له في التأخر حيث إنه يسمع الأذان (وفى الحديث دلالة) لمن قال إن صلاة الجماعة فرض على الأعيان لأنه لم يرخص له عند سماع الأذان وإن كان قد ذكر له العذر. وتأوّله من ذهب إلى السنية بأن معناه لا أجد لك رخصة تحصل لك فضل الجماعة من غير حضورها. وليس المراد منه الإيجاب عليه. ويؤيده ما ذكر في الصحيحين من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رخص لعتاب بن مالك في الصلاة في بيته لما شكا إليه بصره. ولعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم من حال ابن أم مكتوم أنه قادر على الإتيان إلى المسجد بدون مشقة فلذا لم يرخص له وإلا فالعمى عذر (قال في سبل السلام) في شرح حديث ذكره عن أبى هريرة عند مسلم بلفظ أتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله ليس لى قائد يقودنى إلى المسجد فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء بالصلاة قال نعم قال فأجب. والحديث من أدلة الإيجاب للجماعة عينا لكن ينبغى أن يقيد الوجوب عينا على

سامع النداء لتقييد حديث الأعمى وحديث ابن عباس به. وما أطلق من الأحاديث يحمل على المقيد. وإذا عرفت هذا فاعلم أن الدعوى وجوب الجماعة عينا أو كفاية والدليل هو حديث الهمّ بالتحريق وحديث الأعمى وهما إنما دلا على وجوب حضور جماعته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في مسجده لسامع النداء وهو أخصّ من وجوب الجماعة ولو كانت الجماعة واجبة مطلقا لبين صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك للأعمى ولقال له انظر من يصلى معك ولقال في المتخلفين إنهم لا يحضرون جماعته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا يجمعون في منازلهم والبيان لا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة فالأحاديث إنما دلت على وجوب حضور جماعته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عينا على سامع النداء لا على وجوب مطلق الجماعة كفاية ولا عينا. وفيه أنه لا يرخص لسامع النداء عن الحضور وإن كان له عذر فإن هذا ذكر العذر وأنه لا يجد قائدا فلم يعذره إذًا. ويحتمل أن الترخيص له ثابت للعذر ولكنه أمره بالإجابة ندبا لا وجوبا ليحرز الأجر في ذلك. والمشقة تغتفر بما يجده في قلبه من الروح في الحضور. ويدلّ لكون الأمر للندب أى مع العذر قوله وعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر رواه ابن ماجه والدارقطنى وابن حبان والحاكم وإسناده على شرط مسلم لكن رجح بعضهم وقفه اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن من اشتبه عليه أمر من أمور الدين يطلب منه أن يسأل عنه العالم به. وعلى تأكد أمر صلاة الجماعة، وعلى أن العمى قد لا يكون عذرا في التخلف عنها (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه وأحمد والحاكم وابن خزيمة (ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْمَدِينَةَ كَثِيرَةُ الْهَوَامِّ وَالسِّبَاعِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «أَتَسْمَعُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ؟ فَحَيَّهَلَا». (ش) (رجال الحديث) (قوله هارون بن زيد بن أبى الزرقاء) أبو موسى الموصلى نزيل الرملة. روى عن أبيه وداود بن الجرّاح وضمرة بن ربيعة. وعنه أبو داود والنسائى وأبو حاتم وابن أبى عاصم وجماعة. وثقه ابن حبان ومسلمة بن قاسم وقال أبو حاتم صدوق وقال النسائى لا بأس به. مات سنة خمسين ومائتين (قوله حدثنا أبى) هو زيد بن أبى الزرقاء الثعلبي أبو محمد

الموصلى. روى عن الأوزاعي ومالك وسفيان الثورى وحماد بن سلمة وجرير بن حازم وآخرين وعنه ابنه هارون والقاسم بن يزيد وعيسي بن يونس وعلى بن سهل وكثيرون. وثقه أبو حاتم وابن معين وقال أحمد صالح لا بأس به وذكره الأزدى في الطبقة الثالثة من أهل الموصل وقال هو من أهل الفضل والنسك. توفى سنة أربع وتسعين ومائة. و (عبد الرحمن بن عابس) بالموحدة هو ابن ربيعة النخعى الكوفى. روى عن أبيه وابن عباس وأبى بردة وأبى موسى. وعنه الثورى وشعبة وحجاج بن أرطاة. وثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائى والعجلى وابن نمير وابن وضاح. توفى سنة تسع عشرة ومائة. روى له الشيخان وابن ماجه والنسائى وأبو داود (معنى الحديث) (قوله كثيرة الهوامّ والسباع) يعنى وأخشى منها الأذى فهل يرخص لى في التأخر عن الجماعة. والهوامّ جمع هامة كدابة وهي ما لها سمّ يقتل كالحية وتطلق على ما لا تقتل كالحشرات والمراد الأول. والسباع جمع سبع ما له ناب يعدو به ويفترس كالذئب والفهد (قوله أتسمع حيّ على الصلاة إلخ) وفي نسخة هل تسمع. والمراد به الأذان وخصّ هذين اللفظين بالذكر لما فيهما من معنى الطلب. وكأن ابن أم مكتوم قال له نعم أسمع الأذان فلذا أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالإجابة بقوله حيهلا وهي كلمة حثّ واستعجال وضعت موضع أجب وهي في الأصل كلمتان جعلتا كلمة واحدة فحىّ بمعنى أقبل وهلا بمعنى أسرع (قال) في مرقاة الصعود وفي شرح المفصل هو اسم من أسماء الأفعال مركب من حىّ وهلا وهما صوتان معناهما الحثّ والاستعجال وجمع بينهما وسمى بهما للمبالغة وكان الوجه أنه لا ينصرف كحضرموت وبعلبك إلا أنه قد وقع موقع فعل الأمر فبنى كصه ومه. وتارة يستعمل حىّ وحده نحو حىّ على الصلاة وتارة هلا وحدها واستعمال حىّ وحده أكثر اهـ ولعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم أنه لا يلحقه ضرر من الهوامّ والسباع فلذا لم يجعلهما من الأعذار التى تبيح التخلف عن الجماعة وإلا فالخوف على النفس من الأعذار المبيحة للتخلف عنها كما تقدم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والحاكم قال المنذرى وقد اختلف على ابن أبى ليلى في هذا الحديث فرواه بعضهم عنه مرسلا (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَا رَوَاهُ الْقَاسِمُ الْجَرْمِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ (ش) أى روى هذا الحديث القاسم الجرمى عن سفيان الثورى كما رواه زيد بن أبى الزرقاء عنه لكن لم يذكر القاسم لفظ حيهلا وقد صرّح بها في بعض النسخ وإنما هى في رواية زيد بن أبى الزرقاء وقد أخرج النسائى رواية القاسم عن سفيان وذكر فيها حيهلا. ولعلّ القاسم روى

باب في فضل صلاة الجماعة

الحديث مرّتين مرّة ذكر حيهلا وهو الذى رواه النسائى ومرّة لم يذكرها وهو الذى رواه أبو داود هذا. و (القاسم) هو ابن يزيد أبو يزيد الموصلى الزاهد. روى عن الثورى ومالك وابن أبى ذئب وهشام بن سعد. وعنه بشر بن الحارث وإبراهيم بن موسى وعلى بن حرب وآخرون قال أبو حاتم صالح ثقة وقال الأزدى. كان فاضلا ورعا حسنا حافظا للحديث متفقها وقال بشر إنه الأمين المأمون. مات سنة ثلاث أو أربع وتسعين ومائة. و (الجرمى). نسبة إلى جرم بكسر فسكون مدينة بنواحى بذخشان (باب في فضل صلاة الجماعة) وفي بعض النسخ باب ما جاء في فضل صلاة الجماعة (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَوْمًا الصُّبْحَ، فَقَالَ: أَشَاهِدٌ فُلَانٌ، قَالُوا: لَا، قَالَ: أَشَاهِدٌ فُلَانٌ، قَالُوا: لَا، قَالَ: «إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَيْتُمُوهُمَا، وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الرُّكَبِ وَإِنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ عَلَى مِثْلِ صَفِّ الْمَلَائِكَةِ وَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا فَضِيلَتُهُ لَابْتَدَرْتُمُوهُ، وَإِنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى» (ش) (رجال الحديث) (شعبة) بن الحجاج. و (عبد الله بن أبى بصير) العبدى الكوفي. روى عن أبيّ بن كعب وعن أبيه. وعنه أبو إسحاق السبيعى ولا يعلم له راو عنه غيره قال العجلى تابعى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله أشاهد فلان الخ) أى أحاضر صلاتنا هذه فلان وفلان ولعلّ أبيا لم يعرف اسمهما فكنى عنهما بفلان وفلان أو أبهما للستر (قوله إن هاتين الصلاتين الخ) المراد بهما صلاة الصبح والعشاء كما في رواية مسلم عن أبى هريرة إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر (قال) ابن حجر المكي أشار إلى العشاء لحضورها بالقوّة لأن الصبح مذكرة بها نظرا إلى أن هذه مبتدأ النوم وتلك منتهاه اهـ وخصّ هاتين الصلاتين لأنهما مظنة

ما دل عليه حديث أبي بن كعب من أن التأخر عن الجماعة في العشاء والفجر من علامات المنافقين وغير ذلك من الفوائد

التهاون والتكاسل فإنهما في وقت نوم لا ينتهض لله عزّ وجلّ فيهما من فراشه عند لذيذ نومه إلا مؤمن تقيّ ولأنهما في ظلمة الليل وداعي الرياء الذى يصلى لأجله المنافقون منتف لعدم مشاهدة من يراءونه من الناس إلا القليل وليس لهم داع دينىّ حتى يبعثهم ويسهل عليهم الإتيان لهما فانتفى عنهم الباعث الدينى والدنيوى. وأفعل التفضيل يدل على أن الصلوات كلها ثقيلة على المنافقتن كما يدل عليه قوله تعالى "ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى" (قوله ولو تعلمون ما فيهما الخ) أى لو تعلمون ما فيهما من الأجر والثواب الزائد لأتيتم إلى أدائهما في المسجد جماعة ولو كان الإتيان حبوا على الركب فحبوا خبر لكان المحذوفة. وعدل عن الغيبة إلى الخطاب ليعمّ المنافق وغيره وليبشر المؤمنين بأنهم الفائزون بما ترتب على حضورهما من الفضل لقيامهما بحقهما دون المنافقين (قوله وإن الصفّ الأوّل الخ) أى في القرب من الله تعالى والبعد من الشيطان على فضل وأجر مثل أجر صفّ الملائكة وفضله. فشبه الصفّ الأوّل في قربهم من الإمام بصفّ الملائكة في قربهم من رحمة الله تعالى. وهذه من مزايا الملائكة فلا يقال إنهم أكثر أجرا وفضلا من الآدميين (قوله وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى الخ) أى أكثر ثوابا وأبلغ في تكفير ذنوبه من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أكثر ثوابا من صلاته مع الواحد لما في الجماعة وكثرتها من مزيد الفضل والرحمة كما سيأتى ولأن الجماعة فيها الحفظ من وسوسة الشيطان كما تقدّم في قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية (قوله وما كثر فهو أحب الخ) وفي رواية النسائي وما كانوا أكثر فهو أحبّ وما شرطية أى وكلما كثرت الجماعة فهو أحب إلى الله عزّ وجلّ. ويحتمل أن تكون موصولة أى والصلاة التى كثر المصلون فيها أحب إلى الله تعالى. وذكر الضمير باعتبار لفظ ما وفرن الخبر بالفاء لأن الموصول يشبه الشرط في العموم. ومحبة الله تعالى كناية عن رحمته وإحسانه (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه ينبغى لإمام القوم أن يتفقد أحوال المأمومين ويسأل عمن غاب منهم، وعلى تأكد الجماعة في العشاء والفجر، وعلى الترغيب في حضور الجماعة فيهما لما فيه من الخير الكثير، وعلى مزيد فضل الصف الأول والترغيب في المبادرة إليه، وعلى أن الجماعة تنعقد بواحد مع الإمام، وعلى أن الجماعة تتفاوت في الفضل بكثرة حاضريها (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والبيهقى وابن ماجه وأحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم وصححه أيضا ابن السكن والعقيلى وابن معين والذهلى (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي سَهْلٍ يَعْنِي عُثْمَانَ بْنَ حَكِيمٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رضي الله تعالى عنه -، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ، وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ» (ش) (رجال الحديث) (إسحاق بن يوسف) بن مرداس المخزومى الواسطى المعروف بالأزرق. روى عن الأعمش والثورى وابن عون وشريك ومسعر وآخرين. وعنه أحمد وأبو خيثمة وابن معين وأبو بكر بن أبي شيبة وجماعة. وثقه ابن معين وأحمد والعجلى وقال أبو حاتم صحيح الحديث صدوق لا بأس به وقال الخطيب كان من الثقات المأمونين وقال ابن سعد كان ثقة وربما غلط. ولد سنة سبع عشرة ومائة. وتوفى سنة خمس وتسعين ومائة. روى له الجماعة. و (عثمان بن حكيم) بن عباد بن حنيف الأنصارى الأوسى المدني ثم الكوفي روى عن أبى أمامة وسعيد بن المسيب ومحمد بن كعب وسعيد بن جبير وكثيرين. وعنه الثورى وعيسى بن يونس وزهير بن معاوية وشريك ومروان بن معاوية وآخرون. وثقه أبو داود والنسائى وابن معين وأبو حاتم والعجلى وابن نمير ويعقوب بن شيبة. توفى سنة ثمان وثلاثين ومائة. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى ومسلم والبخارى في التاريخ و (عبد الرحمن بن أبى عمرة) عمرو بن محصن بن عتيك بن عمرو بن مبذول الأنصارى. روى عن أبيه وعثمان وعبادة بن الصامت وأبى سعيد الخدرى وأبي هريرة. وعنه ابنه عبد الله وخارجة بن زيد وخالد بن المهاجر ومجاهد بن جبر وجماعة. ذكره ابن سعد فيمن ولد على عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال كان ثقة كثير الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن أبى حاتم في المراسيل ليس له صحبة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله من صلى العشاء الخ) أى من صلى العشاء والصبح في جماعة كان له ثواب مثل ثواب من قام نصف ليلة أو ليلة لم يصلّ فيها العشاء والصبح في جماعة فهو نظير قوله تعالى "ليلة القدر خير من ألف شهر" يعنى من ألف شهر لا يكون فيها ليلة القدر فإذا صلاهما في جماعة وقام الليل كله حصل له من الثواب مثلان على حدّ من فعل كذا له درهم كمن فعل كذا فمن فعل الاثنين فله درهمان (وبهذا تعلم) ردّ قول البيضاوى إن هذا تشبيه مطلق مقدار الثواب ولا يلزم في تشبيه الشئ بالشئ أخذه بجميع أحكامه ولو كان قدر الثواب سواء لم يكن لمصلى العشاء والصبح في جماعة منفعة في قيام الليل غير التعب. وحديث الباب صريح في أن صلاة العشاء والفجر في جماعة فيهما ثواب كثواب قيام الليل. وفى رواية مسلم عن عبد الرحمن بن أبى عمرة قال دخل عثمان بن عفان المسجد بعد صلاة المغرب فقعد وحده فقعدت إليه فقال يا ابن أخى سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف

باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة

الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله. وفى رواية مالك في الموطأ عن عبد الرحمن ابن أبى عمرة أنه قال جاء عثمان بن عفان إلى صلاة العشاء فرأى أهل المسجد قليلا فاضطجع في مؤخر المسجد ينتظر الناس أن يكثروا فأتاه ابن أبى عمرة فجلس إليه فسأله من هو فأخبره فقال ما معك من القرآن فأخبره فقال له عثمان من شهد العشاء فكأنما قام نصف ليلة ومن شهد الصبح فكأنما قام ليلة (قال) الزرقانى هذا وإن كان موقوفا فله حكم الرفع لأنه لا يقال بالرأى اهـ وهاتان الروايتان تفيدان أنه له ثواب قيام الليل كله إذا صلى الصبح وحدها في جماعة. وهو خلاف ما في رواية الباب. ويمكن الجمع بينهما بأن في رواية مسلم ومالك حذفا تقديره ومن صلى الصبح والعشاء في جماعة الخ (فقه الحديث) دلّ الحديث على اختصاص العشاء والصبح في جماعة بمزية لا تكون في غيرهما من بقية الصلوات (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى وابن خزيمة والترمذى وقال حسن صحيح والحاكم ورواه مالك موقوفا كما تقدم ورواه مسلم بلفظ تقدّم (باب ما جاء في فضل المشى إلى الصلاة) وفي نسخة باب في فضل المشى إلى الصلاة (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «الْأَبْعَدُ فَالْأَبْعَدُ مِنَ الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ أَجْرًا» (ش) (رجال الحديث) (مسدّد) بن مسرهد. و (يحيى) القطان. و (ابن أبى ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن. و (عبد الرحمن بن مهران) المدنى مولى بنى هاشم. روى عن عبد الرحمن ابن سعد وعمير مولى ابن عباس. وعنه ابن أبى ذئب. روى له أبو داود وابن ماجه وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مجهول وقال الأزدى فيه وفي شيخه نظر. و (عبد الرحمن ابن سعد) المدني مولى الأسود بن سفيان ويقال مولى آل أبى سفيان. روى عن ابن عمر وأبى هريرة وأبى سعيد الخدرى وأبيّ بن كعب. وعنه عبد الرحمن بن مهران وهشام بن عروة وأبو الأسود وكلثوم بن عمار. قال العجلي تابعى ثقة ووثقه النسائى وابن حبان. روى له مسلم وأبو داود وابن ماجه

(معنى الحديث) (قوله الأبعد فالأبعد الخ) الفاء للترتيب أى أن الأبعد من المسجد أعظم أجرا من القريب منه فكل من كان أبعد كان أكثر أجرا وروى مسلم عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أعظم الناس في الصلاة أجرا أبعدهم إليها ممشى. وهذا من باب التسلية لمن بعد مسكنه عن المسجد لأن من قرب مسكنه منه سهل عليه مكثه فيه وكثرة صلاته فيه فثوابه موفور. أما البعيد من المسجد فمحروم من ذلك فكان من السلوى أن يبشر بأن خطاه ومشقته بمنزلة صلاته لما في البعد من كثرة الخطا وفى كل خطوة رفع درجة أو حطّ خطيئة كما سيأتي للمصنف. ولما رواه مسلم والترمذى والنسائى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا بلى يا رسول الله قال إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاه بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط. وليس المراد أنه يطلب إبعاد المساكن عن المسجد لأن بيته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان قريبا من المسجد فهو على حدّ قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك فإنه ليس فيه حثّ على إفساد رائحة الفم بعدم الاستياك وإنما الغرض تبشير الصائم بأن له أجرا كثيرا (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن كثرة الخطا إلى المساجد من أعظم القربات (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقى والحاكم وصححه (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، نَا زُهَيْرٌ، نَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، أَنَّ أَبَا عُثْمَانَ حَدَّثَهُ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ يُصَلِّي الْقِبْلَةَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَبْعَدَ مَنْزِلًا مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَكَانَ لَا تُخْطِئُهُ صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُلْتُ: لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الرَّمْضَاءِ وَالظُّلْمَةِ، فَقَالَ: مَا أُحِبُّ أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ فَنُمِيَ الْحَدِيثُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَرَدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يُكْتَبَ لِي إِقْبَالِي إِلَى الْمَسْجِدِ وَرُجُوعِي إِلَى أَهْلِي إِذَا رَجَعْتُ، فَقَالَ: «أَعْطَاكَ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ، أَنْطَاكَ اللَّهُ مَا احْتَسَبْتَ كُلَّهُ أَجْمَعَ»

(ش) (رجال الحديث) (زهير) بن معاوية. و (سليمان التيمى) هو ابن طرخان (قوله أن أبا عثمان) هو عبد الرحمن بن ملّ بتثليث الميم ولام مثقلة ابن عمرو بن عدى بن وهب النهدى سكن الكوفة أدرك الجاهلية وأسلم على عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يلقه روى عن أبي هريرة وأبى سعيد الخدرى وعمر وعائشة وعمرو بن العاصى وكثيرين من الصحابة والتابعين. وعنه ثابت البنانى وأيوب السختيانى وحميد الطويل وعاصم الأحول وقتادة وجماعة قال أبو داود أكبر تابعى أهل الكوفة ووثقه أبو زرعة والنسائى وابن خراش وابن سعد. قيل مات سنة خمس وتسعين (معنى الحديث) (قوله كان رجل) كان تامة بمعنى وجد ويحتمل أن تكون ناقصة خبرها محذوف دلّ عليه قوله أبعد الآتي (قوله لا أعلم أحدا من الناس ممن يصلى القبلة) أى إلى جهة القبلة ومراده بهم المسلمون من أهل المدينة (قوله وكان لا تخطئه الخ) أى كان لا تفوته صلاة من المكتوبات في المسجد معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال له أبيّ بن كعب لو اشتريت حمارا تركبه في الأرض الشديدة الحرارة من الشمس وفي الليالى المظلمة يقال رمض يومنا رمضا من باب تعب اشتد حرّه. وفى رواية ابن ماجه فتوجعت له فقلت يا فلان لو أنك اشتريت حمارا يقيك الرمضاء ويرفعك من الوقع ويقيك هوامّ الأرض "والوقع بفتحتين إصابة الحجارة" فقال ذلك الرجل ما أحب أن يكون منزلى قريبا من المسجد بل أحب أن يكون بعيدا منه ليكثر ثوابى بكثرة الخطا إليه. وفى رواية مسلم ما أحب أن بيتى مطنب ببيت محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أى ملصق به (قوله فنمى الحديث) بالبناء للمجهول ويصح بناؤه للمعلوم أى أبلغ أبىّ بن كعب حديث الرجل لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفي رواية مسلم وابن ماجه فحملت به حملا حتى أتيت نبيّ الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذكرت ذلك له أى أعظم علىّ قوله ذلك واستثقلته لبشاعته فدعا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك الرجل فسأله عن معنى قوله المذكور فقال أردت أن يكتب الله لى ثواب إقبالى إلى المسجد ورجوعي إلى بيتى. فهو مرتب على محذوف أى فدعاه فسأله كما صرّح به في رواية مسلم وابن ماجه (قوله أنطاك الله) لغة في أعطاك مؤكد له وهى لغة أهل اليمن (قوله ما احتسبت) أى الذى ادّخرته وابتغيت به وجه الله تعالى وثوابه يقال احتسب الأجر على الله ادّخره عنده لا يرجو ثواب الدنيا والمراد أنه يستحق الأجر من الله تعالى عمله إذا أخلص فيه وكان غير مشوب برياء ولا سمعة (فقه الحديث) دلّ الحديث على مزيد رحمة الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم بعضهم لبعض وعلى أن من سمع من غيره ما ظاهره النقص يطلب منه أن يرفعه إلى كبير القوم، وعلى أنه ينبغى

لكبير القوم إذا بلغه من أحد الرعية ما ظاهره غير موافق أن يتثبت في الأمر ولا يعجل بالعقوبة وعلى أن كثرة الخطا إلى المسجد فيها زياة الأجر، وعلى الترغيب في الإخلاص في العمل (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم وكذا ابن ماجه والبيهقي بنحوه (ص) حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ، نَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يُنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ» (ش) (رجال الحديث) (أبو توبة) الربيع بن نافع. و (يحيى بن الحارث) أبي عمرو أو أبى عمر الذمارى الغساني. روى عن سالم بن عبد الله وابن الأسقع وسعيد بن المنسيب وأبى الأشعث وغيرهم. وعنه الأوزاعي وثور بن يزيد وصدقة بن خالد والوليد بن مسلم والهيثم بن حميد وآخرون. وثقه ابن معين ودحيم وأبو داود وأبو حاتم وقال كان عالما بالقراءة صالح الحديث وقال ابن سعد كان عالما بالقراءة قليل الحديث. مات سنة خمس وأربعين ومائة وهو ابن سبعين سنة. روى له أبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه (قوله عن القاسم أبى عبد الرحمن) وفي نسخة ابن عبد الرحمن الدمشقى. روى عن على وابن مسعود وأبي أيوب وأبى أمامة وعقبة بن عامر وآخرين. وعنه العلاء بن الحارث وعلى بن يزيد الألهاني وثابت بن عجلان والوليد بن جميل وطائفة. قال العجلى ثقة يكتب حديثه وليس بالقوى وقال الجوزجاني كان خيارا فاضلا أدرك أربعين رجلا من المهاجرين والأنصار وقال أبو حاتم حديث الثقات عنه مستقيم لا بأس به وإنما ينكر عنه الضعفاء وقال الحربى كان من ثقات المسلمين وقال الغلابى منكر الحديث ووثقه الترمذى ويعقوب بن سفيان ويعقوب بن شيبة توفي سنة اثنتي عشرة أو ثماني عشرة ومائة. روى له البخارى وأبو داود (معنى الحديث) (قوله من خرج من بيته الخ) التقييد بالبيت جرى على الغالب وإلا فقد يخرج إلى الصلاة من غير بيته والتقييد بالتطهر لنيل الثواب الأكمل لأنه لو خرج إلى الصلاة غير متطهر كان له الثواب أيضا (وفي هذا دلالة) على أن أداء الصلاة المكتوبة في المساجد أفضل من أدائها في غيرها. وقوله فأجره كأجر الحاج المحرم أى كأصل أجره. وقيل كأجره من حيث

إنه يكتب له بكل خطوة أجر كالحاج وإن تغاير الأجران كثرة وقلة أو من حيث إنه يستوفى أجره من وقت الخروج إلى أن يرجع وإن لم يصلّ إلا في بعض تلك الأوقات كالحاج فإنه يستوفى أجره إلى أن يرجع وإن لم يحج إلا في عرفة. وشبه بالحاج المحرم لكون التطهر من الصلاة بمنزلة الإحرام من الحج لعدم جوازهما بدونهما (قوله ومن خرج إلى تسبيح الضحى) أى صلاة الضحى وأطلق التسبيح على نافلة الضحى لوجود معنى النفل في كل منهما وكذا كل تطوعّ يسمى تسبيحا وسبحة كما تقدم (قوله لا ينصبه إلا إياه) أى لا يتعبه شئ إلا هو أى الخروج إليها وينصب بضم المثناة التحتية من أنصبه غيره إذا أتعبه والضمير فاعله والاستثناء مفرّغ وقد وضع الضمير المنصوب موضع المرفوع (قوله فأجره كأجر المعتمر) جواب من وهو على نحو ما تقدم. وفى هذا إشارة إلى أن صلاة الضحى في المسجد أفضل (قال ابن حجر) المكي ومن هذا أخذ أئمتنا قولهم السنة في الضحى فعلها في المسجد ويكون من جملة المستثنيات من خبر أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة اهـ (وقال في المرقاة) فيه أنه على فرض صحة الحديث يدلّ على جوازه لا على أفضليته أو يحمل على من لا يكون له مسكن أو في مسكنه شاغل ونحوه على أنه ليس للمسجد ذكر في الحديث أصلا فالمعنى من خرج من بيته أو سوقه أو شغله متوجها إلى صلاة الضحى تاركا أشغال الدنيا اهـ (قوله وصلاة على أثر صلاة) أى عقب صلاة وأثر بفتح الهمزة والثاء المثلثة أو بكسر الهمزة وسكون الثاء. وصلاة مبتدأ خبره قوله كتاب وسوّغ الابتداء بالنكرة وصفها بالجارّ (قوله لا لغو بينهما) أى لا باطل من كلام الدنيا بين الصلاتين فاللغو الباطل وما لا يعنى من القول من لغا الرجل يلغو من باب قال تكلم باللغو وهو أخلاط الكلام ولا نافية للجنس ولغوا سمها مبنىّ على الفتح. ويجوز أن تكون بمعنى ليس فيكون لغو مرفوعا على أنه اسم لها والجملة في محلّ رفع صفة ثانية لصلاة فالصلاة التى تكتب في عليين موصوفة بشيئين الأول كونها عقب صلاة. الثانى أن لا يكون بينهما باطل من القول كالغيبة والنميمة والكذب وغير ذلك مما لا يعود على المصلى بفائدة أخروية (قوله كتاب في عليين) أى مكتوب فيه وعليون جمع واحده عليّ مشتق من العلوّ للمبالغة وقيل ملحق بالجمع. وهو علم لديوان الخير الذى دوّن فيه أعمال الأبرار قال تعالى {كلا إن كتاب الأبرار لفى عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقرّبون} وقيل اسم لديوان الحفظة ترفع إليه أعمال الصالحين وقال كعب هو قائمة العرش اليمنى. وقال الضحاك هو سدرة المنتهى (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن الذهاب إلى الصلاة فيه فضل عظيم حيث شبهه بالحاج المحرم، وعلى مشروعية صلاة الضحى، وعلى أن الذهاب إليها فيه خير كثير كالذهاب إلى العمرة وعلى مزيد فضل الصلاتين اللتين لم يكن بينهما قول لا يفيد الشخص في آخرته شيئا

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: "صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، وَذَلِكَ بِأَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ وَأَتَى الْمَسْجِدَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ، وَلَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلَّا رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلَاةٍ، مَا كَانَتِ الصَّلَاةُ هِيَ تَحْبِسُهُ، وَالْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ أَوْ يُحْدِثْ فِيهِ" (ش) (مسدد) بن مسرهد، و (أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير. و (الأعمش) سليمان بن مهران. و (أبو صالح) ذكوان السمان (قوله صلاة الرجل في جماعة) أى ثواب صلاته في المسجد جماعة كما يدل عايه مقابلته بالصلاة في البيت والسوق وكما يدلّ عليه قوله في الحديث وأتى المسجد، وذكر الرجل لا مفهوم له إذ المرأة كذلك حيث جاز لها الخروج إلى المسجد (قوله تزيد على صلاته في بيته الخ) أى يزيد ثوابها على صلاة المنفرد في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين درجة. وفي رواية البخارى تضعف على صلاته في بيته. وظاهر هذه المقابلة أن الصلاة في المسجد جماعة تزيد على الصلاة في البيت والسوق جماعة وفرادى هذا المقدار لكن هذا ليس مرادا بل المراد تفضيل صلاة الجماعة في المسجد على الصلاة في البيت والسوق منفردا لأن الكلام سيق لبيان أفضلية الجماعة في المسجد على صلاة المنفرد في غيره وكأنه خرّج مخرج الغالب فإن من لم يحضر الجماعة في المسجد صلى في الغالب منفردا وهذا لا ينافي أن الجماعة في المسجد أفضل من الجماعة في غيره ولا يستلزم تساوى الجماعة في البيت والسوق بل الصلاة في غير السوق أفضل منها في السوق لما ورد أن السوق مواضع الشياطين. والصلاة جماعة في البيت والسوق أولى من الانفراد. وهذه الدرجات بمعنى الصلوات فتكون صلاة الجماعة بمثابة خمس وعشرين صلاة كما صرّح به في الرواية الآتية. ورواية المصنف صرّح فيها بخمس وعشرين وفي رواية للبخارى عن ابن عمر صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة (قال)

بيان أسباب تقتضي رفع الدرجات

الترمذى عامة من رواه قالوا خمسا وعشرين إلا ابن عمر فإنه قال سبعا وعشرين اهـ (قال) الحافظ اختلف في أيهما أرجح فقيل رواية الخمس لكثرة رواتها (وقيل) رواية السبع لأن فيها زيادة من عدل حافظ اهـ ولا منافاة بين رواية الخمس والسبع لوجوه (منها) أن ذكر القليل لا ينفى الكثير (ومنها) أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبر أولا بالقليل ثم أعلمه الله تعالى بالكثير فأخبر به (ومنها) أن ذلك يختلف باختلاف أحوال المصلين والصلاة فتكون صلاة الجماعة لبعضهم خمسا وعشرين والآخرين سبعا وعشرين بحسب كمال الصلاة والمحافظة على هيئاتها وخشوعها وكثرة الجماعة فيها وبشرف البقعة إلى غير ذلك (ومنها) أن السبع مختصة بالفجر والعشاء أو الفجر والعصر والخمس فيما عدا ذلك (ومنها) أن السبع مختصة بالجهرية والخمس مختصة بالسرّية (قال) الحافظ وهذا الوجه عندى أوجهها. ووقع تمييز العدد في رواية أبى هريرة هذه بالدرجة وكذا في رواية له عند مسلم من طريق سعيد بن المسيب وفى أخرى له من طريقه بالجزء وفي أخرى من طريق نافع بن جبير بالصلاة وفي أخرى من طريق سلمان الأغرّ بحذف التمييز والظاهر أن ذلك من تصرّف الرواة (قوله وذلك بأن أحدكم الخ) الإشارة إلى الزيادة المذكورة والباء للسببية وظاهره أن ما ذكر سبب للتفاضل فكأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول الدرجات المذكورة سببها إحسان الوضوء وإتيان المسجد وانتظار الصلاة واستغفار الملائكة فمن صلى جماعة في البيت ليس له هذه الدرجات لأن ما رتب على متعدد لا يوجد بوجود بعضه إلا إذا دلّ الدليل على إلغاء ما ليس معتبرا أو ليس مقصودا لذاته ومن صلى في البيت فقد الخطا إلى المسجد وهو وصف معتبر فلا يصح إلغاؤه. والروايات المطلقة عن التقييد بالمسجد تحمل على المقيدة به (وقد نقل الحافظ) عن الزين بن المنير بعض الأسباب المقتضية لزيادة الدرجات فقال. إجابة المؤذن بنية الصلاة في الجماعة. والتبكير إليها في أول الوقت. والمشى إلى المسجد بالسكينة. ودخول المسجد داعيا. وصلاة التحية عند دخوله كل ذلك بنية الصلاة في الجماعة. وانتظار الجماعة. وصلاة الملائكة عليه. واستغفارهم له. وشهادتهم له. وإجابة الإقامة. والسلامة من الشيطان حين يفرّ عند الإقامة. والوقوف منتظرا إحرام الإمام. والدخول معه في أى هيئة وجده عليها وإدراك تكبيرة الإحرام كذلك. وتسوية الصفوف وسدّ فرجها. وجواب الإمام عند قوله سمع الله لمن حمده. والأمن من السهو غالبا. وتنبيه الإمام إذا سها بالتسبيح أو الفتح عليه. والخشوع والسلامة عما يلهى غالبا. وتحسين الهيئة غالبا. واحتفاف الملائكة به. والتدرّب على تجويد القراءة وتعلم الأركان والأبعاض. وإظهار شعار الإسلام. وإرغام الشيطان بالاجتماع على العبادة والتعاون على الطاعة. ونشاط المتكاسل. والسلامة من صفة النفاق ومن إساءة الظن بغيره بأنه ترك الصلاة رأْسا. وردّ السلام على الإمام. والانتفاع باجتماعهم على الدعاء والذكر. وعود بركة

ما دل عليه حديث أبي هريرة من جواز أداء الصلاة المكتوبة في البيت والسوق والترغيب في المكث في المسجد عقب الصلاة وغير ذلك من المسائل

الكامل على الناقص. وقيام نظام الألفة بين الجيران. وحصول تعاهدهم في أوقات الصلوات. فهذه خمس وعشرون خصلة ورد في كل منها أمر أو ترغيب يخصه. وبقى منها أمران يختصان بالجهرية وهما الإنصات عند قراءة الإمام والاستماع لها. والتأمين عند تأمينه ليوافق تأمين الملائكة وبهذا يترجح أن السبع تختص بالجهرية اهـ ببعض تصرّف (ونقل) الطيبى عن التوربشتي أن ذلك لا يدرك بالرأى بل مرجعه إلى علم النبوة التى قصرت علوم أرباب العقول عن إدراكها أو إدراك حقيقتها كلها (قوله لا يريد إلا الصلاة الخ) أى لا يقصد إلا الصلاة في المسجد جماعة ولا ينهضه إلا ذلك يقال نهز من باب نفع وانتهز الشيء انتهض إليه مسرعا لتناوله فلو أتي المسجد لا لخصوص الصلاة لا تحصل له تلك الفضيلة لأن الحكم يترتب على وجود العلة فإذا انتفت انتفى المعلول ولأن الأعمال بالنيات. وفي بعض النسخ لا ينهزه يعنى إلا الصلاة. وفي رواية مسلم لا ينهزه إلا الصلاة لا يريد إلا الصلاة (قوله لم يحط خطوة) بفتح الخاء المعجمة كما جزم به اليعمرى وهى الواحدة من الخطا ويحتمل أن تكون بالضم وهي ما بين القدمين كما تقدم (قوله إلا رفع له بها درجة الخ) أى إلا كتب له بها حسنة أو محى عنه بها سيئة حتى يدخل المسجد. وفي أكثر النسخ إلا رفع له بها درجة وحط عنه الخ بالواو وهي بمعنى أو. أو تكون الواو باقية على أصلها فتكون الخطوة الواحدة فيها إثبات حسنة ومحو سيئة وهو المناسب لسعة فضل الله عزّ وجلّ (قوله كان في صلاة الخ) أى في حكم المتلبس بالصلاة من حيث الثواب مدّة كون الصلاة تمنعه عن الخروج من المسجد (قوله والملائكة يصلون على أحدكم الخ) أى يدعون ويستغفرون له ما دام في مجلسه الذى صلى فيه. وفي رواية البخارى مادام في مصلاه أى مدّة كونه في المكان الذى أوقع فيه الصلاة من المسجد وهو مخرّح على الغالب لأنه لو قام إلى بقعة أخرى من المسجد مستمرّا على نيه انتظار الصلاة كان له ذلك أيضا ما لم يؤذ فيه أى في مجلسه الذى صلى فيه بقول أو فعل أو يحدث فيه أى يبطل وضوءه فهو من الإحداث لا من التحديث (فقه الحديث) دلّ الحديث على فضل الصلاة مع الجماعة على صلاة الفذّ، وعلى جواز الصلاة المكتوبة في البيوت والأسواق، وعلى أن الصلاة أفضل من غيرها من الأعمال لأن فيها صلاة الملائكة على فاعلها ودعاءهم له بالرحمة والمغفرة والتوبة، وعلى أن من انتظر الصلاة له ثواب كثواب من هو فيها، وعلى الترغيب في المكث في المسجد بعد الفراغ من الصلاة، وعلى أنه يطلب ممن في المسجد أن يكون على طهارة متباعدا عن الأذى (قال ابن المهلب) يؤخذ من الحديث أن الحدث في المسجد خطيئة يحرم بها المحدث استغفار الملائكة ودعاءهم له. ويؤخذ منه أيضا أن الحدث الأصغر وإن منع دعاء الملائكة لا يمنع جواز الجلوس في المسجد اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشيخان والترمذى وابن ماجه والبيهقي. ورواه مالك

في الموطأ بلفظ من توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج، عامدا إلى الصلاة فإنه في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة وإنه يكتب له بإحدى خطوتيه حسنة ويمحى عنه بالأخرى سيئة فإذا سمع أحدكم الإقامة فلا يسع فإن أعظمكم أجرا أبعدكم دارا قالوا لم يا أبا هريرة قال من أجل كثرة الخطا ورواه ابن حبان في صحيحه بلفظ إن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من حين يخرج أحدكم من منزله إلى مسجدى فرجل تكتب له حسنة ورجل تحطّ عنه سيئة حتى يرجع. ورواه النسائى والحاكم بنحو لفظ ابن حبان وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «الصَّلَاةُ فِي الجَمَاعَةٍ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً، فَإِذَا صَلَّاهَا فِي فَلَاةٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ صَلَاةً». (ش) (قوله الصلاة في الجماعة تعدل الخ) أى تماثل في الثواب خمسا وعشرين صلاة في غير جماعة وتعدل من العدل بكسر العين المهملة وهو مثل الشئ من جنسه أو مقداره من جنسه وبفتح العين ما يقوم مقامه من غير جنسه. ومنه قوله تعالى "أو عدل ذلك صياما" (قوله فإذا صلاها في فلاة الخ) أى إذا صلى الصلاة المعلومة من السياق وهى الصلاة في جماعة كما قاله ابن رسلان (وقال) في النيل الأولى حمله على الانفراد لأن مرجع الضمير في حديث الباب في قوله صلاها إلى مطلق الصلاة لا إلى المقيدة بكونها في جماعة ويدلّ على ذلك الرواية التي ذكرها أبو داود عن عبد الواحد بن زياد لأنه جعل فيها صلاة الرجل في الفلاة مقابلة لصلاته في الجماعة اهـ والفلاة الأرض المتسعة التي لا ماء فيها وتجمع على فلا مثل حصاة وحصا وجمع الجمع أفلاء كسبب وأسباب. وقوله فأتم ركوعها وسجودها أى وكذا بقية أعمالها وخص الركوع والسجود بالذكر لما فيهما من إظهار الخضوع والتواضع لله عزّ وجلّ (قوله بلغت خمسين صلاة) أى بلغ ثواب صلاته في الفلاة مقدار ثواب خمسين صلاة في غيرها. فعلى ما قاله ابن رسلان تفضل الصلاة جماعة في فلاة الصلاة منفردا في غير فلاة بخمسين صلاة. وعلى ما قاله في النيل تكون الصلاة مفردا في فلاة ضعف الصلاة جماعة في غير فلاة. وعلى هذا فالصلاة جماعة في فلاة تفضل الصلاة منفردا في غير فلاة بخمسين ومائتين وألف صلاة. هذا إن جرينا على أن صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد بخمس وعشرين درجة وإن جرينا على أنها تفضلها بسبع وعشرين فتكون صلاته جماعة في فلاة تفضل صلاته منفردا

فضيلة الصلاة في الفلاة وما ورد فيها وبيان حكمة ذلك

في غير فلاة بخمسين وثلمائة وألف (وقد جاء) في فضل الصلاة في الفلاة أحاديث أخر (منها) ما رواه ابو يعلى عن أنس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما من بقعة يذكر الله تعالى عليها بصلاة أو بذكر إلا استشرفت بذلك إلى منتهاها إلى سبع أرضين وفخرت على ما حولها من البقاع وما من عبد يقوم بفلاة من الأرض يريد الصلاة إلا تزخرفت له الأرض (ومنها) ما رواه عبد الرزاق بسنده إلى أبى عثمان النهدى عن سلمان الفارسى قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا كان الرجل بأرض قيّ "بكسر القاف وتشديد المثناة التحتية أى فلاة" فحانت الصلاة فليتوضأ فإن لم يجد ماء فليتيمم فإن أقام صلى معه ملكاه وإن أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه (ومنها) ما رواه النسائى والمصنف عن عقبة بن عامر عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية يؤذن بالصلاة ويصلى فيقول الله عزّ وجلّ انظروا إلى عبدى هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف منى قد غفرت لعبدى وأدخلته الجنة (والحكمة) في اختصاص صلاة الفلاة بهذه المزية أن المصلى فيها يكون في الغالب مسافرا والسفر مظنة المشقة فإذا صلاها المسافر مع حصول المشقة تضاعفت إلى ذلك المقدار. وأيضا الفلاة في الغالب من مواطن الخوف والفزع لما جبلت عليه الطباع البشرية من التوحش عند مفارقة النوع الإنساني فالإقبال مع ذلك على الصلاة أمر لا يناله إلا من بلغ في التقوى إلى حدّ يقصر عنه كثير من أهل الإقبال والقبول. وأيضا في مثل هذه المواطن تنقطع الوساوس التى تقود إلى الرياء فإيقاع الصلاة فيها شأن أهل الإخلاص. ومن هنا كانت صلاة الرجل في البيت المظلم الذى لا يراه فيه أحد إلا الله عزّ وجلّ أفضل الصلوات على الإطلاق وليس ذلك إلا لانقطاع حبائل الرياء الشيطانية التي يقتنص بها كثير من المتعبدين فكيف لا تكون صلاة الفلاة مع انقطاع تلك الحبائل وانضمام ما سلف إلى ذلك بهذه المنزلة (فقه الحديث) دلّ الحديث على فضل الصلاة في الجماعة، وعلى مزيد فضل الصلاة في الفلاة وعلى أن حصول ثواب الصلاة لا يكون إلا بإتمام أركانها (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الحاكم في المستدرك وكذا ابن حبان بلفظ صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته وحده بخمس وعشرين درجة فإذا صلاها بأرض قيّ فأتم ركوعها وسجودها تكتب صلاته بخمسين درجة وأخرجه أبو بكر بن أبى شيبة بنحو لفظ ابن حبان وفيه فأتم وضوءها وركوعها الخ (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، فِي هَذَا الْحَدِيثِ «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْفَلَاةِ تُضَاعَفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي الْجَمَاعَةِ» وَسَاقَ الْحَدِيثَ

باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظلم

(ش) غرضه من ذكر هذه الرواية بيان أن المراد بالصلاة المفهومة من قوله صلاها صلاة المنفرد. وقوله وساق الحديث أى ذكر عبد الواحد الحديث بتمامه كما في رواية هلال بن ميمون، ولم نقف على من أخرج هذا التعليق (باب ما جاء في المشى إلى الصلاة في الظلم) أى في بيان ما ورد من البشرى في الذهاب إلى المسجد للصلاة في الظلمة. وفى نسخة في الظلام وفى أخرى إسقاط هذه الترجمة والصواب إثباتها (ص) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، نَا أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ، نَا إِسْمَاعِيلُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْكَحَّالُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ بُرَيْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ: «بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (ش) (رجال الحديث) (أبو عبيدة الحداد) هو عبد الواحد بن واصل السدوسى مولاهم البصرى سكن بغداد، روى عن عثمان بن سعد وابن عون وبهز بن حكيم ويونس بن أبى إسحاق وجماعة. وعنه أبو خيثمة ومحمد بن الصباح وابن معين وزياد بن أيوب وعمرو الناقد وآخرون. قال أحمد لم يكن صاحب حفظ وكان كتابه صحيحا ووثقه ابن معين وقال كان من المثبتين لا أعلم أنا أخذنا عليه خطأ ألبتة ووثقه العجلى ويعقوب بن شيبة ويعقوب بن سفيان وأبو داود والدارقطنى والخطيب. توفى سنة تسعين ومائة. روى له البخارى والترمذى والنسائى وأبو داود. و (إسماعيل أبو سليمان الكحال) وفى نسخة ابن سليمان الضبي البصرى. روى عن ثابت البناني وعبد الله بن أوس، وعنه النضر بن شميل وأبو عبيدة الحداد. قال أبو حاتم صالح الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئُ وذكره أيضا في الضعفاء وقال ينفرد عن المشاهير بمناكير. روى له أبو داود والترمذى هذا الحديث. و (عبد الله بن أوس) الخزاعي. روى عن بريدة بن الحصيب حديث الباب. وعنه سليمان الكحال. ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن القطان مجهول الحال ولا نعرف له رواية إلا هذا الحديث من هذا الوجه. روى له أبو داود والترمذى (معنى الحديث) (قوله بشر المشائين الخ) أى بشر من كثر مشيه لا من وقع منه المشى مرّة أو مرّتين في الظلام إلى المساجد بالنور الدائم الذى لا ينقطع يوم القيامة. وهو خطاب منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عامّ لمن يتأتى منه البشارة كالعلماء. ولم يرد به امرؤ واحد

باب ما جاء في الهدى في المشي إلى الصلاة

بعينه. والبشارة الخبر السارّ سمي بذلك لطلاقة البشرة بالفرح والسرور عنده. والنور التام ما يحصل للمؤمنين يوم القيامة إلى أن يصلوا إلى الجنة بخلاف المنافقين فإنه يحصل لهم نور في البداية لنطقهم بكلمة التوحيد ثم يطفأ منهم بعد ويقولون للمؤمنين انظرونا نقتبس من نوركم فيقال لهم استهزاء بهم ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فيرجعون فيضرب بينهم وبين المؤمنين بسور له باب باطنه فيه الرحمة من جهة المؤمنين وظاهره فيه العذاب من جهة المنافقين (وقد جاء) في الترغيب في المشى إلى الصلاة في الظلمة أحاديث أخر (منها) ما رواه الطبراني بإسناد حسن عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن الله ليضيء إلى الذين يتخللون إلى المساجد في الظلم بنور ساطع يوم القيامة (ومنها) ما رواهـ الطبرانى عن أبى الدرداء أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من مشى في ظلمة الليل إلى المساجد لقى الله عزّ وجلّ بنور يوم القيامة (ومنها) ما رواه ابن حبان في صحيحه عنه أيضا بلفظ من مشى في ظلمة الليل إلى المساجد آتاه الله نورا يوم القيامة (ومنها) ما رواه الطبراني في الكبير عن أبى أمامة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال بشر المدلجين إلى المساجد في الظلم بمنابر من النور يوم القيامة يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون (قال) المنذرى وفي إسناده نظر (ومنها) ما رواه ابن ماجه والحاكم وابن خزيمة واللفظ له عن سهل بن سعد الساعدى قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليبشر المشاءون في الظلم إلى المساجد بالنور التامّ يوم القيامة (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية البشارة لمن يفعل الخير، وعلى أن كثرة الخطا إلى المساجد في الظلم سبب في السعادة الأخروية، وعلى الترغيب في المداومة على صلاة الصبح والعشاء في المساجد لأنهما هما اللتان تؤديان في الظلمة. وفيه الإشارة إلى البشرى بحسن الخاتمة لمن يفعل ذلك (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه والحاكم والترمذى وقال حسن غريب وأخرجه البيهقي من طريق المصنف وأخرجه أيضا عن أبى حازم عن سهل بن سعد الساعدى وعن ثابت البناني عن أنس بن مالك (باب ما جاء في الهدى في المشى إلى الصلاة) وفي بعض النسخ باب في الهدى في المشى إلى الصلاة، أى في بيان الهيئة التى يكون عليها الشخص حال ذهابه إلى المسجد للصلاة. والهدى بفتح فسكون (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيُّ، أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ عَمْرٍو، حَدَّثَهُمْ عَنْ

دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ، ثَنِي سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنِي أَبُو ثُمَامَةَ الْحَنَّاطُ، أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ، أَدْرَكَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الْمَسْجِدَ أَدْرَكَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، قَالَ: فَوَجَدَنِي وَأَنَا مُشَبِّكٌ بِيَدَيَّ، فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يُشَبِّكَنَّ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ» (ش) (رجال الحديث) (داود بن قيس) الفرّاء الدباغ أبى سليمان القرشي مولاهم المدنى. روى عن السائب بن يزيد وزيد بن أسلم وموسى بن يسار ونافع مولى ابن عمر ونافع بن جبير وغيرهم. وعنه السفيانان وأبو داود الطيالسي وابن المبارك وابن وهب ويحيى القطان ووكيع وآخرون. وثقه النسائى وأبو زرعة وأبو حاتم والشافعى وأحمد وقال ابن معين كان صالح الحديث. مات بالمدينة في ولاية أبى جعفر. و (سعد بن إسحاق) بن كعب بن عجرة الأنصارى حليف بنى سالم. روى عن أنس ومحمد بن كعب وأبى ثمامة وأبى سعيد المقبرى وغيرهم. وعنه الزهرى وشعبة ومالك والثوري ويحيى القطان وجماعة. وثقه ابن معين والنسائى والدارقطنى وأبو حاتم. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه. و (أبو ثمامة الحناط) القماح روى عن كعب بن عجرة. وعنه سعد بن إسحاق وسعيد المقبرى. ذكره ابن حبان في الثقات وقال الدارقطني لا يعرف. روى له أبو داود والترمذى. و (كعب بن عجرة) الأنصارى أبا محمد أو أبا عبد الله أو أبا إسحاق. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن عمر وبلال وعنه ابن عمر وابن عمرو وابن عباس وجابر بن عبد الله وآخرون. قال الواقدى استأخر إسلامه ثم أسلم وشهد المشاهد وهو الذى نزلت فيه بالحديبية الرخصة في حلق رأس المحرم والفدية مات سنة إحدى أو ائنتين وخمسين. (معنى الحديث) (قوله أدركه الخ) أى أدرك كعب أبا ثمامة. وقوله أدرك أحدهما صاحبه الظاهر أنه من قول أبى ثمامة فيكون فيه وضع الظاهر موضع المضمر (قوله قال فوجدني وأنا مشبك بيدىّ) وفى نسخة وأنا مشبك يدىّ أى مدخل أصابع يدىّ بعضها في بعض فإن كل متداخلين مشتبكان وهذا قد يفعله بعض الناس عبثا وبعضهم ليفرقع أصابعه وبعضهم يفعله للاستراحة (قوله وقال إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) ذكره دليلا على نهيه له. وقوله ثم خرج عامدا إلى المسجد أى قاصدا إياه للعبادة فيه (قوله فلا يشبكن يديه فإنه في صلاة) أى لا يدخلنّ أصابع يديه بعضها في بعض. ونهى صلى الله تعالى عليه وعلى

ما ورد في النهي عن التشبيك حال الذهاب إليها وذكر حكمته ومذاهب العلماء في ذلك

آله وسلم عن التشبيك حال الذهاب إلى الصلاة لما فيه من عدم الخشوع فإنه في صلاة حكما فينبغى له فعل ما ينبغى للمصلي فعله من الخشوع واجتناب ما ينبغى للمصلى اجتنابه (وقد جاء النهى) عن التشبيك حال الذهاب إلى الصلاة في أحاديث أخر (منها) ما أخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق عبد الرحمن بن أبى ليلى عن كعب بن عجرة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال له يا كعب إذا توضأت فأحسنت الوضوء ثم خرجت إلى المسجد فلا تشبك بين أصابعك فإنك في صلاة (ومنها) ما أخرجه الحاكم وقال حديث صحيح على شرط الشيخين بسنده إلى أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع فلا يفعل هكذا وشبك بين أصابعه (والحكمة) في النهى عن ذلك قيل لكونه من الشيطان كما صرّح به في رواية لأحمد بسنده إلى مولى لأبى سعيد الخدرى قال بينا أنا مع أبى سعيد الخدرى وهو مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذ دخلنا المسجد فإذا رجل جالس في المسجد محتبيا مشبكا أصابعه بعضها في بعض فأشار إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلم يفطن الرجل لإشارته فالتفت إلى أبى سعيد فقال إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكنّ فإن التشبيك من الشيطان. وقيل لأنه يجلب النوم وهو مظنة الحدث وقيل لأن صورته تشبه صورة الاختلاف المنهىّ عنه في حديث لا تختلفوا فتختلف قلوبكم فكره ذلك لمن هو في حكم الصلاة حتى لا يقع في المنهى عنه "ولا يقال" إن هذه الأحاديث يعارضها ما أخرجه البخارى ويأتي للمصنف في باب سجود السهو عن أبى هريرة في قصة ذى اليدين وفيه فقام إلى خشبة مع روضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه "الحديث" "لأن تشبيكه" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقع بعد فراغه من الصلاة في ظنه فهو في حكم الخارح عنها. أو يقال إن النهى عن التشبيك ورد بألفاظ خاصة بالأمة. وفعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يعارض القول الخاصّ بهم كما هو مقرّر في محله. أو أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شبك في المسجد لبيان أن التشبيك فيه ليس بحرام، وعلى هذا فما ورد من النهى في الأحاديث محمول على الكراهة (فقه الحديث) دلّ الحديث على النهى عن التشبيك حال الصلاة أو حال الذهاب إليها وهذا النهى محمول على الكراهة لحديث أبى هريرة المذكور (وإلى ذلك) ذهبت الحنابلة وقالوا إن الكراهة في الصلاة أشدّ (وذهبت) الحنفية إلى كراهة ذلك تحريما (وذهب) ابن عباس وعطاء والنخعى ومجاهد وسعيد بن جبير إلى أنه يكره في الصلاة فقط. وبه قالت المالكية والشافعية ودلّ الحديث أيضا على أنه يكتب لقاصد الصلاة أجر المصلى من حين يخرج إليها، وكذا إلى أن يعود منها كما صرّح به في رواية ابن خزيمة والحاكم عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله

تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد كان في الصلاة حتى يرجع وفي رواية ابن حبان عنه أيضا أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من حين يخرج أحدكم من منزله إلى مسجدى فرجل تكتب له حسنة ورجل تحطّ عنه سيئة حتى يرجع. وفي رواية أحمد والطبرانى بإسناد حسن عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من راح إلى مسجد الجماعة فخطوة تمحو سيئة وخطوة تكتب له حسنة ذاهبا وراجعا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والترمذى من طريق الليث عن ابن عجلان عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن رجل عن كعب بن عجرة وقال حديث كعب رواه غير واحد عن ابن عجلان مثل حديث الليث. وأخرجه ابن ماجة وابن حبان وأخرجه البيهقى من طريق المصنف وأخرجه عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن كعب بن عجرة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ عَبَّادٍ الْعَنْبَرِيُّ، نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: حَضَرَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ الْمَوْتُ، فَقَالَ: إِنِّي مُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا مَا أُحَدِّثُكُمُوهُ إِلَّا احْتِسَابًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ لَمْ يَرْفَعْ قَدَمَهُ الْيُمْنَى إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ حَسَنَةً، وَلَمْ يَضَعْ قَدَمَهُ الْيُسْرَى إِلَّا حَطَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ سَيِّئَةً فَلْيُقَرِّبْ أَحَدُكُمْ أَوْ لِيُبَعِّدْ فَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ، فَصَلَّى فِي جَمَاعَةٍ غُفِرَ لَهُ، فَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّوْا بَعْضًا وَبَقِيَ بَعْضٌ صَلَّى مَا أَدْرَكَ وَأَتَمَّ مَا بَقِيَ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّوْا فَأَتَمَّ الصَّلَاةَ كَانَ كَذَلِكَ» (ش) (رجال الحديث) (معبد بن هرمز) الحجازى. روى عن سعيد بن المسيب. وعنه يعلى بن عطاء. ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن القطان لا يعرف حاله. روى له أبو داود (معنى الحديث) (قوله ما أحدثكموه إلا احتسابا) أى إلا طلبا لرضا الله تعالى وثوابه فإن في نشر العلم أجرا (قوله لم يرفع قدمه اليمنى الخ) أى ولم يضعها ولم يضع قدمه اليسرى أى ولم يرفعها ففى الكلام حذف وهو يفيد أن إحدى الخطوتين فيها حسنة وفي الأخرى حطّ سيئة ويؤيده ما تقدم في رواية مالك عن أبى هريرة من توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج عامدا إلى

باب من خرج يريد الصلاة فسبق بها

الصلاة فإنه في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة وإنه تكتب له بإحدى خطوتيه حسنة ويمحى عنه بالأخرى سيئة. ويحتمل أن في الكلام احتباكا أى لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله له حسنة ولم يضعها إلا حطّ عنه بها سيئة ولم يضع قدمه اليسرى إلا حطّ الله عنه بها سيئة ولم يرفعها إلا كتب الله له بها حسنة (قوله فليقرّب أحدكم أو ليبعد) يعنى فليقرّب قدمه اليمنى من قدمه اليسرى إن أراد كثرة الحسنات وكثرة حطّ السيئات أو ليبعد بينهما إن لم يرد ذلك. والأمر للإباحة وأو وإن كانت للتخيير لكن ليس مرادا هنا بل المراد تقريب الخطا لا غير لأن الحديث تحريض على تحصيل هذه الفضيلة وهي لا تحصل بالتخيير وبهذا يناسب الحديث الترجمة. وقوله أو ليبعد وإن كان أمرا في الظاهر لكن المعنى على النهى. وقيل هذا من باب المبالغة كما يقول الرجل لابنه وهو يتمرّد عليه لا تسمع كلامى وليس مراده أن لا يسمع كلامه وإنما هّو نهى شفقة حتى يرتدع عما هو فيه ويمتثل (قوله فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضا الخ) أى إن جاء أحدكم المسجد لأداء الصلوة جماعة فوجد القوم قد صلوا بعض الصلاة وبقي البعض صلى ما أدرك معهم وأتم ما بقى منها بعد سلام الإمام غفر له وإن جاء ووجد الجماعة قد فرغوا منها فشرع في الصلاة وأتمها غفر له أيضا كمن أدركها مع الجماعة لأن الأعمال بالنيات وقد كانت نيته أن يصلي مع الجماعة فغفر له بذلك لئلا يخيب سعيه. ومحله ما لم يفرّط في الذهاب إلى الجماعة (فقه الحديث) دلّ الحديث على مزيد فصل الذهاب إلى المساجد للصلاة، وعلى الترغيب في كثرة الخطا إليها، وعلى أن من خرج من بيته قاصدا الصلاة فيها مع الجماعة غفر له إن أدركها كلها مع الجماعة أو بعضها أو لم يدرك منها مع الجماعة شيئا وصلاها منفردا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي (باب من خرج يريد الصلاة فسبق بها) أله أجر الجماعة أم لا. وفي نسخة باب فيمن خرج يريد الصلاة فسبق بها (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ طَحْلَاءَ، عَنْ مُحْصِنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ رَاحَ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا أَعْطَاهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلَّاهَا وَحَضَرَهَا لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَجْرِهِمْ شَيْئًا» (ش) (رجال الحديث) (قوله محمد يعنى ابن طحلاء) المدنى مولى غطفان ويقال مولى

باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد

بنى ليث. روى عن الأعرج وأبي سلمة وسالم وعبد الله ابنى عبد الله بن عمر. وعنه ابناه يعقوب ويحيى ومحمد بن جعفر والداوردى. قال أبو حاتم لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائى. و (محصن) بضم الميم وسكون الحاء وكسر الصاد المهملتين (ابن على) الفهرى المدنى. روى عن عوف بن الحارث وعون بن عبد الله. وعنه سعيد بن أبى أيوب وعمرو بن أبى عمرو. ذكره ابن حبان في الثقات وقال يروى المراسيل وقال ابن القطان مجهول الحال. روى له أبو داود والنسائى. و (عوف بن الحارث) بن الطفيل الأزدى. روى عن عائشة وأم سلمة والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود وجماعة. وعبه الزهرى وهشام ابن عروة وبكير بن الأشج وآخرون. قال في التقريب مقبول من الثالثة وذكره ابن حبان في الثقات (معنى الحديث) (قوله ثم راح) أى ذهب إلى المسجد أيّ وقت كان لا خصوص آخر النهار (قوله أعطاه الله عز وجل الخ) أى أعطى الله الذى جاء بعد انقضاء صلاة الجماعة أجرا مثل أجر واحد ممن حضرها من أولها ولا نقص ذلك من أجورهم شيئا بل لكل واحد من المصلين في الجماعة والمصلى وحده أجر كامل الكمال فضل الله وسعة رحمته. ولعله يعطى بالنية أصل الثواب وبالسعى ما فاته من المضاعفة. ويحتمل أن من في قوله من أجرهم بمعنى عن والمعنى أن أجر ذلك الرجل لا ينقص عن أجر واحد ممن حضرها شيئا (فقه الحديث) دلّ الحديث على حصول ثواب الجماعة لمن خرج قاصدا الصلاة معها ولم يدركها، وعلى أن أجره لم ينقص شيئا من أجور حاضريها (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي والنسائى والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم (باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد) وفي نسخة إلى المساجد. وفي أخرى باب في خروج النساء إلى المسجد (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ» (ش) (حماد) بن سلمة. و (أبو سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف (قوله لا تمنعوا إماء الله الخ) يعني بهن النساء والإماء جمع أمة والمراد بها مطلق المرأة. ولم يقل لا تمنعوا النساء للمناسبة في قوله مساجد الله ولأنه أوقع في النفس من التعبير بالنساء لما فيه من الإشعار

مذاهب الفقهاء في ذلك

بإباحة الخروج إلى بيوت الله عزّ وجلّ (وهذا النهى) يشعر بطلبهن الخروج لأن النهى عن المنع يكون بعد وجود مقتضيه. ويؤيده رواية مسلم عن ابن عمر عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها (قوله ولكن ليخرجن الخ) استدراك على النهى عن المنع أتى به لدفع توهم أنه يباح لهنّ الخروج إلى المسجد على أى حال. وقوله وهنّ تفلات أى تاركات للطيب والزينة. وتفلات جمع تفلة وهي المرأة إذا تركت الطيب يقال تفلت المرأة تفلا من باب تعب إذا أنتن ريحها لترك الطيب والادّهان (والنهى في الحديث) محمول على الكراهة لحديث ابن عمر الآتى لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن فإنه يؤذن بعدم تحريم منعهن من الخروج إلى المساجد ولأن حق الزوج في ملازمة المسكن واجب فلا يتركنه للفضيلة. والنهى يعمّ جميع النساء لا فرق بين الشوابّ وغيرهنّ فلا يمنعن من الخروج ما لم تخش الفتنة. وعامّ في جميع الأزمنة "وما سيأتي" للمصنف عن ابن عمر من قوله صلى الله عليه وآله وسلم ائذنوا للنساء إلى المساجد بالليل "لا ينافى العموم" لاحتمال أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم نصّ على الليل لأنه مظنة منع الرجال للنساء عن الخروج فيه لا للاحتراز عن غير الليل (قال) النووى ظاهر الحديث أنهما لا تمنع المسجد لكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث وهي أن لا تكون متطيبة ولا متزينة ولا ذات خلاخل يسمع صوتها ولا ثياب فاخرة ولا مختلطة بالرجال ولا شابة ولا نحوها ممن يفتتن بها وأن لا يكون في الطريق ما يخاف به مفسدة ونحوها. وهذا النهى عن منعهن من الخروج محمول على كراهة التنزيه إذا كانت المرأة ذات زوج أو سيد ووجدت الشروط المذكورة فإن لم يكن لها زوج ولا سيد حرم المنع إذا وجدت الشروط اهـ وهذا هو مذهب الشافعية. ونحوه للمالكية والحنابلة (واختلفت) الحنفية فقال أبو حنيفة تخرج العجائز لغير الظهر والعصر لأن وقتهما وقت انتشار الفساق وربما تكاد ترغب فتقع في الفتنة بخلاف المغرب لأنه وقت الطعام وبخلاف العشاء والصبح لأنهما وقت نومهم (وقال) أبو يوسف ومحمد يخرجن في جميع الأوقات (قال) العينى والفتوى في هذا الزمان على عدم الخروج في الكل مطلقا لشيوع الفساد وعموم المصيبة اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز خروج النساء إلى المساجد، وعلى أنه ليس للرجال منعهن من ذلك (قال) الخطابى استدلّ بعض أهل العلم لعموم قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" على أنه ليس للزوج منع زوجته من الحج لأن المسجد الحرام الذى يخرج إليه الناس للحج والطواف أشهر المساجد وأعظمها حرمة فلا يجوز للزوج أن يمنعها من الخروج إليه لأن المساجد كلها دونه وقصده واجب اهـ، ودلّ الحديث أيضا على أنه يجب على النساء ترك الطيب إذا خرجن (وقد جاء) في ذلك أحاديث (منها) ما رواه مسلم من طريق بشر بن سعيد عن زينب امرأة عبد الله قالت قال لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى

ما ورد في فضل صلاة المرأة في بيتها

آله وسلم إذا شهدت إحداكنّ المسجد فلا تمسّ طيبا (ومنها) ما رواه أيضا عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة. ومثل الطيب ما في معناه مما يثير الشهوة على الرجال كحسن الملبس والتحلى الذى يظهر أثره. ونهين عن الطيب لئلا يفتنّ الرجال بطيبهنّ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبيهقي وابن خزيمة عن أبى هريرة أيضا وأخرجه ابن حبان من حديث زيد بن خالد (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» (ش) (أيوب) بن أبى تميمة كيسان السختيانى. و (نافع) مولى ابن عمر. والحديث تقدم شرحه مستوفى في حديث أبي هريرة. وأخرجه مسلم ومالك في الموطأ (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» (ش) (رجال الحديث) (العوّام بن حوشب) بن يزيد بن الحارث الشيبانى الربعى أبو عيسى الواسطى. روى عن أبى إسحاق السبيعى وسلمة بن كهيل ومجاهد وأبى إسحاق الشيباني وجماعة. وعنه ابنه سلمة وشعبة وسفيان بن حبيب وحفص بن عمر وهشيم وآخرون. وثقه ابن معين وأحمد وأبو زرعة وقال أبو حاتم ليس به بأس وقال العجلي ثقة ثبت صالح صاحب سنة توفى سنة ثمان وأربعين ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله لا تمنعوا نساءكم المساجد الخ) الجملة الأولى نهي للرجال عن منع النساء عن الحضور في المساجد. والثانية فيها حث وترغيب للنساء في أن يصلين في بيوتهن فإنها أفضل لهنّ. وهذا يدلّ على أن النهى عن المنع في الأحاديث محمول على الكراهة كما تقدّم وكانت صلاتهنّ في البيوت أفضل لأمن الفتنة (وقد جاء) في فضل صلاة النساء في بيوتهن أحاديث كثيرة (منها) ما رواه الطبرانى في الأوسط عن ابن عمر عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال المرأة عورة وإنها إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها (ومنها) ما رواه في الكبير عن ابن عمر أيضا قال ما صلت امرأة من صلاة أحب

مشروعية زجر وتأديب من يقدم رأيه على السنة المطهرة

إلى الله من أشدّ مكان في بيتها ظلمة (وفى رواية) له أيضا النساء عورة وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها بأس في فيستشرفها الشيطان فيقول إنك لا تمرّين بأحد إلا أعجبتيه وإن المرأة لتلبس ثيابها فيقال أين تريدين فتقول أعود مريضا أو أشهد جنازة أو أصلى في مسجد وما عبدت امرأة ربها مثل أن تعبده في بيتها (قال) المنذرى إسناده حسن (فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على أن صلاة النساء في البيوت أفضل من صلاتهنّ في المساجد (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى وأخرجه أحمد وابن خزيمة بهذه الزيادة وأخرجه الطبراني بنحوه (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا جَرِيرٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «ائْذَنُوا لِلنِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ»، فَقَالَ ابْنٌ لَهُ: وَاللَّهِ لَا نَأْذَنُ لَهُنَّ فَيَتَّخِذْنَهُ دَغَلًا، وَاللَّهِ لَا نَأْذَنُ لَهُنَّ، قَالَ: فَسَبَّهُ وَغَضِبَ عليه، وَقَالَ: أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «ائْذَنُوا لَهُنَّ» وَتَقُولُ لَا نَأْذَنُ لَهُنَّ؟ (ش) (جرير) بن عبد الحميد (قوله ائذنوا للنساء الخ) أى إذا طلبن الإذن كما يدلّ عليه ما في مسلم عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول إذا استأذنكم نساؤكم إلى المساجد فائذنوا لهنّ. والتقييد بالليل ليس للاحتراز عن النهار كما تقدم بل للنصّ على الوقت الذى يظنّ أنهنّ يمنعن فيه من الخروج لأنه مظنة الريبة. ولذا قال ابن عبد الله بن عمر لا نأذن لهن فيتخذنه دغلا وإذا أذن لهنّ بالليل الذى هو مظنة الريبة فالإذن لهنّ في غيره بالأولى (قال) في الفتح عكس بعض الحنفية فجرى على ظاهر الخبر فقال التقييد بالليل لكون الفساق فيه في شغل بفسقهم أو نومهم بخلاف النهار فإنهم ينتشرون فيه. وهذا وإن كان ممكنا لكن مظنة الريبة في الليل أشدّ وليس لكلهم في الليل ما يشتغل به. وأما النهار فالغالب أنه يفضحهم ويصدّهم عن التعرّض لهنّ ظاهرا لكثرة انتشار الناس ورؤية من يتعرّض فيه لما لا يحلّ له فينكر عليه اهـ (قوله فقال ابن له) أى لابن عمر وهو بلال أو واقد كما صرّح به في روايتى مسلم. ورجح الحافظ أنه بلال قال لورود في ذلك من روايته نفسه ومن رواية أخيه سالم ولم يختلف عليهما في ذلك اهـ

(قوله (ص) فيتخذنه دغلا) تعليل لقوله لا نأذن لهن. والدغل بفتح الدال المهملة والغين المعجمة الخداع وأصله الشجر الملتفّ الذى يكمن فيه أهل الفساد ثم استعمل في المخادعة لكون المخادع يلفّ في نفسه أمرا ويظهر غيره. وكأنه قال ذلك غيرة لما رأى من فساد بعض النساء في ذلك الوقت (قوله فسبه وغضب عليه وقال الخ) وفى رواية لمسلم فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا ما سمعته سبه مثله قط. وفسر عبد الله بن هبيرة في رواية الطبرانى السبّ المذكور باللعن ثلاث مرّات. وفى رواية زائدة عن الأعمش فانتهره. وفى رواية لأحمد فقال عبد الله أحدثك عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتقول هذا أى آتيك بالنصّ القاطع وأنت تتلقاه بالرأى (قال) الطيبى كأنّ بلالا لما اجتهد رأى من النساء وما في خروجهنّ إلى المساجد من المنكرات أقسم على منعهنّ فردّه أبوه بأن النصّ لا يعارض بالرأى. ونظيره ما وقع لأبى يوسف حين روى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يحبّ الدّباء فقال رجل أنا ما أحبه فسلّ السيف أبو يوسف وقال جدّد الإيمان وإلا لقتلتك قاله القارى. وأنكر ابن عمر على ابنه لتصريحه بمخالفة الحديث برأيه وإلا فلو قال مثلا إن الزمان قد تغير وإن بعضهن ربما ظهر منها قصد المسجد وإصمار غيره فالظاهر أنه ما كان يمر عليه. وإلى ذلك أشارت عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا في الحديث الآتى (قال) في الفتح وأخذ من إنكار عبد الله على ولده تأديب المعترض على السنة برأيه وعلى العالم بهواه وتأديب الرجل ولده وإن كان كبيرا إذا تكلم بما لا ينبغى له، وجواز التأديب بالهجران فقد وقع في رواية ابن أبى نجيح عن مجاهد عند أحمد فما كلمه عبد الله حتى مات اهـ "فانظر" إلى ابن عمر كيف غضب على ابنه وسبه لما صادر السنة برأيه مع أنه يريد بذلك سدّ باب الفتنة على النساء "وإلى حال" كثير من أهل زماننا كيف يقدمون عاداتهم الموافقة لأهوائهم على السنة ويحسنونها. وما وقفوا عند هذا الحدّ. بل عابوا على السنة والعاملين بها فلا حول ولا قوّة إلا بالله العلىّ العظيم (قال) الطيبى عجبت ممن يتسمى بالسنيّ إذا سمع سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وله رأى رجح رأيه عليها. وأىّ فرق بينه وبين المبتدع أما سمع لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به. وها هو ابن عمر وهو من أكابر الصحابة وفقهائها كيف غضب لله ورسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهجر فلذة كبده لتلك الهنة عبرة لأولى الألباب اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية الإذن للنساء في الخروح إلى المساجد للصلاة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم مطوّلا والبخارى مقتصرا على قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأخرح الطبرانى وأحمد نحوه وأخرجه البيهقي من طريق شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله

باب التشديد في ذلك أي في خروج النساء إلى المسجد. بيان بعض ما عليه نساء هذا الزمان من البدع والمنكرات

وسلم قال لا تمنعوا النساء المساجد بالليل فقال ابنه والله لنمنعهن يتخذنه دغلا فرفع يده فلطمه وقال أحدّثك عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتقول هذا اهـ (باب التشديد في ذلك) أى في خروج النساء إلى المساجد. وفي بعض النسخ إسقاط هذه الترجمة. والأولى إثباتها (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَتْ: «لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ بعده لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَهُ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ»، قَالَ يَحْيَى: فَقُلْتُ لِعَمْرَةَ: أَمُنِعَهُ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ (ش) (القعنبى) عبد الله بن مسلمة (قوله لو أدرك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى لو بقى ورأى ما يفعله النساء من الزينة والطيب وحسن الثياب وغيرها لمنعهنّ من الخروج إلى المساجد (قال) العينى لو شاهدت عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا ما أحدث نساء هذا الزمان من أنواع البدع والمنكرات لكانت أشدّ إنكارا ولا سيما نساء مصر فإنهنّ أحدثن من البدع ما لا يوصف (منها) الشاشات على رءوسهنّ كأسنمة البخت (ومنها) مشيهنّ في الأسواق في ثياب فاخرة وأنواع طيب فائحة مكشوفات الوجوه مائلات متبخترات (ومنها) ركوبهنّ على مراكب في نيل مصر وخلجانها مختلطات بالرجال وبعضهنّ يغنين بأصوات عالية مطربة (ومنها) غلبتهنّ على الرجال وقهرهنّ إياهم وحكمهنّ عليهم (ومنها) صنف قوّادات يفسدن الرجال والنساء (ومنها) صنف بغايا قاعدات مترصدات للفساد (ومنها) صنف سوارق من الدور والحمامات (ومنها) صنف سواحر يسحرن وينفثن في العقد (ومنها) بياعات في الأسواق يتعابطن بالرجال (ومنها) صنف نوائح ينحن على الموتى بالأجرة (ومنها) صنف دقاقات ولطامات يدققن صدورهنّ ويلطمن خدودهنّ وراء الموتى بالأجرة (ومنها) صنف مغنيات يغنين بأنواع الملاهي بالأجرة للرجال والنساء (ومنها) صنف خطابات يخطبن للرجال نساء لها أزواج توقع بينهن وبين أزواجهن فتنة حتى يطلقن منهم وغير ذلك من الأصناف الكثيرة الخارجة عن قواعد الشريعة "فانظر" إلى قول عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا لو أدرك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما أحدث النساء الخ، وليس بين هذا القول وبين وفاة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا مدّة يسيرة لطيفة. على أنهنّ ما أحدثن عشر

معشار ما أحدثت نساء هذا الزمان. ولو كانت هذه النساء في ذلك الزمان لمنعن الحياة فضلا عن أن يمنعن المسجد ونحوه اهـ ملخصا. وعلمت عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا منعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم النساء من القواعد الدينية المقتضية لمنع الفساد ومن قوله ليخرجنّ وهن تفلات ومن نهيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهنّ عن مسّ الطيب إذا خرجن إلى المساجد فلا يقال من أين علمت عائشة هذه الملازمة والحكم بالمنع وعدمه ليس إلا لله تعالى (قال) في الفتح تمسك بعضهم بقول عائشة في منع النساء مطلقا وفيه نظر إذ لا يترتب على ذلك تغير الحكم لأنها علقته على شرط لم يوجد بناء على ظنّ ظنته فقالت لو رأى لمنع فيقال عليه لم ير ولم يمنع فاستمر الحكم حتى أن عائشة لم تصرّح بالمنع وإن كان كلامها يشعر بأنها كانت ترى المنع. وأيضا فقد علم الله سبحانه وتعالى ما سيحدثن فما أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بمنعهنّ. ولو كان ما أحدثن يستلزم منعهنّ من المساجد لكان منعهن من غيرها كالأسواق أولى. وأيضا فالإحداث إنما وقع من بعض النساء لا من جميعهنّ فإن تعين المنع فليكن لمن أحدث. والأولى أن ينظر إلى ما يخشى منه الفساد فيجتنب لإشارته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى ذلك بمنع التطيب والزينة أهـ (قوله كما منعه نساء بني إسراءيل) الضمير يرجع إلى المسجد. وفى بعض النسخ كما منعت وهى رواية البخارى ومسلم. ومنع نساء بنى إسراءيل لاحتمال أن تكون شريعتهم المنع. أو لاحتمال أنهن منعن بعد الإباحة وهو الأقرب لما أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عائشة موقوفا قالت كنّ نساء بنى إسراءيل يتخذن أرجلا من خشب يتشرّفن للرجال في المساجد فحرّم الله عليهنّ المساجد وسلطت عليهنّ الحيضة. وهذا وإن كان موقوفا له حكم الرفع لأن مثله لا يقال بالرأى (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشيخان والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَاصِمٍ، حَدَّثَهُمْ قَالَ: ثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُوَرِّقٍ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ: «صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا» (ش) (رجال الحديث) (ابن المثنى) هو محمد. و (عمرو بن عاصم) بن عبد الله بن الوازع الكلابى القيسى أبا عثمان البصرى الحافظ. روى عن حماد بن سملة وشعبة وجرير بن حازم ومعتمر بن سليمان وطائفة. وعنه البخارى وأبو خيثمة وأبو داود والدارمي وإبراهيم الجوزجاني

وكثيرون. وثقه ابن معين وقال ابن سعد صالح وقال النسائى ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق في حفظه شيء. مات سنة ثلاث عشرة ومائة. روى له الجماعة و (مورّق) بضم الميم وتشديد الراء المكسورة ابن مشمرج بالجيم ويقال ابن عبد الله العجلى أبي معتمر البصرى. روى عن عمر وسلمان الفارسى وأبى ذرّ وابن عباس وأنس وأبى الأحوص عوف بن مالك وآخرين. وعنه حميد الطويل ومجاهد وعاصم الأحول وتوبة العنبرى وغيرهم قال العجلى تابعى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان من العباد وقال أبن سعد كان ثقة عابدا ووثقه ابن معين. مات سنة خمس أو ثمان ومائة (معنى الحديث) (قوله صلاة المرأة في بيتها الخ) أى ثواب صلاتها في مسكنها الذى تسكنه وتأوى إليه أكثر من ثواب صلاتها في حجرتها أى صحن دارها. قاله ابن الملك أراد بالحجرة ما تكون أبواب البيوت إليها وهى أدنى حالا من البيت في الستر (قوله وصلاتها في مخدعها الخ) بتثليث الميم وفتح الدال المهملة البيت الصغير الذى يكون داخل البيت الكبير تحفظ فيه الأمتعة النفيسة مأخوذ من أخدعت الشئ إذا أخفيته. وكانت صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها لأن مبنى أمرها على التستر فكلما كان المكان أستر كانت الصلاة فيه أفضل (والحديث يدلّ) على أن صلاة المرأة في هذه الأمكنة أفضل من صلاتها في المساجد حتى مسجد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما يؤيده ما رواه أحمد وابن حبان عن أم حميد امرأة أبى حميد الساعدى أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت يا رسول الله إني أحب الصلاة معك قال قد علمت أنك تحبين الصلاة معى وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدى فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شئ من بيتها وأظلمه وكانت تصلى فيه حتى لقيت الله عز وجل ورواه ابن خزيمة أيضا وبوّب عليه فقال باب اختيار المرأة الصلاة في حجرتها على صلاتها في دارها وصلاتها في مسجد قومها على صلاتها في مسجد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال وما ورد من قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة في مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد فهو محمول على صلاة الرجال دون النساء (فقه الحديث) دلّ الحديث على ترغيب المرأة في صلاتها في بيتها، وعلى أن الفضل في صلاتها يتفاوت بتفاوت الأمكنة في الستر (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن خزيمة والبيهقى

باب السعي إلى الصلاة أي في كراهة الإسراع في المشي إليها

(ص) حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ» قَالَ نَافِعٌ: فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَهَذَا أَصَحُّ (ش) هذا الحديث تقدم شرحه وافيا في باب في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال. ولعل المصنف أعاده هنا لأن في استقلالهن بباب من أبواب المسجد تشديدا في خروجهن (باب السعى إلى الصلاة) أى الإسراع في المشى إليها أيجوز أم لا. وفي بعض النسخ باب ما جاء في السعى إلى الصلاة (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا عَنْبَسَةُ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا». (ش) (عنبسة) بن خالد. و (يونس) بن يزيد (قوله إذا أقيمت الصلاة الخ) وفي رواية للبخارى إذا سمعتم الإقامة. وفي أخرى له أيضا إذا أتيمتم الصلاة. وفي رواية لمسلم إذا ثوّب بالصلاة. والتقييد بالإقامة ليس للاحتراز بل هو نصّ على المحل الذى يتوهم فيه جواز الإسراع لإدراك أول الصلاة مع الإمام فإذا لم يجز الإسراع في هذه الحالة فعدم الجواز قبل الإقامة بالطريق الأولى فالنهى عن الإسراع في الإتيان إلى الصلاة مطلقا حال الإقامة أو غيرها وبعضهم جعل القيد للاحتراز وقال الحكمة في النهى عن الإسراع في هذا الوقت دون غيره أن المسرع إذا أقيمت الصلاة يصل إليها فيقرأ في تلك الحال فلا يحصل له تمام الخشوع في الترتيل وغيره بخلاف من جاء قبل ذلك فإن الصلاة ربما لا تقام حتى يستريح (قال) النووى إنما ذكر الإقامة للتنبيه بها على ما سواها لأنه إذا نهى عن الإتيان لها سعيا في حال الإقامة مع خوف فوت بعضها فقبل الإقامة أولى. وأكد ذلك ببيان العلة فقال صلى الله عليه وآله وسلم

مذاهب العلماء في ذلك وفيما يحصل به للمأموم إدراك فضيلة الجماعة وهل هو أول صلاته أم لا

فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة. وهذا يتناول جميع أوقات الإتيان إلى الصلاة. وأكد ذلك تأكيدا آخر فقال فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا. فحصل فيه تنبيه وتأكيد لئلا يتوهم متوهم أن النهي إنما هو لمن لم يخف فوات بعض الصلاة فصرّح بالنهى وإن فات من الصلاة ما فات وبين ما يفعل فيما فات اهـ ببعض تصرّف "ولا يقال" هذا مناف لقوله تعالى {فاسعوا إلى ذكر الله} "لأن المراد" بالسعى في الآية القصد يدل عليه قوله تعالى {وذروا البيع} أى اشتغلوا بأمر المعاد واتركوا أمر المعاش (قال) في المرقاة ليس السعى الكامل منحصرا على الأقدام بل المراد تحصيل الإخلاص في الوصول إلى المرام والنهى إنما هو عن الإسراع المفضى إلى تشتيت البال وعدم استقامة الحال (قوله وائتوها تمشون) أى بالطمأنينة والسكينة اللتين عليهما مدار الطاعة إذ المقصود من العبادة الحضور مع المعبود (قوله وعليكم السكينة) أى الزموها. وهى التأنى في الحركات واجتناب العبث والوقار في الهيئة وغضّ البصر وخفض الصوت والإقبال على الطريق من غير التفات (والحكمة) في هذا الأمر تستفاد من زيادة في رواية مسلم في آخر هذا الحديث وهى قوله فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة أى في حكم الصلاة (وفى الحديث) دلالة على النهى عن الإسراع في المشي إلى الصلاة مطلقا سواء فيه صلاة الجمعة وغيرها وسواء أخاف فوات تكبيرة الإحرام وغيرها أم لا. وإلى ذلك ذهب زيد بن ثابت وأنس وأحمد وأبو ثور واختاره ابن المنذر وحكاه العبدرى عن أكثر العلماء (وذهب) ابن مسعود وابن عمر والأسود بن يزيد وعبد الرحمن بن يزيد وإسحاق بن راهويه إلى أنه إذا خاف فوات تكبيرة الإحرام أسرع قال النووى لما روى أن عبد الله بن مسعود اشتدّ إلى الصلاة وقال بادروا حدّ الصلاة يعنى التكبيرة الأولى. والأول أصح لما روى أبو هريرة وساق حديث الباب اهـ قال الترمذى اختلف أهل العلم في المشى إلى المسجد. فمنهم من رأى الإسراع إذا خاف فوت التكبيرة الأولى حتى ذكر عن بعضهم أنه كان يهرول إلى الصلاة. ومنهم من كره الإسراع واختار أن يمشى على تؤدة ووقار وبه يقول أحمد وإسحاق وقالا العمل على حديث أبى هريرة. وقال إسحاق إن خاف فوت التكبيرة الأولى فلا بأس أن يسرع في المشى اهـ (قوله فما أدركتم فصلوا) أى مع الإمام. والفاء واقعة في جواب شرط محذوف أى إذا فعلتم ما أمرتكم به من السكينة وترك الإسراع فما أدركتم الخ. واستدلّ بهذا الحديث على حصول فضيلة الجماعة بإدراك أى جزء من الصلاة وهي السبع والعشرون درجة لكن من أدركها من أولها تكون درجاته أكمل وهذا قول الجمهور. وقيل لا تدرك الجماعة بأقلّ من ركعة لحديث من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك. وقياسا على الجمعة. لكن تقدم أن هذا الحديث ورد في الأوقات وأن في الجمعة حديثا خاصا بها (قوله وما فاتكم فأتموا) أى والذى سبقكم به الإمام من الصلاة فافعلوه بعد سلامه (وفي هذا دليل) على أن الذى يدركه

المرء من صلاة إمامه هو أول صلاته لأن لفظ الإتمام يقع على باق من شيء قد تقدم سائره (واختلف في ذلك) فذهب الجمهور إلى أن ما أدركه المأموم مع الإمام هو أول صلاته وقد روى ذلك عن علي بن أبى طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصرى ومكحول وعطاء والزهرى والأوزاعي وإسحاق بن راهويه مستدلين بهذه الرواية وبما رواه الدارقطني عن قتادة أن على بن أبي طالب قال ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك واقض ما سبقك به من القرآن. وبأن من أدرك مع الإمام من المغرب ركعة ثم قام بعد فراغ إمامه يصلى ركعة ثم يتشهد ثم يقوم إلى الثالثة وهو متفق عليه. قالوا وهو دليل ظاهر على أن الذى فاته لو كان أول صلاته ما جلس عقب ركعة بل كان يتشهد عقب الركعتين (وذهب جماعة) منهم سفيان الثورى وأبو حنيفة وأحمد ومجاهد وابن سيرين إلى أن ما أدركه المأموم مع الإمام آخر صلاته حتى استحبوا له الجهر في الركعتين الأخيرتين وقراءة سورة وترك القنوت. واحتجوا بما في بعض روايات هذا الحديث من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وما فاتكم فاقضوا. قالوا إن القضاء لا يكون إلا للفائت (والراجح) ما ذهب إليه الجمهور. ولا منافاة بين رواية فأتموا ورواية فاقضوا لأن القضاء وإن كان يطلق على فعل ما فات وقت أدائه يطلق أيضا بمعنى الأداء للأصل كقوله تعالى {فإذا قضيت الصلاة} الآية وقوله تعالى {فإذا قضيتم مناسككم} أى فرغتم منها وهو المراد هنا جمعا بين الروايات فلا حجة فيه لمن تمسك برواية فاقضوا على أن ما أدركه المأموم هو آخر صلاته على أن أكثر الرواة على رواية فأتموا كما ذكره المصنف (قال البيهقي) والذين قالوا فأتموا أكثر وأحفظ وألزم لأبى هريرة "الذى هو راوى الحديث" فهو أولى والله تعالى أعلم اهـ وكذا قال الحافظ في الفتح قال العينى وفي المسألة أربعة أقوال (أحدها) أنه أول صلاته وأنه يكون بانيا عليه في الأفعال والأقوال وهو قول الشافعى وإسحاق والأوزاعي وهو مرويّ عن على وابن المسيب والحسن وعطاء ومكحول ورواية عن مالك وأحمد واستدلوا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم وما فاتكم فأتموا لأن لفظ الإتمام واقع على باق من شيء قد تقدم سائره. وروى البيهقى من حديث عبد الوهاب بن عطاء ثنا إسراءيل عن أبى إسحاق عن الحارث عن على أنه قال ما أدركت فهو أول صلاتك. وعن ابن عمر بسند جيد مثله (الثاني) أنه أول صلاته بالنسبة إلى الأفعال فيبنى عليها وآخرها بالنسبة إلى الأقوال فيقضيها وهو قول مالك. قال ابن بطال عنه ما أدرك فهو أول صلاته إلا أنه يقضى مثل الذى فاته من القراءة بأم القرآن وسورة. قال سحنون هذا الذى لم نعرف خلافه. دليله ما رواه البيهقى من حديث قتادة أن على بن أبى طالب قال ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك واقض ما سبقك به من القرآن (الثالث) أنه أول صلاته إلا أنه يقرأ فيها بالحمد وسورة مع الإمام. وإذا قام للقضاء قضى بالحمد وحدها لأنه آخر صلاته وهو قول المزني وإسحاق وأهل الظاهر (الرابع)

أنه آخر صلاته وأنه يكون قاضيا في الأفعال والأقوال وهو قول أبى حنيفة وأحمد في رواية وسفيان ومجاهد وابن سيرين اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على النهي عن الإسراع في الإتيان إلى الصلاة، وعلى الحث على التأني والوقار حال المجئ إليها، وعلى حصول فضيلة الجماعة بإدراك أيّ جزء مع الإمام لقولة فما أدركتم فصلوا ولم يفصل بين القليل والكثير، وعلى مشروعية دخول المأموم مع الإمام في أى حالة وجده عليها، وعلى أن ما أدركه المأموم مع الإمام هو أول صلاته وتقدم بيانه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم من طريق يونس (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَذَا قَالَ الزُّبَيْدِيُّ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، وَمَعْمَرٌ، وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، «وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» (ش) أى قال الزبيدى ومن ذكر معه في روايتهم عن الزهرى وما فاتكم فأتموا مثل رواية يونس عنه. وغرض المصنف بهذا بيان أن رواية فأتموا أقوى وأصح من رواية فاقضوا لأن الرواة عن الزهرى كلهم متفقون عليها ولم يرو عنه فاقضوا إلا سفيان بن عيينة. هذا و (الزبيدى) هو محمد بن الوليد بن عامر أبو الهذيل الحمصى. روى عن سعيد المقبرى والزهرى وعبد الرحمن ابن جبير والفضل بن فضالة وجماعة. وعنه الأوزاعى وإسماعيل بن عياش ومحمد بن حرب ويحيى بن حمزة وآخرون. قال ابن سعد كان ثقة أعلم أهل الشام بالفتوى والحديث وقال الخليلى ثقة حجة وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان من الحفاظ المتقنين والفقهاء في الدين ووثقه العجلى وأبو زرعة والنسائى وابن معين. مات سنة ست أو سبع وثمانين ومائة. روى له البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه. ولم نقف على من وصل رواية الزبيدى. و (ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن. وروايته عند البخارى. و (إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم. وروايته عند ابن ماجه. و (معمر) بن راشد. وروايته عند مسلم. و (شعيب بن أبى حمزة) وروايته عند البخارى والبيهقي في الجمعة (ص) وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ وَحْدَهُ: «فَاقْضُوا» (ش) أى روى سفيان بن عيينة الحديث عن محمد في مسلم بن شهاب الزهرى وتفرد بقوله وما فاتكم فاقضوا. وروايته أخرجها الطحاوى والنسائى عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وائتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا "ودعوى" المصنف أن

ابن عيينة تفرد عن الزهرى بلفظ فاقضوا "غير مسلمة" لقد أخرج الطحاوى بسنده إلى الليث ابن سعد قال حدثنى ابن الهاد عن ابن شهاب عن أبى سلمة عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا أتيتم الصلاة "الحديث" وفيه وما فاتكم فاقضوا (ص) وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «فَأَتِمُّوا»، وَابْنُ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، وَأَبُو قَتَادَةَ، وَأَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كُلُّهُمْ «فَأَتِمُّوا» (ش) ساق المصنف هذه التعاليق تقوية لما رواه أكثر تلاميذ الزهري عنه من أن الحديث بلفظ فأتموا. ثم أيد ذلك برواية ابن مسعود وأبى قتادة وأنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم ورواية محمد بن عمرو عن أبى سلمة أخرجها الطحاوى، في شرح معاني الآثار. ورواية جعفر بن ربيعة لم نقف على من وصلها. ورواية ابن مسعود لم نقف على من وصلها أيضا. ورواية أبى قتادة الحارث ابن ربعى أخرجها البخارى ومسلم. ورواية أنس أخرجها الطحاوى بسنده إلى حميد الطويل عن أنس عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال إذا جاء أحدكم يعني إلى الصلاة فليمش على هيئته فليصلّ ما أدرك وليقض ما سبق به منها (ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ: «ائْتُوا الصَّلَاةَ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَصَلُّوا مَا أَدْرَكْتُمْ وَاقْضُوا مَا سَبَقَكُمْ». (ش) ساق المصنف هذه الرواية للإشارة إلى أنه قد اختلف على أبى سلمة فروى الزهرى ومحمد بن عمرو الحديث بلفظ فأتموا ورواه عنه سعد بن إبراهيم بلفظ فاقضوا لكن أخرج الطحاوى رواية سعد وفيها فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا. ولعل سعدا روى الحديث عن أبي سلمة مرّتين مرة بلفظ فاقضوا وهي التي رواها أبو داود. ومرّة بلفظ فأتموا وهي التى رواها الطحاوى (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَا قَالَ ابْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «وَلْيَقْضِ». وَكَذَا قَالَ أَبُو رَافِعٍ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،

باب ما جاء في الجمع في المسجد مرتين

(ش) أى روى الحديث محمد بن سيرين وأبو رافع عن أبى هريرة بلفظ القضاء كما رواه عنه أبو سلمة. ورواية ابن سيرين أخرجها مسلم بلفظ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا ثوّب بالصلاة فلا يسع إليها أحدكم ولكن ليمش وعليه السكينة والوقار صلّ ما أدركت واقض ما سبقك. ورواية أبى رافع لم نقف على من أخرجها (ص) وَأَبُو ذَرٍّ رَوَى عَنْهُ: «فَأَتِمُّوا، وَاقْضُوا» وَاخْتُلِفَ عنه (ش) أى أنه روى عن أبى ذرّ جندب بن جنادة كلّ من العبارتين كما رويتا عن أبى هريرة فروى مبنىّ للمفعول. وفى بعض النسخ وروى عنه بالواو فيكون أبو ذرّ روى عن أبى هريرة فليقض كما رواها عنه أبو رافع وروى عنه أيضا فأتموا واقضوا ويكون روى مبنيا للفاعل. وقوله واختلف عنه أى اختلفت الرواة عن أبى ذرّ فبعضهم رواه عنه بلفظ فأتموا وبعضهم بلفظ فاقضوا واختلف فيما رواه أبو ذرّ عن أبى هريرة فمرّة رواه عنه بلفظ فاقضوا ومرّة بلفظ فأتموا (باب ما جاء في الجمع في المسجد مرّتين) أى في تكرار صلاة الجماعة في المسجد مرّتين في وقت واحد أيجوز أم لا. وفى نسخة باب في الجمع الخ. وبوّب الترمذى في جامعه بلفظ باب ما جاء في الجماعة في مسجد قد صلى فيه مرّة وأورد حديث الباب (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ "أَبْصَرَ رَجُلًا يُصَلِّي وَحْدَهُ، فَقَالَ: أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ" (ش) (رجال الحديث) (سليمان الأسود) الناجى البصرى أبي محمد. روى عن أبى المتوكل وابن سيرين. وعنه وهيب بن خالد وسعيد بن أبي عروبة ويزيد بن زريع وعبد العزيز ابن المختار. وثقه ابن معين وابن حبان وابن المدينى وأحمد بن صالح. روى له أبو داود والترمذى (معنى الحديث) (قوله أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أبصر رجلا الخ) لم يعرف اسمه وفى رواية أحمد عن أبى سعيد أن رجلا دخل المسجد وقد صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأصحابه الخ. وهذه الصلاة صلاة الظهر كما صرّح به في رواية لأحمد والدارقطني. وقوله ألا رجل يتصدق على هذا يعنى يفعل معه خيرا. وفى رواية لأحمد من يتصدق على ذا. وفي رواية الترمذى أيكم

أقوال الأئمة في صلاة الجماعة في المسجد بعد الإمام الراتب ومعه

يتجر على هذا. وفى رواية الدارقطنى من يتجر على هذا فيصلى معه أى مقتديا به ليحصل له ثواب الجماعة فقام أبو بكر وصلى معه كما ذكره ابن أبى شيبة. وسمى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة معه صدقة لأنه قد صنع معروفا "ففى" رواية البخارى عن جابر ومسلم عن حذيفة كل معروف صدقة. ويصلى منصوب لوقوعه في جواب ألا لأنها أداة عرض كقولك ألا تنزل فتصيب خيرا. وقيل الهمزة للاستفهام ولا بمعنى ليس ويصلى مرفوع عطفا على الخبر (والحديث يدلّ) بظاهره على مشروعية تكرار الصلاة جماعة في مسجد قد صلى فيه جماعة قال الترمذى وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وغيرهم من التابعين قالوا لا بأس أن يصلي القوم جماعة في مسجد قد صلى فيه اهـ وبه قال إسحاق وداود وابن المنذر وابن مسعود وأنس (قال) في تحفة الأحوذى شرح الترمذي قال ابن أبى شيبة في مصنفه حدثنى إسحاق الأزرق عن عبد الملك بن أبى سليمان عن سلمة بن كهيل أن ابن مسعود دخل المسجد وقد صلوا فجمع بعلقمة ومسروق والأسود وإسناده صحيح وهو قول أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال البخارى في صحيحه وجاء أنس بن مالك إلى مسجد قد صلى فيه فأذن وأقام وصلى جماعة اهـ (قال) الحافظ في الفتح وصله أبو يعلى في مسنده من طريق الجعد أبى عثمان قال مرّ بنا أنس بن مالك في مسجد بنى ثعلبة فذكر نحوه قال وذلك في صلاة الصبح وفيه فأمر رجلا فأذن وأقام ثم صلى بأصحابه. وأخرجه ابن أبى شيبة من طرق عن أبى الجعد. وعند البيهقى من طريق أبى عبد الصمد العمى عن الجعد نحوه وقال في مسجد بنى رفاعة وقال فجاء أنس في نحو عشرين من فتيانه اهـ قال وهذا القول الحق ودليله أحاديث الباب اهـ من التحفة ملخصا (وإلى ذلك) ذهب ابن حزم قال ومن أتى مسجدا قد صليت فيه صلاة فرض جماعة بإمام راتب وهو لم يكن صلاها فليصلها في جماعة فقد روينا عن سفيان الثورى عن يونس بن عبيد عن الجعد أبى عثمان قال جاءنا أنس بن مالك عند الفجر وقد صلينا فأقام وأَمّ أصحابه. وروينا أيضا أنه كان معه نحو عشرة من أصحابه فأذن وأقام ثم صلى بهم. وروينا أيضا من طريق معمر وحماد بن سلمة عن أبى عثمان عن أنس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. وسماه حماد فقال في مسجد بنى رفاعة. وعن ابن جريج قلت لعطاء نفر دخلوا مسجد مكة خلاف الصلاة ليلا أو نهارا أيؤمهم أحدهم قال نعم وما بأس ذلك. وعن سفيان الثورى عن عبد الله بن يزيد أمنى إبراهيم النخعى في مسجد قد صلى فيه فأقامنى عن يمينه بغير أذان ولا إقامة. وعن معمر صحبت أيوب السختيانى من مكة إلى البصرة فأتينا مسجد أهل ماء قد صلى فيه فأذن أيوب ثم تقدم فصلى بنا. وعن حماد بن سلمة عن عثمان البتى قال دخلت مع الحسن البصرى وثابت البنانى مسجدا قد صلى فيه أهله فأذن ثابت وأقام وتقدم الحسن فصلى بنا فقلت يا أبا سعيد أما يكره هذا قال وما بأسه (قال) ابن حزم هذا مما لا يعرف فيه لأنس مخالف من

الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم. قال روينا من طريق أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبدة بن سليمان عن سعيد بن أبى عروبة عن سليمان الأسود عن أبى المتوكل وساق حديث الباب اهـ ببعض تصرّف (وبذلك قالت) الحنابلة إلا في مسجدى مكة والمدينة (وذهب) جمهور المالكية إلى كراهة إقامة جماعة بعد جماعة الإمام الراتب سواء أذن الإمام في ذلك أم لا وقد تكره قبله وله أن يجمع إن جمع غيره قبله إن لم يؤخر كثيرا عن عادته أو أذن لأحد أن يصلي مكانه وإلا كره (والحكمة) في عدم الجواز أنه يؤدى إلى تقليل الجماعة الأولى لأن الناس إذا علموا أن الجماعة تفوتهم يتعجلون فتكثر بخلاف ما إذا علموا أنه إذا فاتتهم الجماعة الأولى أدركوا جماعة ثانية فيتأخرون. ويؤدى أيضا إلى تفرق الكلمة وتشتيت الجموع الذى شرعت من أجلها الجماعة. وهذا عامّ في كل المساجد خلافا للحنابلة القائلين بتخصيص كراهة تكرار الجماعة مسجدى مكة والمدينة وعللوه بأنه أرغب في توفير الجماعة لئلا يتوانى الناس في حضور الجماعة مع الإمام الأول فيهما لأن هذا التخصيص مخالف للنصوص ولأن علتهم المذكورة لا تختص بهذين المسجدين (وقال) أشهب لا كراهة في إقامة الجماعة بعد الإمام الرّاتب مستدلا بحديث الباب (قال) زرّوق وهو الأصل اهـ (وقال العينى) من الحنفية إن صلى في المسجد غير أهله بأذان وإقامة لا يكره لأهله أن يصلوا فيه جماعة ولو صلى فيه أهله بأذان وإقامة أو بعض أهله يكره لغير أهله وللباقين من أهله أن يصلوا فيه جماعة. وعن أبى يوسف يكره إذا كانت الجماعة الثانية كثيرة فأما إذا كانوا ثلاثة أو أربعة فقاموا في زاوية من زوايا المسجد فصلوا جماعة لا يكره. وروى عن محمد يكره إذا كانت الثانية على سبيل التداعي والاجتماع فإذا لم تكن فلا. لكن ما ذكره أبو يوسف ومحمد من التفصيل غير وجيه لما تقدم. وفى شرح المنية إذا لم يكن للمسجد إمام ومؤذن راتب فلا يكره تكرار الجماعة فيه بأذان وإقامة عندنا بل هو الأفضل أما لو كان له إمام راتب ومؤذن فيكره تكرار الجماعة فيه بأذان وإقامة اهـ وفى المفتاح إذا دخل القوم مسجدا قد صلى فيه أهله كره أن يصلوا فيه جماعة لأن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج ليصلح بين الأنصار فاستخلف عبد الرحمن بن عوف فرجع بعد ما صلى فدخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بيته وجمع أهله فصلى بهم فلو كانت تجوز إعادة الجماعة في المسجد لما ترك الصلاة فيه. والصلاة فيه أفضل اهـ (وذهبت) الشافعية إلى أنه إن كان للمسجد إمام راتب وليس مطروقا كره لغيره إقامة الجماعة فيه ابتداء قبل فوات وقت مجئ إمامه وكذا تكره إقامة جماعة أخرى بعده إن كان بغير إذنه (قال) النووى هذا هو الصحيح المشهور اهـ وإن كان المسجد مطروقا أو غير مطروق وليس له إمام راتب لم تكره إقامة الجماعة فيه ثانيا (قال) النووى أما إذا حضر واحد بعد صلاة الجماعة فيستحب لبعض الحاضرين الذين صلوا أن يصلى معه ليحصل له فضل الجماعة (وقال) أيضا إذا

لم يكن للمسجد إمام راتب لا تكره إقامة جماعة ثانية وثالثة وأكثر من ذلك بإجماع الأئمة (وقال) الشافعى إنا قد حفظنا أن قد فاتت رجالا مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة فصلوا بعلمه منفردين وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا وأن قد فاتت الصلاة في الجماعة قوما فجاءوا المسجد فصلى كل واحد منهم منفردا وإنما كرهوا لئلا يجمعوا في مسجد مرّتين اهـ فتحصل من كلام الشافعية أنه إذا لم يكن للمسجد إمام راتب لا يكره تكرار الجماعة فيه لا فرق بين كونه مطروقا أو غير مطروق بخلاف ما إذا كان له إمام راتب فتكره في غير المطروق ولا تكره في المطروق. لكن جاء عن الشافعي رحمه الله تعالى ما ينافى ذلك حيث قال في الأمّ ما نصه: وإن كان لرجل مسجد يجمع فيه ففاتته فيه الصلاة فإن أتى مسجد جماعة غيره كان أحب إلىّ وإن لم يأته وصلى في مسجده منفردا فحسن. وإذا كان للمسجد إمام راتب ففاتت رجلا أو رجالا فيه الصلاة صلوا فرادى ولا أحب أن يصلوا فيه جماعة فإن فعلوا اجزأتهم الجماعة فيه. وإنما كرهت ذلك لهم لأنه ليس مما فعل السلف قبلنا بل قد عابه بعضهم (قال) الشافعى وأحسب كراهية من كره ذلك منهم إنما كان لتفرق الكلمة وأن يرغب رجل عن الصلاة خلف إمام جماعة فيتخلف هو ومن أراد عن المسجد في وقت الصلاة فإذا قضيت دخلوا فجمعوا فيكون في هذا اختلاف وتفرق كلمة فيكون فيهما المكروه. وإنما أكره هذا في كل مسجد له إمام ومؤذن فأما مسجد بني على ظهر الطريق أو ناحية لا يؤذن فيه مؤذن راتب ولا يكون له إمام معلوم ويصلى فيه المارّة ويستظلون فلا أكره ذلك فيه لأنه ليس فيه المعنى الذى وصفت من تفرق الكلمة وأن يرغب رجال عن إمامة رجل فيتخذون إماما غيره. وإن صلى جماعة في مسجد له إمام ثم صلى فيه آخرون في جماعة بعدهم كرهت ذلك لهم لما وصفت وأجزأتهم صلاتهم اهـ (وقال النووى) في شرح المهذب (قال) الشافعى والأصحاب إذا حضرت الجماعة ولم يحضر إمام فإن لم يكن للمسجد إمام راتب قام واحد وصلى بهم وإن كان له إمام راتب فإن كان قريبا بعثوا إليه من يستعلم خبره ليحضر أو يأذن لمن يصلى بهم وإن كان بعيدا أو لم يوجد في موضعه فإن عرفوا من حسن خلقه أنه لا يتأذى بتقدّم غيره ولا تحصل بسببه فتنة استحب أن يتقدّم أحدهم ويصلى بهم ويحفظ أول الوقت. الأولى أن يتقدم أولاهم بالإمامة وأحبهم إلى الإمام فإن خافوا أذاه أو فتنة انتظروه وإن طال الانتظار وخافوا فوات الوقت كله صلوا جماعة اهـ والأحوط لمن فاتته الصلاة مع الإمام الرّاتب أن يصليها جماعة خارج المسجد خروجا من الخلاف وهذا كله في جماعة أخرى جاءت بعد جماعة الإمام الراتب أو قبله (أما الجماعة) حال صلاة الإمام الراتب فمتفق على منعها. وكذا إذا كانت الجماعة الثانية في المسجد حال إقامة الجماعة الأولى ولم تدخل معها رغبة في الصلاة مع الإمام الآخر (قال) الحطاب اختلف في جمع الأئمة الأربعة

بالمسجد الحرام في مقاماتهم المعهودة هل هو من باب إعادة الجماعة بعد الإمام الراتب فيكون الإمام الراتب هو الذى يصلى في مقام إبراهيم وهو الأول ومن بعده حكمه حكم إعادة الجماعة بعد الإمام الراتب أو أشد من ذلك في الكراهة بل ربما انتهى إلى المنع لما سيأتي أو صلاتهم جائزة لا كراهة فيها ومقاماتهم كمساجد متعدّدة (فذكر ابن فرحون) في مناسكه عن جماعة من شيوخ المذهب أنهم أفتوا بأن صلاتهم على الوجه المذكور جائزة لا كراهة فيها إذ مقاماتهم كمساجد متعدّدة لأمر الإمام بذلك. وإذا أمر الإمام بذلك فقد زالت العلة التى لأجلها كره أن تصلى جماعة بعد جماعة. وكان الاستفتاء المذكور في المائة السابعة (ثم قال) ابن فرحون ووقفت بثغر الإسكندرية على تأليف يخالف ما أفتى به الجماعة وأن الإمام الراتب هو إمام المقام ولا أثر لأمر الخليفة في رفع الكراهة الحاصلة في جمع جماعة بعد جماعة. واستدلّ على ذلك بأدلة كثيرة وألف في ذلك تأليفا ولم يحضرني الآن اسم مؤلفه رحم الله الجميع اهـ قال الحطاب قد وقفت على تأليفين في هذه المسألة (أحدهما) للشيخ الإمام أبى القاسم عبد الرحمن ابن الحسين بن عبد الله بن الحباب السعدى المالكي فذكر أنه أفتى في سنة خمسين وخمسمائة بمنع الصلاة بأئمة متعددة وجماعات مترتبة بالمسجد الحرام على مذاهب العلماء الأربعة وذكر أن بعض علماء الإسكندرية أفتى بخلاف ذلك وهم شدّاد بن المقدم وعبد السلام بن عتيق وأبو الطاهر ابن عوف. ثم ردّ عليهم وبالغ في الردّ وذكر أن بعضهم رجع عما أفتى به لما وقف على كلامه وقال في الردّ عليهم قولهم إن هذه الصلاة جائزة لا كراهة فيها خلاف الإجماع فإن الأمة مجمعة على أن هذه الصلاة لا تجوز وأن أقل أحوالها أن تكون مكروهة لأن الذى اختلف العلماء فيه إنما هو في مسجد ليس له إمام راتب أو له إمام راتب وأقيمت الصلاة فيه جماعة ثم جاء آخرون فأرادوا إقامة تلك الصلاة جماعة فهذا موضع الخلاف. فأما حضور جماعتين أو أكثر في مسجد واحد ثم تقام الصلاة فيتقدم الإمام الراتب فيصلى وأولئك عكوف من غير ضرورة تدعوهم إلى ذلك تاركون لإقامة الصلاة مع الإمام الراتب متشاغلون بالنوافل والحديث حتى تنقضى صلاة الأول ثم يقوم الذى يليه وتبقى الجماعة الأخرى على نحو ما ذكرنا ثم يصلون أو تحضر الصلاة الواحدة كالمغرب فيقيم كل إمام الصلاة جهرا يسمعها الكافة ووجوههم مترائية والمقتدون بهم مختلطون في الصفوف ويسمع كل واحد من الأئمة قراءة الآخرين ويركعون ويسجدون فيكون أحدهم في الركوع والآخر في الرفع منه والآخر في السجود فالأئمة مجمعة على أن هذه الصلاة لا تجوز وأقل أحوالها أن تكون مكروهة. فيقول القائل إنها جائزة لا كراهة فيها خرق لإجماع الصحابة والقرن الثانى والثالث والرابع والخامس والسادس إلى حين ظهور هذه البدعة (ثم قال) في موضع آخر بعد أن تكلم على هذه المسألة وأنها ممنوعة على مذهب مالك

وغيره وردّ على من أفتى بخلافه. فأما أحمد فكفانا في المسألة مهمة فإنه منع من إقامة صلاة واحدة بجماعتين في المسجد الحرام الذى الكلام فيه ومسجد الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وقد حكى لك) أن مذهب مالك والشافعى وأصحاب الرأى الذين منهم أبو حنيفة أنهم لا يرون إقامة صلاة بإمامين في مسجد واحد. فأما إقامة صلاة واحدة بإمامين راتبين يحضر كل واحد من الإمامين فيتقدم أحدهما وهو الذى رتب ليصلى أوّل وتجلس الجماعة الأخرى وإمامهم عكوفا حتى يفرغ الأول ثم يقيمون صلاتهم فهذا مما لم يقل به أحد ولا يمكن أحدا أن يحكى مثل هذا القول عن أحد من الفقهاء لا فعلا ولا قولا فكيف بإمامين يقيمان الصلاة في وقت واحد يقول كل واحد منهما حيّ على الصلاة ويكبر كل واحد منهما وأهل القدوة مختلطون ويسمع كل واحد قراءة الآخر فهؤلاء زادوا على الخلاف الذى لسلف الأمة وخلفها ومخالفة قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن. والله لم يرض هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمتنفلين تنفلا في المسجد بل لم يرضه لمقتد اقتدى به فصلى خلفه فكيف يرضى ذلك لإمامين منفردين. هذا مما لا نعلم له نظيرا في قديم ولا حديث (ثم قال) في موضع آخر فأما إقامة صلاة المغرب وصلاة العشاء في شهر رمضان في وقت واحد فلم يستحسنها أحد من العلماء بل استقبحها كل من سئل عنها. ومنهم من بادر بالإنكار من غير سؤال (ثم قال) وأما إذن الإمام في ذلك فلا يصيره جائزا (ثم ذكر) عن جماعة من علماء المالكية والحنفية وردوا إلى مكة في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وأنهم أنكروا صلاة الأئمة الأربعة مترتبين على الصفة المعهودة وأنه عرض ما أملاه في عدم جواز هذه الصلاة وأنكر إقامتها على جماعة من العلماء وأنهم وافقوه على أن المنع من ذلك هو مذهب مالك والشافعى وأبى حنيفة اهـ مختصرا (الثاني) من المؤلفين للشيخ إبراهيم الغساني فذكر أن افتراق الجماعة عند الإقامة على أئمة متعدّدة إمام ساجد وإمام راكع وإمام يقول سمع الله لمن حمده لم يوجد من ذكره من الأئمة ولا أذن به أحد بعد الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا من صحت عقيدته ولا من فسدت لا في سفر ولا في حضر ولا عند تلاطم السيوف وتضامّ الصفوف في سبيل الله ولا يوجد في ذلك أثر لمن تقدم فيكون له له أسوة اهـ (وسئل القاضى) جمال الدين بن ظهيرة عن إقامة الأئمة الأربعة لصلاة المغرب في وقت واحد وقال القائل في السؤال إن ذلك لم يكن في زمن النبوّة ولا الخلفاء الراشدين ولا في زمن الأئمة الأربعة. وعن قول بعض فقهاء الإسكندرية إن المسجد الحرام كأربعة مساجد وإن ذلك مخالف لقول الله تعالى "سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى" ولقول الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة في مسجدى هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام

ولم يقل المساجد الحرام (فأجاب) بأن صلاة الأئمة الأربعة المغرب دفعة واحدة من البدع الشنيعة التي لم تزل العلماء ينكرونها في الحديث والقديم ويردّونها على مخترعها القادم نهم والمقيم (ثم ذكر) بعض كلام ابن الحباب الذى ذكرناه وكلام الغساني (ثم قال) وقد كفانا هذان الرجلان في هذه المسألة وفيما نقله الأول منهما من إجماع الأمة وكلام الأئمة كفاية (قال) وقد أخبرنى بعض أهل العلم أنه اجتمع بالشيخ الإمام العالم العلامة عالم المغرب في وقته المجمع على علمه ودينه وفضيلته أبى عبد الله بن عرفة في حجته سنة اثنين وتسعين وسبعمائة بالمسجد الحرام فإنه لما رأى اجتماع الأئمة الأربعة في صلاة المغرب أنكر ذلك وقال إن ذلك لا يجوز بإجماع المسلمين لا أعلم بذلك بينهم اختلافا اهـ ثم قال وهذا صحيح لا شك فيه وبشاعة ذلك وشناعته ظاهرة لمن ألهم رشده ولم تمل به عصبية. ودلائل المنع من ذلك من السنة الشريفة أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر. وقد يحصل من ذلك من الضرر في الموسم على المصلين ما لا مزيد عليه وتبطل صلاة كثير منهم للاشتباه. وجميع البلاد التي تقام فيها هذه الجماعات يجتمعون في صلاة المغرب على إمام واحد وهو الشافعى الراتب الأول كبيت المقدس ودمشق وغيرهما (وعلى الجملة) فذلك من البدع التي يجب إنكارها والسعى لله تعالى في خفض منارها وإزالة شعارها واجتماع الناس على إمام واحد وهو الإمام الراتب. ويثاب ولىّ الأمر على إزالة هذا المنكر وينال به عند الله تعالى الدرجات العالية ويؤجر وكل من قام في ذلك فله الأجر الوافر والخير العظيم المتكاثر "وأما قول" من قال من فقهاء الإسكندرية بأن المسجد الحرام كأربعة مساجد "فهو قول باطل" سخيف وهو أقلّ من أن يتعرّض له بردّ لمخالفته المحسوس والأدلة الظاهرة المتكاثرة من الكتاب والسنة اهـ (قال الحطاب) وما قاله هؤلاء الأئمة ظاهر لا شك فيه إذ لا يشك عاقل في أن هذا الفعل المذكور مناقض لمقصود الشارع من مشروعية صلاة الجماعة وهو اجتماع المسلمين وأن تعود بركة بعضهم على بعض وأن لا يؤدّى ذلك إلى تفرق الكلمة. ولم يسمح الشارع بتفريق الجماعة بإمامين عند الضرورة الشديدة وهي حضور القتال مع عدوّ الدين بل أمر بقسم الجماعة وصلاتهم بإمام واحد. وقد أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بهدم مسجد الضرار لما اتخذ لتفريق الجماعة اهـ ملخصا (وقد سئل) الشيخ محمد عليش عن حكم هذه المسألة بما نصه: ما قولكم في صلاة جماعتين فأكثر في محلّ واحد له "إمام" راتب أولا ووقت واحد يقيمون الصلاة معا أو متعاقبين ويحرمون بها معا أو متعاقبين أو يتقدم بعضهم بركعة أو أكثر ويقرءون معا الفاتحة أو يقرأ بعضهم الفاتحة والآخر السورة ويسمع بعضهم قراءة بعض أو بعضهم يقرأ وبعضهم يركع وبعضهم يسجد وبعضهم يتشهد وبعضهم يهوي للركوع أو السجود مكبرا وآخر يرفع للركوع مسمعا وتختلط صفوف المقتدين بهم فيجتمع في الصفّ الواحد إمامان

فأكثر ويلتبس على بعض المقتدين بهم صوت إمامهم بصوت إمام غيره فيقتدى بإمامه في بعض صلاته وبغيره في بعضها أو يشك فيمن اقتدى به هل هو إمامه أو غيره أو يقتدى بإمامه في جميعها مع اشتغاله بسماع قراءة غيره وتكبيره وتسميعه عن سماع ذلك من إمامه. فهل هذا من البدع الشنيعة والمحدثات الفظيعة التى يجب على أهل العلم وأولى الأمر إنكارها وهدم منارها. وهل هو من المجمع على تحريمه أو من المختلف فيه. وهل جريان العادة به من بعض العلماء والعوام يسوّغه أولا (فأجاب) بقوله الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله نعم هذا من البدع الشنيعة والمحدثات الفظيعة أول ظهوره في القرن السادس ولم يكن في القرون التى قبله وهو من المجمع على تحريمه كما نقله جماعة من الأئمة لمنافاته لغرض الشارع من مشروعية الجماعة الذى هو جمع قلوب المؤمنين وتأليفهم وعود بركة بعضهم على بعض وله شرع الجمعة والعيد والوقوف بعرفة. ولتأديته للتخليط في الصلاة التى هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين والتلاعب بها فهو مناف لقوله تعالى {ومن يعطم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} وقوله تعالى {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "صلوا كما رأيتمونى أصلى" وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "اتقوا الله في الصلاة اتقوا الله في الصلاة اتقوا الله في الصلاة" وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "اتموا الصفوف" وقوله "أتموا الصفّ المقدّم" وفى الموطأ سمع قوم الإقامة فقاموا يصلون فخرج عليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال أصلاتان معا أصلاتان معا وذلك في الصبح في الركعتين اللتين قبل الصبح. ولمشروعية صلاة القسمة حال الجهاد وتلاطم الصفوف وتضارب السيوف بجماعة واحدة كما في القرآن العزيز. ولم يشرع حاله تعدّد الجماعة فكيف يشرع حال السعة والاختيار إنها لا تعمى الأبصار. وقد أمر الله تعالى بهدم مسجد الضرار الذى اتخذ لتفريق المؤمنين فكيف يأذن بتفريقهم وهم بمحلّ واحد للصلاة مجتمعين وقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الجفاء كل الجفاء والكفر والنفاق من سمع منادى الله تعالى ينادى بالصلاة ويدعو إلى الفلاح فلا يجيبه وقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حسب المؤمن من الشقاء والخيبة أن يسمع المؤذن يثوّب بالصلاة فلا يجيبه. وإذا كان هذا حال سامع الأذان المتلاهي عنه فكيف حال سامع الإقامة المتصلة بالصلاة المتلاهى عنها وهو في المسجد. وكيف يمكن إجابة إقامتين فأكثر لو شرعتا في محلّ واحد ووقت واحد إنها لا تعمى الأبصار. وأخرج الإمام أبو عبد الرحمن النسائى في صحيحه بسنده عن عرفجة الأشجعى رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال رأيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المنبر يخطب الناس فقال إنه سيكون بعدى هناة وهناة فمن رأيتموه فارق الجماعة أو يريد تفرق أمر أمة محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كائنا من كان فاقتلوه فإن يد الله على

ما دل عليه حديث أبي سعيد من صحة الاقتداء بمن دخل في الصلاة منفردا وغير ذلك من المسائل

الجماعة وإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض. وعنه أيضا قال سمعت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول ستكون بعدى هناة وهناة فمن أراد أن يفرق أمر أمة محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهم جميع فاقتلوه كائنا من كان. وأخرج الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه في صحيحه عن حذيفة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يقبل الله لصاحب بدعة صوما ولا صلاة ولا صدقة ولا حجا ولا عمرة ولا جهادا ولا صرفا ولا عدلا يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين. وعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته. وعن ابن أم مكتوم رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قلت يا رسول الله إني رجل كبير ضرير شاسع الدار لا أجد قائدا يلازمني أتجد لى رخصة في التخلف فقال هل تسمع النداء قلت نعم قال لا أجد لك رخصة. وعن عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ستدركون أقواما يصلون الصلاة لغير وقتها فإذا أدركتموهم فصلوا في بيوتكم للوقت الذى تعرفون ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة. وعن عبادة بن الصامت قال قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ستكون أمراء تشغلهم الأشياء يؤخرون الصلاة عن وقتها فاجعلوا صلاتكم معهم تطوّعا. وعن أبى ذرّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال صل الصلاة لوقتها فإن أدركت الإمام يصلى بهم فصلّ معهم فهى لك نافلة وإلا فقد أحرزت صلاتك. فلم يأذن لهم في تعدّد الجماعة ولا في التخلف عنها. فيجب على العلماء وأولى الأمر وجماعة المسلمين إنكارها وهدم منارها. وجريان العادة بها من بعض العلماء والعوام لا يسوّغها. وقد ألف في هذه المسألة الشيخ الإمام أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن عبد الله ابن الحباب السعدى المالكي والشيخ الإمام أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الغسانى المالكي وبسطا الكلام عليها وأجادا فكفيا من بعدهما مؤنتها جزاهما الله تعالى أحسن الجزاء. وساق ما تقدم عن الحطاب مع زيادة اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث بظاهره على مشروعية تكرار صلاة الجماعة في مسجد صليت فيه جماعة. وتقدّم بيانه، وعلى صحة الاقتداء بمن دخل في الصلاة منفردا, وعلى مزيد رأفة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالأمة وحب الخير لهم، وعلى الترغيب في التعاون على الخير (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والحاكم والبيهقى وابن حبان والترمذى وحسنه (باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم) وفى نسخة باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك جماعة يصلى معهم إذا كان في المسجد

(ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ، فَلَمَّا صَلَّى إِذَا رَجُلَانِ لَمْ يُصَلِّيَا فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَدَعَا بِهِمَا فَجِئَ بِهِمَا تُرْعُدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ: «مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ » قَالَا: قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، فَقَالَ: «لَا تَفْعَلُوا، إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي رَحْلِهِ ثُمَّ أَدْرَكَ الْإِمَامَ وَلَمْ يُصَلِّ، فَلْيُصَلِّ مَعَهُ فَإِنَّهَا لَهُ نَافِلَةٌ». (ش) (رجال الحديث) (شعبة) بن الحجاج و (جابر بن يزيد بن الأسود) السوائى ويقال الخزاعي روى عن أبيه. وعنه يعلى بن عطاء. قال ابن المديني لم يرو عنه غيره وقال في التقريب صدوق من الثالثة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والترمذى والنسائى (قوله عن أبيه) هو يزيد بن الأسود ويقال ابن أبى الأسود العامرى حليف قريش. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابنه جابر. روى له أبو داود والترمذى والنسائى (معنى الحديث) (قوله أنه صلى مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) أى الصبح بمنى كما في الرواية الآتية (قوله وهو غلام شاب) جملة حالية من الضمير في صلى والمراد أنه لم يبلغ سنّ الكهولة وهو ثلاثون أو أربعون سنة. ولعلّ غرضه بذلك قوّة ما تحمله (قوله فلما صلى الخ) أى فلما فرغ صلى الله عليه وعلى آله وسلم من صلاته فاجأه رؤية رجلين في جانب المسجد لم يصليا معه. وفى رواية الترمذى عن يزيد بن الأسود قال شهدت مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حجته فصليت معه الصبح في مسجد الخيف فلما قضى صلاته وانحرف إذا رجلان الخ وفي رواية الترمذى والنسائى إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا فقال علىّ بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما أى تضطرب وتتحرّك من الخوف. وترعد من باب قتل. والفرائص جمع فريصة وهى اللحمة التى بين جنب الدابة وكتفها. واضطربت، فرائصهما لما له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الحرمة والهيبة (قوله قد صلينا في رحالنا) أى منازلنا ومأوانا (قوله فقال لا تفعلوا الخ) أى قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لهما لا تصنعوا مثل صنعكم هذا. والمراد بالجمع ما فوق الواحد. وفى رواية النسائى والترمذى فقال لا تفعلا بالتثنية إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصلّ فليصل الخ أى فليصل الصلاة التي صلاها في رحله مع الإمام والأمر فيه للندب لقوله فإنها له نافلة (وهو يدلّ) بظاهره على أنه يستحب لمن صلى الصلاة

باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم

في بيته ثم أتى المسجد فأدرك الجماعة أن يصلى معهم سواء أكانت الصلاة التي صلاها في منزله فرادى أم جماعة وسواء أكانت الصبح أم العصر أم المغرب أم غيرها. وبه قال علىّ بن أبى طالب وحذيفة وأنس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم وسعيد بن المسيب وابن حبيب والزهرى وأحمد إلا أنهم قالوا في المغرب يضيف إليها ركعة أخرى لتصير شفعا (وبهذا قالت) الشافعية لكنهم لم يقولوا بإضافة ركعة في المغرب (وقال ابن مسعود) ومالك والأوزاعي والثورى يعيد الصلوات في الجماعة إلا المغرب لئلا تصير شفعا. لكن حمل مالك الحديث على ما إذا صلى الصلاة أوّلا منفردا (وقال أبو حنيفة) وصاحباه يعيد الظهر والعشاء (وقال ابن عبد البرّ) قال جمهور الفقهاء إنما يعيد الصلاة مع الإمام في جماعة من صلى وحده في بيته أو في غير بيته. أما من صلى في جماعة وإن قلت فلا يعيد في أخرى قلت أو كثرت. ولو أعاد في جماعة أخرى لأعاد في ثالثة ورابعة إلى ما لا نهاية له وهذا لا يخفى فساده اهـ (قال الخطابى) في الحديث من الفقه أن من كان صلى في رحله ثم صادف جماعة يصلون كان عليه أن يصلى معهم أية صلاة كانت من الصلوات الخمس وهو مذهب الشافعى وأحمد وإسحاق وبه قال الحسن والزهرى. وقال قوم يعيد المغرب والصبح وكذلك قال النخعى. وحكى ذلك عن الأوزاعي وكان مالك والثورى يكرهان أن يعيدا صلاة المغرب. وكان أبو حنيفة لا يرى أن يعيد صلاة العصر والمغرب والفجر إذا كان قد صلاهنّ (وظاهر الحديث) حجة على من منع من شيء من الصلوات كلها ألا تراه صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه ولم يستثن صلاة دون صلاة اهـ وقوله فإنها له نافلة أى أن الصلاة المعادة في الجماعة نافلة (قال الخطابى) فيه دليل على أن صلاة التطوّع جائزة بعد الفجر قبل طلوع الشمس إذا كان لها سبب. وأما نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس فقد تأولوه على وجهين (أحدهما) أن ذلك على معنى إنشاء الصلاة ابتداء من غير سبب وأما إذا كان لها سبب مثل أن يصادف قوما يصلون جماعة فإنه يعيدها معهم ليحرز الفضيلة (والوجه الآخر) أنه منسوخ وذلك أن حديث يزيد بن الأسود متأخر لأن في قصته أنه شهد مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حجة الوداع اهـ (قال العينى) أما قوله إن ذلك على معنى إنشاء الصلاة ابتداء من غير سبب فغير مسلم لأن هذا تخصيص من غير مخصص فنهاية ما في الباب أنهم احتجوا بأنه صلى الله عليه وآله وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر وقاسوا عليها كل صلاة لها سبب حتى قال النووى هو عمدة أصحابنا في المسألة وليس لهم أصح دلالة منه. ولكن يخدشه ما ذكره الماوردى منهم وغيره من أن ذلك من خصوصياته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وقال) الخطابى كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مخصوصا بهذا دون الخلق (وقال) ابن عقيل لا وجه له إلا هذا الوجه

(وقال) الطبرى فعل ذلك تنبيها لأمته أن نهيه كان على وجه الكراهة لا التحريم اهـ وأما قوله إنه منسوخ فغير صحيح لأن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ما برح النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى أن توفي ولو كان منسوخا لعمل بناسخه مع أنه كان يضرب على الركعتين بعد العصر بمحضر من الصحابة من غير نكير فدلّ هذا على أن النهى ليس بمنسوخ وأن الركعتين بعد العصر مخصوصة به دون أمته (وقال) أبو جعفر الطحاوى ويدلّ على الخصوصية أن أم سلمة هي التي روت صلاته إياهما قيل لها أفنقضيهما إذا فاتتا بعد العصر قالت لا اهـ والأولى أن حديث الباب مخصص لأحاديث النهى عن الصلاة بعد الفجر والعصر (قال في النيل) حديث الباب يدل على مشروعية الدخول مع الجماعة بنية التطوّع لمن كان قد صلى تلك الصلاة وإن كان الوقت وقت كراهة للتصريح بأن ذلك كان في صلاة الصبح فيكون حديث الباب مخصصا لعموم الأحاديث القاضية بكراهة الصلاة بعد صلاة الصبح. ومن جوّز التخصيص بالقياس ألحق به ما سواه من أوقات الكراهة اهـ (والحديث صريح) في أن الصلاة الثانية نافلة والأولى هي الفريضة سواء أصليت في جماعة أم فرادى لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترك الاستفصال في قولهما صلينا في رحالنا. وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزّل منزلة العموم في المقال، وروى ذلك عن عليّ وبه قال الثورى وأبو إسحاق وأبو حنيفة والشافعى في الجديد والحنابلة. مستدلين بحديث الباب وأشباهه. قالوا لأن الأولى قد وقعت فريضة وأسقطت الفرض لأنها لا تجب ثانيا وإذا برئت الذمة بالأولى استحال كون الثانية فريضة وجعل الأولى نافلة. ولأن تأدية الصلاة الثانية بنية الفريضة يستلزم أن تصلى الصلاة الواحدة في اليوم مرّتين وقد نهى الشارع عنه كما يأتي للمصنف من حديث ابن عمر مرفوعا لا تصلوا صلاة في يوم مرّتين. وأخرجه النسائى أيضا وابن حبان وابن خزيمة. ويدلّ لهم أيضا ما رواه الدارقطنى من طريق الحجاج بن أرطاة عن يعلى بن عطاء عن عبد الله بن عمر عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفيه فقاله لا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجدا فصليا معهم فتكون لكما نافلة والتى في رحالكما فريضة (وهذا) هو المختار لقوّة أدلته (وقال الشافعى) في القديم إن فرضه إحداهما لا بعينها ويحتسب الله بما شاء (قال) النووى وعبر بعض أصحابنا عن هذا القول. أن الفرض أكملهما (وذهب الأوزاعي) إلى أن كلا منهما فرض. ووجهه بأن كلا منهما مأمور به والأولى مسقطة للحرج لا مانعة من وقوع الثانية فرضا (قال) النووى وهذا كما قال أصحابنا في صلاة الجنازة إذا صلتها طائفة سقط الحرج عن الباقين فلو صلت طائفة أخرى وقعت الثانية فرضا أيضا فتكون الأولى مسقطة للحرج عن الباقين لا مانعة من وقوع فعلها فرضا. وهذا الحكم في جميع قروض الكفاية (وأما كيفية) النية فعلى القديم ينوى بالثانية الفرض أيضا. وعلى الجديد فالأكثرون ينوى بها الفرض. وقيل

ما دل عليه حديث يزيد بن الأسود من جواز وقوع الصلاة المكتوبة خارج المسجد وغير ذلك من الفوائد

ينوى الظهر أو العصر مثلا ولا يتعرّض لفرض ولا نفل وهو الذى اختاره إمام الحرمين وهو المختار الذى تقتضيه القواعد والأدلة اهـ (وقالت المالكية) أمره مفوّض إلى الله تعالى في أيتهما شاء فرضه "فقد" روى مالك في الموطأ عن نافع أن رجلا سأل عبد الله بن عمر فقال إنى أصلى في بيتى ثم أدرك الصلاة مع الإمام أفأصلي معه فقال له عبد الله بن عمر نعم فقال الرجل أيتهما أجعل صلاتى فقال له ابن عمر أوذلك إليك إنما ذلك إلى الله تعالى يجعل أيتهما شاء. وروى أيضا عن يحيى ابن سعيد أن رجلا سأل سعيد بن المسيب فقال إني أصلى في بيتي ثم آتي المسجد فأجد الإمام يصلى أفأصلى معه قال نعم قال الرجل فأيتهما صلاتى فقال سعيد أوأنت تجعلهما إنما ذلك إلى الله تعالى. قال ابن حبيب معناه أن الله تعالى يعلم التى يتقبلها منه. فأما على وجه الاعتداد بها فهى الأولى وهذا يقتضى أن يصلى الصلاتين بنية الفرض. ولو صلى إحداهما بنية النفل لم يشك أن الأخرى هي فرضه اهـ. وروى عن مالك قول آخر وهو أن الأولى فرض والثانية نفل. والقولان مبنيان عندهم على صحة رفض الصلاة بعد تمامها. وأما على القول بعدم صحته فيتعين القول الثاني (فقه الحديث) دلّ الحديث على عظم هيبة الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعلى أن من رأى مخالفة يطلب منه أن يسأل مرتكبها عن سبب ارتكابها، وعلى أنه ينبغى لمن أمّ الناس في الصلاة أن يراعي حالهم فإن رأى من شخص مخالفة أرشده إلى الصواب. وعلى جواز وقوع الصلاة المكتوبة خارج المسجد، وعلى أن من صلى خارج المسجد ثم أدرك الجماعة فيه يطلب منه الدخول معهم، وعلى أنه إن دخل مع الجماعة تكون الأولى فرضه والثانية نافلة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الترمذى والنسائى من طريق يعلى بن عطاء وأحمد والطحاوى في شرح معانى الآثار وأخرجه الدارقطنى وابن حبان والحاكم وصححه ابن السكن وأخرجه البيهقى من طريق وهب بن جرير قال ثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه قال صلينا مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الفجر بمنى فجاء رجلان حتى وقفا على رواحلهما فأمر بهما صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فجئ بهما ترعد فرائصهما فقال لهما ما منعكما أن تصليا مع الناس ألستما مسلمين قالا بلى يا رسول الله إنا كنا قد صلينا في رحالنا فقال لهما إذا صليتما في رحالكما ثم أتيما الإمام فصليا معه فإنها لكما نافلة (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ مُعَاذٍ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ الصُّبْحَ بِمِنًى بِمَعْنَاهُ (ش) (ابن معاذ) هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ بن نصر (قوله بمعناه) أى بمعنى حديث حفص بن عمر السابق

(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ نُوحِ بْنِ صَعْصَعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: جِئْتُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ فَجَلَسْتُ وَلَمْ أَدْخُلْ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ: فَانْصَرَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى يَزِيدَ جَالِسًا، فَقَالَ: «أَلَمْ تُسْلِمْ يَا يَزِيدُ»، قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَسْلَمْتُ، قَالَ: «فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَدْخُلَ مَعَ النَّاسِ فِي صَلَاتِهِمْ؟ »، قَالَ: إِنِّي كُنْتُ قَدْ صَلَّيْتُ فِي مَنْزِلِي وَأَنَا أَحْسَبُ أَنْ قَدْ صَلَّيْتُمْ، فَقَالَ: «إِذَا جِئْتَ إِلَى المسجد فَوَجَدْتَ النَّاسَ فَصَلِّ مَعَهُمْ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ تَكُنْ لَكَ نَافِلَةً وَهَذِهِ مَكْتُوبَةٌ» (ش) (رجال الحديث) (معن بن عيسى) بن يحيى بن دينار الأشجعى مولاهم القزّار. روى عن إبراهيم بن طهمان ومعاوية بن صالح ومالك وابن أبى ذئب وهشام بن سعد وطائفة. وعنه ابن معين وابن المديني وأبو خيثمة وقتيبة والحميدى وكثيرون. قال أبو حاتم كان أثبت أصحاب مالك وأتقنهم وقال ابن سعد كان ثقة ثبتا مأمونا ووثقه ابن معين وابن حبان وقال الخليلى متفق عليه. مات بالمدينة سنة ثمان وتسعين ومائة. روى له الجماعة. و (نوح بن صعصعة) الحجازى. روى عن يزيد بن عامر. وعنه سعيد بن السائب. ذكره ابن حبان في الثقات وقال الدارقطني حاله مجهول وقال في التقرب مستور من الرابعة. روى له أبو داود و (يزيد بن عامر) بن الأسود بن حبيب أبى حاجز السوائى بضم المهملة. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه نوح بن صعصعة والسائب بن أبى حفص. يقال إنه شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم. روى له أبو داود (معنى الحديث) (قوله فجلست ولم أدخل معهم في الصلاة) أتى به لدفع توهم أن يكون جلس لعذر ودخل معهم في الصلاة (قوله فانصرف علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى أقبل علينا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد فراغه من الصلاة فرأى يزيد جالسا على غير هيئة الصلاة بعيدا عن صفوفها. وفيه وضع الظاهر موضع المضمر وكان السياق أن يقول فرآنى جالسا فقال ألم تسلم يا يزيد. والظاهر أن الاستفهام للتوبيخ قصد به توبيخه على ترك الصلاة مع الجماعة التي لا يتركها إلا منافق لأن قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك

لا يقتضي أن من لم يصلّ مع الناس يكون غير مسلم لأن ذلك لا يقول به أحد فهو كقول القائل لمن علم أنه قرشىّ مالك لا تكون كريما ألست بقرشىّ لا يريد بذلك نفيه عن قريش وإنما يوبخه على أنه قد ترك أخلاق قريش (قوله بلى يا رسول الله قد أسلمت) بلى حرف جواب نفى للنفى السابق وقد أسلمت تأكيد لما أفادته بلى (وقوله إنى كنت قد صليت في منزلى الخ) أفاد بذلك أنه لم يترك الصلاة وإنما اجتزأ بالصلاة في أهله. ولعله عمل على الحديث الآتى لا تصلوا صلاة في يوم مرّتين ولم يبلغه حديث الإعادة لفضل الجماعة. وقوله وأنا أحسب أن قد صليتم الخ تعليل لقوله إنى كنت قد صليت أى إنى قد صليت في منزلى لأنى أحسب أنكم صليتم فقال له صلى الله عليه وآله وسلم إذا جئتت إلى المسجد. وفي بعض النسخ إذا جئت إلى مكان الصلاة فوجدت الناس يصلون فصلّ معهم. وفى بعضها إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس الخ (وظاهره) أنه يدخل مع الجماعة إذا أتى المسجد حال الصلاة فإن أتاه قبل أن تقام الصلاة فله أن يخرج ما لم تقم الصلاة وهو فيه لأن الصلاة معهم لا تلزمه إلا بإقامتها (قال الباجى) فإن أتي المسجد فوجد الصلاة تقام أو وجدهم قد شرعوا في الصلاة فعليه أن يصليها معهم. ووجه ذلك أن الصلاة قد تعينت عليه لدخول المسجد في ذلك الوقت فأما من رأى الناس يصلون وهو مارّ في الطريق فإنه لا تلزمه إعادة الصلاة معهم اهـ (قوله وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة الخ) أى تكن الصلاة التى صليتها مع الجماعة زائدة في الثواب على ثواب الفرض وهذه الصلاة التي أديتها في رحلك هي الفريضة فالضمير المستتر في تكن عائد على الصلاة مع الجماعة واسم الإشارة عائد على الصلاة التى صلاها في بيته وهذا أقرب لموافقته للأحاديث خلافا لمن زعم أن الضمير في تكن عائد على الصلاة التى في بيته واسم الإشارة عائد على التى صلاها مع الجماعة فإن ظاهره يكون معارضا للحديث المتقدم لأنه صريح في أن صلاته في بيته فريضة والتي صلاها مع الجماعة نافله. وعلى تسليم هذا الاحتمال فلا معارضة أيضا لأن حديث يزيد بن عامر هذا من رواية نوح بن صعصعة وفيه مقال فهو ضعيف (قال) البيهقى إن حديث يزيد بن الأسود أثبت منه وأولى اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطنى والبيهقى (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ بُكَيْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَفِيفَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْمُسَيِّبِ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ، فَقَالَ: يُصَلِّي أَحَدُنَا فِي مَنْزِلِهِ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ وَتُقَامُ الصَّلَاةُ

باب إذا صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أيعيد

فَأُصَلِّي مَعَهُمْ فَأَجِدُ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «فَذَلِكَ لَهُ سَهْمُ جَمْعٍ» (ش) (رجال الحديث) (ابن وهب) هو عبد الله و (عمرو) بن الحارث. و (بكير) ابن عبد الله بن الأشج. و (عفيف بن عمرو بن المسيب) السهمى. روى عن رجل من بني أسد وعنه بكير الأشج ومالك. وثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات (قوله عن رجل من بني أسد بن خزيمة) قبيلة ولم يعرف اسم هذا الرجل (معنى الحديث) (قوله يصلى أحدنا في منزله الصلاة الخ) أى المكتوبة. ويعنى بالأحد نفسه لقوله فأصلى معهم. ورواية مالك في الموطأ فقال إنى أصلى في بيتى ثم آتى المسجد. ففى رواية المصنف وضع الظاهر موضع المضمر. وقوله فأصلى معهم فيه التفات من الغيبة إلى التكلم والأصل فيصلى معهم فيجد في نفسه من تكرار الصلاة وإعادتها شيئا من الشبهة فقال له أبو أيوب زيد بن خالد الأنصارى سألنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن إعادة الصلاة مع الجماعة بعد أدائها منفردا فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذلك الذى يصلى في بيته ثم يصلى مع الجماعة في المسجد له سهم جمع بالإضافة أى نصيب من ثواب الجماعة. ويحتمل أن المعنى له سهم الجمع بين الصلاتين الصلاة التى صلاها في رحله والتى صلاها مع الجماعة فيكون في ذلك إخبار له بأنه لا يضيع أجر الصلاتين منه (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن من اشتبه عليه أمر من أمور الدين يطلب منه أن يسأل عنه العالم به وعلى أن من أفتى بشئ ينبغى له أن يبين الدليل عليه إذا كان عالما به، وعلى أن من صلى مع الجماعة بعد صلاته منفردا له ثواب الجماعة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مالك في الموطأ والبيهقى (باب إذا صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أيعيد) أى هل يعيد أم لا. وفي بعض النسخ باب إذا صلى في جماعة ثم أدرك جماعة يعيد وهي على تقدير همزة الاستفهام. وقد ترجم النسائى لهذا الحديث بقوله سقوط الصلاة عمن صلى مع الإمام في المسجد (ص) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، ثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ يَعْنِي مَوْلَى مَيْمُونَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ عَلَى الْبَلَاطِ وَهُمْ يُصَلُّونَ، فَقُلْتُ: أَلَا تُصَلِّي

مذاهب الأئمة في ذلك

مَعَهُمْ، قَالَ: قَدْ صَلَّيْتُ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» (ش) (أبو كامل) هو فضيل بن حسين الجحدرى. و (حسين) بن ذكوان المعلم (قوله على البلاط) أى جالسا في البلاط وهو موضع بالمدينة بين المسجد والسوق وأصل البلاط نوع من الحجارة يفرش بها الأرض ثم سمى المكان به على الاتساع (قوله وهم يصلون) أى والحال أن أهل البلاط يصلون جماعة فيه لا في المسجد. ولعلهم تأخروا عن الجماعة في المسجد لعذر (قوله ألا تصلى معهم الخ) وفي رواية النسائى قلت يا أبا عبد الرحمن مالك لا تصلى معهم فقال قد صليت يعنى في جماعة على ما هو الظاهر من السياق أو كان الوقت صبحا أو عصرا أو مغربا فقد روى مالك في الموطأ عنه أنه كان يقول من صلى المغرب أو الصبح ثم أدركهما مع الإمام فلا يعد لهما (قوله لا تصلوا صلاة في يوم مرّتين) أى لا تفعلوا الصلاة المكتوبة بنية الفرضية في يوم مرّتين. فلا معارضة بينه وبين الأحاديث الدالة على جواز الدخول مع الجماعة في المسجد لمن صلى الصلاة في رحله لأن الثانية نافلة. ويحتمل إبقاؤه على إطلاقه من غير تقييد بنية الفرضية ويكون مخصصا بالأحاديث الدالة على جواز الدخول مع الجماعة في المسجد لمن صلى تلك الصلاة ويكون النهى لغيره. وهذا النهى متفق عليه إذا أراد أن يعيد الصلاة فرادى سواء أصلاها أوّلا فرادى أم في جماعة (قال ابن حجر) لأن من صلى وأراد أن يعيد منفردا فإن صلاته لا تنعقد عندنا لأن الأصل منع الإعادة إلا ما ورد به الدليل ولم يرد إلا في الإعادة في جماعة اهـ (قال ميرك) وحينئذ لا يكون مخالفا لسائر الأحاديث ولا لمذهب من المذاهب اهـ أما إذا أراد أن يعيدها في جماعة فلا يخلو إما أن يكون صلاها أوّلا فرادى أو في جماعة فإن كان الأول فقد تقدّم بيانه في الباب السابق. وإن كان الثانى فاختلف العلماء فيه (فذهبت) المالكية إلى عدم مشروعية الإعادة. وحملوا قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الحديث المتقدم إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصلّ معهم وإن كنت قد صليت على أن الصلاة التى وقعت أوّلا فرادى كما تقدمت الإشارة إليه في حديث يزيد بن عامر (وذهبت) الحنابلة إلى جواز الإعادة مع الجماعة سواء أصلى الأولى منفردا أم في جماعة (وذهبت) الشافعية إلى استحباب الإعادة مطلقا وهو الصحيح عندهم. وقيل إن كان في الجماعة الثانية زيادة فضل لكون الإمام أعلم أو أروع أو الجمع أكثر أو المكان أشرف استحب الإعادة وإلا فلا (وقال الشوكانى) تمسك بهذا الحديث القائلون إن من صلى في جماعة ثم أدرك جماعة لا يصلى معهم كيف كانت لأن الإعادة لتحصيل فضيلة الجماعة وقد حصلت له. وهو مروىّ عن الصيدلانى

باب في جماع الإمامة وفضلها

والغزالى وصاحب المرشد قال في الاستذكار اتفق أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه على أن معنى قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تصلوا صلاة في يوم مرتين أن ذلك أن يصلى الرجل صلاة مكتوبة عليه ثم يقوم بعد الفراغ فيعيدها على جهة الفرض أيضا وأما من صلى الثانية مع الجماعة على أنها نافلة اقتداء بالنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في أمره بذلك فليس ذلك من إعادة الصلاة في يوم مرّتين لأن الأولى فريضة والثانية نافلة فلا إعادة حينئذ اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على النهى عن فعل الصلاة المكتوبة في يوم مرتين وتقدم بيانه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وأحمد والبيهقى وابن حبان وابن خزيمة في صحيحيهما قال النووى في الخلاصة إسناده صحيح (باب في جماع الإمامة وفضلها) أى في بيان أبواب الإمامة وبيان فضلها. وجماع بكسر الجيم وفتح الميم المخففة ما جمع عددا يقال حدثنى بكلمة تكون جماعا أى تجمع كلمات ويكون أيضا بضم الجيم وتشديد الميم ومعناه كل ما تجمع وانضمّ بعضه إلى بعض (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ أَمَّ النَّاسَ فَأَصَابَ الْوَقْتَ فَلَهُ وَلَهُمْ، وَمَنِ انْتَقَصَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهِمْ» (ش) (رجال الحديث) (قوله المهرى) نسبة إلى مهرة بوزن تمرة بلدة من عمان أو حىّ من قضاعة من عرب اليمن. و (عبد الرحمن بن حرملة) بن عمر بن سنة الأسلمى أبى حرملة. روى عن سعيد بن المسيب وعمرو بن شعيب وحنظلة بن على وغيرهم. وعنه الثورى والأوزاعي ومالك وبشر بن المفضل وابن عليه وكثيرون. قال الساجى صدوق يهم وقال ابن عدى لم أر في حديثه منكرا وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان يخطئُ، توفى سنة خمس وأربعين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى (قوله عن أبى على الهمدانى) هو ثمامة بن شفىّ بالتصغير الأحروجىّ ويقال الأصبحى روى عن فضالة بن عبيد وعقبة بن عامر وقبيصة بن ذؤيب وأبى ريحانة. وعنه يزيد بن أبي حبيب

باب في كراهية التدافع عن الإمامة

وعمرو بن الحارث وعبد العزير بن أبى صعصعة وجماعة. وثقه النسائى وذكره ابن حبان في الثقات روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله سمعت عقبة بن عامر يقول الخ) قد جاء سبب ذكر عقبة هذا الحديث في رواية ابن ماجه والبيهقى عن أبى على الهمداني قال إنه خرج في سفينة فيها عقبة بن عامر الجهنى فحانت صلاة من الصلوات فأمرناه أن يؤمنا وقلنا له إنك أحق بذلك أنت صاحب رسول الله صلى الله تعالى علبه وعلى آله وسلم فأبى وقال إنى سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول من أمّ الناس فأصاب الخ أى من صلى بالناس جماعة في وقتها فالثواب يعود عليه وعليهم ومن انتقص من ذلك شيئا بأن أخرجها عن وقتها فالوزر عليه دونهم ولعلّ عقبة حمل الحديث على عمومه فتأخر عن الصلاة بهم. لكن الحديث محمول على الأمراء كما يدلّ عليه ما تقدم للمصنف. وما في رواية النسائى عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مرفوعا لعلكم تدركون أقواما يصلون الصلاة لغير وقتها فإذا أدركتموهم فصلوا في بيوتكم في الوقت ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة اهـ لأنهم لو تأخروا عنهم يتسلط عليهم أذاهم (وظاهر) الحديث قصر الإصابة والنقص على الوقت. لكن في رواية لأحمد ما يدلّ على ما هو أعمّ وفيها فإن صلوا لوقتها وأتموا الركوع والسجود فهى لكم ولهم. وروى ابن ماجه عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الإمام ضامن فإذا أحسن فله ولهم وإن أساء فعليه يعنى ولا عليهم. وروى أحمد حديث عقبة بن عامر عن أبي علي قال سافرنا مع عقبة ابن عامر الجهني فحضرتنا الصلاة فأردنا أن يتقدّمنا فقال إنى سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول من أمّ قوما فإن أتمّ فله التمام ولهم التمام وإن لم يتمّ فلهم التمام وعليه الإثم. ورواه ابن ماجه بلفظ من أمّ الناس فأصاب فالصلاة له ولهم. فهذا كله يدلّ على على أن الإصابة ليست قاصرة على إصابة الوقت بل تعمه وغيره من أركان الصلاة (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يطلب من الإمام أن يحافظ على أداء الصلوات في أوقاتها، وعلى أنه إذا فعل ذلك كان الثواب له وللمأمومين، وعلى أنه إذا فرّط في شئ فالإثم عليه دونهم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن حبان وابن خزيمة والحاكم وأخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقى مطوّلا بلفظ تقدّم (باب في كراهية التدافع عن الإمامة) أى في بيان كراهة أن يدفع بعض القوم بعضا على الإمامة

من علامات القيامة أن تقام الصلاة ولا يجدون إماما يصلي بهم

(ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبَّادٍ الْأَزْدِيُّ، ثَنَا مَرْوَانُ، حَدَّثَتْنِي طَلْحَةُ أُمُّ غُرَابٍ، عَنْ عَقِيلَةَ، امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ مَوْلَاةٍ لَهُمْ، عَنْ سَلَامَةَ بِنْتِ الْحُرِّ، أُخْتِ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ الْفَزَارِيِّ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَتَدَافَعَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ لَا يَجِدُونَ إِمَامًا يُصَلِّي بِهِمْ» (ش) (رجال الحديث) (مروان) بن معاوية. و (طلحة أم غراب) روت عن بنانة وعقيلة مولاة بنى فزارة. وعنها وكيع ومروان بن معاوية. قال في التقريب لا يعرف حالها من الثامنة وذكرها ابن حبان في الثقات. روى لها أبو داود وابن ماجه. و (عقيلة) بفتح العين المهملة (امرأة من بني فزارة مولاة لهم) روت عن سلامة بنت الحرّ. وعنها أم غراب. قال في التقريب لا يعرف حالها من الخامسة. روى لها أبو داود وابن ماجه. و (سلامة بنت الحرّ أخت خرشة) بفتحات (ابن الحرّ) الصحابية الفزارية. روت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حديث الباب. وعنها عقيلة وأمّ داود الوابشية. روى لها أبو داود وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله إن من أشراط الساعة) أى علاماتها الصغرى وأشراط جمع شرط بفتحتين. والساعة في الأصل الوقت من ليل أو نهار وإن قلّ ومنه قوله تعالى "لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" وجمعها ساعات وسواع وساع والمراد بها هنا القيامة. وسميت بالساعة لسرعة مجيئها أو لسرعة حساب الناس فيها فإنهم يحاسبون في قدر نصف النهار أو لأنها ساعة عند الله تعالى لخفتها وإن كانت في نفسها طويلة (قوله أن يتدافع أهل المسجد الخ) أى يدفع كل واحد منهم صاحبه إلى الإمامة ولا يتقدم هو إما لجهله بأحوال الإمامة أو لاختلافهم وعدم اتفاقهم على إمام واحد أو لعدم من يؤمّ حسبة لله تعالى أو غير ذلك. ويحتمل أن المعنى يدفع كل منهم الآخر عن الإمامة ليتحصل هو عليها فيحصل بذلك النزاع فيؤدّى إلى عدم الإمام (وظاهر الحديث) يدلّ على ذم التدافع من أجل الإمامة. ومحل ذمّ التدافع إذا كان لغرض دنيوى وعليه يحمل ما رواه عبد الرزاق في مسنده تنازع ثلاثة في الإمامة فخسف بهم. فإذا كان لغرض شرعي كأن يتدافعوا ليتقدم الأفقه أو الأقرأ فلا ذمّ فيه كما تؤيده الروايات الآتية (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبيهقى وكذا ابن ماجه عن سلامة أيضا بلفظ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يأتى على الناس زمان يقومون ساعة لا يجدون إماما يصلى بهم. والحديث ضعيف لأن فيه ما لا يعرف حالهما كما تقدم وضعفه الشافعى وغيره

باب من أحق بالإمامة

(باب من أحق بالإمامة) وفي بعض النسخ باب ما جاء فيمن هو أحق بالإمامة (ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، ثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَجَاءٍ، قال سَمِعْتُ أَوْسَ بْنَ ضَمْعَجٍ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ وَأَقْدَمُهُمْ قِرَاءَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ وَلَا فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ»، قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْتُ لِإِسْمَاعِيلَ: مَا تَكْرِمَتُهُ؟ قَالَ: فِرَاشُهُ. (ش) (رجال الحديث) (أبو الوليد) هو هشام بن عبد الملك (الطيالسى). و (إسماعيل ابن رجاء) بن ربيعة الزبيدى أبو إسحاق الكوفى. روى عن أبيه وأوس بن ضمعج وعبد الله ابن أبى الهذيل. وعنه الأعمش وشعبة وفطر بن خليفة وإدريس بن يزيد وجماعة. وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائى وقال الأزدى منكر الحديث. روى له أبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه و (أوس بن ضمعج) بوزن جعفر الكوفي الحضرمى. روى عن عائشة وأبى مسعود وسلمان الفارسى. وعنه ابنه عمران وأبو إسحاق السبيعى وإسماعيل بن رجاء. قال العجلى تابعى ثقة وقال ابن سعد كان ثقة معروفا قليل الحديث وذكره ابن حبان في الثقات. روى له مسلم وأبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه. و (أبو مسعود) هو عقبة بن عمرو الأنصارى (البدرى) نسبة إلى بدر موضع بين مكة والمدينة (معنى الحديث) (قوله يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله) خبر بمعنى الأمر أى ليؤمهم أكثرهم للقرآن حفظا كما يدلّ عليه ما سيأتى للمصنف عن عمرو بن سلمة وفيه يؤمكم أقرؤكم وقيل أحسنهم قراءة وأعلمهم بأحكامها وإن كان أقلهم حفظا. وقيل المراد به الأفقه لأنه إذا اعتبرت أحوال الصحابة وجدت أن أفقههم أقرؤهم فيكون المراد من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الحديث أقرؤهم لكتاب الله أى أعلمهم به ولذا قال ابن مسعود كان أحدنا إذا حفظ سورة من القرآن لم يخرج عنها إلى غيرها حتى يحكم علمها ويعرف حلالها وحرامها

وقال ابن عمر ما كانت تنزل السورة على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا ونعلم أمرها ونهيها وزجرها وحلالها وحرامها اهـ (قوله وأقدمهم قراءة) أى فإذا كانوا. في القراءة سواء تقدّم أسبقهم حفظا للقرآن فالواو فيه بمعنى الفاء. وفى بعض الروايات إسقاط هذه الجملة كما سيذكره المصنف (قال في حجة الله البالغة) سبب تقديم الأقرإ أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حدّ للعلم حدّا معلوما وكان أول ما هنالك معرفة كتاب الله تعالى لأنه أصل العلم. وأيضا فإنه من شعائر الله فوجب أن يقدم صاحبه وينوّه بشأنه ليكون ذلك داعيا إلى التنافس فيه اهـ (قوله فإن كانوا في القراءة الخ) أى فإن كانوا مستوين في مقدار القراءة ومنها وحسنها والعلم بها فليؤمهم أسبقهم انتقالا من مكة إلى المدينة قبل الفتح فمن هاجر أوّلا فهو أزيد شرفا ممن هاجر بعده لأن من تقدمت هجرته لا يخلو في الغالب من زيادة علم عمن تأخر قال الله تعالى {لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} الآية. ويدخل فيه الذين يهاجرون من دار الكفر إلى دار الإسلام فإن الهجرة باقية إلى يوم القيامة عند جمهور العلماء. وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا هجرة بعد الفتح أى لا هجرة من مكة لأنها صارت دار إسلام أو لا هجرة فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح (قال ابن الملك) المعتبر اليوم الهجرة المعنوية وهي الهجرة من المعاصى فيكون الأورع أولى اهـ ووقع في حديث الباب اختصار من شعبة فإن في الرواية الآتية عن الأعمش عن إسماعيل فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة. وقد ذكر مسلم الحديث في صحيحه مثل ما ذكره المصنف وخالفهما النسائي في سياق هذا الحديث عن الأعمش عن إسماعيل فقال فيه يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأقدمهم في الهجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأعلمهم بالسنة. والظاهر أن الراجح ما اتفق عليه مسلم وأبو داود (قوله فليؤمهم أكبرهم سنا) يعنى في الإسلام أى أن من سبق إسلامه يتقدم على من تأخر فيه فمن شاخ في الكفر ثم أسلم لم يقدّم على شابّ نشأ في الإسلام أو أسلم قبل. ويؤيده ما في بعض روايات هذا الحديث عند مسلم فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما أو إسلاما (قوله ولا يؤمّ الرجل في بيته) بالبناء للمجهول وهو نفى بمعنى النهى. وفى رواية مسلم ولا يؤمنّ الرجل. وفى رواية له ولا يؤمن الرجل في أهله. والمعنى أن صاحب المنزل أولى من غيره بالإمامة فيه وإن كان الغير أعلم منه فإن أذن صاحب البيت لغيره جاز وإن كان الذى أذن له مفضولا بالنسبة إلى باقى الحاضرين لكن يستحب له أن يأذن للأفضل منهم (قوله ولا في سلطانه) أى ولا يؤمّ الرجل في مظهر سلطنته وسيطرته ومحلّ ولايته وتصرّفه. ونهى عن ذلك لأن الجماعة شرعت لاجتماع المؤمنين على الطاعة وتآلفهم وتوادّهم فإذا أمّ الرجل الرجل في بيته أو سلطانه من غير إذنه أدّى ذلك إلى توهين أمر السلطنة وخلع ربقة الطاعة من السلطان وإلى التباغض والتقاطع وظهور الخلاف

الذى شرع لدفعه الاجتماع فلا يتقدم رجل على ذى السلطنة ولا سيما في الأعياد والجمعات ولا على إمام الحىّ وربّ البيت إلا بإذنه (قوله ولا يجلس على تكرمته) وفي رواية مسلم ولا يقعد في بيته على تكرمته. وهي بفتح المثناة الفوقية وكسر الراء بوزن تفعلة من الكرامة موضعه الخاصّ لجلوسه من فراش أو سرير مما يعدّ لإكرامه. ومثل التكرمة غيرها مما يختصّ بفراشه وخصّ التكرمة بالذكر لحصول زيادة التقاطع والتباغض فيها (قوله إلا بإذنه) راجع إلى إمامة الرجل في بيته وسلطانه والجلوس على تكرمته فإذا أذن صاحب البيت والسلطان لغيره جاز وإن كان الذى أذن له مفضولا والأكمل أن يأذن اللأفضل وإذا أذن في الجلوس على فراشه جاز (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن إقامة الصلاة من مهمات الأمور الدينية ولذا بين النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه يقدّم لها الأكمل فالأكمل، وعلى أن غير صاحب البيت أو السلطان منهىّ عن التقدم على صاحبهما في الإمامة إلا بإذنه، وعلى أنه لا يجوز للشخص أن يجلس على فراش غيره إلا بإذنه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم وابن ماجه وأحمد وابن حبان (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ مُعَاذٍ، ثَنَا أَبِي، عن شُعْبَةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فِيهِ: «وَلَا يَؤُمُّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَا قَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ: عَنْ شُعْبَةَ «أَقْدَمُهُمْ قِرَاءَةً». (ش) أشار به إلى أنه قد اختلف على شعبة بن الحجاج في رواية الحديث فرواه عنه أبو الوليد الطيالسي وقال فيه ولا يؤمّ الرجل في بيته بإقامة المفعول مقام الفاعل. ورواه عنه معاذ العنبرى وقال فيه ولا يؤم الرجل الرجل ببناء الفعل للفاعل. ورواه يحيى القطان عن شعبة مثل رواية أبى الوليد بزيادة قوله وأقدمهم قراءة. ولعل الغرض من ذكر رواية يحيى القطان تقوية رواية أبى الوليد عن شعبة. ورواية معاذ هذه لم نقف على من أخرجها. ورواية يحيى أخرجها أحمد في مسنده (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ أَوْسِ بْنِ ضَمْعَجٍ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: «فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً» وَلَمْ يَقُلْ: «فَأَقْدَمُهُمْ قِرَاءَةً».

أقوال الفقهاء في ذلك

(ش) غرض المصنف من سياق هذه الرواية بيان أن شعبة ذكر في روايته عن إسماعيل أوّلا القراءة ثم الهجرة ثم السنّ ولم يذكر علم السنة. وأما سليمان بن مهران الأعمش عن إسماعيل فخالف شعبة لأنه ذكر أولا القراءة ثم العلم بالسنة ثم تقدم الهجرة ولم يذكر أقدمهم قراءة. ورواية الأعمش رواها مسلم بلفظ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما ولا يؤمنّ الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه وكذا رواها الترمذى والنسائى والبيهقى وابن حبان في صحيحة والحاكم في مستدركه إلا أن الحاكم قال بدل فأعلمهم بالسنة فأفقههم فقها فإن كانوا في الفقه سواء فأكبرهم سنا (وهذا الحديث) يدلّ بظاهره على أنه يقدّم الأقرأ في الإمامة على الأفقه. وإلى ذلك ذهب الأحنف بن قيس وابن سيرين والثورى وأبو يوسف وأحمد (وقال مالك) والشافعى والأوزاعى وعطاء وأكثر الحنفية والجمهور يقدّم الأفقه على الأقرإ لأن الذى يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط والذى يحتاج إليه من القراءة مضبوط وقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصواب فيه إلا كامل الفقه (وأجابوا) عن الحديث بأن الأقرإ من الصحابة كان الأفقه ولهذا قدّم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أبا بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ في الصلاة على الباقين مع أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نصّ على أن غيره أقرأ منه (وقال) الشافعى المخاطب بذلك الذين كانوا في عصره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأن أقرأهم كان أفقههم فإنهم كانوا يسلمون كبارا ويتفقهون قبل أن يقرءوا فلا يوجد قارئ فيهم إلا وهو فقيه وقد يوجد الفقيه وهو ليس بقارئ اهـ (وقال مالك) يتقدّم القوم أعلمهم فقيل له أقرؤهم فقال قد يقرأ من لا يرضى اهـ (وقال) الأوزاعي يؤمّ القوم أفقههم (وقال) الشافعى إذا لم تجتمع القراءة والفقه والسنّ في واحد فقدّموا أفقههم إذا كان عنده من القرآن ما يتقن به الصلاة وإن قدّموا أقرأهم إذا كان يعلم من الفقه ما يلزمه في الصلاة فحسن اهـ (وقال) أبو ثور يؤمهم أفقههم إن كان يقرأ القرآن وإن لم يقرأه كله اهـ (وقال) الخطابى جعل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ملاك الأمر في الإمامة القراءة وجعلها مقدّمة على سائر الخصال المذكورة. والمعنى في ذلك أنهم كانوا قوما أميين لا يقرءون فمن تعلم منهم شيئا من القرآن كان أحق بالإمامة ممن لم يتعلمه لأنه لا صلاة إلا بقراءة وإذا كانت القراءة من ضرورة الصلاة وكانت ركنا من أركانها صارت مقدّمة في الترتيب على الأشياء الخارجة عنها ثم تلا القراءة بالسنة وهى الفقه ومعرفة أحكام الصلاة وما سنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيها وبينه من أمرها فإن الإمام إذا كان جاهلا بأحكام الصلاة ربما يعرض فيها من سهو ويقع من زيادة ونقصان أفسدها أو أخدجها فكان العالم بها والفقيه فيها مقدّما على

أقوال الفقهاء في إمامة الصبي البالغين

من لم يجمع علمها ولم يعرف أحكامها. ومعرفة السنة وإن كانت مؤخرة في الذكر وكانت القراءة مبدوءا بذكرها فإن الفقيه العالم بالسنة إذا كان يقرأ من القرآن ما تجوز به الصلاة أحق بالإمامة من الماهر بالقراءة إذا كان مختلفا عن درجته في علم الفقه ومعرفة السنة. وإنما قدّم القارئ في الذكر لأن عامة الصحابة إذا اعتبرت أحوالهم وجدت أفقههم أقرأهم اهـ وفي بعض النسخ بعد هذا الحديث زيادة "قال أبو داود رواه حجاج بن أرطاة عن إسماعيل قال ولا يقعد على تكرمته أحد إلا بإذنه" ولعل الغرض من هذه الزيادة تقوية رواية الأعمش بأنه كما روى عن إسماعيل قوله ولا يقعد على تكرمته الخ رواه حجاح عنه أيضا. ورواية حجاج أخرجها الحاكم والدارقطني عن أبى مسعود قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يؤمّ القوم أقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأفقههم في الدين فإن كانوا في الدين سواء فأقرؤهم للقرآن ولا يؤمّ الرجل في سلطانه ولا يقعد على تكرمته إلا بإذنه (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، أَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: كُنَّا بِحَاضِرٍ يَمُرُّ بِنَا النَّاسُ إِذَا أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَكَانُوا إِذَا رَجَعُوا مَرُّوا بِنَا، فَأَخْبَرُونَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ: كَذَا وَكَذَا وَكُنْتُ غُلَامًا حَافِظًا فَحَفِظْتُ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنًا كَثِيرًا فَانْطَلَقَ أَبِي وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَعَلَّمَهُمُ الصَّلَاةَ، فَقَالَ: «يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ» وَكُنْتُ أَقْرَأَهُمْ لِمَا كُنْتُ أَحْفَظُ فَقَدَّمُونِي فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي صَغِيرَةٌ صَفْرَاءُ، فَكُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَكَشَّفَتْ عَنِّي، فَقَالَتْ: امْرَأَةٌ مِنَ النِّسَاءِ: وَارُوا عَنَّا عَوْرَةَ قَارِئِكُمْ، فَاشْتَرَوْا لِي قَمِيصًا عُمَانِيًّا، فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحِي بِهِ، فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ. (ش) (رجال الحديث) (حماد) بن سلمة. و (عمرو بن سلمة) بفتح السين المهملة وكسر اللام ابن قيس وقيل ابن نفيع الجرمى أبى بريد أو أبى يزيد. روى عن أبيه. وعنه أبو قلابة الجرمي وأيوب السختيانى وعاصم الأحول ومسعر بن حبيب وأبو الزبير قيل وفد مع

أبيه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال ابن حبان له صحبة. روى له البخارى ومسلم وأبو داود (معنى الحديث) (قوله كنا بحاضر) الحاضر في الأصل القوم النزول على ماء يقيمون به ولا يرحلون عنه والمراد به المكان المحضور الذى يقيمون به (قوله كذا وكذا) كناية عما يعلمهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أمور الدين (قوله فحفظت من ذلك الخ) أى مما علمهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كثيرا من القرآن فانطلق والدى سلمة بن قيس حال كونه قاصدا النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في جماعة من قومه ليعلمهم أمر الدين. والنفر بفتح الفاء جماعة الرجال من ثلاثة إلى عشرة (قوله لما كنت أحفظ) أى لكوني أكثر منهم حفظا فما مصدرية وأحفظ بالنصب أفعل تفضيل. ويحتمل أن تكون ما موصولة وأحفظ فعل مضارع أى للذى كنت أحفظه من القرآن الذى كانوا يحفظونه منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأسمعه منهم وهو الأقرب لما في رواية البخارى من قوله لما كنت أتلقي من الركبان (قوله وعلىّ بردة لى صغيرة) الجملة حالية والبردة كساء صغير مربع (قوله كشفت عني) وفى بعض النسخ انكشفت أى ارتفعت عنى لقصرها فيظهر شيء من عورتي. وفى رواية البخارى تقلصت عنى أى اجتمعت وانضمت وارتفعت إلى أعالى البدن (قوله واروا عنا الخ) أى استروا عن نظرنا عورة إمامكم. والعورة كل شيء يستره الإنسان أنفة وحياء وسميت عورة لقبح النظر إليها (قوله عمانيا) نسبة إلى عمان بالضمّ والتخفيف موضع عند البحرين (قوله فما فرحت بشئ الخ) أى ما سررت بشئ من الأشياء بعد الإسلام مثل سرورى بذلك القميص وذلك لستر عورته به وكما هو عادة الصغير من فرحه بالثوب الجديد (قوله وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين) وفي رواية البخارى وأنا ابن ست أو سبع أى قال عمرو بن سلمة كنت أؤمّ القوم والحال أني كنت ابن سبع أو ثمان سنين (وفى الحديث) دليل على صحة إمامة الصبي للبالغين في الفريضة وفي النافلة بالأولى. وبه قال الحسن وأبو ثور وإسحاق والشافعى. مستدلين بحديث الباب (وذهب) إلى عدم صحة إمامته مطلقا الهادى والناصر والمؤيد بالله والشعبى ومجاهد وابن حزم وعمر بن عبد العزيز وعطاء. وقالوا لا حجة في قصة عمرو هذه لأنه لم يرو أن ذلك كان عن أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا عن تقريره (قال ابن حزم) لا تجوز إمامة من لم يبلغ الحلم لا في فريضة ولا نافلة ولا أذان "ثم ساق" الخلاف بين أقوال مالك والشافعى وذكر حديث الباب. ثمّ ردّ على الشافعى ومالك فقال أما نحن فلا حجة عندنا في غير ما جاء به رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من إقرار أو قول أو عمل ولو علمنا أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عرف هذا وأقرّه لقلنا به. فأما إذا لم يأت بذلك أثر فالواجب عند التنازع أن يردّ ما اختلفنا فيه إلى ما افترض الله علينا الردّ إليه من القرآن والسنة فوجدنا رسول الله

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد قال إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أقرؤكم فكان المؤذن مأمورا بالأذان والإمام مأمورا بالإمامة ونصّ هذا الخبر ووجدناه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد قال رفع القلم عن ثلاثة عن الصبىّ حتى يبلغ "الحديث" فصحّ أنه غير مأمور ولا مكلف فإذا هو كذلك فليس هو المأمور بالأذان ولا بالإمامة. وإذ ليس مأمورا بهما فلا يجزئان إلا من مأمور بهما لا ممن لم يؤمر بهما. ومن ائتمّ بمن لم يؤمر أن يأتمّ به وهو عالم بحاله فصلاته باطلة. فإن لم يعلم بأنه لم يبلغ وظنه رجلا بالغا فصلاة المؤتمّ به تامة كمن صلى خلف جنب أو كافر لا يعلم بهما ولا فرق وبالله التوفيق. وأما كلام من فرق بين إمامة من لم يبلغ في الفريضة وبين إمامته في النافلة فكلام لا وجه له أصلا لأنه دعوى بلا برهان اهـ ملخصا (وقال أبو حنيفة) ومالك وأحمد لا تصح إمامته في المكتوبة وعنهما في النافله روايتان. وقال الزهري إذا اضطروا إليه أمهم (واستدلّ) القائلون بالمنع بما رواه النسائى والمصنف عن عليّ عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال رفع القلم عن ثلاثة عن الصبى حتى يبلغ "الحديث" فإنه يفيد أن الصبى غير مكلف وصلاته نافلة فلا يجوز الاقتداء به. وبما رواه الأثرم عن ابن مسعود لا يؤمّ الغلام حتى تجب عليه الحدود. وبما رواه أيضا عن ابن عباس قال لا يؤمّ الغلام حتى يحتلم قالوا وإن الإمام ضامن وليس هو من أهل الضمان لأنه غير مكلف فأشبه المجنون. ولأنها حال كمال وليس هو من أهل الكمال فأشبه المرأة (وأجابوا) عن الحديث بأن ذلك كان في ابتداء الإسلام حين لم تكن صلاة المقتدين متعلقة بصلاة الإمام (وقال الخطابي) إن الإمام أحمد كان يضعف حديث عمرو بن سلمة وقال مرّة دعه ليس بشئ بين اهـ (قال في النيل) وردّ بأن عمرو بن سلمة صحابيّ مشهور وقال في التقريب صحابىّ صغير نزل بالبصرة. وقد ورد ما يدلّ على أنه وفد على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وأما القدح في الحديث بأن فيه كشف العورة وهو لا يجوز كما في ضوء النهار فهو من الغرائب وقد ثبت أن الرجال كانوا يصلون عاقدى أزرهم ويقال للنساء لا ترفعن رءوسكن حتى يستوى الرجال جلوسا. وقال في الفتح عمرو بن سلمة مختلف في محبته ففى هذا الحديث أن أباه وفد وفيه إشعار بأنه لم يفد معه. وأخرج ابن منده من طريق حماد ابن سلمة عن أيوب بهذا الإسناد ما يدلّ على أنه وفد أيضا. وكذلك أخرجه الطبراني اهـ ويؤخذ من هذا أن عمرا المذكور يعتمد على حديثه لأنه إما صحابى أو تابعى وقد صلى بالصحابة إماما (قال في سبل السلام) إن دليل جواز إمامة الصبي وقوع ذلك في زمن الوحى. ولا يقرّ فيه على فعل ما لا يجوز سيما في الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام. وقد نبه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالوحى على الأذى الذى كان في نعله فلو كانت إمامة الصبي لا تصح لنزل الوحى بذلك على أن الوفد الذى قدّموا عمرا كانوا جماعة من الصحابة. واحتمال أنه أمهم في نافلة يبعده

سياق القصة فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علمهم الأوقات للفرائض ثم قال لهم إنه يؤمكم أكثركم قرآنا. وقد أخرج أبو داود في سننه قال عمرو فما شهدت مجمعا من جرم "اسم قبيلة" إلا كنت إمامهم. وهذا يعمّ الفرائض والنوافل. ويحتاج من ادّعي التفرقة بين الفرض والنفل وأنه تصح إمامة الصبي في هذا دون ذلك إلى دليل اهـ (قال في الفتح) لم ينصف من قال إنهم فعلوا ذلك باجتهادهم ولم يطلع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ذلك لأنها شهادة نفى ولأن زمن الوحى لا يقع التقرير فيه على ما لا يجوز اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يطلب تحصيل الخير، وعلى أنه يطلب من العالم أن يعلم الجاهل، وعلى أنه يقوم بالإمامة الأقرأ، وعلى صحة إمامة الصبي (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وأحمد والبخارى في غزوة الفتح والبيهقي مطوّلا عن عمرو بن سلمة قال كنا بحضرة ماء ممرّ الناس وكان يمرّ بنا الركبان فنسألهم ما هذا الأمر ما للناس فيقولون نبينا يزعم أن الله أرسله وأوحى إليه كذا وكذا فجعلت أحفظ ذلك الكلام فكأنما يغرى في صدرى بغراء وكانت العرب تلوّم بإسلامها الفتح ويقولون انظروه في قومه فإن ظهر عليهم فهو نبيّ وهو صادق فلما جاءت وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم وانطلق أبى بإسلام حوائنا ذلك "بكسر الحاء المهملة مكان الحى للنزول" فلما قدم من عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تلقيناه فلما رآنا قال جئتكم والله من عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حقا وإنه يأمركم بكذا وينهاكم عن كذا وقال صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلوا صلاة كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا فنظروا في أهل حوائنا ذلك فما وجدوا أحدا أكثر منى قرآنا لما كنت ألقى من الركبان فقدموني بين أيديهم وأنا ابن سبع سنين أو ست وكانت عليّ بردة فيها صغر فإذا سجدت تقلصت عني فقالت امرأة من الحيّ ألا تغطون عنا است قارئكم فكسوني قميصا من معقد البحرين فما فرحت بشئ فرحى بذلك القميص اهـ (ص) حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، ثنا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ، بِهَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ فِي بُرْدَةٍ مُوَصَّلَةٍ فِيهَا فَتْقٌ فَكُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ خَرَجَتْ اسْتِي (ش) ساق المصنف هذه الرواية لبيان الاختلاف بين رواية عاصم ورواية أيوب عن عمرو بن سلمة فإن رواية أيوب تدلّ على أن عمرو بن سلمة كانت عليه بردة صغيرة إذا سجد تكشفت عنه لصغرها فظهرت عورته. ورواية عاصم تدلّ على أن البردة التي عليه كان فيها فتق فإذا سجد خرجت إسته من الفتق. ويمكن الجمع بينهما بأنه كان له بردتان في وقتين مختلفين ففي

وقت كانت بردة صغيرة تتكشف عن عورته وفي وقت تكون مشقوقة تخرج استه من الخرق ويحتمل أن يكون الأمران في وقت واحد بأن تكون صغيرة مشقوقة فتقلص عن بعض عورته ويخرج بعض عجزه من الخرق (قوله موصلة فيها فتق) أى موصول بعضها ببعض وفيها شق يقال فتقت الثوب فتقا من باب قتل نقضت خياطته حتى فصل بعضه من بعض فانفتق أى تشقق (قوله خرجت استي) أى ظهرت والاست العجز ويراد به حلقة الدبر وأصله سته بالتحريك ولهذا يجمع على أستاه مثل سبب وأسباب ويصغر على ستيه وقد يقال سه بالهاء وست بالتاء فيعرب إعراب يد ودم. ورواية عاصم هذه أخرجها البيهقي من طريق إسماعيل بن محمد قال ثنا محمد بن عبد الملك ثنا يزيد بن هارون أنبأ عاصم عن عمرو بن سلمة قال لما رجع قومى من عند رسول الله صل الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إنه قال لنا ليؤمكم أكثركم قرّاءة للقرآن قال فدعونى فعلمونى الركوع والسجود فكنت أصلى بهم وأنا غلام وعلى بردة مفتوقة فكانوا يقولون لأبى ألا تغطي عنا است ابنك اهـ (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعيدٍ، ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ حَبِيبٍ الْجَرْمِيِّ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُمْ وَفَدُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَنْصَرِفُوا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ يَؤُمُّنَا، قَالَ: «أَكْثَرُكُمْ جَمْعًا لِلْقُرْآنِ» أَوْ «أَخْذًا لِلْقُرْآنِ» قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ جَمَعَ مَا جَمَعْتُ، قَالَ: فَقَدَّمُونِي وَأَنَا غُلَامٌ وَعَلَيَّ شَمْلَةٌ لِي، قال فَمَا شَهِدْتُ مَجْمَعًا مِنْ جَرْمٍ إِلَّا كُنْتُ إِمَامَهُمْ، وَكُنْتُ أُصَلِّي عَلَى جَنَائِزِهِمْ إِلَى يَوْمِي هَذَا. (ش) (رجال الحديث) (مسعر بن حبيب) أبى الحارث البصرى. روى عن عمرو بن سلمة. وعنه حماد بن زيد ووكيع بن الجراح وعبد الصمد بن عبد الوارث ويحيى بن سعيد القطان ويزيد بن هارون. وثقه ابن معين وابن حبان وأحمد. روى له أبو داود. و (الجرمى) بكسر الجيم نسبة إلى جرم مدينة بنواحى بذخشان كما تقدم (معنى الحديث) (قوله أنهم وفدوا الخ) أى قصدوا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليتعلموا أمر دينهم (قوله أكثركم جمعا للقرآن أو أخذا للقرآن) أى حفظا ومعرفة وهو شك من الراوى (قوله وعليّ شملة) هي كساء صغير يؤتزر به يجمع على شملات كسجدة وسجدات وشمال أيضا كظبية وظباء. والمراد بها هنا البردة كما في الرواية المتقدمة (قوله فما شهدت مجمعا الخ) أى فما حضرت جمعا من القوم يريدون الصلاة إلا كنت إماما لهم. وقوله وكنت أصلى

على جنائزهم الخ ذكره دفعا لما يتوهم من أنه إمام لهم في المكتوبة دون غيرها. والجنائز جمع جنازة بكسر الجيم وفتحها والكسر أفصح وهى بالكسر الميت وبالفتح السرير وعكس ثعلب قال بالكسر السرير وبالفتح الميت. ورواية مسعر أخرجها البيهقى من طريق محمد بن يعقوب قال حدثنا محمد بن سنان ثنا أبو عاصم ثنا مسعر بن حبيب الجرمى وكان شيخا كيسا حيّ الفؤاد حدثناه عن عمرو ابن سلمة قال قدم قومى إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد ما قرءوا القرآن فلما قضوا حوائجهم سألوه من يؤمهم فقال أكثركم جمعا للقرآن أو أخذا للقرآن قال فرجعوا إلى قومهم فسألوهم فلم يجدوا أحدا أجمع أو أخذا للقرآن منى قال فقدّمونى وأنا غلام وكنت أصلى لهم أو أصلى بهم قال فما شهدت مجمعا إلا كنت إمامهم اهـ (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ حَبِيبٍ الْجَرْمِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: لَمَّا وَفَدَ قَوْمِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ عَنْ أَبِيهِ (ش) غرضه بذلك التنبيه على تعدد الرواة لهذا الحديث عن مسعر واختلافهم في بعض الألفاظ ففى رواية وكيع عن مسعر قال عن عمرو بن سلمة عن أبيه أنهم وفدوا إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وفي رواية يزيد بن هارون قال فيها عن عمرو بن سلمة قال لما وفد قومى ولم يقل فيها عن أبيه. فمفاد رواية وكيع أن عمرو بن سلمة لم يكن في الوفد الذين أتوا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بل سمع من أبيه ما دار بينهم وبين النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الكلام في الإمامة. ومفاد رواية يزيد بن هارون أن عمرو بن سلمة يحتمل أن يكون وفد معهم وسمع من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما سمعوا. ويحتمل أنه لم يكن معهم في الوفد فسمع من أبيه أو ممن معه في الوفد (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، ثَنَا أَنَسٌ يَعْنِي ابْنَ عِيَاضٍ، ح وَحَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ الْمَعْنَى، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ نَزَلُوا الْعُصْبَةَ، قَبْلَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَكَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ «وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا»، زَادَ الْهَيْثَمُ: وَفِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ (ش) (رجال الحديث) (القعنبي) هو عبد الله بن مسلمة. و (الهيثم بن خالد) ويقال

ابن جنادة أبو الحسن (الجهني) الكوفي. روى عن يزيد بن الحباب ووكيع وعبد الله بن نمير وحسين بن على. وعنه أبو داود وقال ثقة كتبت عنه سنة خمس وثلاثين وقال في التقريب ثقة من الحادية عشرة. مات سنة تسع وثلاثين ومائتين (قوله المعنى) أى أن معنى حديثهما واحد وإن اختلفا لفظا. و (ابن نمير) هو عبد الله. و (عبيد الله) بن عمر بن حفص (قوله لما قدم المهاجرون الأولون الخ) أى من مكة إلى المدينة كما صرّح به في رواية الطبراني. وفي رواية البخارى لما قدم المهاجرون الأولون. والعصبة بفتح العين وسكون الصاد المهملتين وبالموحدة موضع بقباء كما صرّح به في رواية البخارى أيضا. ويقال بضم العين وسكون الصاد أو بفتح العين والصاد. وروى المعصب بوزن محمد (قوله قبل مقدم رسول الله) أى قبل قدومه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة. فمقدم مصدر ميمىّ مراد به الحدث. و (سالم مولى أبي حذيفة) بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس يقال له سالم بن معقل وكان من أهل فارس من اصطخر وقيل من العجم من كبار البدرين مشهور كبير القدر أحد السابقين الأولين مولى امرأة من الأنصار وليس مولى لأبي حذيفة حقيقة وإنما قيل مولى لأبي حذيفة لأنه لازمه فتبناه فلما نهوا عن التبني قيل له مولاه. وكان من فضلاء الموالى ومن خيار الصحابة وكبارهم وكان يعدّ في قريش لتبني أبي حذيفة له ويعدّ في العجم لأصله ويعدّ في المهاجرين لهجرته ويعدّ من الأنصار لأن معتقته أنصارية ويعدّ في القرّاء "فقد روى" الشيخان من طريق مسروق عن عبد الله بن عمرو بن العاصى قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خذوا القرآن من أربعة من ابن مسعود وسالم مولى أبى حذيفة وأبيّ ابن كعب ومعاذ بن جبل. وروى ابن ماجه من طريق الوليد بن مسلم قال حدثني حنظلة بن أبي سفيان أنه سمع عبد الرحمن بن سابط الجمحى يحدث عن عائشة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالت أبطأت على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة بعد العشاء ثم جئته فقال أين كنت قلت أستمع قراءة رجل من أصحابك لم أسمع قراءه مثل قراءته وصوته من أحد فقام وقمت معه حتى استمع له ثم التفت إليّ فقال هذا سالم مولى أبى حذيفة الحمد لله الذى جعل في أمتي مثل هذا. استشهد رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ باليمامة في خلافة أبي بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (معنى الحديث) (قوله وكان أكثرهم قرآنا) إشارة إلى سبب تقديمهم له مع كونهم أشرف منه. وفي رواية الطبراني لأنه كان أكثرهم قرآنا (قوله زاد الهيثم وفيهم عمر الخ) أى زاد الهيثم بن خالد في روايته بعد قوله وكان أكثرهم قرآنا وفيهم عمر بن الخطاب وأبو سلمة. وفي إمامة سالم مع وجود عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ دلالة لمن يقدّم الأقرأ على الأفقه. ووجه الدلالة إجماع

كبار الصحابة القرشيين على تقدم سالم عليهم. و (أبو سلمة) هو عبد الله (بن عبد الأسد) بن هلال ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم المحزومى من السابقين الأولين إلى الإسلام كان من الصادقين شهد بدرا قال ابن إسحاق أسلم بعد عشرة أنفس وكان أخا للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الرضاع وتزوج بأمّ سلمة ثم تزوجت بعده النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقد روى ابن ماجه من طريق عبد الملك الجمحى عن ابنه عن عمر بن أبى سلمة عن أم سلمة أن أبا سلمة حدثها أنه سمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول ما من مسلم يصاب بمصيبة فيفزع إلى ما أمر الله به من قوله {إنا لله وإنا إليه راجعون} اللهم عندك احتسبت مصيبتي فأجرني فيها وعوّضني منها إلا آجره الله عليها وعارضه خيرا منها قالت فلما توفي أبو سلمة ذكرت الذى حدثني عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت {إنا لله وإنا إليه راجعون} اللهمّ عندك احتسبت مصيبتى هذه فأجرني عليها فإذا أردت أن أقول وعضنى خيرا منها قلت في نفسي أعاض خيرا من أبى سلمة ثم قلتها فعاضنى الله محمدا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وآجرنى في مصيبتي مات رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ في حياة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سنة أربع بعد أحد (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى وليس فيه زيادة الهيثم (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ، ح وَثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَعْنَى وَاحِدٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ لَهُ: أَوْ لِصَاحِبٍ لَهُ: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَأَذِّنَا، ثُمَّ أَقِيمَا، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» وقال فِي حَدِيثِ مَسْلَمَةَ، وَكُنَّا يَوْمَئِذٍ مُتَقَارِبَيْنِ فِي الْعِلْمِ، وَقَالَ: فِي حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ: قَالَ خَالِدٌ: قُلْتُ لِأَبِي قِلَابَةَ: فَأَيْنَ الْقُرْآنُ؟ ، قَالَ: إِنَّهُمَا كَانَا مُتَقَارِبَيْنِ (ش) (رجال الحديث) (إسماعيل) بن علية. و (مسلمة بن محمد) الثقفى البصرى روى عن داود بن أبى هند وخالد الحذاء ويونس بن عبيد ونعيم العنبرى. وعنه أحمد بن عمرو الضبي ومسدد. قال ابن معين ليس حديثه بشئ وقال أبو حاتم شيخ ليس بالمشهور يكتب حديثه وقال في التقريب لين الحديث من التاسعة. روى له أبو داود والنسائى. و (خالد) بن مهران الحذاء. (وأبو قلابة) هو عبد الله بن زيد الجرمى. و (مالك بن الحويرث) بن أشيم ابن زياد بن خشيش الليثي أبى سليمان. قدم على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأقام عنده أياما ثم أذن له في الرجوع إلى أهله. فقد روى البخارى من طريق أبى قلابة عن مالك بن

الحويرث قال قدمنا على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ونحن شببة فلبثنا عنده نحوا من عشرين ليلة وكان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رحيما فقال لو رجعتم إلى بلادكم فعلمتموهم مروهم فليصلوا صلاة كذا في حين كذا وصلاة كذا في حين كذا وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خمسة عشر حديثا اتفق الشيخان على اثنين. روى له الجماعة. توفي سنة أربع وسبعين (معنى الحديث) (قوله قال له أو لصاحب له) أى رفيق له في سفره ولم نقف على اسم ذلك الصاحب (قوله فأذنا) المراد فليؤذن لكما أحدكما. ويؤيده رواية الشيخين السابقة وليس المراد أنهما يؤذنان معا. ويؤيده رواية الطبراني من طريق حماد بن سلمة عن خالد إذا كنت مع صاحبك فأذن وأقم وليؤمكما أكبركما. وقد اختلفت الروايات في ذلك فروى البيهقي الحديث عن أيوب عن أبى قلابة وفيه ارجعوا فكونوا فيهم وعلموا وصلوا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم. وفى رواية له من طريق خالد الحذاء عن أبى قلابة وفيها إذا أنتما خرجتما فأذنا ثم أقيما. فوقع الاختلاف في أمرين (الأول) أن ظاهر الحديث الأول أن الأمر بالأذان بعد وصولهم إلى أهليهم وتعليمهم وفى الحديث الثاني بعد خروجهما من المدينة قبل وصولهما إلى أهلهما (والثانى) أن في الحديث الأول أمر بالأذان لأحدهما وفي الحديث الثاني لكليهما. وفى الحقيقة لا اختلاف بين الحديثين فإن الحديث الأول الذى فيه الأمر بالأذان في الحضر لا ينافى الأمر بالأذان في السفر كما أن الحديث الثاني الذى فيه الأمر بالأذان في السفر لا ينافى الأمر بالأذان في الحضر وكذلك المراد بقوله أذنا أى من أحب منكما أن يؤذن فليؤذن وذلك لاستوائهما. ولا يعتبر في الأذان السنّ وغيره بخلاف الإمامة وهو واضح من سياق حديث أيوب حيث قال فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم. ويمكن أن يوجه قوله فأذنا بأن أحدهما يؤذن والآخر يجيب (وقال) الحرماني قد يطلق الأمر بالتثنية وبالجمع والمراد واحد كقوله يا حرسى اضربا عنقه وقوله قتله بنو تميم مع أن القاتل والضارب واحد اهـ (قوله ثم أقيما) أى ليقم أحدكما وهو المؤذن وليس المراد أنهما يقيمان معا لأن المؤذن هو الذى يقيم لحديث من أذن فهو يقيم كما تقدم (قوله ثم ليؤمكما أكبركما الخ) أى سنا كما صرّح به في بعض النسخ وليس المراد أكبرهما قدرا ومنزلة لما ذكره المصنف من قوله وكنا يومئذ متقاربين في العلم بالموحدة أى يوم قال لنا النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليؤمكما أكبركما وفي رواية ابن حزم متقارنين بالنون من المقارنة يقال فلان قرين فلان إذا كان مثله في علم أو غيره. وهذه الزيادة من قول مالك بن الحويرث أتى بها اعتذارا عن أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اعتبر الرجحان في السنّ ولم يعتبر الرجحان بالعلم كما في الأحاديث

الآخر (قوله قال خالد قلت لأبى قلابة فأين القرآن الخ) وفي نسخة فأين القراءة أى أين القرآن الذى أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يتقدم صاحبه للإمامة على غيره. وسأل خالد شيخه لأن ظاهر حديث الباب يعارض حديث يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإنه صريح في تقديم الأقرإ وهذا صريح في أنه يقدم الأكبر سنا فلذا أجابه بأنهما كانا متقاربين في القرآن وكذا في العلم كما تقدم. ومقصود المصنف بما ذكر بيان الاختلاف الواقع في حديث مسلمة وفي حديث إسماعيل بأن في حديث مسلمة قول مالك بن الحويرث في ذكر التقارب بينه وبين رفيقه في العلم. وأما في حديث إسماعيل ففيه سؤال خالد والجواب عنه من أبى قلابة بأنهما كانا متقاربين وليس فيه ذكر كونهما متقاربين في العلم (فقه الحديث) دلّ الحديث على تفضيل الإمامة على الأذان لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ليؤمكما أكبركما ولم يقل ليؤذن لكما أكبركما، وعلى أن الجماعة مأمور بها وتنعقد بواحد مع الإمام، وعلى مشروعية الأذان والإقامة للصلوات المكتوبة عند دخول وقتها (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه بنحوه مختصرا ومطولا. وأخرجه البيهقى من طريق المصنف ومن طريق أيوب السختياني بلفظ تقدم بعضه (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عِيسَى الْحَنَفِيُّ، ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ قُرَّاؤُكُمْ» (ش) (رجال الحديث) (حسين بن عيسى) بن مسلم أبو عبد الرحمن الكوفي. روى عن معمر والحكم بن أبان. وعنه أبو سعيد الأشج وأبو كريب وإسحاق بن موسى. قال البخارى مجهول وحديثه منكر وقال ابن عدىّ له من الحديث شيء قليل وعامة حديثه غرائب وفي بعض حديثه مناكير وقال أبو حاتم ليس بالقوى روى عن الحكم أحاديث مناكير. روى له أبو داود وابن ماجه. و (الحنفى) نسبة إلى حنيف اسم واد. و (الحكم بن أبان) أبو عيسى العدنى. روى عن عكرمة وطاوس وشهر بن حوشب وإدريس بن سنان. وعنه ابن عيينة وابن جريج وابن علية ومعتمر بن سليمان وآخرون. قال أبو زرعة صالح وقال العجلى صاحب سنة ثقة كان اذا هدأت العيون وقف في البحر إلى ركبتيه يذكر الله حتى يصبح وقال ابن عيينة أتيت عدن فلم أر مثل الحكم بن أبان ووثقه ابن معين والنسائى وابن نمير وابن المديني وأحمد

باب إمامة النساء

وقال ابن خزيمة تكلم أهل المعرفة بالحديث في الاحتجاج بخيره. توفى سنة أربع وخمسين ومائة وهو ابن أربع وثمانين سنة. روى له أبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه والبخارى في جزء القراءة خلف الإمام. و (عكرمة) بن عبد الله مولى عبد الله بن عباس (معنى الحديث) (قوله ليؤذن لكم خياركم) أى من هو أكثر محافظة على أمور الدين ليكفّ نظره عن العورات ويحافظ على الأوقات لأن أمر الصلاة والصيام منوط بالمؤذنين كما تقدم. والأمر فيه للاستحباب (قوله وليؤمكم قرّاؤكم) أى أحفظكم للقرآن وأتقنكم لأحكامه فإنه أفضل الأذكار وأطولها في الصلاة. وفى ذلك تعظيم لكلام الله تعالى وتقديم قارئه وإشارة إلى علوّ مرتبته في الدارين. وفيه ترغيب لتعليم القرآن. ومعلوم أن محلّ تقديم الأقرإ إذا كان عالما بأحكام الصلاة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه وفى إسناده حسين بن عيسى الحنفي وفيه مقال كما علمت (باب إمامة النساء) أتجوز أم لا. وفى بعض النسخ باب ما جاء في إمامة النساء. والنساء اسم لجماعة الإناث واحده امرأة من غير لفظ الجمع ومثله النسوة والنسوان (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُمَيْعٍ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ نَوْفَلٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ لَمَّا غَزَا بَدْرًا، قَالَتْ: قُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِي الْغَزْوِ مَعَكَ أُمَرِّض مَرْضَاكُمْ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي شَهَادَةً، قَالَ: «قِرِّي فِي بَيْتِكِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَرْزُقُكِ الشَّهَادَةَ»، قَالَ: فَكَانَتْ تُسَمَّى الشَّهِيدَةُ، قَالَ: وَكَانَتْ قَدْ قَرَأَتِ الْقُرْآنَ فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنْ تَتَّخِذَ فِي دَارِهَا مُؤَذِّنًا، فَأَذِنَ لَهَا، قَالَ: وَكَانَتْ قَدْ دَبَّرَتْ غُلَامًا لَهَا وَجَارِيَةً فَقَامَا إِلَيْهَا بِاللَّيْلِ فَغَمَّاهَا بِقَطِيفَةٍ لَهَا حَتَّى مَاتَتْ وَذَهَبَا، فَأَصْبَحَ عُمَرُ فَقَامَ فِي النَّاسِ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ هَذَيْنِ عِلْمٌ، أَوْ مَنْ رَآهُمَا فَلْيَجِئْ بِهِمَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَصُلِبَا فَكَانَا أَوَّلَ مَصْلُوبٍ بِالْمَدِينَةِ.

سبب غزوة بدر

(ش) (رجال الحديث) (قوله الوليد بن عبد الله بن جميع) مصغرا الزهرى المكي الكوفى وقد ينسب إلى جده. روى عن مجاهد وأبي سلمة وإبراهيم النخعى وعكرمة. وعنه ابن ثابت ويحيى القطان وأبو أسامة وآخرون. وثقه ابن معين وقال أحمد وأبو زرعة وأبو داود ليس به بأس وذكره ابن حبان في الضعفاء وقال ينفرد عن الأثبات بما لا يشبه حديث الثقات فلما فحش ذلك منه بطل الاحتجاج به وقال العقيلى في حديثه اضطراب وقال في التقريب صدوق يهم وقال البخارى كان فيه تشيع، روى له أبو داود ومسلم والترمذى والنسائى والبخارى في الأدب (قوله حدّثتني جدّتى) هي ليلى بنت مالك قال في التقريب ليلى بنت مالك لا تعرف من الثالثة روى لها أبو داود. و (عبد الرحمن بن خلاد الأنصارى) روى عن أمّ ورقة، وعنه الوليد ابن جميع. ذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو الحسن بن القطان حاله مجهول وقال في التقريب مجهول الحال من الرابعة. روى له أبو داود. و (أمّ ورقة بنت نوفل) هى بنت عبد الله بن الحارث بن عويمر بن نوفل الأنصارية فهى منسوبة إلى جدّها الأعلى. كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يزورها ويسميها الشهيدة كما في الحديث. روى لها أبو داود (معنى الحديث) (قوله لما غزا بدرا) أى أراد أن يغزوها. وهي قرية بين مكة والمدينة وهي إلى المدينة أقرب. ويقال هى منها على ثمانية وعشرين فرسخا وأصلها بئر كانت لرجل يسمى بدرا فسميت البلدة باسمه. وكان ذلك في رمضان في السنة الثانية من الهجرة (وسبب هذه) الغزوة أن أبا سفيان قدم بعير من الشام فخرج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه ليغنموا تلك العير من أبى سفيان فعلمت بذلك قريش فخرج أبو جهل ومن معه ليذبوا عن العير فأخذ أبو سفيان بالعير طريق الساحل فنجت فقيل لأبى جهل ارجع فأبى وسار إلى بدر. وشاور النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أصحابه فقام أبو بكر وعمر فأحسنا القول ثم قام سعد بن عبادة فقال انظر أمرك وامض فيه فوالله لو سرت إلى عدن ما تخلف عنك رجل من الأنصار ثم قال مقداد ابن عمرو امض كما أمرك الله فإنا معك حيثما أحببت لا نقول لك كما قالت بنو إسراءيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فتبسم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم قال أيها الناس أشيروا عليّ فقام سعد ابن معاذ فقال يا رسول الله امض لما أردت فإنا لا نكره أن تلقى بنا عدوّنا ولعل الله يريك ما تقرّ به عينك فسر بنا على بركة الله تعالى فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سيروا على بركة الله وأبشروا فإنه وعدنى إحدى الطائفتين. وروى مسلم والترمذى عن ابن عباس قال حدثنى عمر بن الخطاب قال لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه تسعة عشر رجلا وثلثمائة فاستقبل القبلة ثم مدّ يديه فجعل

أقوال الأئمة في اتخاذ النساء مؤذنا

يهتف بربه يقول اللهم أنجز لى ما وعدتنى اللهم آتني ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من المسلمين لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بربه مادّا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه ثم قال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله تعالى {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم الآية} فأمدّه الله بالملائكة (قوله أمرّض مرضاكم) أى أتكفل بخدمتهم ومعالجتهم (قوله قرّى في بيتك) بكسر القاف أى استقرّي واثبتي فيه وهو أمر من قرر يقرر من باب ضرب ويجوز فيه فتح القاف فيكون أمرا من باب علم (قوله فكانت تسمى الشهيدة) اعتمادا على قوله صلى الله عليه وآله وسلم لها إن الله عز وجل يرزقك الشهادة (قوله وكانت قد قرأت القرآن) وفي رواية البيهقي وكانت قد جمعت القرآن أى حفظته وأحكمت قراءته. وهو علة لقوله فاستأذنت مقدّمة عليه (قوله أن تتخذ في دارها مؤذنا) أى ليجتمع عليها نساء الحىّ فتؤمهم وكان صلى الله عليه وآله وسلم أمرها أن تؤمّ أهل دارها كما صرح به في الرواية الآتية للمصنف وبهذا تعلم مطابقة الحديث الترجمة (قوله وكانت دبرت غلاما لها وجارية) أى علقت عتقهما على موتها يقال دبر الرجل عبده تدبيرا إذا أعتقه بعد موته (قوله فغماها بقطيفة) أى غطياها بقطيفة وحبسا نفسها حتى ماتت. والقطيفة كساء له هدب وقال في الصحاح القطيفة دثار مخمل وجمعه قطائف وقطف مثل صحائف وصحف اهـ وبذلك تحقق إخباره صلى الله عليه وآله وسلم بأنها سترزق الشهادة (قوله فأصبح عمر فقام في الناس الخ) أى خطب في الناس وأخبرهم خبرها وقال من كان عنده علم بمكانهما أو رآهما شك من الراوى (قوله فأمر بهما فصلبا) مرتب على محذوف أى فجئ بهما إليه فسألهما فأقرّا بأنهما قتلاها فأمر بهما فصلبا (وظاهر) الحديث يخالف قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا قود إلا بالسيف رواه ابن ماجه من حديث أبي بكرة والنعمان بن بشير. ويمكن توجيهه بأن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قتلهما أوّلا بالسيف ثم صلبهما ثانيا للتشنيع والتشهير بهما. على أن في سند حديث ابن ماجه جابرا الجعفى ومبارك بن فضالة وقد ضعفهما غير واحد (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن قعود النساء في البيوت أفضل من خروجهن إلى الجهاد وعلى جواز اتخاذ النساء مؤذنا (واختلف فيه) فقال ابن المسيب والزهرى والضحاك بجوازه وكذا الإقامة أخذا بظاهر هذا الحديث (وذهب) بعضهم إلى أنه ليس على النساء أذان ولا إقامة لما روى عن الحسن وابن سيرين قالا ليس على النساء أذان ولا إقامة. ودلّ الحديث أيضا على مشروعية التدبر، وعلى جواز صلب القاتل. وهو وإن كان من فعل عمر قد أقرّه الصحابة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أبو نعيم من طريق وكيع وأخرجه الحاكم من طريق عبد الله بن داود عن الوليد بن جميع مختصرا وأخرجه البيهقي وابن السكن عن أمّ ورقة

أنها قالت يا رسول الله لو أذنت لى فغزوت معك فمرّضت مريضكم وداويت جريحكم فلعل الله أن في يزقني الشهادة قال يا أمّ ورقة اقعدى في بيتك فإن الله سيهدى إليك شهادة في بيتك وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يزورها في بيتها وجعل لها مؤذنا يؤذن لها وكان لها غلام وجارية فدبرتهما فقاما إليها فغمياها فقتلاها فلما أصبح عمر قال والله ما سمعت قراءة خالتي أمّ ورقة البارحة فدخل الدار فلم ير شيئا فدخل البيت فإذا هي ملفوفة في قطيفة في جانب البيت فقال صدق الله ورسوله ثم صعد المنبر فذكر الخبر وقال عليّ بهما فسألهما فأقرّا أنهما قتلاها فأمر بهما فصلبا (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ الْحَضْرَمِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلَّادٍ، عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَالْأَوَّلُ أَتَمُّ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَزُورُهَا فِي بَيْتِهَا وَجَعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا، وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَأَنَا رَأَيْتُ مُؤَذِّنَهَا شَيْخًا كَبِيرًا (ش) ساق المصنف هذا لبيان الاختلاف بين تلاميذ الوليد بن جميع فرواه عنه وكيع وذكر أن شيخ الوليد حدثه وعبد الرحمن بن خلاد ورواه ابن فضيل عن الوليد وذكر أن شيخه عبد الرحمن بن خلاد فقط (ش) (رجال الحديث) (الحسن بن حماد) بن كسيب أبو عليّ البغداديّ المعروف بسجادة. روى عن حفص بن غياث وأبي بكر بن عياش ويحيى بن سعيد الأموى ووكيع وجماعة وعنه ابن ماجه وأبو داود وأبو زرعة وأبو يعلى وأبو القاسم البغوى وابن صاعد وآخرون. قال أحمد صاحب سنة ما بلغنى عنه إلا خير ووثقه الخطيب وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق من العاشرة. مات سنة إحدى وأربعين ومائتين. و (الحضرمى) نسبة إلى حضرموت كما تقدم (قوله والأول أتم) أى أن الحديث الذى رواه المصنف من طريق وكيع بن الجراح أتمّ في المعنى من الذى رواه من طريق محمد بن فضيل عن الوليد (معنى الحديث) (قوله وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يزورها الخ) وفي رواية الحاكم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقول انطلقوا بنا إلى الشهيدة فنزورها وجعل لها مؤذنا أى بعد أن استأذنته في اتخاذه كما تقدم وأمرها أن تؤم أهل دارها أى في الفرائض كما صرح به في رواية الحاكم (وفيه) دليل على صحة إمامة المرأة أهل دارها وإن كان فيهم

أقوال الأئمة في إمامة المرأة الرجال والنساء

الرجل فإنه كان لها مؤذن وكان شيخا. والظاهر أنها كانت تؤمه وغلامها وجاريتها (وإلى جواز) إمامة المرأة للرجال ذهب داود وأبو ثور والمزنى والطبرى أخذا بظاهر هذا الحديث (وذهب) الجمهور إلى عدم صحة إمامتها لهم لما روى ابن ماجه عن جابر مرفوعا لا تؤمنّ امرأة رجلا ولأنها لا تؤذن للرجال فلا تؤمهم (ويمكن الجواب) عن حديث الباب بأنه ليس صريحا في أن المؤذن والغلام كانا يصليان خلفها فيحتمل أن المؤذن كان يؤذن لها ثم يذهب إلى المسجد ليصلى فيه وكذا الغلام فكانت تؤمّ نساء دارها لا غير. ويؤيده ما رواه الدارقطني من طريق عمرو ابن شيبة قال حدثنا الوليد بن جميع عن أمه عن أم ورقه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أذن لها أن يؤذن لها ويقام وتؤم نساءها (وأما إمامة المرأة) للنساء ففيه خلاف أيضا فذهبت الشافعية والحنابلة إلى الجواز وهو رواية عن مالك. مستدلين بحديث الباب وبما تقدم عن الدارقطني. وبما رواه الدارقطني أيضا والبيهقي عن رائطة الحنفية قالت أمتنا عائشة فقامت بيننا في الصلاة الكتوبة. وبما روياه أيضا عن حجيرة قالت أمتنا أم سلمة في صلاة العصر فقامت بيننا. وحكى ابن المنذر الجواز عن عائشة وأم سلمة وعطاء والثورى والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور (وذهب) الحسن البصرى وسليمان بن يسار والمالكية إلى عدم الجواز مطلقا فرضا كانت الصلاة أو نفلا وهو رواية عن مالك وقالوا إن هذا جنس وصف في الشرع بنقصان الدين والعقل فلا تصح إمامته (وذهبت) الحنفية إلى كراهة إمامتها. ومال ابن الهمام منهم إلى الجواز بدون كراهة (وذهب) الشعبى والنخعى وقتادة إلى جواز إمامتها في النفل دون الفرض (قوله قال عبد الرحمن فأنا رأيت مؤذنها شيخا كبيرا) غرض المؤلف بهذا تقوية الحديث وتثبيته ولعلّ ذلك الشيخ قطع منه أرب النساء قاتخذ مؤذنا لها (باب الرجل يؤمّ القوم وهم له كارهون) يعنى يكرهون إمامته. وفي نسخة باب ما جاء في الرجل يؤم القوم وهم له كارهون (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ غَانِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عَبْدٍ الْمَعَافِرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَلَاةً، مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، وَرَجُلٌ أَتَى الصَّلَاةَ دِبَارًا» وَالدِّبَارُ: أَنْ يَأْتِيَهَا بَعْدَ أَنْ تَفُوتَهُ، «وَرَجُلٌ اعْتَبَدَ مُحَرَّرَهُ» (ش) (رجال الحديث) (عمران بن عبد) أبى عبد الله البصرى (المعافرى) بفتحتين نسبة إلى

ما ورد في التنفير من ذلك والتحذير من هروب العبد من سيده وأن تغضب المرأة زوجها ومن إخراج الصلاة عن وقتها ومن اتخاذ الحر عبدا

معافر مخلاف باليمن تنسب إليها الثياب المعافرية. روى عن عبد الله بن عمرو. وعنه عبد الرحمن بن زياد قال العجلى تابعى ثقة وقال في التقريب ضعيف من الرابعة وضعفه ابن معين وقال ابن القطان لا يعرف حاله. روى له أبو داود وابن ماجة (معنى الحديث) (قوله ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة) أى لا يعتدّ بصلاتهم فلا تجزئهم. ويحتمل أن نفى القبول عبارة عن نفى الثواب فلا يلزم منه عدم الصحة والإجزاء إذ نفي القبول أعمّ من نفى الإجزاء (قوله من تقدم قوما الخ) أى تقدمهم ليؤمهم وهم يكرهون إمامته (وفي هذا) الوعيد دليل على تحريم إمامة الرجل للجماعة الذين يكرهونه. لكن العبرة في هذه الكراهة الكراهة الدينية أما الكراهة لغير سبب شرعيّ فلا عبرة بها والعبرة أيضا بكراهة أكثر المأمومين لا بكراهة واحد أو اثنين إذا كان المؤتمون جمعا كثيرا (قال في النيل) حمل الشافعى الحديث على إمام غير الوالى لأن الغالب كراهة ولاة الأمور "وظاهر الحديث" عدم الفرق. والاعتبار بكراهة أهل الدين دون غيرهم. والحديث وإن كان ضعيفا لأن فيه عبد الرحمن بن زياد وفيه مقال لكنه تقوّى بروايات أخر (منها) ما أخرجه الترمذى عن أبى أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق حتى يرجع وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط وإمام قوم وهم له كارهون قال الترمذى حسن غريب (ومنها) ما رواه أيضا عن أنس لعن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثلاثة رجلا أمّ قوما وهم له كارهون وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ورجلا سمع حىّ على الفلاح ثم لم يجب (ومنها) ما رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رءوسم شبرا رجل أمّ قوما وهم له كارهون وامراة باتت وزجها عليها ساخط وأخوان متصارمان "أى متقاطعان" (ومنها) ما رواه الطبراني في الكبير عن طلحة قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول أيما رجل أمّ قوما وهم له كارهون لم تجز صلاته أذنيه. وفي إسناده سليمان بن أبى أيوب وفيه مقال (قوله ورجل أتى الصلاة دبارا الخ) بكسر الدال المهملة أى بعد ما يفوت وقتها. والدبار مفرد وقيل جمع دبر آخر أوقات الشئ وهذا الوعيد محمول على ما إذا اتخذ ذلك عادة له. وقوله والدبار أن يأتيها بعد أن تفوته أى بعد أن يخرج وقتها. وهو مدرج من كلام الراوى (قوله ورجل اعتبد محرّره) أى اتخذ معتقه عبدا أو جارية بأن أعتقه وكتم عتقه أو أنكره واستخدمه كرها. وفي بعض النسخ اعتبد محررة أى اتخذ نفسا معتقة وادعاها ملكا له واستخدمها فالتأنيث فيها نظرا للموصوف المقدّر (قال العيني) ويدخل في هذا غالب ملوك الترك في هذا الزمان فإن منهم من يعتق مملوكه ثم ينكر عتقه. ومنهم من يعتقه ثم يستخدمه كرها وهذا كثير جدًّا. ومنهم من يشترى الغلمان على أنهم مماليك وهو يعرف أنهم أحرار أولاد أحرار وهذا الصنف كثير جدًّا أيضا اهـ

باب إمامة البر والفاجر

(فقه الحديث) دلّ الحديث على تحريم إمامة الرجل لقوم يكرهونه، وعلى تحريم إخراج الصلاة عن وقتها، وعلى تحريم اتخاذ الحرّ عبدا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه والبيهقي وقال هذا الحديث إنما يروى بإسنادين ضعيفين أحدهما مرسل والآخر موصول "ثم أشار" للمرسل بقوله أخبرناه أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر بن الحسن القاضى قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أبو عتبة ثنا بقية ثنا إسماعيل عن الحجاج بن أرطاة عن قتادة عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثلاثة لا تجاوز صلاتهم رءوسهم رجل أم قوما وهم له كارهون وامرأة باتت وزوجها ساخط عليها ومملوك فرّ من مولاه "وبإسناده" قال ثنا بقية ثنا إسماعيل عن عطاء عن أبى نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمثله وحديث عبد الرحمن بن زياد أمثل من هذا وإن كان غير قوى أيضا والمحفوظ من حديث قتادة "ما أخبرنا" أبو الحسين بن بشران أنبأ إسماعيل الصفار ثنا أحمد بن منصور ثنا عبد الرزاق أنبأ معمر عن قتادة قال لا أعلمه إلا رفعه قال ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم عند آبق من سيده حتى يأتي فيضع يده في يده وامرأة باتت وزوجها غضبان عليها ورجل أمّ قوما وهم له كارهون. وروى أيضا عن أبى غالب عن أبى أمامة وليس بالقويّ (باب إمامة البرّ والفاجر) وفي بعض النسخ إسقاط الباب والحديث. والبرّ بفتح الموحدة التقىّ ويجمع على أبرار ومثله البارّ إلا أنه يجمع على بررة مثل كاتب وكتبة يقال برّ الرجل يبرّ برّا من باب علم والفاجر الخارج عن طاعة الله تعالى المنبعث في المعاصى من فجر العبد فجورا من باب قعد فسق (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ وَاجِبَةٌ خَلْفَ كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا وَإِنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ» (ش) (ابن وهب) هو عبد الله (قوله الصلاة المكتوبة واجبة الخ) هو بعض حديث أخرجه المصنف في الجهاد بلفظ الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برّا كان أو فاجرا والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم برّا كان أو فاجرا وإن عمل الكبائر والصلاة واجبة على كل مسلم برّا كان أو فاجرا (وظاهره) يدلّ على صحة الصلاة خلف الفاسق مطلقا أميرا كان أو غيره. وعلى أن العدالة غير شرط في الإمامة وإلى ذلك ذهب الجمهور وقالوا بكراهة الصلاة خلف الفاسق. والحديث وإن كان ضعيفا إلا أنه

يقوّيه حديث صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وصلوا على من قال لا إله إلا الله رواه الدارقطني من عدّة طرق وكلها فيها مقال (قال) في سبل السلام وفى ذلك أحاديث كثيرة دالة على صحة الصلاة خلف كلّ برّ وفاجر إلا أنها كلها ضعيفة وقد عارضها حديث لا يؤمنكم ذو جرأة في دينه ونحوه وهى أيضا ضعيفة قال فلما ضعفت الأحاديث من الجانبين رجعنا إلى الأصل وهى أن من صحت صلاته صحت إمامته. وأيد ذلك فعل الصحابة فإنه أخرّج البخارى في التاريخ عن عبد الكريم أنه قال أدركت عشرة من أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلون خلف أئمة الجور. ويؤيده أيضا حديث مسلم كيف أنت إذا كان عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يميتون الصلاة عن وقتها قال فما تأمرنى قال صلّ الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصلّ فإنها لك نافلة. فقد أذن بالصلاة خلفهم وجعلها نافلة لأنهم أخرجوها عن وقتها وظاهره أنهم لو صلوها في وقتها لكان مأمورا بصلاتها خلفهم فريضة اهـ ملخصا (وذهبت) العترة وجعفر بن مبشر وجعفر بن حرب ومالك في رواية عنه إلى اشتراط العدالة في الإمامة وقالوا إن الإمامة مبنية على الفضل في الدين ولا شك أن المرأة أتمّ دينا من الفاسق ومن صلى وراءها أعاد أبدا فلأن يعيد من صلى وراء الفاسق أولى وأحرى (وحملوا حديث الباب) على الأمراء (وإلى اشتراط) العدالة وعدم صحة الصلاة خلف الفاسق ذهبت الحنابلة أيضا قالوا لأن الفاسق لا يقبل خبره لمعنى في دينه فأشبه الكافر. ولأنه لا يؤمن على شرائط الصلاة. فإن خيف أذاه صلى خلفه دفعا للمفسدة وأعاد إلا الجمعة والعيد فلا يعيدهما إن تعذّرتا خلف غيره (والراجح) ما ذهب إليه الجمهور. وحملوا النهى فيما رواه ابن ماجه عن جابر عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يؤمنّ فاجر مؤمنا إلا أن يقهره بسلطان يخاف سيفه أو سوطه على الكراهة كما حملوا الأمر فيما رواه الدارقطنى عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم على الندب (قوله وإن عمل الكبائر) مبالغة في الفاجر وأتى به لدفع ما يتوهم أن الصلاة لا تصح خلف الفاجر إذا ارتكب الكبائر. والكبائر جمع كبيرة وهى ما ورد فيه وعيد بخصوصه أو وجب في جنسه حدّ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى وابن حبان في الضعفاء من حديث عبد الله بن محمد بن يحيى وهو متروك الحديث وأخرجه الدارقطنى من عدّة طرق كلها ضعيفة وقال ليس فيها شيء يثبت وقال العقيلي ليس في هذا المتن إسناد يثبت ونقل ابن الجوزي عن أحمد أنه سئل عنه فقال ما سمعنا بهذا وللبيهقى في هذا الباب أحاديث كلها ضعيفة غاية الضعف وأصح ما فيه حديث مكحول عن أبى هريرة وقال الحاكم هو حديث منكر

باب إمامة الأعمى

(باب إمامة الأعمى) وفي بعض النسخ باب ما جاء في إمامة الأعمى (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَنْبَرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، ثَنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «اسْتَخْلَفَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يَؤُمُّ النَّاسَ وَهُوَ أَعْمَى» (ش) (ابن مهدى) هو عبد الرحمن (قوله استخلف ابن أمّ مكتوم الخ) أى جعله نائبا عنه في إمامة الصلاة. واستخلفه صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة الأبواء وبواط وذى العشيرة وغزوته في طلب كرز بن جابر وغزوة السويق وغطفان وأحد وحمراء الأسد ونجران وذات الرقاع وبدر وفي خروجه لحجة الوداع (وهذا الحديث) يدل على جواز إمامة الأعمى من غير كراهة وبه قال إسحاق المروزى والغزالى وقالا إن إمامة الأعمى أفضل من إمامة البصير لأنه أكثر خشوعا من البصير لما في البصر من شغل القلب بالمبصرات (وذهبت) الشافعية إلى الجواز وقالوا إن الأعمى والبصير في ذلك سواء لأن في الأعمى فضيلة أنه لا يرى ما يلهيه وفي البصير فضيلة أنه يتجنب النجاسة (قال) النووى وعندى أن البصير أولى لأنه يجتنب النجاسة التي تفسد الصلاة والأعمى يترك النظر إلى ما يلهيه ولا تفسد الصلاة به اهـ وإلى أولوية البصير بالإمامة ذهبت الحنفية والحنابلة والمالكية قالوا لأنه أقدر على اجتناب النجاسة واستقبال القبلة باجتهاده وهذا هو الأرجح. أما استنابته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لابن أم مكتوم فلعدم وجود من يصلح للإمامة بالمدينة غيره إذ ذاك. ولا يرد على ذلك وجود على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ في المدينة حين استخلف النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ابن أم مكتوم لأن عليا كان مشغولا بالقيام بحفظ من جعله صلى الله عليه وآله وسلم حافظا لهم من الأهل حذرا من أن ينالهم عدوّ بمكروه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى عن أنس وأخرجه ابن حبان في صحيحه وأبو يعلى والطبرانى عن عائشة وأخرجه أيضا بإسناد حسن عن ابن عباس (باب إمامة الزائر) (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبَانُ، عَنْ بُدَيْلٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عَطِيَّةَ، مَوْلًى مِنَّا، قَالَ: كَانَ مَالِكُ بْنُ حُوَيْرِثٍ، يَأْتِينَا إِلَى مُصَلَّانَا هَذَا، فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَقُلْنَا لَهُ: تَقَدَّمْ فَصَلِّهْ، فَقَالَ لَنَا:

باب إمامة الزائر

قَدِّمُوا رَجُلًا مِنْكُمْ يُصَلِّي بِكُمْ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ لِمَ لَا أُصَلِّي بِكُمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَا يَؤُمَّهُمْ، وَلْيَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ» (ش) (رجال الحديث) (أبان) بن يزيد العطار. و (بديل) بالتصغير ابن ميسرة العقيلى البصرى. روى عن أنس وعبد الله بن الصامت وعبد الله بن شقيق وعطاء والبراء وغيرهم وعنه شعبة وحماد بن زيد وإبراهيم بن طهمان وهشام الدستوائى وجماعة. وثقه النسائى وابن معين وابن سعد والعجلى وقال أبو حاتم صدوق. مات سنة ثلاثين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (قوله أبو عطية مولى منا) أى بنى عقيل. روى عن مالك بن الحويرث حديث الباب. وعنه بديل بن ميسرة. قال أبو حاتم لا يعرف ولا يسمى وقال أبو الحسن القطان مجهول وقال ابن المديني لا يعرفونه وصحح ابن خزيمة حديثه وقال في التقريب مقبول من الثالثة روى له أبو داود والترمذى والنسائى (معنى الحديث) (قوله فصله) الهاء فيه للسكت (قوله فقال لنا قدموا رجلا الخ) تأخر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُعن الصلاة بهم وإن كان صحابيا وقد أذنوه عملا بظاهر الحديث. ولعله لم يبلغه حديث لا يؤمّ الرجل في بيته ولا في سلطانه إلا بإذنه (قوله من زار قوما فلا يؤمهم الخ) ظاهره أن الإمامة حق للمزور وأن الزائر منهى عن التقدم لها ولو أذن له وبه قال بعضهم ومنهم إسحاق (وذهب) الجمهور إلى أن الزائر يتقدم لها إن أذن له. وهو الأقرب للجمع بين الأحاديث. والنهى في حديث الباب وإن كان مطلقا لكنه مقيد بعدم إذن ربّ المنزل للزائر كما تقدم عن أبى مسعود البدرى وفيه ولا يؤمّ الرجل في بيته ولا في سلطانه إلا بإذنه. ومقيد أيضا بما رواه الصنف عن أبى هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه على آله وسلم قال لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤمّ قوما إلا بإذنهم "الحديث" ومحل الخلاف إذا كان المزور أهلا الإمامة فإن لم يكن أهلا لها كالمرأة إذا كان الزائر رجلا والجاهل إذا كان الزائر عالما فلا حق له في الإمامة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي والترمذى وقال هذا حديث حسن وأخرجه النسائى مختصرا وفي إسناده أبو عطية وفيه مقال (باب الإمام يقوم بمكان أرفع من مكان القوم) أى في مكان أعلى من مكان المأمومين أهو ممنوع أم لا، وفي نسخة باب الإمام يقوم في مكان الخ (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الوَاسِطِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ الْفُرَاتِ أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِيُّ الْمَعْنَى،

قَالَا: ثَنَا يَعْلَى، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، أَنَّ حُذَيْفَةَ، أَمَّ الناس بِالْمَدَائِنِ عَلَى دُكَّانٍ، فَأَخَذَ أَبُو مَسْعُودٍ، بِقَمِيصِهِ فَجَبَذَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: «أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ؟ » قَالَ: «بَلَى، فذَكَرْتُ حِينَ جذَبْتَنِي» (ش) (رجال الحديث) (أحمد بن الفرات) بن خالد الضبي (أبو مسعود الرازى) نزيل أصبهان. روى عن أبى عامر العقدى وأبى داود الطيالسى وعبد الله بن نمير ويعلى بن عبيد وآخرين وعنه أبو داود وابن أبى عاصم وجعفر الفريابى ومحمد وعبد الرحمن ابنا يحيى بن منده وكثيرون قال أبو نعيم أحد الأئمة الحفاظ وقال ابن المديني كان من الراسخين في العلم وقال أحمد ما تحت أديم السماء أحفظ لأخبار رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منه وقال محمد بن آدم المصيصى لو كان أبو مسعود على نصف الدنيا لكفاهم يعني في الفتوى وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان ممن رحل وجمع وصنف وحفظ وذاكر وواظب على لزوم السنن والذّب عنها ووثقه الخليلى والحاكم و (يعلى) بن عبيد بن أبى أمية الأيادى أبو يوسف الطنافسى. روى عن إسماعيل بن أبي خالد وسليمان الأعمش ويحيى بن سعيد الأنصارى وزكرياء بن أبى زائدة وآخرين. وعنه أخوه محمد ابن عبيد ومحمد بن مقاتل وإسحاق بن راهويه وجماعة. قال أحمد كان صحيح الحديث وقال أبو حاتم صدوق وقال أحمد بن يونس ما رأيت أحدا يريد بعلمه الله تعالى إلا يعلى بن عبيد وما رأيت أفضل منه ووثقه ابن معين وابن سعد. مات سنة سبع أو تسع ومائتين. روى له الجماعة. و (إبراهيم) النخعى و (همام) بن الحارث (معنى الحديث) (قوله أمّ الناس بالمدائن) المراد بها مدائن كسرى قرب بغداد. وسميت البلد بالمدائن لكبرها (قوله على دكان) أى دكة مرتفعة ويطلق أيضا على الحانوت واختلف في نونها فقال الأخفش وسيبويه إنها زائدة مأخوذة من أكمة دكاء أى منبسطة (وقال) ابن القطاع وجماعة إنها أصلية مأخوذة من دكنت المتاع إذا نضدته ووزنها على الزيادة فعلان وعلى الأصالة فعال (قوله فجبذه) أى أخذه بقوّة فأنزله من فوق المكان. وجبذ مقلوب من جذب لغة تميمية وأنكر ابن السراج القلب وقال ليس أحدهما مأخوذا من الآخر لأن كل واحد منهما متصرّف في نفسه (قوله قال ألم تعلم الخ) أى قال أبو مسعود ألم تعلم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان ينهى أصحابه عن ارتفاع الإمام عن المأمومين. وفي رواية ابن حبان أليس قد نهى عن هذا فقال حذيفة جوابا لأبى مسعود بلى أى قد نهى عن ذلك وتذكرت النهى حين جذبتنى وفي نسخة حين مددتني وهى بمعنى جذبتنى

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى والشافعى وابن حبان وأخرجه الحاكم أيضا من طريق يعلى بن عبيد باللفظ المذكور وأخرجه من طريق زياد بن عبد الله عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بلفظ إن حذيفة أمّ الناس بالمدائن فتقدم فوق دكان فأخذ أبو مسعود بمجامع ثيابه فمدّه فرجع فلما قضى الصلاة قال له أبو مسعود ألم تعلم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله سلم نهى أن يقوم الإمام فوق ويبقى الناس خلفه قال فلم ترنى قد أجبتك حين مددتني (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو خَالِدٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ بِالْمَدَائِنِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَتَقَدَّمَ عَمَّارٌ وَقَامَ عَلَى دُكَّانٍ يُصَلِّي وَالنَّاسُ أَسْفَلَ مِنْهُ، فَتَقَدَّمَ حُذَيْفَةُ فَأَخَذَ عَلَى يَدَيْهِ فَاتَّبَعَهُ عَمَّارٌ، حَتَّى أَنْزَلَهُ حُذَيْفَةُ فَلَمَّا فَرَغَ عَمَّارٌ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: أَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ فَلَا يَقُمْ فِي مَكَانٍ أَرْفَعَ مِنْ مَقَامِهِمْ» أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ؟ ، قَالَ عَمَّارٌ: «لِذَلِكَ اتَّبَعْتُكَ حِينَ أَخَذْتَ عَلَى يَدَيَّ» (ش) (رجال الحديث) (أحمد بن إبراهيم) بن كثير بن زيد. و (حجاج) بن محمد الأعور. و (ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز. و (أبو خالد) روى عن عدى بن ثابت وعنه ابن جريج. قال الحافظ يحتمل أن يكون هو الدالانى أو الواسطى اهـ وقال الذهبى لا يعرف وقال في التقريب يحتمل أن يكون هو الدالانى وإلا فمجهول اهـ (قوله حدثنى رجل) لم يعرف اسمه (معنى الحديث) (قوله فأخذ على يديه الخ) يعنى أخذه من خلفه لينزل ويستوى مع المأمومين في المكان فوافقه عمار وطاوعه حتى أنزله عن الدكان فلما سلم عمار من صلاته قال له حذيفة ألم تسمع الخ أى أفعلت ذلك ولم تسمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول إذا أم الرجل الخ (قوله لذلك اتبعتك) أى لأجل سماعى النهى عن ذلك منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتذكرى إياه اتبعتك (وهذا الحديث) صريح في أن الإمام كان عمارا والآخذ له حذيفة. والحديث المتقدم صريح في أن الإمام كان حذيفة والآخذ له أبو مسعود. ولا تنافى بينهما لاحتمال تعدد القصة. وعلى تقدير عدم تعددها فالأول

باب الإمام يقوم بمكان أرفع من مكان القوم

أقوى لأن الثاني فيه رجل مجهول. وقد صحح الأول ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وفي رواية للحاكم التصريح برفعه (والحديث يدلّ) على النهى عن ارتفاع الإمام عن المأمومين مطلقا سواء أقصد به التعليم أم لا وبه قالت الحنابلة قالوا ومحلّ الكراهة إذا كان العلوّ كثيرا ذراعا فأكثر قالوا ولا بأس بعلوّ يسير كدرجة منبر ونحوها مما دون الذراع جمعا بين ما رواه أبو داود عن حذيفة وبين حديث سهل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى على المنبر ثم نزل القهقرى فسجد وسجد معه الناس ثم عاد حتى فرغ ثم قال إنى فعلت هذا لتأتموا بى ولتعلموا صلاتى متفق عليه. والظاهر أنه كان على الدرجة السفلى لئلا يحتاج إلى عمل كثير في الصعود والنزول فيكون ارتفاعا يسيرا (وذهبت) الحنفية إلى كراهة ارتفاع الإمام وحده عن المأمومين قالوا لأنه يشبه صنيع أهل الكتاب من حيث تخصيص الإمام بالمكان. أما إذا كان معه أحد من المأمومين فلا كراهة فيه (قال) ابن الهمام واختلف في مقدار الارتفاع الذى تتعلق به الكراهة فقيل قدر القامة وقيل قدر ما يقع به الامتياز وقيل ذراع كالسترة وهو المختار قال والوجه أوجهية الثانى لأن الموجب وهو شبه الازدراء يتحقق فيه اهـ (وذهبت) الشافعية إلى الكراهة أيضا إلا إذا دعت الضرورة إليه كالتعليم فلا يكره وبه قالت المالكية وقالوا إن قصد يعلوّه الكبر بطلت صلاته والكراهة متفق عليها عندهم إذا كان الإمام وحده فإن كان معه جماعة من المأمومين ففيه خلاف والمعوّل عليه الكراهة وقالوا يغتفر العلوّ اليسير كالشبر والذراع (والظاهر) من الأدلة كراهة ارتفاع الإمام على المؤتمين من غير فرق بين المسجد وغيره وبين القامة ودونها وفوقها إلا لقصد التعليم كما يدلّ عليه قوله في حديث الشيخين المتقدّم ولتعلموا صلاتي (قال) ابن دقيق العيد من أراد أن يستدلّ بحديث صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المنبر على جواز الارتفاع من غير قصد التعليم لم يستقم لأن اللفظ لا يتناوله ولانفراد الأصل بوصف معتبر تقتضى المناسبة اعتباره فلا بدّ منه اهـ (قال في النيل) على أنه قد تقرّر في الأصول أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا نهى عن شئ نهيا يشمله بطريق الظهور ثم فعل ما يخالفه كان الفعل مخصصا له من العموم دون غيره حيث لم يقم دليل على التأسى به في ذلك الفعل فلا تكون صلاته على المنبر معارضة للنهى عن الارتفاع باعتبار الأمة. وهذا على فرض تأخر صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المنبر عن النهى عن الارتفاع وعلى فرض تقدمها أو التباس المتقدم من المتأخر فيه الخلاف المعروف في الأصول في التخصيص بالمتقدم والملتبس اهـ أما ارتفاع المأموم على إمامه فذهبت الشافعية والحنفية إلى كراهته أيضا وقالوا إذا كره ارتفاع الإمام على مأمومه فكراهة ارتفاع المأموم على إمامه أولى (وذهبت) الحنابلة والمالكية إلى عدم كراهة ذلك (وقالت المالكية) إذا قصد المأموم بارتفاعه الكبر

باب إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة

بطلت صلاته (قال في النيل) أما ارتفاع المؤتم فإن كان مفرطا بحيث يكون فوق ثلثمائة ذراع على وجه لا يمكن المؤتم العلم بأفعال الإمام فهو ممنوع للإجماع من غير فرق بين المسجد وغيره وإن كان دون ذلك المقدار فالأصل الجواز حتى يقوم دليل على المنع. ويعضد هذا الأصل فعل أبى هريرة المذكور ولم ينكر عليه اهـ ويعنى بفعل أبى هريرة ما رواه البيهقى والشافعى عن أبى هريرة أنه صلى على ظهر المسجد بصلاة الإمام (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي وأخرج ابن حبان والحاكم ونحوه وأخرج الدارقطنى عن ابن مسعود نحوه بلفظ نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يقوم الإمام فوق شيء والناس خلفه يعنى أسفل منه (باب إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة) وفي بعض النسخ باب إمامة من يصلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ «كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ الْعِشَاءَ»، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ (ش) (رجال الحديث) (عبيد الله بن مقسم) بكسر فسكون القرشى ثم المدنى. روى عن ابن عمر وأبى هريرة وجابر وأبى صالح النعمان وعطاء بن يسار. وعنه أبو حازم وسهيل بن أبى صالح ويحيى بن أبى كثير وداود بن قيس وإسحاق بن حازم. وثقه أبو داود والنسانى وأبو حاتم ويعقوب ابن سفيان. روى له الشيخان وأبو داود والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله أن معاذ بن جبل كان يصلى مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العشاء الخ) أى الآخرة كما صرّح به في رواية لمسلم. وما ورد في بعض الروايات من أنها صلاة المغرب محمول على تعدّد القصة أو أطلق المغرب على العشاء مجازا. وقوله ثم يأتى قومه أى بنى سلمة كما صرّح به في رواية الحميدى عن ابن عيينة. وفي رواية الشافعى ثم يرجع فيصليها بقومه في بنى سلمة (قوله فيصلى بهم تلك الصلاة) فيه ردّ على من زعم أن الصلاة التى كان يصليها مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غير الصلاة التي كان يصليها بقومه (والحديث) يدلّ بظاهره على صحة اقتداء المفترض بالمتنفل لأن صلاة معاذ التى صلاها مع رسول الله صلى

الخلاف في اقتداء المفترض بالمتنفل وبالعكس

الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقعت فرضا فتكون صلاته بقومه نافلة له (وإلى ذلك) ذهب داود والشافعية والأوزاعي وطاوس وعطاء. مستدلين بهذا الحديث. وبما رواه عبد الرزاق والشافعى والطحاوى والدارقطني من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن جابر في حديث الباب زاد هي له تطوعّ ولهم فريضة وهو حديث صحيح رجاله رجال الصحيح وقد صرّح ابن جريج في رواية عبد الرزاق بسماعه فيه فانتفت تهمة تدليسه "فقول" ابن الجوزى إنه لا يصح "مردود" "وتعليل" الطحاوي له بأن ابن عيينة ساقه عن عمرو أتمّ من سياق ابن جريج ولم يذكر هذه الزيادة "ليس" بقادح في صحته لأن ابن جريج أسنّ وأجلّ من ابن عيينة وأقدم أخذا عن عمرو منه. ولو لم يكن كذلك فهى زيادة من ثقة حافظ ليست منافية لرواية من هو أحفظ منه ولا أكثر عددا فلا معنى للتوقف في الحكم بصحتها "وأما ردّ" الطحاوى لها باحتمال أن تكون مدرجة "فجوابه" أن الأصل عدم الإدراج حتى يثبت التفصيل فمهما كان مضموما إلى الحديث فهو منه ولا سيما إذا روى من وجهين. والأمر هنا كذلك فإن الشافعى أخرجها من وجه آخر عن جابر متابعا لعمرو بن دينار عنه "وقول" الطحاوى هو ظنّ من جابر "مردود" لأن جابرا كان ممن يصلى مع معاذ فهو محمول على أنه سمع ذلك منه (وقال أبو حنيفة) والزهرى والنخعى والحنابلة وأبو قلابة والحسن البصرى ومجاهد والمالكية لا يصح اقتداء المفترض بالمتنفل (وأجابوا) عن حديث الباب بأجوبة نوقش في جميعها (منها) ما فهمه الطحاوى في رواية أحمد عن معاذ بن رفاعة عن سليم أنه أتى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله إن معاذ بن جبل يأتينا بعد ما ننام ونكون في أعمالنا في النهار فينادى بالصلاة فنخرج إليه فيطوّل علينا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا معاذ لا تكن فتانا إما أن تصلى معى وإما أن تخفف على قومك من أن معناه إما أن تصلى معى أى ولا تصلى بقومك وإما أن تخفف بقومك أى ولا تصلى معى قال فهو يدل على أنه كان يفعل أحد الأمرين وأنه لم يكن يجمع بينهما (وردّ) بأن غاية ما في هذا أنه أذن له بالصلاة معه والصلاة بقومه مع التخفيف وبالصلاة معه فقط إن لم يخفف (ومن الأجوبة) أن فعل معاذ لم يكن بأمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا تقريره كذا قال الطحاوى (وردّ) بأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم بذلك وأمر معاذا به فقال صلى بهم صلاة أخفهم وقال له لما شكوا إليه تطويله أفتان أنت يا معاذ. وأيضا رأى الصحابى إذا لم يخالفه غيره حجة والواقع هاهنا كذلك فإن الذين كان يصلى بهم معاذ كلهم صحابة وفيهم ثلاثون عقبيا وأربعون بدريا كذا قال ابن حزم قال ولا نحفظ عن غيرهم من الصحابة امتناع ذلك بل قال معهم بالجواز عمر وابنه وأبو الدرداء وأنس وغيرهم (ومنها) أن ذلك كان في الوقت الذى تصلى فيه الفريضة مرّتين فيكون منسوخا بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تصلوا الصلاة في اليوم مرّتين

كذا قال الطحاوى (وردّ) بأن النهى عن فعل الصلاة مرّتين محمول على أنها فريضة في كل مرّة كما جزم بذلك البيهقي جمعا بين الحديثين (قال في الفتح) بل لو قال قائل إن هذا النهى منسوخ بحديث معاذ لم يكن بعيدا "ولا يقال" القصة قديمة وصاحبها استشهد بأحد "لأن أحدا" كانت في أواخر السنة الثالثة فلا مانع من أن يكون النهى في الأولى والإذن في الثانية مثلا. وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم للرجلين اللذين لم يصليا معه إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة أخرجه أصحاب السنن من حديث يزيد بن الأسود وصححه ابن خزيمة وغيره وكان ذلك في حجة الوداع في أواخر حياة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ويدلّ على الجواز أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لمن أدرك الأئمة الذين يأتون بعده ويؤخرون الصلاة عن ميقاتها أن يصلوها في بيوتهم في الوقت ثم يجعلوها معهم نافلة اهـ ملخصا (ومنها) أن صلاة المفترض خلف المتنفل من الاختلاف وقد قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تختلفوا على إمامكم (وردّ) بأن الاختلاف المنهى عنه مبين في الحديث بقوله فإذا كبر فكبروا الخ ولو سلم أنه يعمّ كل اختلاف لكان حديث معاذ ونحوه مخصصا له (إذا تأملت) ما ذكر علمت أن الظاهر ما ذهب إليه الأولون. لكن لا يخفى طلب مراعاة الخلاف فالاحتياط عدم صلاة المفترض خلف المتنفل. وهذا كله في اقتداء المفترض بالمتنفل (وأما اقتداء) المتنفل بالمفترض فجائز عند الحنفية والشافعية والحنابلة وممنوع عند المالكية وكذا صلاة فرض خلف مصلّ فرضا آخر ممنوع عند المالكية والحنفية والحنابلة وجائز عند الشافعية (فقه الحديث) دلّ الحديث على صحة صلاة المفترض خلف المتنفل وقد علمت ما فيه، وعلى جواز تكرار الصلاة في جماعة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والطحاوى في شرح معانى الآثار والشافعى والدارقطنى مطوّلا بألفاظ متقاربة (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: «إِنَّ مُعَاذًا، كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ»، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ (ش) هذه الرواية أخرجها البيهقى من طريق بشر بن موسى قال ثنا الحميدى ثنا سفيان ثنا عمرو بن دينار وأبو الزبير كم شاء الله أنهما سمعا جابر بن عبد الله يقول كان معاذ بن جبل يصلى مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العشاء ثم يرجع إلى قومه بني سلمة فيصليها بهم وإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخر العشاء ذات ليلة فصلاها معاذ معه ثم رجع

باب الإمام يصلي من قعود

فأمّ قومه فافتتح سورة البقرة فتنحى رجل من خلفه فصلى وحده فلما انصرف قالوا نافقت يا فلان فقال ما نافقت ولكنى آتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخبره فأتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله إنك أخرت العشاء البارحة وإن معاذا صلاها معك ثم رجع فأمنا فافتتح سورة البقرة فتنحيت فصليت وحدى وإنما نحن أهل نواضح نعمل بأيدينا فالتفت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى معاذ فقال أفتان أنت يا معاذ أفتان أنت اقرأ بسورة كذا وسورة كذا قال عمرو وعدّ سورا قال سفيان وقال أبو الزبير وقال له النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اقرأ بسبح اسم ربك الأعلى والسماء والطارق والسماء ذات البروج والشمس وضحاها والليل إذا يغشى ونحوها فقلت لعمرو فإن أبا الزبير كان يقول إن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان قال له اقرأ بسبح اسم ربك الأعلى والسماء والطارق والسماء ذات البروج والشمس وضحاها والليل إذا يغشى اهـ (باب الإمام يصلى من قعود) وفي بعض النسخ باب إذا صلى الإمام قاعدا (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ عَنْهُ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ فَصَلَّى صَلَاةً مِنَ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: "إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ" (ش) (قوله ركب فرسا فصرع عنه) أى سقط عنه كما صرّح به في رواية البخارى (قوله فجحش شقه الأيمن) أى انخدش شقه فمنعه من القيام للصلاة. وفى رواية للبخارى عن أنس جحش ساقه أو كتفه. ولا منافاه بينهما لأن رواية البخارى فيها بيان محلّ الخدش من الشق (قوله فصلى صلاة من الصلوات) أى المكتوبة لأنها التى عرف من عادتهم أنهم يجتمعون لها بخلاف النافلة (قوله فصلينا وراءه قعودا الخ) وفى نسخة وصلينا وراءه أى بعد أن قاموا خلفه فأشار إليهم بالجلوس كما سيصرّح به في حديث عائشة الآتى ولذا بين لهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقوله إنما جعل الإمام ليؤتم به أى ليقتدى به ويتابع في أعمال الصلاة

مذاهب الأئمة في المأموم أيتابع الإمام في تلك الحالة أم لا

فلا يسبقه ولا يقارنه. وبين المتابعة بقوله فإذا صلى قائما فصلوا قياما أى قائمين فالمصدر مؤوّل باسم الفاعل. ومحلّ وحوب القيام على المأموم تبعا للإمام إذا كان قادرا عليه فإذا لم يستطع القيام صلى من جلوس أو على حسب ما يتيسر له (قوله وإذا ركع فاركعوا الخ) ظاهر في أن المأموم لا يهوى إلى الركوع حتى يتمّ الإمام ركوعه. وأصرح منه ما رواه أحمد وسيأتي للمصنف وفيه ولا تركعوا حتى يركع (قوله سمع الله لمن حمده) يعنى قبل الله حمد من حمده (قوله ربنا ولك الحمد) الواو عاطفة على محذوف أى ربنا أطعناك أو حمدناك ولك الحمد (وهو) صريح في أن الإمام يقول الجملة الأولى والمأموم يقول الثانية. وبه قال أبو حنيفة والمالكية ورواية عن أحمد (وذهب) الشافعى والحنابلة إلى أنه يجمع بينهما. وسيأتى تمام الكلام عليه إن شاء الله تعالى (قوله أجمعون) تأكيد للضمير في صلوا (والحديث يدلّ) على أنه يجب على المأموم أن يتابع الإمام في الصلاة حتى لو صلى الإمام جالسا لعذر يصلى المأموم جالسا أيضا وإن كان قادرا على القيام وبه أخذ إسحاق والأوزاعى وابن المنذر وداود وبقية أهل الظاهر قالوا ولا تجوز وراءه قياما (قال) ابن حزم وبه نأخذ إلا فيمن يصلى إلى جنب الإمام يذكر الناس ويعلمهم تكبير الإمام فإنه يتخير بين الصلاة قاعدا والصلاة قائما وبمثل قولنا يقول جمهور السلف وروى هذا عن جابر وأسيد بن حضير وأبى هريرة ولا مخالف لهم يعرف من الصحابة (وحكى) هذا أيضا ابن حبان عن الصحابة المذكورين وغيرهم من الصحابة والتابعين وقال وهو عندى ضرب من الإجماع الذى أجمعوا على إجازته لأن من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربعة أفتوا به. والإجماع عندنا إجماع الصحابة. ولم يرو عن أحد من الصحابة خلاف لهؤلاء الأربعة لا بإسناد متصل ولا منقطع. فكأن التابعين أجمعوا على إجازته. وأول من أبطل في هذه الأمة صلاة المأموم قاعدا إذا صلى إمامه جالسا المغيرة بن مقسم صاحب النخعى وأخذ عنه حماد بن أبى سليمان ثم أخذ عن حماد أبو حنيفة وتبعه عليه من بعده من أصحابه اهـ وإلى جواز صلاة القاعد القادر على القيام خلف القاعد العاجز عنه ذهبت الحنابلة لكن خصصوا الجواز بما إذا كان الإمام إمام الحىّ أو الإمام الأعظم فلا يجوز ذلك وراء غيرهما إلا إذا كان المأموم مثله (وقالت) الشافعية وأبو ثور والثورى والحميدى والحنفية تجوز صلاة القائم خلف القاعد العاجز عن القيام. قالوا ولا يجوز أن يصلوا وراءه جلوسا. واحتجوا بما رواه الشيخان عن عائشة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر في مرضه الذى توفي فيه أبا بكر أن يصلى بالناس فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من نفسه خفة فقام يهادى بين رجلين ورجلاه تخطان الأرض فجاء فجلس عن يسار أبى بكر فكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى بالناس جالسا

وأبو بكر قائما يقتدى أبو بكر بصلاة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويقتدى الناس بصلاة أبى بكر. قالوا وهي صريحة في أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان الإمام لأنه جلس عن يسار أبى بكر ولقوله يصلى بالناس ولقوله وأبو بكر قائما يقتدى أبو بكر بصلاة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقالوا إن حديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا ناسخ لحديث الباب. وأنكر أحمد النسخ وجمع بين الحديثين بتنزيلهما على حالتين (إحداهما) إذا ابتدأ الإمام الراتب الصلاة قاعد المرض يرجى برؤه فيصلون خلفه قعودا (ثانيتهما) إذا ابتدأ الإمام الراتب قائما لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قياما سواء أطرأ ما يقتضي صلاة إمامهم قاعدا أم لا كما في الأحاديث التي في مرض موته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإن تقريره لهم على القيام دلّ على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة قائما وصلوا معه قياما بخلاف الحالة الأولى فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ابتدأ الصلاة جالسا فلما صلوا خلفه قياما أنكر عليهم (وذهبت) المالكية إلى أنه لا تصح صلاة القادر على القيام خلف العاجز عنه سواء أصلى المأموم قائما أم قاعدا لأن القيام ركن من أركان الصلاة فلا يسقط عن القادر عليه. وهذا ظاهر بالنسبة لمن صلى قاعدا. أما بالنسبة لمن صلى قائما خلف القاعد فلنقص حالة الإمام عن المأموم. وعن مالك فيما إذا صلوا وراءه قياما روايتان أشهرهما عدم صحة الصلاة. وإن كان المأموم عاجزا عن القيام كالإمام فالصلاة صحيحة باتفاق كما قاله ابن رشد (وأجابوا) عن حديث الباب بأنه منسوخ بحديث عائشة وحديث عائشة خاص برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حكى ذلك القاضى عياض وقال لا يصح لأحد أن يؤمّ جالسا بعده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو مشهور قول مالك وجماعة من أصحابه وهذا أولى الأقاويل لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يصح التقدم بين يديه في الصلاة ولا في غيرها لا لعذر ولا لغيره. وروى ابن حبيب عن مالك أن حديث عائشة منسوخ لترك أبى بكر وعمر وعثمان الإمامة حال الجلوس (قال) في المدونة سألنا مالكا عن المريض الذى لا يستطيع القيام يصلى جالسا ويصلى بصلاته ناس قال لا ينبغى لأحد أن يفعل ذلك وحدثني عن على عن سفيان عن جابر بن يزيد عن الشعبي أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يؤمّ الرجل القوم جالسا اهـ ويدل لهم على النسخ ما رواه البيهقي من طريق سفيان بن عيينة عن جابر عن الشعبي قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يؤمنّ أحد بعدى جالسا قال على بن عمر لم يروه غير جابر الجعفي وهو متروك والحديث مرسل لا تقوم به حجة (وقال) الشافعى إن الحديث لا يثبت لأنه مرسل ولأنه عن رجل يرغب الناس عن الرواية عنه (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية ركوب الخيل، وعلى أنه صلى الله تعالى عليه

وعلى آله وسلم يجوز عليه ما يجوز على البشر من الأسقام ونحوها من غير نقص في مقداره لذلك بل ليزداد رفعة وجلالة، وعلى أن المأموم يجب عليه متابعة الإمام في جميع أفعال الصلاة وعلى أنه لا يوافق إمامه في قوله سمع الله لمن حمده بل يقول ربنا ولك الحمد، وعلى أن الإمام إذا صلى جالسا لعذر يتابعه المأموم في الجلوس. وتقدم بيانه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مالك في الموطأ والشيخان والنسائى وابن ماجه والترمذى والبيهقى (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا جَرِيرٌ، وَوَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَرَسًا بِالْمَدِينَةِ فَصَرَعَهُ عَلَى جِذْمِ نَخْلَةٍ فَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ، فَأَتَيْنَاهُ نَعُودُهُ، فَوَجَدْنَاهُ فِي مَشْرُبَةٍ لِعَائِشَةَ - رضي الله عنها - يُسَبِّحُ جَالِسًا، قَالَ: فَقُمْنَا خَلْفَهُ فَسَكَتَ عَنَّا، ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى، نَعُودُهُ فَصَلَّى الْمَكْتُوبَةَ جَالِسًا، فَقُمْنَا خَلْفَهُ فَأَشَارَ إِلَيْنَا، فَقَعَدْنَا، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، قَالَ: «إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا، وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَلَا تَفْعَلُوا كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ فَارِسَ بِعُظَمَائِهَا» (ش) (رجال الحديث) (جرير) بن عبد الحميد (قوله عن أبى سفيان) هو طلحة ابن نافع القرشي مولاهم. روى عن أبى أيوب الأنصارى وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وأنس وآخرين. وعنه جعفر بن أبى خيثمة وحصين بن عبد الرحمن وابن إسحاق والوليد بن مسلم. قال أحمد والنسائى لا بأس به وقال ابن عدى لا بأس به روى عنه الأعمش أحاديث مستقيمة وقال ابن معين لا شيء وقال ابن المدينى يكتب حديثه وليس بالقوى. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله على جذم نخلة) بكسر الجيم وفتحها أصل النخلة. وجمعه أجذام وجذوم (قوله فانفكت قدمه) أى زالت عن مفصلها يقال فككت العظم فكا من باب قتل أزلته من مفصله (ولا منافاة) بينه وبين الرواية السابقة أنه جحش شقه الأيمن لاحتمال حصول الخدش وفك القدم (قوله في مشربة) بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الراء وضمها الغرفة (قوله يسبح جالسا) أى يصلى نافلة حال كونه جالسا (قوله فسكت عنا) أى لم يأمرنا بالجلوس تبعا له (قوله فصلى المكتوبة جالسا) أى صلى الفريضة جالسا (وهو صريح) في أن تلك الصلاة لم تكن في المسجد. وكأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عجز عن الصلاة

الكلام في صلاة النافلة جماعة

بالناس في المسجد فكان يصلى في بيته ممن حضر لكنه لم ينقل أنه استخلف. ومن ثمّ قال عياض إن الظاهر أنه صلى وائتمّ به من حضر عنده ومن كان في المسجد. وما قاله محتمل لكن يلزم عليه أن يكون الإمام أعلى من المأمومين. ومذهب عياض خلافه إلا أن يقال إن محلّ المنع عنده إذا لم يكن مع الإمام في مكانه العالى أحدكما هنا فإنه كان معه بعض أصحابه (قوله فقمنا خلفه) أى صلينا وراءه قائمين. وفي رواية البخارى فصلى جالسا وصلى وراءه فوم قياما. ولعلهم فهموا أنه لا يجوز لهم الجلوس حيث إنهم قادرون على القيام (قوله ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها) وفي رواية مسلم إن كدتم آنفا تفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا ائتموا بأئمتكم إن صلوا قياما فصلوا قياما وإن صلوا قعودا فصلوا قعودا (فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على مشروعية عيادة المريض، وعلى جواز الجماعة في النافلة ولو كثرت (وقيده) المالكية في غير التراويح والعيد ونحوهما بأن تكون الجماعة قليلة كالاثنين والثلاثة وبأن يكون المكان غير مشتهر (وذهبت) الحنفية إلى الكراهة مطلقا إلا في التروايح والوتر في رمضان (وذهبت) الحنابلة والشافعية إلى الجواز مطلقا إلا أن الشافعية قالوا بالانفراد فيما عدا التراويح والعيدين ونحوهما. ودلّ الحديث أيضا على جواز اقتداء القائم بالقاعد في النافلة وعدم جوازه في المكتوبة، وعلى النهى عن التشبه بفعل المخالفين (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي وابن حبان في صحيحه وابن ماجه مختصرا (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَعْنَى، عَنْ وُهَيْبٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: "إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَلَا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَلَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ -قَالَ مُسْلِمٌ: وَلَكَ الْحَمْدُ- وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وَلَا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ"، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ أَفْهَمَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ سُلَيْمَانَ. (ش) (رجال الحديث) (وهيب) بن خالد. و (مصعب بن محمد) بن عبد الرحمن

الكلام في تأخير المأموم تكبيرة الإحرام والسلام عن الإمام

ابن شرحبيل العبدى المكي. روى عن أبيه وأبى أمامة وأبى سلمة وأبى صالح ذكوان السمان ومحمد ابن سعد وآخرين. وعنه محمد بن عجلان وسهيل بن أبى صالح والسفيانان. وثقه ابن معين وابن حبان وقال أبو حاتم صالح يكتب حديثه ولا يحتج به وقال أحمد لا أعلم عنه إلا خيرا وقال البخارى روى عنه ابن عيينة وقال كان رجلا صالحا. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله فإذا كبر) أى للإحرام بالصلاة على ما هو المتبادر (قوله ولا تكبروا حتى يكبر) ذكره للتأكيد وهو صريح في وجوب تأخير تكبير المأموم للإحرام عن تكبير الإمام. وبهذا قالت المالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف ومحمد من الحنفية قالوا فلو أحرم معه أو قبله بطلت صلاته لأنه ائتمّ بمن لم تنعقد صلاته. واستدلوا بقوله في الحديث فإذا كبر فكبروا قالوا إن الفاء فيه للتعقيب فيكون أمرا بالتكبير بعد تكبير الإمام. فإذا أتى به مقارنا فقد أتى به قبل أوانه فلا يجوز كالصلاة قبل وقتها. ولأن الاقتداء بناء صلاته على صلاة الإمام فلا بدّ من شروع الإمام في الصلاة حتى يتحقق البناء على صلاته وإلا لزم البناء على المعدوم وهو لا يجوز (وقال أبو حنيفة) يكبر المأموم للإحرام مقارنا لتكبير الإمام لا يتقدم ولا يتأخر عنه. لكن هذا الحديث يردّ عليه لأن قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر صريح في وجوب تأخير تكبير المأموم عن تكبير الإمام (قوله ولا تركعوا حتى يركع الخ) صريح أيضا في وجوب تأخير المأمومين في الركوع وما بعده من أفعال الصلاة عن ركوع الإمام وغيره منها فتكون المقارنة والسبق محرّمين. لكن قالت الشافعية والمالكية والحنابلة تكره المقارنة. أما السبق فقد اتفق الجمهور على منعه من غير بطلان (وذهب) ابن عمر والظاهرية وأحمد في رواية إلى البطلان لأن النهى عندهم يقتضى الفساد وفي المغنى عن أحمد ليس لمن سبق الإمام صلاة. ولو كانت له صلاة لرجى له الثواب ولم يخش عليه العقاب اهـ ولم يذكر في الحديث المتابعة في السلام لكنه يجب فيه المتابعة كالإحرام فإن ساوى المأموم الإمام أو سبقه في السلام بطلت صلاته عند المالكية والحنابلة إن سبقه عمدا. قالوا وإن سبقه سهوا فيعيده بعده وإلا بطلت. وقالت الشافعية إن سبقه بالسلام بطلت وإن قارنه ففيه قولان أصحهما يكره والثانى يبطل. وعن أبى حنيفة روايتان إحداهما يسلم مقارنا لتسليم الإمام والأخرى يسلم بعده وهو قول أبى يوسف ومحمد وهو المعوّل عليه (قوله اللهم ربنا الخ) هكذا بإثبات اللهم وهي ثابتة في روايات كثيرة وفى بعضها بحذفها. وثبوتها أرجح كما قاله في الفتح. وكلاهما جائز. وفي ثبوتها تكرير النداء فكأنه قال يا ألله يا ربنا لك الحمد وقال مسلم بن إبراهيم في روايته ولك الحمد بالواو وهي ثابتة من طرق كثيرة (قال) ابن دقيق العيد كأن إتيان الواو دالّ على معنى زائد لأنه يكون التقدير مثلا ربنا استجب لنا ولك الحمد فيشتمل على معنى النداء ومعنى الخبر اهـ (قوله

اللهمّ ربنا لك الحمد أفهمنى بعض أصحابنا عن سليمان) غرض المصنف من هذا تقوية أن رواية سليمان بن حرب ربنا لك الحمد بدون واو فكأنه يقول كما أنى رويتها عن سليمان بدون واو سمعتها كذلك من بعض أصحابى عنه. أو أن المراد أن أبا داود يقول لما حدثنى سليمان بن حرب بهذا الحديث لم أفهم منه هذا اللفظ فأفهمنيه بعض أصحابى الذين كانوا معى في سماع الحديث (فقه الحديث) دلّ الحديث على وحوب متابعة المأموم الإمام في جميع أعمال الصلاة من تكبير وغيره. وتقدّم بيانه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ آدَمَ الْمِصِّيصِيُّ، نَا أَبُو خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» بِهَذَا الْخَبَرِ زَادَ «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ والْوَهْمُ عِنْدَنَا مِنْ أَبِي خَالِدٍ» (ش) (قوله المصيصى) بفتح الميم وكسر الصاد المهملة المشددة نسبة إلى مصيصة مدينة على شاطئ جيحان من ثغور الشام بين أنطاكية وبلاد الروم بقرب طرسوس. و (أبو خالد) هو سليمان بن حيان بالمثناة التحتية الأحمر. روى عن حميد الطويل وهشام بن عروة وابن جريج والأعمش وشعبة وكثيرين. وعنه أحمد وابن أبى إياس وأبو كريب وعمرو الناقد وأبو توبة الحلبى وجماعة. قال العجلى ثقة ثبت صاحب سنة وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال أبو حاتم صدوق وقال البزّار ليس ممن يلزم بزيادته حجة لاتفاق أهل العلم بالنقل أنه لم يكن حافظا وأنه قد روى أحاديث عن الأعمش وغيره لم يتابع عليها. مات سنة. تسع وثمانين ومائة. روى له الجماعة (قوله بهذا الخبر) أى المروى من طريق مصعب بن محمد (قوله زاد وإذا قرأ فأنصتوا) أى زاد أبو خالد في روايته وإذا قرأ الإمام فأنصتوا لاستماع قراءته. وهذا إنما يكون في حالة الجهر بالقراءة (قوله وهذه الزيادة الخ) غرض المصنف بذلك تضعيف زيادة أبى خالد قال البيهقي قد أجمع الحفاظ على خطأ هذه اللفظة في الحديث أبو داود وأبو حاتم وابن معين والحاكم والدارقطنى وقالوا إنها ليست بمحفوظة اهـ وقال الدارقطنى رواه أصحاب قتادة الحفاظ عنه منهم هشام الدستوائى وسعيد وشعبة وهمام وأبو عوانة وأبان وعدى بن أبى عمارة ولم يقل أحد منهم وإذا قرأ فأنصتوا قال وإجماعهم يدلّ على وهمه. وعن أبى حاتم ليست هذه الكلمة

محفوظة إنما هى من تخليط ابن عجلان. وعن ابن معين في حديث ابن عجلان وإذا قرأ فأنصتوا ليس بشئ. نقل ذلك العينى وقال قد صحح مسلم هذه الزيادة من حديث أبى موسى الأشعرى ومن حديث أبى هريرة. وأيضا هذه الزيادة من ثقة وزيادة الثقة مقبولة اهـ وقال المنذرى وفيما قاله أبو داود نظر فإن أبا خالد هذا من الثقات الذين احتج البخارى وسلم بحديثهم في صحيحيهما ومع هذا فلم ينفرد بهذه الزيادة بل قد تابعه عليها أبو سعد محمد بن سعد الأنصارى وقد سمع من ابن عجلان وهو ثقة ووثقه يحيى بن معين ومحمد بن عبد الله المخرّمى وأبو عبد الرحمن النسائى. وقد أخرج هذه الزيادة النسائى في سننه من حديث أبى خالد الأحمر ومن حديث محمد بن سعد. وقد أخرج مسلم في الصحيح هذه الزيادة من حديث أبى موسى الأشعرى من حديث جرير بن عبد الحميد عن سليمان التيمى عن قتادة اهـ وعلى ثبوتها فهى تدلّ على عدم جواز قراءة المأموم خلف الإمام حالة جهر الإمام بالقراءة. وفى المسألة خلاف يأتى تحقيقه في محله إن شاء الله تعالى (من أخرج هذه الرواية أيضا) أخرجها النسائى وابن أبى شيبة وابن ماجه من طريق أبى خالد أيضا بلفظ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما جعل الإمام ليؤتمّ به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا وإذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله تعالى عنها -، قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ فَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا». (ش) (القعنبى) هو عبد الله بن مسلمة (قوله وهو جالس) لعله لما أصابه من فكّ قدمه أو خدش شقه كما تقدم. وفى رواية البخاري صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بيته وهو شاك فصلى جالسا (قوله وصلى وراءه قوم قياما الخ) وفى نسخة فصلى وراءه قوم أى ممن جاءوا يعودونه كما بين في الرواية السابقة فأشار إليهم أن اجلسوا هكذا في رواية الأكثر وفى رواية الحموى عند البخارى فأشار عليهم أي إليهم. وهو يفيد أن الصلاة كانت مكتوبة لما تقدم في حديث جابر من أنه كان يصلى النافلة فقاموا خلفه فسكت عليهم وفي المرّة

مشروعية التبليغ عند الحاجة إليه

الثانية كان يصلى المكتوبة فأشار إليهم بالجلوس فلما فرغ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الصلاة قال إنما جعل الإمام الخ وتقدم شرحه وافيا في الأحاديث قبله. والحديث أخرجه البخارى ومسلم والبيهقى (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَيَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الْمَعْنَى أَنَّ اللَّيْثَ بن سعد، حَدَّثَهُمْ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: اشْتَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ، وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ يُكَبِّرُ لِيُسْمِعَ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ، ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ (ش) (قوله فصلينا وراءه الخ) عطف على محذوف أى فصلى صلاة فصلينا وراءه الخ (قوله ثم ساق الحديث) وتمامه في مسلم فالتفت إلينا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فرآنا قياما فأشار إلينا فقعدنا فصلينا بصلاته قعودا فلما سلم قال إن كدتم آنفا تفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا ائتموا بأئمتكم إن صلوا قياما فصلوا قياما وإن صلوا قعودا فصلوا قعودا (فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على مشروعية التبليغ عند الحاجة إليه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى وابن ماجه والبيهقى (ص) حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا زَيْدٌ يَعْنِي ابْنَ الْحُبَابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي حُصَيْنٌ، مِنْ وَلَدِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّهُمْ، قَالَ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ إِمَامَنَا مَرِيضٌ، فَقَالَ: «إِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ (ش) (رجال الحديث) (عبدة بن عبد الله) بن عبدة الخزاعي أبو سهل. روى عن أبى داود الطيالسى ويزيد بن هارون وعبد الصمد بن عبد الوارث ومعاوية بن هشام وغيرهم وعنه البخارى والنسائى والترمذى وابن ماجه وأبو داود وجماعة. قال أبو حاتم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وقال مستقيم الحديث ووثقه النسائى والدارقطني. مات بالأهواز سنة ثمان وخمسين ومائتين. و (محمد بن صالح) بن دينار التمار أبى عبد الله المدني مولى الأنصار

باب الرجلين يؤم أحدهما صاحبه كيف يقومان

روى عن أبى حازم وعمر بن عبد العزيز وابن المنكدر وصفوان بن سليم والزهرى. وعنه ابنه صالح والدراوردى والواقدى والقعنبى وآخرون. وثقه أحمد والعجلى وأبو داود وقال أبو حاتم شيخ لا يعجبني حديثه وليس بالقوى. مات سنة ثمان وستين ومائة. روى له أبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه. و (حصين الخ) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ الأنصارى الأشهلى المدنى. روى عن أسيد بن حضير ولم يدركه وعن ابن عباس وأنس وعبد الرحمن بن ثابث ومحمود بن لبيد. وعنه ابنه محمد ومحمد بن إسحاق وحجاج بن أرطاة قال ابن سعد كان قليل الحديث وذكره ابن حبان في ثقات أتباع التابعين وقال أبو داود حسن الحديث وقال في التقريب مقبول وقال في الميزان لم يضعفه أحمد وهو صالح الأمر. روى له أبو داود والنسائى. مات سنة ست وعشرين ومائة (معنى الحديث) (قوله قال فجاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى قال حصين فجاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يزور أسيدا فقالوا يا رسول الله إن إمامنا "يعنون أسيدا" مريض ولا يستطيع أن يصلى قائما فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا صلى إمامكم قاعدا فصلوا قعودا (وفيه دلالة) على وجوب متابعة المأموم للإمام في القعود. وتقدّم بيانه (قوله وهذا الحديث ليس بمتصل) قال المنذرى وما قاله ظاهر فإن حصينا هذا إنما يروى عن التابعين ولا يحفظ له رواية عن الصحابة سيما أسيد بن حضير فإنه قديم الوفاة توفي سنة عشرين أو إحدى وعشرين وحصين هذا توفي سنة ست وعشرين ومائة (باب الرجلين يؤمّ أحدهما صاحبه كيف يقومان) وفي بعض النسخ يؤمّ أحدهما الآخر، وفى بعضها باب ما جاء في الرجلين يؤمّ أحدهما الخ (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، ثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ "دَخَلَ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ فَأَتَوْهُ بِسَمْنٍ وَتَمْرٍ، فَقَالَ: «رُدُّوا هَذَا فِي وِعَائِهِ، وَهَذَا فِي سِقَائِهِ، فَإِنِّي صَائِمٌ»، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا فَقَامَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ وَأُمُّ حَرَامٍ خَلْفَنَا، قَالَ ثَابِتٌ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ عَلَى بِسَاطٍ (ش) (رجال الحديث) (حماد) بن سلمة. و (ثابت) البنانى (قوله دخل على أم حرام) هى الرميصاء أو الغميصاء بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب الأنصارية

خالة أنس. روى عنها زوجها عبادة بن الصامت وعمير بن الأسود وعطاء بن يسار ويعلى بن شداد. روى لها الشيخان وأبو داود وابن ماجه. وقد أخبر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأنها من الأولين فقد روى البخارى عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وكانت تحت عبادة ابن الصامت فدخل يوما فأطعمته فنام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم استيقظ يضحك قالت فقلت ما يضحكك يا رسول الله فقال ناس من أمتى عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرّة أو قال مثل الملوك على الأسرّة فقلت ادع الله أن يجعلنى منهم فدعا ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ يضحك فقلت ما يضحكك يا رسول الله قال أناس من أمتى عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرّة أو مثل الملوك على الأسرّة فقلت ادع الله أن يجعلنى منهم قال أنت من الأولين فركبت البحر في زمان معاوية فصرعت عن دابتها حين خرّجت من البحر فهلكت "والثبج بفتح المثلثة والموحدة وسط الشئ" (واستشكل) دخوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على أم حرام ونومه عندها فقال ابن عبد البر أظن أن أم حرام أرضعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو أختها أم سليم فصارت كلّ منهما أمه أو خالته من الرضاعة فلذلك كان ينام عندها وتنال منه ما يجوز للمحرم أن يناله من محارمه "ثم ساق" بسنده إلى يحيى بن إبراهيم بن مزين قال إنما استجاز رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن تفلى أمّ حرام رأسه لأنها كانت منه ذات محرم من قبل خالاته لأن أمّ عبد المطلب جده كانت من بنى النجار. ومن طريق يونس ابن عبد الأعلى قال قال لنا ابن وهب أمّ حرام إحدى خالات النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الرضاعة فلذلك كان يقيل عندها وينام في حجرها وتفلى رأسه (قال) ابن عبد البر وأيهما كان فهى محرم له (وجزم أبو القاسم) بن الجوهرى والداودى والمهلب فيما حكاه ابن بطال عنه بما قال ابن وهب قال وقال غيره إنما كانت خالة لأبيه أو جده عبد المطلب (وقال) ابن الجوزى سمعت بعض الحفاظ يقول كانت أم سليم أخت آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الرضاعة (وحكى) ابن العربى ما قال ابن وهب ثم قال وقال غيره بل كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم معصوما يملك أربه عن زوجته فكيف عن غيرها ممن هو منزّه عنه وهو المبرأ عن كل فعل قبيح وقول رفث فيكون ذلك من خصائصه "ثم قال" ويحتمل أن يكون ذلك قبل الحجاب (وردّ) بأن ذلك كان بعد الحجاب جزما لأنه كان بعد حجة الوداع (وردّ عياض) الأول بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال. وثبوت العصمة مسلم لكن الأصل عدم الخصوصية وجواز الاقتداء به في أفعاله حتى يقوم على الخصوصية دليل

ما دل عليه حديث أنس من مشروعية تأخير صف النساء عن الرجال وغير ذلك من الفوائد

(وبالغ الدمياطى) في الرّد على من ادّعى المحرمية فقال ذهل كلّ من زعم أن أمّ حرام إحدى خالات النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الرضاعة أو من النسب وكل من أثبت لها خؤولة تقتضى محرمية لأن أمهاته من النسب واللاتى أرضعنه معلومات ليس فيهن واحدة من الأنصار البتة سوى أمّ عبد المطلب وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار. وأمّ حرام هي بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر المذكور فلا تجتمع أمّ حرام وسلمى إلا في عامر بن غنم جدّهما الأعلى وهذه خؤولة لا تثبت بها محرمية لأنها خؤولة مجازية وهي كقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لسعد بن أبى وقاص هذا خالى لكونه من بنى زهرة وهم أقارب أمه آمنة وليس سعد أخا لآمنة لا من النسب ولا من الرضاعة "ثم قال" وإذا تقرر هذا فقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان لا يدخل على واحدة من النساء إلا على أزواجه وإلا على أمّ سليم فقيل له فقال. أرحمها قتل أخوها معى "يعنى حرام بن ملحان" وكان قد قتل يوم بئر معونة (قال) الحافظ وأوضحت وجه الجمع بين ما أفهمه هذا الحصر وبين ما دلّ عليه حديث الباب في أمّ حرام بما حاصله أنهما أختان كانتا في دار واحدة كل واحدة منهما في بيت من تلك الدار وحرام بن ملحان أخوهما معا فالعلة مشتركة فيهما "ثم قال" قال الدمياطى على أنه ليس في الحديث ما يدلّ على الخلوة بأمّ حرام قال ولعلّ ذلك كان مع ولد أو خادم أو زوج أو تابع "قلت" وهو احتمال قوىّ. لكنه لا يدفع الإشكال من أصله لبقاء الملامسة في تفلية الرأس وكذا النوم في الحجر (وأحسن الأجوبة) دعوى الخصوصية ولا يردّها كونها لا تثبت إلا بدليل لأن الدليل على ذلك واضح اهـ باختصار (وفى دعوى) وضوح الدليل نظر (قوله فقال ردّوا هذا في وعائه وهذا في سقائه) أى ردّوا التمر في وعائه والسمن في سقائه. والوعاء بكسر الواو ما يحفظ فيه الشيء مطلقا. والسقاء ظرف من الجلد يجعل فيه الماء واللبن والسمن ويجمع على أسقية (قوله فصلى بنا ركعتين تطوّعا) لعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أراد تعليمهنّ أفعال الصلاة فإن المرأة ربما لا تشاهد أفعاله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المسجد فأراد أن تشاهدها لتتعلمها وتعلمها غيرها ولتحصل بركته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في البيت (قوله فقامت أم سليم وأم حرام خلفنا) أي وأقامني عن يمينه كما ذكر بعد. وهو محل الترجمة في الحديث (قوله قال ثابت ولا أعلمه إلا قال أقامني الخ) أى لا أعلم أنسا إلا قال في هذا الحديث أقامنى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن يمينه على بساط يعنى ولم يقل أقامنى عن يمينه متأخرا عنه أو مساويا له والبساط معروف وهو فعال بمعنى مفعول مثل فراش بمعنى مفروش وجمعه بسط مثل كتاب وكتب (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية دخول رئيس القوم بيت بعض رعيته لإدخال

السرور عليه، وعلى مزيد تواضعه ومكارم أخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى مشروعية تقديم الطعام من صاحب البيت لمن نزل عنده، وعلى مشروعية ترك الإفطار للصائم تطوّعا وعلى جواز صلاة التطوّع جماعة. وتقدم بيانه في الباب قبله، وعلى أن السنة فيمن يصلي إماما للرجال والنساء أن يجعل النساء خلف الرجال. وستأتي زيادة أيضاح له إن شاء الله تعالى، وعلى مشروعية التبرّك بالصالحين بصلاتهم في المنازل (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال أتانا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وما هو إلا أنا وأمي وخالتي أمّ حرام فقال قوموا فلأصلى بكم وذاك في غير وقت الصلاة فقال رجل من القوم لثابت فأين جعل أنسا قال عن يمينه قال فدعا لنا أهل البيت بكل خير من خير الدنيا والآخرة فقالت أمي يا رسول الله خويدمك ادع الله له فدعا لى بكل خير فكان آخر ما دعا لى اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخْتَارِ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «أَمَّهُ وَامْرَأَةً مِنْهُمْ، فَجَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةَ خَلْفَ ذَلِكَ» (ش) (رجال الحديث) (شعبة) بن الحجاج. و (عبد الله بن المختار) البصرى. روى عن زياد بن علاقة وابن سيرين وأبى إسحاق وآخرين. وعنه الحمادان وشعبة وشريك وشيبان بن عبد الرحمن وثقه ابن معين والنسائى وقال أبو حاتم لا بأس به وقال في التقريب لا بأس به من السابعة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه. و (موسى بن أنس) بن مالك الأنصارى قاضى البصرة روى عن أبيه وابن عمه عمرو بن عبد الله وابن عباس. وعنه عطاء وحميد الطويل ومكحول وشعبة. ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل البصرة وقال كان ثقة قليل الحديث وقال العجلي تابعى ثقة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله أمه وامرأة منهم) المرأة هى جدّته مليكة أو أمه أمّ سليم كما صرّح به في بعض الروايات. وفى رواية النسائى أمه وامرأة من أهلى (قوله فجعله عن يمينه والمرأة خلف ذلك) فيه دلالة على أنه إذا حضر الجماعة رجل وامرأة كان موقف الرجل عن يمين الإمام وموقف المرأة خلفهما وأنها لا تصفّ مع الرجال لما في ذلك من خشية الافتتان بها فلو صلت مع الرجال في الصف أجزأتها صلاتها عند الجمهور. وعند الحنفية تفسد صلاة الرجل دون المرأة (قال في الفتح) وهو عجيب وفي توجيهه تعسف حيث قال قائلهم قال ابن مسعود

أخروهن من حيث أخرهن الله رواه الطبراني. والأمر للوجوب فإذا حاذت الرجل فسدت صلاة الرجل لأنه ترك ما أمر به من تأخيرها. قال وحكاية هذا تغني عن جوابه اهـ (وذهبت) الهادوية إلى فساد صلاتها إذا صفت مع الرجال وفساد صلاة من خلفها وصلاة من في صفها إن علموا بأنها في صفهم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى وابن ماجه والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ «فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ فَأَطْلَقَ الْقِرْبَةَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَوْكَى الْقِرْبَةَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ كَمَا تَوَضَّأَ، ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَنِي بِيَمِينِهِ فَأَدَارَنِي مِنْ وَرَائِهِ فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ». (ش) (رجال الحديث) (يحيى) بن سعيد القطان. و (عبد الملك بن أبى سليمان) أبى محمد أو أبى عبد الله العزرمى أحد الأئمة. روى عن أنس وسعيد بن جبير وسلمة بن كهيل وأنس بن سيرين وعبد الله بن كيسان. وعنه شعبة وابن المبارك والثورى وزهير بن معاوية وحفص بن غياث وكثيرون. قال العجلى ثقة ثبت في الحديث وقال في التقريب صدوق له أوهام وقال يعقوب بن سفيان ثقة متقن فقيه وقال ابن عمار الموصلى ثقة حجة وقال الترمذى ثقة ثبت لا نعلم أحدا تكلم فيه غير شعبة وذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ وكان من خيار أهل الكوفة وحفاظهم والغالب على من يحفظ ويحدّث أن يهم وليس من الإنصاف ترك حديث شيخ ثبت صحت عنده السنة بأوهام يهم فيها والأولى فيه قبول ما يروى بتثبت وترك ما صحّ أنه وهم فيه ما لم يفحش فمن غلب خطؤه على صوابه استحقّ الترك. روى له مسلم وأبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله بتّ في بيت خالتى ميمونة) أى مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما صرح به في رواية مسلم وفيها واضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأهله في طولها. وكان يومئذ صغيرا فقد روى أحمد عنه أنه قال صليت مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقمت إلى جنبه الأيسر فأقامني عن يمينه وأنا يومئذ ابن عشر سنين (قوله فأطلق القربة فتوضأ) أى حلّ وكاءها بعد أن صبّ منها في الجفنة كما صرّح به في رواية مسلم وفيها ثم قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله

ما دل عليه حديث ابن عباس من انعقاد صلاة الجماعة بالصبي المميز وأقوال الفقهاء في ذلك وغيره من الفوائد

وسلم إلى القربة فأطلق شناقها ثم صبّ في الجفنة أو القصعة فأكبه بيده عليها ثم توضأ الخ (قوله ثم أوكى القربة) أى شدّ فمها بالوكاء وهو حبل يشدّ به فم القربة ويجمع على أوكية مثل سلاح وأسلحة (قوله فأخذني بيمينه الخ) وفى نسخة فأخذني بيمينى. وفى رواية مسلم فأخذني فجعلني عن يمينه. وفي رواية له فأخذ بيدى فجعلنى عن شقه الأيمن. وفي رواية له فأخلفني فجعلنى عن يمينه فصليت معه أى ثلاث عشرة ركعة أو إحدى عشرة كما في روايات مسلم. وأخرج مسلم رواية عطاء هذه عن ابن عباس قال بتّ ذات ليلة عند خالتى ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلى تطوعا من الليل فقام النبى صلى الله عليه وآله وسلم إلى القربة فنتوضأ فقام فصلى فقمت لما رأيته صنع ذلك فتوضأت من القربة ثم قمت إلى شقه الأيسر فأخذ بيدى من وراء ظهره يعدلنى كذلك من وراء ظهره إلى الشق الأيمن. وأخرجها أيضا من طريق كريب مولى ابن عباس بلفظ إن ابن عباس أخبره أنه بات ليلة عند ميمونة أم المؤمنين وهي خالته قال فاضطجعت على عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأهله في طولها فنام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فجعل يمسح النوم عن وجهه يده ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران ثم قام إلى شنّ معلقة فتوضأ منها فأحسن الوضوء ثم قام فصلى قال ابن عباس فقمت فصنعت مثل ما صنع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يده اليمنى على رأسى وأخذ بأذني اليمنى يفتلها فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاء المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز مبيت الصبى المميز عند محارمه مع الزوج، وعلى استحباب قيام الليل. وعلى جواز الائتمام بمن لم ينو الإمامة، وعلى أن العمل اليسير في الصلاة لا يبطلها، وعلى أن المأموم إذا كان واحدا يقف عن يمين الإمام وهو السنة عند كثير من العلماء (وحكى) القاضى أبو الطيب عن سعيد بن المسيب أنه يقف عن يساره. وعن النخعى أنه يقف وراءه إلى أن يريد الإمام أن يركع فإن لم يجئْ مأموم آخر تقدم فوقف عن يمينه. لكن حديث ابن عباس يردّهما، ودلّ الحديث أيضا على مشروعية انعقاد الجماعة بالصبى المميز مع الإمام. وإليه ذهب الشافعى من غير فرق بين الفريضة والنافلة (وقال مالك) تنعقد في النافلة وهو رواية عن أبى حنيفة (وذهب) الهادى والناصر والمؤيد بالله وأبو حنيفة في رواية وأصحابه إلى عدم انعقاد الجماعة بالصبى (قال) في النيل وليس على قول من منع من انعقاد إمامة من معه صبي فقط دليل ولم يستدلّ لهم في البحر إلا بحديث رفع القلم وهو لا يدلّ على عدم صحة صلاته وانعقاد

باب إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون

الجماعة. ولو سلم لكان مخصصا بحديث ابن عباس ونحوه اهـ ودلّ الحديث أيضا على مشروعية الجماعة في صلاة النافلة (من لم خرج الحديث أيضا) أخرجه الستة مطوّلا ومختصرا وأخرجه البيهقي من طريق إسحاق بن يوسف الأزرق (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ: فَأَخَذَ بِرَأْسِي أَوْ بِذُؤَابَتِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ (ش) (هشيم) بن بشير. و (أبو بشر) هو جعفر بن أبى وحشية (قوله في هذه القصة) أى قصة نوم ابن عباس في بيت خالته ميمونة وصلاته مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله أو بذؤابتي) شك من الراوى والذؤابة بضم الذال المعجمة وبالهمزة الضفيرة من الشعر إذا كانت مرسلة فإن كانت ملوية فهى عقيصة وتجمع على ذؤابات وذوائب "ولا منافاة" بين هذه الرواية والتى قبلها لاحتمال تعدد القصة وهو الأقرب. أو لاحتمال أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وضع يده على رأسه أوّلا ثم أخذ بيمينه ثانيا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي من طريق الحسين بن عرفة (باب إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون) (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: «قُومُوا فَلَأُصَلِّيَ لَكُمْ»، قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ «فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ» (ش) (قوله أن جدّته مليكة) بضم الميم تصغير ملكة. والضمير في جدته عائد على إسحاق وبه جزم ابن عبد البر وعبد الحق وعياض وصححه النووى. ويؤيده ما رواه البخارى عن إسحاق عن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وآله

الكلام في تطهير النجاسة المشكوك فيها

وسلم وأمي أمّ سليم خلفنا. وجزم ابن سعد وابن منده بأنها جدة أنس والدة أمه أمّ سليم. وهو مقتضى كلام إمام الحرمين ومن تبعه وظاهر السياق (قال في الفتح) ويؤيده ما رويناه في فوائد العراقيين لأبى الشيخ من طريق القاسم بن يحيى المقدمي عن عبيد الله بن عمر عن إسحاق بن أبى طلحة عن أنس قال أرسلتنى جدتى إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واسمها مليكة فجاءنا فحضرت الصلاة "الحديث" اهـ ويمكن الجمع بين القولين بأنها جدة إسحاق لأبيه وجدّة أنس لأمه وأن الواقعة متعدّدة فمرّة صلت أمه خلفهما ومرّة جدته (قوله لطعام صنعته) أى لأجل طعام يتناوله. وفى نسخة دعته بطعام والباء بمعنى اللام وهو مشعر بأن مجيئه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان لذلك لا ليصلى بهم ليتخذوا مكان صلاته مصلى لهم كما في قصة عتبان بن مالك وهذا هو السرّ في كونه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بدأ في قصة عتبان بالصلاة قبل الطعام وهنا بدأ بالطعام قبل الصلاة فبدأ في كل منهما بأصل ما دعى لأجله (قوله فأكل منه) أى أجاب دعوتها فجاء فأكل منه (قال ابن عبد البر) زاد إبراهيم بن طهمان وعبد الله ابن عون وموسى بن أعين عن مالك قال أنس وأكلت معه ثم دعا بوضوء فتوضأ ثم قال قم فتوضأ وأمر العجوز فلتتوضأ وأمر اليتيم فليتوضأ (قوله فلأصلى) بكسر اللام وضم الهمزة وفتح الياء أو سكونها فعلى الفتح يكون الفعل منصوبا بلام كي. وعلى السكون يحتمل أن تكون اللام لام كي وسكنت الياء تخفيفا وأن تكون لام الأمر وثبتت الياء في الفعل إجراء للمعتلّ مجرى الصحيح ونظيره قوله تعالى {إنه من يتقى ويصبر} بإثبات الياء على قراءة قنبل. وأمر المتكلم نفسه بفعل مقرون باللام فصيح قليل في الاستعمال ومنه قوله تعالى {ولنحمل خطاياكم} ويكون الأمر فيه محمولا على الخبر كما في قوله تعالى {فليمدد له الرحمن مدّا} أو محمولا على أنه أمر لهم بالائتمام به لكن أضافه لنفسه لارتباط فعله بفعلهم فهو مصروف عن ظاهره (قوله لكم) أى لأجل تعليمكم أو اللام بمعنى الباء (قوله فقمت إلى حصير لنا) الحصير ما يبسط في البيوت وجمعه حصر بضم الصاد المهملة وسكونها تخفيفا (قوله قد اسودّ من طول ما لبس) بضم اللام وكسر الموحدة أى من كثرة ما استعمل. وهذا يقتضى قلة ما عندهم وإلا فلم يكونوا يخصون النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا بأفضل ما عندهم مما يصلح للصلاة (قوله فنضحته بماء) أى رششته بماء. ونضحه بالماء على سبيل تجديد نظافته وطهارته لأنه ربما وقع في النفس من كثرة استعماله أنه أصابه شيء من النجاسة فرشه ليذهب ما في النفس من ذلك (والنجاسة) المشكوك فيها تطهر بالرشّ عند مالك خلافا للجمهور. والرّشّ طهور لما لم يتيقن طهره ويؤيده ما رواه البخارى عن أبى التياح عن أنس قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحسن الناس خلقا وكان لى أخ يقال له أبو عمير قال أحسبه فطيما وكان إذا جاء

ما دل عليه حديث أنس من مشروعية إجابة الدعوة والصلاة في مكانها وجوازها على الحصير وغير ذلك من المسائل

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال يا أبا عمير ما فعل النغير نغير كان يلعب به فربما حضرت الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وينضح ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلى بنا ويحتمل أن النضح بمعنى الغسل فيكون غسله لنجاسة محققة به. والأول أظهر كما قال الحافظ وغيره (قوله وصففت أنا واليتيم وراءه الخ) كذا للأكثر. وللمستملى والحموى فصففت واليتيم بدون تأكيد بالضمير. والأول أفصح لأن العطف على الضمير المتصل لا يكون إلا بعد الفصل بالضمير المنفصل. واسم اليتيم ضميرة بن سعد الحميرى جدّ حسين بن عبد الله. ودخول اليتيم معهم في الصلاة يقتضى أنه كان ممن يعقل وإلا لم يعتدّ به في جماعة المؤتمين. والعجوز هي مليكة المذكورة (قوله فصلى لنا ركعتين) أى صلى بنا ركعتين على الحصير تطوّعا "ولا يقال" إن صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الحصير معارض لما رواه ابن أبى شيبة عن شريح بن هانئ أنه سأل عائشة أكان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى على الحصير والله تعالى يقول {وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا} فقالت عائشة لم يكن ليصلى على الحصير "لأن عائشة" أخبرت عن صلاته في بيتها وربما لم يكن فيه حصير. على أن ما رواه ابن أبي شيبة من طريق يزيد بن المقدام وهو ضعيف فلا يعارض ما هو أقوى منه (قوله ثم انصرف) أى إلى بيته أو من الصلاة (فقه الحديث) دلّ الحديث على مزيد تواضعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وحسن خلقه وعلى مشروعية إجابة الدعوة ولو لم يكن عرسا ولو كان الداعي امرأة. لكن محله إذا أمنت الفتنة وعلى جواز الأكل من طعام الدعوة، وعلى تنظيف مكان المصلى. وعلى جواز صلاة النافلة جماعة، وعلى استحباب الصلاة في المكان الذى دعي فيه للتعليم أو لحصول البركة، وعلى قيام الرجل، مع الصبي صفا، وعلى مشروعية تأخر النساء عن صفوف الرجال، وعلى مشروعية قيام المرأة صفا وحدها إذا لم يكن معها ما ينضم إليها من النساء، وعلى جواز الاقتصار في نافلة النهار على ركعتين خلافا لمن اشترطها أربعا. وعلى جواز الصلاة على الحصير من غير كراهة (قال الخطابي) وفيه دليل على استحباب ترتيب مواقف المأمومين وأن الأفضل يقدم على من دونه في الفضل ولذلك قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلنى منكم أولوا الأحلام والنهى، وعلى هذا القياس إذا صلى على جماعة من الموتى فيهم رجال ونساء وصبيان وخناثى فإن الأفضلين منهم يلون الإمام فيكون الرجال أقربهم منه ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النسوان. وإن دفنوا في قبر واحد كان أفضلهم أقربهم إلى القبلة ثم يليه الذى هو أفضل وتكون المرأة آخرهم إلا أنه يكون بينها وبين الرجال حاجز من لبن أو نحوه اهـ ببعض تصرّف (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشيخان والنسائى والترمذى وأحمد ومالك في الموطأ والبيهقي

مذاهب الفقهاء في موقف الإمام إذا كان معه اثنان

(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ عَلْقَمَةُ، وَالْأَسْوَدُ، عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ كُنَّا أَطَلْنَا الْقُعُودَ عَلَى بَابِهِ فَخَرَجَتِ الْجَارِيَةُ فَاسْتَأْذَنَتْ لَهُمَا فَأَذِنَ لَهُمَا، ثُمَّ "قَامَ فَصَلَّى بَيْنِي وَبَيْنَهُ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَعَلَ" (ش) (رجال الحديث) (هارون بن عنترة) بن عبد الرحمن الشيبانى أبي عبد الرحمن الكوفي. روى عن أبيه وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن الأسود وجماعة. وعنه ابنه عبد الملك وعمرو بن مرّة والثورى وحمزة الزيات وكثيرون. وثقه أحمد وابن معين وابن سعد والعجلى وقال أبو زرعة لا بأس به مستقيم الحديث وقال الدارقطنى يحتج به وذكره ابن حبان في الضعفاء وقال منكر الحديث جدّا يروى المناكير الكثيرة حتى أنه يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها لا يجوز الاحتجاج به بحال. مات سنة اثنتين وأربعين ومائة. روى له أبو داود والنسائى (قوله عن أبيه) هو الأسود بن يزيد بن قيس (معنى الحديث) (قوله استأذن علقمة والأسود على عبد الله) فيه وضع الظاهر موضع المضمر أى قال الأسود استأذنت أنا وعلقمة بن قيس علي عبد الله بن مسعود. وفي رواية النسائى عن عبد الرحمن بن الأسود عن الأسود وعلقمة قالا دخلنا على عبد الله بن مسعود (قوله فصلى بينى وبينه) أى صلى عبد الله بن مسعود بين علقمة والأسود وجعلهما معه في صفّ واحد وكانت هذه الصلاة ظهرا كما صرّح به في رواية أحمد عن الأسود بن يزيد قال دخلت أنا وعمى علقمة على ابن مسعود بالهاجرة فأقام الظهر ليصلى فقمنا خلفه فأخذ بيدى ويد عمى ثم جعل أحدنا عن يمينه والآخر عن يساره فصفنا صفا واحدا ثم قال هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصنع إذا كانوا ثلاثة (قوله هكذا رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل) ذكر ذلك استدلالا على ما فعله (وظاهره يدلّ) على أن الإمام إذا كان معه اثنان يساويهما في الصفّ ولا يتقدم عليهما وبه أخذ النخعى وأبو يوسف وبعض الكوفيين ومن أدلتهم أيضا ما سيأتي للمصنف في باب موقف الإمام من الصفّ عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ وسطوا الإمام وسدّوا الخلل (وذهب) الجمهور إلى أن الإمام يتقدمهما ويكونان خلفه. يدلّ له حديث أنس المتقدم. وما رواه مسلم والمصنف عن جابر قال قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليصلى فجئت فكنت عن يساره فأخذ بيدي فأدارنى حتى أقامني عن يمينه ثم جاء جبار بن صخر فقام عن يسار

رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخذ بأيدينا جميعا فدفعنا حتى أقامنا خلفه. وما رواه الترمذى عن سمرة بن جندب قال أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا كنا ثلاثة أن يتقدم أحدنا (ويجاب) عن حديث الباب بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل ذلك لبيان الجواز أو لضيق المكان فقد روى البيهقى بسنده إلى عبد الوهاب بن عطاء قال أنبأنا هشام بن حسان قال ذكرت ذلك لابن سيرين يعني ما فعل ابن مسعود فقال ابن سيرين كان المسجد ضيقا اهـ على أن حديث الباب فيه هارون بن عنترة وهو متكلم فيه (قال في النيل) قال أبو عمر هذا الحديث لا يصح رفعه والصحيح فيه عندهم أنه موقوف على ابن مسعود وقد أخرجه مسلم في صحيحه والترمذى موقوفا على ابن مسعود. وقد ذكر جماعة من أهل العلم أن حديث ابن مسعود هذا منسوخ لأنه إنما تعلم هذه الصلاة من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو بمكة وفيها التطبيق وأحكام أخر هي الآن متروكة وهذا الحكم من جملتها فلما قدم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة تركه اهـ "والتطبيق وضع اليدين بين الفخدين حال الركوع" (وقال ابن الهمام) وغاية ما فيه إخفاء النسخ على عبد الله وليس ببعيد إذ لم يكن دأبه صلى الله عليه وآله وسلم إلا إمامة الجمع الكثير دون الاثنين إلا في الندرة كهذه القصة وحديث اليتيم وهو داخل في بيت امرأة فلم يطلع عبد الله على خلاف ما علمه اهـ وقد أخرج البيهقى هذا الحديث مطولا ثم قال وهذا يحتمل أن كان ثم نسخ. واستدللنا على نسخه بما تقدم من خبر جابر بن عبد الله "الذى تقدم ذكره" وأنس بن مالك "أى الذى تقدم للمصنف" وما روينا عن على وعمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما والعامة وقد روينا عن أبي ذرّ ما دلّ على أن الذى شاهده ابن مسعود من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ذلك إنما شاهده في غير صلاة جماعة وأن كل واحد منهم كان يصلى لنفسه اهـ ثم ساق حديث أبى ذرّ الذى أشار إليه بسنده إلى جسرة بنت دجاجة عن أبى ذرّ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قام ليلة من الليالى مقام كذا وكذا فصلى فيه العشاء الآخرة فلما رأى القوم قد ثبتوا معه في مصلاه انصرف إلى رحله حتى انكسفت العيون وخلا مقامه قام فيه وحده قال أبو ذرّ فأقبلت فقمت خلفه فأومأ إلى يمينه وجاء عبد الله بن مسعود فقام خلفه وخلفي فأومأ إليه بشماله فقمنا هكذا فجمع بين السبابة والوسطى والأخرى التي تلى الخنصر يصلى كل رجل منا لنفسه (قال) الحميدى ذهب ابن مسعود إلى هذا وهو يظن أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يؤمهم فلما قال أبو ذرّ كل واحد منا يصلى لنفسه كان قوله قد بين أنه علم من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه لم يؤمهم وهو الذى ابتدأ الصلاة معه عند تحريمها وابن مسعود الجائى الداخل الذى سبقته النية عند تحريمها اهـ (ويجاب أيضا) عن حديث أبي هريرة بأنه يحتمل أن يكون المراد اجعلوا الإمام مقابلا لوسط الصفّ وهو الظاهر. وأن يكون من

باب الإمام ينحرف بعد التسليم

قولهم فلان واسطة قومه أى خيارهم. وإذا وقع الاحتمال فلا ينتهض للاستدلال. على أن هذا الحديث من رواية يحيى بن بشير بن خلاد وهو مجهول الحال كما قال ابن القطان وسيأتى بيانه (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه إذا كان مع الإمام اثنان يقف بينهما ولا يتقدم عليهما وقد علمت ما فيه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى والترمذى وكذا أحمد بلفظ تقدم وأخرجه البيهقى مطولا بلفظ تقدم بعضه (باب الإمام ينحرف بعد التسليم) أى يتحوّل إلى شقه الأيمن أو الأيسر بعد الفراغ من الصلاة. وفي بعض النسخ باب ما جاء في الإمام ينحرف بعد السلام (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ انْحَرَفَ» (ش) (قوله يحيى) القطان. و (سفيان) الثورى (قوله فكان إذا انصرف انحرف) أى إذا سلم من الصلاة مال عن القبلة يمينا أو شمالا. وفي نسخة انحرف على شقه الأيمن ويؤيده ما رواه الترمذى من طريق قبيصة بن هلب عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يؤمنا فينصرف على جانبيه جميعا على يمينه وعلى شماله ثم قال حديث هلب حسن وعليه العمل عند أهل العلم أنه ينصرف على أىّ جانبيه شاء إن شاء عن يمينه وإن شاء عن يساره وقد صح الأمران عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ وقال البغوى الأفضل أنه ينصرف على اليمين "ثم قال" وفي كيفية الانصراف وجهان "أحدهما" يجعل يمينه إلى القبلة ويساره إلى الناس وبه أخذ أبو حنيفة "الثانى" وهو الأصح أنه يجعل يساره إلى القبلة ويمينه إلى الناس اهـ بتصرّف والحكمة في الانصراف عن القبلة تعريف الداخل أن الصلاة قد انقضت إذ لو بقى على هيئته لأوهم الداخل أنه في التشهد (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، نَا مِسْعَرٌ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْبَرَاءِ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كُنَّا «إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ

أقوال الأئمة في ذلك

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ، فَيُقْبِلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ» (ش) (رجال الحديث) (أبو أحمد الزبيرى) هو محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدى مولاهم الكوفى. روى عن سفيان الثورى ومسعر بن كدام ومالك بن أنس وفطر بن خليفة وكثيرين. وعنه أحمد وأبو خيثمة وأحمد بن منيع وإبراهيم بن سعيد الجوهرى وجماعة. قال ابن نمير صدوق من الطبقة الثالثة مشهور ثقة صحيح الكتاب وقال أبو حاتم عابد مجتهد حافظ للحديث له أوهام وقال العجلى ثقة يتشيع وقال ابن سعد كان صدوقا كثير الحديث وقال أحمد كان كثير الخطأ في حديث سفيان ووثقه ابن معين وابن قانع. مات بالأهواز سنة ثلاث ومائتين. روى له الجماعة. و (عبيد بن البراء) بن عازب الأنصارى الكوفي. روى عن أبيه. وعنه ثابت بن عبيد ومحارب بن دثار. قال العجلى تابعى له عندهم هذا الحديث الواحد ولم يسمه منهم إلا أبو داود (معنى الحديث) (قوله كنا إذا صلينا الخ) أى إذا أردنا الصلاة خلف النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحببنا أن نكون على جهة يمينه لأجل أن يقبل علينا بوجهه إذا انصرف من صلاته (وهو يدلّ) على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان ينصرف إلى جهة يمينه "ولا منافاة" بينه وبين ما رواه البخارى عن سمرة قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه "فإنه يدلّ" على أنه كان يقبل على جميع المأمومين لا على من كان جهة اليمين فقط لاحتمال أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يفعل ذلك أحيانا أو أن الكلام على تقدير مضاف أى أقبل على بعضنا بوجهه (وإلى استحباب) الانصراف إلى جهة اليمين ذهبت المالكية والشافعية والحنابلة وقالوا إلا إذا كانت له حاجة جهة اليسار فينصرف إليها. مستدلين بحديث الباب وبما رواه مسلم عن السدّى قال سألت أنسا كيف أنصرف إذا صليت عن يمينى أو عن يسارى قال أما أنا فأكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينصرف عن يمينه. ويشهد لهم أيضا عموم الأحاديث المصرّحة بفضل التيامن (وقالت) طائفة ينصرف جهة حاجته فإن كانت إلى اليسار انصرف إليها وإن كانت إلى اليمين انصرف إليها. لما روى عن على أنه قال إن كانت حاجته عن يمينه أخذ عن يمينه وإن كانت حاجته عن يساره أخذ عن يساره ذكره الترمذى (وذهبت) الحنفية إلى أنه يستحب الانصراف إلى جهة اليسار. واستدلوا بما رواه مسلم عن ابن مسعود قال لا يجعلنّ أحدكم للشيطان من نفسه جزءا لا يرى إلا أن حقا عليه أن لا ينصرف

إلا عن يمينه أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينصرف عن شماله (وأجيب) بأن ابن مسعود أخبر بما رآه واعتقد أنه الأكثر فلا ينافي أن الانصراف إلى اليمين في الواقع كان الأكثر. أو أنه محمول على كراهة اعتقاد وجوب الانصراف إلى اليمين (قال) ابن المنير إن المندوبات قد تنقلب مكروهات إذا رفعت عن رتبتها لأن التيامن مستحب في كل شئ لكن لما خشى ابن مسعود أن يعتقد وجوبه أشار إلى كراهته (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه ينبغى للإمام أن يتحوّل عن يمينه بعد السلام من الصلاة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى وابن ماجه تم الجزء الرابع من المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبى داود ويليه الجزء الخامس وأوله (باب الإمام يتطوَّع في مكانه)

المنهل العذب المورود «شرح سنن الإمام أبي داود» تأليف الإمام الجليل المحقق، والعارف الرباني المدقق، محيي السنة وقامع البدعة صاحب الفضيلة والإرشاد الشيخ/ محمود محمد خطاب السبكي المتوفى في الرابع عشر من شهر ربيع الأول سنة 1352 هـ عمه الله بالرحمة والرضوان وأسكنه عالي الجنان [الجزء الخامس]

باب الإمام يتطوع في مكانه

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (باب الإمام يتطوّع في مكانه) أى في المكان الذى صلى فيه الفريضة أيجوز له ذلك أم لا (ص) حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْقُرَشِيُّ، ثَنَا عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُصَلِّي الْإِمَامُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ حَتَّى يَتَحَوَّلَ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ لَمْ يُدْرِكِ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ (ش) (رجال الحديث) (عبد العزيز بن عبد الملك) روى عن صالح بن جبير وعطاء بن أبي رباح. وعنه أبو توبة. قال أبو الحسن القطان مجهول الحال وقال في التقريب مجهول من الثامنة. و (القرشي) نسبة إلى قريش تصغير قرش وهو جمع الشئ من هاهنا وهاهنا وضمّ بعضه إلى بعض. قيل سميت القبيلة باسم رجل يقال له قريش بن الحارث بن مخلد بن النضر بن لبابة (معنى الحديث) (قوله لا يصلى الإمام في الموضع الذى صلى فيه حتى يتحوّل) بإثبات الياء في كثير من النسخ فيكون نفيا بمعنى النهى (وفي هذا دلالة) على استحباب انتقال الإمام من المكان الذى صلى فيه الفرض ليتطوّع في مكان آخر وقد اختلف الفقهاء في ذلك (فقال) أبو حنيفة كل صلاة يتنفل بعدها يقوم من مكانه الذى صلى فيه المكتوبة. وما لا يتنقل بعدها كالعصر والصبح فلا (وقال) محمد ينتفل في الصلوات كلها ليتحقق المأموم أنه لم يبق عليه سجود سهو ولا غيره (قال) في البدائع روى عن أبي بكر وعمر أنهما كانا إذا فرغا من الصلاة قاما كأنهما على الرضف اهـ "والرضف الحجارة المحماة" (وقالت) المالكية والشافعية والحنابلة يكره تنفل الإمام في مكانه الذى صلى فيه

باب الإمام يحدث بعد ما يرفع رأسه من آخر الركعة

المكتوبة مطلقا. ومحلّ هذا كله إذا لم تدع الحاجة إلى عدم الانتقال كضيق المكان (والحكمة) في استحباب الانتقال تكثير مواضع العبادة كما قال البخارى والبغوى لأن مواضع السجود تشهد له كما في قوله تعالى {يومئذ تحدّث أخبارها} أى تخبر يوم القيامة بما عمل عليها (وورد) في تفسير قوله تعالى {فما بكت عليهم السماء والأرض} أن المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء. وهذه العلة تقتضى أن ينتقل لصلاة الفرض من موضع نفله وأن ينتقل لكل صلاة يفتتحها من النوافل فإن لم ينتقل فينبغى أن يفصل بالكلام لحديث النهى عن أن توصل صلاة بصلاة حتى يتكلم المصلى أو يخرج كما في مسلم والمصنف (قوله قال أبو داود عطاء الخراسانى لم يدرك المغيرة بن شعبة) غرضه بذلك بيان أن الحديث منقطع لأن عطاء ولد سنة خمسين من الهجرة على المشهور وهي السنة التي مات فيها المغيرة (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يستحب للإمام الانتقال من المكان الذى صلى فيه المكتوبة إلى مكان آخر يتطوّع فيه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه (باب الإمام يحدث بعد ما يرفع رأسه من آخر الركعة) أى في بيان حكم الإمام الذى يخرج منه الريح ونحوه بعد ما يرفع رأسه من آخر سجدة في الصلاة وفي بعض النسخ باب ما جاء في الإمام يحدث بعد ما يرفع رأسه من آخر الركعة (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا زُهَيْرٌ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ، وَبَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا قَضَى الْإِمَامُ الصَّلَاةَ وَقَعَدَ فَأَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، وَمَنْ كَانَ خَلْفَهُ مِمَّنْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ» (ش) (رجال الحديث) (زهير) بن معاوية. و (عبد الرحمن بن رافع) التنوخى أبى الجهم قاضى إفريقية. روى عن ابن عمرو وعقبة بن الحارث. وعنه ابنه إبراهيم وعبد الرحمن ابن زياد وسليمان بن عوسجة وبكر بن سوادة. قال البخارى في حديثه مناكير وقال أبو حاتم شيخ حديثه منكر وذكره ابن حبان في الثقات وقال لا يحتج بخبره إذا كان من رواية ابن أنعم وإنما وقع المناكير من أجله. مات سنة ثلاث عشرة ومائة. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه والبخارى في الأدب

مذاهب الفقهاء في فرضية السلام من الصلاة

(معنى الحديث) (قوله إذا قضى الإمام الخ) أى إذا فرغ الإمام من كعات الصلاة وجلس للتشهد فأحدث قبل أن يتكلم. وفى رواية الترمذى قبل أن يسلم فقد تمت صلاته. وفي رواية له أيضا قد جازت صلاته وصلاة من كان خلفه من المأمومين الذين أدركوا الصلاة من أولها معه. وفي رواية للدارقطني إذا أحدث الإمام بعد ما يرفع رأسه من آخر سجدة واستوى جالسا تمت صلاته وصلاة من خلفه ممن ائتمّ به ممن أدرك الصلاة (وفي هذا دلالة) على عدم فرضية السلام في الصلاة وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه والناصر وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب وإسحاق بن راهويه أخذا بظاهر هذا الحديث (وقال) إسحاق بن إبراهيم إذا تشهد ولم يسلم أجزأه. واستدلوا أيضا بما سيأتي للمصنف عن الحسن بن الحرّ عن القاسم بن مخيمرة قال أخذ علقمة بيدى فحدثني أن عبد الله بن مسعود أخذ بيده وأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخذ بيد عبد الله فعلمه التشهد في الصلاة ثم قال إذا فعلت أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد. والاستدلال به من وجهين (أحدهما) أنه جعله قاضيا جميع ما عليه إذا فرغ من التشهد ولو كان التسليم فرضا لم يكن قاضيا جميع ما عليه بدونه لأن التسليم يبقى عليه (والثاني) أنه خيره بين القيام والقعود من غير شرط لفظ التسليم ولو كان فرضا ما خيره. ولأن ركن الصلاة ما تتأدى به الصلاة والسلام خروج عن الصلاة وترك لها لأنه كلام وخطاب لغيره فكان منافيا للصلاة فكيف يكون ركنا لها. وأما حديث "وتحليلها التسليم" فليس فيه نفي التحليل بغير التسليم إلا أنه خصّ التسليم لكونه واجبا (وذهب) الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى فرضية السلام مستدلين بحديث علىّ الآتي بعد وفيه وتحليلها التسليم. وبحديث "صلوا كما رأيتموني أصلى" رواه البخارى. ولم يثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه خرج من الصلاة بدون تسليم (وأجابوا) عن حديث الباب بأنه ضعيف لأنه من رواية عبد الرحمن بن زياد وقد ضعفه غير واحد من الحفاظ وفيه أيضا عبد الرحمن بن رافع وفيه مقال أيضا. وعلى تقدير صحته فيحمل على أنه كان قبل مشروعية التسليم (قال) البيهقي في المعرفة عبد الرحمن بن زياد قد ضعفه أهل العلم بالحديث واختلف عليه في لفظ الحديث قال أصحابنا وإن صح ذلك فإنما كان ذلك قبل فرض التسليم وروينا عن عطاء بن أبى رباح قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا قعد في آخر صلاته فقضى التشهد أقبل على الناس بوجهه وذلك قبل أن ينزل التسليم اهـ (وأجابوا) عن حديث ابن مسعود بأن قوله فيه إذا قضيت هذا فقد قضيت صلاتك الخ من كلام ابن مسعود لا من كلامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قال) الدارقطني ورواه زهير بن معاوية فزاد في آخره كلاما وهو قوله إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد قضيت

باب في تحريم الصلاة وتحليلها

صلاتك الخ فأدرجه بعضهم عن زهير في الحديث ووصله بكلام النبي صلى الله تعالى عيه وعلى آله وسلم وفصله شبابة عن زهير وجعله من كلام عبد الله بن مسعود وقوله أشبه بالصواب من قول من أدرجه في حديث النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأن ابن ثوبان رواه عن الحسن بن الحرّ كذلك وجعل آخره من قول ابن مسعود. ولاتفاق حسين بن على الجعفى وابن عجلان ومحمد بن أبان في رواياتهم عن الحسن بن الحرّ على ترك ذكره في آخر الحديث مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وعن غيره عن عبد الله بن مسعود على ذلك. وقد تابع شبابة غسان بن الربيع وغيره فرووه عن ابن ثوبان عن الحسن بن الحرّ كذلك وجعل آخر الحديث من كلام ابن مسعود ولم يرفعه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ (وقال) النووى في الخلاصة اتفق الحفاظ على أنها مدرجة اهـ ومن الحفاظ الحاكم والبيهقي والخطيب وابن حبان وقد روى البيهقي من طريق أبى الأحوص عن ابن مسعود ما يخالف هذه الزيادة بلفظ مفتاح الصلاة التكبير وانقضاؤها التسليم إذا سلم الإمام فقم إن شئت قال وهذا الأثر صحيح عن ابن مسعود اهـ (وقال) ابن حزم قد صح عن ابن مسعود إيجاب السلام وذكر رواية أبي الأحوص هذه عنه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الترمذى وأحمد (باب في تحريم الصلاة وتحليلها) وفي بعض النسخ إسقاط هذه الترجمة وإدخال الحديث في الباب السابق. لكن الحديث غير مناسب له فالصواب إثبات الترجمة. ولعلّ سقوطها من بعض النسخ خطأ من النساخ (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» (ش) تقدم شرح هذا الحديث وافيا في باب فرض الوضوء وأعاده المصنف هنا لمناسبة ذكر الخروج من الصلاة وللردّ على من تمسك بالحديث الذى قبله على أن السلام ليس من أركان الصلاة. ولبيان أنه ركن من أركان الصلاة كما أن التكبير ركن لها وأن التحليل منها إنما يكون به دون الحدث والكلام لأنه قد عرفه بالألف واللام وعينه كما عين الطهور وعرّفه فكان ذلك منصرفا إلى ما جاءت به الشريعة من الطهارة المعروفة. والتعريف بالألف

باب ما يؤم به المأموم من اتباع الإمام

واللام مع الإضافة يوجب التخصيص كقولك فلان مبيته المساجد تريد أنه لا مبيت له غيرها والحديث وإن كان في سنده عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه مقال فقد يعضده حديث صلوا كما رأيتمونى أصلى رواه البخارى. ولم يثبت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه خرج من الصلاة بدون تسليم كما تقدم. على أن عبد الله بن محمد بن عقيل قد وثقه جماعة "وما روى" عن عليّ من قوله إذا جلس قدر التشهد ثم أحدث فقد تمت صلاته وعن ابن عمر مرفوعا إذا أحدث وقد قعد في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته "فهما ضعيفان" باتفاق الحفاظ كما قاله النووى في شرح المهذب (باب ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام) وفي بعض النسخ باب ما جاء فيما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُبَادِرُونِي بِرُكُوعٍ، وَلَا بِسُجُودٍ، فَإِنَّهُ مَهْمَا أَسْبِقْكُمْ بِهِ إِذَا رَكَعْتُ تُدْرِكُونِي بِهِ إِذَا رَفَعْتُ، إِنِّي قَدْ بَدَّنْتُ» (ش) (مسدد) بن مسرهد. و (يحيى) القطان. و (ابن عجلان) هو محمد. و (ابن محيريز) هو عبد الله (قوله لا تبادروني بركوع ولا بسجود الخ) وفي نسخة لا تبادروني بركوع ولا سجود أى لا تسارعونى ولا تسبقوني بالركوع والسجود بل تأخروا عني بالشروع فيهما ولا تخافوا أن ينتقص قدر ركوعكم عن قدر ركوعي لأن الجزء الذى أسبقكم به تدركونه إذا رفعت فيكون الجزء الذى أدركوه بعد رفع الإمام بدلا عن الجزء الذى سبقهم به الإمام في الشروع ويكون مقدار ركوع الإمام والمأموم سواء. وقوله إني قد بدنت تعليل للنهى عن المبادرة بالركوع والسجود. وبدن من باب قرب من البدانة وهي كثرة اللحم قال أبو عبيد هكذا روى في الحديث بالتخفيف ويروى بدّنت بالتشديد أى كبرت وأسننت والمراد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لكبر سنه أو كثرة لحمه ثقل جسمه وقلت حركته اهـ ببعض تصرّف (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ

بْنَ يَزِيدَ الْخَطْمِيَّ، يَخْطُبُ النَّاسَ: ثَنَا الْبَرَاءُ، وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ «أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ مِنَ الرُّكُوعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَامُوا قِيَامًا، فَإِذَا رَأَوْهُ قَدْ سَجَدَ سَجَدُوا» (ش) (رجال الحديث) (عبد الله بن يزيد) بن زيد بن حصين بن عمرو بن الحارث ابن خطمة الأوسى الأنصارى أبا موسى الصحابي شهد بيعة الرضوان وهو صغير وشهد صفين والجمل مع على وكان أميرا على الكوفة أيام الزبير وكان الشعبي كاتبه. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أبى أيوب وابن مسعود وحذيفة وقيس بن سعد وزيد في ثابت والبراء بن عازب. وعنه ابنه موسى وعديّ بن ثابت والشعبي وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعى ومحمد بن كعب ومحمد بن سيرين وطائفة. روى له الجماعة. و (الخطمى) بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة نسبة إلى خطمة بطن من الأوس (معنى الحديث) (قوله يخطب الناس الخ) أى يعظهم وذكر في خطبته هذا الحديث. وسبب ذكره أنه كان يصلى بالناس بالكوفة فكان الناس يضعون رءوسهم قبل أن يضع رأسه ويرفعون قبل أن يرفع رأسه فذكر هذا الحديث للإنكار عليهم. وقوله وهو غير كذوب أى والحال أنه غير كاذب فالمراد نقى أصل الكذب لا المبالغة فيه نظير قوله تعالى {وما ربك بظلام للعبيد} ونظيره قول ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حدثنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو الصادق المصدوق. وما في صحيح مسلم عن أبى مسلم الخولانى حدثني الحبيب الأمين عوف بن مالك الأشجعى. ونظائره كثيرة. وغرضه بذلك تقوية الحديث وتفخيمه والمبالعة في تمكينه من النفس لا التزكية التى تكون من شك فيه إذ الصحابة كلهم عدول لا يحتاجون إلى تعديل ولا يشك في روايتهم (قوله قاموا قياما الخ) أى استمرّوا قائمين فلا يهوى أحد منهم إلى السجود حتى يراه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وضع جبهته على الأرض (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى. ومسلم والترمذى بنحوه (ص) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَهَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ الْمَعْنَى، قَالَا: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ زُهَيْرٌ: ثَنَا الْكُوفِيُّونَ، أَبَانُ، وَغَيْرُهُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَلَا يَحْنُو أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَضَعُ» (ش) (رجال الحديث) (أبان بن تغلب) بفتح المثناة الفوقية وسكون الغين المعجمة وكسر اللام غير مصروف الربعى أبى سعد الكوفي. روى عن أبى إسحاق السبيعى والحكم بن عتيبة وفضيل بن عمر. وعنه موسى بن عقبة وشعبة وحماد بن زيد وسفيان ابن عيينة وجماعة. وثقه النسائى وأحمد وأبو حاتم وابن معين وابن سعد وقال ابن عدى له نسخ عامتها مستقيمة إذا روى عنه ثقة وهو من أهل الصدق في الروايات وإن كان مذهبه مذهب الشيعة وهو في الرواية صالح لا بأس به وقال الأزدى كان غاليا في التشيع وما أعلم به في الحديث بأسا. توفي سنة إحدى وأربعين ومائتين. روى له مسلم وأبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه (قوله قال زهير الخ) أى قال زهير بن حرب في روايته قال حدثنا سفيان وقال سفيان حدثنا الكوفيون أبان وغيره. وغرض المصنف بهذا أن رواية سفيان عن أبان من طريق هارون بالعنعنة وروايته عنه من طريق زهير بالتحديث وأن هارون روى الحديث عن سفيان عن أبان وحده لم يذكر غيره وزهيرا رواه عنه عن أبان وغيره معه وأن أبانا خالف الحفاظ المتقنين فانفرد بذكر عبد الرحمن بن أبى ليلى ولم يذكره أحد منهم بل ذكروا عبد الله بن يزيد الخطمى عن البراء قال الدارقطني الحديث محفوظ لعبد الله بن يزيد عن البراء ولم يقل أحد عن ابن أبي ليلى غير أبان بن تغلب عن الحكم وقد خالفه ابن عرعرة قال عن الحكم عن عبد الله بن يزيد عن البراء وغير أبان أحفظ منه اهـ (قال) النووى في شرح مسلم هذا الاعتراض لا يقبل بل أبان ثقة نقل شيئا فوجب قبوله ولم يتحقق كذبه وغلطه. ولا امتناع في أن يكون مرويه عن عبد الله بن يزيد وابن أبي ليلى اهـ (معنى الحديث) (قوله فلا يحنو أحد منا ظهره الخ) أى لا يميله ولا يثنيه حتى يرى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يضع يديه على ركبتيه في الركوع ويضع جبهته على الأرض في السجود. وفى نسخة حتى نرى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يضع والمراد لم يشرع أحد منا في ركوع ولا سجود حتى نرى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شرع في ذلك الركن وتلبس به. ويحنو بالواو من حنوت العود من باب نصر ثنيته ويقال فيه يحنى بالياء من باب ضرب (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم

(ص) حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ يَعْنِي الْفَزَارِيَّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ، يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ، "أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَإِذَا رَكَعَ رَكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، لَمْ نَزَلْ قِيَامًا، حَتَّى يَرَوْنَهُ قَدْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ يَتَّبِعُونَهُ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ " (ش) (رجال الحديث) (أبو إسحاق) هو إبراهيم بن محمد بن الحارث بن خارجة ابن حصن بن حذيفة الكوفي. روى عن حميد الطويل والأعمش ومالك وشعبة والثورى وجماعة وعنه الأوزاعي وابن المبارك ومحمد بن كثير وطائفة. قال العجلى كان ثقة رجلا صالحا صاحب سنة وعلم وكان كثير الحديث وله فقه وقال أبو حاتم ثقة مأمون إمام وقال النسائى ثقة مأمون أحد الأئمة وقال ابن سعد كان ثقة فاضلا صاحب سنة وغزو كثير الخطأ في حديثه مات سنة إحدى وثمانين ومائة. روى له الجماعة. و (الفزارى) نسبة إلى فزارة قبيلة و (محارب بن دثار) بكسر الدال المهملة وتخفيف المثلثة بن كردوس السدوسى أبي دثار الكوفي القاضى. روى عن ابن عمر وعبد الله بن يزيد الخطمى والأسود بن يزيد وعبد الله وسفيان ابني بريدة. وعنه عطاء بن السائب وأبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان الشيباني والأعمش وشعبة وشريك وكثيرون. وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة والعجلى وأبو حاتم ويعقوب ابن سفيان والنسائى وقال ابن سعد كان من المرجئة الأولى الذين يرجئون عليا وعثمان ولا يشهدون فيهما بشيء وله أحاديث ولا يحتجون به. توفي سنة ست عشرة ومائة على ما قاله ابن قانع. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله حتى يرونه) بإثبات النون فحتى عاطفة. وفي نسخة حتى يروه بحذف نون الرفع على أنه منصوب بأن مضمرة بعد حتى. وقوله ثم يتبعونه عطف على يرونه (وفي هذا دلالة) على أن المأموم يجب عليه أن يتأخر عن الإمام في أفعال الصلاة فلا يساويه ولا يسبقه وتقدم بيانه وافيا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم

باب ما جاء في التشديد فيمن يرفع قبل الإمام أو يضع قبله

(باب ما جاء في التشديد فيمن يرفع قبل الإمام أو يضع قبله) وفي بعض النسخ باب في التشديد فيمن يرفع قبل الإمام أو يضع قبله (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «أَمَا يَخْشَى -أَوْ أَلَا يَخْشَى- أَحَدُكُمْ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ وَالْإِمَامُ سَاجِدٌ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ -أَوْ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ-» (ش) (رجال الحديث) (محمد بن زياد) القرشي الجمحى مولاهم أبى الحارث. روى عن الفضل بن عباس وعائشة وعبد الله بن الزبير وابن عمر. وعنه ابنه الحارث وخالد الحذاء وأيوب السختياني وهشام ويونس بن عبيد وشعبة وآخرون. وثقه أحمد وابن معين والترمذى والنسائى وابن جنيد وقال أبو حاتم محله الصدق. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله أما يخشى أو ألا يخشى) بالشك من الراوى. وفي رواية البخارى أما يخشى. وفي رواية الكشميهنى أَوَلَا يخشى. وأما بتخفيف الميم حرف استفتاح وأصلها ما النافية دخلت عليها همزة الاستفهام وهو للتوبيخ (قوله إذا رفع رأسه والإمام ساجد الخ) وفي رواية البخارى ومسلم إذا رفع رأسه قبل الإمام (وهو صريح) في منع تقدم المأموم على الإمام في رفع الرأس من السجود لا غير. ويلحق به الركوع لكونه في معناه. وخصّ السجود بالذكر لما فيه من مزيد المزية فإن العبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد لأنه غاية الخضوع المطلوب. ويحتمل أن يكون من باب الاكتفاء (قال في الفتح) وأما التقدم على الإمام في الخفض للركوع والسجود فقيل يلتحق به من باب الأولى لأن الاعتدال والجلوس بين السجدتين من الوسائل والركوع والسجود من المقاصد وإذا دلّ الدليل على وجوب الموافقة فيما هو وسيلة فأولى أن يجب فيما هو مقصد وقد ورد الزجر عن الخفض والرفع قبل الإمام في حديث آخر أخرجه البزار من رواية مليح بن عبد الله السعدى عن أبى هريرة مرفوعا "الذى يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان" وأخرجه عبد الرزاق من هذا الوجه موقوفا وهو المحفوظ اهـ باختصار (وقد روى) مسلم عن أنس ما يدلّ على وجوب متابعة المأموم الإمام فيما ذكر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالقعود ولا بالانصراف" وقوله أن يحوّل الله رأسه رأس حمار أو صورته صورة حمار بالشك من شعبة. ورواه الطيالسى عن حماد بن سلمة وابن خزيمة عن حماد بن زيد بلفظ الرأس ومسلم عن يونس بن عبيد بلفظ

الخلاف في تحويل صورة من سابق الإمام وفي حكم صلاته. ودواء من يريد مسابقة الإمام

صورته وعن الربيع بن مسلم بلفظ وجهه وعن محمد بن زياد بغير تردّد. والظاهر أنه من تصرف الرواة. وقال عياض هذه الروايات متفقة لأن الوجه من الرأس ومعظم الصورة فيه اهـ وخصّ وقوع الوعيد بالرأس في بعض الروايات لأن بها وقعت الجناية (واختلف) في معنى التحويل المذكور فقيل هو باق على ظاهره فيمسخه الله مسخا حسيا. ويؤيده ورود الوعيد بلفظ المستقبل "ولا يقال" ليس في الحديث ما يدل على وقوع المسخ بل غايته أن فاعل ذلك متعرّض لهذا الوعيد ولا يلزم من التعرّض للشيء وقوع ذلك الشيء "لأنه لا مانع" من وقوعه لما رواه البخارى عن أبى مالك الأشعرى رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أنه سمع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول ليكون من أمتي أقوام يستحلون الحزّ والحرير والخمر والمعازف ولينزلنّ أقوام إلى جنب علم يروح بسارحة لهم يأتيهم "يعنى الفقير" لحاجة فيقولون ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة. وقيل إن التحويل المذكور يقع يوم القيامة "ولا منافاة" بينه وبين حديث البخارى لاحتمال أن المسخ يقع لبعض في الدنيا ولآخرين في الآخرة. ويحتمل أن يراد المسخ المعنوى الذى هو طمس القلوب والبصائر فيكون القلب أعمى عن طريق الحق فلا يبصر رشده (وظاهر الحديث) يقتضى تحريم الرفع قبل الإمام لكونه توعد عليه بالمسخ وهو أشد العقوبات وإلى ذلك ذهب الجمهور من غير بطلان. قال القرطبى وغيره من خالف الإمام فقد خالف سنة المأموم وأجزأته صلاته عند الجمهور اهـ ونقل عن جماعة أنه يبطل الصلاة (فقه الحديث) دلّ الحديث على كمال شفقته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالأمة وبيانه لهم الأحكام وما يترتب عليها من الثواب والعقاب، وعلى تحريم سبق المأموم الإمام في الرفع من السجود وكذا يحرم سبقه له في غيره كما تقدم. واستدلّ به بعضهم على جواز المقارنة لكن لا دلالة فيه لأنه دلّ بمنطوقه على منع السبق وبمفهومه على المقارنة والمتابعة وتقدم ما يدلّ على النهى عن المقارنة فلم يبق إلا المتابعة. قال الحافظ ليس للتقدم قبل الإمام سبب إلا طلب الاستعجال ودواؤه أنه يستحضر أنه لا يسلم قبل الإمام أفاده في الفتح (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه والبيهقى من طريق حماد بن زيد قال ثنا محمد بن زياد عن أبى هريرة قال قال محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أما يخشى الذى يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار. ورواه أيضا من عدّة طرق (باب فيمن ينصرف قبل الإمام) أى في بيان حكم المأموم الذى ينصرف من الصلاة قبل انصراف إمامه

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، أَنَا حَفْصُ بْنُ بُغَيْلٍ الدَّهْنِيُّ، ثَنَا زَائِدَةُ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «حَضَّهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ وَنَهَاهُمْ أَنْ يَنْصَرِفُوا قَبْلَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلَاةِ» (ش) (رجال الحديث) (حفص بن بغيل) بضم الموحدة وفتح الغين المعجمة مصغرا الهمداني المرهبي الكوفي. روى عن إسراءيل وزائدة بن قدامة والثورى وزهير وداود بن نصير وعنه أبو كريب وأحمد بن بديل وعبد الرحمن بن صالح وأبو الوليد. قال ابن حزم مجهول وقال ابن القطان لا يعرف له حال وقال في التقريب مستور من التاسعة. روى له أبو داود. و (الدهني) بفتح الدال المهملة نسبة إلى الدهنا بالمدّ والقصر موضع لتميم بنجد واسم لدار الإمارة بالبصرة وموضع أمام ينبع. و (المختار بن فلفل) بضم الفاءين بينهما لام ساكنة المخزومى مولى عمرو ابن حريث. روى عن أنس والحسن البصرى وإبراهيم التيمى وعمر بن عبد العزيز وطلق بن حبيب. وعنه ابنه بكر وزائدة بن قدامة والثورى وعبد الواحد بن زياد وآخرون. وثقه أحمد وابن معين والعجلى وأبو حاتم والنسائى وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئُ كثيرا. روى له مسلم والترمذى والنسائى وأبو داود (معنى الحديث) (قوله حضهم على الصلاة الخ) أى حثهم على المحافظة على أدائها ونهاهم صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يقوموا من أماكنهم التي صلوا فيها حتى يقوم هو من مكانه. وكان صلى الله عليه وآله وسلم ينتظر في مكانه حتى ينصرف النساء اللاتي كنّ يصلين خلفه كما رواه البخارى عن أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضى تسليمه ويمكث في مقامه يسيرا قبل أن يقوم قالت فنرى والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهنّ أحد من الرجال. وكما رواه أيضا عن هند بنت الحارث أن أم سلمة أخبرتها أن النساء في عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كنّ إذا سلمن من المكتوبة قمن وثبت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله فإذا قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قام الرجال. ويحتمل أن المراد من الانصراف التسليم من الصلاة فيكون صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهاهم عن أن يسلموا قبل سلامه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي من طريق معاوية بن عمرو ثنا زائدة عن المختار ابن فلفل عن أنس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حضهم على الصلاة "الحديث"

باب فيمن ينصرف قبل الإمام

(باب جماع أبواب ما يصلى فيه) أى باب جامع للأبواب التى فيها بيان عدد الثياب التي يصلى فيها. وفي نسخة باب جماع أثواب ما يصلى فيه (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ» (ش) (القعنبى) هو عبد الله بن مسلمة. و (ابن شهاب) هو محمد بن مسلم الزهرى (قوله سئل عن الصلاة الخ) قال في الفتح لم أقف على اسم السائل لكن ذكر السرخسى في المبسوط أن السائل ثوبان اهـ: وقوله أوَلكلكم ثوبان استفهام بمعنى النفى أى ليس لكل واحد منكم ثوبان فهو صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يشير به إلى جواز الصلاة في الثوب الواحد فكأنه قال يكفى أحدكم في الصلاة ثوب واحد لأن الثوبين لا يقدر عليهما كل واحد منكم (وهذا الحديث) يدلّ على جواز الصلاة في الثوب الواحد (قال) النووى لا خلاف في هذا إلا ما حكى عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ولا أعلم صحته. وأجمعوا على أن الصلاة في ثوبين أفضل. وأما صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم في ثوب واحد ففى وقت كان لعدم ثوب آخر وفى وقت كان مع وجوده لبيان الجواز كما يأتي في رواية البخارى عن جابر بن عبد الله وفيها يا أبا عبد الله تصلى ورداؤك موضوع فقال نعم أحببت أن يرانى الجهال مثلكم. وروى ابن أبي شيبة عن وكيع عن فضيل بن غزوان عن أبى حازم عن أبى هريرة قال رأيت سبعين من أهل الصفة يصلون في ثوب فمنهم من يبلغ ركبتيه ومنهم من هو أسفل من ذلك فإذا ركع قبض عليه يخاف أن تبدو عورته وعن ابن وهب صلاة الرجل في ثوب واحد رخصة وفي ثوبين مأمور به. وذكر عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو عن الحسن قال اختلف أبيّ بن كعب وابن مسعود في الصلاة في ثوب واحد فقال أبئ لا بأس به وقال ابن مسعود إنما كان ذلك إذ كان الناس لا يجدون ثيابا فأما إذا وجدوها فالصلاة في ثوبين فقام عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ على المنبر فقال الصواب ما قال أبيّ لا ما قال ابن مسعود (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه وأحمد ورواه

كلام العلماء في الصلاة في ثوب واحد وحكمة النهي عن ذلك

البيهقي من طريق يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك فذكره. ورواه أيضا بنحوه من عدّة طرق (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَا يُصَلِّ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ» (ش) (مسدد) بن مسرهد. و (سفيان) بن عيينة. و (أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان و (الأعرج) هو عبد الرحمن بن هرمز (قوله لا يصلّ أحدكم) وفي بعض النسخ لا يصلى بإثبات الياء وهو كذلك في الصحيحين والياء فيه للإشباع أو يكون نفيا بمعنى النهى ورواه الدارقطنى في غرائب مالك من طريق عبد الوهاب بن عطاء عن مالك بلفظ لا يصلينّ بزيادة نون التوكيد ورواه الإسماعيلى من طريق الثورى عن أبى الزناد بلفظ نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله ليس على منكبيه منه شيء) وفي رواية البخارى ليس على عاتقيه شيء والمراد أنه لا يتزر به ويشدّ طرفيه على حقويه بل يتزر به ويرفع طرفيه على عاتقيه ويخالف بينهما كما في الرواية الآتية فيكون بمنزلة الإزار والرداء. والمنكبان بثنية منكب وهو مجتمع رأس العضد والكتف (والحكمة) في النهى عن الصلاة في الثوب الذى ليس على منكب المصلى منه شيء أنه لا يؤمن أن تنكشف عورته. ولأنه قد يحتاج إلى إمساكه بيديه فيشتغل بذلك وتفوته سنة وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة على صدره. ولأن فيه ترك ستر أعالى البدن (وهذا النهى) عند الجمهور للتنزيه فلو صلى في ثوب واحد ساتر لعورته ليس على عاتقه منه شيء صحت صلاته مع الكراهة، ومحله إن قدر على شيء يجعله على عاتقه وإلا فلا كراهة. واستدلوا على أن النهى للتنزيه بما رواه البخارى عن جابر وفيه فإن كان واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا قاتزر به. وسيأتى للمصنف نحوه (وقال أحمد) وبعض السلف إذا قدر على وضع شيء على عاتقه ولم يضعه لم تصح صلاته لأن النهى يقتضى الفساد. وفي رواية عن أحمد أنه تصح صلاته لكن يأثم بتركه (قال في حجة الله البالغة) اعلم أن لبس الثياب مما امتاز به الإنسان عن سائر البهائم وهو أحسن حالات الإنسان وفيه شعبة من معنى الطهارة وفيه تعظيم الصلاة وتحقيق أدب المناجاة بين يدى رب العالمين وهو واجب أصليّ جعل شرطا في الصلاة لتكميله معناها وجعله الشارع على حدّين حدّ لابدّ منه وهو شرط صحة الصلاة وحدّ هو مندوب إليه (فالأول) منه السوءتان وهو آكدهما وألحق بهما الفخذان. وفي المرأة سائر بدنها لقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لا تقبل صلاة حائض إلا بخمار يعنى البالغة لأن للفخذ محلّ الشهوة وكذا بدن المرأة

مذاهب العلماء في جعل طرفي الثوب الواحد على العاتقين في الصلاة

فكان حكمهما حكم السوءتين (والثاني) قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء وقال إذا كان واسعا فخالف بين طرفيه. والسرّ فيه أن العرب والعجم وسائر أهل الأمزجة المعتدلة إنما تمام هيئتهم وكمال زيهم على اختلاف أوضاعهم في لباس القباء والقميص والحلة وغيرها أن يستر العاتقان والظهر. وسئل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الصلاة في ثوب واحد فقال أولكلكم ثوبان ثم سئل عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فقال إذا وسع الله فوسعوا جمع رجل "الحديث" اهـ وهو جمع رجل عليه ثيابه صلى رجل في إزار ورداء في إزار وقميص في إزار وقباء في سراويل ورداء في سراويل وقميص في سراويل وقباء في تبان وقباء في تبان وقيص قال "أى أبو هريرة" وأحسبه قال في تبان ورداء رواه البخارى. والتبان بالضم والتشديد سراويل صغيرة مقدار شبر تستر العورة المغلظة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى ورواه البيهقي من طريق إسحاق بن إبراهيم أنبأ سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يصلينّ أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شئ (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، أَنَا يَحْيَى، ح وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ الْمَعْنَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي ثَوْبٍ فَلْيُخَالِفْ بِطَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ» (ش) (يحيى) القطان. و (إسماعيل) بن علية (قوله فليخالف بطرفيه على عاتقيه) أى يجعل طرفه الأيمن على عاتقه الأيسر وطرفه الأيسر على عاتقه الأيمن. والعاتق ما بين المنكب والعنق موضع الرداء يذكر ويؤنث وجمعه عواتق. وأمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بذلك ليستتر أعالى البدن التي هي من مواضع الزينة ولئلا ينظر المصلى إلى عورته إذا ركع أو يسقط عنه الثوب إذا ركع أو سجد. وهذا الأمر عند الجمهور للندب وعند أحمد للوجوب (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى وأحمد وأبو نعيم (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ «يُصَلِّي

فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُلْتَحِفًا مُخَالِفًا بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْهِ» (ش) (رجال الحديث) (عمر بن أبي سلمة) بن عبد الأسد ربيب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولد بالحبشة في السنة الثانية. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أبيه. وعنه ابنه محمد وسعيد بن المسيب وعروة ووهب بن كيسان وأبو أمامة أسعد بن سهل بن حنيف. ولى البحرين زمن على وشهد معه الجمل. مات بالمدينة سنة ثلاث وثمانين في خلافة عبد الملك بن مروان (معنى الحديث) (قوله ملتحفا مخالفا الخ) متغطيا به مخالفا بين طرفيه على الهيئة المتقدمة وهما حالان من فاعل يصلى. وفي رواية لمسلم مشتملا به واضعا طرفيه على عاتقيه. والاشتمال بمعنى الالتحاف (وفي هذا دلالة) على جواز الصلاة في ثوب واحد وجعل طرفيه على عاتقيه وهذا إذا كان واسعا فإذا كان ضيقا شدّه على وسطه كما صرح به في رواية البخارى عن جابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا صليت في ثوب واحد فإن كان واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به. وفي رواية لأحمد قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا ما اتسع الثوب فلتعاطف به على منكبيك وإذا ضاق عن ذلك فشدّ به حقويك ثم صلّ من غير رداء (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى وأحمد والترمذى والنسائى وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا مُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو الْحَنَفِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى النَبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا تَرَى فِي الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، قَالَ: فَأَطْلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِزَارَهُ طَارَقَ بِهِ رِدَاءَهُ، فاشْتَمَلَ بِهِمَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى بِنَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَنْ قَضَى الصَّلَاةَ، قَالَ: «أَوَكُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ؟ » (ش) (قوله يا نبى الله ما ترى في الصلاة الخ) أى ما الذى تعلمه في الصلاة في الثوب الواحد أهي جائزة أم لا فأطلق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إزاره أى حله وأرسله وطارق به رداءه أى جعل أحدهما على الآخر والتفّ بهما كهيئة ثوب واحد وصلى. وفي نسخة طابق به رداءه فيكون الجواب مطابقا للسؤال من قولهم طارق الرجل بين نعليه أى جعل إحداهما

باب الرجل يعقد الثوب في قفاه ثم يصلي

على الأخرى. وفي نسخة ثم طالق به رداءه باللام (قوله فصلى بنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) فعل ذلك صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تعليما للسائل بالفعل ليكون أوقع في النفس، وفيه دلالة على أنه يكفى الرجل في الصلاة ثوب واحد (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن أبى شيبة وكذا البيهقي من طريق المصنف عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن عليّ قال خرجنا مع نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفدا حتى قدمنا عليه فبايعناه وصلينا معه فجاء رجل فقال يا نبي الله ما ترى في الصلاة في الثوب الواحد فأطلق نبى الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إزاره وطارق به رداءه "الحديث" "قال البيهقي" والأحاديث التي رويناها في صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ثوب واحد متوشحا به المراد به الرّداء أو ما يشبه الرداء والله تعالى أعلم اهـ (باب الرجل يعقد الثوب في قفاه ثم يصلى) أى يعقد الإزار على قفاه. ثم يصلى فيه. وفي نسخة ويصلى (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيُّ، ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: لَقَدْ "رَأَيْتُ الرِّجَالَ عَاقِدِي أُزُرِهِمْ فِي أَعْنَاقِهِمْ مِنْ ضِيقِ الْأُزُرِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ كَأَمْثَالِ الصِّبْيَانِ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ لَا تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ حَتَّى يَرْفَعَ الرِّجَالُ" (ش) (سفيان) الثورى. و (أبو حازم) هو سلمة بن دينار (قوله لقد رأيت الخ) اللام فيه للجنس أى رأيت جماعة من الرجال عاقدين أزرهم في أعناقهم مثل الصبيان وهم يصلون خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وفي رواية البخارى كان رجال بالتنكير. وقوله عاقدى أزرهم بحذف النون للإضافة وأصله عاقدين وهو منصوب على الحال وليس منصوبا على المفعولية لأن رأى هنا بصرية لا تتعدى إلى مفعولين. والأزر بضمتين جمع كثرة لإزار يذكر ويؤنث وجمع القلة أأزرة كحمار وحمر وأحمرة. وقوله من ضيق الإزار تعليل لعقدهم أزرهم لأنها لو كانت واسعة لأمكنهم أن يعقدوها على الصدور أو يرسلوا طرفيها إذ لا يخاف منه كشف العورة حينئذ (قوله كأمثال الصبيان) وفي رواية البخارى كهيئة الصبيان أى كما يعقد الصبيان أزرهم على قفاهم (قوله فقال قائل) قال في الفتح يغلب على الظن أنه بلال اهـ والظاهر أن الذى أمره بذلك هو النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله لا ترفعن رءوسكن حتى يرفع الرجال)

باب الرجل يصلي في ثوب بعضه على غيره

وفي رواية البخارى حتى يستوى الرجال جلوسا. وإنما نهى النساء عن ذلك لئلا يبصرن شيئا من عورات الرجال عند رفع رءوسهن من السجود كما صرح بذلك في رواية أحمد عن أسماء بنت ابي بكر وسيأتى أيضا للمصنف قال فيه فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رءوسهم كراهية أن يرين عورات الرجال. وكانت الرجال تفعل ذلك لقلة الثياب عندهم (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز الاقتصار على الإزار في الصلاة، وعلى جواز نظر النساء إلى أعالى البدن من الرجال. لكن محله ما لم يكن بشهوة وإلا حرم، وعلى طلب الاحتياط في ستر العورة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى (باب الرجل يصلى في ثوب بعضه على غيره) أيجوز أم لا (ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، ثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «صَلَّى فِي ثَوْبٍ بَعْضُهُ عَلَيَّ» (ش) (أبو الوليد) هو هشام بن عبد الملك. و (زائدة) بن قدامة. و (أبو حصين) بفتح الحاء المهملة هو عثمان بن عاصم (قوله صلى في ثوب بعضه عليّ) دليل على جواز الصلاة في ثوب بعضه على المصلى وبعضه على المرأة ولو كانت حائضا لما تقدم عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى بالليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض وعليّ مرط لى وعليه بعضه. ولعلّ هذا الثوب كان رداء أو كساء واسعا حتى يمكن أن يكون عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعضه وبعضه على عائشة. ويؤخذ منه جواز وضع بعض ثوب المصلى على الرجل بالطريق الأولى (باب في الرجل يصلى في قميص واحد) (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَجُلٌ أَصِيدُ فَأُصَلِّي فِي الْقَمِيصِ الْوَاحِدِ؟ قَالَ: «نَعَمْ وَازْرُرْهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ» (ش) (رجال الحديث) (موسى بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومى. روى عن أبيه وسلمة بن الأكوع. وعنه عبد الرحمن بن أبي الموال

وعطاف بن أبى الموال وعطاف بن خالد. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من الرابعة. روى له أبو داود والنسائى (معني الحديث) (قوله إني رجل أصيد الخ) بوزن أبيع أى أصطاد. وروى أصيد بوزن أكرم (قال في النهاية) هكذا جاء في رواية إني رجل أصيد على وزن أكرم وهو الذى في رقبته علة لا يمكن الالتفات معها. والمشهور أصيد من الاصطياد اهـ ويؤيده رواية أحمد وفيها قلت يا رسول الله إني أكون في الصيد وأصلى الخ. ورواية ابن حبان قلت يا رسول الله إنى رجل أتصيد فأصلي في القميص الواحد أى من غير إزار. وهو على تقدير همزة الاستفهام وقد صرّح بها في بعض النسخ. ولعله سأله عن القميص لأنه أنسب بالصائد فإنه يحتاج لأن يكون خفيفا ليس عليه ما يشغله عن الإسراع في طلب الصيد وربما منعه الإزار من العدو خلفه (قوله وازرره ولو بشوكة) أى اشدده بشئ وإن بشوكة. وازرر أمر من زرّ يزرّ من باب نصر. وأمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يزرّ قميصه مبالغة في حصول الستر ولئلا يقع بصره على عورته حال ركوعه إذا كان جيب القميص واسعا. وفيه دلالة على جواز الصلاة في الثوب الواحد (من روى الحديث أيضا) رواه النسائى والشافعى وابن خزيمة والبيهقي وابن حبان والحاكم وكذا البخارى تعليقا ووصله في تاريخه (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي حَوْمَلٍ الْعَامِرِيِّ -قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَذَا قَالَ: وهو أَبُو حَرْمَلٍ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَمَّنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَمِيصٍ لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: «إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يُصَلِّي فِي قَمِيصٍ» (ش) (رجال الحديث) (أبو حومل) بفتج الحاء المهملة وسكون الواو. روى عن محمد بن عبد الرحمن. وعنه إسراءيل بن يونس. قال الذهبى لا يعرف. و (العامرى) نسبة إلى العامرية قرية باليمامة سميت باسم رجل اسمه عامر (قوله كذا قال وهو أبو حرمل) أى قال محمد بن حاتم بسنده عن أبي حومل بالواو والصواب أبو حرمل بالراء فتكون تسميته بأبى حومل بالواو خطأ. و (محمد بن عبد الرحمن بن أبى بكر) بن عبيد الله ابن أبى مليكة التيمى المدني. روى عن القاسم بن محمد وابن أبي مليكة. وعنه إسماعيل بن أبى أويس

باب الرجل يصلي في قيص واحد

ومسدد بن مسرهد. قال أبو زرعة وأحمد لا بأس به وقال البخارى منكر الحديث وقال النسائى والأزدى متروك الحديث وقال ابن حبان لا يحتج به وضعفه ابن معين والدارقطني. روى له أبو داود وابن ماجه (قوله عن أبيه) هو عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبيد الله بن أبي مليكة التيمى المدني. روى عن عمه عبد الله وزرارة بن مصعب وإسماعيل بن محمد وموسى بن عقبة وجماعة. وعنه ابنه محمد وإسراءيل والشافعى وابن وهب ووكيع وأبو معاوية وكثيرون قال ابن حبان ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات وقال الساجى صدوق فيه ضعف وقال النسائى متروك الحديث وقال أبو حاتم ليس بالقوى وضعفه ابن معين، روى له أبو داود وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله فلما انصرف قال إني رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى في قميص) أتى به لما سألوه عن الصلاة بغير رداء كما صرّح به في رواية البخارى عن محمد بن المنكدر قال دخلت على جابر بن عبد الله وهو يصلى في ثوب ملتحفا به ورداؤه موضوع فلما انصرف قلنا يا أبا عبد الله تصلى ورداؤك موضوع قال نعم أحببت أن يراني الجهال مثلكم رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى كذا (والحديث) يدلّ على جواز صلاة الإمام بغير رداء وهذا لا ينافي أن الصلاة بالرداء أفضل (وفصلت) المالكية فقالوا صلاة إمام المسجد وإمام القبائل بغير رداء مكروهة دون إمام غيرهما وإن كان الأفضل اتخاذ الرداء (قال في المدونة) قال مالك أكره للإمام أن يصلى بغير رداء إلا أن يكون إمام قوم في سفر أو رجلا أمّ قوما في صلاة في موضع اجتمعوا فيه أو في داره فأما إمام مسجد جماعة أو مساجد القبائل فأكره ذلك وأحبّ إليّ أن لو جعل عمامة على عاتقه إذا كان مسافرا أو صلى في داره اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى من طريق محمد بن المنكدر بنحو رواية البخارى المتقدمة (باب إذا كان ثوبا ضيقا) وفي بعض النسخ باب إذا كان الثوب بالتعريف (ص) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى بْنُ الْفَضْلِ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالُوا: ثَنَا حَاتِمٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُجَاهِدٍ أَبُو حَزْرَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: أَتَيْنَا جَابِرًا يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سِرْتُ مَعَ

رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، فَقَامَ يُصَلِّي، وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ ذَهَبْتُ أُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهَا فَلَمْ تَبْلُغْ لِي، وَكَانَتْ لَهَا ذَبَاذِبُ فَنَكَّسْتُهَا، ثُمَّ خَالَفْتُ بَيْنَ طَرَفَيْهَا، ثُمَّ تَوَاقَصْتُ عَلَيْهَا لَا تَسْقُطُ، ثُمَّ جِئْتُ حَتَّى قُمْتُ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي، حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَجَاءَ ابْنُ صَخْرٍ، حَتَّى قَامَ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَنَا بِيَدَيْهِ جَمِيعًا، حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ، قَالَ: وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَرْمُقُنِي وَأَنَا لَا أَشْعُرُ ثُمَّ فَطِنْتُ بِهِ فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنْ اتَّزِرَ بِهَا فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ: «يَا جَابِرُ»، قَالَ: قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِذَا كَانَ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ، وَإِذَا كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حِقْوِكَ» (ش) (قوله سرت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في غزوة) هي بطن بواط كما في رواية مسلم (قوله ذهبت أخالف بين طرفيها الخ) أى شرعت أخالف بين طرفي البردة على عاتقى فأجعل طرفها الأيمن على المنكب الأيسر وطرفها الأيسر على المنكب الأيمن فلم تكفني لما أردت لصغرها وكانت لها ذباذب أى أهداب واحدها ذبذب بكسر الذالين المعجمتين سميت بذلك لأنها تتذبذب أى تتحرّك على صاحبها إذا مشى (قوله فنكستها الخ) بتخفيف الكاف من باب قتل أى قلبتها وجعلت الأسفل أعلى كما ذكره بقوله ثم خالفت بين طرفيها وانحنيت وتقاصرت عليها لأمسكها بعنقى لئلا تسقط (قوله فجاء ابن صخر) هو جبار بن أمية بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدى بن تميم الأنصارى السلمى (قوله فأخذنا بيديه جميعا الخ) أى قال جابر فأخذني النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنا وجبارا وفي رواية مسلم فأخذ بأيدينا جميعا فدفعنا حتى أقامنا خلفه. والظاهر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخذ بيمينه شمال جابر وبشماله يمنى جبار وشرع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينظر إليّ نظر المنبه على الأمر المكروه. ويرمق مضارع رمق من باب قتل (قوله ثم فظنت به) أى فهمت نظره إليّ وظن من بابى قتل وتعب (قوله فأشار إليّ أن اتزر بها) وفي رواية مسلم فقال هكذا بيده يعنى شدّ وسطك بها (قوله لبيك) أى أجيبك إجابة بعد إجابة فهو مفعول لفعل محذوف وثني للتأكيد وأضيف إلى كاف الخطاب وأصله لبين لك فحذفت

باب إذا كان ثوبا ضيقا

النون واللام للإضافة (قوله فخالف بين طرفيه) أى التحف وخالف بين طرفيه على عاتقيك كما يؤخذ مما تقدم (قوله فاشدده على حقوك) بفتح الحاء المهملة وكسرها أى معقد إزارك وهو الخاصرة (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه إذا كان مع الإمام واحد يطلب منه أن يقف عن يمينه فإن وقف عن يساره حوله الإمام عن يمينه، وعلى أنه إذا صلى مع الإمام اثنان يقومان خلفه، وعلى أن الإمام إذا كان عن يمينه واحد ثم جاء آخر ووقف عن يساره ينبغي للإمام أن يدفعهما خلفه، وعلى أن العمل اليسير في الصلاة لا يفسدها ولا كراهة فيه إذا كان لحاجة، وعلى جواز النظر الخفيف في الصلاة إذا كان لحاجة، وعلى أن المصلى إذا كان عليه ثوب واحد فإن كان واسعا يخالف بين طرفيه وإن كان ضيقا ينزر به (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم وكذا البيهقي من طريق زياد بن مهران السمسار قال ثنا هارون بن معروف ثنا حاتم بن إسماعيل عن يعقوب بن مجاهد أبى حرزة عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال أتينا جابر بن عبد الله في مسجده وهو يصلى في ثوب واحد مشتملا به فتخطيت القوم حتى جلست بينه وبين القبلة فقلت يرحمك الله أتصلى في ثوب واحد وهذا إزارك إلى جنبك فقال أردت أن يدخل عليّ الأحمق مثلك فيرانى كيف أصنع فيصنع مثله فذكر حديثا طويلا وفيه قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعنى يصلى وكانت عليّ بردة "الحديث" (باب الإسبال في الصلاة) أى في بيان حكم إرسال الإزار وإرخائه في الصلاة. والإسبال جرّ الثوب وإرخاؤه في الصلاة وفي بعض النسخ إسقاط هذه الترجمة وذكر الحديثين اللذين بعدها عقيب حديث جابر بن عبد الله والصواب إثباتها كما هو في أكثر النسخ لأن الحديثين اللذين فيها غير مناسبين لترجمة حديث جابر (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا أَبَانُ، ثَنَا يَحْيَى، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يُصَلِّي مُسْبِلًا إِزَارَهُ إِذْ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ»، فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ جَاءَ، ثُمَّ قَالَ: «اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ»، فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ أَمَرْتَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ، قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ

مُسْبِلٌ إِزَارَهُ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ صَلَاةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ إِزَارَهُ» (ش) (رجال الحديث) (أبان) بن يزيد العطار. و (يحيى) بن أبى كثير (قوله عن أبي جعفر) الأنصارى المؤذن. روى عن أبي هريرة. وعنه يحيى بن أبى كثير. قال الترمذى لا يعرف اسمه وقال أبو بكر الباغندى وابن حبان إنه محمد بن على بن الحسين. قال الحافظ هذا ليس بمستقيم لأن محمد بن على لم يكن مؤذنا ولأن أبا جعفر هذا قد صرّح بسماعه من أبى هريرة في عدّة أحاديث وأما محمد بن على بن الحسين فلم يدرك أبا هريرة فتعين أنه غيره اهـ وقال في التقريب مقبول من الثالثة ومن زعم أنه محمد بن على بن الحسين فقد وهم اهـ روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه والبخاري في الأدب (معنى الحديث) (قوله بينما) ظرف متعلق بفعل محذوف يفسره المذكور يعده (قوله مسبلا إزاره إذ قال له الخ) أى مطوّلا له ومرسله أسفل من الكعبين تبخترا فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذهب فتوضأ الخ فإذ حرف أو ظرف للمفاجأة متعلق بالفعل بعده والمعنى قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين أوقات لرجل كان يصلى مسبلا إزاره اذهب فتوضأ الخ. ولعلّ السرّ في أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم له بالوضوء وهو طاهر أن يتفكر الرجل في سبب ذلك الأمر فيقف على ما ارتكبه من المخالفة وأن الله تعالى ببركة أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إياه بطهارة الظاهر يطهر باطنه من دنس الكبر لأن طهارة الظاهر تؤثر في طهارة الباطن. وأمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالوضوء ثانيا زجرا له لما فعله من إسبال الإزار. أو لأنه لم يفطن لغرضه في المرّة الأولى (قوله مالك أمرته أن يتوضأ الخ) أى والحال أنه طاهر. وفي نسخة مالك أمرته أن يتوضأ ثم سكتّ عنه فقال إنه كان يصلى وهو مسبل إزاره (وظاهر جوابه) صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه إنما أمره بإعادة الوضوء لأنه لما كان يصلى صلاة غير مقبولة والطهارة من شرائط الصلاة سرى عدم القبول إلى الطهارة أيضا فأمره بها حثا على الأكمل والأفضل (وفي الحديث) دلالة على عدم قبول صلاة مسبل الإزار. لكنه ضعيف لأنه من رواية أبى جعفر ولا يعرف كما تقدم. وعلى فرض صحته فهو منسوخ لأن الإجماع على خلافه. وهذا إنما هو في حق الرجال دون النساء كما سيأتى للمصنف (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى من طريق المصنف، وأخرجه أيضا مرسلا من طريق يحيى قال حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة أن أبا جعفر المدنى حدّثه أن عطاء

الترهيب من إرخاء الإزار في الصلاة خيلاء وكلام الفقهاء في ذلك

ابن يسار حدّثه أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حدثه قال بينما نحن مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فجعل رجل يصلى فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اذهب فتوضأ فتوضأ ثم عاد يصلى فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اذهب فتوضأ فقال رجل يا رسول الله ما شأنك أمرته أن يتوضأ ثم سكتّ عنه فقال إنى إنما أمرته أن يتوضأ أنه كان مسبلا إزاره ولا يقبل الله صلاة رجل مسبل إزاره (ص) حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أَسْبَلَ إِزَارَهُ فِي صَلَاتِهِ خُيَلَاءَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ فِي حِلٍّ وَلَا حَرَامٍ». (ش) (رجال الحديث) (زيد بن أخزم) بالخاء المعجمة والزاى الطائى أبو طالب البصرى روى عن يحيى القطان وابن مهدى ومعاذ بن هشام وأبى داود سليمان بن داود الطيالسى وأبي عامر العقدى وغيرهم. وعنه البخارى والنسائى وابن ماجة والترمذى وأبو داود وابن خزيمة وأبو حاتم وجماعة. وثقه أبو حاتم والنسائى والدارقطني وذكره ابن حبان في الثقات وقال مستقيم الحديث وقال صالح بن محمد صدوق في الرواية. توفي سنة سبع وخمسين ومائتين. و (أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله. و (أبو عثمان) عبد الرحمن بن ملّ النهدى (معنى الحديث) (قوله من أسبل إزاره الخ) أى من طوله وأرسله في الصلاة خيلاء بضم الخاء المعجمة وكسرها تكبرا وعجبا فليس عند الله جلّ ذكره في شئ ولا يعبأ به الله ولا بصلاته فهو نظير قولهم فلان لا ينفع للحلال ولا للحرام يريدون أنه ساقط من الأعين لا يلتفت إليه ولا عبرة به ولا بأفعاله. وقيل ليس في حلّ من الذنوب بمعنى لا يغفر له ولا في احترام عند الله وحفظ منه بمعنى أنه لا يحفظ من سوء الأعمال (وقال) النووى معناه لا يؤمن بحلال الله تعالى وحرامه. وقيل معناه ليس من دين الله في شيء ومعناه قد برئ من الله تعالى وفارق دينه اهـ (والحديث) يدلّ على تحريم إرخاء الإزار في الصلاة إذا كان بقصد الخيلاء (وإلى ذلك) ذهبت الشافعية والحنابلة. وإذا كان بغير قصد الخيلاء يكره عند الشافعية (وقالت) الحنابلة لا بأس به (وقالت) الحنفية إن كان بقصد الخيلاء يكره وإلا فلا (من أخرج الحديث أيضا) أخرج أبو داود الطيالسى والبيهقي نحوه عن ابن مسعود أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأى أعرابيا وعليه شملة نشر ذيلها وهو يصلى فقال له إن الذى يجرّ ذيله من الخيلاء في الصلاة ليس من الله في حل ولا حرام

باب من قال يتزر به إذا كان ضيقا

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى هَذَا جَمَاعَةٌ عَنْ عَاصِمٍ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، مِنْهُمْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَبُو الْأَحْوَصِ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ (ش) أى روى الحديث جماعة منهم حماد بن سلمة وحماد بن زيد وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير وأبو الأحوص. وغرض المصنف بهذا بيان أن الحديث روى موقوفا على ابن مسعود كما روى مرفوعا. ولم نقف على من وصل رواية هؤلاء موقوفة (باب من قال يتزر به إذا كان ضيقا) (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: أَوْ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: «إِذَا كَانَ لِأَحَدِكُمْ ثَوْبَانِ فَلْيُصَلِّ فِيهِمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا ثَوْبٌ فَلْيَتَّزِرْ بِهِ، وَلَا يَشْتَمِلْ اشْتِمَالَ الْيَهُودِ» (ش) (أيوب) بن أبى تميمة كيسان السختياني. و (نافع) مولى ابن عمر (قوله أو قال قال عمر) شك من الراوى فهو مرفوع على الأول وموقوف على الثانى (قوله إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما) هذا الأمر للندب للاتفاق على جواز الصلاة في ثوب واحد ولو كان المصلى قادرا على ثوبين ولما رواه أحمد عن أبى سعيد الخدرى قال الصلاة في الثوب الواحد سنة كنا نفعله مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا يعاب علينا فقال ابن مسعود إنما كان ذلك إذا كان في الثياب قلة فأما إذا وسع الله فالصلاة في الثوبين أزكى (قوله فليتزر به الخ) يعنى إذا كان الثوب ضيقا وإن كان واسعا فليلتحف به وليخالف بين طرفيه على عاتقيه كما تقدم ولا يشتمل اشتمال اليهود وهو أن يجلل بدنه بالثوب ويسبله من غير أن يرفع طرفه ولا يبقى منه ما تخرج منه يده (ونهى) صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عنه لئلا تعرض لمن فعله حاجة فيتعسر عليه إخراج يده فيلحقه الضرر. وهو واشتمال الصماء واحد عند البغوى وفرق بينهما غيره فجعل اشتمال اليهود ما ذكر واشتمال الصماء أن يلتحف بالثوب ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه فيصير فرجه باديا (فقه الحديث) دلّ الحديث على أفضلية الصلاة في ثوبين قميص ورداء أو قميص وإزار أو قميص وسراويل, وعلى أنه يجب على المصلى الائتزار بالثوب إذا كان ضيقا، وعلى النهى عن التشبه بأفعال الكفار (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى من طريق المصنف عن نافع قال تخلفت يوما

النهي عن الصلاة فما يحدد العورة كالبدل الإفرنجية

في علف الركاب فدخل عليّ ابن عمر وأنا أصلى في ثوب واحد فقال لى ألم تكس ثوبين قلت بلى فقال أرأيت لو بعثتك إلى بعض أهل المدينة أكنت تذهب في ثوب واحد قلت لا قال فالله أحق أن يتجمل له أم الناس ثم قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو قال عمر من كان له ثوبان فليصلّ فيهما ومن لم يكن له إلا ثوب واحد فليتزر به ولا يشتمل كاشتمال اليهود (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، ثَنَا أَبُو الْمُنِيبِ عَبْدُ اللَّهِ الْعَتَكِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي لِحَافٍ لَا يَتَوَشَّحُ بِهِ، وَالْآخَرُ أَنْ تُصَلِّيَ فِي سَرَاوِيلَ وَلَيْسَ عَلَيْكَ رِدَاءٌ» (ش) (رجال الحديث) (قوله الذهلى) نسبة إلى ذهل بضم الذال المعجمة وسكون الهاء من ربيعة أو نسبة إلى ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة. و (سعيد بن محمد) بن سعيد أبو محمد الجرمى. روى عن عبد الرحمن بن عبد الملك ويعقوب بن إبراهيم وأبي أسامة وحاتم ابن إسماعيل والمطلب بن زياد. وعنه البخارى ومسلم وأبو داود وابن ماجه وأبو زرعة وعبد الأعلى ابن واصل وجماعة. قال أحمد وابن معين صدوق ووثقه أبو داود وابن حبان. و (أبو تميلة) بالمثناة التحتية مصغرا (يحيى بن واضح) الأنصارى مولاهم المروزى. روى عن محمد بن إسحاق وفليح بن سليمان والأوزاعي وحسين بن واقد وجماعة. وعنه أحمد وإسحاق وسعيد بن يعقوب ويعقوب بن إبراهيم الدورقي وآخرون. وثقه النسائى وأحمد وابن سعد وابن معين وابن أبى خيثمة وقال صالح بن محمد ثقة في الحديث وكان محمود الرواية. روى له الجماعة. و (أبو المنيب) بفتح الميم وكسر النون (عبد الله) هكذا في أكثر النسخ. وفي بعضها عبيد الله العتكي ولعلها الصواب لأنه هكذا مصغرا في تهذيب التهذيب وهو ابن عبد الله المروزى. روى عن عكرمة وسعيد ابن جبير وعمر بن عبد العزيز. وعنه زيد بن الحباب والفضل بن موسى وأبو تميلة وعلى بن الحسن وثقه ابن معين وعباس بن مصعب والحاكم أبو عبد الله وقال العقيلي لا يتابع على حديثه وقال البخارى عنده مناكير وقال الحاكم أبو أحمد ليس بالقوى عندهم وقال ابن حبان ينفرد عن الثقات بالأشياء المقلوبات وقال البيهقي لا يحتج به. روى له مسلم وأبو داود وابن ماجه. و (العتكي) بفتح العين المهملة والمثناة الفوقية نسبة إلى عتيك فخذ من الأزد (معنى الحديث) (قوله لا يتوشح به) التوشح أن يأخذ طرف الثوب الذى ألقاه على

باب في كم تصلي المرأة

منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى ويأخذ طرف الذى ألقاه على الأيسر تحت يده اليمنى ثم يعقدهما على صدره. ونهى عن ذلك لئلا يرى المصلى عورة نفسه إذا ركع ولئلا يسقط الثوب في الركوع أو السجود. وقد جرى النووى والزهرى على أن التوشح والاشتمال واحد، وفرق الأخفش بينهما فقال إن الاشتمال أن يلتف الرجل بردائه أو كسائه من رأسه إلى قدمه ويردّ طرف الثوب الأيمن على منكبه الأيسر وعرّف التوشح بما ذكر (قوله والآخر أن يصلى في سراويل الخ) مقابل لمحذوف فكأن بريدة بن الحصيب قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمرين (أحدهما) أن يصلى في لحاف لا يتوشح به (والآخر) أن يصلى في سراويل وفى رواية البيهقى عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يصلى الرجل في لحاف لا يتوشح به، ونهى أن يصلى الرجل في سراويل وليس عليه رداء، والسراويل فارسيّ معرّب يذكر ويؤنث ويجمع على سراويلات أو هو جمع مفرده سروال أو سرولة أو سرويل بكسر السين وليس هناك فعويل غيرها. والسراوين بالنون لغة والشروال بالشين المعجمة لغة أيضا. ولعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى عن الصلاة في السراويل من غير رداء لما فيه من تحديد العورة وكشف أعالى البدن (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى بلفظ تقدّم ورواه الحاكم في المستدرك وفي إسناده أبو تميلة وأبو المنيب وفيهما مقال (باب في كم تصلى المرأة) يعني من الثياب (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قُنْفُذٍ، عَنْ أُمِّهِ، أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ مَاذَا تُصَلِّي فِيهِ الْمَرْأَةُ مِنَ الثِّيَابِ فَقَالَتْ: «تُصَلِّي فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغِ الَّذِي يُغَيِّبُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا» (ش) (رجال الأثر) (قوله محمد بن زيد) بن المهاجر (بن قنفذ) بضم القاف وسكون النون وضم الفاء ابن عمير بن جدعان القرشي التيمى. روى عن أبيه وأمه وعبد الله ابن عامر وأبي أمامة بن ثعلبة وسعيد بن المسيب ومحمد بن المنكدر. وعنه الزهرى ومالك وهشام بن سعد وابن أبى ذئب وبشر بن المفضل وآخرون. وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة وأبو داود والعجلى وقال الدارقطني يحتج به. روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن

ماجه (قوله عن أمه) هى أمّ حرام يقال اسمها آمنة. روت عن أم سلمة. وعنها ابنها محمد ابن زيد. قال الذهبي لا تعرف وقال في التقريب من الرابعة. روى لها أبو داود (معنى الاثر) (قوله ماذا تصلى فيه المرأة الخ) أي أيّ شيء تصلى فيه المرأة من الثياب فماذا اسم استفهام فقالت أمّ سلمة تصلى في الخمار بكسر الخاء المعجمة وهو ثوب تغطى به المرأة رأسا وجمعه خمر مثل كتاب وكتب. والدرع السابغ القميص الساتر لجميع بدنها مذكر ويجمع على أدراع. وقوله الذى يغيب ظهور قدميها أتت به لدفع ما يتوهم أنه يغتفر عدم تغطية ظهور القدمين. وفي نسخة الذى يغطى ظهور قدميها (من أخرج الأثر أيضا) أخرجه البيهقى والحاكم وقال صحيح على شرط البخارى (ص) حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ -بِهَذَا الْحَدِيثِ- قَالَ: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ لَيْسَ عَلَيْهَا إِزَارٌ؟ ، قَالَ: «إِذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا». (ش) (رجال الحديث) (عثمان بن عمر) بن فارس بن لقيط أبو عدى أو أبو محمد العبدى البصرى. روى عن كهمس بن الحسن وابن عون ويونس بن يزيد وابن أبي ذئب وشعبة وعلى بن المبارك وغيرهم. وعنه أحمد وإبراهيم بن يونس وأبو خيثمة وحجاج بن الشاعر والذهلى وكثيرون. وثقه أحمد وابن معين وابن سعد وقال العجلى ثقة ثبت في الحديث وقال أبو حاتم صدوق توفي سنة سبع أو ثمان ومائتين. روى له الجماعة. و (عبد الرحمن بن عبد الله يعني ابن دينار) العدوى مولى ابن عمر. روى عن أبيه وزيد بن أسلم وأبي حازم بن دينار ومحمد بن عجلان وعنه أبو النضر وأبو قتيبة وأبو على الحنفى ومسلم بن إبراهيم وأبو داود الطيالسي. ضعفه ابن معين وقال أبو حاتم فيه لين يكتب حديثه ولا يحتج به وقال ابن عدى بعض ما يرويه منكر لا يتابع عليه وهو من جملة من يكتب حديثه من الضعفاء وقال ابن المديني صدوق. روى له البخارى والترمذى والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله ليس عليها إزار) أى ليس تحت قميصها أو فوقه إزار ولا سراويل (قوله إذا كان الدرع سابغا) أى ساترا كل البدن. وهو قيد للجواب المحذوف فكأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. قال نعم تصلى إذا كان الدرع ساترا البدن (والحديث يدلّ) على أنه يجب

مذاهب العلماء فما يجب على المرأة ستره من بدنها حال الصلاة

على المرأة ستر جميع جسدها في الصلاة حتى ظهور قدميها. وإلى ذلك ذهبت الشافعية والحنابلة قالوا فلو صلت مكشوفة القدم أو شيء من الأطراف ما عدا الوجه والكفين أعادت أبدا أخذا بظاهر هذا الحديث. ويدل لهم أيضا ما رواه الترمذى وحسنه "المرأة عورة" (وذهبت) المالكية إلى وجوب ستر جميع بدنها ما عدا الصدر والأطراف فلا يشترط سترهما. قالوا وتصح صلاتها إذا كانت مكشوفة الصدر والأطراف مع الكراهة وتعيد في الوقت (وذهب أبو حنيفة) ومحمد إلى وجوب ستر جميع بدنها إلا الوجه والكفين والقدمين وقالا يغتفر كشف ما هو أقل من ربع الساق والشعر والفخذ والبطن. وعند أبى يوسف يغتفر ما هو أقل من النصف. وفى النصف عنه روايتان (قال الخطابي) اختلف الناس فيما يجب على المرأة الحرّة أن تغطى من بدنها إذا صلت فقال الشافعى والأوزاعي تغطى جميع بدنها إلا وجهها وكفيها. وروى ذلك عن ابن عباس وعطاء. وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها. وقال أحمد بن حنبل تصلى المرأة ولا يرى منها شيء ولا ظفرها. وقال مالك بن أنس إذا صلت المرأة وقد انكشف شعرها أو ظهر قدمها تعيد مادامت في الوقت. وقال أصحاب الرأى في المرأة تصلى وربع شعرها أو ثلثه مكشوف أو ربع فخذها أو ثلثه مكشوف أو ربع بطنها أو ثلثه مكشوف فإن صلاتها تنقص. وإن انكشف أقل من ذلك لم تنقص. وبينهم اختلاف في تحديده. ومنهم من قال بالنصف ولا أعلم لشئ مما ذهبوا إليه في التحديد أصلا يعتمد. وفي الخبر دليل على صحة قول من لم يجز صلاتها إذا انكشف من بدنها شيء ألا تراه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول إذا كان سابغا يغطي ظهور قدميها فجعل من شرط جواز صلاتها أن لا يظهر من أعضائها شيء اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى والحاكم وفي إسناده عبد الرحمن بن عبد الله ابن دينار وفيه مقال (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَبَكْرُ بْنُ مُضَرَ، وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَصَرُوا بِهِ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (ش) غرض المصنف بهذا بيان أن الحديث روى موقوفا كما روى مرفوعا وأن أكثر الرواة رووه موقوفا على أم سلمة ولم يرفعه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا عبد الرحمن بن عبد الله قال الحافظ في التلخيص وقفه هو الصواب اهـ وعلى أنه موقوف

باب المرأة تصلي بغير خمار أقوال الأئمة في الفرق بين عورة الحرة والأمة

فهو في حكم المرفوع لأن هذا مما ليس للرأى فيه مجال. وهذه التعاليق أخرجها البيهقي بسنده إلى بحر بن نصر قال قرئَ على ابن وهب أخبرك مالك وابن أبى ذئب وهشام بن سعد وغيرهم أن محمد بن زيد القرشي حدثهم عن أمه أنها سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ماذا تصلى فيه المرأة من الثياب فقالت في الخمار والدرع السابغ الذى يغيب ظهور قدميها. وكذلك رواه بكر بن مضر وحفص بن غياث وإسماعيل بن جعفر ومحمد بن إسحاق عن محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة موقوفا اهـ (باب المرأة تصلى بغير خمار) وفي بعض النسخ باب ما جاء في المرأة تصلى بغير خمار (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ، قَالَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ». (ش) (رجال الحديث) (صفية بنت الحارث) بن طلحة بن أبي طلحة العبدى. روت عن عائشة. وعنها قتادة بن دعامة ومحمد بن سيرين. قال في التقريب صحابية وذكرها ابن حبان في ثقات التابعين. روى لها أبو داود والترمذى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) وفي بعض النسخ لا تقبل صلاة حائض. أى لا تصح صلاة المرأة البالغة سنّ الحيض إلا بخمار فأراد بنفى القبول نفى الصحة وبه قال جماعة. وأراد بالحائض من بلغت سنّ الحيض لا الحائض بالفعل لأنها لا تجب عليها الصلاة أيام حيضها باتفاق. وقال آخرون لا يقبل الله صلاة حائض أى قبولا كاملا (واستدل) بهذا الحديث الظاهرية في التسوية بين الحرة والأمة في العورة لعموم ذكر الحائض (وفرق الجمهور) بينهما جعلوا عورة الأمة ما بين السرّة والركبة كالرجل (والحجة لهم) في ذلك ما تقدم للمصنف عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفيه وإذا زوّج أحدكم خادمه عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرّة وفوق الركبة (وما رواه) البيهقي في باب عورة الأمة بسنده إلى ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا بأس أن يقلب الرجل الجارية إذا أراد أن يشتريها وينظر إليها ما خلا عورتها، وعورتها ما بين ركبتها إلى معقد إزارها اهـ ومفهوم الحديث أن صلاة الصغيرة بدون خمار صحيحة

(فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يجب على المرأة ستر رأسها حال الصلاة. وتقدم بيانه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والترمذى وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم والبيهقي ورواه الطبرانى في الصغير والأوسط من حديث أبى قتادة بلفظ لا يقبل الله من امرأة صلاة حتى توارى زينتها ولا من جارية بلغت الحيض حتى تختمر (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ سَعِيدٌ يَعْنِي ابْنَ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ (ش) ساق المصنف هذه الرواية لبيان أنه قد اختلف على قتادة بن دعامة في هذا الحديث فرواه عنه حماد بن سلمة متصلا بذكر عائشة ورواه عنه سعيد بن أبى عروبة عن الحسن البصرى مرسلا بإسقاط عائشة. والحسن لم يدرك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ورواية سعيد هذه أخرجها البيهقي والحاكم في المستدرك من طريق عبد الوهاب بن عطاء قال أنبأنا قتادة عن الحسن عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا تقبل صلاة الحائض إلا بخمار (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، أَنَّ عَائِشَةَ، نَزَلَتْ عَلَى صَفِيَّةَ أُمِّ طَلْحَةَ الطَّلَحَاتِ فَرَأَتْ بَنَاتٍ لَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ وَفِي حُجْرَتِي جَارِيَةٌ، فَأَلْقَى إلَيَّ حَقْوَهُ، وَقَالَ لِي: «شُقِّيهِ بِشُقَّتَيْنِ فَأَعْطِي هَذِهِ نِصْفًا وَالْفَتَاةَ الَّتِي عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ نِصْفًا، فَإِنِّي لَا أَرَاهَا إِلَّا قَدْ حَاضَتْ، أَوْ لَا أُرَاهُمَا إِلَّا قَدْ حَاضَتَا» (ش) (محمد) بن سيرين (قوله نزلت على صفية الخ) أى في قصر عبد الله بن خلف بالبصرة عقب وقعة الجمل وكنت بأم طلحة مضافا إلى الطلحات لأنه كان في أجداده جماعة يسمى كل منهم بطلحة (قوله فرأت بنات لها) وفي بعض النسخ فرأت بناتا لها. ولعلها رأتهن بلغن سنّ الحيض كاشفات رءوسهن فذكرت الحديث للتعليم (قوله وفي حجرتي جارية) أى شابة وكانت مولاة لها (قوله فألقى إليّ حقوه) وفي نسخة فألقى لى حقوه تعنى إزاره لأن الحقو في الأصل موضع شدّ الإزار ثم توسعوا فيه حتى سموا الإزار حقوا تسمية للحالّ باسم المحل (قوله وقال لى شقيه بشقتين الخ) أى اقطعيه قطعتين فأعطى جاريتك هذه نصف الإزار وأعطي الشابة التى عند أم سلمة

باب السدل في الصلاة

النصف الآخر ليختمرا به فإني لا أظنهما إلا قد بلغتا سنّ الحيض (والحديث صريح) في أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أعطى عائشة الإزار لتجعله بين جاريتها وجارية أم سلمة. وروى ابن ماجه عن عائشة أيضا أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخل عليها فاختبأت مولاة لها فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حاضت فقالت نعم فشق لها من عمامته وقال اختمرى بهذا. وهو صريح في أن الشق كان للعمامة لا للخمار وأنه كان لجارية عائشة لا غير. ولا تنافي بينهما لاحتمال تعدّد القصة (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن البنت إذا بلغت يجب عليها ستر جميع بدنها في الصلاة وغيرها إلا ما استثناه الشارع من الوجه والكفين (من أخرج الحديث أيضا) أخرج ابن ماجه نحوه عن قتادة عن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ هِشَامٌ، عَنِ محمد ابْنِ سِيرِينَ (ش) أى روى هذا الحديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين كما رواه أيوب عنه ولم نقف على من أخرج هذا التعليق (باب السدل في الصلاة) أى في بيان حكم السدل في الصلاة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ، عَنْ عَطَاءٍ -قَالَ إِبْرَاهِيمُ-: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنِ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ». (ش) (رجال الحديث) (ابن المبارك) هو عبد الله. و (سليمان الأحول) هو ابن أبى مسلم المكي. روى عن سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وطاوس وطارق بن شهاب وغيرهم. وعنه شعبة وابن عيينة وحسين المعلم وابن جريج وآخرون. وثقه الحميدى وابن معين وأبو حاتم وأبو داود والنسائى والعجلى وابن وضاح. روى له الجماعة (قوله قال إبراهيم الخ) أى قال إبراهيم في موسى أحد شيخى المصنف في روايته عن أبي هريرة. فهو بمفهومه يدلّ على أن رواية محمد بن العلاء بخلاف رواية إبراهيم بن موسى فيحتمل أن يكون محمد بن العلاء روى الحديث

مذاهب العلماء في ذلك

مرسلا لم يذكر أبا هريرة. ويحتمل أن يكون رواه موقوفا على أبى هريرة (قال) الترمذى حديث أبى هريرة لا نعرفه من حديث عطاء عن أبى هريرة مرفوعا إلا من حديث عسل بن سفيان اهـ ولكن المصنف أخرج هذا الحديث عن سليمان الأحول عن عطاء عن أبى هريرة مرفوعا وتابع عسلا عامر الأحول قال سألت عطاء عن السدل فكرهه فقلت أعن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال نعم قال البيهقي وهذا الإسناد وإن كان منقطعا ففيه قوة للموصلين قبله اهـ (معنى الحديث) (قوله نهى عن السدل في الصلاة) السدل أن يلتحف بثوبه ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد وهو كذلك وكانت اليهود تفعله. وهذا مطرد في القميص وغيره من الثياب. وقيل هو أن يضع وسط الإزار على رأسه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفيه أفاده في النهاية (وقال الخطابى) السدل إرسال الثوب حتى يصيب الأرض اهـ وعلى ما قاله فالسدل والإسبال واحد (وقال أبو عبيد) السدل إسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه بين يديه فإن ضمهما فليس بسدل (وقال ابن الهمام) هو يصدق على أن يكون المنديل مرسلا من كتفيه كما يعتاده كثير فينبغى لمن على عنقه منديل أن يضعه عند الصلاة ويصدق أيضا على لبس القباء من غير إدخال اليدين في كميه اهـ (وقال السيوطى) الأرجح في تفسير السدل القول الثاني من القولين اللذين حكاهما صاحب النهاية وهو الذى اختاره البيهقى والهروى في الغريب وجزم به من أصحابنا أبو إسحاق في المهذب والشاشى وصاحب البيان ومن الحنفية صاحب الهداية والينابيعى والزاهدى والزيلعى وغيرهم. ومن الحنابلة موفق الدين بن قدامة في المغني اهـ (قال في اليل) لا مانع مما حمل الحديث على جميع هذه المعانى إن كان السدل مشتركا بينها. وحمل المشترك على جميع معانيه هو المذهب القوى. وقال العراقى يحتمل أن يراد بالسدل سدل الشعر في الصلاة اهـ لكن لا وجه له لما سيأتي للمصنف من ذمّ عقص الشعر في الصلاة (والحكمة) في النهى عن السدل في الصلاة أنه يشبه صنع اليهود. وأخرج الخلال في العلل وأبو عبيد في الغريب من رواية عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن أبيه عن على أنه خرج فرأى قوما يصلون وقد سدلوا ثيابهم فقال كأنهم اليهود وخرجوا من قهرهم "والقهر بضم القاف وسكون الهاء موضع مدارسهم الذى يجتمعون فيه" (قوله وأن يغطى الرجل فاه) أى ونهى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن تغطية الرجل فمه في الصلاة لأنه يشبه فعل المجوس حال عبادتهم النار (فقه الحديث) والحديث يدل على تحريم سدل الثوب في الصلاة (وكرهه ابن عمر) ومجاهد وإبراهيم النخعى والثورى في الصلاة وغيرها (وقال جابر) وعطاء والحسن وابن سيرين ومكحول والزهرى لا بأس به (قال في النيل) وأنت خبير بأنه لا موجب للعدول عن التحريم إن صح الحديث لعدم وجدان صارف له عن ذلك اهـ وتقدّم بيان بعض ذلك في حديث الإسبال

باب الصلاة في شعر النساء

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الحاكم من طريق سليمان الأحول وقال صحيح على شرط الشيخين وأخرجه الترمذى والبيهقى وقالا فيه ما علمته ورواه الطبراني في الأوسط عن سعيد ابن أبي عروبة عن عامر الأحول عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا وأخرجه ابن ماجه مقتصرا فيه على النهى عن تغطية الفم (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ عِسْلٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنِ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ» (ش) أتى به المصنف لبيان أن الحديث روى مسندا مرفوعا من طريق عسل عن عطاء كما رواه سلميان الأحول عنه وأن سليمان الأحول تفرّد بزيادة قوله وأن يغطى الرجل فاه. و (عسل) بكسر العين وسكون السين المهملتين هو ابن سفيان التميمي اليربوعي أبو قرة البصرى. روى عن ابن أبي مليكة وعطاء بن أبي رباح. وعنه الحمادان وروح بن عبادة. ضعفه ابن معين وقال ابن عديّ قليل الحديث وهو مع ضعفه يكتب حديثه وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئُ ويخالف على قلة روايته وقال البخارى عنده مناكير وقال الحاكم ليس بالمتين عندهم وقال أبو حاتم منكر الحديث وقال يعقوب بن سفيان ليس بمتروك ولا هو حجة. روى له أبو داود والترمذى. ورواية عسل هذه ضعفها الإمام أحمد وقال عسل بن سفيان غير محكم الحديث وقد ضعفه الجمهور اهـ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ، ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ عَطَاءً يُصَلِّي سَادِلًا». (ش) أتي به المصنف لبيان أن عطاء كان يفعل خلاف ما روى ولعله كان يرى ضعف الحديث أو ترجح عنده جواز السدل فعمل عليه (وقد وافق) عطاء على جواز السدل جماعة. وفي بعض النسخ تقديم هذه العبارة على قوله قال أبو داود رواه عسل الخ وفي بعضها عقب هذا الأثر زيادة "قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَذَا يُضَعِّفُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ" أى فعل عطاء هذا يضعف الحديث المروى عنه (باب الصلاة في شعر النساء) الشعر بضمتين جمع شعار الثوب الذى يلي الجسد

باب الرجل يصلي عاقصا شعره

(ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا الْأَشْعَثُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يُصَلِّي فِي شُعُرِنَا أَوْ لُحُفِنَا»، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: شَكَّ أَبِي (ش) هذه الترجمة والحديث بسنده ومتنه قد تقدّما في آخر كتاب الطهارة وزيد في هاهنا في بعض النسخ بعد قوله عن عبد الله بن شقيق لفظ عن شقيق وهذه الزيادة غلط أو سهو من الناسخ فإنه قد روى الترمذى هذا الحديث عن عبد الله بن شقيق عن عائشة في باب كراهة الصلاة في لحف النساء وكذلك المصنف لم يذكره فيما مرّ من هذا الباب وكذلك لم يذكره النسائى فيما أخرج هذا الحديث من كتاب اللباس. وفي بعض النسخ إسقاط هذا الباب هنا وهى أولى (باب الرجل يصلى عاقصا شعره) أى في بيان حكم من يصلى وشعره ملوىّ. فعقص الشعر ليه وإدخال أطرافه في أصوله يقال عقصت المرأة شعرها عقصا إذا فعلت به ذلك (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ رَأَى أَبَا رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَام وَهُوَ يُصَلِّي قَائِمًا وَقَدْ غَرَزَ ضُفُرَهُ فِي قَفَاهُ فَحَلَّهَا أَبُو رَافِعٍ، فَالْتَفَتَ حَسَنٌ إِلَيْهِ مُغْضَبًا فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ: أَقْبِلْ عَلَى صَلَاتِكَ وَلَا تَغْضَبْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «ذَلِكَ كِفْلُ الشَّيْطَانِ» يَعْنِي مَقْعَدَ الشَّيْطَانِ، يَعْنِي مَغْرِزَ ضُفُرِهِ (ش) (رجال الحديث) (عبد الرزاق) بن همام. و (عمران بن موسى) بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموى. روى عن عمر بن عبد العزيز وسعيد المقبرى. وعنه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من السابعة (قوله عن أبيه) هو أبو سعيد المقبرى اسمه كيسان مولى أم شريك. روى عن عمر وعلى وأبى هريرة وأبى سعيد الخدرى. وعنه ابنه سعيد وثابت بن قيس وعبد الملك بن نوفل وحميد بن زياد. ذكره ابن سعد

أقوال الأئمة في ذلك

في الطبقة الأولى من أهل المدينة وقال الواقدى كان ثقة كثير الحديث وقال في التقريب مقبول من الثانية. توفي سنة مائة كما قال الواقدى وقال ابن سعد توفي في خلافة الوليد بن عبد الملك قال الحافظ في تهذيب التهذيب وزعم الطحاوى في المشكل أنه مات سنة خمس وعشرين ومائة وهو وهم منه فإن ذاك تاريخ وفاة ابنه سعيد وحاول الطحاوى بذلك إنكار سماعه من أبى رافع ومن الحسن بن على. ولا إنكار في ذلك لأن البخارى قد جزم بأن أبا سعيد سمع من عمر. ولو صح ما قال الطحاوى لكان عمر أبي سعيد أكثر من مائة وعشرين سنة وهذا لم يقله أحد اهـ روى له الجماعة. و (أبو رافع) هو إبراهيم أو أسلم (معنى الحديث) (قوله مرّ بحسن بن على) وفي رواية ابن ماجه مر بالحسن بن على ابن أبي طالب (قوله وقد غرز ضفره في قفاه) وفي رواية الترمذى وقد عقص ضفره في قفاه والضفر بضمتين جمع ضفيرة وهى الخصل من الشعر. ويحتمل أن يكون بفتح الضاد وسكون الفاء مصدرا بمعنى المضفور يقال ضفرت الشعر ضفرا من باب ضرب جعلت كل ضفيرة على حدة بثلاث طاقات فما فوقها (قوله فالتفت حسن إليه مغضبا) بصيغة اسم المفعول أى حال كونه غضبان عليه من فعله ذلك (قوله فإني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول ذلك كفل الشيطان الخ) تعليل لنهيه إياه عن الغضب أى غرز الشعر المضفور حظ الشيطان ونصيبه من صلاة المصلى. والكفل في الأصل الكساء يدار حول سنام البعير حفظا للراكب عن السقوط ولهذا فسره المصنف بقوله يعنى مقعد الشيطان أى محل قعوده. وقوله يعنى مغرز ضفره تفسير لاسم الإشارة والمراد أن محل غرز الشعر هو مقعد الشيطان ومحلّ سروره لأن من استرسل شعره وسقط على الأرض عند السجود يثاب عليه والشعر المعقوص لم يسجد مع صاحبه فينقص ثوابه فيسرّ الشيطان لذلك (قال الخطابى) وإنما أمره بإرسال الشعر ليسقط على الموضع الذى يصلى فيه صاحبه من الأرض فيسجد معه وقد روى أمرت أن أسجد على سبعة آراب وأن لا أكفّ شعرا ولا ثوبا اهـ وروى ابن أبى شيبة في مصنفه بإسناد صحيح عن عبد الله بن مسعود أنه دخل المسجد فرأى فيه رجلا يصلى عاقصا شعره فلما انصرف قال عبد الله إذا صليت فلا تعقص شعرك فإن شعرك يسجد معك ولك بكل شعرة أجر فقال الرجل إني أخاف أن يتترّب فقال تتريبه خير لك (والحديث يدل) على ذم وكراهة صلاة الرجل معقوص الشعر وبه قالت الشافعية والحنفية والحنابلة سواء أتعمده للصلاة أم لا (وقال مالك) محل الكراهة إذا فعل ذلك للصلاة (وحكى) ابن المنذر الإعادة فيه عن الحسن البصرى. قال النووى والأول هو الذى يقتضيه إطلاق الأحاديث الصحيحة وهو ظاهر النقل عن الصحابة اهـ (وكره) عقص الشعر جماعة من الصحابة منهم عمر وعثمان وعلى وحذيفة وابن عمر وأبو هريرة وابن عباس وابن مسعود ومن

باب الصلاة في النعل

التابعين إبراهيم النخعي. والكراهة مختصة بالرجال دون النساء لأن شعرهن عورة يجب ستره في الصلاة فإذا نقضته استرسل وربما تعذر ستره فيؤدى إلى بطلان صلاتها (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الترمذى عن عمران بن موسى وقال حسن وأخرجه ابن ماجه عن مخول بن راشد قال سمعت أبا سعيد يقول رأيت أبا رافع مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد رأى الحسن بن على وهو يصلي وقد عقص شعره فأطلقه وقال نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يصلى الرجل وهو عاقص شعره. ورواه الطبراني وعبد الرزاق في مصنفه بلفظ نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يصلى الرجل ورأسه معقوص (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ بُكَيْرًا، حَدَّثَهُ أَنَّ كُرَيْبًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي، وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ، فَقَامَ وَرَاءَهُ، فَجَعَلَ يَحُلُّهُ وَأَقَرَّ لَهُ الْآخَرُ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: مَا لَكَ وَرَأْسِي، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّمَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ» (ش) (ابن وهب) هو عبد الله. و (بكير) هو ابن عبد الله بن الأشج (قوله ورأسه معقوص) أى مفتول والجملة حال من فاعل يصلى (قوله فقام ورائه الخ) أى قام ابن عباس خلف عبد الله بن الحارث وشرع يحل شعره واستقرّ ابن الحارث لما فعله ومكنه ولم يتحرّك فلما فرغ من صلاته قال لابن عباس ما شأنك ورأسي فقال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول إنما مثل الذى يصلى وهو عاقص شعره مثل من يصلي وهو مكتوف أى مربوطة يداه بحبل ونحوه ومشدودة إلى خلفه وهو اسم مفعول من كتف من باب ضرب وروى ابن أبى شيبة من طريق زيد بن أسلم عن أبان بن عثمان قال رأى عثمان رجلا يصلى وقد عقد شعره فقال يا ابن أخى مثل الذى يصلى وقد عقص شعره مثل الذى يصلى وهو مكتوف (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم وأحمد والنسائى (باب الصلاة في النعل) أتجوز أم لا، وفي بعض النسخ باب ما جاء في الصلاة في النعل

استحباب وضع المصلي نعليه عن يساره إذا لم يكن فيه أحد ومشروعية تطويل القراءة في صلاة الفجر.

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «يُصَلِّي يَوْمَ الْفَتْحِ وَوَضَعَ نَعْلَيْهِ عَنْ يَسَارِهِ» (ش) (رجال الحديث) (يحيى) القطان. و (ابن سفيان) هو عبد الله أبو سلمة المخزومى مشهور بكنيته. روى عن عبد الله بن السائب وأبى أمية بن الأخنس. وعنه محمد بن عباد ويحيى بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز. قال أحمد ثقة مأمون وقال في التقريب ثقة من الرابعة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه. و (عبد الله بن السائب) بن أبى السائب صيفي بن عائذ بن عبد الله ابن عمر بن مخزوم المحزومى أبى السائب أو أبى عبد الرحمن المكي. له ولأبيه صحبة. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه عبد الله بن عمرو وابن عمه عبد الله بن المسيب بن أبي السائب العائذى وأبو سلمة بن سفيان وعبيد المكي وعطاء وكثيرون. كان قارئ أهل مكة وقرأ عليه مجاهد وغيره. سكن مكة ومات بها في إمارة ابن الزبير وصلى عليه ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم. روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله يوم الفتح) أى فتح مكة (قوله ووضع نعليه عن يساره) دليل على أن المصلى يجعل نعليه عن يساره. وهو محمول على ما إذا لم يكن على يسار المصلى أحد فلا ينافي ما سيأتي للمصنف ورواه ابن ماجه عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ألزم نعليك قدميك فإن خلعتهما فاجعلهما بين رجليك ولا تجعلهما عن يمينك ولا عن يمين صاحبك ولا من ورائك فتؤذى من خلفك (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن من آداب المصلى أن يصون يمينه عن الأقذار وأن يجعل نعليه عن يساره إذا كان وحده (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وابن ماجه وأبو بكر بن أبى شيبة (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَأَبُو عَاصِمٍ، قَالَا: أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ سُفْيَانَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُسَيِّبِ الْعَابِدِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ الصُّبْحَ بِمَكَّةَ فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى إِذَا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ -أَوْ ذِكْرُ مُوسَى وَعِيسَى ابْنُ عَبَّاد يَشُكُّ أَوِ اخْتَلَفُوا- أَخَذَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ سَعْلَةٌ فَحَذَفَ فَرَكَعَ» وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ حَاضِرٌ لِذَلِكَ (ش) (رجال الحديث) (عبد الله بن المسيب) بن أبى السائب بن صيفى بن عابد ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم. روى عن ابن عمه عبد الله بن السائب وعمر وابن عمر. وعنه محمد ابن عباد وابن أبي ميكة. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق من كبار الثالثة ووهم من ذكره في الصحابة. روى له مسلم وأبو داود. مات سنة بضع وستين. و (العابدى) نسبة إلى عابد وهو جده الأعلى (قوله وعبد الله بن عمرو) المحزومي العابدى الحجازى وليس هو بابن العاصى فما وقع في بعض طرق مسلم فيه عن عبد الله بن عمرو بن العاصى فهو وهم كما في تهذيب التهذيب. روى عن عبد الله بن السائب. وعنه أبو سلمة بن سفيان. روى له مسلم وأبو داود (معنى الحديث) (قوله صلى بنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) أى عام الفتح كما صرح بذلك في رواية النسائى (قوله فاستفتح سورة المؤمنين الخ) أى افتتح قراءة سورة قد أفلح المؤمنون بعد الفاتحة حتى إذا وصل في قراءته إلى ذكر موسى وهارون. فذكر منصوب على المفعولية. ويحتمل أن يكون مرفوعا على الفاعلية. والمراد بذكر موسى قوله تعالى {ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون} الآية (قوله أو ذكر موسى وعيسى) وهو قوله تعالى {ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون * وجعلنا ابن مريم وأمه آية} (قوله ابن عباد يشك أو اختلفوا) الظاهر أن قائل هذا عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج أى يقول ابن جريج إن هذا الشك وقع من محمد بن عباد أو اختلف شيوخه أبو سلمة وعبد الله بن المسيب وعبد الله بن عمرو فقال بعضهم حتى إذا جاء صلى الله عليه وآله وسلم ذكر موسى وهارون وقال بعضهم حتى إذا جاء ذكر موسى وعيسى. وعليه فلا شك في الرواية. وفي مسند أحمد قال روح محمد بن عباد يشك واختلفوا عليه. ولا منافاة بينهما لأن ابن عباد من تلاميذه ابن جريج وروح فرواه أبو داود من طريق الأول ورواه أحمد من طريق الثاني (قوله أخذت النبى صلى الله عليه وآله وسلم سعلة الخ) وفي رواية ابن ماجه أصابته شرقة. والسعلة بفتح السين أو ضمها وسكون العين المهملتين وفي القاموس السعلة بضم السين حركة تدفع بها الطبيعة أذى عن الرّئة والأعضاء التي تتصل بها اهـ وقال ابن الملك هو صوت يكون من وجع الحلق واليبوسة فيه اهـ وإنما أخذته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السعلة من البكاء عند تدبر القصة فلم يتمكن من إتمام

الخلاف في الاقتصار على بعض السورة في الصلاة

السورة فحذف أى ترك القراءة وركع. وقوله وعبد الله بن السائب حاضر لذلك. فيه إظهار في مقام الإضمار وكان القياس أن يقول وأنا حاضر. وأتى به عبد الله بعد قوله في الحديث صلى بنا لتقوية ما ذكره (وهذا الحديث) والذى قبله واحد والأول مختصر والثانى مطوّل فلا يقال ليس في الحديث ذكر النعل فلا يكون مطابقا للترجمة. ويؤيده رواية أحمد والنسائى عن عبد الله بن السائب قال حضرت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الفتح فصلى في قبل الكعبة فخلع نعليه فوضعهما عن يساره فافتتح سورة المؤمنين فلما جاء ذكر موسى أو عيسى عليهما الصلاة والسلام أخذته سعلة فركع (فقه الحديث) دلّ الحديث على استحباب تطويل القراءة في صلاة الصبح. وعلى جواز قطع قراءة السورة في الصلاة لعارض. وعلى جواز قراءة بعض السورة في الصلاة باتفاق من غير كراهة إذا كان لحاجة فإذا كان لغير حاجة فالجمهور على أنه خلاف الأولى وهو رواية عن مالك والمشهور عنه الكراهة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى تعليقا وأخرجه مسلم والنسائى وابن ماجه مختصرا عن عبد الله بن السائب بلفظ قرأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في صلاة الصبح بالمؤمنين فلما أتى على ذكر عيسى أصابته شرقة فركع (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيد، عَنْ أَبِي نَعَامَةَ السَّعْدِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ صَلَاتَهُ، قَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَائكم نِعَالَكُمْ»، قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السلام أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا" وَقَالَ: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ: فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا". (ش) (رجال الحديث) (قوله عن أبى نعامة) البصرى اسمه عبد ربه وقيل عمرو روى عن عبد الله بن الصامت وأبي نضرة المنذر بن مالك ومطرّف بن عبد الله وشهر

مذاهب العلماء فيمن علم بالنجاسة وهو في الصلاة

ابن حوشب. وعنه أيوب وأبو عامر الخزّاز ومبارك بن فضالة وشعبة وحماد بن سلمة. قال أبو نعيم ثقة وقال الدارقطنى بصرى صالح وقال أبو حاتم لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات. روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى. و (السعدى) نسبة إلى سعد موضع قريب من المدينة أو نسبة إلى السعدية موضع منسوب إلى بني سعد بن الحارث بن ثعلبة (معنى الحديث) (قوله بينما) تقدّم أنه ظرف متعلق بفعل محذوف يفسره المذكور بعد إذ (قوله ألقوا نعالهم الخ) تأسيا به صلى الله عليه وآله وسلم فقال لهم ما الذى حملكم على إلقاء نعالكم. وهو استفهام حقيقى (قوله أخبرني أن فيهما قذرا) أى نجاسة. وفي نسخة فأخبرنى أن فيهما قذرا أو قال أذى بالشك من الراوى (قوله فليمسحه الخ) دليل على أن النعل إذا أصابته نجاسة يطهر بالدلك والتراب. وتقدّم بيان ذلك مستوفي في باب الأذى يصيب النعل من كتاب الطهارة (والأمر) فيه للإباحة بدليل ما سيأتى بعد من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلى حافيا ومنتعلا. ومن قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذ بهما أحدا ليجعلهما بين رجليه أو ليصلّ فيهما. ولما رواه ابن أبى شيبة بإسناده إلى عبد الرحمن بن أبى ليلى أنه قال "صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نعليه وصلى الناس في نعالهم فخلع نعليه فخلعوا فلما صلى قال من شاء أن يصلى في نعليه فليصل ومن شاء أن يخلع فليخلع" (وممن كان) يلبس النعل في الصلاة من الصحابة عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وعويمر بن ساعدة وأنس بن مالك وسلمة بن الأكوع وأوس الثقفى. ومن التابعين سعيد بن المسيب والقاسم وعروة بن الزبير وسالم بن عبد الله وعطاء بن يسار وعطاء بن أبى رباح ومجاهد وطاوس وشريح القاضى وأبو مجلز وأبو عمرو الشيبانى والأسود بن يزيد وإبراهيم النخعى وإبراهيم التيمى وعلى بن الحسين وابنه أبو جعفر (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن الصلاة لا تبطل بطروّ علم النجاسة فيها. وبه قالت الحنابلة في أشهر القولين عندهم إذا أزالها عقب العلم بها بعمل قليل وإلا بطلت. وهو مذهب الشافعى في القديم وفي الجديد تبطل وهو مشهور المذهب (وقالت المالكية) ببطلان الصلاة عند العلم بها إلا إذا كانت في أسفل نعل فخلعها. وتقدّم تمام هذا في باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب في آخر كتاب الطهارة. ودلّ الحديث أيضا على تعليمه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الأمة كيف يصنعون في النجاسة التي يعلمونها وهم في الصلاة. وعلى أن مسح النعل في التراب مطهر له من النجاسة، وعلى إباحة الصلاة في النعلين إذا كانتا طاهرتين. وعلى أن العمل اليسير في الصلاة لا يبطلها (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الحاكم وكذا الطحاوى عن عبد الله بن مسعود قال خلع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نعليه وهو يصلى فخلع من خلفه فقال ما حملكم على خلع نعالكم قالوا رأيناك خلعت فخلعنا فقال إن جبريل عليه السلام أخبرني أن في إحداهما قذرا

الترغيب في مخالفة اليهود وإباحة الصلاة في النعلين إذا كانتا طاهرتين

فخلعتهما لذلك فلا تخلعوا نعالكم (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا أَبَانُ، ثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِهَذَا قَالَ: «فِيهِمَا خَبَثًا»، قَالَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ: «خَبَثًا» (ش) (قوله بهذا) أى بحديث حماد بن زيد (قوله قال فيهما خبثا) أى قال أبان بن يزيد العطار في روايته فإن رأى فيهما خبثا بدل قول حماد في الرواية السابقة فإن رأى في نعليه قذرا. والخبث بفتحتين النجس وبضم فسكون مصدر خبث الشيء خبثا من باب قرب خلاف طاب والمراد هنا الأول (قوله قال في الموضعين خبثا) أى قال أبان خبثا في الموضعين وهما قوله أخبرني أن فيهما قذرا وقوله فإن رأى في نعليه قذرا. وفي بعض النسخ قال فيهما خبث بدون ألف ولعله خطأ من النساخ (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ هِلَالِ بْنِ مَيْمُونٍ الرَّمْلِيِّ، عَنْ يَعْلَى بْنِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ، وَلَا خِفَافِهِمْ» (ش) (رجال الحديث) (يعلى بن شدّاد بن أوس) بن ثابت الأنصارى الخزرجى النجارى أبى ثابت. روى عن أبيه وعبادة بن الصامت وأم حرام ومعاوية. وعنه ابنه عبد الرحمن وسليمان بن عبد الله وهلال ابن ميمون وعيسى بن سنان. قال ابن سعد كان ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق من الثالثة. روى له أبو داود وابن ماجه (قوله عن أبيه) هو شداد بن أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام أبو يعلى. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن كعب الأحبار. وعنه ابناه يعلى ومحمد ومحمود بن الربيع ومحمود بن لبيد وبشير بن كعب وآخرون. كان عالما حليما فقد روى ابن أبي خيثمة من حديث عبادة بن الصامت قال شداد بن أوس من الذين أوتوا العلم والحلم وكانت له عبادة واجتهاد في العمل. مات سنة ثمان وخمسين وهو ابن خمس وسبعين سنة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله خالفوا اليهود الخ) أى فصلوا في نعالكم وخفافكم. وقوله فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم. تعليل للأمر بمخالفة اليهود. وكانوا يتركون الصلاة في النعال لأنهم كانوا يرون أن الصلاة فيها منافية للتعظيم. ولأنهم كانوا يأتمون بموسى عليه الصلاة والسلام حيث قيل له {اخلع نعليك إنك بالواد المقدّس طوى} فنهينا عن التشبه بهم وأمرنا أن

الكلام في صفة تطهير النعل إذا أصابته نجاسة

نصلى في خفافنا ونعالنا إن كانا طاهرين (والأمر) فيه للإباحة لما تقدم عن ابن أبى شيبة وفيه أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من شاء أن يصلى في نعليه فليصل ومن شاء أن يخلع فليخلع لأن التخيير والتفويض إلى المشيئة دليل الإباحة (فقه الحديث) دلّ الحديث على إباحة الصلاة في الخفاف والنعال. ومحله إذا كانت طاهرة (قال ابن بطال) هو من الرخص كما قال ابن دقيق العيد لا من المستحبات لأن ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب من الصلاة وهو وإن كان من ملابس الزينة إلا أن ملامسة الأرض التى تكثر فيها النجاسات قد تقصر عن هذه الرتبة. وإذا تعارضت مراعاة مصلحة التحسين التي هي من جلب المصالح ومراعاة إزالة النجاسة التي هى من باب دفع المفاسد قدّم دفع المفاسد إلا أن يرد دليل بإلحاقه بما يتجمل به فيرجع إليه ويترك هذا النظر اهـ من الفتح ببعض تصرّف (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الحاكم وابن حبان في صحيحه (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «يُصَلِّي حَافِيًا وَمُنْتَعِلًا» (ش) (قوله عن أبيه) هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصى (قوله عن جدّه) أى جدّ شعيب وهو عبد الله أو جدّ عمرو بن شعيب الأعلى (قوله يصلى حافيا ومنتعلا) أى يصلى حال كونه خالعا نعليه عن رجليه ولابسهما تارة أخرى. وحاف اسم فاعل من حفى يحفى من باب تعب مشى بغير نعل ولا خفّ فهو حاف وجمعه حفاة مثل قاض وقضاة. ومنتعل اسم فاعل من انتعل أى لبس النعل (وفي هذا دلالة) على إباحة الصلاة بالنعل وبدونه. وهو من الأحاديث الصارفة للأمر بالصلاة في النعل في الحديث السابق من الوجوب إلى الإباحة. ومما تقدم تعلم أن الصلاة في النعل مشروعة وأن مسحها بالتراب مطهر لها على ما فيه من الخلاف. ومحله إذا كانت الطرقات يغلب عليها الطهارة والجفاف (قال القاضى عياض) الصلاة في النعل رخصة مباحة فعلها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم وذلك ما لم تعلم نجاسة النعل فإن علمت وكانت تجاسة متفقا عليها كالدم لم يطهرها إلا الماء. وإن كانت مختلفا فيها كأرواث الدوابّ وأبوالها ففى تطهيرها بالدلك بالتراب عندنا قولان. وأطلق الأوزاعى والثورى إجزاء الدلك (وقال أبو حنيفة) لا يجزئُ في البول ورطب الروث إلا الغسل (وقال الشافعى) لا يطهر شيئا من ذلك إلا الماء (واختلف عندنا) فيما أصاب الرجل من المختلف فيه هل يكفى فيه الدلك

باب المصلي إذا خلع نعليه أين يضعهما

بالتراب. وبالإجزاء قال الثورى. وبعدمه قال أبو يوسف، وفي الصلاة في النعل حمل الجلد على الطهارة ما لم يتعين أنها ميتة أو جلد خنزير (واختلف العلماء) فيهما إذا كانا مدبوغين. وفيه حمل الطرقات والتراب على الطهارة حتى تتيقن النجاسة اهـ (باب المصلى إذا خلع نعليه أين يضعهما) (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا صَالِحُ بْنُ رسْتَمَ أَبُو عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَا يَضَعْ نَعْلَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَا عَنْ يَسَارِهِ، فَتَكُونَ عَنْ يَمِينِ غَيْرِهِ، إِلَّا أَنْ لَا يَكُونَ عَنْ يَسَارِهِ أَحَدٌ، وَلْيَضَعْهُمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ» (ش) (رجال الحديث) (صالح بن رستم) بضم الراء وفتح المثناة الفوقية وقد تضمّ (أبو عامر) الخزّاز البصرى. روى عن أبى قلابة وحميد بن هلال والحسن البصرى وعكرمة ويحيى بن أبى كثير وغيرهم. وعنه أبو داود الطيالسي ومعتمر والنضر بن شميل ويحيى القطان وسعيد بن عامر الضبعى وأبو نعيم وكثيرون. وثقه أبو بكر البزّار ومحمد بن وضاح وقال الحاكم والدارقطنى ليس بالقوى وقال ابن عدى عزيز الحديث وقال أبو حاتم شيخ لكن حديثه لا يحتجّ به. توفي سنة اثنتين وخمسين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والترمذى وابن ماجه والنسائى والبخارى في الأدب. و (عبد الرحمن بن قيس) العتكي أبى روح البصرى. روى عن يحيى بن يعمر وابن أبي رافع وطلحة بن عبد الله ويوسف بن ماهك. وعنه عبد الرحمن بن مهدى ويحيى القطان ووهب بن جرير وأبو عامر الخزّاز. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من السادسة ووثقه ابن معين. روى له أبو داود. و (يوسف بن ماهك) بفتح الهاء غير مصروف ابن مهران الفارسى المكي مولى قريش. روى عن أبى هريرة وعائشة وحكيم بن حزام وابن عباس وابن عمرو وغيرهم. وعنه ابن جريج وعطاء بن أبى رباح وحميد الطويل وعمرو بن مرّة ويعلى بن حكيم وآخرون. وثقه النسائى وابن معين وابن خراش وابن سعد وذكره ابن حبان في الثقات. قيل مات سنة عشرة ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله إذا صلى أحدكم الخ) أى إذا أراد الصلاة فلا يضع نعليه جهة يمينه

ونهى عن ذلك لأن جهة اليمين معظمة فتصان عن القاذورات. وقوله ولا عن يساره أى ولا يضعهما عن يساره لما في ذلك من الإيذاء لغيره إن كان على يساره أحد فإن لم يكن عن يساره أحد فيضعهما جهة اليسار حينئذ لعدم المحذور (قوله وليضعهما بين رجليه) أى إن كان عن يساره أحد. والمراد أنه يضعهما أمام القدمين فيكونان بين الساقين حال الجلوس والسجود. ويحتمل أن المراد أن يجعلهما تحت صدره وقبل مكان سجوده (فقه الحديث) دلّ الحديث على شرف الجهة اليمنى، وعلى أنه ينبغى حفظها من النجاسات وعلى نهى من أراد الصلاة عن أن يضع نعليه على يساره إن كان به أحد بل يضعهما أمام قدميه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الحاكم وكذا البيهقي من طريق المصنف (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ، ثَنَا بَقِيَّةُ، وَشُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَلَا يُؤْذِ بِهِمَا أَحَدًا، لِيَجْعَلْهُمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَوْ لِيُصَلِّ فِيهِمَا» (ش) (رجال الحديث) (عبد الوهاب بن نجدة) الحوطى الجبلى. روى عن بقية بن الوليد ابن صائد وإسماعيل بن عياش والوليد بن مسلم وعيسى بن يونس وشعيب بن إسحاق وجماعة. وعنه أبو زرعة وسلمة بن شبيب وابن أبي خيثمة وعمران بن بكار وآخرون. وثقه ابن قانع وابن أبى عاصم ويعقوب بن الحمصى وقال في التقريب ثقة من العاشرة. توفي سنة اثنتين وثلاثين ومائتين. روى له أبو داود والنسائى (قوله عن أبيه) هو أبو سعيد كيسان المقبرى (معنى الحديث) (قوله إذا صلى أحدكم الخ) أى إذا أراد الصلاة فخلع نعليه فلا يضعهما في مكان يترتب عليه أذى لغيره بل ليجعلهما بين رجليه إن كان عن يساره أحد أو ليصلّ فيهما إن كانا طاهرين. وأو للتخيير. ولم يقل أو خلفه لئلا يقعا أمام غيره أو لئلا يذهب خشوعه من خشية ضياعهما (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي والحاكم من طريق الأوزاعى أيضا مرفوعا بلفظ إذا صلى أحدكم فليخلع نعليه بين رجليه أو ليصل فيهما وأخرجه أيضا من طريق آخر عن أبى هريرة بلفظ إذا صلى أحدكم فليلبس نعليه أو ليخلعهما بين رجليه ولا يؤذ بهما غيره

باب الصلاة على الخمرة

(باب الصلاة على الخمرة) وفي بعض النسخ باب ما جاء في الصلاة على الخمرة. وهى وزان غرفة وتقدم أنها مقدار ما يضع عليه الرجل وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة خوص ونحوه من النبات يجعلها المصلى تحت جبهته لتقيه من الحرّ والبرد وتطلق أيضا على الكبير من نوعها وهو المراد في الحديث (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَنَا خَالِدٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، حَدَّثَتْنِي مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «يُصَلِّي وَأَنَا حِذَاءَهُ وَأَنَا حَائِضٌ وَرُبَّمَا أَصَابَنِي ثَوْبُهُ إِذَا سَجَدَ وَكَانَ يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ» (ش) (خالد) بن عبد الله الواسطى. و (الشيباني) هو أبو إسحاق سليمان بن أبى سليمان (قوله وربما أصابني ثوبه إذا سجد) فيه دلالة على أن وقوع ثوب المصلى على الحائض لا يضرّ بصلاته (قوله وكان يصلى على الخمرة) فيه دلالة على جواز السجود على الخمرة (قال) ابن بطال لا خلاف بين فقهاء الأمصار في جواز الصلاة على الخمرة إلا ما روى عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يؤتى بالتراب فيوضع على الخمرة فيسجد عليه. ولعله كان يفعله على جهة المبالغة في التواضع والخشوع فلا يكون فيه مخالفة للجماعة اهـ وسيأتي بسط الكلام على السجود على غير الأرض في الباب الذى بعده (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم بلفظ المصنف من طريق ميمونة وأخرجه ابن ماجه والبيهقي عنها وأخرجه الترمذى عن ابن عباس بلفظ كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى على الخمرة (باب الصلاة على الحصير) وفي بعض النسخ باب ما جاء في الصلاة على الحصير (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، ثَنَا أَبِي، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَجُلٌ ضَخْمٌ وَكَانَ ضَخْمًا، لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُصَلِّيَ مَعَكَ، وَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا وَدَعَاهُ إِلَى بَيْتِهِ، فَصَلِّ حَتَّى أَرَاكَ كَيْفَ تُصَلِّي فَأَقْتَدِيَ بِكَ،

«فَنَضَحُوا لَهُ طَرَفَ حَصِيرٍ كَانَ لَهُمْ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ»، قَالَ فُلَانُ بْنُ الْجَارُودِ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَكَانَ يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: لَمْ أَرَهُ صَلَّى إِلَّا يَوْمَئِذٍ (ش) (قوله حدثنا أبى) هو معاذ بن معاذ. و (شعبة) بن الحجاج (قوله قال رجل من الأنصار) قيل هو عتبان بن مالك (قوله إني رجل ضخم) أى عظيم الجسم غليظه يقال ضخم الشئ بالضم من باب ظرف وضخامة عظم فهو ضخم والجمع ضخام مثل سهم وسهام (قوله وكان ضخما إلخ) هو من قول أنس معترض بين الصفة والموصوف وأتى به للإشارة إلى تأكد الخبر. وقوله لا أستطيع الخ صفة ثانية لرجل معللة بالصفة الأولى فكأنه قال إنى رجل لا أستطيع الصلاة معك في المسجد جماعة لأنى ضخم (قوله فصلّ الخ) عطف على محذوف أى دعاه إلى بيته فأتاه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال له صلّ يا رسول الله حتى أراك تصلى فأصلى مثل صلاتك فرشوا له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم طرف حصير لهم. وفعلوا ذلك ليلين الحصير أو لتتحقق طهارته. ويحتمل أن النضح بمعنى الغسل فيكون لنجاسة محققة كما تقدّم (قوله قال فلان الخ) لفظ فلان كناية عن اسم ابن الجارود وهو عبد الحميد بن المنذر بن الجارود كما صرح به في رواية ابن أبي شيبة قال حدثنا ابن علية عن ابن عون عن أنس بن سيرين عن عبد الحميد بن المنذر بن الجارود عن أنس قال صنع بعض عمومتي طعاما للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال أحب أن تأكل في بيتي وتصلى فيه قال فأتاه وفي البيت فحل من تلك الفحول فأمر بجانب منه فكنس ورشّ فصلى وصلينا معه اهـ "والفحل بفتح الفاء وسكون الحاء المهملة حصير يتخذ من ذكر النخل" (قوله أكان يصلى الضحى الخ) أى أكان من عادته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة في هذا الوقت فقال أنس لم أره صلى الله عليه وآله وسلم يصلى في هذا الوقت إلا في هذا اليوم. وفي نسخة لم أره صلى إلا يومئذ (فقه الحديث) دلّ الحديث على استحباب صنع الطعام لأولى الفضل. وعلى طلب إجابة الدعوة. لكن محله إذا لم يكن مانع، وعلى جواز الصلاة على الحصير. وعلى جواز ترك الجماعة في المسجد لعذر يشقّ معه الحضور إليها (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى وابن أبي شيبة وابن ماجة وابن حبان (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ الذَّارِعُ، حَدَّثَني قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «كَانَ يَزُورُ أُمَّ سُلَيْمٍ فَتُدْرِكُهُ الصَّلَاةُ أَحْيَانًا

استحباب الصلاة على الفروة المدبوغة

فَيُصَلِّي عَلَى بِسَاطٍ لَنَا» وَهُوَ حَصِيرٌ نَنْضَحُهُ بِالْمَاءِ (ش) (رجال الحديث) (المثنى بن سعيد الذّرّاع) الضبعى القسام البصرى. روى عن قتادة وأبى المتوكل وأبى مجلز وأبى التياح وجماعة. وعنه وكيع ويزيد بن زريع وابن علية وابن مهدى وأبو قتيبة وكثيرون. وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والعجلى وأبو داود وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان يخطئُ. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله كان يزور أم سليم) هي أم أنس وكانت من محارمه كما تقدّم (قوله فتدركه الصلاة أحيانا) المراد من هذه الصلاة النوافل التي تصلى قبل الفرائض لأنه صلى الله عليه وآله وسلم ما كان يصلى الفرائض إلا جماعة في المسجد. أو المراد بها صلاة الضحى وقد صرح بأن الصلاة كانت تطوّعا في حديث أنس المتقدم في باب الرجلين يؤمّ أحدهما صاحبه كيف يقومان (قوله وهو حصير) بيان للمراد من البساط لأنه يطلق على الحصير وغيره والبساط ما يبسط ويفرش. وتقدّم بشرح الحديث وافيا وكذا من أخرجه (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، بِمَعْنَى الْإِسْنَادِ وَالْحَدِيثِ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «يُصَلِّي عَلَى الْحَصِيرِ وَالْفَرْوَةِ الْمَدْبُوغَةِ» (ش) (رجال الحديث) (قوله بمعنى الإسناد والحديث) أى حدّث عثمان بن أبى شيبة أبا داود حديثا بمعنى حديث عبيد الله بن عمر بن ميسرة وإسناده. و (أبو أحمد) هو محمد ابن عبد الله (قوله عن أبى عون) هو محمد بن عبيد الله بن سعيد. روى عن أبيه وجابر بن سمرة وسعيد بن جبير وعبد الله بن شداد وآخرين. وعنه الأعمش وأبو حنيفة ومسعر وشعبة والثورى والمسعودى. وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائى وابن حبان وابن سعد. مات سنة ست عشرة ومائة. روى له الشيخان وأبو داود والنسائى والترمذى (قوله عن أبيه) هو عبيد الله بن سعيد الثقفي الكوفي. روى عن المغيرة بن شعبة. وعنه ابنه أبو عون. قال أبو حاتم مجهول وقال في التقريب مجهول من السادسة وذكره ابن حبان في الثقات في أتباع التابعين وقال يروى المقاطيع (معنى الحديث) (قوله كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى على الحصير الخ) فيه دلالة على جواز الصلاة على الحصير والفروة من غير كراهة. ويلحق بهما ما في معناهما

مذاهب العلماء في السجود على غير الأرض

مما يفرش سواء أكان من حيوانا أم نبات. وحكاه الترمذى عن أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم وهو قول أحمد والأوزاعي والشافعي وإسحاق وجمهور الفقهاء. والحديث وإن كان ضعيفا لأنه من رواية عبيد الله بن سعيد وفيه جهالة لكن صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الحصير وغيره ثابتة من طرق كثيرة صحيحة عند الجماعة وغيرهم (وكره الصلاة) على غير الأرض جماعة من التابعين. فقد روى ابن أبى شيبة في المصنف عن سعيد بن المسيب ومحمد ابن سيرين أن الصلاة على الطنفسة محدثة (وعن جابر) بن زيد أنه كان يكره الصلاة على كل شيء من الحيوان ويستحب الصلاة على كل شيء من نبات الأرض (وعن عروة) بن الزبير أنه كان يكره أن يسجد على شيء دون الأرض (وقالت المالكية) بكراهة السجود على ما فيه رفاهية كالبسط بخلاف الحصير لكن تركه أولى. قال في المدونة وكان مالك يكره أن يسجد الرجل على الطنافس وبسط الشعر والثياب والأدم وكان يقول لا بأس أن يقوم عليها ويركع عليها ويقعد عليها ولا يسجد عليها ولا يضع كفيه. وكان لا يرى بأسا بالحصير وما أشبهها مما تنبت الأرض أن يسجد عليها وأن يضع كفيه عليها قال وقال مالك لا يسجد على الثوب إلا من حرّ أو برد كتانا كان أو قطنا اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبيهقى (باب الرجل يسجد على ثوبه) وفي بعض النسخ باب ما جاء في الرجل يسجد على ثوبه (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، ثَنَا بِشْرٌ يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضَّلِ، ثَنَا غَالِبٌ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ وَجْهَهُ مِنَ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ» (ش) (رجال الحديث) (غالب القطان) هو ابن خطاف بن أبى غيلان أبو سليمان مولى ابن كرير أو بنى تميم. روى عن محمد بن سيرين وسعيد بن جبير والأعمش وبكر بن عبد الله المزني وعمرو ابن شعيب ومالك بن دينار وآخرين. وعنه شعبة وابن علية وسلام بن أبى مطيع وخالد بن عبد الرحمن وغيرهم. وثقه أحمد وابن معين والنسائى وقال أبو حاتم صدوق صالح. روى له الجماعة

أقوال الفقهاء في ذلك

(معنى الحديث) (قوله في شدّة الحرّ) أتى به لبيان العلة في بسط الثوب في السجود (قوله فإذا لم يستطع أحدنا الخ) فيه إشارة إلى أن مباشرة الأرض عند السجود هى الأصل لأنه علق بسط الثوب على عدم الاستطاعة. وقوله بسط ثوبه فسجد عليه دليل على جواز سجود المصلى على ثوبه المتصل به لاتقائه حر الأرض وكذا بردها وبه قال أبو حنيفة والجمهور "ولا يعارض" هذا ما رواه الحاكم والبيهقي عن حديث خباب بن الأرتّ قال شكونا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا "لأن الشكاية" كانت لتأخير الصلاة حتى يبرد الحرّ لا لأجل السجود على حائل إذ لو كان كذلك لأذن لهم بالحائل (وقال الشافعى) لا يجوز السجود على الثوب المتصل بالمصلى. وقال إذا تحرك بحركته بطلت صلاته وإذا لم يتحرك فيه وجهان الصحيح أنها تصح. وحمل الثوب في الحديث على المنفصل عن المصلى (وأيده البيهقي) بما رواه الإسماعيلى بلفظ فيأخذ أحدنا الحصى في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه قال فلو جاز السجود على شيء متصل به لما احتاجوا إلى تبريد الحصى اهـ لكن هذا غير مسلم لاحتمال أن يكون الذى كان يبرد الحصى لم يكن في ثوبه فضلة يسجد عليها بعد ستر عورته "وحمل الشافعى" الثوب على المنفصل "خلاف الظاهر" لأن المتبادر من الإضافة الثوب المتصل بالمصلى ويؤيده ما رواه ابن أبى شيبة من طريق عكرمة عن ابن عباس أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى في ثوب يتقى بفضوله حر الأرض وبردها وهذا إذا كان السجود على الثوب لحاجة فإذا كان لغير حاجة فاتفقوا على الكراهة (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز العمل القليل في الصلاة لمصلحتها، وعلى جواز سجود المصلى على ثوبه المتصل به، وعلى طلب مراعاة الخشوع في الصلاة لأن صنيعهم هذا كان لإزالة التشويش العارض من حرارة الأرض ونحوها (قال ابن دقيق العيد) الحديث يقتضى تقديم الظهر في أول الوقت مع الحر ويعارضه ما قدمناه في أمر الإبراد على ما قيل فمن قال إن الإبراد رخصة فلا إشكال عليه لأن التقديم حينئذ يكون سنة والإبراد جائز ومن قال إن الإبراد سنة فقد ردّد بعضهم القول في أن يكون التقديم في شدة الحرّ منسوخا أو يكون على الرخصة. ويحتمل عندى أن لا يكون ثمة تعارض لأنا إن جعلنا الإبراد إلى حيث يبقى ظل يمشى فيه إلى المسجد أو إلى ما زاد على الذراع فلا يبعد أن يبقى مع ذلك حرّ يحتاج معه إلى بسط الثوب فلا يقع تعارض (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والترمذى (باب تسوية الصفوف) وفي بعض النسخ باب ما جاء في تسوية الصفوف. وفي بعضها تفريع أبواب الصفوف

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، ثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشَ عَنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَة فِي الصُّفُوفِ الْمُقَدَّمَةِ، فَحَدَّثَنَا عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَلَّ وَعَزَّ»، قُلْنَا وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟ ، قَالَ: «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْمُقَدَّمَةَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» (ش) (رجال الحديث) (زهير) بن معاوية (قوله عن حديث جابر بن سمرة الخ) أى عن الحديث المروى عن جابر في شأن الصفوف المقدمة في الصلاة. ولعل زهيرا سمع هذا الحديث ممن لا يثق به فسأل عنه الأعمش ليتثبته. و (تميم بن طرفة) بفتح الطاء المهملة وسكون والراء الكوفي. روى عن جابر بن سمرة وعدى بن حاتم والضحاك بن قيس. وعنه عبد العزيز بن رفيع وسماك بن حرب والمسيب بن رافع. قال العجلى تابعى ثقة ووثقه النسائى وابن سعد وقال كان قليل الحديث وقال أبو داود ثقة مأمون وقال الشافعى مجهول. توفي سنة ثلاث أو أربع وتسعين. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله ألا تصفون الخ) بفتح المثناة الفوقية وضم الصاد أو بضم التاء وفتح الصاد مبنيا للمفعول. وفي رواية مسلم خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال مالى أراكم رافعى أيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكنوا في الصلاة ثم خرج علينا فرآنا حلقا فقال مالى أراكم عزين "أى متفرّقين" ثم خرج علينا فقال ألا تصفون كما تصفّ الملائكة عند ربهم. وهي عندية لا يعلمها إلا الله تعالى أو عند قيامهم لطاعة ربهم. أو عند عرش ربهم فهو على حذف مضاف (قوله يتمون الصفوف المقدمة الخ) وفي رواية مسلم وابن ماجه يتمون الصفوف الأول أى لا يشرعون في صف حتى يكمل الذى قبله ويتراصون في الصف من رصصت البناء رصا من باب قتل إذا ألصقت بعضه ببعض أى يتلاصقون فيه حتى لا يكون بينهم فرج. ويؤخذ منه أن تلاصق بعضهم ببعض وتضامهم يستلزم تسوية صفوفهم وهذا وجه مناسبة الحديث الترجمة (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه ينبغى للإمام مراعاة المأمومين وحثهم على ما هو خير لهم، وعلى استحباب إتمام الصفوف الأول، وعلى استحباب تلاصق المصلين بعضهم ببعض في الصف. وسيأتى له مزيد إن شاء الله تعالى (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد ومسلم والنسائى وابن ماجه والبيهقى

الترهيب من اعوجاج الصفوف ومذاهب الأئمة في حكم تسويتها

(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْجُدَلِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ» ثَلَاثًا، «وَاللَّهِ لَتُقِيمُنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ» قَالَ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَرُكْبَتَهُ بِرُكْبَةِ صَاحِبِهِ وَكَعْبَهُ بِكَعْبِهِ (ش) (رجال الحديث) (قوله عن أبي القاسم) هو حسين بن الحارث الكوفي. روى عن ابن عمر والنعمان بن بشير وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب. وعنه أبو مالك الأشجعي وزكرياء ابن أبى زائدة وشعبة وعطاء بن السائب. قال ابن المديني معروف وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق من الثالثة. و (الجدلى) بفتح الجيم والدال المهملة نسبة إلى جديلة قيس (معنى الحديث) (قوله أقبل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الناس بوجهه الخ) يعنى بعد إقامة الصلاة لما رواه البخارى ومسلم عن أنس قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقبل علينا بوجهه قبل أن يكبر فيقول تراصوا واعتدلوا ولما رواه البخارى عن أنس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بوجهه فقال أقيموا صفوفكم أى عدّلوها وسوّوها من أقام العود إذا عدله وسواه (وظاهره) أن تسوية الصفوف في الصلاة واجبة للأمر والوعيد الشديد المؤكد بالقسم على تركها وإلى ذلك ذهب ابن حزم مستدلا بحديث الباب. وبما روى عن عمر أنه ضرب قدم أبى عثمان النهدى لإقامة الصفّ. وبما صح عن سويد بن غفلة قال كان بلال يسوى مناكبنا ويضرب أقدامنا في الصلاة وقال ما كان عمر وبلال يضربان على ترك غير واجب (وذهب الجمهور) إلى أن إقامة الصفوف في الصلاة سنة بل ادعى بعضهم الإجماع على ذلك وقالوا إن الأمر والوعيد المذكورين من باب التغليظ والتشديد تأكيدا وتحريضا على تسوية الصفوف وتعديلها. وأما ضرب عمر وبلال الناس على تركه فلا يدلّ على الوجوب لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة. وروى عن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أنه كان يوكل رجالا بإقامة الصفوف فلا يكبر حتى يخبر أن الصفوف قد استوت. وروى عن على وعثمان أنهما كانا تعهدان ذلك ويقولان استووا. وكان على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يقول تقدم يا فلان وتأخر يا فلان (قوله أو ليخالفن الله بين قلوبكم) أو هنا لأحد الشيئين لأن الواقع أحد الأمرين إما المخالفة

بين القلوب وإما إقامة الصفوف والمراد بالمخالفة بين القلوب إيقاع العداوة والبغضاء بينهم فيتغير بعضهم على بعض لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن. وفي هذا من اللطائف وقوع الوعيد من جنس الجناية (قوله يلزق منكبه الخ) بضم الياء من ألزق أى يلصقه والمراد منه المبالغة في تعديل الصفوف وسدّ خللها والكعب العظم الناتئ في جانبي الرجل عند ملتقى الساق والقدم لأنه هو الذى يمكن إلصاقه خلافا لمن ذهب إلى أن المراد به مؤخر القدم. قال الحافظ وهو قول شاذ ينسب إلى بعض الحنفية ولم يثبته محققوهم اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على الحث على تسوية الصفوف في الصلاة. وعلى الزجر عن المخالفة فيها بالتقدّم والتأخر (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبيهقي والدارقطني (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يُسَوِّينَا فِي الصُّفُوفِ كَمَا يُقَوَّمُ الْقِدْحُ حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنْ قَدْ أَخَذْنَا ذَلِكَ عَنْهُ، وَفَقِهْنَا أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ بِوَجْهِهِ إِذَا رَجُلٌ مُنْتَبِذٌ بِصَدْرِهِ، فَقَالَ: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» (ش) (حماد) بن سلمة (قوله كما يقوّم القدح حتى ظنّ الخ) بكسر القاف وسكون الدال وهو خشب السهم إذا برى وأصلح قبل أن يركب فيه الريش والنصل. وفي رواية مسلم كان يسوّى صفوفنا حتى كأنما يسوّى بها القداح، والغرض من التشبيه المبالغة في تسوية الصفوف لأن القدح لا يصلح لما يراد منه إلا بعد انتهائه في الاستواء، فهو يدل على أنه كان يسوى الصفوف تسوية تامة واستمرّ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الحث على تسويتها إلى أن ظنّ أنا قد فهمنا عنه ترك ذلك ثم أقبل يوما بوجهه فإذا رجل خارج عن الصفّ بصدره فقال لتسوّن صفوفكم الخ وفي رواية مسلم فقال عباد الله لتسوّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم. وهو نظير ما تقدّم من الوعيد فيمن رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار فقيل إن المخالفة على حقيقتها بأن يجعل الله الوجوه جهة القفا أو هو محمول على المجاز والمراد أنه يوقع بينهم العداوة والبغضاء كما تقدّم (قال في حجة الله البالغة) والنكتة في خصوص مخالفة الوجوه أنهم أساءوا الأدب في إسلام الوجه لله فجوزوا في العضو الذى أساءوا به أو اختلفوا صورة بالتقدّم والتأخر

فجوزوا بالاختلاف معنى اهـ (وقال) القرطبى معناه تفترقون فيأخذ كل واحد وجها غير الذى يأخذه صاحبه لأن تقدّم الشخص على غيره مظنة الكبر المفسد للقلب الداعي للقطيعة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد ومسلم والنسائى والترمذى وأخرجه ابن ماجه عن النعمان بن بشير قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسوى الصفّ حتى يجعله مثل الرمح أو القدح قال فرأى صدر رجل ناتئا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سوّوا صفوفكم. أو ليخالفنّ الله بين وجوهكم وأخرجه البيهقي بنحوه (ص) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، وَأَبُو عَاصِمِ بْنُ جَوَّاسٍ الْحَنَفِيُّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ الْيَامِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَتَخَلَّلُ الصَّفَّ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَى نَاحِيَةٍ يَمْسَحُ صُدُورَنَا وَمَنَاكِبَنَا وَيَقُولُ: «لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ» وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الْأُوَلِ» (ش) (رجل الحديث) (أبو عاصم) هو أحمد (بن جواس) بفتح الجيم وتشديد الواو (الحنفى) الكوفي. روى عن ابن المبارك وعبد الله بن إدريس وأبى معاوية وأبي بكر بن عياش. وعنه مسلم وأبو داود وأبو زرعة وبقيّ بن مخلد وقال لم يحدّث إلا عن ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة من العاشرة. مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين و (طلحة) هو ابن مصرّف بن عمرو (اليامى) نسبة إلى يام قبيلة من اليمن (معنى الحديث) (قوله يتخلل الصف الخ) أى يدخل بين الصفوف ويسويها مبتدئا من جانب ومنتهيا إلى الجانب الآخر فأل في الصفّ للجنس ويؤيده رواية النسائى عن البراء قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتخلل الصفوف من ناحية إلى ناحية ويمسح صدورنا ومناكبنا أى يمرّ يده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على صدورنا ومناكبنا لتمام تسوية الصفوف حتى لا يتقدّم أحد ولا يتأخر. والجملة عطف على جملة يتخلل بحذف العاطف أو حال من فاعل يتخلل (قوله لا تختلفوا فتختلف قلوبكم) أى لا تختلفوا بأبدانكم بالتقدّم والتاخر فيتسبب عنه اختلاف قلوبكم فتنشأ بينكم العداوة والبغضاء "ولا يقال" إن ظاهر الحديث أن القلب تابع للأعضاء فإذا اختلفت الأعضاء اختلف القلب فيكون منافيا لحديث ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب فإنه صريح في أن الأعضاء تابعة للقلب

"لأن حديث" إن في الجسد مضغة موضوعه القلب والأعضاء في شخص واحد. أما حديث الباب فموضوعه قلوب وأعضاء لأشخاص كثيرين فلا تنافي بينهما (قوله إن الله عز وجل وملائكته الخ) أى إن الله تعالى ينزل رحمته على عباده الذين يصلون في الصفوف الأول وكذا الملائكة تستغفر لهم وكان الصفّ الأول أشرف لأن من فيه قريبون من رحمة الله تعالى وسماع القراءة وإرشاد الإمام (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه ينبغى للإمام أن يراعي تسوية الصفوف بنظره ويده، وعلى النهى عن الاختلاف فيها بالتقدم والتأخر. وعلى الترغيب في المبادرة إلى الصفوف المقدمة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والحاكم ورواه البيهقي وابن حبان وابن خزيمة بلفظ كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأتينا فيمسح عواتقنا وصدورنا ويقول لا تختلف صفوفكم فتختلف قلوبكم إن الله تعالى وملائكته يصلون على الصفّ الأول (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، ثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، ثَنَا حَاتِمٌ يَعْنِي ابْنَ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ سِمَاكٍ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا إِذَا قُمْنَا لِلصَّلَاةِ فَإِذَا اسْتَوَيْنَا كَبَّرَ» (ش) (رجال الحديث) (حاتم يعنى ابن أبى صغيرة) أبو يونس القشيرى وقيل الباهلى مولاهم البصرى. روى عن سماك بن حرب وابن أبى مليكة وعمرو بن دينار وعطاء. وعنه روح بن عبادة وعبد الله بن بكر السهمى وابن أبى عديّ وشعبة وابن المبارك. وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائى وأحمد وابن سعد. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله يسوى صفوفنا الخ) أى يسويها بيده أو بالقول أو بالإشارة. وفي بعض النسخ يسوّى يعني صفوفنا إذا قمنا إلى الصلاة فإذا استوينا كبر أى للإحرام (وهو دليل) على أن الإمام يكبر للإحرام بعد استواء الصفوف. وبه قال الجمهور خلافا لمن قال إنه يكبر للإحرام عند قول المقيم قد قامت الصلاة. وتقدم تحقيق المقام (ص) حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغَافِقِيُّ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، وَحَدِيثُ ابْنِ وَهْبٍ أَتَمُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ قُتَيْبَةُ: عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ أَبِي شَجَرَةَ لَمْ يَذْكُرِ

ابْنَ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ: «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ -لَمْ يَقُلْ عِيسَى بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ- وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَبُو شَجَرَةَ كَثِيرُ بْنُ مُرَّةَ. (ش) (رجال الحديث) (عيسى بن إبراهيم) بن عيسى الأحدبي مولاهم أبو موسى المصرى. روى عن ابن عيينة وحجاج بن سليمان ويحيى بن خلف وجماعة. وعنه أبو داود والنسائى وابن خزيمة وأحمد بن يونس وزكرياء الساجى وكثيرون. قال النسائى لا بأس به ووثقه مسلمة بن قاسم وقال ابن يونس كان ثقة ثبتا وقال في التقريب ثقة من العاشرة وقال ابن أبى حاتم شيخ مجهول. توفي سنة إحدى وستين ومائتين. و (الغافقى) نسبة إلى غافق حصن بالأندلس (قوله وحديث ابن وهب أتم) أى حديث عبد الله بن وهب أتم من حديث الليث وكلاهما روى عن معاوية (قوله عن أبى الزاهرية) هو حدير بن كريب بالتصغير فيهما الحضرمي ويقال الحميرى. روى عن حذيفة وأبي الدرداء وأبى أمامة وعبد الله بن بسر وآخرين. وعنه ابنه حميد وسعيد بن سنان وعقيل بن مدرك وإبراهيم بن أبي عبلة. وثقه ابن معين والعجلى ويعقوب بن سفيان والنسائى وقال الدارقطني لا بأس به إذا روى عنه ثقة وقال ابن سعد ثقة كثير الحديث. توفي في خلافه عمر بن عبد العزيز. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه. و (كثير بن مرة) الرهاوى الحضرمى الحمصى. روى عن معاذ وعمر وعبادة ابن الصامت وأبى هريرة وكثيرين من الصحابة. وعنه خالد بن معدان ومكحول وعبد الرحمن ابن جبير ونصر بن علقمة وشريح بن عبيد وكثيرون. قال العجلى تابعى ثقة وقال ابن خراش صدوق وقال النسائى لا بأس به وقال في التقريب ثقة من الثانية ووهم من عدّه من الصحابة (قوله قال قتيبة عن أبي الزاهرية الخ) غرضه بهذا بيان أن قتيبة خالف عيسى في أمرين "أحدهما" أنه ذكر شيخه بكنيته بخلاف عيسى فقد ذكره باسمه كثير "وثانيهما" أنه لم يذكر في روايته ابن عمر فيكون الحديث مرسلا لأن أبا شحرة تابعى وعلى رواية عيسى متصلا (معنى الحديث) (قوله وحاذوا بين المناكب) أى اجعلوا بعضها حذاء بعض بحيث يكون منكب كل واحد من المصلين موازيا لمنكب الآخر ومسامتا له (قوله وسدّوا الخلل) أمر من سدّ من باب نصر. والخلل بفتحتين الفرجة في الصفوف وجمعه خلال مثل جبل وجبال

(قوله (ص) ولينوا بأيدى إخوانكم) أى كونوا لينين منقادين بأيدى إخوانكم إذا أخذوا بأيديكم ليقدّموكم أو يؤخروكم حتى يستوى الصفّ لتنالوا فضل المعاونة على البر والتقوى. ويحتمل أن يكون المراد لينوا بيد من يأخذكم من الصف ووافقوه وتأخروا معه لتزيلوا عنه وصمة الانفراد التي أبطل بها بعض الأئمة الصلاة. وفي بعض النسخ زيادة "قَالَ أَبُو دَاوُدَ": ومَعْنَى وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ: إِذَا جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الصَّفِّ فَذَهَبَ يَدْخُلُ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُلِينَ لَهُ كُلُّ رَجُلٍ مَنْكِبَيْهِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي الصَّفِّ" (قوله لم يقل عيسى بأيدى إخوانكم) بل اقتصر في روايته على قوله لينوا (قوله ولا تذروا فرجات للشيطان) أى لا تتركوا فتحات في الصفوف فيدخل منها الشيطان فيوسوس. وذكره بعد قوله وسدّوا الخلل للتأكيد والتنبيه على الحكمة في سدّ الفرج (قوله ومن وصل صفا الخ) بأن كان فيه فرجة فسدّها أو نقصان فأتمه وصله الله برحمته ومن جلس في الصفّ بلا صلاة أو منع غيره من الدخول فيه قطعه الله عن رحمته (قوله قال أبو داود أبو شجرة كثير بن مرّة) ذكره لبيان أن كثير بن مرّة يكنى بأبي شجرة فلا منافاة رواية عيسى وقتيبة. وفي بعض النسخ زيادة "قال يزيد بن أبى حبيب أدرك كثير بن مرّة سبعين بدريا" (فقه الحديث) دلّ الحديث على وجوب سدّ الفرج التي في الصفوف، وعلى الترغيب في وصل الصفوف لما فيه من الخير العظيم، وعلى التحذير من قطعها لما فيه من الوعيد الشديد ولذا عدّه ابن حجر من الكبائر (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد بتمامه وأخرجه النسائى والحاكم وابن خزيمة مختصرين على قوله من وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا أَبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «رُصُّوا صُفُوفَكُمْ وَقَارِبُوا بَيْنَهَا وَحَاذُوا بِالْأَعْنَاقِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَرَى الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصَّفِّ كَأَنَّهَا الْحَذَفُ» (ش) (أبان) بن يزيد العطار. و (قتادة) بن دعامة (قوله رصوا صفوفكم) أى ضموا بعضها إلى بعض مثل ضم لبنات الجدار حتى لا يكون بينكم فرج من رصّ البناء من باب نصر إذا ضمّ بعضه إلى بعض كما تقدم (قوله وقاربوا بينها) أى بين الصفوف. وقدّر بعضهم القرب بينها بثلاثة أذرع. وأمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالتقارب بينها ليكون تقارب الأشباح سببا لتقارب الأرواح وتآلفها فلا يقدر الشيطان على أن يوسوس لهم (قوله وحاذوا بالأعناق) أى اجعلوا الأعناق على سمت واحد فلا يكون عنق أحدكم خارجا عن محاذاة

عنق الآخر. ويحتمل أن يكون المراد بمحاذاة الأعناق أن لا يرتفع بعضهم على بعض بأن يقف في مكان أرفع من الآخر قاله القاضى عياض (قوله إني لأرى الشيطان الخ) أل فيه للجنس والمراد جنس الشيطان فيصدق بالواحد والمتعدد. وفي رواية النسائى إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصفّ كأنها الحذف. وأنث الضمير باعتبار الخبر أو لأن أل في الشيطان للجنس وهو جمع في المعنى والحذف بحاء مهملة وذال معجمة مفتوحتين الغنم الصغار الحجازية واحده حذفه بالتحريك كقصب وقصبة. وقيل هي غنم صغار سود جرد ليس لها أذناب يؤتى بها من اليمن. وفي رواية للحاكم عن البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تراصوا في الصفّ لا يتخللكم أولاد الحذف قلت يا رسول الله وما أولاد الحذف قال ضأن جرد تكون بأرض اليمن (فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب تسوية الصفوف، وعلى مشروعية التقارب بينها، وعلى جواز الحلف من غير استحلاف. ولعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقسم لأهمية الأمر وتأكيده، وعلى أن ترك تسوية الصفوف وعدم التقارب بينها سبب في خول الشيطان بين المصلين (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ» (ش) (قوله فإن تسوية الصف من تمام الصلاة) يعنى من حسنها وكمالها فلا تتوقف صحة الصلاة عليها ويؤيده ما في رواية البخارى ومسلم عن أبي هريرة فإن إقامة الصفّ من حسن الصلاة. وحسن الشئ أمر زائد على حقيقته. ونظيره قوله تعالى {وأقيموا الصلاة} لأن إقامتها يشمل الإتيان بفرائضها وسننها وآدابها خلافا لابن حزم القائل بفرضية تسوية الصفوف ولا تصح الصلاة إلا بها حملا للتمام على الحقيقة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والبخارى وابن ماجه والحاكم والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، ثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ السَّائِبِ، صَاحِبِ الْمَقْصُورَةِ، قَالَ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، يَوْمًا فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي لِمَ صُنِعَ هَذَا الْعُودُ، فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ

صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ: «اسْتَوُوا وَعَدِّلُوا صُفُوفَكُمْ» (ش) (رجال الحديث) (مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير) بن العوّام الأسدى روى عن أبيه ونافع وابن المنكدر وعطاء وأبى حازم وجماعة. وعنه ابنه عبد الله وزيد بن أسلم وابن المبارك وبشر بن السريّ. قال أبو حاتم صدوق كثير الغلط ليس بالقوى وقال ابن حبان انفرد بالمناكير. عن المشاهير فلما كثر ذلك منه استحق مجانبة حديثه وقال الدارقطني والنسائى ليس بالقوى وضعفه ابن معين وقال أحمد ضعيف الحديث لم أر الناس يحمدون حديثه. توفي سنة سبع وخمسين ومائة. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه. و (محمد بن مسلم بن السائب) ابن خباب المدني (صاحب المقصورة) روى عن أبيه وأنس. وعنه العلاء بن عبد الرحمن ومصعب بن ثابت. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من الخامسة (معنى الحديث) (قوله هل تدرى لم صنع هذا العود) الإشارة إلى العود الذى كان في مسجده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. والغرض من هذا الاستفهام تنبيه محمد بن مسلم لما كان عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من شدّة اعتنائه بتعديل الصفوف (قوله يضع عليه يده الخ) يعني يأخذه بيده حينما كان يأمرهم بتسوية الصفوف. ولعلّ الحكمة في هذا أنه كان يشير به إلى القوم أن اعتدلوا كاعتدال هذا العود واعدلوا صفوفكم. وفي نسخة وأعدلوا بهمزة مفتوحة من أعدل بمعنى عدّلوا (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ الْأَسْوَدِ، ثَنَا مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَنَسٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ أَخَذَهُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ الْتَفَتَ، فَقَالَ: «اعْتَدِلُوا، سَوُّوا صُفُوفَكُمْ» ثُمَّ أَخَذَهُ بِيَسَارِهِ، فَقَالَ: «اعْتَدِلُوا سَوُّوا صُفُوفَكُمْ» (ش) (رجال الحديث) (حميد بن الأسود) بن الأشقر أبو الأسود الكرابيسى روى عن هشام بن عروة وعبد العزيز بن صهيب وأسامة بن زيد وسهيل بن أبي صالح وكثيرين وعنه عبد الرحمن بن مهدى ومسدّد بن مسرهد وابن المديني وآخرون. قال الساجى والأزدى صدوق عنده مناكير وقال الدارقطني ليس به بأس ووثقه أبو حاتم وقال القواريرى كان صدوقا. روى له البخارى وأبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله بهذا الحديث) أى الحديث السابق (قوله أخذه بيمينه الخ) أى

أخذ للعود المعلوم من السياق بيمينه ليشير به إلى من كان جهة يمينه ثم أخذه بيساره ليشير به إلى من كان جهة يساره. وقوله سووا صفوفكم بيان للاعتدال المذكور (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ يَعْنِي ابْنَ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ» (ش) (سعيد) بن أبى عروبة (قوله أتموا الصفّ المقدّم الخ) أى أكملوا الصفّ الأول. وفي رواية النسائى أتموا الصفّ الأول ثم الذى يلي الأول وهكذا فالذى وجد من نقصان في الصفوف لقلة الرجال فليكن في الصفّ المؤخر لا في غيره والمقصود من هذا أن لا يكون نقص في الصفّ الأول ولا في الثاني ولا في الثالث وهلمّ جرّا إلى أن تنتهى الصفوف فإن كان نقص ولا بدّ فليجعل في الصف الأخير. وليس في الحديث دلالة على موقف الصفّ الناقص. لكن ظاهر ما سيأتى للمصنف. من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وسطوا الإمام أن يقف أهل الصفّ الناقص خلف الإمام وعن يمينه وعن شماله (وفى المدونة) قال مالك ومن دخل المسجد وقد قامت الصفوف قام حيث شاء إن شاء خلف الإمام وإن شاء عن يمين الإمام وإن شاء عن يسار الإمام قال وكان مالك يعجب ممن يقول يمشى حتى يقف حذو الإمام اهـ لكن ما قاله مخالف لظاهر الحديث (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ ثَوْبَانَ: أَخْبَرَنِي عَمِّي عُمَارَةُ بْنُ ثَوْبَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «خِيَارُكُمْ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ فِي الصَّلَاةِ». (ش) (رجال الحديث) (ابن بشار) هو محمد. و (أبو عاصم) النبيل. و (جعفر بن يحيى بن ثوبان) وقيل ابن عمارة بن ثوبان الحجازى. روى عن عمه عمارة. وعنه عبيد بن عقيل الهلالى وأبو عاصم. قال ابن المديني مجهول ما روى عنه غير أبى عاصم وقال ابن القطان مجهول الحال وقال في التقريب مقبول من الثامنة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائى والبخارى في الأدب. و (عمارة بن ثوبان) الحجازي. روى عن أبي الطفيل

باب الصفوف بين السواري

وموسى بن باذان وعطاء بن أبى رباح. وعنه ابن أخيه جعفر. قال ابن القطان مجهول الحال وقال في التقريب مستور من الخامسة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود وابن ماجه والبخارى في الأدب (معنى الحديث) (قوله خياركم ألينكم مناكب في الصلاة) أى أسرعكم انقيادا في الصلاة عند تعديل الصفوف أو عند سدّ الفرج. والمراد أنه إذا كان في الصف وأمره أحد بالاستواء ووضع يده على منكبه ينقاد له ولا يتكبر (وقال الخطابى) معناه لزوم السكينة والطمأنينة بحيث لا يلتفت ولا يجاوز منكبه منكب من بجنبه. أو لا يمنع من أراد دخولا في صفّ لسدّ فرجة أو لضيق مكان بل يمكنه من ذلك ولا يدفعه بمنكبه لتتراصّ الصفوف وتكثر الجموع اهـ ببعض تصرّف (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البزار بإسناد حسن عن ابن عمر ورواه الطبراني أيضا عن ابن عمر بلفظ خياركم ألينكم مناكب في الصلاة وما من خطوة أعظم أجرا من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصفّ فسدّها ورواه البيهقي (باب الصفوف بين السوارى) جمع سارية وهى العمود. وفي بعض النسخ باب الصلاة والصفّ بين السوارى (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ «فَدُفِعْنَا إِلَى السَّوَارِي، فَتَقَدَّمْنَا وَتَأَخَّرْنَا»، فَقَالَ أَنَسٌ: «كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (ش) (رجال الحديث) (عبد الرحمن) بن مهدى. و (سفيان) الثورى. و (يحيى بن هانئ) بن عروة بن قعاص ويقال فضفاض المرادى أبي داود الكوفي. روى عن أبيه وأنس وأبي حذيفة ونعيم بن دجاجة. وعنه الثورى وشعبة وأبو بكر بن عياش وشريك وآخرون وثقه أبن معين ويعقوب بن سفيان والنسائى وقال أبو حاتم ثقة صالح من سادات أهل الكوفة وذكره ابن حبان في الثقات وقال الدارقطني يحتج به. روى له أبو داود والترمذى والنسائى و (عبد الحميد بن محمود) المعولى بكسر الميم وفتحها وسكون العين المهملة وفتح الواو البصرى روى عن ابن عباس وأنس. وعنه ابناه حمزة وسيف. وثقه النسائى وقال الدارقطني يحتج به وقال

أقوال الفقهاء في الصلاة بين السواري

في التقريب مقلّ من الرابعة. روى له أبو داود والترمذى والنسائى (معنى الحديث) (قوله فدفعنا إلى السوارى الخ) بضم الدال المهملة مبنيا للمفعول أى إلى ما بينها بسبب المزاحمة وكثرة الناس فتقدّم بعضنا عن السوارى وتأخر الآخر وهو ظاهر في أنهم لم يقفوا بين السوارى حين الصلاة. وفي رواية الترمذى عن عبد الحميد قال صليت خلف أمير من الأمراء فاضطرب الناس فصلينا بين ساريتين فلما صلينا قال أنس كنا نتقى هذا الخ. وفي رواية النسائى عن عبد الحميد أيضا قال صلينا مع أمير من الأمراء فدفعونا حتى قمنا وصلينا بين الساريتين فجعل أنس يتأخر وقال كنا نتقى هذا الخ. فظاهر هاتين الروايتين. أنهم صلوا بين السوارى. ولا منافاة بينهما وبين حديث الباب لاحتمال تعدد الواقعة فمرّة لم يصلوا بينها فيكون قول أنس كنا نتقى هذا بيانا لسبب تقدّمهم وتأخرهم. ومرّة صلوا بينها فيكون قوله كنا نتقى هذا تعليما لهم ليتباعدوا عن ذلك. وقوله كنا نتقى هذا أى كنا نحترز عن القيام للصلاة بين السوارى ونجتنبه وذلك للنهى عنه "فقد" روى الحاكم عن قتادة عن معاوية ابن قرة عن أبيه قال كنا ننهى عن الصلاة بين السوارى ونطرد عنها طردا "والناهي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم" "وروى" البيهقى بسنده إلى معد يكرب عن ابن مسعود أنه قال لا تصفوا بين السوارى (وفي هذا دلالة) على كراهة الصلاة بين السوارى. وحكمة النهى عن ذلك قيل لما فيه من قطع الصفّ. وقيل لأنها موضع النعال (قال ابن سيد الناس) والأول أشبه لأن الثانى محدث (وقال القرطبي) روى أن سبب كراهة ذلك أنه مصلى الجنّ من المؤمنين (وإلى كراهة) الصلاة بين السوارى للجماعة والمنفرد ذهب إبراهيم النخعى وإسحاق والمالكية مستدلين بحديث الباب وبما تقدم عند الحاكم من حديث معاوية بن قرّة عن أبيه قال كنا ننهى أن نصفّ بين السوارى الخ. وبما رواه الحاكم وصححه من حديث أنس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ولفظه كنا ننهى عن الصلاة بين السوارى ونطرد عنها. وروى سعيد ابن منصور في سننه النهى عن ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وحذيفة (قال ابن سيد الناس) ولا يعلم لهم مخالف من الصحابة اهـ (وذهبت الحنابلة) إلى كراهته للمأمومين إذا أدّى ذلك إلى قطع الصفّ ولا يكره لغير المأمومين. مستدلين بحديث معاوية بن قرة عن أبيه المتقدم (وأجازه) مطلقا من غير كراهة الحسن وابن سيرين. وكان سعيد بن جبير وإبراهيم التيمى وسويد بن غفلة يؤمون قومهم بين الأساطين. وهو قول الكوفيين. واستدلوا بما رواه البيهقى بسنده إلى ابن عمر قال سألت بلالا أين صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعني في الكعبة فقال بين العمودين المقدّمين (وأجابوا) عن أحاديث النهى بأن حديث معاوية بن قرة ضعيف لأن في سنده هارون بن مسلم وهو مجهول كما قاله أبو حاتم (وحديث) أنس مردود بفعل النبى صلى الله

باب من يستحب أن يلي الإمام في الصف وكراهة التأخر

تعالى عليه وعلى آله وسلم (وأجازه الشافعى) وابن المنذر للمنفرد دون الجماعة. قالوا قد ثبت أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى في الكعبة بين ساريتين اهـ ويدل على أن النهى خاص بالجماعة حديث معاوية بن قرة عن أبيه قال كنا ننهى أن نصفّ بين السوارى على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ونطرد عنها طردا رواه ابن ماجه. فهو يدل بمفهومه على جواز صلاة المنفرد بينها لأنه ليس فيه إلا ذكر النهى عن الصف بين السوارى ولم يقل كنا ننهى عن الصلاة بين السوارى "فما ورد" من الأحاديث الدالة على النهى عن الصلاة مطلقا بين السوارى "يحمل على المقيدة" فيكون النهى مختصا بالمؤتمين بين السوارى دون الإمام والمنفرد (وأرجح) الأقوال القول الأول لحديث الباب فإنه مطلق وصلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين الساريتين في الكعبة لا يعارض النهى الخاص بنا لعدم شموله له. وعلى فرض شموله له فيكون فعله صارفا للنهى عن التحريم إلى الكراهة. ومحل الخلاف إذا كان المكان متسعا فإذا كان ضيقا فلا خلاف في الجواز مطلقا من غير كراهة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبيهقي والنسائى والحاكم والترمذى وقال حسن (باب من يستحب أن يلى الإمام في الصف وكراهية التأخر) أى في بيان صفة من هو أولى بالوقوف خلف الإمام من المأمومين وبيان كراهة التأخر عن ذلك (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ كَثِيرٍ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ». (ش) (رجال الحديث) (ابن كثير) هو محمد. و (سفيان) الثورى. و (عمارة بن عمير) مصغرا التيمى من بني تيم الله ابن ثعلبة الكوفي. روى عن الأسود بن يزيد وعبد الرحمن ابن يزيد ووهب بن ربيعة وقيس بن السكن وآخرين. وعنه الحكم بن عتية وإبراهيم النخعى وسليمان ابن مهران الأعمش ومنصور بن المعتمر وغيرهم. وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائى والعجلى وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة اثنتين وثمانين. روى له الجماعة. و (أبو معمر) هو عبد الله بن سخبرة بفتح السين المهملة وسكون الخاء المعجمة وفتح الموحدة الأزدى نسبة إلى أزدشنوءة. روى عن عمر وعلي وأبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصارى وأبي موسى الأشعرى والمقداد. وعنه إبراهيم النخعى ومجاهد وتميم بن سلمة ويزيد بن شريك. وثقه ابن معين وابن سعد. والعجلى

استحباب قرب أهل الفضل والمعرفة من الإمام في الصلاة وتحوها

وقال تابعي وقال في التقريب ثقة من الثانية. مات في ولاية عبد الله بن زياد. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله ليليني منكم الخ) بنون ثقيلة وياء مفتوحة قبلها ويجوز تخفيف النون من غير ياء قبلها وهي رواية مسلم. واللام في ليليني لام الأمر أى ليقرب مني أرباب العقول والمعرفة فالأحلام جمع حلم بالكسر وهو العقل وكأنه من الحلم بمعنى الإناة والتثبت في الأمور وذلك من شعار العقلاء. وأما الحلم بالضم فهو ما يراه النائم وليس مرادا هنا والنهى جمع نهية بضم النون وهي العقل فهو مرادف للأحلام سمى بذلك لأنه ينهى صاحبه عن القبيح. أو لأن صاحبه ينتهى إلى ما أمر به ولا يتجاوزه. وأمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يليه أولو الأحلام ثم الذين يلونهم في هذه الأوصاف لمزيد شرفهم وضبطهم لصلاة الإمام ولأنه إن حدث به حادث نبهوه أو خلفوه في الإمامة (قال في حجة الله البالغة) ذلك ليتقرّر عندهم توقير الكبير أو ليتنافسوا في عادة أهل السؤدد ولئلا يشقّ على أولى الأحلام تقديم من دونهم عليهم اهـ. وقوله ثم الذين يلونهم دليل على تقديم الأفضل فالأفضل إلى الإمام (قال) النووى لأنه أولى بالإكرام ولأنه ربما احتاج الإمام إلى استخلاف فيكون هو أولى ولأنه يتفطن لتنبيه الإمام على السهو لما لا يتفطن له غيره وليضبطوا صفة الصلاة ويحفظوها وينقلوها ويعلموها الناس وليقتدى بهم في أفعالهم من وراءهم. ولا يختص هذا التقديم بالصلاة بل من السنة أن يقدّم أهل الفضل في كل مجمع إلى الإمام وكبير المجلس كمجلس العلم والقضاء والذكر والمشاورة ومواقف القتال وإمامة الصلاة والتدريس والإفتاء واستماع الحديث ونحوها. ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم والدين والعقل والشرف والسن والكفائة اهـ وفي هذا كله إعلام برفعة قدر النيى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعلو شأنه وحث لمن كمل عقله من العارفين على تحصيل تلك الفضيلة. وإرشاد لمن قصر حاله عن تلك المرتبة أن لا يزاحمهم في المكان الذى يلي الإمام ويحتمل أن المراد بأولى الأحلام وأولى النهى الرجال البالغون وبالذين يلونهم الصبيان المميزون والمراهقون وبالذين يلونهم النساء. وقد ترجم البيهقي لحديث الباب بقوله باب الرجال يأتمون بالرجل ومعهم صبيان ونساء وساقه (من أخرج الحديث إيضا) أخرجه أحمد وابن ماجه ومسلم من طريق سفيان وأخرجه أيضا من طريق وكيع عن الأعمش وأخرجه النسائى من طريق أبي معاوية عن الأعمش وأخرجه أيضا من طريق غندر عن شعبة عن سليمان عن عمارة مطولا بلفظ كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلينى منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال أبو مسعود فأنتم اليوم أشدّ اختلافا وأخرجه البيهقي بنحوه

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، ثَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مِثْلَهُ وَزَادَ: «وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ» (ش) (خالد) الحذاء. و (أبو معشر) زياد بن كليب. و (إبراهيم) النخعى و (علقمة) بن قيس (قوله مثله الخ) أى مثل حديث أبى مسعود المتقدم وزاد ابن مسعود في روايته قوله ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم وإياكم وهيشات الأسواق أى احذروا هيشات الأسواق واجتنبوها. وهى بفتح الهاء وسكون المثناة التحتية وبالشين المعجمة جمع هيشة ويقال هوشة وهى الفتنة وارتفاع الأصوات والمنازعات في الأسواق والمراد لا تكونوا مختلطين في الصفوف للصلاة اختلاط أهل الأسواق فلا يميز أصحاب الأحلام والعقول عن غيرهم ولا الصبيان والإناث عن غيرهم في التقدم والتأخر. وقيل الهيشة رفع الصوت فيكون صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهاهم عن رفع الصوت حال الصلاة لأنها حالة حضور بين يدى الله عز وجل ومناجاة له فينبغى أن يكونوا فيها على غاية السكون والخشوع وآداب العبودية. ويحتمل أن يكون المعنى قوا أنفسكم من الانهماك في الاشتغال بأمور الدنيا فإن ذلك يمنعكم عن أن تلوني (فقه الحديث) دلّ الحديث على التحذير من رفع الصوت والتشويش حال الصلاة، وعلى التحذير من الاختلاط في الصفوف فينبغى أن يقف كلّ في مكان مناسب له ولا يعدوه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبيهقي والترمذى وقال حسن غريب وقال الدارقطني تفرد به خالد بن مهران الحذاء عن أبي معشر وأخرجه سلم مقتصرا في الزيادة على قوله وإياكم وهيشات الأسواق (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِنِ الصُّفُوفِ» (ش) (رجال الحديث) (عثمان بن عروة) بن الزبير بن العوام الأسدى المدنى كان أصغر من هشام بن عروة لكنه مات قبله. روى عن أبيه. وعنه أخوه هشام وأسامة بن

الترغيب في الصلاة في ميمنة الصف

زيد وسفيان بن عيينة وجماعة. وثقه ابن معين والنسائى وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن سعد كان قليل الحديث وقال يعقوب بن شيبة كان من خطباء الناس وعلمائهم وقال في التقريب ثقة من السادسة. مات سنة ست أو سبع وثلاثين ومائة. روى له الشيخان وأبو داود والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف) وفي نسخة ميامين الصفوف جمع ميمنة أى إن الله عز وجل ينزل رحمته على من كان جهة اليمين في الصف قبل أن ينزلها على من كان جهة اليسار. وكذا الملائكة تستغفر لمن كان في يمين الصفّ قبل أن تستغفر لمن كان في اليسار وليس المراد أن الرحمة والاستغفار يختصان باليمين دون اليسار. ويؤيده حديث إن الله ينزل الرحمة أولا على يمين الإمام إلى آخر اليمين ثم على اليسار إلى آخره (وفى هذا دلالة) على أفضلية ميامن الصفوف على مياسرها. لكن محلّ أفضلية يمين الصف الثاني مثلا إذا كان يسار الذى قبل عامرا فإذا كان خاليا فتعميره أفضل من يمين الذى يليه لما تقدم في حديث أنس في باب تسوية الصفوف من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتموا الصف المقدَّم ثم الذى يليه ولما رواه ابن ماجه من طريق ليث بن أبي سليم عن نافع عن ابن عمر قال قيل للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن ميسرة المسجد تعطلت فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من عمر ميسرة المسجد كتب له كفلان من الأجر، ولما رواه الطبراني عن ابن عباس مرفوعا من عمر جانب المسجد الأيسر لقلة أهله فله أجران (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه بإسناد حسن وأخرجه البيهقى بسند المصنف وقال كذا قال والمحفوظ بهذا الإسناد عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف (باب مقام الصبيان من الصف) وفي بعض النسخ باب ما جاء في مقام الصبيان في الصف. ومقام بفتح الميم من قام يقوم أو بضمها من أقام يقيم (ص) حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ شَاذَانَ، ثَنَا عَيَّاشٌ الرَّقَّامُ، ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، ثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا بُدَيْلٌ، ثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، وَصَفَّ

الرِّجَالَ وَصَفَّ خَلْفَهُمُ الْغِلْمَانَ، ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ فَذَكَرَ صَلَاتَهُ»، ثُمَّ قَالَ: " هَكَذَا صَلَاةُ -قَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى: لَا أَحْسِبُهُ إِلَّا قَالَ: صَلَاةُ أُمَّتِي-" (ش) (رجال الحديث) (قوله عيسى بن شاذان) البصرى الحافظ نزيل مصر روى عن عبد الله بن رجاء وعياش بن الوليد وإبراهيم بن سويد وهشام بن عمار وآخرين وعنه أبو داود وزكريا الساجى ومحمد بن صالح وسهل بن موسى وغيرهم. وثقه مسلمة وقال إسماعيل القاضى كان من أهل العلم بالحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان من الحفاظ يغرب وقال في التقريب ثقة حافظ من الحادية عشرة. مات بعد الأربعين ومائتين. و (عياش الرقام) هو ابن الوليد أبو الوليد القطان. روى عن الوليد بن مسلم ووكيع ومعتمر بن سليمان وعبد الأعلى بن عبد الأعلى وأبى معاوية الضرير وغيرهم. وعنه البخارى وأبو داود وأبو حاتم وأبو زرعة وأبو الأحوص وآخرون. قال أبو داود صدوق ووثقه أبو حاتم وابن حبان وقال في التقريب ثقة من العاشرة. مات سنة ست وعشرين ومائتين. روى له البخارى ومسلم وأبو داود و (قرّة بن خالد) أبو خالد السدوسى. روى عن محمد بن سيرين وعمرو بن دينار وحميد بن هلال وأبى الزبير وبديل بن ميسرة وآخرين. وعنه ابن مهدى وشعبة وأبو عامر العقدى وزيد ابن الحباب وبشر بن المفضل وكثيرون. وثقه ابن معين والنسائى وابن سعد وابن حبان وقال كان متقنا وقال الطحاوى ثبت متقن ضابط وقال في التقريب ثقة ضابط من السادسة. توفي سنة أربع وخمسين ومائة. روى له الجماعة. و (عبد الرحمن بن غنم) بفتح الغين المعجمة وسكون النون ابن كريب بن هانئ الأشعرى مختلف في صحبته فقال البخارى والليث له صحبة وقال ابن يونس كان ممن قدم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من اليمن وقال العجلى إنه من كبار التابعين وذكره ابن حبان في الثقات وقال زعموا أن له صحبة وليس بصحيح عندى وقال ابن عبد البرّ كان مسلما على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يره ولازم معاذ بن جبل حتى مات. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعمر وعثمان وعلي وأبى ذرّ وكثيرين. وعنه عطية بن قيس ومكحول ورجاء بن حيوة وصفوان بن سليم وجماعة. توفي سنة ثمان وسبعين. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجة والترمذى والبخارى في التاريخ. و (أبو مالك الأشعرى) له صحبة قيل اسمه الحارث وقيل عبيد وقيل عامر بن الحارث بن هانئ بن كلثوم. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه أبو صالح الأشعرى وربيعة بن عمر وعبد الرحمن بن غنم وشريح ابن عبيد وأبو سلام الأسود وجماعة. توفى رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُفى خلافة عمر في طاعون عمواس

مذاهب العلماء في موقف الصبي من الصف

(معنى الحديث) (قوله قال فأقام الصلاة الخ) أى قال أبو مالك الأشعرى فأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بإقامة الصلاة ثم صلى بالرجال والغلمان وجعل موقف الصبيان خلف الرجال وذكر أبو مالك صفة صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى آخرها ثم قال قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هكذا صلاة أمتي فقوله قال عبد الأعلى الخ معترض بين المضاف والمضاف إليه أي قال عبد الأعلى لا أظن قرّة بن خالد إلا قال في الرواية ناقلا بسنده عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قوله هكذا صلاة أمتي. وفيه تنبيه على أن من لم يصل صلاة موافقة لصلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يعوّل على صلاته ولا يكون من أمته (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية تقديم صفوف الرجال على الغلمان والغلمان على النساء كما تفيده رواية أحمد في مسنده عن أبى مالك الأشعرى أنه قال يا معشر الأشعريين اجتمعوا واجمعوا نسائكم وأبنائكم حتى أريكم صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فاجتمعوا وجمعوا أبناءهم ونساءهم ثم توضأ وأراهم كيف يتوضأ ثم تقدم وصفّ الرجال في أدنى الصفّ وصفّ الولدان خلفهم وصف النساء خلف الصبيان اهـ ومحل تأخير الغلمان عن الرجال إن كانوا اثنين فصاعدا فإن غلام واحد دخل مع الرجال ولا ينفرد خلف الصف بخلاف النساء فإنهنّ يتأخرن عن الرجال والغلمان ولو كانت واحدة كما تقدم في حديث اليتيم فإنه لم يقف منفردا بل صفّ مع أنس ووقفت المرأة خلفهم (وقال أحمد) يكره أن يقوم الصبى مع الناس خلف الإمام إلا من احتلم وأنبت وبلغ خمس عشرة سنة. وروى عن عمر أنه كان إذا رأى صبيا في الصف أخرجه وكذا روى عن أبي وائل وزرّ بن حبيش. ودلّ الحديث أيضا على الحثّ على إكمال أعمال الصلاة حتى تكون موافقة لصلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد باللفظ المتقدّم وأخرجه ابن أبي شيبة عن أبي مالك الأشعرى أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى فأقام الرجال يلونه وأقام الصبيان خلف ذلك وأقام النساء خلف ذلك وأخرجه البيهقى عن أبي مالك الأشعرى قال ألا أحدثكم بصلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أقام الصلاة فصفّ يعنى الرجال وصفّ خلفهم الغلمان ثم صلى بهم قال فجعل إذا سجد وإذا رفع رأسه كبر وإذا قام من الركعتين كبر وسلم عن يمينه وعن شماله ثم قال هكذا صلاة قال عبد الأعلى لا أحسبه إلا قال صلاة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

باب صف النساء وكراهة التأخر عن الصف الأول

(باب صفّ النساء وكراهة التأخر عن الصفّ الأول) وفي نسخة باب صف النساء والتأخر عن الصف الأول. وفي أخرى باب ما جاء في صف النساء والتأخر عن الصف الأول (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ، ثَنَا خَالِدٌ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» (ش) (رجال الحديث) (خالد) هو ابن عبد الله الواسطي. و (إسماعيل بن زكريا) ابن مرّة أبو زياد الكوفي. روى عن أبى بردة والأعمش وعاصم الأحول وسهيل بن أبي صالح ذكوان السمان وأبى إسحاق الشيباني وابن عجلان وآخرين. وعنه أبو الربيع ومحمد بن الصباح وسعيد ابن منصور ومحمد بن بكار وجماعة. قال ابن خراش صدوق وقال أبو حاتم صالح وحديثه مقارب وقال ابن عديّ صالح حسن الحديث يكتب حديثه ووثقه أحمد وأبو داود وضعفه ابن معين والعجلى وقال النسائى ليس بالقوي. مات سنة ثلاث أو أربع وسبعين ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله خير صفوف الرجال أولها) أى أفضل صفوف الرجال وأكثرها ثوابا أولها لأن الله تعالى ينزل رحمته أولا على أهل الصف الأول والملائكة تستغفر لهم. ولأنهم اختصوا بكمال الأوصاف والضبط عن الإمام والاقتداء به والتبليغ عنه. ولأنهم هم المبادرون فلهم فضيلة السبق والقرب من الإمام. والصف الأول الذى وردت فيه الأحاديث هو الذى يلى الإمام سواء أجاء صاحبه متقدما أم متأخرا وسواء أتخللته مقصورة ونحوها أم لا (قال النووى) وهذا هو الصحيح الذى يقتضيه ظاهر الأحاديث وصرح به المحققون اهـ (وقال) بعضهم الصف الأول هو المتصل من طرف المسجد إلى طرفه الآخر لا يتخلله مقصورة ونحوها فإن تخلل الذى يلى الإمام شيء فليس بأول بل الأول ما لا يتخلله شئ وإن تأخر (وقيل) الصف الأول عبارة عن مجئ الإنسان إلى المسجد أولا وإن صلى في صفّ متأخر (قال) النووى وهذان القولان غلط صريح (قوله وشرّها آخرها) يعنى أقل صفوف الرجال ثوابا آخرها لبعدهم عن الإمام ولترك الفضيلة الحاصلة بالتقدم إلى الصف الأول ولقربهم من النساء (قوله وخير صفوف النساء آخرها الخ) يعنى أكثر صفوف النساء ثوابا آخرها لبعدهن عن الرجال ولأن مرتبتهن متأخرة عن مرتبة الرجال فيكون آخر الصفوف أليق بهن وأقلّ صفوف النساء

ثوابا أولها لقربهن من الرجال. والقول في تفضيل التقدم في صفوف الرجال باق على إطلاقه وفي صفوف النساء ليس على إطلاقه وإنما هو حيث يكنّ مع الرجال. وأما إذا صلين متميزات لا مع الرجال فهن كالرجال خير صفوفهن أولها وشرها آخرها (فقه الحديث) دلّ الحديث على الترغيب في الصف الأول. وعلى التحذير من التأخر عنه وعلى أن أفضل صفوف النساء آخرها إذا كن مع الرجال في مكان واحد. ودلّ بمفهومه على أن صفوف النساء إذا كنّ في مكان آخر كصفوف الرجال أفضلها أولها وأقلها ثوابا آخرها (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم وأحمد والنسائى وابن ماجه والترمذى والبيهقى (ص) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ عَنِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ» (ش) (قوله عبد الرزاق) بن همام. و (أبو سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن (قوله لا يزال قوم يتأخرون عن الصفّ الأول الخ) أى لا يهتمون لإدراك فضيلته ولا يبالون بها حتى يؤخرهم الله في النار يعني لا يخرجهم من النار في الأولين جزاء وفاقا لأعمالهم وطبقا لأحوالهم أو يؤخرهم عن الداخلين في الجنة أولا بإدخالهم النار وحبسهم فيها. أو المراد يوقعهم في أسفل ما للمؤمنين من النار (وقال النووى) حتى يؤخرهم الله عن رحمته وعظيم فضله ورفيع المنزلة وعن العلم ونحو ذلك اهـ (وظاهره) ان هذا الوعيد الشديد يكون لمن تأخر عن الصف الأول واتخذ ذلك عادة له. ولعل هذا التغليظ لمن أدّاه تأخيره عن الصف الأول إلى ترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها وإلا فلو أدّاها جماعة في الصفّ الأخير مثلا أو صلاها منفردا لا يستحق دخول النار (وقد جاء) في الترغيب في المبادرة إلى الصفّ الأول أحاديث كثيرة (منها) ما رواه النسائى وابن ماجة عن العرباض بن سارية رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يستغفر للصفّ المقدّم ثلاثا وللثاني مرة (ومنها) ما رواه النسائى أيضا كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى على الصفّ المقدّم ثلاثا وعلى الثاني واحدة (ومنها) ما رواه البخارى ومسلم عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مرفوعا لو يعلم الناس ما في النداء والصفّ الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا. وفى رواية لمسلم لو تعلمون ما في الصفّ المقدّم لكانت قرعة (فهذه) الأحاديث تفيد الترغيب في الدخول في الصف الأول لنيل الثواب الأكمل. لكن محله ما لم يترتب على الدخول فيه ضرر وإلا فلا ثواب للداخل

فيه للأذى الحاصل منه. وإذا تأخر عن الصفّ الأول خشية الإضرار زاد أجره على أجر الصفّ الأول فقد روى الطبرانى عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من ترك الصفّ مخافة أن يؤذى أحدا أضعف الله له أجر الصف الأول (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والبيهقى (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ، قَالَا ثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا، فَقَالَ لَهُمْ: «تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» (ش) (رجال الحديث) (قوله الحزاعي) نسبة إلى خزاعة حيّ من الأزد سموا بذلك لأنهم تخزّعوا عن قومهم أى تقطعوا وأقاموا بمكة. و (أبو الأشهب) هو جعفر بن حيان السعدى العطاردى البصرى الخزّاز بمعجمة فزايين. روى عن أبى رجاء وأبي نضرة المنذر بن مالك وأبى الجوزاء الربعى والحسن البصرى وجماعة. وعنه ابن المبارك وابن علية وأبو نعيم وآخرون. وثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم وابن سعد وابن المدينى. توفي سنة خمس وستين ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله رأى في أصحابه تأخرا الخ) أى عن الصف الأول. ولعلهم سمعوا قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلينى منكم أولو الأحلام والنهى فرأوا في نفوسهم القصور عن هذه المرتبة فتأخزوا فقال لهم تقدموا إلى الصف الأول فائتموا بى واصنعوا كما أصنع وليقتدى بكم من خلفكم من الصفوف فيستدلون بأفعالكم على أفعالى. وليس المراد أنهما يقتدون بهما فيجعلونهم أئمة لهم لأن الاقتداء لا يكون إلا بإمام واحد. وفيه دليل على جواز اعتماد المأموم في متابعة الإمام على مبلغ عنه أو صفّ أمامه يراه متابعا للإمام (قوله حتى يؤخرهم الله عزّ وجلّ) أى في النار أو يؤخرهم الله عن رحمته وعظيم فضله وعظيم المنزلة وعن العلم ونحو ذلك كما تقدم (فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على أنه يطلب من الإمام أن يأمر أهل الفضل بالقرب منه، وعلى أنه يأمرهم بفعل ما فيه الخير لهم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي والنسائى وابن ماجه وأخرجه مسلم من طريق

ما ورد في الترغيب في المبادرة إلى الصف الأول والتنفير من التأخر عنه

أبى الأشهب ومن طريق الجريرى عن أبى نضرة عن أبى سعيد قال رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قوما في مؤخر المسجد فقال لهم تقدموا فائتموا بي الخ (باب مقام الإمام من الصفّ) أى في بيان المكان الذى يقف فيه الإمام أمام المأمومين في الصفّ (ص) حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ، ثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بَشِيرِ بْنِ خَلَّادٍ، عَنْ أُمِّهِ، أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، فَسَمِعَتْهُ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «وَسِّطُوا الْإِمَامَ وَسُدُّوا الْخَلَلَ» (ش) (رجال الحديث) (ابن أبي فديك) بالتصغير هو محمد بن إسماعيل. و (يحيى ابن بشير بن خلاد) الأنصارى. روى عن أمه. وعنه ابن أبى فديك وإبراهيم بن المنذر قال ابن القطان مجهول وقال في التقريب مستور من التاسعة (قوله عن أمه) اسمها أمة الواحد بنت يامين بن عبد الرحمن بن يامين. روت عن محمد بن كعب. وعنها ابنها. قال في التقريب مجهولة من السابعة (معنى الحديث) (قوله وسطوا الإمام الخ) أى اجعلوه مقابلا لوسط الصفّ الذى يليه. وليس المراد اجعلوه في خلال الصفّ بينكم لأن رتبة الإمام التقدم (وظاهر الحديث) عدم الفرق بين ما إذا كان مع الإمام اثنان أو أكثر خلافا لابن مسعود القائل إذا كان معه اثنان يقف بينهما والأمر بالتوسط في الحديث محمول على الندب للاتفاق على صحة الصلاة إذا جعل الإمام المأمومين كلهم عن يمينه أو يساره إلا أنهم يكونون تاركين الأكمل. وقوله وسدوا الخلل بفتحتين الفرجة في الصف. وتقدّم بيانه وافيا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي (باب الرجل يصلى وحده خلف الصف) أتجوز صلاته أم لا (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ وَابِصَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ

مذاهب الفقهاء في حكم صلاته

وَسَلَّمَ" رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ -قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: الصَّلَاةَ-" (ش) (رجال الحديث) (شعبة) بن الحجاج و (عمرو بن راشد) الأشجعى أبى راشد الكوفي. روى عن عمر وعلي ووابصة بن معبد. وعنه هلال بن يساف ونسير بن ذعلوق. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من الثالثة. روى له أبو داود والترمذى. و (وابصة) ابن معبد بن عتبة بن الحارث بن مالك الأسدى أبى سالم أو أبى الشعثاء. وفد على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وروى عنه وعن ابن مسعود وأمّ قيس. وعنه ابناه سالم وعمر وشدّاد مولى عياض وراشد بن سعد وزياد بن أبى الجعد وآخرون (معنى الحديث) (قوله رأى رجلا) لم يعرف اسمه (قوله فأمره أن يعيد) أى أمر النبى صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الرجل أن يعيد الصلاة (وفي هذا دليل) على بطلان صلاة من صلى منفردا خلف الصفّ (وإلى هذا) ذهب النخعى ووكيع بن الجراح وابن أبى ليلى والحسن بن صالح وابن المنذر وأحمد وإسحاق (قال) النووى والمشهور عن أحمد وإسحاق أن المنفرد خلف الصفّ يصحّ إحرامه فإن دخل في الصف قبل الركوع صحت قدوته وإلا بطلت صلاته اهـ ويدل لهم أيضا ما رواه ابن ماجه بسنده إلى عبد الرحمن بن على بن شيبان عن أبيه علي بن شيبان وكان من الوفد قال خرجنا حتى قدمنا على النبى صلى الله عليه وآله وسلم فبايعناه وصلينا خلفه ثم صلينا وراءه صلاة أخرى فقضى الصلاة فرأى رجلا فردا يصلى خلف الصف فوقف عليه نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى انصرف قال استقبل صلاتك لا صلاة للذى صلى خلف الصفّ وروى البيهقي نحوه (وذهب الجمهور) إلى كراهة صلاة الرجل منفردا خلف الصفّ واستدلوا بحديث أبى بكرة الآتى بعد. قالوا إنه أتى ببعض الصلاة خلف الصف ولم يأمره صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالإعادة ونهاه عن العود إلى ذلك إرشادا إلى ما هو الأفضل ولو كان من صلى خلف الصفّ لا تجزئه صلاته لكان من دخل في الصلاة خلف الصف لا يكون داخلا فيها. ولما كان دخول أبى بكرة في الصلاة دون الصف دخولا صحيحا كانت صلاة المصلى كلها دون الصف صحيحة وحملوا أحاديث الأمر بإعادة الصلاة على الاستحباب جمعا بين الأدلة وزجرا وتغليظا على من فعله كي لا يعود وقالوا في قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حديث ابن ماجه لا صلاة للذى خلف الصف أى لا صلاة كاملة كما في قوله لا صلاة بحضرة الطعام. ويؤيده أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم انتظره حتى فرغ من الصلاة ولو كانت باطلة لما أقرّه على الاستمرار فيها (واختلف) فيمن لم يجد فرجة ولا سعة في الصف فروى عن الشافعى أنه يقف منفردا ولا يجذب

باب الرجل يركع دون الصف

إليه أحدا لأنه لو جذب واحدا لفوّت عليه فضيلة الصفّ الأول ولأوقع الخلل في الصفّ (وذهب) الأوزاعي وأحمد وإسحاق وداود إلى كراهة الجذب (وقال) مالك من صلى خلف الصفوف وحده فإن صلاته تامة مجزئة عنه ولا يجبذ إليه أحدا ومن جبذ أحدا إلى خلفه ليقيمه معه فلا يتبعه وهذا خطأ ممن فعله ومن الذى جبذه اهـ من المدوّنة (وقال) بعضهم جذب الرجل من الصف ظلم (وعن أبي حنيفة) إذا لم يجد فرجة في الصف ينتظر حتى يجئ آخر فيقوم معه فإن لم يجد أحدا حتى أراد الإمام الركوع يجذب واحدا من الصف فيقوم معه لئلا يصير مرتكبا للمنهيّ عنه (وقال) أكثر الشافعية يجذب إليه واحدا من الصف بعد إحرامه ويستحب للمجذوب أن يوافقه لما رواه المصنف في المراسيل من رواية مقاتل بن حيان مرفوعا إن جاء رجل فلم يجد أحدا فليختلج إليه رجلا فليقم معه فما أعظم أجر المختلج (وبه قالت) الهادويّة وعطاء وإبراهيم النخعي. واستدل القائلون بالجواز بما رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي من حديث وابصة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لرجل صلى خلف الصف أيها المصلى هلا دخلت في الصف أو جررت رجلا من الصف، وبما أخرجه الطبراني عن ابن عباس بإسناده أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر الآتي وقد تمت الصفوف أن يجتذب إليه رجلا يقيمه إلى جنبه (فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب إعادة صلاة من صلى خلف الصف. وقد علمت ما فيه. ولعلّ الحكمة في ذلك أن من صلى منفردا خلف الصف تسلط الشيطان عليه وتمكن منه فيشغله عن تمام الخشوع والمناجاة لقوله صلى الله تعالى. عليه وعلى آله وسلم فيما تقدم للمصنف في باب في التشديد في ترك الجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية. بخلاف ما إذا كان ملتئما في الصف فلا يقوى عليه لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يد الله على الجماعة رواه الترمذى عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه والترمذى وقال حديث وابصة حديث حسن ورواه البيهقي من عدة طرق (باب الرجل يركع دون الصف) أى في بيان حكم صلاة من ركع خارج الصف. وفي نسخة باب الرجل يركع دون الصفوف (ص) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، أَنَّ يَزِيدَ بْنَ زُرَيْعٍ، حَدَّثَهُمْ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ زِيَادٍ الْأَعْلَمِ، ثَنَا الْحَسَنُ، أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ، حَدَّثَ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَنَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِعٌ، قَالَ: فَرَكَعْتُ دُونَ الصَّفِّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» (ش) (زياد الأعلم) هو ابن حسان. و (الحسن) البصرى. (قوله أن أبا بكرة) هو نفيع بن الحارث (قوله أنه دخل المسجد الخ) أى وكان مسرعا في مشيه حال الدخول كما تفيده رواية الطحاوى عن حماد بن سلمة أن زيادا الأعلم أخبرهم عن الحسن عن أبي بكرة قال جئت ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم راكع وقد حفزني النفس فركعت دون الصف أى قبل أن أصل إليه ومشيت إلى أن دخلت فيه كما في الرواية الآتية. وركع قبل الوصول إلى الصف خشية أن تفوته الركعة كما في رواية الطبراني عن يونس بن عبيد عن الحسن وفيها فلما قضى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاته قال أيكم صاحب هذا النفس قال خشيت أن تفوتني الركعة فقال صلى الله عليه وآله وسلم زادك الله حرصا أى على الخير والمبادرة إليه (قال) ابن المنير صوّب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل أبي بكرة من الجهة العامة وهى الحرص على إدراك فضيلة الجماعة وخطأه من الجهة الخاصة التي هي الركوع دون الصف أو الإسراع في المشى إلى الصلاة (قوله ولا تعد) من العود أى لا تعد ثانيا إلى ركوعك دون الصف ويؤيده رواية البيهقي عن أبى بكرة أنه جاء والناس ركوع فركع دون الصف ثم مشى إلى الصف فلما قضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاته قال أيكم الذى ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف الخ (وما رواه) الطحاوى من طريق ابن عجلان عن الأعرج عن أبى هريرة قال قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأتي مكانه من الصف (فيكون الحديث) دليلا لمن قال بعدم صحة صلاة المتفرد خلف الصف. لكن تقدم عن الجمهور أن هذا إرشاد لأبي بكرة إلى ما هو الأفضل والأكمل. وقيل لا تعد من الإعادة أى لا تعد صلاتك التي صليتها وأحرمت لها دون الصف فيكون دليلا لمن قال بصحة صلاة من صلى وحده خلف الصف (وأجاب عنه) القائلون يبطلان الصلاة بأن أبا بكرة ركع دون الصف خشية أن تفوته الركعة. أو بأن حديث أبي بكرة مخصص لعموم حديث وابصة (قالوا) فمن ابتدأ الصلاة منفردا خلف الصف ثم دخل فيه قبل القيام من الركوع لم تجب عليه الإعادة كما في حديث أبى بكرة وإلا فتجب لعموم حديث وابصة، وقيل لا تعد من العدو أى لا تسرع في مشيك إلى الصلاة إسراعا يحفزك فيه النفس ويؤيده ما تقدم للمصنف عن أبى هريرة عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وما رواه ابن السكن في صحيحه بلفظ أقيمت الصلاة فانطلقت أسعى

الخلاف فيما يغتفر للمصلي من الخطوات

حتى دخلت في الصف فلما قضى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة قال من الساعي آنفا قال أبو بكرة فقلت أنا فقال زادك الله حرصا ولا تعد "إذا علمت" ما تقدم من الاحتمالات تعلم أن الحديث لا يصلح دليلا لأحد الفريقين، والأحوط البعد عن الصلاة خلف الصف منفردا لما فيها من الخلاف إلا لضرورة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبخارى والنسائى والطحاوى والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا حَمَّادٌ، أَنَا زِيَادٌ الْأَعْلَمُ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ جَاءَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ - رَاكِعٌ، فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ صَلَاتَهُ، قَالَ: «أَيُّكُمُ الَّذِي رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ؟ » فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: أَنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ». (ش) (حماد) بن سلمة (قوله ثم مشى إلى الصف) أى وهو راكع (وفيه دلالة) على أن المشى في الصلاة لمصلحتها لا يبطلها (وقد اختلف) في المقدار الذى يغتفر مشيه من غير بطلان فقدّره بعض الحنفية بخطوة وقدّره البعض الآخر بموضع السجود (وقالت) الشافعية تغتفر الخطوة والخطوتان على التوالى لا ما زاد عليهما وأما إذا كان المشى متقطعا فيغتفر ولو بلغ مائة خطوة (وقالت) المالكية إذا كان المشى لسدّ فرجة أو سترة يغتفر قدر الصفين والثلاثة وأما إذا كان لغيرهما مثل دفع مارّ أو ذهاب دابة ونحوهما فيرجع فيه إلى العرف فما عدّ في العرف قريبا اغتفر وإلا فلا "وفي بعض النسخ" زيادة "قال أبو داود زياد الأعلم زياد بن فلان بن قرّة وهو ابن خالة يونس بن عبيد" وقوله فلان هو كناية عن اسم أبيه وهو حسان كما تقدم (باب ما يستر المصلى) أى في بيان ما يتخذه المصلى أمامه سترة حال الصلاة. وفي بعض النسخ تفريع أبواب السترة في الصلاة وقدر ما يستر المصلى (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، أَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ،

باب ما يستر المصلي

عَنْ أَبِيهِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «إِذَا جَعَلْتَ بَيْنَ يَدَيْكَ مِثْلَ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ فَلَا يَضُرُّكَ مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْكَ» (ش) (رجال الحديث) (إسرائيل) بن يونس و (سماك) بن حرب. و (موسى ابن طلحة) بن عبيد الله القرشي التيمى أبي عيسى أو أبي محمد المدني. روى عن عثمان وعلي وأبي هريرة وابن عمر وآخرين. وعنه ابنه عمران وسعد بن طارق والحكم بن عتيبة وحكيم بن جبير وغيرهم. وثقه ابن سعد وقال كثير الحديث وقال العجلى تابعى ثقة وكان خيارا وقال ابن خراش كان من أجلاء المسلمين. مات سنة ثلاث أو أربع ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله مثل مؤخرة الرحل) بضم الميم وسكون الهمزة وكسر الخاء المعجمة وفتحها على ما جزم به أبو عبيد. ورواه بعضهم بفتح الهمزة وتشديد الخاء. ويقال فيها آخرة بالمدّ وهي أفصح اللغات وهي الخشبة التي تكون في مؤخر الرحل يستند إليها الراكب (واختلف) في مقدارها فقيل ذراع وقيل ثلثا ذراع وهو الأشهر. وقدّرها عطاء بذراع فما فوقه كما ذكره المصنف بعد (واختلف الفقهاء) في مقدار السترة طولا وغلظا. فقال النووى المعتبر أن يكون طولها كمؤخرة الرحل وأما عرضها فلا ضابط فيه بل يكفى الغليظ والدقيق عندنا. ودليلنا حديث أبي هريرة عنه صلى الله تعالى عليه وعلى وآله وسلم قال يجزئُ من السترة مثل مؤخرة الرحل ولو بدقة شعرة. وعن سبرة بن معبد أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال استتروا في صلاتكم ولو بسهم (وبهذا) قالت الحنابلة (وقالت المالكية) أقلها غلظ رمح وطول ذراع فإن كانت أقل فلا يحصل بها الندب. ويدل لهم حديث العنزة الآتي (وقالت الحنفية) طولها ذراع وغلظها قدر أصبع (قوله فلا يضرك من مرّ بين يديك) يعني لا ينقص من ثواب صلاتك من مرّ خلف السترة حال صلاتك بخلاف من مرّ بينك وبينها. وأخبر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بنفى الضرر لأنه قد فعل ما يؤذن بأنه يصلى وهو وضع السترة. فالمراد بالضرر نقص الصلاة. وفيه إشعار بأن من وضع السترة بين يديه لا ينقص من ثواب صلاته شيء بخلاف من صلى لغير سترة. والحكمة في مشروعيتها كفّ البصر عما ورائها ومنع من يجتاز بينه وبينها (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم بلفظ إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبال بمن مرّ وراء ذلك. وأخرجه ابن ماجه عن موسى بن طلحة عن أبيه قال كنا نصلى والدوابّ تمرّ بين أيدينا فذكر ذلك لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال مثل مؤخرة الرحل تكون بين يدى أحدكم فلا يضرّه من مرّ بين يديه وأخرجه الترمذى وقال حديث طلحة حديث حسن صحيح

مشروعية اتخاذ المصلي سترة حضرا وسفرا

(ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «آخِرَةُ الرَّحْلِ ذِرَاعٌ فَمَا فَوْقَهُ». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «كَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ أَمَرَ بِالْحَرْبَةِ فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا، وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الْأُمَرَاءُ» (ش) (ابن نمير) هو عبد الله. و (عبيد الله) بن عمر بن حفص العدوى (قوله أمر بالحربة الخ) أى بحملها لتغرز في الأرض أمامه صلى الله عليه وآله وسلم ليستتر بها. وهي أقل من الرمح عريضة النصل. وروى البخارى من طريق الأوزاعي عن نافع عن ابن عمر قال كان النبى صلى الله عليه وآله وسلم يغدو إلى المصلى والعنزة بين يديه تحمل وتنصب بالمصلى بين يديه فيصلى إليها. وزاد ابن ماجه وابن خزيمة والإسماعيلي وذلك أن المصلى كان فضاء ليس فيه شئ يستره (قوله والناس ورائه الخ) بالرفع عطف على فاعل يصلى أى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلى إلى الحربة والحال أن الناس يصلون ورائه وكان ينصب الحربة بين يديه في السفر حيث لا يكون جدار أو نحوه (قوله فمن ثم اتخذها الأمراء) أى فمن أجل اتخاذ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الحربة فيما ذكر اتخذها الأمراء. وهذه الجملة ليست في رواية ابن ماجه. وفصلها علي بن مسهر من حديث ابن عمر فجعلها من كلام نافع. والضمير في قوله اتخذها عائد على الحربة التي كان يتخذها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكان الأمراء يتناولونها واحدا بعد واحد. ويحتمل عوده على جنس الحربة فيكون فيه استخدام (واختلف) في الحربة التي كان يضعها صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمامه. فقيل هي التي أهداها النجاشى للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقد روى عمر بن شيبة في أخبار المدينة من حديث سعد القرظ أن النجاشي أهدى إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حربة فأمسكها لنفسه فهى التي يمشى بها مع الإمام يوم العيد. وقيل كانت لرجل من المشركين بدليل ما روى من طريق الليث أنه بلغه أن العنزة التي كانت بين يدى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كانت لرجل من المشركين فقتله الزبير بن العوام يوم أحد فأخذها منه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكان ينصبها بين يديه إذا صلى. ويمكن الجمع بأن عنزة الزبير كانت أولا قبل حربة النجاشى (فقه الحديث) دلّ الحديث مشروعية اتخاذ السترة للصلاة، وعلى مشروعية استصحاب

باب الخط إذا لم يجد عصا

الآلة التي يدفع بها الضرر ولا سيما في السفر، وعلى جواز اتخاذ الخادم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والبخارى والنسائى وابن ماجه مختصرا (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «صَلَّى بِهِمْ بِالْبَطْحَاءِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، يَمُرُّ خَلْفَ الْعَنَزَةِ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ» (ش) (شعبة) بن الحجاج (قوله عن أبيه) هو أبو جحيفة وهب بن عبد الله السوائى (قوله صلى بهم بالبطحاء) تقدم أنه موضع خارج مكة ويقال له الأبطح أيضا (قوله وبين يديه عنزة الخ) أى والحال أن بين يديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عنزة مغروزة. وهي بفتحتين رميح بين العصا والرمح ولها حديدة في أسفلها وهى المعبر عنها بالحربة في الرواية السابقة "وقوله" يمرّ خلف العنزة المرأة والحمار "دليل" على أن مرور المرأة والحمار ونحوهما خلف السترة لا يضرّ بصلاة المصلى (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية اتخاذ السترة في السفر ولو لم يخش المصلى مرور أحد. وسيأتى بيانه، وعلى الاكتفاء فيها بغلط العنزة، وعلى مشروعية قصر الصلاة في السفر (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم (باب الخط إذا لم يجد عصا) أيكفى سترة أم لا (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرِو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُرَيْثٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ حُرَيْثًا يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخْطُطْ خَطًّا، ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ أَمَامَهُ». (ش) (رجال الحديث) (إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموى روى عن نافع وعكرمة وابن المسيب وأبى الزبير والزهرى ومكحول وجماعة. وعنه الثورى وأبو إسحاق الفزارى ومعمر ويحيى بن سليم ويحيى بن أيوب وغيرهم. وثقه ابن معين والنسائى

مذاهب الفقهاء في جعل الخط سترة للمصلي إذا لم يجد غيره

وأبو زرعة وأبو حاتم والعجلى وقال كثير الحديث وقال سفيان كان حافظا للعلم مع ورع وصدق مات سنة تسع وثلاثين ومائة. روى له الجماعة. و (أبو عمرو بن محمد بن حريث) العذرى قال الطحاوى مجهول وقال في التقريب مجهول من السادسة (قوله سمع جده حريثا) رجل من بني عذرة يقال ابن سليم ويقال ابن سليمان أو ابن عمار. روى عن أبي هريرة. قال الطحاوى مجهول وقل في التقريب يختلف في صحبته وعندى أن راوى حديث الخط غير الصحابى بل هو مجهول من الثالثة (معنى الحديث) (قوله إذا صلى أحدكم الخ) أى إذا أراد الصلاة فليجعل أمامه شيئا من شجر أو جدار أو عمود أو نحو ذلك مما يكون أقله مثل مؤخرة الرحل فإن لم يجد شيئا مما ذكر فليقم عصا أى يرفعها أمامه. فينصب مضارع نصب من باب ضرب يقال نصبت الخشبة نصبا أقمتها ونصبت الحجر رفعته علامة (وظاهره) عدم الفرق بين الرفيعة والغليظة كما يدلّ عليه ما رواه الحاكم عن سبرة بن معبد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال استتروا في صلاتكم ولو بسهم وما رواه البخاري عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يجزئُ من السترة مثل مؤخرة الرحل ولو بدقة شعرة (قوله فليخطط خطا) في هذا جواز الاقتصار في السترة على الخط إذا لم يجد غيره (وبه قال أحمد) والشافعى في القديم وأبو إسحاق الشيرازى وأبو حامد والأكثر من الشافعية وهو قول عند الحنفية (وذهبت المالكية) والشافعيّ في الجديد وأكثر الحنفية إلى أن الخط لا يكفى سترة. قالوا لأن الغرض من السترة الإعلام بالصلاة وهو لا يحصل بالخط (وأجابوا) عن الحديث بأنه مضطرب وضعفه ابن عيينة والبغوى والشافعى وغيرهم. لكن قال النووى المختار استحباب الخط لأنه وإن لم يثبت الحديث ففيه تحصيل حريم للمصلى وقد قدّمنا اتفاق العلماء على العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال دون الحلال والحرام وهذا من فضائل الأعمال. والمختار في كيفيته أن يكون إلى القبلة. وممن جزم باستحباب الخط القاضى أبو حامد المروزى والشيخ أبو حامد والقاضى أبو الطيب والبندنيجى وأشار إليه البيهقي وغيره (قال الغزالى) والبغوى وغيرهما وإذا لم يجد شاخصا بسط مصلاه (قوله ثم لا يضره ما مرّ أمامه) أى لا ينقص من ثواب صلاته مرور شئ أمامه وراء السترة لأنه فعل ما أمر به بخلاف ما إذا لم يتخذ سترة فإنه ينقص ثواب صلاته بمرور شيء أمامه (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية السترة، وعلى أنها لا تختص بنوع بل كل شيء يجعله المصلى أمامه مما يصلح أن يكون سترة يحصل به الامتثال. وهي على الترتيب المذكور في الحديث فيقدم الحائط ونحوه ثم العصا ثم الخط. وقاس بعضهم فرش المصلى على الخط فجعل نهاية فرشه سترة له وقال هو أولى من الخط لأنه أظهر في كونه علامة على الصلاة. لكن محله

ما لم يطل الفرش جدا وإلا فلا يصح أن يكون سترة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد وصححه وابن ماجه وابن حبان والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا عَلِيٌّ يَعْنِي ابْنَ الْمَدِينِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، يعني ابن عيينة عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ جَدِّهِ حُرَيْثٍ، رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ: فَذَكَرَ حَدِيثَ الْخَطِّ، قَالَ سُفْيَانُ: لَمْ نَجِدْ شَيْئًا نَشُدُّ بِهِ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَجِئْ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، قَالَ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ: إِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَفَكَّرَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: مَا أَحْفَظُ إِلَّا أَبَا مُحَمَّدِ بْنَ عَمْرٍو، قَالَ سُفْيَانُ: قَدِمَ هَاهُنَا رَجُلٌ بَعْدَ مَا مَاتَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ فَطَلَبَ هَذَا الشَّيْخُ أَبَا مُحَمَّدٍ حَتَّى وَجَدَهُ فَسَأَلَهُ عَنْهُ فَخَلَطَ عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: "وسَمِعْت أَحْمَدَ يعني بْنَ حَنْبَلٍ سُئِلَ عَنْ وَصْفِ الْخَطِّ غَيْرَ مَرَّةٍ، فَقَالَ: هَكَذَا عَرْضًا مِثْلَ الْهِلَالِ"، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: "وسَمِعْت مُسَدَّدًا، قَالَ: قَالَ ابْنُ دَاوُدَ: الْخَطُّ بِالطُّولِ". (ش) (رجال الحديث) (يعنى ابن المديني) هو على بن عبد الله بن نجيح بن جعفر أبو الحسن ابن المديني السعدى البصرى صاحب التصانيف. روى عن أبيه وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة وابن علية وبشر بن المفضل ويحيى بن سعيد القطان وطوائف. وروى عنه البخارى وأبو داود والذهلى والحسن بن عليّ الخلال وأحمد بن حنبل وأبو يعلى وكثيرون. قال أبو حاتم كان علىّ علما في الناس في معرفة الحديث والعلل وقال عبد الرحمن بن مهدى كان أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال أبو قدامة السرخسيّ سمعت عليّ بن المديني يقول رأيت فيما يرى النائم كأن الثريا نزلت حتى تناولتها فصدق الله رؤياه فبلغ في الحديث مبلغا لم يبلغه أحد وقال أبو عبيد القاسم بن سلام انتهى العلم إلى أربعة وعدّ عليّ بن المديني منهم وقال البخارى كان أعلم أهل عصره وقال ابن حبان كان من أعلم أهل زمانه بعلل حديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رحل وجمع وكتب وصنف وذاكر وحفظ وقال النسائى ثقة مأمون أحد الأئمة في الحديث وقال أبو زرعة لا يرتاب في صدقه. مات سنة أربع وثلاثين ومائتين

روى له البخارى وأبو داود والترمذى والنسائى (قوله عن جدّه حريث رجل الخ) بدل من حريث. وبنو عذرة قبيلة حريث (قوله قال فذكر حديث الخط الخ) أى قال ابن المديني فذكر سفيان بن عيينة الحديث الذى ذكر فيه الخط وقال لم نجد طريقا آخر أو شاهدا يقوى به هذا الحديث ولم يجئ هذا الحديث إلا من طريق إسماعيل بن أمية عن أبي محمد بن عمرو ابن حريث عن جده حريث. وأشار به إلى أن الحديث غريب (قوله إنهم يختلفون فيه) أي في اسم شيخ إسماعيل بن أمية أهو أبو محمد بن عمرو أم عمرو بن محمد بن حريث (قولة ففكر ساعة الخ) أى تفكر سفيان وقتا من الزمن ثم قال لا أحفظ له اسما إلا أبا محمد بن عمرو (قوله قدم هاهنا رجل) وفي نسخة قدم هنا رجل وهو عتبة أبو معاذ كما قاله الحافظ (قوله فطلب هذا الشيخ أبا محمد الخ) أى طلب الرجل هذا الشيخ أبا محمد فسأله عن هذا الحديث فخلط أى التبس عليه فلم يروه على أصله فالضمير المستتر في طلب عائد على الرجل. وقوله أبا محمد بدل من الشيخ (قوله هكذا عرضا الخ) أى قال أحمد هكذا وأشار بيده عرضا مقوّسا مثل الهلال في انعطاف طرفيه. ووافق أحمد على ذلك الحميدى. وقيل يكون الخط معترضا أمام المصلي يمينا وشمالا بدون انعطاف في طرفيه (قوله قال ابن داود الخط بالطول) أى مستقيما من بين يدى المصلي إلى جهة القبلة. وابن داود هو عبد الله الخريبي ووافقه على ذلك بعض الحنفية (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ شَرِيكًا «صَلَّى بِنَا فِي جَنَازَةٍ الْعَصْرَ فَوَضَعَ قَلَنْسُوَتَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ» يَعْنِي فِي فَرِيضَةٍ حَضَرَتْ (ش) (رجال الأثر) (عبد الله بن محمد) بن عبد الرحمن بن مسور بن مخرمة (الزهرى) البصرى. روى عن عبد الوهاب الثقفى وابن عيينة وأبي عامر العقدى ومعاذ بن معاذ وآخرين. وعنه أبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى وابن خزيمة وأبو حاتم وقال صدوق ووثقه النسائى وقال الدارقطني من الثقات. مات سنة ست وخمسين ومائتين (معنى الأثر) (قوله صلى بنا في جنازة الخ) أى قال سفيان بن عيينة صلى شريك بنا العصر. جماعة حال كوننا مجتمعين لجنازة ووضع قلنسوته سترة بين يديه وهي غشاء مبطن يغطي به الرأس. وقيل هي التي يغطي بها العمائم وتسترها من الشمس والمطر وجمعها قلانس أو قلانيس أو قلاسيّ. ولعلها كانت كبيرة صلبة تساوى مؤخرة الرحل فجعلها سترة. ولعلّ شريكا هذا هو ابن عبد الله النخعى أو ابن عبد الله بن أبى نمر النمرى

باب الصلاة إلى الراحلة

(باب الصلاة إلى الراحلة) (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، وَابْنُ أَبِي خَلَفٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ عُثْمَانُ: ثَنَا أَبُو خَالِدٍ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُصَلِّي إِلَى بَعِيرِهِ» (ش) (رجال الحديث) (ابن أبي خلف) هو محمد بن أحمد بن أبي خلف البغدادى فهو منسوب إلى جدّه الأعلى. و (عبد الله بن سعيد) بن حصين أبو سعيد الأشج الكوفي الكندى. روى عن إسماعيل بن علية وحفص بن غياث وأبي أسامة وزياد بن الحسن وعقبة ابن خالد وآخرين. وعنه البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والترمذى وأبو زرعة وكثيرون قال أبو حاتم ثقة صدوق وقال النسائى صدوق ليس به بأس ووثقه ابن حبان والخليلى ومسلمة ابن قاسم وقال ابن معين ليس به بأس لكنه روى عن قوم ضعفاء. توفي سنة سبع وخمسين ومائتين (قوله قال عثمان حدثنا أبو خالد الخ) لعله أتى به لبيان أن عثمان بن أبي شيبة رواه بالتحديث وغيره من شيوخه ذكره بالعنعنة. و (أبو خالد) هو سليمان بن حيان الأحمر (معنى الحديث) (قوله كان يصلى إلى بعيره) أى يجعله سترة له في الصلاة (وفيه دليل) على جواز جعل الحيوان سترة "ولا يعارضه" النهى عن الصلاة في معاطن الإبل "لأن استتاره" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالراحلة كان في السفر لا في محل إقامتها المنهى عنه. وروى عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عبد الله بن دينار أن ابن عمر كان يكره أن يصلى إلى بعير إلا وعليه رحل (وكأن الحكمة) في ذلك أنها في حال شد الرحل عليها أقرب إلى السكون من حال تجريدها (وبظاهر الحديث) أخذت الحنفية والحنابلة فقالوا. بجواز الاستتار بالحيوان إذا كان مستقرّا ولو آدميا (وذهب الشافعى) إلى أنه لا يستتر بامرأة ولا دابة (قال النووى) فأما قوله في المرأة فظاهر لأنه ربما شغلت ذهنه. وأما الدابة ففي الصحيحين عن ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يعرض راحلته فيصلى إليها زاد البخارى في روايته وكان ابن عمر يفعله ولعل الشافعى رحمه الله تعالى لم يبلغه هذا الحديث وهو حديث صحيح لا معارض له فتعين العمل به لاسيما وقد أوصانا الشافعى بأنه إذا صح الحديث فهو مذهبه اهـ (وفصلت). المالكية فقالوا إن كان الحيوان غير مأكول اللحم كره الاستتار به مطلقا. وإن كان مأكول اللحم فإن كان مربوطا جاز بغير كراهة وإلا كره كما يكره الاستتار بالمرأة الأجنبية. وفي المحرم عندهم قولان

باب إذا صلى إلى سارية "أي عمود" أو نحوها أين يجعلها منه

أما الرجل فإن كان غير مستقبل للمصلى بوجهه جاز وإلا كره كما يكره الاستتار بالمخنث والمأبون (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والترمذى وأخرجه البيهقي من طريق معتمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يعرض راحلته فيصلى إليها قلت أفرأيت إذا ذهبت الركاب قال كان يأخذ الرحل فيعدله فيصلى إلى آخرته أو قال مؤخرته "قال البيهقي" رواه البخارى في الصحيح عن محمد بن أبي بكر المقدمى وزاد فيه وكان ابن عمر يفعله وأخرجه أيضا من طريق عبيدة بن حميد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى فعرض البعير بينه وبين القبلة قال القاسم في حديثه قال عبيد الله سألت نافعا إذا ذهبت الإبل كيف يصنع قال كان يعرض مؤخرة الرحل بينه وبين القبلة اهـ (باب إذا صلى إلى سارية أو نحوها أين يجعلها منه) (ص) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، ثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ الْوَلِيدُ بْنُ كَامِلٍ، عَنِ الْمُهَلَّبِ بْنِ حُجْرٍ الْبَهْرَانِيِّ، عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهَا، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَى عُودٍ وَلَا عَمُودٍ وَلَا شَجَرَةٍ إِلَّا جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوِ الْأَيْسَرِ وَلَا يَصْمُدُ لَهُ صَمْدًا» (ش) (رجال الحديث) (أبو عبيدة الوليد بن كامل) بن معاذ بن أبي أمية البجلي مولاهم روى عن ثور بن يزيد ونصر بن علقمة ورجاء بن حيوة والوليد بن عطاء وعبد الله بن بشر وعنه سعيد بن عبد الجبار وعلى بن عياش ويحيى بن صالح ويحيى بن حمزة. قال البخارى عنده عجائب وقال الأزدى ضعيف وقال ابن القطان لا تثبت عدالته وقال الحافظ يروى المراسيل والمقاطيع ووثقه للنسائى. و (المهلب بن حجر) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم. روى عن ضباعة وعنه الوليد بن كامل. قال أبو الحسن بن القطان مجهول الحال وقال في التقريب مجهول من السادسة وذكره ابن حبان في الثقات. و (البهرانى) نسبة إلى بهراء بوزن حمراء على غير قياس والقياس بهراوى. و (ضباعة بنت المقداد بن الأسود) بضم الضاد المعجمة. روت عن أبيها حديث الباب وعنها المهلب بن حجر. قال أبو الحسن بن القطان لا تعرف وقال في التقريب لا تعرف من الثالثة (معنى الحديث) (قوله ما رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي إلى عود ولا عمود الخ) أى قال المقداد ما رأيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي إلى

باب الصلاة إلى المتحدثين والنيام

شئ مما ذكر إلا جعله إزاء حاجبه الأيمن أو الأيسر والأيمن أولى ولهذا بدأ به في الحديث ويؤيده أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يعجبه التيامن في شأنه كله (قوله ولا يصمد له صمدا) أى لا يقصده ولا يجعله تلقاء وجهه حذرا من التشبه بعبدة الأصنام (وفي هذا دليل) على أنه ينبغى للمصلي أن يجعل سترته على أحد جانبيه ولا يجعلها أمامه. لكن هذا في نحو عمود أو شجر (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبيهقي والطبرانى في معجمه وابن عدى في الكامل وهو معلول سندا ومتنا. أما السند فلأن فيه الوليد بن كامل وفيه مقال وفيه المهلب وضباعة وهما مجهولان كما تقدم. وأما المتن فقد رواه ابن السكن في سننه بلفظ أنا سعيد بن عبد العزيز الحلبى نا أبو بقي هشام بن عبد الملك نا بقية عن الوليد بن كامل نا المهلب بن حجر البهراني عن ضبيعة بنت المقدام بن معد يكرب عن أبيها قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا صلى أحدكم إلى عمود أو إلى سارية أو شئ فلا يجعله نصب عينيه وليجعله على حاجبه الأيسر (وقال) ابن السكن أخرج هذا الحديث أبو داود من رواية على بن عياش عن الوليد بن كامل فغير إسناده ومتنه فإنه عن ضباعة بنت المقداد بن الأسود عن أبيها. والذى رواه بقية عن ضبيعة بنت المقدام بن معد يكرب عن أبيها وذلك فعل وهذا قول اهـ (باب الصلاة إلى المتحدّثين والنيام) أهي جائزة أم لا، وفي نسخة باب في الصلاة إلى النيام (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: يَعْنِي لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «لَا تُصَلُّوا خَلْفَ النَّائِمِ وَلَا الْمُتَحَدِّثِ» (ش) (رجال الحديث) (عبد الملك بن محمد بن أيمن) الحجازى. روى عن عبد الله بن يعقوب. وعنه يحيى بن المغيرة والقعنبي. قال أبو الحسن بن القطان حاله مجهول وقال في التقريب مجهول من العاشرة. و (عبد الله بن يعقوب بن إسحاق) المدنى. روى عن عبد الله بن عبد العزيز الحضرمى وابن أبي الزناد. وعنه عبد الله بن أبي زياد وابن وهب وعبد الملك بن محمد. قال في التقريب مجهول من التاسعة وقال ابن القطان أجهدت نفسى في التنقيب عن حاله لم أجد أحدا ذكره ولا أرى أهو المذكور في حديث النهى عن الصلاة

مذاهب الفقهاء في ذلك

خلف النائم أو غيره. روى له أبو داود والترمذى (قوله عمن حدّثه) لعله أبو المقدام هشام ابن زياد كما في رواية ابن ماجه وهو ضعيف لا يحتج به قال في التقريب متروك من السادسة وضعفه أحمد وأبو زرعة وغيرهما (معنى الحديث) (قوله قال قلت له الخ) لعل محمد بن كعب رأى عمر بن عبد العزيز يصلى إلى النائم أو المتحدث فحدّثه بهذا الحديث (قوله لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث) أما النهى عن الصلاة إلى النائم فلخشية أن يبدو منه ما يلهى المصلى عن صلاته (وإلى كراهة) الصلاة إلى النائم ذهب مالك وطاوس ومجاهد (وأجازها) آخرون. مستدلين بما رواه البخارى عن عائشة قالت كان النبى صلى الله عليه وآله وسلم يصلى وأنا راقدة معترضة على فراشه. وسيأتي للمصنف (وأجابوا) عن حديث الباب بأنه ضعيف باتفاق الحفاظ كما قاله النووى. وقال الخطابي هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لضعف سنده. وعبد الله بن يعقوب لم يسم من حدّثه عن محمد بن كعب وإنما رواه عن محمد بن كعب رجلان ضعيفان تمام بن بزيع وعيسى بن ميمون وقد تكلم فيهما يحيى بن معين والبخارى. ورواه أيضا عبد الكريم أبو أمية عن مجاهد عن ابن عباس وعبد الكريم متروك الحديث اهـ (وأما النهى) عن الصلاة إلى المتحدثين فلما فيها من شغل المصلى والتشويش عليه (وإلى كراهتها) خلف المتحدّثين ذهب ابن مسعود وسعيد بن جبير وقال لا بأس بالصلاة خلفهم إذا كانوا يذكرون الله تعالى (وممن قال) بالكراهة أحمد والشافعى ويدلّ لهم حديث الباب. وما رواه البزار عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال نهيت أن أصلى خلف النائم والمتحدث. وروى ابن عدى عن ابن عمر نحوه. وروى الطبراني عن أبي هريرة نحوه. وهذة الطرق وإن كانت ضعيفة يقوّى بعضها بعضا. وقال ابن بطال أجاز الكوفيون والثورى والأوزاعي الصلاة خلف المتحدثين اهـ ومحل الخلاف إذا لم يؤدّ إلى اشتغال المصلي عن صلاته وذهاب خشوعه وإلا فلا خلاف في كراهته (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي وابن ماجه وأخرج البزار نحوه عن ابن عمر والطبراني عن أبى هريرة (باب الدنوّ من السترة) أى في بيان ما يدل على طلب قرب المصلى من السترة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ سُفْيَانَ، أَنَا سُفْيَانُ، ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَحَامِدُ بْنُ يَحْيَى، وَابْنُ السَّرْحِ، قَالُوا: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ

سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ». (ش) (رجال الحديث) (حامد بن يحيى) بن هانئ أبو عبد الله البلخى. روى عن مروان بن معاوية وأبي النضر وأيوب بن النجار وسفيان بن عيينة وأبي عاصم وآخرين وعنه أبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود ويحيى بن أيوب وجعفر بن محمد الفريابي وجماعة. قال أبو حاتم صدوق وقال مسلمة والحافظ في التقريب ثقة حافظ. مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين. و (ابن السرح) هو أحمد بن عمرو بن السرح. و (سهل بن أبى حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة ابن ساعدة بن عامر بن عدى بن مجدعة بن حارثة الأنصارى الأوسى أبي عبد الرحمن روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن زيد بن ثابت ومحمد بن مسلمة. وعنه ابنه محمد ومحمد بن سليمان وبشير بن يسار وعروة ونافع بن جبير وآخرون. روى له الجماعة. توفي في خلافة معاوية (قوله يبلغ به النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) أى يرفعه إليه (معنى الحديث) (قوله إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها) أى فليقرب منها. والأمر فيه للندب. ويأتي تحديد القرب في الحديث الذى بعد هذا. وفيه إشارة إلى أن اتخاذ السترة للمصلى محقق حيث عبر بإذا ويؤيده ما جاء من الأحاديث التي فيها الأمر باتخاذها. وليس المراد أنه مخير في اتخاذ السترة وعدمه كما قد يتوهم من العبارة (قوله لا يقطع الشيطان الخ) جملة مستأنفة في قوة التعليل أى لئلا يقطع الشيطان عليه صلاته بأن يحمل من يمرّ بين يدى المصلى فيقطع عليه صلاته حقيقة كالمرأة والحمار والكلب عند قوم أو يقطع خشوعه عند آخرين. وسيأتي تمام الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى. ويحتمل أن المراد بالشيطان الكلب أو المارّ فقد جاء في الحديث أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أطلق على كل منهما أنه شيطان كما سيأتى (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية القرب من السترة، وعلى أن القرب منها يحفظ على المصلى صلاته (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الطبراني وأبو نعيم في الحلية والبزار في مسنده وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال على شرط الشيخين وأخرجه البيهقي من طريق المصنف (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ وَاقِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَوْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، وقد قَالَ: بَعْضُهُمْ، عَنْ نَافِعِ

بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَاخْتُلِفَ فِي إِسْنَادِهِ (ش) غرض المصنف بهذا بيان أن في سند الحديث اختلافا ففي الرواية الأولى رواه سفيان عن صفوان ورواه صفوان عن نافع. وفي هذه رواه واقد عن صفوان ورواه صفوان عن محمد بن سهل عن أبيه أو عن محمد عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. فروايته إما متصلة أو مرسلة لأن محمدا تابعى لم يدرك النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ورواية واقد هذه أخرجها البيهقي قال أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن الغضائرى ببغداد ثنا محمد بن عمرو البخترى الرزّاز أنبأ محمد بن عبد الملك الدقيقى ثنا يزيد بن هارون أخبرنا شعبة عن واقد بن محمد ابن زيد أنه سمع صفوان يحدّث عن محمد بن سهل عن أبيه أو عن محمد بن سهل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا صلى أحدكم إلى شيء فليدن منه لا يقطع الشيطان صلاته "قال الشيخ" ورواه داود بن قيس عن نافع بن جبير مرسلا اهـ هذا. و (واقد بن محمد) بن زيد بن عبد الله بن عمر ابن الخطاب العدوى المدني. روى عن أبيه وابن أبي مليكة ونافع مولى ابن عمر وابن المنكدر. وعنه أخوه عاصم وابنه عثمان وشعبة. وثقه أحمد وأبو داود وابن معين وقال أبو حاتم لا بأس نه ثقة يحتج بحديثه وقال في التقريب ثقة من السادسة. روى له البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى (قوله وقد قال بعضهم عن نافع الخ) وفي بعض النسخ قال أبو داود وقال بعضهم روى هذا الحديث صفوان بن سليم عن نافع بن جبير عن سهل بن سعد بن مالك الساعدى. وبهذا الطريق أخرجه الطبراني عن ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن صفوان بن سليم عن نافع بن جبير عن سهل بن سعد الساعدى أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يمر الشيطان بينه وبينها وأخرجه أبو نعيم في الحلية بهذا السند (قوله واختلف في إسناده) كان الأولى أن يقول فاختلف في إسناده لأنه تفريع على ما ذكر من الروايات ولعل الواو تفريعية بمعنى الفاء وأشار المصنف به إلى ضعف الحديث (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، وَالنُّفَيْلِيُّ، قَالَا: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: «كَانَ بَيْنَ مَقَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مَمَرُّ عَنْزٍ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الْخَبَرُ لِلنُّفَيْلِيِّ (ش) (رجال الحديث) (عبد العزيز بن أبي حازم) أبو تمام المدني واسم أبي حازم سلمة بن دينار. روى عن أبيه وهشام بن عروة وموسى بن عقبة وسهيل بن أبي صالح وآخرين

باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن الممر بين يديه

وعنه بن المديني وابن وهب وابن مهدى والحميدى وأبو الأحوص وكثيرون. وثقه العجلى وابن نمير والنسائى وقال ابن معين ثقة صدوق ليس به بأس وقال أحمد لم يكن بالمدينة بعد مالك أفقه منه توفي سنة اثنتين أو أربع وثمانين ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله قال كان بين مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخ) أى كان بين مكانه الذى يصلى فيه وبين جدار المسجد مما يلي القبلة قدر ممرّ عنز. وفي رواية البخارى كان بين مصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وبين الجدار ممرّ الشاة. والعنز هي الأنثى من المعز (وفي هذا دلالة) على استحباب القرب من السترة لأن ممرّ العنز أقل من ذراع "ولا منافاة" بين حديث الباب وبين ما رواه أحمد عن بلال أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخل الكعبة فصلى وبينه وبين الجدار نحو من ثلاثة أذرع "لأن حديث الباب" محمول على حال السجود. وحديث أحمد محمول على حال القيام (وجمع الداودى) بينهما بأن أقل القرب من السترة قدر ممر الشاة وأكثره ثلاثة أذرع. وقوله الخبر للنفيلي أى لفظ الحديث المذكور لعبد الله بن محمد النفيلي. وأفاد المصنف بذلك أن روايته للحديث عن عبد الله بن مسلمة القعنبي بالمعنى (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم وكذا البيهقي من طريق يعقوب بن إبراهيم الدورقى ثنا عبد العزيز بن أبى حازم قال حدثني أبي عن سهل بن سعد قال كان بين مصلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وبين الجدار ممر شاة (باب ما يؤمر المصلى أن يدرأ عن الممر بين يديه) أى في بيان ما يدل على أن المصلي يطلب منه أن يدفع من يمر بين يديه (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» (ش) (قوله إذا كان أحدكم يصلى الخ) أى إلى شيء يصح أن يكون سترة مما تقدم ذكره لما تقدم في حديث أبي هريرة من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا. ولما سيأتى في حديث أبى سعيد الخدرى المذكور بعد هذا. فإطلاق حديث الباب مقيد بالأحاديث المذكورة، وذكر البخارى في روايته سبب ذكر أبى سعيد

أقوال العلماء في حكم دفع المار أمام المصلي وفي مقاتلته

لهذا الحديث من طريق حميد بن هلال للعدوى قال حدثنا أبو صالح السمان قال رأيت أبا سعيد الخدرى في يوم جمعة يصلى إلى شيء يستره من الناس فأراد شاب من بني معيط أن يجتاز بين يديه فدفع أبو سعيد في صدره فنظر الشاب فلم يجد مساغا إلا بين يديه فعاد ليجتاز فدفعه أبو سعيد أشدّ من الأولى فنال من أبي سعيد ثم دخل على مروان فشكا إليه ما لقى من أبي سعيد ودخل أبو سعيد خلفه على مروان فقال مالك ولابن أخيك يا أبا سعيد قال سمعت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس وأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبي فليقاتله فإنما هو شيطان (قوله وليدرأه ما استطاع) أى ليدفع المصلى من أراد المرور بينه وبين سترته على قدر استطاعته (وظاهر الأمر) وجوب الدفع وبه قال أهل الظاهر (وقال) النووى الأمر بالدفع أمر ندب وهو ندب متأكد ولا أعلم أحدا من العلماء أوجبه بل صرّح أصحابنا وغيرهم بأنه مندوب غير واجب اهـ ويدفعه بيده إن كان قريبا منه لما سيأتي للمصنف "فليدفع في نحره" فإن كان بعيدا ردّه بالإشارة أو التسبيح (قال) القاضى عياض اتفقوا على أنه لا يجوز له المشى إليه من موضعه ليردّه وإنما يدفعه ويردّه من موقفه لأن مفسدة المشى في صلاته أعظم من مروره من بعيد بين يديه. وإنما أبيح له قدر ما تناله يده من موقفه. ولهذا أمر بالقرب من سترته. وإنما يردّه إذا كان بعيدا منه بالإشارة أو التسبيح اهـ (واختلفوا) فيما إذا مرّ شخص وأدركه المصلى قبل أن يتمم المرور أيردّه أم لا فقال ابن مسعود والحسن وسالم يرده (وقال الجمهور) لا يرده لأن فيه إعادة للمرور (قال) الحافظ ويمكن حمل كلام ابن مسعود على ما إذا أراد المصلى الرّد فامتنع لا حيث يقصر المصلى في الردّ (وظاهر هذا الحديث) دفع المارّ مطلقا ولو كان صبيا، لما رواه ابن ماجه من طريق وكيع عن أسامة بن زيد عن محمد بن قيس عن أبيه عن أم سلمة قالت كان النبى صلى الله عليه وآله وسلم يصلى في حجرة أم سلمة فمر بين يديه عبد الله أو عمر بن أبي سلمة فقال بيده فرجع فمرّت زينب بنت أم سلمة فقال بيده هكذا فمضت فلما صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال هنّ أغلب اهـ أى أن النساء أغلب في المخالفة والمعصية فلذلك امتنع الغلام من المرور ومضت الجارية (قوله فإن أبي فليقاتله) أى إن امتنع المارّ عن عدم المرور فليدفعه دفعا أشد من الأول كما قاله القرطبى والشافعى (وقال جماعة) من الشافعية إن له أن يقاتله حقيقة (واستبعد) هذا لمخالفته لقاعدة الإقبال على الصلاة والاشتغال بها والخشوع فيها (وقال) القاضى عياض أجمعوا على أنه لا يلزمه مقاتلته بالسلاح ولا بما يؤدى إلى هلاكه فإن دفعه بما يجوز فهلك من ذلك فلا قود عليه باتفاق العلماء (وهل تجب) ديته أم يكون هدرا فيه مذهبان للعلماء وهما قولان في مذهب مالك (قال) ابن شعبان عليه الدية في ماله كاملة. وقيل على عاقلته. وقيل هدر ذكره ابن التين (واتفقوا) على أن

هذا كله فيمن لم يفرّط في صلاته بل احتاط وصلى إلى سترة أو في مكان يأمن فيه من المرور بين يديه اهـ (واستنبط) ابن أبى جمرة من قوله فإنما هو شيطان أن المراد بالمقاتلة المدافعة اللطيفة لا حقيقة القتال لأن مقاتلة الشيطان إنما هى بالاستعاذة والتستر عنه بالتسمية ونحوها وإنما جاز الفعل اليسير للضرورة فلو قاتله حقيقة المقاتلة لكان أشد على صلاته من المار اهـ وهل الأمر بالمقاتلة لخلل يقع في صلاة المصلى من المرور أو لدفع الإثم عن المارّ. استظهر الثاني ابن أبى جمرة. واستظهر غيره الأول قال لأن إقبال المصلى على صلاته أولى من اشتغاله بدفع الإثم عن غيره. وهذا هو الأقوى "فقد روى" ابن أبى شيبة عن ابن مسعود أن المرور بين يدى المصلى يقطع نصف صلاته، وروى أبو نعيم عن عمر لو يعلم المصلى ما ينقص من صلاته بالمرور بين يديه لما صلى إلا إلى شيء يستره من الناس، فهذان الأثران مقتضاهما أن الدفع لخلل يتعلق بصلاة المصلى وهما وإن كانا موقوفين فحكمهما حكم الرفع لأن مثلهما لا يقال من قبل الرأى ويرد على الأول مرور الصبي فإنه لا إثم عليه لعدم تكليفه (وذهبت) الحنفية إلى أن الأفضل عدم دفع المار بين يدى المصلى (قال في البدائع) ولنا قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن في الصلاة لشغلا يعنى في أعمال الصلاة والقتال ليس من أعمال الصلاة فلا يجوز الاشتغال به وحديث أبى سعيد كان في وقت كان العمل في الصلاة مباحا "أى ثم نسخ قال" ومن المشايخ من قال إن الدّرء رخصة والأفضل أن لا يدرأ لأنه ليس من أعمال الصلاة وكذلك روى إمام الهدى الشيخ أبو منصور عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن الأفضل أن يترك الدرء والأمر بالذرء في الحديث لبيان الرخصة كالأمر بقتل الأسودين اهـ (وما قالوه) من أن الدفع ليس من أعمال الصلاة تعليل في مقابلة النص. ودعوى النسخ لا تثبت إلا بدليل ولا دليل فالراجح القول بأفضلية الدفع لقوة أدلته (قوله فإنما هو شيطان) أى من شياطين الإنس أو الجن أو فعله فعل شيطان لا شيطان حقيقة (وقال ابن بطال) في هذا جواز إطلاق لفظ الشيطان على ما يفتن في الدين وأن الحكم للمعانى دون الأسماء لاستحالة أن يصير المارّ شيطانا بمجرد مروره اهـ وقول ابن بطال مبنى على أن لفظ الشيطان يطلق حقيقة على الجني ومجازا على الإنسي وفي هذا خلاف، والصحيح إطلاق الشيطان على الإنسي وقد جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى "وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًّا شياطين الإنس والجن" الآية. ويحتمل أن الحامل له على المرور الشيطان. يؤيده ما رواه مسلم عن ابن عمر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا كان أحدكم يصلى فلا يدع أحدا يمر بين يديه فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية دفع المصلى من يمر بين يديه. ومحله ما إذا اتخذ له سترة ولم يتعدّ. أما إذا لم يتخذ سترة أو تعدى كأن وقف في طريق فليس له الدفع ولا حرج على المارّ

حينئذ (قال ابن دقيق العيد) قد استدل بالحديث على أنه إذا لم يكن له سترة لم يثبت هذا الحكم من حيث المفهوم وبعض المصنفين من أصحاب الشافعى نص على أنه إذا لم يستقبل شيئا أو تباعد عن السترة فإن أراد أن يمر وراء موضع السجود لم يكره وإن أراد أن يمر في موضع السجود كره ولكن ليس للمصلى أن يقاتله. وعلل ذلك بتقصيره حيث لم يقرب من السترة اهـ ودلّ الحديث أيضا على أن دفع المار يكون بالمناسب فالمناسب، وعلى أن المار بين يدى المصلى كالشيطان في أنه يشغل قلب المصلى عن مناجاة ربه، وعلى أنه يجوز أن يقال للرجل إذا أفسد في الدين إنه شيطان (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم مطولا بلفظ تقدم وأخرجه أحمد والنسائى رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما وكذا البيهقى من طريق يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن زيد بن أسلم الخ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، ثَنَا أَبُو خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إِلَى سُتْرَةٍ وَلْيَدْنُ مِنْهَا» ثُمَّ سَاقَ مَعْنَاهُ (ش) (أبو خالد) سليمان بن حيان الأحمر. و (ابن عجلان) هو محمد (قوله إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة الخ) تقدم أن الأمر في هذا ونحوه للندب. وتقدم أيضا بيان مقدار القرب من السترة وأنه قدر ممر الشاة (قوله ثم ساق معناه) أى ذكر محمد بن عجلان في روايته عن زيد بن أسلم حديثا بمعنى حديث مالك الذى رواه عن ابن أسلم. ولفظه رواه ابن حبان في صحيحه عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها فإن الشيطان يمر بينه وبينها ولا يدع أحدا يمر بين يديه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي من طريق المصنف (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ الرَّازِيُّ، ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، أَنَا مَسَرَّةُ بْنُ مَعْبَدٍ اللَّخْمِيُّ، لَقِيتُهُ بِالْكُوفَةِ، حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ، حَاجِبُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَطَاءَ بْنَ يزَيْدٍ اللَّيْثِيَّ، قَائِمًا يُصَلِّي فَذَهَبْتُ أَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَرَدَّنِي، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ

صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِبْلَتِهِ أَحَدٌ فَلْيَفْعَلْ» (ش) (رجال الحديث) (مسرة بن معبد) الفلسطينى سكن بيت جبريل على فراسخ من بيت المقدس روى عن الزهرى وسليمان بن موسى ونافع والوضين بن عطاء وغيرهم. وعنه سوّار بن عمار وضمرة بن ربيعة ووكيع والوليد بن نصر. قال أبو حاتم شيخ ما به بأس وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئُ وذكره أيضا في الضعفاء وقال لا يجوز الاحتجاج به إذا تفرد يروى عن الثقات ما لا يشبه حديث الثقات وقال في التقريب صدوق له أوهام من الثامنة. و (اللخمى) نسبة إلى لخم حيّ باليمن (قوله لقيته بالكوفة) أى قابل أبو أحمد لقيت مسرة بالكوفة. ولعله أتى به لبيان أنه متثبت مما يحدّث به. و (أبو عبيد حاجب سليمان) بن عبد الملك قيل اسمه عبد الملك وقيل حيي بن أبى عمر. روى عن أنس ورجاء بن حيوة وعمر بن عبد العزيز وعطاء بن يزيد وغيرهم وعنه الأوزاعى ومالك وعبد الله بن سعيد وآخرون. وثقه أحمد وأبو زرعة ويعقوب بن سفيان وقال بقية بن بشر لم أر أحدا قط أعمل بالعلم من أبى عبيد وذكره ابن حبان في الثقات في أتباع التابعين. روى له مسلم وأبو داود والنسائى والبخارى في التاريخ (معنى الحديث) (قوله فذهبت أمر بين يديه) أى شرعت أمر بين يديه (قوله من استطاع منكم الخ) أى من قدر على أن لا يمر أحد بينه وبين سترته التي في جهة القبلة فليفعل (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا سُلَيْمَانُ يَعْنِي ابْنَ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدٍ يَعْنِي ابْنَ هِلَالٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو صَالِحٍ: أُحَدِّثُكَ عَمَّا رَأَيْتُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَسَمِعْتُهُ مِنْهُ دَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ عَلَى مَرْوَانَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْ فِي نَحْرِهِ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْطَانُ» (ش) (رجال الحديث) (حميد يعنى ابن هلال) بن هبيرة العدوى أبى نصر البصرى روى عن عبد الله بن مغفل وعبد الرحمن بن سمرة وأنس وعبد الله بن الصامت وجماعة وعنه أيوب السختياتي وعاصم الأحول. وقتادة وابن عون وشعبة وكثيرون. وثقه ابن معين

باب ما يا ينهى عنه من المرور بين يدي المصلي

والنسائي وابن سعد والعجلى وأبو حاتم وقال في التقريب ثقة عالم من الثالثة توقف فيه ابن سيرين لدخوله في عمل السلطان (قوله فليدفع في نحره) أى في صدره. وفي بعض النسخ زيادة "قال أبو داود قال سفيان الثورى يمر الرجل يتبختر بين يدى وأنا أصلى فأمنعه ويمر الضعيف فلا أمنعه" لكن هذا التفصيل لا دليل عليه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشيخان بمعناه وأتم منه وتقدم أول الباب وأخرجه ابن ماجه وكذا البيهقي من طريق شيبان بن فرّوخ ثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال بينا أنا وصاحب لى نتذاكر حديثا إذ قال أبو صالح السمان أنا أحدثك ما سمعت من أبي سعيد الخدرى ورأيت منه قال بينما أنا مع أبي سعيد فصلى يوم الجمعة إلى شئ يستره من الناس إذ دخل شابّ من بني معيط أراد أن يجتاز بين يديه فدفع نحره فنظر فلم ير مساغا إلا بين يدى أبي سعيد فأعاد فدفع في نحره أشدّ من الدفعة الأولى فمثل قائما ونال من أبي سعيد ثم زاحم الناس فدخل على مروان فشكا إليه ما لقى قال ودخل أبو سعيد على مروان فقال مالك ولابن أخيك جاء يشتكيك "وفي مسلم يشكوك" فقال أبو سعيد رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول إذا صلى أحدكم "الحديث" (باب ما ينهى عنه من المرور بين يدى المصلى) لفظ من بيان لما الموصولة. وفي بعض النسخ باب النهى عن المرور بين يدى المصلى وقد ترجم البخارى لهذا الحديث بقوله باب إثم المار بين يدى المصلى (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ، أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي؟ فَقَالَ أَبُو جُهَيْمٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لَا أَدْرِي قَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً (ش) (رجال الحديث) (بسر بن سعيد) العابد المدني، روى عن أبي هريرة وعثمان وأبي سعيد وسعد بن أبي وقاص وزيد بن خالد وكثيرين، وعنه ابو النضر سالم بن أبي أمية ومحمد بن إبراهيم ويعقوب بن الأشج وأبو سلمة بن عبد الرحمن وآخرون. وثقه ابن معين والنسائي

الترهيب من المرور بين يديه

وقال أبو حاتم لا يسأل عن مثله وقال العجلى تابعى ثقة وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث توفي سنة مائة، روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله أرسله إلى أبى جهيم يسأله الخ) أى أرسل زيد بن خالد بسر ابن سعيد إلى أبي جهيم الحارث بن الصمة الأنصارى يسأله عن الذى سمعه من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في شأن المار بين يدى المصلى فقال أبو جهيم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لو يعلم المار بين يدى المصلى مقدار الإثم الذى يلحقه من مروره بين يديه لاختار أن يقف المدة المذكورة حتى لا يلحقه ذلك الإثم (واختلف) في تحديد المكان الذى يأثم المار بمروره فيه فقيل ما بين المصلى وبين موضع سجوده. وقيل مقدار ثلاثة أذرع. وقيل مقدار رمية بحجر. والأول أظهر. وقوله ماذا عليه أى من الإثم كما صرح به في رواية الكشميهنى وقد تفرد بهذه الزيادة (قال) الحافظ ولم أرها في شئ من الروايات عند غيره (وقال) ابن عبد البر يحتمل أن تكون في أصل البخارى حاشية فظنها الكشميهني أصلا لأنه لم يكن من أهل العلم الحفاظ بل كان راوية وقد أنكر ابن الصلاح على من أثبتها في الخبر اهـ "والحكمة" في إبهام ما عليه من الإثم الدلالة على عظمه وأنه لا يقدّر قدره فهو نظير قوله تعالى "فغشيهم من اليم ما غشيهم" (قوله لكان أن يقف أربعين خير له) أى لكان وقوفه أربعين خير له من مروره بين يدى المصلى فخير خبر المصدر المؤول من أن والفعل والجملة خبر كان واسمها ضمير الشان ورواية البخارى خيرا فيكون خبرا لكان وأن يقف اسمها والتقدير لكان وقوفه خيرا له. وذكر الأربعين لا مفهوم له فقد روى ابن ماجه وابن حبان في صحيحه واللفظ له عن أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مرفوعا لو يعلم أحدكم ماله في أن يمشى بين يدى أخيه معترضا وهو يناجى ربه لكان أن يقف في ذلك المقام مائة عام أحب إليه من الخطوة التي خطاها (قوله قال أبو النضر الخ) هو من كلام مالك بن أنس الإمام الراوى عن أبى النضر وليس من تعليق المصنف وهو يقتضى أن بسرا قد ذكر لأبى النضر التمييز وشك أبو النضر فيه فليس العدد مبهما خلافا لمن زعمه. والغرض منه التغليظ في المرور بين يدى المصلى والإشارة إلى عظيم ما يرتكبه المارّ بين يدي المصلى (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن المرور بين يدى المصلى مذموم وفاعله آثم لما فيه من الوعيد الشديد (وقد جاء الوعيد) فيه في غير حديث الباب فقد روى الطبراني في الأوسط عن ابن عمر مرفوعا أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن الذى يمر بين يدى المصلى عمدا يتمنى يوم القيامة أنه شجرة يابسة. وعن كعب الأحبار لو يعلم المار بين يدى المصلى ماذا عليه لكان أن يخسف به خير له من أن يمرّ بين يديه رواه مالك في الموطأ. وروى ابن

باب ما يقطع الصلاة

عبد البر في التمهيد موقوفا على ابن عمر قال لأن يكون رمادا يذرى خير له من أن يمرّ بين يدى رجل متعمدا وهو يصلى (وللمالكية) في المرور يين يدي المصلى أربع صور "الأولى" أن يكون للمار مندوحة عن المرور بين يديه ولم يتعرض المصلى فيختص المار بالإثم "الثانية" أن يتعرض المصلى بصلاته في مكان المرور والمار ليس له مندوحة فيختص المصلى بالإثم دون المار "الثالثة" أن يتعرض المصلى أيضا ويكون للمار مندوحة فيأثمان جميعا "الرابعة" أن لا يتعرض المصلى ولا يكون للمار مندوحة فلا إثم عليهما، ودلّ الحديث أيضا على منع المرور بين يدى كل مصلّ نفلا كان أو فرضا إماما كان أو مأموما أو منفردا. لكن في المأموم كلام يأتي تحقيقه. ودل بظاهره على أن الوعيد خاص بمن مر بين يدى المصلى لا بمن وقف أو قعد أو رقد لكن إن كانت العلة في منع المرور التشويش على المصلى فهو في معنى المار (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى والترمذى وابن ماجه ومالك في الموطأ وكذا البيهقي من طريق يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن أبي النضر الخ (باب ما يقطع الصلاة) أى في بيان الأشياء التي يقطع مرورها بين يدى المصلى صلاته (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا شُعْبَةُ، ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُطَهَّرٍ، وَابْنُ كَثِيرٍ، الْمَعْنَى أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، أَخْبَرَهُمْ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ حَفْصٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَقَالَا: عَنْ سُلَيْمَانَ، قَالَ قال أَبُو ذَرٍّ: " يَقْطَعُ صَلَاةَ الرَّجُلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ قَيْدُ آخِرَةِ الرَّحْلِ: الْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَالْمَرْأَةُ "، فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْأَسْوَدِ مِنَ الْأَحْمَرِ مِنَ الْأَصْفَرِ مِنَ الْأَبْيَضِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ: «الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» (ش) (قوله المعنى) أى أن حديث عبد السلام ومحمد بن كثير بمعنى حديث حفص وشعبة (قوله قال حفص الخ) أى قال. حفص بن عمر في روايته قال أبو ذرّ جندب بن جنادة الغفارى قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقطع صلاة الرجل الخ فالحديث على رواية حفص مرفوع. ورواه

مذاهب العلماء في صلاة من صلى إلى غير سترة وقدم بين يديه نحو المرأة والكلب

مسلم عن أبي ذرّ مرفوعا من طريق شيبان بن فروخ عن سليمان بن المغيرة (قوله وقالا عن سليمان) أى قال عبد السلام وابن كثير في روايتهما عن سليمان قال أبو ذر يقطع صلاة الرجل الخ فهو على روايتهما موقوف. ورواه أحمد في مسنده من طريق بهز عن سليمان موقوفا على أبي ذر (قوله يقطع صلاة الرجل الخ) أى يبطلها أو يقلل ثوابها مرور واحد من المذكورات إذا لم يكن بين يدى المصلى قدر مؤخرة الرحل. والمراد أن محل قطع الصلاة بمرور واحد من هذه المذكورات إذا لم يتخذ المصلى سترة ومرت قريبا منه وليس المراد خصوص قدر مؤخرة الرحل بل المراد اتخاذ السترة ولو أقل من مؤخرة الرحل لما تقدّم من جواز اتخاذ الخط والسهم سترة عند عدم غيرهما. وذكر الرجل لا مفهوم له بل المرأة كذلك لأن النساء شقائق الرجال (وفي هذا الحديث) دلالة على بطلان صلاة من لا سترة له بمرور واحد من هذه الأشياء بين يديه وإلى ذلك ذهب جماعة من الصحابة والتابعين منهم أبو هريرة وأنس وابن عمر والحسن البصرى وأبو الأحوص وبه قالت الظاهرية وقالوا سواء أكان الكلب حيا أم ميتا مارا أم غير مار صغيرا أم كبيرا وكذا المرأة إلا أن تكون مضطجعة (وقالت) طائفة لا يقطع الصلاة مرور شئ وهو قول على وعثمان وابن المسيب وعبيدة والشعبى ومالك وعروة والثورى والشافعى والحنفية أخذا بما سيأتى للمصنف عن أبى سعيد الخدرى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم فإنما هو شيطان (وأجابوا) عن حديث الباب بأن المراد بقطع الصلاة قطعها عن الخشوع والذكر للشغل بتلك الأشياء والالتفات إليها لا أنها تفسد الصلاة (قال) النووى وهذا أصح الأجوبة وأحسنها وأجاب به الشافعى والخطابي والمحققون من الفقهاء والمحدثين وهو الذى نعتمده. وأما ما يدعيه أصحابنا وغيرهم من النسخ فليس بمقبول إذ لا دليل عليه ولا يلزم من كون حديث ابن عباس في حجة الوداع وهى في آخر الأمر أن يكون ناسخا إذ يمكن كون أحاديث القطع بعده وقد علم وتقرر في الأصول أن مثل هذا لا يكون ناسخا مع أنه لو احتمل النسخ لكان الجمع بين الأحاديث مقدّما عليه إذ ليس فيه ردّ شيء منها اهـ وحديث ابن عباس الذى أشار إليه سيأتى للمصنف (وقال أحمد) يقطع الصلاة الكلب الأسود وفي نفسى من المرأة والحمار شيء. أما الحمار فلحديث ابن عباس. وأما المرأة فلحديث عائشة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلى من الليل وهى معترضة بين يديه فإذا سجد غمز رجليها فكفتهما فإذ اقام بسطتهما قال فلو كانت الصلاة يقطعها مرور المرأة لقطعها اضطجاعها بين يديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله فقلت ما بال الأسود الخ) أى قال عبد الله بن الصامت لأبى ذر ما شأن الأسود يقطع الصلاة دون غيره فقال الكلب الأسود شيطان (وحمله بعضهم) على ظاهره وقال إن الشيطان يتصور بصورة الكلاب السود. وقيل سمى شيطانا لأنه أشدّ ضررا

من غيره (وبهذا) علمت الحكمة في كون الكلب يقطع الصلاة. والحكمة في قطع المرأة الصلاة خشية الفتنة. أما الحمار فلخشية نهيقه فيشوش على المصلى (وفي حجة الله البالغة) مفهوم هذا الحديث أن من شروط صحة الصلاة خلوص ساحتها عن المرأة والحمار والكلب. والسر فيه أن المقصود من الصلاة هو المناجاة والمواجهة مع رب العالمين. واختلاط النساء والتقرب منهن والصحبة معهن. مظنة الالتفات إلى ما هو ضدّ هذه الحالة. والكلب شيطان ولاسيما الأسود فإنه أقرب إلى فساد المزاج وداء الكلب. والحمار أيضا بمنزلة الشيطان لأنه كثيرا ما يسافد بين ظهراني بني آدم فتكون رؤية ذلك مخلة بما هو بصدده اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على تأكيد اتخاذ السترة للمصلى، وعلى أن المصلى إذا لم يتخذ سترة ومر بين يديه واحد مما ذكر في الحديث قطع صلاته. وتقدم بيانه، وعلى التنفير من الكلب الأسود (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى والترمذى وابن ماجه والطحاوى في شرح معاني الآثار وكذا البيهقي من طريق شيبان بن فروخ ثنا سليمان بن المغيرة الخ (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، ثَنَا قَتَادَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ، يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَفَعَهُ شُعْبَةُ - قَالَ: «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ الْحَائِضُ وَالْكَلْبُ». (ش) (قوله رفعه شعبة) أى روى هذا الحديث مرفوعا إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شعبة بن الحجاج ووقفه غيره من أصحاب قتادة كما ذكره المصنف (قوله يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب) أخذ بظاهر الحديث ابن عباس وعطاء وقالا لا يقطع الصلاة إلا مرور المرأة الحائض والكلب أى الأسود كما صرّح به في رواية ابن ماجه (ولعل) الحكمة عندهما في تخصيص القطع بالمرأة الحائض خشية سقوط النجاسة منها في مكان المصلى. وتقدم جواب الجمهور عنه. والتقييد بالحائض لا مفهوم له عندهم بل المرأة مطلقا حائضا أم لا ينقص مرورها ثواب الصلاة. على أنه يمكن أن يراد بالحائض البالغة على حدّ لا تصلى الحائض بغير خمار (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وابن ماجه والطحاوى في شرح معاني الآثار وأخرجه البيهقي من طريق على بن عبد الله المديني ثنا يحيى بن سعيد ثنا شعبة الخ (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أوَقَفَهُ سَعِيدٌ، وَهِشَامٌ، وَهَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ

(ش) أى روى هذا الحديث موقوفا على ابن عباس سعيد بن أبي عروبة وهشام بن أبي عبد الله الدستوائى وهمام بن يحيى كلهم عن قتادة بن دعامة عن جابر بن زيد. وغرض المصنف بهذا بيان أن المحفوظ في رواية الحديث الوقف وأن الرفع شاذ. هذا و (جابر بن زيد) هو أبو الشعثاء الأزدى اليحمدى الجوفي. روى عن ابن عمر وابن الزبير وابن عباس ومعاوية بن أبي سفيان وعكرمة وغيرهم وعنه عمرو بن دينار ويعلى بن مسلم وأيوب السختياني وقتادة وجماعة. وثقه ابن معين وأبو زرعة والعجلى وقال تابعى وقال ابن حبان كان فقيها وكان من أعلم الناس بكتاب الله تعالى. توفي سنة ثلاث أو أربع ومائة. روى له الجماعة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبَصْرِيُّ ثَنَا مُعَاذٌ، ثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَحْسَبُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْخِنْزِيرُ وَالْيَهُودِيُّ وَالْمَجُوسِيُّ وَالْمَرْأَةُ، وَيُجْزِئُ عَنْهُ إِذَا مَرُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى قَذْفَةٍ بِحَجَرٍ». (ش) (رجال الحديث) (محمد بن إسماعيل) بن أبى سمينة البصرى أبو عبد الله مولى بني هاشم. روى عن المعتمر بن سليمان وعثمان بن عثمان الغطفاني ويزيد بن زريع وآخرين وعنه أبو زرعة وأبو حاتم وصالح بن أيوب وأبو بكر بن أبى الدنيا وإبراهيم بن الجنيد وكثيرون وثقه أبو حاتم وصالح بن محمد وقال في التقريب ثقة من العاشرة. توفي سنة ثلاث ومائتين روى له البخارى وأبو داود. و (معاذ) هو ابن هشام. و (يحيى) هو ابن أبى كثير (معني الحديث) (قوله قال أحسبه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) أى قال عكرمة مولى ابن عباس أظن أن ابن عباس في روايته للحديث قال عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالحديث مرفوع (قوله فإنه يقطع صلاته الكلب والحمار والخنزير الخ) لعل الحكمة في قطع الصلاة بمرور الخنزير واليهودى والمجوسى مافيها من النجاسة المعنوية (قوله ويجزئ عنه الخ) أى يكفى المصلى في حفظ صلاته إذا مرت أمامه هذه المذكورات أن يكون بينه وبينها قذفة بحجر. وقدّرها ابن حجر بثلاثة أذرع فأكثر. وفي بعض النسخ زيادة "قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «فِي نَفْسِي مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ شَيْءٌ كُنْتُ أُذَاكِرُ بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرَهُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا جَاءَ بِهِ عَنْ هِشَامٍ وَلَا يَعْرِفُهُ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ هِشَامٍ وَأَحْسَبُ الْوَهْمَ مِنَ ابْنِ أَبِي سَمِينَةَ يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبَصْرِيَّ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَالْمُنْكَرُ فِيهِ ذِكْرُ الْمَجُوسِيِّ، وَفِيهِ عَلَى قَذْفَةٍ بِحَجَرٍ، وَذِكْرُ الْخِنْزِيرِ،

فيه وَفِيهِ نَكَارَةٌ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَلَمْ أَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي سَمِينَةَ وَأَحْسَبُهُ وَهِمَ لِأَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُنَا مِنْ حِفْظِهِ» وغرض المصنف من هذه الزيادة تضعيف ذكر الخنزير والمجوسي والرمية بحجر لأنه لم يروها عن هشام إلا معاذ بن هشام ولأن محمد بن إسماعيل وهم فيها ولكن نسبة الوهم إلى محمد بن إسماعيل المذكور يبعدها أنه وثقه غير واحد. وعلى فرض ضعف روايته هذه يقويها ما أخرجه الطحاوى قال حدثنا ابن أبي داود ثنا المقدمى ثنا معاذ بن هشام ثنا أبي عن يحيى عن عكرمة عن ابن عباس قال أحسبه قد أسنده إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب والحمار واليهودى والنصراني والخنزير يكفيك إذا كانوا منك قدر رمية لم يقطعوا عليك صلاتك اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الطحاوى في شرح معاني الآثار ورواه البيهقي من طريق على بن بحر القطان ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال أحسبه أسند ذلك إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة الحائض واليهودى والنصراني والمجوسى والخنزير قال ويكفيك إذا كانوا منك على قدر رمية بحجر لم يقطعوا صلاتك وأخرجه أيضا من طريق المصنف ولم يذكر النصراني قال والمرأة ولم يذكر الحائض قال ويجزئ عنه إذا مروا بين يديه على قدر رمية بحجر (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مَوْلَى ليَزِيدَ بْنِ نِمْرَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ نِمْرَانَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلًا بِتَبُوكَ مُقْعَدًا، فَقَالَ: مَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَأَنَا عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اقْطَعْ أَثَرَهُ» فَمَا مَشَيْتُ عَلَيْهَا بَعْدُ. (ش) (رجال الحديث) (قوله عن مولى ليزيد بن نمران) بكسر النون وسكون الميم قيل اسمه سعيد. روى عن مولاه. وعنه سعيد بن عيد العزيز. ذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم مجهول وقال في التقريب مجهول من السادسة. روى له أبو داود. و (يزيد بن نمران) ابن يزيد بن عبد الله الذمارى العابد. روى عن أبى الدرداء وعمر. وعنه مولاه سعيد وعبد الرحمن ابن يزيد وإسماعيل بن عبيد الله بن أبى المهاجر. قال في التقريب ثقة من الثالثة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود. و (تبوك) بفتح المثناة الفوقية وضم الموحدة بلد بين المدينة والشام بينها وبين المدينة أربع عشرة مرحلة

(معنى الحديث) (قوله مقعدا) بضم الميم وسكون القاف أى لا يقدرعلى المشى لداء أصابه في جسده (قوله فقال مررت الخ) مرتب على محذوف أى سأل يزيد بن نمران الرجل عن سبب إقعاده فقال مررت بين يدى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وهو يصلى إلى نخلة اتخذها سترة كما سيذكره المصنف فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اللهم اقطع أثره أى أزل مشيه عن الأرض فما مشيت على الأرض بعد دعائه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علي لما أصابني من المرض (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي من طريق المصنف (ص) حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ يَعْنِي الْمَذْحِجِيَّ، ثَنَا أَبُو حَيْوَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ زَادَ قَالَ: «قَطَعَ صَلَاتَنَا قَطَعَ اللَّهُ أَثَرَهُ». (ش) (رجال الحديث) (كثير بن عبيد) بن نمير أبو الحسن الحمصى. روى عن الوليد بن مسلم ومروان بن معاوية وابن عيينة ووكيع وطائفة. وعنه أبو داود والنسائى وابن ماجه وأبو زرعة وأبو حاتم وكثيرون. وثقه أبو حاتم ومسلمة بن قاسم وأبو بكر بن أبي داود وقال النسائى لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان من خيار الناس. توفي سنة خمسين ومائتين. روى له الجماعة. و (المذحجى) نسبة إلى مذحج على وزن مسجد اسم أكمة باليمن ثم صار اسما للقبيلة. و (أبو حيوة) هو شريح بن يزيد الحمصى الحضرمى. روى عن أرطاة بن المنذر وسعيد بن عبد العزيز وشعيب بن أبي حمزة وصفوان بن عمرو وطائفة. وعنه ابنه حيوة وكثير بن عبيد ويزيد بن عبد ربه وإسحاق بن راهويه ويعقوب بن إبراهيم وآخرون ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب من التاسعة. مات سنة ثلاث ومائتين (معنى الحديث) (قوله بإسناده الخ) أى سند حديث وكيع المتقدم وهو عن مولى ليزيد عن يزيد بن نمران قال رأيت رجلا الخ (قوله زاد فقال قطع صلاتنا الخ) أى زاد أبو حيوة في روايته قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قطع صلاتنا قطع الله أثره أى أثر أقدامه. وهو إنشاء في صورة الإخبار أى اللهم اقطع أثره (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز الدعاء على من تجاوز الحدود الشرعية، وعلى أن دعائه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مستجاب (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ أَبُو مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ فِيهِ: «قَطَعَ صَلَاتَنَا» (ش) أى روى الحديث أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر عن سعيد بن عبد العزيز وزاد فيه قوله

جواز الدعاء على من مر بين المصلي وسترته

قطع صلاتنا كما رواه أبو حيوة. وأشار بهذا إلى تقوية هذه الزيادة (وحاصله) أن أبا مسهر وأبا حيوة اتفقا على أنهما قالا قطع صلاتنا وخالفهما وكيع فقال اللهم اقطع أثره. ولم نقف على من وصل هذا التعليق (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ، ح وَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ نَزَلَ بِتَبُوكَ وَهُوَ حَاجٌّ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُقْعَدٍ فَسَأَلَهُ عَنْ أَمْرِهِ فَقَالَ: سَأُحَدِّثُكَ حَدِيثًا فَلَا تُحَدِّثْ بِهِ مَا سَمِعْتَ أَنِّي حَيٌّ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ نَزَلَ بِتَبُوكَ إِلَى نَخْلَةٍ فَقَالَ: «هَذِهِ قِبْلَتُنَا»، ثُمَّ صَلَّى إِلَيْهَا فَأَقْبَلْتُ وَأَنَا غُلَامٌ أَسْعَى حَتَّى مَرَرْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَقَالَ: «قَطَعَ صَلَاتَنَا قَطَعَ اللَّهُ أَثَرَهُ» فَمَا قُمْتُ عَلَيْهَا إِلَى يَوْمِي هَذَا (ش) (رجال الحديث) (قوله الهمدانى) نسبة إلى همدان بوزن عطشان قبيلة من حمير من عرب اليمن. و (ابن وهب) عبد الله. و (معاوية) بن صالح. و (سعيد بن غزوان) بفتح المعجمة وسكون الزاى. روى عن أبيه وصالح بن يحيى. وعنه الحارث بن عبيدة ومعاوية بن صالح. قال الذهبى لا يدرى من هو وقال في التقريب مستور من السادسة (قوله عن أبيه) هو غزوان الشامى. روى عن المقعد الذى ذكر في الحديث. وعنه ابنه سعيد. قال أبو الحسن بن القطان لا يعرف وقال الذهبى لا يدرى من هو وقال في التقريب مجهول من الرابعة وذكره ابن حبان في الثقات (معنى الحديث) (قوله فسأله عن أمره الخ) أى سأل غزوان الرجل المقعد عن حاله وسبب إقعاده فقال سأحدثك عن سبب إقعادى ولا تحدّث به أحدا مدة سماعك بحياتي (قوله نزل بتبوك إلى نخلة الخ) أى إلى جنب نخلة فقال هذه قبلتنا يعني سترتنا. وأطلق صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليها القبلة لأنها في جهتها (قوله فما قمت عليها) أى على الأرض أو على رجليه المعلومة من السياق. والحديث ضعيف لأن فيه سعيدا وأباه غزوان وهما مجهولان كما تقدم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي من طريق المصنف (باب سترة الإمام سترة لمن خلفه) أى في بيان أن سترة الإمام سترة لمن خلفه من المأمومين، وفي بعض النسخ سترة

الإمام سترة من خلفه وهي على تقدير اللام (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ الْغَازِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: هَبَطْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مِنْ ثَنِيَّةِ أَذَاخِرَ «فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ -يَعْنِي فَصَلَّى إِلَى جِدَارٍ- فَاتَّخَذَهُ قِبْلَةً وَنَحْنُ خَلْفَهُ، فَجَاءَتْ بَهْمَةٌ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَا زَالَ يُدَارِئُهَا حَتَّى لَصَقَ بَطْنَهُ بِالْجِدَارِ، وَمَرَّتْ مِنْ وَرَائِهِ»، أَوْ كَمَا قَالَ مُسَدَّدٌ (ش) (رجال الحديث) (هشام بن الغاز) بالغين المعجمة والزاى ابن ربيعة أبو عبد الله. روى عن نافع ومكحول والزهرى وعمرو بن شعيب وعبادة بن نسيّ وآخرين. وعنه ابنه عبد الوهاب ووكيع والوليد بن مسلم وأبو خالد الأحمر وعبد الله بن المبارك وكثيرون. وثقه ابن معين وعثمان الدارمى وقال دحيم ما أحسن استقامته في الحديث وقال ابن خراش كان من خيار الناس وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان عابدا فاضلا وقال في التقريب ثقة من كبار السابعة. مات سنة ثلاث وخمسين ومائة. روى له أبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه والبخارى في التاريخ (قوله عن جده) أى جدّ شعيب وهو عبد الله بن عمرو بن العاصى لا جدّ عمرو وهو محمد بن عبد الله بن عمرو لأنه ليس بصحابى (معنى الحديث) (قوله هبطنا) أى نزلنا من باب ضرب وفي لغة قليلة من باب قعد وقد يتعدى يقال هبطه إذا أنزله (قوله من ثنية أذاخر) أى من طريق أذاخر العالى وتطلق الثنية أيضا على أعلى المسيل في رأس الجبل وأذاخر موضع بين مكة والمدينة (قوله فحضرت الصلاة الخ) أى حضر وقتها فصلى. وفي بعض النسخ فحضرت الصلاة يعنى فصلى إلى جدار. وفى نسخة إلى جدر بفتح الجيم وسكون الدال المهملة الحائط فاتخذه سترة. وقيل الجدر ما رفع حول المزرعة (قوله فجائت بهمة) بفتح الموحدة وسكون الهاء ولد الضأن وتطلق على الذكر والأنثى وتجمع على بهم مثل تمرة وتمر وجمع البهم بهام مثل سهم وسهام. وتطلق البهمة أيضا على أولاد الضأن والمعز تغليبا فإذا انفردت قيل لأولاد الضأن بهام ولأولاد المعز سخال كما تقدم (قوله فما زال يدارئها الخ) أى استمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدافع البهمة ويتقدم شيئا فشيئا إلى أن وصل بطنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى الجدار ومرت من ورائه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. فالضمير عائد على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو الأقرب. ويحتمل أنه عائد على الجدار لكنه بعيد (وفى هذا دلالة) على أن سترة

الخلاف في ذلك

الإمام سترة للمأمومين حيث إنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم ينكر مرور البهمة أمام القوم ومنعها من المرور بينه وبين سترته فيكون مخصصا لحديث أبي هريرة المتقدم إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا. ولحديث أبى سعيد الخدرى إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة. ويكون المراد بالأحد الإمام والفذ. ومخصصا أيضا لحديث أبى جهيم المتقدم الدال على منع المرور بين يدى المصلى فيكون المنع خاصا بالإمام والفذ دون المأموم، ويؤيد أن سترة الإمام سترة للمأمومين ما رواه البخارى عن ابن عباس أنه قال أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى بالناس إلى غير جدار فمررت بين يدى بعض الصفّ فنزلت فأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك عليّ أحد. وسيأتي نحوه للمصنف. وما رواه الطبراني في الأوسط من طريق سويد بن عبد العزيز عن عاصم عن أنس مرفوعا سترة الإمام سترة لمن خلفه (قال الحافظ) تفرد به سويد وهو ضعيف عندهم ويؤيده أيضا أنه لم ينقل عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه أمر أصحابه باتخاذ سترة غير سترته (وإلى أن سترة) الإمام سترة للمأمومين ذهبت الحنابلة والحنفية وقالوا ظاهر التعميم شمول المسبوق وبه صرح القهستانى. وظاهره الاكتفاء بها ولو بعد فراغ إمامها (وعند المالكية) قولان (أحدهما) قول مالك إن الإمام نفسه سترة للمأمومين وهو المعتمد. وقيل سترة الإمام سترة للمأموم. وتظهر فائدة الخلاف في المرور بين الإمام وبين الصف الأول. فعلى الأول يحرم المرور لأنه مرور بين المصلى وسترته، وعلى الثاني يجوز لأن الإمام حائل بين المأموم وسترته وأما غير الصف الأول فيجوز المرور أمامه باتفاق القولين لأن الصف الأول حائل بين الإمام وبين الصف الثاني (قوله أو كما قال مسدد) لعله أتى به إشارة إلى أنه لم يكن حافظا للفظ الذى حدثه به مسدد بن مسرهد (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية مدافعة المار ما أمكن حتى لا يمر بين يدى المصلى، وعلى أن المشى القليل في الصلاة لحاجة لا يبطلها، وعلى أن سترة الإمام سترة للمأموم (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «كَانَ يُصَلِّي فَذَهَبَ جَدْيٌ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَتَّقِيهِ» (ش) (رجال الحديث) (يحيى بن الجزار) العرني الكوفي. روى عن عائشة وأم سلمة وعليّ وأبي بن كعب وابن عباس والحسن بن على. وعنه الحكم بن عتيبة وموسى

باب من قال المرأة لا تقطع الصلاة

ابن أبى عائشة وفضيل بن عمرو وحبيب بن أبي ثابت. وثقه أبو زرعة والنسائى وأبو حاتم وقال العجلى ثقة وكان يتشيع وقال ابن سعد والجوزجانى كان يغلو في التشيع وكان ثقة وله أحاديث روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى (معنى الحديث) (قوله فذهب جدى) بفتح الجيم وسكون الدال المهملة وكسر الجيم لغة رديئة هو الذكر من أولاد المعز والأنثى عناق وقيده بعضهم بكونه في السنة الأولى والجمع أجد وجداء مثل دلو وأدل ودلاء (قوله فجعل يتقيه) أى يدفعه حتى لا يمر بينه وبين السترة أى ومر من ورائه وأمام القوم فلا يقال إن الحديث غير مطابق الترجمة (باب من قال المرأة لا تقطع الصلاة) أى في بيان ما يدل على أن مرور المرأة بين يدى المصلى لا يقطع الصلاة (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كُنْتُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ -قَالَ شُعْبَةُ: أَحْسِبُهَا قَالَتْ: وَأَنَا حَائِضٌ- (ش) (قوله كنت بين النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) وفي نسخة بين يدى للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أى كنت نائمة بينه وبين السترة التي اتخذها جهة القبلة وهو يصلى (قوله قال شعبة الخ) أى قال شعبة بن الحجاج في روايته للحديث أظن أن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت كنت بين النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وبين القبلة وأنا حائض (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقي عن عائشة بلفظ كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يصلى وأنا معترضة بين يديه قال شعبة قال سعد وأحسبها قالت وأنا حائض (ص) " قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ، وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، وَعِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَبُو الْأَسْوَدِ، وَتَمِيمُ بْنُ سَلَمَةَ، كُلُّهُمْ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَأَبُو الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ لَمْ يَذْكُرُوا: «وَأَنَا حَائِضٌ» (ش) أى روى هذا الحديث هؤلاء كلهم عن عروة عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا

لم يذكر واحد منهم في روايته قول عائشة وأنا حائض وكذا رواه إبراهيم النخعى عن الأسود وأبو الضحى عن مسروق والقاسم بن محمد وأبو مسلمة كلهم عن عائشة بدون قولها وأنا حائض بل انفرد بها شعبة عن سعد بن إبراهيم. وغرض المصنف بهذا بيان أن لفظ وأنا حائض في حديث سعد بن إبراهيم شاذ تفرد به شعبة. ورواية محمد بن مسلم الزهرى أخرجها البيهقي من طريق سفيان بن عيينة عن الزهرى عن عروة عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي صلاته من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة "قال البيهقي" وأخرجه البخارى من حديث عقيل وابن أخى الزهرى عن الزهرى اهـ ورواية عطاء لم نقف على من أخرجها. ورواية أبي بكر بن حفص أخرجها البيهقي أيضا من طريق شعبة عن أبي بكر بن حفص قال سمعت عروة بن الزببير عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت ما تقولون فيما يقطع الصلاة قال المرأة والحمار قالت إن المرأة لدابة سوء لقد رأيتني معترضة بين يدى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كاعتراض الجنازة وهو يصلى اهـ ولم نقف على من أخرج رواية هشام بن عروة وعراك بن مالك وأبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل وتميم بن سلمة السلمى. وأما رواية إبراهيم النخعى عن الأسود بن يزيد فأخرجها البيهقي من طريق جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت أعدلتمونا بالكلاب والحمير لقد رأيتنى مضطجعة على السرير فيجئ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيتوسط السرير فيصلى فأكره أن أسنحه "أى أن أستقبله ببدني في صلاته" فأنسلّ من قبل رجلى السرير حتى أنسلّ من لحافي اهـ ورواية أبي الضحى مسلم بن صبيح رواها البيهقى من طريق الأعمش قال وحدثنى مسلم "بن صبيح أبو الضحى" عن مسروق "بن الأجدع الإمام" عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا وذكر عندها ما يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة قالت عائشة رضي الله تعالى عنها. قد شبهتمونا بالحمير والكلاب والله لقد رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. يصلى وأنا على السرير بينه وبين للقبلة مضطجعة فتبدو لى الحاجة فأكره أن أجلس فأوذى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأنسلّ من عند رجليه اهـ ورواية القاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق عن عائشة لم نقف على من وصلها. ورواية أبي سلمة بن عبد الرحمن أخرجها البيهقى من طريقين "أحدهما" من طريق أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا أنها قالت كنت أنام بين يدى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ورجلاى في قبلته فإذا سجد غمزني قبضت رجلي فإذا قام بسطتهما قالت والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح "والثاني" من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة أنها قالت كنت معترضة في قبلة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيصلى رسول الله

أقوال الفقهاء في ذلك

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنا أمامه فإذا أراد أن يوتر قال تنحى. هذا و (تميم بن سلمة) هو السلمى الكوفي، روى عن عبد الرجمن بن هلال وشريح بن الحارث وسليمان بن الزبير، وعنه طلحة بن مصرف وجامع بن شداد والأعمش ومنصور بن المعتمر وجماعة. وثقه ابن معين والنسائى وابن سعد، توفي سنة مائة، روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه والبخارى في التاريخ. و (أبو الضحى) هو مسلم بن صبيح الهمداني الكوفي العطار، روى عن ابن عباس وابن عمرو والنعمان بن بشير وغيرهم، وعنه فطر بن خليفة والأعمش ومنصور بن المعتمر وعمرو بن مرة وكثيرون. قال العجلى تابعى ثقة ووثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائى وابن سعد وقال كان كثير الحديث، مات سنة مائة، روى له الجماعة (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا زُهَيْرٌ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «كَانَ يُصَلِّي صَلَاتَهُ مِنَ اللَّيْلِ وَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ رَاقِدَةٌ عَلَى الْفِرَاشِ الَّذِي يَرْقُدُ عَلَيْهِ، حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَهَا فَأَوْتَرَتْ» (ش) (قوله وهى معترضة بينه وبين القبلة الخ) من حكاية عروة للحديث الذى سمعه من عائشة وليس من حكاية عائشة حتى يقال إن فيه التفاتا من التكلم إلى الغيبة. وفي رواية للبخارى كان يصلى وأنا راقدة على فراشه. وفي رواية له أيضا كان يصلى وهي معترضة بينه وبين القبلة على فراش أهله اعتراض الجنازة. وقوله راقدة على الفراش الخ ذكره بعد قوله معترضة لبيان الحالة التي كانت عليها حال اعتراضها لأن الاعتراض عام يشمل اعتراضها وهي مضطجعة غير نائمة (قوله حتى إذا أراد أن يوتر أيقظها فأوترت) حتى بمعنى الفاء وقد صرح بها في رواية مسلم (وفيه إشارة) إلى أن عائشة كانت تؤخر الوتر اعتمادا على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوقظها (وفي هذين الحديثين) دلالة لمن قال إن مرور المرأة بين يدى المصلى لا يقطع الصلاة حقيقة لأن المعترضة بينه وبين القبلة إذا لم تقطع وهى أكثر خشية للفتنة فالمارة بالطريق الأولى ولذا أنكرت عائشة بقولها بئس ما عدلتمونا بالحمار الخ كما في الحديث الآتى على من قال بقطع الصلاة بمرور المرأة (وأجاب القائلون) ببطلان الصلاة بمرور المرأة عن هذين الحديثين وأشباههما بأجوبة "أحدها" أن العلة في قطع الصلاة ما يحصل بسببها من الفتنة وقد قالت في رواية لها عند البخارى إن البيوت يومئذ لم يكن فيها مصابيح فانتفى المعلول وهو بطلان الصلاة بانتفاء علته وهى الافتتان. لكن هذا يردّه روايات عائشة كان إذا سجد غمزني وهو مظنة الفتنة "ثانيها" أن المرأة في حديث أبى ذرّ الذى دل على أنها تقطع الصلاة مطلقة وفي حديث

عائشة هذا مقيدة بأنها زوجة فيحمل المطلق على المقيد ويقال يتقيد القطع بالأجنبية لخشية الافتتان بها بخلاف الزوجة وفيه أنه لا فرق في ذلك بين الزوجة وغيرها بل ربما كان ميل النفس إلى الزوجة أكثر من غيرها "ثالثها" أن حديث عائشة واقعة حال يتطرق إليه الاحتمال بخلاف حديث أبي ذرّ فإنه مسوق مساق التشريع العام، وقد أشار ابن بطال إلى أن ذلك كان من خصائص النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأنه كان يملك أربه بخلاف غيره وفيه أيضا أن الأصل في فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم التشريع العام ولا يصار إلى الخصوصية إلا بدليل خاص ولا دليل هنا (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن المرأة لا تقطع صلاة الرجل إذا كانت بينه وبين سترته وعلى جواز الصلاة إلى النائم من غير كراهة. وتقدم بيانه، وعلى استحباب تأخير الوتر إلى آخر الليل لمن يثق بالانتباه إما بنفسه وإما بإيقاظ غيره. وسيأتي تمام الكلام عليه إن شاء الله تعالى في محله.، وعلى استحباب إيقاظ النائم للصلاة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه وأحمد والطحاوى في شرح معاني الأثار (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ، يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: بِئْسَمَا عَدَلْتُمُونَا بِالْحِمَارِ وَالْكَلْبِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ «يُصَلِّي وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ غَمَزَ رِجْلِي فَضَمَمْتُهَا إِلَيَّ، ثُمَّ يَسْجُدُ» (ش) (يحيى) بن سعيد القطان. و (عبيد الله) بن عمر بن حفص. و (القاسم) بن محمد بن أبى بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم (قوله بئسما عدلتمونا بالحمار والكلب) أى بئس الحكم الذى حكمتم به من تسويتكم النساء بالحمار والكلب في قطع الصلاة عند مرورهم بين يدى المصلى. وقالت عائشة ذلك لما ذكروا عندها ما يقطع الصلاة وقالوا يقطعها الكلب والحمار والمرأة. وفي رواية للبخارى شبهتمونا بالحمر والكلاب. وفي رواية له جعلتمونا كلابا. وبئس من أفعال الذم وما نكرة مفسرة لفاعل بئس أو هي فاعل والخصوص بالذم محذوف. وعدل بتخفيف الدال من باب ضرب يقال عدلت هذا بهذا إذا سوّيت بينهما (قوله غمز رجلى) أى جسها بيده من قولهم غمزت الكبش بيدى إذا جسسته لتعرف سمنة (وفيه دلالة) لمن قال إن لمس المرأة بلا لذة لا ينقض الوضوء لأن شأن المصلى عدم اللذة حال صلاته ولا سيما النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وحمله غيره على أن اللمس يحتمل أن يكون بحائل لأن هذا هو الظاهر

من حال النائم أو هو خصوصية له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. لكن احتمال الحائل والخصوصية بعيد لأن الأصل عدم الحائل والخصائص لا تثبت بالاحتمال ولا تكون إلا بدليل وتقدم بيانه وافيا في كتاب الطهارة. واستدلت عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا بهذا الحديث على أن المرأة إذا مرت بين يدى المصلى لا تقطع صلاته بخلاف الكلب والحمار. وتقدم أن الجمهور سوّوا بين المرأة والحمار والكلب في أن مرور كل منها ينقص ثواب المصلى لحديث أبي ذر المذكور آنفا في باب ما يقطع الصلاة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم (ص) حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «كُنْتُ أَكُونُ نَائِمَةً وَرِجْلَايَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ ضَرَبَ رِجْلَيَّ فَقَبَضْتُهُمَا فَسَجَدَ» (ش) (رجال الحديث) (عاصم بن النضر) وقيل عاصم بن محمد بن النضر بن المنتشر الأحول أبو عمر البصرى التيمى. روى عن خالد بن الحارث والمعتمر بن سليمان. وعنه مسلم وأبو داود وجعفر بن محمد الفريابى وأبو بكر بن أبى عاصم والفضل بن عباس وموسى بن هارون وكثيرون. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق من العاشرة و (عبيد الله) بن عمر العمرى. و (أبو النضر) سالم بن أبي أمية وتقدم شرح الحديث وأخرجه البيهقي من طريق القعنبي قال حدثنا مالك عن أبى النضر مولى عمر بن عبيد الله عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنها قالت كنت أنام بين يدى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ورجلاى في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجليّ فإذا قام بسطتهما قالت والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، ح وحَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ -وَهَذَا لَفْظُهُ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «كُنْتُ أَنَامُ وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ فِي قِبْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَيُصَلِّي

باب من قال الحمار لا يقطع الصلاة

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَأَنَا أَمَامَهُ فإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ» زَادَ عُثْمَانُ: «غَمَزَنِي» ثُمَّ اتَّفَقَا فَقَالَ: «تَنَحَّيْ» (ش) (قوله وهذا لفظه) أى ما سيذكره المصنف لفظ عبد العزيز بن محمد الدراوردى وأما حديث محمد بن بشر فهو بمعناه (قوله وأنا أمامه) أى قدامه وهو يصلى (قوله زاد عثمان غمزني الخ) أى زاد عثمان في روايته قول عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا غمزني ثم اتفق عثمان والقعنبى في روايتيهما على قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تنحى أى تحوّلى إلى ناحية أخرى لأجل أن تصلى الوتر كما تقدّم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا أراد أن يصلى الوتر أيقظها فأوترت (باب من قال الحمار لا يقطع الصلاة) أى في بيان أدلة من قال إن مرور الحمار بين يدى المصلى لا يقطع صلاته (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جِئْتُ عَلَى حِمَارٍ، ح وَثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلَامَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى «فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ فَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ» فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَذَا لَفْظُ الْقَعْنَبِيِّ، وَهُوَ أَتَمُّ، قَالَ مَالِكٌ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ وَاسِعًا إِذَا قَامَتِ الصَّلَاةُ (ش) (قوله على أتان) هي الأنثى من الحمير تجمع على آتن وأتن بضم الهمزة والمثناة الفوقية وأتن بسكون المثناة. وحمارة بالهاء نادر ولا يقال أتانة. وفي رواية البخارى على حمار أتان وهو بدل غلط (قوله قد ناهزت الاحتلام) أى قاربت البلوغ. وكلن سنه يومئذ على ما قيل خمس عشرة أو ثلاث عشرة سنة. ووصف ابن عباس نفسه بذلك. يفيد أن إقرار النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إياه على المرور بين يدى بعض الصف دليل على إباحته لأنه كان يعقل

الخلاف في ذلك

الأمر والنهى ويصح منه امتثالهما. وقد ورد الشرع بتعزير من هو دون هذا السن على الشرائع ومنعه من المحظورات فقد نزع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تمرة من الصدقة من فم الحسين ابن علي وقال أما علمت أنا لا نأكل الصدقة. وأمر بضرب الصبي على ترك الصلاة إذا بلغ عشر سنين (قوله ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى بالناس بمنى) أى إلى غير جدار كما صرح به في رواية البخارى. وقد صرّح مالك أيضا في هذه الرواية بأن الصلاة كانت بمنى وكذا قاله أكثر أصحاب الزهرى ووقع في رواية مسلم من طريق ابن عيينة أن الصلاة كانت بعرفة (قال النووى) ويحمل ذلك على أنهما قصتان اهـ قال في الفتح إن الأصل عدم التعدد ولاسيما مع اتحاد مخرج الحديث فالحق أن قول ابن عيينة إنه صلى الله عليه وآله وسلم يصلى بعرفة شاذ اهـ ووقع عند مسلم أيضا من رواية معمر عن الزهرى وذلك في حجة الوداع أو الفتح والحق أن ذلك كان في حجة الوداع (قوله فمررت بين يدى بعض الصف الخ) وفي رواية للبخارى فمررت حتى سرت بين يدى بعض الصف الأول فنزلت وأرسلت الأتان ترتع أى ترعي من قولهم رتعت الماشية رتعا ورتوعا رعت كيف شاءت (قوله فلم ينكر ذلك أحد) استدل ابن عباس بترك الإنكار عليه على جواز المرور ولم يستدل عليه بترك إعادتهم للصلاة لأن ترك الإنكار أكثر فائدة فإنه يدل على جواز المرور وصحة الصلاة معا بخلاف ترك الإعادة فإنه يدل على صحة الصلاة فقط. واستدل بهذا على أن مرور الحمار بين يدى المصلى لا يقطع الصلاة وهو قول الجمهور كما تقدم. وأجاب القائلون بقطع الصلاة بأن حديث ابن عباس محمول على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلى إلى سترة وهو لم يمرّ بين الإمام وسترته بل مر بين يدى بعض الصف وسترة الإمام سترة لمن خلفه كما تقدم وقالوا ولا يلزم من نفى الجدار في الحديث نفى السترة الأخرى من حربة أو غيرها. ولو سلم أنه يدل على نفى السترة مطلقا لأمكن أن يقال إن قول ابن عباس لم ينكر ذلك أحد ولم يقل ولم ينكر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدل على أن المرور كان بين يدى بعض الصف. ولا يلزم من ذلك اطلاع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليه لجواز أن يكون الصف ممتدًّا ولم يطلع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على فعل ابن عباس ولو سلم اطلاعه على ذلك لم يكن دليلا أيضا على الجواز لأن ترك الإنكار إنما كان لأجل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اتخذ سترة وهو لم يمر بينه وبين السترة كما تقدم. لكن ما رواه البزار بسند صحيح عن ابن عباس قال أتيت أنا والفضل على أتان فمررنا بين يدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعرفة وهو يصلي المكتوبة ليس شئ يستره يحول بيننا وبينه فيه ردّ لقولهم إن مرور ابن عباس كان خلف الإمام وبين يدى بعض الصف لأنه صريح في أنه مر بين يدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وردّ أيضا لقولهم إن نفي الجدار لا يلزم منه نفي السترة مطلقا

لأنه صريح أيضا في أنه لم يصل إلى سترة أصلا "ودعوى احتمال" أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يطلع على فعل ابن عباس "مردودة" بأن ابن عباس لم يكن ليخبر بأنه لم ينكر عليه فعله إلا لفائدة أن يكون علم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بفعله فأقره عليه وهو لا يقر على منكر (قوله وهذا لفظ القعنبى الخ) أى ما ذكر لفظ حديث عبد الله بن مسلمة لا لفظ عثمان بن أبي شيبة وهو أتم من لفظ ابن أبي شيبة (قوله قال مالك وأنا أرى ذلك واسعا الخ) أى أرى أنه لا بأس بالمرور بين يدى المأموم لأن الإمام سترة له وقد ذكر مالك في الموطأ هذا الأثر بلفظ وأنا أرى ذلك واسعا إذا أقيمت الصلاة وبعد أن يحرم الإمام ولم يجد المرء مدخلا إلى المسجد إلا بين الصفوف (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه وأحمد ومالك في الموطأ وأخرجه البيهقى من طريق مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود عن عبد الله بن عباس أنه قال صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمنى إلى غير جدار فجئت را كبا على حمار لى وأنا يومئذ قد راهقت الاحتلام فمررت بين يدى بعض الصف فنزلت وأرسلت الحمار يرتع ودخلت مع الناس فلم ينكر ذلك عليّ أحد اهـ (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ، قَالَ: تَذَاكَرْنَا مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: «جِئْتُ أَنَا وَغُلَامٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى حِمَارٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يُصَلِّي، فَنَزَلَ وَنَزَلْتُ وَتَرَكْنَا الْحِمَارَ أَمَامَ الصَّفِّ، فَمَا بَالَاهُ وَجَاءَتْ جَارِيَتَانِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَدَخَلَتَا بَيْنَ الصَّفِّ فَمَا بَالَى ذَلِكَ». (ش) (رجال الحديث) (أبو عوانة) الوضاح. و (منصور) بن المعتمر. و (الحكم) ابن عتيبة. و (أبو الصهباء) هو صهيب البصرى مولى ابن عباس. روى عن على وابن عباس وابن مسعود. وعنه أبو معاوية البجلى وأبو نضرة العبدى وسعيد بن جبير ويحيى بن الجزّار. وثقه أبو زرعة وضعفه النسائى. روى له مسلم وأبو داود والنسائى (معنى الحديث) (قوله جئت أنا وغلام) لعله الفضل بن عباس أخوه كما تؤيده رواية الترمذى عن ابن عباس قال كنت رديف الفضل على أتان فجئنا والنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى بأصحابه الخ ولعل من كانوا يتذاكرون عنده في شأن ما يقطع الصلاة ذكروا أن

الحمار يقطعها وكذا المرأة فلذا أتى بهذه القصة (قوله ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي) أى بالقوم بمنى كما في الرواية السابقة (قوله فنزل ونزلت) أى نزل الغلام ونزلت معه ودخلنا في الصلاة مع الجماعة (قوله فما بالاه) أى ما اهتم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمرور الحمار ولا التفت إليه. وفي رواية النسائى عن صهيب قال سمعت ابن عباس يحدث أنه مر هو وغلام من بنى هاشم على حمار بين يدى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو يصلى فنزلوا ودخلوا معه فصلوا ولم ينصرف (قوله وجائت جاريتان) يعني صغيرتين وهي في الأصل الشابة ثم توسعوا حتى سموا كل أمة جارية وإن كانت عجوزا لا تقدر على السعى تسمية بما كانت عليه وجمعها جوار. وسميت جارية تشبيها لها بالسفينة لجريها مسخرة في أعمال مواليها (قوله فما بالى ذلك) أى ما اهتم بدخولهما بين الصف (وفي هذا الحديث) دلالة للجمهور على أن مرور المرأة والحمار لا يبطل الصلاة. "وما روى" عن ابن عباس من أن مرورهما يقطع الصلاة "فالمراد به" نقص الثواب لا البطلان حقيقة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وابن خزيمة والبزار بلفظ تقدم (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَدَاوُدُ بْنُ مِخْرَاقٍ الْفِرْيَابِيُّ، قَالَا: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُور، بِهَذَا الْحَدِيثِ بِإِسْنَادِهِ قَالَ: فَجَاءَتْ جَارِيَتَانِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ اقْتَتَلَتَا فَأَخَذَهُمَا قَالَ عُثْمَانُ: فَفَرَّعَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ دَاوُدُ: فَنَزَعَ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى فَمَا بَالَى ذَلِكَ (ش) (رجال الحديث) (داود بن مخراق) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء ويقال ابن محمد. روى عن جرير بن عبد الحميد وابن عيينة وعيسى بن يونس وغيرهم. وعنه جعفر بن محمد الفريابي وأبو أحمد الفراء وإسحاق بن إبراهيم وطائفة. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق من العاشرة. قيل مات سنة تسع وثلاثين رمائتين. و (الفريابي) نسبة إلى فرياب بكسر الفاء وسكون الراء بلد من نواحى بلخ (قوله بإسناده) هو عن الحكم عن يحيى بن الجزار عن أبى الصهباء (معنى الحديث) (قوله اقتتلتا الخ) أى اختصمتا فأخذهما صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ففرّق بينهما. وفي رواية النسائى فجائت جاريتان تسعيان فأخذتا بركبتيه ففرّع بينهما ولم ينصرف (قوله قال عثمان ففرّع بينهما الخ) أى قال عثمان بن أبى شيبة في روايته ففرّع أى فرق ينهما وقال داود بن مخراق في روايته فنزع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إحداهما من الأخرى (وفيما ذكر) من الأحاديث دلالة لمن قال إن مرور الحمار والمرأة لا يقطع الصلاة

باب من قال الكلب لا يقطع الصلاة

(باب من قال الكلب لا يقطع الصلاة) (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي بَادِيَةٍ لَنَا وَمَعَهُ عَبَّاسٌ، «فَصَلَّى فِي صَحْرَاءَ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ وَحِمَارَةٌ لَنَا، وَكَلْبَةٌ تَعْبَثَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَا بَالَى ذَلِكَ» (ش) (رجال الحديث) (قوله عن جدى) هو الليث بن سعد. و (محمد بن عمر بن على) بن أبي طالب الهاشمى. روى عن جده وأبيه ومحمد بن الحنفية وعلى بن الحسين وكريب مولى ابن عباس. وعنه أولاده عبد الله وعبيد الله وعمر وابن جريج وآخرون. قال ابن سعد كان قليل الحديث وقال في التقريب صدوق من الثالثة وقال ابن القطان حاله مجهول. و (عباس ابن عبيد الله بن عباس) بن عبد المطلب القرشى الهاشمى. روى عن الفضل بن عباس ومحمد ابن مسلمة وخالد بن يزيد. وعنه ابن جريج وموسى بن جبير وأيوب السختياني ومحمد بن عمر ابن على. قال ابن القطان لا يعرف حاله وقال في التقريب مقبول من الرابعة. و (الفضل بن عباس) بن عبد المطلب بن هاشم ابن عم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. غزا معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مكة وحنينا وثبت معه يومئذ وشهد معه حجة الوداع وزوّجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صفية بنت محمية بن جزء الزبيدى وأمهرها عنه. روى عنه أخوه عبد الله وربيعة بن الحارث وأبو هريرة وسليمان بن يسار والشعبى وآخرون. قيل قتل يوم اليرموك سنة خمس عشرة في خلافة عمر بن الخطاب. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله أتانا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى ليزورنا كما في رواية النسائى وأحمد عن الفضل بن عباس قال زار رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عباسا (فصلى في صحراء) أى أرض خالية وكانت صلاة العصر كما صرّح به في رواية أحمد والبيهقى (قوله ليس بين يديه سترة) لأن الصحراء لم تكن مظنة مرور أحد (وفي هذا دلالة) على أن محل اتخاذ السترة إذا خشى المصلى مرور أحد بين يديه فإذا لم يخش مرور أحد كأن كان في صحراء لا يمرّ به أحد أو كان في مكان مرتفع والمرور من أسفله جاز ترك السترة (وبهذا قالت) المالكية مستدلين بحديث الباب. وحملوا أحاديث الأمر باتخاذ السترة مطلقا على ما إذا خشى

الكلام في اتخاذ المصلي السترة عند أمن المرور

المصلى مرور أحد بين يديه (وذهبت) الشافعية والحنفية والحنابلة إلى سنية اتخاذ السترة مطلقا خشى المصلى المرور أولا أخذا بظاهر الأحاديث الدالة على طلب اتخاذ السترة وأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يفعلها سفرا وحضرا (وأجابوا عن حديث الباب بأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فعل ذلك لبيان الجواز ويكون قرينة صارفه للأمر باتخاذ السترة عن الوجوب إلى السنية (قوله تعبثان بين يديه) أى يلعبان أمامه. وفي نسخة تعيثان من عاث يعيث من باب باع إذا أفسد يقال عاث الذئب في الغنم أفسد فيها (وفيه دلالة) على أن مرور الكلب والحمار أمام المصلى لا يبطل الصلاة. وقد علمت بيانه مستوفي (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والنسائى والدارقطني وأخرجه البيهقي من طريق حجاج بن محمد قال قال ابن جريج أخبرني محمد بن عمر بن على عن عباس بن عبيد الله بن عباس عن الفضل بن عباس قال زار النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عباسا في بادية لنا وكليبة وحمارة ترعى فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العصر وهما بين يديه فلم تؤخرا ولم تزجرا (باب من قال لا يقطع الصلاة شيء) وفي نسخة باب فيمن قال الخ أى في بيان دليل من قال لا يقطع الصلاة مرور شئ بين يدى المصلى (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، أنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» (ش) (رجال الحديث) (أبو أسامة) هو حماد بن أسامة. و (أبو الودّاك) بفتح الواو وشدّ الدال المهملة اسمه جبر بن نوف الهمداني البكالى الكوفي. روى عن أبي سعيد الخدرى وشريح القاضى. وعنه مجالد بن سعيد الكوفي وقيس بن وهب وإسماعيل بن أبي خالد وأبو التياح. وثقه ابن معين وابن حبان وقال ابن سعد كان قليل الحديث وقال النسائى صالح ليس بالقوى (معنى الحديث) (قوله لا يقطع الصلاة شئ) أى لا يبطل صلاة المصلى مرور شيء من كلب أو امرأة أو حمار أو غيرها بين يديه وهو حجة للجمهور القائلين بعدم البطلان وتقدّم عنهم أن القطع في الأحاديث الأخر مؤوّل بشغل القلب وقطع الخشوع لا إفساد أصل الصلاة فقد أخرج

ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أن المرور بين يدى المصلى يقطع نصف صلاته (وأجاب) القائلون بالبطلان عن هذا الحديث بأنه ضعيف لأنه من رواية مجالد بن سعيد وتكلم فيه غير واحد لكنه تقوى بما رواه الدارقطني من طريق سليم بن عامر عن أبي أمامة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يقطع الصلاة شئ. وبما رواه أيضا عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يقطع صلاة المرء امرأة ولا كلب ولا حمار وادرأ من بين يديك ما استطعت. وبما رواه من طريق يحيى بن المتوكل عن إبراهيم بن يزيد قال حدثنا سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر وعمر قالوا لا يقطع صلاة المسلم شيء وادرأ ما استطعت. وبما رواه مالك في الموطأ عن على بن أبى طالب قال لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدى المصلى (وهذه الأحاديث) وإن كان في بعضها مقال يقوى بعضها بعضا. ويقوّى حديث الباب أيضا ما تقدم عن المصنف من أن المرأة والحمار والكلب لا يقطع مرور واحد منها الصلاة (قوله وادرءوا ما استطعتم) أى ادفعوا المار قدر استطاعتكم وتقدّم بيانه (قوله فإنما هو شيطان) أى المار المعلوم من السياق شيطان أى يفعل فعل شيطان. وتقدم بيانه (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه لا يبطل صلاة المصلى مرور شئ بين يديه، وعلى أنه يطلب منه أن يدفع المار بين يديه قدر استطاعته، وعلى أن المرور بين يديه مذموم ولذا قيل لفاعله إنه شيطان من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطني والطحاوى في شرح معاني الآثار ورواه البيهقي من طريق عبد الله بن محمد بن شاكر قال ثنا أبو أسامة ثنا مجالد عن أبي الودّاك عن أبي سعيد عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يقطع الصلاة شيء وادرأ ما استطعت فإنه شيطان (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثَنَا مُجَالِدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَدَّاكِ، قَالَ: مَرَّ شَابٌّ مِنْ قُرَيْشٍ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَهُوَ يُصَلِّي فَدَفَعَهُ ثُمَّ عَادَ فَدَفَعَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّ الصَّلَاةَ لَا يَقْطَعُهَا شَيْءٌ وَلَكِنْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «إِذَا تَنَازَعَ الْخَبَرَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ نُظِرَ إِلَى مَا عَمِلَ بِهِ أَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ» (ش) (مسدد) بن مسرهد (قوله مر شاب من قريش) وفي رواية للبخارى فأراد شاب من

حاصل القول في المرور بين يدي المصلي

بني معيط أن يجتاز بين يديه. قيل إنه الوليد بن عقبة وقيل داود بن مروان (قول ثلاث مرات) أى دفع أبو سعيد الشاب ثلاث مرّات وعاد الشابّ إلى المرور بعد أن دفعه أول مرة لأنه لم يجد مساغا يمر منه إلا بين يديه كما في رواية البخارى (قوله قال إن الصلاة لا يقطعها شيء الخ) أتى به دليلا لما صنعه من دفع الشاب وأنه لم يصنع هذا من رأيه وإنما هو لما سمعه من النبى صلى الله عليه وآله وسلم من أمره المصلى أن يدفع المار قدر استطاعته (قوله قال أبو داود وإذا تنازع الخبران الخ) لما كان من عادة المصنف أن يذكر الحديث في باب ويذكر الذى يعارضه في باب آخر كما فعل في أحاديث قطع الصلاة لمرور شيء بين يدى المصلى أتى بهذا لبيان أن الراجح عنده أن الصلاة لا يقطعها مرور شئ وأن فعل الصحابي مرجح عند التعارض كما تقدم (والحاصل) أنه قد تعارضت الأحاديث في هذه المسألة فورد في بعضها قطع الصلاة بمرور بعض الأشياء وفي بعضها عدم القطع بمرور بعضها وفي بعضها عدم القطع بمرور شيء فقال المصنف لما تنازعت الأحاديث نظر إلى ما عمل به أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من بعده ولما نظرنا في ذلك رأينا أن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما وهو الذى يروى حديث القطع أفتى بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعدم القطع بمرور الحمار والكلب والمرأة كما في الروايات المتقدمة (قال البيهقي) روى سماك عن عكرمة قيل لابن عباس أتقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب قال إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه فما يقطع هذا ولكن يكره. وكذلك عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا روى عنها قطع الصلاة بمرور المرأة وأنها أيضا أفتت بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعدم قطعها وردّت على من قال بقطع الصلاة بمرور المرأة أقبح ردّ. وكذلك روى عن ابن عمر أنه أفتى بعدم القطع (قال الطحاوى) حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن الزهرى عن سالم قال قيل لابن عمر إن عبد الله بن عياش بن ربيعة يقول يقطع الصلاة الكلب والحمار فقال ابن عمر لا يقطع صلاة المؤمن شيء. وأخرج الطحاوى عن على وعمار وحذيفة لا يقطع صلاة المسلم شئ وادرءوا ما استطعتم. وعن على لا يقطع صلاة المسلم كلب ولا حمار ولا امرأة ولا ما سوى ذلك من الدوابّ (قال الترمذى) العمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومن بعدهم من التابعين قالوا لا يقطع الصلاة شيء (من أخرج الحديث أيضا) أخرج الدارقطني والطبراني نحوه والبيهقى من طريق المصنف

أبواب تفريع استفتاح الصلاة

أبواب تفريع استفتاح الصلاة أى هذه أبواب يذكر فيها ما يفتتح به الصلاة. وهي متفرعة على ما مضى من الأبواب وفي بعض النسخ تفريع أبواب استفتاح الصلاة. وفي بعضها أبواب استفتاح الصلاة (باب رفع اليدين) أى في بيان مواضع رفع اليدين في الصلاة (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ "إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ وَبَعْدَمَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ -وَقَال سُفْيَانُ مَرَّةً: وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ وَأَكْثَرُ مَا كَانَ يَقُولُ: وَبَعْدَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ- وَلَا يَرْفَعُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ" (ش) (سفيان) بن عيينة. و (سالم) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (قوله إذا استفتح الصلاة رفع يديه) أى إذا شرع في الصلاة رفع يديه عند تكبيرة الإحرام. وفي رواية البخارى كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة (وفيه دلالة) على مشروعية رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام واختلف في حكمه. فذهب الجمهور إلى استحبابه (وذهب) داود والأوزاعي والحميدى وابن خزيمة وأحمد ابن سيار والنيسابورى إلى وجوبه. لكن لا دليل عليه إلا أن يقال إن مداومته صلى الله عليه وآله وسلم على الفعل تدلّ على الوجوب. وفي ذلك خلاف والراجح عدم دلالتها على الوجوب (ونقل) ابن المنذر والعبدرى عن الزيدية أنه لا يجوز رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام ولا غيرها. لكن هذا غلط فإن إمامهم زيد بن على ذكر في كتابه حديث الرفع وقال باستحبابه وكذا قال بالاستحباب أكابر أئمتهم المتقدمين والمتأخرين (وفي كيفية) رفع اليدين أقوال فقال بعضهم يرفعهما ناشرا أصابعه مستقبلا بباطن كفيه القبلة لما رواه الطبراني عن ابن عمر مرفوعا إذا استفتح أحدكم الصلاة فليرفع يديه وليستقبل بباطنهما القبلة فإن الله عز وجل أمامه. وما رواه الترمذى عن أبى هريرة قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا كبر نشر أصابعه. وقال بعضهم تكون اليدان قائمتين محنية أطراف أصابعهما. وقيل تكونان مبسوطتين بطونهما إلى السماء وظهورها إلى الأرض. وقال سحنون بطونهما إلى الأرض وظهورهما إلى السماء. وقال الغزالى لا يتكلف ضما

ولا تفريقا بل يتركهما على هيئتهما (والحكمة) في رفع اليدين عند الإحرام استعظام ما دخل فيه. وقيل إشارة إلى نبذ الدنيا وراءه والإقبال بكليته على صلاته ومناجاة ربه حتى يطابق فعله قوله الله أكبر. قال القاضى عياض وهذه الوجوه تناسب القول برفعهما منتصبتين. وقيل إن ذلك خضوع ورهبانية وهو يناسب نصبهما منحنية أطراف الأصابع (وقال) في حجة الله البالغة السرّ في ذلك أن رفع اليدين فعل تعظيمى ينبه النفس على ترك الأشغال المنافية للصلاة والدخول في حيز المناجاة فشرع لتنبيه النفس لثمرة ذلك الفعل اهـ (وقال الباجى) إن التكبير شرع في الصلاة عند عمل قرن به للانتقال من حال إلى حال فلما لم يكن عند تكبيرة الإحرام عمل من الانتقال من حال إلى حال قرن به رفع اليدين كما قرن بالسلام الإشارة بالرأس والوجه إلى اليمين اهـ (قوله حتى يحاذى منكبيه) غاية لرفع يديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو دليل على أن الرفع يكون إلى المنكبين (وبه قال) أحمد ومالك والشافعى وإسحاق مستدلين بحديث الباب وغيره من الأحاديث الكثيرة الصحيحة الدالة على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه (وذهبت الحنفية) وجماعة إلى أن رفع اليدين يكون حذو الأذنين. واستدلوا بما رواه مسلم عن مالك بن الحويرث أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذى بهما أذنيه. وبما رواه الطحاوى عن البراء بن عازب قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا كبر لافتتاح الصلاة رفع يديه حتى تكون إبهاماه قريبين من شحمتى أذنيه. وبما رواه أيضا عن وائل بن حجر قال رأيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين يكبر للصلاة يرفع يديه حيال أذنيه. وسيأتى نحوه للمصنف (وأجابوا) عن أحاديث الرفع إلى المنكبين بأنها محمولة على حالة العذر كالبرد. وروى الطحاوى من طريق شريك عن وائل ابن حجر قال أتيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آلة وسلم فرأيته يرفع يديه حذاء أذنيه إذا كبر وإذا رفع وإذا سجد فذكر من هذا ما شاء الله قال ثم أتيته في العام المقبل وعليهم الأكسية والبرانس وكانوا يرفعون أيديهم فيها وأشار شريك إلى صدره (قال الطحاوى) فأخبر وائل بن حجر في حديثه هذا أن رفعهم إلى مناكبهم إنما كان لأن أيديهم كانت حينئذ في ثيابهم وأخبر أنهم كانوا يرفعون إذا كانت أيديهم ليست في ثيابهم إلى حذو آذانهم فأعملنا روايته كلها فجعلنا الرفع إذا كانت اليدان في الثياب لعلة البرد إلى منتهى ما يستطاع الرفع إليه وهو المنكبان وإذا كانتا باديتين رفعهما إلى الأذنين كما فعل صلى الله عليه وآله وسلم ولم يجز أن يجعل حديث ابن عمر وما أشبهه الذى فيه ذكر رفع اليدين إلى المنكبين أن ذلك كان واليدان باديتان لجواز أنهما كانتا في الثياب وإلا لكان مخالفا لما روى وائل بن حجر فيتضادّ الحديثان اهـ ببعض تصرف. ويمكن الجمع بين أحاديث الرفع إلى المنكبين وأحاديث الرفع إلى الأذنين بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

كان يرفع يديه حذو منكبيه بحيث تحاذى أطراف أصابعه أعلى أذنيه وإبهاماه شحمتي أذنيه وراحتاه منكبيه وبهذا جمع الشافعى بينهما. أو يقال إنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يفعل هذا تارة وذاك تارة أخرى ولذا قال ابن عبد البر. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الرفع مدّا فوق الأذنين مع الرأس. وروى أنه كان يرفعهما حذاء أذنيه وروى حذو منكبيه وروى إلى صدره كلها آثار محفوظة مشهورة دالة على التوسعة اهـ (قوله وإذا أراد أن يركع) فيه إشارة إلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يرفع يديه عند الشروع في الركوع وفي رواية البخارى كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع أى حين يبتدئ الركوع وهي بمعنى رواية المصنف (قوله وبعد ما يرفع رأسه من الركوع) أى بعد ما يشرع في رفع رأسه من الركوع لا بعد انتهائه كما تدل عليه الرواية الآتية وفيها ثم إذا أراد أن يرفع صلبه رفعهما (وهو دليل) على استحباب رفع اليدين عند الركوع والرفع منه وبه قال الشافعى وأحمد وإسحاق والحسن البصرى وابن سيرين وعطاء وطاوس ومجاهد والقاسم ومكحول والأوزاعي وغيرهم من التابعين مستدلين بحديث الباب وأشباهه وهو قول أبى بكر وعمر وعلي وابن عمر وابن عباس وأنس وابن الزبير وأبي هريرة وأبي موسى الأشعرى وكثيرين من الصحابة (واختلفت) الروايات عن مالك فروى ابن القاسم عنه عدم الرفع عند الركوع والرفع منه (وبه قال) أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من أهل الكوفة وهو قول الثورى وابن أبي ليلى والنخعى والشعبى. واستدلوا بما سيأتى للمصنف والدارقطني عن البراء قال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه ثم لم يعد. لكن لا يصلح للاستدلال به لأنه من رواية يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف كما سيأتي بيانه. واستدلوا أيضا بما رواه أحمد والترمذى وسيأتى للمصنف عن ابن مسعود أنه قال لأصلينّ لكم صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصلى فلم يرفع يديه إلا مرة واحدة. ولا يصلح للاستدلال به أيضا لأنه ضعفه غير واحد كما سيأتي واستدلوا أيضا بما رواه البيهقي في الخلافيات عن عبد الله بن عون الخزّاز عن مالك عن الزهرى عن ابن عمر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يرفع يديه إذا استفتح الصلاة ثم لا يعود قال الحاكم هو حديث باطل موضوع ولا يجوز أن يذكر إلا على سبيل القدح اهـ إلى غير ذلك من الأحاديث والآثار التي لا تخلو عن مقال. وأجاب بعضهم عن حديث الباب وأشباهه بأنه منسوخ. لكن لا دليل على النسخ وقد جائت أحاديث الرفع في المواضع المذكورة عن جمع من الصحابة عند الجماعة وغيرهم وهي مثبتة وتلك نافية ويقدّم المثبت على النافي (قال) في النيل إن الصحابة قد أجمعوا على هذه السنة بعد موته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهم

لا يجمعون إلا على أمر فارقوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليه. على أنه قد ثبت من حديث ابن عمر عند البيهقي أنه بعد أن ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرم وعند الركوع وعند الاعتدال فما زالت تلك صلاته حتى لقي الله تعالى اهـ وعلى تقدير أنه صلى الله عليه وآله وسلم تركه فهو لبيان الجواز لا لأنه الراجح. وروى ابن وهب وأشهب وأبو مصعب وغيرهم أن مالكا كان يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع منه. وقال ابن عبد الحكم لم يرو أحد عن مالك ترك الرفع فيهما إلا ابن القاسم. والذى نأخذ به الرفع لحديث ابن عمر وهو الذى رواه ابن وهب وغيره عن مالك ولم يحك الترمذى عن مالك غيره اهـ ونقل الخطابي وتبعه القرطبى أن الرفع فيهما آخر قولى مالك وأصحهما. وحديث ابن عمر الذى أشار إليه ابن عبد الحكم هو ما رواه مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضا وقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد وكان لا يفعل ذلك في السجود (إذا علمت) هذا علمت أن الثابت عن مالك رفع اليدين عند الركوع والرفع منه (قال البخارى) في جزء رفع اليدين روى الرفع تسع عشرة نفسا من الصحابة. وذكر البيهقي أسماءهم نحوا من ثلاثين صحابيا وقال سمعت الحاكم يقول اتفق على رواية هذه السنة العشرة المشهود لهم بالجنة فمن بعدهم من أكابر الصحابة "ثم قال" ولا نعلم سنة اتفق على روايتها العشرة فمن بعدهم من أكابر الصحابة على تفرقهم في الأقطار الشاسعة غير هذه السنة اهـ وروى ابن عساكر في تاريخه من طريق أبي سلمة عن الأعرج قال أدركت الناس كلهم يرفعون أيديهم عند كل خفض ورفع اهـ (وهذه السنة) يشترك فيها الرجال والنساء ولم يرد ما يدل على الفرق بينهما فيها وكذا لم يرد ما يدل على الفرق بينهما في مقدار الرفع خلافا لبعض الحنفية أن الرجل يرفع يديه إلى الأذنين والمرأة إلى المنكبين لأنه أستر لها. وكذا لا فرق في ذلك بين إمام ومأموم ومنفرد ولا بين الفريضة والنافلة (قوله وقال سفيان مرّة الخ) أى قال في روايته مرّة وإذا أراد أن يركع وإذا رفع رأسه وأكثر ما كان يقول سفيان في روايته هو قوله وإذا أراد أن يركع وبعد ما يرفع رأسه (قوله ولا يرفع بين السجدتين) أى لا يرفع يديه إذا رفع رأسه من السجدة الأولى. وفي رواية البخارى ولا يفعل ذلك حين يسجد ولا حين يرفع رأسه من السجود (وفي هذا دلالة) على عدم مشروعية رفع اليدين بين السجدتين وهو مذهب الجمهور (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، وعلى مشروعية رفعهما عند الركوع والرفع منه، وعلى عدم مشروعية رفعهما بين السجدتين (فائدة) إذا لم يمكن المصلى رفع يديه أو أمكنه رفع إحداهما أو أمكنه رفعهما إلى دون

المنكبين رفع ما أمكنه لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم رواه للبخارى ومسلم "وإن كان" به علة إذا رفع يده جاوز المنكب "رفع لأنه" أتى بالمأمور به وبزيادة هو مغلوب عليها. وإن نسى الرفع وذكره قبل أن يفرغ من التكبير أتي به لأن محله باق (وقال النووى) قال أصحابنا إذا كان أقطع اليدين أو إحداهما من المعصم "موضع السوار" رفع للساعد (قال البغوى) فإن قطع من المرفق رفع العضد على أصح الوجهين والثاني لا يرفع لأن العضد لا يرفع في حال الصحة. وجزم المتولى برفع العضد (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والترمذى وابن ماجه ومالك في الموطأ والنسائى والدارقطنى من عدّة طرق عن ابن عمر وأخرجه الطحاوى في شرح معاني الآثار وأخرجه البيهقى من طريق سعدان بن نصر المخرمى ثنا سفيان بن عيينة الخ نحوه (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى الْحِمْصِيُّ، ثَنَا بَقِيَّةُ، ثَنَا الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى تَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ وَهُمَا كَذَلِكَ فَيَرْكَعُ، ثُمَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ صُلْبَهُ رَفَعَهُمَا حَتَّى تَكُونَ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي السُّجُودِ وَيَرْفَعُهُمَا فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ يُكَبِّرُهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ حَتَّى تَنْقَضِيَ صَلَاتُهُ " (ش) (رجال الحديث) (محمد بن المصفى) بن بهلول (الحمصى) أبو عبد الله الحافظ روى عن أبيه ومحمد بن حرب والوليد بن مسلم ومحمد بن شعيب وابن عيينة وآخرين. وعنه أبو داود والنسائى وابن ماجه وأبو حاتم وكثيرون. قال أبو حاتم صدوق وقال صالح بن محمد كان مخلطا وأرجو أن يكون صدوقا وقد حدث بأحاديث مناكير وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان يخطئ وقال في التقريب صدوق له أوهام وكان يدلس من العاشرة. مات سنة ست وأربعين ومائتين و (بقية) بن الوليد تقدم في جزء 2 صفحة صفحة 173. و (الزبيدى) في جزء 4 صفحة 274. و (الزهرى) في جزء 1 صفحة 48. و (سالم) بن عبد الله بن عمر في جزء 3 صفحة 78. وأبوه (عبد الله بن عمر) تقدم في جزء 1 صفحة 51. (معنى الحديث) (قوله إذا قام إلى الصلاة رفع يديه الخ) أى إذا قام إلى الصلاة وافتتحها بتكبيرة الإحرام رفع يديه عندها ثم كبر للركوع وهما مرفوعتان حذو المنكبين (وفيه إشارة) إلى أن رفع اليدين للركوع يكون مقارنا للتكبير له. ويحتمل أن المراد كبر للإحرام واليدان

مرفوعتان حذو منكبيه. وقوله فيركع فيه حذف أى ثم يقرأ فيركع وهما مرفوعتان إلى المنكبين (قوله ثم إذا أراد أن يرفع صلبه) أى من الركوع. والصلب الظهر وجمعه أصلاب (قوله ويرفعهما في كل تكبيرة الخ) لعله أتى به لدفع ما يتوهم أن رفع اليدين في الركوع خاص بالركعة الأولى (من أخرج الحديث أيضا) أخرخه الدارقطني بسنده إلى الزبيدى عن الزهرى عن سالم عن أبيه قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا قام صلى الصلاة رفع يديه حتى إذا كانتا حذو منكبيه كبر ثم إذا أراد أن يركع رفعهما حتى يكونا حذو منكبيه وهما كذلك ثم يرفع ثم إذا أراد أن يرفع صلبه رفعهما حتى يكونا حذو منكبيه ثم قال سمع الله لمن حمده ثم سجد فلا يرفع يديه في السجود ويرفعهما في كلّ تكبيرة يكبرها قبل الركوع حتى تنقضى صلاته اهـ وأخرج البيهقى نحوه من طريق يونس بن يزيد الأيلي عن الزهرى عن سالم الخ وأخرجه أيضا من عدّة طرق (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا لَا أَعْقِلُ صَلَاةَ أَبِي فَحَدَّثَنِي وَائِلُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ " إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ، قَالَ: ثُمَّ الْتَحَفَ، ثُمَّ أَخَذَ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ وَأَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي ثَوْبِهِ قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ ثُمَّ رَفَعَهُمَا، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ سَجَدَ وَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ أَيْضًا رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ "، قَالَ: مُحَمَّدٌ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، فَقَالَ: هِيَ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَعَلَهُ مَنْ فَعَلَهُ وَتَرَكَهُ مَنْ تَرَكَهُ. (ش) (رجال الحديث) (عبيد الله بن عمر) تقدم في جزء 1 صفحة 61 و (عبد الوارث) في جزء 1 صفحة 29 و (محمد بن جحادة) بضم الجيم الأودى الكوفي روى عن أنس ونافع وأبى حازم والحكم بن عتيبة وعطاء بن أبي رباح وأبي إسحاق السبيعى وجماعة وعنه شعبة والسفيانان وزهير بن معاوية وشريك النخعى وآخرون. وثقه أحمد وعثمان بن أبي شيبة

والعجلى وللنسائى وأبو حاتم وقال صدوق وقال في التقريب ثقة من الخامسة. مات سنة إحدى وثلاثين ومائة. روى له الجماعة. و (عبد الجبار بن وائل بن حجر) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم الحضرمى الكوفي أبو محمد. روى عن أبيه وأخيه علقمة وعن أمه أمّ يحيى. وعنه ابنه سعيد وحجاج بن أرطاة والحسن النخعى وأبو إسحاق السبيعى وآخرون. وثقه ابن معين وأبو حاتم وابن جرير ويعقوب بن سفيان ويعقوب بن شيبة والدارقطني والحاكم وتكلموا جميعا في روايته عن أبيه وقال البخارى لا يصح سماعه من أبيه مات أبوه قبل أن يولد وقال في التقريب ثقة لكنه أرسل عن أبيه. توفي سنة اثنتي عشرة ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه والتزمذى (قوله كنت غلاما الخ) أى كنت صبيا لا أفهم صلاة أبي. وهو صريح في أن قائله عبد الجبار فيقتضى وجوده حال حياة أبيه. لكن قد علمت أن أباه مات قبل أن يولد قال الحافظ نصّ البزار على أن القائل كنت غلاما لا أعقل صلاة أبي هو علقمة بن وائل لا أخوه عبد الجبار (قوله وائل بن علقمة) كذا قال القواريرى عن عبد الوارث عن محمد بن جحادة عن عبد الجبار ابن وائل عن وائل بن علقمة وتابعه على ذلك أبو خيثمة عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه وقال إبراهيم بن الحجاج وعمران بن موسى عن عبد الوارث بن سعيد بسنده عن علقمة بن وائل وكذا قال إسحاق بن أبى إسراءيل عن عبد الصمد قال الحافظ وهو الصواب (قوله عن أبي وائل بن حجر) وائل بدل من أبي في قوله لا أعقل صلاة أبي. وهو ابن سعد بن مسروق بن وائل بن ضمعج الحضرمى. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعنه ابناه علقمة وعبد الجبار وأم يحيى زوجه وكليب بن شهاب وأبو جرير. قال أبو نعيم قدم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأنزله وأصعده معه على المنبر وأقطعه القطائع وكتب له عهدا وقال هذا وائل بن حجر سيد الأقيال جاءكم حبا لله ولرسوله وذكره ابن سعد فيمن نزل الكوفة من الصحابة وبشر به النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبل قدومه. مات في ولاية معاوية (معنى الحديث) (قوله فكان إذا كبر رفع يديه الخ) أى إذا أراد أن يكبر للإحرام وفي رواية مسلم عن وائل بن حجر أنه رأى النبى صلى الله عليه وآله وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة وكبر وقوله ثم التحف أى بثوبه كما صرح به في رواية مسلم والبيهقى. والمراد أنه أدخل يديه في كميه. ولعل التحاف يديه كان لبرد شديد أو لبيان أن عدم كشف اليدين في غير التكبير جائز من غير كراهة (قوله ثم أخذ شماله بيمينه الخ) أى قبض بيده اليمينى على يده اليسرى واضعا لهما على صدره وأدخل يديه في ثوبه. وهي جملة مؤكدة لقوله ثم التحف (قوله ثم سجد ووضع وجهه بين كفيه الخ) أى جعلهما إزاء أذنيه وإذا رفع رأسه من السجود أيضا رفع يديه كما رفعهما عند الرفع من الركوع وبه قال أبو بكر بن المنذر والطبرى وبعض أهل الحديث (ولعل) هذا كان

أوّلا ثم نسخ بالأحاديث الكثيرة الصحيحة الصريحة في أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يرفع يديه عند الرفع من السجود (منها) ما تقدم عن ابن عمر (ومنها) ما رواه النسائى والترمذى والدارقطني والمصنف عن على قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ورفع يديه حذو منكبيه ويصنع مثل هذا إذا قضى قراءته فأراد أن يركع وإذا رفع من الركوع ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو جالس اهـ على أن زيادة رفع اليدين في السجود غير متفق عليها من رواية ابن جحادة كما سيأتي (قوله قال محمد فذكرت ذلك للحسن الخ) أى قال محمد بن جحادة فذكرت ما حدثنى به عبد الجبار بن وائل للحسن البصرى فقال هي صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعله أى فعل هذا الثابت عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من وفقه الله تعالى فيثاب عليه وتركه من تركه فلا يؤجر ويلام على تركه. وتقدمت ترجمة الحسن البصرى في جزء 1 صفحة 69. (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن العمل القليل في الصلاة لا يبطلها، وعلى استحباب رفع اليدين عند الدخول في الصلاة وعند الركوع والرفع منه. وتقدم بيانه، وعلى استحباب كشف اليدين عند رفعهما. وعلى استحباب وضعهما في السجود حذاء أذنيه، وعلى مشروعية وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر حال القيام في الصلاة. وسيأتى تمام الكلام عليه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الترمذى وابن خزيمة وأخرجه البيهقى من طريق عفان قال حدثنا همام ثنا محمد بن جحادة عن عبد الجبار بن وائل ومولى لهم أنهما حدثاه عن أبيه وائل ابن حجر أنه رأى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين دخل في الصلاة كبر قال أبو عثمان وصف همام حيال أذنيه يعني رفع اليدين ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمنى على يده اليسرى فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ورفعهما فكبر فلما قال سمع الله لمن حمده رفع يديه فلما سجد سجد بين كفيه (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ هَمَّامٌ، عَنِ ابْنِ جُحَادَةَ لَمْ يَذْكُرِ الرَّفْعَ مَعَ الرَّفْعِ مِنَ السُّجُودِ (ش) (همام) بن يحيى تقدم في جزء 1 صفحة 74. وغرض المصنف بهذا بيان أنه قد اختلف على محمد بن جحادة في رواية الحديث فرواه عنه عبد الوارث بن سعيد بذكر رفع اليدين في السجود ورواه عنه همام بدونه وهو الصواب لما علمته من أن رفع اليدين في السجود منسوخ. ورواية همام هذه أخرجها مسلم والنسائى من طريق همام عن محمد بن جحادة عن علقمة ابن وائل عن أبيه أنه رأى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله سلم رفع يديه حين دخل في الصلاة

مذاهب الفقهاء في حكم وصفة رفع اليدين عند افتتاح الصلاة وعند الركوع والرفع منه وذكر الحكمة في ذلك

وكبر ثم التحف بثوبه ثم وضع اليمنى على اليسرى فلما أراد أن يركع أخرج يده ثم رفعهما وكبر فركع فلما قال سمع الله لمن حمده رفع يديه فلما سجد سجد بين كفيه ورواها البيهقى من طرق عفان قال ثنا همام ثنا محمد بن جحادة الخ. وتقدم لفظه (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ، ثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، ثَنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ وَائِلٍ، حَدَّثَنِي أَهْلُ بَيْتِي، عَنْ أَبِي أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ، أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرَ». (ش) (مسدد) بن مسرهد تقدم في جزء 1 صفحة 24. و (يزيد بن زريع) في جزء 1 صفحة 227. و (المسعودى) في جزء 4 صفحة 159 (قوله حدثنى أهل بيتي) لم تعرف أسماؤهم ولا أحوالهم فهم مجهولون (قوله أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرفع يديه مع التكبير) وفي نسخة مع التكبيرة (وفيه دلالة) على أن رفع اليدين يكون مقارنا لتكبيرة الإحرام لأن المعية تقتضى ابتداء الرفع عند ابتداء التكبير وانتهاءه بانتهائه. وبه قال مالك في المشهور عنه وأحمد والشافعية في أصح الأقوال عندهم وهو رواية عند الحنفية. وقال أكثرهم يرفع أولا ثم يبتدئُ التكبير مع إرسال اليدين وينهيه مع انتهائه. وصحح البغوى أنه يرفع بلا تكبير ثم يكبر ويداه قارّتان ثم يرسلهما بعد فراغ التكبير. وصحح الرافعي أنه يبتدئُ الرفع مع ابتداء التكبير ولا حدّ لهما في الانتهاء. والكل واسع والخلاف إنما هو في الأكمل وأصل السنة يحصل بشيء من ذلك ولا خلاف لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل هذا كله لصحة الروايات به وتخصيص كلّ بوقت لما تقتضيه المصلحة. ولم يعرف ما فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أكثر من غيره ولا آخر ما فعله فعمل كل بما قام عنده من الأدلة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبيهقي (ص) حَدَّثَنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ أَبْصَرَ «النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ حِينَ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى كَانَتَا بِحِيَالِ مَنْكِبَيْهِ وَحَاذَى بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ». (ش) (رجال الحديث) (عثمان بن أبي شيبة) تقدم في جزء 1 صفحة 65 و (عبد الرحيم بن سليمان) أبو على المروزى الكنانى. روى عن عاصم الأحول

وهشام بن حسان وهشام بن عروة وزكريا بن أبي زائدة وآخرين. وعنه أبو بكر بن أبي شيبة وهناد بن السري وأبو كريب وأبو سعيد الأشج والوليد بن شجاع وغيرهم وثقه ابن معين وأبو داود وقال أبو حاتم صالح الحديث كان عنده مصنفات وقال العجلى ثقة متعبد كثير الحديث وقال عثمان بن أبي شيبة ثقة صدوق ليس بحجة. توفي سنة سبع وثمانين ومائة. روى له الجماعة. و (الحسن بن عبيد الله النخعى) بن عروة أبي عروة الكوفي. روى عن جامع بن شدّاد وأبى وائل والشعبى وأبي زرعة وإبراهيم بن الأسود وجماعة. وعنه السفيانان وشعبة وجرير بن عبد الحميد ومحمد بن فضيل وغيرهم. وثقه النسائى وأبو حاتم والعجلى وابن معين وقال الساجى صدوق وقال يعقوب بن سفيان كان من خيار أهل الكوفة وقال البخارى عامة حديثه مضطرب وضعفه الدارقطني بالنسبة للأعمش. توفي سنة تسع وثلاثين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى (معنى الحديث) (قوله وحاذى بإبهاميه أذنيه) أى جعل إبهاميه مساويين لأذنيه، وهذا الحديث يقوى الجمع المتقدم عن الشافعى بين الأحاديث الدالة على أن رفع اليدين يكون حذو الأذنين وبين الأحاديث الدالة على أنه يكون حذو المنكبين لأن المراد أنه جعل راحتيه حيال منكبيه وإبهاميه حيال أذنيه وأطراف أصابعه حيال أعالى أذنيه (قوله ثم كبر) فيه دلالة للحنفية على أن تكبيرة الإحرام تكون بعد رفع اليدين. لكن تقدم أن عبد الجبار لم يصح له سماع من أبيه فلا يقوى الاستدلال بحديثه. وتقدم بيانه. (من أخرج الحديث أيضا) أخرج أحمد نحوه (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، قَالَ: قُلْتُ: لَأَنْظُرَنَّ إِلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَيْفَ يُصَلِّي، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَتَا أُذُنَيْهِ، ثُمَّ أَخَذَ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَهُمَا مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا، مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا سَجَدَ وَضَعَ رَأْسَهُ بِذَلِكَ الْمَنْزِلِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، ثُمَّ جَلَسَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ

الْيُسْرَى وَحَدَّ مِرْفَقَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَقَبَضَ ثِنْتَيْنِ وَحَلَّقَ حَلْقَةً» وَرَأَيْتُهُ يَقُولُ: هَكَذَا وَحَلَّقَ بِشْرٌ الْإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ. (ش) (رجال الحديث) (بشر بن المفضل) تقدم في جزء 2 صفحة 55.و (عاصم بن كليب) ابن شهاب الجرمى الكوفي. روى عن أبيه وأبي بردة وعبد الرحمن بن الأسود وعلقمة بن وائل ومحمد ابن كعب وغيرهم. وعنه ابن عون وشعبة والقاسم بن مالك وشريك والسفيانان وآخرون. قال أحمد لا بأس به ووثقه ابن معين والنسائى وابن حبان وقال بن المديني لا يحتج به إذا انفرد (قوله عن أبيه) هو كليب بن شهاب الجرمى. روى عن أبيه وعمر وعلى وأبى ذرّ وأبي هريرة ووائل بن حجر وعنه ابنه عاصم وإبراهيم بن مهاجر. وثقه أبو زرعة وقال ابن سعد كان ثقة ورأيتهم يستحسنون حديثه ويحتجون به وقال في التقريب صدوق من الثانية وقال النسائى ليس بالقوى في الحديث ووهم من ذكره في الصحابة. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى (معنى الحديث) (قوله فقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) مرتب على محذوف أى فنظرت إليه فقام الخ كما صرّح به في رواية النسائى (قوله فكبر فرفع يديه) ظاهره أنه كبر أولا ثم رفع يديه. وليس مرادا بل الفاء فيه بمعنى الواو بقرينة الروايات الأخر وقد صرح بها في بعض النسخ (قوله ثم وضع يديه على ركبتيه) أى حال الركوع ومكنهما منهما كما يؤخذ من رواية البخارى وفيها وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه (قوله فلما سجد وضع رأسه بذلك المنزل من بين يديه الخ) يريد أنه صلى الله وآله وسلم وضع رأسه بين يديه محاذيتين لأذنيه ثم جلس للتشهد فافترش رجله اليسرى وجلس على بطنها وأقام رجله اليمنى وجعل أصابعها إلى القبلة وباطن الأصابع إلى الأرض كما يؤخذ مما يأتى (قوله ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى الخ) وفي رواية النسائى ووضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى وجعل حدّ مرفقه الخ. وهو في اللغة الفصل والمنع أى منع مرفقه من الاتصال بفخذه برفعه عنه وبعده عن جنبه فحدّ بصيغة الماضى عطفا على الأفعال السابقة وعلى بمعنى عن. ويحتمل أن يكون حدّ اسما مرفوعا مبتدأ خبره على فخذه والجملة حال من فاعل وضع أى ثم جلس فافترش رجله اليسرى ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى والحال أن حدّ مرفقه الأيمن مستعل على فخذه اليمنى (قال ابن رسلان) يرفع طرف مرفقه من جهة العضد عن فخذه حتى يكون مرتفعا عنه ويضع طرفه الذى من جهة الكف على طرف فخذه الأيمن. أو يكون حدّ منصوبا عطفا على مفعول وضع أى وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ووضع حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ويؤيده ما أخرجه البيهقي من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر وفيه ووضع

مرفقه اليمنى على فخذه اليمنى. ونحوه للطحاوى. وما أخرجه أحمد في مسنده من طريق عاصم أيضا وفيه ووضع حدّ مرفقه على فخذه اليمنى. وفي رواية له أيضا وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى (قوله وقبض ثنتين الخ) الخنصر والبنصر أى جعل الإبهام والوسطى كالحلقة بسكون اللام وقد تفتح (قوله ورأيته يقول هكذا الخ) أى قال وائل رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعل هكذا فالقول بمعنى الفعل. وقوله وحلق بشر الخ من كلام مسدّد ابن مسرهد. بيان للمشار إليه في قوله هكذا (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن رفع اليدين يكون إلى الأذنين. وتقدم بيانه، وعلى مشروعية وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، وعلى مشروعية وضع اليدين على الركبتين حال الركوع، وعلى استحباب وضع الرأس في السجود بين اليدين محاذية للاذنين، وعلى مشروعية افتراش الرجل اليسرى في الجلوس. وسيأتي بيانه، وعلى مشروعية وضع اليدين على الفخذين ورفع المرفقين عنهما في التشهد، وعلى مشروعية عقد الخنصر والبنصر وتحليق الوسطى مع الإبهام من اليد اليمنى والإشارة بالسبابة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والنسائى بنحوه وابن خزيمة والبيهقي وابن ماجه وأخرجه البيهقى أيضا من طريق عبد الواحد بن زياد قال حدثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل ابن حجر الحضرمى قال أتيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت لأنظرن كيف يصلى فاستقبل القبلة وكبر ورفع يديه حتى كانتا حذو منكبيه ثم أخذ شماله بيمينه فلما أراد أن يركع رفع يديه حتى كانتا حذو منكبيه فلما ركع وضع يديه على ركبتيه فلما أراد أن يرفع رفع يديه حتى كانتا حذو منكبيه فلما سجد وضع يديه من وجهه ذلك الموضع فلما جلس افترش رجله اليسرى ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ووضع حدّ مرفقه اليمنى على فخذه اليمنى وعقد ثنتين وحلق واحدة وأشار بالسبابة (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا أَبُو الْوَلِيدِ، نَا زَائِدَةُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، قَالَ فِيهِ: ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَالرُّسْغِ وَالسَّاعِدِ، وَقَالَ فِيهِ: ثُمَّ جِئْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي زَمَانٍ فِيهِ بَرْدٌ شَدِيدٌ فَرَأَيْتُ النَّاسَ عَلَيْهِمْ جُلُّ الثِّيَابِ تَحَرَّكُ أَيْدِيهِمْ تَحْتَ الثِّيَابِ

(ش) (أبو الوليد) الطيالسي تقدم في جزء 1 صفحة 319، و (زائدة) في جزء 1 صفحة 243 (قوله بإسناده) أى سند الحديث السابق وهو عن كليب عن وائل بن حجر (قوله قال فيه الخ) أى قال زائدة بن قدامة في روايته ثم وضع يده اليمنى الخ بدل قول بشر بن المفضل في الرواية السابقة ثم أخذ شماله بيمينه (وفي هذا) بيان كيفية أخذ الشمال باليمين (قوله والرسغ والساعد) بالجر عطف على قوله ظهر كفيه. والرسغ من الإنسان مفصل ما بين الكف والساعد وما بين القدم والساق ويجمع على أرساغ. والساعد ما بين المرفق والكف وهو مذكور ويجمع على سواعد وسمى ساعدا لأنه يساعد الكف في بطشها وعملها (قوله وقال فيه ثم جئت بعد ذلك الخ) أى قال وائل في الحديث زيادة على الرواية السابقة بعد قوله وحلق حلقة ثم جئت بعد ذلك في زمان تحرك أيديهم تحت الثياب أى ترتفع أيديهم عند الإحرام وغيره وهي مستورة تحت الثياب من شدة البرد. وتحرك مضارع حذفت منه إحدى التاءين. ورواية زائدة أخرجها النسائى بدون قوله ثم جئت بعد ذلك الخ. (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِيَالَ أُذُنَيْهِ»، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُمْ فَرَأَيْتُهُمْ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إِلَى صُدُورِهِمْ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِمْ بَرَانِسُ وَأَكْسِيَةٌ (ش) (شريك) بن عبد الله النخعى تقدم في جزء 1 صفحة 164 (قوله حين افتتح الصلاة رفع يديه الخ) صريح في أن رفع اليدين يكون مقارنا لتكبيرة الإحرام. وتقدم بيانه. وقوله وعليهم برانس وأكسية جملة حالية من الضمير في يرفعون مفيدة للتعليل أى كانوا يرفعون أيديهم إلى صدورهم لا حيال آذانهم لأن عليهم البرانس والأكسية فيثقل عليهم رفع اليدين إلى الأذنين. وفيه إشارة إلى أن رفع أيديهم إلى صدورهم كان لعذر. والبرانس جمع برنس وهو كل ثوب رأسه منه ملتصق به. وقال الجوهرى هو قلنسوة كان النساك يلبسونها في صدر الإسلام اهـ وهو مأخوذ من البرس بكسر الباء الموحدة وهو القطن. والبرنس شائع عند المغاربة يلبسونه بدون أكمام والأكسية جمع كساء

باب افتتاح الصلاة

(باب افتتاح الصلاة) هذه الترجمة ساقطة من بعض النسخ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيُّ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّتَاءِ فَرَأَيْتُ أَصْحَابَهُ «يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي ثِيَابِهِمْ فِي الصَّلَاةِ». (ش) مناسبة الحديث للترجمة أن رفع اليدين فيه يشمل رفعهما عند افتتاح الصلاة و (وكيع) تقدم في جزء 1 صفحة 32 (قوله يرفعون أيديهم في ثيابهم في الصلاة) فيه دلالة على أن تغطية اليدين في الصلاة جائزة من غير كراهة إذا كان لضرورة من برد ونحوه أما تغطيهتا لغير ضرورة فقيل بكراهته (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، ح وَثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى -وَهَذَا حَدِيثُ أَحْمَدَ- قَالَ: أَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حُمَيْدٍ السَّاعِدِيَّ، فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ، قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: فَلِمَ؟ فَوَاللَّهِ مَا كُنْتَ بِأَكْثَرِنَا لَهُ تَبَعًا وَلَا أَقْدَمِنَا لَهُ صُحْبَةً، قَالَ: بَلَى، قَالُوا: فَاعْرِضْ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حَتَّى يَقِرَّ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا، ثُمَّ يَقْرَأُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَضَعُ رَاحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَعْتَدِلُ وَلَا يَصُبُّ رَأْسَهُ وَلَا يُقْنِعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ مُعْتَدِلًا، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يَهْوِي إِلَى الْأَرْضِ فَيُجَافِي

يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَثْنِي رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَيَقْعُدُ عَلَيْهَا، وَيَفْتَحُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ إِذَا سَجَدَ، ثُمَّ يَسْجُدُ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَثْنِي رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَيَقْعُدُ عَلَيْهَا حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى مَوْضِعِهِ، ثُمَّ يَصْنَعُ فِي الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ كَمَا كَبَّرَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ حَتَّى إِذَا كَانَتِ السَّجْدَةُ الَّتِي فِيهَا التَّسْلِيمُ أَخَّرَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَقَعَدَ مُتَوَرِّكًا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ " قَالُوا: صَدَقْتَ هَكَذَا كَانَ يُصَلِّي صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ. (ش) (رجال الحديث) (يحيى) القطان تقدم في جزء 1 صفحة 248 (قوله وهذا حديث أحمد) أى ما سيذكره المصنف لفظ حديث أحمد لا لفظ مسدد. و (عبد الحميد يعنى ابن جعفر) بن عبد الحكم ابن رافع بن سنان الأوسى الأنصارى أبو الفضل. روى عن أبيه ووهب بن كيسان وسعيد المقبرى والزهرى والأسود بن العلاء وآخرين. وعنه ابن المبارك وأبو خالد الأحمر ووكيع والفضل ابن موسى وابن وهب وغيرهم. قال الساجى ثقة صدوق وقال أبو حاتم محله الصدق وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث ووثقه أحمد وابن معين وضعفه يحيى بن سعيد والثورى وقال ابن حبان ربما أخطأ. مات سنة ثلاث وخمسين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى والبخارى في التاريخ. و (محمد بن عمرو بن عطاء) بن عباس أبو عبد الله العامرى المدني القرشى. روى عن ابن عباس وابن الزبير وأبي هريرة وأبي حميد وأبى قتادة وسعيد بن المسيب وجماعة. وعنه وهب بن كيسان ويزيد بن الهاد وابن عجلان وابن إسحاق والوليد بن كثير وآخرون. وثقه أبو زرعة والنسائى وأبو حاتم وقال صالح الحديث وقال ابن سعد كان ثقة وله أحاديث وقال ابن القطان من أهل الصدق. قيل توفي سنة أربع وخمسين ومائة. روى له الجماعة (قوله سمعت أبا حميد الساعدى) تقدم في جزء 4 صفحة 73. وهو يدل على أن محمد ابن عمرو بن عطاء سمع الحديث من أبي حميد. لكن قال الطحاوى محمد بن عمرو لم يسمع هذا الحديث من أبي حميد ولا ممن ذكر معه بل بينهما رجل مجهول اهـ وسيأتي للمصنف أنه أخرج الحديث عن محمد بن عمرو بواسطة عباس أو عياش بن سهل بينه وبين أبي حميد (معنى الحديث) (قوله في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله

وسلم الخ) أى سمعته حال كونه مع عشرة من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منهم أبو قتادة الحارث بن ربعى. وفي رواية ابن ماجه عن أبي حميد الساعدى قال سمعته وهو في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحدهم أبو قتادة بن ربعى الخ. وسيأتي للمصنف منهم أبا هريرة وأبا أسيد (قوله أنا أعلمكم الخ) أى بكيفية صلاته صلى الله عليه وآله وسلم. وغرضه بذلك أن يقع كلامه عند السامعين موقع القبول (قوله ما كنت بأكثر ناله تبعا الخ) أى اقتداء. وفي نسخة ما كنت بأكثرنا له تبعة. وفي رواية الترمذى ما كنت أقدم منا له صحبة ولا أكثرنا له إتيانا. وخصوا هاتين الحالتين لأنهما اللتان يظن بسببهما كثرة العلم (قوله قال بلى) أى قال أبو حميد ردّا لقولهم ما كنت بأكثرنا الخ بلى أى أنا أكثركم تبعا وأقدمكم صحبة فبلى لنفى النفى (قوله قالوا فاعرض الخ) بهمزة الوصل أى بين لنا كيفية صلاته إن كنت صادقا فقال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا قام إلى الصلاة قام معتدلا فإذا استقر كل عظم في موضعه وثبت رفع يديه حتى يحاذى بهما منكبيه ثم كبر. ففى عبارة المصنف حذف وتقديم وتأخير. ويؤيده رواية ابن ماجه والترمذى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما ورفع يديه حتى يحاذى بهما منكبيه ثم قال الله أكبر تم يقرأ يعنى بعد دعاء الافتتاح كما سيأتى (قوله ويضع راحتيه على ركبتيه) أى يضع باطن كفيه على ركبتيه حال الركوع (قوله ولا يصبّ راسه ولا يقنع) أى لا يخفض رأسه ولا يرفعها وهو تفسير للاعتدال. والمراد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسوى ظهره ورأسه. وفي نسخة فلا ينصبّ من الانصاب. وفي أخرى فلا يصوب. وفي رواية فلا يصبى. وكلها بمعنى وهو انخفاض الرأس عن الظهر إلى أسفل. ويقنع من أقنع إذا رفع رأسه حتى تكون أعلى من ظهره (قوله ثم يهوى الخ) أى إلى السجود حين الشروع في التكبير ويباعد مرفقيه عن جنبيه حين السجود. وثم بمعنى الواو. ويؤيده ما رواه البخارى عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث أنه سمع أبا هريرة يقول كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد ثم يكبر حين يهوى "أى إلى السجود" ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين يسجد ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس (قوله ويفتخ أصابع رجليه) بالخاء المعجمة أى يلينها ويثنيها. والمراد أنه يجعل بطون الأصابع إلى الأرض ورءوسها إلى القبلة (قوله ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك) أى يفعل في الركعة الثانية مثل ما صنع في الركعة الأولى (قوله أخر رجله اليسرى الخ) أى أخرجها من تحت مقعدته إلى الجانب الأيمن وقعد متوّكا على شقه الأيسر أى مفضيا بوركه اليسرى إلى الأرض

(فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على مشروعية تسوية الرأس بالظهر حال الركوع، وعلى أن قول المصلى سمع الله لمن حمده يكون حالة الرفع من الركوع، وعلى أنه ينبغى للمصلى أن يباعد مرفقيه عن جنبيه حال السجود، وعلى استحباب الجلوس بين السجدتين مفترشا رجله اليسرى والجلوس في التشهد الأخير متورّكا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبخارى مختصرا وابن ماجه والبيهقى مختصرا ومطولا وابن حبان والطحاوى في شرح معاني الآثار. وأخرجه الترمذى عن محمد بن عمرو ابن عطاء عن أبى حميد (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْعَامِرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَتَذَاكَرُوا صَلَاتَهُ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: فَذَكَرَ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ: «فَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ كَفَّيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ غَيْرَ مُقْنِعٍ رَأْسَهُ، وَلَا صَافِحٍ بِخَدِّهِ»، وَقَالَ: «فَإِذَا قَعَدَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَعَدَ عَلَى بَطْنِ قَدَمِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى، فَإِذَا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ أَفْضَى بِوَرِكِهِ الْيُسْرَى إِلَى الْأَرْضِ وَأَخْرَجَ قَدَمَيْهِ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ». (ش) (ابن لهيعة) تقدّم في جزء 2 صفحة 100 (قوله فذكر بعض هذا الحديث الخ) أى ذكر محمد بن عمرو بن حلحلة بعض الحديث المتقدم الذى رواه عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو وأشار المصنف بهذا إلى أن كلا من عبد الحميد بن جعفر ومحمد بن عمرو بن حلحلة روى هذا الحديث غير أن محمد بن عمرو بن حلحلة رواه مختصرا. ثم بين المصنف الاختلاف بينهما فقال قال محمد ابن عمرو بن حلحلة في روايته فإذا ركع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمكن كفيه من ركبتيه وفرق بين أصابعه بدل قوله في الرواية السابقة ويضع راحتيه على ركبتيه. وقوله ثم هصر ظهره بتخفيف الصاد المهملة أى ثناه وعطفه للركوع. وأصل الهصر أخذك رأس الغصن فتثنيه وتميله إليك. وقوله ولا صافح بخدّه أى غير مبرز صفحة خدّه ولا مائل في إحدى شقيه (قوله فإذا قعد في الركعتين الخ) أى ليشهد نصب اليمنى أى وجعل أصابعها للقبلة فإذا كان في نهاية

الخلاف في صلاة من انحرفت أصابعه عن القبلة

الركعة الرابعة من الرباعية أو الثالثة من الثلاثية أو الثانية من الثنائية أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض أى جعل وركه ملاصقا الأرض. والورك بفتح الواو وكسر الراء وقد تكسر الواو وتسكن الراء مؤنثة وهى ما فوق الفخذ كالكتف فوق العضد (قوله وأخرج قدميه الخ) أى أخرج قدمه اليسرى من تحت اليمنى فإطلاق الإخراج على اليسرى حقيقى وعلى اليمنى تغليب (وفي هذا) دلالة على أن المصلى يجلس في التشهد الوسط من الصلاة مفترشا رجله اليسرى وناصبا اليمنى وهذه الرواية ضعيفة لأن فيها ابن لهيعة وفيه مقال (ص) حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمِصْرِيُّ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيِّ، وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو ابْنِ عَطَاءٍ، نَحْوَ هَذَا قَالَ: «فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ الْقِبْلَةَ». (ش) (رجال الحديث) (يزيد بن محمد) بن قيس بن مخرمة (القرشي) نزيل مصر مدنى الأصل. روى عن على بن رباح وسعد بن إسحاق والمغيرة بن أبى بردة ومحمد بن عمرو بن حلحلة وعنه الليث بن سعد ويزيد بن عبد العزيز وعبد الرحمن بن ميمون ويزيد بن أبى حبيب. وثقه الدارقطني وقال في التقريب ثقة من السادسة. روى له البخارى ومسلم وأبو داود (معنى الحديث) (قوله قال فإذا سجد الخ) أى قال محمد بن عمرو بن عطاء نقلا عن أبى حميد فإذا سجد صلى الله عليه وآله وسلم وضع يديه على الأرض غير باسط ذراعيه عليها ولا قابضهما إلى جنبيه ويؤيده ما في حديث مسلم عن عائشة قالت كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع. وما في رواية البخارى ومسلم عن أنس أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب (قوله واستقبل بأطراف أصابعه القبلة) أى جعل أطراف أصابع يديه ورجليه حال السجود موجهة إلى القبلة. ومن هذا قال بعضهم إن انحرفت أصابعه عن القبلة بطلت صلاته وكرهه الجمهور (ص) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، نَا أَبُو بَدْرٍ، حَدَّثَنِي زُهَيْرٌ أَبُو خَيْثَمَةَ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ، حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، أَحَدِ

بَنِي مَالِكٍ، عَنْ عَبَّاسٍ أَو عَيَّاشِ بْنِ سَهْلٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أَبُوهُ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَفِي الْمَجْلِسِ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، وَأَبُو أُسَيْدٍ بِهَذَا الْخَبَرِ يَزِيدُ أَوْ يَنْقُصُ قَالَ فِيهِ: "ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ يَعْنِي مِنَ الرُّكُوعِ فَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ فَسَجَدَ فَانْتَصَبَ عَلَى كَفَّيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَصُدُورِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، ثُمَّ كَبَّرَ فَجَلَسَ فَتَوَرَّكَ وَنَصَبَ قَدَمَهُ الْأُخْرَى، ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَقَامَ وَلَمْ يَتَوَرَّكْ، ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ، قَالَ: ، ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى إِذَا هُوَ أَرَادَ أَنْ يَنْهَضَ لِلْقِيَامِ قَامَ بِتَكْبِيرَةٍ، ثُمَّ رَكَعَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرِ التَّوَرُّكَ فِي التَّشَهُّدِ". (ش) (رجال الحديث) (على بن حسين بن إبراهيم) بن الحرّ أبو الحسين العامرى روى عن ابن علية وإسحاق الأزرق وروح بن عبادة وعلى بن عاصم. وعنه ابن ماجه وأبو داود وأبو حاتم وإسماعيل بن عياش وآخرون. قال أبو حاتم ثقة صدوق وقال النسائى كتبنا عنه ولا بأس به ووثقه مسلمة بن قاسم وقال في التقريب صدوق من العاشرة. توفي سنة إحدى وستين ومائتين. و (أبو بدر) تقدم في جزء 4 صفحة 67. و (زهير أبو خيثمة) في جزء 1 صفحة 112. و (الحسن بن الحرّ) بن الحكم النخعى أبو محمد الكوفي. روى عن أبي الطفيل والشعبى والحكم بن عتيبة ونافع مولى ابن عمر وهشام بن عروة وجماعة. وعنه محمد بن عجلان والأوزاعي وأبو خيثمة وحميد في عبد الرحمن وآخرون. وثقه ابن معين والنسائى وابن خراش ويعقوب بن شيبة وقال الحاكم ثقة مأمون مشهور وقال العجلى ثقة متعبد في عداد الشيوخ وقال في التقريب ثقة فاضل من الخامسة. توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائة. روى له أبو داود والنسائى. و (عيسى بن عبد الله بن مالك) بن عياض مولى عمر ابن الخطاب. روى عن عطية في سفيان وعباس بن سهل ويعقوب بن إسماعيل وزيد بن وهب. وعنه فليح بن سليمان وعتبة بن أبى حكيم وابن إسحاق والحسن بن الحرّ. قال ابن المديني مجهول لم يرو عنه غير محمد بن إسحاق وقال في التقريب مقبول من السادسة وذكره ابن حبان في الثقات. و (عباس بن سهل) بن سعد الساعدى. روى عن أبى هريرة وأبى أسيد

مشروعية تعمير القيام من الركعتين بالتكبير والرد على من قال لا يكبر حتى يستقل قائما

وأبي حميد وابن الزبير وآخربن. وعنه العلاء بن عبد الرحمن ومحمد بن إسحاق وعمارة بن غزية وجماعة. وثقه ابن معين والنسائى وقال في التقريب ثقة من الرابعة وقال ابن سعد ثقة قليل الحديث. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه (قوله أو عياش) لعلّ الشك فيه من علي ابن حسين شيخ المصنف كما يفهم من رواية البيهقي من غير طريق على بن حسين بن إبراهيم فإنه ذكر عباس بن سهل بالباء الموحدة من غير شك (قوله وفي المجلس أبو هريرة الخ) هؤلاء من جملة العشرة الذين تقدمت الإشارة إليهم في الحديث السابق (معنى الحديث) (قوله يزيد وينقص) أى يزيد عيسى بن عبد الله في هذا الخبر عن الحديث السابق وينقص عنه. وفي أكثر النسخ يزيد أو ينقص بلفظ أو وهي بمعنى الواو (قوله قال فيه الخ) أى قال عيسى بن عبد الله في هذا الحديث ثم رفع رأسه يعنى من الركوع فقال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد وهذه زيادة من عيسى عن الحديث السابق (قوله فانتصب على كفيه الخ) المراد أنه اتكأ حال سجوده على كفيه وركبتيه وصدور قدميه (قوله فتورّك) أى اعتمد في جلوسه بين السجدتين على وركه اليسرى (وفيه حجة) للقائل بالتورّك في الجلوس بين السجدتين. وسيأتي بيانه (قوله فقام ولم يتورك) أى بعد السجدة الثانية وقبل القيام للركعة الثانية (وفيه دليل) لمن يقول بعدم جلسة الاستراحة (قوله ثم ساق الحديث الخ) أى ذكر عيسى بن عبد الله الحديث السابق وزاد فيه ثم جلس بعد الركعتين أى للتشهد حتى إذا انتهى من التشهد وشرع في القيام للركعتين الأخيرتين قام متلبسا بالتكبير (وفيه دليل) لمن قال إنه يعمر القيام من الركعتين بالتكبير وحجة على من قال إنه لا يكبر إلا بعد أن يستقل قائما (قوله ولم يذكر التورك في التشهد) أى لم يذكر عيسى في هذه الرواية التورك في التشهدين بخلاف عبد الحميد بن جعفر فإنه ذكر التورك في التشهد الأخير فقط (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الطحاوى قال حدثنا نصر بن عمار البغدادى قال ثنا على بن أشكاب قال حدثني أبو بدر شجاع بن الوليد قال ثنا أبو خيثمة قال ثنا الحسن بن الحرّ قال حدثني عيسى بن عبد الرحمن بن مالك عن محمد بن عمرو بن عطاء أحد بني مالك عن عياش أو عباس بن سهل الساعدى وكان في مجلس فيه أبوه وكان من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفي المجلس أبو هريرة وأبو أسيد وأبو حميد الساعدى من الأنصار أنهم تذاكروا الصلاة فقال أبو حميد أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالوا وكيف فقال اتبعت ذلك من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالوا فأرنا قال فقام يصلى وهم ينظرون فبدأ فكبر ورفع يديه نحو المنكبين ثم كبر للركوع ورفع يديه أيضا ثم أمكن يديه من ركبتيه غير مقنع رأسه ولا مصوّبه ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده

اللهم ربنا ولك الحمد ثم رفع يديه ثم قال الله أكبر فسجد فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه وهو ساجد ثم كبر فجلس فتورك إحدى رجليه ونصب قدمه الأخرى ثم كبر فسجد ثم كبر فقام فلم يتورك ثم عاد فركع الركعة الأخرى وكبر كذلك ثم جلس بعد الركعتين حتى إذا هو أراد أن ينهض للقيام قام بتكبير ثم ركع الركعتين ثم سلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وسلم عن شماله أيضا السلام عليكم ورحمة الله اهـ (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، أَخْبَرَنِي فُلَيْحٌ، حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: اجْتَمَعَ أَبُو حُمَيْدٍ، وَأَبُو أُسَيْدٍ، وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَذَكَرُوا صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَذَكَرَ بَعْضَ هَذَا، قَالَ: "ثُمَّ رَكَعَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَأَنَّهُ قَابِضٌ عَلَيْهِمَا، وَوَتَّرَ يَدَيْهِ فَتَجَافَى عَنْ جَنْبَيْهِ، قَالَ: ثُمَّ سَجَدَ فَأَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ حَتَّى رَجَعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ حَتَّى فَرَغَ، ثُمَّ جَلَسَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَأَقْبَلَ بِصَدْرِ الْيُمْنَى عَلَى قِبْلَتِهِ وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى وَكَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى " وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ. (ش) (رجال الحديث) (عبد الملك بن عمرو) العقدى تقدم في جزء 3 صفحة 91 و (فليح) بن سليمان بن أبي المغيرة الخزاعي أبو يحيى المدني مولى آل زيد بن الخطاب. روى عن الزهرى وهشام بن عروة وزيد بن أسلم وأبي حازم وضمرة بن سعيد وكثيرين. وعنه ابنه محمد وابن المبارك وابن وهب ومحمد بن الصلت وآخرون. قال ابن معين وأبو حاتم والنسائى ليس بالقوى ولا يحتج بحديثه وقال الحاكم أبو أحمد ليس بالمتين عندهم وقال الساجى من أهل الصدق ويهم وقال في التقريب صدوق كثير الخطأ من السابعة وقال ابن عدى له أحاديث صالحة يروى عن الشيوخ من أهل المدينة أحاديث مستقيمة وغرائب وقال الدارقطني يختلفون فيه ولا بأس به وقال أبو داود لا يحتج به. مات سنة ثمان وستين ومائة. روى له الجماعة (وأبو أسيد) تقدم

في الجزء الرابع صفحة 74. و (محمد بن مسلمة) بن سلمة بن خالد بن عدي الأوسى الأنصارى أبو عبد الرحمن حليف بني عبد الأشهل وهو ممن سمى في الجاهلية محمدا واستخلفه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المدينة في بعض غزواته وكان ممن اعتزل الفتنة فلم يشهد الجمل ولا صفين وأخرج ابن شاهين من طريق هشام عن الحسن أن محمد بن مسلمة قال أعطاني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سيفا وقال قاتل به المشركين ما قاتلوا فإذا رأيت أمتي يضرب بعضهم بعضا فأت به أحدا فاضرب به حتى ينكسر ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية ففعل. وأخرج الحاكم من طريق ثعلبة بن ضبيعة قال سمعت حذيقة يقول إني لأعرف رجلا لا تضره الفتنة محمد بن مسلمة فأتينا المدينة فإذا فسطاط "أى خيمة" مضروب وإذا فيه محمد بن مسلمة الأنصارى فسألته فقال لا أستقر في مصر من أمصارهم حتى تنجلى هذه الفتنة عن جماعة المسلمين. وأسلم رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بالمدينة على يد مصعب بن عمير وآخى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بينه وبين أبى عبيدة بن الجراح وكان فيمن ثبت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم أحد حين ولى الناس وشهد المشاهد كلها ما خلا تبوك فإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خلفه بالمدينة حين خرج إليها وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف "فقد" روى الحاكم من طريق محمد بن طلحة التيمى عن عبد الحميد بن أبى عيسى بن محمد بن أبى عيسى عن أبيه عن جده قال كان كعب بن الأشرف يقول الشعر ويخذل عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويخرج من غطفان فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم من لى بابن الأشرف فقد آذى الله ورسوله فقال محمد بن مسلمة الحارثى أنا يا رسول الله أتحب أن أقتله فصمت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم قال ائت سعد بن معاذ فاستشره قال فجئت سعد بن معاذ فذكرت ذلك له فقال امض على بركة الله واذهب معك بابن أخى الحارث بن أوس وبعباد بن بشر الأشهلى وبأبى عيسى بن جبر الحارثى وبأبى نائل سلكان ابن قيس الأشهلى قال فلقيتهم فذكرت ذلك لهم فجاءوا كلهم إلا سلكان فقال يا أبن أخى أنت عندى مصدّق ولكنى لا أحب أن أفعل من ذلك شيئا حتى أشافه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذكر ذلك للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال امض مع أصحابك قال فخرجنا إليه ليلا حتى جئناه في حصن فناداه عباد بن بشر فخرج إليهم فعانقه ابن مسلمة صائحا عليه كالليث فقتلوه وحملوا رأسه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. (معنى الحديث) (قوله فذكر بعض هذا) أى ذكر فليح في حديثه بعض ما ذكر في الحديث السابق (قوله كأنه قابض عليهما الخ) أى على ركبتيه. والمراد أنه أمكن يديه من ركبتيه ووتر يديه فتجافي أى جعلهما منصوبتين كالوتر وجعل جنبيه كالقوس فتباعدت يداه عن

جنبيه. وقوله فتجافي هكذا في جميع النسخ بصيغة الماضى على الإفراد والمرجع مثنى فيكون على تقدير كل أى تباعد كل واحدة من يديه عن جنبيه. وفي رواية البيهقي ووتر يديه فنحاهما عن جنبيه (قوله فأمكن أنفه وجبهته الخ) أى وضعهما ومكنهما من الأرض حال السجود وأبعد يديه عن جنبيه (وفيه دلالة) على مشروعية السجود على الجبهة والأنف. وسيأتي بيان ذلك مستوفي في محله (قوله حتى فرغ) أى فعل مثل ذلك في الركعة الثانية حتى فرغ من سجدتيها (قوله ووضع كفه اليمنى الخ) ظاهره أنه وضع الكف على الركبة مبسوطة من غير أن يقبض الخنصر والبنصر ويحلق الوسطى مع الإبهام. وفي الرواية السابقة أنه وضعها على الفخذ قابضا الخنصر والبنصر محلقا الوسطى مع الإبهام مشيرا بالسبابة "ولا تنافي بينهما" لأن هذه الرواية مختصرة والأصل وضع كفه مبسوطة ثم قبض الخنصر والبنصر وحلق بين الإبهام والوسطى وقوله ووضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى الخ لا ينافي ما تقدم من وضعه الكف على الفخذ لاحتمال أنه وضع الكف ورءوس الأصابع على الركبة. وعلى تقدير إبقائها على ظاهرها فلا تنافي أيضا لأن هذه الرواية من طريق فليح وفيه مقال فيكون العمل على الرواية السابقة. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الطحاوى (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ، لَمْ يَذْكُرِ التَّوَرُّكَ وَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ فُلَيْحٍ وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ نَحْوَ جِلْسَةِ حَدِيثِ فُلَيْحٍ، وَعُتْبَةَ. (ش) أشار بهذا إلى أن التورّك في التشهد الأخير غير متفق على ذكره في الحديث فإن في رواية عبد الحميد الافتراش بين السجدتين وفي الجلوس للتشهد الأول وفي جلسة الاستراحة والتورك في الجلسة الأخيرة وفي رواية محمد بن عمرو بن حلحلة الافتراش في التشهد الأول والتورك في التشهد الأخير وفي رواية الحسن بن الحرّ أن التورك بين السجدتين في الركعة الأولى والافتراش في التشهد وفي رواية فليح وعتبة بن أبى حكيم الافتراش في التشهد فقط ورواية عتبة وصلها المصنف. (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، نَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنِي عُتْبَةُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: «وَإِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ

غَيْرَ حَامِلٍ بَطْنَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَخِذَيْهِ». (ش) (رجال الحديث) (عتبة) هو ابن أبي حكيم الهمداني أبو العباس. روى عن طلحة ابن نافع والزهرى ومكحول وقتادة وعدى بن عبد الرحمن وطائفة. وعنه صدقة بن خالد وإسماعيل بن عياش وبقية بن الوليد بن صائد وابن المبارك. ضعفه أحمد وابن معين وقال منكر الحديث وقال الطبراني من ثقات المسلمين وقال ابن عدى لا بأس به وقال في التقريب يخطئ كثيرا من السادسة. توفي سنة سبع وأربعين ومائة. روى له أبو داود والنسائى (معنى الحديث) (قوله قال وإذا سجد فرّج بين فخذيه الخ) أى قال عتبة بسنده في روايته زيادة عن رواية فليح وإذا سجد فرّق صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حال سجوده بين فخذيه ولم يجعل بطنه موضوعا على فخذيه بل كان يرفعها عنهما. وقدّر بعض أصحاب الشافعى التفريق بينهما بنحو شبر. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الطحاوى قال حدثني أبو الحسين الأصبهاني قال ثنا هشام بن عمار قال ثنا إسماعيل بن عياش قال ثنا عتبة بن أبي حكيم عن عيسى بن عبد الرحمن العدوى عن العباس بن سهل عن أبي حميد الساعدى أنه كان يقول لأصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالوا من أين قال رقبت ذلك منه حتى حفظت صلاته قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه حذاء وجهه فإذا كبر للركوع فعل مثل ذلك وإذا رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن حمده فعل مثل ذلك فقال ربنا ولك الحمد وإذا سجد فرّج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه ولا مفترش ذراعيه فإذا قعد للتشهد أضجع رجله اليسرى ونصب اليمنى على صدرها ويتشهد اهـ (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَنَا فُلَيْحٌ، سَمِعْتُ عَبَّاسَ بْنَ سَهْلٍ، يُحَدِّثُ فَلَمْ أَحْفَظْهُ فَحَدَّثَنِيهِ، أُرَاهُ ذَكَرَ عِيسَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ، قَالَ: حَضَرْتُ أَبَا حُمَيْدٍ السَّاعِدِيَّ. (ش) أى قال فليح لم أحفظ ما حدّث به عباس بن سهل فحدّثني بهذا الحديث عيسى بن عبد الله. وقوله أراه الخ من كلام ابن المبارك أى قال عبد الله بن المبارك أظن فليحا ذكر شيخه وصرّح بأنه عيسى بن عبد الله

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، نَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، ثَنَا هَمَّامٌ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: "فَلَمَّا سَجَدَ وَقَعَتْ رُكْبَتَاهُ إِلَى الْأَرْضِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ كَفَّاهُ فَلَمَّا سَجَدَ وَضَعَ جَبْهَتَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَجَافَى عَنْ إِبِطَيْهِ". (ش) (رجال الحديث) (محمد بن معمر) بن ربعى القيسى البصرى المعروف بالبحراني. روى عن روح بن عبادة وأبي عامر العقدى وأبي عاصم ويعقوب بن إسحاق وغيرهم وعنه الجماعة وأحمد بن منصور وأبو حاتم وآخرون. قال أبو داود لا بأس به وقال أبو حاتم صدوق وقال البزار كان من خيار عباد الله ووثقه الخطيب. مات سنة خمسين ومائتين. و (همام) ابن يحيى العوذى تقدم في الجزء الأول صفحة 74. (معنى الحديث) (قوله في هذا الحديث) أى بحديث كيفية صلاته صلى الله عليه وآله وسلم ففى بمعنى الباء وقد صرح بها في بعض النسخ (قوله وقعت ركبتاه إلى الأرض قبل أن تقع كفاه) وفي بعض النسخ وقعتا ركبتاه إلى الأرض قبل أن تقعا كفاه. والمراد أنه إذا هوى إلى السجود وضع ركبتيه على الأرض قبل كفيه وبه قال جماعة. وسيأتي بيانه (قوله فلما سجد وضع جبهته بين كفيه) لا ينافي ما تقدم من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يضع وجهه بين كفيه وما تقدم أيضا من أنه كان يضع يديه حذو منكبيه لاحتمال أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يفعل هذا تارة وذاك أخرى إلا أن وضع الوجه بين الكفين كان أكثر (قوله وجافى عن إبطيه) بسكون الموحدة أى باعد عضديه عن إبطيه. (ص) قَالَ حَجَّاجٌ: وَقَالَ هَمَّامٌ: وحَدَّثَنَا شَقِيقٌ، حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِمِثْلِ هَذَا، وَفِي حَدِيثِ أَحَدِهِمَا وَأَكْبَرُ عِلْمِي أَنَّهُ حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ وَإِذَا نَهَضَ نَهَضَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَى فَخِذَيِهِ (ش) (قوله بمثل هذا) أى بمثل حديث وائل (قوله وفي حديث أحدهما الخ) خبر مقدّم وإذا نهض قصد لفظه مبتدأ مؤخر وقوله وأكبر علمى معترض بينهما أى قال حجاج وفي حديث شقيق أو محمد بن حجادة وإذا نهض الخ وأكبر علمى أنه من حديث محمد بن جحادة لا من حديث

شقيق (قوله وإذا نهض نهض على ركبتيه الخ) أى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا أراد القيام من السجود رفع يديه أولا عن الأرض ثم ركبتيه معتمدا بيديه على فخذيه ولم نقف على من أخرج هذه الرواية (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ فِطْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «يَرْفَعُ إِبْهَامَيْهِ فِي الصَّلَاةِ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ» (ش) أى يرفع يديه إلى مالان من أسفل أذنيه وهو موضع القرط من المرأة. وفيه دليل على أن رفع اليدين عند التكبير إلى الأذنين. وقد تقدم الجمع بينه وبين الأحاديث الدالة على أن رفع اليدين إلى المنكبين أو إلى فروع الأذنين (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وابن حبان (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ «إِذَا كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ جَعَلَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَإِذَا رَفَعَ لِلسُّجُودِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَإِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ» (ش) (قوله عن جدى) هو الليث بن سعد (قوله إذا كبر للصلاة) أى تكبيرة الإحرام للدخول فيها (قوله وإذا رفع للسجود فعل مثل ذلك) أى إذا رفع رأسه من الركوع لكي يسجد رفع يديه حذو منكبيه. وتقدم بيانه (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي هُبَيْرَةَ، عَنْ مَيْمُونٍ الْمَكِّيِّ، أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، «وَصَلَّى بِهِمْ يُشِيرُ بِكَفَّيْهِ حِينَ يَقُومُ وَحِينَ يَرْكَعُ وَحِينَ يَسْجُدُ وَحِينَ يَنْهَضُ لِلْقِيَامِ، فَيَقُومُ فَيُشِيرُ بِيَدَيْهِ» فَانْطَلَقْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ إِنِّي رَأَيْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ

صَلَّى صَلَاةً لَمْ أَرَ أَحَدًا يُصَلِّيهَا فَوَصَفْتُ لَهُ هَذِهِ الْإِشَارَةَ، فَقَالَ: إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَاقْتَدِ بِصَلَاةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ (ش) (رجال الحديث) (ابن لهيعة) هو عبد الله. و (أبو هبيرة) بالتصغير هو عبد الله بن هبيرة بن أسعد بن كهلان السبائى المصرى الحضرمى. روى عن عبد الرحمن ابن غنم وسلمة بن مخلد وعكرمة وعبد الرحمن بن جبير وجماعة. وعنه حيوة بن شريح وجبير ابن نعيم وابن لهيعة وآخرون. وثقه أحمد ويعقوب بن سفيان وقال في التقريب ثقة من الثالثة توفي سنة ست وعشرين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى و (ميمون المكي) روى عن ابن الزبير وابن عباس. وعنه عبد الله بن هبيرة. قال في التقريب مجهول من الرابعة (معنى الحديث) (قوله يشير بكفيه حين يقوم) أى يرفع يديه وقت قيامه وافتتاحه الصلاة أخذا مما تقدم لا حال الشروع في القيام (قوله وحين يسجد) أى السجدة الثانية كما تفيده الرواية الآتية (قوله وحين ينهض للقيام) أى من السجدة الثانية. وفيه دلالة على جواز رفع اليدين حين الهوى إلى السجدة الثانية وحين الرفع منها. لكن الحديث ضعيف لأنه من رواية ابن لهيعة وهو مشهور بالضعف فلا يحتج يحديثه، وفيه أيضا ميمون المكي وهو مجهول. وتقدم في الأحاديث الصحيحة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان لا يرفع يديه في هذين الموضعين. وعلى تقدير صحة حديث الباب فلا يعارض ما تقدم أيضا لاحتمال أن يراد بقوله حين يسجد أى يرفع رأسه من الركوع ليهوى للسجود. ويراد بقوله وحين ينهض للقيام أى من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة (قوله فرصفت له هذه الإشارة الخ) يعني رفع ابن الزبير يديه في هذه المواضع فقال ابن عباس إن أحببث أن تنظر الخ وقد علمت أن الحديث ضعيف فلا تصح نسبة ذلك إلى ابن عباس (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ الْمَعْنَى، قَالَا: نَا النَّضْرُ بْنُ كَثِيرٍ يَعْنِي السَّعْدِيَّ، قَالَ: صَلَّى إِلَى جَنْبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ فِي مَسْجِدِ الْخِيْفِ «فَكَانَ إِذَا سَجَدَ السَّجْدَةَ الْأُولَى فَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنْهَا رَفَعَ يَدَيْهِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ» فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: لِوُهَيْبِ بْنِ خَالِدٍ، فَقَالَ لَهُ: وُهَيْبٌ تَصْنَعُ شَيْئًا لَمْ أَرَ أَحَدًا يَصْنَعُهُ فَقَالَ ابْنُ طَاوُسٍ: رَأَيْتُ أَبِي يَصْنَعُهُ، وَقَالَ أَبِي: إني رَأَيْتُ

الخلاف في رفع اليدين عند الرفع من السجدة الأولى

ابْنَ عَبَّاسٍ يَصْنَعُهُ وَلَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَصْنَعُهُ». (ش) (رجال الحديث) (محمد بن أبان) بن وزير أبو بكر المستملى البلخى. روى عن وكيع وابن علية وابن عيينة وابن مهدى وآخرين. وعنه البخارى والنسائى وابن ماجه والترمذى وأبو حاتم وابن خزيمة وجماعة. قال الخليلى ثقة متفق عليه وقال أبو حاتم صدوق وقال في التقريب ثقة حافظ من العاشرة ووثقه النسائى. مات سنة أربع وأربعين ومائتين و (النضر بن كثير يعني السعدى) ويقال الأزدى أبو سهل البصرى. روى عن يحيى بن سعيد الأنصارى وعبد الله بن عون وعبد الله بن طاوس وغيرهم. وعنه أحمد وعقبة بن مكرم وقتيبة ابن سعيد والنضر بن طاهر. قال أبو حاتم والدارقطنى فيه نظر وقال ابن حبان يروى الموضوعات عن الثقات لا يجوز الاحتجاج به بحال وقال البخارى عنده مناكير وقال في التقريب ضعيف من الثامنة وضعفه العقيلى والدولابي وعلى بن الحسين وغيرهم. و (عبد الله بن طاوس) ابن كيسان اليماني أبو محمد. روى عن أبيه وعمرو بن شعيب وعطاء وعكرمة بن خالد والمطلب بن عبد الله وغيرهم. وعنه ابناه طاوس ومحمد وعمر وبن دينار وأيوب السختياني وابن جريج وآخرون. وثقه أبو حاتم والعجلى والنسائى وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان من خيار عباد الله فضلا ونسكا ودينا وتكلم فيه بعض الرافضة وقال في التقريب ثقة فاضل عابد من السادسة مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله فأنكرت ذلك) أى رفع يديه. حين رفع رأسه من السجدة الأولى (قوله ولا أعلم إلا أنه قال الخ) أى قال ابن طاوس لا أعلم إلا أن ابن عباس قال كان النبى صلى الله عليه وآله وسلم يصنع مثل ما صنعت (وفيه دلالة) على مشروعية رفع اليدين حين رفع الرأس من السجدة الأولى وقد ذهب إلى استحبابه أبو بكر بن المنذر وأبو على الطبرى وبعض أهل الحديث. لكن الحديث ضعيف لأنه من طريق النضر بن كثير وفيه مقال كما تقدم فلا يحتج يحديثه وقال النيسابورى حديث منكر اهـ "وأما ما رواه" النسائى من طريق ابن أبي عدى عن شعبة عن قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رفع يديه في صلاته إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وإذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود حتى يحاذى بهما فروع أذنيه "فليس بحجة" لأنه من طريق نصر بن عاصم وفيه مقال فهو ضعيف "وكذا ما رواه" الطحاوى من طريق نصر بن علي عن عبد الأعلى بلفظ كان يرفع يديه في كل خفض ورفع وركوع وسجود وقيام وقعود وبين السجدتين ويذكر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يفعل ذلك "فهو ضعيف أيضا" (وقال) الحافظ رواية شاذة اهـ وقد رواه الإسماعيلى عن جماعة من

الحفاظ عن نصر بن على وكذلك رواه أبو نعيم من طرق أخرى عن عبد الأعلى ولم يذكروا فيه الرفع من السجود (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى (ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ "كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا رَكَعَ وَإِذَا، قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَإِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ"، وَيَرْفَعُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الصَّحِيحُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ. (ش) (عبد الأعلى) تقدم في الجزء الأول صفحة 69. و (عبيد الله) بن عمر فيه أيضا صفحة 271 (قوله ويرفع ذلك الخ) أى يسند ابن عمر رفع اليدين في المواضع المذكورة إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السابقة عنه (قوله الصحيح قول ابن عمر وليس بمرفوع) أى أن ما ذكر فعل ابن عمر على الصحيح وليس مسندا إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ففيه إطلاق القول على الفعل. ولكن الراجح أنه ثبت عن ابن عمر كل من الرفع والوقف كما ستعرفه (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَى بَقِيَّةُ أَوَّلَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَسْنَدَهُ (ش) أى روى بقية بن الوليد عن عبيد الله أول هذا الحديث وهو قوله كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه وإذا ركع وإذا قال سمع الله لمن حمده ورفعه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (ص) وَرَوَاهُ الثَّقَفِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، قَالَ فِيهِ: «وَإِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ يَرْفَعُهُمَا إِلَى ثَدْيَيْهِ» وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. (ش) أى روى هذا الحديث الثقفى عن عبيد الله بن عمر موقوفا على عبد الله بن عمر على الصحيح وقال الثقفى في روايته وإذا قام عبد الله بن عمر من الركعتين بعد التشهد يرفع يديه إلى ثدييه و (الثقفي) هو عبد الوهاب بن عبد المجيد في الصلت بن عبيد الله بن الحكم أبو محمد البصرى. روى

عن أيوب السختياني وابن عون وخالد الحذاء ويونس بن عبيد ويحيى الأنصارى وآخرين. وعنه أحمد والشافعى وأبو خيثمة ومسدد ويحيى بن حبيب وقتيبة بن سعيد وكثيرون. وثقه العجلى وابن معين وقال اختلط بآخره وقال عمرو بن على اختلط حتى كان لا يعقل وقال في التقريب ثقة من الثامنة تغير قبل موته بثلاث سنين. توفي سنة أربع وتسعين ومائة. روى له الجماعة (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَمَالِكٌ، وَأَيُّوبُ وَابْنُ جُرَيْجٍ مَوْقُوفًا وَأَسْنَدَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحْدَهُ عَنْ أَيُّوبَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَيُّوبُ، وَمَالِكٌ الرَّفْعَ إِذَا قَامَ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ وَذَكَرَهُ اللَّيْثُ فِي حَدِيثِهِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فِيهِ: قُلْتُ لِنَافِعٍ أَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَجْعَلُ الْأُولَى أَرْفَعَهُنَّ؟ قَالَ: لَا، سَوَاءً قُلْتُ أَشِرْ لِي فَأَشَارَ إِلَى الثَّدْيَيْنِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ (ش) (قوله وأسنده حماد بن سلمة الخ) أى رفع الحديث حماد بن سلمة في روايته عن أيوب إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ولفظه عند البيهقي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع. ورواه البخارى في جزء رفع اليدين عن موسى بن إسماعيل عن حماد أيضا مرفوعا ولفظه كان إذا كبر رفع يديه وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع (قوله ولم يذكر أيوب ومالك الخ) أى لم يذكر كل واحد منهما في روايته رفع ابن عمر يديه إذا قام من السجدتين أى الركعتين. وأخرج البيهقي روايتهما بنحو حديث حماد (قوله وذكره الليث في حديثه) أى ذكر الليث بن سعد في حديثه رفع اليدين إذا قام من الركعتين. فقد علمت مما تقدم أنه قد اختلف على نافع في رفع الحديث ووقفه وأن الصحيح عند أبى داود وقفه ولكن الراجح ثبوت كل من الرفع والوقف (قال) الحافظ في الفتح قال أبو داود رواه الثقفى يعنى عبد الوهاب عن عبيد الله فلم يرفعه وهو الصحيح وكذا رواه الليث بن سعد وابن جريج ومالك يعني عن نافع موقوفا. وحكى الدارقطنى في العلل الاختلاف في وقفه ورفعه وقال الأشبه بالصواب قول عبد الأعلى. وحكى الإسماعيلى عن بعض مشايخه أنه أومأ إلى أن عبد الأعلى أخطأ في رفعه قال الإسماعيلى وخالفه عبد الله بن إدريس وعبد الوهاب الثقفي والمعتمر يعني عن عبيد الله فرووه موقوفا على ابن عمر "قلت" أوقفه معتمر وعبد الوهاب عن عبيد الله عن نافع كما قال لكن رفعاه عن عبيد الله عن الزهرى عن سالم عن ابن عمر أخرجهما البخارى في جزء رفع اليدين وفيه الزيادة وقد توبع نافع على ذلك عن ابن عمر وهو فيما رواه أبو داود وصححه البخارى

في الجزء المذكور من طريق محارب بن دثار عن ابن عمر قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا قام في الركعتين كبر ورفع يديه. وله شواهد (منها) حديث أبي حميد الساعدى (وحديث) علي بن أبي طالب أخرجهما أبو داود وصححهما ابن خزيمة وابن حبان وقال البخارى في الجزء المذكور ما زاده ابن عمر وعلى وأبو حميد في عشرة من الصحابة من الرفع عند القيام من الركعتين صحيح لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة فاختلفوا فيها وإنما زاد بعضهم على بعض والزيادة مقبولة من أهل العلم اهـ (وقال) ابن بطال هذه زيادة يجب قبولها والذى يظهر أن السبب في هذا الاختلاف أن نافعا كان يرويه موقوفا ثم يعقبه بالرفع فكأنه كان أحيانا يقتصر على الموقوف أو يقتصر عليه بعض الرواة عنه اهـ (قوله قلت لنافع أكان ابن عمر يجعل الأولى الخ) أى قال ابن جريج لنافع أكان أبن عمر يجعل رفع يديه عند افتتاح الصلاة أرفع من غيرها من الحالات فقال نافع لا أى ما كان يجعل الحالة الأولى أرفع من غيرها بل كان يجعل الكل سواء فلا داخلة على محذوف (قوله قلت أشر لى الخ) أى قال ابن جريج لنافع أشر لى إلى المكان الذى كان ابن عمر يرفع يديه إليه فأشار نافع إلى أن ابن عمر كان يرفع يديه إلى الثديين أو أدنى من ذلك. لكن تقدم عن ابن عمر مرفوعا من غير خلاف أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه وكذلك رواه البخارى ومسلم عنه فتقدم تلك الروايات على التي فيها الخلاف في الرفع والوقف أو تحمل هذه الرواية على حالة البرد كما تقدم في رواية وائل بن حجر (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، «كَانَ إِذَا ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا دُونَ ذَلِكَ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَذْكُرْ «رَفَعَهُمَا دُونَ ذَلِكَ» أَحَدٌ غَيْرُ مَالِكٍ فِيمَا أَعْلَمُ (ش) (القعنبى) هو عبد الله بن مسلمة (قوله وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما دون ذلك) أى دون المنكبين. وهذه الرواية منافية لرواية ابن جريج المتقدمة التى فيها رفع اليدين إلى الثديين في كل المواضع لكن هذه أرجح من رواية ابن جريج فتقدم لأن مالكا أثبت من ابن جريج ولاسيما في نافع لكثرة ملازمته له (وقال الزرقاني) يمكن الجمع بينهما بأن نافعا نسى لما سأله ابن جريج فأجابه بالنفي ولما حدث به مالكا كان متذكرا فحدثه به تاما فصدق كل من روايتيه أما زعم أبي داود تفرّد مالك بزيادة دون ذلك فبفرض تسليمه لا يقدح لأنها زيادة من ثقة حافظ غير منافية فيجب قبولها اهـ لكن قد علمت مما تقدم أن ابن عمر روى الأحاديث

باب من ذكر أنه يرفع يديه إذا قام من اثنتين

المرفوعة الصحيحة الدالة على رفع اليدين حذو المنكبين في المواضع كلها فهى مقدمة على رواية مالك هذه لأن الحجة في مرويّه لا في عمله (باب) وفي بعض النسخ باب من ذكر أنه يرفع يديه إذا قام من اثنتين (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ» (ش) (رجال الحديث) (محمد بن عبيد) بن محمد بن واقد الكندى أبو جعفر. روى عن أبيه وأبي بكر بن عياش وأبي الأحوص وأبي معاوية وكثيرين. وعنه أبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه وأبو حاتم وأبو زرعة وآخرون. قال النسائى لا بأس به وقال في التقريب صدوق من العاشرة. قيل مات سنة خمس وأربعين ومائتين. و (المحاربي) نسبة إلى محارب قبيلة (معنى الحديث) (قوله إذا قام في الركعتين) أى من الركعتين ففى بمعنى من وقد صرح بها في بعض النسخ (قوله كبر ورفع يديه) أى إلى حذو منكبيه كما تقدم عنه في الروايات السابقة (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ «كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَيَصْنَعُ مِثْلَ ذَلِكَ إِذَا قَضَى قِرَاءَتَهُ وَأَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَيَصْنَعُهُ إِذَا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَإِذَا قَامَ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ وَكَبَّرَ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ حِينَ وَصَفَ صَلَاةَ النَّبِيِّ

صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ كَمَا كَبَّرَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ (ش) (رجال الحديث) (وعبيد الله بن أبى رافع) المدني. روى عن أبيه وأمه وعلي وأبي هريرة وعنه ابناه إبراهيم وعبد الله ومحمد بن المنكدر والمعتمر بن سليمان والأعرج وكثيرون وثقه أبو حاتم والخطيب وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال في التقريب ثقة من الثالثة روى له الجماعة. (معنى الحديث) (قوله إذا قام إلى الصلاة المكتوبة) لا مفهوم للكتوبة بل النافلة كذلك. ولعله قيد بالمكتوبة نظرا لما رآه (قوله ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد) يعني لا يرفع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يديه حين يرفع رأسه من السجدة الأولى ولا حين يهوى إلى السجدة الثانية (قوله وإذا قام من السجدتين) المراد بهما الركعتان كما جاء في الروايات الأخر وكما قاله العلماء من المحدثين والفقهاء إلا الخطابى فإنه ظنّ أن المراد بهما السجدتان المعروفتان واستشكل الحديث وقال لا أعلم أحدا من الفقهاء قال به وإن صح الحديث فالقول به واجب (قال) ابن رسلان ولعله لم يقف على طرق الحديث ولو وقف عليها لحمله على الركعتين كما حمله الأئمة اهـ (قوله وفي حديث أبي حميد الساعدى حين وصف الخ) غرضه بذلك بيان أن المراد بالسجدتين في رواية على الركعتان (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه والترمذى وصححه (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا كَبَّرَ وَإِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ حَتَّى يَبْلُغَ بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيْهِ» (ش) (شعبة) بن الحجاج. و (قتادة) بن دعامة (قوله يرفع يديه إذا كبر) أى وقت تكبيره للإحرام. وفيه دلالة على مشروعية مقارنة رفع اليدين لتكبيرة الإحرام. وتقدم بيانه (قوله حتى يبلغ بهما فروع أذنيه) أى أعالى أذنيه وهو غاية للرفع (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم وأحمد (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ مُعَاذٍ، نَا أَبِي، ح وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَرْوَانَ، نَا شُعَيْبٌ يَعْنِي ابْنَ

إِسْحَاقَ الْمَعْنَى، عَنْ عِمْرَانَ، عَنْ لَاحِقٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «لَوْ كُنْتُ قُدَّامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ لَرَأَيْتُ إِبْطَهُ»، زَادَ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: يَقُولُ لَاحِقٌ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَكُونَ قُدَّامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَزَادَ مُوسَى، يَعْنِي «إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ» (ش) (رجال الحديث) (عمران) بن حدير بالحاء والدال المهملتين مصغرا السدوسى أبي عبيدة البصرى. روى عن أبى مجلز وأبى قلابة وأبى عثمان النهدى ودعامة والد قتادة وآخرين وعنه شعبة والحمادان وعبد الملك بن الصباح وجماعة. ذكره شعبة فقال كان شيئا عجبا كأنه يثبته وقال يزيد بن هارون كان أصدق الناس وقال أحمد بخ بخ ثقة ووثقه النسائى وابن معين وابن حبان وقال ابن المديني ثقة من أوثق شيخ بالبصرة وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث. مات سنة تسع وأربعين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى والترمذى. و (لاحق) هو ابن حميد بن سعيد أبو مجلز البصرى. روى عن أبى موسى الأشعرى وابن عباس وسمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة وآخرين وعنه أنس بن سيرين وقتادة وأبو التياح وسليمان التيمى وعاصم الأحول. وثقه ابن خراش وابن معين والعجلى وابن سعد وقال ابن عبد البر ثقة عند جميعهم وقال في التقريب ثقة عابد من كبار العاشرة. توفي سنة ست أو تسع ومائة. روى له الجماعة. و (بشير بن نهيك) بفتح النون وكسر الهاء السدوسى ويقال السلولى أبى الشعثاء. روى عن أبى هريرة وبشير بن الخصاصية. وعنه خالد بن سمير ويحيى بن سعيد وعبد الملك بن عبيد وغيرهم. وثقه النسائى والعجلى وابن سعد وأحمد وقال في التقريب ثقة من الثالثة وقال أبو حاتم لا يحتج بحديثه. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله لو كنت قدّام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى لو كنت مستقبلا له وهو يصلى لرأيت إبطه. وفي نسخة لرأيت إبطيه حين يرفع يديه للتكبير والمراد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يبالغ في رفع يديه فيظهر إبطه لمن كان أمامه (قوله ولا يستطيع أن يكون قدّام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) أتى به أبو مجلز لبيان وجه امتناع أبى هريرة من أن يكون أمامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأنه إمام ولا يتقدم المأموم على الإمام (قوله وزاد موسى الخ) أى زاد موسى بن مروان في روايته بعد قوله رأيت إبطه يعني إذا كبر ورفع يديه. والعناية من بشير بن تهيك (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى من طريق أبى مجلز عن بشير بن نهيك عن

نسخ تطبيق اليدين بين الركبتين حال الركوع

أبي هريرة قال لو كنت بين يدى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأبصرت إبطيه قال أبو مجلز كأنه قال ذلك لأنه في صلاة (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ فَكَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَلَمَّا رَكَعَ طَبَّقَ يَدَيْهِ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ» قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدًا، فَقَالَ: صَدَقَ أَخِي، قَدْ كُنَّا نَفْعَلُ هَذَا ثُمَّ أُمِرْنَا بِهَذَا يَعْنِي «الْإِمْسَاكَ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ» (ش) (ابن إدريس) تقدم في الجزء الثاني صفحة 253 (قوله فلما ركع طبق يديه بين ركبتيه) أى جمع بين كفيه وأصابع يديه وشبكهما وجعلهما بين ركبتيه. وفي رواية البخارى عن أبى يعفور قال سمعت مصعب بن سعد يقول صليت إلى جنب أبي فطبقت بين كفي ثم وضعتهما بين فخذى وفي مسلم عن ابن مسعود فوضعنا أيدينا على ركبنا فضرب أيدينا ثم طبق يديه ثم جعلهما بين فخذيه (قوله فبلغ ذلك سعدا الخ) أى بلغ حديث التطبيق سعد بن أبي وقاص فقال صدق أخى عبد الله بن مسعود فيما حدث به قد كنا في أول الأمر نطبق أيدينا بين أفخاذنا حال الركوع ثم أمرنا بإمساك الركبتين بهما. وفي رواية للبخارى عن مصعب بن سعد عن أبيه كنا نفعله فنهينا عنه وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب (وبهذا استدل) على نسخ التطبيق لأن الآمر والناهي عن ذلك هو النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال الترمذى التطبيق منسوخ عند أهل العلم ولا اختلاف بينهم في ذلك إلا ما روى عن ابن مسعود وأصحابه أنهم كانوا يطبقون اهـ وقد جاء في نسخ التطبيق أحاديث أخر (منها) ما رواه الشيخان والنسائى عن أبي يعفور عن مصعب بن سعد قال صليت إلى جنب أبي وجعلت يدى بين ركبتي فقال لى اضرب بكفيك على ركبتيك قال ثم فعلت ذلك مرة أخرى فضرب يدى وقال إنا قد نهينا عن هذا وأمرنا أن نضرب بالأكف على الركب (ومنها) ما رواه النسائى من طريق الأعمش عن إبراهيم عن أبى عبد الرحمن عن عمر قال سنت لكم الركب فأمسكوا بالركب (وعنه) أيضا قال إنما السنة الأخذ بالركب (ومنها) ما رواه البيهقي عن أبي عبد الرحمن السلمى قال كنا إذا ركعنا جعلنا أيدينا بين أفخاذنا فقال عمر إن من السنة الأخذ بالركب. وروى عبد الرزاق من طريق معمر عن علقمة والأسود قالا صلينا مع عبد الله فطبق ثم لقينا عمر فصلينا معه فطبقنا فلما انصرف قال ذلك شيء كنا نفعله ثم ترك (وهذه الأحاديث) مرفوعة حكما لأن الصحابى

باب من لم يذكر الرفع عند الركوع

إذا قال السنة كذا انصرف ذلك إلى سنة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "وما رواه" ابن أبى شيبة بإسناد حسن من طريق عاصم بن ضمرة عن على قال إذا ركعت فإن شئت قلت هكذا يعني وضعت يديك على ركبتيك وإن شئت طبقت "ظاهر في أن عليا" كان يرى التخيير بين التطبيق وعدمه. ولعله لم تبلغه تلك الأحاديث الناسخة له (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم وابن خزيمة وأخرج النسائى والبخارى والترمذى وابن ماجه نحوه عن مصعب بن سعد عن أبيه (باب من لم يذكر الرفع عند الركوع) أى في بيان أدلة من قال بعدم رفع اليدين عند الركوع وكذا عند الرفع منه (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ يَعْنِي ابْنَ كُلَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: " أَلَا أُصَلِّي بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: فَصَلَّى فَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلَّا مَرَّةً واحدة ". (ش) (وكيع) بن الجراح. و (سفيان) بن عيينة (قوله فصلى فلم يرفع يديه الخ) أى لم يرفع عبد الله بن مسعود يديه في الصلاة إلا مرّة واحدة عند افتتاح الصلاة. وهو دليل لمن قال بعدم رفع اليدين عند الركوع والرفع منه. لكنه لا يصلح للاستدلال به لأنه ضعفه أحمد ويحيى بن آدم (وقال) ابن المبارك لم يثبت عندى (وقال) ابن أبى حاتم عن أبيه حديث خطأ (وقال) ابن حبان هو أحسن خبر رواه أهل الكوفة في نفي رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه وهو في الحقيقة أضعف شئ ولا يعول عليه لأن له عللا تبطله (قال) ابن عبد البر في التمهيد أما حديث ابن مسعود ألا أصلى بكم صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال فصلى فلم يرفع يديه إلا مرّة فإن أبا داود قال هذا حديث مختصر من حديث طويل وليس هو بصحيح على هذا المعنى (وقال) البزار فيه أيضا إنه لا يثبت ولا يحتج بمثله. وأما حديث ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما المذكور في هذا الباب فحديث مدني صحيح لا مطعن لأحد فيه وقد روى نحوه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أزيد من اثني عشر صحابيا اهـ وفي بعض النسخ زيادة "قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا حَدِيثٌ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَلَيْسَ هُوَ بِصَحِيحٍ عَلَى هَذَا المعنى" والغرض من هذه الزيادة تضعيف رواية هذا الحديث بهذا اللفظ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن عدى والبيهقي والدارقطنى من طريق محمد بن جابر

عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود بلفظ صليت مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر وعمر فلم يرفعوا أيديهم إلا عند الاستفتاح اهـ وذكر ابن الجوزى هذا الحديث في الموضوعات. وقال أحمد محمد بن جابر لا شيء ولا يحدث عنه إلا من هو شر منه. وقال الدارقطني تفرد به محمد بن جابر وكان ضعيفا عن حماد عن إبراهيم وغير حماد يرويه عن إبراهيم مرسلا عن عبد الله من فعله غير مرفوع إلى النبى صلى الله عليه وآله وسلم وهو الصواب اهـ وقال في تحفة الأحوذى شرح الترمذى أما تحسين الترمذى له فلا اعتماد عليه لما فيه من التساهل. وأما تصحيح ابن حزم فالظاهر أنه من جهة السند (ومن المعلوم) أن صحة السند لا تستلزم صحة المتن: على أن تصحيح ابن حزم لا اعتماد عليه أيضا في جنب تضعيف هؤلاء الحفاظ النفاد. فالاستدلال بهذا الحديث الضعيف على ترك رفع اليدين ونسخه في غير الافتتاح ليس بصحيح ولو تنزّلنا وسلمنا أن حديث ابن مسعود هذا صحيح أو حسن فالظاهر أن ابن مسعود قد نسيه كما قد نسى أمورا كثيرة (قال) الحافظ الزيلعى في نصب الراية نقلا عن صاحب التنقيح ليس في نسيان ابن مسعود لذلك ما يستغرب. قد نسى ابن مسعود من القرآن ما لم يختلف المسلمون فيه بعد وهي المعوذتان. ونسى ما اتفق العلماء على نسخه كالتطبيق. ونسى كيف قيام الاثنين خلف الإمام. ونسى ما لم يختلف العلماء فيه أن للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى الصبح يوم النحر في وقتها. ونسى كيفية جمع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعرفة. ونسى ما لم يختلف العلماء فيه من وضع المرفق والساعد على الأرض في السجود. ونسى كيف كان يقرأ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وما خلق الذكر والأنثى (وإذا جاز) على ابن مسعود أن ينسى مثل هذا في الصلاة كيف لا يجوز مثله في رفع لليدين اهـ ولو سلم أن ابن مسعود لم ينس في ذلك فأحاديث رفع لليدين في المواضع الثلاثة مقدمة على حديث ابن مسعود لأنها قد جائت عن عدد كثير من الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم حتى قال السيوطى إن حديث الرفع متواتر عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما عرفت فيما قبل (وقال العينى) في شرح البخارى إن من جملة أسباب الترجيح كثرة عدد الرواة وشهرة المروى حتى إذا كان أحد الخبرين يرويه واحد والآخر يرويه اثنان فالذى يرويه اثنان أولى بالعمل به اهـ (وقال) الحافظ الحازمى في كتاب الاعتبار ومما يرجح به أحد الحديثين على الآخر كثرة العدد في أحد الجانبين وهي مؤثرة في باب الرواية لأنها تقرب مما يوجب العلم وهو التواتر اهـ ثم حديث ابن مسعود هذا لا يدل على نسخ رفع اليدين في غير الافتتاح بل إنما يدل على عدم وجوبه (قال) ابن حزم في الكلام على حديث البراء بن عازب المذكور بعد ما لفظه إن صح دل على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل ذلك لبيان الجواز فلا تعارض بينه وبين

حديث ابن عمر وغيره اهـ قلت هذا كله على تقدير التنزل وإلا فحديث ابن مسعود ضعيف لا تقوم به حجة كما عرفت اهـ (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، وَخَالِدُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو حُذَيْفَةَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِإِسْنَادِهِ بِهَذَا قَالَ: «فَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ»، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «مَرَّةً وَاحِدَةً» (ش) (رجال الحديث) (خالد بن عمرو) بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن العاص الأموى أبو سعيد الكوفي. روى عن شعبة والسفيانين ومالك بن مغول وهشام الدستوائى والليث بن سعد وكثيرين. وعنه الحسن بن على وإبراهيم بن موسى وأبو نعيم الحلبي وأبو كريب ويوسف بن عدى وآخرون. قال البخارى والساجى وأبو زرعة وأحمد منكر الحديث زاد أحمد ليس ثقة يروى أحاديث باطلة وقال أبو حاتم متروك الحديث وقال ابن حبان كان يتفرد عن الثقات بالموضوعات لا يحل الاحتجاح بخبره وضعفه غير واحد. روى له أبو داود وابن ماجه. و (أبو حذيفة) هو موسى ابن مسعود البصرى النهدى. روى عن زائدة والثورى وإبراهيم بن طهمان وعكرمة وزهير بن محمد وغيرهم. وعنه البخارى وأبو داود والترمذى وابن ماجه والذهلى وأبو حاتم وكثيرون. قال العجلى ثقة صدوق وقال الترمذى يضعف في الحديث وقال عمرو بن على الفلاس لا يحدث عنه من يبصر الحديث وقال ابن خزيمة لا يحتج بحديثه وقال الحاكم أبو عبد الله كثير الوهم سيئ الحفظ. توفي سنة عشرين أو إحدى وعشرين ومائتين. (معنى الحديث) (قوله بإسناده) أى سند حديث سفيان وهو عن عاصم عن عبد الرحمن ابن الأسود عن علقمة (قوله قال فرفع يديه الخ) أى قال الحسن بن على في روايته بسنده فرفع يديه أول مرة بدل قوله في رواية عثمان بن أبى شيبة فلم يرفع يديه إلا مرة وقال بعضهم مرّة واحدة وهذه الرواية ضعيفة أيضا لأن فيها خالد بن عمرو وأبا حذيفة وفيهما مقال (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ، نَا شَرِيكٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْبَرَاءِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «كَانَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ لَا يَعُودُ». (ش) (شريك) بن عبد الله النخعى (قوله كان إذا افتتح الصلاة الخ) استدلّ به أيضا من قال بعدم رفع اليدين عند الركوع والرفع منه. لكن لا دلالة فيه لأنه ضعفه البخارى

وأحمد والشافعى وابن عيينة وابن الزبير والدارمى وغيرهم من الأئمة وقد اتفق الحفاظ على أن قوله ثم لا يعود مدرج في الخبر من قول يزيد بن أبى زياد "وقد" رواه بدون قوله ثم لا يعود شعبة والثورى وخالد الطحان وزهير وغيرهم من الحفاظ (وقال) الحميدى روى هذه الزيادة يزيد ويزيد يزيد اهـ (وقال) البزار قوله في الحديث ثم لا يعود لا يصح "وقد" روى الدارقطني هذا الحديث بدون هذه الزيادة عن يزيد بن أبى زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء أنه رأى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه قال وهذا هو الصواب وإنما لقن يزيد في آخر عمره ثم لم يعد فتلقنه وكان قد اختلط اهـ بحذف على أنه قد أنكر هذه الزيادة يزيد نفسه "فقد" روى الدارقطني من طريق على بن عاصم قال حدثنا عبد بن أبي ليلى عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين قام إلى الصلاة فكبر ورفع يديه حتى ساوى بهما أذنيه ثم لم يعد قال عليّ فلما قدمت الكوفة قيل لى إن يزيد حيّ فأتيته فحدثني بهذا الحديث وقال حدثنى عبد الرحمن بن أبى ليلى عن البراء قال رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين قام إلى الصلاة فكبر ورفع يديه حتى ساوى بهما أذنيه فقلت له أخبرني ابن أبي ليلى أنك قلت ثم لم يعد قال لا أحفظ هذا فعاودته فقال ما أحفظه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطني والطحاوى في شرح معاني الآثار (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ يَزِيدَ، نَحْوَ حَدِيثِ شَرِيكٍ، لَمْ يَقُلْ: «ثُمَّ لَا يَعُودُ»، قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ لَنَا بِالْكُوفَةِ بَعْدُ «ثُمَّ لَا يَعُودُ». (ش) (رجال الأثر) (عبد الله بن محمد) بن عبد الرحمن بن المسور (الزهري) البصرى. روى عن عبد الوهاب الثقفى ومعاذ بن معاذ وأبي عامر العقدى وابن عيينة. وعنه مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى وآخرون. وثقه النسائى وقال الدارقطني من الثقات قليل الخطأ وقال أبو حاتم صدوق وقال في التقريب صدوق من صغار العاشرة. مات سنة ست وخمسين ومائتين (معنى الأثر) (قوله لم يقل ثم لا يعود) أى لم يقل سفيان بن عيينة في روايته للحديث عن يزيد بن أبي زياد ثم لا يعود (قوله قال سفيان قال لنا بالكوفة الخ) أى قال لنا يزيد بن أبي زياد بالكوفة في الحديث قوله ثم لا يعود بعد أن حدثنا به بمكة بدونها. وروى الحاكم والبيهقي هذه الرواية من طريق سفيان قال حدثنا يزيد بن أبي زياد بمكة عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن البراء ابن عازب قال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه

وإذا أراد أن يركع وإذا رفع رأسه من الركوع قال سفيان فلما قدمت الكوفة سمعته يقول يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود فظننتهم لقنوه (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ هُشَيْمٌ، وَخَالِدٌ، وَابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ يَزِيدَ، لَمْ يَذْكُرُوا «ثُمَّ لَا يَعُودُ». (ش) أى روى هذا الحديث هشيم بن بشير وخالد الحذاء وعبد الله بن إدريس لم يذكر واحد منهم في روايته عن يزيد هذه الزيادة. وأشار المصنف بهذا إلى ضعف هذه الزيادة لتفرد شريك النخعى بها قال الخطابى لم يقل أحد في هذا ثم لا يعود غير شريك اهـ ولم نقف على من وصل هذه التعاليق (ص) حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَخِيهِ عِيسَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لَمْ يَرْفَعْهُمَا حَتَّى انْصَرَفَ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ (ش) (رجال الحديث) (حسين بن عبد الرحمن) الجرجرائى أبو على. روى عن ابن نمير والوليد بن مسلم وطلق بن غنام وخلف بن تميم. وعنه أبو داود والنسائى وابن ماجه ومحمد بن إسحاق وغيرهم. قال في التقريب مقبول من العاشرة وقال أبو حاتم مجهول. مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين. و (ابن أبى ليلى) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى أبو عبد الرحمن الأنصارى الكوفي الفقيه. روى عن أخيه عيسى ونافع مولى ابن عمر وعطاء بن أبى رباح وعمرو ابن مرة وسلمة بن كهيل وآخرين. وعنه شعبة والثورى وأبو الأحوص ووكيع وأبو نعيم وابن جريج وغيرهم. قال أحمد كان سيء الحفظ مضطرب الحديث وقال شعبة ما رأيت أحدا أسوأ حفظا منه وقال ابن حبان كان فاحش الخطأ ردئ الحفظ فكثرت المناكير في روايته وقال أبو حاتم محله الصدق كان سيئ الحفظ شغل بالقضاء فساء حفظه لا يتهم بشئ من الكذب إنما ينكر عليه كثرة الخطأ يكتب حديثه ولا يحتج به وتكلم فيه غير واحد من جهة حفظه. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه (قوله عن أخيه عيسى عن الحكم) هكذا في النسخ بدون حرف العطف. وفي رواية الطحاوى عن أخيه وعن الحكم بإثبات حرف العطف فتكون رواية ابن أبى ليلى عن أخيه عيسى وعن الحكم. و (عيسى) هو ابن عبد الرحمن بن أبى ليلى. روى عن

باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة

أبيه والحكم بن عتيبة وزرّ بن حبيش وعبد الله بن عكيم. وعنه أخوه محمد وابنه عند الله وعتبة ابن أبي حكيم. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة من السادسة (معنى الحديث) (قوله رفع يديه الخ) لا يصلح دليلا لمن قال بعدم رفع اليدين عند الركوع والرفع منه لأن فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وفيه مقال كما تقدم ولهذا قال المصنف ليس بصحيح "إذا علمت" ما تقدم من ضعف الأحاديث الدالة على أن رفع اليدين لا يكون إلا في افتتاح الصلاة "تعلم أن" الثابت الصحيح رفع اليدين عند الركوع والرفع منه وعند القيام من اثنتين للأحاديث الكثيرة الصحيحة الواردة بذلك كما تقدم (من أخرج الحديث إيضا) أخرجه الطحاوى في شرح معاني الآثار (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَمْعَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا» (ش) (رجال الحديث) (يحيى) بن سعيد القطان. و (ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن. و (سعيد بن سمعان) بكسر السين المهملة وفتحها وسكون الميم الزرقي مولاهم المدنى. روى عن أبى هريرة وأبي حسنة. وعنه سابق بن عبد الله وابن أبى ذئب وابن أبى داود قال الحاكم تابعى معروف ووثقه النسائى والدارقطني وقال في التقريب ثقة من الثالثة ولم يصب الأزدى في تضعيفه. روى له أبو داود والنسائى والترمذى (معنى الحديث) (قوله مدّا) مفعول لفعل محذوف أى يمدّهما مدًّا أو منصوب على الحال أى رفعهما حال كونه مادّا لهما والمدّ صادق برفعهما قائمتين أو مبسوطتين إلى جهة القبلة مضمومة الأصابع أو مفرقتها (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والنسائى والترمذى والدارمى (باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة) وفي بعض النسخ باب ما جاء في وضع اليمين على اليسار في الصلاة (ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: «صَفُّ الْقَدَمَيْنِ وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْيَدِ مِنَ السُّنَّةِ» (ش) (رجال الأثر) (أبو أحمد) محمد بن عبد الله الزبيرى. و (العلاء بن صالح) التيمى ويقال الأسدى الكوفي. روى عن عدى بن ثابت وسلمة بن كهيل ويزيد بن أبى مريم

مذاهب الفقهاء في ذلك

والحكم بن عتيبة. وعنه عبد الله بن نمير ومحمد بن بشر ويحيى بن يعلى وأبو نعيم وعبيد الله بن موسى وغيرهم. وثقه أبو داود وابن معين ويعقوب بن سفيان وابن نمير والعجلى وقال في التقريب صدوق له أوهام من السابعة. روى له أبو داود والترمذى والنسائى. و (زرعة بن عبد الرحمن) أبي عبد الرحمن الكوفي. روى عن ابن عاس وابن الزبير. وعنه مالك بن مغول والعلاء ابن صالح. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من الثالثة (معنى الأثر) (قوله صفّ القدمين الخ) يعنى جعلهما متساويتين من غير تقدم إحداهما على الأخرى ووضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة من سنته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ الرَّيَّانِ، عَنْ هُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَبِي زَيْنَبَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى، فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى» (ش) (رجال الحديث) (محمد بن بكار بن الريان) الهاشمى مولاهم البغدادى أبو عبد الله. روى عن فليح بن سليمان وابن المبارك وقيس بن الربيع وإسماعيل بن زكرياء ومحمد بن طلحة وكثيرين. وعنه مسلم وأبو داود وأبو زرعة وأبو حاتم ومعاوية بن صالح وآخرون وثقه ابن معين والدارقطني وقال في التقريب ثقة من العاشرة. مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين و (الحجاج بن أبي زينب) أبي بوسف السلمى الواسطي. روى عن طلحة بن نافع وعبد الرحمن ابن ملّ أبي عثمان النهدى. وعنه هشيم بن بشير وابن مهدى ويزيد بن هارون. ضعفه أحمد وابن المديني وقال الدارقطني وأبو داود والنسائى لا بأس به وقال في التقريب صدوق يخطئ من السادسة (معنى الحديث) (قوله فرآه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) وفي رواية للنسائى عن ابن مسعود قال رآنى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد وضعت شمالى على يميني في الصلاة فأخذ بيميني على شمالى. وروى أحمد والدارقطني عن جابر قال مر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم برجل وهو يصلى وقد وضع يده اليسرى على اليمينى فانتزعها ووضع اليمنى على اليسرى (وفي هذا كله) دلالة على مشروعية وضع اليد اليمنى على اليسرى حال القيام في الصلاة (وبه قال) أبو حنيفة وأصحابه وأحمد والشافعية وهو قول على وأبي هريرة وعائشة وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعى وسفيان الثورى وإسحاق وأبى ثور وداود وغيرهم من الصحابة والتابعين. مستدلين بهذه الأحاديث وغيرها مما تقدم للمصنف عن وائل بن حجر وغيره وبما

رواه أحمد والبخارى عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قال أبو حازم ولا أعلمه ينمى ذلك إلا إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وبما رواه الترمذى عن هلب الطائى قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يؤمنا فيأخذ شماله بنمينه. وبما رواه البيهقي عن محمد بن أبان عن عائشة قالت ثلاثة من النبوة تعجيل الإفطار وتأخير السحور ووضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة قال ومحمد مجهول وقال البخارى لا يعرف له سماع من عائشة اهـ (والحكمة) في هذا الوضع أنه أسلم للمصلى من العبث وأحسن في التضرع والخشوع فإنها هيئة السائل الذليل (وذهب) الليث ابن سعد والهادوية والناصر والقاسمية إلى عدم مشروعية وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة واحتجوا بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم المسئ صلاته الصلاة ولم يذكر فيه وضع اليمنى على اليسرى. لكن الحديث لا يصلح حجة لهم لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اقتصر في تعليمه له على الفرائض فترك ذكره في الحديث لا يدل على عدم مشروعيته (وقد اختلفت) الروايات عن مالك فروى أشهب عنه أنه لا بأس به في الفريضة والنافلة. وروى مطرف وابن الماجشون عنه استحسانه قال في المدونة قال سحنون عن ابن وهب عن سفيان الثورى عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنهم رأوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واضعا يده اليمنى على اليسرى في الصلاة. وروى ابن القاسم عن مالك أنه لا بأس به في النافلة وكرهه في الفريضة قال في المدونة قال مالك في وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة لا أعرف ذلك في الفريضة وكان يكرهه ولكن في النوافل إذا طال القيام لا بأس بذلك يعين به نفسه اهـ لكن الأحاديث الصحيحة الكثيرة تردّه لأنها عامة فتشمل الفرض والنفل. ولا دليل على التفرقة قال ابن عبد البر لم يأت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيه خلاف وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين وهو الذى ذكره مالك في الموطأ ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره اهـ ويعنى بما ذكره مالك ما أخرجه عن عبد الكريم بن أبي المخارق البصرى أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ - قال من كلام النبوة إذا لم تستح فافعل ما شئت ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة وتعجيل الفطر والاستيناء بالسحور وما رواه أيضا عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد أنه قال كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قال أبو حازم لا أعلم إلا أنه ينمى ذلك أى يرفعه إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ومعلوم أن أصول السنة ثلاثة القول والفعل والتقرير فإثبات هذه السنة بالقول ما ذكره مالك من أن الناس كانوا يؤمرون بوضع اليد المنى على اليسرى في الصلاة. والآمر هو النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والناس هم الصحابة

وفي إثباتها بالفعل أحاديث كثيرة عند المصنف وغيره (منها) رواية سحنون عن ابن وهب المتقدمة في كلام المدونة وإثباتها بالتقرير أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلحه لبعض القوم بنفسه كما في حديث ابن مسعود (وما تقدم) عند أحمد والدارقطني عن جابر. فالأحاديث كلها مثبتة لهذه السنة وليس عند من نفاها شيء من الأدلة يدل على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سدل يديه أو أمر به. ومن خاض علوم السنة وأمهات الفقه ودواوين مسائل الخلاف عرف أنه لا قائل أصلا بالسدل وسنيته من أهل القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية. وأيضا لم يرو القول به اجتهادا عن صحابي قط إلا رواية ضعيفة عن ابن الزبير ورواية القبض عنه أصح كما تقدم (وقد أخذ مالك) عن تسعمائة شيخ ثلاثمائة من التابعين وستمائة من تابعى التابعين وليس فيهم من تؤخذ عنه رواية في السدل والذين أخذوا العلم عن مالك ثلاثمائة وألف ليس فيهم من روى عنه السدل إلا ابن القاسم. وممن روى عنه القبض أشهب وسحنون وابن نافع ومطرّف وابن الماجشون وابن وهب وابن عبد الحكم وابن حبيب وابن عبد البر وكثيرون. وروايتهم متأخرة عن رواية ابن القاسم فإن ابن القاسم فارق مالكا في حياته وتوطن مصر كما يدل عليه قول سحنون متأسفا على عدم لقاء مالك أنا عند ابن القاسم بمصر وكتب مالك تأتيه. وسحنون وصل إلى ابن القاسم بمصر قريبا من وفاة مالك لأن وصوله كان في سنة ثمان وسبعين ومائة ووفاة مالك في ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة والمدنيون أصحاب مالك الذين رووا عنه هذه السنة حاضرون وفاته بالمدينة. ولا سيما مطرّف ابن أخت الإمام وابن الماجشون وابن نافع الذى صار مفتيا للمدينة بعد مالك وقد صحبه أربعين سنة وقيل له لمن هذا الأمر بعدك قال لابن نافع. والعمل على ما رواه أهل بلده الملازمون له إلى وفاته رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (وفي تبصرة) ابن فرحون إذا كانت المسألة ذات اقوال أو روايات فالفتوى والحكم بقول مالك المرجوع إليه (وقال ابن عبد البر) لم يزل مالك يقبض حتى لقى الله عز وجل اهـ والقاعدة أن المجتهد إذا نقل عنه قولان متعارضان فالعمل على قوله الأخير منهما. وعلى تقدير عدم تأخره فقد روى القبض جمع كثير ولم يرو عدمه إلا ابن القاسم فترجح روايات الأكثر على الأقل "ولا سيما" وأن الأقل واحد. وقد نص فحول المذهب من المالكية على استحباب قبض اليدين (قال) العلامة البناني عند قول خليل في مختصره وشارحه الزرقاني وندب لكل مصلّ ولو نفلا سدل يديه أى إرسالهما لجنبه ويكره القبض في الفرض وفي القبض أقوال أخر غير الكراهة (أحدها) الاستحباب في الفرض والنفل وهو قول مالك في رواية مطرّف وابن الماجشون عنه في الواضحة وقول المدنيين من أصحابنا واختاره غير واحد من المحققين فهم اللخمى وابن عبد البر وأبو بكر بن العربى وابن رشد وابن عبد السلام وعدّه ابن رشد في مقدماته في فضائل الصلاة

وتبعه القاضى عياض في قواعده ونسبه في الإكمال إلى الجمهور. وكذا نسبه لهم الحفيد ابن رشد وهو أيضا قول الأئمة أبي حنيفة والشافعى وأحمد (الثاني) من الأقوال إباحة القبض في الفرض والنفل معا وهو قول مالك في سماع القرينين "أشهب وابن نافع" (الثالث) منع القبض فيهما حكاه الباجى وتبعه ابن عرفة (قال) الشيخ المسناوى وهو من الشذوذ بمكان ثم قال المسناوى أيضا وإذا تقرّر الخلاف في أصل القبض كما ترى وجب الرجوع إلى الكتاب والسنة كما قال تعالى "فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول" فقد وجدنا سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد حكمت بمطلوبية القبض في الصلاة بشهادة ما في الموطأ والصحيحين وغيرهما من الأحاديث السالمة من الطعن فالواجب الانتهاء إليها والوقوف عندها والقول بمقتضاها اهـ ونقل الموّاق في سنن المهتدين عن ابن عبد البر أنه قال في تمهيده لا وجة لكراهة وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة لأن الأشياء أصلها الإباحة ولم ينه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فلا معنى لمن كره ذلك. هذا لو لم ترو إباحته عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ونقله المسناوى ثم قال بعده فكيف وقد صح عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعله والحضّ عليه (وقال) ابن عبد السلام في شرح ابن الحاجب عند قول المتن وقبض اليمنى على كوع اليسرى ما نصه: ينبغى أن يعدّ في السنن لصحته عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ (وقال) اللخمى للقبض أحسن للحديث الثابت عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم في البخارى ومسلم ولأنه وقفة العبد الذليل لمولاه عز وجل (وقال) القاضى عياض إنه من سنن الصلاة وتمام خشوعها وضبطها عن الحكة والعبث اهـ (إذا علمت هذا) علمت أن الثابت الصحيح عن مالك قبض اليدين "ولا ينافيه" قوله في المدوّنة كما تقدم لا أعرف ذلك في الفريضة الخ "لإمكان حمله" على أنه لا يعرفه من لوازم الصلاة وواجباتها التي لا بد منها كما أشار إليه ابن الحاج في المدخل. ونحو هذا تأويل ابن رشد قول مالك في المدونة لا أعرف قول الناس في الركوع سبحان ربي العظيم وفي السجود سبحان ربي الأعلى وأنكره قال ابن رشد أنكر وجوبه وتعينه لا أن تركه أحسن من فعله لأنه من السنن التي يستحب العمل بها. ونحو هذا التأويل لابن بشير وابن العربى في كل إنكار صدر من مالك لما هو من جنس المشروع على أن القائل بكراهة القبض علله بخيفة اعتقاد وجوبه أو إظهار الخشوع أو الاعتماد. أما الأول والثاني فقد ضعفهما المحققون من الفقهاء ولم يخالف في ضعفهما أحد منهم لأنهما ممكنان في جميع المندوبات فهو يؤدى إلى كراهة كل المندوبات وأما الثالث فهو خلاف المظنون من حالة المصلى. وعلى تقدير قصد الاعتماد فليس هناك ما يدل على كراهته "وبما تقدّم" تعلم أن الأمر كله راجع إلى سنية القبض "وما قاله" بعضهم من أن السدل هيئة الميت وهي أبلغ في الخشوع وينسب ذلك للإمام "فهو مردود" لما تقدّم من أن

السدل لم يعمل عليه الإمام ولم ينقله عنه إلا ابن القاسم وقد علمت تأويله. وليس هناك أبلغ وأكمل مما كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعله ويأمر به. وأيضا الخشوع والتحلى بذلة العبودية مع وضع اليدين أقرب. ولو صحت مشروعية السدل لكان التشبه بالميت صحيحا مقبولا. وتوجيهات الأحكام بإيضاح أسرارها إنما يعمد إليها بعد ثبوت الحكم عن الشارع إبرازا للحكمة وتنشيطا لضعفاء الهمم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وابن ماجه وأخرجه أحمد والدارقطنى عن جابر بلفظ تقدم (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: «مِنَ السُّنَّةِ وَضْعُ الْكَفِّ عَلَى الْكَفِّ فِي الصَّلَاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ» (ش) هذه الأحاديث إلى آخر الباب ليست من رواية اللؤلؤى وإنما هي من رواية ابن الأعرابي (رجال الأثر) (محمد بن محبوب) أبو عبد الله البصرى البنانى. روى عن أبي عوانة والحمادين وهشيم بن بشير وحفص بن غياث وآخرين. وعنه البخارى وأبو داود والنسائى ومحمد ابن يحيى الذهلى ويعقوب بن سفيان وجماعة. قال ابن معين كيس صادق كثير الحديث وقال في القريب ثقة من العاشرة. مات سنة ثلاث وثلاثين ومائتين. و (عبد الرحمن بن إسحاق) بن سعد بن الحارث أبي شيبة الأنصارى الواسطى. روى عن أبيه وسيار أبي الحكم والقاسم بن عبد الرحمن والشعبي وحفصة بنت أبي كثير. وعنه عليّ بن مسهر ويحيى بن أبى زائدة ومحمد بن فضيل وأبو معاوية وحفص بن غياث وعبد الواحد بن زياد. ضعفه ابن معين وابن سعد ويعقوب ابن سفيان وأبو داود والنسائى وقال أحمد ليس بشئ منكر الحديث وقال أبو حاتم ضعيف الحديث منكر الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به. و (زياد بن زيد) الأعصم السوائى الكوفي. روى عن شريح القاضى وأبى جحيفة وهب بن عبد الله السوائى. وعنه عبد الرحمن بن إسحاق. قال أبو حاتم مجهول وقال في التقريب مجهول من الخامسة (معنى الأثر) (قوله من السنة وضع الكف الخ) فيه دلالة على أن محل وضع اليدين في الصلاة تحت السرّه (وبه قال) أبو حنيفة والثورى وإسحاق ابن راهويه وأبو إسحاق المروزى من أصحاب الشافعى "وحكاه" ابن المنذر عن أبي هريرة والنخعى وأبى مجلز مستدلين بحديث الباب. لكن لا يصلح دليلا لأنه من رواية عبد الرحمن بن إسحاق

عن زياد بن زيد وفيهما مقال كما تقدم (وقالت) الشافعية وداود وسعيد بن جبير المستحب جعلهما تحت صدره فوق سرّته (وعن) أحمد روايتان "إحداهما" فوق السرة "والثانية" تحتها وله رواية ثالثة وهي التخيير بينهما كما قاله الأوزاعي وابن المنذر (وقال) ابن حبيب من المالكية ليس لذلك موضع معروف (وعن مالك) يضعهما تحت الصدر وفوق السرة والأمر في ذلك واسع (وفي كيفية) الوضع أقوال. فقيل يضع كفّ النبي على كوع اليسرى وبعض ساعدها ورسغها وهو الأقوى كما يدل عليه ما تقدم للمصنف عن وائل بن حجر وفيه فوضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد. وفي رواية له أيضا ثم أخذ كفه بيمينه. وقيل يخير بين بسط أصابع اليمنى في عرض المفصل وبين نشرها في طول الساعد. وقيل يحلق إبهامه وخنصره وبنصره ويضع الوسطى والمسبحة على المعصم وهو موضع السوار (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ يَعْنِي ابْنَ أَعْيَنَ، عَنْ أَبِي بَدْرٍ، عَنْ أَبِي طَالُوتَ عَبْدِ السَّلَامِ، عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ الضَّبِّيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «رَأَيْتُ عَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يُمْسِكُ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ عَلَى الرُّسْغِ فَوْقَ السُّرَّةِ». (ش) (رجال الأثر) (أبو بدر) شجاع بن الوليد. و (أبو طالوت عبد السلام) هو ابن أبي حازم العبدى البصرى القيسى. روى عن أنس وأبى برزة الأسلمى وأبي عثمان النهدى وغزوان بن جرير. وعنه وكيع وعبد الصمد بن عبد الوارث وأبو نعيم ومسلم بن إبراهيم. وثقه أحمد وابن معين ووكيع وقال أبو حاتم يكتب حديثه وقال في التقريب ثقة من الرابعة. روى له أبو داود. و (ابن جرير) هو غزوان الضبى مولاهم. روى عن أبيه جرير بن عبد الحميد وعنه الأخضر بن عجلان وعبد السلام بن أبي حازم. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من السادسة. و (الضبي) نسبة إلى ضبة بن أد (معنى الأثر) (قوله رأيت عليا الخ) أى قال جرير رأيت عليّ بن أبي طالب وهو يصلى يمسك شماله بيمينه حال كون اليمنى على الرسغ ويضعهما فوق السرّة. ويمكن أن يكون دليلا لمن قال إن محل وضع اليدين فوق السرة وتحت الصدر. وهو وإن كان من فعل عليّ يبعد أن يكون من قبل الرأى. وذكر البخارى هذا الأثر تعليقا (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَوْقَ السُّرَّةِ

(ش) قد روى البيهقي أثر سعيد من طريق ابن جريج عن أبي الزبير المكي قال أمرني عطاء أن أسأل سعيد بن جبير أين تكون اليدان في الصلاة فوق السرة أو أسفل من السرة فسألته فقال فوق السرّة (ص) وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: تَحْتَ السُّرَّةِ (ش) أى أن أبا مجلز لاحق بن حميد يرى أن وضع اليدين في الصلاة تحت السرّة. وقد وصل هذا الأثر أبو بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون قال أنبأنا الحجاج بن حسان قال سألت أبا مجلز كيف يضع قال يضع باطن كفّ يمينه على ظاهر كفّ شماله ويجعلهما أسفل عن السرّة "وما ذكره" البيهقي من أن أبا مجلز وافق سعيد بن جبير في أن وضع اليدين يكون فوق السرّة "غير مسلم" فإنه مخالف لرواية المصنف وابن أبي شيبة ولما نقله ابن عبد البر عن أبي مجلز (ص) وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ (ش) أى روى عن أبي هريرة أن وضع اليدين تحت السرّة كما قال أبو مجلز ولكن ليس بالقوى لأن في سنده عبد الرحمن بن إسحاق وفيه ضعف. ورواية أبى هريرة هذه ساقها المصنف (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ الْكُوفِيِّ، عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَخْذُ الْأَكُفِّ عَلَى الْأَكُفِّ فِي الصَّلَاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ: يُضَعِّفُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ إِسْحَاقَ الْكُوفِيَّ (ش) (رجال الأثر) (قوله عن سيار أبي الحكم) هو سيار بن أبي سيار وردان العنزى البصرى الواسطى: روى عن الشعبي وثابت البناني وأبي حازم وبكر بن عبد الله المزني وطارق بن شهاب وعنه شعبة والثورى وقرّة بن خالد وسليمان التيمى. وثقه النسائى وابن معين وقال أحمد ثقة صدوق ثبت. روى له الجماعة (معنى الأثر) (قوله أخذ الأكفّ على الأكف الخ) أى أخذ الأكفّ بالأكفّ في الصلاة موضعه تحت السرّة. وهو ضعيف كما نقله المصنف عن أحمد وكذا ضعفه غير واحد (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد

(ص) حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ، ثَنَا الْهَيْثَمُ يَعْنِي ابْنَ حُمَيْدٍ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَشُدُّ بَيْنَهُمَا عَلَى صَدْرِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ» (ش) (أبو توبة) تقدم في الجزء الأول صفحة 125. و (ثور) بن يزيد الكلاعي فيه صفحة 128. و (سليمان بن موسى) في الجزء الثالث صفحة 302. و (طاوس) الإمام في الجزء الأول صفحة 79 (قوله ثم يشدّ بينهما على صدره) المراد أنه يقبض بيده اليمنى على اليسرى ويجعلهما على صدره (وفيه دلالة) على أن موضع اليدين الصدر. وهو وإن كان مرسلا حجة عند أكثر الأئمة مطلقا. وعند الشافعى يحتج بالمرسل إذا اعتضد. وقد جاء ما يعضده فقد روى أحمد عن يحيى بن سعيد عن سفيان قال حدثنا سماك عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينصرف عن يمينه وعن يساره ورأيته يضع هذه على صدره ووضع يحيى اليمنى على لليسرى فوق المفصل. وروى ابن خزبمة في صحيحه عن وائل بن حجر قال صليت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فوضع يده اليمنى على اليسرى على صدره ووضع اليدين على الصدر (وحاصل) المقام أن وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة ثابت توافرت عليه الأحاديث الكثيرة الصحيحة ولكن اختلفت الآثار والروايات في محل وضعهما هل فوق السرّة أو تحتها أو فوق الصدر والأمر في ذلك واسع كما قال مالك (قال) في الدرر البهية وشرحها الروضة الندية "والضم لليدين" أى اليمنى على اليسرى حال القيام إما على الصدر أو تحت السرة أو بينهما لأحاديث تقارب العشرين ولم يعارض هذه السنن معارض ولا قدح أحد من أهل العلم بالحديث في شئ منها وقد رواه عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نحو ثمانية عشر صحابيا حتى قال ابن عبد البر إنه لم يأت فيه عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خلاف اهـ قال الترمذى رأى بعضهم أنه يضعهما فوق السرّة ورأى بعضهم أنه يضعهما تحت السرة وكل ذلك واسع عندهم اهـ وقال ابن الهمام لم يثبت حديث صحيح يوجب العمل في كون الوضع تحت الصدر وفي كونه تحت السرة. واختلفت الأئمة في ذلك والتحقيق المساواة بينهما اهـ ببعض تصرّف

باب ما تستفتح به الصلاة من الدعاء

(باب ما تستفتح به الصلاة من الدعاء) أى في بيان ما يفتتح به المصلى صلاته من الدعاء. وفي بعض النسخ باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، نَا أَبِي، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَمِّهِ الْمَاجِشُونِ ابْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ " إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، وَإِذَا رَكَعَ، قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعِظَامِي وَعَصَبِي، وَإِذَا رَفَعَ، قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وملء الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ، مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، وَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، وَإِذَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ، قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ

وَالْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ. (ش) (رجال الحديث) (قوله حدثنا أبي) هو معاذ بن معاذ وتقدم في الجزء الثاني صفحة 115 (قوله عن عمه) اسمه يعقوب بن أبي سلمة التيمى مولى آل المنكدر أبى يوسف. روى عن ابن عباس وأبى هريرة وأبى سعيد وابن عمر وعمر بن عبد العزيز. وعنه ابناه عبد العزيز ويوسف وعبد الله بن أبي سلمة وآخرون. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق من الرابعة توفي سنة أربع وستين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه. و (الماجشون) بالفارسية الورد وسمى به يعقوب لحمرة وجنتيه (معنى الحديث) (قوله وجهت وجهى) أى توجهت بذاتي وأخلصت عبادتي لله تعالى فالمراد بالوجه الذات. ويحتمل أن المراد بالوجه القلب أى وجهت قلبي لعبادة الله. وفي حذف إني إيماء إلى أنه لم يقصد به القراءة. ويؤخذ منه أنه ينبغى للمصلى عند قراءة هذا الدعاء أن يكون على غاية من الحضور والإخلاص وإلا كان كاذبا وأقبح الكذب ما يكون والإنسان واقف بين يدى من لا تخفى عليه خافية (قوله للذى فطر السماوات والأرض) أى خلقهما وأوجدهما على غير مثال سابق. والمراد بالسموات ما علا فيشمل العرش وبالأرض ما سفل فيشمل ما تحتها. وقدم السماوات لأنها أشرف من الأرض لكونها مسكن الملائكة المطهرين لا غير والأرض وإن كان فيها الأنبياء لكنها احتوت على المفسدين. وجمع السماوات لاختلاف أجناسها وأفرد الأرض وإن كانت سبعا أيضا لأنها من جنس واحد (قوله حنيفا مسلما الخ) أى وجهت وجهى حال كوني مائلا عن كل دين باطل إلى الدين الحق ثابتا عليه منقادا مطيعا لأمره تعالى ومجتنبا لنهيه وما أنا من المشركين أى الكافرين فيشمل عابد الوثن وغيره ويكون تأكيدا لقوله حنيفا. ويحتمل أن يكون خاصا بعابد الوثن فيكون من ذكر الخاص بعد العام. والنكتة فيه مراعاة حال الحاضرين فإنهم كانوا يعبدون الأصنام (قوله إن صلاتى ونسكي) أى عبادتي من حج وغيره فعطف النسك على الصلاة من عطف العام على الخاص (قوله ومحياى ومماتي الخ) أى حياتي وموتي لله رب العالمين وهو متعلق بمحذوف خبر إن لكن يقدّر بالنسبة للعبادة خالصة وبالنسبة للحياة والموت مخلوقان. ويحتمل أن يراد بالحياة ما يعمل فيها من الطاعات وبالممات ما يموت عليه من الإيمان فيكون متعلق الجار والمجرور متحدا وهو خالصة. والرب يطلق على معان منها المالك والسيد والمدبر والمصلح فإن وصف الله بالأولين يكون الرب من صفات الذات وإن وصف بالأخيرين يكون من صفات الأفعال والعالمون جمع عالم وهو ما سوى الله عز وجل (قوله لا شريك له) أى في ذاته وصفاته وأفعاله

مذهب السلف والخلف في المتشابهات

وبذلك أى بالتوحيد الكامل والطاعات الخالصة أمرت وأنا أول المنقادين المطيعين لله تعالى من هذه الأمة فلا يشكل ما تقدم من الأنبياء وأممهم. وفي رواية مسلم وأنا من المسلمين "ولا منافاة" بينهما لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول هذه تارة وتلك أخرى. وأما غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمخير بين أن يقول وأنا من المسلمين وبين أن يقول وأنا أول المسلمين ويقصد بها التلاوة أو يقصد أنه أول المنقادين إلى الخير. ولا فرق بين الرجل والمرأة في هذا الدعاء وكل ما ورد من الأذكار والأدعية (قوله أنت الملك الخ) أى المتصرف في جميع المخلوقات بدون معارض وأنت مربينى على موائد كرمك وهو تخصيص بعد تعميم (قوله ظلمت نفسى) اعتراف بالتقصير وبما يوجب نقص حظ النفس من ملابسة المعاصى. أما بالنسبة لنا فظاهر. وأما بالنسبة للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فهو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين أو قال ذلك تواضعا أو تعلما للأمة. وقدمه على سؤال المغفرة تأدبا كما. وقع لآدم وحواء في قوله تعالى "ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا. الآية" (قوله إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت الخ) وفي نسخة لا يغفر الذنوب إلا أنت وهو بمنزلة التعليل لطلب المغفرة فكأنه قال اغفر لى ذنوبى لأن مغفرة الذنوب بيدك لا يتولاها غيرك ولا يقدر عليها أحد إلا أنت وأرشدني لأكمل الأخلاق ووفقنى للتحلى بها. والأخلاق جمع خلق وهي السجية والطبيعة (قوله لبيك وسعديك) أى أجيبك إجابة بعد إجابة وأسعد بإقامتي على طاعتك وإجابتي لدعوتك سعادة بعد سعادة فهما مصدران مفعولان لفعل محذوف وأريد بالتثنية التكرير من غير نهاية. ولبيك من ألبى بالمكان إذا أقام به (قوله والخير كله في يديك) أى أن جميع الخير حسيا كان أو معنويا في تصرّفك لأن الكل عندك كالشئ المقبوض عليه يجرى بقضائك لا يدرك من غيرك (ولفظ اليدين) في الحديث من المتشابه وللسلف والخلف فيه مذهبان مشهوران. فالسلف وهم من قبل الخسمائة يقولون فيه وفي أمثاله نؤمن بكل ما ورد من ذلك ولا يعلم المراد منه إلا الله عز وجل مع اعتقادنا أن الله سبحانه وتعالى منزّه عن صفات المخلوقين (والخلف) وهم من بعد الخمسمائة يؤولون الآيات والأحاديث المتشابهة تأويلات عربية صحيحة مع اعتقاد كمال التنزيه لله عز وجل عن صفات الحوادث فيقولون المراد باليدين القدرة أو القوّة. ومذهب السلف أسلم وأعلم. وهو مذهبنا (قوله والشرّ ليس إليك) أى لا يتقرّب به إليك أو لا يضاف إليك تأدبا بل إلى من فعله وهو كقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه وعلى آله الصلاة والسلام "وإذا مرضت فهو يشفين" حيث أضاف المرض لنفسه والشفاء لربه. ويؤيده قوله تعالى "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك" وقيل معناه الشر لا يصعد إليك وإنما يصعد إليك الكلم الطيب والعمل الصالح (قوله أنا بك وإليك) أى أستعين بك وألتجئ إليك. أو بك وجدت وإليك ينتهى أمرى فأنت المبدأ

والمنتهى وبك أحيا وأموت وإليك المصير (قوله تباركت وتعاليت) أى تكاثر خيرك وتزايد برّك وتنزّهت عن النقائص واتصفت بالكمالات (قوله أستغفرك وأتوب إليك) أى أطلب منك المغفرة لما مضى وأرجع عن فعل الذنب فيما بقى متوجها إليك بالتوفيق والثبات إلى الممات (قوله خشع لك سمعى الخ) أى خضع لك فلا يسمع إلا ما أذنت في سماعه وخضع بصرى فلا يبصر إلا ما أذنت في إبصاره. وخص السمع والبصر بالذكر من بين الحواسّ لأن أكثر الآفات بهما فإذا خشعا قلت الوساوس ولأن تحصيل العلم النقلى والعقلى بهما (قوله ومخى وعظامى وعصبى) المراد خضع لك جسمى باطنا كما خضع لك ظاهرا وكني بهذه الثلاثة عن الجسم لأن مدار قوامه عليها. والغرض من هذا كله المبالغة في الانقياد والخضوع لله تعالى (قوله قال سمع الله لمن حمده) أى قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حال الرفع سمع الله لمن حمده يعني قبل الله حمد من حمده وجازاه عليه (قوله ربنا ولك الحمد) الواو عاطفة على محذوف أى قال بعد أن استقل قائما ربنا أطعناك وحمدناك ولك الحمد. وقيل زائدة كما نقل الأصمعى (قوله ملء السماوات) بالنصب على الأشهر صفة لمصدر محذوف تقديره أحمدك حمدا ملء السماوات. ويحتمل أن تكون حالا أى أحمد حمدا حال كونه مالئا تلك الأجرام. ويجوز رفعه على أنه صفة لحمد. والمعنى أحمدك حمدا لو جسم لملأ هذه الأجرام المذكورة. وهذا تمثيل وتقريب لأن الكلام لا يقدّر بالمكاييل وإنما المراد منه تكثير العدد حتى لو قدّر أن تكون تلك الكلمات أجساما تملأ الأماكن لبلغت من كثرتها ما يملأ السماوات والأرض (قوله وملء ما شئت من شيء بعد) أى بعد السماوات والأرضين كالكرسى والعرش وما فوقه وما تحت الأرضين مما لا يعلمه إلا الله ولا يحيط به سواه. وفيه إشارة إلى الاعتراف بالعجز عن أداء حق الحمد بعد استفراغ المجهود فيه وأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حمده ملء السماوات والأرض وملء ما بينهما ثم ارتفع فأحال الأمر فيه على المشيئة وليس وراء ذلك للحمد منتهى (قوله وشقّ سمعه) أى طريق سمعه إذ السمع ليس في الأذنين بل في مقعد الصماخ (قوله أحسن الخالقين) أى أحسن المصورين والموجدين فإنه الخالق الحقيقي المنفرد بالإيجاد والإعدام (قوله وإذا سلم الخ) أى إذا أراد أن يسلم كما تدل عليه رواية مسلم وفيها ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم اللهم اغفر لى ما قدّمت أى ما وقع منى من الذنوب وما سيقع وما أخفيته وما جهرت به منها وما ضيعت من الأوقات في غير طاعتك وما أنت أعلم به منى من الذنوب التي نسيتها وأغفلتها. وفي هذا كله المبالغة في طلب الغفران. وسأل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك تعليما للأمة وإلا فهو معصوم من الذنوب كلها قبل البعثة وبعدها (قوله أنت المقدم الخ) أى من تشاء إلى رحمتك بتوفيقه إلى

مذاهب الفقهاء في دعاء الاستفتاح

طاعتك والمؤخر من تشاء عن رحمتك بعدم توفيقه لطاعتك كما اقتضته حكمتك (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن دعاء الافتتاح يكون عقب تكبيرة الإحرام. خلافا للهادى والقاسم وأبى العباس وأبى طالب القائلين بأنه قبل الإحرام محتجين بقوله تعالى وكبره تكبيرا بعد قوله الحمد لله الذى لم يتخذ ولدا (قالوا) المراد بقوله وكبره تكبيرا تكبيرة الإحرام لكن استدلالهم بالآية مردود لأن المراد بقوله وكبره تكبيرا مطلق التعظيم كما عليه جمهور المفسرين لا خصوص تكبيرة الإحرام. ولأن الواو لا تقتضى ترتيبا. ودلّ الحديث أيضا على مشروعية دعاء الافتتاح (وبه قال) جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم (وذهبت) المالكية إلى كراهته واحتج لهم بحديث المسيء صلاته فإنه ليس فيه استفتاح. وبحديث أبي هريرة الآتي للمصنف كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبو بكر وعمر يستفتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين (وأجيب) عن حديث المسئ صلاته بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علمه الفرائض من الصلاة. ودعاء الافتتاح ليس منها فلا يصح الاستدلال به (وعن) حديث أبى هريرة بأن المراد أنهم كانوا يقرءون الفاتحة قبل السورة وليس المراد أنهم كانوا لا يأتون بالدعاء. على أنه لو صرح أبو هريرة بنفى الدعاء لكانت الأحاديث الصحيحة الدالة على إثباتها مقدمة لأنها زيادة من ثقات فتقبل. ولأنها مثبتة والمثبت مقدم على النافي (وروي) عن مالك استحباب دعاء الافتتاح كما قال الزرقاني في شرحه على مختصر خليل وروى عن مالك استحباب قول المصلى قبل القراءة وبعد تكبيرة الإحرام سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك "وجهت وجهى. الآية" اللهم باعد بيني وبين خطاياى كما باعدت بين المشرق والمغرب ونقنى من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس واغسلنى من خطاياى بالماء والثلج والبرد اهـ ببعض تصرّف. ودلّ الحديث أيضا على مشروعية الاعتدال في الصلاة والطمأنية فيه، وعلى أن المصلى له أن يجمع بين قوله سمع الله لمن حمده وقوله ربنا ولك الحمد وسيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشافعى وأحمد ومسلم والنسائى والدارقطني مطوّلا وأخرجه ابن ماجه مختصرا (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَيَصْنَعُ مِثْلَ ذَلِكَ إِذَا قَضَى قِرَاءَتَهُ وأَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَيَصْنَعُهُ إِذَا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَإِذَا قَامَ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ وَكَبَّرَ وَدَعَا، نَحْوَ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الدُّعَاءِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ الشَّيْءَ وَلَمْ يَذْكُرْ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ "، وَزَادَ فِيهِ، وَيَقُولُ: عِنْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلَاةِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ أَنْتَ إِلَهِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ». (ش) (قوله وإذا قام من السجدتين) يعنى الركعتين (قوله ودعا) يعني بعد تكبيرة الإحرام (قوله نحو حديث عبد العزيز الخ) أى روى عبد الله بن الفضل في حديثه دعاء نحوا الدعاء الذى رواه عبد العزيز بن أبى سلمة. في الحديث السابق حال كون عبد الله بن الفضل يزيد في دعاء الافتتاح شيئا عما رواه عبد العزيز وينقص شيئا (قوله ولم يذكر والخير كله في يديك الخ). لعل هذا بيان للزيادة والنقص المذكورين فيكون فيه التفصيل بعد الإجمال (قوله وزاد فيه ويقول الخ) أى زاد عبد الله بن الفضل في روايته ويقول رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند إرادة السلام اللهم اغفر لى ما قدمت الخ وظاهره أن هذا كله زائد في رواية عبد الله بن الفضل لكن الزائد فيه قوله أنت إلهى فقط (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطنى (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، نَا شُرَيْحُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِي شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: قَالَ لِي: مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، وَابْنُ أَبِي فَرْوَةَ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَإِذَا قُلْتَ أَنْتَ ذَاكَ، فَقُلْ: «وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ»، يَعْنِي قَوْلَهُ: «وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ» (ش) (رجال الأثر) (ابن أبي فروة) هو إسحاق بن عبد الله بن أبى فروة عبد الرحمن الأموى مولى آل عثمان. روى عن أبي الزناد وعمرو بن شعيب والزهرى ونافع ومكحول وهشام بن عروة وغيرهم. وعنه الليث بن سعد وابن لهيعة والوليد بن مسلم وإسماعيل بن عياش وطائفة. قال ابن سعد كان كثير الحديث يروى أحاديث منكرة ولا يحتجون بحديثه وقال أبو زرعة وأبو حاتم والنسائى والدارقطني

متروك الحديث وقال ابن عدى لا يتابع على أسانيده ولا على متونه وهو بين الأمر في الضعفاء وضعفه غير واحد. مات سنة ست وثلاثين ومائة. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه (معنى الأثر) (قوله فإذا قلت أنت ذاك الخ) أى قال من ذكروا لشعيب إذا دعوت بدعاء الاستفتاح فقل وأنا من المسلمين ولا تقل وأنا أول المسلمين لكن تقدم أنه يجوز لغير النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يقولها ويقصد بها التلاوة. أو أن المراد أنا أول المنقادين إلى الخير (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطني عن شريح عن شعيب بن أبى حمزة ومحمد ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا استفتح الصلاة قال إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين اللهم اهدني لأحسن الأخلاق وأحسن الأعمال لا يهدى لأحسنها إلا أنت وقني سيئ الأخلاق والأعمال لا يقى سيئها إلا أنت قال شعيب قال لى محمد بن المنكدر وغيره من فقهاء أهل المدينة إن قلت أنت هذا القول فقل وأنا من المسلمين (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَثَابِتٍ، وَحُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى الصَّلَاةِ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ صَلَاتَهُ، قَالَ: «أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا» فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُ وَقَدْ حَفَزَنِيَ النَّفَسُ فَقُلْتُهَا، فَقَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا» وَزَادَ حُمَيْدٌ فِيهِ: «وَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمْشِ نَحْوَ مَا كَانَ يَمْشِي فَلْيُصَلِّ مَا أَدْرَكَهُ وَلْيَقْضِ مَا سَبَقَهُ» (ش) (حماد) بن سلمة تقدم في الجرء الأول صفحة 26. و (قتادة) فيه صفحة 34 و (ثابت) البناني. في الجزء الثاني صفحة 245. و (حميد) الطويل. فيه صفحة 172 (قوله أن رجلا الخ) لم يعرف اسمه. وفي رواية مسلم أن رجلا جاء فدخل في الصف وقد حفزه النفس أى جهده من شدة السعى إلى الصلاة (قوله طيبا الخ) أى خالصا لوجهه تعالى مباركا فيه يعنى كثيرا غاية الكثرة وقيل مباركا بدوام ذاته وكمال غاياته. وهذا الدعاء وإن أتى به الرجل شكرا لله تعالى لإدراك فضل الجماعة فقد أقره صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله فإنه لم يقل بأسا. أى لم يقل قولا يؤاخذ عليه. وفي رواية مسلم والنسائى قال صلى الله

تعالى عليه وعلى آله وسلم أيكم المتكلم بالكلمات فأرمّ القوم فقال أيكم المتكلم بالكلمات فأرمّ القوم فقال أيكم المتكلم بها فإنه لم يقل بأسا "وقوله فأرم القوم أى أمسكوا عن الكلام وسكتوا" (قوله فقلتها) أى الكلمات المذكورة ثناء وشكرا لله تعالى حيث أدركت الجماعة (قوله يبتدرونها) أي يستبقونها أيهم يكتبها ويرفعها إلى محلّ العرض والقبول لعظم قدرها وكثرة ثوابها (ووجه) تخصيص العدد من الملائكة بالمقدار المذكور مفوّض إلى علم الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وقال العينى) قد وقع في تعيين العدد اثني عشر أن كلمات الحمد لله حمدا كثيرا الخ ست فبعث الله تعالى لكل كلمة منها ملكين تعظيما لشأنها وتكثيرا لثواب قائلها اهـ (قوله وزاد حميد فيه إذا جاء الخ) أى زاد حميد في الحديث وإذا جاء أحدكم إلى الصلاة فليمش كمشيه المعتاد. ويؤخذ منه أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يقرّه على الإسراع في الإتيان إلى الصلاة. وتقدم بيانه (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز افتتاح الصلاة بهذه الكلمات لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقرّها، وعلى مزيد فضلها (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى وأخرجه مسلم عى ابن عمر بلفظ بينما نحن نصلى مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذ قال رجل من القوم الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من القائل كلمة كذا وكذا قال رجل من القوم أنا يا رسول الله قال عجبت لها فتحت لها أبواب السماء قال ابن عمر فما تركتهن منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْعَنَزِيِّ، عَنِ ابْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يُصَلِّي صَلَاةً -قَالَ عَمْرٌو: لَا أَدْرِي أَيَّ صَلَاةٍ هِيَ- فَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، ثلاثا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ثَلَاثًا، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ مِنْ نَفْخِهِ وَنَفْثِهِ وَهَمْزِهِ»، قَالَ: نَفْثُهُ الشِّعْرُ، وَنَفْخُهُ الْكِبْرُ، وَهَمْزُهُ الْمُوتَةُ. (ش) (قوله الله أكبر الخ) أى أعظم من أن تعرف عظمته وكبيرا منصوب

بفعل محذوف أى أكبر كبيرا. أو على أنه صفة لمحذوف أى تكبيرا كثيرا أو حال مؤكدة للجملة والتكرير للتأكيد (قوله والحمد لله كثيرا الخ) أى حمدا كثيرا وفى رواية ابن ماجه الحمد لله كثيرا الحمد لله كثيرا ثلاثا. والتكرير فيه للمبالغة في الثناء على الله عز وجل (قوله وسبحان الله بكرة، أصيلا) أى أول النهار وآخره. وخصّ هذين الوقتين بالذكر لاجتماع ملائكة الليل والنهار فيهما أو لتنزيه الله تعالى عن التغير في أوقات تغير الكون (وقال) الطيبي الأظهر أنه يراد بهما الدوام كما في قوله تعالى "ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا" (قوله ثلاثا) راجع للأخير وهي من كلام الراوى أى قال الراوى قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبحان الله بكرة وأصيلا ثلاث مرّات. ويحتمل أن يكون راجعا إلى الكلمات الثلاث فيكون بالنسبة للجملة الأخيرة تأسيسا وللأولين تأكيدا (قوله أعوذ بالله من الشيطان الخ) أى أتحصن بالله من شرّ الشيطان. وقوله من نفخه الخ بدل اشتمال من الشيطان (قوله قال) أى عمرو بن مرّة كما صرّح به في بعض النسخ ورواية ابن ماجه (قوله نفثه الشعر) النفث قذف النفس مع شيء من الريق وهو شبيه بالنفخ وأقل من التفل. وكان الشعر من نفث الشيطان لأنه كالشئ ينفثه الإنسان من فيه وذلك لأن الشيطان يحمل الشعراء على المدح والذم والتعظيم والتحقير في غير موضعها (وقال العينى) إن كان هذا التفسير من متن الحديث فلا معدل عنه وإن كان من قول بعض الرواة فلعله يراد منه السحر فإنه أشبه لما شهد له التنزيل قال تعالى "ومن شرّ النفاثات في العقد" (قوله ونفخه الكبر) وكان الكبر من نفخ الشيطان لأنه ينفخ في الشخص بالوسوسة فيعتقد عظم نفسه وحقارة غيره (قوله وهمزه الموتة) بضم الميم وسكون الواو بدون همز وفتح المثناة الفوقية نوع من الجنون والصرع يعترى الإنسان فإذا أفاق عاد إليه عقله. وأصل الهمز النخس والغمز والغيبة والوقيعة في الناس وذكر عيوبهم. وسمى به الجنون لأنه سببه فهو من إطلاق اسم المسبب على السبب (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه وأحمد وابن حبان في صحيحه وأخرجه مختصرا عن ابن مسعود قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل في الصلاة يقول اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم وهمزه ونفخه ونفثه قال فهمزه الموتة ونفثه الشعر ونفخه الكبرياء (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: فِي التَّطَوُّعِ، ذَكَرَ نَحْوَهُ

(ش) (يحيى) القطان. تقدم في الجزء الأول صفحة 348. و (مسعر) بن كدام فيه صفحة 602 (قوله عن رجل) لعله عاصم العنزى (قوله ذكر نحوه) أى ذكر مسعر في روايته عن عمرو بن مرّة نحو ما ذكر شعبة بن الحجاج عنه وقد صرح في هذه الرواية بأن الصلاة التي قال فيها هذه الكلمات صلاة التطوّع بخلاف الرواية المتقدمة "ولا منافاة" بينهما لاحتمال أن يكون عمرو بن مرّة لما حدّث شعبة كان غير متذكر لها وتذكرها لما حدّث مسعرا (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، نَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، أَخْبَرَنِي أَزْهَرُ بْنُ سَعِيدٍ الْحَرَازِيُّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَفْتَتِحُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قِيَامَ اللَّيْلِ فَقَالَتْ: لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ كَانَ إِذَا قَامَ كَبَّرَ عَشْرًا، وَحَمِدَ اللَّهَ عَشْرًا، وَسَبَّحَ عَشْرًا، وَهَلَّلَ عَشْرًا، وَاسْتَغْفَرَ عَشْرًا، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي وَعَافِنِي» وَيَتَعَوَّذُ مِنْ ضِيقِ الْمَقَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. (ش) (رجال الحديث) (أزهر بن سعيد) ويقال ابن عبد الله. روى عن عبد الرحمن ابن السائب وأبي أمامة. وعنه محمد بن الوليد ومعاوية بن صالح. وثقه العجلى وقال ابن سعد كان قليل الحديث وقال في التقريب صدوق من الخامسة. توفي سنة ثمان أو تسع وعشرين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى والبخارى في الأدب. و (الحرازى) بفتح الحاء المهملة وتخفيف الراء نسبة إلى حراز بوزن سحاب بطن من ذى كلاع ابن حمير. وقيل مخلاف باليمن قرب زبيد سمى باسم بطن من حمير (معنى الحديث) (قوله بأيّ شيء كان يفتتح رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قيام الليل الخ) أى صلاة الليل كما في الرواية بعد. ففيه إطلاق العام وهو قيام الليل وإرادة الخاصّ الذى هو الصلاة. وقولها لقد سألتني عن شئ ما سألني عنه أحد قبلك معترض بين السؤال والجواب والغرض منه تحسين السؤال وتنشيط السائل والثناء عليه (قوله إذا قام كبر عشرا الخ) أى إذا قام إلى الصلاة وكبر تكبيرة الإحرام قال الله أكبر عشرا والحمد لله عشرا وسبحان الله عشرا ولا إله إلا الله عشرا وأستغفر الله عشرا (قوله وعافني) أى من البلاء الحسيّ والمعنوى في الدنيا والآخرة (قوله ويتعوّذ من ضيق المقام الخ) أى يتحصن بالله تعالى من ضيق المقام يوم

القيامة. وفي رواية النسائى أعوذ بالله من ضيق المقام. والمراد به أهوال القيامة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وابن ماجه (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ، عَنْ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ (ش) غرض المصنف بهذا تقوية الحديث المذكور. و (ربيعة) هو ابن عمرو ويقال ابن الحارث مختلف في صحبته قال أبو حاتم ليس له صحبة وذكره أبو زرعة في التابعين وقال البخارى في تاريخه له صحبة وعدّه في الصحابة ابن منده وأبو نعيم والبغوى والبارودى وقد سمع من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحاديث. وروى عن أبى هريرة وعائشة ومعاوية. وعنه على بن رباح ويحيى ابن ميمون وآخرون. قال ابن سعد قتل سنة أربع وستين. و (الجرشى) نسبة إلى جرش بضم الجيم وفتح الراء من مخاليف اليمن من جهة مكة. وقيل مدينة عظيمة وولاية واسعة باليمن (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، نَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، نَا عِكْرِمَةُ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ أَنْتَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ». (ش) (رجال الحديث) (ابن المثني) هو محمد. و (عمر بن يونس) بن القاسم أبو حفص اليمامي الحنفي. روى عن أبيه وأيوب بن عتبة وعكرمة بن عمار وجهضم بن عبد الله وآخرين وعنه عمرو. الناقد وأبو خيثمة والعباس العنبرى وإسحاق بن وهب ومحمود بن غيلان وكثيرون وثقه أحمد وابن معين والنسائى وأبو بكر البزّار وقال ابن المديني كان ثقة ثبتا. مات سنة ست ومائتين. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله كان إذا قام من الليل يفتتح صلاته اللهم رب جبريل الخ) أى يقول في افتتاح الصلاة بعد تكبيرة الإحرام اللهم رب جبريل الخ (وفيه) دلالة على مشروعية افتتاح صلاة الليل بهذه الكلمات. ودعاؤه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بهذا

ونحوه تواضعا وإشفاقا وليقتدى به في أصل الدعاء والخضوع وحسن التضرع "ولا منافاة" بين هذه الرواية والتي قبلها "لأنه" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقول ما في هذه الرواية تارة وما في الروايات المتقدمة تارة أخرى. وخص هؤلاء الثلاثة من الملائكة بالذكر تشريفا لهم وتعظيما إذ بهم تنتظم أمور العباد لأن جبريل كان موكلا بالوحى وإنزال الكتب السماوية على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وتعليم الشرائع وأحكام الدين. وميكاءيل موكل بجميع القطر والنبات وأرزاق بني آدم وغيرهم. وإسرافيل موكل باللوح المحفوظ وهو الذى ينفخ في الصور (قوله عالم الغيب والشهادة) أى ما غاب عن العباد وما شاهدوه وظهر لهم (قوله فيما كانوا فيه يختلفون) في الدنيا من أمر دينهم فتعذّب العاصي إن شئت وتثيب الطائعين (قوله اهدني لما اختلف فيه من الحق) أى دلني على الحق الذى اختلفوا فيه ولم يقبلوه. وقوله من الحق بيان لما (قوله بإذنك الخ) أى بارادتك وتوفيقك إنك أنت تهدى من تشاء. وفي نسخة أنت تهدى أى من تشاء هدايته. وأشار به إلى أن الهداية والإضلال ليسا من فعل الإنسان بل بخلق الله تعالى "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا" (قوله إلى صراط مستقيم) أى طريق الحق وهو الدين الإسلامى وسمي صراطا لأنه موصل للمقصود كما أن الطريق الحسى كذلك (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، نَا أَبُو نُوحٍ قُرَادٌ، نَا عِكْرِمَةُ، بِإِسْنَادِهِ بالإخْبَارٍ وَمَعْنَاهُ قَالَ: «كَانَ إِذَا قَامَ كَبَّرَ وَيَقُولُ». (ش) (أبو نوح قراد) بضم ففتح هو عبد الرحمن بن غزوان الخزاعي المعروف بقراد. روى عن جرير بن حازم وشعبة وعكرمة بن عمار ومالك والليث بن سعد. وعنه ابناه محمد وغزوان وأحمد وعباس الدورى والفضل بن سهل. وثقه ابن المديني والدارقطني ويعقوب بن شيبة وابن نمير وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان يخطئ وقال أبو حاتم صدوق وقال في التقريب ثقة له أفراد من الخامسة. توفي سنة سبع وثمانين ومائة. روى له البخارى والنسائى والترمذي وأبو داود (قوله بالإخبار) أى بلفظ أخبرنا لا بلفظ حدثنا. وفي نسخة بلا إخبار ولعل معناه بلا سماع منه فيكون أبو نوح رواه عن عكرمة كتابة (قوله كبر ويقول) أى كبر تكبيرة الإحرام وقال اللهم رب جبريل وميكائيل الخ (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، قال قال مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِهِ وَأَوْسَطِهِ وَفِي

آخِرِهِ فِي الْفَرِيضَةِ وَغَيْرِهَا. (ش) أفاد به أن مالكا يقول بدعاء الافتتاح وهو موافق لما نقله الزرقاني عن مالك كما تقدم ويقويه الأحاديث الكثيرة الصحيحة الواردة بدعاء الافتتاح. وبذلك تعلم ردّ ما قيل من كراهة دعاء الافتتاح عند المالكية (قوله في أوله الخ) أى الصلاة. وذكر الضمير العائد على الصلاة باعتبار أنها ذكر (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ، قَالَ: كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ»، قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ: «مَنِ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا آنِفًا»، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ» (ش) (رجال الحديث) (نعيم بن عبد الله المجمر) بضم الميم الأولى وكسر الثانية وسكون الجيم بينهما مولى آل عمر بن الخطاب. روى عن أنس وابن عمر وجابر ومحمد ابن عبد الله بن زيد الأنصارى وجماعة. وعنه ابنه محمد والعلاء بن عبد الرحمن وسعيد بن هلال ومالك وابن عجلان وكثيرون. وثقه ابن سعد وأبو حاتم وقال في التقريب ثقة من الثانية. روى له الجماعة. ووصف بالمجمر لأنه كان يجمر مسجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أى يبخره. و (على بن يحيى) بن خلاد بن رافع بن مالك بن عجلان الأنصارى روى عن أبيه ورفاعة بن رافع وأبي السائب. وعنه ابنه يحيى ونعيم المجمر وداود بن قيس وآخرون. وثقه ابن معين والنسائي والدارقطنى. توفي سنة تسع وعشرين ومائة. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه (قوله عن أبيه) هو يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك بن عجلان

ابن عمرو بن عامر بن زريق (الزرقى) الأنصارى قيل إنه ولد في حياة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. روى عن عمر بن الخطاب ورفاعة بن رافع. وعنه ابنه على وابن ابنه. قال في التقريب من ثقات التابعين. روى له البخارى وأبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى و (رفاعة بن رافع) بن مالك بن عجلان بن عمرو بن عامر بن زريق الزرقي أبي معاذ. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبى بكر وعبادة بن الصامت. وعنه ابنه عبيد ومعاذ وغيرهما. شهد بدرا وشهد مع على الجمل وصفين. توفي سنة إحدى أو اثنتين وأربعين. روى له البخارى والنسائى وابن ماجه والترمذى (معنى الحديث) (قوله كنا يوما فصلى) أى صلاة المغرب كما أفاده الحافظ في الفتح (قوله فلما رفع رأسه الخ) أى لما شرع في رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن حمده (قوله قال رجل) لم يعرف اسمه (قوله من المتكلم بها الخ) أى من المتكلم بهذه الكلمات المذكورة والبضع بكسر الموحدة وقد تفتح في العدد ما بين الثلاث إلى التسعة يستوى فيه المذكر والمؤنث فيقال بضع رجال وبضع نسوة. ويستعمل أيضا من ثلاثة عشر إلى تسعة عشر بإثبات التاء مع المذكر وحذفها مع المؤنث فيقال بضعة عشر رجلا وبضع عشرة امرأة. ولا يستعمل فيما زاد على العشرين. وأجازه بعض المشايخ فيقول بضعة وعشرون رجلا وبضع وعشرون امرأة اهـ مصباح والظاهر أن هؤلاء الملائكة غير الحفظة كما يؤيده ما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر (ولعلّ الحكمة) في تخصيص هذا العدد من الملائكة أن حروف هذه الكلمات أربع وثلاثون فأنزل الله تعالى ملائكة بعددها (قوله أيهم يكتبها أول) وفي رواية الطبراني من حديث أبي أيوب أيهم يرفعها أول "ولا تنافي" بينهما لأنهم يكتبونها أوَّلا ثم يرفعونها. وأول مبني على الضم لحذف المضاف إليه ونية معناه ويجوز نصبه على الحال (والحكمة) في سؤاله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هي أن يتعلم السامعون كلامه فيقولوا مثله (قوله آنفا) بمد الهمزة وقد تقصر أى قريبا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومالك في الموطأ وأخرج الطبراني نحوه (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيَّامُ

السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ أَنْتَ الْحَقُّ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَأَخَّرْتُ وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ». (ش) (أبو الزبير) هو محمد بن مسلم تقدم في الجزء الأول صفحة 24. و (طاوس) بن كيسان فيه صفحة 79 (قوله من جوف الليل الخ) وفي رواية البخارى عن ابن عباس أيضا قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال اللهم لك الحمد الخ وظاهره أنه كان يقوله أول ما يقوم إلى الصلاة قبل أن يحرم. لكن الرواية الآتية فيها التصريح بأنه كان يقول ذلك بعد الإحرام، وترجم ابن خزيمة لهذا الحديث فقال الدليل على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقول هذا بعد أن يكبر وساق الحديث وفيه كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا قام للتهجد قال بعد ما يكبر اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض أى منوّرهما وخالق النور الحسيّ والمعنويّ فيهما، أما في السماوات فبالشمس والقمر والنجوم والعرش والملائكة وفي الأرض بالمصابيح والسرج والأنبياء والعلماء والصالحين فبنورك يهتدى أهل السماوات والأرض وبه يبصر ذو العماية ويرشد ذو الغواية. وأصل النور كيفية تدركها الباصرة أوّلا وتدرك بواسطتها سائر المبصرات كالكيفية الفائضة من الشمس والقمر على الأجرام الكثيفة المحاذية لها. وهو بهذا المعنى يستحيل إطلاقه على الله تعالى فهو بالمعنى المراد هنا من صفات الأفعال (قوله أنت قيام السماوات والأرض) أى القائم بأمرهما وتدبير شؤونهما دون سواك. وفي نسخة ورواية البخارى أنت قيم السماوات والأرض (قوله أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن الخ) عبر بمن تغليبا للعقلاء على غيرهم فهو رب كل شئ وميكة ومصلحه. وكرّر الحمد للاهتمام بشأنه وليناط به كل مرّة معنى آخر. وقدم الجار والمجرور لإفادة التخصيص أى لا يستحق الحمد إلا أنت أنت الحق أى المتحقق وجوده الثابت بلا شك (قال) القرطبي هذا الوصف له سبحانه وتعالى بالحقيقة خاص به لا ينبغى لغيره إذ وجوده لنفسه فلم يسبقه عدم ولا يلحقه عدم بخلاف غيره اهـ (وقال) ابن التين يحتمل أن يكون معناه أنت الحق بالنسبة إلى من يدعي فيه أنه إله أو بمعنى أن من سماك إلها فقد قال الحق (قوله وقولك الحق الخ) أى الثابت الصادق ووعدك الحق الذى لا شك فيه وهو

ما دل عليه حديث ابن عباس من استحباب تقديم الثناء على الله تعالى على الدعاء وغير ذلك من الفوائد

من ذكر الخاص بعد العام ونكتته الاهتمام بالوعد (قوله ولقاؤك حق) أى واقع وكائن لا محالة والمراد باللقاء البعث بعد الموت للحساب والجزاء على الأعمال، وقيل المراد به رؤية الله تعالى في الآخرة حيث لا مانع (قوله والجنة حق والنار حق الخ) أى وجودهما حق وكذا القيامة ثابتة. وأصل الساعة الجزء من الزمن. وعرّف الحق في الثلاثة الأول للحصر لأن الله تعالى هو الحق الثابت وما سواه في معرض الزوال. ونكر البواقي للعظيم. والغرض من كون المذكورات حقا أنها ثابتة يجب الإيمان بها. وفي رواية البخارى قبل هذه الجملة والنبيون حق ومحمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حق (قوله وإليك أنبت الخ) أى رجعت إليك في تدبير أمرى دون غيرك وبما علمتني وأعطيتنى من الحجج والبراهين خاصمت من عاداك ولم يطع أمرك وجعلت محاكمتي مع كل من جحد الحق إلى كتابك وسنة نبيك صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا إلى غير ذلك مما تحاكم إليه الجاهلية (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية دعاء الافتتاح في الصلاة بهذه الكلمات. وعلى مزيد معرفة النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بعظمة ربه وعظيم قدرته ومواظبته على الذكر والدعاء والثناء على ربه والاعتراف له تعالى بحقوقه والإقرار بصدق وعده ووعيده، وعلى استحباب تقديم الثناء على الله تعالى عند كل مطلوب منه عز وجل اقتداء به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه ومالك في الموطأ (ص) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، نَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ، نَا عِمْرَانُ بْنُ مُسْلِمٍ، أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ حَدَّثَهُ، قَالَ: نَا طَاوُسٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ فِي التَّهَجُّدِ يَقُولُ بَعْدَ مَا يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ ذَكَرَ مَعْنَاهُ (ش) غرض المصنف بهذا بيان أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقول هذا الدعاء داخل الصلاة بعد تكبيرة الإحرام (رجال الحديث) (عمران بن مسلم) المنقرى أبو بكر البصرى. روى عن محمد بن سيرين وعطاء بن أبى رباح وإبراهيم التيمى وعبد الله بن دينار وقيس بن سعد وآخرين. وعنه يحيى القطان ووكيع وبشر بن المفضل وخالد بن الحارث وجماعة. قال يحيى بن سعيد منكر الحديث وقال أبو حاتم منكر الحديث وهو شبه المجهول وقال في التقريب صدوق من السادسة

استحباب الحمد لمن عطس وهو في الصلاة

و (قيس بن سعد) أبا عبد الملك الحبشى المكي مولى نافع بن علقمة. روى عن مكحول وسعيد بن جبير وعمرو بن دينار ومجاهد وطاوس. وعنه الحمادان وجرير بن حازم وهشام بن حسان ويزيد بن إبراهيم التسترى وآخرون. وثقه أحمد وأبو زرعة ويعقوب بن شيبة وأبو داود والعجلى. توفي ست سبع عشرة ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه والبخارى في التاريخ (معنى الحديث) (قوله كان في التهجد الخ) أى كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في صلاة الليل يقول هذا الدعاء فالمراد بالتهجد صلاة الليل. يقال هجد وتهجد إذا نام وإذا سهر فهو من الأضداد ومن الأخير قيل صلاة الليل للتهجد. وفرق بعضهم بين هجد وتهجد فقال هجد نام وتهجد سهر فيكون أصل الهجود النوم والتهجد طرحه (قوله ثم ذكر معناه) أى ذكر قيس ابن سعد معنى حديث أبى الزبير المتقدم (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ -نَحْوَهُ- قَالَ قُتَيْبَةُ: نَا رِفَاعَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَمِّ أَبِيهِ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فَعَطَسَ رِفَاعَةُ -لَمْ يَقُلْ قُتَيْبَةُ: رِفَاعَةُ- فَقُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ مُبَارَكًا عَلَيْهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ انْصَرَفَ، فَقَالَ: «مَنِ الْمُتَكَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ» ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيث مَالِكٍ وَأَتَمَّ مِنْهُ (ش) (رجال الحديث) (قوله وسعيد بن عبد الجبار نحوه) أى وحدثنا سعيد بن عبد الجبار نحو ما حدثنا به قتيبة. و (رفاعة بن يحيى الخ) الزرقى. روى عن معاذ بن رفاعة. وعنه عبد العزيز بن أبى ثابت وسعيد بن عبد الجبار وقتيبة بن سعيد. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق من الثامنة. روى له النسائى والترمذى وأبو داود. و (معاذ بن رفاعة الخ) ابن مالك بن عجلان بن عمرو بن عامر بن زريق الزرقي الأنصارى. روى عن أبيه وجابر بن عبد الله وخولة بنت قيس ومحمد بن عبد الرحمن. وعنه رفاعة بن يحيى وهشام بن هارون ومحمد بن إسحاق ويزيد بن الهاد ويحيى بن سعيد. ضعفه ابن معين وقال الأزدى لا يحتج بحديثه وقال في التقريب صدوق من الرابعة

(معنى الحديث) (قوله فعطس رفاعة الخ) يعني نفسه. وعطس من باب ضرب. وفي لغة من باب قتل. وهذا لفظ سعيد بن عبد الجبار. ولفظ قتيبة قال رفاعة صليت خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعطست. وقد أشار المصنف لهذا بقوله لم يقل قتيبة رفاعة (قوله مباركا عليه الخ) تأكيد لقوله مباركا فيه. والغرض منهما المبالغة في الثناء على الله تعالى وقيل قوله مباركا فيه المراد منه زيادة الحمد. وقوله مباركا عليه المراد منه البقاء. فكأنه قال الحمد لله حمدا كثيرا زائدا باقيا لا ينقطع. وقوله كما يحب ربنا ويرضى المراد منه أنه يحمد حمدا يقبله الله منه ويثيبه عليه ويرضى عنه بسببه ففيه من حسن التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد (قوله ثم ذكر نحو حديث مالك الخ) أى ذكر قتيبة في روايته عن رفاعة بن يحيى نحو حديث مالك الذى رواه عن نعيم بن عبد الله المجمر عن على بن يحيى الزرقي وأتم منه. وتمامه كما في النسائى فقال من المتكلم في الصلاة فلم يكلمه أحد ثم قال الثانية من المتكلم في الصلاة فقال رفاعة بن رافع بن عفراء أنا يا رسول الله قال كيف قلت قال قلت الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى فقال للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والذى نفسي بيده لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكا أيهم يصعد بها "ولا يقال" كيف أخر رفاعة إجابته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مع أن إجابته واجبة عليه بل وعلى كل من سمع رفاعة فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يسأل المتكلم وحده "لأنهم ظنوا" أن للسؤال استنكار منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلا يتطلب إجابة. أو أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما لم يعين واحدا بعينه لم تتعين المبادرة بالجواب من المتكلم ولا من غيره وكأن القوم انتظر بعضهم بعضا بالإجابة وحملهم على ذلك خشية أن يبدو في حقه شيء ظنا منهم أنه أخطأ فيما فعل ورجوا أن يقع العفو. وكأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما رأى سكوتهم فهم ذلك فعرّفهم أنه لم يقل بأسا. ويدل على ذلك ما في رواية سعيد بن عبد الجبار عن رفاعة بن يحيى عند ابن قانع قال رفاعة فوددت أني خرجت من مالى وأني لم أشهد مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تلك الصلاة. وما في رواية الطبراني من حديث أبي أيوب فقال من المتكلم فسكت ورأى أنه قد هجم من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على شيء كرهه فقال من هو فإنه لم يقل إلا صوابا فقال أنا يا رسول الله قلتها أرجو بها الخير (والحكمة) في سؤاله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عمن قال أن يتعلم السامعون ما قاله فيقولوا مثله كما تقدم (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن العاطس في الصلاة ينبغي له أن يحمد الله تعالى خلافا للقائلين بكراهته، وعلى أن المتلبس بالصلاة لا يطلب منه تشميت العاطس (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والترمذى وقال حديث حسن وكان هذا

الحديث عند بعض أهل العلم في التطوع لأن غير واحد من التابعين قالوا إذا عطس الرجل في الصلاة المكتوبة إنما يحمد الله في نفسه ولم يوسعوا بأكثر من ذلك اهـ وتخصيص الدعاء بالتطوّع غير مسلم فقد قال الحافظ في الفتح أفاد بشر بن عمر الزهراني في روايته عن رفاعة ابن يحيى أن تلك الصلاة كانت المغرب اهـ (ص) حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: عَطَسَ شَابٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، حَتَّى يَرْضَى رَبُّنَا، وَبَعْدَمَا يَرْضَى مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ: «مَنِ الْقَائِلُ الْكَلِمَةَ»، قَالَ: فَسَكَتَ الشَّابُّ، ثُمَّ قَالَ: «مَنِ الْقَائِلُ الْكَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا قُلْتُهَا لَمْ أُرِدْ بِهَا إِلَّا خَيْرًا، قَالَ: «مَا تَنَاهَتْ دُونَ عَرْشِ الرَّحْمَنِ جَلَّ ذِكْرُهُ» (ش) (رجال الحديث) (عاصم بن عبيد الله) بن عاصم بن عمر بن الخطاب المدنى العدوى. روى عن أبيه وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وجابر بن عبد الله وعبيد الله ابن أبى رافع وآخرين. وعنه مالك والسفيانان وشعبة وشريك بن عبد الله النخعى وجماعة. ضعفه ابن معين وقال ابن سعد كان كثير الحديث ولا يحتج به وقال يعقوب بن شيبة قد حمل الناس عنه وفي أحاديثه ضعف وله أحاديث مناكير وقال البخارى منكر الحديث وقال أبو حاتم منكر الحديث مضطرب الحديث ليس له حديث يعتمد عليه وقال ابن خزيمة لست أحتج به لسوء حفظه وقال ابن حبان سيئ الحفظ كثير الوهم فاحش الخطأ فترك من أجل كثرة خطئه وتكلم فيه غير واحد. روى له النسائى والترمذى وأبو داود وابن ماجه. و (عبد الله بن عامر بن ربيعة) العنزى أبى محمد المدني ولد في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. روى عن أبيه وعبد الرحمن بن عوف وعمر وعثمان وعائشة وجابر. وعنه الزهرى وعاصم بن عبيد الله ومحمد ابن زيد بن المهاجر وعبد الرحمن بن القاسم وغيرهم. قال الواقدى كان ثقة قليل الحديث وقال أبو زرعة ثقة أدرك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال العجلى ثقة من كبار التابعين

باب من رأى الاستفتاح بسبحانك

وقال ابن حبان والترمذى رأى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يرو عنه شيئا وإنما روايته عن الصحابة. توفي سنة بضع وثمانين. روى له الجماعة (قوله عن أبيه) عامر ابن ربيعة بن كعب بن مالك بن ربيعة بن عامر بن مالك العنزي أبي عبيد الله كان من المهاجرين الأولين هاجر الهجرتين وشهد بدرا والمشاهد كلها. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أبي بكر وعمر. وعنه ابن الزبير وابن عمر وغيرهم. وكان صاحب لواء عمر بن الخطاب لما قدم الجابية واستخلفه عثمان على المدينة لما حج. مات سنة اثنتين أو أربع وثلاثين (معنى الحديث) (قوله عطس شابّ) لعله رفاعة بن رافع كما في الحديث السابق (قوله حتى يرضى ربنا وبعد ما يرضى الخ) المراد أنه يثنى على الله ثناء لا ينقطع بمجرد الرضا بل له الحمد قبل الرضا وبعده على ما وصل فيه من النعم في الدنيا والآخرة. فمن في قوله من أمر الدنيا والآخرة تعليلية أو بمعنى على. والمراد بأمر الدنيا والآخرة النعم (قوله من القائل الكلمة) يعني بها الكلام الذى ذكره الشاب (قوله ما تناهت دون عرش الرحمن) أى ما تناهت في الصعود إلى شيء أقل من عرش الرحمن بل وصلت إليه والمراد أن الله قبلها قبولا كاملا. والحديث معلول لأن في إسناده عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف كما تقدم (باب من رأى الاستفتاح بسبحانك) وفي بعض النسخ باب ما جاء فيمن رأى الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُطَهَّرٍ، نَا جَعْفَرٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ الرِّفَاعِيِّ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ كَبَّرَ، ثُمَّ يَقُولُ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرَكَ»، ثُمَّ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ثَلَاثًا، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا» ثَلَاثًا، «أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ، وَنَفْثِهِ»، ثُمَّ يَقْرَأُ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ، يَقُولُونَ هُوَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا الْوَهْمُ مِنْ جَعْفَرٍ (ش) (رجال الحديث) (جعفر) بن سليمان. تقدّم في الجزء الثالث صفحة 48 و (عليّ بن عليّ) بن نجاد بن رفاعة اليشكرى (الرفاعي) أبى إسماعيل. روى عن الحسن وسعيد ابني أبي الحسن وأبى المتوكل على بن داود. وعنه وكيع وأبو نعيم وابن المبارك وآخرون

أقوال العلماء في الاستعاذة للقراءة في الصلاة

وثقه أبو زرعة وابن معين وابن أبى حاتم وقال أحمد والنسائى والبزار ليس به بأس وقال في التقريب لا بأس به من السابعة ورمى بالقدر وكان عابدا. روى له أبو داود والنسائى والترمذى والبخارى في الأدب. و (الناجى) نسبة إلى ناجية محلة بالبصرة مسماة بقبيلة بني ناجية بن أسامة بن لؤيّ (معنى الحديث) (قوله سبحانك اللهم وبحمدك) أى أنزهك عن النقائص تنزيها متلبسا بحمدك فالواو زائدة والباء للملابسة متعلقة بمحذوف صفة لسبحان أو حال من فاعل الفعل المحذوف أى أسبحك حال كوني متلبسا بالثناء عليك. ويحتمل أن تكون الواو عاطفة على محذوف أى أسبحك تسبيحا وأحمدك بحمدك. وقوله اللهم معترض بين التنزيه والثناء (قوله وتبارك اسمك) أى تعاظم اسمك وكثرت بركته في السماوات والأرض. ويحتمل أن المراد تعاظمت ذاتك وكثرت بركتك. فالمراد من الاسم المسمى (قوله وتعالى جدّك) أى علت عظمتك وارتفعت (وفي الحديث) دلالة على مشروعية الاستفتاح بهذه الكلمات في الصلاة والتعوذ قبل القراءة (وقد اختلف) في حكم التعوذ ومحله وصيغته والجهر به وتكراره في الركعات (أما حكمه) فاستحبه للمصلى جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم منهم ابن عمر وأبو هريرة وعطاء بن أبى رباح والحسن البصرى وابن سيرين والنخعى والأوزاعي والثورى وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأى وأحمد وإسحاق وداود وغيرهم (وقال مالك) وأصحابه يكره في الفرض دون النفل. والأحاديث تردّ عليهم ولا وجه لهم في هذه التفرقة (واستدل) الجمهور بحديث الباب وأشباهه وبقوله تعالى "فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم" (وأما محله) فقال أكثر العلماء من الفقاء والمحدثين إنه قبل القراءة في أول ركعة لحديث الباب وغيره وقالوا المراد بقوله تعالى "فإذا قرأت القرآن" أى إذا أردت قراءته جمعا بين الأدلة. ولأن الاستعاذة قبل القراءة تذهب الوسوسة عن القارئ حال القراءة (وقال أبو هريرة) وابن سيرين والنخعى يتعوذ بعد القراءة أخذا بظاهر الآية. ووجه بأن القارئ يستحسن الثواب العظيم على قراءته وربما حصلت له الوسوسة في قلبه أحصل له ذلك أم لا فأمر بالاستعاذة لتذهب تلك الوسوسة ويبقى الثواب خالصا (وأما صيغته) فهى عند الجمهور أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أخذا من حديث أبى سعيد المتقدم في التوجه (وقال) الحسن بن صالح أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. ويدل له حديث الباب (وقال) الثورى وأهل المدينة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم. وبه قال علي. وحكى صاحب الشامل عن أحمد أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم. وعن حمزة أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم. وقال ابن الحنفية أعوذ بالله القوى من الشيطان الغوى. وقيل

في صيغته غير ذلك والأمر في ذلك واسع فكيفما تعوّذ فحسن لإطلاق الآية (قال الشافعي) يحصل التعوذ بكل ما اشتمل على الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم. لكن أفضله أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وأما الجهر) بالتعوذ فقال به أبو هريرة في الصلاة الجهرية. وقال ابن عمر وأبو حنيفة وأحمد لا يجهر به وهو الراجح من مذهب الشافعية. وعند ابن أبى ليلى الجهر والإسرار به سواء (وأما تكراره) فهو مستحب عند الشافعية في ابتداء القراءة في كل ركعة لكل مصلّ لا فرق بين إمام ومأموم ومنفرد وقالوا إنه في الركعة الأولى آكد (وقال) أبو حنيفة ومحمد يسنّ التعوذ في الركعة الأولى لا غير في حق الإمام والمنفرد. وقال أبو يوسف ويسن أيضا في حق المأموم (قوله قال أبو داود وهذا الحديث يقولون هو عن على الخ) غرضه بهذا بيان أن السند المتقدم فيه مقال من حيث روايته عن أبي المتوكل ومن حيث ذكر أبي سعيد والوهم في ذلك من جعفر بن سليمان. وقال الترمذى حديث أبي سعيد أشهر حديث في الباب وقد تكلم في إسناده. وقال أحمد لا يصح هذا الحديث اهـ (وقال) ابن خزيمة لا نعلم في الافتتاح بسبحانك اللهم وبحمدك خبرا ثابتا عند أهل المعرفة بالحديث وأحسن أسانيده حديث أبى سعيد ولا نعلم أحدا ولا سمعنا به استعمل هذا الحديث على وجهه اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والنسائى والترمذى (ص) حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عِيسَى، نَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، نَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ الْمُلَائِيُّ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ، قَالَ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرَكَ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ، لَمْ يَرْوِهِ إِلَّا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ وَقَدْ رَوَى قِصَّةَ الصَّلَاةِ عَنْ بُدَيْلٍ جَمَاعَةٌ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ شَيْئًا مِنْ هَذَا» (ش) (رجال الحديث) (طلق بن غنام) بن طلق بن معاوية أبو محمد الكوفي النخعى روى عن أبيه وقيس بن الربيع وزائدة بن قدامة وحفص بن غياث والمسعودى وآخرين. وعنه البخارى والقاسم بن زكرياء وأحمد بن إبراهيم الدورقي وأبو كريب وجماعة. وثقه الدارقطني والعجلى وابن نمير وقال ابن سعد كان ثقة صدوقا وقال في التقريب ثقة من كبار العاشرة. توفي

سنة إحدى عشرة ومائتين. روى له البخارى وأبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى و (أبو الجوزاء) هو أوس بن عبد الله الربعى البصرى. روى عن أبى هريرة وابن عباس وعائشة وابن عمرو وصفوان بن عسال. وعنه عمرو بن مالك وأبو الأشهل وقتادة وبديل بن ميسرة وجماعة. قال في التقريب ثقة من الثالثة ووثقه العجلى وابن حبان وقال كان عابدا فاضلا مات سنة ثلاث وثمانين. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله إذا استفتح الصلاة قال سبحانك اللهم وبحمدك الخ) يدل على أن المصلى يستفتح الصلاة بعد التكبير بهذه الكلمات. وهو قول عمر وابن مسعود والأوزاعي والثورى وأبي حنيفة وأصحابه (وعن أبي يوسف) يضم إليه وجهت وجهى الخ يبدأ بأيهما شاء وهو قول أبي إسحاق المروزى والقاضى أبى حامد، وقال ابن المنذر أى ذلك قال أجزأه. وقالت الشافعية يستفتح بوجهت وجهى الخ (قوله قال أبو داود وهذا الحديث ليس بالمشهور الخ) غرضه بهذا الإشارة إلى ضعف الحديث (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطني مرفوعا وقال ليس بالقوى ورواه من عدّة طرق موقوفا على عمر وقال هو الصواب، ورواه الترمذى وابن ماجه من طريق حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة قال الحافظ حارثة ضعيف وقال ابن خزيمة حارثة ليس ممن يحتج أهل العلم بحديثه وهذا صحيح عن عمر لا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكن رواه الدارقطني من طريق مالك بن مغول عن عطاء قال دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فسألتها عن افتتاح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت كان إذا كبر قال سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله غيرك. ورواه أيضا عن أنس قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا افتتح الصلاة كبر ثم رفع يديه حتى يحاذى إبهاميه أذنيه ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك. ورواه الحاكم مرفوعا عن عائشة وقال صحيح الإسناد وقد صحت الرواية فيه عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه كان يقوله وساق الحديث وقال قد أسند هذا الحديث عن عمر ولا يصح (والحاصل) أن هذا الحديث روى من طرق مرفوعا وفي بعضها مقال لكن لكثرتها يقوى بعضها بعضا، وروى أيضا موفوعا على عمر لكنه في حكم المرفوع لأن مثله لا يقال من قبل الرأى فالحديث قوى والعمل به صحيح. قال الحافظ تقى الدين أخرج مسلم في صحيحه أن عمر كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله غيرك، وروى سعيد بن منصور في سننه عن أبى بكر الصديق أنه كان يستفتح بذلك. وكذلك رواه الدارقطني عن عثمان بن عفان، وابن المنذر عن عبد الله بن مسعود، قال الأسود كان عمر إذا افتتح الصلاة قال سبحانك اللهم وبحمدك. وتبارك اسمك وتعالى جدّك

باب السكتة عند الافتتاح

ولا إله غيرك يسمعنا ذلك ويعلمنا رواه الدارقطني "ثم قال تقى الدين" واختيار هؤلاء وجهر عمر به أحيانا بمحضر من الصحابة ليتعلمه الناس مع أن السنة إخفاؤه يدل على أنه الأفضل وأنه الذى كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يداوم عليه غالبا اهـ (باب السكتة عند الافتتاح) وفي بعض النسخ "باب فيما جاء في السكتة عند الافتتاح" (ص) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ سَمُرَةُ «حَفِظْتُ سَكْتَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، سَكْتَةً إِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ حَتَّى يَقْرَأَ، وَسَكْتَةً إِذَا فَرَغَ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ عِنْدَ الرُّكُوعِ»، قَالَ: فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ: فَكَتَبُوا فِي ذَلِكَ إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَى أُبَيٍّ فَصَدَّقَ سَمُرَةَ. (ش) (إسماعيل) بن علية تقدم في الجزء الثاني صفحة 264. وكذا (يونس) بن عبيد فيه صفحة 172. و (الحسن) البصرى في الأول صفحة 69. و (سمرة) في الثالث صفحة 136. (قوله حفظت سكتتين الخ) يعنى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما صرح به في الرواية الآتية سكتة إذا كبر الإمام للإحرام وقبل القراءة. وليست سكتة حقيقة بل المراد عدم الجهر بشيء من القراءة لأنه يكون مشتغلا بالدعاء حينئذ كما تؤيده الروايات الآتية وسكتة عند الركوع إذا فرغ من القراءة. وفي رواية ابن ماجه وسكتة عند الركوع. وهي أخف من الأولى لأنها بقدر فصل القراءة عن تكبير الركوع وترادّ النفس (قولة فأنكر ذاك عليه عمران ابن حصين الخ) أى أنكر السكتتين اللتين حفظهما سمرة بن جندب وقال حفظنا سكتة واحدة كما في رواية الترمذى فكتبوا في ذلك إلى المدينة إلى أُبَيّ ليسألوا عما حدّثهم به سمرة فأقرّ أُبَيّ سمرة ووافقه على ما حفظه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه والدارقطني (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَذَا قَالَ حُمَيْدٌ، فِي هَذَا الْحَدِيثِ «وَسَكْتَةً إِذَا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ». (ش) أى قال حميد الطويل في روايته لهذا الحديث كما قال يعقوب إلا أن حميدا قال في روايته وسكتة إذا فرغ من القراءة بدل قول يعقوب وسكتة إذا فرغ من فاتحة الكتاب وسورة عند الركوع. ورواية حميد وصلها أحمد في مسنده من طريق حماد بن سلمة عن حميد الطويل

عن الحسن عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان له سكتتان سكتة حين يفتتح الصلاة وسكتة إذا فرغ من السورة الثانية قبل أن يركع فذكر ذلك لعمران ابن حصين فقال كذب سمرة فكتب في ذلك إلى المدينة إلى أبى بن كعب فقال صدق سمرة (ص) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ، نَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ " كَانَ يَسْكُتُ سَكْتَتَيْنِ: إِذَا اسْتَفْتَحَ وَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ كُلِّهَا "، فَذَكَرَ مَعْنَى يُونُسَ (ش) (رجال الحديث) (أبو بكر بن خلاد) بن كثير الباهلى البصرى. روى عن الدراوردى والوليد بن مسلم ومعن بن عيسى وأبي عامر العقدى وأبي الوليد الطيالسى وغيرهم وعنه أبو حاتم وعلى بن سعيد وموسى بن إسحاق والحسن بن سفيان وطائفة. وثقه مسدد وابن حبان. مات سنة أربعين ومائتين. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه. و (خالد بن الحارث) تقدم في الجزء الرابع صفحة 100. و (أشعث) بن عبد الملك في الثالث صفحة 283. (قوله فذكر معنى يونس) أى ذكر أشعث حديثا بمعنى حديث يونس بن عبيد وفي نسخة ثم ذكر معنى يونس. ورواية أشعث لم نقف على من وصلها (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا يَزِيدُ، نَا سَعِيدٌ، نَا قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ، وَعِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، تَذَاكَرَا فَحَدَّثَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ، أَنَّهُ حَفِظَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سَكْتَتَيْنِ: سَكْتَةً إِذَا كَبَّرَ، وَسَكْتَةً إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] "، فَحَفِظَ ذَلِكَ سَمُرَةُ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَكَتَبَا فِي ذَلِكَ إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَكَانَ فِي كِتَابِهِ إِلَيْهِمَا أَوْ فِي رَدِّهِ عَلَيْهِمَا: أَنَّ سَمُرَةَ قَدْ حَفِظَ (ش) (يزيد) بن زريع تقدم في الجزء الأول صفحة 227. وكذا (سعيد) بن أبي عروبة صفحة 69. وكذا (قتادة) صفحة 34. و (عمران بن حصين) في الرابع صفحة 38. (قوله وسكتة إذا فرغ الخ) ظاهر هذه الرواية ينافي ما تقدم عن سمرة نفسه من أن السكتة الثانية تكون بعد قراءة الفاتحة والسورة. ويمكن الجمع بينهما بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسكت في الصلاة ثلاث سكتات سكتة بعد تكبيرة

مذاهب الأئمة في السكتات في الصلاة قبل القراءة وبعدها

الإحرام وسكتة بعد قراءة الفاتحة وسكتة بعد الفراغ من قراءة السورة وقبل الركوع. وسمرة أخبر مرة ببعضها ومرة ببعضها الآخر ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه قال حدثنا حفص عن عمرو عن الحسن قال كان لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثلاث سكتات سكتة إذا افتتح البكبير حتى يقرأ الحمد وإذا فرغ من الحمد حتى يقرأ السورة وإذا فرغ من السورة حتى يركع (وباستحباب) السكتات الثلاث قال أحمد والشافعى والأوزاعي وإسحاق السكتة الأولى بعد الإحرام لقراءة دعاء الافتتاح ويشترك في هذه السكتة الإمام والمأموم والفذ والتقييد بالإمام في بعض الروايات لا مفهوم له. والثانية للإمام بعد الفراغ من الفاتحة وقبل السورة (قالت) الحنابلة والشافعية ليقرأ المأموم فيها الفاتحة. والثالثة بعد القراءه كلها وقبل الركوع للفصل بين تكبير الركوع والقراءة وليترادّ نفس المصلى (قوله أو في ردّه عليهما) شك من الراوى (قوله إن سمرة قد حفظ) يعنى أن ما قاله سمرة هو المحفوظ عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، نَا عَبْدُ الْأَعْلَى، نَا سَعِيدٌ، بِهَذَا قَالَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، قَالَ: سَكْتَتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ فِيهِ: قَالَ سَعِيدٌ: قُلْنَا لِقَتَادَةَ: مَا هَاتَانِ السَّكْتَتَانِ؟ قَالَ: " إِذَا دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ، وَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ، ثُمَّ قَالَ: بَعْدُ، وَإِذَا قَالَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] " (ش) (قوله قال فيه الخ) أى قال عبد الأعلى بن عبد الأعلى في هذا الحديث قال سعيد ابن أبى عروبة قلنا لقتادة بن دعامة ما هاتان الخ (قوله ثم قال بعد الخ) أى بعد أن ذكر قتادة السكتتين المسئول عنهما أخبر بسكتة ثالثة. ويحتمل أن يكون قوله وإذا قال غير المغضوب عليهم بيان للسكتة الثانية المشار إليها بقوله وإذا فرغ من القراءة وهذه الرواية أخرجها الترمذى وابن ماجه عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب قال سكتتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأنكر ذلك عمران ابن الحصين فكتبنا إلى أبي بن كعب في المدينة فكتب إن سمرة قد حفظ قال سعيد فقلنا لقتادة ما هاتان السكتتان قال إذا دخل في صلاته وإذا فرغ من القراءة ثم قال بعد وإذا قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال وكان يعجبهم إذا فرغ من القراءة أن يسكت حتى يترادّ إليه نفسه (والحاصل) أن المصنف روى حديث السكتات في الصلاة من عدة طرق فروى من طريق إسماعيل

ابن علية عن يونس عن الحسن سكتتين سكتة إذا كبر للإحرام وسكتة إذا فرغ من قراءة الفاتحة والسورة. وروي مثله من طريق أشعث عن الحسن. وروى من طريق يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن الحسن سكتتين سكتة إذا كبر للإحرام وسكتة بعد الفراغ من الفاتحة. وروى من طريق عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة ما يحتمل السكتتين أو الثلاث. وخالف الدارقطني المصنف في رواية إسماعيل عن يونس فذكر فيها أن السكتة الثانية بعد الفاتحة ولم يذكر السورة وساق بسنده إلى إسماعيل بن علية عن يونس بن عبيد عن الحسن قال قال سمرة بن جندب حفظت سكتتين من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سكتة إذا كبر الإمام حتى يقرأ وسكتة إذا فرغ من قراءة فاتحة الكتاب فأنكر ذلك عمران بن حصين فكتبوا إلى المدينة إلى أبي بن كعب فصدّق سمرة الحسن مختلف في سماعه من سمرة وقد سمع منه حديثا واحدا وهو حديث العقيقة فيما زعم قريش ابن أنس عن حبيب بن الشهيد اهـ وروى أيضا عن هشيم عن يونس مثله. وأما الإمام أحمد فأخرج حديث يونس في مواضع في مسنده بعضها يوافق أبا داود وبعضها يوافق الدارقطنى قال في موضع عن يزيد بن زريع عن يونس وإذا فرغ من قراءة السورة سكت هنية. وفي آخر عن إسماعيل عن يونس قال إذا فرغ من قراءة الفاتحة وسورة عند الركوع. وفي آخر عن هشيم عن منصور ويونس قال سكت سكتتين إذا افتتح الصلاة إذا قال ولا الضالين سكت هنية (فتحصل) من مجموع الروايات أن محل السكتة الأولى بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة من غير خلاف، وأن السكتة الثانية في بعض الروايات محلها بعد الفراغ من الفاتحة والسورة وفي بعضها الآخر محلها بعد الفاتحة وقبل السورة. فيحتمل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسكت بعد الفاتحة والسورة وبعد الفاتحة فقط. وأن كلا من الرواة أخبر بما حفظ عن شيخه وأن من روى عنه الأمران حدّث تارة أنما بعد الفاتحة والسورة وتارة بعد الفاتحة فقط (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، ح وَثَنَا أَبُو كَامِلٍ، نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ عُمَارَةَ الْمَعْنَى، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ «إِذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ سَكَتَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ»، فَقُلْتُ لَهُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ أَخْبِرْنِي مَا تَقُولُ؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَالثَّوْبِ الْأَبْيَضِ

مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ» (ش) (رجال الحديث) (أحمد ابن أبي شعيب) هو ابن عبد الله بن أبي شعيب فهو منسوب إلى جده وتقدم في الجزء الأول صفحة 238. و (عمارة) بن القعقاع بن شبرمة الكوفي الضبي روى عن عبد الرحمن بن أبي نعيم وأبى زرعة والأخنس بن خليفة والحارث العكلى. وعنه السفيانان وشريك والأعمش وفضيل بن غزوان وآخرون. وثقه النسائى وابن معين وابن سعد ويعقوب بن سفيان وقال أبو حاتم صالح الحديث. روى له الجماعة. و (عبد الواحد) بن زياد. تقدّم في الجزء الأول صفحة 86. (قوله المعنى) أى حدّث أبو كامل حديثا بمعنى حديث أحمد بن أبى شعيب و (أبو زرعة) هرم بن عمرو. تقدم في الأول صفحة 165. (معنى الحديث) (قوله إذا كبر في الصلاة) أى كبر للإحرام للدخول في الصلاة (قوله بأبي أنت وأمى) أى أنت مفدى بأبي وأمى ويحتمل أن الجار والمجرور متعلق بفعل محذوف أى أفديك بأبي وأمى فلما حذف الفعل انفصل الضمير كما تقدم (وله أرأيت سكوتك الخ) أى أخبرني عن سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول فيه، وهو يشعر بأن هناك قولا لأنه قال ما تقول ولم يقل هل تقول، ولعله استدل على أصل القول بحركة الفم كما استدل خباب على قراءته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم باضطراب لحيته (قوله اللهم باعد بينى وبين خطاياى) المراد بالمباعدة محو ما وقع من الذنوب والحفظ مما سيقع منها. وفى هذا اللفظ مجازان الأول استعمال المباعدة في المعاني التى هي في الأصل تستعمل في الأجسام، الثاني استعمالها في الإزالة بالكلية مع أن أصلها لا يقتضى الزوال (قوله كما باعدت بين المشرق والمغرب) الغرض من التشبيه امتناع الاقتراب من الذنوب كامتناع اقتراب المشرق من المغرب، وكرر لفظ بين لأن العطف على الضمير المجرور يعاد فيه الخافض (قوله اللهم نقنى من خطاياى الخ) وفي نسخة أنقنى بهمزة قطع وفي رواية البخارى اللهم نقنى من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس أى طهرني من خطاياى وأزلها عنى كما يطهر الثوب الأبيض من الوسخ، ووقع التشبيه بالثوب الأبيض لأن ظهور النقاء فيه أشد وأكمل لصفائه بخلاف غيره من الألوان (قوله اللهم اغسلني بالثلج والماء والبرد) وفي رواية البخارى اللهم اغسل خطاياى بالماء والثلج والبرد أى طهرني من الخطايا بأنواع مغفرتك التي هي في تمحيص الذنوب بمثابة هذه الأنواع الثلاثة في إزالة الأوساخ، وذكر أنواع المطهرات المنزلة من السماء التي لا يمكن صول الطهارة الكاملة إلا بأحدها تبيانا لأنواع المغفرة التي لا يتخلص من الذنوب له بها (وقال) الخطابى هذه أمثال ولم يرد بها أعيان هذه المسميات وإنما أراد بها التوكيد في التطهير من الخطايا والمبالغة في محوها عنه. والثلج والبرد

مذاهب الأئمة في اختيار ما تستفتح به الصلاة

ماءان لم تمسهما الأيدى ولم يمتهنهما الاستعمال فكان ضرب المثل بهما أوكد في بيان معنى ما أراده من تطهير الثوب اهـ قال الطيبي يمكن أن يكون المطلوب من ذكر الثلح والبرد بعد الماء شمول أنواع الرحمة والمغفرة بعد العفو لإطفاء حرارة النار التي هي في غاية الحرارة ومنه قولهم برّد الله مضجعه أى رحمه ووقاه عذاب النار. ويؤيده ورود وصف الماء بالبرودة في حديث عبد الله بن أبي أوفى عند مسلم، وكأنه جعل الخطايا بمنزلة جهنم لكونها مسببة عنها فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل وبالغ فيه باستعمال المبردات ترقيا عن الماء إلى أبرد منه اهـ مختصرا والثلج ماء ينزل من السماء ثم ينعقد على وجه الأرض ثم يذوب بعد جموده. والبرد ماء ينزل من السماء جامدا كالملح ثم يذوب على الأرض (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه (فتحصل) من مجموع الروايات المذكورة في الأبواب الثلاثة أنه ورد في دعاء الاستفتاح جملة روايات وظاهرها يدل على أن المصلى مخير في الاستفتاح بأيها شاء لا فرق في ذلك بين الفريضة والنافلة (واستحبت) الشافعية الاستفتاح بحديث عليّ المتقدم "وجهت وجهى للذى فطر السماوات والأرض" قال النووى دليلنا أنه لم يثبت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك شيء وثبت وجهت وجهى فتعين اعتماده والعمل به اهـ لكن قد علمت أن حديث سبحانك اللهم وبحمدك وإن لم يرد من طريق صحيح فقد ورد من عدة طرق يقوى بعضها بعضا فالعمل به صحيح كما تقدم (واختارت الحنفية) الاستقاح بسبحانك اللهم الخ وهو مذهب أبي بكر وعمر وابن مسعود والأوزاعي والثورى وإسحاق وداود قالوا ولا يأتى بوجهت وجهى الخ لأن ذلك كان في الابتداء ثم نسخ (وقال) ابن الجوزى كان في أول الأمر ثم ترك أو أنه كان في النافلة فقط لما رواه النسائى من حديث محمد بن مسلمة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا قام يصلى تطوّعا قال وجهت وجهى الخ ولكن هذه الرواية لا تقتضى تخصيص هذا الدعاء بالنافلة دون الفريضة. على ان ابن حبان روى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة قاله (والنسخ) لا يصار إليه إلا بدليل صريح ولا دليل هنا يفيد ذلك (واختار) أبو يوسف وأبو إسحاق المروزى والقاضى أبو حامد الجمع بين حديث وجهت وجهى وحديث سبحانك اللهم يبدأ بأيهما شاء لما رواه البيهقي بإسناده عن جابر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا افتتح الصلاة قال سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا آله غيرك وجهت وجهى للذى فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين "الحديث" (واختارت الحنابلة) الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك الخ وجوّزوا الاستفتاح بغيره مما ورد من غير كراهة، هذا وقد علمت أن الأمر في ذلك واسع

باب من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

(باب من لم ير الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وفي نسحة باب فيما جاء فيمن لم ير الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أى في بيان دليل من لم ير الجهر بالبسملة في ابتداء الفاتحة أو السورة في الصلاة، وفي النسخة المصرية باب الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، " كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ ب {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] " (ش) (مسلم بن إبراهيم) تقدم في الجزء الأول صفحة 90, وكذا (هشام) الدستوائى صفحة 114 (قوله كانوا يفتتحون القراءة الخ) أى يبتدئون قراءتهم في الصلاة بالحمد لله رب العالمين (وهو صريح) في أنه صلى الله عليه وآله وسلم ومن ذكر معه ما كانوا يفتتحون القراءة ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبظاهره أخذ جماعة (وقالت المالكية) يكره الإتيان بالبسملة في الفرض دون النفل قال في المدونة قال مالك لا يقرأ في الصلاة المكتوبة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لا سرّا ولا جهرا إماما كان أو مأموما وهي السنة وعليها أدركت الناس. وفي النافلة إن أحب ترك وإن أحب فعل ذلك واسع اهـ ملخصا قالوا ومحل الكراهة ما لم يقصد بالإتيان بها الخروج من خلاف من أوجبها أو يعتقد أن الصلاة لا تصح إلا بها وإلا طلب الإتبان بها. ويدل لهم أيضا ما رواه مسلم وأحمد عن أنس قال صليت خلف النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان وكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول قراءة ولا في آخرها قال عروة بن الزبير أدركت الأئمة وما يستفتحون القراءة إلا بالحمد لله رب العالمين (وقال) عبد الرحمن بن القاسم ما سمعت القاسم يقرأ بها اهـ (والبسملة) عند المالكية ليست آية من القرآن لا من الفاتحة ولا من غيرها إلا في سورة النمل فإنها بعض آية منها قالوا لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر ولم يوجد. ويدل لهم على ذلك حديث الباب وما تقدم من رواية مسلم (وذهبت طائفة) إلى أنه يسن الإتيان بالبسملة سرا في الصلاة السرية والجهرية منهم علي وابن مسعود وعمار بن ياسر والأوزاعي والثورى والحنابلة (وكذا) الحنفية وقالوا هي آية مستقلة من القرآن أنزلت للتيمن والفصل بين السور وليست آية من الفاتحة ولا من غيرها لما رواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس وسيأتي للمصنف أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فهذا نص على أنها أنزلت للفصل وأنها ليست من أول كل سورة بل هي آية مستقلة (واحتج) هؤلاء بما رواه البخارى عن أنس أن

النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين (وبما رواه) مسلم عن أنس أيضا قال صليت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (وبما رواه) للترمذى وحسنه عن قيس بن عباية عن ابن عبد الله بن مغفل قال سمعني أبى وأنا في الصلاة أقول بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فقال لى أى بنيّ محدث إياك والحدث قال ولم أر أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان أبغض إليه الحدث في الإسلام يعني منه وقال قد صليت مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومع أبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقولها فلا تقلها إذا أنت صليت فقل الحمد لله رب العالمين (وما رواه) أبو بكر الرازى عن عبد الله بن مسعود قال ما جهر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في صلاة مكتوبة ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ولا أبو بكر ولا عمر (قالوا) والجهر بها منسوخ كما جاء عن سعيد بن جبير قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بمكة وكان أهل مكة يدعون مسيلمة الرحمن فقالوا إن محمدا يدعو إلى إله اليمامة فأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخفاها فما جهر بها حتى مات (لكن) غالب ما ذكروه لا يصلح دليلا كما لا يخفى (وذهبت) الشافعية إلى وجوب الإتيان بالبسملة أول الفاتحة (قالوا) ويستحب الجهر بها في الصلاة الجهرية والإسرار بها في السرية وهي آية من الفاتحة والنمل بلا خلاف وفي غيرهما ثلاثة أقوال (أصحها) وأشهرها أنها آية من كل سورة. وهو قول ابن عباس وابن الزبير وابن عمر وطاوس وعطاء ومكحول وابن المنذر (واحتجوا) بأن الصحابة أجمعوا على إثباتها في المصحف في أوائل السور سوى براءة بخط المصحف بخلاف الأعشار وتراجم السور فإن العادة كتابتها بحمرة ونحوها فلو لم تكن قرآنا لما استجازوا إثباتها بخط المصحف من غير تمييز لأن ذلك يحمل على اعتقاد أنها قرآن فيكونون بذلك مغرّرين بالمسلمين حاملين لهم على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا. وهذا مما لا يجوز اعتقاده في الصحابة (واستدلوا) أيضا بما رواه ابن خزيمة عن أم سلمة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في الصلاة وعدّها آية (وما رواه) أيضا عن ابن عباس في قوله تعالى "ولقد آتيناك سبعا من المثاني" قال هي فاتحة الكتاب قال فأين السابعة قال بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (وما رواه) مسلم عن أنس قال بينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذات يوم بين إظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما فقلنا ما أضحكك يا رسول الله قال أنزلت عليّ آنفا سورة فقرأ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إنا أعطيناك الكوثر الخ" وروى الدارقطني عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "إذا قرأتم

الحمد لله فاقرءوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إنهما أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إحدى آياتها (وقال) باستحباب الجهر بالبسمله في الصلاة الجهرية جماعة من الصحابة أبو بكر وعثمان وابن عباس وابن عمر وأبيّ بن كعب وأنس وأبو سعيد وأبو قتادة. ومن التابعين سعيد بن المسيب ومكحول وعطاء وابن سيرين وعكرمة ومحمد بن المنكدر والزهرى وأبو قلابة والليث بن سعد وإسحاق بن راهويه وكثيرون. وعن عمر ثلاث روايات "الأولى" أنه يوافق من ذكر في الإتيان بها سرا "الثانية" يأتي بها جهرا "الثالثة" يتركها ولا يأتى بها (واحتج) من قال بالجهر بما رواه النسائى من طريق نعيم المجمر قال صليت وراء أبي هريرة فقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثم قرأ بأم القرآن وفيه ويقول إذا سلم والذى نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وصحح هذا الحديث ابن خزيمة وابن حبان والحاكم (وقال) البيهقي صحيح الإسناد وله شواهد (وقال) الخطيب صحيح لا يتوجه عليه تعليل (واستدلوا) أيضا بما رواه الدارقطني من طريق عقبة بن مكرم قال حدثنا يونس ابن بكير قال حدثنا أبو معشر عن محمد بن قيس عن أبي هريرة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (وما رواه) أحمد وسيأتى للمصنف عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة عن أم سلمة أنها سئلت عن قراءة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت كان يقطع قراءته آية آية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين (وما رواه) أيضا من طريق القاسم بن محمد عن عائشة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (وما رواه) أيضا من طريق شريك عن إسماعيل المكي عن قتادة عن أنس قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (وما رواه) أيضا عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يزل يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حتى قبض (وما رواه) أيضا من طريق أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة قال حدثني أبي عن أبيه قال صلى بنا أمير المؤمنين المهدى فجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال قلت يا أمير المؤمنين ما هذا فقال حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال قلت نأثره عنك قال نعم (وقد استدلوا) بأحاديث أخر وكلها لا تخلو عن مقال إلا أن مجموعها يقوى بعضها بعضا (ولا منافاة) بينها وبين الأحاديث الدالة على الإسرار بها لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسرّ بها تارة ويجهر بها تارة أخرى (قال) في الهدى كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تارة ويخفيها أكثر مما يجهر بها (ولا ريب) أنه لم يكن يجهر بها دائما في كل يوم وليلة خمس مرّات

أبدا حضرا وسفرا ويخفى ذلك على خلفائه الراشدين وعلى جمهور أصحابه وأهل بلده في الأعصار الفاضلة اهـ (إذا علمت) هذا علمت أنه لا وجه للقائل بكراهة البسملة في الصلاة وعدم قرآنيتها (وأجيب) عن حديث الباب وأشباهه بأن المراد بقوله كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين أنهم يفتتحون القراءة بسورة الفاتحة فلا يدل على حذف البسملة بل يكون دليلا على قراءتها إذ هي من مسمى السورة، ويؤيده ما رواه الدارقطني وصححه عن أنس قال كنا نصلى خلف النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون بأم القرآن فيما يجهر به (على أن) حديث الباب لا يحتج به لاضطرابه واختلاف ألفاظه مع تغاير معانيها لأن أنسا قال فيه مرّة كانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين ومرة قال كانوا لا يجهرون ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ومرة قال كانوا لا يقرءونها ومرة قال ولم أسمعهم يقرءونها ومرة سئل عن ذلك قال نسيت وعلى تقدير ترجيح بعض ألفاظ هذه الروايات المختلفة على باقيها وردّ ما خالفها إليها فلا يرجح إلا لفظ حديث الباب أنهم كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين لأن أكثر الرواة على هذا اللفظ. وقد علمت أن المراد بها السورة بتمامها. وما تقدم في بعض روايات الحديث من قول أنس لا يذكرون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول قراءة ولا في آخرها فالمراد أنهم لا يذكرونها جهرا في أول الفاتحة ولا في أول السورة بعدها وليس المراد نفى ذكرها ألبتة لما في بعض روايات الحديث من أنهم كانوا يسرّون بها "وقول من قال" إن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر ولم يوجد في البسملة "غير مسلم" لأن بعض القراء السبعة أثبت البسملة. والقراءات السبع متواترة فيلزم تواترها. وأيضا فإن إثباتها في المصحف في معنى التواتر. وقد صرح عضد الدين بأن الرسم دليل علمى "أي قطعى" على أن التواتر يشترط فيما يثبت قرآنا على سبيل القطع بخلاف ما يثبت قرآنا على سبيل الحكم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد ومسلم والنسائى والدارقطني وابن حبان والطبراني والطحاوى والترمذى (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ بِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]، وَكَانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشَخِّصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ

ما دل عليه حديث عائشة من استحباب الافتراش في جلسات الصلاة وكراهة الإقعاء وافتراش الذراعين حال السجود وغير ذلك من المسائل

قَائِمًا، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِي قَاعِدًا وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ: التَّحِيَّاتُ، وَكَانَ إِذَا جَلَسَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ، وَعَنْ فِرْشَةِ السَّبُعِ وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ بِالتَّسْلِيمِ " (ش) (أبو الجوزاء) اسمه أوس بن عبد الله (قوله لم يشخص رأسه الخ) أى لم يرفعها من أشخص رأسه إذا رفعها ولم يصوبه أى لم يخفضه من صوّب إذا خفض رأسه كثيرا ولكن بين الخفض والرفع. والمراد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يجعل رأسه حال الركوع مستوية مع ظهره (قوله وكان يقول في كل ركعتين التحيات) أى يتشهد بعد كل ركعتين وهذا بالنظر للغالب إذ المغرب يتشهد فيها بعد الركعة الأخيرة وحدها وكان إذا جلس يفرش رجله اليسرى (وظاهره) أن هذا كان في جميع جلسات الصلاة لا فرق بين الجلوس بين السجدتين والجلوس للتشهد مطلقا وإلى هذا ذهبت الحنفية وسيأتي تمام الكلام على ذلك (قوله وكان ينهى عن عقب الشيطان) بفتح العين وكسر القاف. وفي رواية مسلم عن عقة الشيطان وهو الإقعاء "وفسر بتفسيرين" أحدهما أن يلصق الرجل أليتيه في الأرض وينصب ساقيه وفخذيه ويضع يديه على الأرض كما يقعى الكلب وهذا هو المنهى عنه وهو المراد هنا "وثانيهما" أن ينصب قدميه ويجلس بأليتيه على عقبيه وهو المراد بقول ابن عباس هو سنة نبيكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما سيأتي (قوله وعن فرشة السبع) أى ونهى عن أن يفترش المصلى افتراشا كافتراش السبع وهو أن يبسط الرجل ذراعيه في السجود كما يبسط الكلب والذئب ذراعيه (قال القرطبي) ولا شك في كراهة هذه الهيئة. والسنة أن يضع كفيه على الأرض ويرفع ذراعيه اهـ (قوله وكان يختم للصلاة بالتسليم) دليل على أن السلام عمل من أعمال الصلاة وتقدم أن أكثر الأئمة على تعيين التسليم للخروج من الصلاة خلافا للحنفية القائلين بجواز الخروج به وبغيره مما ينافي الصلاة من الكلام أو الحدث أو القيام (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن افتتاح الصلاة يكون بالتكبير وتقدم عن الجمهور أنه يتعين فيه الله أكبر خلافا للحنفية القائلين بأن الصلاة تنعقد بكل ما يدل على التعظيم لله تعالى، ودلّ بظاهره على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما كان يفتتح القراءة في الصلاة ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وتقدم بيانه، وعلى مشروعية تسوية الرأس بالظهر في الركوع وعلى مشروعية الاعتدال بعد الرفع من الركوع وفي الجلسة بين السجدتين، وعلى مشروعية التشهد في الصلاة والافتراش في جلساتها، وعلى النهى عن الإقعاء, وعن افتراش الذراعين

سبب نزول سورة الكوثر

في السجود، وعلى أن الخروج من الصلاة يكون بالتسليم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم مطولا وأخرجه ابن ماجه مختصرا (ص) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، ثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ حَتَّى خَتَمَهَا»، قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟ »، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي فِي الْجَنَّةِ» (ش) هذا الحديث غير مطابق للترجمة فإنها في ترك الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ والحديث لا يدل على الجهر ولا على تركه إلا أن يقال إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما قال أنزلت علي آنفا سورة ثم فسرها بقوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إنا أعطيناك الكوثر علم منه أن البسملة جزء من السورة فيجهر بها ضمن السورة في الصلاة الجهرية. أو أنه مطابق لترجمة النسخة المصرية "باب الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" فإنها تشمل حكم الجهر نفيا وإثباتا في الصلاة وغيرها فيكون الحديثان الأولان دالين على ترك الجهر بها وهذا الحديث دل على إثبات الجهر بها خارج الصلاة. و (ابن فضيل) هو محمد وتقدم في الجزء الأول صفحة 205 (قوله أنزلت عليّ آنفا سورة) أى أنزل الله علي قريبا سورة. وهي طائفة من القرآن لها أول وآخر وترجمت باسم خاصّ بها بتوقيف من الله تعالى. وسبب نزولها أن العاص بن وائل تلاقى مع رسول الله صلى الله تعالى عيه وعلى آله وسلم في المسجد عند باب بني سهم فتحدّثا وناس من صناديد قريش جلوس في المسجد فلما دخل العاص قالوا له من الذى كنت تتحدّث معه فقال ذلك الأبتر يعنى به النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكان ذلك حين توفي ابنه القاسم (قوله فقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فيه دلالة لمن قال إن البسملة آية من السورة حيث جعلها من مسماها (قوله إنا أعطيناك الكوثر) أى قضينا لك بالكوثر وخصصناك به وأنجزناه لك في علمنا وتقديرنا الأزلى وإن لم تستول عليه وتتصرف فيه إلا في القيامة فالعطاء ناجز والاستيلاء عليه مستقبل (قوله هل تدرون ما الكوثر) أى ما حقيقته. والغرض من هذا الاستفهام تشويقهم إلى معرفته (قوله فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل في الجنة) وفي رواية مسلم فإنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم فيختلج العبد منهم فأقول يا رب إنه من أمتي فيقال ما تدرى ما أحدث بعدك. وقوله وهو حوض أى نهر متصل

بحوض كما يدل عليه قوله في الرواية الأخرى فإنه نهر وعدنيه في الجنة عليه حوض (وقد جاء) في تفسير الكوثر أقوال أخر. فقيل إنه النبوّة. وقيل إنه القرآن. وقيل الإسلام. وقيل الشفاعة. وقيل الخير الكثير في الدنيا والآخرة. والصحيح ما فسر به النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن البسملة آية من السورة، وعلى أنه ينبغى لرئيس القوم أن يعلمهم ما خفى عليهم مما فيه ترغيب لهم في الطاعة وإقبال على العمل الصالح، وعلى مزيد فضله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حيث خصه الله تعالى بهذه المنحة العظيمة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد ومسلم والنسائى (ص) حَدَّثَنَا قَطَنُ بْنُ نُسَيْرٍ، نَا جَعْفَرٌ، نَا حُمَيْدٌ الْأَعْرَجُ الْمَكِّيُّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَذَكَرَ الْإِفْكَ، قَالَتْ: جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ: " أَعُوذُ بِالله السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} الْآيَةَ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الشَّرْحِ وَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ أَمْرُ الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ كَلَامِ حُمَيْدٍ (ش) (رجال الحديث) (قطن) بفتحتين (ابن نسير) مصغرا أبو عباد البصرى. روى عن بشر ابن منصور وجعفر بن سليمان وعبد الرحمن بن مهدى وعمر بن النعمان وعدى بن أبي عمارة وغيرهم. وعنه يعقوب بن سفيان وأبو يعلى الموصلى والحسن بن على وموسى بن إسحاق وأبو القاسم البغوى. ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن عدى كان يسرق الحديث ويوصله. وقال في التقريب صدوق يخطئ من العاشرة. روى له مسلم وأبو داود والترمذى. و (حميد الأعرج المكي) هو ابن قيس الأسدى مولاهم أبو صفوان. روى عن عمرو بن شعيب والزهرى ومحمد بن المنكدر ومجاهد ومحمد بن إبراهيم التيمى وآخرين. وعنه مالك وأبو حنيفة والسفيانان ومعمر وجماعة قال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وكان قارئ أهل مكة. وقال ابن عدى لا بأس بحديثه وما وقع في حديثه من الإنكار من جهة من يروى عنه. ووثقه أحمد وابن معين وابن خراش والبخارى وأبو داود. مات سنة ثلاثين ومائة. روى له الجماعة

قصة الإفك

(معنى الحديث) (قوله وذكر الإفك) أى ذكر عروة بن الزبير قصة الإفك. وفي نسخة وذكرت الإفك أى ذكرت عائشة قصة الإفك. وهو الكذب والافتراء عليها لما استصحبها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في غزوة بنى المصطلق وسقط عقدها فذهبت تلتمسه فارتحل القوم وتركوها ظنا منهم أنها في هودجها وكان صفوان يتخلف عن القوم ويتتبع منازلهم فإذا عثر على شيء من أمتعتهم حمله إليهم فرأى عائشة في منزل القوم وقد غلبها النوم فحوّل وجهه عنها وجعل يسترجع فاستيقظت حين سمعت استرجاعه فأناخ راحلته فركبتها فانطلق يقود بها الراحلة حتى لحق القوم فرماها جماعة كذبا وافتراء بالفاحشة فأنزل الله تعالى براءتها وتعظيم شأنها وتهويل الوعيد لمن تكلم فيها والثناء على من ظن بها خيرا (قوله وكشف عن وجهه الخ) أى بعد الفراغ من الوحى وقال أعوذ بالله أى أتحصن بالله السميع لأقوال العالم العليم بأحوالهم من الشيطان الرجيم أى المرجوم المبعد عن رحمة الله تعالى (قوله إن الذين جاءوا بالإفك الخ) أى إن الذين أخبروا بأسوء الكذب على عائشة بقذفها جماعة منكم أى من المؤمنين وهم حسان بن ثابت وعبد الله بن أبى بن سلول ومسطح وحمنة بنت جحش. وأصل العصبة الفرقة قلت أو كثرت وكثر إطلاقها على العشرة إلى الأربعين (قوله قال أبو داود هذا حديث منكر الخ) أشار به إلى أن حميدا الأعرج انفرد به مخالفا لما رواه الثقات كمعمر ويونس عن الزهرى (ونوزع) في أنه منكر لأن حميدا قوى العدالة وقد أخرج له الشيخان (فالحق) أنه شاذ لا منكر (لأن المنكر) ما خالف الراوى فيه الثقات مع ضعف عدالته (والشاذ) ما خالف فيه الراوى الثقات مع قوّة عدالته (ولعل) المصنف عده منكرا لقول أحمد في حميد إنه ليس بالقوى (قوله لم يذكروا هذا الكلام الخ) مراده أن من روى هذا الحديث عن الزهرى لم يذكروا فيه الاستعاذة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما أشار له بقوله وأخاف أن يكون أمر الاستعاذة منه أى من الشيطان كلام حميد. وفي بعض النسخ وأخاف أن يكون أمر الاستعاذة فيه أى في الحديث. وفي بعضها وأخاف أن يكون أمر الاستعاذة من كلام حميد. وذكر هذا الحديث هنا غير مناسب للمقام. اللهمّ إلا أن يقال إنه داخل تحت الترجمة لأن المصنف لم يقيد عدم الجهر بالبسملة فيها بالصلاة (باب من جهر بها) أى في بيان دليل من قال بالجهر بالبسملة. وفي بعض النسخ إسقاط هذه الترجمة وهو الأجود المناسب لأن الأحاديث الآتية ليس فيها شيء مما يتعلق بالجهر بالبسملة (ص) أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ يَزِيدَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ

ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: مَا حَمَلَكُمْ أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى بَرَاءَةَ وَهِيَ مِنَ المِئِينَ، وَإِلَى الْأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ المَثَانِي فَجَعَلْتُمُوهُمَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ عُثْمَانُ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مِمَّا تَنَزَّلُ عَلَيْهِ الْآيَاتُ فَيَدْعُو بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ لَهُ، وَيَقُولُ لَهُ: «ضَعْ هَذِهِ الْآيَةَ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا، كَذَا وَكَذَا»، وَتَنْزِلُ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَالْآيَتَانِ فَيَقُولُ: مِثْلَ ذَلِكَ، وَكَانَتِ الْأَنْفَالُ مِنْ أَوَّلِ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَتْ بَرَاءَةُ مِنْ آخِرِ مَا نُزِّلَ مِنَ الْقُرْآنِ وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا فَظَنَنْتُ أَنَّهَا مِنْهَا فَمِنْ هُنَاكَ وَضَعْتُهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. (ش) (رجال الحديث) (عمرو بن عون) تقدم في الجزء الأول صفحة 153، وكذا (هشيم) بن بشير صفحة 201، و (عوف) هو ابن أبى جميلة أبو سهل الهجرى العبدى المعروف بالأعرابي. روى عن أبي رجاء وأبى عثمان النهدى وأنس ومحمد ابني سيرين وعلقمة بن وائل وجماعة. وعنه الثورى وشعبة ومروان بن معاوية وابن المبارك ومعتمر بن سليمان وكثيرون. وثقه أحمد وابن معين والنسائي وابن سعد وقال كان كثير الحديث وقال أبو حاتم صدوق وقال في التقريب ثقة رمى بالقدر والتشيع. توفي سنة ست أو سبع وأربعين ومائة. روى له الجماعة. و (يزيد الفارسى) هو ابن هرمز أبو عبد الله المدني مولى بني ليث. روى عن ابن عباس وأبى هريرة وأبان بن عثمان. وعنه سعيد المقبرى والزهرى وقيس بن سعد والمختار بن صيفى وغيرهم. وثقه أبو زرعة وابن معين وابن سعد والعجلى وقال في التقريب ثقة من الثالثة. مات على رأس المائة. روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله ما حملكم أن عمدتم الخ) وفي نسخة على أن عمدتم أى ما الذى بعثكم على قصدكم براءة فجعلتموها من المئين وهي من الطول لأنها تسع وعشرون ومائة آية عند الكوفيين وثلاثون ومائة آية عند البصريين. والمئون جمع مائة وأصلها مئى بوزن حمل فحذفت لام الكلمة وهي الياء وعوّض عنها الهاء وتجمع مائة أيضا على مئات (قوله وهى من المثاني) أى من السور التي تنقص آياتها عن المائة وتزيد على المفصل. والأنفال خمس أو ست أو سبع

وسبعون آية (قال العلماء) أول القرآن السبع الطوال ثم ذوات المائة وهي إحدى عشرة سورة ثم المثاني وهي ما لم تبلغ مائة وهي عشرون سورة ثم المفصل (وحاصله) أن ابن عباس سأل عن أمور ثلاثة "الأول" أن الأنفال سورة قصيرة من المثانى لأنها سبع وسبعون آية فأدخلتموها في السبع الطول "والثاني" أن براءة سورة طويلة فأدخلتموها في المئين "والثالث" لم تكتبوا بينهما بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مع أنهما سورتان. فقول ابن عباس وهى من المئين مراده وهى من الطول (قوله فجعلتموها في السبع الطول) وفي أكثر النسخ فجعلتموهما بالتثنية والأولى هي الصواب أى جعلتم الأنفال من السبع الطول. والطول جمع طولى مثل كبرى وكبر. والسبع هى البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والسابعة براءة وقيل مجموع الأنفال وبراءة (قوله مما تنزل عليه الآيات الخ) أى كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينزل عليه بعض الآيات. وفى نسخة وكان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مما ينزل عليه الآيات فيدعو بعض من كان يكتب له كزيد ابن ثابت ومعاوية ويقول له ضع هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا يعنى من القصص والحوادث التي تناسب تلك الآيات المنزلة كقصة هود ونوح والطلاق والنكاح. وهذه زيادة في الجواب تبرع بها عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُللإشارة إلى أن ترتيب الآيات توقيفى وعليه الإجماع (قوله وكانت براءة من آخر ما نزل من القرآن الخ) أى فهى مدنية أيضا وكانت قصتها أى قصة براءة شبيهة بقصة الأنفال ظننت أن سورة التوبة من الأنفال لما بينهما من المناسبة وقد قبض صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يبين أهي منها أم لا كما صرح به في الرواية الآتية ورواية الترمذى. ووجه الشبه بينهما أن الأنفال بينت ما وقع له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من مشركي أهل مكة وبراءة بينت ما وقع له مع منافقي أهل المدينة. ولأن في كل منهما تعاهدا من المشركين ونبذا لعهدهم وفي كل منهما الأمر بالقتال ففى الأنفال قوله تعالى "يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال" وفي براءة "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم" وقوله "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر" وقوله "انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله" (قوله فمن هناك الخ) أى من أجل ما ذكر من وجود المشابهة بين السورتين وعدم تبيينه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وضعتهما ولم أكتب بينهما سطر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لأن البسملة كانت تنزل عليه للتيمن والفصل بين السور ولم تنزل بينهما (والحكمة) في عدم نزول الوحى بها ما روى عن ابن عباس قال سألت عليا لم لم تكتب في براءة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال لأن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أمان وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان رواه الحاكم. وأيضا هى سورة عذاب والبسملة رحمة ولا تجمع رحمة مع عذاب وكانت العرب تكتب البسملة أول مراسليها في الصلح والأمان

ما دل عليه حديث ابن عباس من مزيد اهتمام سيدنا عثمان والصحابة رضي الله تعالى عنهم بجمع القرآن في المصحف وغير ذلك من الفوائد

فإذا نقضوا العهد لم يكتبوها. ونزل القرآن على هذا السنن فصارت البسملة علامة الأمان وعدمها علامة نقيضه. وقيل لم تكتب البسملة بين الأنفال وبراءة لاختلاف الصحابة في أنهما سورة واحدة هى سابعة السبع الطول أو سورتان فتركت البسملة لقول من قال إنهما سورة واحدة وتركت بينهما فرجة لقول من قال هما سورتان. (فقه الحديث) في الحديث دلالة على فضل عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُومزيد اهتمامه بأمر القرآن الذى هو أساس الدين حتى صار يرجع إليه في أمره أعلام الصحابة كابن عباس. ولما رأى رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُفرقة الناس واختلافهم في القرآن مما أدى إلى تخطئة بعضهم بعضا جمع الصحابة خشية تفاقم الأمر وأشار عليهم بجمع القرآن في مصحف واحد مقتصرا على لغة قريش لأنها التي نزل بها القرآن وإن كان قد توسع في قراءته في ابتداء الأمر بلغة غيرهم فوافقوا على ذلك واستصوبوا رأيه (فقد صح) عن على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أنه قال لا تقولوا في عثمان إلا خيرا فوالله ما فعل الذى فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا قال فما تقولون في هذه القراءة فقد بلغنى أن بعضهم يقول إن قرائتي خير من قرائتك وهذا يكاد أن يكون كفرا قلت فما ترى قال أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف قلنا فنعم ما رأيت (وقد) جمعه قبل ذلك أبو بكر خشية أن يذهب من القرآن شئ لذهاب حملته لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد فجمعه في صحائف مرتبا آيات سوره على ما أوقفهم عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جمعا كليا بما في ذلك من منسوخ ومتواتر وغيرهما فترك عثمان المنسوخ وأبقى المتواتر وحرّر رسم الحروف وقرّر ترتيب السور والآيات على وفق العرضة الأخيرة من العرضات التي عرضها جبريل عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهى المطابقة لما في اللوح المحفوظ وإن اختلف نزولها منجما على حسب الأحوال. ولذا قال الباقلانى لم يقصد عثمان قصد أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما في نفس القراءة وإنما قصد جمعهم على القراءة العامة المعروفة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المروية عن القراء السبعة وإلغاء ما ليس كذلك وأخذهم بمصحف واحد لا تقديم فيه ولا تأخير اهـ (وقد) اتفقوا على أن ترتيب الآى توقيفى ولذا حرم عكس ترتيبها بخلاف ترتيب السور فإنه مختلف فيه والأصح أنه توقيفى أيضا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد وابن حبان والطحاوى والحاكم وقال حديث صحيح الإسناد وأخرجه الترمذى في أبواب التفسير وقال هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث عوف عن يزيد الفارسى عن ابن عباس (ص) حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، نَا مَرْوَانُ يَعْنِي ابْنَ مُعَاوِيَةَ، أَنَا عَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ، عَنْ

استحباب بدء الرسائل بالبسملة وتقديم اسم المرسل على المرسل إليه

يَزِيدَ الْفَارِسِيِّ، حَدَّثَني ابْنُ عَبَّاسٍ، بِمَعْنَاهُ قَالَ فِيهِ: فَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا. (ش) (قوله بمعناه) أى حدث مروان بن معاوية عن عوف حديثا بمعنى حديث هشيم الذى رواه عن عوف (قوله ولم يبين لنا أنها منها) أى لم يبين لنا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن براءة من الأنفال أو ليست منها (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَقَتَادَةُ، وَثَابِتُ بْنُ عُمَارَةَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ لَمْ يَكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَتَّى نَزَلَتْ سُورَةُ النَّمْلِ هَذَا مَعْنَاهُ (ش) (الشعبى) تقدم في الجزء الأول صفحة 286. و (أبو مالك) سعد بن طارق في الثالث صفحة 311. و (قتادة) في الأول صفحة 34. و (ثابت بن عمارة) هو البصري الحنفي. روى عن غنيم بن قيس وربيعة بن شيبان وابن تميمة وآخرين. وعنه شعبة والنضر بن شميل ويحيى بن سعيد ومحمد بن عبيد الله وجماعة. وثقه ابن معين والدارقطني وقال أبو حاتم ليس بالمتين عندى وقال النسائى ليس به بأس وقال في التقريب صدوق فيه لين من السادسة. توفي سنة تسع وأربعين ومائة. روى له النسائى وأبو داود والترمذى (قوله لم يكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الخ) أى لم يبتدئ صلى الله عليه وعلى آله وسلم مراسلاته ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حتى نزلت عليه آية سورة النمل وكان يكتب في أول المراسلات باسمك اللهم جريا على عادة العرب كما أخرجه عبد الرزاق وابن المنذر عن الشعبى قال كان أهل الجاهلية يكتبون باسمك اللهم فكتب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أول ما كتب باسمك اللهم حتى نزلت بسم الله مجريها ومرساها فكتب بسم الله ثم نزلت ادعوا الله أو ادعوا الرحمن فكتب بسم الله الرحمن ثم نزلت آية النمل إنه من سليمان وإنه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وهذا لا ينافي أن البسملة نزلت عليه قبل آية النمل لأنه ما كان يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. لكنه لم يعلم مشروعية كتابتها في الرسائل إلا من آية النمل. ويحتمل أن معنى قوله لم يكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يأمر بكتابتها في أوائل السور وإن كانت تنزل عليه عند كل سورة ليعرف بها الفصل بين السور حتى نزلت سورة النمل فأمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بكتابتها في أوائل السور (فائدة) قال بعضهم إذا كتبت البسملة في الكتب والرسائل

فالأولى أن تكتب سطرا واحدا (ومن السنة) أن يقدم الكاتب اسمه على اسم المكتوب إليه ولو كان الكاتب مفضولا والمكتوب إليه فاضلا لما روى في البحر عن أنس ما كان أحد أعظم حرمة من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكان أصحابه إذا كتبوا له كتابا بدءوا بأنفسهم (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ، وَابْنُ السَّرْحِ، قَالُوا: نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ قُتَيْبَةُ فِيهِ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى تَنَزَّلَ عَلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ السَّرْحِ (ش) (رجال الحديث) (أحمد بن محمد) بن موسى أبو العباس المعروف بمردويه روى عن إسحاق بن يوسف وابن المبارك وجرير وغيرهم. وعنه البخارى والترمذى والنسائى وقال لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة حافظ من العاشرة. مات سنة ثلاث ومائتين. و (المروزى) نسبة إلى مرو على غير قياس والقياس مروى وهي أشهر مدن خراسان. و (عمرو) هو ابن دينار البصرى الأعور أبو يحيى. روى عن سالم بن عبد الله وصيفى بن صهيب. وعنها الحمادان وسفيان بن عيينة وخارجة بن مصعب وسعيد بن زيد وإسماعيل بن علية ومعتمر ابن سليمان وغيرهم. قال أبو حاتم ضعيف يروى عن سالم بن عبد الله بن عمر الأحاديث المنكرة وقال أبو زرعة واه وقال ابن حبان لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب كان يتفرّد بالموضوعات عن الأثبات وقال العجلى يكتب حديثه وليس بالقوى وقال النسائى ليس بثقة وقال الترمذى ليس بالقوى وقال في التقريب ضعيف من السادسة (قوله قال قتيبة فيه عن ابن عباس) أى قال قتيبة في روايته عن ابن عباس فهو متصل بخلاف رواية أحمد بن محمد المروزى ورواية ابن السرح فإنها مرسلة (معنى الحديث) (قوله لا يعرف فصل السورة الخ) وفي نسخة السور أى لا يعرف انقضاءها حتى تنزل عليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (وفيه دلالة) على تكرار نزول البسملة وهذا يدل على شرفها ومزيد فضلها (وفيه دلالة) أيضا على أن البسملة آية من القرآن لوصفها بالإنزال. وكونها آية مستقلة أو آية من كل سورة تقدم الكلام عليه (قال الشوكاني) في النيل اعلم أن الأمة أجمعت على أنه لا يكفر من أثبتها ولا من نفاها لاختلاف العلماء فيها بخلاف ما لو نفى حرفا مجمعا عليه أو أثبت

باب تخفيف الصلاة للأمر يحدث

ما لم يقل به أحد فإنه يكفر بالإجماع (ولا خلاف) أنها آية في أثناء سورة النمل (ولا خلاف) في إثباتها خطا في أوائل السور في المصحف إلا في أول سورة التوبة (وأما التلاوة) فلا خلاف بين القراء السبعة في أول فاتحة الكتاب وفي أول كل سورة إلا أول سورة التوبة. وحذفها منهم أبو عمرو وحمزة وورش وابن عامر اهـ (قوله وهذا لفظ ابن السرح) أى ما ذكره المصنف لفظ رواية أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح ولفظ غيره لا يعرف انقضاء السورة حتى تنزل عليه آية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الحاكم وصححه بلفظ كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يعلم ختم السورة حتى تنزل عليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وأخرج نحوه عن ابن عباس أيضا بلفظ كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فإذا نزلت بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ علموا أن السورة قد انقضت. وأخرجه أبو داود في المراسيل (باب تخفيف الصلاة للأمر يحدث) وفي نسخة "باب تخفيف الصلاة لأمر يحدث" أى في أثناء الصلاة (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، وَبِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ» (ش) (الأوزاعي) تقدم في الجزء الثانى صفحة 290 (قوله إني لأقوم إلى الصلاة الخ) وفي رواية للبخارى عن أنس إني لأدخل في الصلاة فأسمع بكاء الصبى. والبكاء بالمدّ الصوت وبالقصر نزول الدمع من غير صوت (قوله فأتجوز الخ) أى أختصر في القراءة كراهة أن أشق على أمه بالتطويل فيها وروى ابن أبى شيبة عن وكيع عن سفيان عن أبي السوداء عن ابن سابط أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قرأ في الركعة الأولى بسورة نحو ستين آية فسمع بكاء صبي فقرأ في الثانية بثلاث آيات، وروى مسلم عن ثابت البناني عن أنس قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصلاة فيقرأ بالسورة الخفيفة أو السورة القصيرة. وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخفف أيضا في أذكار الركوع والسجود كما يدل عليه ما رواه البخارى عن أنس فأتجوز في صلاتى مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه

كراهة انتظار الإمام في ركوعه من يريد الصلاة معه

(فقه الحديث) دلّ الحديث على أن من قصد التطويل في الصلاة يطلب منه العدول عنه لحاجة تطرأ عليه، وعلى كمال شفقته صلى الله تعالى عليه وآله وسلم (واستدلّ الخطابي) بهذا الحديث على أن الإمام إذا أحس برجل يريد معه الصلاة وهو راكع جاز له أن ينتظر راكعا ليدرك الركعة لأنه لما جاز أن يقتصر لحاجة إنسان في أمر دنيوى كان له أن يزيد في أمر أخروي (وكرهه بعضهم) وقال أخاف أن يكون شركا اهـ (قال) القارى وفي استدلاله نظر إذ فرق بين تخفيف الطاعة وترك الإطالة لغرض وبين إطالة العبادة بسبب شخص فإنه من الرياء المتعارف (ثم قال) والمذهب عندنا أن الإمام لو أطال الركوع لإدراك الجائى لا تقرّبا لله تعالى فهو مكروه كراهة تحريم ويخشى عليه منه أمر عظيم ولكن لا يكفر بسبب ذلك لأنه لم ينو به عبادة غير الله تعالى "وأما ما روى" أبو داود من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم "فضعيف" ولو صح فتأويله أنه كان يتوف في إقامة صلاته أو تحمل الكراهة على أنه ما كان يعرف الجائى. ويدل على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يطيل الأولى من الظهر كي يدرك الناس اهـ ببعض تصرف (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى والبيهقي (باب ما جاء في نقصان الصلاة) أي في نقصان ثوابها (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ بَكْرٍ يَعْنِي ابْنَ مُضَرَ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَنَمَةَ الْمُزَنِيِّ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ تُسْعُهَا ثُمْنُهَا سُبْعُهَا سُدْسُهَا خُمْسُهَا رُبْعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا» (ش) (رجال الحديث) (عمر بن الحكم) بن ثوبان الحجازى (المزني) أبي حفص. روى عن أسامة بن زيد وقدامة مولى أسامة وسعد بن أبي وقاص وكعب بن مالك. وعنه سعيد بن أبي سعيد المقبرى ويحيى بن أبي كثير ومحمد بن عمرو. وذكره ابن حبان في الثقاث ووثقه ابن سعد وقال له أحاديث صالحة وقال في التقريب صدوق من الثالثة. توفي سنة سبع عشرة ومائة. روى له مسلم، وأبو داود والنسائى وابن ماجه والبخارى في التاريخ. و (عبد الله بن عنمة) بفتح العين المهملة والنون ويقال بسكون النون ويقال عثمة بالمثلثة الساكنة. روى عن العباس بن عبد المطلب وعمار

مذاهب العلماء في الخشوع في الصلاة وما ورد في الترغيب فيه

ابن ياسر. وعنه جعفر بن عبد الله وعمر بن الحكم. قال ابن يونس صحابى شهد فتح الإسكندرية وقال ابن منده له صحبة ولا يعرف له رواية وقال في التقريب يقال له صحبة. روى له أبو داود (معنى الحديث) (قوله إن الرجل لينصرف الخ) أى يفرغ من صلاته وما كتب له إلا عشر ثوابها. والمراد أن الناس في صلاتهم مختلفون في حصول الثواب على حسب أحوالهم في الخشوع "فمنهم" من يحصل له عشر ثواب صلاته "ومنهم" من يحصل له تسعه وهكذا "ومنهم" من يحصل له الثواب كاملا (لما رواه) النسائى عن كعب بن عمرو أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال منكم من يصلى الصلاة كاملة ومنكم من يصلى النصف والثلث والربع والخمس حتى بلغ العشر (فينبغى للمصلى) أن يدخل في الصلاة بإقبال عليها مع تدبر القراءة والأذكار ويراقب الله تعالى فيها ولا يتفكر في غير ما هو فيه (والخشوع) ظاهرى وباطنى (فالظاهرى) كون المصلى ساكنا ناظرا إلى موضع سجوده غير ملتفت يمينا ولا شمالا ولا واضعا يده على خاصرته متباعدا عن العبث وسبق الإمام ومساواته (والباطني) استحضار عظمة الله تعالى والتذلل له والتفكر في معاني الآيات والتسابيح والأذكار وعدم التفات الخاطر إلى سوى ما ذكر (والجمهور) على أن الخشوع من مكملات الصلاة (وقال بعضهم) إنه من أركانها والحق أنه شرط في حصول الثواب لا في الصحة والإجزاء (وقد جاء) في الترغيب في الخشوع في الصلاة أحاديث (منها) ما رواه مسلم عن عثمان قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول ما من امرئ مسلم يحضر صلاة مكتوبة فيحسن وضوئها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله (ومنها) ما رواه الحاكم عن عقبة ابن عامر عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ما من مسلم يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقوم في صلاته فيعلم ما يقول إلا انفتل وهو كيوم ولدته أمه (ومنها) ما رواه البيهقي عن ابن عباس مرفوعا مثل الصلاة المكتوبة كمثل الميزان فمن أوفى استوفى (وقد جاء) أن الحشوع أول ما يفقد من الدين "فقد" روى الحاكم وصححه أن عبادة بن الصامت قال يوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيه رجلا خاشعا "وروى" ابن أبي شيبة وأحمد والحاكم عن حذيفة قال أول ما تفقدون من دينكم الخشوع وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة وتنقض عرى الإسلام عروة عروة "وروى" الطبراني بإسناد حسن عن أبى الدرداء أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى لا ترى فيها خاشعا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وابن حبان في صحيحه وفي بعض النسخ إسقاط ترجمة هذا الحديث وذكره في الباب الذى قبله. وفى بعضها إسقاط الترجمة وذكر الحديث في آخر الباب الآتى

باب تخفيف الصلاة

(باب تخيف الصلاة) وفي نسخة باب في تخفيف الصلاة (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، وَسَمِعَهُ مِنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّنَا -قَالَ مَرَّةً: ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُصَلِّي بِقَوْمِهِ- فَأَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ لَيْلَةً الصَّلَاةَ -وَقَالَ مَرَّةً: الْعِشَاءَ- فَصَلَّى مُعَاذٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَصَلَّى، فَقِيلَ: نَافَقْتَ يَا فُلَانُ، فَقَالَ: مَا نَافَقْتُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ مُعَاذًا يُصَلِّي مَعَكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا نَحْنُ أَصْحَابُ نَوَاضِحَ وَنَعْمَلُ بِأَيْدِينَا، وَإِنَّهُ جَاءَ يَؤُمُّنَا فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَقَالَ: " يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ اقْرَأْ بِكَذَا، اقْرَأْ بِكَذَا -قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى-"، فَذَكَرْنَا لِعَمْرٍو، فَقَالَ: أُرَاهُ قَدْ ذَكَرَهُ. (ش) (سفيان) بن عيينة. تقدّم في الجزء الأول صفحة 47. و (عمرو) هو ابن دينار (قوله ثم يرجع فيؤمنا) وفي رواية للبخارى ثم يرجع إلى بني سلمة فيصليها بهم. ولا منافاة بينهما لأن قومه من بني سلمة وجابر منهم كما تدل عليه رواية الشافعى عن جابر ثم يرجع فيصليها بقومه في بني سلمة (قوله وقال مرة العشاء) أى قال جابر بن عبد الله في رواية أخرى لهذا الحديث أخر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العشاء وهي المرادة من الصلاة في قوله أخر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الصلاة (قوله ثم جاء يؤم قومه) أى في الصلاة التي صلاها مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما تدل عليه رواية المصنف المتقدّمة في "باب إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة" وفيها ثم يأتى قومه فيصلى بهم تلك الصلاة (وفيه) ردّ على من زعم أن الصلاة التي كان يصليها مع قومه غير الصلاة التي كان يصليها مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما تقدّم (قوله فقرأ البقرة الخ) وفي رواية البخارى فقرأ بالبقرة. وفي رواية مسلم فافتتح سورة البقرة فاعتزل

رجل من القوم فصلى. واختلف في اسم ذلك الرجل فقيل حزم بن أبى كعب. وقيل حرام ابن ملحان وقيل سليم. واعتزاله محتمل لأن يكون قطع الصلاة واستأنفها وحده ولأن يكون قطع القدوة فقط ولم يخرج من الصلاة بل استمر فيها منفردا (وإلى) هذا ذهبت الشافعية مستدلين بهذا الحديث لكن قال النووى هذا الاستدلال ضعيف لأنه ليس في الحديث أنه فارقه وبني على صلاته بل في رواية مسلم التي فيها أنه انحرف وسلم دليل على أنه قطع الصلاة من أصلها ثم استأنفها اهـ (ومنه) يؤخذ أن الاحتمال الأول أقرب ويؤيده ما جاء في رواية البخارى بلفظ فانصرف الرجل (قوله فقيل نافقت الخ) وفي رواية مسلم أنافقت يا فلان. والمراد فعلت ما يفعله المنافق من الميل والانحراف عن الجماعة في الصلاة فقال ما عملت ذلك نفاقا وإنما هو للعذر ورواية مسلم لا والله ما نافقت (قوله نحن أصحاب نواضح الخ) يعنى أصحاب عمل وليس لنا خدم يقومون بأعمالنا فلا نستطيع تطويل الصلاة. والنواضح جمع ناضح وهو في الأصل البعير الذى يستقي عليه الماء ثم استعمل في كل بعير وإن لم يحمل الماء (قوله فقال يا معاذ أفتان أنت الخ) أى قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا معاذ أفتان أنت قالها مرتين. وفي رواية البخارى "قال فتان فتان فتان ثلاث مرار" أى أمنفر الناس عن دينهم وصادّ لهم عنه بتطويلك القراءة في الصلاة. والاستفهام فيه للتوبيخ. وروى البيهقى في الشعب بإسناد صحيح عن عمر قال لا تبغضوا إلى الله عباده يكون أحدكم إماما فيطول على القوم الصلاة حتى يبغض إليهم ما هم فيه (قوله اقرأ بكذا اقرأ بكذا الخ) كناية عن سورتين قصيرتين. وفي رواية البخارى وأمره بسورتين من أوسط المفصل قال عمرو لا أحفظهما. وبينهما أبو الزبير بقوله بسبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى. وفي بعض النسخ قال أبو الزبير سبح اسم ربك الخ وقوله قال أبو الزبير قائله سفيان بن عيينة لما في صحيح مسلم قال سفيان فقلت لعمرو إن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنه قال اقرأ والشمس وضحاها والضحى والليل إذا يغشى وسبح اسم ربك الأعلى وفي رواية للبخارى عن الحميدى عن ابن عيينة زيادة والسماء ذات البروج والسماء والطارق و (أبو الزبير) هو محمد بن مسلم بن تدرس تقدمت ترجمته في الجزء الأول صفحة 24 وأخرج مسلم رواية أبى الزبير عن جابر أيضا انه قال صلى معاذ بن جبل الأنصارى لأصحابه العشاء فطول عليهم فانصرف رجل منا فصلى فأخبر معاذ عنه فقال إنه منافق فلما بلغ ذلك الرجل دخل على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخبره ما قال معاذ فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتريد أن تكون فتانا يا معاذ إذا أممت الناس فاقرأ بالشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى واقرأ باسم ربك والليل إذا يغشى (قوله فذكرنا لعمرو الخ) أى قال سفيان بن عيينة ذكرنا لعمرو بن دينار ما حدّث به أبو الزبير عن جابر فقال عمرو أظن أن جابرا قد حدّث به

طلب مراعاة الإمام حال المأمومين مع تتميم الأركان

(فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز الاكتفاء في التعزير بالكلام، وعلى مشروعية الإنكار على من يفعل ما فيه تفرق الجماعة، وعلى أنه ينبغى للإمام أن يراعي حال المأمومين في الصلاة، وعلى جواز الصلاة جماعة مرتين. وتقدم بيانه، وعلى صحة اقتداء المفترض بالمتنفل وتقدم أيضا بيان ما فيه من المذاهب في "باب إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة". (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى وأحمد وابن ماجه والترمذى وابن حبان والطبراني والطحاوى والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا طَالِبُ بْنُ حَبِيبٍ، سمعت عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِر، يُحَدِّثُ عَنْ حَزْمِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ أَتَى مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِقَوْمٍ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ فِي هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «يَا مُعَاذُ لَا تَكُنْ فَتَّانًا فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الْحَاجَةِ وَالْمُسَافِرُ» (ش) (رجال الحديث) (طالب بن حبيب) بن عمرو بن سهل بن قيس المدني. روى عن محمد وعبد الرحمن ابني جابر. وعنه يونس بن محمد وأبو داود الطيالسى وأبو سلمة. قال ابن عدى لا بأس به. وقال البخارى فيه نظر. وقال في التقريب صدوق يهم من السابعة. روى له أبو داود. و (عبد الرحمن بن جابر) بن عبد الله بن عمرو أبا عتيق السلمى الأنصارى. روى عن أبيه وأبي بردة وحزم بن أبي كعب. وعنه عاصم بن عمر وسليمان بن يسار ومسلم بن أبي مريم وعبد الله بن محمد وآخرون. وثقه النسائى والعجلى وقال ابن سعد ضعيف لا يحتج به وقال في التقريب ثقة من الثالثة ولم يصب ابن سعد في تضعيفه. روى له الجماعة. و (حزم ابن أبى كعب) الأنصارى السلمى الصحابي. روى عنه عبد الرحمن بن جابر. روى له أبو داود هذا الحديث وقال في التقريب صحابي قليل الحديث وذكره ابن حبان في الصحابة ثم غفل عن قصة معاذ فذكره في التابعين. وفي بعض النسخ حزم بن أبي بن كعب بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد التحتانية وهو تصحيف من الناسخ. والصواب حزم بن أبي كعب (معنى الحديث) (قوله وهو يصلى بقوم صلاة المغرب) قد صرح في هذه الرواية بأن الصلاة كانت المغرب وفي رواية الطحاوى وأبي داود الطيالسى التصريح بأنها صلاة المغرب أيضا. ولعله سهو (والظاهر) أنها العشاء كما صرح به في الروايات الصحيحة الكثيرة ورجحه البيهقي. وعلى تقدير أنها المغرب فلا تنافي بينها وبين الروايات المصرحة بأنها العشاء لاحتمال تعدد الواقعة. ويؤيده الاختلاف

في السورة أهي البقرة كما في هذه الرواية ورواية للبخارى ومسلم وغيرهما أم سورة اقتربت الساعة كما في رواية أحمد عن بريدة الأسلمى أن معاذ بن جبل صلى بأصحابه صلاة العشاء فقرأ فيها اقتربت الساعة فقام رجل من قبل أن يفرغ فصلى وذهب فقال معاذ قولا شديدا فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاعتذر إليه فقال إني كنت أعمل في نخل فخفت على الماء فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صل بالشمس وضحاها ونحوها من السور. ويؤيد تعدد القصة أيضا الاختلاف في عذر الرجل هل هو التطويل في القراءة فقط وهو كان يعمل على ناضحه كما في الرواية السابقة أو كونه يسقى النخل وخاف عليه كثرة الماء كما في رواية أحمد المتقدمة أو كونه أراد أن يسقى نخله كما في رواية أحمد عن أنس قال كان معاذ بن جبل يؤم قومه فدخل حرام وهو يريد أن يسقى نخله فدخل المسجد مع القوم فلما رأى معاذا طول تجوز في صلاته ولحق بنخله يسقيه فلما قضى معاذ الصلاة قيل له ذلك قال إنه لمنافق أيعجل عن الصلاة من أجل سقى نخله قال فجاء حرام إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومعاذ عنده فقال يا نبي الله إني أردت أن أسقى نخلا لى فدخلت المسجد لأصلى مع القوم فلما طوّل تجوّزت في صلاتي ولحقت بنخلي أسقيه فزعم أني منافق فأقبل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على معاذ فقال أفتان أنت أفتان أنت لا تطول بهم اقرأ بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها ونحوهما ويؤيد تعدد القصة أيضا الاختلاف في اسم ذلك الرجل الذى ترك الجماعة وصلى وحده هل هو حزم بن أبى كعب كما في رواية المصنف أو حرام كما في رواية أحمد أو سليم كما في رواية البزار (واستشكل) الجمع بتعدد القصة بأنه لا يظن بمعاذ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُأن يعود إلى التطويل بعد أن أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالتخفيف "وأجيب" بأن النهى عن التطويل وقع أولا لما يخشى من تنفير من يدخل في الإسلام. ولما اطمأنت نفوس القوم بالإسلام ظن أن المانع قد زال فقرأ باقتربت الساعة فكانت تطويلا عليهم أيضا (قوله في هذا الخبر) أى المروى عن عمرو بن دينار وهو متعلق بقوله يحدث (قوله قال) أى حزم بن أبى كعب (قوله فإنه يصلى وراءك الخ) تعليل للنهى المذكور. والكبير من كان طاعنا في السن والضعيف ضدّ القوى أعم من أن يكون سقيما في بدنه كله أو في عضو من أعضائه. وذو الحاجة أى الضرورة وجمعها حاجات وحاج وحوج بوزن عنب وتجمع على حوائج على غير قياس. وقوله والمسافر من ذكر الخاص بعد العام لأنه داخل في ذى الحاجة وذكره بعده للاهتمام به (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البيهقى (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ

الترغيب في طلب الجنة والاستعاذة بالله عز وجل من النار في الصلاة

أَبِي صَالِحٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ: «كَيْفَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ»، قَالَ: أَتَشَهَّدُ وَأَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ أَمَا إِنِّي لَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ» (ش) (زائدة) بن قدامة تقدم في الجزء الأول صفحة 243. وكذا (سليمان) الأعمش صفحة 36. وكذا (أبو صالح) السمان صفحة 44. (قوله قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لرجل) قيل هو سليم الأنصارى (قوله كيف تقول في الصلاة الخ) أي أيّ شيء تقوله في صلاتك قال أتشهد أى أقرأ التحيات. وسمى تشهدا لما فيه من ذكر الشهادتين (قوله أما إنى لا أحسن دندنتك الخ) هو من كلام الرجل. وأما بفتح الهمزة وتخفيف الميم تذكر لتحقيق الكلام الذى يتلوها. والدندنة أن تسمع من الرجل نغمة ولا تفهم ما يقول. والمعنى لا أعرف ما تقوله أنت يا رسول الله ولا ما يقوله معاذ في الصلاة. وخص معاذا بالذكر لأنه كان من قومه وكان يصلى خلفه (قوله حولهما ندندن) أى حول الجنة والنار ندندن أى ندعو بالحصول على الجنة والبعد عن النار. وفي أكثر النسخ حولها ندندن أى حول دعوتك هذه (ولعل) مناسبة هذا الحديث وما بعده للترجمة ما فيهما من التخفيف في الدعاء في الصلاة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، نَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرٍ -ذَكَرَ قِصَّةَ مُعَاذٍ- قَالَ: وَقَالَ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ لِلْفَتَى: «كَيْفَ تَصْنَعُ يَا ابْنَ أَخِي إِذَا صَلَّيْتَ؟ » قَالَ: أَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَأَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِهِ مِنَ النَّارِ وَإِنِّي لَا أَدْرِي مَا دَنْدَنَتُكَ وَلَا دَنْدَنَةُ مُعَاذٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي وَمُعَاذًا حَوْلَ هَاتَيْنِ» أَوْ نَحْوَ هَذَا (ش) (قوله ذكر قصة معاذ قال وقال يعني الخ) أى ذكر جابر قصة تطويل معاذ القراءة في الصلاة وقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم لذلك الرجل كيف تصنع يا ابن أخى الخ فالظاهر

أن الفتى في هذه الرواية هو الرجل المذكور في الرواية السابقة. ولا ينافيه ذكر الفاتحة هنا بدل التشهد في الرواية السابقة لاحتمال أنه كان يقتصر على الفاتحة في القيام وعلى التشهد في الجلوس واقتصر أبو صالح السمان على ذكر التشهد وعبيد الله بن مقسم على قراءة الفاتحة. والعناية من عبيد الله بن مقسم. وفي بعض النسخ وقال يعنى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا ابن أخى كيف تصنع في صلاتك بإسقاط قوله للفتى (قوله إني ومعاذا حول هاتين) أى حول الجنة والنار ندندن. ومعاذا بالنصب عطف على اسم إن (قوله أو نحو هذا) شك من الراوى أي أو قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قولا نحو قوله حول هاتين. والغرض منه التحرّى في الصدق (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن خزيمة والبيهقي ولفظه عن جابر قال فذكر قصة معاذ وتلك القصة قال كان معاذ يصلى مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العشاء ثم يرجع فيصلى بأصحابه فرجع ذات ليلة فصلى بهم وصلى خلفه فتى من قومه فلما طال على الفتى صلى وخرج وأخذ بخطام بعيره وانطلق فلما صلى معاذ ذكر ذلك له فقال إن هذا به لنفاق لأخبرن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالذى صنع وقال الفتى وأنا لأخبرن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالذى صنع فغدوا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإخبره معاذ بالذى صنع الفتى فقال الفتى يا رسول الله يطيل المكث عندك ثم يرجع فيطيل علينا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أفتان أنت يا معاذ وقال للفتى كيف تصنع أنت يا ابن أخى إذا صليت قال أقرأ بفاتحة الكتاب وأسأل الله الجنة وأعوذ به من النار وإني لا أدرى ما دندنتك ودندنة معاذ فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إني ومعاذا حول هاتين أو نحو ذا قال فقال الفتى ولكن سيعلم معاذ إذا قدم القوم وقد خبروا أن العدو قد أتوا قال فقدموا فاستشهد الفتى فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد ذلك لمعاذ ما فعل خصمى وخصمك قال يا رسول الله صدق الله وكذبت. استشهد اهـ (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» (ش) (القعنبي) تقدم في الجزء الأول صفحة 22. وكذا (أبو الزناد) و (الأعرج) صفحة 168 (قوله إذا صلى أحد الناس الخ) أى إذا صلى إماما بهم فاللام فيه بمعنى الباء فليخفف أى في القراءة والأذكار بحيث لا يخل بأركان الصلاة وسننها وآدابها لأن رسول الله صلى الله

تعالى عليه وعلى آله وسلم قد نهى عن نقرة الغراب. ولحديث المسيء صلاته (وقد جاء) بيان التخفيف في صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأصحابه كما سيذكره المصنف مفصلا (قوله فإن فيهم الضعيف الخ) تعليل للأمر بالتخفيف وهو منظور فيه للشأن والغالب (قال) اليعمرى الأحكام إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة فينبغى للإمام التخفيف مطلقا وهذا كما شرع القصر في صلاة المسافر. وعلل بالمشقة وهو مع ذلك يشرع ولو لم يشق عملا بالغالب لأنه لا يدرى ما يطرأ عليه وهنا كذلك اهـ لكن محله إذا كان الإمام يصلى بجماعة غير محصورة فإذا كان يصلى بجماعة محصورة ويرغبون في التطويل طوّل بهم. والمراد بالضعيف ضعيف الخلقة أو من به مرض أو كبير السن. وبالسقيم من به مرض. وذكر السقيم والكبر بعد الضعيف من ذكر الخاص بعد العام لمزيد الاهتمام (قوله وإذا صلى لنفسه الخ) أى إذا صلى منفردا فليطول ما شاء من التطويل. وفي رواية لمسلم فليطل كيف شاء، وفي رواية عبد الرزاق وإذا قام وحدة فليطل صلاته. وفى مسند السراج وإذا صلى وحده فليطل إن شاء. لكن لا ينبغى التطويل حتى يخرج الوقت أو يدخل في وقت الكراهة. وقال بعضهم يجوز تطويل القراءة ولو إلى خروج الوقت. لكن يعارضه ما تقدم للمصنف في باب فيمن نام عن الصلاة أو نسيها من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما التفريط في اليقظة أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت الأخرى. وإذا تعارضت مصلحة المبالغة في الكمال بالتطويل ومفسدة إيقاع الصلاة في غير وقتها كانت مراعاة ترك المفسدة أولى (فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب تخفيف الأئمة الصلاة وترك التطويل للعلل المذكورة مع مراعاة الطمأنينة في أركان الصلاة، ويلحق بها ما في معناها كخشية افتتان أم الصبى عند بكائه كما تقدم، وعلى أن الإنسان إذا صلى منفردا جاز له أن يطول الأركان ما شاء أن يطول حتى في الاعتدال والجلوس بين السجدتين خلافا لمن خص التطويل بغير الاعتدال والجلوس بين السجدتين (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى والبيهقي والترمذى وكذا ابن ماجه من حديث عثمان بن أبى العاص (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمُ السَّقِيمَ وَالشَّيْخَ الْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ» (ش) تقدم شرحه في الذى قبله. وأخرجه البيهقي

باب القراءة في الظهر

(باب القراءة في الظهر) وفي بعض النسخ "باب ما جاء في القراءة في الظهر" (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، وَعُمَارَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، وَحَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: «فِي كُلِّ صَلَاةٍ يُقْرَأُ فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَسْمَعْنَاكُمْ وَمَا أَخْفَى عَلَيْنَا أَخْفَيْنَا عَلَيْكُمْ» (ش) (رجال الحديث) (عمارة بن ميمون) روى عن عطاء بن أبى رباح. وعنه حماد بن سلمة قال الذهبى لا يعرف وقال في التقريب مجهول من السادسة. و (حبيب) بن زائدة أبي محمد المعلم روى عن عمرو بن شعيب وهشام بن عروة وعطاء بن أبي رباح. وعنه عبد الوارث بن سعيد ويزيد بن زريع وحماد بن سلمة وعبد الوهاب الثقفى. وثقه أبو زرعة وابن معين وقال النسائى ليس بالقوى وقال أحمد ما أحتج بحديثه. توفي سنة خمس وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله في كل صلاة يقرأ الخ) بالبناء للمجهول. وفي نسخة ورواية الأصيلى نقرأ بالنون. وفي رواية مسلم في كل صلاة قراءة. وفي رواية له أيضا في كل الصلاة يقرأ فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسمعناكم أى أن الصلاة التي كان يجهر فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويسمعنا القراءة فيها جهرنا فيها وأسمعناكم القراءة. والتي كان يسر فيها أسررنا بها وأخفيناها عليكم. والغرض من هذا أن الجهر والسر في الصلاة منقولان عنه صلى الله عليه وآله وسلم (وقد أجمعت) الأمة على أن الجهر بالقراءة يكون في ركعتي الصبح والجمعة والأوليين من المغرب والعشاء، وعلى أن الإسرار في الظهر والعصر وثالثة المغرب والأخريين من العشاء (واختلفوا) في العيد والاستسقاء فجمهور الأئمة على أنه يجهر في العيدين (أما الاستسقاء) فذهب مالك والشافعى وأحمد إلى أنه يجهر فيها. وبه قال أبو يوسف ومحمد (وقال) أبو حنيفة لا صلاة في الاستسقاء وإنما فيها دعاء واستغفار (وأما الخسوف) والكسوف فقال جمهور الفقهاء يسر في كسوف الشمس ويجهر في خسوف القمر (وقال) الطبرى يخير فيهما بين الجهر والسر (وقال) ابن المنذر وابن خزيمة وإسحاق يجهر فيهما. وأما بقية النوافل فالنهارية لا جهر فيها. والليلية يخير فيها بين الجهر والإسرار. والجنازة يسر بها ليلا ونهارا. وقيل يجهر بها ليلا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم بلفظ قال أبو هريرة في كل الصلاة يقرأ فما

جواز الجهر بآية في الصلاة السرية ومذاهب العلماء في تطويل الركعة الأولى عن الثانية وفي القراءة بعد الفاتحة في الأخيرتين من الرباعية وثالثة المغرب

أسمعنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أسمعناكم وما أخفى عنا أخفيناه عنكم فقال له رجل إن لم أزد على أم القرآن فقال إن زدت عليها فهو خير وإن انتهيت إليها أجزأت عنك ورواه من طريق آخر وزاد في آخره ومن قرأ بأم الكتاب أجزأت عنه ومن زاد فهو أفضل وأخرجه البخارى بهذه الزيادة وأخرجه أحمد والبيهقي وأبو عوانة (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، ح وَثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ الْحَجَّاجِ - وَهَذَا لَفْظُهُ - عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى، وَأَبِي سَلَمَةَ: ثُمَّ اتَّفَقَا، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا فَيَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا وَكَانَ يُطَوِّلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مِنَ الظُّهْرِ وَيُقَصِّرُ الثَّانِيَةَ وَكَذَلِكَ فِي الصُّبْحِ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَذْكُرْ مُسَدَّدٌ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً. (ش) (يحيى) القطان تقدم في الجزء الأول صفحة 248. وكذا (ابن المثنى) صفحة 68. و (ابن أبى عدى) في الثالث صفحة 10. و (الحجاج) الصواف في الرابع صفحة 224. (قوله وهذا لفظه) أى ما سيذكره المصنف لفظ ابن المثنى (قوله عن يحيى) بن أبى كثير (قوله قال ابن المثنى وأبى سلمة) أى قال محمد بن المثنى في سند حديثه عن عبد الله بن أبي قتادة وعن أبى سلمة وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف (قوله ثم اتفقا عن أبى قتادة) أى اتفق مسدد ابن مسرهد وابن المثنى في روايتيهما فقالا عن أبى قتادة وهو الحارث بن ربعى. فرواية مسدد هكذا عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة. ورواية محمد بن المثنى هكذا عن يحيى ابن أبي كثير عن عبد الله بن أبى قتادة وأبى سلمة عن أبى قتادة (قوله وسورتين) أى في كل ركعة سورة. وفي رواية البخارى عن أبي قتادة قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في الركعتين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة سورة. ويؤخذ منه أن قراءة السورة بتمامها ولو قصيرة أفضل من قراءة قدرها من سورة طويلة. ويؤخذ منه أيضا اختصاص قراءة السورة بالركعتين الأوليين من الصلاة دون الأخيرتين (وبه قال الجمهور) وهو قول الشافعى في القديم وقال في الجديد تستحب السورة بعد الفاتحة في الأخيرتين من الرباعية والثالثة من الثلاثية. ونقله أبو حامد وصاحب الحاوى عن الإملاء (واختلف) في الأصح من قولى الشافعى فقال أكثر العراقيين

الأصح الاستحباب. وممن صححه أبو حامد والمحاملى وصاحب العدة والمقدسى. وصحح جماعة عدم الاستحباب وبه أفتى الأكثرون. واستدل الشافعى على الاستحباب بما رواه مسلم وأحمد عن أبى سعيد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية وفى العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية وفي الأخريين قدر نصف ذلك. قال إنه يدل على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ بزيادة على الفاتحة لأنها ليست إلا سبع آيات (قوله ويسمعنا الآية أحيانا) وفي رواية البخارى ونسمع الآية أحيانا. وللنسائى من حديث البراء كنا نصلى خلف النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الظهر فنسمع منه الآية بعد الآية من سورة لقمان والذاريات. ويؤخذ منه جواز الجهر بالآية ونحوها من الفاتحة أو السورة في الصلاة السرية سواء أفعل ذلك عمدا أم سهوا ولا سجود للسهو في ذلك خلافا لمن زعمه. وهو حجة على من زعم أن الإسرار في الصلاة السرية شرط في صحتها (قال النووى) والحديث محمول على أنه أراد به بيان جواز الجهر في القراءة السرية وأن الإسرار ليس بشرط لصحة الصلاة بل هو سنة. ويحتمل أن الجهر بالآية كان يحصل بسبق اللسان للاستغراق في التدبر اهـ (قال الطيبى) أى يرفع صوته ببعض الكلمات من الفاتحة والسورة بحيث يسمع حتى يعلم ما يقرأ من السورة (قال ابن الملك) فيقرأ نحوها من السورة في نحوها من الصلاة (قوله وكان يطول الركعة الأولى الخ) أى كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعل ذلك ليدرك الناس الركعة الأولى لما رواه عبد الرزاق عن معمر وفيه فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى. ولابن خزيمة نحوه من رواية أبى خالد عن سفيان عن معمر. وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال إنى لأحب أن يطول الإمام الركعة الأولى من كل صلاة حتى يكثر الناس. قيل الحكمة في تطويل الركعة الأولى أن النشاط فيها أكثر فيكون الخشوع والخضوع فيها كذلك. وخفف في غيرها حذرا من الملل والتطويل في الأولى إما بكثرة القراءة فيها أو بالمبالغة في الترتيل وإن استوت القراءة فيها (وإلى استحباب) تطويل الأولى عن الثانية في جميع الصلوات ذهب الثورى والمالكية ومحمد بن الحسن وكثير من الشافعية ويدل لهم حديث الباب. وما رواه مسلم عن أبى سعيد الخدرى رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال لقد كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضى حاجته ثم يتوضأ ثم يأتى ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الركعة الأولى مما يطولها أى من أجل تطويلها (قال النووى) والقول بتطويل القراءة في الأولى هو الصحيح المختار الموافق لظاهر السنة اهـ (وذهبت) طائفة إلى أن المستحب التسوية بين الأوليين لأن الركعتين استوتا في القراءة فتستويان في المقدار واستدلوا بحديث سعد بن أبى وقاص الآتى. وبحديث أبى سعيد الخدرى عند

مسلم وأحمد أنه كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في الظهر في الأوليين في كل ركعتين قدر ثلاثين آية (وممن قال) بذلك أبو حنيفة وأبو يوسف إلا أنهما قالا بتطويل الأولى عن الثانية في صلاة الفجر إعانة للناس على إدراك الجماعة فإنه وقت نوم وغفلة (وأجابوا) عن حديث الباب ونحوه بأن تطويل الركعة الأولى إنما هو لدعاء الاستفتاح والتعوذ (وقد جمع) البيهقي بين أحاديث التطويل والتسوية بأن الإمام يطول في الأولى إن كان منتظرا لأحد وإلا سوى بين الأوليين (وجمع) ابن حبان بأن تطويل الأولى إنما كان لأجل الترتيل في قراءتها مع استواء المقروء في الأوليين (قوله لم يذكر مسدد الخ) أى لم يذكر مسدد بن مسرهد في روايته فاتحة الكتاب وسورة بل قال كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين ويسمعنا الآية أحيانا الخ (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من الصلاة، وعلى جواز الجهر ببعض الآيات في الصلاة السرية، وعلى مشروعية تطويل الركعة الأولى عن الثانية (وقال) ابن دقيق العيد وفيه دليل على جواز الاكتفاء في الإخبار بظاهر الحال دون التوقف على اليقين لأن الطريق إلى العلم بقراءة السورة في السرية لا يكون إلا بسماع كلها وإنما يفيد اليقين ذلك لو كان في الجهرية وكأنه أخذ من سماع بعضها مع قيام القرينة على قراءة باقيها اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائي وكذا ابن ماجه والبخارى من طريق هشام الدستوائى عن يحيى. (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا هَمَّامٌ، وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، بِبَعْضِ هَذَا وَزَادَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَزَادَ عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ: وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَهَكَذَا فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ. (ش) (همام) بن يحيى تقدم في الجزء الأول صفحة 74. وكذا (يحيى) بن أبى كثير صفحة 62 (قوله ببعض هذا الخ) أى حدث الحسن عن يزيد بن هارون ببعض الحديث المتقدم وزاد الحسن في روايته بعد قوله ويسمعنا الآية أحيانا ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب. وقد أخرج مسلم هذه الزيادة عن أبي بكر بن أبى شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون أيضا قال أنبأنا همام وأبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أن النبى

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة ويسمعنا الآية أحيانا ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب. فقد وافق الحسن بن علي على هذه الزيادة أبو بكر بن أبى شيبة. فقول المصنف وزاد في الأخريين الخ المراد به أن الحسن زاد على مسدد وابن المثنى لا مطلقا (وفي هذه) الرواية دليل على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ الفاتحة في كل ركعة. وسيأتي تمام الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى (قوله وزاد عن همام قال وكان يطول الخ) أى زاد الحسن في الحديث عن همام وحده قوله وكان يطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية. ويطول بالتشديد (قوله وهكذا في صلاة العصر الخ) أى وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة العصر وصلاة الصبح. وأخرج مسلم رواية أبان وهمام. وأخرج النسائى رواية أبان. وقد أخرج البخارى نحو هذه الرواية عن موسى بن إسماعيل قال حدثنا همام عن يحيى عن عند الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب ويسمعنا الآية ويطول في الركعة الأولى ما لا يطيل في الركعة الثانية وهكذا في العصر وهكذا في الصبح (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُدْرِكَ النَّاسُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى (ش) (عبد الرزاق) تقدم في الجزء الأول صفحة 106. وكذا (معمر) صفحة 107 و (يحيى) هو ابن أبى كثير (قوله فظننا أنه يريد بذلك الخ) أى قال أبو قتادة الحارث بن ربعى بعد أن ذكر الحديث فظننا أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يريد بذلك التطويل أن يدرك الناس الركعة الأولى من الصلاة. وأشار بذلك إلى بيان الحكمة في تطويله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الركعة الأولى. وتقدم أيضا أن النشاط يكون في الأولى أكثر من الثانية (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، قَالَ: قُلْنَا لِخَبَّابٍ، هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْنَا بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَاكَ؟ قَالَ: «بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ» - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ -

(ش) (رجال الحديث) (أبو معمر) تقدم في هذا الجزء صفحة 63. و (خباب) ابن الأرت بتشديد المثناة ابن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد أبي جندلة التميمي الخزاعي مولى أم أنمار الخزاعية وحليف بني زهرة كان من السابقين الأولين وكان من المستضعفين أسلم سادس ستة وآخى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بينه وبين جبر بن عتيك وشهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها وهو أول من أظهر إسلامه وعذب عذابا شديدا لأجل ذلك وشكا إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما كان يصنعه الكفار معه "فقد روى" الحاكم من طريق المغيرة بن عبد الله اليشكرى عن قيس بن حازم عن خباب قال أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو مضطجع تحت شجرة واضعا يده تحت رأسه فقلت يا رسول الله ألا تدعو على هؤلاء القوم الذين قد خشينا أن يردّونا عن ديننا فصرف عني وجهه ثلاث مرات كل ذلك أقول له فيصرف وجهه عني فجلس في الثالثة فقال أيها الناس اتقوا الله واصبروا فوالله إن كان الرجل من المؤمنين قبلكم ليوضع المنشار على رأسه فيشق باثنتين وما يرتد عن دينه اتقوا الله فإن الله فاتح لكم وصانع. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعنه ابنه عبد الله وأبو أمامة وأبو معمر ومسروق وآخرون. توفي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بالكوفة سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث وسبعين سنة (معنى الحديث) (قوله هل كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في الظهر والعصر) وفي رواية البخارى أكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ ولعلهم ظنوا أنه لا قراءة في الظهر والعصر لعدم الجهر بالقراءة فيهما فسألوا خبابا ليتثبتوا. وسألوا عن مطلق القراءة خلافا للكرماني القائل إنهم سألوا عما زاد على الفاتحة (قوله بم كنتم تعرفون ذاك الخ) أى بأى شئ كنتم تعلمون قراءته. وفي رواية ابن أبى شيبة بأى شئ كنتم تعرفون قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال خباب باضطراب لحيته صلى عليه وآله وسلم. وفي نسخة باضطراب لحييه أى بحركة لحيته. واللحية الشعر النازل على الذقن وتجمع على لحى مثل سدرة وسدر لكن اضطراب لحيته لا يكفى في الدلالة على القراءة لاحتمال أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يشتغل بالتسبيح والذكر بل لا بد من قرينة أخرى تعين القراءة (ولعل) خبابا قاس هاتين الصلاتين على الصلاة الجهرية (ولا سيما) إذا انضم إليه قول أبى قتادة في حديثه المتقدم كان يسمعنا الآية أحيانا فيكون خباب قد اقتصر في الجواب (فقه الحديث) دلّ الحديث على ثبوت القراءة في صلاة الظهر والعصر، وعلى أنها تكون سرا وعلى أن المأموم يجوز له أن يرفع بصره إلى الإمام ليرى حركاته وسكناته. ويؤيده قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي رواه أحمد والبخاري

باب تخفيف الأخريين

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى والنسائى وابن ماجه والطحاوى (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا عَفَّانُ، نَا هَمَّامٌ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «كَانَ يَقُومُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ حَتَّى لَا يُسْمَعَ وَقْعُ قَدَمٍ» (ش) (رجال الحديث) (عفان) بن مسلم تقدم في الجزء الرابع صفحة 143 و (همام) بن يحيى العوذى (قوله عن رجل) هو طرفة الحضرمى. روى عن عبد الله ابن أبى أوفي. وعنه ابن جحادة قال في التقريب طرفة الحضرمى صاحب ابن أبي أوفى مقبول من الخامسة لم يقع مسمى في رواية أبى داود. و (عبد الله بن أبي أوفى) بن خالد ابن الحارث بن أبي أسيد بن رفاعة بن ثعلبة بن أسلم الأسلمى أبي معاوية. له صحبة وشهد الحديبية وحنينا. فقد روى أحمد عن يزيد عن إسماعيل قال رأيت على ساعد عبد الله بن أبي أوفى حربة فقال ضربتها يوم حنين فقلت له أشهدت حنينا قال نعم. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آلة وسلم خمسة وتسعين حديثا اتفق الشيخان على عشرة وانفرد البخارى بخمسة ومسلم بواحد. وروى عنه أبو إسحاق الشيبانى وسلمة بن كهيل وعمرو بن مرة وغيرهم. نزل الكوفة ومات بها رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سنة ست أو سبع وثمانين. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله حتى لا يسمع وقع قدم) أى حتى لا يستشعر بقدوم شخص للصلاة وهو غاية للتطويل في القيام للقراءة. وفي رواية ابن أبى شيبة بهذا الإسناد عن ابن أبى أوفى أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان ينتظر ما سمع وقع نعل. والمراد أنه كان يطيل الركعة الأولى من الظهر حتى لا يحس بداخل. وهو وإن كان ضعيفا لأن فيه مجهولا يعضده ما تقدّم عن أبى قتادة من قوله فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد (باب تخفيف الأخريين) أى تخفيف القراءة في الركعتين الأخريين من الرباعية. وفي بعض النسخ "باب ما جاء في تخفيف الأخريين" (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ جَابِرِ

بطلان ما افتراه أهل الكوفة على سيدنا سعد بن أبي وقاص وبيان أنه مجاب الدعوة

بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِسَعْدٍ: قَدْ شَكَاكَ النَّاسُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي الصَّلَاةِ قَالَ: أَمَّا أَنَا «فَأَمُدُّ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَأَحْذِفُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَلَا آلُو مَا اقْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ» قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ (ش) (شعبة) بن الحجاج تقدم في الجزء الأول صفحة 32. وكذا (عمر) بن الخطاب القرشى صفحة 153 (قوله قال عمر لسعد الخ) أى قال عمر بن الخطاب لسعد بن أبي وقاص رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قد شكاك الناس في كل شئ حتى في الصلاة. والناس هم جماعة من أهل الكوفة كما تفيده رواية زائدة عن عبد الملك في صحيح أبي عوانة. وسمى الطبرى منهم الجراح بن سنان وقبيصة وذكر العسكرى في الأوائل أن منهم الأشعث بن قيس. وهذه الشكوى كانت في أنواع متعددة (منها) ما ذكره بعضهم أنهم زعموا أنه كان يلهيه الصيد عن الخروج مع السرايا (ومنها) ما ذكره ابن سعد أنهم زعموا أنه حابى في بيع خمس باعه وأنه صنع على داره بابا مبوّبا من خشب وكان السوق مجاورا له فكان يتأذى بأصواتهم فزعموا أنه قال انقطع التصويت. وقال الزبير بن بكار رفع أهل الكوفة عليه أشياء كشفها عمر فوجدها باطلة اهـ ويقوّيه قول عمر في وصيته فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة وكان عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أمر سعدا على قتال الفرس في سنة أربع عشرة ففتح الله تعالى العراق على يديه ثم اختط الكوفة سنة سبع عشرة واستمرّ عليها أميرا إلى سنة إحدى وعشرين فوقع له مع أهل الكوفة ما وقع. وروى البخارى عن جابر بن سمرة قال شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر فعزله واستعمل عليهم عمارا فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلى فأرسل إليه فقال يا أبا إسحاق إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلى قال أما أنا والله فإني كنت أصلى بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أخرم عنها أصلى صلاة العشاء فأركد في الأوليين وأخف في الأخريين قال ذلك الظن بك يا أبا إسحاق فأرسل معه رجلا أو رجالا إلى الكوفة فسأل عنه أهل الكوفة ولم يدع مسجدا إلا سأل عنه ويثنون عليه معروفا حتى دخل مسجدا لبني عبس فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة قال أما إذ نشدتنا فإن سعدا كان لا يسير بالسرية ولا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية قال سعد أما والله لأدعون بثلاث اللهم إن كان عبدك هذا كاذبا قام رياء وسمعة فأطل عمره وأطل فقره وعرّضه بالفتن قال فكان بعد إذا سئل يقول شيخ كبير مفتون أصابتنى دعوة سعد قال عبد الملك فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر وإنه ليتعرّض للجوارى في الطرق يغمزهن. وزاد مسلم في روايته عن مسعر فقال "أى سعد" تعلمني الأعراب الصلاة اهـ "وقوله ما أخرم أى لم أدع. وقوله

فأركد في الأوليين يعنى أطيل القراءة فبهما" (وفيه دلالة) على أن الذين شكوه كانوا جهالا لأن الأعراب سكان البوادى والجهالة فيهم غالبة وكأنهم ظنوا مشروعية التسوية بين الركعات فأنكروا على سعد التفرقة (قوله أما أنا فأمدّ في الأوليين وأحذف في الأخريين) أما بالتشديد للتقسيم والقسيم محذوف والتقدير أما هم فقالوا ما قالوا وأما أنا فأمدّ أى أطول القراءة في الركعتين الأوليين وأقصرها في الأخريين. وليس المراد أنه كان يترك القراءة فيهما كما تفيده رواية البخارى المذكورة (قوله ولا آلو ما اقتديت به الخ) أى ما قصرت في صلاتي بهم فإني اقتديت بصلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آنه وسلم. فآلو بمدّ الهمزة وضم اللام من آلا يألو ومنه قوله تعالى "لا يألونكم خبالا" أى لا يقصرون في إفسادكم فعبر بالمضارع بدلا عن الماضى استحضارا للصورة الماضية (قوله قال ذاك الظن بك) أى هذا الذى تقوله هو الذى نظنه بك (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ يَعْنِي النُّفَيْلِيَّ، نَا هُشَيْمٌ، أَنَا مَنْصُورٌ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْهُجَيْمِيِّ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «حَزَرْنَا قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً قَدْرَ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ» (ش) (رجال الحديث) (عبد الله بن محمد يعنى النفيلى) تقدم في الجزء الأول صفحة 43. وكذا (هشيم) بن بشير صفحة 201. وكذا (منصور) بن المعتمر صفحة 84. و (الوليد بن مسلم) بن شهاب العنبرى التميمي أبى بشر البصرى. روى عن جندب البجلى وأبى المتوكل الناجى وطلحة بن نافع وغيرهم. وعنه يونس بن عبيد وخالد الحذاء وسلمة بن علقمة وسعيد بن أبى عروبة. وثقه ابن معين وأبو حاتم وقال في التقريب ثقة من الخامسة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى، و (الهجيمى) نسبة إلى هجيم محلة بالبصرة نزل بها بنو الهجيم. و (أبو صديق) هو بكر بن عمرو وقيل ابن قيس. روى عن ابى سعيد وابن

باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر

عمر وعائشة. وعنه عاصم الأحول وقتادة والعلاء بن بشير والوليد بن مسلم ومطرّف بن الشخير. وثقه النسائى وابن معين وأبو زرعة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة من الثالثة. توفي سنة ثمان ومائة. روى له الجماعة. و (الناجى) نسبة إلى بني ناجية قبيلة (معنى الحديث) (قوله حزرنا قيام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) بتقديم الزاى على الراء أى قدّرنا قيامه للقراءة في صلاة الظهر والعصر. وفي رواية مسلم كنا نحزر قيام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الظهر والعصر. وقوله قدر ثلاثين أى مقدار قراءة ثلاثين آية في كل ركعة، ففى رواية مسلم كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية. وقوله قدر الم تنزيل السجدة بالجر بدل من ثلاثين وبالنصب بدل من قدر الأولى والم تنزيل مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدّرة للحكاية والسجدة بدل منه (قوله وحزرنا قيامه في الأخريين الخ) أى قدّرنا قيامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الركعتين الأخريين من الظهر والأوليين من العصر فكان على قدر النصف من قراءته في الركعتين الأوليين من الظهر يعنى قدر خمس عشرة آية (فقه الحديث) دلّ الحديث على استحباب تطويل القراءة في الأوليين من الظهر، وعلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ في الأخريين منه زيادة على الفاتحة لأنها سبع آيات وكان يقف في كل واحدة منهما قدر خمس عشرة آيه فهو حجة لما ذهب إليه الشافعى في الجديد كما تقدم، وعلى استحباب التخفيف في صلاة العصر وجعلها على النصف من صلاة الظهر. ولعل الحكمة في إطالة الظهر أنها وقت غفلة بالنوم في القائلة فطوّلت ليدركها المتأخر بخلاف العصر فإنها تفعل في وقت تعب أهل الأعمال فخففت لذلك (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد ومسلم والنسائى والطحاوى في شرح معاني الآثار وأخرجه أيضا عن أبي نضرة عن أبي سعيد بلفظ اجتمع ثلاثون من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالوا تعالوا حتى نقيس قراءة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيما لم يجهر به من الصلوات فما اختلف منهم رجلان فقاسوا قراءته في الركعتين الأوليين من الظهر بقدر قراءة ثلاثين آية وفي الركعتين الأخريين على النصف من ذلك وفي صلاة العصر في الركعتين الأوليين على قدر النصف من الأوليين في الظهر وفي الركعتين الأخريين على قدر النصف من الركعتين الأخريين من الظهر (باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر) (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ،

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ السُّوَرِ» (ش) (حماد) بن سلمة (قوله كان يقرأ في الظهر والعصر بالسماء والطارق الخ) أى كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من هاتين الصلاتين بالسماء ذات البروج والسماء والطارق ففى العبارة تقديم وتأخير أو أن الواو لا تقتضى ترتيبا كما يؤيده ما في رواية الترمذى كان يقرأ في الظهر والعصر بالسماء ذات البروج والسماء والطارق وشبههما. وذات البروج أى صاحبة الطرق والمنازل التي تسير فيها الكواكب السبعة وسميت بروجا لظهورها لأن البرج في الأصل الأمر الظاهر مأخوذ من التبرج ثم صار حقيقة عرفية للقصر العالى لظهوره. وقيل البرج منزلة القمر. وقيل الكوكب العظيم. والطارق أصله كل آت ليلا ومنه النجم لطلوعه ليلا ثم توسع فيه فسمى به كل ما ظهر بالليل كائنا ما كان ثم توسع فيه فسمى به كل ما ظهر مطلقا ليلا أو نهارا مأخوذ من الطرق وهو الدق وسمى به الآتي ليلا لاحتياجه إلى طرق الباب غالبا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والترمذى (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، نَا أَبِي، نَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ إِذَا دَحَضَتِ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ وَقَرَأَ بِنَحْوٍ مِنْ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالْعَصْرَ كَذَلِكَ وَالصَّلَوَاتِ إِلَّا الصُّبْحَ فَإِنَّهُ كَانَ يُطِيلُهَا» (ش) (قوله حدثنا أبى) هو معاذ بن معاذ (قوله إذا دحضت الشمس) أى زالت عن وسط السماء (قوله وقرأ بنحو من والليل إذا يغشى) أى بمقدار قريب من سورة والليل إذا يغشى. وفي رواية مسلم كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى (قوله والعصر كذلك الخ) أى قرأ في العصر بنحو سورة والليل إذا يغشى وكان يقرأ في باقى الصلوات المغرب والعشاء بقدر السورة المذكورة إلا الصبح فإنه كان يطوّل القراءة فيها لما تقدم من أنهما تفعل في وقت الغفلة بالنوم في آخر الليل فيكون في التطويل انتظار للمتأخر (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى وأحمد بنحوه (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَهُشَيْمٌ، عَنْ

سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سَجَدَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ فَرَأَيْنَا أَنَّهُ قَرَأَ تَنْزِيلَ السَّجْدَةِ»، قَالَ ابْنُ عِيسَى: لَمْ يَذْكُرْ أُمَيَّةَ أَحَدٌ إِلَّا مُعْتَمِرٌ (ش) (رجال الحديث) (سليمان التيمى) بن طرخان. و (أمية) قال في تهذيب التهذيب قال أبو داود في رواية الرملى أمية هذا لا يعرف ولم يذكره إلا المعتمر وقال في التقريب أمية عن أبى مجلز مجهول من السادسة. و (هشيم) هو ابن بشير. و (أبو مجلز) هو لاحق بن حميد (معنى الحديث) (قوله سجد في صلاة الظهر) أى سجد سجدة التلاوة وهو قائم يقرأ في الأولى من الظهر كما صرح به في رواية أحمد (قوله ثم قام فركع) ظاهره أنه ركع عقب القيام من سجود التلاوة قبل أن يقرأ شيئا. ويحتمل أنه ركع بعد قراءة بقية السورة كما كان يفعل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا قرأها يوم الجمعة فتكون الفاء بمعنى ثم (قوله فرأينا أنه قرأ تنزيل السجدة) أى علمنا أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قرأ في الركعة التي سجد فيها تنزيل السجدة. ولعلهم علموا أنه قرأها لما سمعوه من بعض آياتها فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يرفع صوته أحيانا ببعض ما يقرأ به في الصلاة السرية كما تقدم (قوله قال ابن عيسى لم يذكر الخ) أى قال محمد بن عيسي بن الطباع لم يذكر أمية في سند هذا الحديث أحد ممن روى هذا الحديث عن سليمان التيمى إلا معتمر بن سليمان (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد عن ابن عمر أيضا أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سجد في الركعة الأولى من صلاة الظهر فرأى أصحابه أنه قرأ تنزيل السجدة وأخرجه الحاكم والطحاوى (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَالِمٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي شَبَابٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَقُلْنَا لِشَابٍّ مِنَّا: سَلِ ابْنَ عَبَّاسٍ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ فَقَالَ: لَا، لَا، فَقِيلَ لَهُ: فَلَعَلَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ: خَمْشًا هَذِهِ شَرٌّ مِنَ الْأُولَى، كَانَ عَبْدًا مَأْمُورًا بَلَّغَ مَا أُرْسِلَ بِهِ

وَمَا اخْتَصَّنَا دُونَ النَّاسِ بِشَيْءٍ إِلَّا بِثَلَاثِ خِصَالٍ «أَمَرَنَا أَنْ نُسْبِغَ الْوُضُوءَ، وَأَنْ لَا نَأْكُلَ الصَّدَقَةَ، وَأَنْ لَا نُنْزِيَ الْحِمَارَ عَلَى الْفَرَسِ». (ش) (رجال الحديث) (عبد الوارث) تقدم في الجزء الأول صفحة 29 و(موسى بن سالم) أبي جهضم مولى آل العباس. روى عن ابن عباس وسلمة بن كهيل وعبد الله ابن حنين. وعنه الثورى والحمادان وعطاء بن السائب وآخرون. وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة وقال أبو حاتم صالح الحديث صدوق وقال ابن عبد البر لم يختلفوا في أنه ثقة. روى له أبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه. و (عبد الله بن عبيد الله) بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم المدني. روى عن أبيه وعمه. وعنه يحيى بن سعيد وموسى بن سالم. وثقه أبو زرعة والنسائى وقال ابن سعد كان ثقة وله أحاديث. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله في شباب) أى مع شباب. والشباب جمع شابّ وهو من بلغ الحلم إلى الثلاثين. وفي رواية الطحاوى كنا جلوسا في فتيان من بني هاشم (قوله فقال لا لا) مرتب على محذوف أى فسأله الشاب فقال ابن عباس لا لا أى لم يقرأ فيهما. وكرّر لا للتأكيد ولم نقف على اسم هذا الشاب (قوله لعله كان يقرأ في نفسه) وفي نسخة فلعله. وفي رواية الطحاوى فلعله كان يقرأ فيما بينه وبين نفسه أى سرا (قوله خمشا) دعا عليه بخموش جلده أو وجهه كما يقال جدعا له وطعنا. وخمشا مصدر خمش من بابى ضرب ونصر (قوله هذه شر من الأولى) أى مسالك الثانية شر لأنها تتضمن اتهامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالكتمان. ولذا قال كان عبدا مأمورا بلغ ما أرسل به. فأفعل التفضيل ليس على بابه لأن المسألة الأولى لا شر فيها (قوله وما اختصنا دون الناس بشيء) لعل ابن عباس فهم من حال السائل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يخص آل بيته ببعض المسائل الدينية فقال ذلك (قوله أمرنا أن نسبغ الوضوء) أى نتمه (قوله وأن لا نأكل الصدقة) أى واختصنا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن لا نأكل من الزكاة. لما روى مسلم عن عبد المطلب بن ربيعة مرفوعا إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد. وروى الطبراني مرفوعا إنه لا يحل لكم أهل البيت من الصدقات شيء وإنما هي غسالة الأيدى وإن لكم من خمس الخمس ما يغنيكم (قوله وأن لا ننزى الحمار على الفرس) أى لا نحمله عليها للنسل. يقال نزا على الشيء ينزو إذا وثب عليه. ويتعدى بالهمز والتضعيف فيقال أنزاه صاحبه ونزّاه ينزيه أى حمله على النزو "واستشكل" اختصاص آل البيت بالأمر بإسباغ الوضوء وبالنهى عن

إنزاء الحمار على الفرس والناس كلها في ذلك سواء "وأجيب" بأن إسباغ الوضوء في حقهم للوجوب وفي حق غيرهم للندب (ولعل) وجوب كل أعمال الوضوء عليهم كان في صدر الإسلام وبأن النهى عن إنزاء الحمار على الفرس في حقهم للتحريم وفى حق غيرهم للكراهة. وشدّد على أهل البيت دون غيرهم لمزيد شرفهم ولأنه يقتدى بهم (والحكمة) في النهى عن ذلك كما قاله الخطابى أن الحمر إذا حملت على الخيل قل عددها وانقطع نماؤها وتعطلت منافعها والخيل يحتاج إليها للركوب والركض والجهاد وإحراز الغنائم وغير ذلك من المنافع وليس للبغال شيء من هذه فأحب أن يكثر نسلها ليكثر الانتفاع بها اهـ (وظاهر الحديث) أنه لا قراءة في الظهر والعصر. وبه قالت طائفة. لكن الأحاديث الصحيحة الكثيرة على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ فيهما كما تقدم (ولعل) ابن عباس لم يبلغه قراءته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الظهر والعصر وقتئذ فلما بلغه ذلك رجع عنه "فقد" روى أبو بكر بن أبى شيبة من طريق سلمة بن كهيل عن الحسن العربى عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في الظهر والعصر. وروى الطحاوى في شرح معاني الآثار عن يزيد بن هارون قال أنبأنا إسماعيل بن أبي خالد عن العيزار بن حريث عن ابن عباس قال اقرأ خلف الإمام بفاتحة الكتاب في الظهر والعصر. وروى عن العيزار أيضا قال شهدت ابن عباس فسمعته يقول لا تصل صلاة إلا قرأت فيها ولو بفاتحة الكتاب (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الطحاوى في شرح معانى الآثار بدون قوله وما اختصنا وأخرجه النسائى بلفظ كنا جلوسا إلى عبد الله بن عباس فقال والله ما اختصنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بشيء دون الناس إلا بثلاثة أشياء فإنه أمرنا أن نسبغ الوضوء ولا نأكل الصدقة ولا ننزى الحمر على الخيل (ص) حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، نَا هُشَيْمٌ، أَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَا أَدْرِي أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَمْ لَا» (ش) (حصين) بالتصغير ابن عبد الرحمن. و (عكرمة) مولى ابن عباس (قوله لا أدرى الخ) شك من ابن عباس في القراءة في الظهر والعصر وهو مناف لما تقدم عنه من الجزم بعدم القراءة فيهما ولما تقدم عنه أيضا من إثبات القراءة فيهما ويمكن أن يقال لا منافاة بين هذه الروايات لاحتمال أنه جزم أولا بعدم القراءة كما تفيده روايته المتقدمة ورواية الطحاوى عن عكرمة عن ابن عباس أنه قيل له إن ناسا يقرءون في الظهر والعصر فقال لو كان لى عليهم

باب قدر القراءة في المغرب

سبيل لقلعت ألسنتهم إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قرأ فكانت قراءته لنا قراءة وسكوته لنا سكوتا. ولما تكلم بعض الصحابة بأنه كان يقرأ فيهما وتشكك فقال لا أدرى الخ ولما تواترت أخبار الصحابة بالقراءة جزم بالقراءة فيهما (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الطحاوى في شرح معانى الآثار والطبرانى (باب قدر القراءة في المغرب) (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ، سَمِعَتْهُ وَهُوَ «يَقْرَأُ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا»، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةِ إِنَّهَا «لَآخِرُ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ» (ش) (ابن شهاب) هو محمد بن مسلم الزهرى، تقدم في الجزء الأول صفحة 48 (قوله أن أم الفضل بنت الحارث) هى لبابة والدة ابن عباس وأخت ميمونة زوج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى إله وسلم. وفي رواية الترمذى عن ابن عباس عن أمه أم الفضل. ولم يقل عن أمى لأنها كانت مشهورة بأم الفضل (قوله سمعته) أى سمعت ابن عباس، وفيه التفات وكان السياق أن يقول سمعتنى (قوله وهو يقرأ والمرسلات عرفا) أى السورة بتمامها. والمرسلات الرياح حال كونها مشابهة لعرف الفرس من حيث تتابعها وتلاحقها. والعرف بضم العين المهملة في الأصل شعر عنق الفرس (قوله لقد ذكرتني الخ) أى والله لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة قراءة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إياها فاللام فيه موطنة للقسم ومفعول ذكر الثاني محذوف. وفي بعض النسخ لقد ذكرتنى قراءتك الخ (قوله إنها لآخر ما سمعت الخ) بيان لما تذكرنه بقراءة ابن عباس (وظاهره) أن صلاة المغرب كانت آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وروى البخارى عن عائشة أن آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هى الظهر ولا منافاة بينهما لأن عائشة أخبرت عن آخر صلاة صلاها في المسجد وأم الفضل أخبرت عن آخر صلاة صلاها في بيته كما صرح به في رواية النسائى عن أم الفضل قالت صلى بنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بيته المغرب فقرأ المرسلات وما صلى بعدها صلاة حتى قبض "ولا يعكر" عليه ما رواه الترمذى عن ابن عباس عن أمه أم الفضل قالت خرج إلينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو عاصب

رأسه في مرضه فصلى المغرب فقرأ بالمرسلات فما صلاها بعد حتى لقي الله عز وجل "لإمكان" حمل قولها خرج إلينا على خررجه من المكان الذى كان راقدا فيه إلى مكان حاضرا في البيت ليصلى بهم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مالك في الموطأ وأحمد والبخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه والطحاوى في شرح معاني الآثار وأخرجه البيهقي من طريق أنس عن أم الفضل بنت الحارث قالت صلى بنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في مرضه في بيته المغرب في ثوب واحد متوشحا به قرأ والمرسلات ما صلى بعدها صلاة حتى قبض اهـ (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «يَقْرَأُ بِالطُّورِ فِي الْمَغْرِبِ» (ش) (رجال الحديث) (محمد بن جبير بن مطعم) بن عدى النوفلى أبي سعيد المدني روى عن ابن عباس وعمر ومعاوية. وعنه أولاده سعيد وجبير وعمرو بن دينار والزهرى وغيرهم. وثقه ابن خراش وقال العجلى تابعى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن إسحاق كان أعلم قريش بأحاديثها وقال في التقريب ثقة من الثالثة. مات على رأس المائة (معنى الحديث) (قوله يقرأ بالطور في المغرب) أى سورة الطور فالباء زائدة وقيل بمعنى من على حدّ قوله تعالى "عينا يشرب بها عباد الله" (وظاهره) أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قرأ بعض السورة في الركعة الأولى والبعض الآخر في الثانية كما قرأ الأعراف فيهما ويحتمل أنه قرأ الصورة كلها في كل ركعة كما سيأتي في باب الرجل يعيد سورة واحدة في الركعتين (وقال الطحاوى) وابن الجوزى يجوز أن يراد بقوله يقرأ بالطور أى ببعضها وذلك جائز في اللغة يقال فلان يقرأ القرآن إذا قرأ بعضه. لكن هذا خلاف الظاهر وقد ورد ما يشعر بأنه قرأ السورة كلها "فعند البخارى" في التفسير سمعته يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية "أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون". الآيات إلى قوله "المسيطرون" كاد قلبى يطير (وقال الطحاوى) أيضا إنه لا دلالة في شيء من الأحاديث على تطويل القراءة في المغرب لاحتمال أن يكون المراد أنه قرأ بعض السورة "ثم استدل" لذلك بما رواه هشيم عن الزهرى في حديث جبير بلفظ سمعته يقرأ "إن عذاب ربك لواقع" قال فأخبر أن الذى سمعه من هذه السورة هو هذه الآية خاصة اهـ وليس في السياق ما يقتضى قوله خاصة. وحديث البخارى المتقدم يردّه. وفي رواية للبخارى من طريق محمد بن عمرو عن الزهرى وللطبراني من رواية أسامة بن زيد أنه سمعه يقرأ والطور

جواز قراءة سورة الأعراف فيها ومذاهب العلماء في أول وآخر طوال المفصل وأوسطه وقصاره

وكتاب مسطور. ومثله لابن سعد وزاد في رواية أخرى فاستمعت قراءته حتى خرجت من المسجد. أيضا لو اقتصر على قراءة تلك الآية كما زعم لما كان لإنكار زيد بن ثابت على مروان في الحديث الآتي معنى لأن الآية أقصر من قصار المفصل. ونحوه ما روى ابن خزيمة أن زيدا قال لمروان إنك تخفف القراءة في الركعتين من المغرب فوالله لقد كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ فيهما بسورة الأعراف في الركعتين جميعا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ «يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ»، قَالَ: قُلْتُ: مَا طُولَى الطُّولَيَيْنِ؟ قَالَ: الْأَعْرَافُ وَالْأَنْعَامُ، قَالَ: وَسَأَلْتُ أَنَا ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، فَقَالَ لِي: مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ الْمَائِدَةُ وَالْأَعْرَافُ (ش) (قوله مالك تقرأ في المغرب بقصار المفصل) وفي رواية البخارى مالك تقرأ في المغرب بقصار. وفى رواية النسائى بقصار السور. وفى رواية له أتقرأ في المغرب بقل هو الله أحد وإنا أعطيناك الكوثر. ولعل مروان كان يداوم على القراءة من قصار المفصل حتى أنكر عليه زيد بن ثابت وإلا فمجرّد قراءته مرة أو مرتين لا يترتب عليه الإنكار إذ لا تخفى على هذا الصحابى الجليل قراءته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المغرب بقصار المفصل. والمفصل السبع السابع من آخر القرآن سمى بذلك لكثرة فصوله. وهو على ثلاثة أقسام طوال وأوساط وقصار (وقد اختلف) العلماء في تحديد ذلك فعند الحنفية طواله من الحجرات إلى آخر البروج وأوساطه من البروج إلى آخر لم يكن وقصاره إلى آخر القرآن (وعند) المالكية طواله من الحجرات إلى والنازعات وأوسطه من عبس إلى والليل وقصاره من والضحى إلى آخر القرآن (وعند) الشافعية طواله من الحجرات إلى سورة عم يتساءلون وأوساطه إلى الضحى وقصاره إلى الآخر (وعند) الحنابلة طواله من ق إلى عم وأوساطه إلى الضحى وقصاره إلى آخر القرآن. وقيل طواله من الصافات. وقيل من الجاثية. وهذا مستغرب. وقيل من القتال. وقيل من الفتح وقيل غير ذلك (قوله وقد رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) وفي رواية البخارى وقد سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (واستدل) به ابن المنير على أن قراءته بالطوال كانت

نادرا قال لأنه لو لم يكن كذلك لقال كان يفعل ليشعر بأن عادته كانت كذلك اهـ (قال في الفتح) وغفل عما في رواية البيهقي من طريق أبي عاصم بلفظ لقد كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ بطولى الطوليين. ومثله في رواية حجاج بن محمد عن ابن جريج عند الإسماعيلي اهـ (قوله بطولى الطوليين) أى أطول السورتين الطويلتين وطولى بضم الطاء على وزن فعلى تأنيث أطول (قوله قال قلت الخ) أى قال عبد الله بن أبى مليكة لعروة ما طولى الطوليين فقال عروة طولى الطوليين الأعراف وفي رواية النسائى قلت يا أبا عبد الله ما أطول الطوليين قال الأعراف "وأبو عبد الله كنية عروة" وفي رواية البيهقي قال فقلت لعروة, وفي رواية الإسماعيلى قال ابن أبي مليكة ما طولى الطوليين والثانية من الطوليين الأنعام (قال الحافظ) وهو المحفوظ (قال) ابن المنير تسمية الأعراف والأنعام بالطوليين إنما هو لعرف فيهما لا أنهما أطول من غيرهما اهـ وقيل ثانية الطوليين المائدة كما ذكره ابن أبي مليكة، وقيل يونس (وفي هذا) كله دلالة على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرأ في المغرب بالسور الطوال كالأعراف. وروى أيضا أنه قرأ فيها بقصار المفصل كما سيذكره المصنف. وروى أحمد والنسائى عن سليمان بن يسار عن أبى هريرة أنه قال ما رأيت رجلا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فلان لإمام كان بالمدينة قال سليمان فصليت خلفه فكان يطيل الأوليين من الظهر ويخفف الأخريين ويخفف العصر ويقرأ في الأوليين من المغرب بقصار المفصل ويقرأ في الأوليين من العشاء من وسط المفصل ويقرأ في الغداة بطوال المفصل وروى الطحاوى عن أبي هريرة أيضا قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في المغرب بقصار المفصل. وروى أيضا عن زرارة بن أوفى قال أقرأنى أبو موسى كتاب عمر إليه اقرأ في المغرب بآخر المفصل (فقد عرفت) أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ في المغرب بالسور الطوال وطوال المفصل وقصاره (قال) الحافظ وطريق الجمع بين هذه الأحاديث أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان أحيانا يطيل القراءة في المغرب إما لبيان الجواز وإما لعلمه بعدم المشقة على المأمومين، وليس في حديث جبير بن مطعم دليل على أن ذلك تكرر منه، وأما حديث زيد بن ثابت ففيه إشعار بذلك لكونه أنكر على مروان المواظبة على القراءة بقصار المفصل ولو كان مروان يعلم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واظب على ذلك لاحتج به على زيد لكن لم يرد زيد منه فيما يظهر المواظبة على القراءة بالطوال وإنما أراد منه أن يتعاهد ذلك كما رآه من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ إذا علمت هذا عرفت أن القول بأنه لا دلالة في شيء من الأحاديث على تطويل القراءة في المغرب لا وجه له (قال في سبل السلام) وقد ورد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قرأ في المغرب بالمص وأنه قرأ فيها بالصافات وأنه قرأ فيها بحم الدخان وأنه قرأ فيها بسبح اسم ربك الأعلى وأنه قرأ

باب من رأى التخفيف فيها أي في صلاة المغرب * مشروعية القراءة فيها بنحو سورة والعاديات

فيها بالتين والزيتون وأنه قرأ فيها بالمعوذتين وأنه قرأ فيها بالمرسلات وأنه كان يقرأ فيها بقصار المفصل وكلها أحاديث صحيحة. وأما المداومة في المغرب على قصار المفصل فإنما هو من فعل مروان بن الحكم وقد أنكر عليه زيد بن ثابت اهـ (فالحق) أن القراءة في المغرب بطوال المفصل وقصاره وسائر السور سنة، والاقتصار على نوع من ذلك مع اعتقاد أنه السنة دون غيره مخالف لهديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى والطبرانى والبيهقى والنسائي (باب من رأى التخفيف فيها) أى في بيان أدلة من رأى التخفيف في القراءة في صلاة المغرب، وفى بعص النسخ "باب ما جاء فيمن رأى التخفيف فيها" (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، أَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، أَنَّ أَبَاهُ، «كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِنَحْوِ مَا تَقْرَءُونَ وَالْعَادِيَاتِ وَنَحْوِهَا مِنَ السُّوَرِ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَاكَ مَنْسُوخٌ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَذَا أَصَحُّ (ش) (حماد) بن سلمة تقدم في الجزء الأول صفحة 36. وكذا (عروة) بن الزبير صفحة 72 (قوله والعاديات ونحوها) هو بيان لنحو ما يقرءون أى أن عروة راوى الحديث السابق كان يقرأ في المغرب بقصار المفصل (قوله وهذا يدل على أن ذاك منسوخ) أى أن قراءة عروة في المغرب بقصار المفصل يدل على أن ذاك أى قراءة الطوال في المغرب منسوخة (قال) الحافظ في الفتح وفى حديث أم الفضل إشعار بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ في الصحة بأطول من المرسلات لكونه كان في حال شدة مرضه وهو مظنة التخفيف وهو يردّ على أبى داود ادعاء نسخ التطويل لأنه روى عقب حديث زيد بن ثابت من طريق عروة أنه كان يقرأ في المغرب بالقصار قال وهذا يدل على نسخ حديث زيد، ولم يبين وجه الدلالة، وكأنه لما رأى عروة راوى الحديث السابق عمل بخلافه حمله على أنه اطلع على ناسخه، ولا يخفى بعد هذا الحمل وكيف تصح دعوى النسخ وأم الفضل تقول إن المغرب آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقرأ فيها بالمرسلات اهـ (فالحق أنه) لا نسخ في المسألة، ولو سلم القول بالنسخ فيها لكان حديث أم الفضل. ناسخا القراءة بقصار المفصل لا العكس (وقد) علمت بسط الكلام في القراءة في صلاة المغرب في الباب السابق (قوله قال أبو داود هذا أصح) هكذا في أكثر النسخ في بعضها إسقاطها

جواز القراءة بطوال وقصار المفصل في الصلاة المكتوبة

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ السَّرْخَسِيُّ، نَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، نَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ، يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ الْمُفَصَّلِ سُورَةٌ صَغِيرَةٌ وَلَا كَبِيرَةٌ، إِلَّا وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَؤُمُّ النَّاسَ بِهَا فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ» (ش) (رجال الحديث) (أحمد بن سعيد) بن صخر الدارمى أبو جعفر. روى عن على بن الحسين والنضر بن شميل ويحيى بن أبى كثير وآخرين. وعنه البخارى ومسلم والترمذى وابن ماجه. قال يحيى بن زكريا كان ثقة جليلا وقال ابن حبان كان ثبتا صاحب حديث يحفظ وقال في التقريب ثقة حافظ من الحادية عشرة. توفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين. و (السرخسى) نسبة إلى سرخس بفتح أوله وسكون ثانيه وفتح الخاء المعجمة. ويقال بفتح الراء وسكون الخاء مدينة من نواحى خراسان بين نيسابور ومرو بينها وبين كل واحدة منهما ثلاث مراحل (قوله حدثنا أبى) هو جرير بن حازم (قوله عن جده) أى جد شعيب وهو عبد الله بن عمرو بن العاصى وتقدمت ترجمته في الجزء الأول صفحة 138 (معنى الحديث) (قوله ما من المفصل) أى ما من سورة من سور المفصل (قوله في الصلاة المكتوبة) أى المفروضة جهرية أو سرية فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسمعهم الآية أحيانا من الصلاة السرية كما تقدم (وفي هذا دلالة على) أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يخفف القراءة في الصلاة المكتوبة حيث يؤم الناس بخلاف صلاته وحده فإنه كان يطيل القراءة ولا سيما في صلاة الليل (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مالك (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، نَا أَبِي، نَا قُرَّةُ، عَنِ النَّزَّالِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، أَنَّهُ «صَلَّى خَلْفَ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَغْرِبَ فَقَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» (ش) (رجال الأثر) (قوله حدثنا أبى) هو معاذ بن معاذ بن نصر تقدم في الجزء الثاني صفحة 116. و (قرة) بن خالد في هذا الجزء صفحة 67. و (النزال بن عمار) البصرى روى عن ابن عباس وأبى عثمان النهدى. وعنه عمران بن حدير وقرة بن خالد. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من السادسة

باب الرجل يعيد سورة واحدة في الركعتين

(معنى الأثر) (قوله فقرأ بقل هو الله أحد) وفي نسخة فقرأ قل هو الله أحد أى قرأ عبد الله بن مسعود في صلاة المغرب سورة قل هو الله أحد وما كان يفعل ذلك إلا لعلمه أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يفعله، وروى ابن حبان أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة بقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد (باب الرجل يعيد سورة واحدة في الركعتين) أى في بيان أنه أيجوز للرجل أن يقرأ سورة في الركعة الأولى ثم يقرؤها في الثانية أم لا فهو على تقدير الاستفهام (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنِ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ رَجُلًا، مِنْ جُهَيْنَةَ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا» فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَمْ قَرَأَ ذَلِكَ عَمْدًا (ش) (ابن وهب) هو عبد الله. و (عمرو) بن الحارث. و (ابن أبي هلال) هو سعيد الليثى المصرى (قوله أن رجلا من جهينة أخبره) الضمير البارز المنصوب عائد إلى معاذ والمستتر مرفوع عائد على الرجل ولا يضر الجهل به لأنه صحابى والصحابة كلهم عدول (قوله إذا زلزلت الأرض) أى سورة إذا زلزلت الأرض أى تحركت واضطربت لقيام الساعة. وتكون عند النفخة الأولى كما يشهد له قوله تعالى "إن زلزلة الساعة شيء عظيم" وقيل تكون الزلزلة عند النفخة الثانية كما يؤيده قوله تعالى "يومئذ تحدّث أخبارها" (قوله كلتيهما) تأكيد. وأتى به لدفع توهم أنه قرأ بعض السورة في الأولى والبعض الآخر في الثانية (قوله فلا أدرى أنسى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) تردّد الصحابي في إعادته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السورة هل كان ناسيا لكون المعتاد من قراءته أنه كان يقرأ في الركعة الثانية غير ما قرأ به في الأولى فلا يكون مشروعا. أو فعله عمدا لبيان الجواز فتكون الإعادة متردّدة بين المشروعية وعدمها. وإذا دار الأمر بين أن يكون مشروعا أو غير مشروع فحمل فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المشروعية أولى لأن الأصل في أفعاله التشريع. والنسيان على خلاف الأصل. وجوز الصحابي النسيان على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيما سيأتي للمصنف

الخلاف في ذلك

في أبواب سجود السهو إنما أنا بشر أنسى كما تنسون. لكن محل النسيان فيما لم يكن طريقه البلاغ وإذا نسي فلا يقر عليه. بل لابد أن يتذكره (وفي الحديث) دلالة على جواز تكرار السورة في الركعتين (وإلى ذلك) ذهبت الحنابلة بلا كراهة. وهو مشهور مذهب الحنفية (وذهبت) المالكية وبعض الحنفية إلى كراهته (والحديث) عندهم محمول على بيان الجواز (وظاهر) كلام الشافعية أنه خلاف الأولى (قال) في النيل وليس في الحديث مطعن بل رجاله رجال الصحيح. وجهالة الصحابى لا تضر عند الجمهور وهو الحق اهـ (باب القراءة في الفجر) أى في صلاة الصبح (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، أَنَا عِيسَى يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَصْبَغَ، مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، قَالَ: «كَأَنِّي أَسْمَعُ صَوْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ» (ش) (رجال الحديث) (إسماعيل) بن أبى خالد تقدم في الجزء الرابع صفحة 7 و (أصبغ) بالغين المعجمة كأحمد (مولى عمرو بن حريث) المخزومي. روى عن مولاه. وعنه إسماعيل بن أبى خالد. وثقه ابن معين والنسائى وقال ابن حبان تغير بآخره حتى كبل بالحديد لا يجوز الاحتجاج بخبره إلا بعد التخليص يعني التنقيح. وذكره العقيلى وابن الجارود في الضعفاء. روى له أبو داود وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله كأني أسمع صوت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) المراد أنه متحقق لما رواه وكأنه لاستحضاره له يسمع قراءته وقت ذكره للحديث (قوله فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس) أراد أنه كان يقرأ في صلاة الصبح "إذا الشمس كورت" ولا في قوله تعالى فلا أقسم بالخنس زائدة لتأكيد القسم. أو نافية ومنفيها محذوف تقديره فلا يصح قول المشركين في القرآن إنه سحر وأساطير الأولين وقولهم فيك يا محمد مجنون. وأقسم الخ جملة مستأنفة أتى بها تسلية له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. والخنس جمع خانس وهى في الأصل الكواكب كلها، وقيل الكواكب السيارة دون الثابتة. والمراد بها في الآية الكواكب الخمسة زحل، والمشترى، والمريخ، والزهرة، وعطارد. وكانت المرادة هنا لأنها التي تستقبل الشمس فتخنس بالنهار وتظهر بالليل ووصفت بالخنس لأنها تخنس أى ترجع في مجراها وراءها فبينما

ترى النجم في آخر البرج إذ كرّ راجعا إلى أوله. ووصفت أيضا بالكنس لأنها تكنس أى تختفى في المواضع التى تدخل فيها كما تختفى الظباء في كناسها أى محل اختفائها. وأقسم الله تعالى بهذه النجوم وما شاكلها إظهارا لعظمة قدرته وانفراده بالألوهية فله تعالى أن يقسم بما شاء على ما شاء بخلاف المخلوقين فلا يجوز لهم الحلف إلا بالله أو بصفة من صفاته. أو يقال إنه على تقدير مضاف أى فلا أقسم بربّ الخنس (وفى الحديث) دلالة على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قرأ في صلاة الصبح إذا الشمس كورت. وهي من طوال المفصل عند بعضهم. وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يطيل القراءة فيها غالبا وربما قرأ فيها من قصار المفصل. فقد روى مسلم والنسائى عن أبى برزة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ في الغداة من الستين إلى المائة آية. وروى مسلم من طريق شعبة عن زياد ابن علاقة عن عمه أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى الصبح فقرأ في أول ركعة والنخل باسقات لها طلع نضيد وربما قال "ق". وروى النسائى من طريق عمرة عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت ما أخذت "ق والقرآن المجيد" إلا من وراء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي بها في الصبح. وقد جاء أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قرأ في الصبح من قصار المفصل. فقد روى النسائى من طريق عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عقبة بن عامر أنه سأل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن المعوذتين قال عقبة فأمنا بهما رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في صلاة الفجر. وروى ابن حبان قال قرأ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في صلاة الصبح قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس. وتقدم أنه قرأ فيها إذا زلزلت. وورد أيضا أنه قرأ فيها من غير المفصل. فقد روى النسائى من طريق عبد الملك بن عمير عن شبيب أبى روح عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى صلاة الصبح فقرأ الروم فالتبس عليه فلما صلى قال ما بال أقوام يصلون معنا ولا يحسنون الطهور فإنما يلبس علينا القرآن أولئك. وتقدم للمصنف أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قرأ فيها سورة المؤمنين وروى مالك في الموطأ عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر صلى الصبح فقرأ فيها بسورة البقرة في الركعتين كلتيهما. وروى أيضا عن هشام عن أبيه أنه سمع عبد الله بن عامر بن ربيعة يقول صلينا وراء عمر بن الخطاب فقرأ فيها بسورة يوسف وسورة الحج قراءة بطيئة فقلت والله إذًا لقد كان يقوم حين يطلع الفجر. وروى عن القاسم بن محمد أن الفرافصة بن عمر الحنفى قال ما أخذت سورة يوسف إلا من قراءة عثمان بن عفان إياها في الصبح من كثرة ما كان يردّدها لنا. وسيأتي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ في صبح الجمعة الم تنزيل

باب القراءة في الفجر

السجدة. فعلم مما ذكر أن الصبح يقرأ فيها بالسور الطوال وبطوال المفصل وقصاره وأوساطه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه وأخرجه مسلم من طريق الوليد بن سريع عن عمرو بن حريث أنه سمع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في الفجر والليل إذا عسعس وأخرجه النسائى من هذا الطريق أيضا بلفظ سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في الفجر إذا الشمس كورت. هذا وقد وقع في رواية الرملى واللؤلؤى ذكر حديث في هذا الباب قبل الحديث المذكور وهو "حدثنا حفص بن عمر ثنا شعبة عن أبى المنهال عن أبى برزة قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى الفجر ويعرف أحدنا جليسه الذى كان يعرفه ويقرأ فيها من الستين إلى المائة" وقوله ويعرف أحدنا جليسه الخ مراده أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يطيل القراءة في صلاة الصبح حتى إذا ما فرغ منها عرف كل المصلين من بجواره لانتشار الضوء (باب من ترك القراءة في صلاته) أى في بيان فساد صلاة من ترك القراءة فيها. وفي نسخة باب ما جاء فيمن ترك القراءة في صلاته (ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، نَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري قَالَ: «أُمِرْنَا أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا تَيَسَّرَ» (ش) (همام) هو ابن يحيى تقدم في الجزء الأول صفحة 74. وكذا (قتادة) صفحة 34 و (أبو نضرة) في الثالث صفحة 272. و (أبو سعيد الخدرى) في الأول صفحة 62 (قوله أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب) أى أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب في الصلاة ففيه دلالة على وجوب قراءة الفاتحة فيها (قوله وما تيسر) أى وأمرنا أن نقرأ ما تيسر من القرآن يعنى بعد الفاتحة وذلك في صلاة الصبح وفى الأوليين من بقية الصلوات وأما الأخيرتان من الرباعية وثالثة المغرب فيقتصر فيها على أم القرآن عند الجمهور (وعند الشافعى) يقرأ في المذكورات بما تيسر من القرآن بعد الفاتحة كما تقدم (والأمر) بقراءة ما تيسر من القرآن بعد الفاتحة محمول على السنية عند الجمهور لما سيأتى من قوله صلى الله عليه وآله وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فظاهره الاكتفاء بها ونفى صحة صلاة من لم يقرأ بها دون غيرها. ولما تقدم في باب القراءة في الظهر عن البخارى عن عطاء أنه سمع أبا هريرة يقول في كل صلاة يقرأ فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أسمعناكم وما أخفى عنا أخفينا عنكم وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت وإن زدت فهو خير (وذهب) إلى إيجاب قرآن مع الفاتحة عمر وابنه

عبد الله وعثمان بن أبى العاص والهادى والقاسم والمؤيد بالله والحنفية وبعض أصحاب مالك وقدّر الهادى ما زاد على الفاتحة ثلاث آيات. وقدّره المؤيد بالله بآية طويلة. لكن لا دليل على على هذا التقدير لأن القرآن يصدق على الآية القصيرة وعلى ما زاد عليها (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، أَنَا عِيسَى، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَيْمُونٍ الْبَصْرِيِّ، نَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اخْرُجْ فَنَادِ فِي الْمَدِينَةِ أَنَّهُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقُرْآنٍ وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» فَمَا زَادَ (ش) (رجال الحديث) (عيسى) بن يونس تقدم في الجزء الأول صفحة 24. و (جعفر بن ميمون) أبى على التيمى الأنماطي. روى عن خليفة بن كعب وعبد الرحمن بن أبى بكر وأبى العالية وأبي عثمان النهدى عبد الرحمن بن ملّ. وعنه السفيانان ويحيى بن سعيد وابن أبى عروبة. قال أبو حاتم صالح الحديث وقال الدارقطنى يعتبر به وقال ابن عدي أحاديثه منكرة وأرجو أنه لا بأس به وقال النسائي وأحمد وابن معين ليس بالقوى وقال في التقريب صدوق يخطئ من السادسة روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى. و (النهدى) نسبة إلى نهد قبيلة باليمن (معنى الحديث) (قوله لا صلاة إلا بقرآن) أى لا تصح صلاة إلا بقراءة شيء من القرآن فلا يجزئ عن القرآن غيره من الإنكار إلا إذا كان الشخص غير مستطيع قراءة شيء منه يجزئه ذلك لما في رواية النسائى والدارقطنى أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلمنى ما يجزئني في صلاتى فقال قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولما سيأتى للمصنف في بعض روايات حديث المسيء صلاته وفيها فإن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد الله وهلله وكبره (قوله ولو بفاتحة الكتاب) أى فهى أقل ما يجزئ من القراءة في الصلاة (قوله فما زاد) أى عليها فهو خير كما تفيده الرواية السابقة. وعلى هذا فالمصلى له أن يقرأ الفاتحة وغيرها ولا تتعين عليه (وإلى هذا) ذهبت الحنفية. مستدلين بهذا الحديث (وأجاب) الجمهور عنه بأنه ضعيف لأن فيه جعفر بن ميمون وفيه مقال كما عرفت. ولأنه معارض بالأحاديث الصحيحة الآتية. وعلى تقدير صحته فقوله ولو بفاتحة الكتاب بيان لأقل ما يجزئ لأنه غاية للتعميم بقرينة رواية أبى هريرة الآتية بعد فهو نظير قوله صم ولو ثلاثة أيام من الشهر فإن معناه أكثر من الصوم فإن نقصت فلا تنقص عن ثلاثة أيام (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الطبرانى

كلام الحنفية في أن الفاتحة ليست من أركان الصلاة والرد عليهم

(ص) حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، نَا يَحْيَى، نَا جَعْفَرٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنْ أُنَادِيَ: «أَنَّهُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ» فَمَا زَادَ (ش) (ابن بشار) تقدم في الجزء الأول صفحة 56. وكذا (يحيى) القطان صفحة 248 و (جعفر) هو ابن ميمون. و (أبو عثمان) النهدى في الجزء الرابع صفحة 249 (قوله لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب) فيه دلالة على تعين قراءة الفاتحة في الصلاة فلا يجزئُ غيرها إلا عند العجز عنها كما تقدم (وإلى تعين) قراءة الفاتحة في الصلاة وأنها ركن منها ذهب مالك والشافعى وأحمد والعترة وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وقد حكاه ابن المنذر عن عمر وعثمان بن أبي العاص وابن عباس وأبي هريرة وأبى سعيد الخدرى. قالوا والنفي في الحديث يتوجه إلى ذات الصلاة لا إلى الصحة أو الكمال لأن المراد بالصلاة هنا معناها الشرعي لا اللغوى كما تقرر من أن ألفاظ الشارع تحمل على عرفه لكونه بعث لتعريف الشرعيات لا اللغويات. وإذا كان المنفى الصلاة الشرعية صح نفي الذات لأن المركب كما ينتفي بانتفاء جميع أجزائه ينتفى بانتفاء بعضها (وعلى هذا) فلا يحتاج إلى إضمار الصحة أو الإجزاء والكمال لأنه إنما يحتاج إلى إضمارها عند عدم إمكان انتفاء الذات ولو سلم عدم إمكان انتفائها لكان المتعين توجه النفي إلى الصحة أو الإجزاء لا إلى الكمال لأنهما أقرب المجازات إلى الحقيقة. والكمال أبعدها. ولأن نفيهما يستلزم نفي الكمال من غير عكس. ويدل على تعين الفاتحة أيضا ما رواه الدارقطني عن عبادة بن الصامت أنه سمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بفاتحة الكتاب قال الدارقطني إسناده صحيح. وما رواه ابن خزيمة في صحيحه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بقاتحة الكتاب (وذهبت الحنفية) إلى أن الفاتحة ليست ركنا من أركان الصلاة بل الركن عندهم مطلق القراءة قالوا لأن الذى لا تتم الصلاة إلا به فرض والفرض لا يثبت بخبر الآحاد وتعين الفاتحة إنما ثبت بخبر الآحاد فتكون واجبة يأثم من يتركها وتجزئ الصلاة بدونها (واحتجوا) بقوله تعالى "فاقرءوا ما تيسر من القرآن" قالوا إن الآية مصرحة بما تيسر وهو تخيير فلو تعينت الفاتحة لكان التعيين ناسخا للتخيير. والقطعى لا ينسخ بالظني. واستدلوا بما رواه الشيخان عن أبي هريرة أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال للمسيئ صلاته إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن وبأن سور القرآن في الحرمة سواء بدليل تحريم قراءة الجميع على الجنب وتحريم مس المحدث

الخلاف في قراءة الفاتحة في كل ركعة

المصحف (وقالوا) في حديث الباب إنه محمول على نفى الكمال والفضيلة لا الصحة والإجزاء (وأجاب) الجمهور عن الآية بأنها وردت في قيام الليل لا في قدر القراءة في الصلاة المكتوبة "وقولهم" فلو تعينت الفاتحة لكان التعيين ناسخا للتخيير والقطعى لا ينسخ بالظنى "مردود" لأنه ليس من باب النسخ بل من باب الإطلاق والتقييد لأن الآية مطلقة والحديث مقيد لها. أو من باب الإبهام والتفسير (وعن قوله) في حديث المسيء صلاته اقرأ ما تيسر معك من القرآن بأنه مجمل بين بالأحاديث المصرحة بالفاتحة: على أنه قد ورد في بعض رواياته عند أحمد وابن حبان والمصنف ثم اقرأ بأم القرآن (وعن قولهم) إن سور القرآن في الحرمة سواء بأنه لا يلزم من استوائها في الحرمة استواؤها في الإجزاء في الصلاة لا سيما وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة بتعيين الفاتحة "وقولهم" في حديث الباب إن النفى فيه محمول على نفى الفضيلة والكمال "مردود" بما تقدّم من أن النفي متوجه إلى نفى الذات أو إلى ما هو قريب منها وهى نفى الصحة (إذا) علمت هذا تعلم أن الراجح أن الفاتحة ركن من أركان الصلاة وأنها لا تصح بدونها (واختلف) أهي ركن في كل ركعة من ركعات الصلاة أم لا (فذهبت) الشافعية وأحمد والأوزاعي وأبو ثور وعلى وجابر إلى أنها ركن في كل الركعات في حق الإمام والمنفرد (وهو الصحيح) عند المالكية وفي المأموم خلاف ستقف عليه إن شاء الله تعالى (واستدلوا) بما جاء عند البخارى في حديث المسيء صلاته من قوله ثم افعل ذلك في صلاتك كلها. وفي رواية لأحمد والبيهقي ثم افعل ذلك في كل ركعة. وبما رواه البخارى وأحمد عن مالك بن الحويرث أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال صلوا كما رأيتموني أصلى. ومعلوم أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ الفاتحة في كل ركعة. وبما رواه مسلم عن أبى قتادة قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب ويسمعنا الآية أحيانا ويقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب. وبما أخرجه مالك في الموطأ والترمذى وصححه عن جابر أنه قال من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم الكتاب فلم يصلّ إلا أن يكون وراء الإمام (وذهب) الحسن البصرى والهادى والمؤيد بالله وداود وإسحاق إلى أن الواجب قراءة الفاتحة وقرآن معها مرة واحدة في أي ركعة أو مفرقة (واحتجوا) بما رواه البخارى ومسلم والترمذى وابن ماجه وسيأتي للمصنف عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب. قالوا وهذا لا يقتضى قراءتها أكثر من مرة لأن بقراءتها مرة يحصل مسمى القراءة في تلك الصلاة. والأصل عدم وجوب الزيادة على المرة فليس في الحديث إلا أن الواجب في الصلاة التي هي اسم لجميع الركعات قراءة الفاتحة مرة واحدة فإن دلّ دليل خارجى على وجوبها في كل ركعة وجب المصير إليه اهـ كلامهم (وفيه أنه) قد ثبت ما يدل على لزوم قراءة

الفاتحة في كل ركعة كما عرفت (وقال) زيد بن على والناصر الواجب قراءة الفاتحة في الأوليين وكذا قال أبو حنيفة لكن من غير تخصيص للقراءة بالفاتحة. وأما الأخيرتان فلا تتعين القراءة فيهما عندهم بل إن شاء قرأ وأن شاء سبح (واحتجوا) بما روى عن على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أنه قرأ في الأوليين وسبح في الأخريين. لكنه ضعيف لأنه من رواية الحارث الأعور وهو كذاب مشهور بالضعف عند الحفاظ. واستدلوا أيضا بقوله تعالى "فاقرءوا ما تيسر من القرآن" قالوا والأمر لا يقتضى التكرار فتتعين القراءة في الركعة الأولى منها وإنما أوجبناها في الثانية قياسا على الأولى لأنهما تتشابهان من كل وجه، لكن تقدّم أن الآية واردة في قيام الليل لا في قدر القراءة في المكتوبة. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والدارقطني (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا السَّائِبِ، مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زَهْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ فَهِيَ خِدَاجٌ فَهِيَ خِدَاجٌ غَيْرُ تَمَامٍ» قَالَ: فَقُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنِّي أَكُونُ أَحْيَانًا وَرَاءَ الْإِمَامِ قَالَ: فَغَمَزَ ذِرَاعِي، وَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا يَا فَارِسِيُّ فِي نَفْسِكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ: فَنِصْفُهَا لِي، وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: " اقْرَءُوا يَقُولُ الْعَبْدُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: حَمِدَنِي عَبْدِي، يَقُولُ الْعَبْدُ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1]، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، يَقُولُ الْعَبْدُ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وهذه الآية بيني بين عبدي يَقُولُ الْعَبْدُ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، فهَذِهِ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، يَقُولُ الْعَبْدُ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]، فَهَؤُلَاءِ لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ "

(ش) (رجال الحديث) (القعنبى) عبد الله بن مسلمة. و (أبو السائب) يقال اسمه عبد الله ابن السائب. روى عن المغيرة بن شعبة وأبى سعيد الخدرى. وعنه أسماء بن عبيد وبكير بن عبد الله بن الأشج والعلاء بن عبد الرحمن. قال ابن عبد البر أجمعوا على أنه ثقة مقبول النقل وقال في التقريب ثقة من الثالثة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي والترمذى (معنى الحديث) (قوله من صلى صلاة) عام يشمل الفرض والنفل كما تؤيده رواية الدارقطنى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من صلى صلاة مكتوبة أو تطوعا فليقرأ فيها بأم الكتاب "الحديث" (قوله لم يقرأ فيها بأم القرآن) أى الفاتحة. وسميت بأم القرآن لاشتمالها على مقاصده من الثناء على الله تعالى بما هو أهله، والتعبد بالأمر والنهى والوعد والوعيد، ولاشتمالها على أحوال المعاش والمعاد، وعلى مدح المهتدين وذم ضدهم وغير ذلك (قوله فهى خداج الخ) أى ذات خداج أو هو وصف بالمصدر للمبالغة والتكرار فيه للتأكيد. والخداج النقصان كما قال الخليل والأصمعى والسجستانى وغيرهم. يقال خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج وإن كان تام الخلقة وأخدجته إذا ولدته ناقصا وإن كان لتمام الولادة. وخدج الصلاة نقصها (وقال) السرقسطى أخدج الرجل صلاته إخداجا إذا نقصها. ومعناه أتى بها غير كاملة (قوله غير تمام) أى غير كاملة أجزاؤها وهو من كلامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذكره بيانا للخداج أو تأكيدا له ويحتمل أنه كلام الراوى مدرج في الحديث (وفي هذا) حجة للجمهور القائلين بفرضية قراءة الفاتحة في الصلاة (وما قيل) من أن النقص لا يستلزم البطلان محله ما لم تقم قرينة على أن المراد به النقصان المؤدى إلى البطلان كما هنا فقد تقدم عن الدارقطنى بإسناد صحيح لا تجزئ صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (قال) الباجى قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهى خداج يعني ناقصة عما يجب فيها وكذلك قال عيسى بن دينار وابن نافع إن الخداج الناقص الذى لا يتم وذلك يقتضى أن لا تكون مجزئة. وقد تعلق بعض من تكلم في ذلك بهذا اللفظ وجعله دليلا على الإجزاء لأنه سماها صلاة ووصفها بالنقصان وذلك يقتضى أن يثبت لها حكم الصلاة وإن نقصت فضيلتها أو صفة من صفاتها لا تخرج بعدمها عن كونها صلاة (وليس) هذا بصحيح لأن اسم الصلاة ينطلق على المجزئ منها وغير المجزئ يقال صلاة فاسدة وصلاة غير مجزئة كما يقال صلاة صحيحة وصلاة مجزئة وإطلاق اسم النقصان عليها يقتضى نقصان أجزائها والصلاة لا تتبعض فإذا بطل بعضها بطل جميعها. ولا يجوز أن يطلق اسم النقصان على عدم الفضيلة لمن كملت أجزاؤه اهـ (وقال) ابن عبد البر زعم من لم يوجب قراءة الفاتحة في الصلاة أن قوله خداج يدل على جوازها لأن الصلاة الناقصة جائزة. وهذا

تحكم فاسد لأن الناقص لم يتم ومن خرج من صلاته قبل أن يتمها فعليه إعادتها تامة كما أمر ومن ادعى أنها تجوز مع إقراره بنقصها فعليه الدليل اهـ (قوله قال) أى أبو السائب (قوله إني أكون أحيانا وراء الإمام الخ) أى أأقرأ أم لا فغمز ذراعي. وغمزه تنبيها له وحثا على جمع ذهنه ليفهم مراده وجوابه (قوله اقرأ بها يا فارسى الخ) وفي نسخة اقرأ بها في نفسك يا فارسى يعني اقرأ بأم الكتاب سرا (وفيه حجة) لما ذهب إليه الشافعية من أن المأموم يقرأ الفاتحة خلف الإمام مطلقا سرية كانت الصلاة أو جهرية (وسيأتي) تحقيق المقام بعد (قوله فإني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) احتجاج من أبى هريرة على ما قاله من القراءة سرا وأنه لا يترك قراءة الفاتحة من كان وراء الإمام لما أخبر به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من فضيلة القراءة بأم القرآن (قوله قسمت الصلاة الخ) المراد بها الفاتحة كما يدل عليه تمام الحديث. وسميت صلاة لأن الصلاة لا تصح إلا بها. ففيه إطلاق اسم الكل على الجزء. ونظيره قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الحج عرفة. والمراد قسمتها من جهة المعنى لا اللفظ لأن نصف الدعاء يزيد على نصف الثناء ونصفها الأول تحميد لله تعالى وتمجيد له وثناء عليه ونصفها الثانى سؤال وتضرع وافتقار. ويحتمل أن تكون القسمة باعتبار اللفظ لأنها سبع آيات ثلاث ثناء وثلاث دعاء والآية المتوسطة نصفها ثناء ونصفها دعاء (قوله فنصفها لى) أى خاص بي وهو الثلاث الآيات الأول الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , مالك يوم الدين (قوله ونصفها لعبدى) أى خاص به وهو من اهدنا الصراط المستقيم الخ (قوله إياك نعبد وإياك نستعين) بين الله وبين العبد كما صرح به الحديث. وإضافة العبد إلى ربه لتحققه بصفات العبودية وقيامه بحق الربوبية وشهوده لآثارهما وأسرارهما في صلاته التي هي معراج الأرواح وروح الأشباح وغرس تجليات الأسرار التي يتخلى بها الأحرار عن الأغيار. ولما كان وصف العبودية غاية الكمال إذ به ينصرف الإنسان من الخلق إلى الحق وصف الله تعالى به نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في مقام الكرامة فقال "سبحان الذى أسرى بعبده ليلا" وقال عز وجل "تبارك الذى نزل الفرقان على عبده"وقال "فأوحى إلى عبده ما أوحى" (قوله ولعبدى ما سأل) وعد الله تعالى بإجابة دعاء العبد (قوله اقرءوا) أى الفاتحة (قوله يقول العبد الحمد لله رب العالمين) بيان للصلاة التي قسمها الله تعالى بينه وبين العبد. وبيان لمعنى القسمة لها فذكر صلى الله عليه وآله وسلم ما يقوله الله تعالى عند قراءة العبد كل آية منها وأعلم العبد أنه يسمع قراءته وحمده وثناءه عليه وتمجيده إياه ودعاءه ورغبته إليه حضا للعبد على الخشوع عند قراءة هذه السورة المختصة بهذه المعاني الجليلة التي لا تكاد تجتمع في غيرها من السور (وفيه حجة) لمن قال إن البسملة ليست آية من الفاتحة ولو كانت منها لبدأ بها وذكر فضلها كما ذكر فضل كل آية منها وتقدّم بيانه وافيا في باب من لم ير الجهر

تفسير سورة الفاتحة

ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (قوله حمدني عبدى) أى أثنى عليّ بما أنا أهله (قوله الرحمن الرحيم) أى المحسن بجميع النعم جليلها وصغيرها أو مريد الإحسان بها لمستحقها. وفي الإتيان بالرحمن الرحيم عقب اتصافه برب العالمين ترغيب بعد ترهيب وهو أعون للعبد على الطاعة وأمنع من المعصية (قوله أثنى علي عبدي) حيث اعترف لي بعموم الإنعام على خلقي (قوله مالك يوم الدين) أى يوم الجزاء بالثواب للطائعين والعقاب للعاصين وهو يوم القيامة. ومالك اسم فاعل صفة لله تعالى "ولا يقال" إن اسم الفاعل إضافته لفظية فلا تفيده التعريف فكيف توصف المعرفة بالنكرة "لأن" محلّ كون إضافته لفظية إذا كان للحال أو الاستقال فإن قصد به المضى أو الدوام كما هنا فإضافته حقيقية فتوصف به المعرفة. وقرئَ ملك من الملك بضم الميم وهو السلطان القاهر والاستيلاء الباهر والغلبة التامة والقدرة على التصرف الكل بالأمر والنهى. واختلف في أيّ القراءتين أبلغ فقيل ملك أعمّ وأبلغ من مالك إذ كل ملك مالك ولا عكس. ولأن أمر الملك نافذ على المالك في ملكة حتى لا يتصرّف المالك إلا عن تدبير الملك. وقيل مالك أبلغ لما فيه من زيادة الثناء الناشئ عن زيادة البناء فتدل على أكثرية الثواب. وخص يوم الدين بالذكر لأنه لا ملك ظاهر فيه لأحد إلا لله تعالى (قوله مجدني عبدى) أى عظمنى وأثني على بصفات الجلال (قوله إياك نعبد وإياك نستعين) أى لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك لأنك الحقيق بتلك الصفات العظام، وهذا ترق من البرهان إلى العيان ومن الغيبة إلى الحضور وهو تعليم من الله تعالى لعباده كيفية الترقى فإن العبد إذا ذكر الحقيق بالحمد عن قلب حاضر يجد من نفسه محركا للإقبال عليه وكلما أجرى على قلبه ولسانه صفة من تلك الصفات العظام قوى ذلك المحرّك إلى أن يؤول الأمر لخاتمة تلك الصفات فحيدئذ يوجب إقبال ذلك العبد على ربه وخالقه المتصف بتلك الصفات. فأول الكلام مبنيّ على حال العارف من الذكر والفكر والتأمل في أسمائه العظام والنظر في آلائه والاستدلال بصنعه على عظيم شأنه وباهر سلطانه ثم بعد ذلك أتى بمنتهاه وهو الخطاب والحضور المشعر بكونه في نهاية المراقبة والشهود وهو مقام الإحسان المشار له بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حديث الصحيحين حين سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه. والضمير المستكن في نعبد ونستعين للقارئ. ومن معه من الحفظة وحاضري صلاة الجماعة. أو له ولسائر الموحدين أدرج عبادته في عبادتهم وخلط حاجته بحاجتهم لعل عبادته تقبل ببركة عباداتهم وحاجته يجاب إليها ببركة حاجاتهم. وكرّر الضمير للدلالة على تخصيصه تعالى بكل من العبادة والاستعانة والتلذذ بالمناجاة والخطاب وقدّم العبادة على الاستعانة لأنها وصلة لقضاء الحاجة فإذا أفرد العبد ربه بعبادته أعانه. وحذف المعمول من كلّ يؤذن بالعموم (قوله فهذه بينى وبين عبدى) وفي رواية مالك فهذه الآية بينى وبين عبدى. وفي رواية مسلم هذا بيني وبين عبدى. وكانت بين الله عزّ وجلّ

وبين عبده لأن بعضها تعظيم لله وهو إياك نعبد وبعضها استعانة للعبد على أمر دينه ودنياه وهو إياك نستعين (قوله اهدنا الصراط المستقيم) أى دلنا على الدين الحق الذى لا اعوجاج فيه وأصل الصراط الطريق الحسى ثم أريد به هنا دين الإسلام (قوله صراط الذين أنعمت عليهم) أى بالهداية وهم جميع المؤمنين. وقيل هم المذكورون في قوله تعالى "فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين" وقيل هم الأنبياء خاصة وأنعم من الإنعام وهو إيصال الإحسان إلى الغير بشرط أن يكون ذلك الغير عاقلا فلا يقال أنعم فلان على فرسه ولا على حماره. وحذف متعلق أنعمت ليؤذن بالعموم فيشمل كل نعمة. ونعم الله لا تحصى باعتبار أفرادها كما قال تعالى "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها" وأما باعتبار جملتها فتحصى لأنها قسمان دنيوية وأخروية والأول إما وهبي أو كسبي. والوهبي إما روحاني كنفخ الروح والتزيين بالعقل والفهم والنطق أو جسمانى كخلق البدن والقوى الحالة فيه والصحة وكمال الأعضاء. والكسبى كتزكية النفس وتخليتها عن الرذائل وتحليتها بالفضائل والأخلاق السنية. والثاني الأخروى غفران الله تعالى للعبد وإنزاله في جنان النعيم مع النبيين والصديقين والملائكة المقربين أبد الآبدين (قوله غير المغضوب عليهم) أتى باسم المفعول ولم يقل غير الذين غضب عليهم تعليما لعباده الأدب حيث أسند لنفسه الخير وأبهم في الشر. وأصل الغضب ثوران دم القلب لإرادة الانتقام ومنه قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم اتقوا الغضب فإنه جمرة تتوقد في قلب ابن آدم الم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه. وإذا وصف الله به فالمراد به الانتقام أو إرادة الانتقام فهو صفة فعل أو صفة ذات (قوله ولا الضالين) أى وغير العادلين عن الصراط المستقيم. والمراد بالمغضوب عليها اليهود وبالضالين النصارى كما جاء مفسرا بذلك في رواية أحمد وابن حبان عن ابني عباس ومسعود وإن كان اللفظ عاما يشمل الفساق وكل من أخطأ في الاعتقاد. وقدّم المغضوب عليهم على الضالين مع أن الضلال في بادئ النظر سبب للغضب لتقدّم زمن المغضوب عليهم الذين هم اليهود على زمن الضالين الذين هم النصارى أو لأن اليهود أشدّ في الكفر والعناد وأعظم في الخبث والفساد وأشدّ عداوة للذين آمنوا وأيضا فإن اليهود كفروا بنبينا محمد وعيسى عليهما وعلى آلهما الصلاة والسلام بخلاف النصارى فإنهم كفروا بمحمد وآمنوا بعيسى (قوله فهؤلاء لعبدى الخ) أى أن هذه الآيات مختصة بالعبد لأنها دعاء بالتوفيق إلى صراط من أنعم عليها والعصمة من صراط الضالين المخالفين. وقد وعد الله العبد بأن له ما سأله والله لا يخلف الميعاد (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مالك في الموطأ وأحمد ومسلم والنسائى والترمذى (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَابْنُ السَّرْحِ، قَالَا: نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ

دليل وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة

ابْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قال «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَصَاعِدًا»، قَالَ سُفْيَانُ: لِمَنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ (ش) (رجال الحديث) (ابن السرح) أحمد بن عمرو تقدم في الجزء الأول صفحة 324 وكذا (سفيان) بن عيينة صفحة 47. و (محمود بن الربيع) هو ابن سراقة بن عمرو الخزرجى الأنصارى أبو محمد اختلف في صحبته قال في التقريب صحابى صغير وجلّ روايته عن الصحابة ويؤيد صحبته ما رواه البغوى من طريق الأوزاعي عن الزهرى عنه قال ما أنسى مجة مجها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من بئر في دارنا في وجهى. وقال ابن أبى حاتم ليست له صحبة وقال العجلى ثقة من كبار التابعين. روى عن عتبان بن مالك وعبادة بن الصامت وأبى أيوب. وعنه الزهرى ومكحول ورجاء بن حيوة وهانئ بن كلثوم. مات سنة تسع وتسعين روى له الجماعة (قوله يبلغ به الخ) أى يرفع الحديث إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (معنى الحديث) (قوله لا صلاة لمن لم يقرأ الخ) وفي نسخة لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب. وتقدم شرحه (قوله فصاعدا) أى زائدا على الفاتحة فهو حال من فاعل يقرأ أى لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فزاد القراءة صاعدا على الفاتحة فهو على حدّ قولهم اشتريته بدرهم فصاعدا أى فزاد الثمن صاعدا على الدرهم (وقال في الفتح) قال البخارى في جزء القراءة هو نظير قوله تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا اهـ (واستدل به) من قال بوجوب قراءة زائدة على الفاتحة في الصلاة (وأجاب) عنه غيرهم بأن الغرض منه دفع توهم قصر القراءة في الصلاة على الفاتحة (وفي الفتح) "وادّعى" ابن حبان والقرطبي وغيرهما الإجماع على عدم وجوب قدر زائد على الفاتحة "وفيه نظر" لثبوته عن بعض الصحابة ومن بعدهم فيما رواه ابن المنذر وغيره. ولعلهم أرادوا أن الأمر استقر على ذلك اهـ من الفتح (قوله قال سفيان لمن يصلى وحده) يعني هذا الحديث محمول على من يصلى منفردا. لكن هذا تخصيص للعام بلا دليل. ويؤيد بقاءه على عمومه الحديث الآتي (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبخارى ومسلم والنسائى والترمذى وقال حديث حسن صحيح وابن ماجه والدارقطنى وليس في حديث بعضهم فصاعدا (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ

مذاهب الأئمة في قراءة المأموم خلف الإمام

وَسَلَّمَ، فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: «لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ» قُلْنَا: نَعَمْ هَذًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا» (ش) (مكحول) تقدّم في الجزء الثالث صفحة 77. (قوله فثقلت عليه القراءة الخ) أى شقت والتبست عليه لكثرة أصوات من خلفه فخلطوا عليه فقال لعلكم تقرءون خلف إمامكم يعني نفسه صلى الله عليه وآله وسلم. وقال خلف إمامكم ولم يقل خلفي مع أنه الظاهر ليؤذن. بأن تلك الفعلة غير مناسبة لمن يقتدى بالإمام. وأتى بلعلّ لعدم تحققه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قراءتهم. وفي رواية للدارقطني إني لأراكم تقرءون وراء إمامكم. وفي رواية له كأنكم تقرءون خلفي (قوله قلنا نعم هذا الخ) وفي رواية الدارقطني قلنا أجل والله يا رسول الله هذا. والهذّ سرعة القراءة يقال هذّ قراءته هذّا من باب قتل أسرع فيها (قوله لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب) أى لا تقرءوا خلف الإمام شيئا إلا فاتحة الكتاب. وهو محمول على الصلاة الجهرية. لما رواه أحمد والدارقطني عن عبادة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يقرأن أحد منكم شيئا من القرآن إذا جهرت بالقراءة إلا بأم القرآن. وما رواه النسائي وسيأتي للمصنف من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تقرءوا بشئ من القرآن إذا جهرت به إلا بأم القرآن. ويؤخذ مما ذكر أن الصلاة السرية يقرأ المأموم فيها بأم القرآن والسورة (قوله فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) تعليل لاستثناء الفاتحة من النهى المذكور. وهو يدل على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم وغيره في كل ركعة من الصلاة السرية والجهرية وبه قال الأوزاعي ومكحول وأبو ثور والناصر وكذا الشافعية وقالوا إلا المسبوق الذى أدرك الإمام راكعا فإنها تسقط عنه (وقال) الترمذى القراءة خلف الإمام هي قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والتابعين وبه يقول مالك والشافعى وأحمد وإسحاق اهـ (واستدلوا) بحديث الباب وأشباهه "وقالوا" هو عام في كل مصل ولم يثبت تخصيصه بغير المأموم بمخصص صريح فبقى على عمومه "ولا يقال" هذا الحديث من رواية محمد بن إسحاق عن مكحول وابن إسحاق مدلس والمدلس إذا قال في روايته عن لا يحتج بحديثه عند جميع المحدثين لأن الدارقطني والبيهقي رويا الحديث بإسنادهما عن ابن إسحاق بالتحديث (وقد) علم من قاعدة المحدّثين أن المدلس إذا روى حديثه من طريق فقال في إحداهما "عن" وفي الأخرى "حدثني أو أخبرني" كان الطريقان صحيحين وحكم باتصال الحديث (وقال) أبو حنيفة والثورى وابن عيينة وابن وهب من المالكية وجماعة بعدم قراءة المأموم في الجهرية والسرية (واستدلوا) بما رواه الدارقطني عن عبد الله بن شداد أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من كان له إمام فقراءة الإمام له

قراءة (قال في الهدى) وقد روى هذا الحديث مسندا من عدة طرق كلها ضعاف والصحيح أنه مرسل اهـ (وقال) الدارقطنى روى هذا الحديث سفيان الثورى وشعبة وإسراءيل وشريك وأبو خالد الدالانى وأبو الأحوص وسفيان بن عيينة وجرير بن عبد الحميد وغيرهم عن موسى بن أبى عائشة عن عبد الله بن شداد مرسلا عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو الصواب اهـ لكن قال ابن الهمام المرسل حجة عند أكثر أهل العلم. وعلى تقدير التنزل عن حجيته فقد رفعه أبو حنيفة بسند صحيح روى محمد بن الحسن في موطئه أخبرنا أبو حنيفة حدثنا أبو الحسن موسى بن أبى عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من صلى خلف إمام فإن قراءته له قراءة "وقولهم" إن الحفاظ الذين عدوهم لم يرفعوه "غير صحيح" قال أحمد بن منيع في مسنده أخبرنا إسحاق بن الأزرق قال حدثنا سفيان وشريك عن موسى ابن أبى عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة. ورواه عبد بن حميد قال حدثنا أبو نعيم حدثنا الحسن بن صالح عن أبى الزهير عن جابر عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال فذكره وإسناد حديث جابر الأول صحح على شرط مسلم فهؤلاء سفيان وشريك وأبو الزهير رفعوه بالطرق الصحيحة فبطل عدهم فيمن لم يرفعه. ولو تفرد الثقة بزيادة وجب قبولها لأن الرفع زيادة وزيادة الثقة مقبولة فكيف والحال أنه لم ينفرد. والثقة قد يسند الحديث تارة ويرسله أخرى اهـ ملخصا واستدلوا أيضا بما رواه الحاكم من طريق عبد الصمد بن الفضل قال حدثنا مكي بن إبراهيم عن أبى حنيفة عن موسى بن أبى عائشة عن عبد الله بن شداد بن الهادى عن جابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى ورجل خلفه يقرأ فجعل رجل من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينهاه عن القراءة في الصلاة فلما انصرف أقبل عليه الرجل وقال أتنهاني عن القراءة خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فتنازعا حتى ذكرا ذلك للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من صلى خلف إمام فإن قراءة الإمام له قراءة. وفي رواية لأبى حنيفة أن رجلا قرأ خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الظهر أو العصر فأومأ إليه رجل فنهاه فلما انصرف قال أتنهانى الخ. واستدلوا أيضا بما رواه الطحاوى من طريق منصور بن المعتمر عن أبى وائل عن ابن مسعود قال أنصت للقراءة فإن في الصلاة شغلا وسيكفيك ذلك الإمام. وبما رواه أيضا عن علقمة عن ابن مسعود قال ليت الذى يقرأ خلف الإمام ملئَ فوه ترابا. وبما رواه أيضا عن عبد الله بن مقسم أنه سأل عبد الله ابن عمر وزيد بن ثابت وجابر بن عبد الله فقال لا تقرءوا خلف الإمام في شئ من الصلوات وبما رواه عن ابن عمر أنه كان إذا سئل هل يقرأ أحد خلف الإمام يقول إذا صلى أحدكم

رجحان وجوب قراءة المأموم في الصلاة مطلقا

خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام (وذهب) مالك وابن المبارك وإسحاق والزهرى إلى أن المأموم يقرأ في الصلاة السرية دون الجهرية فإنه ينصت للإمام فيها لأنه إذا لم يشغل نفسه بالتفكر في قراءة الإمام إذا جهر أو لم يقرأ هو إذا أسر الإمام تسلط عليه الوسواس وحديث النفس فيشغله عن الحضور في الصلاة. واستدلوا بقوله تعالى "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا" وجمع بين الاستماع والإنصات للتأكيد والاهتمام بأمر القرآن (قال) ابن عبد البر لا خلاف في أنه نزل في هذا المعنى دون غيره ومعلوم أنه في صلاة الجهر لأن السر لا يسمع فدل على أنه أراد الجهر خاصة. وأجمعوا على أنه لم يرد كل موضع يستمع فيه القرآن وإنما أراد الصلاة ويشهد له قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الإمام وإذا قرأ فأنصتوا فأين المذهب "أى الفرار" عن السنة وظاهر القرآن اهـ ويؤيد أن الآية في الصلاة ما رواه البيهقي عن مجاهد قال قرأ رجل من الأنصار خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الصلاة فنزلت وإذا قرئَ القرآن الخ. وما أخرجه ابن جرير عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أنه صلى بأصحابه فسمع ناسا يقرءون خلفه فلما انصرف قال أما آن لكم أن تفهموا أما آن لكم أن تعقلوا وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا كما أمركم الله. واستدلوا أيضا بما رواه مسلم عن أبى موسى الأشعرى مرفوعا وفيه وإذا قرأ فأنصتوا. والإنصات السكوت لاستماع الحديث كما قاله الأزهرى. وبما سيأتى للمصنف عن أبى هريرة وفيه ما لي أنازع القرآن فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيما جهر فيه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالقراءة (وبقراءة المأموم) في السرية وعدمها في الجهرية قالت الحنابلة. قالوا ويقرأ في الجهرية إذا لم يسمع قراءة الإمام (والظاهر) ما ذهب إليه الفريق الأول من وجوب قراءة الفاتحة خلف الإمام مطلقا في السرية والجهرية لأن قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حديث الباب لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب الخ دليل على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم خصوصا وأن قوله لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب دليل عليه بعمومه. وقول من قال إنه محمول على الإمام والفذ تخصيص بلا مخصص يعوّل عليه. وحديث من صلى خلف الإمام فقراءة الإمام له قراءة عام في الفاتحة وغيرها يخص بحديث الباب فتكون قراءة الإمام قراءة للمأموم في غير الفاتحة. وقوله تعالى "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا" عام في استماع الفاتحة وغيرها فيخص أيضا بحديث الباب فيسمع المأموم قراءة الإمام في غير الفاتحة: على أن بعضهم حمل القرآن في الآية على الخطبة قالوا وسميت قرآنا لاشتمالها عليه. وبعضهم حملها على ترك الكلام في الصلاة كما يدل عليه ما رواه البيهقي عن أبي هريرة ومعاوية قالا كان الناس يتكلمون

الخلاف في محل قراءة المأموم الفاتحة

في الصلاة فنزلت هذة الآية (واختلف) القائلون بوجوب قراءة الفاتحة خلف الإمام في محل قراءتها. فقيل في محل سكتاته بين الآيات. وقيل في سكوته بعد قراءة الفاتحة (قال في النيل) ظاهر الأحاديث أنها تقرأ عند قراءة الإمام. وفعلها حال سكوت الإمام إن أمكن أحوط ويكون فاعل ذلك آخذا بالإجماع. وأما اعتياد قراءتها حال قراءة الإمام للفاتحة فقط أو حال قراءته للسورة فقط فليس عليه دليل بل الكل جائز وسنة. نعم حال قراءة الإمام للفاتحة مناسب من جهة عدم الاحتياج إلى تأخير الاستعاذة عن محلها الذى هو بعد التوجه أو تكريرها عند إرادة قراءة الفاتحة إن فعلها في محلها أولا وأخر الفاتحة إلى حال قراءة الإمام السورة ومن جهة الاكتفاء بالتأمين مرة واحدة عند فراغه وفراغ الإمام من قراءة الفاتحة إن وقع الاتفاق في التمام بخلاف من أخر قراءة الفاتحة إلى حال قراءة الإمام السورة (وقد بالغ) بعض الشافعية فصرح بأنه إذا اتفقت قراءة الإمام والمأموم في آية خاصة من آى الفاتحة بطلت صلاته روى ذلك صاحب البيان من الشافعية عن بعض أهل الوجوه منهم وهو من الفساد بمكان يغنى عن ردّه اهـ ببعض تصرف (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والدارقطنى وابن حبان والطحاوى (ص) حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَزْدِيُّ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ نَافِعٌ: أَبْطَأَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، فَأَقَامَ أَبُو نُعَيْمٍ الْمُؤَذِّنُ الصَّلَاةَ فَصَلَّى أَبُو نُعَيْمٍ بِالنَّاسِ، وَأَقْبَلَ عُبَادَةُ وَأَنَا مَعَهُ، حَتَّى صَفَفْنَا خَلْفَ أَبِي نُعَيْمٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فَجَعَلَ عُبَادَةُ يَقْرَأُ أُمَّ الْقُرْآنِ فَلَمَّا انْصَرَفَ، قُلْتُ لِعُبَادَةَ: سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَأَبُو نُعَيْمٍ يَجْهَرُ، قَالَ: أَجَلْ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بَعْضَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ قَالَ: فَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «هَلْ تَقْرَءُونَ إِذَا جَهَرْتُ بِالْقِرَاءَةِ؟ »، فَقَالَ بَعْضُنَا: إِنَّا نَصْنَعُ ذَلِكَ، قَالَ: " فَلَا، وَأَنَا أَقُولُ: مَا لِي يُنَازِعُنِي الْقُرْآنُ، فَلَا تَقْرَءُوا بِشَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ إِذَا جَهَرْتُ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ ".

(ش) (رجال الحديث) (الربيع بن سليمان الأزدى) أبو محمد الجيزى الأعرج روى عن الشافعى وابن وهب والنضر بن عبد الحميد وعبد الله بن يوسف وآخرين. وعنه أبو داود والنسائى والطحاوى وأبو بكر الباغندى. وثقه الخطيب وابن يونس وقال النسائى لا بأس به وقال مسلمة بن قاسم كان رجلا صالحا كثير الحديث مأمونا ثقة وقال أبو عمر الكندى كان فقيها دينا وقال في التقريب ثقة من الحادية عشرة. روى له أبو داود والنسائى. توفي سنة ست وخمسين ومائتين. و (عبد الله بن يوسف) أبو محمد الكلاعي. روى عن مالك والليث بن سعد ويحيى بن حمزة وعيسى بن يونس والوليد بن مسلم وجماعة. وعنه البخارى والجوزجاني وابن معين وأبو حاتم وكثيرون. وثقه العجلى وأبو حاتم وقال ابن عدى صدوق لا بأس به وقال الخليلي ثقة متفق عليه وقال ابن يونس كان ثقة كثير الحديث وقال في التقريب ثقة متقن من كبار العاشرة توفي سنة ثماني عشرة ومائتين. روى له البخارى وأبو داود والنسائى والترمذى. و (زيد ابن واقد) القرشى الدمشقى أبو عمر ويقال أبو عمرو. روى عن مكحول وجبير بن نفير وقزعة ابن يحيى وكثير بن مرة وغيرهم. وعنه الوليد بن مسلم وصدقة بن خالد ويحيى بن حمزة والهيثم ابن حميد وآخرون. وثقه أحمد وابن معين والعجلى والدارقطني وقال أبو حاتم لا بأس به محله الصدق وقال في التقريب ثقة من السادسة. روى له أبو داود والنسائى والبخارى وابن ماجه و (نافع بن محمود بن الربيع) ويقال ابن ربيعة الأنصارى. روى عن عبادة بن الصامت. وعنه مكحول وحزام بن حكيم. ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن عبد البر مجهول وقال في التقريب مستور من الثالثة. روى له أبو داود والنسائى. و (عبادة بن الصامت) تقدم في الجزء الرابع صفحة 3 (معنى الحديث) (قوله فأقام أبو نعيم المؤذن الصلاة) وفي رواية الدارقطني فأقام أبو نعيم المؤذن الصلاة وكان أول من أذن في بيت المقدس. وأبو نعيم هو محمود بن الربيع (قوله فجعل عبادة يقرأ بأم القرآن الخ) أى شرع يقرأ فيها فلما فرغ أبو نعيم من الصلاة قال نافع لعبادة سمعتك تقرأ الخ. وفي رواية الدارقطني قد صنعت شيئا فلا أدرى أسنة هي أم سهو كانت منك قال وما ذاك قال سمعتك تقرأ الخ (قوله أجل) أى نعم قرأت (قوله فالتبست عليه القراءة) أى اشتبهت واختلطت بسبب قراءة المأمومين (قوله إنا نصنع ذلك) وفي رواية الدارقطني إنا لنصنع ذلك أى القراءة (قوله فلا) أى لا تقرءوا إذا جهرت بالقراءة. وفي رواية الدارقطني فلا تفعلوا (قوله مالى ينازعني القرآن) بضم أوله مبنيا للمفعول والقرآن نائب فاعل أى مالى يجاذبني من المجاذبة وهي المنازعة في الأعيان والمعانى. وكأنهم لما جهروا خلفه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شغلوه. وفي رواية الدارقطني مالى أنازع القرآن (ويحتمل) أن يكون مبنيا للفاعل والقرآن فاعل. والمراد بالمنازعة الاشتباه

والثقل (قوله فلا تقرءوا بشئ الخ) وفي رواية الدارقطني لا يقرأن أحد منكم شيئا من القرآن إذا جهرت بالقرآن إلا بأم القرآن. وهذا تفصيل منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد الإجمال بقوله فلا (وفيه) دليل لمن قال إن المأموم يقرأ الفاتحة في الصلاة الجهرية. ويؤخذ منه أنه يقرأ في السرية بأم القرآن وغيرها. وليس في حديث الباب ما يدل صراحة على أن قراءة المأموم الفاتحة تكون سرا أو جهرا لكن جاءت أحاديث أخر تدل على أنه يقرؤها سرّا. فقد روى الدارقطني عن مكحول عن عبادة بن الصامت قال سألنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هل تقرءون معى وأنا أصلى قلنا إنا نقرأ نهذّه هذّا وندرسه درسا قال فلا تقرءوا إلا بأم القرآن سرا في أنفسكم قال الدارقطني هذا مرسل. وروى البيهقي والطبراني وابن حبان عن أنس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتقرءون في صلاتكم خلف الإمام والإمام يقرأ فلا تفعلوا وليقرأ أحدكم في نفسه. وتقدم قول أبي هريرة لأبي السائب اقرأ بها يا فارسى في نفسك (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الدارقطني مطولا وأخرجه النسائى مختصرا (ص) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، نَا الْوَلِيدُ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ عُبَادَةَ، نَحْوَ حَدِيثِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالُوا: فَكَانَ مَكْحُولٌ، يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سِرًّا، قَالَ مَكْحُولٌ: اقْرَأْ فِيمَا جَهَرَ بِهِ الْإِمَامُ إِذَا قَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسَكَتَ سِرًّا فَإِنْ لَمْ يَسْكُتِ اقْرَأْ بِهَا قَبْلَهُ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ لَا تَتْرُكْهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ (ش) (رجال الأثر) (الوليد) بن مسلم تقدم في الجزء الثاني صفحة 51. و (ابن جابر) هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أبو عتبة الشامي الأزدى الداراني. روى عن الزهرى وسعيد المقبرى ومكحول والقاسم بن عبد الرحمن وكثيرين. وعنه بشر بن بكر وعيسى بن يونس ويحيى بن حمزة وغيرهم. وثقه ابن معين والعجلى والنسائى وابن سعد وأبو داود وقال أبو حاتم صدوق لا بأس به ثقة وقال ابن أبى داود ثقة مأمون وقال ابن المديني يعد في الطبقة الثانية من فقهاء أهل الشام بعد الصحابة. مات سنة ثلاث أو أربع وخمسين ومائة روى له الجماعة

باب من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام

(معنى الأثر) (قوله نحو حديث الربيع بن سليمان) أى حدّث هؤلاء عن مكحول حديثا نحو حديث الربيع بن سليمان. وهذه الرواية منقطعة لأن مكحولا لم يدرك عبادة بن الصامت (قوله قالوا الخ) أى قال من حدّثوا عن مكحول فكان مكحول يقرأ في المغرب والعشاء والصبح بفاتحة الكتاب في كل ركعة سرا. وأتي به المصنف ليفيد أن مكحولا عمل على ما رواه وأنه مذهبه (قوله قال مكحول اقرأ فيما جهر به الإمام الخ) أي إقرأ الفاتحة سرا في الصلوات التي يجهر فيها الإمام بعد قراءته الفاتحة. وذكر المصنف قول مكحول للإشارة إلى أن مكحولا يرى أن الأفضل للمأموم أن يقرأ الفاتحة في سكتة الإمام التي بعد الفاتحة (قوله فإن لم يسكت اقرأ بها قبله ومعه الخ) الواو بمعنى أو. لكن قراءة المأموم الفاتحة قبل الإمام غير مسلمة لأن الأدلة على خلافها كما يؤخذ مما تقدم (باب من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام) وفي بعض النسخ إسقاط هذه الترجمة. وفي بعضها "باب من ترك القراءة فيما جهر الإمام" وفي بعضها "من رأى القراءة إذا لم يجهر" وهي غير مناسبة لمنطوق الحديث وإن كانت مناسبة لمفهومه (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ: «هَلْ قَرَأَ مَعِيَ أَحَدٌ مِنْكُمْ آنِفًا؟ »، فَقَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ؟ »، قَالَ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِالْقِرَاءَةِ مِنَ الصَّلَوَاتِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ. (ش) (رجال الحديث) (القعنبي) هو عبد الله بن مسلمة. و (ابن شهاب) محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى. و (ابن أكيمة الليثى) هو عمارة بضم العين وتخفيف الميم. وقيل عمار أبو الوليد المدنى. روى عن أبى هريرة وابن أخى أبي رهم الغفارى. وعنه الزهرى. قال أبو حاتم صالح الحديث مقبول وذكره ابن حبان في الثقات. ووثقه يحيى بن سعيد وقال يعقوب بن سفيان من مشاهير التابعين بالمدينة وقال الحميدى والبيهقي مجهول وقال في التقريب ثقة من

الثالثة. توفي سنة إحدى ومائة. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى (معنى الحديث) (قوله أنفا) أي قريبا (قوله قال إني أقول الخ) أى أقول في نفسى مالى أنازع القرآن بالبناء للمفعول أى أجاذب وأغالب فيه. ويؤتى يمثل هذه العبارة لمعان (منها) أن يعاتب الإنسان نفسه فيقول ما لى فعلت كذا وكذا (ومنها) اللوم على من فعل ما لا يحبه اللائم فيقال ما لى أوذى وما لى أمنع حقى (ومنها) الإنكار على أمر غاب سببه فيقول الإنسان ما لى لا أدرك أمر كذا. ولعل الأخير هو المناسب هنا (قوله قال فانتهى الناس الخ) أى قال أبو هريرة أو الزهرى فامتنع الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيما جهر فيه الخ (وفيه) دلالة لمن قال إن المأموم لا يقرأ خلف الإمام في الجهرية (وأجاب) عنه من قال بوجوب القراءة مطلقا بأنه ضعيف لأنه من رواية ابن أكيمة وفيه مقال. وبأن قوله فانتهى الناس الخ مدرج في الخبر من كلام أبى هريرة أو من كلام الزهرى كما يأتى للمصنف وكما قاله الذهلى والبخارى والخطيب والخطابي أفاده في المرقاة وكذا قال البيهقي قال وكيف يصح هذا عن أبى هريرة وهو يأمر بالقراءة خلف الإمام فيما جهر به وفيما خافت اهـ وقالوا أيضا إن الحديث خارج عن محل النزاع لأن الإنكار فيه على الجهر والقراءة خلف الإمام وهو الذى تقع به منازعة الإمام. ومحل الخلاف قراءة المأموم سرا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مالك في الموطأ وأحمد والنسائى وابن حبان والشافعى والترمذى وقال حديث حسن (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى حَدِيثَ ابْنِ أُكَيْمَةَ هَذَا مَعْمَرٌ، وَيُونُسُ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَلَى مَعْنَى مَالِكٍ. (ش) أفاد به المصنف أن حديث ابن أكيمة رواه غير مالك عن الزهرى بالمعنى فقوله على معنى مالك أى على معنى حديثه لا على لفظه. ولم نقف على من وصل رواية هؤلاء (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيِّ، وَابْنِ السَّرْحِ، قَالُوا: نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قال سَمِعْتُ ابْنَ أُكَيْمَةَ، يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً نَظُنُّ أَنَّهَا الصُّبْحُ بِمَعْنَاهُ إِلَى قَوْلِهِ: «مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ».

(ش) (قوله نظن أنها الصبح) من كلام أبي هريرة (قوله بمعناه) أى حدّث مسدّد ومن معه عن سفيان عن الزهرى حديثا بمعنى حديث مالك المتقدم. وحديث سفيان أخرجه ابن ماجه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة وهشام بن عمار. وفي هذا الحديث التصريح بسماع الزهرى من ابن أكيمة وسماع ابن أكيمة من أبي هريرة بخلاف الحديث السابق فإن روايتهما فيه بالعنعنة. وفي هذا أيضا التصريح بأن الصلاة التي جهر فيها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة الصبح (ص) قَالَ أَبُو دَاودَ قَالَ مُسَدَّدٌ فِي حَدِيثِهِ: قَالَ مَعْمَرٌ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِيمَا جَهَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، وَقَالَ ابْنُ السَّرْحِ فِي حَدِيثِهِ: قَالَ مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَانْتَهَى النَّاسُ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ: مِنْ بَيْنِهِمْ، قَالَ سُفْيَانُ: وَتَكَلَّمَ الزُّهْرِيُّ بِكَلِمَةٍ لَمْ أَسْمَعْهَا، فَقَالَ مَعْمَرٌ: إِنَّهُ قَالَ: فَانْتَهَى النَّاسُ. (ش) غرض المصنف بهذا بيان اختلاف مشايخ مسدد بن مسرهد وأحمد بن عمرو بن السرح وعبد الله بن محمد الزهرى في قوله فانتهى الناس عن القراءة الخ الذى ثبت لديهم من طريق معمر بن راشد. فمسدد جعلها من كلام معمر. وابن السرح جعلها من كلام أبي هريرة وجعلها عبد الله بن محمد الزهرى من كلام محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى. ورواية معمر أخرجها ابن ماجه من طريق عبد الأعلى (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَانْتَهَى حَدِيثُهُ إِلَى قَوْلِهِ: «مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ». (ش) وفي بعض النسخ ورواه عبد الرحمن الخ أى روى هذا الحديث عبد الرحمن بن إسحاق ولم يذكر فيه قوله فانتهى الناس الخ كما لم يذكره أحمد بن محمد المروزى ومحمد بن أحمد بن أبي خلف في روايتيهما. و (عبد الرحمن بن إسحاق) هو ابن عبد الله بن الحارث بن كنانة القرشي مولاهم العامرى نزيل البصرة. روى عن أبيه وسعيد المقبرى وعبد الله بن دينار وصالح بن كيسان والزهرى. وعنه يزيد بن زريع وحماد بن سلمة وبشر بن المفضل وإسماعيل بن علية وجماعة. قال الدارقطني ضعيف يرمى بالقدر وقال الساجى صدوق يرمى بالقدر وقال العجلى يكتب حديثه وليس بالقوى ولم يحمل عنه أهل المدينة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى

باب من رأى القراءة إذا لم يجهر

(ص) وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ فِيهِ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَاتَّعَظَ النَاس بِذَلِكَ فَلَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ مَعَهُ فِيمَا يجهَرَ بِهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، قَالَ: قَوْلُهُ: فَانْتَهَى النَّاسُ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ. (ش) أشار به إلى أن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعى ومحمد بن يحيى بن فارس الذهلى جعلا قوله فانتهى الناس من كلام الزهرى كما جعلها عبد الله بن محمد الزهرى من كلامه أيضا. وفي بعض النسخ قال الزهرى فاتعظ المسلون الخ. ورواية الأوزاعي أخرجها الطحاوى قال حدثنا الفريابي عن الأوزاعي قال حدثني الزهرى عن سعيد عن أبي هريرة الخ (فتحصل) أن مسدّدا جعلها من كلام معمر وابن السرح جعلها من كلام أبي هريرة وعبد الله بن محمد الزهرى والأوزاعي والذهلى جعلوها من كلام الزهرى. وهذا الخلاف بحسب الظاهر وإلا ففى الحقيقة هو من كلام أبى هريرة ومنشأ الخلاف أن الزهرى تارة أسندها إلى أبى هريرة وتارة لم يسندها إليه وكذلك معمر (باب من رأى القراءة إذا لم يجهر) وفي بعض النسخ باب ما جاء فيمن رأى القراءة الخ وفي بعضها إسقاط هذه الترجمة (ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، نَا شُعْبَةُ، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، أَنَا شُعْبَةُ الْمَعْنَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَرَأَ خَلْفَهُ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ: «أَيُّكُمْ قَرَأَ؟ »، قَالُوا: رَجُلٌ، قَالَ: «قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ أَبُو الْوَلِيدُ فِي حَدِيثِهِ: قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْتُ لِقَتَادَةَ: أَلَيْسَ قَوْلُ سَعِيدٍ أَنْصِتْ لِلْقُرْآنِ؟ قَالَ: ذَاكَ إِذَا جَهَرَ بِهِ، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي حَدِيثِهِ: قَالَ: قُلْتُ لِقَتَادَةَ: كَأَنَّهُ كَرِهَهُ قَالَ: لَوْ كَرِهَهُ نَهَى عَنْهُ (ش) (شعبة) بن الحجاج تقدم في الجزء الأول صفحة 32. وكذا (قتادة) صفحة 34 وكذا (زرارة) بن أوفي صفحة 200 (قوله صلى الظهر) بدون شك كما في رواية لمسلم وفي رواية له صلى الظهر أو العصر (قوله قال أيكم قرأ) وفى رواية لمسلم أيكم قرأ خلفى بسبح اسم ربك الأعلى. وهو ظاهر في أن الرجل جهر بالقراءة حتى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

سمعه (قوله قالوا رجل) وفي رواية لمسلم قال الرجل أنا ولم أرد بها إلا خيرا (قوله قال قد عرفت الخ) أى قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد عرفت أن بعضكم خالجني ونازعني القراءة. وفي رواية لمسلم لقد ظننت أن بعضكم خالجنيها. والمراد منه الإنكار على الرجل في جهره بالقراءة حيث أسمع غيره فخلط عليه لا عن أصل القراءة لأن الجهر هو الذى يقع به المخالجة والمنازعة بل في هذا الحديث أنهم كانوا يقرءون السورة في الصلاة السرية (قال النووى) في الحديث إثبات قراءة السورة في الظهر للإمام والمأموم وهذا الحكم عندنا. ولنا وجه شاذ ضعيف أنه لا يقرأ المأموم السورة في السرية كما لا يقرؤها في الجهرية. وهذا غلط لأنه في الجهرية يؤمر بالإنصات وهنا لا يسمع فلا معنى لسكوته في غير استماع ولو كان في الجهرية بعيدا عن الإمام لا يسمع قراءته فالأصح أنه يقرأ السورة لما ذكرنا اهـ (قوله أليس قول سعيد أنصت للقرآن) استفهام تقريرى ولعل شعبة فهم من قول سعيد بن المسيب شيخ قتادة أنصت للقرآن أن المأموم لا يقرأ في الصلوات مطلقا فاستشكل عليه بالحديث (قوله قال ذاك إذا جهر به) أى قال قتادة قول سعيد أنصت إذا جهر الإمام بالقراءة لا مطلقا (قال البيهقي) قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى قوله ذاك إذا جهر به يحتمل أن يكون راجعا إلى الإمام. ويحتمل أن يكون راجعا إلى المأموم يعنى إنما لا يجوز للمأموم قراءته إذا جهر بالقرآن فأما إذا قرأه في نفسه فلا يكون مخالفا للإنصات (قوله قال قلت الخ) أى قال شعبة لقتادة كأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كره أن يقرأ الرجل خلفه فقال له قتادة لو كره النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صنع ذلك الرجل لنهى عنه أى لكنه لم ينه عنه فدل على عدم كراهته وإنما كره التخليط كما تقدم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى وأخرجه الدارقطني عن جابر بن عبد الله أن رجلا قرأ خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بسبح اسم ربك الأعلى فلما انصرف النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من قرأ منكم بسبح اسم ربك الأعلى فسكت القوم فسألهم ثلاث مرات كل ذلك يسكتون قال رجل أنا قال قد علمت أن بعضكم خالجنيها (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، نَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ فَلَمَّا انْفَتَلَ، قَالَ: «أَيُّكُمْ قَرَأَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى؟ »، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، فَقَالَ: «عَلِمْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا» (ش) (ابن المثنى) تقدم في الجزء الأول صفحة 68. و (ابن أبي عدى) في الثالث

باب ما يجزيء الأمي والأعجمي من القراءة

صفحة 10. و (سعيد) بن أبي عروبة في الأول صفحة 69 (قوله فلما انفتل) أى فرغ من صلاته. وتقدم شرح الحديث في الذى قبله (باب ما يجزئ الأمي والأعجمى من القراءة) وفي بعض النسخ باب فيما جاء فيما يجزئ الأمي الخ. وفى بعضها باب ما يجزئ الأمي والعجمى من القراءة. والأمي هو الذى لا يحسن الكتابة وهو نسبة إلى الأم لأن الكتابة مكتسبة فهو على ما ولدته أمه من الجهل بالكتابة. وقيل نسبة إلى أمة الغرب لأن أكثرهم كانوا أميين والأعجمى نسبة إلى العجم وهم خلاف العرب أو نسبة إلى الأعجم وهو من كان في لسانه لكنة ولو كان عربيا (ص) حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَنَا خَالِدٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَنَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَفِينَا الْأَعْرَابِيُّ وَالعَجَمِيُّ، فَقَالَ: «اقْرَءُوا فَكُلٌّ حَسَنٌ وَسَيَجِيءُ أَقْوَامٌ يُقِيمُونَهُ كَمَا يُقَامُ الْقِدْحُ يَتَعَجَّلُونَهُ وَلَا يَتَأَجَّلُونَهُ» (ش) (خالد) الحذاء تقدم في الجزء الأول صفحة 158 (قوله ونحن نقرأ القرآن الخ) أى نتدارسه ونتلوه وفينا الأعرابى نسبة إلى الأعراب وهم سكان البادية من العرب خاصة (قوله اقرءوا فكل حسن) أى استمروا على قراءتكم فكل ما وقع منكم منها حسن مرجو ثوابه ولا حرج عليكم في عدم إقامتكم إياه على اللغة العربية الفصحى كإقامة القدح (قوله يقيمونه كما يقام القدح) أى يبالغون في إتقان القراءة كمال المبالغة ويجهدون أنفسهم كمال الجهد في إصلاح الألفاظ ومراعاة مخارج الحروف وصفاتها ويعدّلونها كما يعدّل القدح بكسر القاف وهو السهم قبل أن يراش وينصل وليس غرضهم بهذا إلا طلب الدنيا رياء وسمعة ومباهاة وشهرة. فالغرض من التشبيه المبالغة في تحسين القراءة (قوله يتعجلونه ولا يتأجلونه) أى يتعجلون أجره في الدنيا ويطلبون على قراءتهم الأعراض الدنيوية ولا يؤخرونه إلى الجزاء والثواب الذى يكون لهم في الدار الآخرة فيتخذون القراءة متجرا لتحصيل حطام الدنيا. والقرآن أنزل للتعبد بتلاوته والعمل بأحكامه (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، وَابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ، عَنْ وَفَاءِ بْنِ شُرَيْحٍ الصَّدَفِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا

الترغيب في قراءة القرآن لله تعالى والترهيب من جعله وسيلة إلى طلب الدنيا

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَوْمًا وَنَحْنُ نَقْتَرِئُ، فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ كِتَابُ اللَّهِ وَاحِدٌ، وَفِيكُمُ الْأَحْمَرُ وَفِيكُمُ الْأَبْيَضُ وَفِيكُمْ الْأَسْوَدُ، اقْرَءُوهُ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَهُ أَقْوَامٌ يُقِيمُونَهُ كَمَا يُقَوَّمُ السَّهْمُ يُتَعَجَّلُ أَجْرُهُ وَلَا يُتَأَجَّلُهُ» (ش) (رجال الحديث) (عمرو) بن الحارث تقدم في الجزء الثاني صفحة 47. وكذا (ابن لهيعة) صفحة 100. و (وفاء بن شريح) الحضرمى. روى عن رويفع بن ثابت والمستورد بن شداد وسهل بن سعد. وعنه بكر بن سوادة وزيلد بن نعيم. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من الرابعة. و (الصدفي) نسبة إلى صدف بفتح فكسر قببلة باليمن (معنى الحديث) (قوله ونحن نقترئُ) أى نقرأ القرآن (قوله وفيكم الأحمر الخ) المراد من الأحمر العجم لأن الغالب على ألوانهم الحمرة ومن الأبيض أهل فارس لأن الغالب عليهم البياض ومن الأسود العرب لأن الغالب على ألوانهم السمرة (قوله اقرءوه) أى دوموا على قراءته على ما تيسر لكم ولا يضر اختلاف لغاتكم واقصدوا بقراءته وجه الله تعالى والعمل بما فيه فتحلوا حلاله وتحرموا حرامه راجين ثوابه في الدار الآخرة (قوله يتعجل أجره ولا يتأجله) وفي نسخة تتعجل أجره ولا تتأجله (وفي الحديثين) دلالة على ذم من يقرأ القرآن بشئ من عرض الدنيا فإنه أنزل ليعمل بمحكمه ويؤمن بمتشابهه ويعتبر بأمثاله ويصدّق بوعده ووعيده ويستبشر بتبشيره وينذر بإنذاره ويتعجب بعجائبه ويتعظ بمواعظه وينزجر بزواجره (وقد توافرت) الأدلة على ذلك الكتاب والسنة. أما الكتاب فمنه قوله تعالى "ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا" أى لا تستبدلوا بآياتى حظوظ الدنيا الفانية القليلة المسترذلة بالنسبة إلى نعيم الآخرة وما أعده الله تعالى للمؤمنين من النعيم المقيم العظيم الأبدى. والتعبير عن المأخوذ من المال بالثمن مع كونه مشترى لا مشترى به للدلالة على كونه كالثمن في الاسترذال والامتهان ففيه تقريع وتجهيل قوى حيث إنهم قلبوا القضية وجعلوا المقصود آلة والآلة مقصودة "ولا يقال" إن الآية نزلت في خصوص الإيمان بالله "لأن العبرة" بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وروى الترمذى عن عمران بن حصين أنه مر على قارئ يقرأ ثم يسأل فاسترجع ثم قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول من قرأ القرآن فليسأل الله تعالى به فإنه سيجئ أقوام يقرءون القرآن ويسألون الناس به. وسيأتي للمصنف عن عبادة بن الصامت قال علمت ناسا من أهل الصفة والقرآن وأهدى إليّ رجل منهم فقلت ليست بمال وأرمى بها في سبيل الله فأتيته صلى الله

تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت يا رسول الله أهدى إليّ رجل قوس ممن كنت أعلمه والقرآن وليست بمال وأرمى بها في سبيل الله فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن كنت تحبّ أن تطوّق طوقا من نار فاقبلها. وسيأتى مزيد بيان لهذا المقام في شرح هذا الحديث إن شاء الله تعالى في باب كسب المعلم (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ السَّكْسَكِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مِنْهُ، فقَالَ: " قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ "، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لِلَّهِ فَمَا لِي، قَالَ: " قُلْ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَارْزُقْنِي وَعَافِنِي وَاهْدِنِي "، فَلَمَّا قَامَ قَالَ: هَكَذَا بِيَدِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَلَأَ يَدَهُ مِنَ الْخَيْرِ» (ش) (رجال الحديث) (أبو خالد الدالاني) تقدم في الجزء الثاني صفحة 246 و (إبراهيم) هو ابن عبد الرحمن بن إسماعيل أبو إسحاق الكوفي. روى عن أبي بردة وعبد الله ابن أبى أوفى وأبى وائل. وعنه العوّام بن حوشب ومسعر وآخرون. ضعفه أحمد وشعبة وقال النسائى ليس بذاك القوى يكتب حديثه وقال ابن عدى لم أجد له حديثا منكر المتن وهو إلى الصدق أقرب منه إلى غيره ويكتب حديثه. روى له البخارى وأبو داود والنسائى و (السكسكي) نسبة إلى سكسك بفتح السينين المهملتين وسكون الكاف بينهما قبيلة باليمن (قوله جاء رجل) لم يعرف اسمه (معنى الحديث) (قوله إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا) أى لا أقدر على حفظ شئ منه وهو يحتمل أن لا يمكنه الحفظ حالا ومآلا لعلمه العجز من نفسه. ويحتمل أن لا يمكنه في الحال لضيق وقت الصلاة أو لسوء حفظه (قال) شارح المصابيح إن هذه الواقعة لا يجوز أن تكون في جميع الأزمان لأن من يقدر على تعلم هذه الكلمات لا محالة يقدر على تعلم الفاتحة بل تأويله لا أستطيع أن أتعلم شيئا من القرآن في هذه الساعة وقد دخل عليّ وقت الصلاة فإذا فرغ من تلك الصلاة لزمه أن يتعلم اهـ (قوله فعلمنى ما يجزئني منه الخ) أى علمنى ما يكفيني في الصلاة بدلا عن القرآن فقال قل سبحان الله الخ أى فإنها تجزئك عن القرآن (قوله هذا لله) أى ما ذكر من هذه الكلمات

مذاهب العلماء فيما يجزيء العاجز عن القراءة في الصلاة وفي ترجمة القرآن بغير العربية

خاص بالتنزيه لله والثناء عليه تعالى (قوله فمالى) أى فأى شئ أقوله يكون لى. ولعل هذا الرجل طلب من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك ليحاكي بما يقوله في صلاته قراءة الفاتحة كما تقدّم من قوله تعالى قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين الخ (قوله هكذا بيده الخ) وفي بعض النسخ هكذا بيديه الخ أى أشار الرجل بيده قابضا لها إشارة إلى أنه حفظ ما سمعه من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واعتنى به فلا يتركه. ويؤيده قوله أما هذا فقد ملأ يده من الخير. وفي بعض النسخ فقد ملأ يديه من الخير (وفي الحديث) دلالة على أن الذكر المذكور يكفى العاجز عن قراءة الفاتحة في الصلاة. واختلف في ذلك (فذهبت الحنابلة) إلى أنه إن عجز عن الفاتحة لزمه قراءة قدرها في عدد الحروف والآيات من غيرها فإن لم يحسن من القرآن إلا آية واحدة من الفاتحة أو من غيرها كررها بقدرها فإن كان يحسن آية من الفاتحة ويحسن شيئا من غيرها كرر الآية التي يحسنها من الفاتحة بقدرها ولا يكرر التي ليست من الفاتحة فإن لم يحسن شيئا من القرآن لزمه أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإن لم يحسن إلا بعض الذكر المذكور كرّره بقدره مراعيا لعدد الحروف والجمل فإن لم يحسن شيئا من الذكر وقف بقدر الفاتحة كالأخرس. ولا يلزم الذى لا يحسن الفاتحة الصلاة خلف قارئ لكن يستحب له ذلك لتكون قراءة الإمام قراءة له وخروجا من خلاف من أوجبه (وبمثل هذا) قالت الشافعية إلا أنهم اختلفوا في الذكر فقال أبو على الطبرى يجب أن يقول سبحان الله إلى آخر ما ذكر في الحديث ولا يزيد عليه. وقيل يلزمه أن يزيد على ما في الحديث كلمتين من الذكر ليصير سبعة أنواع منه مقام سبع آيات. ولا يخفى بعده لمخالفته ظاهر الحديث. وقيل لا يتعين شئ من الذكر بل يجزئه جميع الأذكار من التهليل والتسبيح والتكبير وغيرها. ويجب سبعة أنواع من الذكر. ويشترط أن لا ينقص حروف ما أتى به عن حروف الفاتحة قال النووى وهو الصحيح عند جمهور الأصحاب (وذهبت المالكية) إلى أن من لم يحسن للفاتحة يجب عليه أن يأتم بمن يحسنها فإن لم يجد سقطت القراءة عنه ويكون فرضه الذكر كما قاله محمد بن سحنون (وقال) القاضى أبو محمد عبد الوهاب لا يجب عليه تسبيح ولا تحميد (واختاره) اللخمى وهو المعتمد في المذهب (قال) ويستحب له أن يقف وقوفا ما فإن لم يفعل أجزأه (وقال أبو حنيفة) إذا عجز عن القراءة قام ساكتا ولا يجب الذكر (واختلف) فيمن عجز عن القراءة بالعربية في الصلاة وأمكنه أن يأتي بترجمتها بغير العربية (فذهب الجمهور) إلى أنه لا يجوز ترجمة القرآن بغير العربية مطلقا لا في صلاة ولا في غيرها (وقال أبو حنيفة) يجوز ترجمته بغير العربية في الصلاة مطلقا أحسن القراءة بالعربية أم لا (وقال أبو يوسف) ومحمد لا يجوز إلا عند العجز عن القراءة بالعربية (قال النووى) مذهبنا أنه لا يجوز قراءة القرآن بغير لسان العرب سواء أمكنه العربية أم عجز عنها وسواء أكان

في الصلاة أم في غيرها فإن أتي بترجمته في صلاة بدلا عن القراءة لم تصح صلاته سواء أحسن القراءة أم لا (وبه قال) جماهير العلماء منهم مالك وأحمد وداود (وقال أبو حنيفة) تجوز وتصح به الصلاة مطلقا (وقال) أبو يوسف ومحمد يجوز للعاجز دون القادر (واحتج) لأبى حنيفة بقول الله تعالى "قل الله شهيد بينى وبينكم وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به" قال والعجم لا يعقلون الإنذار إلا بترجمته (وفي الصحيحين) أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أنزل القرآن على سبعة أحرف (وعن) سلمان الفارسى رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن قوما من الفرس سألوه أن يكتب لهم شيئا من القرآن فكتب لهم فاتحة الكتاب بالفارسية (ولأنه ذكر) فقامت ترجمته مقامه كالشهادتين في الإسلام (وقياسا) على جواز ترجمة حديث النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وقياسا) على جواز التسبيح بالعجمية (واحتج) أصحابنا بحديث عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُأنه سمع هشام بن حكيم يقرأ سورة على غير ما يقرأ عمر فلببه بردائه وأتى به رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "وذكر الحديث" رواه البخارى ومسلم. فلو جازت الترجمة لأنكر عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم اعتراضه في شئ جائز (واحتجوا) أيضا بأن ترجمة القرآن ليست قرآنا لأن القرآن هو هذا النظم المعجز وبالترجمة يزول الإعجاز فلم يجز. وكما أن الشعر تخرجه ترجمته عن كونه شعرا فكذا القرآن (وأما الجواب) عن الآية الكريمة فهو أن الإنذار يحصل وإن نقل إليهم معناه (وأما الجواب) عن الحديث فسبع لغات للعرب. ولأنه يدل على أنه لا يتجاوز هذه السبعة وهم يقولون يجوز بكل لسان. ومعلوم أنها تزيد على سبعة (والجواب عن) فعل سلمان أنه كتب تفسيرها لا حقيقة الفاتحة (وعن الإسلام) "أى عن الشهادتين في الإسلام" أن في حواز ترجمته للقادر على العربية وجهين. فإن قلنا لا يصح فظاهر. وإن قلنا بالمذهب إنه يصح إسلامه فالفرق أن المراد معرفة اعتقاده الباطن. والعجمية كالعربية في تحصيل ذلك (وعن القياس) على الحديث والتسبيح أن المراد بالقرآن الأحكام والنظم المعجز بخلاف الحديث والتسبيح (هذه طريقة أصحابنا في المسألة) وبسطها إمام الحرمين في الأساليب فقال عمدتنا أن القرآن معجز والمعتمد في إعجازه اللفظ. قال ثم تكلم علماء الأصول في المعجز منه فقيل الإعجاز في بلاغته وجزالته وفصاحته المجاوزة لحدود جزالة العرب. والمختار أن الإعجاز في جزالته مع أسلوبه الخارج عن أساليب كلام العرب. والجزالة والأسلوب يتعلقان بالألفاظ ثم معنى القرآن في حكم التابع للألفاظ فحصل من هذا أن اللفظ هو المقصود المتبوع والمعنى تابع. فنقول بعد هذا التمهيد ترجمة القرآن ليست قرآنا بإجماع المسلمين. ومحاولة الدليل لهذا تكلف فليس أحد يخالف في أن من تكلم بمعنى القرآن بالهندية ليست قرآنا وليس ما لفظ به قرآنا ومن خالف في هذا كان مراغما جاحدا. وتفسير شعر امرئ القيس ليس شعره فكيف يكون تفسير القرآن قرآنا. وقد سلموا

أن الجنب لا يحرم عليه ذكر معنى القرآن والمحدث لا يمنع من حمل كتاب فيه معنى القرآن وترجمته فعلم أن ما جاء به ليس قرآنا. ولا خلاف أن القرآن معجز وليست الترجمة معجزة والقرآن هو الذى تحدّى به النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العرب ووصفه الله تعالى بكونه عربيا "وإذا علم" أن الترجمة ليست قرآنا وقد ثبت أنه لا تصح صلاة إلا بقرآن "حصل" أن الصلاة لا تصح بالترجمة. هذا كله مع أن الصلاة مبناها على التعبد والاتباع والنهى عن الاختراع. وطريق القياس مفسدة. "وإذا نظر الناظر" في أصل الصلاة وأعدادها واختصاصها بأوقاتها وما اشتملت عليه من عدد ركعاتها وإعادة ركوعها في كل ركعة وتكرر سجودها إلى غير ذلك من أفعالها ومدارها على الاتباع ولم يفارقها جملة وتفصيلا "لو جد هذا" يسدّ باب القياس. حتى لو قال قائل مقصود الصلاة الخضوع فيقوم السجود مقام الركوع لم يقبل ذلك منه وإن كان السجود أبلغ في الخضوع. ثم عجبت من قولهم إن الترجمة لا يكون لها حكم القرآن في تحريمها على الجنب ويقولون لها حكمه في صحة الصلاة التي مبناها على التعبد والاتباع ويخالف تكبيرة الإحرام التى قلنا يأتي بها العاجز عن العربية بلسانه لأن مقصودها المعنى مع اللفظ وهذا بخلافه اهـ من شرح المهذب ببعض تصرف وحديث عمر الذى ذكره احتجاج الأصحاب لفظه عند البخارى بسنده إلى عمر بن الخطاب قال سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكدت أساوره "أى أقاتله وأواثبه" في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ قال أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت كذبت فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أرسله اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كذلك أنزلت ثم قال اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي أقرأني فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كذلك أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والنسائى وابن حبان والحاكم وابن الجارود وأخرجه الدارقطنى من طريق أبي خالد الدالاني عن عبد الله بن أبي أوفي قال جاء رجل إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا علمني ما يجزئني عنه قال قل باسم الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر قال يا رسول الله هذا لله فما لى وذكر نحوه. وأخرجه من طريق ابن عيينة بلفظ جاء رجل إلى النيى صلى الله تعالى عليه

وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله علمنى شيئا يجزئنى عن القرآن فإني لا أقرأ قال قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله قال فضم عليها بيده وقال هذا لربي فما لى قال قل اللهم اغفر لى وارحمني واهدني وارزقنى وعافنى فضم بيده الأخرى وقام اهـ (ص) حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ يَعْنِي الْفَزَارِيَّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي التَّطَوُّعَ نَدْعُو قِيَامًا وَقُعُودًا، وَنُسَبِّحُ رُكُوعًا وَسُجُودًا». (ش) (أبو إسحاق الفزارى) تقدم في هذا الجزء صفحة 9. و (حميد) الطويل في الثاني صفحة 172 و (الحسن) البصرى في الأول صفحة 69 (قوله ندعو قياما وقعودا) أى في حالة القيام والقعود (وفيه دلالة) على أن القراءة في التطوع ليست واجبة. ولعل هذا كان في صدر الإسلام ثم نسخ بالأحاديث الدالة على أن الصلاة مطلقا فرضا كانت أو نفلا لا تصح بدون قراءة كحديث حبيب بن الشهيد الذى رواه مسلم بلفظ لا صلاة إلا بقراءة. وما تقدم عن عبادة بن الصامت في باب من ترك القراءة في صلاته لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب. أو يقال إنهم كانوا يقرءون ويدعون: على أن الحديث منقطع فإن الحسن البصرى لم يسمع من جابر فهو ضعيف قال المنذرى ذكر على بن المديني وغيره أن الحسن البصرى لم يسمع من جابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، مِثْلَهُ لَمْ يَذْكُرِ التَّطَوُّعَ، قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ، يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إِمَامًا أَوْ خَلْفَ إِمَامٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَيُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ قَدْرَ ق، وَالذَّارِيَاتِ (ش) (قوله عن حميد مثله الخ) أي روى حماد بن سلمة عن حميد مثل ما روى أبو إسحاق الفزارى عنه لكن حماد لم يذكر في روايته التطوع بل قال كنا نصلى ندعو قياما الخ (قوله قال كان الحسن الخ) أى قال حماد كان الحسن البصرى يقرأ في الظهر والعصر إماما أو خلف إمام وأو فيه للتنويع. وفي نسخة وخلف إمام بالواو وهي بمعنى أو (قوله ويسبح ويكبر الخ) أى كان الحسن يقول هذه الأذكار بعد الفاتحة بدلا عن السورة في الركعة الأولى بمقدار سورة ق وفي الثانية مقدار سورة والذاريات. وهو فعل تابعى فلا يحتج به فلا يعارض الأحاديث الصحيحة الدالة على قراءة السورة بعد الفاتحة

باب تمام التكبير

(باب تمام التكبير) أى في بيان التكبير المطلوب في الصلاة بتمامه (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ أَنَا وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَكَانَ «إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ وَإِذَا رَكَعَ كَبَّرَ، وَإِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ»، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَخَذَ عِمْرَانُ بِيَدِي وَقَالَ: لَقَدْ صَلَّى هَذَا قَبْلُ -أَوْ قَالَ: لَقَدْ صَلَّى بِنَا هَذَا قَبْلُ- صَلَاةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ (ش) (حماد) بن زيد تقدم في الجزء الأول صفحة 29. وكذا (مطرّف) صفحة 262 (قوله فكان إذا سجد كبر الخ) أى كان إذا شرع في الركوع كبر وإذا شرع في السجود كبر فالكلام على التقديم والتأخير إذ الواو لا تقتضى ترتيبا. ويحتمل أن قوله وإذا ركع تصحيف من الناسخ والأصل فكان إذا سجد كبر وإذا رفع كبر فوضع الناسخ ركع بدل رفع ويؤيده ما في رواية مسلم عن مطرف قال صليت أنا وعمران بن حصين خلف على بن أبى طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فكان إذا سجد كبر وإذا رفع رأسه كبر "الحديث" (قوله وإذا نهض من الركعتين كبر) أى إذا شرع في القيام من الركعتين كبر (قوله فلما انصرف أخذ عمران بيدى) فعل عمران ذلك ليتنبه مطرف إلى ما يلقيه إليه (قوله أو قال لقد صلى بنا هذا قبل الخ) شك من الراوى. وقبل بكسر القاف وفتح الموحدة بمعنى عيان يقال رأيته قبلا أى عيانا كذا في العيني. ومراد عمران أن عليا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما صلى بهم صلاة كالصلاة التي عاينوها من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ويحتمل أن يكون قبل ظرفا مبنيا على الضم أى صلى بنا هذا قبل هذه اللحظة صلاة مثل صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقوله صلاة محمد أى مثل صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فهو على حذف مضاف. وفي رواية البخارى ومسلم لقد ذكرنا هذا بصلاة محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (من أخرج الحديث أيضا) أخرج البخارى ومسلم وأحمد والنسائى نحوه (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، نَا أَبِي، وَبَقِيَّةُ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي

أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، " كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الْجُلُوسِ فِي اثْنَتَيْنِ " فَيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَقُولُ: حِينَ يَنْصَرِفُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ لَصَلَاتُهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا. (ش) (عمرو بن عثمان) بفتح العين المهملة وسكون الميم بزيادة واو في آخره. وفي بعض النسخ بلا واو وهو غلط والصحيح عمرو بالواو. وتقدمت ترجمته في الجزء الثاني صفحة 209. وأبوه (عثمان) في الثالث صفحة 345. و (أبو سلمة) بن عبد الرحمن في الأول صفحة 23. و (بقية) ابن الوليد في الثاني صفحة 173. وكذا (شعيب) بن أبى حمزة صفحة 219 (قوله أن أبا هريرة كان يكبر الخ) زاد مسلم والنسائى من طريق يونس عن الزهرى حين استخلفه مروان على المدينة. وفي رواية البخارى كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها في رمضان وغيره (قوله يكبر حين يقوم) وفي نسخة فيكبر حين يقوم بالفاء أى يكبر للإحرام حين تمام القيام لا حال القيام للاتفاق على أن التكبير للإحرام يكون من قيام للقادر عليه. وتؤيده رواية مسلم والنسائى أن أبا هريرة حين استخلفه مروان على المدينة كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر (قوله ثم يقول سمع الله لمن حمده) أى حين رفع رأسه من الركوع كما صرح به في رواية البخارى (قوله ثم يقول ربنا ولك الحمد قبل أن يسجد) أى يقول ذلك وهو قائم قبل أن يهوى للسجود. وفي رواية للبخارى ومسلم ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد (قال النووى) في شرح مسلم في هذا الحديث دليل على مقارنة التكبير لهذه الحركات وبسطه عليها فيبدأ بالتكبير حين يشرع في الانتقال إلى الركوع ويمدّه حتى يصل حدّ الراكعين ثم يشرع في تسبيح الركوع ويبدأ في قوله سمع الله لمن حمده حين يشرع في الرفع من الركوع ويمده حتى ينتصب قائما ثم يشرع فيذكر الاعتدال وهو ربنا ولك

أقوال الأئمة في التكبير في الصلاة عند كل خفض ورفع

الحمد ويبدأ في التكبير حين يشرع في الهوى إلى السجود ويمدّه حتى يضع جبهته على الأرض ثم يشرع في تسبيح السجود ويشرع في التكبير للقيام من التشهد الأول حين يشرع في الانتقال ويمده حتى ينتصب قائما اهـ بتصرف (وقال) في سبل السلام ظاهر قوله يكبر حين كذا وحين كذا أن التكبير يقارن هذه الحركات فيشرع في التكبير عند ابتداءه للركن. وأما القول بأنه يمدّ التكبير حتى يتم الحركة فلا وجه له بل يأتي باللفظ من غير زيادة على أدائه ولا نقصان منه اهـ وعلى تسليم ما قاله النووى في مد التكبير إلى انتهاء حركات الانتقال فينبغى للمصلى أن يسرع بحركات الانتقال ويراعي عدم مدّ لفظ الجلالة أزيد من حركتين فإنه مدّ طبيعى (وقد) اتفق القراء على أنه لا يجوز مدّه أزيد من حركتين خلافا لما يفعله بعضهم من مبالغتهم في هذا المدّ إلى نحو ست حركات أو أكثر (وقالت) المالكية لا يكبر للقيام من اثنتين حتى يستقل قائما وهو قول عمر بن عبد العزيز وقالوا لأنه كمفتتح صلاة جديدة. لكن الحديث يردّه (قوله ثم يقول حين ينصرف والذى نفسى بيده الخ) ذكر ذلك أبو هريرة ترغيبا لهم في فعل مثله ولما كان يقع من الاختلاف بينهم في التكبير فإن بعضهم كان لا يرى التكبير إلا للإحرام وبعضهم يزيد على تكبير الإحرام بعض ما جاء في حديث أبي هريرة (وكأن) هؤلاء لم يبلغهم فعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولهذا كان يقول لهم إني لأشبهكم صلاة بصلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واستقر العمل على ما في حديثه هذا (وقد) حكى مشروعية التكبير في كل خفض ورفع الترمذى عن الخلفاء الأربعة وغيرهم ومن بعدهم من التابعين قال وعليه عامة الفقهاء والعلماء وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عمر وجابر وقيس بن عباد والشعبي وأبى حنيفة والثورى والأوزاعي ومالك وسعيد بن عبد العزيز وعامة أهل العلم (وقال) البغوى في شرح السنة اتفقت الأمة على هذه التكبيرات لحديث الباب. ولما رواه أحمد والنسائى والترمذى وصححه عن ابن مسعود قال رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يكبر في كل رفع وخفض وقيام وقعود (قال) ابن سيد الناس وقال آخرون لا يشرع إلا تكبيرة الإحرام فقط ويحكى ذلك عن عمر بن الخطاب وقتادة وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز والحسن البصرى ونقله ابن المنذر عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر ونقله ابن بطال عن جماعة أيضا منهم معاوية بن أبي سفيان وابن سيرين (واستدلوا) بما أخرجه أحمد وأبو داود بعد عن ابن أبزى عن أبيه أنه صلى مع النبى صلى الله عليه وآله وسلم فكان لا يتم التكبير. وفي لفظ لأحمد إذا خفض ورفع. وفي رواية فكان لا يكبر إذا خفض يعني بين السجدتين. وفي إسناده الحسن بن عمران قال أبو زرعة شيخ ووثقه ابن حبان وحكى عن أبى داود الطيالسى أنه قال هذا عندى باطل. وهذا لا يقوى على معارضة الأحاديث الدالة على التكبير في كل خفض ورفع لكثرتها وصحتها وكونها مثبتة ومشتملة على الزيادة

والأحاديث الواردة في هذا الباب أقل أحوالها الدلالة على سنية التكبير في كل خفض ورفع (وقال) أبو عمر قال قوم من أهل العلم إن التكبير ليس بسنة إلا في الجماعة. وأما من صلى وحده فلا بأس عليه أن لا يكبر (وقال أحمد) أحب إلي أن يكبر إذا صلى وحده في الفرض وأما في التطوع فلا. وروى عن ابن عمر أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده (وحكى) الطحاوى أن بني أمية كانوا يتركون التكبير في كل خفض دون الرفع اهـ ولا دليل على هذه التفرقة كلها (وقد) روى أحمد عن عمران بن حصين أن أول من ترك التكبير عثمان حين كبر وضعف صوته. وهذا يحتمل أنه ترك الجهر وروى الطبرى عن أبي هريرة أن أول من ترك الكبير معاوية. وروى أبو عبيد أن أول من تركه زياد. وهذه الروايات غير منافية لأن زيادا تركه بترك معاوية وكان معاوية تركه بترك عثمان (وقد) حمل ذلك جماعة من أهل العلم على الإخفاء (وقد) اختلف القائلون بمشروعية التكبير (فذهب) جمهورهم إلى أنه مندوب فيما عدا تكبيرة الإحرام (وقال أحمد) في رواية عنه وبعض أهل الظاهر إنه يجب كله. واحتج الجمهور على الندبية بحديث ابن أبي أبزى لأن تركه له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بعض الحالات لبيان الجواز والإشعار بعدم الوجوب (وله إن كانت) إن مخففة من الثقيلة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبخارى ومسلم وعبد الرزاق (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا الْكَلَامُ الْأَخِيرُ يَجْعَلُهُ مَالِكٌ، وَالزُّبَيْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنٍ. (ش) يعني قوله إن كانت هذه لصلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى فارق الدنيا يجعله مالك في الموطأ عن الزهرى مرسلا عن على بن الحسين لا عن أبى هريرة. ولفظه حدثني مالك عن ابن شهاب عن على بن حسين بن على بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أنه قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع فلم تزل تلك صلاته حتى لقى الله عز وجل وكذلك جعل محمد بن الوليد بن عامر الزبيدى قوله إن كانت هذه لصلاته من كلام على بن حسين مرسلا (قال) ابن عبد البر لا أعلم خلافا بين رواة الموطأ في إرسال هذا الحديث اهـ. و (على بن الحسين) هو ابن على بن أبى طالب الهاشمى أبو الحسين ويقال أبو الحسن المدني زين العابدين. روى عن أبيه وابن عباس وأبى هريرة وعائشة وآخرين وعنه أبو سلمة وطاوس والزهرى والقعقاع بن حكيم وجماعة. قال ابن سعد كان من الطبقة الثانية من تابعى أهل المدينة وكان ثقة مأمونا كثير الحديث عاليا رفيعا ورعا وقال العجلى تابعى ثقة

وكان يسمى زين العابدين لكثرة عبادته قال مالك لقد بلغني أنه كان يصلى في كل يوم وليلة ألف ركعة حتى مات وقال ابن عيينة حج علي بن الحسين فلما أحرم واستوت به راحلته اصفرّ لونه وانتفض ووقع عليه الرعدة ولم يستطع أن يلبي فقيل له مالك لا تلبي فقال أخشى أن أقول لبيك فيقال لى لا لبيك فقيل له لا بد من هذا فلما لبى غشى عليه وسقط من راحلته فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه. توفي سنة اثنتين أو ثلاث وتسعين. روى له الجماعة (ص) وَوَافَقَ عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، شُعَيْبَ بْنَ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ (ش) عبد الأعلى فاعل وافق وشعيب مفعوله أى وافق عبد الأعلى بن عبد الأعلى في روايته عن معمر ابن راشد عن الزهري شعيبا في أن قوله إن كانت هذه لصلاته من كلام أبى هريرة. ورواية عبد الأعلى أخرجها النسائى قال أخبرنا نصر بن على وسوّار بن عبد الله بن سوار قالا حدثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهرى عن أبى بكر بن عبد الرحمن وعن أبى سلمة بن عبد الرحمن أنهما صليا خلف أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فلما ركع كبر فلما رفع رأسه قال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم سجد وكبر ورفع رأسه وكبر ثم كبر حين قام من الركعة ثم قال والذى نفسى بيده إنى لأقربكم شبها برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما زالت هذه صلاته حتى فارق الدنيا. ورواه الدارمى أيضا (والحاصل) أن الزهرى روى هذه العبارة عن أبي هريرة موصولة ورواها عن على بن حسين مرسلة (وقال) الزرقاني ورواه عبد الوهاب بن عطاء عن مالك عن ابن شهاب عن على عن أبيه موصولا. ورواه عبد الرحمن بن خالد بن نجيح عن أبيه عن مالك عن ابن شهاب عن على بن حسين عن على بن أبي طالب ولا يصح إلا ما في الموطأ مرسلا (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عِمْرَانَ -قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ: الشَّامِيِّ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعَسْقَلَانِيُّ- عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ «صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ وَكَانَ لَا يُتِمُّ التَّكْبِيرَ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «مَعْنَاهُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَأَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ لَمْ يُكَبِّرْ وَإِذَا قَامَ مِنَ السُّجُودِ لَمْ يُكَبِّرْ» (ش) (رجال الحديث) (أبو داود) الطيالسى تقدم في الجزء الأول صفحة 273 وكذا (شعبة) صفحة 32. و (الحسن بن عمران) أبو عبد الله ويقال أبو على

باب في وضع ركبتيه قبل يديه

روى عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي وعمر بن عبد العزيز ومكحول وعطية بن قيس وعنه شعبة. قال في التقريب لين الحديث من السابعة. روى له أبو داود هذا الحديث فقط (قوله قال ابن بشار الخ) أى قال محمد بن بشار أحد شيخى المصنف في صفة الحسن ابن عمران الشامي ولم يذكر هذا الوصف محمد بن المثنى الشيخ الثاني للمصنف (قوله أبو عبد الله العسقلاني) غرض المصنف بهذا أن ما قاله ابن بشار في وصف الحسن بن عمران أنه شامى صحيح فإنه عسقلاني. وعسقلان بلدة من بلاد الشام. وزاد من عند نفسه كنيته أبو عبد الله. و (ابن عبد الرحمن بن أبزى) هو سعيد تقدم في الجزء الثالث صفحة 163 (معنى الحديث) (قوله وكان لا يتم التكبير الخ) أى كان يأتى بالبعض ويترك البعض. وقد بين المصنف البعض الذى كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتركه بقوله معناه إذا رفع رأسه الخ (قال العينى) وذكر في مختصر السنن يريد أنه لا يأتى بالتكبير في الانتقالات كلها إنما يأتى به في بعضها اهـ وتقدم أن هذا الحديث من أدلة القائلين بعدم تكبيرات الانتقالات لكنه ضعيف لأنه من طريق الحسن بن عمران وفيه مقال كما عرفت وقال البخارى لا يصح وقال الطيالسى باطل وقال الطبرى والبزار تفرّد به الحسن بن عمران وهو مجهول وتقدم تمام الكلام على تكبيرات الانتقالات (باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه) وفى بعض النسخ "باب في وضع ركبتيه قبل يديه" (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى، قَالَا: نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ». (ش) (شريك) بن عبد الله النخعى تقدم في الجزء الأول صفحة 164 (قوله عن أبيه) كليب بن شهاب تقدم في هذا الجزء صفحة 128 (قوله إذا سجد وضع الخ) أى إذا أراد السجود (وفيه دلالة) على مشروعية وضع الركبتين على الأرض عند السجود قبل اليدين ورفع اليدين عند القيام قبل رفع الركبتين وإلى ذلك ذهب الجمهور وحكاه أبو الطيب عن عامة الفقهاء وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب والنخعى ومسلم بن يسار وسفيان الثورى وأحمد وإسحاق وأبى حنيفة وأصحابه مستدلين بهذا الحديث لكن قال الدارقطني تفرد به يزيد عن شريك ولم يحدّث به عن عاصم بن كليب

غير شريك وشريك ليس بالقوى فيما ينفرد به اهـ وقال البخارى والبيهقي وابن أبي داود تفرد به شريك (وقال) الترمذى حسن غريب لا نعرف أحدا رواه غير شريك اهـ لكن يقويه ما رواه الدارقطني والحاكم والبيهقي عن عاصم الأحول عن أنس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم انحطّ بالتكبير حتى سبقت ركبتاه يديه قال الحاكم هو على شرط الشيخين (وقال) البيهقي تفرّد به العلاء وهو مجهول (وذهبت العترة) والأوزاعي ومالك وابن حزم إلى أنه ينبغي تقديم اليدين قبل الركبتين عند السجود ورفع الركبتين عند القيام قبل اليدين. وروى ابن عبد الحكم عن مالك التخيير بين الأمرين. واستدلوا بما رواه أحمد والنسائى من طريق محمد ابن عبد الله بن حسن عن أبى الزناد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه. وسيأتي للمصنف ورواه الترمذى أيضا وقال لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه وقال البخارى إن محمد بن عبد الله بن حسن لا يتابع عليه. لكن يقويه ما رواه الدارقطني عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه (وأجاب) من تمسك بحديث وائل بن حجر بأن حديث أبي هريرة وابن عمر منسوخان بما رواه ابن خزيمة في صحيحه من حديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا أن نضع الركبتين قبل اليدين (قال) الحازمى في إسناده مقال ولو كان محفوظا لدل على النسخ غير أن المحفوظ عن مصعب عن أبيه حديث نسخ التطبيق (وقال) الحافظ إنه من أفراد إبراهيم بن إسماعيل بن سلمة بن كهيل عن أبيه وهما ضعيفان اهـ وقد عكس ابن حزم فجعل حديث أبي هريرة ناسخا لما خالفه (وقد بسط) صاحب الهدى المقام في ذلك قال كان صلى الله عليه وآله وسلم يضع ركبتيه قبل يديه ثم يديه بعدهما ثم جبهته وأنفه هذا هو الصحيح الذى رواه شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه ولم يرو في فعله ما يخالف ذلك. وأما حديث أبي هريرة يرفعه إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه فالحديث والله أعلم قد وقع فيه وهم من بعض الرواة فإن أوله يخالف آخره فإنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير فإن البعير إنما يضع يديه أولا. ولما علم أصحاب هذا القول ذلك قالوا ركبتا البعير في يديه لا في رجليه فهو إذا برك وضع ركبتيه أولا فهذا هو المنهى عنه. وهو فاسد لوجوه "أحدها" أن البعير إذا برك فإنه يضع يديه أولا وتبقى رجلاه قائمتين فإذا نهض فإنه ينهض برجليه أولا وتبقى يداه على الأرض وهذا هو الذى نهى عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفعل خلافه وكان أول ما يقع منه على الأرض

الأقرب منها فالأقرب وأول ما يرتفع عن الأرض منها الأعلى فالأعلى وكان يضع ركبتيه أولا ثم يديه ثم جبهته وإذا رفع رفع رأسه أولا ثم ركبتيه وهذا عكس فعل البعير وهو صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى في الصلوات عن التشبه بالحيوانات فنهى عن بروك كبروك البعير والتفات كالتفات الثعلب وافتراش كافتراش السبع وإقعاء كإقعاء الكلب ونقر كنقر الغراب ورفع الأيدى وقت السلام كأذناب الخيل الشمس. فهدى المصلى مخالف لهدى الحيوانات "الثانى" أن قولهم ركبتا البعير في يديه كلام لا يعقل ولا يعرفه أهل اللغة وإنما الركبة في الرجلين. وإن أطلق على اللتين في يديه اسم الركبة فعلى سبيل التغليب "الثالث" أنه لو كان كما قالوه لقال فليبرك كما يبرك البعير وإن أول ما يمس الأرض من البعير يداه (وسر المسألة) أن من تأمل بروك البعير وعلم أنه نهى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن بروك كبروك البعير علم أن حديث وائل بن حجر هو الصواب والله أعلم. وكان يقع لى أن حديث أبي هريرة مما انقلب على بعض الرواة متنه وأصله. ولعله وليضع ركبتيه قبل يديه كما انقلب على بعضهم حديث ابن عمر إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فقال إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال. وكما انقلب على بعضهم حديث لا يزال يلقى في النار فتقول هل من مزيد "إلى أن قال" وأما الجنة فينشئ الله لها خلقا يسكنهم إياها فقال وأما النار فينشئ الله لها خلقا يسكنهم إياها. حتى رأيت أبا بكر بن أبى شيبة قد رواه كذلك فقال حدثنا محمد بن فضيل عن عبد الله بن سعيد عن جده عن أبى هريرة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك كبروك الفحل ورواه الأثرم في سننه أيضا عن أبي بكر كذلك وقد روى عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يصدق ذلك ويوافق حديث وائل بن حجر قال ابن أبى داود حدثنا يوسف ابن عدى حدثنا فضل عن عبد الله بن سعيد عن جده عن أبى هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا سجد بدأ بركبتيه قبل يديه. وقد روى ابن خزيمة في صحيحه من حديث مصعب بن سعد عن أبيه قال كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بالركبتين قبل اليدين. وعلى هذا فإن كان حديث أبى هريرة محفوظا فإنه منسوخ. ولكن للحديث علتان "إحداهما" أنه من رواية يحيى بن سلمة بن كهيل وليس ممن يحتج به قال النسائى متروك وقال ابن حبان منكر الحديث جدًّا لا يحتج به وقال ابن معين ليس بشئ "الثانية" أن المحفوظ من رواية مصعب بن سعد عن أبيه هذا إنما هو قصة التطبيق وقول سعد كنا نضع هذا "يعنى اليدين بين الركبتين" فأمرنا أن نضع أيدينا على الركب (وأما حديث) أبى هريرة المتقدم فقد علله البخارى والترمذى والدارقطني قال البخارى محمد بن عبد الله بن حسن لا يتابع عليه وقال لا أدرى أسمع من أبى الزناد أم لا وقال

الترمذى غريب لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه، وقال الدارقطني تفرد به الدراوردى عن محمد بن عبد الله بن الحسن العلوى عن أبى الزناد وقد ذكر النسائى عن قتيبة حدثنا عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله بن الحسن العلوى عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال يعمد أحدكم في صلاته فيبرك كما يبرك الجمل ولم يزد قال أبو بكر بن أبي داود وهذه سنة تفرد بها أهل المدينة ولهم فيها إسنادان هذا أحدهما والآخر عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "قلت" أراد الحديث الذى رواه أصبغ بن الفرج عن الدراوردى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه ويقول كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعل ذلك رواه الحاكم في المستدرك من طريق محمد بن سلمة عن الدراوردى وقال على شرط مسلم. وقد رواه الحاكم من حديث حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أنس قال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم انحطّ بالتكبير حتى سبقت ركبتاه يديه قال الحاكم على شرطهما ولا أعلم له علة (قلت) قال عبد الرحمن بن أبي حاتم سألت أبي عن هذا الحديث فقال هذا الحديث منكر اهـ وإنما أنكره والله أعلم لأنه من رواية العلاء بن إسماعيل العطار عن حفص بن غياث والعلاء هذا مجهول لا ذكر له في الكتب الستة. فهذه الأحاديث المرفوعة من الجانبين كما ترى (وأما الآثار) المحفوظة عن الصحابة فالمحفوظ عن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أنه كان يضع ركبتيه قبل يديه. ذكره عنه عبد الرزاق وابن المنذر وغيرهما وهو المروى عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ذكره الطحاوى عن فهد عن عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش عن إبراهيم عن أصحاب عبد الله علقمة والأسود قالا حفظنا عن عمر في صلاته أنه خر بعد ركوعه على ركبتيه كما يخر البعير ووضع ركبتيه قبل يديه ثم ساق من طريق الحجاج بن أرطاة قال قال إبراهيم النخعى حفظ عن عبد الله بن مسعود أن ركبتيه كانتا تقعان على الأرض قبل يديه. وذكر عن أبي مرزوق عن وهب عن شعبة عن مغيرة قال سألت إبراهيم عن الرجل يبدأ بيديه قبل ركبتيه إذا سجد قال أو يصنع ذلك إلا أحمق أو مجنون (قال ابن المنذر) اختلف أهل العلم في هذا الباب فمن رأى أن يضع ركبتيه قبل يديه عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وبه قال النخعى ومسلم بن يسار والثورى والشافعى وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وأصحابه وأهل الكوفة (وقالت طائفة) يضع يديه قبل ركبتيه قاله مالك وقال الأوزاعى أدركنا الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم (قال) ابن أبى داود وهو قول أصحاب الحديث (قلت) وقد روى حديث أبى هريرة بلفظ آخر ذكره البيهقي وهو إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه على ركبتيه (قال) البيهقي فإن كان محفوظا كان دليلا على أنه

يضع يديه قبل ركبتيه عند الإهواء إلى السجود. وحديث وائل بن حجر أولى لوجوه (أحدها) أنه ثبت من حديث أبى هريرة قاله الخطابى وغيره (الثاني) أن حديث أبى هريرة مضطرب المتن كما تقدم فمنهم من يقول فيه وليضع يديه قبل ركبتيه ومنهم من يقول بالعكس وعنهم من يقول وليضع يديه على ركبتيه ومنهم من يحذف هذه الجملة رأسا (الثالث) ما تقدم من تعليل البخارى والدارقطني وغيرهما (الرابع) أنه على تقدير ثبوته قد ادّعى فيه جماعة من أهل العلم النسخ قال ابن المنذر وزعم بعض أصحابنا أن وضع اليدين قبل الركبتين منسوخ وقد تقدم ذلك (الخامس) أنه الموافق لنهى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن بروك كبروك الجمل في الصلاة بخلاف حديث وائل في حجر (السادس) أنه الموافق للمنقول عن الصحابة كعمر بن الخطاب وابنه وعبد الله بن مسعود ولم ينقل عن أحد منهم ما يوافق حديث أبى هريرة إلا عن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ على اختلاف عنه (السابع) أن له شواهد من حديث ابن عمر وأنس كما تقدم. وليس لحديث أبى هريرة شاهد فلو تقاوما لقدّم حديث وائل بن حجر من أجل شواهده فكيف وحديث وائل أقوى كما تقدم (الثامن) أن أكثر الناس عليه والقول الآخر إنما يحفظ عن الأوزاعي ومالك. وأما قول ابن أبى داود إنه قول أهل الحديث فإنما أراد به بعضهم وإلا فأحمد والشافعى وإسحاق على خلافه (التاسع) أنه حديث فيه قصة محكية سيقت بحكاية فعله صلى الله عليه وآله وسلم فهو أولى أن يكون محفوظا لأن الحديث إذا كان فيه قصة محكية دل على أنه حفظ (العاشر) أن الأفعال المحكية فيه كلها ثابتة صحيحة من رواية غيره فهى أفعال معروفة صحيحة وهذا واحد منها فله حكمها، ومعارضه ليس مقاوما له فيتعين ترجيحه اهـ ببعض حذف (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والنسائى والحاكم والترمذى والدارقطنى والدارمي والطحاوى في شرح معاني الآثار (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، نَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، نَا هَمَّامٌ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَذَكَرَ حَدِيثَ الصَّلَاةِ، قَالَ: فَلَمَّا سَجَدَ وَقَعَتَا رُكْبَتَاهُ إِلَى الْأَرْضِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ كَفَّاهُ، قَالَ هَمَّامٌ: وَنا شَقِيقٌ، حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: بِمِثْلِ هَذَا، وَفِي حَدِيثِ أَحَدِهِمَا: وَأَكْبَرُ عِلْمِي أَنَّهُ فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ: وَإِذَا نَهَضَ نَهَضَ عَلَى

كراهة البروك في الصلاة كبروك البعير

رُكْبَتَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَى فَخِذِهِ معا. (ش) (رجال الحديث) (همام) بن يحيى تقدّم في الجزء الأول صفحة 74. و (شقيق) هو أبو ليث. روى عن عاصم بن كليب. وعنه همام بن يحيى. قال ابن القطان ضعيف لا يعرف بغير رواية همام وقال في التقريب مجهول من السادسة. روى له أبو داود (معنى الحديث) (قوله فذكر حديث الصلاة الخ) أى حديث صفة صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال وائل فلما سجد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقعتا ركبتاه الخ وتقدم هذا الحديث في باب افتتاح الصلاة. وذكره المصنف هنا لمناسبة تقديم الركبتين على اليدين عند السجود. وهو منقطع لأن عبد الجبار لم يسمع من أبيه كما تقدّم، والألف في وقعتا جارية على لغة أكلوني البراغيث (قوله قال همام وحدثنا شقيق الخ) أشار المصنف بهذا إلى أن همام بن يحيى العوذى روى هذا الحديث من طريقين طريق ابن جحادة وطريق شقيق. وطريق شقيق هذا مرسل (قوله وفي حديث أحدهما الخ) الضمير فيه عائد على ابن جحادة وشقيق. وقوله وأكبر علمى أى ظني. وقوله على فخذه بالإفراد وهي الرواية الصحيحة، وفي نسخة على فخذيه بالتثنية (ص) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ، وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» (ش) (رجال الحديث) (محمد بن عبد الله بن حسن) بن على بن أبي طالب أبو عبد الله الهاشمى المدني. روى عن أبيه ونافع مولى ابن عمر وأبى الزناد. وعنه الدراوردى وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن نافع وزيد بن الحسن، قال في التقريب ثقة من السابعة ووثقه النسائى وذكره ابن حبان في الثقات. توفي سنة خمس وأربعين ومائة. روى له أبو داود والترمذى والنسائى (معنى الحديث) (قوله فلا يبرك كما يبرك البعير الخ) أى لا يضع ركبتيه في السجود قبل يديه، وشبه وضع الركبتين قبل اليدين ببروك البعير مع أن البعير حال بروكه يضع يديه قبل رجليه لأن ركبة الإنسان في الرجل وركبة الدواب في اليد فإذا وضع ركبتيه أولا فقد شابه البروك في البعير. وتقدم ما فيه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والنسائى والترمذى والدارقطني والطحاوى والدارمى

باب النهوض في الفرد

(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَيَبْرُكُ كَمَا يَبْرُكُ الْجَمَلُ» (ش) (قوله يعمد أحدكم الخ) هو على تقدير الاستفهام الإنكارى أى أيعمد أحدكم (والمراد) منه النهى عن تقديم الركبتين على اليدين. وهذا الحديث والذى قبله من أدلة القائلين بتقديم اليدين على الركبتين كما تقدم. والنهى في الحديث عندهم محمول على الكراهة لتقديمه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ركبتيه على يديه كما دل عليه حديث وائل المتقدّم (باب النهوض في الفرد) أى في بيان كيفية القيام من الركعة الفرد وهي الأولى من الصلوات كلها والثالثة من الرباعية (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا إِسْمَاعِيلُ يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ بنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: جَاءَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ، في مَسْجِدِنَا، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُصَلِّي وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ، وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي قِلَابَةَ: كَيْفَ صَلَّى؟ قَالَ: مِثْلَ صَلَاةِ شَيْخِنَا هَذَا -يَعْنِي عَمْرَو بْنَ سَلَمَةَ إِمَامَهُمْ- وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ «إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الْآخِرَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى قَعَدَ، ثُمَّ قَامَ» (ش) (إسماعيل) بن علية تقدّم في الجزء الثاني صفحة 264. و (أيوب) السختياني في الأول صفحة 257، و (أبو قلابة) في الثالث صفحة 42 (قوله إلى مسجدنا) وفي رواية البخارى جاءنا مالك بن الحويرث فصلى بنا في مسجدنا هذا أى مسجد جرم (قوله إني لأصلى وما أريد الصلاة) يدل على أن ذلك كان في غير وقت صلاة الفريضة كما صرح به في رواية البخارى عن أبي قلابة ان مالك بن الحويرث قال لأصحابه ألا أنبئكم صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وذاك في غير حين صلاة. وفعل ذلك بهم ليعلمهم كيفية صلاته صلى الله

تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله قال قلت لأبى قلابة كيف صلى الخ) أى قال أيوب قلت لأبي قلابة كيف صلى مالك بن الحويرث قال مثل صلاة شيخنا هذا يعنى عمرو بن سلمة الجرمى الذى كان إماما لهم وذكر أبو قلابة أن مالك بن الحويرث كان إذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة في الركعة الأولى جلس جلسة خفيفة ثم قام (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى والنسائى (ص) حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، نَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: جَاءَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ، إِلَى مَسْجِدِنَا، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُصَلِّي وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ، وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يُصَلِّي، قَالَ: «فَقَعَدَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الْآخِرَةِ» (ش) شرحه كالذى قبله (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ إِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ، لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا» (ش) (هشيم) بن بشير تقدم في الجزء الأول صفحة 201، وكذا (خالد) الحذّاء صفحة 158 (قوله إذا كان في وتر الخ) أى فرد من صلاته (وفيه دلالة) على مشروعية جلسة الاستراحة بعد الفراغ من السجدة الثانية في الركعة الأولى والثالثة وقبل القيام إلى الثانية والرابعة (وبه قالت) الشافعية وداود وأحمد في رواية عنه وهو قول مالك بن الحويرث وأبي حميد وأبي قتادة وجماعة من الصحابة والتابعين "واحتجوا" بأحاديث الباب (وذهب) أكثر الأئمة إلى عدم مشروعية هذه الجلسة وقالوا إذا رفع المصلى رأسه من السجود نهض للقيام من غير جلوس وهو قول ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأبي الزناد ومالك والثورى والحنفية وأحمد وإسحاق (واستدلوا) بما رواه البزار عن وائل بن حجر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا رفع رأسه من السجدة استوى قائما (وبأحاديث) وائل بن حجر وأبى حميد الساعدى المتقدم ذكرها للمصنف فإنه لم يكن فيها هذه الجلسة (وبما رواه) ابن المنذر عن النعمان بن أبى عياش قال أدركت غير

مذاهب الفقهاء في جلسة الاستراحة

واحد من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكان إذا رفع رأسه من السجدة في أول ركعة وفي الثالثة قام كما هو ولم يجلس. وبأنها لو كانت مشروعة لشرع لها ذكر كغيرها (وأجابوا) عن حديث مالك بن الحويرث وأشباهه بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل ذلك لعلة لا أنه من سنة الصلاة كما يؤيده ما تقدّم للمصنف في باب ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام عن معاوية بن أبى سفيان قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تبادروني بركوع ولا بسجود فإنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركونى به إذا رفعت إنى قد بدنت (وقال) أبو إسحاق المروزى إن كان المصلى ضعيفا جلس لأنه يحتاج إلى الاستراحة وإن كان قويا لم يجلس لأنه لا يحتاج إلى الاستراحة اهـ (وقال صاحب الهدى) كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينهض على صدور قدميه وركبتيه معتمدا على فخذيه كما ذكر عنه وائل وأبو هريرة ولا يعتمد على الأرض بيديه. وقد ذكر عنه مالك بن الحويرث أنه كان لا ينهض حتى يستوى جالسا وهذه هى التي تسمى جلسة الاستراحة (واختلف) الفقهاء فيها هل هي من سنن الصلاة فيستحب لكل أحد أن يفعلها أو ليست من السنن وإنما يفعلها من احتاج إليها على قولين هما روايتان عن أحمد رحمه الله تعالى. قال الخلال رجع أحمد إلى حديث مالك بن الحويرث في جلسة الاستراحة وقال أخبرنى يوسف بن موسى أن أبا أمامة سئل عن النهوض فقال على صدور القدمين على حديث رفاعة وفي حديث ابن عجلان ما يدل على أنه كان ينهض على صدور قدميه. وقد روى عن عدّة من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وسائر من وصف صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يذكر هذه الجلسة وإنما ذكرت في حديث أبى حميد ومالك بن الحويرث. ولو كان هديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعلها دائما لذكرها كل واصف لصلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ومجرد فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لها لا يدل على أنها من سنن الصلاة إلا إذا علم أنه فعلها سنة يقتدى به فيها وأما إذا قدّر أنه فعلها للحاجة لم يدل على كونها سنة من سنن الصلاة اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبخارى والترمذى والنسائى (باب الإقعاء بين السجدتين) أى في بيان حكم الإقعاء بين السجدتين في الصلاة (ص) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، نَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا، يَقُولُ: قُلْنَا لِابْنِ عَبَّاسٍ: فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ فِي السُّجُودِ، فَقَالَ: «هِيَ السُّنَّةُ»،

قَالَ: قُلْنَا: «إِنَّا لَنَرَاهُ جُفَاءً بِالرَّجُلِ»، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (ش) (ابن جريج) تقدم في الجزء الأول صفحة 74. وكذا (أبو الزبير) صفحة 24 وكذا (طاوس) بن كيسان صفحة 79 (قوله قلنا لابن عباس الخ) يعني سألناه عن حكم الإقعاء على القدمين بين السجدتين (قوله قال قلنا إنا لنراه جفاء بالرجل الخ) أى قال طاوس لابن عباس إنا لنرى الإقعاء فظاظة وغلظة بالرجل بفتح الراء وضم الجيم كما نقله القاضى عياض عن جمع من رواة مسلم وصوبه الجمهور قالوا وهو المناسب لإضافة الجفاء إليه. وضبطه ابن عبد البر بكسر الراء وسكون الجيم يريد أن جلوسه على رجله في الصلاة مشقة وتؤيده رواية أحمد إنا لنراه جفاء بالقدم فقال ابن عباس هي سنة نبيك صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وفيه دلالة) على مشروعية الإقعاء بين السجدتين. والمراد به هنا أن يضع ألييه على عقبيه ويجعل صدور قدميه إلى الأرض "فقد" روى البيهقي عن ابن عباس من سنة الصلاة أن تمس أليتاك عقبيك بين السجدتين (وحمل جماعة) حديث ابن عباس هذا على الإقعاء المفسر بهذا التفسير منهم البيهقي والقاضى عياض وقال قد روى عن جماعة من الصحابة والسلف أنهم كانوا يفعلونه (وذهب) مالك والنخعى والحنفية والحنابلة إلى كراهة الإقعاء مطلقا سواء أفسر بالهيئة المذكورة أم فسر بوضع ألييه ويديه على الأرض ونصب ساقيه وفخذيه. ويدل لهم ما رواه الترمذى من طريق أبي إسحاق عن الحارث عن على قال قال لى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا علي إني أحب لك ما أحب لنفسى وأكره لك ما أكره لنفسى لا تقع بين السجدتين. وما رواه ابن ماجه عن أبي موسى وأبي إسحاق عن الحارث عن علي قال قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تقع إقعاء الكلب وما رواه أيضا من طريق يزيد بن هارون قال أنبأنا العلاء قال سمعت أنس بن مالك يقول قال لى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعى الكلب ضع ألييك بين قدميك وألزق ظاهر قدميك بالأرض (والنهى) في هذه الأحاديث عندهم للكراهة لحديث ابن عباس (وقد) اختلف في دفع التنافي الظاهر بين أحاديث النهى عن الإقعاء وبين حديث ابن عباس وفى كيفية الجمع بينها (فقال) الخطابى والماوردى إن حديث ابن عباس منسوخ بأحاديث النهي. ولعل ابن عباس لم يبلغه ذلك (وقال) البيهقى والقاضى عياض وابن الصلاح والنووى وجماعة يجمع بينهما بأن الإقعاء المنهى عنه هو المفسر بوضع ألييه ويديه على الأرض ونصب ساقيه وفخذيه والإقعاء الذى قال ابن عباس إنه من السنة هو وضع الإليين على العقبين والركبتين على الأرض وجعل صدور القدمين إلى الأرض (قال في النيل) وهذا الجمع لا بدّ منه وأحاديث النهى والمعارض

باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

لها يرشد إليه لما فيها من التصريح بإقعاء الكلب. ولما في أحاديث العبادلة من التصريح بالإقعاء على القدمين وعلى أطراف الأصابع. فالقول بالنسخ غفلة عن ذلك وعما صرح به الحفاظ من جهل تاريخ هذه الأحاديث وعن المنع من المصير إلى النسخ مع إمكان الجمع اهـ (فتحصل) من هذا أن الإقعاء على الوجه الذى ذكره ابن عباس مشروع كالافتراش (قال) النووى في شرح المهذب إن الإقعاء الذى رواه ابن عباس وابن عمر فعله النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على التفسير المختار الذى ذكره البيهقى. وفعل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما رواه أبو حميد وموافقوه من جهة الافتراش. وكلاهما سنة لكن إحدى السنتين أكثر وأشهر وهى رواية أبى حميد لأنه رواها وصدّقه عشرة من الصحابة ورواها وائل بن حجر وغيره. وهذا يدل على مواظبته عليها وشهرتها عندهم فهى أفضل وأرجح مع أن الإقعاء سنة أيضا اهـ ويعنى بما رواه ابن عمر ما أخرجه البيهقي عنه أنه كان إذا رفع رأسه من السجدة الأولى يقعد على أطراف أصابعه ويقول إنه من السنة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والترمذى وقال حديث حسن (باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع) وفي بعض النسخ "باب ما جاء فيما يقول إذا رفع رأسه من الركوع" (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، كُلُّهُمْ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ يَقُولُ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ». (ش) (رجال الحديث) (أبو معاوية) تقدّم في الجزء الأول صفحة 36. وكذا (وكيع) صفحة 32. و (محمد بن عبيد) بن أبى أمية الكوفي أبو عبد الله الطنافسي. روى عن الأعمش وعبيد الله بن عمر وهشام بن عروة والعوّام بن حوشب وجماعة. وعنه ابن معين وأحمد وأحمد بن منيع وهناد بن السرى ومحمد بن عيسى بن الطباع وكثيرون. وثقة أحمد والنسائى والدارقطني والعجلى وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث صاحب سنة وقال في التقريب ثقة يحفظ من الحادية عشرة. توفي سنة أربع ومائتين. روى له الجماعة (قوله كلهم عن الأعمش) أى كلهم يروون عن سليمان بن مهران الأعمش. و (عبيد بن الحسن) المزني ويقال الثعلبي أبى الحسن الكوفى. روى عن ابن أبى أوفى وعبد الرحمن بن معقل. وعنه

الثورى وشعبة ومنصور بن المعتمر وقيس بن الربيع ومسعر. وثقه أبو زرعة وابن معين والنسائى وقال أبو حاتم ثقة صدوق وقال في التقريب ثقة من الخامسة وقال ابن عبد البر أجمعوا على أنه ثقة حجة. روى له مسلم وأبو داود وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله إذا رفع رأسه من الركوع الخ) أى حين شرع في رفع رأسه من الركوع يقول سمع الله لمن حمده. وكان يقول اللهم ربنا لك الحمد وهو قائم كما صرح به في رواية البخارى وفيها ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض بنصب ملء على أنه صفة لمصدر محذوف أي حمدا ملء أو بنزع الخافض ويكون على تقدير مضاف أى بمقدار ملء. ويجوز رفعه على أنه صفة للحمد. والملء بالكسر ما يأخذه الإناء إذا امتلأ وهو كما تقدم تمثيل وتقريب فإن الكلام لا يقدّر بالمكاييل ولا يوضع في الأوعية. والمراد منه كثرة العدد حتى لو قدّر أن تلك الكلمات أجسام تملأ الأمكنة لملأت السماوات والأرضين. وفي رواية مسلم والنسائى ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شئ بعد أى بعد السماوات والأرض كالعرش والكرسى وما تحت الثرى وغيرها مما لا يعلم سعته إلا الله عز وجل (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم وابن ماجه وروى الترمذى نحوه عن على (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ عُبَيْدٍ أَبِي الْحَسَنِ، هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ فِيهِ بَعْدَ الرُّكُوعِ، قَالَ سُفْيَانُ: " لَقِينَا الشَّيْخَ عُبَيْدًا أَبَا الْحَسَنِ، بَعْدُ، فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: بَعْدَ الرُّكُوعِ ". (ش) أتى به المصنف لبيان أنه قد اختلف على عبيد في ذكر محل هذا الدعاء فرواية عبد الله ابن نمير ومن معه محله بعد رفعه رأسه من الركوع. ورواية سفيان الثورى وشعبة لم يبين فيهما محله. ورواية شعبة أخرجها مسلم عن عبيد بن الحسن قال سمعت عبد الله بن أبي أوفي قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدعو بهذا الدعاء اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد "وقوله عن عبيد أبى الحسن" "لا ينافي" ما تقدم عن الأعمش من قوله عن عبيد بن الحسن فإنه ابن الحسن ويكنى بأبى الحسن "وقوله قال سفيان لقينا الشيخ عبيدا أبا الحسن الخ" "يشعر" بأن سفيان الثورى روى الحديث عن عبيد بن الحسن أوّلا بواسطة وثانيا بلا واسطة. وروايته في الحالتين متوافقة على عدم ذكر محل هذا الدعاء

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِصْمَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عُبَيْدٍ، قَالَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ (ش) أى روى الحديث شعبة عن أبي عصمة بذكر الدعاء بعد الركوع كما في رواية الأولى وهو المشار إليه بقوله ورواه شعبة عن أبي عصمة (وحاصل) الكلام أن الحديث رواه عبد الله بن نمير وأبو معاوية ووكيع ومحمد بن عبيد عن الأعمش فقالوا إذا رفع رأسه من الركوع ورواه سفيان الثورى بعدم ذكر ذلك، ورواه شعبة مرّة بعدم ذكر ذلك كما رواه سفيان ومرة أخرى بن طريق أبى عصمة فذكره. و (أبو عصمة) هو نوح بن أبي مريم المروزى القرشى مولاهم المعروف بنوح الجامع قاضى مرو، روى عن أبيه والزهرى وابن أبي ليلى وابن جريج وثابت البناني وآخرين، وعنه زيد بن الحباب ونعيم بن حماد وسويد بن نصر وحبان بن موسى وغيرهم. قال أحمد يروى أحاديث مناكير ولم يكن في الحديث بذاك وقال مسلم وأبو حاتم والدارقطني متروك الحديث وقال ابن حبان كان يقلب الأسانيد وقال البخارى ذاهب الحديث وضعفه غير واحد، مات سنة ثلاث وسبعين ومائة. ولم نقف على من أخرج هذه الرواية (ص) حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَرَّانِيُّ، نَا الْوَلِيدُ، ح ونَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ، نَا أَبُو مُسْهِرٍ، ح ونَا ابْنُ السَّرْحِ، نَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، ح ونَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، كُلُّهُمْ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ قَزَعَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: حِينَ يَقُولُ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ -قَالَ مُؤَمَّلٌ: مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ-، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ -زَادَ مَحْمُودٌ: وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، ثُمَّ اتَّفَقُوا- وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ "، وَقَالَ بِشْرٌ: «رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ»، لَمْ يَقُلْ: «اللَّهُمَّ»، لَمْ يَقُلْ مَحْمُودٌ: «اللَّهُمَّ»، قَالَ: «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» (ش) (رجال الحديث) (مؤمل) على وزن محمد تقدم في الجزء الثاني صفحة 52. وكذا

(الوليد) بن مسلم صفحة 51. و (أبو مسهر) في الثالث صفحة 214 و (ابن السرح) في الأول صفحة 324. و (محمد بن مصعب) بضم فسكون ففتح هو محمد بن محمد بن مصعب فهو منسوب إلى جده وفي بعض النسخ التصريح باسم أبيه. روى عن عبد العزيز بن الخطاب وخالد بن عبد الرحمن وفديك ابن سليمان وجماعة. وعنه أبو داود والنسائى وإبراهيم بن محمد وأبو عوانة. قال ابن أبي حاتم صدوق ثقة وقال في التقريب صدوق من الحادية عشرة (قوله كلهم الخ) أى الوليد وأبو مسهر وبشر بن بكر رووا عن سعيد بن عبد العزيز. و (عطية بن قيس) الكلابى ويقال الكلاعي أبى يحيى الحمصى، روى عن أبيّ بن كعب ومعاوية والنعمان بن بشير وأبى الدرداء وابن عمر وجماعة وعنه ابنه سعيد وسعيد بن عبد العزيز وعبد الرحمن بن يزيد. قال أبو مسهر ولد في حياة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال المفضل كان من التابعين وقال في التقريب ثقة من الثالثة. توفي سنة إحدى وعشرين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى. و (قزعة ابن يحيى) بفتح القاف والزاى. ويقال ابن الأسود البصرى. روى عن ابن عمر وابن عمرو وأبى سعيد الخدرى وأبى هريرة وجماعة. وعنه مجاهد وقتادة وعاصم الأحول وعمرو بن دينار وآخرون. قال العجلى تابعى ثقة وقال ابن خراش صدوق وقال في التقريب ثقة من الثالثة روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله كان يقول حين يقول سمع الله الخ) يعنى يقول اللهم ربنا لك الحمد الخ بعد أن يستقل قائما عقب قوله سمع الله لمن حمده كما تقدّم في رواية البخارى وفي رواية له ولمسلم اللهم ربنا ولك الحمد بالجمع بين الواو واللهم (قوله ملء السماء قال مؤمل ملء السماوات) يعنى قال مؤمل بن الفضل السماوات بصيغة الجمع والباقون بالإفراد (قوله أهل الثناء والمجد) بنصب أهل على النداء أو المدح. ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أى أنت أهل الثناء والمجد والثناء الوصف بالجميل والمجد العظمة ونهاية الشرف (قوله أحق ما قال العبد) أحق بالرفع خبر مبتدأ محذوف أى أنت أحق من غيرك بما قاله العبد من الثناء والمجد. أو هو مبتدأ خبره جملة قوله لا مانع لما أعطيت أى أثبت قول قاله العبد لا مانع لما أعطيت. وكان هذا أحق ما قال العبد لأن فيه التفويض إلى الله تعالى والاعتراف بواحدا نيته وأن الحول والقوة والخير وغيره منه تعالى وأل في العبد للعهد والمعهود النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أو للجنس فيصدق على كل فرد (قوله وكلنا لك عبد) معترض بين المبتدأ والخبر على الوجه الثاني وفائدته تأكيد التفويض لله تعالى (قوله لا مانع لما أعطيت الخ) أى لا مانع لما أردت إعطاءه زاد محمود بن خالد في روايته قوله ولا معطي لما منعت وهي رواية مسلم وهذا نظير قوله تعالى "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده" (قوله ثم اتفقوا

مذاهب العلماء في الإمام أيقتصر على سمع الله لمن حمده والمأموم على ربنا ولك الحمد أم لا

ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ) أى اتفق كل من مؤمل وعود وابن السرح ومحمد على قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ أى لا ينفع صاحب الغنى من عذابك غناه ويحتمل أن تكون من بمعنى عند أى لا ينفع صاحب الغنى عندك غناه وإنما ينفعه العمل بطاعتك فالجدّ بفتح الجيم الغنى ويطلق أيضا على العظمة والحظ. وضبطه بعضهم بكسر الجيم بمعنى الاجتهاد أى لا ينفع صاحب الاجتهاد منك اجتهاده وإنما ينفعه التوفيق والقبول لعمله. والأول هو الصحيح (وقد جاء) في رواية لابن ماجه بيان سبب هذه الجملة فقد روى من طريق شريك عن ابن عمر قال سمعت أبا جحيفة يقول ذكرت الجدود عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو في الصلاة فقال رجل جدّ فلان في الخيل وقال آخر جدّ فلان في الإبل وقال آخر جدّ فلان في الغنم وقال آخر جدّ فلان في الرقيق فلما قضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاته ورفع رأسه من آخر الركعة قال اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجدّ منك الجد وطوّل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صوته بالجد ليعلموا أنه ليس كما يقولون (قوله وقال بِشر ربنا لك الحمد الخ) أى قال بشر بن بكر في روايته ربنا لك الحمد بدون لفظ اللهم وكذا لم يذكرها محمود في روايته لكن قال ربنا ولك الحمد بإثبات الواو. (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن المصلى يقول هذا الذكر بعد الرفع من الركوع وحال الاعتدال لا فرق بين فرض ونفل. وبه قالت الشافعية والحنابلة. وقالت الحنفية إنه محمول على النافلة. لكن ظاهر الأحاديث يردّه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " (ش) (سمى) مولى أبى بكر تقدم في الجزء الثالث صفحة 89 (قوله إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده الخ) استدل به على أن الإمام يقتصر على قوله سمع الله لمن حمده والمأموم على قوله ربنا لك الحمد. وبه قال ابن مسعود وأبو هريرة وأبو حنيفة ومالك والهادى والقاسم. مستدلين بحديث

الباب وبما رواه البخارى ومسلم عن أنس مرفوعا إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد. وبما تقدم للمصنف في باب الإمام يصلى من قعود عن أبى هريرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إنما جعل الإمام ليؤتم به. ونحوه عند البخارى من طريق عائشة وفيه فإذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد (وقال) الثورى والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد والحنابلة يجمع الإمام بين الذكرين والمأموم يقتصر على قوله ربنا لك الحمد واحتجوا على اقتصار المأموم على ذلك بحديث الباب ونحوه. وعلى أن الإمام يجمع بينهما بما رواه البخارى عن أبى هريرة قال كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا قال سمع الله لمن حمده قال اللهم ربنا ولك الحمد. ويدل لهم أيضا ما تقدم في الباب عن عبد الله بن أبى أوفى (وأما المنفرد) فقالت المالكية والحنابلة إنه يجمع بين الذكرين قال في المدونة إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فلا يقل هو اللهم ربنا لك الحمد ولكن يقول ذلك من خلفه وإذا صلى الرجل وحده فقال سمع الله لمن حمده فليقل اللهم ربنا ولك الحمد أيضا (وقالت الحنفية) إنه يقتصر على قوله ربنا لك الحمد (قال) الزيلعى وهو الذى عليه أكثر المشايخ (وقال) في المبسوط وهو الأصح لأن التسميع حث لمن هو معه على التسميع وليس معه غيره ليحثه عليه. ولأنه لو جمع بين الذكرين وقع الثاني في حال الاعتدال وهو لم يشرع إلا في الانتقال (وقال) أبو بكر الرازى ينبغى أن يأتي بالتسميع لا غير على قياس أبى حنيفة لأنه إمام نفسه والإمام يقتصر على التسميع عنده وهي رواية النوادر. وروى الحسن عن أبى حنيفة أن المنفرد يجمع بين الذكرين (وقال) صاحب الهداية وهو الأصح. ووجهه أنه إمام نفسه فيأتي بالتسميع ثم بالتحميد لعدم من يمتثل به خلفه اهـ كلام الزيلعى (وذهبت) الشافعية إلى أن المصلى يجمع بين الذكرين إماما كان أو مأموما أو منفردا وبه قال عطاء وأبو بردة ومحمد بن سيرين وإسحاق وداود. واحتجوا بما رواه البخارى ومسلم عن أبى هريرة وفيه ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد. وبما رواه مسلم عن حذيفة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال حين رفع رأسه سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد (وهذه الأحاديث) وإن كانت أخص من الدعوى لأنها حكاية لصلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إماما كما هو الغالب إلا أن قوله صلوا كما رأيتمونى أصلى لا يدلّ على الاختصاص بالإمام. واحتجوا أيضا بما رواه الدارقطنى عن بريدة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا بريدة إذا رفعت رأسك من الركوع فقل سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد (وظاهره) عدم الفرق بين كونه إماما أو منفردا أو مأموما (قال النووى) ولأنه ذكر يستحب للإمام فيستحب لغيره كالتسبيح في الركوع وغيره. ولأن الصلاة مبنية على أن لا يفتر عن

الذكر في شيء منها فإن لم يقل بالذكرين في الرفع والاعتدال بقى أحد الحالين خاليا عن الذكر اهـ (قوله فإنه من وافق الخ) أى من قال ذلك ووافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه أى الصغائر فإن الملائكة تقول ذلك عقب قول الإمام سمع الله لمن حمده (وفيه إشعار) بأن الملائكة تقول ما يقول المأمومون وأن المراد بالموافقة الموافقة في القول والزمن خلافا لابن حبان وغيره ممن قال المراد الموافقة في الإخلاص والخشوع (قال ابن المنير) والحكمة في إيثار الموافقة في القول والزمان أن يكون المأموم على يقظة للإتيان بالوظيفة في محلها لأن الملائكة لا غفلة عندهم فمن وافقهم كان مستيقظا اهـ والمراد بالملائكة من يشهد منهم تلك الصلاة ممن في الأرض أو في السماء واستظهره الحافظ (واختار) ابن بزيزة أن المراد جميع الملائكة وقيل الحفظة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مالك والبخارى ومسلم والترمذى والنسائى وأخرج مسلم والنسائى وابن ماجه عن أبى موسى نحوه بلفظ إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد يسمع الله لكم (ص) حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عَمَّارٍ، نَا أَسْبَاطٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: " لَا يَقُولُ الْقَوْمُ خَلْفَ الْإِمَامِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَلَكِنْ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ " (ش) (رجال الأثر) (بشر بن عمار) القهستاني. روى عن أسباط بن محمد وعيسى ابن يونس وعبدة بن سليمان. وعنه أبو داود وابن أبي الدنيا وأحمد بن سيار. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق من العاشرة. و (مطرف) بن طريف الحارثى الكوفيّ أبي بكر أو أبي عبد الرحمن. روى عن أبي إسحاق السبيعى والشعبي وابن أبى ليلى وسلمة ابن كهيل وجماعة. وعنه إسماعيل بن زكرياء وأبو عوانة والسفيانان ومحمد بن فضيل وآخرون قال العجلى صالح الكتاب ثقة ثبت في الحديث ما يذكر عنه إلا الخير وقال عثمان بن أبي شيبة ثقة صدوق وليس بثبت ووثقه أحمد وأبو حاتم وابن المديني وقال في التقريب ثقة فاضل من صغار السادسة. توفي سنة إحدى أو اثنتين وأربعين ومائة. روى له الجماعة (معنى الأثر) (قوله قال لا يقول القوم خلف الإمام الخ) أى قال عامر الشعبي لا يقول القوم خلف الإمام سمع الله لمن حمده الخ فهو موافق للقائلين بأن الإمام يقتصر على قوله سمع الله لمن حمده والمأموم يقتصر على قوله ربنا لك الحمد. وتقدم بيانه (باب الدعاء بين السجدتين) (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ، نَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، نَا كَامِلٌ أَبُو الْعَلَاءِ، حَدَّثَنِي حَبِيبُ

باب الدعاء بين السجدتين

ابْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال كان النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَعَافِنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي» (ش) (رجال الحديث) (محمد بن مسعود) بن يوسف النيسابورى أبو جعفر العجمى نزيل طرسوس. روى عن ابن مهدى وعبد الصمد بن عبد الوارث وأبي عاصم ومحمد بن عبيد. وعنه أبو داود وابن أبى الدنيا وابن وضاح والمحاملى وآخرون. قال مسلمة بن قاسم كان عالما بالحديث وقال في التقريب ثقة عارف من الحادية عشرة ووثقه الخطيب. مات سنة أربعين ومائتين و (كامل أبو العلاء) هو ابن العلاء السعدى التميمي. روى عن منصور بن المعتمر والمنهال ابن عمرو وأبي صالح السمان وعطاء بن أبي رباح وآخرين. وعنه محمد بن ربيعة وإسحاق ابن منصور والأسود بن عامر وإسماعيل بن صبيح وكثيرون. وثقه يعقوب بن سفيان وابن معين وقال النسائى ليس بالقوى ولا بأس به وقال ابن حبان كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل من حيث لا يدرى فبطل الاحتجاج بأخباره وقال في التقريب صدوق يخطئ من السابعة. روى له مسلم وأبو داود والترمذى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله اللهم اغفر لى وارحمنى الخ) أى يا ألله امح ذنوبي وتقصيرى وأحسن إليّ بقبول عبادتي وعافنى من البلاء والفتن في الدارين واهدني لصالح الأعمال وثبتني على الدين الحق وارزقنى رزقا حسنا ودرجة عالية في الآخرة (وقد ورد) في الذكر بين السجدتين أحاديث أخر. فقد روى الترمذى عن ابن عباس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقول بين السجدتين اللهم اغفر لى وارحمني واجبرني واهدني وارزقنى وروى النسائى وابن ماجه عن حذيفة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقول بين السجدتين رب اغفر لى رب اغفر لى. وروى ابن ماجه عن ابن عباس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقول بين السجدتين في صلاة الليل رب اغفر لى وارحمني واجبرني وارزقنى وارفعني. والحديث أخرجه الترمذى وابن ماجه والحاكم والبيهقي (باب رفع النساء إذا كنّ مع الإمام رءوسهن من السجدة) وفي نسخة باب رفع النساء رءوسهن من السجود إذا كن مع الرجال (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ الْعَسْقَلَانِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ، أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَوْلًى لِأَسْمَاءَ بْنَةِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: سَمِعْتُ

باب رفع النساء إذا كن مع الإمام رءوسهن من السجود

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ كَانَ مِنْكُنَّ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا تَرْفَعْ رَأْسَهَا حَتَّى يَرْفَعَ الرِّجَالُ رُءُوسَهُمْ، كَرَاهَةَ أَنْ يَرَيْنَ مِنْ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ» (ش) (رجال الحديث) (محمد بن المتوكل) بن عبد الرحمن بن حسان الهاشمى مولاهم الحافظ أبو عبد الله. روى عن شعيب بن إسحاق وابن عيينة وعبد الرزاق بن همام ومعتمر بن سليمان وفضيل بن عياض وغيرهم. وعنه أبو حاتم وأبو زرعة ويعقوب بن سفيان وأبو الأحوص وبقيّ بن مخلد وآخرون. وثقه ابن معين وقال أبو حاتم لين الحديث وقال ابن عدى كان كثير الغلط وقال ابن وضاح كان كثير الحفظ كثير الغلط وقال مسلمة كان كثير الوهم لا بأس به وقال في التقريب صدوق عارف له أوهام كثيرة من العاشرة. توفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين و (العسقلاني) نسبة إلى عسقلان مدينة بالشام من أعمال فلسطين بين غزة وبيت جبريل و (معمر) بن راشد تقدم في الجزء الأول صفحة 107. و (عبد الله بن مسلم) بن عبيد الله بن عبد الله ابن شهاب أبى محمد المدني. روى عن أنس وابن عمر وحنظلة بن قيس وعبد الله بن ثعلبة. وعنه النعمان بن راشد وبكير بن الأشج وعبد الوهاب بن أبى بكر وجماعة. قال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث. وقال النسائى ثقة ثبت ووثقه ابن معين وعثمان الدارمى وقال في التقريب ثقة من الثالثة. روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى (قوله عن مولى لأسماء) مجهول ويحتمل أن يكون عبد الله بن كيسان كما قال الحافظ (معنى الحديث) (قوله من كان منكن تؤمن بالله واليوم الآخر) وفي نسخة من كان منكن يؤمن الخ وأتي به حملا لهن على الامتثال وترهيبا لهن من المخالفة (قوله كراهة أن يرين من عورات الرجال) يحتمل أن يكون من كلامه صلى الله عليه وآله وسلم وأن يكون من كلام أسماء مدرجا في الحديث أى نهاهن لأجل كراهية أن ترى النساء عورات الرجال إذا رفعن رءوسهن قبلهم فإن الرجال كانوا وقتئذ يلبسون أزرا قصيرة فإذا سجدوا ربما ظهر من عوراتهم شئ، وروى البخارى عن أبى هريرة قال لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجل عليه رداء إما إزار وإما كساء قد ربطوها في أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز حضور النساء الجماعة في المساجد. ومحله إذا أمنت الفتنة وتقدم تحقيقه في باب ما جاء في خروج النساء إلى المساجد، وعلى أنه يطلب منهن أن لا يرفعن رءوسهن إلا بعد أن يرفع الرجال رءوسهم. ومحله إذا لم يكن بينهن وبين الرجال حائل أخذا من التعليل (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبخارى من طريق أبى حازم عن سهل قال كان

باب طول القيام من الركوع وبين السجدتين

رجال يصلون مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عاقدى أزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان وقال للنساء لا ترفعن رءوسكن حتى يستوى الرجال جلوسا (باب طول القيام من الركوع وبين السجدتين) أى وطول القعود بين السجدتين. وترجم البخارى لهذا الحديث باب الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْبَرَاءِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ سُجُودُهُ، وَرُكُوعُهُ، وَقُعُودُهُ، وَمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ» (ش) (شعبة) تقدم في الجزء الأول صفحة 32. و (الحكم) بن عتيبة في الثاني صفحة 125 (قوله كان سجوده الخ) أى كان مقدار سجود وركوع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقعوده بين السجدتين قريبا من التساوى والتماثل إلا أن بينها تفاوتا ما وقوله وما بين السجدتين هكذا في أكثر النسخ بالواو بعد وقعوده. وفي بعضها من غير واو فعلى النسخة الثانية المعنى ظاهر لأن المراد من القعود هو الجلسة بين السجدتين ويؤيده ما سيأتى للمصنف عن أنس وفيه وكان يقعد بين السجدتين. وما رواه البخارى من هذا الطريق بلفظ كان ركوع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وسجوده وبين السجدتين وإذا رفع رأسه من الركوع ما خلا القيام والقعود قريبا من السواء. وأما على النسخة التي فيها الواو فيحتمل أن يكون المراد بقوله وقعوده القعود للتشهد الأول أو الجلسة التي بين التسليم والانصراف ولا يجوز أن يراد التشهد الأخير لاستثنائه مع القيام من المتقاربات في السواء في رواية البخارى فإنهما المرادان بقوله ما خلا القيام والقعود. والذى يظن أن الواو زادها بعض النساخ بدليل رواية البخارى وغيره: والحديث أخرجه البخارى والترمذى والنسائى وأحمد (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، أَنَا ثَابِتٌ، وَحُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ رَجُلٍ أَوْجَزَ صَلَاةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي تَمَامٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ،

الرد على من قال إن تطويلهما مبطل للصلاة

قَامَ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَوْهَمَ، ثُمَّ يُكَبِّرُ، وَيَسْجُدُ، وَكَانَ يَقْعُدُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَوْهَمَ " (ش) (حماد) بن سلمة تقدم في الجزء الأول صفحة 26. و (ثابت) البنانى في الثانى صفحة 245. وكذا (حميد) الطويل صفحة 172 (قوله أوجز صلاة الخ) أى أقصر صلاة بنصب صلاة على التمييز (قوله في تمام) أى حال كون صلاته تامة في الأقوال والأفعال. وأتى بقوله في تمام دفعا لما يتوهم من أن كونها أقصر صلاة أنها غير تامة والمراد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يتوسط حينما يؤم الناس لا أنه كان يقتصر على أقل ما يمكن من الأركان والأبعاض "أى السنن" كما توهم بعضهم (قوله قام حتى نقول قد أوهم) أى استمر قائما حتى نظن أنه قد أسقط الركعة التي ركعها وعاد إلى ما كان عليه من القيام للقراءة يقال أوهم في صلاته أى أسقط منها شيئا وأوهم من صلاته ركعة إذا تركها ويحتمل أن المراد من أوهم نسى أنه في صلاة وتؤيده رواية البخارى عن ثابت قال كان أنس بن مالك ينعت لنا صلاة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكان إذا رفع رأسه من الركوع قام حتى نقول قد نسى. وفي بعض النسخ حتى نقول قد وهم أى غلط (وفي هذا دلالة) على جواز تطويل الاعتدال من الركوع وتطويل الجلوس بين السجدتين. وهو يردّ على من قال إن طولهما مبطل للصلاة لأنهما ركنان قصيران (قال في النيل) قد ترك الناس هذه السنة الثابتة بالأحاديث الصحيحة محدّثهم وفقيههم ومجتهدهم ومقلدهم فليت شعرى ما أدرى ما الذى عولوا عليه في ذلك اهـ (وقال) ابن دقيق العيد في شرح حديث البراء إنه يدل على أن الاعتدال ركن طويل فلا ينبغى العدول عنه لدليل ضعيف وهو قولهم لم يسن فيه تكرير التسبيحات كالركوع والسجود. ووجه ضعفه أنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد. وأيضا فالذكر المشروع في الاعتدال أطول من الذكر المشروع في الركوع كما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن أبى أوفى وأبى سعيد الخدرى وعبد الله بن عباس بعد قوله حمدا كثيرا طيبا ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شئ بعد زاد في حديث ابن أبى أوفى اللهم طهرني بالثلج وزاد في حديث الآخر أهل الثناء والمجد. ومن ثم اختار النووى جواز تطويل الركن القصير بالذكر خلافا للمرجح في المذهب. واستدل لذلك أيضا بحديث حذيفة في مسلم أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قرأ في ركعة بالبقرة وغيرها ثم ركع نحوا مما قرأ ثم قام بعد أن قال ربنا ولك الحمد قياما طويلا قريبا مما ركع (قال النووى) الجواب عن هذا الحديث صعب والأقوى جواز الإطالة بالذكر اهـ كلام ابن دقيق العيد (وقال في الفتح) قد أشار الشافعى في الأم إلى عدم البطلان فقال ولو أطال القيام بذكر الله أو يدعو ساهيا وهو لا ينوى به القنوت كرهت له ذلك ولا إعادة "إلى آخر كلامه" فالعجب ممن يصحح

مع هذا بطلان الصلاة بتطويل الاعتدال "وتوجيههم" ذلك بأنه إذا أطيل انتفت الموالاة "معترض" بأن معنى الموالاة أن لا يتخلل فصل طويل بين الأركان بما ليس منها. وما ورد به الشرع لا يصح نفى كونه منها اهـ على أنه لا وجه لكراهته أيضا مع ثبوت الطول بالنص عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم عن أنس بلفظ ما صليت خلف أحد أوجز صلاة من صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في تمام كانت صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم متقاربة وكانت صلاة أبى بكر متقاربة فلما كان عمر بن الخطاب مدّ في صلاة الفجر وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا قال سمع الله لمن حمده قام حتى نقول قد أوهم ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهم وأخرج البخارى نحوه من طريق حماد بن زيد عن ثابت عن أنس بن مالك قال إني لا آلو أن أصلى بكم كما رأيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلى بنا قال ثابت كان أنس يصنع شيئا لم أركم تصنعونه كان إذا رفع رأسه من الركوع قام حتى يقول القائل قد نسى وبين السجدتين حتى يقول القائل قد نسي (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، وَأَبُو كَامِلٍ، دَخَلَ حَدِيثُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، قَالَا: نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: " رَمَقْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ - وَقَالَ أَبُو كَامِلٍ: رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ، فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ كَرَكْعَتِهِ، وَسَجْدَتِهِ وَاعْتِدَالَهُ فِي الرَّكْعَةِ كَسَجْدَتِهِ، وَجِلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَسَجْدَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالِانْصِرَافِ، قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ "، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ مُسَدَّدٌ: فَرَكْعَتُهُ وَاعْتِدَالُهُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ فَسَجْدَتُهُ، فَجِلْسَتُهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَسَجْدَتُهُ، فَجِلْسَتَهُ بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالِانْصِرَافِ، قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ (ش) (رجال الحديث) (أبو كامل) هو فضيل بن حسين تقدم في الجزء الأول صفحة 227، وكذا (أبو عوانة) الوضاح صفحة 91 (قوله دخل حديث أحدهما في الآخر) أى من حيث المعنى وليس المراد أنه دخل لفظ حديث أحدهما في الآخر لأنه ذكر لفظ كل من الحديثين. و (هلال بن أبى حميد) ويقال ابن حميد أبى عمر الجهني مولاهم الكوفي. روى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعروة بن الزبير وأبى بشر وجماعة. وعنه أبو عوانة وشريك وحجاج بن

ما دل عليه حديث البراء من استحباب تطويل الطمأنينة في الركوع والسجود والرفع منهما وغير ذلك من المسائل

أرطاة وابن عيينة وغيرهم. وثقه النسائى وابن معين وقال أبو داود لا بأس به وقال في التقريب ثقة من السادسة. روى له البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى والترمذى (معنى الحديث) (قوله رمقت محمدا الخ) أى نظرت إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حال صلاته لا تعلم مقدار أركانها. وهذا لفظ مسدد. ولفظ أبى كامل رمقت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما ذكره المصنف (قوله فوجدت قيامه كركعته وسجدته) بالجر عطف على ركعته أى وجدت مقدار قيامه للقراءة كمقدار مجموع ركوعه وسجوده. ويحتمل أن يكون المعنى فوجدت قيامه مثل ركوعه ومثل سجوده وعلى هذا فالثلاثة متقاربة (قوله واعتداله في الركعة كسجدته) أى ووجدت مقدار اعتداله من الركوع كمقدار سجدته الأولى. فاعتداله بالنصب عطف على قيامه (قوله وجلسته بين السجدتين الخ) أى ووجدت مقدار جلسته بين السجدتين ومقدار سجدته الثانية وجلسته بين التسليم من الصلاة والانصراف أى التحول والانتقال من مكان الصلاة قريبا من السواء. فقوله ما بين التسليم فيه حذف الواو مع معطوفها كما صرح به في رواية مسدد. وفي رواية مسلم من طريق أبى كامل فجلسته ما بين التسليم والانصراف. ويحتمل أن يراد بقوله وسجدته ما بين التسليم والانصراف سجدة السهو. وقوله قريبا من السواء مفعول ثان لوجد المقدّر (قوله قال مسدد فركعته الخ) أى قال مسدد بن مسرهد في روايته فوجدت قيامه فركعته واعتداله بين الركعتين الخ بالعطف لا بالتشبيه. وقوله بين الركعتين يعني بهما الركوع والسجود. وقوله فجلسته بين التسليم والانصراف الخ دليل على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يمكث بعد سلامه من الصلاة في مكانه قريبا من الركوع والسجود. وفي رواية أحمد ومسلم والترمذى وابن ماجه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. وفي رواية أحمد والبخارى أيضا عن أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضى تسليمه وهو يمكث مكانه يسيرا قبل أن يقوم قالت فنرى والله تعالى أعلم ان ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال (فقه الحديث) دلّ الحديث على تخفيف القراءة في الصلاة، وعلى إطالة الطمأنينة في الركوع والسجود وفي الاعتدال منهما (قال النووى) وهذا الحديث محمول على بعض الأحوال وإلا فقد ثبتت الأحاديث بتطويل القيام وأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ في الصبح بالستين إلى المائة وفي الظهر بالم تنزيل السجدة وأنه كانت تقام الصلاة فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضى حاجته ثم يرجع فيتوضأ ثم يأتى المسجد فيدرك الركعة الأولى. وأنه قرأ سورة المؤمنين

باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود

حتى بلغ ذكر موسى وهارون. وأنه قرأ في المغرب بالطور والمرسلات وفي البخارى بالأعراف وأشباه هذا. وكله يدل على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كانت له في إطالة القيام أحوال بحسب الأوقات وهذا الحديث الذى نحن فيه جرى في بعض الأوقات اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى والنسائى وابن ماجه وكذا مسلم من رواية حامد ابن عمر وأبى كامل ولفظه فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته فجلسته بين السجدتين فسجدته فجلسته ما بين التسليم والانصراف قريبا من السواء وأخرجه أيضا الإمام أحمد في مسنده (باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود) وفي بعض النسخ "باب ما جاء في صلاة من لا يقيم صلبه" (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرِيُّ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ الرَّجُلِ حَتَّى يُقِيمَ ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» (ش) (شعبة) بن الحجاج. و (سلمان) بن مهران الأعمش. و (أبو معمر) عند الله بن سخبرة. و (أبو مسعود البدرى) هو عقبة بن عمرو (قوله لا تجزئُ صلاة الرجل الخ) أى لا تصح صلاة من لم يسو ظهره في الركوع والسجود (وروى) ابن ماجه عن عبد الرحمن بن على بن شيبان عن أبيه على بن شيبان وكان من الوفد قال خرجنا حتى قدمنا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وبايعناه وصلينا خلفه فلمح بمؤخر عينه رجلا لا يقيم صلاته يعني صلبه في الركوع والسجود فلما قضى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة قال يا معشر المسلمين لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود. والمراد بإقامة الصلب فيهما الطمأنينة (وروى) الطبراني عن أبي قتادة مرفوعا أسوأ الناس سرقة الذى يسرق في صلاته قالوا وكيف يسرق في صلاته قال لا يتمّ ركوعها وسجودها. ويحتمل أن في بمعنى من أى حتى يقيم ظهره من الركوع والسجود والمراد حتى يقيم صلبه في الاعتدال بعد الركوع وفي الجلوس بين السجدتين (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وابن ماجه والدارمى والترمذى وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي وأحمد عن أبي هريرة بلفظ لا ينظر الله إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده

(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، نَا أَنَسٌ يَعْنِي ابْنَ عَيَّاضٍ، ح ونَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، فَرَجَعَ الرَّجُلُ، فَصَلَّى كَمَا كَانَ صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «وَعَلَيْكَ السَّلَامُ»، ثُمَّ قَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا فَعَلِّمْنِي، قَالَ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ اجْلِسْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا»، قَالَ أبو داود قال الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: «فَإِذَا فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ، وَمَا انْتَقَصْتَ مِنْ هَذَا شَيْئًا، فَإِنَّمَا انْتَقَصْتَهُ مِنْ صَلَاتِكَ»، وَقَالَ فِيهِ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ (ش) (القعنبي) عبد الله بن مسلمة. و (يحيى بن سعيد) القطان. و (عبيد الله) ابن عمر العمرى (قوله وهذا لفظ ابن المثنى) أى ما سيذكره المصنف لفظ حديث محمد بن المثنى (قوله عن أبيه) هو أبو سعيد كيسان المقبرى قال الدارقطنى خالف يحيى القطان أصحاب عبيد الله كلهم في هذا الإسناد فإنهم لم يقولوا عن أبيه ويحيى حافظ فيشبه أن يكون عبيد الله حدّث به على الوجهين اهـ وقال الحافظ لكل من الروايتين مرجح. أما رواية يحيى فللزيادة من

حافظ. وأما الرواية الأخرى فللكثرة. ولأن سعيدا لم يوصف بالتدليس وقد ثبت سماعه من أبي هريرة ومن ثم أخرج الشيخان الطريقين اهـ (قوله فدخل رجل) هو خلاد بن رافع كما في رواية ابن أبي شيبة قال الحافظ هو خلاد بن رافع الأنصارى وجاء أنه استشهد ببدر اهـ "وهذا" لا ينافي رواية أبي هريرة هذه القصة مع كونه أسلم في السنة السابعة. وغزوة بدر كانت في الثانية "لاحتمال" أن يكون أبو هريرة رواها عن بعض الصحابة الذين شاهدوها فأرسلها. وفي البخارى عن عبيد الله بن نمير دخل رجل ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جالس في ناحية المسجد. ومن طريق إسحاق بن أبي طلحة بينما رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جالس ونحن حوله إذ دخل رجل فأتى القبلة فصلى "الحديث" "وما وقع" عند الترمذى عن رفاعة بن رافع من قوله إذ جاء رجل كالبدوى فصلى فأخف صلاته "لا ينافي أنه خلاد" لأن رفاعة شبهه بالبدوى لكونه أخفّ الصلاة أو كانت هيئته كهيئة البدوى (قوله فصلى) وفي رواية النسائى فصلى ركعتين. والظاهر أنهما تحية المسجد. وفي رواية له أيضا فصلى ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يرمقه ولا يشعر. وعند ابن أبى شيبة من رواية أبي خالد يرمقه ونحن لا نشعر (قوله ثم جاء فسلم) هكذا في رواية للبخارى بثم. وفي رواية له فجاء فسلم بالفاء. وصلى الرجل قبل أن يسلم على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تقديما لحق الله تعالى على حق رسوله لأمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بذلك لمن يسلم عليه قبل صلاة التحية (قوله فردّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) وفي رواية لمسلم والبخارى فقال وعليك السلام (قوله فإنك لم تصل) أى لم توجد حقيقة الصلاة فهو نفي للحقيقة لانتفاء الطمأنينة التي هي ركن من أركانها. أو أن المراد لم تصح صلاتك فيكون النفي راجعا للصفة خلافا لمن قال إنه نقى للكمال لأن النفى يتوجه للحقيقة إن أمكن كما هنا وإلا فيتوجه لأقرب صفة للحقيقة كالصحة لا الكمال كما تقدم (قوله فصلى كما كان صلى) أى صلى ثانيا كصلاته الأولى. وفي رواية النسائى فذهب فصلى فجعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يرمق صلاته ولا ندرى ما يعيب منها (قوله حتى فعل ذلك ثلاث مرار) وفي نسخة مرات "فإن قيل" لم سكت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن تعليمه أولا وأعاده مرة بعد أخرى "أجيب" بأن الرجل لما لم يستكشف الحال سكت عن تعليمه زجرا له وإشارة إلى أنه كان ينبغى له أن يسأل عما أبهم عليه ولما سأله عن البيان بين له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحسن المقال "واستشكل" أيضا سكوته على صلاة فاسدة ثلاث مرات "وأجيب" بأنه أراد استدراجه بفعل ما جهله مرات لاحتمال أن يكون فعله ناسيا أو غافلا فيتذكر فيفعله من غير تعليم فليس من باب التقرير على الخطأ بل من باب تحقيق الخطأ. أو بأنه لم يعلمه أولا ليكون أبلغ في تعليمه وتعليم غيره ولتفخيم

مذاهب الأئمة في أن الركوع والسجود والاعتدال منهما من فرائض الصلاة لا تصح إلا بها والرد على من خالف في ذلك

الأمر وتعظيمه عليه ولا شك في زيادة قبول المتعلم ما يلقى إليه بعد تكرار فعله واستجماع نفسه (قوله فعلمنى الخ) وفي نسخة علمنى بدون الفاء. وفي رواية فقال الرجل فأرني وعلمني فإنما أنا بشر أصيب وأخطئ قال إذا قمت إلى الصلاة فكبر أى تكبيرة الافتتاح. وفي رواية للبخارى عن ابن نمير إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر. وفي رواية له عن يحيى ابن على فتوضأ كما أمرك الله تعالى ثم تشهد وأقم وستأتي للمصنف (قوله ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) تمسك به من لم يوجب قراءة الفاتحة في الصلاة. وتقدم بيان المقام مستوفي في باب من ترك القراءة في صلاته (قوله ثم اركع حتى تطمئن راكعا) أى اركع واستمر في ركوعك حتى تطمئن. وفي رواية أحمد فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك وامدد ظهرك وتمكن لركوعك (قوله ثم ارفع حتى تعتدل قائما) أى أقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها كما صرح به في رواية أحمد وفى رواية مسلم ثم ارفع حتى تستوى قائما. وفي رواية ابن ماجه حتى تطمئن قائما وهى على شرط مسلم وأخرجها إسحاق بن راهويه في مسنده وأبو نعيم في مستخرجه والسراج عن يوسف بن موسى أحد شيوخ البخارى فثبت ذكر الطمأنينة في الاعتدال من الركوع في هذه الروايات على شرط الشيخين. ومثله في رواية رفاعة عند أحمد وابن حبان. وهذه الروايات تدل على وجوب الطمأنينة في الاعتدال من الركوع وتردّ قول من لم يوجبها فيه (قوله ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) أى افعل ما ذكر من قيام وقراءة وركوع واعتدال منه وسجود وطمأنينة وجلوس بين السجدتين في ركعات صلاتك كلها إلا تكبيرة الإحرام فإنها لا تكرر (والحديث) يدل على وجوب هذه الأعمال المذكورة ووجوب الطمأنينة فيها وأن الصلاة لا تصح بدونها (وإلى هذا) ذهبت الشافعية والمالكية وأحمد وداود الظاهرى والعترة وأبو يوسف من الحنفية (وقال) أبو حنيفة ومحمد إن الطمأنينة ليست بفرض في شيء مما ذكر بل هى واجبة في الركوع والسجود وتصح الصلاة بدونها مع الإثم (وقال أيضا) إن الرفع من الركوع سنة فلو انحطّ من الركوع إلى السجود أجزأه وإن الجلسة بين السحدتين سنة ويكفى أن يرفع رأسه عن الأرض أدنى رفع ولو كحدّ السيف. واحتجا على هذا بقوله تعالى "اركعوا واسجدوا" قالا والركوع الانحناء لغة والسجود الانخفاض فتتعلق الركنية بالأدنى فيهما لكن يرده حديث الباب. وحديث أبي مسعود البدرى المتقدم. وما تقدم أيضا عند أحمد وغيره عن على بن شيبان مرفوعا بلفظ لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود (وما رواه) أحمد عن أبى هريرة لا ينظر الله إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده (وما رواه) أحمد ومسلم وفيه أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوى قائما وإذا رفع رأسه من السجود لم يسجد حتى يستوي جالسا

والآية التي احتجا بها لا تنافي هذه الأحاديث لأنها ساكتة عن الطمأنينة والاعتدال. وهذه الأحاديث ناطقة بهما (قال ابن دقيق العيد) قد تكرر من الفقهاء الاستدلال بهذا الحديث على وجوب ما ذكر فيه وعلى عدم وجوب ما لم يذكر. فأما وجوب ما ذكر فيه فلتعلق الأمر به وأما عدم وجوب غيره فليس ذلك بمجرد كون الأصل عدم الوجوب بل لأمر زائد على ذلك وهو أن الموضع موضع تعليم وبيان للجاهل وتعريف لواجبات الصلاة وذلك يقتضى انحصار الواجبات فيما ذكر. ويقوى مرتبة الحصر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذكر ما تعلقت به الإساءة من هذا المصلى وما لم يتعلق به الإساءة من واجبات الصلاة وهذا يدل على أنه لم يقصر المقصود على ما وقعت فيه الإساءة (فإذا تقرر هذا) فكل موضع اختلف الفقهاء في وجوبه وكان مذكورا في هذا الحديث فلنا أن نتمسك به في وجوبه. وكل موضع اختلفوا في وجوبه ولم يكن مذكورا في هذا الحديث فلنا أن نتمسلك به في عدم وجوبه. لكونه غير مذكور في هذا الحديث على ما تقدم من كونه موضع تعليم وقد ظهرت قرينة مع ذلك على قصد ذكر الواجبات إلا أن على طالب التحقيق أن يجمع طرق هذا الحديث ويحصى الأمور المذكورة فيه ويأخذ بالزائد فالزائد فإن الأخذ بالزائد واجب. وإذا قام دليل على أحد الأمرين إما على عدم الوجوب أو الوجوب فالواجب العمل به ما لم يعارضه ما هو أقوى منه اهـ كلام ابن دقيق العيد (قال في الفتح) وقد جمعت طرقه القوية من رواية أبى هريرة ورفاعة وقد أمليت الزيادات التي اشتملت عليها فمما لم يذكر فيه صريحا من الواجبات المتفق عليها النية والقعود الأخير. ومن المختلف فيه التشهد الأخير والصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيه والسلام في آخر الصلاة اهـ. لكن ما لم يذكر في هذا الحديث من الواجبات محمول على أن الرجل كان عالما بها (قوله قال القعنبي عن سعيد بن أبى سعيد الخ) غرض المصنف بهذا بيان الاختلاف الواقع بين حديثي القعنبى وابن المثى في السند والمتن. أما في السند فقال ابن المثنى عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبى هريرة وقال القعنبي عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أبي هريرة فزاد لفظ المقبريّ ولم يقل عن أبيه، وأما الاختلاف في المتن فزاد القعنبي فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك الخ ولم يذكره ابن المثنى (قوله وقال في آخره) أى قال القعنبى في روايته في آخر الحديث وما انتقصت من هذا فإنما انتقصته من صلاتك أى ما تركته مما ذكر فقد انتقصته من صلاتك. وترك شئ مما ذكر يؤدى إلى بطلان الصلاة لما علمت من أن جميعها فرائض عند الجمهور خلافا لمن قال إن ترك الطمأنينة والاعتدال والجلسة بين السجدتين غير مبطل للصلاة بل يؤدى إلى نقصان ثوابها فقط بدليل أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أطلق عليها صلاة بقوله فإنما انتقصته من صلاتك. وقد علمت أن المراد بها الصلاة المطلوب تأديتها

ما دل عليه حديث أبي هريرة في المسيء صلاته من وجوب إعادة الصلاة على من أخل بشيء من واجباتها وغير ذلك من الفوائد

لا الصلاة التي تتلبس بها وتترك منها شيئا مما ذكر (قوله إذا قمت إلى الصلاة الخ) أى إذا أردت القيام إليها فأسبغ الوضوء أى أتمم فرائضه وسننه وآدابه. (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية تكرار السلام عند تكرار اللقاء وإن قرب العهد. وعلى مشروعية الردّ في كل مرة. وعلى طلب حسن التعليم بالرفق من غير تغليظ ولا تعنيف فيه. وعلى حسن خلقه صلى الله تعالى عليه، على آله وسلم ولطف معاشرته أصحابه. وعلى أنه ينبغى للمقصر في الأحكام أن يعترف بتقصيره فيها، وعلى مشروعية التسليم للعالم والانقياد له وعلى وجوب إعادة الصلاة على من أخلّ بشيء من واجباتها. وعلى أن المفتي إذا سئل عن شيء وكان هناك شيء آخر يحتاج إليه السائل ينبغى له أن بذكره وإن لم يسأل عنه ويكون ذلك زيادة خير منه لأن الرجل لما قال علمنى علمه الصلاة وبعض مقدماتها، وعلى أن الشروع في الصلاة لا يكون إلا بلفظ التكبير. وتقدم بيانه، وعلى وجوب الطمأنينة في أركان الصلاة كلها كما تقدم إيضاحه، وعلى وجوب القراءة في كل ركعة من ركعات الصلاة. وتقدم بيانه أيضا (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والدارقطني والطحاوى والترمذى وقال حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ، عَنْ عَمِّهِ، أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ قَالَ فِيهِ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: " إِنَّهُ لَا تَتِمُّ صَلَاةٌ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، فَيَضَعَ الْوُضُوءَ -يَعْنِي مَوَاضِعَهُ- ثُمَّ يُكَبِّرُ، وَيَحْمَدُ اللَّهَ عز جَلَّ وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيَقْرَأُ بِمَا شاء مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَرْكَعُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيُكَبِّرُ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ " (ش) (حماد) بن سلمة (قوله عن عمه) هو رفاعة بن رافع أخو خلاد كما صرّح به في الرواية الآتية (قوله فذكر نحوه الخ) وفي نسخة ذكر نحوه أى ذكر رفاعة نحو حديث أبي هريرة

قال رفاعة في هذا الحديث فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وهو بيان لنحو الحديث المتقدم وقوله إنه لا تتمّ صلاة الخ يعني لا تصح صلاة أحد حتى يتوضأ فيضع الوضوء مواضعه. وهو نصّ في تعميم الحكم لكل فرد بخلاف ما تقدم فإنه يفيد التعميم ضمنا إذ لا فرق في الشرعيات بين مكلف وآخر إلا ما قام عليه دليل الخصوصية. وهذا الحديث وإن كان بلفظ الغيبة لا ينافي الحديث السابق لاحتمال أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خاطب المسئ صلاته أولا ثم أراد أن يعلم الحاضرين بالحكم ثانيا فذكر هذا الحديث. وكان من عادته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا تكلم بحكم كرره مرتين أو ثلاثا ليحفظ عنه (قوله ويحمد الله الخ) مراده يقرأ الفاتحة لما سيذكره المصنف بعد عن رفاعة نفسه وكما يؤيده لفظ مشكاة المصابيح ثم اقرأ بأم القرآن وما شاء الله أن تقرأ (ويحتمل) أنه أراد بقوله ويحمد الله الثناء على الله تعالى في دعاء الافتتاح (قوله ويقرأ بما شاء من القرآن) وفي نسخة بما تيسر من القرآن أى بعد الفاتحة. لكن هذا في الركعتين الأوليين كما تقدم في "باب من ترك القراءة في صلاته" (قوله حتى تطمئن مفاصله) أى مفاصل أعضائه. والمفاصل جمع مفصل بوزن مسجد (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وأحمد وابن حبان والترمذى وقال حديث رفاعة حسن (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، نَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَا: نَا هَمَّامٌ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، بِمَعْنَاهُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «إِنَّهَا لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُكَبِّرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَحْمَدَهُ، ثُمَّ يَقْرَأَ مِنَ الْقُرْآنِ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ وَتَيَسَّرَ»، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ حَمَّادٍ، قَالَ: " ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَسْجُدَ فَيُمَكِّنَ وَجْهَهُ -قَالَ هَمَّامٌ: وَرُبَّمَا قَالَ: جَبْهَتَهُ مِنَ الْأَرْضِ- حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ وَتَسْتَرْخِيَ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَسْتَوِيَ قَاعِدًا عَلَى مَقْعَدِهِ وَيُقِيمَ صُلْبَهُ "، فَوَصَفَ الصَّلَاةَ هَكَذَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ حَتَّى فَرَغَ، لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ

(ش) (همام) بن يحيى (قوله عن أبيه) هذا لا يقضى بانقطاع الحديث الذى قبله حيث لم يذكر فيه عن أبيه فإن عليا يروى عن أبيه وعن عمه رفاعة كما في تهذيب التهذيب (قوله بمعناه) أى بمعنى حديث حماد (قوله إنها لا تتم صلاة أحدكم) بيان لحديث همام الذى هو بمعنى حديث حماد والضمير في إنها للقصة (قوله كما أمره الله تعالى) يعني قوله "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم. الآية" (قوله فيغسل وجهه الخ) بيان لما أمر الله تعالى به. وقوله ويمسح برأسه أى ويمسح رأسه ويغسل رجليه إلى الكعبين. فرجليه مفعول لفعل محذوف وليس مجرورا عطفا على رأسه كما قد يتوهم فهو على حدّ قوله علفتها تبنا وماء باردا أى وسقيتها ماء باردا. وتقدم بيانه مستوفي في "باب صفة وضوء النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم" (قوله فذكر نحو حديث حماد) أى ذكر همام نحو حديث حماد يعني من قوله ثم يقول الله أكبر ثم يركع الخ (قوله وربما قال جبهته) أى ربما قال إسحاق في الرواية بسنده فيمكن جبهته بدل وجهه. وهذا تردّد من همام (قوله وتسترخى) عطف على تطمئن وأتى به للمبالغة في الطمأنينة (قوله فوصف الصلاة هكذا الخ) أى قال رفاعة بن رافع فوصف صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة مثل هذا الوصف المذكور حتى تمم وصف أربع ركعات إلى أن فرغ. وكرّر الوصف للمبالغة في البيان وقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد الفراغ من الوصف لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل مثل ما وصفت. وأتى به اهتماما بأمر الصلاة وعدم التهاون في شئ مما ذكر (والحديث) أخرجه النسائى وابن ماجه مختصرا والترمذى (ص) حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، -بِهَذِهِ الْقِصَّةِ-، قَالَ: «إِذَا قُمْتَ فَتَوَجَّهْتَ إِلَى الْقِبْلَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ، وَإِذَا رَكَعْتَ فَضَعْ رَاحَتَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ، وَامْدُدْ ظَهْرَكَ»، وَقَالَ: «إِذَا سَجَدْتَ فَمَكِّنْ بِسُجُودِكَ، فَإِذَا رَفَعْتَ فَاقْعُدْ عَلَى فَخِذِكَ الْيُسْرَى» (ش) (خالد) بن عبد الله الواسطى (قوله عن أبيه) هكذا في أكثر النسخ وفي بعضها إسقاط لفظة عن أبيه وكذلك رواه الإمام أحمد في مسنده وابن أبى شيبة في مصنفه من طريق محمد بن عمرو ولم يذكرا عن أبيه فالظاهر إسقاطها (قوله بهذه القصة) أي قصة

المسئ صلاته (قوله ثم اقرأ بأم القرآن) دليل لمن قال بفرضية قراءة الفاتحة في الصلاة وردّ على من قال بعدم الفرضية محتجا بالروايات السابقة لأنها مجملة وهذه الرواية مفصلة (قوله وامدد ظهرك) يعنى ابسطه معتدلا (قوله فمكن بسجودك) وفى نسخة فمكن سجودك يعني اطمئن في سجودك على جبهتك اطمئنانا كاملا (قوله فاقعد على فخذك اليسرى) حجة لمن قال بالافتراش في الجلسة بين السجدتين وتقدم الكلام عليه مستوفى (ص) حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَلَّادِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذِهِ الْقِصَّةِ - قَالَ: «إِذَا أَنْتَ قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ، فَكَبِّرِ اللَّهَ تَعَالَى، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ عَلَيْكَ مِنَ الْقُرْآنِ» وَقَالَ فِيهِ: «فَإِذَا جَلَسْتَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ فَاطْمَئِنَّ، وَافْتَرِشْ فَخِذَكَ الْيُسْرَى ثُمَّ تَشَهَّدْ، ثُمَّ إِذَا قُمْتَ فَمِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى تَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِكَ» (ش) (إسماعيل) بن علية (قوله إذا أنت قمت) أنت فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور (قوله فإذا جلست في وسط الصلاة) يعنى للتشهد الأول (قوله ثم إذا قمت الخ) أى إذا قمت من التشهد الأول لبقية الصلاة فافعل مثل ما ذكر من الأفعال في كل ركعة (ص) حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الْخُتَّلِيُّ، نَا إِسْمَاعِيلُ يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادِ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: فَقَصَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ فِيهِ: «فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ، ثُمَّ تَشَهَّدْ، فَأَقِمْ ثُمَّ كَبِّرْ، فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ بِهِ، وَإِلَّا فَاحْمَدِ اللَّهَ عز وجل وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ»، وَقَالَ فِيهِ: «وَإِنِ انْتَقَصْتَ مِنْهُ شَيْئًا انْتَقَصْتَ مِنْ صَلَاتِكَ» (ش) (قوله الختلى) بضم الخاء المعجمة وفتح المثناة الفوقية المشددة نسبة إلى ختل كورة واسعة كثيرة المدن وراء النهر (قوله ثم تشهد) أى قل بعد الوضوء أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. ويحتمل أن المراد به أذن. وعبر عنه بالتشهد لأنه

النهي عن نقر الصلاة وعن التشابه فيها بالحيوانات العجم

يشتمل على الشهادتين (قوله فأقم) أى ائت بألفاظ الإقامة (قوله وإلا فاحمد الله الخ) أى وإن لم يكن معك قرآن فقل الحمد لله والله أكبر ولا إله إلا الله. وظاهره الاكتفاء بهذا الذكر مرة واحدة لأنه ليس فيه ما يقتضى التكرار (وذهب) بعضهم إلى تكراره ثلاث مرات وتقدم تمام الكلام على ذلك وافيا في "باب من ترك القراءة في صلاته" (ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْحَكَمِ، ح وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ المَحْمُودٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ عَنْ نَقْرَةِ الْغُرَابِ، وَافْتِرَاشِ السَّبُعِ، وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ»، وَهَذَا لَفْظُ قتَيْبَةَ (ش) (رجال الحديث) (جعفر بن الحكم) منسوب إلى جده لأنه جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع بن سنان الأنصارى. روى عن عمه عمر بن الحكم ومحمود بن لبيد وعقبة بن عامر وجماعة. وعنه يحيى بن سعيد وعمرو بن الحارث والليث بن سعد ويزيد بن أبى حبيب وآخرون. قال في التقريب ثقة من الثالثة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى والبخارى في الأدب (قوله جعفر بن عبد الله الأنصارى) هو جعفر بن الحكم المذكور آنفا وأشار المصنف إلى الاختلاف بين سند أبى الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسى وقتيبة بن سعيد بوجهين "الأول" أن أبا الوليد ذكر بين الليث بن سعد وبين جعفر يزيد بن أبى حبيب ولم يذكره قتيبة "والثانى" أن أبا الوليد ذكر جعفر بن الحكم فنسبه إلى جده وقتيبة قال جعفر بن عبد الله فنسبه إلى أبيه وزاد وصفه بالأنصارى. فإسناد أبى الوليد متصل وإسناد قتيبة يكون متصلا إن ثبتت رواية الليث عن جعفر المذكور ويكون منقطعا إن لم يثبت سماعه منه. و (تميم بن المحمود) روى عن عبد الرحمن بن شبل هذا الحديث. وعنه جعفر بن عبد الله ذكره العقيلى والدولابى وابن الجارود في الضعفاء وقال البخارى فيه نظر وقال في التقريب لين من الرابعة. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه. و (عبد الرحمن بن شبل) بن عمرو ابن زيد بن نجدة الأنصارى الأوسى قال البخارى له صحبة وذكره عبد الصمد فيمن نزل حمص من الصحابة. روى عنه يزيد بن حمير وأبو راشد الحبرانى وأبو سلام الأسود وتميم بن المحمود (معنى الحديث) (قوله نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن نقرة الغراب)

هو كناية عن الإسراع في الركوع والسجود والرفع منهما بحديث لا يطمئن الاطمئنان المجزئ وأقل ما يجزئُ فيه قدر ثلاث تسبيحات كما سيأتي بيانه (قوله وافتراش السبع) أى ونهى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن افتراش السبع وهو أن يبسط المصلى ذراعيه في السجود على الأرض كما يبسط السبع ذراعيه. ولعل الحكمة في النهى عنه أنه يؤدى إلى الكسل في الصلاة وهو من صفات المنافقين (قوله وأن يوطن الرجل الخ) أى ونهى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن أن يتخذ الرجل لنفسه من المسجد مكانا معينا لا يصلى إلا فيه كالبعير لا يبرك إلا في مبرك اعتاده في عطنه. ويوطن بتشديد الطاء المهملة وتخفيفها يقال وطن الأرض واستوطنها وأوطنها إذا اتحذها وطنا. والحكمة في النهي عنه أنه يؤدى إلى الشهرة والرياء والسمعة (قوله وهذا لفظ قتيبة) أى ما ذكره المصنف لفظ حديث قتيبة بن سعيد (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم (ص) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، نَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَالِمٍ الْبَرَّادِ، قَالَ: أَتَيْنَا عُقْبَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ أَبَا مَسْعُودٍ، فَقُلْنَا لَهُ: حَدِّثْنَا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، " فَقَامَ بَيْنَ أَيْدِينَا فِي الْمَسْجِدِ، فَكَبَّرَ، فَلَمَّا رَكَعَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَجَعَلَ أَصَابِعَهُ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ، وَجَافَى بَيْنَ مِرْفَقَيْهِ حَتَّى اسْتَقَرَّ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقَامَ حَتَّى اسْتَقَرَّ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ جَافَى بَيْنَ مِرْفَقَيْهِ حَتَّى اسْتَقَرَّ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَجَلَسَ حَتَّى اسْتَقَرَّ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ، فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا، ثُمَّ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِثْلَ هَذِهِ الرَّكْعَةِ فَصَلَّى صَلَاتَهُ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يُصَلِّي " (ش) (رجال الحديث) (جرير) بن عبد الحميد تقدم في الجزء الأول صفحة 84 و (سالم) هو ابن عبد الله النصرى بالنون مولى النصريين أبو عبد الله. روى عن أبى هريرة وعثمان وعائشة وأبي سعيد الخدرى. وعنه سعيد المقبرى وعبد الملك بن مروان ويحيى بن أبي كثير ومحمد بن إسحاق وآخرون. قال العجلى تابعى ثقة وقال في التقريب صدوق من الثالثة. مات سنة عشر ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه. و (البرّاد) نسبة

باب قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه

إلى البرود بضم الباء الموحدة لأنه كان يبيعها أو أنه كان يبرد الماء في الكيزان والجرار (معنى الحديث) (قوله وجعل أصابعه أسفل من ذلك) أى جعل الكفين على الركبتين وجعل الأصابع أسفل منهما ثم جافي أى باعد بين مرفقيه وجنبيه واستمر راكعا حتى استقرّ كل عضو منه في موضعه (قوله ففعل مثل ذلك أيضا) أى سجد السجدة الثانية وفعل فيها مثل ما فعل في الأولى (قوله قال هكذا رأيت الخ) يعني صلاتي هذه مماثلة لصلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم التي رأيته يصليها. وأتى به دليلا لما فعله وفي نسخة هكذا رأينا الخ. والحديث أخرجه النسائى (باب قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوّعه) وفي بعض النسخ "باب ما جاء في قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كل صلاة الخ (ص) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا إِسْمَاعِيلُ، نَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ حَكِيمٍ الضَّبِّيِّ، قَالَ: خَافَ مِنْ زِيَادٍ، أَوْ ابْنِ زِيَادٍ، فَأَتَى الْمَدِينَةَ، فَلَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: فَنَسَبَنِي، فَانْتَسَبْتُ لَهُ، فَقَالَ: يَا فَتَى، أَلَا أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا، قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، رَحِمَكَ اللَّهُ -قَالَ يُونُسُ: وَأَحْسَبُهُ ذَكَرَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّلَاةُ»، قَالَ: " يَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَزَّ لِمَلَائِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ: انْظُرُوا فِي صَلَاةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا؟ فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا، قَالَ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ، قَالَ: أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى ذَلك". (ش) (رجال الحديث) (إسماعيل) بن علية تقدم في الجزء الثانى صفحة 264. وكذا (يونس) بن عبيد البصرى صفحة 172. و (الحسن) البصرى في الأول صفحة 69. و (أنس بن حكيم) البصرى. روى عن أبي هريرة. وعنه على بن زيد والحسن البصرى. ذكره

ابن حبان في الثقات وقال ابن المديني وابن القطان مجهول. روى له أبو داود وابن ماجه. و (الضبي) نسبة إلى ضبة قرية بتهامة على ساحل البحر (معنى الحديث) (قوله خاف من زياد أو ابن زياد) شك من الراوى. وزياد يقال إنه ابن أبي سفيان ويقال زياد ابن أبيه ويقال ابن سمية وليست له صحبة ولا رواية واستلحقه معاوية وولاه على العراق وكتب إلى معاوية يقول له إني قد ضبطت العراق بشمالى ويميني فارغة وهو يعرض له أن يستنيبه على بلاد الحجاز أيضا فلما بلغ أهل الحجاز جاءوا إلى عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما فشكوا إليه ذلك وخافوا أن يلى عليهم زياد فيعسفهم كما عسف أهل العراق فقام ابن عمر فاستقبل القبلة فدعا على زياد والناس يؤمنون فطعن زياد بالعراق في يده فضاق ذرعا بذلك واستشار شريحا القاضى في قطع يده فقال له شريح إني لا أرى لك ذلك فإن لم يكن في الأجل فسحة لقيت الله أجذم قد قطعت يدك خوفا من لقائه وإن كان لك أجل بقيت في الناس أجذم فيعير ولدك بذلك فصرفه ذلك فلما خرج شريح من عنده فعاتبه بعض الناس وقالوا هلا تركته يقطع يده فقال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "المستشار مؤتمن". و (ابن زياد) هو عبيد الله ولاه معاوية البصرة وأقرّه يزيد بعد أبيه وضم إليه الكوفة (قوله فنسبني الخ) أى سألني عن نسبي فذكرته له يقال انتسب واستنسب ذكر نسبه. وفي رواية الحاكم واستنسبني (قوله يا فتى الخ) وفي بعض النسخ فقال يا بني بالتصغير ألا أحدثك والهمزة للاستفهام داخلة على لا النافية (قوله بلى) ردّ للنفي (قال العينى) وفي المصنف عن الحسن أن أبا هريرة لقي رجلا فقال كأنك لست من أهل البلد فقال أجل قال ألا أحدّثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلك أن تنتفع به سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول أول ما يحاسب به العبد الخ (قوله قال يونس وأحسبه ذكره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم) أى قال يونس أظن أن الحسن قال بعد قوله ألا أحدّثك حديثا لفظه عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم كأنه لم يحفظه كاملا فذكره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالظن فهو مرفوع وتؤيده رواية ابن ماجه عن أنس بن حكيم الضبي قال قال لى أبو هريرة إذا أتيت أهل مصرك فأخبرهم أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن أول ما يحاسب به العبد الخ أى إن أول شئ يحاسب عليه الناس من أعمالهم الصلاة. والمراد بالناس المسلمون كما صرح به في رواية مسلم ولفظه إن أول ما يحاسب به العبد المسلم يوم القيامة الصلاة المكتوبة وأما الكافر فأول شئ يحاسب عليه الإيمان. وهذا بالنسبة لحقوق الله تعالى فلا ينافي ما ورد في رواية للنسائى إن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء فإنه بالنسبة لحقوق الآدميين فيما بينهم "فإن قبل" أى الحقين يقدم محاسبة العبد على حقوق الله تعالى أو محاسبته على حقوق الآدميين "قيل" إن

هذا أمر توقيفى ولم نعلم فيه شيئا وظوهر الأحاديث دالة على أن الذى يقع أولا المحاسبة على حقوق الله تعالى قبل حقوق العباد. أفاده العراقى في شرح الترمذى (وفي الحقيقة) لا معارضة فإن حديث الباب في المحاسبة على الصلاة أولا وحديث النسائى في القضاء في الدماء أولا فلا منافاة بينهما: على أن حديث الباب ضعيف فإن في سنده أنس بن حكيم الضبي وفيه مقال (قال) في نهذيب التهذيب في ترجمته روى عن أبى هريرة وعنه الحسن وابن جدعان ثم اختلف فيه على الحسن فقيل عنه هكذا وقيل عنه عن حريث بن قبيصة وقيل عنه عن صعصعة عم الأحنف وقيل عنه عن رجل من بني سليط وقيل عنه غير ذلك اهـ فلا يقاوم الصحيح الذى رواه النسائى (قوله وهو أعلم) جملة معترضة بين القول ومقوله والغرض منها دفع ما يتوهم أن الله تعالى يخفى عليه حال العبد حتى تعلمه الملائكة به. والحكمة في أمره تعالى للملائكة بالنظر في حال العبد مع علمه تعالى بحاله إظهار العدل وإتمام النطام (قوله أتمها أم نقصها) أى أتم سننها وآدابها من الأشياء المرغب فيها كالخشوع والأذكار والأدعية بعد الشروط والأركان أم ترك شيئا (قوله كتبت له تامة) يعنى أعطى ثوابها كاملا (قوله فإن كان له تطوع الخ) أي وإن لم يكن له تطوع بقيت ناقصة فلا يجازى عليها جزاء صلاة كاملة إلا أن يكمل الله ثوابها بمحض فضله. أما من ترك الصلاة أصلا أو أفسدها بترك شرط أو ركن فقد خاب وخسر كما صرح به في رواية الترمذى وفيها إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلى فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر فإن انتقص من فريضته شيئا قال الرب انظروا الخ (قال في مرقاة الصعود) قال العراقى في شرح الترمذى هذا الذى ورد من إكمال ما ينتقص العبد من الفريضة بما له من التطوع يحتمل أن يراد به ما انتقص من السنن والهيئات المشروعة المرغب فيها من الخشوع والأذكار والأدعية وأنه يحصل له ثواب ذلك في الفريضة وإن لم يفعله في الفريضة وإنما فعله في التطوع. ويحتمل أن يراد ما ترك من الفرائض رأسا فلم يصله فيعوض عنه من التطوع والله تعالى يقبل من التطوعات الصحيحة عوضا عن الصلاة المفروضة والله سبحانه يفعل ما يشاء فله الفضل والمنة بل له أن يسامح وإن لم يصل شيئا لا فريضة ولا نفلا (وقال أبو بكر) ابن العربي الأظهر عندى أنه يكمل ما نقص من فرض الصلاة وأعدادها بنفل التطوع لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم الزكاة كذلك وسائر الأعمال وليس في الزكاة إلا فرض وفضل فكما يكمل فرض الزكاة بنفلها كذلك الصلاة وفضل الله أوسع وكرمه أعم اهـ (قوله ثم تؤخذ الأعمال على ذلك) وفي نسخة على ذاكم. وفي رواية ابن ماجه ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك يعنى يحاسب العبد على بقية الفرائض كمحاسبته على الصلاة فإن كانت تامة كتبت له تامة وإلا كمل له من تطوعه

ما دل عليه حديث أبي هريرة من عظم شأن الصلاة وغير ذلك من الفوائد

(فقه الحديث) دلّ الحديث على وقوع الحساب على الأعمال يوم القيامة، وعلى أن الصلاة أعظم أركان الدين بعد الشهادتين، وعلى التحذير من التقصير في الأعمال المفروضة، وعلى الترغيب في الإكثار من التطوعات حيث يكمل بها الفرائض (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الحاكم وأخرجه ابن ماجه والنسائى والترمذى وأحمد بنحوه (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلِيطٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِنَحْوِهِ. (ش) (حماد) بن سلمة تقدم في الجزء الأول صفحة 26. و (حميد) الطويل في الثاني صفحة 172. (قوله عن رجل من بني سليط) لم يعرف حاله (قوله بنحوه) وفي نسخة نحوه أى نحو الحديث المتقدم عن أنس بن حكيم (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ بِهَذَا الْمَعْنَى، قَالَ: ثُمَّ الزَّكَاةُ مِثْلُ ذَلِكَ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ (ش) (رجال الحديث) (تميم الدارى) هو ابن أوس بن خارجة أبي رقية مشهور في الصحابة كان نصرانيا وقدم المدينة فأسلم سنة تسع هو وأخوه نعيم وكان راهب أهل عصره وغزا مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو أول من أسرج السراج في المسجد وسكن فلسطين وأقطعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بها قرية عينون وكان كثير التهجد قام بآية حتى أصبح وهي قوله تعالى "أم حسب الذين اجترحوا السيئات الخ" مات رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بالشام وقبره ببيت جبرين من بلاد فلسطين (معنى الحديث) (قوله بهذا المعنى) أى معنى حديث أبي هريرة. وهذا الحديث أخرجه ابن ماجه بلفظ أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فإن أكملها كتبت له تامة فإن لم يكن أكملها قال الله سبحانه وتعالى لملائكته انظروا هل تجدون لعبدى من تطوع فأكملوا بها ما ضيع من فريضته ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك أى ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك فالزكاة المفروضة المنقوصة تكمل من صدقة التطوع والصيام كذلك وهكذا

باب تفريع أبواب الركوع والسجود ووضع اليدين على الركتين

(باب تفريع أبواب الركوع والسجود ووضع اليدين على الركبتين) وفي بعض النسخ باب تفريع الركوع الخ وفي بعضها باب ما جاء في تفريع الركوع (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي، فَجَعَلْتُ يَدَيَّ بَيْنَ رُكْبَتَيَّ، فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ، فَعُدْتُ، فَقَالَ: «لَا تَصْنَعْ هَذَا، فَإِنَّا كُنَّا نَفْعَلُهُ، فَنُهِينَا عَنْ ذَلِكَ، وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ» (ش) (رجال الحديث) (أبو يعفور) هو الأكبر واسمه وقدان ويقال واقد العبدى الكوفى. روى عن ابن عمر وابن أبى أوفي وأنس وعرفجة بن شريح وآخرين. وعنه ابنه يونس وزائدة والثورى وشعبة وأبو عوانة وغيرهم. وثقه أحمد وابن معين وابن المديني وقال أبو حاتم لا بأس به. توفي سنة عشرين ومائة. روى له الجماعة. و (مصعب بن سعد) بضم الميم وفتح العين المهملة ابن أبى وقاص الزهرى أبى زرارة المدنى. روى عن أبيه وعلى وابن عمر وعدى ابن حام وجماعة. وعنه أبو إسحاق السبيعى ومجاهد وأبو يعفور. قال العجلى تابعى ثقة وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال في التقريب ثقة من الثالثة. توفي سنة ثلاث ومائة روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله فجعلت يدي بين ركبتي) وفي رواية البخارى فطبقت بين كفي ثم وضعتهما بين فخذى (قوله فنهينا عن ذلك الخ) أى نهانا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن التطبيق في الصلاة وأمرنا أن نضع أكفنا على الركب. فالمراد بالأيدى الأكف إطلاقا لاسم الكل على الجزء (والحديث) يدل على نسخ التطبيق لأن الآمر والناهي هو النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتقدم الكلام عليه في "باب افتتاح الصلاة" (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم وأحمد والنسائى وابن ماجه والترمذى (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، أنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «إِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَفْرِشْ ذِرَاعَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَلْيُطَبِّقْ بَيْنَ كَفَّيْهِ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى اخْتِلَافِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ»

باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده

(ش) (أبو معاوية) محمد بن حازم. و (الأعمش) تقدما في الجزء الأول صفحة 36. وكذا (الأسود) بن يزيد صفحة 127. وكذا (إبراهيم) بن يزيد النخعى صفحة 36 (قوله فليفرش ذراعيه الخ) أى فليضع ذراعيه ممدودتين على فخذيه مطبقا بين كفيه (قوله فكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) غرض ابن مسعود بهذا تحقيق التطبيق وأنه ثابت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ففيه دلالة على مشروعيته. وإلى ذلك ذهب ابن مسعود وعلقمة والأسود (وقد) علمت أنه منسوخ (قال) النووى في شرح المهذب اتفق العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على كراهة التطبيق في الركوع إلا عبد الله بن مسعود فإنه كان يقول التطبيق سنة (وحجة) الجمهور حديث سعد وهو صريح في النسخ وحديث أبي حميد الساعدى وغيرهما اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى (باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده) أى في بيان الذكر الذى يقوله الرجل في الركوع والسجود. والتقييد بالرجل لا مفهوم له لأن المرأة تقول هذا الذكر أيضا (ص) حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَعْنَى، قَالَا: نَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُوسَى، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ: عَنْ عَمِّهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74]، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ»، فَلَمَّا نَزَلَتْ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، قَالَ: «اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» (ش) (رجال الحديث) (ابن المبارك) هو عبد الله تقدم في هذا الجزء (قوله عن موسى قال أبو سلمة الخ) غرض المصنف بهذا بيان الاختلاف بين لفظ شيخيه الربيع ابن نافع وأبي سلمة موسى بن إسماعيل. فالربيع قال في حديثه عن موسى ولم ينسبه إلى أبيه أيوب. وأما أبو سلمة موسى بن إسماعيل فقال عن موسى بن أيوب فذكر أباه. و (موسى بن أيوب) هو ابن عامر الغافقي المصرى. روى عن عمه إياس وسهل بن رافع وعكرمة وعامر ابن يحيى. وعنه ابن المبارك وابن وهب والليث وعبد الله بن يزيد وآخرون. وثقه أبو داود وابن معين وقال الساجى منكر الحديث. توفي سنة ثلاث وخمسين ومائة. روى له أبو داود وابن ماجه (قوله عن عمه) هو إياس بن عامر الغافقي المنارى المصرى. روى عن عقبة بن عامر. وعنه موسى

أقوال الفقهاء في التسبيح في الركوع والسجود

ابن أيوب. قال العجلى لا بأس به وقال الذهبي ليس بالقوى وقال في التقريب صدوق من الثالثة روى له أبو داود وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله فسبح باسم ربك العظيم) الفاء في للتفريع على الآيات قبلها أى ادع الناس يا رسول الله إلى توحيد الله تعالى وطاعته وبين لهم ما تقدم من الآيات فإن لم يهتدوا فارجع إلى ربك وسبحه أى نزّهه عما لا يليق سواء أكان بلفظ التسبيح أم بغيره من بقيه الأذكار. ولفظة اسم قيل زائدة أى سبح ربك. وقيل ليست زائدة وهو الأقرب لأنه كما يجب تعظيم الذات وتنزيهها عن النقائص كذلك يجب تعظيم الاسم وتنزيهه لأن الاسم دال على المسمى. والعظيم الكامل في ذاته وصفاته (قوله اجعلوها في ركوعكم) أى اجعلوا مضمونها وهو سبحان ربي العظيم في ركوعكم لا نفس الآية خلافا لما قاله بعضهم من أنه يتلوا الآية في الركوع ويؤيده فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما سيأتي عن حذيفة قال صليت مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكان يقول في ركوعه سبحان ربى العظيم وفي سجوده سبحان ربى الأعلى (قوله فلما نزلت سبح اسم ربك الأعلى الخ) هو كالذى قبله (والحكمة) في تخصيص الركوع بالعظيم والسجود بالأعلى أن السجود لما كان فيه غاية التواضع لما فيه من وضع الجبهة التي هي أشرف الأعضاء على مواطئ الأقدام كان أفضل من الركوع فحسن تخصيصه بالأعلى الذى فيه أفعل التفضيل جعلا للأبلغ مع الأبلغ بخلاف العظيم (وفي الحديث) دلالة على وجوب التسبيح في الركوع والسجود وبه قالت الحنابلة وإسحاق بن راهويه قالوا فإن تركه عمدا بطلت صلاته وإن نسيه لم تبطل ويسجد للسهو (وقال) داود الظاهرى إنه واجب مطلقا فلا يجبر بالسجود لو نسيه (واحتج) هؤلاء بحديث الباب وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم "صلوا كما رأيتموني أصلى" رواه أحمد والبخارى. وبالقياس على القراءة (قال) في المغنى والمشهور عن أحمد أن تكبير الخفض والرفع وتسبيح الركوع والسجود وقول سمع الله لمن حمده وربنا ولك الحمد وقول رب اغفر لى وارحمني بين السجدتين والتشهد الأول واجب وهو قول إسحاق وداود (وذهب) أبو حنيفة ومالك والشافعى وأحمد في أحد قوليه وجمهور العلماء من أئمة العترة وغيرهم إلى أن التسبيح في الركوع والسجود سنة (واحتجوا) بحديث المسئ صلاته فإن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علمه واجبات الصلاة ولم يعلمه هذه الأذكار مع أنه علمه تكبيرة الإحرام والقراءة فلو كانت هذه الأذكار واجبة لعلمه إياها ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة فيكون تركه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تعليمه إياها دالا على أن الأوامر الواردة بما زاد على ما علمه ليست للوجوب (وبهذا) يعلم الجواب عن الأحاديث التي استدل بها من قال بوجوب التسبيح (وأجيب) عن القياس بأنه قياس مع الفارق لأن القيام لما كان معتادا للناس في الصلاة وغيرها

وجبت فيه القراءة لتمتاز العبادة عن العادة بخلاف الركوع والسجود فإنهما غير معتادين في غير الصلاة بل هما خضوع وخشوع لله تعالى متميزان بصورتهما عن أفعال العادة فلم يفتقرا إلى مميز كالقيام (والحديث) أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم في مستدركه وابن حبان والدارمى (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، نَا اللَّيْثُ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى أَوْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، بِمَعْنَاهُ زَادَ، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ إِذَا رَكَعَ قَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ» ثَلَاثًا، وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ» ثَلَاثًا، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ نَخَافُ أَنْ لَا تَكُونَ مَحْفُوظَةً». (ش) (قوله أو موسى بن أيوب) شك من أحمد بن يونس لكن الصواب موسى بن أيوب كما جزم به المصنف في الحديث السابق (قوله عن رجل من قومه) هو عمه إياس كما تقدم (قوله بمعناه) أى معنى حديث الربيع المتقدم (قوله زاد قال فكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) وفي نسخة زاد فكان الخ أى زاد عقبة عن الحديث المتقدم قوله فكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا ركع الخ (وقد) جاءت زيادة وبحمده في أحاديث أخر. فقد روى الدارقطني من طريق محمد بن أبى ليلى عن الشعبى عن صلة عن حذيفة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقول في ركوعه سبحان ربى العظيم وبحمده ثلاثا وفي سجوده سبحان ربى الأعلى وبحمده ثلاثا. ومحمد بن أبي ليلى ضعيف (وروى) أيضا من طريق السرى بن إسماعيل عن الشعبى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال من السنة أن يقول الرجل في ركوعه سبحان ربي العظيم وبحمده وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وبحمده وفيه السرى بن إسماعيل وهو ضعيف (قوله وهذه الزيادة الخ) أشار المصنف به إلى إنكار هذه الزيادة. لكن مجموع الروايات يقوى بعضها بعضا. وإنما قال وهذه الزيادة نخاف أن لا تكون محفوظة لأنه روى هذا الحديث عن عقبة من الطريق السابق بدون هذه الزيادة. ورواه أيضا بدونها أحمد وابن ماجه والدارمى والطحاوى عن عقبة. ورواه الطحاوى أيضا بدونها عن على ابن أبي طالب كرم الله وجهه. وفي بعض النسخ زيادة "قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «انْفَرَدَ أَهْلُ مِصْرَ بِإِسْنَادِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، حَدِيثِ الرَّبِيعِ، وَحَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ» "

مذاهب العلماء في سؤال المصلي الجنة وتعوذه من النار عند قراءة آيتيهما

(ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، نَا شُعْبَةُ، قَالَ: قُلْتُ لِسُلَيْمَانَ: أَدْعُو فِي الصَّلَاةِ إِذَا مَرَرْتُ بِآيَةِ تَخَوُّفٍ، فَحَدَّثَنِي، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُسْتَوْرِدٍ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ»، وَفِي سُجُودِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى»، وَمَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا فَسَأَلَ، وَلَا بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا فَتَعَوَّذَ (ش) (رجال الحديث) (قوله قلت لسليمان الخ) أى قال شعبة بن الحجاج قلت لسليمان بن مهران الأعمش أدعو في الصلاة وهو على تقدير الاستفهام أى أأدعوا في الصلاة الخ. ولعله ظن أن ذلك يبطل الصلاة فسأل ليعلم الحكم (قوله بآية تخوّف) أى مخوّفة بعذاب. و (سعد بن عبيدة) السلمى الكوفى أبى ضمرة. روى عن ابن عمر والبراء بن عازب والمغيرة بن شعبة وحبان بن عطية وعنه منصور بن المعتمر وعمرو بن مرة وعلقمة بن مرثد وجماعة. قال العجلى تابعى ثقة ووثقه النسائى وابن معين وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال في التقريب ثقة من الثالثة. مات في ولاية عمر بن هبيرة في العراق. روى له الجماعة. و (مستورد) بضم فسكون ففتح ابن الأحنف الكوفي. روى عن ابن مسعود وحذيفة ومعقل بن عامر وصلة بن زفر. وعنه سعد بن عبيدة وعلقمة ابن مرثد. وثقه العجلى وابن حبان وابن المديني وقال في التقربب ثقة من الثالثة. و (صلة بن زفر) أبى العلاء أو أبى بكر العبسى ويقال الكوفي. روى عن على وابن مسعود وابن عباس وعمار ابن ياسر. وعنه أيوب السختيانى وأبو وائل والمستورد بن الأحنف وغيرهم. وثقه العجلى وابن حبان وابن خراش وقال في التقريب تابعي كبير ثقة جليل من الثالثة، روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله وما مرّ بآية رحمة الخ) أى وما مر بآية تذكر فيها الرحمة أو الجنة أو الوعد إلا وقف عندها فسأل أى سأل صلى الله عليه وعلى آله وسلم ربه أن يعطيه إياها ولا مر بآية يذكر فيها النار أو الوعيد إلا وقف عندها فتعوذ بالله من العذاب وشر العقاب (قال) ابن رسلان ولا مر بآية تسبيح إلا سبح وكبر ولا بآية دعاء واستغفار إلا دعا واستغفر وإن مر بمرجو سأل اهـ (وفي هذا) دلالة على مشروعية السؤال في الصلاة عند المرور باية فيها سؤال والتعوذ عند المرور بآية فيها تعوذ (وإلى ذلك) ذهبت الشافعية وقالوا لا فرق في ذلك بين كون المصلى إماما أو مأموما أو منفردا ولا بين الفرض والنفل (وذهبت) الحنفية إلى أن ذلك يكون في التطوع لا في المكتوبة وبذلك قالت المالكية وقالوا إن الدعاء أثناء القراءة في الفريضة مكروه إلا المأموم فله أن

يصلى على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا مر ذكره في قراءة الإمام وأن يسأل الجنة إذا مر بآية فيها ذكرها وأن يستعيذ من النار إذا مر بآية فيها ذكرها (ويشهد لهم) ما رواه أحمد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال سمعت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في صلاة ليست بفريضة فمر بذكر الجنة والنار فقال أعوذ بالله من النار ويل لأهل النار (وما رواه) عن عائشة قالت كنت أقوم مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة التمام فكان يقرأ سورة البقرة وآل عمران والنساء فلا يمر بآية فيها تخويف إلا دعا الله عز وجل واستعاذ ولا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا الله عز وجل ورغب إليه "وقولها ليلة التمام أى ليلة تمام القمر وهي ليلة الرابع عشر (وما رواه) أحمد ومسلم والنسائى عن حذيفة قال صليت مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى فقلت يصلى بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها فمضى ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحوا من قيامه ثم قال سمع الله لمن حمده الخ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد ومسلم والدارمى والنسائى وابن ماجه وأخرجه الترمذى بنحوه وقال حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ» (ش) (هشام) بن أبى عبد الله الدستوائى تقدم في الجزء الأول صفحة 114. وكذا (قتادة) ابن دعامة السدوسى صفحة 34. وكذا (مطرف) بضم ففتح فراء مشددة مكسورة هو ابن عبد الله ابن الشخير صفحة 262 (قوله كان يقول في ركوعه وسجوده الخ) وفي نسخة كان يقول في سجوده وركوعه سبوح قدوس بفتح أولهما وضمهما وهو أكثر استعمالا والفتح أقيس كما في النهاية. وهما خبران لمبتدأ محذوف أى أنت سبوح قدوس أو ركوعي وسجودى لمن هو سبوح قدوس أى مبرّأ ومنزّه عن الشريك والنقائص وكل ما لا يليق بالألوهية. وقيل منصوبان بفعل محذوف أى أسبح سبوحا قدوسا أو أعبد وأعظم سبوحا قدوسا رب الملائكة والروح. وهو من عطف الخاص على العام لأن الروح من الملائكة، وقيل هو ملك عظيم ليس بعد العرش أعظم منه، وقيل هو جبريل، وقيل هم خلق لا تراهم الملائكة كما لا نرى نحن الملائكة، وقيل

هم أشراف الملائكة (والحديث) أخرجه أحمد ومسلم والنسائى (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ، وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ، قَالَ: ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ، يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ»، ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِآلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَرَأَ سُورَةً سُورَةً (ش) (رجال الحديث) (ابن وهب) هو عبد الله تقدم في الجزء الأول صفحة 325. و (عمرو ابن قيس) بن ثور بن مازن بن خيثمة الكندى أبي ثور السكوني المصرى الشامى. روى عن جده مازن وعبد الله بن بسر والنعمان بن بشير وعبد الرحمن بن خالد وغيرهم. وعنه معاوية بن صالح وإسماعيل ابن عياش وسعيد بن عبد العزيز ومحمد بن الوليد. وثقه العجلى والنسائى وابن حبان وقال إسماعيل ابن عياش أدرك سبعين صحابيا أو أكثر وقال ابن سعد صالح الحديث وقال في التقريب ثقة من الثالثة. توفي سنة أربعين ومائة. و (عوف بن مالك) بن عوف الأشجعى أبى عبد الرحمن أو أبي محمد أسلم عام خيبر قيل إنه شهد الفتح وكانت معه راية أشجع وآخى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بينه وبين أبى الدرداء. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن عبد الله بن سلام. وعنه ابو مسلم الخولانى وعبد الرحمن بن عائذ وأبو المليح وآخرون وهو الذى نزل في حقه قوله تعالى "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب" حين أسر المشركون ابنه سالما وذهب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يشتكي إليه الفقر وقال إن العدو أسر ابني وجزعت أمه فما تأمرنى فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اتق الله واصبر وآمرك وإياها بأن تكثرا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم فعاد إلى بيته وقال لامرأته إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمرني وإياك أن نكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم فقالت نعم ما أمرنا به فجعلا يقولان ذلك فغفل العدو عن ابنه فساق غنمهم أربعة آلاف شاة واستاق من إبلهم خمسين بعيرا إلى المدينة فقال أبوه له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتحلّ لى أن آكل مما أتي به ابني

الرد على من كره أن يقال سورة البقرة ونحوها

فقال نعم. مات رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سنة ثلاث وسبعين (معنى الحديث) (قوله قمت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الخ) أى صليت معه ليلة فقرأ سورة البقرة (وفيه جواز) تسمية السورة بالبقرة ونحوها خلافا لمن ذكره ذلك وقال إنما يقال السورة التي يذكر فيها البقرة. وفي رواية قمت مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فبدأ فاستاك وتوضأ ثم قام فصلى فبدأ فاستفتح البقرة (قوله ذى الجبروت الخ) هو فعلوت من الجبر وهو القهر يقال جبرت وأجبرت بمعنى قهرت ويطلق أيضا على الكبر. والملكوت من الملك كالرهبوت من الرهبة والرحموت من الرحمة فالملك والملكوت واحد زيدت التاء فيهما للمبالغة. وللصوفية بين الملك والملكوت فرق فالملك ما ظهر لنا والملكوت ما خفي علينا كالسموات وما فيها (قوله والكبرياء) هو العظمة والملك، وعلى هذا يكون عطف العظمة عليه عطف تفسير. وقيل هو عبارة عن كمال الذات وكمال الوجود ولا يوصف بها إلا الله تعالى (قوله ثم قرأ سورة سورة) أى قرأ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد الركعتين اللتين صلاهما في كل ركعة سورة فقرأ في الثالثة سورة النساء وفي الرابعة سورة المائدة (والحديث) أخرجه النسائى والترمذى (ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَا: نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، مَوْلَى الْأَنْصَارِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَبْسٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَكَانَ يَقُولُ: «اللَّهُ أَكْبَرُ -ثَلَاثًا- ذُو الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ»، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ، ثُمَّ رَكَعَ فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، وَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ»، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، فَكَانَ قِيَامُهُ نَحْوًا مِنْ رُكُوعِهِ، يَقُولُ: لِرَبِّيَ الْحَمْدُ، ثُمَّ يسَجُدُ، فَكَانَ سُجُودُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، فَكَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى»، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، وَكَانَ يَقْعُدُ فِيمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ نَحْوًا مِنْ سُجُودِهِ، وَكَانَ يَقُولُ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي»، فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَقَرَأَ فِيهِنَّ الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ، وَالنِّسَاءَ، وَالْمَائِدَةَ، أَوِ الْأَنْعَامَ، شَكَّ شُعْبَةُ

(ش) (رجال الحديث) (على بن الجعد) بن عبيد الجوهرى البغدادى أبو الحسن مولى بني هاشم. روى عن حريز بن عثمان والمبارك بن فضالة والثورى وعبد الرحمن بن ثابت وجماعة وعنه البخارى وأحمد وإسحاق بن إسراءيل وأبو يعلى وآخرون. قال ابن معين ثقة صدوق وقال أبو زرعة كان صدوقا في الحديث وقال أبو حاتم كان متقنا صدوقا وقال النسائى صدوق وقال ابن قانع ثقة ثبت وقال ابن عدى ليس بحديثه بأس ولم أر في رواياته إذا حدث عن ثقة حديثا منكرا. مات سنة ثلاثين ومائتين. و (أبو حمزة) هو طلحة بن زيد وقيل طلحة بن يزيد الأيلي الكوفي. روى عن حذيفة وزيد بن أرقم. وعنه عمرو بن مرة. قال ابن معين لم يرو عنه غيره ووثقه النسائى وابن حبان (قوله عن رجل من بني عبس) لعله صلة بن زفر كما في التقريب (معنى الحديث) (قوله فكان يقول الله أكبر ثلاثا) يعنى بعد تكبيرة الإحرام (قوله ثم استفتح) يعنى قرأ الفاتحة. ويحتمل أن المراد أتى بدعاء الافتتاح. ويحتمل أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال هذه الكلمات قبل الدخول في الصلاة ويكون قوله ثم استفتح أى افتتح الصلاة بتكبيرة الإحرام (قوله فقرأ البقرة) أى بعد الفاتحة (قوله سبحان ربي العظيم الخ) الغرض منه تكرار هذه الصيغة في ركوعه لا أنه اقتصر على ذكرها مرتين لقوله فكان ركوعه قريبا من قيامه (قوله فكان قيامه نحوا من ركوعه) أى كان مقدار قيامه في الاعتدال من الركوع قريبا من ركوعه (قوله يقول لربي الحمد) أى ويكررها. ولعله كان يقول ذلك بعد أن يقول سمع الله لمن حمده حال رفعه من الركوع وبعد أن يقول ربنا ولك الحمد وهو قائم لما تقدم (قوله وكان يقعد فيما بين السجدتين الخ) المراد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يمكث جالسا بين السجدتين زمنا قريبا من سجوده (قوله فصلى أربع ركعات الخ) أى تمم صلاته أربع ركعات على نحو ما تقدم وقرأ في الركعة الأولى سورة البقرة وفي الثانية آل عمران وفي الثالثة النساء وفي الرابعة إلى المائدة أو الأنعام (وفي هذا دلالة) على أن التطوع يقرأ فيه بالفاتحة والسورة في كل ركعة وإن زاد على ركعتين (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الترمذى وكذا النسائى عن حذيفة أنه صلى مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة فسمعه يقول حين كبر ذا الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة وكان يقول في ركوعه سبحان ربى العظيم وإذا رفع رأسه من الركوع قال لربي الحمد لربي الحمد وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وبين السجدتين رب اغفر لى رب اغفر لى وكان قيامه وركوعه وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده وما بين السجدتين قريبا من السواء

باب الدعاء في الركوع والسجود

(باب الدعاء في الركوع والسجود) وفي نسخة باب في الدعاء في الركوع والسجود (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالُوا: نَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَا عَمْرٌو يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ سُمَيٍّ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ، يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» (ش) (عمارة) بضم العين المهملة (ابن غزية) بفتح المعجمة وكسر الزاى وتشديد المثناة التحتية تقدم في الجزء الرابع صفحة 200. و (سمىّ) بالتصغير في الجزء الثالث صفحة 89. (قوله أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) أى أقرب حال يكون فيه العبد قريبا من رحمة ربه حاصل حال سجوده فأقرب مبتدأ وما بمعنى وقوله من ربه على تقدير مضاف والخبر محذوف دلت عليه الجملة الحالية وهي قوله وهو ساجد. وأسند القرب فيه إلى الوقت مجازا. ويحتمل أن تكون ما مصدرية والمصدر المنسبك يقدّر جمعا لأن أفعل بعض ما يضاف إليه أى أقرب أكوان العبد وأحواله من رحمة ربه حاصل حال سجوده. وإنما إن العبد في السجود أقرب إلى رحمة ربه من سائر أحوال الصلاة وغيرها لأن العبد بقدر ما يبعد عن نفسه يقرب من ربه والسجود فيه غاية التواضع وترك التكبر وكسر النفس لأنها لا تأمر صاحبها بالمذلة ولا ترضى بها ولا بالتواضع فإذا سجد فقد خالف نفسه وبعد عنها فإذا بعد عن نفسه قرب من رحمة ربه (قوله فأكثروا الدعاء) أى حال السجود لأنه حالة قرب وحالة القرب يقبل فيها الدعاء (وفي هذا دلالة) على الترغيب في الاستكثار من السجود ومن الدعاء فيه. وفيه دليل لمن يقول إن كثرة السجود أفضل من طول القيام وسائر أركان الصلاة (وفي هذه المسألة) مذاهب (أحدها) أن كثرة الركوع والسجود أفضل من طول القيام حكاه الترمذى والبغوى عن جماعة وممن قال به ابن عمر. ويدل لهم حديث الباب (وما رواه) أحمد ومسلم عن ثوبان قال سمعت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول عليك بكثرة السجود فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط بهما عنك خطيئة (وما رواه) النسائى والمصنف عن ربيعة بن كعب قال كنت أبيت مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم آتيه بوضوئه وحاجته فقال سلني فقلت أسألك مرافقك في الجنة فقال أوغير ذلك فقلت هو ذاك فقال أعني على نفسك بكثرة السجود

(ثانيها) أن طول القيام أفضل من كثرة الركوع والسجود. وإليه ذهب أبو حنيفة والشافعى وجماعة ويدل لهم ما رواه أحمد ومسلم وغيرهما عن جابر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أفضل الصلاة طول القنوت "أى القيام" (وما رواه النسائى) والمصنف عن عبد الله بن حبشى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سئل أى الأعمال أفضل فقال إيمان لا شك فيه وفيه فأيّ الصلاة أفضل قال طول القنوت (قالوا) ولا يعارض حديث الباب وما في معناه الأحاديث المتقدمة في فضل السجود لأن صيغة أفعل الدالة على التفضيل إنما وردت في فضل طول القيام ولا يلزم من فضل الركوع والسجود أفضليتهما على طول القيام. وكذا لا يلزم من كون العبد أقرب إلى ربه حال سجوده أفضليته على القيام لأن ذلك إنما هو باعتبار إجابة الدعاء (وللمالكية) في هذا قولان ورجح الأمير أفضلية طول القيام. ومحل القولين عندهم إذا اتحد زمن كثرة السجود وزمن القيام أما إذا تفاوتا زمنا فالأفضل منهما الأطول زمنا اتفاقا (وتوقف أحمد) في المسألة ولم يقض فيها بشئ (وقال) إسحاق بن راهويه كثرة الركوع والسجود بالنهار أفضل أما بالليل فتطويل القيام أفضل إلا أن يكون للمصلى مقدار من القرآن يقرؤه فتكثير الركوع والسجود أفضل لأنه يربح كثرة الركوع والسجود ويقرأ ما اعتاد قراءته (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد ومسلم والنسائى والحاكم (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَشَفَ السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ، وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا، أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ، فَعَظِّمُوا الرَّبَّ فِيهِ، وَأَمَّا السُّجُودُ، فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» (ش) (رجال الحديث) (سفيان) بن عيينة تقدم في الجزء الأول صفحة 47 و (سليمان بن سحيم) بمهملتين مصغرا في الثالث صفحة 138. و (إبراهيم بن عبد الله بن معبد) بوزن مكتب ابن العباس الهاشمى المدني. روى عن أبيه وابن عباس وميمونة. وعنه أخوه عباس ونافع وابن جريج. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق من الثالثة روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه (قوله عن أبيه) هو عبد الله بن معبد بن عباس

مذاهب الفقهاء في قراءة القرآن في الركوع والسجود

ابن عبد المطلب المدني الهاشمى. روى عن ابن عباس. وعنه ابنه إبراهيم ومحمد بن جعفر وابن أبى مليكة ومحمد بن على بن ربيعة. وثقه أبو زرعة وقال في التقريب ثقة من الثالثة قليل الحديث روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله كشف الستارة) بكسر السين الستر الذى يكون على باب الدار والبيت (قوله والناس صفوف خلف أبي بكر) وكان ذلك في مرضه الذى توفي فيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما صرح به في رواية مسلم والنسائى وفيها كشف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الستر ورأسه معصوب في مرضه الذى مات فيه فقال اللهم هل بلغت ثلاث مرات إنه لم يبق من مبشرات النبوة "الحديث" والظاهر أن هذا القول صدر منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد فراغهم من الصلاة (قوله لم يبق من مبشرات النبوة الخ) أى لم يبق من علامات النبوة إلا الرؤيا الصادقة. والمبشرات جمع مبشرة مأخوذة من تباشير الصبح وهو أول ما يبدو منة. ونظيره قول عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا أول ما بدئ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الوحى الرؤيا الصالحة في النوم وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء "الحديث" رواه البخارى ومسلم. والمراد أنه لم يبق من علامات النبوة مطلقا إلا الرؤيا الصالحة ففيه إشارة إلى قرب وفاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وانقطاع الوحى (قوله وإني نهيت أن اقرأ راكعا أو ساجدا) النهى له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى لأمته كما يشعر بذلك قوله في الحديث فأما الركوع فعظموا الرب فيه وكما يدل له ما في مسلم أن عليا قال نهاني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا. وكما تدل عليه أدلة التأسى العامة كقوله تعالى "واتبعوه لعلكم تهتدون" (والحكمة) في النهى عن القراءة في الركوع والسجود أنهما حالتا ذل وانكسار في الظاهر. والمطلوب من القارئ التلبس بحالة الرفعة تعظيما للقرآن الكريم وتكريما للقارئ القائم مقام الكليم "ولا يقال" إن قراءة القرآن عبادة ويناسبها الذلّ والانكسار "لأن المراد" بالذل والانكسار المناسب للعبادة القلبى وهو لا ينافي طلب التلبس بحالة الرفعة ظاهرا (وقال) الخطابي لما كان الركوع والسجود وهما غاية الذل والخضوع مخصوصين بالذكر والتسبيح نهى صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن القراءة فيهما كأنه كره أن يجمع بين كلام الله تعالى وكلام الخلق في موضع واحد فيكونان سواء اهـ (وقال ابن الملك) وكأن حكمته أن أفضل أركان الصلاة القيام وأفضل الأذكار القرآن فجعل الأفضل للأفضل ونهى عن جعله في غيره لئلا يوهم استواءه مع بقية الأذكار اهـ (والنهى) عن قراءة القرآن في الركوع والسجود محمول على الكراهة عند الجمهور لا فرق بين الفاتحة وغيرها إلا أن أبا حنيفة قال يسجد للسهو إذا قرأ ساهيا (وللشافعية) في الفاتحة قولان "أصحهما" الكراهة كغيرها

ما دل عليه حديث ابن عباس من صدق رؤيا المؤمن والترغيب في الدعاء حال السجود وغير ذلك من الفوائد

"والثاني" تحرم وتبطل الصلاة بقراءتها إذا كان عمدا فإن قرأ سهوا فلا كراهة (وقال الشافعى) يسجد للسهو مطلقا قرأ عمدا أو سهوا (قوله فأما الركوع الخ) مرتب على محذوف كأن قائلا يقول إذا نهيت عن القراءة في الركوع والسجود فما نصنع فيهما فقال فأما الركوع فعظموا الرب فيه أى سبحوه ونزهوه ومجدوه. وقد بين صلى الله عليه وعلى آله وسلم الألفاظ التي يقع بها التعظيم في الأحاديث المتقدمة. وأما السجود فاجتهدوا أى أكثروا فيه من الدعاء فإنه حقيق وجدير أن يستجيب الله لكم. فقمن خبر مقدم وأن والفعل في تأويل مصدر مبتدأ مؤخر وقمن بفتح القاف وفتح الميم مصدر يستعمل بلفظ واحد للمفرد وغيره وللمذكر والمؤنث وبكسر الميم فيطابق في التذكير والتأنيث والإفراد والجمع لأنه وصف ومثله قمين لغة ثالثة فيه. وكان الدعاء حالة السجود حقيقا بالإجابة لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد (فقه الحديث) دلّ الحديث على صدق رؤيا المؤمن وأنها من علامات النبوة، وعلى النهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود. وتقدم بيان حكمته، وعلى الحث على كثرة الدعاء في السجود وهذا لا ينافي ما تقدم من الأحاديث الدالة على التسبيح في السجود لأنه يجمع فيه بين التسبيح والدعاء أو يسبح تارة ويدعو تارة أخرى (والحديث) أخرجه أحمد ومسلم والنسائى (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ» (ش) (جرير) بن عبد الحميد. و (منصور) بن المعتمر تقدما في الجزء الأول صفحة 84. و (أبو الضحى) في هذا الجزء صفحة 107. و (مسروق) بن الأجدع في الثاني صفحة 254 (قوله يكثر أن يقول الخ) كذا في رواية منصور وقد بين الأعمش في روايته عن أبي الضحى عند البخارى ابتداء هذا القول وأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واظب عليه ولفظه ما صلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة بعد أن نزلت عليه إذا جاء نصر الله والفتح إلا يقول فيها سبحانك اللهم ربنا الخ (وظاهره) أنه كان يقول ذلك في الصلاة لا غير وفى رواية لمسلم ما يشعر بأنه كان يقوله داخل الصلاة وخارجها (فقد روى) عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يكثر من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه قالت فقلت يا رسول الله أراك تكثر من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله

وأتوب إليه فقال أخبرني ربى عز وجل أني سأرى علامة في أمتي فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه فقد رأيتها إذا جاء نصر الله والفتح فتح مكة ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا (قوله يتأول القرآن) أى يفسره ويأتي بما أمر به فيه. والمراد بالقرآن بعضه وهو قوله تعالى "فسبح بحمد ربك واستغفره الخ" وفي هذا تعيين أحد الاحتمالين في قوله تعالى "فسبح بحمد ربك" لأنه يحتمل أن يكون المراد بسبح نفس الحمد لما تضمنه الحمد من معنى التسبيح الذى هو التنزيه لاقتضاء الحمد نسبة الأفعال المحمود عليها إلى الله تعالى. وعلى هذا يكفي في امتثال الأمر الاقتصار على الحمد (ويحتمل) أن يكون المراد فسبح متلبسا بالحمد فلا يمتثل حتى يجمعهما وهو الظاهر اهـ من الفتح (والحديث) أخرجه أحمد والبخارى ومسلم والنسائى (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، ح وحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ السَّرْحِ، أَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ سُمَيٍّ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ، وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ»، زَادَ ابْنُ السَّرْحِ: عَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ (ش) (أبو صالح) هو ذكوان السمان تقدم في الجزء الأول صفحة 44 (قوله دقه وجله) بكسر أولهما وبضم الجيم أيضا أي صغيره وكبيره وهو تفصيل لما قبله. وقدم الصغير على الكبير لأن الكبائر تنشأ غالبا من عدم المبالاة بالصغائر والإصرار عليها فكأنها وسيلة ومن حق الوسائل أن تقدم ولأن السائل يترقى في سؤاله من الأدنى إلى الأعلى (قوله وأوله وآخره) المراد ما تقدم من ذنبه وما تأخر منه (قوله زاد ابن السرح علانيته وسرّه) أى زاد أحمد بن السرح في روايته علانيته وسره أى ظاهره وخفيه. وهو بالنسبة لغير الله تعالى لأنهما عند الله سواء. والغرض من هذا كمال التواضع والإذعان لامتثال أمره سبحانه وتعالى والتشريع للأمة وإلا فهو صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم معصوم من الذنب كما تقدم (والحديث) أخرجه مسلم والحاكم (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيُّ، نَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ

صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَلَمَسْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ وَقَدَمَاهُ مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ يَقُولُ: «أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» (ش) (عبدة) بن سليمان الكوفى تقدم في الجزء الثالث صفحة 102. و (عبيد الله) ابن عمر العمرى في الأول صفحة 271. (قوله فقدت) وفي رواية لمسلم افتقدت وهما بمعنى (قوله فلمست المسجد الخ) أى التمسته وطلبته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الموضع الذى يصلى فيه في البيت. وفي رواية للنسائى فقدت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة فظننت أنه ذهب إلى بعض نسائه فتجسسته فإذا هو راكع أو ساجد. وفى رواية لمسلم فالتمسته فوقعت يدى على بطن قدمه وهو في المسجد "وقوله وقدماه" منصوبتان أى قائمتان "دليل" على أن السنة نصب القدمين حال السجود. وفي رواية النسائى فوجدته وهو ساجد وصدور قدميه نحو القبلة الخ (قوله أعوذ برضاك من سخطك الخ) أى أتحصن بفعل يوجب رضاك من فعل يوجب سخطك والمراد أسألك التوفيق لفعل الطاعات الموجبة لرضاك وأسألك الحفظ من المعاصى الموجبة لسخطك وأتحصن بعفوك من عقوبتك الناشئة عن غضبك وسخطك (واستعاذ) صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بصفات الرحمة لأن رحمة الله تعالى سبقت غضبه (قوله وأعوذ بك منك) أى أتحصن برحمتك من عذابك أو أتحصن بذاتك من عذابك (قوله لا أحصى ثناء عليك) أى لا أحصى نعمك وإحسانك والثناء بها عليك إذ لا تخلو لحظة من وصول إحسان منك إلى قال الله تعالى "وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها" (قوله أنت كما أثنيت على نفسك) أى أنت مستحق لأن يثنى عليك ثناء مثل الثناء الذى أثنيته على ذاتك فالكاف بمعنى مثل وما موصولة أو موصوفة وفي ذلك اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء على الله تعالى وأنه لا يقدر على بلوغ حقيقته وإحصائه إلا هو تعالى ولذا عدل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن التفصيل إلى الجملة ووكل ذلك إلى الله عز وجل المحيط بكل شئ جملة وتفصيلا. وكما أنه لا نهاية لصفاته كذلك لا نهاية للثناء عليه لأن الثناء تابع للمثني عليه وكل ثناء أثني عليه به وإن كثر وطال فقدر الله أعظم وسلطانه أعز وصفاته أكبر وأكثر وفضله وإحسانه أوسع وأسبغ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى وابن ماجه والترمذى

باب الدعاء في الصلاة

(باب الدعاء في الصلاة) وفي بعض النسخ "باب ما جاء في الدعاء في الصلاة" (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، نَا بَقِيَّةُ، نَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ، أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ المَأْثَمِ، وَالْمَغْرَمِ، » فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ؟ ، فَقَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ» (ش) (بقية) بن الوليد تقدم في الجزء الثاني صفحة 173. وكذا (شعيب) بن أبي حمزة صفحة 219. و (الزهرى) محمد بن مسلم في الأول صفحة 48. وكذا (عروة) بن الزبير صفحة 72 (قوله كان يدعو في صلاته الخ) أى بعد التشهد وقبل السلام كما تشعر بذلك ترجمة البخارى لهذا الحديث "باب الدعاء قبل السلام" وكما يؤيده ما في رواية لمسلم عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع من عذاب جهنم ومن عذاب القبر الخ (وفيه إثبات) عذاب القبر وفتنته وهو مذهب أهل السنة خلافا لمن أنكره (قوله وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) أى امتحانه واختباره يقال فتنه وافتتنه إذا امتحنه واختبره. وأصل الفتنة من قولك فتنت الذهب والفضة إذا أحرقته ليبين الجيد من الردئ. وكثر استعمال الفتنة بمعنى الإثم والكفر والقتل والإزالة والصرف والمسيح بفتح الميم وكسر السين المهملة وتخفيفها معرّب وأصله بالشين المعجمة وبالحاء المهملة (قال) في الفتح وحكى بعضهم أنه قال بالخاء المعجمة في الدجال ونسب قائله إلى التصحيف اهـ والتصحيف تغيير اللفظ فيتغير المعنى. ويطلق على عيسى عليه الصلاة والسلام وعلى الدجال لكن إذا أريد الدجال قيد به. وقيل بالتخفيف عيسى وبالتثقيل الدجال. والمشهور أنه لا فرق بينهما إلا بالوصف وسمي الدجال بالمسيح لأنه ممسوح العين. وقيل لأنه يمسح الأرض أى يقطعها إذا خرج. وأما تسميته بالدجال فلأنه خدّاع ملبس من الدجل وهو الخلط والتغطية لأنه يخلط الحق بالباطل ويغطيه به. وسمى عيسى عليه الصلاة والسلام بالمسيح لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن. وقيل لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئَ. وقيل لأن رجله كانت لا أخمص

فيها (قوله ومن فتنة المحيا والممات) أى وأعوذ بك من الفتة زمن الحياة وزمن الموت. ويجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت وأضيفت إليه لقربها منه ويكون المراد بفتنة المحيا حينئذ ما قبل ذلك. ويجوز أن يراد بها فتنة القبر "ولا يقال" إنه مكرر مع قوله أعوذ بك من عذاب القبر "لأن العذاب" مرتب على الفتنة ومسبب عنه والسبب غير المسبب. وروى البخارى عن أسماء مرفوعا إنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا من فتنة الدجال. وروى الترمذى في نوادر الأصول عن سفيان الثورى أن الميت إذا سئل من ربك تراءى له الشيطان يشير إلى نفسه إني أنا ربك (قوله أعوذ بك من المأثم والمغرم) المراد بالمأثم الأمر الذى يأثم الإنسان بارتكابه كالزنا وشرب الخمر وغيرهما من المعاصى. أو هو الإثم نفسه وضعا للمصدر موضع الاسم. والمغرم مصدر وضع موضع الاسم قيل يراد به مغرم الذنوب والمعاصى فيكون مرادفا للمأثم. وقيل المغرم الدين كالغرم ويراد به ما استدين فيما يكرهه الله تعالى أو فيما يجوز ثم عجز عن أدائه فأما دين احتيج إليه شرعا ويقدر على أدائه فلا يستعاذ منه. وقيل المغرم ما يصيب الإنسان في ماله من ضرر بغير جناية منه (واستعاذ) صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من هذه الأمور وهو معصوم منها تعليما للأمة (واستعاذ) من المسيح مع أنه لم يكن في زمانه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لينشر خبره بين الأمة من جماعة إلى جماعة بأنه كذاب ساع في الأرض بالفساد ساحر فلا يلتبس حاله على المؤمنين عند خروجه ويعلمون أن جميع دعاويه باطلة وإشارة إلى أن الشرّ يستعاذ منه وإن بعد زمنه (قوله فقال له قائل الخ) هو عائشة كما في رواية النسائى عن معمر عن الزهرى وفيها قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أكثر ما يتعوذ من المغرم والمأثم قلت يا رسول الله ما أكثر ما تتعوذ من المغرم أى أتعجب من كثرة استعاذتك من المغرم. فما الأولى تعجبية والثانية مصدرية فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن الشخص إذا لزمه الدين حدث فكذب في حديثه ووعد فأخلف وعده. وروى الحاكم عن ابن عمر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال الدين راية الله في الأرض فإذا أراد الله أن يذل عبدا وضعه في عنقه (فقه الحديث) دلّ الحديث على ثبوت عذاب القبر، وعلى ثبوت الدجال وحصول فتنته وعلى مشروعية الاستعاذة من الفتن والشرور والسؤال من الله تعالى أن يدفعها، وعلى التنفير من الدين وحمله المدين على ارتكاب الكذب والخلف في الوعد اللذين هما من صفات المنافقين (من أخرج الحديث أيضا) اخرجه البخارى ومسلم والنسائى (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ

بيان أن نار الآخرة أشد من نار الدنيا بسبعين ضعفا

وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ تَطَوُّعٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، وَيْلٌ لِأَهْلِ النَّارِ» (ش) (رجال الحديث) (ابن أبى ليلى) محمد بن عبد الرحمن تقدم في هذا الجزء صفحة 157 (قوله عن أبيه) هو أبو ليلى قيل اسمه يسار بن نمير وقيل أوس بن خولى وقيل داود بن بلال الأنصارى. روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعبد الله بن عمر. وعنه ابنه عبد الرحمن وعامر ابن لؤين. شهد أحدا وما بعدها وانتقل إلى الكوفة وشهد مع على المشاهد وقتل معه بصفين. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله أعوذ بالله من النار) ذلك كان إذا مر بآية فيها ذكر النار كما تقدم (قوله ويل لأهل النار) الويل واد في جهنم يهوى فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره كما في رواية أحمد والمراد بالخريف السنة وفي رواية الترمذى واد بين جبلين يهوى فيه الكافر سبعين خريفا. وروى الطبراني والبيهقى أنه واد في جهنم يقذف فيه الذين يتبعون الشهوات. وفي رواية للبيهقي نهر في جهنم بعيد القعر خبيث الطعم. وقيل الويل كلمة عذاب أو حزن وهلاك. (واستعاذ) صلى الله عليه وعلى آله وسلم من النار لشدتها وصعوبة ما فيها (فقد روى) ابن ماجه عن أنس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم لولا أنها أطفئت بالماء مرتين ما انتفعتم بها وإنها لتدعو الله عز وجل أن لا يعيدها فيها (وروى) أيضا عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أوقدت النار ألف سنة فابيضت ثم أوقدت ألف سنة فاحمرت ثم أوقدت ألف سنة فاسودّت فهى سوداء كالليل المظلم (وروى) عن أنس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يرسل الله البكاء على أهل النار فيبكون حتى تنقطع الدموع ثم يبكون الدم حتى يصير في وجوههم كهيئة الأخدود لو أرسلت في السفن لجرت (وروى) عن ابن عباس قال قرأ رسول الله صلى الله تعالى عليه على آله وسلم "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تمون إلا وأنتم مسلمون" "وقال" ولو أن قطرة من الزقوم قطرت في الأرض لأفسدت على أهل الدنيا معيشتهم فكيف بمن ليس له طعام غيره (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه وأحمد بلفظ قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في صلاة ليست بفريضة فمر ذكر الجنة والنار فقال أعوذ بالله من النار ويح أو ويل لأهل النار (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ

استحباب التعميم في الدعاء وقول سبحان ربي الأعلى عند قراءة سورة الأعلى

وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ فِي الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي، وَمُحَمَّدًا، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ، قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: «لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا» يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (ش) (يونس) بن يزيد تقدم في الجزء الثاني صفحه 102 (قوله تحجرت واسعا) أى ضيقت ما وسعه الله عز وجل وخصصت به نفسك. وأنكر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليه لكونه بخل برحمة الله تعالى على خلقه ولأن التعميم في الدعاء أقرب إلى الإجابة ولأن رحمة الله وسعت كل شيء وقد أثنى الله تعالى على من عمم في الدعاء حيث قال "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان" (قوله يريد رحمة الله عز وجل) من كلام بعض الرواة والأقرب أنه أبو هريرة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى وابن ماجه وابن حبان والنسائى (ص) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: كَانَ إِذَا قَرَأَ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، قَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى». (ش) (رجال الحديث) (وكيع) تقدم في الجزء الأول صفحة 32. وكذا (إسراءيل) بن يونس صفحة 117. و (أبو إسحاق) السبيعى في الثاني صفحة 34. و (مسلم البطين) بن عمران ويقال ابن أبى عمران أبى عبد الله الكوفي. روى عن مجاهد وأبى وائل وعطاء وسعيد ابن جبير وجماعة. وعنه الأعمش وسلمة بن كهيل وإسماعيل بن سميع وآخرون. وثقه أحمد وابن معين والنسائى وأبو حاتم. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله قال سبحان ربى الأعلى) ظاهره أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقول ذلك عقب قراءة هذه الآية في الصلاة وغيرها امتثالا لما أمر به (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «خُولِفَ وَكِيعٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ»، وَرَوَاهُ أَبُو وَكِيعٍ، وَشُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا

(ش) أشار به إلى أن الحديث رواه غير وكيع موقوفا على ابن عباس لا مرفوعا كما رواه وكيع. و (أبو وكيع) هو الجراح بن مليح بن عدى بن فرس بن جمجمة الرؤاسى الكوفي والد وكيع. روى عن أبي إسحاق السبيعي وعطاء بن السائب وسماك بن حرب وعاصم الأحول وجماعة وعنه سفيان بن عقبة وأبو الوليد الطيالسى وابن مهدى ومسدد وآخرون. وثقه أبو داود وأبو الوليد وقال النسائى والعجلى لا بأس به وقال الدارقطني ليس بشئ وهو كثير الوهم وقال ابن عدي له أحاديث صالحة وروايات مستقيمة وحديثه لا بأس به وهو صدوق لم أجد في حديثه منكرا وقال ابن حبان كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل وقال في التقريب صدوق يهم من السابعة. مات سنة خمس وسبعين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والترمذى وابن ماجه والبخارى في الأدب (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يُصَلِّي فَوْقَ بَيْتِهِ، وَكَانَ إِذَا قَرَأَ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 40]، قَالَ: «سُبْحَانَكَ»، فَبَلَى، فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ «سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». (ش) (قوله أليس ذلك بقادر الخ) أى أليس ذلك الإله الفعال لما ذكر من قوله ألم يك نطفة من مني يمنى الآية بقادر على أن يبعث الموتى من قبورهم بعد مماتهم (قوله قال سبحانك فبلى) أى تنزيها لك عن العجز عن إحياء الموتى وقوله فبلى أى هو قادر على ذلك فبلى لنفي النفي (قوله فسألوه عن ذلك) أى عن قوله سبحانك فبلى (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: " قَالَ أَحْمَدُ: يُعْجِبُنِي فِي الْفَرِيضَةِ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا فِي الْقُرْآنِ " (ش) أى قال أحمد بن محمد بن حنبل يعجنى أن يدعو المصلى في الفريضة بالأدعية الواردة في القرآن كقوله تعالى "ربنا آتنا في الدنيا حسنة. وقوله ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا "الآيتين" (وأشار به) إلى أن الدعاء في الصلاة بما في القرآن أفضل (ويجوز) أيضا بما ورد في السنة ولعله يريد أن المصلى يدعو بذلك في السجود وفي آخر التشهد قبل السلام (وظاهره) عدم تخصيص الدعاء في النافلة بما في القرآن بل يدعو فيه بما شاء. وقد مرّ الكلام عليه في "باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده"

باب مقدار الركوع والسجود

(باب مقدار الركوع والسجود) (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، عَنِ السَّعْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَوْ عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: "رَمَقْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ، فَكَانَ يَتَمَكَّنُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ قَدْرَ مَا يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا" (ش) (سعيد الجريرى) تقدم في الجزء الأول صفحة 313. و (السعدى) مجهول وقال ابن حبان اسمه عبد الله (قوله عن أبيه أو عن عمه) شك من الراوى وهو صحابى مجهول. وفي مسند أحمد قال عن أبيه عن عمه فعلى رواية أبيه يكون بين السعدى والنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واحد وعلى رواية أحمد اثنان (قوله رمقت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى نظرت إليه حال صلاته فكان يطمئن في ركوعه وسجوده زمنا قدر قوله سبحان الله وبحمده ثلاث مرات. فقوله يتمكن أى يطمئن. ولفظ أحمد يمكث في ركوعه وسجوده قدر ما يقول سبحان الله وبحمده ثلاثا (لكن قال في الهدى) كان ركوعه المعتاد مقدار عشر تسبيحات. وأما حديث تسبيحه في الركوع والسجود ثلاثا فلا يثبت. والأحاديث الصحيحة بخلافه. وهذا السعدى مجهول لا يعرف عينه ولا حاله. وقد قال أنس إن عمر بن عبد العزيز كان أشبه الناس صلاة برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكان مقدار ركوعه وسجوده عشر تسبيحات. وأنس أعلم بذلك من السعدى عن أبيه أو عمه لو ثبت فأين علم من صلى مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عشر سنين كوامل إلى علم من لم يصلّ معه إلا تلك الصلاة الواحدة أو صلوات يسيرة فإن عم هذا السعدى أو أباه ليس من مشاهير الصحابة المداومين الملازمة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كملازمة أنس والبراء بن عازب وأبي سعيد الخدرى وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وغيرهم ممن ذكر صفة صلاته وقدرها. وكيف يقوم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد الركوع حتى يقولوا قد نسى ويسبح فيه ثلاث تسبيحات فيجعل القيام منه بقدره أضعافا مضاعفة وكذلك جلوسه بين السجدتين حتى يقولوا قد أوهم ولا ريب أن ركوعه وسجوده كانا نحوا من قيامه بعد الركوع وجلوسه بين السجدتين حتى تكرهوا إطالتهما ويغلو من يغلو منكم فيبطل الصلاة بإطالتهما وقد شهد البراء بن عازب أن ركوعه وسجوده كانا نحوا من قيامه ومحال أن يكون مقدار ذلك ثلاث تسبيحات. ولعله خفف مرّة لعارض فشهده عمّ السعدى أو أبوه فأخبر به. وقد حكم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى

آله وسلم أن طول صلاة الرجل من فقهه وهذا الحكم أولى من الحكم له بقلة الفقه. فحكم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو الحكم الحق وما خالفه فهو الحكم. الباطل الجائر اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ الْأَهْوَازِيُّ، نَا أَبُو عَامِرٍ، وَأَبُو دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَزِيدَ الْهُذَلِيِّ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: " إِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَإِذَا سَجَدَ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى ثَلَاثًا، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ "، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «هَذَا مُرْسَلٌ، عَوْنٌ لَمْ يُدْرِكْ عَبْدَ اللَّهِ» (ش) (رجال الحديث) (عبد الملك بن مروان) بن قارظ ويقال قرظ أبو مروان الحذاء البصرى. روى عن يزيد بن زريع وزيد بن الحباب وأبي عامر العقدى وحجاج بن محمد وعنه أبو زرعة وعمران بن موسى وأحمد بن سهل ومحمد بن مدرك. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة من الحادية عشرة. مات سنة ست وخمسين ومائتين. روى له أبو داود و (الأهوازى) نسبة إلى الأهواز كورة بين البصرة وفارس. و (أبو عامر) عبد الملك ابن عمرو العقدى تقدم في الجزء الثالث صفحة 91. و (أبو داود) الطيالسى في الأول صفحة 273. و (ابن أبي ذئب) في الثاني صفحة 83 و (إسحاق بن يزيد) المدني. روى عن عون ابن عبد الله. وعنه ابن أبي ذئب. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مجهول من السادسة و (الهذلى) نسبة إلى هذيل أبي حيّ من مضر. و (عون بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود أبي عبد الله الكوفي. روى عن أبيه وعمه والشعبى وسعيد بن علاقة وأبى بردة بن أبى موسى وجماعة وعنه الزهرى ومحمد بن عجلان وسعيد بن أبي هلال وقتادة وكثيرون. وثقه أحمد وابن معين والنسائى والعجلى وقال في التقريب ثقة عابد من الرابعة. مات فيما بين عشر إلى عشرين ومائة روى له مسلم وأبو داود وابن ماجه والنسائى والترمذى (معنى الحديث) (قوله فليقل ثلاث مرّات سبحان ربي العظيم الخ) فيه دلالة لمن قال بوجوب التسبيح في الركوع والسجود. وظاهره أن أقل من الثلاثة لا يجزئ كما ذكره صاحب سبل السلام (قوله وذلك أدناه) يعني أدنى ما يجزئ في الركوع والسجود. ويؤيده ما أخرجه ابن ماجه

مذاهب الأئمة في ذلك وذكر ما يقال عند آخر سورة التين والقيامة والمرسلات

بلفظ إذا ركع أحدكم فليقل في ركوعه سبحان ربى العظيم ثلاثا فإذا فعل ذلك فقد تم ركوعه وإذا سجد أحدكم فليقل في سجوده سبحان ربى الأعلى ثلاثا فإذا فعل ذلك فقد تم سجوده وذلك أدناه (وقال) جماعة المراد أدنى كمال التسبيح فمن نقص عن ثلاث لا يكون آتيا بالسنة لكن هذا القول خلاف الظاهر والاحتياط العمل بالقول الأول فأدنى الكمال على القول الأول فوق الثلاث وعلى الثانى ثلاث وأما أعلى الكمال فلا ينضبط بعدد بل يكون على حسب طول القراءة وقصرها لأن السنة أن تكون الأركان متقاربة لما تقدم من أن قيامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وركوعه وسجوده كان قريبا من السواء (وقال) المازرى إن الكمال إحدى عشرة أو تسع وأوسطه خمس (وروى) الترمذى عن ابن المبارك وإسحاق بن راهويه أنه يستحب خمس تسبيحات للإمام وبه قال الثورى (قال) في النيل ولا دليل على تقييد الكمال بعدد معلوم بل ينبغى الاستكثار من التسبيح على مقدار تطويل القراءة في الصلاة من غير تقييد بعدد اهـ (قوله هذا مرسل الخ) يعنى لم يتصل سنده لأن عونا لم يدرك عبد الله ابن مسعود وكذا قال البخارى في تاريخه وأحمد فيما حكاه الخلال والطوسى والترمذى. فأراد بالمرسل المنقطع. ويحتمل أنه أراد بالمرسل خلاف المشهور فيه وهو ما سقط من سنده راو واحد أو أكثر سواء أكان من أوله أم آخره أم بينهما (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن أقل الطمأنينة في الركوع والسجود مقدار ثلاث تسبيحات، وعلى وجوب التسبيح فيهما. وبه قال جماعة وتقدم الكلام عليه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البزار والترمذى وابن ماجه بلفظ تقدم والدارقطنى وأخرج أيضا من حديث أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا ركع أحدكم فسبح ثلاث مرات فإنه يسبح لله من جسده ثلاثة وثلاثون وثلثمائة عظم وثلاثة وثلاثون وثلثمائة عرق (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، نَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، قال سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَرَأَ مِنْكُمْ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 8]، فَلْيَقُلْ: بَلَى، وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ، وَمَنْ قَرَأَ: لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَانْتَهَى إِلَى {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: 40]، فَلْيَقُلْ: بَلَى، وَمَنْ قَرَأَ: وَالْمُرْسَلَاتِ، فَبَلَغَ: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ

يُؤْمِنُونَ} [المرسلات: 50]، فَلْيَقُلْ: آمَنَّا بِاللَّهِ "، قَالَ إِسْمَاعِيلُ: ذَهَبْتُ أُعِيدُ عَلَى الرَّجُلِ الْأَعْرَابِيِّ، وَأَنْظُرُ لَعَلَّهُ، فَقَالَ: «يَا ابْنَ أَخِي، أَتَظُنُّ أَنِّي لَمْ أَحْفَظْهُ، لَقَدْ حَجَجْتُ سِتِّينَ حَجَّةً، مَا مِنْهَا حَجَّةٌ إِلَّا وَأَنَا أَعْرِفُ الْبَعِيرَ الَّذِي حَجَجْتُ عَلَيْهِ» (ش) هذا الحديث غير مناسب لهذا الباب وإنما يناسب الباب الذى قبله فلعل ذكره هنا خطأ من النساخ. و (سفيان) الثورى تقدم في الجزء الأول صفحة 65 (قوله سمعت أعرابيا) لم يسم وقال في التقريب سماه يزيد بن عياض أبا اليسع وهو أحد المتروكين معدود في من لم يعرف اهـ ببعض تصرف (قوله أليس الله بأحكم الحاكمين) أى أقضى القاضين يحكم بينك يا محمد وبين من كذبك وكذا بين كل محق ومبطل (قوله فليقل بلى) أى هو أحكم الحاكمين والأمر في هذا وما بعده للاستحباب (قوله وأنا على ذلك من الشاهدين) أى على كونك أحكم الحاكمين من الشاهدين. وقال من الشاهدين ولم يقل وأنا شاهد لما في ذلك من المبالغة على حدّ قوله تعالى "وكانت من القانتين" لأن من دخل في عداد الكاملين وساهم معهم الفضائل ليس كمن انفرد عنهم (قوله لا أقسم بيوم القيامة) لا زائدة لتأكيد القسم وقيل نافية لكلام تقدمها وأتى به ردّا على من أنكر البعث فكأنه قال ليس الأمر كما زعموا أقسم بيوم القيامة لتبعثن (قوله فبأي حديث بعده يؤمنون) أى إذا لم يصدقوا بالقرآن الذى هو معجز ومصدق للكتب السماوية وموافق لها في أصول الدين فبأئ كلام يصدقون بعده فتكذيبه تكذيب لغيره من الكتب ولا يصح الإيمان بغيره مع تكذيبه (قوله فليقل آمنا بالله) كان مقتضى السياق أن يقول آمنا بالقرآن لكن عدل عن ذلك إشارة إلى أن الإيمان بالله مستلزم للإيمان بالقرآن لأنه صفة من صفاته (وظاهره) أنه يقول ذلك ولو حال الصلاة إماما كان أو مأموما أو منفردا وبه قال ابن عباس والنووى (وقال جماعة) يقوله خارح الصلاة لا داخلها ولو قال ذلك داخل الصلاة لا تفسد (قوله قال إسماعيل ذهبت أعيد الخ) أى شرعت أعيد الحديث على الأعرابى لأتحقق ما حدّث به وأنظر لعله وهم فيه ولم يكن حافظا له فخبر لعل محذوف فقال أتظن أنى لم أحفظه والاستفهام إنكارى أى لا تظن أني لم أحفظ الحديث والله لقد حججت ستين حجة الخ فاللام فيه موطئة للقسم. وأراد أنه متثبت لهذا الخبر لأن الذى يتحقق البعران التي حح عليها ستين حجة لا يتمارى فيما سمعه من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكأنه يقول بلغ حفظى المرتبة القصوى فكيف أنسى حديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الترمذى. والحديث ضعيف لجهالة الأعرابى

دليل من قال إن كمال تسبيح الركوع والسجود عشر تسبيحات

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، وَابْنُ رَافِعٍ، قَالَا: نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ بْنِ كَيْسَانَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ وَهْبِ بْنِ مَانُوسَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مِنْ هَذَا الْفَتَى -يَعْنِي عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ- قَالَ: «فَحَزَرْنَا فِي رُكُوعِهِ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ، وَفِي سُجُودِهِ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قُلْتُ لَهُ: مَانُوسُ، أَوْ مَابُوسُ، فقَالَ: أَمَّا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَيَقُولُ: مَابُوسُ، وَأَمَّا حِفْظِي فَمَانُوسُ، وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ رَافِعٍ، قَالَ أَحْمَدُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (ش) (رجال الحديث) (ابن رافع) محمد تقدم في الجزء الثانى صفحة 146. و (عبد الله ابن إبراهيم) بن عمر (بن كيسان) الصنعاني أبو يزيد. روى عن أبيه وأعمامه حفص ومحمد وعبد الرحمن بن عمر وعبد الله بن صفوان وغيرهم. وعنه أحمد بن صالح وأحمد بن حنبل وأحمد ابن منصور ومحمد بن على. قال النسائى لا بأس به وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال في التقريب صدوق من التاسعة. روى له أبو داود والنسائى (قوله حدثني أبى) هو إبراهيم بن عمر بن كيسان أبو إسحاق اليمانى الصنعاني. روى عن وهب بن منبه وعبد الله بن وهب. وعنه ابنه عبد الله وأبو عاصم وهشام بن يوسف وعبد الرزاق. وثقه ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان من العباد وقال النسائى لا بأس به وقال في التقريب مستور من العاشرة. و (وهب ابن مانوس) بالنون ويقال بالباء الموحدة كما سيذكره المصنف ويقال ماهنوس العدني ويقال البصرى. روى عن سعيد بن جبير. وعنه إبراهيم بن نافع وإبراهيم بن عمر. قال ابن القطان مجهول الحال وقال في التقريب مستور من السادسة. روى له أبو داود والنسائى (معنى الحديث) (قوله فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات) أى قدرنا في ركوع عمر بن عبد العزيز عشر تسبيحات. وهو بيان لأشبهية صلاته بصلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قال في النيل) فيه حجة لمن قال إن كمال التسبيح عشر تسبيحات والأصح أن المنفرد يزيد في التسبيح ما أراد وكلما زاد كان أولى. والأحاديث الصحيحة في تطويله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ناطقة بهذا وكذا الإمام إذا كان المؤتمون لا يتأذون بالتطويل اهـ (قوله

باب الرجل يدرك الإمام ساجدا كيف يصنع

قال أحمد بن صالح قلت له الخ) أى قلت لعبد الله بن إبراهيم هو وهب بن مانوس بالنون أو مابوس بالباء الموحدة فقال عبد الله أما عبد الرزاق بن همام فيقول مابوس بالموحدة وأما حفظى فهو بالنون (قوله وهذا لفظ ابن رافع) أى ما ذكره المصنف لفظ حديث محمد بن رافع (قوله قال أحمد عن سعيد بن جبير الخ) الغرض منه بيان أن رواية أحمد بن صالح بالعنعنة من وهب عن سعيد ومن سعيد عن أنس بخلاف رواية ابن رافع فهى بالسماع فيهما (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والنسائى (باب الرجل يدرك الإمام ساجدا كيف يصنع) وفي بعض النسخ "باب الرجل يدرك الإمام را كعا الخ" (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْحَكَمِ، حَدَّثَهُمْ، أَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي الْعَتَّابِ، وَابْنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «إِذَا جِئْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا، وَلَا تَعُدُّوهَا شَيْئًا، وَمَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» (ش) (رجال الحديث) (يحيى بن أبى سليمان) أبو صالح المدني. روى عن زيد بن عتاب وسعيد المقبرى وعطاء بن أبى رباح وطائفة. وعنه سعيد بن أبى أيوب وابن أبى ذئب وشعبة وأبو الوليد الطيالسى وغيرهم. وثقه ابن حبان والحاكم وقال البخارى منكر الحديث وقال أبو حاتم مضطرب الحديث ليس بالقوى يكتب حديثه وقال ابن خزيمة لا أعرف يحيى ابن أبى سليمان بعدالة ولا جرح وأخرجت خبره لأنه لم يختلف فيه العلماء. روى له أبو داود والترمذى. و (زيد بن أبى العتاب) بمثناة فوقية مشددة مولى أم حبيبة ويقال مولى أخيها معاوية. روى عن أبى هريرة وعبد الله بن رافع وعمرو بن سليم. وعنه زياد بن سعد ويحيى بن أبي سليمان وسعيد بن أبى أيوب وغيرهم. وثقه ابن معين وابن حبان. و (ابن المقبرى) هو سعيد ابن أبى سعيد تقدم في الجزء الثالث صفحة 25 (معنى الحديث) (قوله ونحن سجود) أي ساجدون فسجود جمع ساجد (قوله ولا تعدّوها شيئا) أى لا تعدّوا تلك السجدة التي ادركتموها شيئا من الركعة بخلاف ما إذا أدركتم الإمام وهو راكع فإن ذلك الركوع يعدّ من تلك الركعة لأن للركوع حكم القيام بخلاف السجود (قوله ومن أدرك الركعة الخ) وإدراكها يكون بإدراك قيامها وقراءتها إلى آخر سجدة منها

مذاهب الأئمة في اعتبار ركعة من أدرك الإمام راكعا

وهو مسمى الركعة حقيقة. وتطلق أيضا على الركوع مجازا وهو المراد هنا. وتدرك الركعة بإدراك المأموم إياه مع الإمام (وكذلك) ذهب جمهور الأممة إلا أنهم اختلفوا في المقدار الذى يتحقق به إدراك المأموم للإمام (فذهبت) المالكية إلى أنه يتحقق بوضع يديه على ركبتيه قبل رفع الإمام رأسه من الركوع ولو لم يطمئن إلا بعد رفعه (وبه قالت) الحنابلة وهو ظاهر كلام الحنفية (وقالت) الشافعية لا يكون المأموم مدركا للركعة إلا إذا اطمأن قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع (وروى) عن جماعة من السلف أنه متى أحرم والإمام راكع أجزأه وإن لم يدركه في الركوع وركع بعده (وقال) الشعبى يدرك المأموم الركعة ما لم يرفع المأمومون رءوسم وإن رفع الإمام قال وإذا انتهى المأموم إلى الصف الأخير ولم يرفعوا رءوسهم أو بقى منهم واحد لم يرفع رأسه وقد رفع الإمام رأسه فإنه يركع وقد أدرك الصلاة "يعنى الركعة" لأن الصف الذى هو فيه إمامه (وقال) ابن أبى ليلى وزفر والثورى إذا كبر قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة (وقال) ابن سيرين إذا أدرك تكبيرة يدخل بها في الصلاة وتكبيرة للركوع فقد أدرك الركعة (واحتج) الجمهور بحديث الباب وقالوا إن المراد بالركعة فيه الركوع (وبما) أخرجه الدارقطنى وابن خزيمة عن أبى هريرة مرفوعا من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها قبل أن يقيم الإمام صلبه وقوله فقد أدركها مقدم من تأخير وأصله من أدرك ركعة من الصلاة قبل أن يقيم الإمام صلبه فقد أدرك الصلاة (وبما) رواه ابن حبان وصححه بلفظ من أدرك ركعة من الصلاة قبل أن يقيم الإمام صلبه فقد أدركها (وبما) تقدم للمصنف ورواه البخارى عن أبى بكرة أنه انتهى إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف فذكر ذلك للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال زادك الله حرصا ولا تعد. فقد أقره النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الاجتزاء بتلك الركعة ونهاه عن العود إلى الدخول قبل الوصول إلى الصف (وبما) رواه الدارقطنى عن أبى هريرة من أدرك الركوع من الركعة الأخيرة في صلاته يوم الجمعة فليضف إليها ركعة أخرى (وهذه) الأحاديث وإن كان فيها مقال إلا أن مجموعها يقوى بعضها بعضا (وقال جماعة) من أدرك الإمام راكعا ولم يدرك معه القراءة لم تحسب له تلك الركعة وهو قول أبى هريرة (وحكاه) البخارى في القراءة خلف الإمام عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام واختاره ابن خزيمة والطيبي وغيرهما من محدّثى الشافعية وقواه تقى الدين السبكي ورجحه المقبلى وقال قد بحثت هذه المسألة وأحطتها في جميع بحثى فقها وحديثا فلم أحصل على غير ما ذكر من عدم الاعتداد بالركعة بإدراك الركوع فقط (واستدلوا) على ذلك بما رواه البخارى وتقدم للمصنف في "باب السعى إلى الصلاة" عن أبى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

باب أعضاء السجود

يقول إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وائتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا (قالوا) ففيه الأمر بإتمام ما فاته وقد فاته الوقوف والقراءة (ويجاب) عنه بأن قوله وما فاتكم فأتموا عام مخصوص بغير القراءة والقيام للمسبوق الذى أدرك الإمام را كعا فلا يقضيهما للأحاديث المتقدمة. وقوله فقد أدرك الصلاة أى أدرك حكم الصلاة فيلزمه ما لزم الإمام من الفساد وسجود السهو وغيرهما. أو المراد به فضل الجماعة (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الحاكم والدارقطني وابن خزيمة (باب أعضاء السجود) وفي بعض النسخ "باب في أعضاء السجود" أى في بيان الأعضاء التي يطلب من المصلى السجود عليها (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «أُمِرْتُ»، قَالَ حَمَّادٌ: «أُمِرَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةٍ، وَلَا يَكُفَّ شَعْرًا، وَلَا ثَوْبًا» (ش) (قوله قال حماد أمر نبيكم الخ) هذا الاختلاف الذى ذكره المصنف لم تجده لغيره فقد أخرج هذا الحديث مسلم من رواية يحيى بن يحيى وأبى الربيع عن حماد بن زيد ولفظه قال أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكذلك أخرج الترمذى والنسائى من رواية قتيبة عن حماد ولفظهما قال أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. فليس في حديث حماد عند أحد فيما علمنا إلا لفظ أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ثم هذا السياق الذى ذكره المصنف يخالف ما اصطلح عليه المحدثون من أنهم يقولون قال فلان هكذا ثم يقولون قال فلان هكذا على خلاف اللفظ الأول. يطلقون هذا في محل يخالفه آخر في مرتبته في اللفظ وهاهنا لم يذكر في طبقة حماد رجلا آخر يقول على خلاف ما قال حماد. فقوله قال أمرت لم يوجد له قائل عند المصنف في السند. ولعله يشير إلى ان حمادا قال أمرت مرة وقال مرة آخرى أمر نبيكم. أو أشار إلى أن بعض الرواة عن عمرو بن دينار كشعبة قال أمرت وقال حماد أمر نبيكم أو أن المصنف أراد أن يقول قال مسدد أو سليمان فسبق القلم إلى حماد والله أعلم. وقوله أمر نبيكم بالبناء للمفعول أى أمرنى الله عز وجل وهو محتمل لاختصاصه صلى الله عليه وآله وسلم بما ذكر

أقوال الفقهاء في السجود على الأعضاء السبعة وفي كشفها وفي النهي عن كف الشعر والثياب في الصلاة

لكن جاء في رواية للبخارى ما يفيد عموم الأمر له وللأمة عن ابن عباس عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بلفظ أمرنا أن نسجد على سبعة أعظم. وفي رواية البزار والطحاوى أمر العبد أن يسجد على سبعة آراب. وما سيأتى للمصنف إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب أي أعضاء الجبهة واليدين والركبتين والرجلين كما صرّح بذلك في الرواية الآتية ورواية للبخارى (وفي هذا دلالة) على وجوب السجود على هذه الأعضاء السبعة (وإليه ذهبت العترة) والشافعى في أحد قوليه ورجحه النووى والحنابلة وقالوا يكفي وضع بعض كل واحد من هذه الأعضاء. واستدلوا بحديث الباب ونحوه مما فيه أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالسجود على هذه الأعضاء من غير فرق بينها (وذهب) أبو حنيفة والشافعى في أحد قوليه والمالكية وأكثر الفقهاء إلى أن الواجب السجود على الجبهة. وقالوا إن السجود على بقية الأعضاء السبعة سنة (وقال المؤيد بالله) يجب السجود على الأعضاء السبعة إلا الرجلين فإنه لا يجب عليهما (وظاهر الحديث) أنه لا يجب كشف شيء من هذه الأعضاء لأن مسمى السجود يحصل بوضعها دون كشفها. ولم يختلف في أن كشف الركبتين غير واجب لما يحذر فيه من كشف العورة. وكذا لم يختلف في عدم وجوب كشف القدمين لأن الشارع وقت المسح على الخف بمدّة تقع فيها الصلاة بالخفّ فلو وجب كشف القدمين لوجب نزع الخفّ المقتضى لنقض الطهارة فتبطل الصلاة (وأما كشف اليدين) ففيه خلاف. فذهب الجمهور إلى عدم وجوب كشفهما (ويدل لهم) ما رواه أحمد وابن ماجه عن عبد الله بن عبد الرحمن قال جاءنا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وصلى بنا في مسجد بني الأشهل فرأيته واضعا يديه في ثوبه إذا سجد (وما رواه) أحمد عن ابن عباس قال لقد رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في يوم مطير وهو يتقى الطين إذا سجد بكساء عليه يجعله دون يديه إلى الأرض إذا سجد. وهو وإن كان وضع الكساء بينه وبين الأرض للضرورة لكن بانضمامه للحديث الذى قبله يفيد المدّعي ولاسيما وأنه جاء موافقا للأصل من عدم وجوب الكشف (وعن الشافعى) في أحد قوليه أنه يجب كشفهما (وقالت) الحنابلة بكراهة سترهما (والظاهر ما ذهب) إليه الجمهور لما تقدم من الأدلة (واختلف أيضا) في وجوب كشف الجبهة فقال داود والشافعية وأحمد في رواية يجب كشفها وقالوا لا يجوز السجود على كور العمامة وهو قول على وابن عمر وعبادة بن الصامت وإبراهيم النخعى وابن سيرين وميمون بن مهران وعمر بن عبد العزيز وجعدة بن هبيرة (ويدل) لهم ما أخرجه أبو داود عن صالح بن حيوان السبائى أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأى رجلا يسجد إلى جنبه وقد اعتمّ على جبهته فحسر عن جبهته (وما أخرجه) ابن أبى شيبة عن عياض بن عبد الله قال رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رجلا يسجد

على كور عمامته فأومأ بيده ارفع عمامتك (وقال) سعيد بن المسيب والحسن وبكر المزني ومكحول والزهرى لا يجب كشف الجبهة. وهو قول مالك والحنفية والأوزاعي وإسحاق وأحمد في إحدى روايتيه وأكثر العلماء إلا أنهم قالوا بكراهة سترها (واستدلوا) يما رواه أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس والطبراني عن ابن أبى أوفى وابن عدى عن جابر من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسجد على كور عمامته (لكن) هذا الحديث روى من طرق كلها ضعيفة حتى قال أبو حاتم هو حديث باطل وقال البيهقي لم يثبت منه شيء، وعلى تقدير ثبوته فيمكن الجمع بينه وبين الأحاديث الدالة على وجوب كشفها بأن هذا محمول على حالة للعذر وما تقدم محمول على غير العذر (قوله ولا يكف شعرا ولا ثوبا) أى وأمر نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يجمع شعره ولا ثوبه حال الصلاة بل يتركهما يسجدان معه (والنهى) عن ذلك للتنزيه عند الجمهور مطلقا لسواء أتعمد المصلى ذلك للصلاة أم كان قبلها كذلك لشئ آخر وصادف الصلاة (قال) النووى في شرح مسلم اتفق العلماء على النهى عن الصلاة وثوبه مشمر أو كمه أو نحوه أو رأسه معقوص أو مردود شعره تحت عمامته أو نحو ذلك وكل هذا منهى عنه باتفاق العلماء وهو كراهة تنزيه فلو صلى كذلك فقد أساء وصحت صلاته (وقال) الداودى يختص النهى بمن فعل ذلك للصلاة (وحكى) ابن المنذر وجوب الإعادة عن الحسن البصرى (والمختار) الصحيح الأول وهو ظاهر المنقول عن الصحابة وغيرهم ويدل عليه فعل ابن عباس المذكور هنا اهـ كلام النووى ببعض تصرف (ويعني) بفعل ابن عباس ما رواه مسلم وتقدم للمصنف عن ابن عباس أنه رأى عبد الله بن الحارث يصلى ورأسه معقوص من ورائه فقام وراءه فجعل يحله وأقرّ له الآخر فلما انصرف أقبل إلى ابن عباس فقال مالك ورأسى فقال إني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول إنما مثل هذا مثل الذى يصلى وهو مكتوف (وحكمة) النهى عن ذلك انه إذا رفع شعره وثوبه عن مباشرة الأرض أشبه المتكبر، وجاء أيضا في حكمة النهى عن كف الشعر أن الشيطان يقعد فيه حال الصلاة كما تقدم للمصنف في باب الرجل يصلى عاقصا شعره أن أبا رافع رأى الحسن بن على يصلى وقد غرز ضفيرة في قفاه فحلها أبو رافع فالتفت حسن إليه مغضبا فقال أبو رافع أقبل على صلاتك ولا تغضب فإنى سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول ذلك كفل الشيطان يعنى مقعد الشيطان (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «أُمِرْتُ»، وَرُبَّمَا قَالَ: «أُمِرَ نَبِيُّكُمْ

صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ» (ش) (قوله وربما قال الخ) أى وربما قال شعبة بن الحجاج أمر نبيكم بدل قوله أمرت (قوله أن يسجد على سبعة آراب) أى أعضاء فالآراب بالمدّ جمع إرب بكسر الهمزة وسكون الراء العضو. وتقدم بيانه. وقوله أن يسجد بالياء يناسب رواية أمر نبيكم أما على رواية أمرت فيناسبه أن أسجد بهمزة المتكلم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والترمذى وابن ماجه والبزار والطحاوى وأبو يعلى الموصلى (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا بَكْرٌ يَعْنِي ابْنَ مُضَرَ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ، وَجْهُهُ، وَكَفَّاهُ، وَرُكْبَتَاهُ، وَقَدَمَاهُ» (ش) (رجال الحديث) (ابن الهاد) هو يزيد تقدم في الجزء الثالث صفحة 174 و (محمد بن إبراهيم) التيمى في الأول صفحة 171. و (عامر بن سعد) في الرابع صفحة 197 و (العباس بن عبد المطلب) بن هاشم بن عند مناف أبى الفضل القرشى الهاشمى عم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ولد قبل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بسنتين وضاع وهو صغير فنذرت أمه إن وجدته أن تكسو البيت حريرا فوجدته فكسته من الحرير وهي أول من كساه. وكان إليه في الجاهلية السقاية في الحج وعمارة المسجد الحرام وحضر بيعة العقبة مع الأنصار قبل أن يسلم وشهد بدرا مع المشركين مكرها فأسر وافتدى نفسه ورجع إلى مكة. قيل إنه أسلم وفي إسلامه مخافة قومه وأراد القدوم إلى المدينة فأمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالمقام بمكة وقال له إن مقامك بمكة خير وكان يكتب إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبار المشركين وهاجر قبل الفتح وشهد الفتح وثبت معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين فرّ المسلمون في غزوة حنين وأخذ بلجام بغلته ولما نزلت السكينة عليهم ناداهم العباس بإذنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكان صيتا يسمع صوته من نحو ثماية أميال. وأخرج الترمذى عن على قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من آذى عمي فقد آذاني وإنما عمّ الرجل صنو أبيه "أى مثله" وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

يجلّ العباس إجلال الولد والده خاصة خصّ الله بها العباس من بين الناس. وروى أيضا من طريق محمد بن عبيد الله بن أبى رافع عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لعمه العباس يا أبا الفضل لك من الله حتى ترضى. وروى الترمذى عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا عم إذا كان غداة الاثنين فأتني أنت وولدك حتى أدعو لك بدعوة ينفعك الله بها وولدك قال فغدا وغدونا معه فألبسنا كساء ثم قال اللهم اغفر للعباس مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنبا اللهم احفظه في ولده (معنى الحديث) (قوله سجد معه سبعة آراب الخ) خبر بمعنى الأمر أى فليسجد معه سبعة آراب كما يؤخذ من الحديث السابق. وقوله وجهه الخ بيان للسبعة. والمراد بالوجه الجبهة والأنف كما صرّح به في رواية مسلم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أمرت أن أسجد على سبع ولا أكفت الشعر ولا الثياب الجبهة والأنف واليدين "الحديث" ولأن المراد من السجود تعظيم الله تعالى. والسجود على غير الجبهة والأنف لم يعرف تعظيما في الشاهد فلم يكن محلا للسجود بالإجماع (قوله وقدماه) المراد أطراف أصابعه لما رواه مسلم عن ابن عباس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أمرت أن أسجد على سبعة أعظم "إلى أن قال" وأطراف القدمين (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والنسائى والترمذى ومسلم وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَفَعَهُ قَالَ: «إِنَّ الْيَدَيْنِ تَسْجُدَانِ كَمَا يَسْجُدُ الْوَجْهُ، فَإِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ فَلْيَضَعْ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَهُ فَلْيَرْفَعْهُمَا» (ش) (أيوب) السختياني تقدم في الجزء الأول صفحة 257. و (إسماعيل) هو المعروف بابن علية في الثاني صفحة 264. و (نافع) هو مولى عبد الله بن عمر في الأول صفحة 66 (قوله إن اليدين تسجدان الخ) تعليل لقوله بعد فليضع يديه. والمراد باليدين الكفان (قوله فإذا وضع) وفى بعض النسخ وإذا بالواو (قوله فليضع يديه) أى على ما يسجد عليه (وهو دليل) لمن قال بوجوب وضع اليدين في السجود على المصلى (وأجاب) عنه الجمهور بأن الأمر فيه للندب لصحة صلاة المكتوف بالإجماع (قوله وإذا رفعه فليرفعهما) الأمر فيه للوجوب عند الأكثرين لأن رفعهما فرض إذ لا يعتدل من السجود من لا يرفعهما عن الأرض (والاعتدال) في الركوع والسجود والرفع منهما فرض عند الجمهور لأمره صلى الله تعالى عليه

باب السجود على الأنف والجبهة

وعلى آله وسلم بذلك وفعله (قال الباجى) إن حكم اليدين في السجود في الوضع والرفع حكم الوجه ولا يشاركهما في الوضع والرفع سائر الأعضاء فمن كانت جبهته أو يداه بالأرض لمعنى من المعاني لم يجزه سجوده إلا بعد رفعهما ووضعهما للسجود ثم لا بد من رفعهما عند كمال السجود بخلاف الركبتين والقدمين فإنهما يجتزئ فيهما بكونهما في الأرض ولا يشترط وضعهما بالأرض للسجود ولا رفعهما بعد السجود عن الأرض اهـ (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى مرفوعا وأخرجه مالك في الموطأ موقوفا على ابن عمر أنه كان يقول من وضع جبهته بالأرض فليضع كفيه على الذى يضع عليه جبهته ثم إذا رفع فليرفعهما فإن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه (باب السجود على الأنف والجبهة) أى في بيان حكم السجود على الأنف والجبهة (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، نَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ رُئِيَ وعَلَى جَبْهَتِهِ، وَعَلَى أَرْنَبَتِهِ أَثَرُ طِينٍ مِنْ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِالنَّاسِ». (ش) (ابن المثنى) محمد تقدّم في الجزء الأول صفحة 68. وكذا (صفوان بن عيسى) صفحة 51 وكذا (معمر) بن راشد صفحة 107. وكذا (أبو سلمة) صفحة 23 (قوله رؤى وعلى جبهته الخ) بالبناء للمجهول وقد صرح في رواية للبخارى بأن أبا سعيد الخدرى هو الذى قال رأيت على جبهته أثر الطين. والأرنبة طرف الأنف. وقوله من صلاة صلاها بالناس أى من سجود صلاة صلاها بالناس فالكلام على حذف مضاف وهى صلاة الصبح صبيحة إحدى وعشرين من رمضان فسجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الطين والماء فبقى أثره على جبهته وأرنبته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وفي هذا دلالة) على مشروعية السجود على الجبهة والأنف معا (وقد) اختلف في ذلك (فذهب) أحمد والأوزاعى وإسحاق ومحمد وأبو يوسف وسعيد بن جبير والنخعى وابن حبيب من المالكية إلى وجوب الجمع بين الجبهة والأنف في السجود فلو سجد على أحدهما لم يجزه (واستدلوا) بحديث الباب. وبما رواه الترمذى عن أبى حميد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا سجد أمكن جبهته وأنفه من الأرض (وبما رواه) ابن أبى شيبة عن عاصم عن عكرمة عن ابن عباس أنه صلى الله

تعالى عليه وعلى آله وسلم رأى رجلا يصلى لا يصيب أنفه الأرض فقال. لا صلاة لمن لا يصيب أنفة الأرض. ورواه الدارقطني عن ابن عباس أيضا بلفظ لا صلاة لمن لا يصيب أنفه الأرض ما يصيب الجبين (قال) الدارقطني الصواب أنه مرسل عن عكرمة (وقالت) الحنفية إن اقتصر على أحدهما جاز مع الكراهة (واستدلوا) بما رواه البخارى عن ابن عباس مرفوعا أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة وأشار صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بيده إلى أنفه الخ فجعلهما كعضو واحد يجوز الاقتصار على بعضه (واستدلوا) أيضا على جواز الاقتصار على الأنف بأن السجود يتحقق بوضع بعض الوجه لأن وضع جميعه غير ممكن فإن الأنف والجبهة عظمان ناتئان يمنعان وضع الوجه كله. وإذا تعذّر وضع الكل كان المأمور به وضع البعض إلا أن الذقن والخدّ خرجا بالإجماع إذ التعظيم لم يشرع بوضعهما فبقي الأنف والجبهة. وهي تصلح محلا للسجود فكذلك الأنف (وقالوا) أيضا إن الأنف لا يخلو إما أن يكون محلا للفرض أولا ولا سبيل إلى الثاني لأن الفرض ينتقل إليه عند العذر بالاتفاق ولو لم يكن محلا للفرض لم ينتقل إليه كالذقن بل ينتقل إلى الإيماء كما لو كان بهما عذر فتعين أنه محل للفرض ويجوز الاقتصار عليه كالجبهة والمذكور فيما روى من الخبر في سنن الأربعة عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب وجهه الخ فتكون الحبهة والأنف داخلين على السواء (وقال محمد وأبو يوسف) لا يجوز الاقتصار على الأنف وحده إلا من عذر (وذهبت) المالكية والشافعية إلى أن الواجب في السجود وضع الجبهة وهو قول طاوس وعطاء وعكرمة والحسن وابن سيرين والثورى وأبى ثور والقاسم وسالم والزهرى أما السجود على الأنف فهو سنة ويعيد في الوقت إن ترك السجود عليه عند المالكية (واستدلوا) بما رواه ابن أبى شيبة عن جابر قال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسجد في أعلى جبهته على قصاص الشعر (قالوا) وإذا سجد على أعلى الجبهة لم يسجد على الأنف (ورواه) الدارقطني من طريق عبد العزيز بن عبيد الله عن وهب وقال تفرد به عبد العزيز عن وهب وليس بالقوي (واستدلوا) أيضا بما رواه الدارقطني عن ابن عمر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض ولا تنقر نقرا (قال) النووى غريب ضعيف (والراجح) ما ذهب إليه الأولون من وجوب السجود على الجبهة والأنف معا "وما قاله الحنفية" من جواز الاقتصار على أحدهما "غير مسلم" لأن المقصود من السجود التذلل والخضوع ولا يقوم الأنف مقام الجبهة في ذلك ولم يثبت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الاقتصار على الأنف صريحا لا بفعل ولا بقول (ونقل) ابن المنذر إجماع الصحابة على أنه لا يجزئ السجود على الأنف فقط (وإشارته) صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى أنفه وإن أفادت أن الأنف لابدّ منه

باب صفة السجود

في السجود مع الجبهة فلا تستلزم أن يكونا عضوا واحدا حقيقة بحيث يكتفي بأحدهما كما يكتفي بوضع جزء من العضو الحقيقى (وما استدل) به الجمهور من الأحاديث قد علمت أنها ضعيفة وعلى تقدير صحتها فهى غير منافية للأحاديث المصرحة بالأنف مع الجبهة لأنها زيادة من ثقة فتقبل (من أخرج الحديث أيضا) أخرج أحمد نحوه وكذا البخارى عن أبى سلمة قال انطلقت إلى أبى سعيد الخدرى فقلت ألا تخرج بنا إلى النخل نتحدّث فخرج قال قلت حدثني ما سمعت من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ليلة القدر قال اعتكف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العشر الأول من رمضان واعتكفنا معه فأتاه جبريل فقال إن الذى تطلب أمامك فاعتكف العشر الأوسط فاعتكفنا معه فأتاه جبريل فقال إن الذى تطلب أمامك فقام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خطيبا صبيحة عشرين من رمضان فقال من كان اعتكف مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فليرجع فإني أريت ليلة القدر وإني نسيتها وإنها في العشر الأواخر في وتر وإنى رأيت كأني أسجد في طين وماء وكان سقف المسجد جريد النخل وما ترى في السماء شيئا فجاءت قزعة فأمطرنا فصلى بنا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأرنبته تصديق رؤياه (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ نَحْوَهُ (ش) وفي بعض النسخ عن معمر عن يحيى نحوه أى روى معمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير نحو الحديث المتقدم. ولم نقف على من أخرج هذه الرواية (باب صفة السجود) وفي بعض النسخ "باب كيف السجود" (ص) حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ، نَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: وَصَفَ لَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، فَوَضَعَ يَدَيْهِ، وَاعْتَمَدَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ، وَقَالَ: «هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَسْجُدُ» (ش) (شريك) بن عبد الله النخعى تقدم في الجزء الأول صفحة 164. و (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعى (قوله وصف لنا البراء بن عازب الخ) أى وصف السجود كما صرّح به في رواية النسائى فوضع كفيه على الأرض واعتمد على ركبتيه أى اتكأ عليهما حال السجود

مشروعية الاعتدال في السجود والنهي عن افتراش الذراعين فيه على الأرض والحكمة في ذلك

ورفع عجيزته أى مؤخره والعجيزة المؤخر وهي خاصة بالمرأة فاستعيرت هنا للرجل (قوله وقال هكذا الخ) أى قال البراء كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسجد مثل سجودى هذا (وأتى به) دليلا على ما فعله ليكون أدعي للقبول وفي رواية النسائى هكذا رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعل (والحديث) أخرجه النسائى وابن أبي شيبة (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلَا يَفْتَرِشْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ الْكَلْبِ» (ش) (شعبة) بن الحجاج تقدم في الجزء الأول صفحة 32. وكذا (قتادة) بن دعامة صفحة 34 (قوله اعتدلوا في السجود الخ) المراد توسطوا بين الافتراش والقبض ووضع الكفين على الأرض ورفع المرفقين عنها وعن الجنبين والبطن عن الفخذ ولا يفترش أى لا يبسط أحدكم ذراعيه على الأرض حال السجود كافتراش الكلب (وشبهه) بالكلب للتنفير من هذا الفعل (والنهى) فيه محمول على الكراهة فلو افترش ذراعيه صحت صلاته وأساء (قال) القرطبى لا شك في كراهة هذه الهيئات ولا في استحباب نقيضها اهـ (والحكمة) في النهى عن ذلك أن رفع ذراعيه عن الأرض أقرب إلى التواضع وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض في السجود وأبعد عن هيئات الكسالى فإن الباسط يشعر حاله بالتهاون بالصلاة وقلة الاعتناء بها (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والنسائى والترمذى وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بن سعيد، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ مَيْمُونَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَجَدَ، جَافَى بَيْنَ يَدَيْهِ، حَتَّى لَوْ أَنَّ بَهْمَةً أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ تَحْتَ يَدَيْهِ مَرَّت» (ش) (رجال الحديث) (سفيان) في عيينة. و (عبيد الله بن عبد الله) بن الأصم العامرى. روى عن عمه يزيد. وعنه مروان بن معاوية وابن عيينة وعبد الواحد بن زياد. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من السادسة. روى له مسلم والنسائى وأبو داود وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله حتى لو أن بهمة الخ) مبالغة في تباعد يديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الأرض. والبهمة بفتح الموحدة وسكون الهاء ولد الضأن وتقدم بيانها

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم من طريق سفيان ومن طريق مروان الفزارى وأخرجه النسائى وابن ماجه والحاكم والطبراني (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، نَا زُهَيْرٌ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، الَّذِي يُحَدِّثُ بِالتَّفْسِيرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مِنْ خَلْفِهِ، فَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبِطَيْهِ وَهُوَ مُجَخٍّ، قَدْ فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ» (ش) (رجال الحديث) (زهير) بن معاوية. و (التميمي) هو أربدة بسكون الراء بعدها موحدة مكسورة ويقال أربد بدون هاء. روى عن ابن عباس. وعنه ابو إسحاق السبيعى. قال العجلى تابعى ثقة وقال في التقريب صدوق من الثالثة وقال ابن البرقى مجهول (معنى الحديث) (قوله فرأيت بياض إبطيه) تثنية إبط بسكون الموحدة وقد تكسر (واستدل) بعضهم بهذا الحديث ونحوه على أن بياض إبطي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان حقيقيا كبقية الجسم ولم ينبت فيه شعر وهو من خصائصه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (ونازعهم) العراقى بأن ذلك لم يثبت ولم يرد فيه شيء معتمد والخصائص لا تثبت بالاحتمال. وبأن الإبط إذا نتف شعره بقى مكان الشعر أبيض وإن بقى فيه أثر الشعر اهـ ويؤيده ما أخرجه الترمذى وحسنه عن عبد الله الأقرع الخزاعى وفيه قال فكنت أنظر إلى عفرتي إبطيه إذا سجد أرى بياضه "والعفرة بياض ليس بالناصع كلون عفرة الأرض أى وجهها" وهو يدل على أن أثر الشعر هو الذى جعل المحل أعفر إذ لو خلا عنه جملة لم يكن أعفر، نعم الذى ينبغى أن يعتقد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يكن لإبطيه رائحة كريهة وهذا مع وجود الشعر أبلغ في الكرامة كما هو ظاهر. ولعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن عليه رداء أو كان صغيرا فانكشفت إبطاه (قوله وهو مجخ قد فرج بين يديه) وفى نسخة وهو مجخ قد فرّج يديه أى وهو مفرّج عضديه عن جنبيه وهو اسم فاعل من جخى بالألف إذا فتح عضديه عن جنبيه وجافاهما (من أخرّج الحديث أيضا) أخرجه البزار (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ، نَا الْحَسَنُ، نَا أَحْمَرُ بْنُ جَزْءٍ، صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا سَجَدَ، جَافَى عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، حَتَّى نَأْوِيَ لَهُ»

(ش) (رجال الحديث) (عباد بن راشد) البصرى البزار التميمي مولاهم. روى عن الحسن البصرى وثابت البناني وقتادة وداود بن أبي هند. وعنه ابن المبارك وابن مهدى ووكيع وآخرون. قال أحمد ثقة صادق ووثقه العجلى وأبو بكر البزار وقال الساجى صدوق وقال النسائى ليس بالقوى وضعفه ابن معين وأبو داود وقال ابن حبان كان ممن يأتي بالمناكير عن المشاهير حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد فبطل الاحتجاج به. روى له البخارى وأبو داود والنسائى وابن ماجه. و (أحمر بن جزء) ويقال ابن شهاب بن جزء بن ثعلبة بن زيد بن مالك بن سنان. روى عنه الحسن البصرى. وجزء بفتح الجيم وسكون الزاى بعدها همزة. وضبطه بعضهم بفتح الجيم وكسر الزاى بعدها مثناة تحتية. روى له أبو داود وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله حتى نأوى له) أي نرقّ له ونترحم عليه مما يحصل له من المشقة حال سجوده من أجل مبالغته في التجافي حال السجود صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه وأحمد والترمذى والطحاوى وكذا أخرجه أبو بكر بن أبى شيبة عن وكيع عن عباد بن راشد عن الحسن عن أحمر صاحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن كنا لنأوى لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مما يجافي فخذيه عن جنبيه إذا سجد (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، نَا ابْنُ وَهْبٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ، فَلَا يَفْتَرِشْ يَدَيْهِ افْتِرَاشَ الْكَلْبِ، وَلْيَضُمَّ فَخْذَيْهِ» (ش) (رجال الحديث) (ابن وهب) عبد الله تقدم في الجزء الأول صفحة 325. و (درّاج) بتشديد الراء آخره جيم هو ابن سمعان أبو السمح القرشى المصرى السهمى. روى عن عبد الرحمن بن حجيرة وعيسى بن هلال وعبد الله بن الحارث وآخرين. وعنه عمرو بن الحارث والليث بن سعد وسالم بن غيلان وحيوة بن شريح وجماعة. قال أحمد والنسائى منكر الحديث وقال ابن عدى عامة الأحاديث التي أمليتها عن درّاج مما لا يتابع عليها وضعفه الدارقطني وأبو حاتم. توفي سنة ست وعشرين ومائة روى له. أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه والبخارى في الأدب. و (ابن حجيرة) بالتصغير الأكبر هو عبد الرحمن الخولانى المصرى أبو عبد الله. روى عن أبي هريرة وأبى ذرّ وابن مسعود وعقبة بن عامر. وعنه ابنه عبد الله وعبد الله بن ثعلبة وزهرة بن معبد والحارث ابن يزيد. وثقه النسائى والدارقطني والعجلى وقال في التقريب ثقة من الثالثة. توفي سنة ثلاث

باب الرخصة في ذلك أي في عدم تفريج اليدين عن الجنبين حال السجود

وثمانين. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى (معنى الحديث) (قوله وليضمّ فخذيه) هو محمول على الندب لما تقدم في بعض روايات حديث أبى حميد في صفة صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفيها وإذا سجد فرّج بين فخذيه وهو لبيان الجواز فلا تنافي بينهما. وما ذكر من ضمّ الفخذين يستوى فيه الرجل والمرأة بخلاف التجافي في السجود فإنه في حق الرجل وأما المرأة فتضم بعضها إلى بعض لما رواه أبو داود في المراسيل عن يزيد بن أبي حبيب أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرّ على امرأتين تصليان فقال إذا سجدتما فضما بعض اللحم إلى الأرض فإن المرأة في ذلك ليست كالرجل (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن خزيمة (باب الرخصة في ذلك) أى في عدم تفريج اليدين عن الجنبين حال السجود. وفي نسخة باب الرخصة في ذلك للضرورة (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: اشْتَكَى أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ إلى النبي صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مَشَقَّةَ السُّجُودِ عَلَيْهِمْ إِذَا انْفَرَجُوا، فَقَالَ: «اسْتَعِينُوا بِالرُّكَبِ» (ش) (سمى) مولى أبي بكر بن عبد الرحمن (قوله اشتكى أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أى اشتكوا تعب السجود عليهم إذا باعدوا أيديهما عن جنوبهم ورفعوا بطونهم عن أفخاذهم فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم استعينوا إذا طال السجود عليكم بوضع مرافقكم على ركبكم (قال الحاكم) في روايته قال ابن عجلان وذلك أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا طال السجود وأعياه اهـ (وقال النووى) قال صاحب التتمة إذا طول السجود ولحقه المشقة بالاعتماد على كفيه وضع ساعديه على ركبته لحديث سمى اهـ فإذا وضع المصلى مرفقيه على ركبتيه لم يكن مجافيا كثيرا بين اليدين عن الجنبين ولا بين البطن والفخذين (وفي هذا دلالة) على جواز ترك التجافي حال السجود للضرورة فيكون قرينة صارفه للأحاديث المتقدمة في تفريجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الوجوب إلى الندب. وكذا هو صارف لحديث مسلم عن البراء عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الحاكم والبيهقي وابن خزيمة والترمذى وقال هذا حديث لا نعرفه من حديث أبي صالح عن أبي هريرة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا من

باب التخصر والإقعاء

هذا الوجه من حديث الليث عن ابن عجلان وقد روى هذا الحديث سفيان بن عيينة وغير واحد عن سميّ عن النعمان بن أبي عياش عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نحو هذا وكأن رواية هؤلاء أصح من رواية الليث (باب التخصر والإقعاء) وفي بعض النسخ باب في التخصر والإقعاء أى في بيان حكم التخصر. وهو وضع اليد على الخاصرة. والمناسب حذف لفظ الإقعاء من الترجمة لأنه لم يذكر في الحديث. وتقدم بيانه (ص) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ صَبِيحٍ الْحَنَفِيِّ، قَالَ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ، فَوَضَعْتُ يَدَيَّ عَلَى خَاصِرَتَيَّ، فَلَمَّا صَلَّى، قَالَ: «هَذَا الصَّلْبُ فِي الصَّلَاةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهُ» (ش) (رجال الحديث) (وكيع) بن الجراح تقدم في الجزء الأول صفحة 32 و (سعيد بن زياد) الشيباني المكي، روى عن زياد بن صبيح. وعنه خالد بن الحارث وسفيان ابن حبيب ووكيع ويزيد بن هارون. وثقه ابن معين والعجلى وقال النسائى ليس به بأس وقال الدارقطني يعتبر به ولا يحتج به لا أعرف له إلا حديث التصليب وقال في التقريب مقبول من الثالثة. و (زياد بن صبيح) بالتصغير (الحنفى) المكي. روى عن ابن عمر وابن عباس والنعمان بن بشير. وعنه منصور بن المعتمر والأعمش والمغيرة وسعيد بن زياد. وثقه النسائى والعجلى وإسحاق بن راهويه وقال في التقريب مقبول من الرابعة (معنى الحديث) (قوله فوضعت يديّ على خاصرتي) بالتثنية وقوله خاصرتي تثنية خاصرة. وهي من الإنسان وسطه المستدق فوق الوركين (قوله هذا الصلب في الصلاة الخ) يعني وضع اليدين على الخاصرتين في الصلاة حالة القيام شبيه بالمصلوب فإن المصلوب يمدّ يديه على الجذع وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينهى عن التخصر الشبيه بالصلب (وفيه دلالة) على منع وضع اليدين على الخاصرتين في الصلاة (واختلف) في حكمه فذهب أهل الظاهر إلى تحريمه حملا للنهى على حقيقته (وذهب) ابن عباس وعائشة ومجاهد وإبراهيم النخعى ومالك والشافعى والحنفية والحنابلة وغيرهم إلى الكراهة (قال في النيل) والظاهر ما ذهب إليه أهل الظاهر لعدم قيام قرينة تصرف النهى عن التحريم الذى هو معناه الحقيقي اهـ وقال الترمذى وكره بعضهم أن يمشى الرجل مختصرا. ويروى أن إبليس إذا مشى مشى مختصرا اهـ

باب البكاء في الصلاة

(باب البكاء في الصلاة) وفي بعض النسخ "باب في البكاء في الصلاة" (ص) حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ، نَا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ هَارُونَ، نَا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الرَّحَى مِنَ الْبُكَاءِ (ش) (رجال الحديث) (عبد الرحمن بن محمد بن سلام) بتشديد اللام ابن ناصح أبو القاسم البغدادى مولى بني هاشم. روى عن أبي داود الطيالسى وزيد بن الحباب وإسحاق الأزرق وعبد الصمد بن عبد الوارث وآخرين. وعنه أبو داود والنسائى وأبو حاتم وحرب بن إسماعيل وجماعة. وثقه الدارقطنى والنسائى وقال في التقريب لا بأس به من الحادية عشرة و (ثابت) البناني تقدم في الجزء الثاني صفحة 245 (قوله عن أبيه) هو عبد الله بن الشخير (معنى الحديث) (قوله وفي صدره أزيز الخ) وفي نسخة ورواية أحمد والنسائى وفي صدره أزيز كأزيز المرجل. والأزيز بفتح الهمزة الصوت. والمرجل القدر (قوله من البكاء) بيان لسبب الأزيز والبكاء بالمد خروج الدمع مع الصوت (وفيه دلالة) علي جواز البكاء في الصلاة وأنه لا يبطلها. ويؤيده ما رواه ابن حبان بسنده إلى على بن أبي طالب قال ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد بن الأسود ولقد رأيتنا وما فينا قائم إلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تحت شجرة يصلى ويبكي حتى أصبح. وبوّب عليه ذكر الإباحة للمرء أن يبكي من خشية الله (وقد) اختلف فيه (فذهبت) الحنفية إلى أن البكاء غير مبطل للصلاة إذا كان من خشية الله تعالى أو لذكر الجنة والنار قالوا لأنه يدل على زيادة الخشوع وهو المقصود في الصلاة فكان بمعنى التسبيح والدعاء (واستدلوا) بحديث الباب. فإن كان البكاء لغير ذلك كأن كان لوجع أو مصيبة بطلت الصلاة لأن فيه إظهار الأسف والجزع فكأنه قال أعينوني فإني متوجع. والأنين والتأوّه كالبكاء عندهم (وعن أبي يوسف) أن هذا التفصيل إذا كان البكاء على أكثر من حرفين أو حرفين أصليين أما إذا كان على حرفين من حروف الزيادة أو أحدهما من حروف الزيادة والآخر أصلي فلا تفسد (وذهبت) المالكية إلي أن البكاء لخوف الله وللدار الآخرة غير مبطل للصلاة ولو بصوت وإن كان لغير ذلك فإن كان بلا صوت فيغتفر وإن كان بصوت فكالكلام فإن كان عمدا أبطل قليله وكثيره وإن كان سهوا أبطل كثيره دون يسيره (وقالوا) في التنهد إن كان غلبة فهو مغتفر

باب كراهية الوسوسة وحديث النفس في الصلاة

وإن كان عمدا أو جهلا فبطل وإن كان سهوا يسجد غير المأموم (وقالوا) في الأنين إن كان لوجع لا يبطل الصلاة ولو بصوت ملحق بالكلام لأنه لضرورة (وذهبت) الشافعية إلى أنه إن ظهر من البكاء حرفان فبطل مطلقا سواء أكان لخشية الله تعالى أم لا (وقالت) الحنابلة إن كان لخشية الله تعالى فغير مبطل ظهر منه حرفان أم لا وإن كان لغيره فإن ظهر منه حرفان أبطل ما لم يكن غلبة وإلا فلا (والحديث) أخرجه أحمد والنسائى والترمذى (باب كراهية الوسوسة وحديث النفس في الصلاة) (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، نَا هِشَامٌ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يَسْهُو فِيهِمَا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (ش) (قوله من توضأ فأحسن وضوئه الخ) يعنى أتى به مستجمعا للشروط والأركان والسنن والآداب كما تقدم. وقوله لا يسهو فيهما أى لا يغفل عن شئ من أعمال الصلاة لاشتغال قلبه بأمور الدنيا بل يكون مقبلا على مناجاة ربه منقطعا عن جميع ما سواه في صلاته كلها فإذا فعل ذلك غفر له ما تقدم من ذنبه (قيل) ما خلا الكبائر وحقوق العباد "ولا يقال" إن الوساوس وأحاديث النفس غير اختيارية فكيف يتعلق بها الحكم "لأن وقوعها" في القلب غير اختيارى ولكن إبقاء سلسلتها وقطعها اختيارى وكذلك شغله في الصلاة وإقباله عليها اختيارى وهو يمنع وقوع الوساوس وحدوثها وتقدم بيانه في "باب صفة وضوء النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ،

وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، يُقْبِلُ بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ عَلَيْهِمَا، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» (ش) (أبو إدريس الخولاني) تقدم في الجزء الثانى صفحة 159، وكذا (جبير بن نفير) بالتصغير فيهما صفحة 155 (قوله يقبل بقلبه ووجهه عليهما) أى لا يشتغل قلبه بغيرها من الخواطر والوساوس ولا يلتفت بوجهه إلى غير جهة الصلاة (قوله إلا وجبت له الجنة) أى ثبتت له (وهذا وعد) من الله تعالى ووعده لا يتخلف بشرط أن لا يوجد من العبد ما ينافيه وتقدم شرحه في "باب ما يقول الرجل إذا توضأ" (تم الجزء الخامس) (من المنهل العذب المورود. شرح سنن الإمام أبى داود) (ويليه الجزء السادس وأوله) (باب الفتح على الإمام في الصلاة)

المنهل العذب المورود «شرح سنن الإمام أبي داود» تأليف الإمام الجليل المحقق، والعارف الرباني المدقق، محيي السنة وقامع البدعة صاحب الفضيلة والإرشاد الشيخ/ محمود محمد خطاب السبكي المتوفى في الرابع عشر من شهر ربيع الأول سنة 1352 هـ عمه الله بالرحمة والرضوان وأسكنه عالي الجنان [الجزء السادس]

باب الفتح على الإمام في الصلاة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (باب الفتح على الإِمام في الصلاة) أي في بيان جواز فتح المأموم على إمامه القراءة في الصلاة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِىُّ قَالاَ أَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ يَحْيَى الْكَاهِلِيِّ عَنِ الْمُسَوَّرِ بْنِ يَزِيدَ الْمَالِكِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ يَحْيَى وَرُبَّمَا قَالَ شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقْرَأُ فِى الصَّلاَةِ فَتَرَكَ شَيْئًا لَمْ يَقْرَأْهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَرَكْتَ آيَةَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-"هَلاَّ أَذْكَرْتَنِيهَا". قَالَ سُلَيْمَانُ فِى حَدِيثِهِ قَالَ كُنْتُ أُرَاهَا نُسِخَتْ وَقَالَ سُلَيْمَانُ: قَالَ: نَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ (ش) (رجال الحديث) (يحيى) هو ابن كثير الأسدي الكوفي. روى عن المسور بن يزيد وصالح بن حبان. وعنه صالح بن إسحاق ومروان بن معاوية. وثقه ابن حبان وابن شاهين وضعفه النسائي وقال في التقريب لين الحديث من الخامسة. و (الكاهلى) نسبة إلى كاهلة قال أبو زياد من مياه عمرو بن كلاب. و (المسور) بكسر الميم وسكون السين المهملة وضبطه ابن ماكولا وعبد الغنى بن سعيد بضم الميم وفتح السين وفتح الواو مشدّدة (ابن يزيد) الأسدي (المالكي) قال البغوي من بني مالك له صحبة. روى عنه يحيى بن كثير الكاهلى روى له أبو داود (معنى الحديث) (قوله وربما قال شهدت إلخ) شك يحيى فيما سمعه من المسور أقال إن رسول الله

مذاهب العلماء في ذلك

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ أم قال شهدت رسول الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. والفرق بين العبارتين أن الثانية تفيد شهوده النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وسماعه منه فتثبت صحته بخلاف الأولى (قوله هلا أذكرتنيها الخ) وفي نسخة هلا ذكرتنيها أي ذكرتنى الآية التي تركتها فقال الرجل ظننت أن تلك الآية المتروكة قد نسخت وما كنت أظنّ أنك نسيتها. وفي رواية ابن حبان فقال ظننت أنها نسخت فقال إنها لم تنسخ. وهذه الزيادة تفرّد بها سليمان بن عبد الرحمن. وفيه إشعار بأن الفتح على الإِمام كان معهودًا لهم. ويؤيده ما رواه الحاكم عن أنس قال كنا نفتح على الأئمة على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وفي هذ دلالة) على مشروعية فتح المأموم على الإِمام (واختلف) في حكمه فذهب المنصور بالله إلى وجوبه (وذهبت) العترة إلى أنه مستحب وبه قال عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وابن عمر وعطاء والحسن وابن سيرين ونافع ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وكذا الحنفية (وقالوا) ينوى الفتح على الإِمام ولا ينوى القراءة على الصحيح لأن الفتح مرخص فيه والقراءة منهىّ عنها. وقيل إن قرأ الإِمام القدر المجزئَ في الصلاة لا يفتح عليه وإلا فتح. وقيل إن انتقل الإِمام إلى آية أخرى ففتح عليه المأموم تفسد صلاته وكذا صلاة الإِمام إن أخذ بقوله (ومحل) استحباب الفتح على الإِمام إذا كان في غير الفاتحة. أما إذا كان فيها فيكون واجبًا (وأما الفتح) على غير الإِمام سواء أكان ذلك الغير مصليا أم تاليا وسواء أكان المصلى معه في تلك الصلاة أم في أخرى (فقالت) الحنفية إنه مبطل للصلاة إلا إذا قصد به التلاوة (وقالت) المالكية بالبطلان أيضًا قصد التلاوة أم لا (وقالوا) إذا فتح مأموم على مأموم آخر فيه خلاف والأصح البطلان (وقالت) الحنابلة الفتح على غير الإِمام مكروه والصلاة صحيحة (قوله وقال سليمان قال نا يحيى بن كثير) أي قال سليمان بن عبد الرحمن في روايته قال مروان حدثنا يحيى الخ فرواية سليمان بتحديث مروان عن يحيى ونسبة يحيى لأبيه وترك النسبة إلى القبيلة بخلاف رواية محمَّد بن العلاء فإنها بالعنعنة وبغير ذكر والد يحيى وفيها نسبته إلى قبيلته. وفي بعض النسخ "قال سليمان قال نا يحيى بن كثير الأسدي قال حدثني المسور بن يزيد الأسدي المالكي" ففيها زيادة تحديث يحيى عن المسور أيضًا (والحديث) أخرجه أحمد وابن حبان والأثرم (ص) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيُّ نَا هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلاَءِ بْنِ زَبْرٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- صَلَّى صَلاَةً فَقَرَأَ فِيهَا فَلُبِسَ عَلَيْهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لأُبَيٍّ

باب النهي عن التلقين أي عن فتح المأموم على الإمام في الصلاة

"أَصَلَّيْتَ مَعَنَا". قَالَ نَعَمْ. قَالَ "فَمَا مَنَعَكَ". (ش) (رجال الحديث) (يزيد بن محمَّد) بن عبد الصمد بن عبد الله الهاشمي أبو القاسم (الدمشقي) روى عن علي بن عياش وأبى النضر وسليمان بن أبي إياس ومحمد بن المبارك وجماعة وعنه أبو داود والنسائي وأبو زرعة وأبو حاتم وكثيرون. قال النسائي صدوق ووثقه ابن أبي حاتم وابن يونس وقال في التقريب صدوق من الحادية عشرة. توفي سنة سبع وسبعين ومائتين و (هشام بن إسماعيل) بن يحيى بن سليمان بن عبد الرحمن الحنفي العطار أبو عبد الملك الدمشقي العابد. روى عن مروان بن محمَّد والوليد بن مسلم ومحمد بن شعيب بن شابور. وعنه البخاري وأبو مسعود الرازي وإبراهيم بن يعقوب وأبو زرعة وغيرهم. قال العجلي شيخ ليس ثقة صاحب سنة ولم يكن بدمشق أفضل منه ووثقه النسائي وقال في التقريب ثقة مقبول من العاشرة. مات سنة سبع عشرة ومائتين. روى له أبو داود والترمذي والنسائي. و (عبد الله بن العلاء بن زبر) بفتح الزاي وسكون الموحدة تقدم الموحدة تقدم في الجزء الثاني صفحة 53 (معنى الحديث) (قوله فلبس عليه) بضم اللام وكسر الموحدة المخففة من اللبس وهو الخلط كذا ضبطه المنذري. ويحتمل أن يكون بفتح اللام والباء الموحدة المخففة قاله ابن رسلان (قوله فلما انصرف قال لأبيّ الخ) أي فلما خرج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الصلاة قال لأبي بن كعب أصليت معنا. وفي بعض الروايات أكنت معنا. وفي رواية ابن حبان فلما فرغ قال لأبيّ أشهدت معنا قال نعم قال فما منعك أن تفتح عليّ. وخص أبيا بالسؤال لأنه كان أقرأهم (والحديث) أخرجه الحاكم وابن حبان (باب النهى عن التلقين) أي عن تلقين المأموم الإِمام القراءة في الصلاة (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِىُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِى إِسْحَاقَ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِىٍّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - "يَا عَلِيُّ لاَ تَفْتَحْ عَلَى الإِمَامِ في الصَّلاَةِ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ أَبُو إِسْحَاقَ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْحَارِثِ إِلاَّ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا. (ش) (رجال الحديث) (الحارث) هو ابن عبد الله الهمداني الأعور أبو زهير. روى عن ابن

باب الالتفات في الصلاة

مسعود وعلي وزيد بن ثابت. وعنه أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي والشعبي وعطاء بن أبي رباح وعبد الله بن مرّة وجماعة. ضعفه الدارقطني وقال ابن عدي عامة ما يرويه غير محفوظ وقال ابن حبان كان غاليا في التشيع واهيا في الحديث وقال أبو حاتم ليس بالقوى ولا ممن يحتج بحديثه وقال أبو زرعة لا يحتج بحديثه وقال غير واحد إنه كذاب. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (معنى الحديث) (قوله يا علي لا تفتح على الإِمام الخ) صريح في عدم جواز فتح المأموم على الإِمام. وهو حجة لزيد بن علي القائل بكراهة الفتح على الإِمام (لكن) الحديث لا ينتهض للاحتجاج به لأنه من رواية الحارث الأعور وقد ضعفه غير واحد كما علمت وأبو إسحاق لم يسمع هذا الحديث من الحارث كما ذكره المصنف فلا يقوى على معارضة الأحاديث الدالة على مشروعية الفتح: على أنه قد ورد عن علي موقوفًا إذا استطعمك الإِمام فأطعمه رواه أبو بكر بن أبي شيبة (والحديث) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه بلفظ يا على لا تفتحنّ على الإِمام في الصلاة (باب الالتفات في الصلاة) باب الاِلْتِفَاتِ في الصَّلاَةِ (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الأَحْوَصِ يُحَدِّثُنَا في مَجْلِسِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - "لاَ يَزَالُ الله عَزَّ وَجَلَّ مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ في صَلاَتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ". (ش) (رجال الحديث) (يونس) بن يزيد. و (أبو الأحوص) هو مولى بني ليث ويقال بني غفار قال النسائي لم نقف على اسمه ولا نعرفه ولا نعلم أن أحدًا روى عنه غير ابن شهاب الزهري. روى عن أبي ذرّ وأبى أيوب. قال ابن معين ليس بشئ وقال الحاكم ليس بالمتين عندهم وقال في التقريب مقبول من الثالثة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (معنى الحديث) (قوله لا يزال الله عَزَّ وَجَلَّ مقبلًا على العبد الخ) أي بالرحمات والإحسان والغفران لا يقطع عنه ذلك ما لم يتعمد الالتفات في الصلاة بعنقه يمنه أو يسرة فإذا التفت قطع عنه ذلك الخير. ومحل انقطاع الثواب عنه إذا التفت لغير حاجة أما إذا التفت لحاجة فلا ينقطع عنه الثواب. ويؤيده التفاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى من وراءه كما رواه الترمذي عن جابر قال اشتكى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى من وراءه كما رواه الترمذي عن جابر قال اشكى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد فالتفت إلينا وأشار بيده أن اجلسوا. والتفاته إلى الشعب كما سيأتي عن سهل ببن الحنظلية

(وإلى جواز) الالتفات بعنقه في الصلاة وصدره إلى القبلة بدون كراهة إذا كان لحاجة وكراهته بدونها ذهبت الأئمة. أما لو التفت بجميع بدنه وتحوّل عن القبلة بطلت باتفاق وإن تحولّ بصدره بطلت عند الحنفية والشافعية. ولا تبطل عند الحنابلة وكذا المالكية ما لم يكن في القبلة التي يضرّ فيها الانحراف اليسير كالمصلي إلى الكعبة فإن صلاته تبطل متى خرج عن سمتها بوجهه أو بشئ من بدنه ولو أصبعًا ولو بقيت رجلاه وبقي جسده لها (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والنسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنِ الأَشْعَثِ -يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمٍ- عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْتِفَاتِ الرَّجُلِ في الصَّلاَةِ فَقَالَ "إِنَّمَا هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ الْعَبْدِ". (ش) (رجال الحديث) (أبو الأحوص) سلام بن سليم تقدم في الجزء الأول صفحة 240 و (الأشعث بن سليم) بن أسود الكوفي المحاربي. روى عن الأسود بن هلال والأسود بن يزيد ومعاوية بن سويد وعمرو بن ميمون وجماعة. وعنه شعبة وشريك وأبو الأحوص والثوري وزائدة وآخرون. وثقه النسائي وابن معين وأبو حاتم وأبو داود والبزّار وقال العجلي من ثقات شيوخ الكوفيين وليس بكثير الحديث. توفي سنة خمس وعشرين ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله فقال هو اختلاس الخ) وفي نسخة فقال إنما هو اختلاس الخ أي اختطاف يختطفه الشيطان من العبد. يقال خلست الشيء خلسًا من باب ضرب اختطفته بسرعة على غفلة واختلسته كذلك. والمختلس هو الذي يختطف من غير غلبة ويهرب ولو مع معاينة الملك له بخلاف الناهب فإنه يأخذ بقوّة وقهر وبخلاف السارق فإنه يأخذ خفية ولما كان الشيطان قد يشغل المصلى عن صلاته بالالتفات إلى شيء مّا بغير حجة أشبه المختلس لأن المصلى إذا التفت في صلاته يظفر به الشطان في ذلك الوقت يشغله عن الصلاة فربما يغلط أو يسهو لعدم حضور قلبه باشتغاله بغير المقصود (وقال الطيبي) سمى اختلاسًا لأن المصلي يقبل عليه الرب والشيطان مرتصد له ينتظر ذوات ذلك عليه فإذا التفت اغتنم الشيطان الفرصة فسلبه تلك الحالة اهـ (ويؤخذ) من الحديث ذمّ الالتفات في الصلاة وكراهته لكن محله ما لم يكن لحاجة كما تقدم (وما يدل) على ذمّ الالتفات أيضًا ما رواه الترمذي عن أنس قال قال لي رسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إياك والالتفات في الصلاة فإن الالتفات في الصلاة هلكة فإن كان لابدّ ففي التطوع لا في الفريضة (وما رواه) أيضًا عن الحارث

باب السجود على الأنف

الأشعري بلفظ إن الله يأمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلفتوا فإن الله تعالى ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت (وما رواه) أبو بكر بن أبي شيبة عن الحكم قال إن من تمام الصلاة أن لا تعرف من عن يمينك ولا من عن شمالك (وفي رواية) عن عطاء قال سمعت أبا هريرة يقول إذا صليت فإن ربك أمامك وأنت مناجيه فلا تلتفت (وقال عطاء) بلغني أن الرب يقول يا ابن آدم إلى من تلتفت أنا خير ممن تلتفت إليه (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري والنسائي وابن أبي شيبة وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي باب السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ (ص) حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ نَا عِيسَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - رُئِيَ عَلَى جَبْهَتِهِ وَعَلَى أَرْنَبَتِهِ أَثَرُ طِينٍ مِنْ صَلاَةٍ صَلاَّهَا بِالنَّاسِ. قَالَ أَبُو عَلِىٍّ هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَقْرَأْهُ أَبُو دَاوُدَ في الْعَرْضَةِ الرَّابِعَةِ. (ش) تقدم هذا الحديث في (باب السجود على الأنف) والجبهة من طريق محمَّد بن المثنى نا صفوان بن عيسى نا معمر الخ. وقوله قال أبو على الخ أي قال أبو عليّ محمَّد بن عمر اللؤلؤي تلميذ المصنف هذا الحديث لم يثبته أبو داود في هذا الموضع في العرضة الأخيرة على أصحابه فإنه عرض النسخة عليهم أربع مرّات وتركه في المرّة الرابعة. ولعل وجه تركه إياه لأن ذكره هنا تكرار (باب النظر في الصلاة) (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ح وَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ -وَهَذَا حَدِيثُهُ وَهُوَ أَتَمُّ- عَنِ الأَعْمَشِ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ الطَّائِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ -قَالَ عُثْمَانُ- قَالَ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَسْجِدَ فَرَأَى فِيهِ نَاسًا يُصَلُّونَ رَافِعِى أَيْدِيهِمْ إِلَى السَّمَاءِ -ثُمَّ اتَّفَقَا- فَقَالَ "لَيَنْتَهِيَنَّ رِجَالٌ يَشْخَصُونَ أَبْصَارَهُمْ

باب النظر في الصلاة

إِلَى السَّمَاءِ -قَالَ مُسَدَّدٌ في الصَّلاَةِ- أَوْ لاَ تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَبْصَارُهُمْ". (ش) (أبو معاوية) محمَّد بن خازم الضرير تقدم في الجزء الأول صفحة 36. وكذا (جرير) بن عبد الحميد صفحة 84. وكذا (الأعمش) سليمان بن مهران صفحة 36 (قوله وهذا حديثه الخ) أي ما سيذكره المصنف لفظ حديث عثمان وهو أتمّ من حديث مسدد (قوله عن الأعمش) أي كلاهما يروي عن الأعمش. و (الطائي) نسبة إلى طيّء على غير قياس (قوله قال عثمان قال دخل الخ) أي قال عثمان بن أبي شيبة في روايته قال جابر دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقوله رافعي أيديهم إلى السماء أي وأبصارهم كما يدل عليه الحديث (قوله ثم اتفقا الخ) أي اتفق مسدد وعثمان شيخًا المصنف في الرواية على قوله صلى الله عليه وآله وسلم لينتهين الخ أي لينتهين رجال عن فتح أعينهم إلى السماء. فقوله يشخصون بفتح المثناة التحتية من باب فتح أي يفتحون أعينهم يقال شخص الرجل بصره إذا فتح عينيه لا يطرف وهو متعد بنفسه وقد يتعدى بالباء فيقال شخص الرجل ببصره فهو شاخص (قوله أو لا ترجع إليهم أبصارهم) وفي رواية النسائي أو لتخطفن أبصارهم. وأو لأحد الشيئين يعني أن أحد الأمرين واقع إما الانتهاء عن رفع أبصارهم إلى السماء في صلاتهم أو أن الله يذهب أبصارهم عقوبة لهم على فعلهم (وفي هذا) وعيد شديد على من فعل ذلك ويؤخذ منه حرمة رفع البصر إلى السماء حال الصلاة لأن العقوبة بالعمى لا تكون إلا عن محرّم. وبالغ ابن حزم فقال تبطل به الصلاة (وقالت) الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم إنه مكروه. ولعل الوعيد بالعمى لا يلزم منه الحرمة عندهم (فقه الحديث) دلّ الحديث على التحذير من رفع البصر إلى السماء حال الصلاة والحث على الخشوع فيها, وعلى أن من رأى منكرًا يطلب منه المباردة بإزالته (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم وابن ماجه مقتصرين على قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لينتهين رجال "الحديث" (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ في صَلاَتِهِمْ". فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ في ذَلِكَ فَقَالَ " لَيُنْتَهَنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ". (ش) (قوله ما بال أقوام الخ) أي ما شأنهم وحالهم يرفعون أبصارهم في الصلاة ولم ينتهوا عن ذلك. وفي رواية ابن ماجه صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يومًا بأصحابه

كراهة الصلاة في الثوب المخطط

فلما قضى الصلاة أقبل على القوم بوجهه فقال ما بال أقوام الخ وهاتان الروايتان تشعران أنهم رفعوا أبصارهم بعد النهى عن ذلك (وروى) الحاكم عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا صلى رفع بصره إلى السماء فنزلت (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) فطأطأ رأسه (وروى) ابن ماجه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا ترفعوا أبصاركم إلى السماء يعني في الصلاة (وفي هذا كله) النهى عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة مطلقًا سواء أكان حال الدعاء أم غيرها. وفي رواية مسلم عن أبي هريرة لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم عند الدعاء في الصلاة إلى السماء (ولا تنافي) بينها لأن التقييد في رواية مسلم بحال الدعاء لا مفهوم له لأن الروايات المطلقة مشعرة بأن النهي عن رفع الأبصار في حالة الصلاة أعمّ من حالة الدعاء (والحكمة) في النهى عن ذلك ما فيه من الإعراض عن القبلة والخروج عن هيئة الصلاة. أو أنه يخشى على الأبصار من الأنوار التي تنزل بها الملائكة على المصلين (قوله فاشتدّ قوله في ذلك الخ) أي في الزجر عن رفع البصر إلى السماء حال الصلاة فقال لينتهين بالبناء للمجهول ونائب الفاعل الجارّ والمجرور وكذا قوله لتخطفن (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه وابن عدي في الكامل ورواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مرسلًا (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ صَلَّى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلاَمٌ فَقَالَ "شَغَلَتْنِي أَعْلاَمُ هَذِهِ اذْهَبُوا بِهَا إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّتِهِ". (ش) (الزهري) محمَّد بن مسلم. و (عروة) بن الزبير (قوله في خميصة الخ) هي ثوب خزّ أو صوف معلم ولعل المراد الثاني. والخزّ ثياب تنسج من صوف وإبريسم وقد تكون من إبريسم فقط. وقيل لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة سميت بذلك لرقتها وصغرها إذا طويت مأخوذة من الخمص وهو ضمور البطن. والأعلام جمع علم وهو رقم الثوب الذي في طرفه وتطلق أيضًا على المنار والجبل (قوله شغلتني أعلام هذه) يعني كادت تشغله وتلهيه عن كمال الحضور في الصلاة وليس المراد أنها شغلته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالفعل وتؤيده رواية البخاري عن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كنت انظر إلى عليها وأنا في الصلاة فأخاف أن تفتننى. ورواية مالك في الموطأ وفيها فإني نظرت إلى عليها وأنا في الصلاة فكاد يفتنني. فإطلاق رواية الباب للمبالغة في القرب

لا لتحقق وقوع الشغل. وعلى تقدير وقوعه له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فليس فيه نقص في حقه لأنه بشر يؤثر فيه ما يؤثر في البشر من الأمور التي لا تؤدي إلى نقص في مرتبته الشريفة صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله اذهبوا بها إلى أبى جهم) وفي بعض النسخ اذهبوا بها إلى أبى جهم بن أبي حذيفة. وفي رواية البخاري اذهبوا بخميصتي. وأمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بإرسالها إلى أبي جهم لكراهته إياها لما يترتب على لبسها في الصلاة من الاشتغال بها ونقصان الخشوع. وخص صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أبا جهم بذهاب الخميصة إليه لأنه كان أهداها للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما رواه مالك والطحاوي عن عائشة قالت أهدى أبو جهم إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم خميصة شامية لها علم فشهد فيها النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم الصلاة فلما انصرف قال ردّي هذه الخميصة إلى أبي جهم فإنها كادت تفتنني "ولا يقال" كيف أرسل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأبي جهم ما كرهه "لأنه لا يلزم" من إرسالها استعمالها في الصلاة. ونظيره ما سيأتي للمصنف في باب اللبس للجمعة ورواه البخاري عن ابن عمر وفيه ثم جاءت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها حلل فأعطى عمر بن الخطاب رضي الله عنه منها حلة فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إني لم أكسكها لتلبسها فكساها عمر بن الخطاب أخا له بمكة مشركا. و(أبو جهم) هو عامر وقيل عبيد بن حذيفة ابن غانم بن عامر بن عبد الله القرشي العدوي كان من مشايخ قريش وحضر بناء الكعبة مرّتين حين بنتها قريش وحين بناها ابن الزبير (قوله وائتونى في بأنبجانيته) بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الموحدة وتخفيف الجيم كساء غليظ له خمل ولا علم له. وقال ثعلب يجوز فتح الهمزة وكسرها وكذا الموحدة وهو منسوب إلى موضع اسمه أنبجان. وطلبها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أبي جهم لئلا يؤثر في قلبه ردّ الهدية (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز لبس الثوب المعلم وجواز الصلاة فيه، وعلى طلب الخشوع في الصلاة والإقبال عليها وترك كل ما يشغل القلب فيها، وعلى المبادرة بالإعراض عن زينة الدنيا والفتنة بها، وعلي جواز قبول الهدية من الأصحاب. وعلى أن الواهب إذا ردّت إليه عطيته من غير أن يكون هو الراجع فيها له أن يقبلها من غيركراهة. ودلّ بظاهره على أن اشتغال القلب في الصلاة غير قادح في صحتها وهو قول الجمهور (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه ومالك في الموطأ والطحاوي (ص) حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ نَا أَبِي نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ -يَعْنِى ابْنَ أَبِي الزِّنَادِ- قَالَ

باب الرخصة في ذلك أي في جواز الالتفات في الصلاة لضرورة

سَمِعْتُ هِشَامًا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ بِهَذَا الْخَبَرِ قَالَ وَأَخَذَ كُرْدِيًّا كَانَ لأَبِي جَهْمٍ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْخَمِيصَةُ كَانَتْ خَيْرًا مِنَ الْكُرْدِيِّ. (ش) (قوله حدثنا أبي) هو معاذ بن معاذ العنبري تقدم في الجزء الثاني صفحة 116 و (هشام) بن عروة في الأول صفحة 149 (قوله بهذا الخبر) أي المتقدم عن الزهري (قوله وأخذ كرديا الخ) بفتح الكاف كساء ساذج ليس له أعلام. والظاهر أن هو الأنبجانية المتقدمة آنفًا. وقوله كانت خيرًا من الكردي يعني أحسن منه لأن الكردي أدون من الخميصة (باب الرخصة في ذلك) أي في النظر والالتفات في الصلاة للضرورة. وفي بعض النسخ باب الرخصة في ذلك لعذر (ص) حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ نَا مُعَاوِيَةُ -يَعْنِى ابْنَ سَلاَّمٍ- عَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلاَّمٍ قَالَ حَدَّثَنِى السَّلُولِىُّ -هُوَ أَبُو كَبْشَةَ- عَنْ سَهْلِ ابْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ قَالَ ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ -يَعْنِى صَلاَةَ الصُّبْحِ- فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَانَ أَرْسَلَ فَارِسًا إِلَى الشِّعْبِ مِنَ اللَّيْلِ يَحْرُسُ. (ش) (رجال الحديث) (زيد) بن سلام بن ممطور الحبشي الدمشقي. روى عن جده وعدي بن أرطأة وعبد الله بن فرّوخ وعبد الله بن زيد الأزرق. وعنه أخوه معاوية ويحيى ابن كثير. وثقه النسائي وأبو زرعة والدارقطني وقال يعقوب بن شيبة ثقة صدوق وقال الذي التقريب ثقة من السادسة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في الأدب و(أبو سلام) هو ممطور الأسود الأعرج الحبشي. روى عن أبي مالك الأشعري وعمرو بن عبسة وأبي أمامة وغيرهم. وعنه مكحول الشامي والأو زاعي وعبد الرحمن بن يزيد وعبد الله بن العلاء وجماعة. وثقه الدارقطني والعجلي. روى له مسم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه و(السلولي) نسبة إلى سلول فخذ من قيس وهم بنو مرّة بن صعصعة. و (سهل بن الحنظلية) هي أمه. وأبوه عمرو ويقال الربيع بن عمرو بن عدي بن زيد بن جشم الخزرجي. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه بشر بن قيس ويزيد بن أبي مريم وأبو كبشة

باب العمل في الصلاة

السلولي وغيرهم. شهد بيعة الرضوان وكان متعبدا متوحدًا لا يخالط الناس سكن دمشق وكانت داره بها. مات في أول خلافة معاوية. روى له أبو داود والنسائي (معنى الحديث) (قوله ثوّب بالصلاة) أي أقيم لها (قوله وهو يلتفت إلى الشعب) بكسر الشين المعجمة وسكون العين المهملة هو الطريق في الجبل وجمعه شعاب (وفيه دليل) على أن الالتفات في الصلاة إذا كان لحاجة لا كراهة فيه كما تقدم بيانه (قوله قال أبو داود وكان أرسل فارسًا الخ) بيان لسبب التفاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى الشعب. والفارس الذي أرسله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو أنس بن أبي مرثد الغنوي كما أخرجه الحاكم من طريق معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يقول حدثني أبو كبشة السلولي أنه حدثه عن سهل بن الحنظلية قال لما سار رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى حنين قال ألا رجل يكلؤنا الليلة فقال أنس بن أبي مرثد الغنوي أنا يا رسول الله قال انطلق فلما كان الغد خرج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي فقال هل حسستم فارسكم قالوا لا فجعل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي ويلتفت إلى الشعب فلما سلم قال إن فارسكم قد أقبل فلما جاء قال لعلك نزلت قال لا إلا مصليا أو قاضيًا حاجة ثم قال إني اطلعت الشعبين فإذا هوازن بظعنهم وشائهم ونعمهم متوجهون إلى حنين فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غنيمة للمسلمين غدا إن شاء الله تعالى. وسيأتي للمصنف بأطول من هذا في "باب فضل الحارس في سبيل الله تعالى" من كتاب الجهاد (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز الالتفات في الصلاة لعذر فلا منافاة يينه وبين الأحاديث المتقدمة الدالة على كراهية الالتفات (باب العمل في الصلاة) أي في بيان حكم العمل الذي ليس من جنس أعمال الصلاة في الصلاة (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ نَا مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا. (ش) (القعنبي) عبد الله بن مسلمة. و (أبو قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري

قصة إسلام أبي العاص زوج زينب بنت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

تقدم في الجزء الأول صفحة 120 (قوله وهو حامل أمامة بنت زينب) بإضافة حامل إلى أمامة ويجوز تنوينه ونصب أمامة حيث أريد به حكايته الحال الماضية كقوله تعالى "إن الله بالغ أمره" قال الحافظ والتنوين هو المشهور في الروايات اهـ وكانت زينب أكبر بنات رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفاطمة أصغرهنّ وأحبهنّ إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. توفيت زينب سنة ثمان من الهجرة. وأمامة تزوّجها علي بن أبي طالب بعد وفاة خالتها فاطمة بوصية منها ولم تعقب. ونسبت إلى أمها ولم تنسب إلى أبيها لأنه إذ ذاك كان مشركا والولد ينسب إلى أشرف أبويه دينًا ونسبا ونسبت في الحديث الآتي إلى أبيها بيانًا لحقيقة نسبها (قوله فإذا سجد وضعها الخ) أي إذا أراد أن يسجد وإذا أراد أن يقوم كما تدلّ عليه الرواية الآتية (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ -يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ- نَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ بَيْنَا نَحْنُ فِى الْمَسْجِدِ جُلُوسٌ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَحْمِلُ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ وَأُمُّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهِىَ صَبِيَّةٌ يَحْمِلُهَا عَلَى عَاتِقِهِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهِىَ عَلَى عَاتِقِهِ يَضَعُهَا إِذَا رَكَعَ وَيُعِيدُهَا إِذَا قَامَ حَتَّى قَضَى صَلاَتَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِهَا. (ش) (قوله نحن في المسجد جلوس إذ خرج) وفي نسخة جلوسًا خرج بالنصب على الحال وفي المسجد خبر (قوله يحمل أمامة بنت أبى العاص بن الربيع) وقيل ابن رييعة بن عبد العزّى بن عبد شمس وأبو العاص أسمه لقيط وقيل مقسم وقيل القاسم وقيل غيرذلك وكان من رجال مكة المعدودين مالًا وأمانة وتجارة وتزوج بنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبل البعثة وكانت خديجة رضي الله تعالى عنها هي التي سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يزوجه زينب لأنه ابن أختها هالة ولما بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وجاءه الوحي بعدم موالاة المشركين قال أبو لهب اشغلوا محمَّدًا بنفسه وكان ابنه عتبة متزوجا برقية بنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأمره فطلقها وتزوجها عثمان رضي الله تعالى عنه وذهبوا إلى أبى العاص وقالوا له فارق صاحبتك ونحن نزوجك بأى امرأة من قريش شئتها قال لا والله لا أفارق صاحبتي

وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش وكان أبو العاص في غزوة بدر مع المشركين ووقع في الأسرى وكان الذي أسره خراش بن الصمة أحد بني حرام ولما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في فداء أبى العاص بمال وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبى العاص حين بني بها فلما رآها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رقّ لها رقة شديدة وقال إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردّوا عليها الذي لها فافعلوا قالوا نعم يا رسول الله فأطلقوه وردّوا عليها الذي لها وقد كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخذ عليه أن يخلي سبيل زينب "يعني أن تهاجر إلى المدينة" فوفى أبو العاص بذلك ولما رجع أبو العاص إلى مكة أمرها باللحوق بأبيها فخرجت ولحقت بأبيها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأقام أبو العاص بمكة على كفره واستمرّت زينب عند أبيها بالمدينة حتى إذا كان قبيل الفتح خرج أبو العاص في تجارة لقريش فلما قفل من الشام لقيته سرية فأخذوا ما معه وأعجزهم هربًا وجاء تحت الليل إلى زوجته زينب فاستجار بها فأجارته فلما خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لصلاة الصبح وكبر وكبر الناس خرجت من صفة النساء فقالت أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع فلما سلم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقبل على الناس فقال أيها الناس هل سمعتم الذي سمعت قالوا نعم قال أما والذي نفس محمَّد بيده ما علمت بشيء حتى سمعت ما سمعتم وإنه يجير على المسلمين أدناهم ثم انصرف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فدخل على ابنته زينب فقال أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلص إليك فإنك لا تحلين له قالت إنه جاء في طلب ماله فجمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تلك السرية وقال إن هذا الرجل منا كما علمتم وقد أصبتم منه مالًا وهو مما أفاء الله عليكم وأنا أحب أن تحسنوا وتردّوا إليه الذي له فإن أبيتم فأنتم أحق به فقالوا بل نردّه عليه فردّوا عليه ماله أجمع فأخذه أبو العاص ورجع به إلى مكة فأعطى كل إنسان ماله ثم قال يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه قالوا لا فجزاك الله خيرًا فقد وجدناك وفيًا كريمًا قال فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله والله ما منعني عن الإِسلام عنده إلا تخوّف أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم فلما أدّى الله إليكم وفرغت منها أسلمت ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وردّ عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بنته زينب على النكاح الأول لم يحدث شيئًا (قوله وهي صبية) أي صغيرة قيل إنها كانت لم تفطم من الرضاع (قوله يحملها على عاتقه) أي بين منكبه وعنقه والعاتق يذكر ويؤنث وجمعه عواتق (قوله يضعها إذا ركع الخ) وكذلك إذا سجد ويعيدها على عاتقه إذا رفع من السجود كما صرّح به في الرواية

الآتية (قوله حتى قضى صلاته الخ) أي ما زال يفعل ذلك بها حتى فرغ من صلاته (قال الخطابي) يشبه أن تكون الصبية قد ألفته فإذا سجد تعلقت بأطرافه والتزمته فينهض في سجوده فتبقى محمولة كذلك إلى أن يركع فيرسلها اهـ وفعل ذلك صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إما لعدم وجود من يحفظها أولبيان الشرع بالفعل وأن ذلك غير مفسد للصلاة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ نَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ الأَنْصَارِىَّ يَقُولُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي لِلنَّاسِ وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عُنُقِهِ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَلَمْ يَسْمَعْ مَخْرَمَةُ مِنْ أَبِيهِ إِلاَّ حَدِيثًا وَاحِدًا. (ش) (رجال الحديث) (مخرمة) بن بكير بن عبد الله بن الأشج القرشي مولى بني مخزوم المدني أبى مسور المخزومي. روى عن أبيه وعامر بن عبد الله بن الزبير. وعنه مالك والواقدى وابن المبارك والقعنبي وغيرها. وثقه أحمد وأبو حاتم وقال النسائي ليس به بأس وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وضعفه ابن معين وقال الساجي صدوق وكان يدلس. مات سنة ثمان وخمسين (معنى الحديث) (قوله يصلي للناس) أي بهم (قوله قال أبو داود لم يسمع مخرمة الخ) لعله يشير به إلى أن مخرمة لم يسمع هذا الحديث من أبيه وقال أحمد أيضًا مخرمة لم يسمع من أبيه شيئًا إنما يروي من كتاب أبيه وقال ابن خيثمة وابن معين وقع إليه كتاب أبيه ولم يسمع منه وقال سعيد بن أبي مريم عن خاله موسى بن سلمة أتيت مخرمة فقلت حدّثك أبوك فقال لم أدرك أبي وهذه كتبه وقال في تهذيب التهذيب قال أبو داود لم يسمع من أبيه إلا حديثًا واحدًا وهو حديث الوتر (ص) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ نَا عَبْدُ الأَعْلَى نَا مُحَمَّدٌ -يَعْنِى ابْنَ إِسْحَاقَ- عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِلصَّلاَةِ فِى الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ وَقَدْ دَعَاهُ بِلاَلٌ لِلصَّلاَةِ إِذْ خَرَجَ إِلَيْنَا وَأُمَامَةُ

مذاهب الأئمة في حمل الصبيان حال الصلاة

بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ بِنْتُ ابْنَتِهِ عَلَى عُنُقِهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى مُصَلاَّهُ وَقُمْنَا خَلْفَهُ وَهِىَ فِى مَكَانِهَا الَّذِى هِىَ فِيهِ قَالَ فَكَبَّرَ فَكَبَّرْنَا قَالَ حَتَّى إِذَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَرْكَعَ أَخَذَهَا فَوَضَعَهَا ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ سُجُودِهِ ثُمَّ قَامَ أَخَذَهَا فَرَدَّهَا فِى مَكَانِهَا فَمَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يَصْنَعُ بِهَا ذَلِكَ فِى كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. (ش) (رجال الحديث) (يحيى بن خلف) الباهلي البصري أبو سلمة. روى عن المعتمر بن سلمان وعبد الأعلي بن عبد الأعلى وعبد الوهاب الثقفي وبشر بن المفضل وآخرين. وعنه أبو داود ومسلم والترمذي وابن ماجه وأبو بكر البزار وكثيرون. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق من العاشرة. مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين (معنى الحديث) (قوله في الظهر أو العصر) أي في وقت الظهر أو في وقت العصر بالشك من الراوي (قوله فقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في مصلاه) أي مكانه الذي يصلي فيه (قوله وهي في مكانها الذي هي فيه) أي وأمامة في مكانها الذي هي فيه وهو عاتقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله قال فكبر وكبرنا) وفي بعض النسخ فكبر فكبرنا أي قال أبوقتادة فكبر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للإحرام فكبرنا خلفه (قوله حق إذا أراد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يركع أخذها الخ) في هذا الحديث وما قبله دلالة على أن مثل هذا الفعل معفوّ عنه في الصلاة لا فرق بين أن يكون فرضا أو نفلًا وبين أن يكون المصلى إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا لأنه إذا جاز ذلك في الفريضة للإمام فبالأولى جوازه في النافلة وللمأموم والمنفرد (وإلى ذلك) ذهبت الشافعية قالوا ويجوز حمل الصبي والصبية وغيرهما من الحيوان الطاهر كالطير والشاة لأن الآدمي طاهر وما في جوفه من النجاسة معفوّ عنه لكونه في معدته وثياب الأطفال وأجسادهم محمولة على الطهارة حتى تتحقق نجاستها. والأعمال في الصلاة لا تبطلها إذا قلت أو كثرت وتفرّقت. ودلائل الشرع متظاهرة على ذلك (وأما العمل) الكثير المتوالي فهو مبطل لها وضابط الكثرة العرف وضبط بثلاثة أفعال فأكثر (واختلفت المالكية) في تأو يل هذه الأحاديث لأنهم رأوا ما وقع من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عملًا

كثيرًا فروى ابن القاسم عن مالك أن ذلك كان في النافلة (واستبعده) المازري وعياض والقرطبي لحديث الباب. ولما في رواية مسلم عن أبي قتادة قال رأيته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يؤمّ الناس وأمامة على عاتقه. وقال المازري إمامته بالناس في النافلة ليست بمعهودة اهـ وروى أشهب وعبد الله بن نافع عن مالك أن ذلك كان لضرورة لأنه لم يجد من يكفيه أمرها. ولا فرق بين الفرض والنفل لأن الضرورة تبيح للرجل الاشتغال في فرضه بكثير مما ليس له فعله في غيره (ومما يدل) على أن ذلك كان للضرورة أن فيه التغرير والتعرّض في الصلاة لما لا يمكن الاحتراز منه من بول الصبي الذي لا يفهم الزجر (وقال) بعضهم إنه لو تركها لبكت وشغلته في صلاته أكثر من شغله بحملها (وقال الباجي) ما ملخصه إنه إن وجد من يكفيه أمر الصبي جاز في النافلة دون الفريضة وإن لم يجد جاز فيهما اهـ (وقال) القرطبي وروى عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك أن الحديث منسوخ (قال) الحافظ وروى ذلك عنه الإسماعيلي لكنه غير صريح (وقال) ابن عبد البر لعلّ الحديث منسوخ بتحريم العمل في الصلاة. وذكر عياض عن بعضهم أنه من خصائصه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لعصمته من أن تبول وهو حاملها (وردّ) بأن الأصل عدم الاختصاص. وبأنه لا يلزم من ثبوته في غيره بلا دليل. ولا دخل للقياس في مثله (قال النووي) ادعى بعض المالكية أن الحديث منسوخ وبعضهم أنه خاص بالنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وبعضهم أنه كان لضرورة وكل هذه الدعاوى باطلة ومردودة فإنه لا دليل عليها ولا ضرورة إليها بل الحديث صحيح صريح في جواز ذلك وليس فيه ما يخالف قواعد الشرع لأن الآدمي طاهر وما في جوفه معفوّ عنه وثياب الأطفال وأجسادهم محمولة على الطهارة حتى تتبين النجاسة. والأعمال في الصلاة لا تبطلها إذا قلت أو تفرّقت ودلائل الشرع متظاهرة على ذلك وإنما فعل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك لبيان الجواز اهـ (وقال) الفاكهاني وكان السرّ في حمله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمامة في الصلاة دفعًا لما كانت العرب تألفه من كراهة البنات وحملهن فخالفهم في ذلك حتى في الصلاة للمبالغة في ردعهم. والبيان بالفعل قد يكون أقوى من القول اهـ قالوا والعمل الكثير في الصلاة مبطل لها. وضابطه عندهم أنه يخيل للناظر أن ذلك الشخص ليس في صلاة (وذهبت الحنفية) إلى أن العمل الكثير مفسد للصلاة والقليل غير مفسد. واختلفوا في ضبطهما فقال صاحب البدائع العمل الكثير ما يحتاج فيه إلى استعمال اليدين والقليل ما لا يحتاج فيه إلى ذلك حتى قالوا إذا زرّ قميصه في الصلاة فسدت صلاته وإذا حلّ أزراره لا تفسد. وقال بعضهم كل عمل لو نظر إليه الناظر من بعيد لا يشك أنه في غير الصلاة فهو كثير وكل عمل لو نظر إليه الناظر ربما يشتبه عليه أنه في الصلاة فهو قليل. قالوا وهذا الضابط أصح مما قبله. وعلى ذلك لو حملت

المرأة ولدها ولم ترضعه لم تبطل صلاتها. وقالوا إذا كان العمل القليل لغير حاجة كره وإلا فلا كذا في العيني (وقالت) الحنابلة إذا كثر العمل وتوالى بطلت الصلاة وإلا بأن كان قليلًا أو كثيرًا وتفرّق فإن كان لحاجة جاز وإلا كره. ومرجع الكثرة والقلة عندهم إلى العرف (فقه الحديث) دلّ الحديث عل مزيد تواضعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وشفقته ورحمته بـ"الضعفاء" وعلى صحة صلاة من حمل صبيا، وعلى أن ثياب الصبيان وأجسادهم محمولة على الطهارة، وعلى أن العمل إذا تفرق ولم يتوال غير مبطل للصلاة (والحديث) أخرجه مالك وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي وإبن حبان وعبد الرزاق في المصنف (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "اقْتُلُوا الأَسْوَدَيْنِ في الصَّلاَةِ الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ". (ش) (رجال الحديث) (ضمضم) كزمزم (ابن جوس) بفتح الجيم وسكون الواو آخره سين مهملة وقيل جوش بالشين المعجمة ويقال ضمضم بن الحارث بن جوس اليمامى. روى عن أبي هريرة وعبد الله بن حنظلة. وعنه عكرمة بن عمار ويحيى بن أبي كثير. وثقه ابن معين والعجلي وقال أحمد لا بأس به وقال في التقريب ثقة من الثالثة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (معنى الحديث) (قوله اقتلوا الأسودين الخ) تسمية الحية والعقرب بالأسودين من باب التغليب لأن المسمى بالأسود في الأصل الحية والمراد الحية والعقرب مطلقًا ولو غير أسودين (وفيه دلالة) علي جواز قتل الحية والعقرب في الصلاة من غير كراهة سواء أحصل القتل بضربة أم أكثر (وإلى) ذلك ذهبت المالكية إلا أنهم قالوا محل قتلها إذا قصدت أذاه والإكره قتلها فيها وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة (وذهبت) الحنفية إلى جواز قتلهما في الصلاة من غيركراهة لا فرق بين قتلهما بعمل كثير أو قليل كما استظهره في المبسوط "قالوا" لأنه رخصة ولأن في قتلهما دفع الشغل وإزالة الأذى فأشبه درء المارّ وتسوية الحصى ومسح العرق "ولا ينافي" الإطلاق في العمل مارواه البيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كفاك للحية ضربة أصبتها أم أخطأتها "لأنه" كما قال البيهقي إن صح فإنما أراد والله أعلم وقوع الكفاية بها في الإتيان بالمأمور به فقد أمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقتلها وأراد والله أعلم إذا امتنعت بنفسها عند الخطأ ولم يرد به المنع من الزيادة على ضربة

جواز المشي في الصلاة لحاجة

واحدة (وقال في البدائع) هذا إذا أمكنه قتل الحية بضربة واحدة كما فعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في العقرب وأما إذا احتاج إلى معالجة وضربات فسدت صلاته كما إذا قاتل في صلاته لأنه عمل كثير ليس من أعمال الصلاة (وذهبت الشافعية) إلى أنه إن احتاج قتلهما إلى عمل كثير أبطل وإلا فلا (وظاهر) كلام الحنابلة أنه لا فرق في جواز قتلهما بين العمل القليل والكثير (وحكى) الترمذي عن جماعة كراهة قتلهما في الصلاة إن كان بعمل كثير منهم النخعي. ويدل لهم ما رواه ابن أبي شيبة عن قتادة قال إذا لم تتعرّض لك فلا تقتلها (وما سيأتي) للمصنف من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن في الصلاة لشغلا. وقوله اسكنوا في الصلاة. رواه المصنف في باب في السلام. لكن هذان الحديثان الأخيران عامان فيخصان بحديث الباب وأشباهه مما ورد فيه الإذن بعمله في الصلاة. ويلحق بالحية والعقرب ما ماثلهما من كل ضرّار مباح قتله (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز قتل الحية والعقرب في الصلاة، وعلى جوازه في غيرها بالطريق الأولى، وعلى جواز العمل الكثير في الصلاة إذا دعت إليه الضرورة، وعلى طلب دفع الضرر عن النفس ولو حال الصلاة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وابن حبان (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُسَدَّدٌ -وَهَذَا لَفْظُهُ- قَالَ نَا بِشْرٌ -يَعْنِى ابْنَ الْمُفَضَّلِ- ثَنَا بُرْدٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ أَحْمَدُ- يُصَلِّي وَالْبَابُ عَلَيْهِ مُغْلَقٌ فَجِئْتُ فَاسْتَفْتَحْتُ -قَالَ أَحْمَدُ- فَمَشَى فَفَتَحَ لِى ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُصَلاَّهُ. وَذَكَرَ أَنَّ الْبَابَ كَانَ فِى الْقِبْلَةِ. (ش) (قوله وهذا لفظه) أي ما سيذكره المصنف لفظ حديث مسدد. و (برد) بضم فسكون هو ابن سنان تقدم في الجزء الثاني صفحة 293 (قوله قال نا بشر) هكذا بصيغة الإفراد في جميع النسخ التي بأيدينا أي قال كل من أحمد ومسدد (قوله يصلي والباب عليه مغلق) وفي رواية النسائي يصلي تطوعًا. وبوّب عليه الترمذي فقال باب ما يجوز من المشي والعمل في صلاة التطوع (قوله فاستفتحت) أي طلبت فتح الباب. والظاهر أنها ظنت أنه ليس في صلاة وإلا لم تطلب منه الفتح كما هو اللائق بأدبها وعليها (قوله فمشى ففتح لي) دليل على إباحة المشي في صلاة التطوع لحاجة قلّ أو كثر (قال ابن الملك) مشيه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم وفتحه الباب ثم رجوعه إلى

باب رد السلام في الصلاة

الصلاة يدلّ على أن الأفعال الكثيرة إذا توالت لا تبطل الصلاة (وإليه ذهب) بعضهم "وما قاله" ابن رسلان من أن هذا المشي محمول على أنه مشى خطوة أو خطوتين أو مشى أكثر من ذلك متفرّقًا "مردود" لأنه من تقييد الحديث بالمذهب ولا يخفى فساده (قوله وذكر أن الباب كان في القبلة) أي ذكر عروة أن الباب كان إلى جهة القبلة. وهذا يدل على أنه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم لم يتحوّل عن القبلة حال ذهابه ويكون رجوعه إلى مصلاه على عقبيه إلى خلف ويؤيده ما رواه الدارقطني عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي فإذا استفتح إنسان الباب فتح الباب ما كان في القبلة أو عن يمينه أو عن يساره ولا يستدبر القبلة. وهذا يردّ شبهة من قال إن هذا الفعل يستلزم ترك استقبال القبلة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والنسائي والترمذي والدارقطني (باب ردّ السلام في الصلاة) أي في بيان حكم ردّ السلام في الصلاة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ نَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ في الصَّلاَةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا وَقَالَ "إِنَّ في الصَّلاَةِ لَشُغْلًا". (ش) (رجال الحديث) (محمَّد بن عبد الله بن نمير) أبو عبد الرحمن الهمداني الكوفي روى عن أبيه ومحمد بن فضيل. وابن عيينة ووكيع وحفص بن غياث وآخرين. وعنه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وجماعة. قال ابن الجنيد ما رأيت بالكوفة مثل ابن نمير وكان رجلًا نبيلًا قد جمع العلم والفهم والسنة والزهد وقال العجلي ثقة ويعدّ من أصحاب الحديث وقال أبو حاتم ثقة يحتج بحديثه وقال النسائي ثقة مأمون. وقال ابن حبان كان من الحفاظ. المتقنين وأهل الورع في الدين. مات سنة أربع وثلاثين ومائتين. روى له الجماعة. و (الأعمش) و (إبراهيم) النخعي تقدما في الجزء الأول صفحة 36. وكذا (علقمة) صفحة 286. وكذا (عبد الله) ابن مسعود صفحة 142 (معنى الحديث) (قوله فلما رجعنا من عند النجاشي الخ) وكان رجوعهم في السنة الثالثة من الهجرة والنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتجهز لغزوة بدر وكانت هجرتهم إلى الحبشة

حين كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمكة فارّين لما لحقهم من أذى المشركين ولما خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة وسمعوا بمهاجرته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هاجروا من الحبشة إلى المدينة فوجدوه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الصلاة فسلموا عليه كما كانوا يسلمون قبل مهاجرتهم إلى الحبشة فلم يردّ عليهم وقال إن في الصلاة لشغلا بضمتين أي مانعا من الكلام في الصلاة وهو بزيادة اللام للتأكيد. وفي رواية للبخاري بدونها. والتنكير للتعظيم أي شغلًا عظيمًا لأنها مناجاة الله تعالى فلا يليق فيها الاشتغال بغيره ويحتمل أن يكون التنكير للتنويع أي إن في الصلاة لشغلا بقراءة القرآن والذكر والدعاء (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا أَبَانُ نَا عَاصِمٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ كُنَّا نُسَلِّمُ في الصَّلاَةِ وَنَأْمُرُ بِحَاجَتِنَا فَقَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ فَأَخَذَنِي مَا قَدُمَ وَمَا حَدُثَ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الصَّلاَةَ قَالَ "إِنَّ اللهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَزَّ قَدْ أَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ لاَ تَكَلَّمُوا في الصَّلاَةِ". فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ. (ش) (أبان) بن يزيد العطار تقدم في الجزء الأول صفحة 119. وكذا (عاصم) بن بهدلة صفحة 90. وكذا (أبو وائل) شقيق بن سلمة صفحة 89 (قوله كنا نسلم في الصلاة الخ) أي كان يسلم أحدنا على الآخر وهو في الصلاة فيردّ عليه السلام وكان أحدنا إذا عرضت له حاجة وهو في الصلاة أمر بها (قوله فأخذني ما قدم وما حدث) بضم الدال فيهما ومراده غلب عليّ التفكر في أحوالي السابقة واللاحقة أيها كان سببًا لتركه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ردّ السلام عليّ (ويحتمل) أن المراد أخذني ما تقدم من التكلم في الصلاة وما حدث فيها من عدم التكلم (قوله إن الله عَزَّ وَجَلَّ يحدث من أمره ما يشاء الخ) أي يظهر ويجدّد من الأحكام ما يشاء وإن الله تعالى قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة. وفي رواية كنا نسلم على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذ كنا بمكة قبل أن نأتى أرض الحبشة فلما قدمنا من أرض الحبشة أتيناه فسلمنا عليه فلم يردّ فأخذني ما قرب وما بعد حتى قضى الصلاة فسألته فقال إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإنه قد أحدث من أمره أن لا نتكلم في الصلاة (وفي هذا) دلالة على نسخ

المذاهب في كلام الناسي والساهي في الصلاة

الكلام في الصلاة وتحريمه فيها (ويدل) على النسخ أيضًا بقية أحاديث الباب. وما وواه البخاري وغيره وسيأتي للمصنف عند زيد بن أرقم قال كان أحدنا يكلم الرجل إلى جنبه في الصلاة فنزلت "وقوموا لله قانتين" فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام (ولا خلاف) بين أهل العلم أن من تكلم في صلاته عامدا فسدت صلاته لا فرق بين قليل الكلام وكثيره إلا لمصلحة الصلاة كما قاله ابن المنذر (واختلف) في كلام الناسي والساهى فقال الثوري وابن المبارك والنخعي وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة والهادوية إن كلام الناسي والجاهل مبطل للصلاة قلّ أو كثر كالعامد (واستدلوا) بحديث زيد بن أرقم المذكور وسائر الأحاديث المصرّحة بالنهى عن الكلام في الصلاة "قالوا" وظاهرها عدم الفرق بين العامد والناسي والجاهل (ووافقهم) المالكية في الجاهل (وكذا الشافعية) إلا أنهم قالوا يغتفر لقريب العهد بالإِسلام يسير الكلام (وفي المغني) للحنابلة إن تكلم جاهلًا لتحريم الكلام في الصلاة فقال القاضي في الجامع لا أعرف عن أحمد نصًا في ذلك. ويحتمل أن لا تبطل صلاته لأن الكلام كان مباحًا في الصلاة بدليل حديث ابن مسعود وزيد بن أرقم ولا يثبت حكم النسخ في حق من لم يعلمه بدليل أن أهل قباء لم يثبت في حقهم حكم نسخ القبلة قبل علمهم فبنوا على صلاتهم اهـ (وقالت) المالكية والشافعية كلام الناسي يبطل كثيره دون يسيره (وقال) الحنابلة إن الناسي على نوعين (أحدهما) أن ينسى أنه في صلاة وفيه روايتان (إحداهما). لا تبطل لأنه صلى الله عليه وآله وسلم تكلم في قصة ذى اليدين ولم يأمر معاوية بن الحكم بالإعادة إذ تكلم جاهلًا وما عذر فيه بالجهل عذر فيه بالنسيان (ثانيتهما) تبطل لعموم أحاديث المنع من الكلام في الصلاة ولأنه ليس من جنس ما هو مشروع فلم يسامح فيه بالنسيان كالعمل الكثير من غير جنس الصلاة (النوع الثاني) أن يظن أن صلاته قد تمت فيتكلم فإن كان سلاما لم تبطل الصلاة رواية واحدة لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه فعلوه وبنوا على صلاتهم ولأن جنسه مشروع في الصلاة فأشبه الزيادة فيها منْ جنسها. وإن لم يكن سلاما فالمنصوص عن أحمد في رواية عن أصحابه أنه إذا تكلم بشئ بما تكمل به الصلاة أو شيء من شأن الصلاة مثل كلامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لذى اليدين لم تفسد صلاته وإن تكلم بشئ من غير أمر الصلاة كقوله يا غلام اسقني ماء بطلت صلاته اهـ من المغني (وممن فرق) بين كلام العامد وغيره ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير من الصحابة ومن التابعين عروة وعطاء والحسن البصري وحكاه الحازمى عن عمرو بن دينار ونفر من أهل الكوفة وعن أكثر أهل الحجاز وحكاه النووي عن الجهور (واستدلوا) على عدم فساد صلاة الناسي بما رواه ابن ماجه والدارقطني والطبراني والحاكم والبيهقي مرفوعًا رفع عن أمتي الخطأ والنسيان (وبأن) النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تكلم حال السهو وبنى على صلاته كما في حديث ذى اليدين (واستدلوا) على عدم فساد صلاة الجاهل بحديث معاوية بن الحكم الآتي

جواز رد السلام في الصلاة بالإشارة

(فقه الحديث) دلّ الحديث على وقوع النسخ في الأحكام الشرعية، وعلى أن من سلم عليه وهو الصلاة لا يردّ إلا بعد الفراغ منها (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والطحاوي والنسائي وابن حبان في صحيحه (ص) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ اللَّيْثَ حَدَّثَهُمْ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ نَابِلٍ صَاحِبِ الْعَبَاءِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ صُهَيْبٍ أَنَّهُ قَالَ مَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ إِشَارَةً. قَالَ وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ إِشَارَةً بِأُصْبُعِهِ وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ قُتَيْبَةَ. (ش) (رجال الحديث) (قوله أن الليث حدثهم) أي أن الليث بن سعد حدث يزيد وقتيبة بن سعيد فأراد بالجمع ما فوق الواحد أو أنه حدثهما ومن معهما في مجلس التحديث و(نابل) بالنون والموحدة المكسورة (صاحب العباء) ويقال صاحب الشمال الحجازي روى عن أبي هريرة وابن عمر. وعنه صالح بن عباد وبكير بن عبد الله بن الأشجّ. وثقه النسائي وابن حبان وقال الذي التقريب مقبول من الثالثة. و(صهيب) بن سنان بن مالك بن عمرو ابن عقيل بن عامر النمري أبي يحيى الرومي نسب إلى الروم لأن أباه سنانًا كان عاملًا لكسرى على الأيلة وكانت منازلهم بأرض الموصل في قرية على شط الفرات مما يلي الجزيرة والموصل فأغارت الروم على تلك الناحية فسبى صهيب وهو غلام صغير فنشأ بالروم فابتاعه منهم كليب ثم قدم به مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان التميمي فأعتقه فأقام معه بمكة حتى هلك عبد الله بن جدعان (وبعث) النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ابن عمر قال عمار بن ياسر لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيها فقلت له ما تريد فقال لي ما تريد أنت فقلت أردت أن أدخل على محمَّد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأسمع كلامه قال وأنا أريد ذلك فدخلنا عليه فعرض علينا الإِسلام فأسلمنا ثم مكثنا يومنا على ذلك حتى أمسينا ونحن مستخفون. أسلم رضي الله تعالى عنه بعد بضعة وثلاثين وكان من المستضعفين بمكة والمعذبين في الله تعالى. شهد المشاهد كلها وقال ما جعلت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيني وبين العدوّ وما كنت إلا عن يمينه أو أمامه أو عن شماله. وأخرج الحاكم عن سعيد بن المسيب عن صهيب قال خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة وخرج معه أبو بكر وكنت قد هممت بالخروج معه فصدّني فتيان من قريش فجعلت ليلتي تلك أقوم ولا أقعد

المذاهب في التسليم على المصلي وفي رده السلام بالإشارة

فقالوا قد شغله الله عنكم ببطنه ولم أكن شاكيًا فقاموا فلحقني منهم ناس بعد ما سرت بريدًا ليردّوني فقلت لهم هل لكم أن أعطيكم أو اقى من ذهب وتخلون سبيلي وتفون لي فتبعتهم إلى مكة فقلت لهم احفروا تحت أسكفة الباب فإن تحتها الأو اقي واذهبوا إلى فلانة فخذوا الحلتين وخرجت. حتى قدمت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبل أن يتحوّل منها يعني قباء فلما رآني قال يا أبا يحيى ربح البيع ثلاثًا فقلت يا رسول الله ما سبقني إليك أحد وما أخبرك إلا جبريل. وفي رواية أخرى فنزلت عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ) فتلا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليه الآية. روى عنه جابر وسعيد بن المجيب وابن أبي ليلى وجماعة. توفي سنة ثمان وثلاثين (معنى الحديث) (قوله فردّ إشارة) أي ردّ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السلام عليّ بالإشارة لا باللفظ (وهذا) لا ينافي ما في الحديث السابق من تأخيره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ردّ السلام إلى ما بعد سلامه من الصلاة فإن هذا محمول على بيان الجواز والسابق محمول على الأفضل (وفي حديث الباب) دلالة على مشروعية سلام غير المصلى على المصلى من غيركراهة وفي أيضًا مشروعية ردّ المصلى السلام بالإشارة (وقد اختلف) في كل منهما فقالت الشافعية والمالكية. يجوز ابتداء السلام على المصلى من غيركراهة وهو المعتمد عند المالكية وهو قول ابن عمر ومالك وأحمد (قال النووي) وهو الذى تقتضيه الأحاديث الصحيحة. ويدلّ لهم حديث صهيب هذا فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقرّ صهيبًا عليه ولم ينكر عليه (وقالت) الحنفية يكره ابتداء السلام على المصلي وهو قول جابر وعطاء والشعبي وأبي مجلز وإسحاق بن راهويه وقول عند المالكية. ويدلّ لهم ما سيأتي للمصنف لا غرار في صلاة ولا تسليم (وأما ردّ) المصلي السلام فقالت المالكية والشافعية والحنابلة يردّ بالإشارة وهو قول ابن عمر وابن عباس وإسحاق وهو المنقول عن أكثر العلماء (واستدلوا) بحديث الباب فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أشار بيده (وبما رواه) أحمد والترمذي والمصنف عن ابن عمر قال قلت لبلال كيف كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يردّ عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو في الصلاة قال يشير بيده (وقال أبو ذرّ) وعطاء والنخعي والثوري يستحب أن لا يردّ المصلى السلام إلا بعد الفراغ من الصلاة. واستدلوا بحديث ابن مسعود المتقدم وفيه فسلمت عليه فلم يردّ عليّ السلام فأخذني ما قدم وما حدث فلما قضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة قال إن الله عَزَّ وَجَلَّ يحدث من أمره ما يشاء وإن الله تعالى قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة فردّ عليّ السلام (واستدلوا) أيضًا بما سيذكره المصنف عن أبي هريرة لا غرار في صلاة ولا تسليم وبما رواه البزّار والدارقطني وسيأتي للمصنف عن أبي هريرة موفوعا التسبيح للرجال والتصفيق

للنساء من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد لها (لكن يجاب) عن حديث ابن مسعود بأن المنفي في قوله فلم يردّ عليّ السلام الردّ باللفقالا الردّ بالإشارة. وردّه بعد الفراغ من الصلاة لا ينافي الردّ بالإشارة حال الصلاة (وبأن حديث) لا غرار في صلاة ولا تسليم لا يدل عل عدم جواز ردّ السلام بالإشارة لأنه ظاهر تسليم الغير على المصلي وتسليم المصلي على الغير لا في الردّ من المصلى عل من سلم عليه (ولو سلم) شموله لردّ المصلى على من سلم عليه فيحمل على الردّ باللفظ جمعًا بين الأحاديث (وبأن حديث) من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد لها ضعيف سيأتي وعلى فرض صحته فتحمل الإشارة فيه على الإشارة لغير ردّ السلام أولغير الحاجة (وذهب أبو حنيفة) إلى أنه لا يردّ لا لفظا ولا إشارة فإن ردّ باللفظ بطلت الصلاة وإن ردّ بالإشارة كره (وحكى) ابن المنذر عن أبي هريرة وسعيد بن المسيب والحسن البصري وقتادة أنهم أباحوا ردّ السلام في الصلاة باللفظ (وهذا مردود) بالأحاديث الدالة على نسخ ذلك. ولعله لم يبلغهم النسخ (إذا علمت) ما تقدم تبين لك أن الراجح ما ذهب إليه الجمهور. من مشروعية ردّ السلام بالإشارة حال الصلاة (قوله قال ولا أعلمه إلا الخ) أي قال قتيبة لا أعلم الليث إلا قال الذي روايته فردّ إشارة بأصبعه (والحديث) أخرجه أحمد والنسائي والطحاوي والترمذي وقال حديث صحيح (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ نَا زُهَيْرٌ نَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ أَرْسَلَنِي نَبِيُّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى بَعِيرِهِ فَكَلَّمْتُهُ فَقَالَ لِي بِيَدِهِ هَكَذَا ثُمَّ كَلَّمْتُهُ فَقَالَ لِي بِيَدِهِ هَكَذَا وَأَنَا أَسْمَعُهُ يَقْرَأُ وَيُومِئُ بِرَأْسِهِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ "مَا فَعَلْتَ في الَّذِي أَرْسَلْتُكَ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أُكَلِّمَكَ إِلاَّ أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي". (ش) (زهير) بن معاوية تقدم في الجزء الأول صفحة 112. وكذا (أبو الزبير) صفحة 24 (قوله أرسلني نبى الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) وفي رواية مسلم أرسلني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو منطلق إلى بني المصطلق أي أرسلني إليهم لأتيه بخبرهم أولحاجة من الحاجات. وبنوا المصصلق هم بنو خزيمة بن سعد بطن من خزاعة (قوله يصلي على بعيره) أي تطوعًا وفي رواية مسلم ثم أدركته وهو يسير زاد النسائي مشرّقًا أو مغرّبًا (قوله فكلمته) يعني سلمت عليه كما صرّح به في رواية للنسائي ورواية لمسلم عن

كلام العلماء في الإشارة أثناء الصلاة لحاجة ما دل عليه حديث جابر بن عبد الله من جواز الصلاة على الدابة في السفر وغير ذلك من الفوائد

أبى الزبير عن جابر. ويحتمل أنه كلمه بغير السلام (قوله فقال لي بيده هكِذا) أي أشار لي بيده هكذا نحو الأرض صرّح به في رواية مسلم وفيها ثم كلمته فقال لي بيده هكذا وأو مأ زهير بيده نحو الأرض (وهذا يدلّ) على جواز الإشارة في الصلاة لحاجة (وبه قالت) المالكية والحنابلة وكذا الشافعية على الأصح عندهم وقيدوه بما إذا كانت الإشارة يسيرة فإن كانت كثيرة بطلت الصلاة (وقالت الحنفية) تكره الإشارة في الصلاة. لكن الأحاديث على خلافه. وجاءت الإشارة لحاجة عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في غير حديث الباب كحديث عائشة وجابر اللذين أخرجهما الشيخان والمصنف وغيرها لما صلى بهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جالسًا في مرض له فقاموا خلفه فأشار إليهم أن اجلسوا وحديث أم سلمة عندهم أيضًا أنها قالت سعمت النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم ينهى عن الركعتين بعد العمر ثم رأيته يصليهما وعندى نسوة من بني حرام فأرسلت إليه الجارية فقلت قومي بحنبه وقولي له تقول لك أم سلمة يا رسول الله سمعتك تنهى عن هاتين وأراك تصليهما فإن أشار بيده فاستأخرى عنه ففعلت الجارية فأشار بيده (قوله وأنا أسمعه يقرأ الخ) أي يقرأ القرآن ويومئُ برأسه للركوع والسجود (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه ينبغي للرئيس إذا أراد قتال قوم أن يرسل من يكشف له خبرهم قبل وصوله إليهم ليكون علي بصيرة من أمرهم، وعلى جواز الصلاة علي الدابة. وهي محمولة على التطوّع عرفت، وعلى أن الصلاة على الدابة يكتفى فيها بالإيماء إلى الركوع والسجود، وعلى جواز التسليم على المصلي والردّ عليه بالإشارة، وعلى أن من سلم عليه وهو يصلي ولم يفهم المسلم الردّ عليه بالإشارة يطلب منه أن يعتذر له بعد الفراغ من الصلاة. ومثل المصلى في ذلك من كان متلبسًا بما يمنعه من ردّ السلام كالتأذين والتلبية وقضاه الحاجة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم وأخرج الترمذي والطحاوي والنسائي نحوه (ص) نَا الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى الْخُرَاسَانِيُّ الدَّامَغَانِيُّ نَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ نَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ نَا نَافِعٌ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى قُبَاءَ يُصَلِّي فِيهِ -قَالَ- فَجَاءَتْهُ الأَنْصَارُ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي. قَالَ فَقُلْتُ لِبِلاَلٍ كَيْفَ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَرُدُّ عَلَيْهِمْ حِينَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي قَالَ يَقُولُ هَكَذَا وَبَسَطَ كَفَّهُ. وَبَسَطَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ كَفَّهُ

معنى قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا غرار في صلاة ولا تسليم

وَجَعَلَ بَطْنَهُ أَسْفَلَ وَجَعَلَ ظَهْرَهُ إِلَى فَوْقٍ. (ش) (قوله الدامغاني) نسبة إلى دامغان بلد بين الرى ونيسابور. و (قباء) قرية قريبة من المدينة على ميلين منها أو ثلاثة (قوله فقلت لبلال الخ) وفي رواية النسائي وابن ماجه قال ابن عمر دخل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسجد قباء ليصلي فيه فجاءت رجال من الأنصار يسلمون عليه فسالت صهيبًا وكان معه في كيف كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصنع إذا سلم عليه (قوله يقول هكذا وبسط الخ) أي يشير صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بيده هكذا وبسط بلال كله تصويرًا لإشارته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وبسط جعفركفه تصويرًا الإشارة بلال التي وصلت إليه من شيوخه (وفي هذا) بيان كيفية الإشارة التي يردّ بها المصلي السلام على من سلم عليه حال الصلاة وأنها تكون باليد باطنها إلى أسفل وظاهرها إلى أعلى. وتقدم في حديث ابن مسعود أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أشار بأصبعه. وفي حديثه عند البيهقي أنه أو مأ برأسه. ولا منافاة بين هذه الروايات لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل ذلك كله لبيان الجواز فلا حرج على من فعل أي إشارة منها (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي والترمذي وأحمد وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ "لاَ غِرَارَ في صَلاَةٍ وَلاَ تَسْلِيمٍ". قَالَ أَحْمَدُ يَعْنِي فِيمَا أُرَى أَنْ لاَ تُسَلِّمَ وَلاَ يُسَلَّمَ عَلَيْكَ وَيُغَرِّرُ الرَّجُلُ بِصَلاَتِهِ فَيَنْصَرِفُ وَهُوَ فِيهَا شَاكٌّ. (ش) (رجال الحديث) (سفيان) الثوري. و (أبو حازم) سليمان الأشجعي الكوفي. روى عن أبي هريرة وابن عمر والحسن والحسين وابن الزبير. وعنه أبو مالك سعد ابن طارق الأشجعي والأعمش ومنصور بن المعتمر وابن عجلان وكثيرون. وثقه أبو داود وابن معين وأحمد والعجلي وقال ابن سعد كان ثقة وله أحاديث صالحة وقال ابن عبد البر أجمعنا على أنه ثقة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله لا غرار في صلاة) أي لا نقص في صلاة (قال) في النهاية الغرار في الصلاة نقصان هيئتها وأركانها وقيل النوم فيها (وقال) الخطابي الغرار في الصلاة على وجهين (أحدهما) أن لايتمّ ركوعه وسجوده (والآخر) أن يشك هل صلى ثلاثًا أو أربعًا فيأخذ بالأكثر ويترك اليقين

باب في تشميت العاطس في الصلاة

وينصرف بالشك اهـ (قوله ولا تسليم) بالنفى وهو بمعنى النهى. وتسليم يروي بالنصب والجرّ فعلى الجرّ يكون معطوفًا على صلاة ويكون المعنى لا نقص في صلاة ولا في تسليم والنقص في السلام أن يقول في الردّ وعليك دون أن يقول وعليك السلام (وقال) الخطابي الغرار في السلام أن تقول لمن قال السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم أو عليكم فقط ولا تردّ التحية كما سمعتها من صاحبك فتبخسه حقه اهـ وعلى أنه منصوب يكون معطوفًا على غرار فيكون المعنى لا نقص في الصلاة ولا تسليم فيها أي لا يسلم المصلى على غيره ولا يسلم الغير عليه كما ذكره المصنف عن أحمد وهذا هو المناسب للترجمة (قوله ويغرّر الرجل بصلاته الخ) تصير الإِمام أحمد للغرار في الصلاة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ أَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ -أُرَاهُ رَفَعَهُ- قَالَ "لاَ غِرَارَ في تَسْلِيمٍ وَلاَ صَلاَةٍ". (ش) (قوله قال أراه رفعه) أي قال معاوية في روايته أظن أن أبا هريرة رفع الحديث إلى الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ ابْنُ فُضَيْلٍ عَلَى لَفْظِ ابْنِ مَهْدِيٍّ وَلَمْ يَرْفَعْهُ. (ش) أي روى هذا الحدث محمَّد بن فضيل بلفظ عبد الرحمن بن مهدي موقوفُ اعلى أبى هريرة أي لا غرار في صلاة ولا تسليم لا على لفظ معاوية بن هشام فوافق ابن فضيل عبد الرحمن بن مهدي في اللفظ وخالفه في الرفع وخالف معاوية في لفظ الحديث وفي الشك في رفعه (وحاصله) أن هذا الحديث رواه عن سفيان الثوري ثلاثة "أولهم" عبد الرحمن بن مهدي فرفعه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بلا شك "وثانيهم" معاوية بن هشام رواه عن سفيان مرفوعًا على الظن "وثالثهم" محمَّد بن فضيل رواه عن سفيان موقوفُ اعلى أبى هريرة (باب في تشميت العاطس في الصلاة) (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى ح وَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ -الْمَعْنَى- عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ هِلاَلِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله تعالى عليه

وعلى آله وسلم فَعَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ الله فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ وَاثُكْلَ أُمِّيَاهُ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ يُصَمِّتُونِي -فَقَالَ عُثْمَانُ- فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُسَكِّتُونِي لَكِنِّى سَكَتُّ قَالَ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-بِأَبِي وَأُمِّي- مَا ضَرَبَنِي وَلاَ كَهَرَنِي وَلاَ سَبَّنِي ثُمَّ قَالَ "إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَحِلُّ فِيهَا شَىْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ هَذَا إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ". أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا قَوْمٌ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَقَدْ جَاءَنَا الله بِالإِسْلاَمِ وَمِنَّا رِجَالٌ يَأْتُونَ الْكُهَّانَ. قَالَ "فَلاَ تَأْتِهِمْ". قَالَ قُلْتُ وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ. قَالَ "ذَاكَ شَىْءٌ يَجِدُونَهُ في صُدُورِهِمْ فَلاَ يَصُدُّهُمْ". قُلْتُ وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ. قَالَ "كَانَ نَبِىٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ". قَالَ قُلْتُ جَارِيَةٌ لِي كَانَتْ تَرْعَى غُنَيْمَاتٍ قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ إِذِ اطَّلَعْتُ عَلَيْهَا إِطْلاَعَةً فَإِذَا الذِّئْبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْهَا وَأَنَا مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ لَكِنِّى صَكَكْتُهَا صَكَّةً فَعَظَّمَ ذَاكَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ أَفَلاَ أُعْتِقُهَا قَالَ "ائْتِنِي بِهَا". قَالَ فَجِئْتُهُ بِهَا فَقَالَ "أَيْنَ الله". قَالَتْ في السَّمَاءِ. قَالَ "مَنْ أَنَا". قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللهِ. قَالَ "أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ". (ش) (رجال الحديث) (يحيى) بن سعيد القطان. و (حجاج) بن أبي عثمان أبى الصلت الصواف تقدم في الجزء الرابع صفحة 224. و (هلال بن أبي ميمونة) هو هلال بن علي بن أسامة العامري مولاهم المدني. روى عن أنس وأبى سلمة وعطاء بن يسار. وعنه يحيى ابن أبي كثير وزياد بن سعد وفليح وعبد العزيز بن الماجشون. وثقه الدارقطني ومسلمة بن قاسم وقال في التقريب ثقة من الخامسة وقال أبو حاتم شيخ يكتب حديثه وقال النسائي

لا بأس به روى له الجماعة. و (معاوية بن الحكم السلمي) روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابن كثير وعطاء بن يسار وأبو سلمة بن عبد الرحمن. كان ينزل المدينة ويسكن في بني سليم. روى له مسلم وأبو داود والنسائي (معنى الحديث) (قوله فعطس) بفتح الطاء المهملة من بابي ضرب ونصر والعطاس معروف (قوله فقلت يرحمك الله) شمته لأنه سمعه يحمد الله تعالى كما تفيده الرواية الآتية (قوله فرماني القوم بأبصارهم) وفي رواية مسلم فحدقني القوم بأبصارهم من التحديق وهو شدة النظر أي نظروا إليّ نظرة منكر كيلا أتكلم في الصلاة. وفي الكلام استعارة بالكناية حيث شبه الأبصار بالسهام ثم حذف السهام وأشار إليها بالرمى (قوله واثكل أمياه) بضم الثاء المثلثة وسكون الكاف وبفتحهما لغتان وهو فقدان المرأة ولدها يقال ثكلته أمه بكسر الكاف من باب تعب فقدته والواو فيه للندبة وأمياه بكسر الميم مضافا إلى ياء المتكلم المفتوحة والألف للندبة والهاء للسكت فكأنه قال وافقد ولدها يعني نفسه. وقال ذلك لما علم أنه خالف بكلامه في الصلاة (قوله ما شأنكم تنظرون إليّ) أي ما خالكم تنظرون إليّ نظر غضب وإنكار. وفي رواية النسائي ما لكم تنظرون إليّ (قوله فجعلوا يضربون بأيدههم على أفخادهم) وفي رواية النسائي فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم. وفعلوا ذلك لزيادة الإنكار ليسكتوه. وهو محمول على أن ذلك كان قبل مشروعية التسبيح لمن نابه شيء في الصلاة (قوله فعرفت أنهم يصمتوني الخ) بتشديد الميم أي يسكتوني وهذا لفظ مسدد. ولفظ عثمان فلما رأيتهم يسكتوني وهي رواية النسائي (قوله لكني سكتُ) استدراك على محذوف جواب لما أي لما رأيتهم يسكتوني غضبت لكني سكتّ ولم أسأل عن السبب امتثالًا لما أشاروا إليه لأنهم أعلم مني (قوله بأبي وأمي) أي هو مفدي بأبي وأمي وفي رواية مسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه. وأتى به تعظيمًا له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله ما ضربني الخ) مرتب عل جواب الشرط المحذوف أي لما صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دعاني فعلمني برفق وما ضربني الخ وقوله بأبي وأمي معترض بين الشرط وجوابه. وقوله ولا كهرني ولا سبني أي ما انتهرني ولا أغلظ عليّ القول ولا استقبلني صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بوجه عبوس يقال كهر الرجل إذا انتهره (قوله إن هذه الصلاة لا يحلّ فيها شيء من كلام الناس) صريح في تحريم الكلام في الصلاة وأضاف الكلام إلى الناس ليخرج التسبيح والذكر فإنه لا يراد بهما خطاب الناس وإفهامهم (ويؤخذ منه) منع تشميت العاطس في الصلاة وأنه من كلام الناس الذي يحرم في الصلاة وتفسد به إذا أتى به عامدًا عالمًا. ولعلّ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يأمر معاوية بالإعادة لجهله بتحريم الكلام في الصلاة (وإلى أن) تشميت العاطس مبطل للصلاة ذهبت الحنفية والشافعية

المذاهب في تشميت المصلي غيره وفي حلوان الكاهن والنهي عن التطير وضرب الرمل ومذهب السلف والخلف في حديث الجارية وبقية المتشابهات

والحنابلة قالوا لأنه خطاب للغير (وقالت الحنفية) لو قال العاطس لنفسه يرحمك الله لا تفسد صلاته لأنه دعاء لنفسه (وقال) النووي إذا قال يرحمه أو رحمه الله لم تفسد صلاته باتفاق الأصحاب لأنه ليس بخطاب اهـ (وعن أبي يوسف) لا تبطل الصلاة بالتشميت لأنه دعاء بالمغفرة والرحمة وبه قالت المالكية إلا أنهم قالوا يكره. والحديث حجة عليهم (قوله إنما هو التسبيح الخ) أي ما يحل في الصلاة إنما هو التسبيح والتهليل وقراءة القرآن وأشباهها من الأذكار والدعاء (قوله أو كما قال) من كلام معاوية بن الحكم ويؤتى بها تحرّيًا للصدق لاحتمال أن يكون الراوي أو بعض مشايخه قد التبس عليه بعض الألفاظ (قوله إنا قوم حديثو عهد بجاهلية) وفي رواية مسلم إني حديث عهد بجاهلية أي قريب عهد بالجاهلية والمراد أنه أسلم جديدًا ولم يعرف أحكام الدين. وهو اعتذار منه على ما وقع له من الخطأ. والجاهلية ما قبل ورود الشرع سموا بذلك لكثرة جهالاتهم وفحشهم (قوله ومنا رجال يأتون الكهان). جمع كاهن وهو من يدّعي معرفة الأخبار عن الأشياء في المستقبل ويدّعى معرفة السرائر بخلاف العرّاف فإنه يدّعي معرفة المسروق ومكان الضالة ونحوهما (قوله فلا تأتهم) نهى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن إتيان الكهنة لأنهم يلبسون على الناس كثيرًا من الشرع ولأنهم قد يتكلمون بمغيبات قد يصادف بعضها الصواب فيخاف الفتنة على من رأى ذلك (قال النووي) قد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهى عن إتيان الكهان وتصديقهم فيما يقولون وتحريم ما يعطون من الحلوان وهو حرام بإجماع المسلمين وقد نقل الإجماع في تحريمه جماعة منهم أبو محمد البغوي وقال اتفق أهل العلم على تحريم حلوان الكاهن وهو ما أخذه المتكهن على كهانته لأن فعل الكهانة باطل لا يجوز أخد الأجرة عليه اهـ (وقال). الخطابي حلوان الكاهن ما يأخذه المتكهن على كهانته وهو محرّم وفعله باطل وقال في حديث من أتى عرّافا أو كاهنا فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمَّد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رواه الإِمام أحمد بسند صحيح. وكان في العرب كهنة يدّعون أنهم يعرفون كثيرًا من الأمور فمنهم من يزعم أن له رئيا من الجن يلقى إليه إلأخبار ومنهم من يدّعى استدراك ذلك بفهم أعطيه ومنهم يسمى عرّافًا وهو الذي يزعم معرفة الأمور بمقدمات وأسباب يستدلّ بها كمعرفة من سرق الشيء الفلاني ومعرفة من تتهم به المرأة ونحو ذلك (والحديث) يشتمل على النهى عن إتيان هؤلاء كلهم والرجوع إلى قولهم وتصديقهم فيما يدّعونه اهـ (قوله ومنا رجال يتطيرون) أي يتشاءمون (قال) في النهاية الطيرة بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن التشاؤم بالشئ وأصل التطير التفاؤل بالطير واستعمل لكل ما يتفاءل به ويتشاءم وكانت العرب تتطير بالطيور والظباء فيستبشرون بالسوانح وهي أن يمرّ الطير والصيد من اليسار إلى اليمين ويتشاءمون بالبوارح وهي مرور الطير والصيد من اليمين إلى اليسار وكان ذلك يصدّهم

عن مقاصدهم ويمنعهم من السير إلى مطالبهم فنفاه الشرع وأبطله ونهى عنه وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضرر اهـ بتصرّف (قوله ذاك شيء يجدونه الخ) وفي نسخة ذلك شيء يعني وهم يقع في نفوسهم فلا يمنعهم من أعمالهم لأنه ليس له تأثير إنما هو شيء يسوّله الشيطان ويزينه لهم فيعملون عليه في ليوقعهم في اعتقاد أن هناك موثرا غير الله تعالى وهو كفر صريح بإجماع الأئمة فلذا نهى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن العمل على مقتضاه (وقال) النووي معناه أن الطيرة شيء تجدونه في نفوسكم ضرورة ولا عتب عليكم في ذلك فإنه غير مكتسب لكم فلا تكليف به ولكن لا تمتنعوا بسببه التصرّف في أموركم فهذا هو الذي تقدرون عليه وهو مكتسب لكم فيقع به التكليف فنهاهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن العمل بالطيرة والامتناع من تصرّفاتهم بسببها (وقد تظاهرت) الأدلة الصحيحة على النهى عن التطير والطيرة وهي محموله على العمل بها لا على ما يوجد في النفس من غير عمل على مقتضاه عندهم اهـ (قوله ومنا رجال يخطون) يعني في الرمل (قال) ابن عباس الخط هو الذي يخطه الحازى وهو علم قد تركه الناس يأتي صاحب الحاجة إلى الحازى فيعطيه حلوانًا فيقول له اقعد حتى أخط لك وبين يدي الحازى غلام له معه ميل ثم يأتي إلى أرض رخوة فيخط فيها خطوطًا كثيرة بالعجلة لئلا يلحقها العدد ثم يرجع فيمحو منها على مهل خطين خطين وغلامه يقول للتفاؤل ابنى عيان أسرعا البيان فإن بقي خطان فهو علامة النجاح وإن بقي خط واحد فهو علامة الخيبة اهـ (وقال) الحربي الخط هو أن يخط ثلاثة خطوط ثم يضرب عليهنّ بشعير أو نوى ويقول كذا وكذا وهو ضرب من الكهانة (وقال) صاحب النهاية الخط المشار إليه علم معروف وللناس فيه تصانيف كثيرة وهو معمول به إلى الآن ولهم فيه أوصاف واصطلاح وأسام وعمل كثير يستخرجون به الضمير وغيره وكثيرا ما يصيبون فيه اهـ (قوله كان نبىّ من الأنبياء يخط الخ) قيل المراد به إدريس وقيل دانيال. وقوله فمن وافق خطه أي من وافق من الناس خطه خط ذلك النبىّ فخط بالرفع فاعل والمفعول محذوف (ويحتمل) أن يكون خط بالنصب على المفعولية ويكون فاعل وافق ضميرا عائدا على من (قوله فذاك) أي فهو مصيب وعالم بمثل ذلك النبي ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقينى بالموافقة (وامتنعت) الموافقة لأن خطه كان معجزة ولأنه كان يعرف بالفراسة بواسطة تك الخطوط فلا يلحق به أحد من غير الأنبياء في صفة ذلك الخط لقوة فراسته وكمال علمه وورعه (وقال) النووي المقصود أنه حرام لأنه لا يباح إلا بيقين الموافقة وليس لنا يقين بها وإنما قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فمن وافق خطه فذاك ولم لقل هو حرام من غير تعليق على الموافقة لئلا يتوهم متوهم أن هذا النهى يدخل فيه ذاك النبي الذي كان يخط فحافظ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

على حرمة ذلك النبي مع بيان الحكم في حقنا فالمعنى أن ذلك النبي لا مانع في حقه وكذا لوعلمت موافقته ولكن لا علم لكم بها اهـ وما ذكره من التوهم غير مسلم إذ لو صرّح بالحرمة من غير تعليق ما جاء هذا التوهم لأن كثيرًا من الأمور كانت مباحة في شريعة من قبلنا وهي حرام في شرعنا وغايته أن يكون منسوخًا في شرعنا (وقال) الخطابي قوله فمن وافق خطه فذاك يشبه أن يكون أراد به الزجر وترك التعاطى له إذ كانوا لا يصادفون معنى خط ذلك النبي لأن خطه كان علمًا لنبوّته وقد انقطعت نبوّته فذهبت معالمها اهـ ولذا قال المحرّمون لعلم الرمل وهم أكثر العلماء لا يستدلّ بهذا الحديث على إباحته لأنه علق الإذن فيه على موافقة خط ذلك النبي وموافقته غير معلومة إذ لا تعلم إلا من تواتر أو نصّ منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو من أصحابه أن الأشكال التي لأهل علم الرمل كانت لذلك النبي ولم يوجد ذلك فاتضح تحريمه (قوله قلت جارية الخ) وفي نسخة قلت إن جارية لي كانت ترعى. وفي رواية مسلم كانت ترعى غنمًا والمراد بالجارية الخادمة. وأحد جبل معروف قرب المدينة سمى بذلك لانقطاعه عن جبال أخر والجوّانية بفتح أوله وتشديد ثانيه وكسر النون وتشديد المثناة التحتية المفتوحة موضع قرب أحد (قال) النووي فيه دليل على جواز استخدام السيد جاريته في الرعي وإن كانت تنفرد في المرعى وإنما حرّم الشرع سفر المرأة وحدها لأن السفر مظنة الطمع فيها وانقطاع ناصرها والذبّ عنها بخلاف الراعية ومع هذا فإن خيف مفسدة من رعيها لريبة فيها أولفساد ممن يكون في الناحية التي ترعى فيها أو نحو ذلك لم يسترعها وحينئذ لا تمكن الحرّة ولا الأمة من الرعي لأن الرعي في تلك الحالة يصير في معنى السفر فإن كان معها زوج أو محرم ممن تأمن معه على نفسها فلا منع من الرعى حينئذ كما أنه لا منع من السفر في تلك الحالة اهـ ببعض تصرّف (قوله إذ اطلعت عليها إطلاعة الخ) أي نظرت إليها مرّة لأعلم خبرها وإذا بالذئب قد أخذ منها شاة وأنا من بني آدم أحزن لما يقع لي كما يحزنون لما يقع لهم لكني صككتها صكة وهو استدراك على محذوف أي فلم أصبر على ذلك وما اكتفيت بسبها لكني ضربتها بيدى مبسوطة ضربة فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صكى لها أمرًا عظيمًا عليّ لشفقته صلى الله عليه وآله وسلم عليها. ولعل معاوية ضرب الجارية على وجهها حتى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عظم عليه ذلك (قوله أفلا اعتقها) طلب إعتاقها جبرًا لما وقع منه ولما رأى منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الغضب لأجلها (قوله فقال أين الله الخ) أي قال صلى الله عليه وآله وسلم للجارية أين الله (قال) النووي هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيها مذهبان (أحدهما) الإيمان به من غير خوض في معناه مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شيء وتنزيهه عن سمات المخلوقات (والثاني) تأويله بما يليق به سبحانه وتعالى فمن قال بهذا قال كأن المراد امتحانها هل هي موحدة تقرّ

الحث على الرأفة بالخدم

بأن الخالق المدبر الفعال لما يريد هو الله عَزَّ وَجَلَّ وحده وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء كما أنه إذا صلى المصلي استقبل الكعبة وليس ذلك لأنه منحصر في السماء كما أنه ليس منحصرًا في جهة الكعبة بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلين. أو هي من عبدة الأوثان التي بين أيديهم فلما قالت في السماء علم أنها موحدة وليست عابدة للأوثان اهـ ملخصًا (وقال) المازري أراد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم معرفة ما يدلّ على إيمانها لأن معبودات الكفار من صنم ونار بالأرض وكل منهم يسأل حاجته من معبوده والسماء قبلة دعاء الموحدين فأراد كشف معتقدها وخاطبها بما تفهم فأشارت إلى الجهة التي يقصدها الموحدون ولا يدلّ ذلك على جهته ولا انحصاره في السماء كما لا يدلّ التوجه إلى القبلة على انحصاره في الكعبة اهـ (وقيل) إنما سألها بأين عما تعتقده من عظمة الله تعالى. وإشارتها إلى السماء إخبار عن جلاله جلّ وعزّ في نفسها وأنه في المنزلة العليا من التنزّه عن الحوادث وصفاتها وليست هي كأهل الشرك في عبادتهم لما لا عظمة له وإنما هو جماد يصنع باليد لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى شيئًا (وفي هذا) كله صرف للفظ أين عما هي له فإنها موضوعة للاستفهام عن المكان وهي مصروفة عن ظاهرها باتفاق السلف والخلف لقوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) إلا أن السلف قالوا نؤمن به وبمثله من المتشابه من غير خوض في معناه مع اعتقاد أن الله ليس كمثله شيء وهو أسلم وهو مذهبنا (وأما) الخلف فأوّلوه بما تقدم (قوله أعتقها فإنها مؤمنة) أمره صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعتقها بعد تبين إيمانها دليل على أن عتق المؤمن أفضل من عتق الكافر تطوعًا لا لأن عتق الكافر لا يصح تطوعًا فإنهم قد اتفقوا على صحته واتفقوا على أنه لا يصح عتق الكافر في كفارة القتل (واختلفوا) في عتقه في كفارة الظهار والأيمان وتعمد الفطر في رمضان فمنعه مالك والشافعي وأجازه الكوفيون وسيأتي تمام الكلام عليه في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن تشميت العاطس من الكلام الذي لا يجوز في الصلاة وعلى أن العمل القليل فيها لا يبطلها، وعلى ما كان عليه الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من عظيم الخلق ورفقه بالجاهل وشفقته على الأمة، وعلى تحريم الكلام في الصلاة. وتقدّم تمام الكلام عليه في باب العمل في الصلاة، وعلى تحريم إتيان الكهان، وعلى منع التطير والتشاؤم بالأشياء، وعلى منع التخطيط المسمى بضرب الرمل، وعلى جواز استخدام السيد جاريته في الرعى، وعلى الترغيب في الرأفة بالخدم والتنفير من إهانتهم، وعلى طلب تعظيم المؤمن وإكرامه والإحسان إليه (والحديث) أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي والطبراني وابن أبي شيبة وأحمد (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ النَّسَائِيُّ نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو نَا فُلَيْحٌ عَنْ هِلاَلِ بْنِ

عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عُلِّمْتُ أُمُورًا مِنْ أُمُورِ الإِسْلاَمِ فَكَانَ فِيمَا عُلِّمْتُ أَنْ قَالَ لِي "إِذَا عَطَسْتَ فَاحْمَدِ اللهَ وَإِذَا عَطَسَ الْعَاطِسُ فَحَمِدَ اللهَ فَقُلْ يَرْحَمُكَ الله". قَالَ فَبَيْنَمَا أَنَا قَائِمٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في الصَّلاَةِ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ فَحَمِدَ اللهَ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ الله رَافِعًا بِهَا صَوْتِى فَرَمَانِي النَّاسُ بِأَبْصَارِهِمْ حَتَّى احْتَمَلَنِي ذَلِكَ فَقُلْتُ مَا لَكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ بِأَعْيُنٍ شُزْرٍ قَالَ فَسَبَّحُوا فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الصَّلاَةَ قَالَ "مَنِ الْمُتَكَلِّمُ". قِيلَ هَذَا الأَعْرَابِيُّ فَدَعَانِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لِي "إِنَّمَا الصَّلاَةُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللهِ جَلَّ وَعَزَّ فَإِذَا كُنْتَ فِيهَا فَلْيَكُنْ ذَلِكَ شَأْنَكَ". فَمَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَطُّ أَرْفَقَ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-. (ش) (رجال الحديث) (محمَّد بن يونس) روى عن زيد بن الحباب وروح بن عبادة ووهب بن جرير وأبى عامر عبد الملك بن عمرو العقدى. وعنه فليح بن سليمان وأبو داود وقال كان ثقة وقال في التقريب ثقة من الحادية عشرة وقال الذّهبى لا يكاد يعرف. و (النسائي) نسبة إلى نساء مدينة بخراسان (معنى الحديث) (قوله حتى احتملني ذلك الخ) يعني أغضبنى فعلهم هذا فقلت ما لكم تنظرون إلى بأعين شزر بضم الشين المعجمة وسكون الزاي في آخره راء مهملة جمع شزراء والشزر النظر عن اليمين والشمال من غير استقامة فيه (وقيل) هو النظر بمؤخر العين وأكثر مايكون النظر الشزر في حال الغضب وإلى الأعداء (قوله فسبحوا) لا منافاة بين هذه الرواية وما تقدّم من ضربهم على أفخاذهم لاحتمال أنهم سبحوا له ثم ضربوا على أفخاذهم. أو أن بعضهم سبح وبعضهم ضرب على فخذه (قوله إنما الصلاة لقراءة القرآن الخ) الحصر إضافيّ بالنسبة إلى كلام الناس (قوله فليكن ذلك شأنك) أي فليكن ما ذكر من القراءة والذكر قولك في الصلاة ولا تتجاوزه إلى كلام الناس

باب التأمين وراء الإمام

(باب التأمين وراء الإِمام) (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ حُجْرٍ أَبِي الْعَنْبَسِ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا قَرَأَ (وَلاَ الضَّالِّينَ) قَالَ "آمِينَ". وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ. (ش) (رجال الحديث) (سفيان) الثوري (قوله عن حجر أبى العنبس) وفي نسخة حجر ابن العنبس وهو الذي ذكره المصنف في الرواية الآتية: صوّبه الترمذي. الحضرمي الكوفي روى عن وائل بن حجر. وعنه سلمة بن كهيل وعلقمة بن مرثد وموسى بن قيس والمغيرة بن الحرّ. قال ابن معين ثقة مشهور ووثقه الخطيب وصحح الدارقطني حديثه وقال في التقريب صدوق من الثانية. روى له أبو داود والترمذي والبخاري في جزء القراءة خلف الإِمام (معنى الحديث) (قوله إذا قرأ ولا الضالين قال آمين الخ) فيه دلالة على مشروعية تأمين الإِمام وجهره به (قال الترمذي) وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والتابعين ومن بعدهم يرون الرجل يرفع صوته بالتأمين ولا يخفيها اهـ (وبذلك) قالت الشافعية وأحمد وإسحاق (واختلفت) الروايات عن مالك في الصلاة الجهرية. فروى المصريون عنه عدم التأمين فيها قالوا لأن الإِمام داع ومن سنة المؤمن أن يكون غير الداعي. وروى عنه مطرّف وابن الماجشون التأمين للإمام في الجهرية لكنه يؤمن سرّ. وإذا أسرّ الإِمام القراءة فلم يختلف عندهم في أنه يؤمن فيها (وقالت الحنفية) يؤمن الإِمام سرًّا قالوا لأن التأمين ليس فيه إلا زيادة الدعاء والداعى أولى به (وآمين) ليست من الفاتحة بل ولا من القرآن. ولذا قال المفسرون يسنّ الإتيان بها مفصولة عن الفاتحة بسكتة ليتميز القرآن عن غيره وكذا يسنّ الإتيان بها لكل داع لما روى عن عليّ آمين خاتم رب العالمين ختم بها دعاء عبادة. وفيها لغات "أشهرها" مدّ الهمزة وتخفيف الميم "ثانيتها" قصر الهمزة وتخفيف الميم حكاها ثعلب وجماعة وأنكرها عليهم آخرون. وحكى الواحدى عن حمزة والكسائي مدّ الهمزة مع إمالتها وتخفيف الميم. وحكي عن الحسن البصري والحسين بن الفضل مدّ الهمزة وتشديد الميم (قال) النووي في شرح المهذب ويؤيده أنه جاء عن جعفر الصادق أن تأويله قاصدين إليك وأنت الكريم من أن تخيب واحدًا. وحكى القاضي عياض هذا الأخير وقال إنها لغة شاذة مردودة. وحكى ابن السكيت وسائر أهل اللغة أنها من لحن العوام اهـ

وآمين اسم فعل أمر بمعنى استجيب مبنى على الفتح. وقيل معناه لا تخيب رجاءنا إذ لا يقدر على هذا غيرك. وقيل هو كنز من كنوز العرش. وحكى صاحب القاموس عن الواحدي أنها اسم من أسماء الله والتقدير يا آمين (لكن) قيل عليه إنه لو كان اسمًا لبُنِي على الضمّ لأنه منادى مفرد وأيضًا أسماء الله تعالى توقيفية ولم يثبت أن آمين منها (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والترمذي والدارقطني وابن حبان (ص) حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ الشَّعِيرِيُّ نَا ابْنُ نُمَيْرٍ نَا عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرِ بْنِ عَنْبَسٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَجَهَرَ بِآمِينَ وَسَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ خَدِّهِ. (ش) (ورجال الحديث) (الشعيرى) نسبة إلى الشعير إقليم من نواحي حمص بالأندلس. و (علي بن صالح) بن صالح بن حيّ الهمداني أبو محمَّد الكوفي. روى عن أبيه والأعمش وأبي إسحاق السبيعي وسلمة بن كهيل وجماعة. وعنه ابن عيينة وعبد الله بن نمير ومعاوية بن هشام ووكيع وأبو نعيم. وثقه النسائي وابن معين والعجلي وقال ابن سعد كان صاحب قرآن ثقة قليل الحديث. مات سنة إحدى وخمسين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (معنى الحديث) (قوله فجهر بآمين) حجة أيضًا لمن قال إن الإِمام يجهر بالتأمين (قوله وسلم عن يمينه وعن شماله) فيه مشروعية تسليم الإِمام على اليمين واليسار ويأتي الكلام عليه في باب في السلام (ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ نَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى عَنْ بِشْرِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ابْنِ عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا تَلاَ (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) قَالَ "آمِينَ". حَتَّى يَسْمَعَ مَنْ يَلِيهِ مِنَ الصَّفِّ الأَوَّلِ. (ش) (رجال الحديث) (بشر بن رافع) الحارثي أبى الأسباط النجراني. روى عن أبى عبد الله الدوسي وعبد الله بن سيمان ويحيى بن أبي كثير وابن عجلان. وعنه عبد الرزاق بن همام

وحاتم بن إسماعيل وصفوان بن عيسى. ضعفه أحمد والترمذي والنسائي وقال البخاري لا يتابع في حديثه وقال أبو حاتم منكر الحديث لا نرى له حديثًا قائمًا وقال ابن عبد البرّ اتفقوا على إنكار حديثه وطرح ما رواه وترك الاحتجاج به لا يختلف علماء الحديث في ذلك وقال ابن حبان يأتي بطامات عن يحيى بن أبي كثير. موضوعة يعرفها من لم يكن الحديث صناعته كأنه المتعمد لها وقال في التقريب فقيه ضعيف الحديث. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه والبخاري في الأدب (قوله عن أبي عبد الله ابن عمّ أبى هريرة) هو عبد الرحمن بن هضاض ويقال. ابن هضهاض ويقال ابن الصامت الدوسي. روى عن أبي هريرة ووهب بن منبه. وعنه أبو الزبير وبشر بن رافع. قال في التقريب مقبول من الثالثة وقال ابن القطان لا يعرف وقال في الميزان أبو عبد الله الدوسي عن أبي هريرة لا يعرف ماحدث عنه سوى بشر بن رافع. روى له أبو داود وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله حتى يسمع من يليه من الصف الأول) بفتح الياء من الثلاثي أو بضمها من أسمع الرباعى. وفي رواية ابن ماجه حتى يسمعها أهل الصف الأول فيرتجّ لها المسجد وهو غاية لجهره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالتأمين (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الدارقطني والحاكم والبيهقي وكذا ابن ماجه عن أبي هريرة قال ترك الناس التأمين وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال آمين (ص) نَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ "إِذَا قَالَ الإِمَامُ (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) فَقُولُوا "آمِينَ". فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". (ش) استدل به من قال إن الإِمام لا يؤمن لكن لا يدل له لأن غاية ما يفيده أن تأمين الإِمام مسكوت عنه وتقدم في حديث وائل وأبي هريرة أنه صلى الله عليه وآله وسلم كأن يؤمن ويجهر حتى يسمع من يليه من الصف وهو كان يصلي إمامًا. وقوله فقولوا آمين أي مع تأمين الإِمام ليوافق تأمينكم تأمين الملائكة فإنهم يؤمنون حال تأمين الإِمام (قيل) في الحديث دلالة على أن المأموم يجهر بالتأمين (وقد ترجم) البخاري لهذا الحديث فقال "باب جهر المأموم بالتأمين" قال الزين بن المنير مناسبة الحديث للترجمة أن في الحديث الأمر بقوله آمين والقول إذا وقع به الخطاب مطلقًا حمل على الجهر ومتى أريد به الإسرار أو حديث النفس قيد بذلك اهـ وروى البيهقي عن عطاء قال أدركت مائتين من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

الكلام في تأمين المأموم والمنفرد

في هذا المسجد إذا قال الإِمام ولا الضالين سمعت لهم رجة آمين. وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال قلت له أكان ابن الزبير يؤمن على إثر أم القرآن قال نعم ويؤمن من وراه حتى أن للمسجد للجة (وإلى أن) المأموم يجهر بالتأمين ذهبت الشافعية والحنابلة إذا كان في صلاة جهرية فإن كان في سرّية أسرّ به (وذهبت) المالكية إلى أنه يسرّ بالتأمين مطلقًا في جهرية وسرية. والفذ كالمأموم عندهم (وقالت الحنفية) يؤمن المأموم والفذ والإِمام سرًا. وقد علمت بسط الكلام على الإِمام في الحديث الأول من هذا الباب. وقوله فإنه من وافق قوله قول الملائكة تعليل لمحذوف أي فقولوا آمين توافقوا قول الملائكة وتأمينهم فتصيبوا خيرًا لأن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه فالمراد بالموافقة الموافقة في الزمن لما في الصحيحين عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا قال أحدكم آمين وقالت الملائكة في السماء ووافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه (وقال ابن حبان) في صحيحه فإن الملائكة تقول آمين ثم قال يريد أنه إذا أمن كتأمين الملائكة من غير إعجاب ولا سمعة ولا رياء خالصًا لله تعالى فإنه حينئذ يغفر له والمراد بالملائكة الحفظة وقيل غير ذلك وتقدم بسط الكلام على ذلك في باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع (والحديث) أخرجه البخاري ومالك في الموطأ والنسائي وابن حبان وعبد الرزاق وأحمد (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ "إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ "آمِينَ". (ش) (قوله إذا أمن الإِمام فأمنوا) دليل على مشروعية تأمين الإِمام كالمأموم "ولا يقال" إن القضية شرطية لا تقتضى الوقوع "لأن" إذ التحقق الوقوع "وتؤيده" الروايات السابقة الصريحة في تأمينه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وما رواه) النسائي عن أبي هريرة مرفوعًا إذا قال الإِمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين فإن الملائكة تقول آمين وإن الإِمام

يقول آمين (وظاهر) حديث الباب أن تأمين المأموم متأخر عن تأمين الإِمام فإنه رتبه عليه بالفاء التي للتعقيب فيكون منافيًا لما تفيده الرواية السابقة وغيرها مما فيه أن تأمين المأموم يكون مع تأمين الإِمام (وأجيب) بأن المراد بقوله إذا أمن الإِمام أي أراد أن يؤمن جمعًا بين الروايات (قال الجويني) لا تستحب مقارنة الإِمام في شيء من الصلاة غير التأمين اهـ وقيل يؤخذ من الخبرين تخيير المأموم في التأمين مع الإِمام أو بعده (والأمر) بتأمين المأموم في الحديث للندب عند الجهور. وحكي ابن بزيزة عن بعض أهل العلم وجوب التأمين على المأموم عملًا بظاهر الأمر في الحديث (وبه قالت) الظاهرية على كل مصلّ. أما الإِمام والمنفرد فالتأمين مندوب لهما عند الجهور أيضًا. وحكى المهدي في البحر عن العترة أن التأمين بدعة، واستدل صاحب البحر بحديث معاوية بن الحكم المتقدم وفيه إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس قالوا والتأمين من كلام الناس لأنه ليس بقراءة ولا ذكر و"يردّ" ما قالوه أحاديث الباب وأشباهها. وأما حديث معاوية المذكور فهو عام مخصوص بأحاديث التأمين. وعلى تقدير أن أحاديث التأمين لا تخصصه فالتأمين داخل في العمومات الدالة على مشروعية الدعاء في الصلاة على أن المراد بكلام الناس في هو تكليمهم والتأمين ليس بتكليم (قوله قال ابن شهاب وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول آمين) أتى به ردّا على من يقول إن الإِمام لا يؤمن وأوّل قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أمن الإِمام أي أراد للتأمين ولا يلزم من الإرادة التأمين بالفعل. وهو وإن كان مرسلًا لكن يعضده ما تقدم للمصنف من تأمينه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وما تقدم في رواية النسائي عن أبي هريرة (والحديث) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك في الموطأ (ص) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ رَاهَوَيْهِ أَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ بِلاَلٍ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ لاَ تَسْبِقْنِي "بِآمِينَ". (ش) (رجال الحديث) (إسحاق بن إبراهيم بن راهويه) بن مخلد بن إبراهم الحنظلي المروزي أحد الأئمة. روى عن بشر بن المفضل ووكيع بن الجرّاح وابن عيينة وابن علية وحفص بن غياث وطوائف. وعنه البخاري ومسلم النسائي والترمذي وكثيرون. قال أحمد لا أعرف له نظيرًا بالعراق إمام من أئمة المسلمين وقال النسائي أحد الأئمة ثقة مأمون وقال أبو حاتم العجب من إتقانه وسلامته من الغلط مع ما رزق من الحفظ وقال ابن حبان كان من سادات أهل زمانه فقها وعلما وحفظا وصنف الكتب وفرّع على السنن وذبّ عنها وقمع من خالفها اهـ وأثنى عليه

كثير من الحفاظ. ولد سنة إحدى أوست وستين ومائة. ومات سنة سبع أو ثمان وثلاثين ومائتين. و (عاصم) بن سليمان الأحول تقدم في الجزء الأول صفحة 274. و (أبو عثمان) عبد الرحمن بن ملّ النهدي في الرابع صفحة 249 (معنى الحديث) (قوله لا تسبقني بآمين) أراد بلال بذلك أن يدرك التأمين مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ولعله كان يقيم الصلاة في مؤخر المسجد قريبًا من محلّ الأذان وكان بعد فراغه من الإقامة يمشي حتى يصل إلى الصف وربما اشتغل بتعديل الصفوف فخشى أن يفوته التأمين معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال له ذلك (قال) العيني هذا الحديث مرسل وقال الحاكم في الأحكام قيل إن أبا عثمان لم يدرك بلالًا وقال أبو حاتم الرازي رفعه خطأ ورواه الثقات عن عاصم عن أبي عمان مرسلًا وقال البيهقي وقيل عن أبي عثمان عن سليمان قال قال بلال وهو ضعيف ليس بشئ اهـ وروى البيهقي هذا الحديث موقوفًا على أبى هريرة من طريق حماد عن ثابت عن أبي رافع قال كان أبوهريرة يؤذن لمروان فاشترط أن لا يسبقه بالضالين حتى يعلم أنه دخل في الصف (قال) في الفتح وكأنه كان يشتغل بالإقامة وتعديل الصفوف وكان مروان يبادر إلى الدخول في الصلاة قبل فراغ أبي هريرة وكان أبوهريرة ينهاه عن ذلك اهـ وقد وقع ذلك لأبي هريرة أيضًا مع العلاء بن الحضرمي كما رواه عبد الرزاق من طريق سعيد بن منصور عن محمَّد بن سيرين أن أبا هريرة كان مؤذنا بالبحرين وأنه اشترط علي الإِمام أن لا يسبقه بآمين وكان الإِمام بالبحرين العلاء بن الحضرمي (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي وعبد الرزاق. عن أبي هريرة موقوفًا عليه كما تقدم وأخرجه البخاري تعليقا عن أبي هريرة بلفظ كان أبوهريرة ينادى الإِمام لا تفتني بآمين (ص) حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ الدِّمَشْقِيُّ وَمَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ قَالاَ نَا الْفِرْيَابِيُّ عَنْ صُبَيْحِ بْنِ مُحْرِزٍ الْحِمْصِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو مُصْبِحٍ الْمَقْرَائِيُّ قَالَ كُنَّا نَجْلِسُ إِلَى أَبِي زُهَيْرٍ النُّمَيْرِيِّ -وَكَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ- فَيَتَحَدَّثُ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ فَإِذَا دَعَا الرَّجُلُ مِنَّا بِدُعَاءٍ قَالَ اخْتِمْهُ بِآمِينَ فَإِنَّ آمِينَ مِثْلُ الطَّابَعِ عَلَى الصَّحِيفَةِ. قَالَ أَبُو زُهَيْرٍ أُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ لَيْلَةٍ فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَلَحَّ في الْمَسْأَلَةِ فَوَقَفَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَسْتَمِعُ مِنْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله تعالى عليه

الترغيب في ختم الدعاء بآمين

وعلى آله وسلم "أَوْجَبَ إِنْ خَتَمَ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ بِأَيِّ شَيءٍ يَخْتِمُ قَالَ "بِآمِينَ فَإِنَّهُ إِنْ خَتَمَ بِآمِينَ فَقَدْ أَوْجَبَ". فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ الَّذِي سَأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَتَى الرَّجُلَ فَقَالَ اخْتِمْ يَا فُلاَنُ بِآمِينَ وَأَبْشِرْ. وَهَذَا لَفْظُ مَحْمُودٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ الْمَقْرَاءُ قَبِيلٌ مِنْ حِمْيَرَ. (ش) (رجال الحديث) (الوليد بن عتبة الدمشقي) الأشجعي أبو العباس. روى عن أبى ضرة وحمزة بن ربيعة ومروان بن محمَّد وأبى مسهر. وعنه أبو داود وأبو زرعة وسلمة بن شبيب وجعفر الفريابي. قال البخاري معروف الحديث وأثنى عليه محمَّد بن عون خيرًا وقال في التقريب ثقة من العاشرة. مات سنة أربعين ومائتين. و (الفريابي) هو محمَّد بن يوسف بن واقد منسوب إلى فرياب مدينة ببلاد الترك. و(صبيح) ضبطه بعضهم بضم الصاد وبعضهم بفتحها (ابن محرز) بضم فسكون فكسر. روى عن عمرو بن قيس وأبي مصبح المقرائى. وعنه محمَّد بن يوسف الفريابي. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من السابعة. و (أبو مصبح) الروياني الأوزاعي الحمصي روى عن ثوبان وأبي زهير وشداد بن أوس وشرحبيل بن السمط وغيرها. وعنه الأوزاعي وحريز بن عثمان وعبد الرحمن بن يزيد. قال أبو زرعة ثقة لا أعرف اسمه وذكره ابن حبان في الثقات وقال في القريب ثقة من الثالثة. روى له أبو داود (قوله كنا نجلس إلى أبي زهير النميري) ويقال أبو الأزهر ولم يعرف اسمه وقيل اسمه يحيى بن نفير. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه خالد بن سعد وكثير بن مرّة وشريح بن عبيد (معنى الحديث) (قوله فتحدث أحسن الحديث) لعله كان يعلمهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة) تعليل لأمره بختم الدعاء بالتأمين. والطابع بفتح الباء الموحدة وكسرها ما يطبع به كالختم والصحيفة قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه (قوله قال أبو زهير أخبركم الخ) أتى به دليلًا على ما قاله. وقوله ألحّ في المسألة يعني أقبل عل الدعاء وبالغ فيه (قوله أوجب إن ختم) يعني أجيب دعاؤه إن ختمه بآمين (قوله فأتى الرجل الخ) أي أتى الذي سأل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الرجل الذي ألحّ) في المسألة فقال اختم يا فلان بآمين وأبشر بإجابة دعائك (وفي هذا) دلالة على الترغيب في التأمين بعد الدعاء (وقد) جاء في فضله أحاديث أخر (منها)

باب التصفيق في الصلاة

ما رواه أحمد وابن ماجه والطبراني عن عائشة مرفوعًا ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين (وما رواه) ابن ماجه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما حسدتكم اليهود على شيء كحسدهم على قول آمين فأكثروا من قول آمين (وما رواه) البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال إذا قال أحدكم آمين وقالت الملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه (والتأمين) من خصوصيات هذه الأمة "فقد" روى ابن خزيمة عن أنس قال كنا عند النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جلوسًا فقال إن الله قد أعطاني خصالًا ثلاثة أعطاني صلاة في الصفوف وأعطانى التحية إنها تحية أهل الجنة وأعطاني التأمين ولم يعطه أحدًا من النبيين قبلي إلا أن يكون الله قد أعطاه هارون يدعو موسى ويؤمن هارون (قوله قال أبو داود والمقرائي قبيل من حمير) أتى به لبيان نسبة أبى مصبح. والمقرائي، بضم الميم وفتحها وسكون القاف وهمزة مكسورة بعد راء ممدودة وصوّب بعضهم فتح الميم (قال) المنذري هكذا ذكر غير المصنف وذكر أبو سعيد المروزي أن هذه النسبة إلى مقرا قرية بدمشق والأول أشهر وقال صاحب القاموس مقرأ كمكرم بلدة باليمن به معدن العقيق ومنه المقرئيون من المحدثين. وفي بعض النسخ المقرئ بإسقاط الألف بعد الراء والهمزة كالمعطي. وفي بعضها المقرئُ بإثبات الهمزة وإسقاط الألف (باب التصفيق في الصلاة) (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- "التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ". (ش) (سفيان) بن عيينة (قوله التسبيح للرجال والتصفيق للنساء) يعني إذا نابهم شيء في الصلاة صرّح به في رواية مسلم وابن ماجه (وفيه دلالة) على مشروعية التسبيح للرجال والتصفيق للنساء في الصلاة إذا ناب من ذكر شيء حال الصلاة كإذنه لداخل وإنذاره لأعمى وتنبيهه لساه. وخصّ النساء بالتصفيق لأنهن مأمورات بخفض أصواتهنّ لما يخشى من الافتتان بهن ولم يجعل التصفيق للرّجال لأنه من شأن النساء (وبظاهر الحديث) قالت الشافعية والحنابلة وقالوا لا يضرّ التسبيح ولو كثر لأنه قول من جنس الصلاة وإن كثر التصفيق أبطلها لأنه عمل من غير جنس الصلاة (وقالت) المالكية والحنفية التسبيح للرجال والنساء. لعموم قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الحديث الآتي من نابه شيء في صلاته فليسبح ولم يخصّ رجالًا من نساء (قال) الزرقاني هكذا نأوّله مالك وأصحابه ومن وافقهم على كراهة التصفيق

للنساء "وتعقبه" ابن عبد البر بزيادة أبى داود وغيره عن حماد بن زيد عن أبي حازم عن سهل في آخر الحديث إذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال وليصفح النساء قال فهذا قاطع في موضع الخلاف يرفع الإشكل لأنه فرق بين حكم الرجال والنساء (وقال) القرطبي القول بمشروعية التصفيق للنساء هو الصحيح خبرًا أو نظرًا لأنها مأمورة بخفض صوتها في الصلاة مطلقًا لما يخشى من الافتتان. ومنع الرجال من التصفيق لأنه من شأن النساء اهـ (وزادت الحنفية) إن صفقت المرأة بطلت صلاتها. لكن يردّ ما ذكر أحاديث الباب (فالراجح) ما ذهبت إليه الشافعية والحنابلة لأحاديث الباب ولما ذكره ابن عبد البرّ والقرطبى (والحديث) أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ وَحَانَتِ الصَّلاَةُ فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- فَقَالَ أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ فَأُقِيمَ قَالَ نَعَمْ. فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالنَّاسُ في الصَّلاَةِ فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ في الصَّفِّ فَصَفَّقَ النَّاسُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لاَ يَلْتَفِتُ في الصَّلاَةِ فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ فَرَأَى رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى في الصَّفِّ وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَصَلَّى فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ "يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا كَانَ لاِبْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّىَ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- "مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ مِنَ التَّصْفِيحِ مَنْ

الحكمة في عدم استمرار أبي بكر رضي الله عنه إماما بالناس حينما جاء النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد صلحه بين بني عمرو وفي استمراره على ذلك في مرض موته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

نَابَهُ شَىْءٌ في صَلاَتِهِ فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ". (ش) (أبو حازم) هو سلمة الأعرج (قوله ذهب إلى بني عمرو بن عوف) هم بطن من الأوس فيه عدّة أحياء منهم بنو أمية بن زيد بن مالك بن عوف ومنهم بنو الضبيعة ابن زيد وبنو ثعلبة بن عمرو بن عوف (قوله ليصلح بينهم) لاقتتال وقع كما في رواية البخاري من طريق محمَّد بن جعفر عن أبي حازم أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة فأخبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بذلك فقال اذهب بنا نصلح بينهم وخرج معه ناس منهم أبىّ بن كعب "الحديث" (قوله وحانت الصلاة الخ) أي جاء وقتها وكانت صلاة العصر كما في الرواية الآتية فجاء المؤذن إلى أبى بكر فقال أتصلى بالناس فأقيم وفي رواية مالك والبخاري أتصلى للناس. واستفهام بلال في هذه الرواية من أبي بكر لا ينافي ما في الرواية الآتية من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بلالًا أن يأمر أبا بكر أن يصلي لأنه استفهم هل يبادر أبو بكر أول الوقت أو ينتظر قليلًا ليأتي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (ورجح) عند أبى بكر المبادرة بالصلاة لأنها فضيلة متحققة فلا تترك لفضيلة متوهمة. وقوله فأقيم بالنصب جواب الاستفهام ويجوز رفعه على أنه خبر لمبتدإ محذوف أي فأنا أقيم. وفيه إشارة إلى أن الإقامة تكون متصلة بالصلاة ولذا استفهم بلال هل يصلي فيقيم إن أجابه أو يترك إن لم يجبه (قوله قال نعم) وفي رواية للبخاري قال نعم إن شئت. وفوّض إليه ذلك لاحتمال أن يكون عنده زيادة علم بحضوره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله فصلى أبو بكر الخ) أي دخل في الصلاة وفي رواية الطبراني عن المسعودي عن أبي حازم فاستفتح أبو بكر الصلاة فجاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكان مجيئه عقب دخول أبى بكر في الصلاة (وبهذا يفرق) بين ما هنا وبين استمراره رضي الله تعالى عنه على صلاته في مرض موته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين صلى خلفه الركعة الثانية من الصبح كما صرّح به موسى بن عقبة في المغازى عند البخاري فإنه امتنع هنا أن يكون إمامًا واستمرّ هناك على إمامته وكأنه لما مضى كثير من الصلاة هناك حسن الاستمرار ولما لم يمض هنا إلا اليسير منها لم يستمرّ. وهذا كله مبني على القول بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان مأمومًا في مرض موته (قوله فتخلص حتى وقف في الصف) أي تخلص صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من بين الصفوف حتى وقف في الصف الأول فألـ في الصف للعهد كما تدل عليه رواية للبخاري فجاء النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمشي في الصفوف يشقها شقًا حق وقف في الصف الأول وكما تدل عليه رواية مسلم فخرق الصفوف حتى قام عند الصف المتقدم (قوله فصفق الناس الخ) وفي رواية البخاري فأخذ الناس بالتصفيق

مذاهب الفقهاء في الصلاة الواحدة بإمامين أحدهما بعد الآخر لغير موجب

وصفقوا لما كبر في نفوسهم واستعظموه من تقدم أبى بكر إمامًا بحضرته صلى الله عليه وآله وسلم وقوله وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة لمزيد خشوعه واستغراقه في مناجاة وللنهى عن الالتفات فيها ولأنه اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد. وقوله فلما أكثر الناس التصفيق يريد أنه لما صفق منهم العدد الكثير التفت أبو بكر لينظر ما أوجب تصفيقهم فرأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعلم أن التصفيق من أجله (ويؤخذ منه) أن الالتفات اليسير في الصلاة لحاجة لا يبطلها لأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم ينكر على أبي بكر التفاته. وقد التفت صلى الله عليه وآله وسلم لحاجه كما في قصة الفارس الذي أرسله للحراسة وتقدم بيانه (قوله فأشار إليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) لعل إشارته كانت حين أخذ أبو بكر في التأخر (قوله فرفع أبو بكر يديه فحمد الله الخ) ظاهره أنه تلفظ بالحمد لكن في رواية الحميدي عن سفيان فرفع أبو بكر رأسه إلى السماء شكرًا لله ورجع القهقرى (وادعى) ابن الجوزي أنه أشار بالشكر والحمد بيده ولم يتكلم. وليس في رواية الحميدي هذه ما يمنع من أنه تلفظ بالحمد. وتقوّيه رواية أحمد عن أبي حازم يا أبا بكر لم رفعت يديك وما منعك أن تثبت حين أشرف إليك قال رفعت يدىّ لأنى حمدت الله عزّ وجل على ما رأيت منك أي مما فضله به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من إرادة الاستمرار على الإمامة (قوله ثم استأخر أبو بكر الخ) أي تأخر من غير استدبار للقبلة ولا انحراف عنها حتى وقف في الصف الذي يليه وتقدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وفيه جواز) صلاة واحدة بإمامين أحدهما بعد الآخر من غير عذر وأن الإِمام الراتب إذا غاب وأمّ نائبه القوم وحضر الراتب خير بين أن يأتمّ به أو يؤمّ هو ويرجع النائب مأمومًا من غير أن يقطع الصلاة ولا تبطل صلاة المأمومين (وإلى ذلك) ذهبت الشافعية في المشهور عنهم وابن القاسم من المالكية وقال في إمام أحدث فاستخلف ثم أتى فأخر المستخلف وأتمّ هو الصلاة إن ذلك ماض (واستدل) بفعل أبى بكر هذا (ونقل) ابن عبد البرّ عن الجمهور أن ذلك من خصائصه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأنه لا يساويه أحد في المأمومين ولأن الله تعالى أمر أن لا يتقدم أحد بين يديه وهذا على عمومه في الصلاة والفتوى والأمور كلها. ولأن فضيلة الصلاة خلفه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يدركها أحد وأما سائر الناس فلا ضرورة بهم إلى ذلك لأن الأول والثاني سواء ما لم يكن عذر (قوله ما منعك أن تثبت إذ أمرتك) يعني أن تثبت على إمامتك إذ أشرت إليك (وفيه دلالة) على أن الإشارة تقوم مقام اللفظ حيث سماها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمرًا وعاتبه على مخالفته فيها (وفيه دلالة) أيضًا على أن أبا بكر لو مضى بهم على صلاته لجاز ويكون محلّ النهى عن المتقدم بين يديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما لم يأذن به (قوله ما كان لابن أبي قحافة الخ) يعني ما كان ينبغي لابن

ما دل عليه حديث سهل بن سعد من أفضلية الصلاة أول وقتها واستحقاق أبي بكر رضي الله تعالى عنه الخلافة وغير ذلك من المسائل

أبى قحافة أن يؤمّ النبي صل الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قبل عذره حيث لم يعنفه على مخالفة أمره (وفيه) أن من أكرم بكرامة يخير فيها بين القبول والترك إذا علم أن الأمر بها ليس على طريق الإلزام (قوله ما لي رأيتكم أكثرتم من التصفيح) التصفيح والتصفيق واحد وهو الضرب بالكفين مطلقًا (وقال العيني) التصفيح الضرب بظاهر إحدى الكفين على باطن الأخرى. وقيل الضرب بأصبعين من اليمنى على باطن كفّ اليسرى للإنذار والتنبيه والتصفيق الضرب بالكفين للهو واللعب (قوله من نابه شيء في صلاته فليسبح) أي من حدث له من الرجال شيء في صلاته فليقل سبحان الله كما صرحّ به في رواية للبخاري عن يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم (وهذا الأمر) عند الجمهور محمول على الندب (قوله فإنه إذا سبح التفت إليه) تعليل للأمر بالتسبيح وفي رواية للبخاري من نابه شيء في صلاته فليقل سبحان الله فإنه لا يسمعه أحد حين يقول سبحان الله إلا التفت (قوله وإنما التصفيق للنساء) أي من شأنهنّ في الصلاة خلافًا لما قالته المالكية من أنه من شأنهن في غير الصلاة وقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك على جهة الذمّ فلا ينبغي في الصلاة فعله لرجل ولا امرأة بل التسبيح للرجال والنساء جميعًا لعموم قوله من نابه شيء ولم يخص رجالًا من نساء وقد علمت ما فيه. وفي بعض النسخ زيادة "قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا في الْفَرِيضَةِ." يعني ما ذكر من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من نابه شيء في صلاة الخ في صلاة الفريضة وإذا ساغ هذا في الفريضة ففي النافلة بالأولى (فقه الحديث) دلّ الحديث على الترغيب في الإصلاح بين الناس، وعلى مشروعية توجه الإِمام بنفسه لسماع دعوى بعض الخصوم إذا رجح عنده ذلك، وعلى أنه إذا تأخرالإمام عن الصلاة تقدم غيره. ولعلّ محله إذا لم تخف فتنة، وعلى أنه ينبغي أن يكون المقدم أفضل القوم وأصلحهم، وعلى أن تقديم الصلاة أول وقتها أفضل من تأخيرها عنه لانتظار الراتب الأفضل وعلى جواز شقّ الصفوف والمشي بينها لقصد الوصول إلى الصف الأول (قال) في الفتح لكنه مقصور على من يليق ذلك به كالإمام أو من كان بصدد أن يحتاج الإِمام إلى استخلافه أو من أراد سدّ فرجة في الصف الأول أو ما يليه مع ترك من يليه سدّها ولا يكون ذلك معدودًا من الأذى اهـ. ودلّ الحديث أيضًا على أن العمل القليل في الصلاة لا يبطلها، وعلى جواز الالتفات في الصلاة والإشارة فيها للحاجة، وعلى استحباب حمد الله تعالى لمن تجدّدت له نعمة ولو كان في الصلاة، وعلى أنه إذا حضر الإِمام الراتب بعد دخول نائبه في الصلاة خير بين أن يكون مأمومًا أو يتقدم للإمامة (قال النووي) واستدلّ به أصحابنا على جواز اقتداء المصلى بمن يحرم

بالصلاة بعده فإن الصديق رضي الله تعالى عنه أحرم بالصلاة أولًا ثم اقتدى بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين أحرم بعده. هذا هو الصحيح في مذهبنا اهـ ودلّ الحديث أيضًا على مشروعية التسبيح لمن نابه من الرجال شيء في صلاته ومشروعية التصفيق للنساء فيها (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مالك في الموطأ والبخاري ومسلم والنسائي (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ كَانَ قِتَالٌ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَتَاهُمْ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ بَعْدَ الظُّهْرِ فَقَالَ لِبِلاَلٍ "إِنْ حَضَرَتْ صَلاَةُ الْعَصْرِ وَلَمْ آتِكَ فَمُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ". فَلَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ أَذَّنَ بِلاَلٌ ثُمَّ أَقَامَ ثُمَّ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فَتَقَدَّمَ قَالَ في آخِرِهِ "إِذَا نَابَكُمْ شَىْءٌ في الصَّلاَةِ فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ وَلْيُصَفِّحِ النِّسَاءُ". (ش) (قوله فمر أبا بكر فليصلّ بالناس) فيه إشارة إلى أحقية أبي بكر رضي الله تعالى عنه بالخلافة حيث اختاره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إمامًا في الصلاة التي أكبر شيء في الدين بعد الشهادتين فبالأولى أن يكون إمامًا في سائر الأعمال الدينية والدنيوية (وهذا الحديث) من أدلة القائلين بأن التسبيح في الصلاة للرجال والتصفيق للنساء (ويردّ) قول من قال إن التصفيح للنساء ذكر في الحديث على سبيل المذمة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والبخاري وابن حبان (ص) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ نَا الْوَلِيدُ عَنْ عِيسَى بْنِ أَيُّوبَ قَالَ قَوْلُهُ "التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ". تَضْرِبُ بِأُصْبُعَيْنِ مِنْ يَمِينِهَا عَلَى كَفِّهَا الْيُسْرَى. (ش) (رجال الأثر) (الوليد) بن مسلم الدمشقي. و (عيسى بن أيوب) أبى أحمد روى عن العلاء بن الحارث، وعنه الوليد بن مسلم. روى له أبو داود (وفسر التصفيح) بهذا حتى لا يتوهم منه اللهو لأن الذي يصفح للهو يضرب بباطن كفّ على الأخرى كما تقدم. ففيه بيان كيفية تصفيق النساء في الصلاة

باب الإشارة في الصلاة

(باب الإشارة في الصلاة) (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَبُّويَةَ الْمَرْوَزِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ قَالاَ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُشِيرُ في الصَّلاَةِ. (ش) (رجال الحديث) (أحمد بن محمَّد) بن ثابت بن عثمان بن مسعود بن يزيد (ابن شبوية) المروزي. روى عن ابن المبارك وأبى أسامة وابن عيينة وعبد الرزاق بن همام وغيرهم. وعنه ابن معين وأبو بكر بن أبي خيثمة وأبو زرعة وأبو داود. وثقه النسائي ومحمد ابن وضاح والعجلي وعبد الغنى بن سعيد وابن حبان وقال الإدريسى كان حافظًا فاضلًا ثبتًا متقنًا في الحديث. و (معمر) بن راشد تقدم في الجزء الأول صفحة 107 (معنى الحديث) (قوله كان يشير في الصلاة) يعني لحاجة كردّ السلام كما صرحّ به في رواية مالك عن نافع عن ابن عمر أنه مرّ على رجل وهو يصلي فسلم عليه فردّ الرجل كلامًا فرجع إليه عبد الله بن عمر فقال إذا سلم على أحدكم فلا يتكلم وليشر بيده. وكما تقدم في رواية البخاري عن أم سلمة وفيها أنها أرسلت الجارية لتسأله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الركعتين بعد العصر فأشار إليها بيده. وكما تقدم للمصنف أنه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم صلى جالسًا وهو شاك فصلى القوم وراءه قيامًا فأشار إليهم بالجلوس (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الدارقطني وابن حبان وابن خزيمة (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ نَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ الأَخْنَسِ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- "التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ". يَعْنِي في الصَّلاَةِ "وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ مَنْ أَشَارَ في صَلاَتِهِ إِشَارَةً تُفْهَمُ عَنْهُ فَلْيَعُدْ لَهَا". يَعْنِي الصَّلاَةَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثُ وَهَمٌ. (ش) (رجال الحديث) (يعقوب بن عتبة بن الأخنس) هو يعقوب بن عتبة بن المغيرة ابن الأخنس الثقفي المدني. روى عن عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان وسليمان بن يسار وعروة ابن الزبير وأبي غطفان سعد بن طريف وجماعة. وعنه ابنه محمَّد وعبد الواحد بن أبي عوف

باب في مسح الحصى في الصلاة

والحسن بن الحرّ وإبراهيم بن سعد. وثقه النسائي والدارقطني وابن معين وأبو حاتم وابن سعد وقًال كان له أحاديث كثيرة ورواية وعلم بالسيرة. توفي سنة ثمان وعشرين ومائة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد الخ) بضم المثناة التحتية من الإعادة والسلام في لها زائدة أي فليعد الصلاة لما في رواية البيهقي ومن أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعدها (ويحتمل) أن تكون اللام أصلية والهاء في لها عائدة على الإشارة ومفعول يعد مقدّر أشار له يعني الصلاة أي فليعد الصلاة من أجل تلك الإشار (ويحتمل) أن يعد بفتح أوله من العود أي فليعد الصلاة ثانيًا فهو بمعنى الأول (قوله هذا الحديث وهو) يعني به قوله له من أشار في صلاته الخ. ولعل المصنف حكم عليه بالوهم لأن في سنده ابن إسحاق وقد عنعن وفيه أبو غطفان بفتحات اسمه سعد بن طريف قيل إنه مجهول قًال الدارقطني قًال لنا ابن أبي داود أبو غطفان هذا رجل مجهول وآخر الحديث زيادة في الحديث ولعله من قول ابن إسحاق. ونحوه للبيهقي (وقال) العيني سئل أحمد عن حديث من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد الصلاة فقال لا يثبت إسناده ليس بشئ وكذا قال ابن الجوزي في التحقيق وأعله بابن إسحاق وقال أبو غطفان مجهول اهـ (لكن) أبا غطفان وإن قال في ابن أبي داود مجهول فقد وثقه غير واحد كما علمت في ترجمته (والحديث) من أدلة القائلين بعدم ردّ السلام في الصلاة لا نطقا ولا إشارة (لكنه) معارض بالأحاديث الكثيرة الصحيحة الدالة على ثبوت الإشارة عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الصلاة. وعلى فرض عدم المعارضة فتحمل الإعادة فيه على الاستحباب أو يراد بالإشارة الإشارة المفسدة في الصلاة (والحديث) أخرجه الدارقطني والبزّار (باب في مسح الحصى في الصلاة) (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ -شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ- أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا ذَرٍّ يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ فَلاَ يَمْسَحِ الْحَصَى". (ش) (سفيان) بن عيينة (قوله عن أبي الأحوص شيخ من أهل المدينة) أتى بهذا الوصف لعدم معرفة اسمه (قوله إذا قام أحدكم إلى الصلاة الخ) يعني وشرع فيها لأنه لا يكون منهيًا عن مسح الحصى فيها إلا بعد التلبس بها كما في الرواية الآتية وقوله فإن الرحمة تواجهه

المذاهب في ذلك

تعليل للنهي عن مسح الحصى مقدّم عليه اهتمامًا بالرحمة. وقوله فلا يمسح الحصى يعني الذي هو في محل سجوده فتنقطع عنه الرحمة الدائمة المسببة عن الإقبال على الصلاة. وذكر الحصى لا مفهوم له لأن مثله التراب والرمل. وخصه بالذكر لأنه كان الغالب في مساجدهم (فقه الحديث) دلّ الحديث على مزيد رحمة الله تعالى على المصلي. وعلى كراهة مسحه الحصى واشتغاله بغير أعمال الصلاة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد وابن حبان وكذا ابن خزيمة بلفظ إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا تحرّكوا الحصى (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ مُعَيْقِيبٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ "لاَ تَمْسَحْ وَأَنْتَ تُصَلِّى فَإِنْ كُنْتَ لاَ بُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً تَسْوِيَةَ الْحَصَى". (ش) (رجال الحديث) (هشام) الدستوائي تقدم في الجزء الأول صفحة 114 وكذا (يحيى) ابن أبي كثير صفحة 62 و (معيقيب) بالتصغير هو ابن أبي فاطمة الدوسي حليف بني أمية وقيل حليف بني عبد شمس كان من ذي أصبح ويقال من بني سدوس أسلم قديمًا بمكة. وهاجر الهجرتين وشهد بيعة الرضوان والمشاهد بعدها وعمل لأبي بكر وعمر على بيت المال ثم كان على خاتم عثمان ومات في خلافته. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابناه محمَّد والحارث وابن ابنه إياس وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف (معنى الحديث) (قوله لا تمسح وأنت تصلى الخ) أي لا تمسح الحصى لتسويته في حال صلاتك. وفي نسخة ابن داسة لا تمسح الأرض وأنت تصلي فإن كنت لابدّ فاعلًا فواحدة أي إن كنت ماسحًا ولا بدّ لك من المسح فامسح مرة واحدة فلا نافية وبدّ اسمها والخبر محذوف وواحدة صفة لموصوف محذوف مفعول لفعل محذوف (ويجوز) رفع واحدة على أنه صفة لفاعل محذوف لفعل محذوف أي فيكفيك مرّة واحدة. وقوله تسوية الحصى تعليل لإباحة المسح مرّة واحدة وأبيح له المسح مرة واحدة لئلا يتأذى به في سجوده ومنع من الزائد لئلا يكثر الفعل (وفي حديثي الباب) دلالة على كراهة مسح المصلي الحصى حال صلاته. وهو قول عمر وجابر ومسروق وإبراهيم النخعي والحسن البصري وجمهور العلماء (وعن مالك) من صلى على تراب يؤذيه ينثر عل وجهه إذا رفع رأسه من السجدة لا بأس أن يمسحه (وروي) في الموطأ عن أبي جعفر القارئ أنه قال رأيت عبد الله بن عمر إذا أهوى للسجود مسح الحصباء لموضع

باب الرجل يصلي مختصرا

جبهته مسحًا خفيفًا (وذهب) أهل الظاهر إلى تحريم مسح الحصى أخذًا بظاهر الأحاديث وهذا كله في غير المرّة الواحدة وأما هي فجائزة للحاجة من غيركراهة كما هو صريح الحديث (وممن رخص) في المرّة ابن مسعود وأبوهريرة وحذيفة وأبو ذرّ وقال مسح واحدة وتركها خير من حمر النعم. وروى ابن خزيمة في صحيحه عن جابر قال سألنا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن مسح الحصى في الصلاة فقال واحدة ولأن تمسك عنها خير لك من مائة ناقة كلها سود الحدق (والحكمة) في النهى عن مسح الحصى من موضع السجود أن لا يشتغل المصلي بشئ يلهيه عن الرحمة المواجهة له فيفوته حظه منها. وقيل لئلا يغطي شيئًا من الحصى فيفوته السجود عليه كما رواه ابن أبي شيبة عن أبي صالح قال إذا سجدت فلا تمسح الحصى فإن كل حصاة تحب أن يسجد عليها (وقيل) لأنه ينافي التواضع (وقد جاء) في ذمّ مسح الحصى أحاديث. فقد روى ابن ماجه من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من مسح الحصى فقد لغا أي من مسحه فقد عبث. وروى ابن حبان عن أبي صالح مولى طلبة قال كنت عند أم سلمة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأتى ذو قرابتها شاب ذوجمة فقام يصلي فلما أراد أن يسجد نفخ فقالت لا تفعل فإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقول لغلام لنا أسود يا رباح ترّب وجهك (فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على أنه يرخص للمصلي في مسح الحصى مرّة واحدة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي (باب الرجل يصلي مختصرًا) وبعض النسخ باب الاختصار في الصلاة (ص) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ الاِخْتِصَارِ فِى الصَّلاَةِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ يَعْنِى يَضَعُ يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ. (ش) (هشام) بن حسان البصري. و (محمَّد) بن سيرين تقدما في الجزء الأول صفحه 243 (قوله نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الاختصار الخ أي عن وضع المصلي يدة على خاصرته كما فسره المصنف وذكره ابن أبي شيبة في مصنفه عن محمَّد بن سيرين وكذا فسره الترمذي. وفي رواية للبخاري نهى عن الخصر في الصلاة. وفي أخرى له نهى أن يصل الرجل

حكمة النهي عن الاختصار في الصلاة

مختصرًا. ونحوها للنسائي. وفي رواية البيهقي نهى عن التخصر. وتقدم بيان المذاهب فيه في باب التخصر والإقعاء (وقيل) إن الاختصار أن يأخذ المصلي بيديه مخصرة أي عصا يتكئ عليها. وقيل هو أن يقرأ من آخر السورة آية أو آيتين ولا يقرأ السورة بتمامها. وحكى الهروى أن الاختصار أن يحذف من الصلاة فلا يمدّ قيامها ولا ركوعها ولا سجودها. وقيل أن يختصر الآيات التي فيها السجدة في الصلاة حتى لا يسجد لتلاوتها. والظاهر الأول (ولعل) الحكمة في النهى عن الاختصار أنه راحة أهل النار كما رواه ابن حبان وابن خزيمة عن أبي هريرة. وروى ابن أبي شيبة عن إسحاق ابن عويمر عن مجاهد قال وضع اليدين على الحقو استراحة أهل النار. وروى أيضًا عن خالد بن معدان عن عائشة أنها رأت رجلًا واضعًا يده على خاصرته فقالت هكذا أهل النار (وقيل) لأنه يشبه اليهود كما رواه ابن أبي شيبة عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة أنها كرهت أن يضع الرجل يده على خاصرته في الصلاة وقالت يفعله اليهود. وقيل لأن إبليس أهبط مختصرًا وقيل إنه فعل المختالين والمتكبرين (فقه الحديث) دلّ الحديث على كراهة وضع اليد على الخاصرة في الصلاة، وعلى كراهة التشبه بالمخالفين (والحديث) أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والترمذي وقال حسن (باب الرجل يعتمد في الصلاة على عصا) (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَابِصِيُّ نَا أَبِي عَنْ شَيْبَانَ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ هِلاَلِ بْنِ يِسَافٍ قَالَ قَدِمْتُ الرَّقَّةَ فَقَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِي هَلْ لَكَ فِى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ قُلْتُ غَنِيمَةٌ فَدَفَعْنَا إِلَى وَابِصَةَ قُلْتُ لِصَاحِبِي نَبْدَأُ فَنَنْظُرُ إِلَى دَلِّهِ فَإِذَا عَلَيْهِ قَلَنْسُوَةٌ لاَطِئَةٌ ذَاتُ أُذُنَيْنِ وَبُرْنُسُ خَزٍّ أَغْبَرُ وَإِذَا هُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى عَصًا فِى صَلاَتِهِ فَقُلْنَا بَعْدَ أَنْ سَلَّمْنَا. فَقَالَ حَدَّثَتْنِي أُمُّ قَيْسٍ بِنْتُ مِحْصَنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا أَسَنَّ وَحَمَلَ اللَّحْمَ اتَّخَذَ عَمُودًا فِى مُصَلاَّهُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ. (ش) (رجال الحديث) (عبد السلام بن عبد الرحمن) بن صخر بن عبد الرحمن بن وابصة الأسدي أبو الفضل الرقى. روى عن أبيه ووكيع وعبد الله بن جعفر. وعنه أبو حاتم

باب الرجل يعتمد في الصلاة على عصا

وأبو الأصبغ وعمر بن شبة وعلي بن سعيد. أحسن أحمد القول فيه وقال ما بلغني عنه الأخير وقال في التقريب مقبول من الحادية عشرة. توفي سنة سبع وأربعين ومائتين. ووى له أبو داود ومسلم في مقدمة كتابه. و (الوابصي) نسبة إلى وابصة اسم موضع (قوله حدثنا أبي) هو عبد الرحمن بن صخر بن عبد الرحمن بن وابصة بن معبد الأسدى الرّقى. روى عن قيس بن الربيع. وبشر بن لاحق وشيبان بن عبد الرحمن وطلحة بن زيد وجعفر بن برقان. وعنه ابنه عبد السلام. قال في التقريب مجهول من التاسعة. روى له أبو داود هذا الحديث لا غير. و (شيبان) بن عبد الرحمن تقدم في الجزء الرابع صفحة 51 (معنى الحديث) (قوله قدمت الرّقة) بفتح الراء والقاف مدينة كبيرة كثيرة الخير من أعمال الجزيرة وغلب اسمها على الرامقة وهي على جانب الفرات (قوله فقال لي بعض أصحابي) هو زياد بن أبي الجعد لما في رواية أحمد في مسنده عن هلال بن يساف قال أراني زياد بن أبي الجعد شيخا بالجزيرة يقال له وابصة بن معبد فأقامني عليه (قوله هل لك في رجل من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) يعني هل لك حاجة في لقائه قلت لقاؤه غنيمة والغنيمة في الأصل ما نيل من أهل الشرك عنوة والحرب قائمة. والمراد بها هنا مطلق الفائدة (قوله فدفعنا إلى وابصة) أي ذهبنا إلى وابصة بن معبد بن الحارث الصحابي (قوله فننظر إلى دله الخ) بفتح الدال وتشديد اللام أي ننظر إلى هيئته التي هو عليها من السكينة والوقار وحسن السيرة والطريقة لنقتدي به فإذا عليه. قلنسوة. وهي ما يلبس على الرأس وجمعها قلانس وقلانيس وقلاسي وقلاس. وقوله لاطية أي منبسطة علي رأسه ليست بمرتفعة ذات أذنين. ولعل المراد بهما عروتان في جانبي القلنسوة تمسك منهما. والبرنس ثوب رأسه منه ملتزق به وقال الجوهري هو قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها في صدر الإِسلام من البرس بكسر الموحدة وهو القطن ونونه زائدة وقيل إنه غير عربي. والخزّ ثياب تنسج من صوف وإبريسم وقوله خزّ أغبر يعني لونه يشبه الغبار (قوله فقلنا له بعد أن سلمنا) يعني سألناه عن اعتماده على العصا حال الصلاة بعد أن سلمنا عليه (قوله لما أسن وحمل اللحم الخ) أي لما كبر سنه وكثر لحمه اتخذ عمودًا في مصلاه يتكئُ عليه سأل صلاته لضعفه (وفي هذا) دلالة على جواز الاعتماد في الصلاة على نحو عصا إذا كان لعذر وبه قالت الأئمة (واختلفوا) في لزوم القيام مستندًا حينئذ (فذهبت) الحنفية والحنابلة وجماعة من الشافعية إلى وجوب القيام مستندًا (وقالت) المالكية لا يجب القيام مستندًا بل يستحب وبه قال القاضى حسين من الشافعية فإن كان الاعتماد لغير عذر (فقالت) المالكية إنه لوكان الاستناد قويًا بحيث لو أزيل المستند إليه لسقط بطلت صلاته وبه قال جمهور الشافعية والحنابلة (وذهبت) الحنفية إلى أن الصلاة حينئذ صحيحة مع الكراهة (وأجاز) ذلك أبو ذرّ

باب النهي عن الكلام في الصلاة

وأبو سعيد الخدري وجماعة من الصحابة والسلف (وهذا) كله في المكتوبة. أما التطوع فيجوز الاعتماد فيه من غير خلاف إلا ما حكى عن ابن سيرين من كراهته وهو قول للحنفية (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز الاعتماد في الصلاة على عصا ونحوها لضرَورة (باب النهى عن الكلام في الصلاة) (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى نَا هُشَيْمٌ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ كَانَ أَحَدُنَا يُكَلِّمُ الرَّجُلَ إِلَى جَنْبِهِ فِى الصَّلاَةِ فَنَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلاَمِ. (ش) (رجال الحديث) (هشيم) بن بشير. والحارث بن شبيل) مصغرًا ابن عوف البجلي أبى الطفيل. روى عن أبي عمرو الشيباني وعبد الله بن شداد وطارق بن شهاب. وعنه الأعمش وسعيد بن مسروق وإسماعيل بن أبي خالد. وثقه النسائي وقال ابن منصور وابن معين لا يسأل عن مثله لجلالته وقال في التقريب ثقة من الخامسة. روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. و(أبو عمرو الشيباني) هو سعد بن إياس الكوفي. روى عن علي وحذيفة وابن مسعود. وعنه الأعمش ومنصور وأبو إسحاق السبيعي وعيسى بن عبد الرحمن وغيرها. وثقه ابن معين والعجلي وابن سعد وقال في التقريب ثقة من الثانية. توفي سنة خمس أوست وتسعين. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله كان أحدنا يكلم الخ) وفي رواية البخاري إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكلم أحدنا صاحبه بحاجته. وقوله قانتين أي صامتين عن الكلام وللقنوت معان أخر منها الطاعة والخشوع والعبادة والدعاء وطول القيام والصلاة (واتفق) المفسرون على أن هذه الآية مدنية فتدلّ على أن نسخ الكلام في الصلاة كان بعد الهجرة. ويؤيده مارواه الترمذي عن زيد بن أرقم وفيه كنا نتكلم خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الصلاة فإن زيدًا مدنيّ وقد أخبر أنهم كانوا يتكلمون خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الصلاة "ولا منافاة" بين حديث الباب وحديث ابن مسعود المتقدم في "باب ردّ السلام في الصلاة" وفيه فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلم يرد علينا "لأن ابن مسعود" رجع من عند النجاشي مرّتين مرّة ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمكة ومرّة وهو بالمدينة. ومراد ابن مسعود رجوعه إلى المدينة لا إلى مكة (وأجاب) القاضي أبو الطيب وآخرون بأن ابن مسعود أراد بالرجوع في حديثه رجوعه الأول

باب في صلاة القاعد

إلى مكة وحملوا حديث زيد بن أرقم على أنه وقومه لم يبلغهم النسخ وقالوا لا مانع أن يتقدم الحكم ثم تنزل الآية بوفقه (لكن) ينافيه قول زيد بن أرقم في حديث الترمذي كنا نتكلم خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الصلاة فنزلت (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) "الحديث" (وأجاب) ابن حبان بأن زيد بن أرقم أراد بقوله كنا نتكلم من كان يصلي خلفه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمكة من المسلمين (وردّ) بما رواه الطبراني عن أبي أمامة قال كان الرجل إذا دخل المسجد فوجدهم يصلون سأل الذي إلى جنبه فيخبره بما فاته فيقضيه ثم يدخل معهم حتى جاء معاذ يوما فدخل في الصلاة "الحديث" وهذا كان بالمدينة قطعًا لأن أبا أمامة ومعاذًا أسلما بها (قوله ونهينا عن الكلام) فيه دلالة على تحريم الكلام في الصلاة مطلقًا عمدًا أوجهلًا سواء أكان لمصلحة الصلاة أم لا وبه قالت الشافعية والحنابلة وهو ظاهر كلام الحنفية (وقالت) المالكية إن كان لمصلحة الصلاة وقلّ لا يبطل وإن كثر أبطل. وتقدم بيانه في باب ردّ السلام (فقة الحديث) دلّ الحديث عل أن الأحكام شرعت بالتدريج، وعلى وقوع النسخ في الأحكام الشرعية، وعلى تحريم الكلام في الصلاة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي (باب في صلاة القاعد) (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ أَعْيَنَ نَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلاَلٍ -يَعْنِي ابْنَ يِسَافٍ- عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ "صَلاَةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلاَةِ". فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي جَالِسًا فَوَضَعْتُ يَدَيَّ عَلَى رَأْسِى فَقَالَ مَا لَكَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو قُلْتُ حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنَّكَ قُلْتَ "صَلاَةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلاَةِ". وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا قَالَ "أَجَلْ وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ". (ش) (أبو يحيى) مصدع الأنصاري تقدم في الجزء الأول صفحة 315 (قوله حدّثت) بالبناء للمفعول في الموضعين (قوله صلاة الرجل قاعدًا نصف الصلاة) أي ثواب صلاة الرجل قاعدًا نصف ثواب صلاته قائمًا (وهو محمول) عند الجمهور على صلاة النفل قاعدًا مع القدرة على القيام

صلاة الشخص النفل جالسا على النصف من صلاته قائما إن كان لغير عذر

(قال) النووي وهو تفصيل مذهبنا وبه قال الجمهور في تفسير الحديث وحكاه القاضي عن جماعة منهم الثوري وابن الماجشون اهـ وإذا صلى النفل قاعدًا عاجزًا عن القيام فثوابه كثواب القائم أما الفرض فإن صلاته قاعدًا مع القدرة على القيام لا تصح ويكون آثمًا (قال النووي) وإن استحله كفر وجرى عليه أحكام المرتدين لو استحلّ الزنا أو الربا أوغيره من المحرّمات الشائعة التحريم اهـ وإن صلى الفرض قاعدًا لعجزه عن القيام أو مضطجعًا لعجزه عن القيام والقعود فثوابه كثواب صلاته قائمًا لم ينقص كما تؤيده رواية البخاري عن أبي موسى مرفرعًا إذا مرض العبد أوسافر كتب الله له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم (قال الزرقاني) وشواهده كثيرة. ويؤيده قاعدة تغليب فضل الله تعالى وقبول عذر من له عذر اهـ (وحمل) مالك حديث الباب على من رخص له في الجلوس لمشقة تلحقه في القيام ولو تكلفه لقدر بمشقة وقال هو يطرد في النفل والفرض (وحمله) ابن الماجشون على المتنفل جالسًا لغير عذر فأما للعذر فأجره تامّ (قوله فوضعت يدي على رأسي) فعل ذلك تعجبًا لما رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل خلاف ما سمع عنه وليلتفت إليه (قال) الطيبي هذا الوضع خلاف ما يجب له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من التوقير فلعله كان ذلك بغير قصد أو أنه لما وجده على خلاف ما سمع من الحديث عنه أراد تحقيق ذلك فوضع يده على رأسه لتحقيق الأمر ولذا أنكر عليه بقوله مالك اهـ (قوله قال أجل ولكني الخ) أي قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نعم قلت ذلك ولكني لست كأحد منكم يعني أن صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم النفل قاعدًا مع القدرة على القيام ليست كنافلة غيره قاعدًا بل هي كنافلته قائمًا لا ينقص من أجره شيء وهذا من خصائصه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وقال) القاضي عياض معناه ليس كأحدكم في السلامة من العذر لأنه إنما فعله للمشقة التي لحقته في آخر عمره من كبر سنه وحطم الناس وما كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليدع الأفضل لغير عذر اهـ وفيه نظر لأنه لا يبقى مع ذلك خصوصية له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأن غيره من ذوى الأعذار يكون أجره كاملًا أيضًا (فقه الحديث) دل الحديث على أن من صلى قاعدًا يكون ثوابه على النصف من صلاته قائمًا. ومحل ذلك في النافلة مع القدرة على القيام كما عرفت، وعلى أن من علم حكمًا فوجد من هو أعلم منه يعمل على خلافه يطلب منه أن يسأله عن موجب فعله، وعلى أن المسئول ينبغي له أن يجيب السائل بلطف، وعلى أن الله تعالى اختص نبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بتكميل ثوابه في تلك الحالة (والحديث) أخرجه مالك في الموطأ والبخاري ومسلم والنسائي

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ صَلاَةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا فَقَالَ "صَلاَتُهُ قَائِمًا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهِ قَاعِدًا وَصَلاَتُهُ قَاعِدًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلاَتِهِ قَائِمًا وَصَلاَتُهُ نَائِمًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلاَتِهِ قَاعِدًا". (ش) (مسدد) تقدم في الجزء الأول صفحة 24. وكذا في (يحيى) القطان صفحة 248 و (حسين المعلم) في الجزء الثالث صفحة 106، و (عبد الله بن بريدة) في الثاني صفحة 121 و (عمران بن حصين) في الرابع صفحة 38 (قوله صلاته قائمًا أفضل من صلاته قاعدًا الخ) قيل إنه محمول على المتطوع وقيل على المفترض الذي تلحقه المشقة إذا صلى قائمًا بالنسبة للقعود وإذا صلى مضطجعًا بالنسبة للقعود (قال الخطابي) كنت تأولت هذا الحديث على أن المراد به صلاة التطوع "يعني للقادر" لكن قوله وصلاته نائمًا يفسده لأن المضطجع لا يصلي التطوع كما يفعل القاعد لأني لا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه رخص في ذلك فإن صحت هذه اللفظة "يعني قوله وصلاته نائمًا" ولم يكن بعض الرواة أدرجها قياسًا منه للمضطجع على القاعد كما يتطوع المسافر علي راحلته فالتطوع للقادرعلى القعود مضطجعًا جائز بهذا الحديث (وفي القياس نظر) لأن القعود شكل من أشكال الصلاة بخلاف الاضطجاع وقد رأيت الآن أن المراد بحديث عمران المريض المفترض الذي يمكنه أن يتحامل فيقوم مع مشقة فجعل أجر القاعد على النصف من أجر القائم ترغيبًا له في القيام مع جواز قعوده اهـ ببعض تصرّف (وقال ابن بطال) وأما قوله وصلاته نائمًا على النصف من صلاته قاعدًا فلا يصح معناه عند العلماء لأنهم مجمعون أن النافلة لا يصليها القادر على القيام إيماء قال وإنما دخل الوهم على ناقل الحديث اهـ (قال) العراقي أما نفي الخطابي وابن بطال للخلاف في صحة التطوع مضطجعًا للقادر فمردود فإن في مذهب الشافعية وجهين الأصح منهما الصحة وعند المالكية ثلاثة أوجه حكاها القاضي عياض في الإكمال (أحدها) الجواز مطلقًا في الاضطرار والاختيار للصحيح والمريض وقد روى الترمذي بإسناده عن الحسن البصري جوازه فكيف يدعي مع هذا الخلاف القديم والحديث الاتفاق اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على أن من جهل حكمًا يطلب منه أن يسأل عنه العارف به. وعلى جواز الصلاة علي الجنب مع القدرة علي الجلوس وقد علمت ما فيه (والحديث) أخرجه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه والترمذي وقال حسن صحيح

مذاهب الفقهاء في أن المدار في صلاة الفريضة جالسا إما على العجز عن القيام أو على حصول المشقة. وفي الأفضل من هيئات القعود. وفي صفة صلاة من عجز عن القيام والقعود. وفي الصلاة بعضها من قيام وبعضها من قعود

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِيُّ نَا وَكِيعٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ كَانَ بِيَ النَّاصُورُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ "صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ". (ش) (رجال الحديث) (وكيع) تقدم في الجزء الأول صفحة 32. و (إبراهيم بن طهمان) بن شعبة أبى سعيد الخراساني سكن مكة إلى أن مات بها. روى عن عبد العزيز بن صهيب وأبى إسحاق السبيعي وأبي إسحاق الشيباني والأعمش وجماعة. وعنه ابن المبارك وأبو عامر العقدى وحفص بن عبد الله ومحمد بن سنان وآخرون. وثقه أحمد وأبو داود وأبو حاتم وقال صدوق حسن الحديث وقال عثمان بن سعيد الدارمي كان ثقة في الحديث لم تزل الأئمة يشتهون حديثه ويرغبون فيه ويوثقونه وقال صالح بن محمَّد ثقة حسن الحديث يميل شيئًا إلى الإرجاء في الإيمان حديثه إلى الناس جيد الرواية وقال ابن حبان روى أحاديث مستقيمة تشبه أحاديث الأثبات وقد تفرّد عن الأثبات بأشياء معضلات وقال في التقريب ثقة يغرب وتكلم في الإرجاء ويقال رجع عنه من السابعة. مات سنة ثمان وستين ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله كان بي الناصور) وفي نسخة الباسور وفي رواية البخاري كانت بي بواسير. والناصور بالنون والصاد المهملة ويقال ناسور بالسين المهملة علة تحدث في ماقي العين وقد يحدث حوالى المقعدة وهو المراد هنا. والباسور بالموحدة علة تحدث في المقعدة وفي داخل الأنف أيضًا (قوله فسألت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أي سألته عن صلاتي فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلّ قائمًا فإن لم تستطع الصلاة قائمًا فصلّ قاعدًا (واستدلّ) به على أن المريض لا ينتقل إلى القعود إلا بعد تحقق العجز عن القيام وهو الذي حكاه القاضي عياض عن الشافعي فلو كان قادرًا على القيام بمشقة لا يجوز له القعود (وقالت) الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة عدم الاستطاعة أعمّ من تحقق العجز فتشمل حصول مشقة شديدة أو حدوث مرض أو زيادته أو بطء برئه. ومن المشقة الشديدة دوران الرأس في حق راكب نحو سفينة لو صلى قائمًا فيها (قال النووي) لو جلس الغزاة في مكمن ولو قاموا لرآهم العدو وفسد التدبير فلهم الصلاة قعودًا وتجب الإعادة لندوره اهـ ومن المشقة أيضًا خوف الغرق كما رواه الدارقطني عن ابن عمر قال سئل النبي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كيف أصلي في السفينة قال صلّ فيها قائمًا إلا أن تخاف الغرق (وكيفما) قعد المصلي أجزأه (واختلفوا) في الأفضل من هيئات القعود فقال أبو حنيفة والمزني وزفز الافتراش أفضل (وقال)

مالك والثررى وأحمد وإسحاق وأبو يوسف ومحمد التربيع أفضل وهو رواية البويطي عن الشافعي قالوا لأن التربيع بدل عن القيام والقيام يخالف قعود الصلاة فينبغي أن يكون القعود الذي هو بدل عن القيام مخالفًا لقعدات الصلاة (قوله فإن لم تستطع فعلى جنب) أي الأيمن كما صرّح به في رواية الدارقطني عَن عليّ فلو قدم الأيسر على الأيمن جاز مع الكراهة (وبه قالت) المالكية والشافعية هو الحنابلة فإن لم يستطع على جنبيه صلى مستلقيًا على ظهره ورجلاه إلى القبلة كما صرّح به في رواية الدارقطني أيضًا عن عليّ وبه قالت الشافعية وقالوا إن الترتيب بين الجنبين والظهر واجب فلو صلى على طهره مع القدرة على الصلاة على أحد جنبيه لم تصح صلاته (وقالت) المالكية والحنابلة إن الترتيب بين الظهر والجنب مستحب فلو صلى على ظهره مع القدرة على الصلاة على أحد جنبيه صحت مع الكراهة "قالوا" وقدم الجنب لأنه يكون مستقبل القبلة حينئذ. بجميع بدنه بخلاف الاستلقاء فإنه يستقبل القبلة برجليه (وقالت الحنفية) إن تعذّر القعود صلى مستلقيًا عل ظهره أو عل جنبه والاستلقاء أفضل لأن إشارة المستلقى تقع إلى هواء الكعبة وهو قبلة إلى عنان السماء وإشارة المضطجع على الجنب تقع إلى جانب قدميه وبه لا تتأدى الصلاة إذ هو ليس بقبلة. وإن صلى على هيئة من الهيئات المذكورة وقدر على الركوع والسجود أو على أحدهما لزمه الإتيان بهما أو بما قدر عليه منهما وإلا أومأ وجعل إيماءه إلى السجود أخفض من إيمائه إلى الركوع (زادت المالكية) فإن لم يقدر على ظهره فعلى بطنه ورأسه للقبلة وجعلوا الترتيب بينهما واجبًا فلو قدم بطنه على ظهره بطلت صلاته (واختلف) فيمن عجز عما ذكر من هذه المراتب (فذهب) جماعة من الشافعية إلى أنه ينتقل إلى الإيماء بالرأس ثم إلى الإيماء بالطرف ثم إجراء القرآن والذكر على اللسان ثم إجراؤهما على القلب وجعلوا مناط التكليف بالصلاة حضور العقل فمتى كان حاضرًا لا تسقط عنه الصلاة ويأتي بما يستطيعه لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث مسلم ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم (وبهذا قالت) الحنابلة وجماعة من المالكية (وقالت) الحنفية وبعض الشافعية إن عجز عن الاستلقاء على الظهر سقطت عنه الصلاة وهو اختيار ابن عبد السلام وجماعة من المالكية (فقه الحديث) دلّ الحديث على عظم شأن الصلاة، وعلى أن المكلف ملزم بأدائها على حسب استطاعته، وعلى رفع الحرج عن هذه الأمة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ نَا زُهَيْرٌ نَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقْرَأُ فِى شَيْءٍ

مِنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ جَالِسًا قَطُّ حَتَّى دَخَلَ فِى السِّنِّ فَكَانَ يَجْلِسُ فِيهَا فَيَقْرَأُ حَتَّى إِذَا بَقِيَ أَرْبَعُونَ أَوْ ثَلاَثُونَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ سَجَدَ. (ش) (أحمد بن عبد الله بن يونس) و (زهير) بن معاوية تقدما في الجزء الأول صفحة 112. وكذا (عروة) بن الزبير صفحة 72 (قوله قط) بضم الطاء مشددة ظرف لما مضى من الزمان (قوله حتى دخل في السن) تعني كبر وفي رواية البخاري ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في شيء في صلاة الليل جالسًا حتى إذا كبر قرأ جالسًا (قوله حتى إذا بقى أربعون أو ثلاثون الخ) هكذا بالواو. وفي أكثر النسخ أربعين بالياء. وهي غير موافقة للقواعد ويمكن على بعد تصحيحها بأن تكون على تقدير حتى إذا بقي ما قدار أربعين أو ثلاثين آية ويؤيده ما في رواية البخاري فإذا بقى من قراءته نحو من ثلاثين آية أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم ثم ركع ثم سجد وقوله ثم سجد المراد به الركوع. وفي رواية للبخاري حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوًا من ثلاثين آية أو أربعين آية ثم يركع (وفي هذا دليل) على جواز جعل بعض الركعة الواحدة من قعود وبعضها من قيام. وبذلك قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وكثير من العلماء وقالوا سواء أقعد ثم قام أم قام ثم قعد (قال النووي) حكى القاضي عن أبي يوسف ومحمد كراهة القعود بعد القيام. ولو نوى القيام ثم أراد أن يجلس جاز عندنا وعند الجمهور (وجوّزه) من المالكية ابن القاسم ومنعه أشهب اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على مزيد علوّ همة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في طاعة الله عَزَّ وَجَلَّ، وعلى جواز الجمع بين القيام والقعود في الركعة الواحدة من النافلة. وعلى أنه ينبغي للإنسان أن يسلك في العبادة المسلك الأعلى ولا يتركه إلا عند العجز عنه تأسيًا بالنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (والحديث) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ وَأَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ وَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَدْرُ مَا يَكُونُ ثَلاَثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَهَا وَهُوَ قَائِمٌ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ يَفْعَلُ فِى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ.

(ش) (القعنبي) تقدم في الجزء الأول صفحة 22. و (أبو النضر) سالم بن أبي أمية في الثاني صفحة 260 وهذه الرواية أخرجها البخاري ومسلم والنسائي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ عَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- نَحْوَهُ. (ش) وفي بعض النسخ روى علقمة الخ وأتى به المصنف لتقوية الحديث. وهذا التعليق وصله سلم قال حدثنا ابن نمير حدثنا محمَّد بن بشر حدثنا محمَّد بن عمرو قال حدثنا محمَّد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص قال قلت لعائشة كيف كان يصنع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الركعتين وهو جالس قالت كان يقرأ فيهما فإذا أراد أن يركع قام فركع اهـ وظاهره أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يتمّ القراءة وهو جالس ثم يقوم فيركع. وحديث الباب صريح في أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ جالسًا حتى إذا بقي قدر ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأها ثم ركع. ولعل هذا هو السرّ في قول المصنف في التعليق نحوه. هذا و (علقمة بن وقاص) هو ابن محصن بن كلدة المدني. روى عن عمرو بن العاص وعمر بن الخطاب وابنه ومعاوية. وعنه الزهري وعمرو بن يحيى وابن أبي ملكية ويحيى بن النضر. وثقه النسائي وابن حبان وقال ابن سعد كان قليل الحديث. توفي بالمدينة في خلافة عبد الملك بن مروان (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ بُدَيْلَ بْنَ مَيْسَرَةَ وَأَيُّوبَ يُحَدِّثَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قَائِمًا وَلَيْلًا طَوِيلًا قَاعِدًا فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا رَكَعَ قَائِمًا وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا رَكَعَ قَاعِدًا. (ش) (أيوب) السختياني تقدم في الجزء الأول صفحة 257 (قوله هذا صلى قائمًا ركع الخ) استدلّ به أشهب من المالكية وبعض الحنفية على أن من افتتح صلاة النافلة قائمًا يركع قائمًا ومن افتتحها قاعدًا يركع قاعدًا وقالوا لا يجوز خلاف ذلك (لكن) حديث الباب المتقدم يردّ عليهم وهو لا ينافي هذا الحديث لأنه صلى الله عليه وآله وسلم فعل تبعًا للقوة. وعدمها (قال ابن خزيمة) لا مخالفة عندي بين الخبرين لأن رواية عبد الله بن شقيق محمولة على ما إذا قرأ جميع القراءة قاعدًا أو قائمًا ورواية هشام بن عروة "يعني حديث عائشة المتقدم" محموله على ما إذا قرأ بعضها قائمًا اهـ

جواز قراءة سور من المفصل في ركعة

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نَا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقْرَأُ السُّورَةَ فِى رَكْعَةٍ قَالَتِ الْمُفَصَّلَ. قَالَ قُلْتُ فَكَانَ يُصَلِّي قَاعِدًا قَالَتْ حِينَ حَطَمَهُ النَّاسُ. (ش) (كهمس بن الحسن) تقدم في الجزء الرابع صفحة 228 (قوله يقرأ السور الخ) بصيغة الجمع أي أكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في الركعة الواحدة سورًا متعددة. وفي بعض النسخ يقرأ السورة بالإفراد أي هل كان يقرأ السورة الواحدة في ركعة. والنسخة الأولى أولى لما رواه البيهقي من طريق يزيد بن زريع عن الجريري عن عبد الله بن شقيق قال سألت عائشة هل كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرن بين السور قالت من المفصل وكذا أخرجه الطحاوي من طريق عثمان بن عمر. وفي رواية للبيهقي أيضًا كان يقرن بين السورتين (قوله قالت المفصل) بنصب المفصل على نزع الخافض أي كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ السور أو السورة من المفصل (وتقدم) بيان أوله ووسطه وآخره وافيًا في باب قدر القراءة في المغرب (قوله حين حطمه الناس) هكذا بالنون في أكثر النسخ أي أثقلوه بأعمالهم وكثرة مصالحهم. والحطم كسر الشيء (قال في النهاية) وفي حديث عائشة بعد ما حطمه الناس وفي رواية بعد ما حطموه يقال حطم فلان أهله إذا كبر فيهم كأنهم بما حملوه من أثقالهم صيروه شيخًا محطومًا اهـ وفي بعض النسخ حين حطمه العباس بالباء الموحدة أي التعب والشدة (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يجوز للمصلي أن يقرأ في الركعة من النافلة سورة أو أكثر من المفصل، وعلى أنه إذا ضعف عن القيام يصلي جالسًا (والحديث) أخرجه مسلم (باب كيف الجلوس في التشهد) وفي بعض النسخ تفريع أبواب التشهد باب كيف الجلوس في التشهد. وذكر في الباب حديث وائل ابن حجر وتقدم شرحه في باب رفع اليدين وأعاده هنا لمناسبة الكلام على هيئة الجلوس في التشهد (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ قُلْتُ لأَنْظُرَنَّ إِلَى صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-

كَيْفَ يُصَلِّي فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَتَا بِأُذُنَيْهِ ثُمَّ أَخَذَ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَهُمَا مِثْلَ ذَلِكَ -قَالَ- ثُمَّ جَلَسَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَحَدَّ مِرْفَقَهُ الأَيْمَنَ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَقَبَضَ ثِنْتَيْنِ وَحَلَّقَ حَلَقَةً وَرَأَيْتُهُ يَقُولُ هَكَذَا وَحَلَّقَ بِشْرٌ الإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ. (ش) (قوله ثم جلس فافترش رجله اليسرى) يعني في التشهد وظاهره عدم الفرق بين التشهد الأول والثاني لإطلاقه (وإلى ذلك) ذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري والهادي والقاسم والمؤيد بالله محتجين بحديث الباب (وبما رواه) أحمد عن رفاعة بن رافع أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال للأعرابي فإذا جلست فاجلس رجلك اليسرى (وبما رواه) الترمذي عن أبي حميد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جلس "يعني للتشهد" فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته (وبما رواه) أحمد ومسلم عن عائشة وفيه كان يفترش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى (ووجه استدلالهم) بهذه الأحاديث أن رواتها ذكروها لبيان صفة الجلوس في التشهد ولم يقيدوه بالأول واقتصارهم عليها مشعر بأنها هي الهيئة المشروعة في التشهدين جميعًا ولوكانت مختصة بالأول لذكروا صفة الجلوس في التشهد الأخير (قوله وحدّ مرفقة الخ) بالرفع على الابتداء وخبره قوله على فخذه والجملة حالية، ويحتمل أن حدّ فعل ماض يعني رفع موفقه عن فخذه. وتقدم تمام الكلام على ذلك في باب افتتاح الصلاة (تنبيه) يوجد في نسخة بعد هذا الحديث خمس روايات من غير رواية اللؤلؤي. ولذا لم يذكرها المنذري في مختصره ولم توجد في سائر النسخ وقد نسبها العيني في شرح البخاري في باب بيان سنة الجلوس في التشهد إلى أبي داود (الأولى) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ بْنِ عُمَرَ قَالَ سُنَّةُ الصَّلاَةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ الْيُمْنَى وَتَثْنِىَ رِجْلَكَ الْيُسْرَى. وهذه الرواية أخرجها مالك في الموطأ والبخاري واللفظ قال حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن عبد الله بن عبد الله أنه أخبره أنه كان يرى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يتربع في الصلاة إذا جلس ففعلته وأنا يومئذ حديث السنّ فنهاني عبد الله بن عمر وقال إنما سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني اليسرى فقلت إنك تفعل ذلك فقال

باب كيف الجلوس في التشهد

إن رجليّ لا تحملان (قال الحافظ) قوله أنه أخبره صريح في أن عبد الرحمن بن القاسم حمله عن عبد الله بن عبد الله بلا واسطة وفي رواية معن وغيره عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أييه عن عبد الله بن عبد الله فكأن عبد الرحمن سمعه من أبيه عن عبد الله ثم لقيه أوسمعه منه مع أبيه وثبته فيه أبوه اهـ (قوله وتثني رجلك اليسرى) لم يبين في هذه الرواية ما يصنع بعد ثنيها هل يجلس فوقها أو يتورّك. ووقع في رواية النسائي من طريق يحيى بن سعيد أن القاسم حدّثه عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال من سنة الصلاة أن تنصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة والجلوس على اليسرى (فتبين) من رواية القاسم ما أجمل في رواية ابن عبد الرحمن "وهذه أقوى مما رواه مالك عن يحيى بن سعيد" أن القاسم بن محمَّد أراهم الجلوس في التشهد فنصب رجله اليمنى وثنى رجله اليسرى وجلس على وركه الأيسر ولم يجلس على قدمه ثم، قال أراني هذا عبد الله بن عبد الله بن عمر وحدثنى أن أباه كان يفعل ذلك "للتصريح في الأولى" بأنة من السنة المقتضية بالرفع بخلاف هذه فإنها من عمل ابن عمر (ويمكن الجمع) بين الروايتين يحمل رواية النسائي على الجلوس في التشهد الأول ورواية مالك على الجلوس في التشهد الأخير (الثانية) حَدَّثَنَا ابْنُ مُعَاذٍ -هو عبيد الله- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ يَقُولُ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ مِنْ سُنَّةِ الصَّلاَةِ أَنْ تُضْجِعَ رِجْلَكَ الْيُسْرَى وَتَنْصِبَ الْيُمْنَى. "وهذه الرواية" أخرجها النسائي من طريق الليث عن يحيى بن سعيد وأخرجها الدارقطني من طريق المؤلف ومن طرق أخرى عن ابن عمر قال سنة الصلاة أن تفترش اليسرى وتنصب اليمنى قال الدارقطني هذه كما صحاح (الثالثة) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ يَحْيَى بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى أَيْضًا مِنَ السُّنَّةِ كَمَا قَالَ جَرِيرٌ. (الرابعة) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَرَاهُمُ الْجُلُوسَ فِى التَّشَهُّدِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وهذه الرواية أخرجها مالك في الموطأ بلفظ تقدم وأخرجها الطحاوي (الخامسة) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ -يعني ابن يزيد النخعي- قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا جَلَسَ فِى الصَّلاَةِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى حَتَّى اسْوَدَّ ظَهْرُ قَدَمِهِ. وفي نسخة حتى أشوى ظهر قدمه (وهذه الرواية) مرسلة ذكرها المزّي في كتاب المراسيل من رواية المصنف (باب من ذكر التورّك في الرابعة) أي في بيان مستند من ذكر التورّك في الجلسة للتشهد في الركعة الرابعة (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ أَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ يَعْنِي ابْنَ

جَعْفَرٍ ح وَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى نَا عَبْدُ الْحَمِيدِ -يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ سَمِعْتُهُ فِي عَشْرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-وَقَالَ أَحْمَدُ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حُمَيْدٍ السَّاعِدِيَّ فِي عَشْرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ- قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالُوا فَاعْرِضْ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ وَيَفْتَحُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ إِذَا سَجَدَ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَيَرْفَعُ وَيَثْنِي رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَيَقْعُدُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَصْنَعُ فِي الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ حَتَّى إِذَا كَانَتِ السَّجْدَةُ الَّتِى فِيهَا التَّسْلِيمُ أَخَّرَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَقَعَدَ مُتَوَرِّكًا عَلَى شِقِّهِ الأَيْسَرِ. زَادَ أَحْمَدُ قَالُوا صَدَقْتَ هَكَذَا كَانَ يُصَلِّي وَلَمْ يَذْكُرَا فِي حَدِيثِهِمَا الْجُلُوسَ فِي الثِّنْتَيْنِ كَيْفَ جَلَسَ (ش) (يحيى) القطان. و (وأبو حميد الساعدي) تقدم في الجزء الرابع صفحة 73 و (أبو قتادة) هو الحارث بن ربعي في الأول صفحة 120 (قوله فأعرض) بهمزة وصل من باب ضرب أي أظهر ما عندك من العلم (قوله حتى إذا كانت السجدة الخ) أي السجدة التي في آخر الركعة والمراد الجلسة الأخيرة للتشهد الذي يعقبه السلام وعبر عنها بالسجدة لمجاورتها لها. وقوله أخر رجله اليسرى الخ يعني أخرجه من تحت ساق رجله اليمنى وقعد متورّكًا. والتورّك أن يجلس على ألييه مفضيا بوركه اليسرى إلى الأرض غير جالس على رجليه أو إحداهما وينصب قدمه اليمنى ويخرج اليسرى من تحتها. وروى ابن الزبير في تفسيره وجهًا آخر فقال إنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يجعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه ويفرش قدمه اليمنى اهـ. ويعنى بفرش قدمه اليمنى أن يجعل ظهرها إلى الأرض من غير جلوس عليها ولا ناصب لها (قوله ولم يذكرا في حديثما الخ) من كلام المصنف يعني لم يذكر أحمد ومسدد في روايتهما كيفية الجلوس في التشهد الأول. وهذا الحديث تقدم ذكره مطوّلا في "باب افتتاح الصلاة"

صفة صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(ص) حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمِصْرِيُّ نَا ابْنُ وَهْبٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيِّ وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا قَتَادَةَ قَالَ فَإِذَا جَلَسَ فِى الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى فَإِذَا جَلَسَ فِى الرَّكْعَةِ الأَخِيرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَجَلَسَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ. (ش) (ابن وهب) عبد الله تقدم في الجزء الأول صفحة 325 (قوله بهذا الحديث الخ) أي حديث أبى حميد المتقدم ولم يذكر محمَّد بن عمرو بن حلحلة في روايته قوله منهم أبو قتادة كما ذكرها أحمد ومسدد (قوله فإذا جلس في الركعتين الخ) فيه دلالة على مشروعية الافتراش في التشهد الأول والتورّك في الأخير وبه قالت الشافعية وقالوا يسنّ التورّك في كل تشهد يسلم فيه وإن لم يكن ثانيًا كتشهد الصبح والجمعة فلا فرق في الأخير عندهم بين أن يكون في رباعية أوغيرها (قالوا) والحكمة في الافتراش في التشهد الأول والتورّك في الثاني أنه أقرب إلى تذكر الصلاة وعدم اشتباه عدد الركعات ولأن السنة تخفيف التشهد الأول فيجلس مفترشًا ليكون أسهل للقيام والسنة تطول الثاني ولا قيام بعده فيجلس متورّكًا ليكون أعون له وأمكن ولأن المسبوق إذا رأى الإِمام علم أنه في أيّ التشهدين (وقالت) الحنابلة إذا كانت الصلاة ذات تشهدين افترش في الأول وتورّك في الثاني وإن كانت ذات تشهد واحد افترش فيه (قال) في المغني يدل لنا حديث وائل بن حجر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما جلس للتشهد افترش رجله اليسرى ونصب رجله اليمنى ولم يفرق بين ما يسلم فيه وما لا يسلم وقالت عائشة كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول في كل ركعتين التحية وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى رواه مسلم (وهذان) يقضيان على كل تشهد بالافتراش إلا ما خرج منه لحديث أبى حميد في التشهد الثاني فيبقى فيما عداه على قضية الأصل. ولأن هذا ليس بتشهد ثان فلا يتورّك فيه وهذا لأن التشهد الثاني إنما تورّك فيه للفرق بين التشهدين وما ليس فيه إلا تشهد واحد لا اشتباه فيه فلا فرق اهـ كلام المغني (وذهبت) المالكية إلى استحباب التورّك في التشهدين مستدلين بما رواه مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم عن عبد الله ابن عبد الله بن عمر أنه أخبره أنه كان يرى عبد الله بن عمر يتربع في الصلاة إذا جلس قال ففعلته

وأنا يومئذ حديث السنّ فنهاني عبد الله وقال إنما سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني رجلك اليسرى فقلت له فإنك تفعل ذلك فقال إن رجلي لا تحملان. وهو وإن لم يبين في هذه الرواية ما يصنع بعد ثني رجله اليسرى هل يجلس فوقها أو يتورّك فقد تبين بما رواه أيضًا عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمَّد أراهم الجلوس في التشهد فنصب رجله اليمنى وثنى رجله اليسرى وجلس على وركه الأيسر ولم يجلس على قدمه ثم قال أراني هذا عبد الله بن عبد الله بن عمر وحدثنى أن أباه كان يفعل ذلك فتبين من رواية القاسم ما أجمل في رواية ابن عبد الرحمن ولهذا أتى الإِمام مالك بهذه الرواية تلو الرواية السابقة ولم يكتف بالرواية الأخيرة لتصريح الأولى بأنه السنة المقتضية للرفع (وقال) في المدونة الجلوس فيما بين السجدتين مثل الجلوس في التشهد يفضى بألييه على الأرض وينصب رجله اليمنى ويثني رجله اليسرى وإذا نصب رجله اليمنى جعل باطن الإبهام على الأرض لا ظاهره اهـ (وقالت) الحنفية يفترش في التشهدين واستدلوا بما تقدّم عند مسلم عن عائشة وفيه وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى. وبما رواه أحمد عن رفاعة بن رافع في حديث الأعرابي وفيه فإذا جلست فاجلس على رجلك اليسرى (والحاصل) أنهم اختلفوا في كيفية الجلوس للتشهد (فقال) أبو حنيفة يفترش فيهما (وقال) مالك يتورّك فيهما (وقال) الشافعي يتورّك في الأخير ويفترش في الأول (وقالت) الحنابلة إن كانت الصلاة ثنائية افترش وإن كانت رباعية أو ثلاثية افترش في الأول وتورّك في الثاني، وهذا الخلاف كله في الأفضل من هذه الهيئات وإلا فلو جلس على أيّ كيفية منها جاز لأن الكل ثابت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (فائدة) إذا جلس المسبوق مع الإِمام في آخر صلاته فالصحيح من مذهب الشافعي أنه يجلس مفترشا لأنه ليس آخر صلاته (وقيل) يجلس متورّكًا تبعًا للإمام (وقيل) إن كان جلوسه في محل التشهد الأول افترش وإلا تورّك لأن جلوسه حينئذ لمجرّد المتابعة (وإذا) جلس من عليه سجود سهو في آخر صلاته افترش على الأصح (وقيل) يتورّك لأنه آخر صلاته اهـ من النووي شرح المهذب ببعض تصرّف (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ نَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْعَامِرِيِّ قَالَ كُنْتُ فِى مَجْلِسٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فِيهِ فَإِذَا قَعَدَ فِى الرَّكْعَتَيْنِ قَعَدَ عَلَى بَطْنِ قَدَمِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى فَإِذَا كَانَتِ الرَّابِعَةُ أَفْضَى بِوَرِكِهِ الْيُسْرَى إِلَى الأَرْضِ وَأَخْرَجَ قَدَمَيْهِ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ.

(ش) (قوله قال في الخ) أي قال عبد الله بن لهيعة في هذا الحديث فإذا قعد في الركعتين يعني في التشهد الأول افترش قدمه اليسرى ونصب رجله اليمنى وإذاكان في الجلسة الأخيرة تورّك. وقوله وأخرج قدميه من ناحية واحدة يعني جعلهما في ناحية واحدة وهي اليمنى (وفيه دلالة) لمن قال بالتورّك في التشهد الأخير والافتراش في التشهد الأول. وحمله من قال بالافتراش فيه على حالة العذر (لكن) علمت أن الخلاف بينهم في الأفضل فلا حاجة إلى هذا العمل: على أن الحديث ضعيف لأن في سنده ابن لهيعة وفيه مقال (ص) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ نَا أَبُو بَدْرٍ نَا زُهَيْرٌ أَبُو خَيْثَمَةَ نَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ نَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَبَّاسِ -أَوْ عَيَّاشِ- بْنِ سَهْلٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ كَانَ فِى مَجْلِسٍ فِيهِ أَبُوهُ فَذُكِرَ فِيهِ قَالَ فَسَجَدَ فَانْتَصَبَ عَلَى كَفَّيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَصُدُورِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ فَتَوَرَّكَ وَنَصَبَ قَدَمَهُ الأُخْرَى ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ فَقَامَ وَلَمْ يَتَوَرَّكْ ثُمَّ عَادَ فَرَكَعَ الرَّكْعَةَ الأُخْرَى فَكَبَّرَ كَذَلِكَ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى إِذَا هُوَ أَرَادَ أَنْ يَنْهَضَ لِلْقِيَامِ قَامَ بِتَكْبِيرٍ ثُمَّ رَكَعَ الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ فَلَمَّا سَلَّمَ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَمْ يَذْكُرْ فِى حَدِيثِهِ مَا ذَكَرَ عَبْدُ الْحَمِيدِ فِى التَّوَرُّكِ وَالرَّفْعِ إِذَا قَامَ مِنْ ثِنْتَيْنِ. (ش) (أبو بدر) هو شجاع بن الوليد تقدّم في الجزء الرابع صفحة 67 (قوله في مجلس فيه أبوه) أي في المجلس أبوه سهل بن سعد الساعدي وكان فيه أيضًا أبوهريرة وأبو أسيد وأبو حميد (قوله فذكر فيه) بالبناء للمجهول أي ذكر أبو حميد الحديث في المجلس (قوله وهو جالس) صوابه وهو ساجد كما في الرواية السابقة في "باب افتتاح الصلاة" (قوله فتورّك الخ) مرتين على محذوف أي جلس بين السجدتين فتورّك ونصب قدمه الأخرى يعني اليمنى (قوله ثم جلس بعد الركعتين) يعني جلس للتشهد الأول ولم يبين في هذه الرواية صفة الجلوس للتشهد (قوله حتى إذا هو أراد أن ينهض للقيام الخ) أي إذا أراد أن يشرع في القيام من التشهد قام متلبسًا بتكبير (وفيه دلالة) لمن قال إنه يعمرالقيام من التشهد الأول بالتكبير وتقدم بيانه (قوله ولم يذكر في حديثه الخ) أي لم يذكر عيسى بن عبد الله في حديثه هذا ماذكره عبد الحميد بن جعفر في روايته المتقدمة في باب رفع اليدين من التورّك في التشهد الأخير ورفع اليدين إذا قام من التشهد الأول

باب التشهد

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو أَخْبَرَنِي فُلَيْحٌ أَخْبَرَنِي عَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ اجْتَمَعَ أَبُو حُمَيْدٍ وَأَبُو أُسَيْدٍ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَذْكُرِ الرَّفْعَ إِذَا قَامَ مِنْ ثِنْتَيْنِ وَلاَ الْجُلُوسَ قَالَ حَتَّى فَرَغَ ثُمَّ جَلَسَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَأَقْبَلَ بِصَدْرِ الْيُمْنَى عَلَى قِبْلَتِهِ. (ش) (فليح بن سليمان (قوله فذكر هذا الحديث الخ) أي ذكر أبو حميد الحديث ولم يذكر فيه رفع اليدين إذا قام من الركعتين ولا كيفية الجلوس في التشهد الأول ولا بين السجدتين وقال في هذه الرواية حتى فرغ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من ركعات صلاته ثم جلس للتشهد الأخير فافترش رجله اليسرى وأقام اليمنى وأقبل بصدرها على قبلته. وهذه الرواية أخرجها البيهقي والطحاوي (باب التشهد) وفي بعض النسخ "باب ما يقول في التشهد" (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ حَدَّثَنِي شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كُنَّا إِذَا جَلَسْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في الصَّلاَةِ قُلْنَا السَّلاَمُ عَلَى اللهِ قَبْلَ عِبَادِهِ السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- "لاَ تَقُولُوا السَّلاَمُ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ السَّلاَمُ وَلَكِنْ إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ ذَلِكَ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ في السَّمَاءِ وَالأَرْضِ -أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ- أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ أَحَدُكُمْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو بِهِ".

(ش) (قوله إذا جلسنا) يعني للتشهد (قوله السلام على الله قبل عبادة) أي قبل السلام على عبادة فقبل ظرف. وقيل بكسر القاف وفتح الموحدة فتكون منصوبة على نزع الخافض أي السلام على الله من قبل عبادة وتؤيده رواية للبخاري السلام على الله من عبادة. وفي رواية له كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قلنا السلام على جبريل وميكاءيل. وفي رواية مسلم وابن ماجه السلام على الله قبل عبادة السلام على جبريل السلام على ميكاءيل الخ وكأنهم رأوا السلام من قبيل الحمد والشكر فجوّزوا ثبوته لله تعالى (قوله السلام على فلان وفلان) أي من الملائكة في رواية البخاري المذكورة وكما في رواية ابن ماجه السلام على فلان وفلان يعنون الملائكة. وللسراج من طريق الأعمش فنعدّ من الملائكة ما شاء الله (قوله لا تقولوا السلام على الله الخ) وفي رواية البخاري فالتفت إلينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال إن الله هو السلام. وفي رواية مسلم فلما انصرف النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقبل علينا بوجهه وقال لا تقولوا السلام على الله الخ (ونهاهم) عن ذلك لأن السلام معناه السلامة من الآفات والنقائض والله تعالى هو الذى يعطيها لمن يشاء من عبادة فكيف يدعى بها له وقوله فإن الله هو السلام تعليل للنهى المذكور أي أن السلام اسم من أسماء الله تعالى ومعناه السالم من الشريك أو الذي يسلم على عبادة المؤمنين في الجنة وعلى الأنبياء في الدنيا أيضًا أو المؤمن من المخاوف والمهالك (قوله فليقل التحيات لله الخ) جمع تحية وجمعها لأن ملوك الأرض كانوا يحيون بتحيات مختلفة فيقال لبعضهم أنعم صباحًا ولبعضهم أسلم كثيرًا ولبعضهم عش ألف سنة ولم يكن في تحياتهم ما يصلح للثناء على الله تعالى فقيل للمسلمين قولوا التحيات لله أي أنواع التعظيم كلها مستحقة لله عَزَّ وَجَلَّ. والصلوات قيل المراد بها الصلوات الخمس ويكون المعنى الصلوات واجبة لله ومختصة به أو المراد الصلوات مطلقًا فريضة كانت أو نافلة (وقيل) المراد بها مطلق العبادة وقيل هي الرحمة أي أن الرحمات لله تعالى وهو المتفضل بها لأن الرحمة التامة له دون غيره. والطيبات أي من الأقوال الصالحة كالدعاء والذكر. وقيل الطيبات أعمّ من الأقوال فتشمل الأعمال والأوصاف الصالحة. وطيبها كونها كاملة خالصة لله تعالى عن الشوائب. والواو فيها وما قبلها عاطفة جملة على جملة والخبر فيهما محذوف يدل عليه قوله التحيات لله (قوله السلام عليك أيها النبي الخ) يجوز فيه وفي قوله السلام علينا إثبات أن وحذفها وإثباتها أولى لأنها أكثر روايات الصحيحين وتكون للعهد الذهني أي أن ذلك السلام الذي وجه إلى الرسل والأنبياء عليك أيها النبي وكذلك السلام الذي وجه إلى الأمم السالفة علينا وعلى عباد الله الصالحين. ويجوز أن تكون أن للجنس أي حقيقة السلام الذي يعرفه كل واحد وعلى من ينزل وعمن يصدر عليك أيها النبي وعلينا وعلى عباد الله الصالحين (ويجوز) أن تكون

أن للعهد الخارجي والمعهود هو السلام في قوله تعالى "وسلام على عبادة الذين اصطفى" والسلام هنا بمعنى السلامة أي سلمت أيها النبي من المكاره (وقيل) اسم من أسماء الله تعالى أي السلام حافظ لك من الآفات "فإن قيل" لم عدل عن الوصف بالرسالة إلى الوصف بالنبوّة مع أن الوصف بالرسالة في حق البشر أعمّ "قيل" الحكمة في الوصف بالنبوّة أنها وجدت كذلك في الخارج فإنه تعالى أنزل {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} قبل أن ينزل {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ} فإن قوله {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} أفاد النبوّة لا غير وقوله {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} أفاد الرسالة (وقيل) إن الحكمة أن يجمع له صلى الله عليه وعلى آله وسلم الوصفان فإنه وصف بالرسالة في آخر التشهد وإن كانت الرسالة تستلزم النبوّة فالتصريح بما أبلغ "فإن قيل" أيضًا ما الحكمة في العدول عن الغيبة إلى الخطاب مع أن لفظ الغيبة هو الذى يقتضيه السياق كأن يقول السلام على النبي "قيل" إن المصلي لما يقرأ التحيات يستحضر أن هذا الثناء على الله وصل إليه بتعليم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيستحضره كأنه أمامه فيخاطبه على أن المحفوظ عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعمل به وإن لم تعلم الحكمة فيه (قال) الحافظ قد ورد في بعض طرق حديث ابن مسعود هذا ما يقتضي المغايرة بين زمانه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيقال بلفظ الخطاب وأما بعده فيقال بلفظ الغيبة ففي الاستئذان من صحيح البخاري من طريق أبى معمر عن ابن مسعود بعد أن ساق حديث التشهد قال وهو بين ظهرانينا فلما قبض قلنا السلام يعني على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كذا وقع في البخاري وأخرجه أبو عوانة في صحيحه والسراج والجوزقي وأبو نعيم الأصبهاني والبيهقي من طرق متعددة إلى أبى نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ فلما قبض قلنا السلام على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحذف لفظ يعني وكذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي نعيم قال السبكي في شرح المنهاج بعد أن ذكر هذه الرواية من عند أبى عوانة وحده إن صح هذا عن الصحابة دلّ على أن السلام في الخطاب بعد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غير واجب فيقال السلام على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "قلت" قد صح بلا ريب وقد وجدت له متابعًا قويًا قال عبد الرزاق أخبرني ابن جريج أخبرني عطاء أن الصحابة كانوا يقولون والنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حيّ السلام عليك أيها النبي فلما مات قالوا السلام على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهذا إسناد صحيح (وأما ما روى) سعيد بن منصور من طريق أبى عبيده بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علمهم التشهد فذكره قال فقال ابن عباس إنما كنا نقول السلام عليك أيها النبي إذا كان حيًا فقال ابن مسعود هكذا علمنا وهكذا نعلم (فظاهر) أن ابن عباس قاله بحثًا وأن ابن مسعود لم يرجع إليه. لكن رواية أبى معمر أصح لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه والإسناد إليه مع ذلك ضعيف

ورواية أبي معمر الذكر أشار إليها رواه البخاري في باب الأخذ باليدين من كتاب الاستئذان قال حدثنا أبو نعيم حدثنا سيف قال سمعت مجاهدًا يقول حدثني عبد الله بن سخبرة أبو معمر قال سمعت ابن مسعود يقول علمني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكفى بين كفيه التشهد كما يعلمني السورة من القرآن التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وهو بين ظهرانينا فلما قبض قلنا السلام يعني على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لكن) المحفوظ عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعمل به كما تقدم لا فرق بين زمان حياته ومماته، على أنه صلى الله تعالى عيه وعلى آله وسلم حيّ في قبره كسائر الأنبياء ولا فرق بين كونه على ظهر الأرض أو في بطنها كما أنه لا فرق بين حصوره وغيبته حال حياته ولهذا لا نعلم أحدًا من الأئمة قال به (قوله ورحمة الله وبركاته) أي إحسانه وخيره الكثير فالرحمة الإحسان والبركات الخير الكثير. وجمع البركة دون السلام والرحمة لأنهما مصدران (قوله السلام علينا) المراد الحاضرون من الإِمام والمأمومين والملائكة (قوله وعلى عباد الله الصالحين) المراد بهم القائمون بما وجب عليهم من حقوق العباد (قال) الفاكهاني ينبغي للمصلي أن يستحضر في هذا المحل جميع الأنبياء والملائكة والمؤمنين ليتوافق لفظه مع ضده اهـ (وقال الترمذي) من أراد أن يحظى بهذا السلام الذي يسلمه الخلق في الصلاة فليكن عبدًا صالحًا وإلا حرم هذا الفضل العظيم اهـ. وعلمهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يفردوه بالذكر لشرفه ومزيد حقه عليهم ثم علمهم أن يخصوا أنفسهم أولًا لأن الاهتمام بها أهمّ ثم علمهم تعميم السلام على الصالحين إعلامًا منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأن الدعاء للمؤمنين ينبغي أن يكون شاملًا لهم (قوله إذا قلتم ذلك الخ) أي إذا قلتم وعلى عباد الله الصالحين أصاب كل عبد صالح وفي رواية البخاري فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض. وقدّم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذه الجملة على بقية التشهد اهتمامًا به لكونه أنكر عليهم عدّ الملائكة واحدًا بعد واحد ولا يمكنهم حصرهم وعلمهم ما يشمل الملائكة وغيرها من النبيين والصديقين من غير مشقة. وهو من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وقوله أو بين السماء والأرض شك من الراوي. وفي رواية الصحيحين وابن ماجه في السماء والأرض وفي رواية الإسماعيلي من أهل السماء والأرض. من غير شك (قوله أشهد أن لا إله إلا الله الخ) أي أعترف بأنه لا يستحق العبادة غير الله عَزَّ وَجَلَّ وأن محمدًا عبده ورسوله. ولم تختلف الطرق عن ابن مسعود في أن الرواية هكذا. وفي رواية عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال بينا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعلم التشهد إذ قال رجل وأشهد أن محمَّدًا رسوله عبده فقال

المذاهب في حكم التشهد وفي لفظه وفي الدعاء بعده

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لقد كنت عبدًا قبل أن أكون رسولًا قل عبده ورسوله وفي رواية مسلم عن ابن عباس وأشهد أن محمدًا رسول الله. وفي بعض الروايات أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله (قال ابن الملك) روي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما عرج به أثنى على الله تعالى بهذه الكلمات "يعني التحيات لله الخ" فقال الله تعالى السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقال جبريل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اهـ. (وظاهر الحديث) يدلّ على وجوب التشهد للأمر به فيه لا فرق بين التشهد الأول والثاني وبه قال الليث وإسحاق وأبو ثور (وكذا الحنابلة) وقالوا إن التشهد الأخير ركن تبطل بتركه الصلاة مطلقًا بخلاف الأول فينجبر بسجود السهو جهلًا أونسيانا (مستدلين) بحديث الباب (واستدلوا) على وجوب التشهد الأول بما رواه أحمد والنسائي عن أبي مسعود قال إن محمدًا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا التحيات لله الخ (وذهبت) الشافعية إلى وجوب التشهد الثاني دون الأول. أما وجوب الثاني فلحديث الباب. وعدم وجوب الأول فلما في الصحيحين والمصنف أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قام من ركعتين ولم يتشهد فلما قضى صلاته سجد سجدتين قبل السلام (قالوا) فعدم تداركه يدل على عدم وجوبه (وقالت) المالكية التشهد الأول والثاني سنة (قالوا) ودليلنا أنه ذكر لا يجهر به في الصلاة بوجه فلم يكن واجبًا كالتسبيح في الركوع والسجود (وأجابوا) عن الأمر في حديث الباب ونحوه بأنه محمول على الندب بقرينة أن التشهد لم يذكر في حديث المسئ صلاته "وما رواه" الدارقطني عن ابن مسعود قال كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله الخ "فالمراد" بالفرض فيه التقدير. وروى أبو مصعب عن مالك الوجوب في الأخير (وقالت الحنفية) إنهما واجبًان ولا تبطل الصلاة بترك واحد منهما ولو عمدًا (وقد اختلفت) الروايات في ألفاظ التشهد وبأيّ رواية منها تشهد المصلي أجزأه، واختلفوا في الأفضل (فاختار أبو حنيفة) وأصحابه وأحمد وجمهور الفقهاء تشهد ابن مسعود المذكور في حديث الباب لوجوه (منها) أنه متفق عليه في الصحيحين وغيرهما حتى قال الترمذي والخطابي وابن المنذر وابن عبد البر تشهد ابن مسعود أصح حديث في التشهد. وكذا قال أبو بكر وقال قد روي من نيف وعشرين طريقًا (وقال) مسلم أجمع الناس على تشهد ابن مسعود لأن أصحابه لا يخالف بعضهم بعضًا وغيره قد اختلف أصحابه اهـ (ومنها) أن الصديق رضي الله تعالى عنه علمه للناس على المنبر (ومنها) أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخذ بكفّ ابن مسعود بين كفيه وعلمه إياه لزيادة الاهتمام (ومنها) أن رواته نقلوه مرفوعًا على صفة واحدة بخلاف غيره. إلى غير ذلك من الوجوه (قوله ثم ليتخير أحدكم الخ) أي

ليتخير أحب الدعاء إليه (وفيه دلالة) على مشروعية الدعاء في الصلاة بعد التشهد وقبل السلام بما شاء الله من أمور الدنيا والآخرة. لكن محله ما لم يكن فيه اثم. وإلى ذلك ذهب الجهور (وقال أبو حنيفة) وأصحابه لا يجوز إلا بالدعوات المأثورة في القرآن أو السنة أو ما يشبه ألفاظ القرآن ولا يدعو بما يشبه كلام الناس (وقالت الهادوية) لا يجوز الدعاء في الصلاة مطلقًا (وحديث) الباب وأشباهه يردّ عليهم (قال في النيل) ولولا ما رواه ابن رسلان من الإجماع على عدم وجوب الدعاء قبل السلام لكان الحديث منتهضًا للاستدلال به على وجوب الدعاء لأن التخيير في آحاد الشيء لا يدل على عدم وجوبه كما قال ابن رشد وهو المتقرّر في الأصول. على أنه قد ذهب إلى الوجوب أهل الظاهر اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على النهى عن أن يقول الشخص السلام على الله، وعلى مشروعية التشهد في الصلاة بهذه الصيغة، وعلى استحباب البداءة بالنفس في الدعاء والتعميم فيه وعلى طلب الدعاء بعد التشهد وقبل السلام (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ أَنَا إِسْحَاقُ -يَعْنِي ابْنَ يُوسُفَ- عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ كُنَّا لاَ نَدْرِي مَا نَقُولُ إِذَا جَلَسْنَا في الصَّلاَةِ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ عَلِمَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ. قَالَ شَرِيكٌ وَنَا جَامِعٌ -يَعْنِي ابْنَ شَدَّادٍ- عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بِمِثْلِهِ قَالَ وَكَانَ يُعَلِّمُنَا كَلِمَاتٍ وَلَمْ يَكُنْ يُعَلِّمُنَاهُنَّ كَمَا يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ "اللهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلاَمِ وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَبَارِكْ لَنَا في أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُلُوبِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ مُثْنِينَ بِهَا قَابِلِيهَا وَأَتِمَّهَا عَلَيْنَا". (ش) (رجال الحديث) (تميم بن المنتصر) بن تميم بن الصلت بن تمام الواسطي روى عن إسحاق بن يوسف ومحمد بن يزيد ويزيد بن هارون وآخرين. وعن ابن أبي الدنيا وبقيّ ابن مخلد وابن جرير وجعفر بن محمَّد وكثيرون. وثقه ابن حبان والنسائي. وفي سنة أربع وأربعين

دليل من قال الخروج من الصلاة لا يتوقف على التسليم

ومائتين. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه. و (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (معنى الحديث) (قوله قد علم) يحتمل أن يكون بالتخفيف مبنيًا للفاعل من العلم أي علم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنا لا ندري ما نقوله في الصلاة. ويحتمل أن يكون بالتشديد مبنيًا للمفعول من التعليم أي علمه الله ما لم نعلمه من قراءة التحيات (قوله فذكر نحوه) أي ذكر أبو الأحوص عوف بن مالك نحوه حديث شقيق بن سلمة أبي وائل (قوله قال شريك الخ) غرض المصنف به بيان أن شريكًا النخعي روى هذا الحديث عن جامع بن شداد كما رواه عن أبي إسحاق (قوله ولم يكن يعلمناهن الخ) أي لم يكن صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعلمنا الكلمات الآتية في الدعاء كما كان يعلمنا التشهد بل كان تعليمه لنا التشهد أتمّ. ولعله علمهم هذا الدعاء ليدعوا به بعد التشهد كما يؤخذ من قوله ثم ليتخير أحدكم الخ (قوله اللهم ألف بين قلوبنا) أي اجمع بينها واجعل بينها المودّة والمحبة يقال ألفت بين القوم تأليفًا وتألفوا إذا اجتمعوا وتحابوا (قوله وأصلح ذات بيننا) يعني أصلح أحوالنا حتى تكون أحوال ألفة ومحبة. وذات الشيء نفسه وحقيقته. لما كانت الأحوال ملابسة للبين قيل لها ذات البين. ويحتمل تكون لفظة ذات زائدة (قوله واهدنا سبل السلام الخ) أي دلنا على طرق السلامة من الآفات والمهالك ونجنا من الظلمات. والمراد بها المعنوية وهي الضلالات والمعاصى وبالنور الإيمان والطاعات. والمعنى ثبتنا على الإيمان والأعمال الصالحة واحفظنا من المخالفات. وجمع الظلمات لكثرة أسبابها وأفرد النور لاتحاد سببه وهو الإيمان (قوله وجنبنا الفواحش الخ) أي باعدنا عن الكبائر ما ظهر منها كالزنا والسرقة وما خفي كالرياء والحسد واحفظ أسماعنا من سماع ما لا يحلّ وبارك لنا في أزواجنا وذرّياتنا بأن توفقهم للطاعات وتحفظهم من المخالفات وتجعل لنا من الزوجات ذرية صالحة واجعلنا صارفين ما أنعمت به علينا فيما خلق لأجله قائمين بالثناء على نعمتك معترفين بها غير منكريها راضين بها وأتمها علينا بإدامتها لنا في الدنيا والآخرة (فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على مشروعية الدعاء في الصلاة بهذه الكلمات بعد التشهد وقبل السلام, وعلى أن طلب التشهد آكد منها (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ نَا زُهَيْرٌ نَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ قَالَ أَخَذَ عَلْقَمَةُ بِيَدِى فَحَدَّثَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَخَذَ بِيَدِهِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ فَعَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ فِى الصَّلاَةِ فَذَكَرَ مِثْلَ

دُعَاءِ حَدِيثِ الأَعْمَشِ "إِذَا قُلْتَ هَذَا أَوْ قَضَيْتَ هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلاَتَكَ إِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ". (ش) (رجال الحديث) (القاسم بن مخيمرة) بكسر الميم الثانية مصغرًا الهمداني الكوفي أبي عروة. روى عن أبي سعيد الخدري وابن عمرو وشريح بن هانئ وأبي مريم وجماعة. وعنه سماك ابن حرب وعلقمة بن مرثد وهلال بن يساف وإسماعيل بن أبي خالد وكثيرون. وثقه العجلي وابن خراش وابن معين وابن سعد وقال أبو حاتم صدوق ثقة وقال في التقريب ثقة فاضل من الثالثة توفي سنة إحدى ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبخاري في التعاليق (معنى الحديث) (قوله أخذ علقمة بيدى الخ) هو حديث مسلسل وأخذ كل شيخ بيد من يحدثه للاهتمام بما يحدثه به (قوله فذكر مثل دعاء حديث الأعمش) لعلّ الصواب فذكر مثل حديث الأعمش المذكور أول الباب لأن حديث الأعمش ليس فيه دعاء وعلى تقدير ثبوت لفظ دعاء فتحمل على قوله ثم ليتخير أحدكم الخ وسمى دعاء لأنه إرشاد إلى الدعاء (قوله إذا قلت هذا أو قضيت هذا الخ) يعني التشهد وما شئت من الدعاء (واختلف الرواة) في هذه العبارة أهي من كلامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أم من كلام ابن مسعود (قال) العيني إن أبا داود روى هذا الحديث وسكت عنه ولو كان فيه ما ذكروه "يعني من كون هذه العبارة من كلام ابن مسعود" لنبه عليه لأن عادته في كتابه أن يلوّح على مثل هذه الأشياء. وزعم أبو زيد الدبوسي وغيره أن هذه الزيادة رواها أبو داود الطيالسي وموسى بن داود الضبي وهاشم ابن القاسم ويحيى بن أبي كثير ويحيى بن يحيى النيسابوري متصلًا فرواية من رواه مفصولًا لا تقطع بكونه مدرجًا لاحتمال أن يكون نسيه ثم ذكره فسمّعه هؤلاء متصلًا وهؤلاء منفصلًا أو قاله ابن مسعود فتيا كعادته "إلى أن قال" فيحمل عل أن ابن مسعود سمعه من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فرواه كذلك مرّة وأفتى به مرّة أخرى وهذا أول من جعله من كلام اهـ وصوّب الدارقطني عن جماعة أنها من كلام ابن مسعود وذكر النووي اتفاق الحفاظ عليه وتقدم الكلام على هذه الجملة في "باب الإِمام يحدث بعد ما يرفع رأسه من آخر الركعة" (فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على عدم وجوب الصلاة علي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الصلاة، وعلى أن الخروج منها لا يتوقف على التسليم وقد علمت بيانه في الباب المتقدم ذكره (والحديث) أخرجه الدارقطني من عدة طرق والبيهقي وابن حبان (ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنِي أَبِي نَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ

تشهد ابن عمر وأبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهم

عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ في التَّشَهُّدِ "التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ". قَالَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ زِدْتُ فِيهَا وَبَرَكَاتُهُ. "السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله". قَالَ ابْنُ عُمَرَ زِدْتُ فِيهَا وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ. "وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ". (ش) (قوله حدثني أبي) هو علي بن نصر تقدم الجزء الرابع صفحة 32. و (شعبة) ابن الحجاج في الأول صفحة 32. و (أبو بشر) جعفر بن أبي وحشية في الثالث صفحة 74 و (مجاهد) بن في جبر في الأول صفحة 58 (قوله الصلوات الطيبات) بدون واو العطف ورواية الدارقطني بالواو فيهما (قوله زدت فيها وبركاته) ظاهره أنه زادها من نفسه وليس كذلك بل المراد أنه زادها في روايته على من روى التشهد (قوله زدت فيها وحده لا شريك له) يعني ذكرها عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في التشهد زيادة عن بعض الصحابة الذين رووا التشهد عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وقد جاءت) زيادة وحده لا شريك له في رواية الدارقطني عن ابن عمر أيضًا. وفي رواية النسائي من طريق قتادة عن أبي غلاب وهو يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله أنهم صلوا مع أبي موسى فقال إن رسو ل الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم التحيات لله الخ أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. وصرّح بها أيضًا في رواية مالك في الموطأ عن عائشة (والحديث) أخرجه الدارقطني والطحاوي في شرح معانى الآثار (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ ح وَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ نَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ قَالَ صَلَّى بِنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ فَلَمَّا جَلَسَ فِى آخِرِ صَلاَتِهِ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ أُقِرَّتِ الصَّلاَةُ بِالْبِرِّ وَالزَّكَاةِ. فَلَمَّا انْفَتَلَ أَبُو مُوسَى أَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ أَيُّكُمُ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا فَأَرَمَّ الْقَوْمُ فَقَالَ أَيُّكُمُ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا فَأَرَمَّ الْقَوْمُ قَالَ فَلَعَلَّكَ يَا حِطَّانُ

أَنْتَ قُلْتَهَا. قَالَ مَا قُلْتُهَا وَلَقَدْ رَهِبْتُ أَنْ تَبْكَعَنِي بِهَا. قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ أَنَا قُلْتُهَا وَمَا أَرَدْتُ بِهَا إِلاَّ الْخَيْرَ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى أَمَا تَعْلَمُونَ كَيْفَ تَقُولُونَ في صَلاَتِكُمْ إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- خَطَبَنَا فَعَلَّمَنَا وَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا وَعَلَّمَنَا صَلاَتَنَا فَقَالَ "إِذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ ثُمَّ لْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا آمِينَ يُجِبْكُمُ الله وَإِذَا كَبَّرَ وَرَكَعَ فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا فَإِنَّ الإِمَامَ يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ". قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "فَتِلْكَ بِتِلْكَ وَإِذَا قَالَ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ يَسْمَعِ الله لَكُمْ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ وَإِذَا كَبَّرَ وَسَجَدَ فَكَبِّرُوا وَاسْجُدُوا فَإِنَّ الإِمَامَ يَسْجُدُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ". قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "فَتِلْكَ بِتِلْكَ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِ أَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ". لَمْ يَقُلْ أَحْمَدُ "وَبَرَكَاتُهُ". وَلاَ قَالَ "وَأَشْهَدُ". قَالَ "وَأَنَّ مُحَمَّدًا". (ش) (رجال الحديث) (أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله الواسطي تقدم في الجزء الأول صفحة 91. وكذا (هشام) الدستوائي صفحة 114. وكذا (قتادة) بن دعامة صفحة 34 و (يونس بن جبير) الباهلي أبي غلاب البصري. روى عن ابن عمر والبراء بن عازب ومحمد بن سعد وكثير بن الصلت وغيرها. وعنه. ابن سيرين وقتادة وحميد بن هلال وجماعة. وثقه ابن معين والنسائي والعجلي وابن سعد. مات بعد التسعين. روى له الجماعة. و(حطان بن عبد الله الرقاشي) بالتخفيف نسبة إلى رقاش قبيلة. البصري. روى عن عبادة بن الصامت وأبي موسى وأبي الدرداء

وعليّ. وعنه الحسن البصري وإبراهيم بن العلاء ويونس بن جبير. قال ابن المديني ثبت ووثقه العجلي وابن حبان وابن سعد وقال في التقريب ثقة من الثانية (معنى الحديث) (قوله أقرّت الصلاة بالبرّ والزكاة) يعني قرنت بهما. والبرّ الخير والزكاة التطهير والمراد أن الصلاة توجب لصاحبها الخير والطهارة من الذنوب (ويحتمل) أن أقرّت بمعنى أثبتت من الإقرار أي أثبتت الصلاة مصاحبة للخير والطهارة من الذنوب (قوله فأرمّ القوم) أي سكتوا كما تقدم ويروى فأزم بالزاي وتخفيف الميم وهو السكوت أيضًا اهـ من النهاية (قوله ولقد رهبت أن تبكعني بها) أي خفت أن تستقبلني بما أكره من تقريع ونحوه (قال) في النهاية بكعت الرجل بكعًا إذا استقبلته بما يكره اهـ (قوله وبين لنا سنتنا) أي طريقتنا (قوله قال إذا صليتم) أي أردتم الصلاة (قوله فقولوا آمين يجبكم الله) بالجيم أي يجيب دعاءكم وهكذا رواية مسلم بالجيم. وفي بعض النسخ يحبكم الله بالحاء المهملة والمراد بالمحبة الرضوان والرحمة (وفيه) الحثّ على التأمين وراء الإِمام وتقدم بيانه (قوله فتلك بتلك) يعني أن اللحظة القياسبقكم الإِمام بها في الركوع والرفع تجبر بتأخيركم فيهما عنه لحظة فيكون ركوعكم قدر ركوعه (قوله يسمع الله لكم) أي يستجب لكم الدعاء وهو مجزوم في جواب الأمر (قوله فإذا كان عند القعدة الخ) يعني الجلوس للتشهد فليكن أول قول أحدكم التحيات الخ فمن زائدة ويكون دليلًا لمن قال إنه يقول في أول جلوسه التحيات ولا يقول باسم الله. يدل لذلك ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بسنداه عن. أبي موسى مرفوعًا وفيه فإذا قعد أحدكم فليكن أول قوله التحيات لله "الحديث" (ويحتمل) أن تكون من أصلية ويكون دليلًا للهادوية القائلين إن المصلي يقول في أول جلوسه للتشهد باسم الله. وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله التحيات لله (قوله لم يقل أحمد وبركاته الخ) أي لم يقل في روايته وبركاته بل قال السلام عيك أيها النبي ورحمة الله فقط ولم يقل أشهد أن محمَّد بل قال وأن محمَّد بدون لفظ أشهد وغرض المصنف بهذا ييان الفرق بين رواية عمرو بن عون ورواية أحمد بن حنبل (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم مطوّلًا أيضًا وأخرج ابن ماجه والنسائي والدارقطني والطحاوي مختصرًا (ص) حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ نَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي نَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي غَلاَّبٍ يُحَدِّثُهُ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّقَاشِيِّ بِهَذَا الْحَدِيثِ زَادَ "فَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا". وَقَالَ في التَّشَهُّدِ بَعْدَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله زَادَ "وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَقَوْلُهُ "فَأَنْصِتُوا". لَيْسَ

تشهد ابن عباس وحكمة اختيار الشافعي له واختيار مالك تشهد سيدنا عمر رضي الله تعالى عنهم

بِمَحْفُوظٍ لَمْ يَجِئْ بِهِ إِلاَّ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ في هَذَا الْحَدِيثِ. (ش) (المعتمر) بن سليمان بن طرخان التيمي تقدم في الجزء. الأول صفحة 258 و (أبو غلاب) يونس بن جبير المذكور في الرواية السابقة (قوله بهذا الحديث الخ) أي المتقدم عن هشام عن قتادة وزاد سلمان التيمي في هذه الرواية قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإذا قرأ أي الإِمام فأنصتوا. وزاد أيضًا قوله وحده لا شريك له بعد قوله أشهد أن لا إله إلا الله (قوله فأنصتوا ليس بمحفوظ الخ) أتى به المصنف للإشارة إلى إنكار هذه الزيادة. وتقدم الكلام عليها في "باب الإِمام يصلي من قعوده" (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ وَكَانَ يَقُولُ "التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ". (ش) (أبو الزبير) محمَّد بن مسلم تقدم في الجزء الأول صفحة 24 (قوله المباركات) جمع مباركة من البركة وهي الزيادة وكثرة الخير. وقيل النماء. وهذه زيادة اشتمل عليها حديث ابن عباس كما اشتمل حديث ابن مسعود المتقدّم على زيادة الواو في المتعاطفات على التحيات (واختار الشافعي) التشهد المذكور في حديث ابن عباس لزيادة لفظ المباركات (قال النووي) في: شرح مسلم قال أصحابنا إنما رجح الشافعي تشهد ابن عباس عل تشهد ابن مسعود لزيادة لفظ المباركات ولأنها موافقة لقوله تعالى "تحية من عند الله مباركة طيبة" ولقوله كما يعلمنا القرآن اهـ ورجحه البيهقي بأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علمه لابن عباس وأقرانه من أحداث الصحابة فيكون متأخرًا عن تشهد ابن مسعود وأضرابه (قال الشافعي) بعد أن أخرج حديث ابن عباس ورويت أحاديث في التشهد مختلفة وكان هذا أحبّ اليّ لأنه أكملها (قال في الفتح) وقد سئل الشافعي عن اختياره تشهد ابن عباس فقال لما رأيته واسعا وسمعته عن ابن عباس صحيحًا كان عندي أجمع وأكثر لفظا من غيره وأخذت به غير معنف لمن يأخذ بغيره مما صح اهـ (واختار) مالك وأصحابه تشهد عمر بن الخطاب ولفظه التحيات لله الزاكيات "أي صالح الأعمال" لله الطيبات

الصلوات لله السلام عليك أيها النبي الخ (قال الباجي) والدليل على صحة ما ذهب إليه مالك أن تشهد عمر يجري مجرى الخبر المتواتر لأن عمر علمه للناس على المنبر بحضرة جماعة الصحابة وأئمة المسلمين ولم ينكره عليه أحد ولا خالفه فيه ولا قال له إن غيره من التشهد يجري مجراه فثبت بذلك إقرارهم عليه وموافقتهم إياه على تعيينه ولو كان غيره من ألفاظ التشهد يجرى مجراه لقال الصحابة إنك قد ضيقت على الناس واسعًا وقصرتهم على ما هم مخيرون بينه وبين غيره. وقد أباح صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في القرآن القراءة بما تيسر علينا من الحروف السبعة المنزلة فكيف بالتشهد وليست له درجة القرآن أن يقصر الناس فيه على لفظ واحد ويمنع مما تيسر مما سواه اهـ (لكن) قال الداودي إن ذلك من مالك على وجه الاستحسان وكيفما تشهد المصلي عنده جائز وليس في تعليم عمر الناس هذا التشهد من منع غيره اهـ (وقال) ابن عبد البرّ كل حسن متقارب المعنى إنما فيه كلمة زائدة أو ناقصة. وتسليم الصحابة لعمر ذلك مع اختلاف رواياتهم دليل على الإباحة والتوسعة اهـ (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني والطحاوي وكذا ابن حبان في صحيحه بتعريف السلام الأول وتنكير الثاني وأخرجه الطبراني بتنكير الأول وتعريف الثاني (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُفْيَانَ نَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى أَبُو دَاوُدَ نَا جَعْفَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ أَبِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَمَّا بَعْدُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِذَا كَانَ في وَسَطِ الصَّلاَةِ أَوْ حِينَ انْقِضَائِهَا فَابْدَءُوا قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَقُولُوا "التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ وَالصَّلَوَاتُ وَالْمُلْكُ لِلَّهِ ثُمَّ سَلِّمُوا عَلَى الْيَمِينِ ثُمَّ سَلِّمُوا عَلَى قَارِئِكُمْ وَعَلَى أَنْفُسِكُمْ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى كُوفِيُّ الأَصْلِ كَانَ بِدِمَشْقَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ دَلَّتْ هَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ سَمِعَ مِنْ سَمُرَةَ. (ش) (قوله أما بعد أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. الخ) وفي نسخة أنه قال أما بعد. ولعله قال ذلك في كتاب كتبه لابنه سليمان كما يشعر بذلك ما تقدم للمصنف عنه

باب الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد التشهد

في باب اتخاذ المساجد في الدور وفيه أن سمرة كتب إلى ابنه سليمان أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمرنا بالمساجد الخ. وقوله إذا كان في وسط الصلاة الخ يعني إذا كان أحدنا في التشهد الأول أو الثاني. وفي نسخة إذا كنا في وسط الصلاة الخ (قوله فابدءوا قبل التسليم الخ) يعني قبل أن تقولوا السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين (قوله ثم سلمو اعلى اليمين) أي على أهل اليمين، وفي نسخة عن اليمين أي عن الجهة اليمنى والمراد سلام التحليل من الصلاة يعني بعد الإتيان بالصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والأدعية الواردة بعدها (قوله ثم سلموا على قارئكم) أي إمامكم (وهو دليل) للمالكية القائلين إن المأموم يسلم على الإِمام تسليمة تخصه سوف تسليمتى اليمين والشمال (قوله وعلى أنفسكم) يعني ويسلم بعضم على بعضكم والمراد التسليمة التي على اليسار لأن الغرض منها الردّ على من سلم عليه ممن على يسار. وفي رواية الحاكم عّن سمرة قال أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن نردّ على الإِمام وأن نتحابّ وأن يسلم بعضنا على بعض. وفي رواية ابن ماجه والبزّار عنه أيضًا أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن نسلم على أئمتنا وأن يسلم بعضنا على بعض. زاد البزّار في الصلاة. وفي نسخة ثم سلموا على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويكون المراد به السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وقوله سلموا على قارئكم وعلى أنفسكم السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين (قوله ودلت هذه الصحيفة الخ) يعني بالصحيفة ما كتبه سمرة إلى ابنه سليمان. والغرض من هذا إثبات سماع الحسن البصري من سمرة كما أن سليمان سمع من سمرة لأنهما في الطبقة الثالثة خلافُ المن قال إنه لم يسمع من سمرة إلاَّ حديث العقيقة وما عداه رواه من غير سماع منه. وقد تقدم الخلاف في ذلك في "باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة" (باب الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد التشهد) (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ قُلْنَا أَوْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ أَمَرْتَنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ وَأَنْ نُسَلِّمَ عَلَيْكَ فَأَمَّا السَّلاَمُ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ "قُولُوا اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ".

(ش) (شعبة) بن الحجاج تقدم في الجزء الأول صفحة 32. و(الحكم) بن عتيبة في الثاني صفحة 125. و (ابن أبي ليلى) هو عبد الرحمن (قوله قال قلنا أو قالوا الخ) شك ابن أبي ليلى فيما قاله كعب أهو قلنا يا رسول الله أم قالوا يا رسول الله. وفي رواية مسلم والبخاري عن الحكم أيضًا قال سمعت ابن أبي ليلى قال لقيني كعب بن عجرة فقال ألا أهدي لك هدية خرج علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلنا عرفنا كيف نسلم عليك الخ وكذلك في معظم الروايات. وفي رواية الطبراني إن أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالوا يا رسول الله الخ (قال) الفاكهاني الظاهر أن السؤال صدر من بعضهم لا من جميعهم ففيه التعبير عن البعض بالكل. ويبعد جدًّا أن يكون كعب هو الذي باشر السؤال منفردًا فأتى بالنون التي للتعظيم بل لا يجوز ذلك لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أجاب بقوله قولوا فلو كان السائل واحدًا لقال له قل ولم يقل قولوا اهـ (قال) الحافظ في الفتح لم يظهر لي وجه نفى الجواز وما المانع أن يسأل الصحابي الواحد عن الحكم فيجيب صلى الله عليه وآله وسلم بصيغة الجمع إشارة إلى اشتراك الكل في الحكم ويؤكده أن في نفس السؤال قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك كلها بصيغة الجمع فدل على أنه سأل لنفسه ولغيره فحسن الجواب بصيغة الجمع (لكن) الإتيان بنون العظمة في خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يظن بالصحابى فإن ثبت أن السائل كان متعددًا فواضح وإن ثبت أنه كان واحدة فالحكمة في الإتيان بصيغة الجمع الإشارة إلى أن السؤال لا يختص به بل يريد نفسه ومن يوافقه على ذلك. فحمله على ظاهره من الجمع هو المعتمد؛ على أن الذي نفاه الفاكهاني قد ورد في بعض الطرق "فعند" الطبري من طريق الأجلح عن الحكم بلفظ قمت إليه فقلت السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك يا رسول الله قال قل اللهم صل على محمَّد "الحديث" "وقد وقفت" على تعيين جماعة ممن باشر السؤال وهم كعب بن عجرة وبشير بن سعد والد النعمان وزيد بن خارجة الأنصاري وطلحة بن عبيد الله وأبوهريرة وعبد الرحمن بن بشير اهـ ببعض تصرّف (قوله أمرتنا أن نصلي عليك الخ) يعني بلغتنا عن الله تعالى أنه أمرك بذلك. ويعنى به قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ... الآية} وفي رواية لمسلم أمرنا الله أن نصلي عليك الخ (قوله فأما السلام فقد عرفناه الخ) يعني في التشهد في قوله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فكيف نصلي عليك وفي رواية مسلم ومالك عن أبي مسعود فكيف نصلي عليك فسكت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله. وستأتي للصنف. وفي رواية الطبراني فسكت حتى جاءه الوحي فقال تقولون اللهم صل على محمَّد الخ (وسألوه) عن صفة الصلاة فكأنهم قالوا ما هو اللفظ الذي يليق أن نصلي به عليك. وقيل إن السؤال عن جنس الصلاة لأنها مشتركة بين

مذاهب العلماء في المراد بآل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وفي تشبيه الصلاة عليه بالصلاة على سيدنا إبراهيم الخليل. وفي حكم الصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وسلم بعد التشهد

الدعاء والرحمه والتعظيم. والأول أظهر ويشهد له سؤالهم بكيف التي هي للسؤال عن الصفة (وبهذا) جزم القرطبي وقال هذا سؤال من أشكلت عليه كيفية ما فهم أصله وذلك أنهم عرفوا المراد بالصلاة فسألوا عن الصفة التي تليق بها ليستعملوها اهـ (قال في الفتح) والحامل لهم على ذلك أن السلام كما تقدم بلفظ مخصوص وهو السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فهموا منه أن الصلاة أيضًا تقع بلفظ مخصوص وعدلوا عن القياس لإمكان الوقوف على النص "ولا سيما" في ألفاظ الأذكار فإنها تجئ خارجة عن القياس غالبًا فوقع الأمر كما فهموا فإنه لم يقل لهم قولوا الصلاة عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ولا قولوا الصلاة والسلام عليك الخ بل علمهم صفة أخرى اهـ (قوله اللهم صل على محمَّد) أي عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته وأيد فضيلته بالمقام المحمود ولما كان البشر عاجزًا عن أن يبلغ قدر الواجب له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من ذلك شرع لنا أن نطلب من الله تعالى ذلك له لأنه العالم بما يليق به القادرعلى إعطائه (وقال أبو العالية) صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه عند ملائكته (وقال ابن عباس) والضحاك صلاة الله عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رحمته (قوله وآل محمَّد) أي عظم آل محمَّد فمعنى الصلاة على الآل التعظيم أيضًا إلا أن التعظيم لكل أحد بحسب ما يليق به. وآل أصله أهل قلبت الهاء همزة ثم سهلت ولذا تصغر على أهيل. وقيل أصله أول من آل إذا رجع. وسمى بذلك من يؤول إلى الشخص ويضاف إليه. ويقوّيه أنه لا يضاف إلا إلى معظم فيقال آل القاضي ولا يقال آل الحجام (واختلف) في المراد بآل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقيل من حرمت عليهم الصدقة وفي المراد بهم خلاف أيضًا اهـ "فقيل" بنو هاشم فقط وقيل بنو هاشم والمطلب (وبه قال) الشافعي "وقيل" فاطمة وعلى والحسن والحسين وأولادهم إلى يوم القيامة (وسيأتي) مزيد لذلك في باب الصدقة علي بني هاشم من كتاب الزكاة إن شاء الله تعالى "وقيل" المراد بالآل قرابته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من غير تقييد (وبه قال) جماعة "وقيل" كل المسلمين التابعين له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى يوم القيامة حكاه القاضي أبو الطيب والأزهري وهو قول سفيان الثوري وغيره من المتقدمين "وقيل" هم الأتقياء من المسلين (ويمكن) الجمع بين هذه الأقوال بأن الخلاف باعتبار المقامات. ففي مقام الدعاء. يراد بالآل أمة الإجابة. وفي مقام الثناء يراد بهم الأتقياء. وفي الزكاة من حرمت عليهم الصدقة فالخلاف لفظيّ (قوله كما صليت على إبراهيم) استشكل هذا التشبيه بأن المشبه يكون دون المشبه به وما هنا ليس كذلك لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أفضل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصلاة عليه أفضل من الصلاة على غيره فكيف تشبه الصلاة عليه بالصلاة على إبراهيم (وأجيب) عن ذلك

بأجوبة (منها) أن التشبيه إنما هو لأصل الصلاة بأصل الصلاة لا للقدر بالقدر ونظيره قوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} فإن المراد أصل الصيام لا عينه ووقته وقوله تعالى {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} وقوله تعالى {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} فإن التشبيه فيهما في أصل الإيحاء وأصل الإحسان لا القدر (ومنها) أن التشبيه إنما هو في الصلاة على الآل لا على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقوله اللهم صل على محمَّد منقطع عن التشبيه وقوله وآل محمَّد متصل بقوله كما صليت على إبراهيم "وما قيل" على هذا الجواب من أن التركيب ركيك وهو معيب في كلام العرب "مردود" بما قاله الحافظ من أن التركيب ليس بركيك لأن التقدير اللهم صل على محمَّد وصل على آل محمَّد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فهو من عطف الجمل (وقال الحليمي) سبب هذا التشبيه أن الملائكة قالت في بيت إبراهيم رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد وقد علم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم وآل محمَّد من أهل بيت إبراهيم فكأنه قال أحب دعاء الملائكة الذين قالوا ذلك في محمَّد وآل محمَّد كما أجبتها عند ما قالوها في آل إبراهيم الموجودين حينئذ ولذلك ختم بما ختمت به الآيات اهـ (ومنها) أن التشبيه للمجموع بالمجموع فإن الأنبياء من آل إبراهيم كثيرون وهو صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منهم (وقال في الهدى) هو صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من آل إبراهيم وقد ثبت ذلك عن ابن عباس في تصير قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} قال محمَّد من آل إبراهيم فكأنه أمرنا أن نصلي على محمَّد وعلى آل محمَّد خصوصًا بقدر ما صلى عليه مع إبراهيم وآل إبراهيم عمومًا فيحصل لآله ما يليق بهم ويبقى الباقي كله له وذلك القدر أزيد مما لغيره من آل إبراهيم قطعًا وتظهر حينئذ فائدة التشبيه وأن المطلوب له بهذا اللفظ أفضل من المطلوب بغيره من الألفاظ (ووجدت) في مصنف لشيخنا مجد الدين الشيرازي جوابًا آخر نقله عن بعض أهل الكشف حاصله أن التشبيه لغير اللفظ المشبه به لا لعينه وذلك أن المراد بقولنا اللهم صل على محمَّد اجعل من أتباعه من يبلغ النهاية في أمر الدين كالعلماء بشرعه بتقريرهم أمر الشريعة كما صليت على إبراهيم بأن جعلت في أتباعه أنبياء يقرّرون الشريعة. والمراد بقوله وعلى آل محمَّد اجعل من أتباعه ناسًا محدَّثين بالفتح يخبرون بالمغيبات كما صليت على آل إبراهيم بأن جعلت فيهم أنبياء يخبرون بالمغيبات. والمطلوب حصول صفات الأنبياء لآل محمَّد وهم أتباعه في الدين كما كانت حاصلة بسؤال إبراهيم اهـ (على أن) كون المشبه به أقوى من المشبه ليس مطردًا بل قد يكون مساويًا أو أقلّ كما في قوله تعالى {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} وأين نور المشكاة من نوره تعالى لكن لما كان المراد من المشبه به أن يكون شيئًا واضحًا ظاهرًا للسامع حسن تشبيه النور بالمشكاة فكذلك هنا لما كان تعظيم إبراهيم وآله بالصلاة عليهم

مشهورًا واضحًا عند جميع الطوائف حسن أن يطلب لمحمد وآله الصلاة عليهم مثل ما حصل لإبراهيم وآله فهو من باب إلحاق ما لم يشتهر بما اشتهر (ويؤيد) ذلك ختم الطلب المذكور بقوله في العالمين أي أظهر الصلاة على محمَّد وآله في العالمين كما أظهرتها على إبراهيم وآله فيهم. وخص إبراهيم بذكرنا له في الصلاة من بين سائر الأنبياء لأنه أفضل الأنبياء بعد نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ولأنه صلى الله عليه وسلم رأى ليلة الإسراء جميع الأنبياء والمرسلين وسلم على كل نبيّ ولم يسلم أحد منهم على أمته غير إبراهيم فأمرنا صلى الله عليه وآله وسلم أن نثني عليه في آخر كل صلاة إلى يوم القيامة مجازاة على إحسانه (قال العيني) ويقال إن إبراهيم لما فرغ من بناء الكعبة دعالأمة محمَّد وقال اللهم من حجّ هذا البيت من أمة محمَّد فهبه مني السلام وكذلك دعا أهله وأولاده بهذه الدعوة فأمرنا بذكرهم في الصلاة مجازاة على حسن صنيعهم اهـ (قوله وبارك على محمَّد) البركة الزيادة في الخير والكرامة وقيل التطهير من العيوب والتزكية وقيل هي الثبات على الخير من قولهم بركت الإبل أي ثبتت على الأرض. ومنه بركة الماء بكسر الموحدة وسكون الراء لثبات الماء فيها والمراد أن يعطى النبي صل الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وآله من الخير أوفاه وأن يثبت لهم ذلك ويستمرّ دائمًا (قوله إنك حميد مجيد) هو كالتعليل لما قبله لأن المطلوب تكريم الله لنبيه وثناؤه عليه والتنويه به وزيادة تقريبه وذلك مما يستلزم طلب الحمد والمجد والمعنى إنك فاعل ما تستوجب به الحمد من النعم المترادفة كريم بكثرة "الإحسان إلى عبادك وحميد فعيل من الحمد بمعنى محمود وأبلغ منه وهو من حصل له من صفات الحمد أكملها. ومجيد من المجد وهو صفة من كمل في الشرف وهو مستلزم للعظمة والجلال (واستدلّ) بهذا الحديث على وجوب الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد التشهد للأمر المذكور فيه. وبه قال عمر وابنه عبد اللهو ابن مسعود والشعبي ومحمد بن كعب القرظي وأبو جعفر الباقر والهادي والقاسم والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المواز واختاره ابن العربي (لكن لا يتمّ) الاستدلال على وجوب الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد التشهد بالأمر في حديث الباب وأشباهه لأن غايته الأمر بمطلق الصلاة عليه وهو يقتضي الوجوب في الجملة فيحصل الامتثال بإيقاع فرد منها ولو خارج الصلاة فليس في الأحاديث زيادة على ما في قوله تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ويمكن الاستدلال على وجوب الصلاة عليه بعد التشهد بما أخرجه ابن حبان والحاكم والبيهقي وابن خزيمة والدارقطني من حديث ابن مسعود وفيه كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا (وغاية) هذه الزيادة أن يتعين بها محل الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو مطلق الصلاة وليس فيها ما يفيد إيقاعها بعد التشهد لكن قرّب البيهقي ذلك بأن الآية لما نزلت وكان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد علمهم

كيفية السلام عليه في التشهد والتشهد داخل الصلاة فسألوه عن كيفية الصلاة عليه. فعلمهم فدل على أن المراد بذلك إيقاع الصلاة عليه في التشهد بعد الفراغ من التشهد الذي تقدم: تعليمه لهم (واستدل) أيضًا من قال بوجوب الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد التشهد الأخير بما أخرجه الترمذي عن علي عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم أنه قاله البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ قالوا وقد ذكر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في التشهد (لكن) لا يصلح للاستدلال به على المطلوب إلا بعد تسليم أن البخيل لا يطلق إلا على من ترك الواجبًات وهو ممنوع فإن أهل اللغة والشرع والعرف يطلقون اسم البخيل على من يشحّ بما ليس بواجب فلا يستفاد من الحديث الوجوب المدّعي ولا سيما بعد التشهد الأخير (واستدلوا) أيضًا بما رواه الدارقطني من طريق عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول لا تقبل صلاة إلا بطهور وبالصلاة عليّ. ورواه البيهقي بلفظ لا صلاة إلا بطهور والصلاة عليّ (وهو لا يصلح) للاحتجاج به لأن عمرو بن شمر متروك وجابر الجعفي ضعيف (وبما رواه) الدارقطني من طريق جابر الجعفي أيضًا عن أبي جعفر عن أبي مسعود الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من صلى صلاة لم يصل فيها عليّ ولا على أهل بيتى لم تقبل منه (لكن) الحديث ضعيف لأن جابرًا ضعيف (على أن هذا) الحديث وما قبله لا يدلان على إيجاب الصلاة عليه بعد التشهد. بل غايتهما إيجاب الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الصلاة بدون تقييد أنها بعد التشهد (ولهم أدلة أخرى) لا يخلو كل منها عن مقال "وأنهضها ما رواه الحاكم" من طريق سعيد بن أبي هلال عن يحيى بن السباق عن رجل من بني الحارث عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل اللهم صل على محمَّد الخ "وفيه مجهول" فلا يصلح للاستدلال به (وذهب بما الجمهور) إلى عدم وجوب الصلاة علي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد التشهد في الصلاة منهم مالك وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والناصر (واحتج لهم) بحديث ابن مسعود السابق في التشهد وفيه أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علمه التشهد فقط وقال إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد. وفي رواية بعد أن ذكرالتشهد قال ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه (ولوكانت) الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد التشهد واجبة لعلمه إياها إذ موضع التعليم لا يؤخر فيه بيان الواجب. ولم يرو عن الصحابة الذين رووا التشهد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علمهم الصلاة عليه بعد التشهد (وهذا) هو الظاهر (ويجاب عن الأحاديث) التي استدل بها من قال بالوجوب بما تقدم من أن بعضها فيه مقال فلا ينتهض للاستدلال به

والبعض الآخر تعليم لكيفية الصلاة عليه المأمور بها في الآية وهي لا تفيد الوجوب (قال في النيل) ويمكن الاعتذار عن القول بالوجوب بأن الأوامر المذكورة في الأحاديث تعليم كيفية وهي لا تفيد الوجوب فإنه لا يشك من له ذوق أن من قال لغيره إذا أعطيتك درهما فكيف أعطيك أياه أسرًّا أم جهرًا فقال له أعطنيه سرًّا كان ذلك أمرًا بالكيفية التي هي السرّية لا أمر بالإعطاء وتبادر هذا المعنى لغة وشرعا وعرفا لا يدفع. وقد تكرّر في السنة وكثر فمنه إذا قام أحدكم الليل فليفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين "الحديث" وكذا قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في صلاة الاستخارة فليركع ركعتين ثم ليقل "الحديث" وكذا قوله في صلاة التسبيح فقم وصل أربع ركعات. وقوله في الوتر فإذا خفت الصبح فأوتر بركعة "والقول" بأن هذه الكيفية المسئول عنها هي كيفية الصلاة المأمور بها في القرآن فتعليمها بيان للواجب المجمل فتكون واجبة "لا يتمّ إلا بعد" تسليم أن الأمر القرآني بالصلاة مجمل. وهو ممنوع لاتضاح معنى الصلاة والسلام المأمور بهما (على أنه) قد حكى الطبري الإجماع على أن محمل الآية على الندب فهو بيان لمجمل مندوب لا واجب ولو سلم انتهاض الأدلة على الوجوب لكان غايتها أن الواجب فعلها مرّة واحدة فأين دليل التكرار في كل صلاة. ولو سلم وجود ما يدل على التكرار لكان تركها في تعليم المسيء دالًا على عدم وجوبه "إلى أن قال" والحاصل أنه لم يثبت عندي من الأدلة ما يدلّ على مطلوب القائلين بالوجوب وعلى فرض ثبوته فترك تعليم المسيء للصلاة لا سيما مع قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإذا فعلت ذلك فقد تممت صلاتك قرينة صالحة لحمله على الندب. ويؤيد ذلك قوله لابن مسعود بعد تعليمه التشهد إذا قلت هذا أو قضيت ها فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والدارقطني "وبعد هذا" فنحن لا ننكر أن الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أجلّ الطاعات التي يتقرّب بها الخلق إلى الخالق وإنما نازعنا في إثبات واجب من واجبًات الصلاة بغير دليل يقتضيه مخافة من التقوّل على الله بما لم يقل. ولكن تخصيص التشهد الأخير بها مما لم يدل عليه صحيح ولا ضعيف وجميع هذه الأدلة التي استدل بها القائلون بالوجوب لا تختص بالأخير. وغاية ما استدلوا به على تخصيص الأخير بها حديث أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يجلس في التشهد الأوسط كما يجلس على الرضف أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وليس فيه إلا مشروعية التخفيف وهو يحصل بجعله أخفّ من مقابله أعني التشهد الأخير وأما أنه يستلزم ترك ما دل الدليل على مشروعيته فيه فلا. ولا شك ان المصلي إذا اقتصر على أحد التشهدات وعلى أخصر ألفاظ الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان مسارعًا غاية المسارعة باعتبار ما يقع من تطويل الأخير بالتعوّذ من الأربع والأدعية المأمور بمطلقها ومقيدها فيه اهـ ببعض تصرفّ

(واستدل) بالحديث أيضًا عل وجوب الصلاة على الآل بعد التشهد مع الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وإلى ذلك) ذهب الهادي والقاسم والمؤيد بالله وأحمد وبعض أصحاب الشافعي مستدلين بحديث الباب وبالأحاديث المشتملة على الأوامر بالصلاة على الآل (وذهب الشافعي) في أحد قوليه وأبو حنيفة وأصحابه والناصر والأكثرون إلى أنها سنة (وبما تقدم) تعلم أدلة كل من الجانبين (ومن جملة) ما احتج به القائلون بعدم الوجوب الإجماع الذي حكاه النووي في شرح مسلم على عدم وجوب الصلاة على الآل قالوا إنه قرينة لحمل الأوامر الواردة على الندب (وحكى) الإجماع أيضًا على عدم وجوب الصلاة على الآل أبو إسحاق الشيرازي في المهذب (لكن) حكايته الإجماع لا تتمّ مع مخالفة أحمد والقاسم ومن معهما (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن من أمر بشيء وجهل كيفية العمل به يطلب منه أن يسأل عنها أهل الذكر، وعلى مشروعية الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وآله بهذه الصيغة، وعلى شرف الصحابة رضي الله تعالى عنهم وحرصهم على ضبط أحكام الدين وعلى مزيد شرف سيدنا إبراهم الخليل على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نَا شُعْبَةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ "صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ". (ش) (قوله بهذا الحديث الخ) أي حديث حفص بن عمر المتقدم وقال فيه رسول الله صل الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لكعب بن عجزة قولوا اللهم صل على محمَّد الخ بإبدال الصلاة على إبراهم بآل إبراهم. وفي نسخة كما صليت على إبراهيم. ولعل الصواب ما فيها ذكر الآل لأن النسخة التي لم يذكر فيها الآل لا فرق فيها بين الروايتين (وهذه الرواية) أخرجها مسلم والنزمذى (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ نَا ابْنُ بِشْرٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنِ الْحَكَمِ بِإِسْنَادِهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ "اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". (ش) (ابن بشر) هو محمَّد تقدم في الجزء الثاني صفحة 77. و (مسعر) بن كدام في الجزء الأول

صفحة 206 (قوله بإسناده بهذا الحديث) وفي نسخة بإسناده بهذا بدون ذكر الحديث أي بإسناد الحكم بن عتيبة السابق وهو ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة (قوله اللهم صل على محمَّد الخ) في هذه الرواية ذكر حميد مجيد مرّتين وفيها ذكر إبراهيم في البركة ولفظ اللهم. وفي نسخة كما باركت على آل إبراهيم بإثبات لفظ الآل (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ الزُّبَيْرُ بْنُ عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى كَمَا رَوَاهُ مِسْعَرٌ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ "كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ". وَسَاقَ مِثْلَهُ. (ش) أي روى هذا الحديث الزبير بن عدي عن ابن أبي ليلزمثل رواية مسعر عن الحكم عن ابن أبي ليلى إلا أن الزبير قال في روايته كما صليت على آل إبراهيم ولم يذكرفيها لفظ اللهم في التبريك و (الزبير بن عدي) هو الهمداني اليامى أبو عدي الكوفي. روى عن أنس ومصعب وإبراهيم النخعي وطلحة بن مصرّف وجماعة. وعنه إسماعيل بن أبي خالد وأبو إسحاق السبيعي ومالك بن مغول والثوري ومسعر وكثيرون. وثقه أحمد والنسائي وابن معين وأبو حاتم والعجلي وقال ثبت صاحب سنة وقال في التقريب ثقة من الخامسة. مات بالرّيّ سنة إحدى وثلاثين ومائة روى له الجماعة (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ ح وَنَا ابْنُ السَّرْحِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ "قُولُوا اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". (ش) (رجال الحديث) (القعنبي) عبد الله بن مسلمة. و (ابن السرح) هو أحمد بن عمرو و (ابن وهب) هو عبد الله، و (عبد الله بن أبي بكر الخ) هو الأنصاري أبو محمَّد. روى عن أنس وسالم بن عبد الله وحميد بن نافع وعباد بن تميم وعروة بن الزبير وآخرين. وعنه الزهري وعبد الملك بن محمَّد ومالك وهشام بن عروة والسفيانان وكثيرون. وثقه النسائي وابن معين وأبو حاتم وابن سعد وقال العجلي تابعي ثقة وقال ابن عبد البر كان من أهل العلم ثقة فقيهًا محّدثًا

الكلام في أن أزواجه وذريته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من آل بيته أم لا

مأمونًا حافظًا وهو حجة فيما نقل وحمل. توفي سنة خمس وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (قوله عن أبيه) هو أبو بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجي قيل اسمه كنيته وقيل أبو بكر وكنيته أبو محمَّد. روى عن السائب بن يزيد وعمر بن عبد العزيز وعبد الله بن قيس وجماعة. وعنه ابن عمه محمَّد بن عمارة وعمرو بن دينار ويحيى بن سعيد الأنصاري والزهري وكثيرون. وثقه ابن خراش وابن معين وقال مالك لم يكن عندنا أحد بالمدينة عنده من علم القضاء ما كان عند أبي أبي بكر وقال أيضًا ما رأيت مثل أبي بكر بن حزم أعظم مروءة ولا أتمَّ حالًا ولي المدينة والقضاء. توفي سنة سبع أو عشر ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله وذرّيته) بضم الذال على الأفصح وأصلها الهمز من الذرء فحذفت الهمزة واستعمل غير مهموز وقيل أصلها من الذرّ بمعنى التفريق وقيل بكسر الذال وتشديد الراء أيضًا ويروى عن زيد بن ثابت وقيل بفتح الذال وتخفيف الراء بوزن كريمة وبها قرأ أبان ابن عثمان. وتجمع على ذرّيات وقد تجمع على ذراري وهي نسل الإنسان من ذكر أو أنثى وتطلق على الأصول مجازًا ومنه قوله تعالى {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ} يعني آباهم (واستدل) بهذا الحديث جماعة على أن آل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هم الأزواج والذرّية (ووجهه) أنه أقام الأزواج والذرّية مقام الآل في سائر الروايات المتقدمة. واستدلوا على ذلك بقوله تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} لأن ما قبل الآية وما بعدها في الزوجات فأشعر ذلك بإرادتهنّ وأشعر تذكير المخاطبين بالآية بإرادة غيرهنّ. وبين هذا الحديث وحديث أبي هريرة الآتي للمصنف من سرّة أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت الخ من هم المرادون بالآية وبسائر الأحاديث التي أجمل فيها الآل (لكن) يردّ جعل الأزواج من الآل امتناعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من إدخال أم سلمة تحت الكساء بعد سؤالها ذلك وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند نزول هذه الآية مشيرًا إلى علي وفاطمة والحسن والحسين اللهم إن هؤلاء أهل بيتى بعد أن جللهم بالكساء. وعلى هذا فيكون ذكر الأزواج في الحديث لتعظيم شأنهن لا لأنهن من آل البيت (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مالك في الموطأ والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ -وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ هُوَ الَّذِي أُرِيَ النِّدَاءَ بِالصَّلاَةِ- أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ

لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ أَمَرَنَا الله أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "قُولُوا". فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ زَادَ في آخِرِهِ "فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". (ش) (قوله المجمر) بضم الميم الأولى وسكون الجيم وكسر الميم الثانية ويقال بفتح الجيم وتشديد الميم الثانية المكسورة (قوله أتانا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في مجلس سعد بن عبادة) فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن يخص رؤساء القوم وفضلاءهم بالزيارة لتأنيسهم و (سعد بن عبادة) بن ديلم بن حارثة بن حزم بن خزيمة بن ثعلبة بن طريف الأنصارف سيد الخزرج أبي ثابت أو أبي قيس. شهد العقبة وكان أحدًا النقباء واختلف في شهوده بدرًا كان يكتب العربية ويحسن الرمي وكان يقال له الكامل وكان مشهورًا بالجود هو وأبوه وجده وولده وكان له أطم ينادى عليه كل يوم من أحب الشحم واللحم فليأت أطم ديلم بن حارثة وكانت جفنته تدور مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في يبوت أزواجه وقال ابن عباس كان لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المواطن كلها رايتان مع على راية المهاجرين ومع سعد ابن عبادة راية الأنصار. وروى أحمد عن قيس بن سعد قال زارنا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله في منزلنا فقال السلام عليكم ورحمة الله "الحديث" وفيه ثم رفع يده فقال اللهم اجعل صلاتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة. وروى أبو يعلى من حديث جابر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جزى الله عنا الأنصار خيرًا ولا سيما عبد الله بن عمرو ابن حزم وسعد بن عبادة. وروى ابن أبي الدنيا من طريق ابن سيرين قال كان أهل الصفة إذا أمسوا ينطلق الرجل بواحد والرجل بالاثنين والرجل بالجماعة فأما سعد فإن ينطلق بثمانين خرج إلى الشام ومات بجوران سنة خمس عشرة أوست عشرة. روى عنه من الصحابة ابن عباس وأبو أمامة في سهل (قوله فسكت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله) وفي رواية الطبراني فسكت حتى جاءه الوحي. وتمنوا أنه لم يسأله خشية أن يكون صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كره سؤاله لما تقرّر عندهم من النهى عن ذلك في قوله تعالى {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} (قوله زاد في آخره في العالمين إنك حميد مجيد) يعني زاد أبو مسعود عقبة بن عمرو البدري في حديثه قوله في العالمين فقط وأما قوله إنك حميد مجيد

الكلام في أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كتب بيده. وما ورد في صفة الصلاة عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم

فليس بزائد عن حديث كعب لأنه مذكور فيه والمعنى تقدم أظهر ذكر محمَّد وآله في العالمين كما أظهرت ذكر إبراهيم وآله فيهم. والعالمون جمع عالم وهو ما سوى الله تعالى. والمراد بهم هنا الإنس والجن والملائكة (والحديث) أخرجه أحمد والنسائي والحاكم وأخرجه مسلم وزاد فيه والسلام كما علمتم (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا زُهَيْرٌ نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو بِهَذَا الْخَبَرِ قَالَ "قُولُوا اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ". (ش) (زهير) بن معاوية تقدم في الجزء الأول صفحة 112 (قوله الأمي) أي الذي لا يقرأ ولا يكتب نسبة إلى الأمّ لأنه على الحالة التي ولدته أمه عليها. أو هو نسبة إلى أمّ القرى لأن أهلها كانوا لا يقرءون ولا يكتبون. أو إلى أمة العرب لأن الغالب عليهم عدم القراءة والكتابة. فقد روى الشيخان عن عمر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب. ووصف صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالأميّ تنبيها على أن كمال علمه مع أميته من معجزاته فهو صفة مدح في حقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بخلافه في غيره (واختلف) هل كتب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقيل كتب الصلح عام الحديبية وقيل لم يكتبه وإنما أمر بالكتابة. وروى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يفارق الدنيا حتى كتب وقرأ (وقد جاء) في صفة الصلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كيفيات أخر غير ما ذكر في أحاديث الباب (منها) ما رواه البخاري والنسائي وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري اللهم صل على محمَّد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على وآل محمَّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم (ومنها) ما أخرجه ابن ماجه عن ابن مسعود قال إذا صليتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعلّ ذلك يعرض عليه فقالوا له فعلمنا قال قولوا اللهم اجعل صلاتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبين محمَّد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة اللهم ابعثه مقاما محمودًا يغبطه به الأولون والآخرون اللهم صل على محمَّد وآل محمَّد كما صليت عك إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمَّد وعلى آل محمَّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (ومنها) ما أخرجه الحاكم من طريق يحيى بن السباق عن رجل من بني الحارث عن ابن مسعود أنه صل الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا تشهد

أحدكم في الصلاة فليقل اللهم صل على محمَّد وعلى آل محمَّد وبارك على محمَّد وعلى آل محمَّد وارحم محمدًا وآل محمَّد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي والدارقطني وابن حبان بلفظ أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ونحن عنده فقال يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا فصمت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله ثم قال إذا صليتم عليّ فقولوا اللهم صل على محمَّد النبي الأمى وعلى آل محمَّد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمَّد النبي الأمي وعلى آل محمَّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد قال الدارقطني إسناده حسن متصل (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حِبَّانُ بْنُ يَسَارٍ الْكِلاَبِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو مُطَرِّفٍ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ كَرِيزٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ عَنِ الْمُجْمِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الأَوْفَى إِذَا صَلَّى عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلْيَقُلِ اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". (ش) (رجال الحديث) (حبان) بكسر الحاء بن يسار الكلابي البصري. روى عن عبد الرحمن بن طلحة ويزيد بن أبي مريم وثابت البناني وهشام بن عروة. وعنه بشر بن المفضل والعلاء بن عبد الجبار وعمرو بن عاصم. قال أبو حاتم ليس بالقوى ولا بالمتروك وقال ابن عدي حديثه فيه ما فيه لأجل الاختلاط وقال في التقريب صدوق اختلط من الثامنة و (أبو مطرّف عبيد الله بن طلحة بن عبيد الله بن كريز) بفتح الكاف وكسر الراء الخزاعي روى عن محمَّد بن علي والحسن البصري والزهري. وعنه صفوان بن سليم وحماد بن زيد وهارون بن موسى ومحمد بن إسحاق وعمران القطان. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من الثالثة. و (محمَّد بن علي الهاشمي) القرشي. روى عن نعيم بن عبد الله المجمر. وعنه أبو مطرّف. قال في التقريب مجهول (معنى الحديث) (قوله من سرّه أن يكتال بالمكيال الأوفى الخ) يعني من أحب أن

مذاهب الأئمة في الدعاء بالرحمة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وفي الإتيان بالسيادة في الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

يأخذ الثو اب كاملًا. والمكيال بكسر الميم آلة الكيل. والاكتيال هنا مجاز عن تحصيل الثواب وهو باق على حقيقته بناء على أن جزاء الأعمال يجسم يوم القيامة (قوله أهل البيت) منصوب على الاختصاص أو مجرور بدل من الضمير في علينا. وتقدم بيانهم (وفي الحديث) دلالة على الترغيب في الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأهل بيته بهذه الصيغة (تنبيه) اختلف في الدعاء للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالرحمة وفي الإتيان بالسيادة في الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (فذهب) ابن عبد البرّ إلى كراهة الدعاء بالرحمة (وقال) النووي في الأذكار زيادة وارحم محمدًا وآل محمَّد كما رحمت على آل إبراهيم بدعة اهـ وذلك لما قيل من أنه لم يثبت من طريق صحيح يعتدّ به والباب باب اتباع (وذهب) جماعة من الحنفية وابن أبي زيد من المالكية إلى جوازه من غير كراهة لما تقدم من رواية الحاكم عن ابن مسعود وفيها وارحم محمدًا وآل محمَّد. ولما في البخاري وتقدم للمصنف في باب الأرض يصيبها البول من قول الأعرابي اللهم ارحمنى ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لقد تحجرت واسعًا "الحديث" فأقرّه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الدعاء له بالرحمة وأنكر عليه التخصيص بالدعاء. وهو لا يقرّ على منكر ولما تقدم في التشهد من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. وهذا هو الراجح لقوّة أدلته (وأما الإتيان) بالسيادة في الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم ونحوها فاختلف العلماء فيها (فذهبت المالكية) وكثيرون إلى أنه يؤتى بها في غير الصيغ الواردة عنه صلى الله عليه وسلم تأدبًا. وأما الصيغ الواردة كالأذان والإقامة والتشهد فيقتصر فيها على ما ورد وقوفًا على ما حدّه الشارع واتباعًا للفظه وفرارًا من الزيادة على ما ورد لكونه خرّج مخرج التعليم (وذهبت) الشافعية إلى أنه يستحب الإتيان بها في الصيغ الواردة وغيرها لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما جاء وأبو بكر يؤمّ الناس فتأخر أمره أن يثبت مكانه فلم يثبت ثم سأله بعد الفراغ من الصلاة عن ذلك فقال ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأبدى له أنه إنما فعله تأدبًا رضي الله تعالى عنه وأقرّه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ذلك (وهو مردود) بأن الإتيان بها في الصيغ الواردة زيادة على ما شرعه وبينه صلى الله عليه وعلى آله وسلم والزيادة في الوارد تؤدّى إلى ردّ العمل وعدم قبوله "فقد" روى مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله تعالى عنهما قالت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردّ (وأما) قصة أبي بكر رضي الله تعالى عنه فهي في خصوص الإمامة فلا تصلح دليلًا على جواز الزيادة فيما شرعه وبينه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (فما) يفعله

باب ما يقول بعد التشهد

بعض الناس من زيادة لفظ سيدنا في الأذان ونحوه (مخالف) لهديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والخلفاء الراشدين وأصحابه الكرام (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه عبد بن حميد في مسنده وأبو نعيم والطبراني ورواه مالك من حديث ابن مسعود (باب ما يقول بعد التشهد) وفي بعض النسخ إسقاط هذه الترجمة. وإثباتها هو الأولى (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ نَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَائِشَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- "إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الآخِرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ". (ش) (رجال الحديث) (محمَّد بن أبي عائشة) مولى بني أمية. روى عن أبي هريرة وجابر وأبي سلمة. وعنه أبو قلابة وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر وحسان بن عطية. وثقه ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم ليس به بأس وقال مرّة ليس بمشهور قليل الحديث (معنى الحديث) (قوله فليتعوّذ الخ) فيه دلالة على وجوب الاستعاذة في التشهد الأخير بما ذكره وهو مذهب الظاهرية (وقال ابن حزم) بوجوب التعوّذ بعد التشهد الأول أيضًا عملًا بما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا تشهد أحدكم فليستعذ باللهِ من أربع الخ وهو مطلق في التشهد الأول والأخير (قال في السبل) وأمر طاوس ابنه بإعادة الصلاة لما لم يستعذ فيها لأنه يقول بوجوبه وببطلان الصلاة بتركه (وحمل) الجمهور الأمر في الحديث على الندب (وتقدم) شرح ألفاظ الحديث في "باب الدعاء في الصلاة" في حديث عائشة (والحديث) أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ أَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْيَمَامِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ "اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ

وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ". (ش) (رجال الحديث) (محمَّد بن عبد الله بن طاوس) بن كيسان اليمامي. روى عن أبيه. وعنه عثمان بن سعيد وعبد الرحمن بن طاوس ونعيم بن حماد وعمرو بن يونس. ذكره ابن حبان في الثقات قال في التقريب مقبول من الثانية. وتقدم شرح الحديث مستوفى (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو أَبُو مَعْمَرٍ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ نَا الْحُسَيْنُ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ مِحْجَنَ بْنَ الأَدْرَعِ حَدَّثَهُ قَالَ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ قَضَى صَلاَتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ وَهُوَ يَقُولُ اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا الله الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. قَالَ فَقَالَ "قَدْ غُفِرَ لَهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ". ثَلاَثًا. (ش) (رجال الحديث) (حنظلة بن علي) بن الأسقع الأسلمي المدني. روى عن ربيعة بن كعب وأبي هريرة وحمزة بن عمرو. وعنه عبد الرحمن بن حرملة وعبد الله بن بريدة والزهري وأبو الزناد وجماعة. وثقه النسائي وقال في التقريب ثقة من الثالثة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبخاري في الأدب. و(محجن بن الأدرع) بالدال المهملة الأسلمي. روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعنه حنظلة بن علي عبد الله ابن شقيق ورجاء بن رجاء. سكن البصرة واختلط مسجدها وكان قديم الإِسلام. روى له أبو داود والنسائي والبخاري في الأدب (معنى الحديث) (قوله اللهم إني أسألك يا الله) اللهم أصله يا الله وكرّره لإظهار الذلة والافتقار (قوله الأحد الخ) أي الواحد كما ذكره ابن عباس أبو عيدة ويؤيده قراءة الأعمش قل هو الله الواحد. وهو تعالى واحد في ذاته وصفاته وأفعاله. وقد يفرق بين واحد واحد بأن الأحد في النفي نص في العموم بخلاف الواحد فإنه محتمل للعموم وغيره نقل عن بعض الحنفية الفرق بينهما بأن الأحدية لا تحتمل الجزئية والعددية بحال والواحدية تحتملهما لأنه يقال مائة واحد ولا يقال ألف أحد. وتؤيده رواية النسائي وأحمد مسنده في هذا الحديث عن محجن أيضًا وفيها اللهم إني أسألك يا الله الواحد الأحد الصمد أي الذي يقصد في الحاجات والمتصف به على الإطلاق هو الغني عن غيره المحتاج إليه كل ما عداه وهو الله

ما ورد من الدعاء بعد التشهد وقبل السلام

سبحانه وتعالى (قال) ابن الأنباري لا خلاف بين أهل اللغة أنه السيد الذي ليس فوقه أحد الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وأمورهم (وعن قتادة) هو الذي يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء لا معقب لحكمه ولا رادّ لقضائه (وعن علي) بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه السيد الذي كمل في في سؤدده الذي كمل في شرفه والعظيم الذي كمل في عظمته والحليم الذي كمل في حلمه والعليم الذي كمل في علمه والحكيم الذي كمل في حكمته وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد. وقيل هو الدائم الباقي بعد فناء خلقه. وقيل تفسيره ما بعده وهو قوله الذي لم يلد ولم يولد لانتفاء مجانسته لغيره لأن الولد من جنس أبيه والله تعالى لا يجانسه أحد لأنه واجب الوجود وغيره ممكن ولأن الولد يطلب إما لإعانة والده أو ليخلفه بعده ولم يولد لأن كل مولود جسم محدث والله تعالى ليس كذلك وهو الغني الذي لا يفنى (وفي هذا) ردّ على المشركين القائلين إن الملائكة بنات الله واليهود القائلين عزير ابن الله والنصارى القائلين المسيح ابن الله. وهذه الجملة نتيجة لما قبلها لأنه إذا ثبت أنه متصف بكل كمال منزّه عن كل نقص مقصود في جميع الأمور فلم يكن علة في غيره ولا غيره علة فيه. وقدم نفي الولد عنه على كونه مولودًا مع أن المعروف تقدم كون المولود مولودًا على كونه والدًا لأن القصد الأصلي هنا نفي كونه تعالى ليس له ولد كما ادّعاه أهل الباطل ولم يدع أحد أنه تعالى مولود وإنما ذكر تتميمًا لتفرّده تعالى عن مشابهة العالم وتحقيقًا لكونه تعالى ليس كمثله شيء ولم يكن له كفوا أحد أي لم يكن أحد يماثله في شيء من صفات كماله وعلوّ ذاته. وقد يراد بالكفء الشبيه والنظير والمراد هنا ما هو أعمّ من الجميع (قوله ثلاثًا) أي قالها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثلاث مرّات وهو نصّ في إجابة دعاه هذا السائل. وبين صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبب إجابة دعائه في رواية للترمذى وابن ماجه والنسائي وفيها لقد سأل الله باسمه الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب (وقد ورد) في الدعاء قبل السلام وبعد التشهد أحاديث أخر (منها) ما رواه البخاري ومسلم عن أبي بكر الصديق قال قلت يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم (ومنها) ما رواه النسائي عن شداد بن أوس قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول في صلاته اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك وأسألك قلبا سليمًا ولسانًا صادقًا وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شرّ ما تعلم واستغفرك لما تعلم (ومنهما) ما رواه أيضًا عن أنس قال كنت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جالسًا ورجل قائم يصلي فلما ركع وتشهد قال في دعائه اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع

باب إخفاء التشهد

السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حيّ يا قيوم إني أسألك فقال صلى الله تعالى عليه على آله وسلم لأصحابه أتدرون بم دعا قالوا الله ورسوله أعلم قال والذي نفس محمَّد بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى (ومنها) ما رواه أيضًا عن فروة ابن نوفل قال قلت لعائشة حدثيني بشيء كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدعو به في صلاته قالت اللهم إني أعوذ بك من شرّ ما عملت ومن شرّ ما لم أعمل (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي وابن خزيمة (باب إخفاء التشهد) (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ نَا يُونُسُ -يَعْنِي ابْنَ بُكَيْرٍ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُخْفَى التَّشَهُّدُ. (ش) (رجال الحديث) (قوله الكندي) بكسر الكاف وسكون النون نسبة إلى كندة قبيلة باليمن. و (يونس بن بكير) بن واصل الشيباني أبو بكر أو أبو بكير الجمال الكوفي الحافظ. روى عن محمَّد بن إسحاق وهشام بن عروة وعثمان بن عبد الرحمن الوقاصي وكثيرين. وعنه يحيى بن معين وأبو خيثمة وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وغيرهم. قال ابن معين كان ثقة صدوقًا قد كتبت عنه وذكره ابن حبان في الثقات وقال أحمد بن حنبل ما كان أزهد الناس فيه وأنفرهم وقد كتبت عنه وقال ابن أبي حاتم سئل أبو زرعة أيّ شيء ينكر عليه قال أما في الحديث فلا أعلمه وسئل عنه أبي فقال محله الصدق وعن أبي داود ليس عندي بحجة وقال الساجي كان صدوقًا إلا أنه كان يتبع السلطان وكان مرجئًا وقال النسائي لا بأس به وقال مرّة ضعيف. مات سنة تسع وتسعين ومائة. روى له البخاري في التاريخ ومسلم أبو داود والترمذي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله من السنة أن يخفي التشهد) يعني يقرأ سرًّا. وقول ابن مسعود هذا حجة لما تقرّر من أن قول الصحابي من السنة كذا في حكم المرفوع. وبهذا أخذ الفقهاء لأن المصلي يخفي التشهد فهو كالتسبيح في الركوع والسجود (والحديث) أخرجه الترمذي والحاكم (باب الإشارة في التشهد) أي في بيان حكم الإشارة بالأصبع حال التشهد في الصلاة (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

باب الإشارة في التشهد

الْمُعَاوِيِّ قَالَ رَآنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَنَا أَعْبَثُ بِالْحَصَى فِي الصَّلاَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ نَهَانِي وَقَالَ اصْنَعْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُ. فَقُلْتُ وَكَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُ قَالَ كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلاَةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى. (ش) (رجال الحديث) (مسلم بن أبي مريم) السلولي المدني. روى عن ابن عمر وأبى سعيد الخدري وعطاء بن يسار وأبى صالح السمان وآخرين. وعنه شعبة وابن جريج ومالك والليث والسفيانان وجماعة. وثقه أبو داود والنسائي وابن معين وابن سعد وقال كان قليل الحديث وقال في التقريب ثقة من الرابعة. روى البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه و(علي بن عبد الرحمن) الأنصاري المدني. روى عن جابر وابن عمر. وعنه مسلم بن أبي مريم والزهري. وثقه أبو زرعة والنسائي وقال في التقريب ثقة من الرابعة. و(المعاوي) بضم الميم وفتح العين المخففة نسبة إلى معاوية وهم جماعة منهم علي بن عبد الرحمن كما في التقريب وقال في الخلاصة هو بضم الميم فما في التقريب من فتح الميم فلعله غلط من الكاتب اهـ (معنى الحديث) (قوله وأنا أعبث بالحصى في الصلاة) وكان ذلك منه حال الجلوس للتشهد بدليل تعليم ابن عمر إياه (قوله قال كان إذا جلس في الصلاة) أي قال ابن عمر كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا جلس في الصلاة يعني للتشهد (قوله وقبض أصابعه كلها) يعني الخنصر والبنصر والوسطى والإبهام (وفي كيفية) قبض الإبهام وجهان "أحدهما" وضعها بجنب المسبحة كأنه عاقد ثلاثة وخمسين "الثاني" وضعها على جانب الوسطى كأنه عاقد ثلاثة وعشرين (وفي قبض) أصابع اليمنى كيفيات أخر "منها" أنه يقبض الخنصر والبنصر ويرسل الإبهام مع المسبحة على هيئة تسعة وخمسين "ومنها" أنه يقبض الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام والوسطى (وفي التحليق) وجهان "أحدهما" أنه يضع رأس أحدهما في رأس الأخرى "والثاني" يضع رأس الوسطى بين عقدتي الإبهام (قوله وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام) يعني السبابة كما في الروايات الآخر. والمراد أنه رفعها مشيرًا إلى القبلة (واختلفوا) في كيفية الإشارة (فقال) بعضهم يشير بها ويحرّكها إلى أن يفرغ من التشهد وما بعده

كما هو ظاهر الأحاديث وهو مذهب المالكية وقالوا يحرّكها يمينا وشمالًا (والحكمة) فيه أنه يذكر أحوال الصلاة لأن عروقها متصلة بالقلب فإذا تحرّكت تحرّك القلب فتنبه للصلاة (وقد جاء) أنها شديدة على الشيطان كما رواه أحمد عن ابن عمر كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه وأتبعها بصره ثم قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لهي أشدّ على الشيطان من الحديد يعني السبابة (وما رواه) البيهقي عن نافع عن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال تحريك الأصبع في الصلاة مذعرة للشيطان (وقالت) الشافعية يشير بأصبعه عند قوله إلا الله ولا يحرّكها ويديم رفعها على أن يقوم من التشهد الأول وإلى أن يسلم في التشهد الأخير وينوى بالإشارة التوحيد والإخلاص (وقالوا) لو كانت اليمنى مقطوعة سقطت عنه السنة فلا يشير بسبابة اليسرى لأنه لو فعل لخالف السنة المشروعة وهي بسطها على الفخذ اليسرى (وقالت) الحنفية يقيم أصبعه عند لا إله ويضعها عند إلا الله ليكون الرفع للنفي والوضع للإثبات (وقالت) الحنابلة يشير بها كلما مرّ على لفظ تنبيها على التوحيد ولا يحرّكها (قوله ووضع كفه اليسرى) يعني مبسوطة غير مشير بها (فقه الحديث) دلّ الحديث على استحباب وضع اليدين على الفخذين حال الجلوس للتشهد وعلى استحباب قبض أصابع اليمنى والإشارة بسبابتها (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد ومسلم والنسائي باللفظ المذكور وفي رواية أخرى له عن ابن عمر أيضًا كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ورفع أصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها ويده اليسرى على ركبتيه باسطها عليها وروى الطبراني نحوه (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَزَّازُ نَا عَفَّانُ نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ نَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ نَا عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَعَدَ فِى الصَّلاَةِ جَعَلَ قَدَمَهُ الْيُسْرَى تَحْتَ فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَسَاقِهِ وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ. وَأَرَانَا عَبْدُ الْوَاحِدِ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ. (ش) (رجال الحديث) (محمَّد بن عبد الرحيم) بن أبي زهير العدوي مولى آل عمر أبو يحيى

البغدادي الحافظ المعروف بصاعقة فارسي الأصل. روى عن يزيد بن هارون وصفان بن مسلم ويعقوب بن إبرهيم ويحيى بن إسحاق وزكرياء بن عدي وكثيرين. وعنه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وجماعة. قال الخطيب كان متقنًا ضباطًا عالمًا حافظًا وقال الدارقطني حافظ ثبت وقال أحمد بن صاعد ثقة أمين ووثقه النسائي ومسلمة. توفي سنة خمس وخمسين ومائتين. و (البزّاز) بالفتح نسبة إلى البزّ نوع من الثياب ونسب إليها لأنه كان يبيعها (معنى الحديث) (قوله جعل قدمه اليسرى تحت فخذه اليمنى وساقه الخ) وفي نسخة تحت فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى يعني جعل ظهرها على الأرض وليست منصوبة "ولا تنافي" بينها وبين الروايات الصحيحة التي ذكر فيها نصب قدم اليمنى "لأنه" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل هذه في بعض الأحيان لبيان الجواز (قوله ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى) هذا لا ينافي ما في الرواية السابقة من وضعه صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كله اليسرى على فخذه لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يفعل هذا تارة وذاك تارة أخرى فالأمر فيه سعة (قوله وأرانا عبد الواحد الخ) أي قال عفان بن مسلم أرانا عبد الواحد بن زياد كيفية الإشارة حيث أشار بسبابته (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية الجلوس على هذه الهيئة في التشهد، وعلى وضع كفّ اليد اليسرى على الركبة اليسرى (والحديث) أخرجه مسلم (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِصِّيصِيُّ نَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ إِذَا دَعَا وَلاَ يُحَرِّكُهَا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَزَادَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَامِرٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو كَذَلِكَ وَيَتَحَامَلُ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى. (ش) (المصيصي) بفتح الميم وتشديد الصاد نسبة إلى مصيصة مدينة مشهورة على جانب جيحان. و (حجاج) بن محمَّد تقدم في الجزء الأول صفحة 95. وكذا (زياد) بن سعد ابن عبد الرحمن صفحة 77 (قوله كان يشير بإصبعه إذا دعا) يعني إذا قرأ التحيات. وسميت

المذاهب في وقت قبض الأصابع في التشهد وفي موضع نظر المصلي حال صلاته

دعاء لاشتمالها عليه في قوله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته الخ لأنه وإن كان في صورة الخبر إنشاء (ويحتمل) أن يراد بالدعاء قوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وكان دعاء لأنه يترتب عليه من الخير ما يترتب على الدعاء (قوله ولا يحرّكها) أخذ به من قال بعدم تحريك السبابة عند الإشارة بها "وقالوا" في حديث البيهقي عن وائل بن حجر في صفة صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفيه ثم قبض ثنتين من أصابعه وحلق حلقة ثم رفع أصبعه فرأيته يحرّكها يدعو بها "إن المراد" بالتحريك فيه الإشارة لا تكرير تحريكها فيكون موافقًا لحديث ابن الزبير (وأجاب من قال) بتحريك السبابة إلى الفراغ من التحيات بأن حديث الباب محمول على بعض الأحيان لبيان أن التحريك دائمًا ليس بواجب وهذا هو الأقرب للجمع بين الأحاديث (واختلف) في وقت قبض الأصابع وعقدها (فقالت) الشافعية والحنابلة والمالكية يقبض أصابعه حين يجلس للتشهد (وقالت الحنفية) في المختار عندهم إن المصلي يبسط كفيه على فخذيه ثم يقبض أصابع اليمنى عند الإشارة بالسبابة كما في فتح القدير وقال في تزيين العبارة المعتمد عندنا أنه لا يعقد يمناه إلا عند الإشارة اهـ (قوله وزاد عمر وبن دينار الخ) أي زاد عمرو بن دينار في روايته عن عامر هذا الحديث أخبرني عامر عن أبيه الخ وأشار به إلى أن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج روى هذا الحديث من طريقين "أحدهما" عن زياد باللفظ المتقدم "والآخر" عن عمرو بالزيادة المذكورة في المصنف. وقوله يدعو كذلك يعني يشير بها في التشهد من غير تحريك. وقوله ويتحامل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ أي يعتمد عليها والمراد وضعها وبسطها على فخذه اليسرى (والحديث) أخرجه النسائي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نَا يَحْيَى نَا ابْنُ عَجْلاَنَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ لاَ يُجَاوِزُ بَصَرُهُ إِشَارَتَهُ. وَحَدِيثُ حَجَّاجٍ أَتَمُّ. (ش) (قوله بهذا الحديث) أي المذكور عن حجاج (قوله قال لا يجاوز بصره إشارته) أي قال يحيى القطان في روايته إنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان لا يجاوز بصره في التشهد أصبعه الذي يشير به (وفيه) دلالة على أنه يستحب للمصلي أن ينظر حال تشهده إلى أصبعه الذي يشير به (واختلف) فيه فقالت المالكية يجعل نظره موجهًا للقبلة (قال ابن رشد) الذي ذهب إليه مالك أن يكون بصر المصلي أمام قبلته من غير أن يلتفت إلى شيء أو ينكس رأسه وهو إذا فعل ذلك خشع بصره ووقع في موضع سجوده على ما جاء عن النبي صلى الله تعال عليه وعلى آله وسلم وليس بضيق عليه أن يلحظ ببصره الشيء من غير التفات إليه على ما جاء على النبي

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ (وقالت) الحنفية يختلف نظر المصلي باختلاف أحواله في الصلاة ففى حال القيام يكون إلى موضع سجوده وفي حال الركوع يكون إلى قدميه وفي سجوده يكون إلى أرنبته وفي قعوده يكون إلى حجره وعند التسليمة الأولى يكون على منكبه الأيمن والتسليمة الثانية يكون إلى منكبه الأيسر اهـ من الزيلعي والتنوير (ولا حجة) لهم على هذه التفرقة (قال) ابن عابدين في حاشيته ردّ المحتار على الدّرّ المختار المنقول في ظاهر الرواية أن يكون منتهى بصر المصلي في صلاته إلى محل سجوده كما في المضمرات وعليه اقتصر في الكنز وغيره وهذا التفصيل من تصرّفات المشايخ كالطحاوي والكرخي وغيرهما اهـ (وقالت) الشافعية والحنابلة ينظر المصلي إلى موضع سجوده (واستثنت) الشافعية حال التشهد فقالوا لا يجاوز بصره إشارته كما جاء في الحديث وهو الراجح (وقد جاء) في موضع نظر المصلي أحاديث (منها) ما رواه أحمد عن ابن سيرين أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقلب بصره في السماء فنزلت هذه الآية {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} فطأطأ رأسه. ورواه سعيد بن منصور في سننه وزاد فيه وكانوا يستحبون للرجل أن لا يجاوز بصره مصلاه (ومنها) ما تقدم للمصنف في باب النظر في الصلاة من الوعيد على رفع البصر إلى السماء (ومنها) ما أخرجه أحمد والنسائي عن يحيى بسنده إلى عبد الله بن الزبير أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا قعد في التشهد وضع كله اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بالسبابة لا يجاوز بصره إشارته (قوله وحديث حجاج أتمّ) أي من حديث يحيى القطان لأن فيه زيادة إذا دعا ولا يحرّكها وليست هذه الزيادة في حديث يحيى بل فيه ولا يجاوز بصره إشارته فقدل المصنف وحديث حجاج أتمّ فيه نظر ولعل الأولى أن يقول ففي حديث كل ما ليس في حديث الآخر (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والنسائي بلفظ تقدم (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِىُّ نَا عُثْمَانُ -يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ- حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ قُدَامَةَ -مِنْ بَنِى بُجَيْلَةَ- عَنْ مَالِكِ بْنِ نُمَيْرٍ الْخُزَاعِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَاضِعًا ذِرَاعَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى رَافِعًا أُصْبُعَهُ السَّبَّابَةَ قَدْ حَنَاهَا شَيْئًا. (ش) (رجال الحديث) (عثمان بن عبد الرحمن) بن مسلم الحرّاني أبو عبد الرحمن ويقال أبو عبد الله المعروف بالطوائفي مولى منصور بن محمَّد. روى عن ابن أبي ذئب ومعاوية ابن سلام وأيمن بن نابل ومالك بن أنس وطائفة. وعنه بقية بن الوليد وسليمان بن عبد الرحمن ومحمد بن إسماعيل والحسن بن علي وغيرهم. وثقه ابن معين وابن حبان وقال ابن شاهين

باب كراهية الاعتماد علي اليد في الصلاة

لا يجوز الاحتجاج به وقال ابن عدي لا بأس به وقال في التقريب صدوق يكثر الروايات عن الضعفاء والمجاهيل. و (عصام بن قدامة) البجلي ويقال الجدلي الكوفي أبو محمَّد. روى عن ابن عمر وعكرمة وعطية وغيرهم. وعنه وكيع وعلي بن مسهر وأبو أسامة وأبو نعيم وآخرون وثقه ابن حبان والنسائي وقال في التقريب صدوق من السابعة وقال أبو زرعة وأبو حاتم والمصنف ليس به بأس. و (مالك بن نمير الخزاعي) البصري. روى عن أبيه. وعنه عصام بن قدامة قال الدارقطني يعتبر به وقال ابن القطان لا يعرف حاله وقال الذهبي لا يعرف وقال في التقريب مقبول من الرابعة. و (الخزاعي) نسبة إلى خزاعة حيّ من الأزد سموا بذلك لأنهم تخزّعوا وتفرّقوا عن قومهم وأقامو بمكة (قوله عن أبيه) هو نمير بن أبي نمير الخزاعي أبو مالك روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حديث الباب قال البغوي لم يرو عنه غيره. (معنى الحديث) (قوله قد حناها شيئًا) أي أمال أصبعه شيئًا قليلًا (وفيه دلالة) على مشروعية إمالة السبابة حال الإشارة بها في التشهد (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والنسائي والبيهقي وابن ماجه وابن خزيمة (باب كراهية الاعتماد على اليد في الصلاة) (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَبُّويَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْغَزَّالُ قَالُوا نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ- أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ فِي الصَّلاَةِ وَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى يَدِهِ. وَقَالَ ابْنُ شَبُّويَةَ نَهَى أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِهِ فِي الصَّلاَةِ. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى يَدِهِ. وَذَكَرَهُ فِي بَابِ الرَّفْعِ مِنَ السُّجُودِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ نَهَى أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ إِذَا نَهَضَ فِي الصَّلاَةِ. (ش) (قوله قال أحمد بن حنبل أن يجلس الخ) أي قال في روايته نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يجلس الرجل متكئا على يده حال جلوسه في الصلاة. ونهى عن ذلك لأنه يشبه جلوس المعذّبين كما سيذكره المصنف. وقال أحمد بن محمَّد المعروف بابن شبوية

الترهيب من تشبيك المصلي يديه في الصلاة

في روايته نهى رسول الله صلى عليه وآله وسلم أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة. وقال محمَّد ابن رافع في روايته نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يصلي الرجل الخ. وقال محمَّد بن عبد الملك في روايته نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يعتمد الرجل على يده إذا نهض في الصلاة (والحاصل) أن المصنف روى هذا الحديث عن أربعة كلهم عن عبد الرزاق. فرواية أحمد فيها النهي عن الاعتماد على اليد في الصلاة حال الجلوس. ورواية ابن عبد الملك فيها النهي عن الاعتماد حال النهوض. ورواية ابن شبوية وابن رافع فيهما النبي عن الاعتماد على اليد في الصلاة مطلقًا. فترجح رواية أحمد على رواية ابن عبد الملك لأنه أوثق ومشهور بالعدالة ويحمل ما أطلق من الروايات عليها (وفي الحديث) دلالة على النهي عن الاعتماد على اليد في الصلاة حال الجلوس ويفهم منه أن الاعتماد على غير اليد منهيّ عنه بالأولى وهو لا ينافي ما تقدم للمصنف عن أم قيس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما أسنّ وحمل اللحم اتخذ عمودًا في مصلاه يعتمد عليه في صلاته لأن ذلك كان لعذر. وتقدم تمام الكلام على الاعتماد في الصلاة حال الجلوس والقيام في "باب الرجل يعتمد في الصلاة على عصا" وكذلك بيان الاعتماد حال النهوض في "باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه" (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الحاكم والترمذي وقال حسن غريب (ص) حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ هِلاَلٍ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ سَأَلْتُ نَافِعًا عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي وَهُوَ مُشَبِّكٌ يَدَيْهِ قَالَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ تِلْكَ صَلاَةُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ. (ش) (رجال الأثر) (بشر بن هلال) أبو محمَّد الصوّاف النمري البصري. روى عن جعفر بن سليمان ويحيى القطان وعبد الوارث بن سعيد ويزيد بن زريع وآخرين. وعنه بقي ابن مخلد وأبو حاتم وإسحاق الكوسج وحرب الكرماني وابن خزيمة وقال ثقة ووثقه أيضًا النسائي وقال أبو حاتم محله الصدق وقال في التقريب ثقة من العاشرة. مات سنة سبع وأربعين ومائتين. روى له الجماعة إلا البخاري (معنى الأثر) (قوله تلك صلاة المغضوب عليهم) يعني صلاة الرجل وهو مشبك أصابعه كصلاة الذين غضب الله عليهم وهم اليهود (ويحتمل) أن المراد أن التشبيك في الصلاة سبب لغضب الله تعالى على فاعله (وفيه دلالة) على عدم جواز التشبيك في الصلاة (وهو) وإن كان موقوفًا إلا أن هذا لا يقال من قبل الرأى (وهذا لا ينافي) ما رواه ابن أبي شيبة عن نافع قال رأيت ابن عمر يشبك بين أصابعه في الصلاة لاحتمال أن يكون هذا وقع منه قبل علمه بالنهي عن

باب في تخفيف القعود أي للتشهد الأول

التشبيك. وتقدم تمام الكلام على التشبيك في "باب الهدى في المشي إلى الصلاة" (ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ نَا أَبِي ح وَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ نَا ابْنُ وَهْبٍ -وَهَذَا لَفْظُهُ- جَمِيعًا عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَتَّكِئُ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى وَهُوَ قَاعِدٌ فِي الصَّلاَةِ -وَقَالَ هَارُونُ بْنُ زَيْدٍ سَاقِطًا عَلَى شِقِّهِ الأَيْسَرِ ثُمَّ اتَّفَقَا- فَقَالَ لَهُ لاَ تَجْلِسْ هَكَذَا فَإِنَّ هَكَذَا يَجْلِسُ الَّذِينَ يُعَذَّبُونَ. (ش) (قوله وهذا لفظه) أي لفظ محمَّد بن سلمه (قوله جميعًا) أي حال كون زيد بن أبي الزرقاء وعبد الله بن وهب مجتمعين في الرواية عن هشام (قوله ساقطًا على شقه الأيسر) يعني مائلًا عليه (قوله ثم اتفقا) أي اتفق هارون بن زيد ومحمد بن سلمة على قول ابن عمر للرجل لا تجلس هكذا يعني متكئًا على يديه فإن هكذا يجلس الذين يعذبون. وهو تعليل للنهى عن جلوس الرجل على هذه الهيئة (باب في تخفيف القعود) يعني الجلوس للتشهد الأول. وفي بعض النسخ "باب تخفيف القعود" (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ. قَالَ قُلْتُ حَتَّى يَقُومَ قَالَ حَتَّى يَقُومَ. (ش) (رجال الحديث) (أبو عبيدة) هو عامر بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي ويقال اسمه كنيته. روى عن عائشة وأبي موسى الأشعري والبراء بن عازب وغيرهم. وعنه إبراهيم النخعي ومجاهد بن جابر وعمرو بن مرّة والمنهال بن عمرو وآخرون. وثقه ابن حبان (معنى الحديث) (قوله أنه كان في الركعتين الأوليين الخ) وفي نسخة كان في الركعتين بإسقاط لفظ أنه. يعني أنه كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا جلس في التشهد الأول بعد الركعتين كأنه جالس على الرضف أي الحجارة المحماة وهو كناية عن تخفيف الجلوس

باب في السلام

للتشهد الأول (قال) الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم يختارون أن لا يطيل الرجل في القعود في الركعتين الأوليين لا يزيد على التشهد شيئًا وقالوا إن زاد على التشهد فعليه سجدتا السهو هكذا روى عن الشعبي وغيره اهـ وإلى تخفيف القعود الأول ذهبت المالكية والحنفية والحنابلة وإسحاق والنخعي والثوري قالوا لا يزيد على التشهد شيئًا من الدعاء والصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (زادت) الحنفية عليه سجدتا السهو في زيادة شيء منها (وذهبت) الشافعية إلى أنه يزيد على التشهد الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دون الصلاة على الآل والدعاء (قوله قال قلنا حتى يقوم الخ) أي قال شعبة بن الحجاج قلنا لسعد لما حرك شفتيه بشيء ولم يسمعوه حتى يقوم قال حتى يقوم كما أفاده الترمذي في روايته. وقوله حتى يقوم تعليل أي كأنه جالس على الرضف ليقوم. وفي نسخة قال قلت حتى يقوم (والحديث) أخرجه الحاكم والنسائي والترمذي وقال هذا حسن إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه (باب في السلام) أي في كيفية الخروج من الصلاة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ ح وَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا زَائِدَةُ ح وَنَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو الأَحْوَصِ ح وَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ وَزِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ قَالاَ نَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ ح وَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ أَنَا إِسْحَاقُ -يَعْنِي ابْنَ يُوسُفَ- عَنْ شَرِيكٍ ح وَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ نَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا إِسْرَائِيلُ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللهِ وَقَالَ إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ وَالأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ "السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ". (ش) حاصل ما أشار إليه المصنف أنه قد اختلف في سند الحديث فرواه سفيان الثوري وزائدة ابن قدامة وأبو الأحوص سلام بن سليم وعمر بن عبيد الطنافسي وشريك بن عبد الله النخعي كلهم عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي عن أبي الأحوص عوف بن مالك عن عبد الله بن مسعود ورواه إسراءيل بن يونس عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عوف بن

مذاهب الفقهاء في التسليمتين للإمام وغيره. وفي الالتفات حال التسليم وفي لفظه

مالك والأسود بن يزيد عن ابن مسعود بزيادة الأسود شيخًا لأبي إسحاق مع أبي الأحوص (رجال الحديث) (عمر بن عبيد) بن أبي أمية الحنفي مولاهم الكوفي أبو حفص. روى عن أبي إسحاق السبيعي وأشعث بن سليم والأعمش وسماك بن حرب وغيرهم. وعنه أحمد وإسحاق بن راهوية ومحمد بن عبيد ومحمد بن عبد الله بن نمير وزياد بن أيوب وجماعة وثقه ابن معين وابن حبان والدارقطني وقال أبو حاتم محله الصدق وقال العجلي كان صدوقًا وقال النسائي ومسلمة بن قاسم لا بأس به. مات سنة خمس أوسبع وثمانين ومائة. و(الطنافسي) نسبة إلى طنافس وهي البسط ذات الهدب. ونسب إليها إما لأنه كان يبيعها أو يصنعها. و(أحمد ابن منيع) بن عبد الرحمن البغوي الأصمّ أبو جعفر الحافظ نزيل بغداد. روى عن ابن علية وابن حازم وابن عيينة وأبي بكر بن عياش. وعنه الجماعة إلا البخاري فروى عنه بواسطة وثقه النسائي وابن حبان ومسلمة بن قاسم وقال الدارقطني لا بأس به. مات سنة أربع وأربعين ومائتين. و(حسين بن محمَّد) بن بهرام بكسر أول وفتحه أبو أحمد أو أبو على التيمي المؤذن تقدم في الجزء الثالث صفحة 166. و(أبو الأحوص) هو عوف بن مالك بخلاف أبي الأحوص شيخ مسدد فإنه سلام بن سليم (معنى الحديث) (قوله كان يسلم عن يمينه وعن شماله الخ) يعني كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسلم من الصلاة ملتفتًا عن يمينه حتى يرى بياض خده وعن شماله كذلك. والخّ من الإنسان ما كان من محجر العين إلى اللحى من الجانبين. وقوله السلام عليكم ورحمة الله بيان لكيفية السلام (وفي الحديث دلالة) على مشروعية التسليمتين للمصلي مطلقًا إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا. وبه قال جمهور الصحابة منهم أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وعمار بن ياسر ونافع بن الحارث. وممن قال به من التابعين عطاء بن أبي رباح وعلقمة والشعبي وأبو عبد الرحمن السلمي وأصحاب الرأي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو مذهب الشافعية واستدلوا بحديث الباب. وبما رواه مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال كنت أرى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خدّه. وما رواه النسائي أيضًا عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله "الحديث" إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسلم تسليمتين (وذهب) ابن عمر وأنس وسلمة بن الأكوع وعائشة والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز والأوزعي وكثيرون إلى أن المشروع تسليمة واحدة واستدلوا بما رواه الترمذي وابن ماجه عن عائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسلم تسليمة

واحدة تلقاء وجهه قال الحاكم صحيح على شرط البخاري ومسلم. وبما رواه البيهقي عن أنس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسلم تسليمة واحدة. وبما رواه ابن ماجه عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسلم تسليمة واحدة. وبما رواه أيضًا عن سلمة بن الأكوع قال رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسلم تسليمة واحدة (وأجاب الأولون) عن هذه الأحاديث بأنها ضعيفة. أما حديث عائشة فقال النووي إنه غير ثابت عند أهل النقل (وقال) البغوي في شرح السنة في إسناده مقال (وقال) الترمذي لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه. وأما حديث سهل بن سعد ففي إسناده عبد المهيمن بن عباس ابن سهل قال البخاري منكر الحديث وقال النتسائى متروك. وحديث سلمة بن الأكوع في إسناده يحيى بن راشد البصري قال ابن معين ليس بشيء وقال النسائي ضعيف (قالوا) وعلى فرض صحتها فهي لبيان جواز الاقتصار على تسليمة واحدة وأحاديث التسليمتين لبيان الأكمل وهي أشهر وأكثر وفيها زيادة من ثقة فتقبل (وقالت) المالكية إن كان المصلي إمامًا أو فذّا سلم تسليمة واحدة يقصد بها الخروج من الصلاة وهو المشهور في المذهب (وقال) المازري روى عن مالك أن الإِمام والفذّ يسلم كل واحد منهما تسليمتين ولا يسلم المأموم حتى يفرغ الإِمام منهما وروى مطرّف في الواضحة عن مالك أن الفذّ يسلم تسليمتين واحدة عن يمينه وتسليمة عن يسارة قال وبهذا كان يأخذ مالك في خاصة نفسه اهـ وإن كان مأمومًا سلم تسليمتين إحداهما عن يمينه يتحلل بها من صلاته وأخرى يردّ بها على إمامه (والأصل) في ردّ المأموم على الإِمام ما سيأتي للمصنف عن جابر بن سمرة أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن نردّ على الإِمام (وهل يردّ) بالتسليمة الثانية على من كان على يساره أو يسلم للردّ تسليمة ثالثة (خلاف) والمشهور من المذهب أنه يسلم ثالثة يردّ بها على من يساره. واستدلّ له بما رواه ابن القاسم عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يسلم عن يمينه ثم يردّ على الإِمام ثم إن كان على يساره أحد ردّ عليه (وبما تقدم) للمصنف في باب التشهد عن سمرة بن جندب وفيه ثم سلموا على اليمين ثم سلموا على قارئكم وعلى أنفسكم (وبما تقدم) عن سمرة أيضًا عند الحاكم قال أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن نردّ على الإِمام وأن يسلم بعضنا على بعض (وبهذا تعلم) سقوط قول ابن العربي التسليمة الثالثة احذروها فإنها بدعة لم تثبت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا عن الصحابة اهـ لكن حديث سمرة المتقدم ضعيف. وحديثه السابق في باب التشهد ليس صريحًا في التسليمة على الإِمام خاصة كحديثه الآخر الذي عند الحاكم. وأثر ابن عمر لا ينتهض للاحتجاج به لأنه فعل صحابي "فما قاله" المالكية من مشروعية تسليمة ثالثة للمأموم "له وجه" في الجملة وإن كان الراجح القول بمشروعية التسليمتين للمصلي إمامًا كان

أو مأمومًا أو منفردًا لقوّة أدلته (قال صاحب) الروضة ورود التسليمة الوَاحدة فقط لا يعارض الثابت ومما فيه زيادة عليها وهي أحاديث التسليمتين لما عرف أن الزيادة التي لم تكن منافية يجب قبولها فُ القول بتسليمتين إعمال لجميع ما ورد بخلاف القول بتسليمة وَاحدة فإنه إهدار لأكثر الأدلة بدون مقتض اهـ (وقال في الهدى) كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسلم عن يمينه السلام عليم ورحمة الله وعن يساره كذلك هذا فعله الراتب روَاه عنه خمسة عشر صحابيًا وهم عبد الله بن مسعود وسعد بن أبي وقاص وسهل بن سعد الساعدي ووَائل بن حجر وأبو موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر وعبد الله بن عمر وجابر بن سمرة وَالبراء ابن عازب وأبو مالك الأشعري وطلق بن علي وأوس بن أوس وأبو رمثة وعدي بن عميرة رضي الله تعالى عنهم. وقد روى عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان يسلم تسليمة وَاحدة تلقاء وجهه. ولكن لم يثبت عنه ذلك من وجه صحيح "وأجود ما فيه" حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسلم تسليمة وَاحدة السلام عليكم يرفع بها صوته حتى يوقظنا "وهو حديث معلول" وهو في السنن. لكنه كان في قيام الليل. وَالذين رووا عنه التسليمتين رووا ما شاهدوه في الفرض وَالنفل، على أن حديث عائشة ليس صريحًا في الاقتصار على التسليمة الوَاحدة بل أخبرت أنه كان يسلم تسليمة وَاحدة يوقظهم بها ولم تنف الأخرى بل سكتت عنها وليس سكوتها عنها مقدّمًا على روَاية من حفظها وضبطها وهم أكثر عددًا وأحاديثهم أصح وكثير من أحاديثهم صحيح وَالباقي حسان (قال أبو عمر) بن عبد البرّ روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان يسلم تسليمة وَاحدة من حديث سعد بن أبي وقاص ومن حديث عائشة ومن حديث أنس إلا أنها معلولة ولا يصححها أهل العلم بالحديث. ثم ذكر علة حديث سعد "بن أبي وقاص" أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسلم في الصلاة تسليمة وَاحدة. قال وهذا وهم وغلط وإنما الحديث كان رسول الله على الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره ثم ساق الحديث من طريق ابن المبارك عن مصعب بن ثابت عن إسماعيل بن محمَّد بن سعد عن عامر بن سعد عن أبيه قال رأيت رسول الله على الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسلم عن يمينه وعن شماله حتى كأني انظر إلى صفحة خدّه فقال الزهري ما سمعنا هذا من حديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال له إسماعيل بن محمَّد أكلّ حديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد سمعته قال لا قال فنصفه قال لا قال فاجعل هذا من النصف الذي لم تسمع. قال وأما حديث عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسلم تسليمة وَاحدة فلم يرفعه أحد إلا زهير بن محمَّد وحده عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة روَاه عنه عمرو بن أبي سلمة وغيره وزهير بن محمَّد

ضعيف عند الجميع كثير الخطأ لا يحتج به. وذكر ليحيى بن معين هذا الحديث فقال عمرو بن أبي سلمة وزهير ضعيفان لا حجة فيهما. وأما حديث أنس فلم يأت إلاَّ من طريقها أيوب السختياني عن أنس ولم يسمع أيوب من أنس عندهم شيئًا. وقد روى مرسلًا عن الحسن أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما كانوا يسلمون تسليمة واحدة. وليس مع القائلين بالتسليمة غير عمل أهل المدينة وهو عمل قد توارثوه كابرًا عن كابر ومثله يصح الاحتجاج به لأنه لا يخفى لوقوعه في كل يوم مرارًا وهذه طريقة قد خالفهم فيها سائر الفقهاء والصواب معهم "يعني مع سائر الفقهاء" والسنن الثابتة عن رسول الله الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تدفع ولا تردّ بعمل أهل بلد كائنًا من كان. وقد أحدث الأمراء بالمدينة وغيرها في الصلاة أمورًا استمرّ عليها العمل ولم يلتفت إلى استمراره. وعمل أهل المدينة الذي يحتج به ما كان في زمن الخلفاء الراشدين. وأما عملهم بعد موتهم وبعد انقراض عصر من بها من الصحابة فلا فرق بينهم وبين عمل غيرهم. والسنة تحكم بين الناس لا عمل أحد بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وخلفائه اهـ (واتفق) الفقهاء على وجوب التسليمة الأولى. واختلفوا في الثانية (فذهب) الجمهور إلى أنها سنة. وحكى الطحاوي والقاضي أبو الطيب وآخرون عن الحسن بن صالح وجوبها (وبه قالت) الهادوية. وهو رواية عن أحمد. وبه قال بعض أصحاب مالك ونقله ابن عبد البر عن بعض الظاهرية (وظاهر الحديث) يدلّ على أن كيفية السلام أن يقول السلام عليكم ورحمة الله بتعريف السلام وتقديمه على الخبر وذكر الرحمة (وإلى ذلك) ذهبت الحنابلة (وقالت) المالكية الواجب السلام عليكم فقط ولا يزيد ورحمة الله (والحديث) يردّ عليهم. واشترطوا أن يكون بهذه الصيغة فلا يجزئُ ما عرّف بالإضافة كسلامي عليكم أوسلام الله عليكم. ولا ما نكر كسلام عليكم ولا لفظ السلام دون عليكم ولا عليكم السلام على المشهور (وبمثله) قالت الشافعية. إلا أنهم قالوا إن التنكير فيه وجهان (أصحهما) عدم الإجزاء وقالوا إن أخر بأن قال عليكم السلام فيه أيضًا وجهان (أصحهما) الإجزاء وقالوا يسنّ زيادة ورحمة الله (وقالت الحنفية) يسنّ أن يقول السلام عليكم ورحمة الله في التسليمتين فإن قال السلام عليكم أو السلام أوسلام عليكم أو عليكم السلام أجزأه وكان تاركًا للسنة (وظاهر الحديث) أيضًا يدل على أن المصلي يبالغ في الالتفات وقت التسليم من الصلاة يمينًا وشمالًا حتى يرى بياض خدّه وبه قالت الشافعية والحنفية والحنابلة وهو إحدى الروايتين عن مالك في الإِمام والفذ. ورواية ابن القاسم عنه في الإِمام والفذ يسلم قبالة وجهه ويتيامن بها قليلًا. أما المأموم فرواية ابن القاسم عن مالك أنه يتيامن بالأولى قليلًا ويشير بالثانية قبالة وجهه على الإِمام وبالثالثة إلى جهه يساره إن كان به أحد (وحديث) الباب حجة على ابن القاسم

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه من طريق سفيان النسائي والطحاوي والترمذي وقال حديث صحيح وأخرجه من طريق عمر بن عبيد أحمد والنسائي بلفظ كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسلم عن يمينه حتى يبدو بياض خدّه وعن يساره حتى يبدو بياض خدّه ورواه ابن ماجه بلفظ كان يسلم عن يمينه وعن شمال حتى يرى بياض خدّه السلام عليكم ورحمة الله ورواه الطحاوي أيضًا من طريق أسد قال ثنا إسراءيل عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله فذكر مثل حديث سفيان. ورواه أحمد من طريق هاشم وحسين المعنى قالا ثنا إسراءيل عن أبي إسحاق والأسود بن يزيد عن عبد الله قال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله حتى يبدو بياض خدّه الأيمن وعن يساره مثل ذلك اهـ (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ سُفْيَانَ وَحَدِيثُ إِسْرَائِيلَ لَمْ يُفَسِّرْهُ. (ش) أي ما ذكره المصنف آنفًا هو لفظ حديث سفيان الثوري مبينًا كيفية السلام بقوله السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله وحديث إسراءيل بهذا الإسناد لم يبين فيه كيفية السلام كما بينه الثوري. وفي بعض النسخ وحديث شريك لم يفسره بدل قوله وجديث إسراءيل لكن رواية إسراءيل أخرجها أحمد في مسنده من طريق هاشم وحسين بن محمَّد وأخرجها الطحاوي من طريق أسد عن إسراءيل وفيها بيان كيفية التسليم كما تقدم فلعل حسين بن محمَّد اقتصر في روايته عن إسراءيل فلم يذكر كيفية السلام (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ وَعَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. (ش) أشار المصنف بهذا إلى اختلاف آخر في سند الحديث السابق. وهو أن زهير ابن معاوية رواه عن أبي إسحاق عن عبس الرحمن بن الأسود عن أبيه وعلقمة فذكر أن شيخ أبي إسحاق عبد الرحمن بن الأسود وأن بينه وبين ابن مسعود شيخين. وغيره ممن تقدم من تلاميذ أبي إسحاق ذكر أن شيخه أبو الأحوص وهو الواسطة بينه وبين عبد الله. وأن إسراءيل اختلف عليه فرواه عنه يحيى بن آدم كما رواه زهير عن أبي إسحاق وهو يخالف رواية حسين ابن محمَّد عن إسراءيل المتقدمة (وقد رجح) الدارقطني رواية زهير قال اختلف على أبي إسحاق في إسناده ورواه زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن علقمة. وفي نسخة عن أبيه وعلقمة عن عبد الله وهو أحسنهما إسنادا اهـ (وقد أخرج) رواية زهير بن معاوية الإِمام أحمد والبيهقي والطحاوي وكذا الدارقطني من طريق حميد الرواسي قال ثنا زهير عن أبي إسحاق

ْعن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه علقمة عن عبد الله قال أنا رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يكبر في كل رفع ووضع وقيام وقعود ويسلم عن يمينه وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خدّه ورأيت أبا بكر وعمر يفعلًان ذلك اهـ (وحديث) يحيى بن آدم أخرجه أحمد قال حدثنا يحيى بن آدم وأبو أحمد قالا ثنا إسراءيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه وعلقمة عن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يكبر في كل ركوع وسجود ورفع ووضع وأبو بكر وعمر رضوان لله عليهما ويسلمون على أيمانهم وشمائلهم السلام عليكم ورحمة الله (قوله عن أبيه وعلقمة) يحتمل يكون علقمة معطوفًا على أبيه فيكون أبو إسحاق راويًا عن علقمة بواسطة عبد الرحمن ويؤيده ما أخرجه أحمد من طريق سليمان بن داود قال ثنا زهير ثنا أبو إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة والأسود عن عبد الله (ويحتمل) أن يكون علقمة معطوفًا على عبد الرحمن فيكون أبو إسحاق راويًا عن علقمة بلا واسطة عبد الرحمن ويؤيده ما أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق الحسين بن واقد قال حدثنا أبو إسحاق الهمداني حدثني علقمة ابن قيس والأسود بن يزيد وأبو الأحوص قالوا ثنا عبد الله بن مسعود (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ شُعْبَةُ كَانَ يُنْكِرُ هَذَا الْحَدِيثَ -حَدِيثَ أَبِي إِسْحَاقَ- (ش) غرض المصنف بسياق هذا الإشارة إلى ضعف الحديث للاختلاف الواقع في سنده كما تقدم. وفي بعض النسخ وشعبة كان ينكر هذا الحديث حديث أبي إسحاق أن يكون مرفوعًا ولعل الأولى أشبه بالصواب لأن الحديث رواه كثير عن أبي إسحاق مرفوعًا ولم يرو موقوفًا على ابن مسعود من طريق أبي إسحاق. هذا ولا وجه لإنكار شعبة هذا الحديث فقد علمت أن الدارقطني صحح إسناده زهير وأن الترمذي روى الحديث من طريق سفيان عن أبي إسحاق وقال حديث صحيح فلم يلتفت إلى غنكار شعبة (وقال) في التلخيص أخرجه الأربعة والدارقطني وابن حبان وله ألفاظ. وأصله في صحيح مسلم من طريق أبي معمر أن أميرًا كان بمكة يسلم تسليمتين فقال عبد الله يعني ابن مسعود أنى علقها إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يفعله. وقال العقيلي والأسانيد صحاح ثابتة في حديث ابن مسعود في تسليمتين ولا يصح في تسليمة واحدة شيء اهـ وقد روى شعبة هذ الحديث من غير رواية أبي إسحاق ففي مسند أحمد ثنا محمَّد بن جعفر ثنا عن جابر عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله عن رسول الله ثلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان يسلم عن يمينه وعن شماله حتى أرى بياض وجهه فما نسيت بعد فيما نسيت السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله وفيه جابر

كلام العلماء في زيادة وبركاته في التسليمة الأولى من الصلاة. وبيان بطلان دعوى أن زيادتها بدعة بيانا شافيا

وهو الجعفي الكوفي ضعيف رافضيّ (ص) حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ نَا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَكَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ "السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ". وَعَنْ شِمَالِهِ "السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ". (ش) (رجال الحديث) (موسى بن قيس الحضرمي) أبو محمَّد الفرّاء الكوفي. روى عن سلمة بن كهيل ومحمد بن عجلان ومسلم البطين وآخرين. وعنه أبو معاوية ووكيع ويحيى ابن آدم وأبو نعيم وجماعة. وثقه ابن معين وابن نمير وقال أبو حاتم لا بأس به وقال العقيلي كان من الغلاة في الرفض يحدث بأحاديث مناكير وقال أبو نعيم كان مرضيًا. روى له أبو داود والنسائي و (وعلقمة بن وائل) بن حجر الكندي الكوفي الحضرمي. روى عن أبيه والمغيرة بن شعبة وعنه سعيد بن عبد الجبار وعبد الملك بن عمير وعمرو بن مرّة وسماك بن حرب وسلمة بن كهيل قال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث وقال في التقريب صدوق إلا أنه لم يسمع من أبيه. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي (معنى الحديث) (قوله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الخ) فيه دلالة على مشروعية زيادة وبركاته في التسليمة الأولى. وبه قالت الحنابلة والسرخسي من الحنفية والرويانى وإمام الحرمين من الشافعية (قال الحافظ) في التلخيص وقع في صحيح ابن حبان من حديث ابن مسعود زيادة وبركاته وهي عند ابن ماجه أيضًا وعند أبي داود في حديث وائل بن حجر فيتعجب من ابن الصلاح حيث يقول إن هذه الزيادة ليست في شيء من كتب الحديث اهـ وقال في سبل السلام) شرح بلوغ المرام بعد ذكر حديث الباب ورواه بإسناد صحيح ومع صحة إسناده كما قال المصنف "أي الحافظ ابن حجر" يتعين قبول زيادته إذ هي زيادة عدل وعدم ذكرها في رواية غيره ليس رواية لعدمها. ورواه ابن مسعود عند ابن ماجه وابن حبان "إلى أن قال" وقد عرفت أن الوارد زيادة وبركاته وقد صحت ولا عذر عن القول بها "وقول ابن الصلاح" إنها لم تثبت "قد تعجب منه" الحافظ وقال هي ثابتة عند ابن حبان في صحيحه وأبي داود وابن ماجه إلا أنه قال ابن رسلان في شرح السنن لم نجدها في ابن ماجه "قلت" راجعنا ابن ماجه من نسخة صحيحة مقروءة فوجدنا فيه ما لفظه "باب التسليم" حدثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير حدثنا عمر بن عبيد

عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسلم عن يمينه وعن شماله حتى يرى يياض خدّه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اهـ بلفظه (وفي تلقيح الأفكار) تخريج الأذكار للحافظ ابن حجر لما ذكر النووي أن زيادة وبركاته زيادة فردة ساق الحافظ طرقًا عدة لزيادة وبركاته ثم قال فهذه عدة طرق ثبتت بها وبركاته بخلاف ما يوهمه كلام الشيخ أنها رواية فردة اهـ كلام صاحب سبل السلام ببعض تصرّف (وقال) المحقق الرملي من الشافعية في شرح المنهاج ثبتت "يعني وبركاته" من عدة طرق ومن ثمّ اختار جمع ندبها اهـ (وبهذا تعلم) استحباب زيادة وبركاته في التسليمة الأولى من الصلاة وبطلان ما قاله بعضهم من أن زيادتها بدعة (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا وَوَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ابْنِ الْقِبْطِيَّةِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمَ أَحَدُنَا أَشَارَ بِيَدِهِ مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَمِنْ عَنْ يَسَارِهِ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ "مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَرْمِي بِيَدِهِ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ -أَوْ أَلاَ يَكْفِي أَحَدَكُمْ- أَنْ يَقُولَ هَكَذَا". وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ "يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَمَنْ عَنْ شِمَالِهِ". (ش) (رجال الحديث) (عبيد الله بن القبطية) الكوفي. روى عن جابر بن سمرة وأم سلمة والحارث بن عبد الله وأبي رجاء العطاردي وعبد الله بن صفوان. وعنه عبد العزيز ابن رفيع ومسعر بن كدام وفرات القزّاز وجماعة. قال العجلي تابعي ثقة ووثقه ابن معين وقال في التقريب ثقة من الرابعة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي (معنى الحديث) (قول مما بال أحدكم يومئُ بيده الخ) هكذا في بعض النسخ يومئُ بالواو وفي بعضها يرمى بالراء. وفي رواية مسلم فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علام تومئون بأيديكم الخ. وفي رواية له ما شأنكم تشيرون بأيديكم (قوله كأنها أذناب خيل شمس) بضم الميم وسكونها مع ضم الشين المعجمة جمع شموس وهي النفور من الدواب التي لا تستقرّ لشغبها وحدّتها بل تتحرك وتضطرب بأذنابها وأرجلها. والغرض من التشبيه النهي عن الإشارة بالأيدى يمينًا وشمالًا حال السلام من الصلاة (قوله ألا يكفي أحدكم أن يقول هكذا الخ) أي يفعل هكذا ووضع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يده على فخذه وأشار بالسبابة. وفي رواية مسلم والنسائي

إنما يكفي أحدكم يضع يده على فخذه. وفي رواية لهما إذا سلم أحدكم فليلتفت صاحبه ولا يومئ بيده (والحديث) أخرجه مسلم (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِيُّ نَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ مِسْعَرٍ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ قَالَ "أَمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ -أَوْ أَحَدَهُمْ- أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَمَنْ عَنْ شِمَالِهِ". (ش) (قوله بإسناده ومعناه الخ) أي سند ومعنى حديث وكيع عن مسعر وهو عبيد الله بن القبطية عن جابر. وقوله أو أحدهم شك من الراوي (قوله من عن يمينه الخ) بيان للأخ ومن موصولة (قوله أن يضع يده على فخذه) يعني ولا يشير بها. ورواية أبي نعيم أخرجها النسائي قال أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا أبو نعيم عن مسعر عن عبيد الله بن القبطية قال سمعت جابر ابن سمرة يقول كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قلنا السلام عليكم السلام عليكم وأشار مسعر بيده عن يمينه وعن شماله فقال ما بال هؤلاء الذين يرمون بأيديهم كأنها أذناب الخيل الشمس أما يكفي أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه عن يمينه وعن شماله (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ نَا زُهَيْرٌ نَا الأَعْمَشُ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ تَمِيمٍ الطَّائِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسُ رَافِعُو أَيْدِيهِمْ -قَالَ زُهَيْرٌ أُرَاهُ قَالَ- في الصَّلاَةِ فَقَالَ "مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ اسْكُنُوا في الصَّلاَةِ". (ش) (زهير) بن معاوية تقدم في الجزء الأول صفحة 112. وكذا (الأعمش) سليمان بن مهران صفحة 36 (قوله والناس رافعوا أيديهم) يعني يشيرون بها عند السلام يمينًا وشمالًا كما تفيده الرواية السابقة (قال النووي) والمراد بالرفع المنهى عنه هنا رفعهم أيديهم عند السلام مشيرين إلى السلام من الجانبين اهـ "فما قاله" بعضهم من أن هذا الحديث يفيد النهي عن رفع اليدين في الصلاة مطلقًا لا في حال السلام فقط "مردود" بما ذكر وبالروايات الصحيحة المصرّحة بمشروعية رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام والركوع والرفع منه وعند القيام من اثنتين وقد تقدم ذكرها (وبحمل) حديث الباب على حال السلام فقط

باب الرد على الإمام

حصل الجمع بينه وبين الأحاديث المذكورة (قوله قال زهير أراه قال في الصلاة) أي أظنّ الأعمش قال في الرواية بسنده دخل علينا رسول الله صلى الله تعالى وعلى آله وسلم والناس رافعوا أيديهم في الصلاة (الحديث) أخرجه مسلم (باب الردّ على الإِمام) يعني ردّ المأموم السلام على الإمام (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ أَبُو الْجَمَاهِرِ نَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ أَمَرَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَرُدَّ عَلَى الإِمَامِ وَأَنْ نَتَحَابَّ وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ. (ش) (رجال الحديث) (سعيد بن بشير) الأزدي أبو عبد الرحمن ويقال أبو سلمة. روى عن الزهري وقتادة بن دعامة والأعمش وعبد العزيز بن صهيب وعمرو بن دينار وجماعة. وعنه بكر بن مضر وابن عيينة وعبد الرزاق ووكيع وآخرون. قال ابن حبان كان ردئ الحفظ فاحش الخطأ يروي عن قتادة ما لا يتابع عليه وقال ابن نمير منكر الحديث ليس بشيء وليس بقوى الحديث يروي عن قتادة المنكرات وضعفه ابن معين والنسائي وابن المديني وقال شعبة صدوق اللسان في الحديث وقال أبو مسهر لم يكن في جندنا أحفظ منه وهو ضعيف منكر الحديث. توفي سنة ثمان أو تسع وستين ومائة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (معنى الحديث) (قوله أمرنا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ان نردّ على الإِمام) وقد ورد الأمر صريحًا في رواية ابن ماجة عن سمرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا سلم الإِمام فردّوا عليه (وفي ذلك) دلالة على أن المأموم يسلم على الإِمام (واختلف) في ذلك (فقالت المالكية) إن المأموم يقصد بالتسليمة الأولى التحليل من الصلاة ويسلم بالثانية قبالة وجهه يقصد بها الردّ على الإِمام ويقصد بالثالثة من على يساره من المأمومين. وأما الإِمام فينوي بالأولى الخروج من الصلاة والسلام على الملائكة ومن معه من المأمومين. والفذ ينوي الخروج من الصلاة والسلام على الملائكة (وقالت الحنفية) إن كان الإِمام عن يمين المأموم نوى المأموم بالتسليمة الأولى من على يمينه من الرجال والنساء والحفظه وإن كان عن يساره نواه بالتسليمة الثانية ومن كان على يساره وإن كان محاذيًا له نواه في التسليمتين وأما الإِمام فيقصد بالتسليمتين المأمومين والحفظة على الصحيح والمنفرد ينوي الحفظة فقط إذ ليس معه

باب التكبير بعد الصلاة

غيرهم (وقالت) الشافعية إن كان المأموم عن يمين الإِمام نوى بالتسليمة الثانية الردّ على الإِمام وإن كان على يساره نواه في الأولى وإن كان محاذيًا له نواه في أيتهما شاء والأولى أفضل وينوي بالتسليمتين أيضًا من عن يمينه من الملائكة ومسلمي الإنس والجن سواء أكان معه في الصلاة أم لا وكذلك ينوي الإِمام بالتسليمتين من على يمينه ويساره من المأمومين والملائكة (قال النووي) ولكل منهم أن ينوي بالأولى الخروج من الصلاة. ولا خلاف أنه لا يجب شيء من هذه النيات غير نية الخروج ففيها الخلاف اهـ (وقالت الحنابلة) ينوي المصلي بالسلام الخروج من الصلاة استحبابًا فإن كان مأمومًا ونوى مع ذلك الرّدّ على الإِمام والمأمومين والحفظة جاز وكذا إن كان إمامًا ونوى به المأمومين والحفظة (وقوله وأن نتحابّ) أي وأمرنا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يفعل بعضنا مع بعض كل ما يؤدي إلى المحبة والمودّة من الأخلاق والأفعال الطيبة والأقوال الصادقة والنصائح الخالصة (قوله وأن يسلم بعضنا على بعض) أي في الصلاة كما صرّح به في رواية البزّار ولفظها وأن نسلم على أئمتنا وأن يسلم بعضنا على بعض في الصلاة. وخص السلام بالذكر لأنه مفتاح باب المحبة. ويدخل في قوله وأن يسلم بعضنا على بعض سلام الإِمام على المأمومين والمأمومين على الإِمام وسلام المقتدين بعضهم على بعض (قال في النيل) وذهب المؤيد بالله وأبو طالب إلى وجوب قصد الملكين ومن في ناحيتهما من الإِمام والمؤتمين في الجماعة تمسكا بهذا اهـ (والجمهور) على أن قصد من ذكر ليس بواجب كما تقدم عن النووي. والأمر في الحديث عندهم محمول على الندب (من أخرج الحديث أيضًا) أخرج نحوه ابن ماجه والبزّار وأحمد والحاكم (باب التكبير بعد الصلاة) وفي بعض النسخ إسقاط هذه الترجمة. والصواب إثباتها لبعد مناسبة ما ذكر في الباب من الأحاديث للترجمة السابقة (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ يُعْلَمُ انْقِضَاءُ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِالتَّكْبِيرِ. (ش) (رجال الحديث) (أحمد بن عبدة) بن موسى أبو عبد الله الضبي البصري. روى عن فضيل بن عياض ويزيد بن زريع وابن عيينة وحماد بن زيد وآخرين. وعنه ابن أبي الدنيا وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو القاسم البغوي وعدّة. وثقه ابن حبان والنسائي وقال في التقريب ثقة من العاشرة. مات سنة خمس وأربعين ومائتين. و (أبو معبد) اسمه مولى ابن عباس

القرشي الهاشمي. روى عن مولاه. وعنه عمرو بن دينار وأبو الزبير وسليمان الأحول ويحيى ابن عبد الله وجماعة. وثقه ابن معين وأبو زرعة وأحمد وابن حبان وقال في التقريب ثقة من الرابعة. مات سنة أربع ومائة (معنى الحديث) (قوله كان يعلم انقضاء الخ) بالبناء للمفعول على أنه من كلام ابن عباس وبالبناء للفاعل على أنه من كلام أبي معبد حكايته عما كان يعلمه من ابن عباس. وفي رواية للبخاري عن ابن عباس قال كنت أعرف انقضاء صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالتكبير وفي رواية الحميدي عن سفيان ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا بالتكبير أي برفع الصوت به (وظاهره) أنهم كانوا يبتدئون الذكر عقب الصلوات بالتكبير قبل التسبيح والتحميد. لكن ليس هذا مرادًا بل المراد أنهم يذكرون فيشمل كل ما يقع بعد السلام من استغفار وتكبير وغيرها كما تفيده الرواية الآتية (قال ابن دقيق العيد) يؤخذ منه أنه لم يكن هناك مبلغ جهير الصوت كان يسمع من بعد اهـ ولعلّ ابن عباس كان يصلي أواخر الصفوف لصغره فكان لا يعرف انقضاء الصلاة بالتسليم ويعرفه بالتكبير أو أنه كان يترك الصلاة مع الجماعة في بعض الأوقات لصغره (والحديث) أخرجه البخاري (ص) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى الْبَلْخِيُّ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ أَبَا مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ لِلذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ وَأَسْمَعُهُ. (ش) (رجال الحديث) (يحيى بن موسى) بن عبد ربه بن سالم أبو زكريا السختياني كوفى الأصل. روى عن أبي معاوية الضرير ووكيع والوليد بن مسلم وابن عيينة وعبد الله بن نمير وأبي داود الطيالسي وآخرين. وعنه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وموسى بن هارون وجماعة. وثقه أبو زرعة والنسائي والدارقطني ومسملة بن قاسم وابن إسحاق وقال مأمون وقال موسى بن هارون كان من خيار الناس. توفي سنة تسع وثلاثين أو أربعين ومائتين و (البلخي) نسبة إلى بلخ مدينة مشهورة بخراسان. و (عبد الرزاق) تقدم في الجزء الأول صفحة 106، وكذا (ابن جريج) صفحة 74 (معنى الحديث) (قوله أن رفع الصوت بالذكر) بالباء الموحدة. وفي أكثر النسخ للذكر

المذاهب في رفع الصوت بالذكر عقب الصلوات

باللام وهي بمعنى الباء وقد صرّح بالباء في رواية البخاري (قوله كان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم) هو مرفوع حكمًا عند جمهور المحدّثين خلافًا لمن شذّ فمنع ذلك (والحديث) يدلّ بظاهره على استحباب رفع الصوت بالذكر عقب الصلوات المكتوبة (وإلى ذلك) ذهب ابن حزم وبعض السلف (قال) في الفتح قال الطبري فيه الإبانة عن صحة ما كان يفعله بعض الأمراء من التكبير عقب الصلاة (وتعقبه) ابن بطال بأنه لم يقف على ذلك عن أحد من السلف إلا ما حكاه ابن حبيب في الواضحة أنهم كانوا يستحبون التكبير في العساكر عقب الصبح والعشاء تكبيرًا عاليًا ثلاثًا قال وهو قديم من شأن الناس (قال) ابن بط الذي العتبية عن مالك إن ذلك محدث اهـ (قال النووي) ونقل ابن بطال وآخرون أن أصحاب المذاهب المتبوعة وغيرها متفقدن على عدم استحباب رفع الصوت بالذكر والتكبير (وحمل) الشافعي هذا الحديث على أنه جهر وقتا يسيرًا حتى يعلمهم صفة الذكر لا أنهم جهروا دائمًا اهـ (وقال) في الأم أختار للإمام والمأموم أن يذكرا الله تعالى بعد الفراغ من الصلاة يخفيان الذكر إلا أن يكون إمامًا يريد أن يتعلم منه فيجهر حتى يرى أنه قد تعلم منه فيسرّ فإن الله تعالى يقول {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} وأحسب أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن ما جهر قليلًا ليتعلم الناس منه اهـ (وقال النووي) قال أصحابنا إن الذكر والدعاء بعد الصلاة يستحب أن يسرّ بهما إلا أن يكون إمامًا يريد تعليم الناس فيجهر ليتعلموا فإذا تعلموا أو كانوا عالمين أسرّه اهـ (واحتج) البيهقي وغيره على الإسرار بالذكر بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال كنا مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمّ ولا غائبًا إنه معكم سميع قريب (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي (باب حذف السلام) (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ نَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "حَذْفُ السَّلاَمِ سُنَّةٌ". (ش) (رجال الحديث) (قرّة بن عبد الرحمن) بن حيوءيل بوزن جبرءيل ابن ناشرة

باب إذا أحدث في صلاته

المعافري أبي محمَّد المصري مدني الأصل. روى عن أبي الزبير والزهري وعامر بن يحيى ويحيى ابن سعيد. وعنه الليث والأوزعي عبد الرحمن بن عمرو وسعيد بن عبد العزيز وحيوة بن شريح ومحمد بن شريح وآخرون. قال ابن معين ضعيف الحديث وقال وأبو زرعة منكر الحديث وقال أبو حاتم والنسائي وابن ماجه والترمذي (معنى الحديث) (قوله حذف السلام سنة) وفي رواية أحمد حذف التسليم سنة يعني عدم تطويله في الصلاة سنة (وباستحباب) ذلك قال كافة العلماء قال الترمذي وهو الذي يستحبه أهل العلم اهـ (وقال ابن سيد الناس) قال العلماء يستحب أن يدرج لفظ السلام ولا يمدّه مدّا لا أعلم في ذلك خلافًا بين العلماء اهـ (وقال) الحطاب على الإِمام أن يجزم تحريمه وسلامه ولا يمططهما لئلا يسبقه من وراءه اهـ (وفي الواضحة) وليحذف الإِمام سلامه ولا يمدّه قال أبوهريرة وتلك السنة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والحاكم مرفوعًا ورواه الترمذي موقوفًا على أبي هريرة. والحديث ضعيف لأنه من رواية قرّة بن عبد الرحمن وفيه مقال كما تقدم. وفي بعض النسخ زيادة "قال عيسى نهاني ابن المبارك عن رفع هذا الحديث قال أبو داود سمعت أبا عمير عيسى بن يونس الفاخوري الرملي قال لما رجع الفريابي من مكة ترك رفع هذا الحديث وقال نهاه أحمد بن حنبل عن رفعه" (باب إذا أحدث في صلاتة) وفي نسخة "باب إذا أحدث في صلاته يستقبل" أي يعيد الصلاة (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ عِيسَى بْنِ حِطَّانَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَلاَّمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ في الصَّلاَةِ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُعِدْ صَلاَتَهُ". (ش) تقدم الكلام على هذا الحديث في كتاب الطهارة في باب فيمن يحدث في الصلاة وأعاده هنا لمناسبة الصلاة (باب في الرجل يتطوع في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة) أيجوز له ذلك أم لا (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا حَمَّادٌ وَعَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ لَيْثٍ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ

إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ". قَالَ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ "أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ". زَادَ في حَدِيثِ حَمَّادٍ "في الصَّلاَةِ". يَعْنِي في السُّبْحَةِ. (ش) (رجال الحديث) (حماد) بن زيد و (عبد الوارث) بن سعيد. و (الحجاج ابن عبيد) ويقال ابن أبي عبد الله. وروى عن إبراهيم بن إسماعيل. وعنه الليث بن أبي سليم قال أبو حاتم مجهول الحال وقال البخاري لم يصح إسناده وقال في التقريب مجهول من السادسة و (إبراهيم بن إسماعيل) السلمي الشيباني الحجازي. روى عن أبي هريرة وابن عباس وعائشة وعنه حجاج بن عبيد وعمرو بن دينار وعباس بن عبد الله. قال أبو حاتم مجهول وقال في التقريب مجهول الحال من الثالثة. روى له أبو داود وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله أيعجز) بكسر الجيم من باب ضرب وفي لغة قليلة من باب تعب (قوله قال عن عبد الوارث الخ) أي قال مسدد بن مسرهد في روايته عن عبد الوارث أيعجز أحدكم أن يتقدم أو يتأخر عن المكان الذي صلى فيه المكتوبة لأجل صلاة النافلة أو ينتقل إلى جهة يمينه أوجهة شماله (قوله زاد في حديث حماد الخ) أي زاد مسدد في روايته عن حماد قوله في الصلاة يعني في السبحة أي النافلة. والعناية من بعض الرواة (والحديث يدلّ) على مشروعية انتقال المصلي من مصلاه الذي صلى فيه المكتوبة إذا أراد أن يتنفل لا فرق بين الإِمام وغيره. وتقدم أن ذلك لتكثير مواضع السجود كما قال البخاري والبغوي لأن مواضع السجود تشهد له يوم القيامة كما في قوله تعالى (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) أي تخبر بما عمل عليها ولأن بقاء الإِمام في موضوعه الذي صلى فيه يهمل اشتباها للداخل (قال في النيل) وهذه العلة تقتضي أن ينتقل إلى الفرض من موضع نفله وأن ينتقل لكل صلاة يفتتحها من أفراد النوافل فإن لم ينتقل فينبغي أن يفصل بالكلام لحديث النهي عن أن توصل صلاة بصلاة حتى يتكلم المصلي أو يخرج اهـ وحديث النهي الذي أشار إليه ما سيذكره المصنف بعد (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد وابن ماجه وكذا البيهقي من رواية حماد عن الليث بلفظ إذا أراد أحدكم أن يتطوع بعد الفريضة فليتقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله وروى من طريق المعتمر عن الليث بلفظ أيعجز أحدكم إذا صلى فأراد أن يتطوع أن يتقدم أو يتأخر أو يتحول عن يمينه أو عن يساره. ورواه جرير عن ليث عن حجاج عن إسماعيل بن إبراهيم أو إبراهيم بن إسماعيل قال البخاري رحمه الله تعالى إسماعيل بن إبراهيم أصح. والليث يضطرب فيه "قال البيهقي" وهو ليث بن أبي سليم يتفرّد به والله تعالى أعلم اهـ

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ نَا أَشْعَثُ بْنُ شُعْبَةَ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنِ الأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ صَلَّى بِنَا إِمَامٌ لَنَا يُكْنَى أَبَا رِمْثَةَ فَقَالَ صَلَّيْتُ هَذِهِ الصَّلاَةَ -أَوْ مِثْلَ هَذِهِ الصَّلاَةِ- مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَقُومَانِ في الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ عَنْ يَمِينِهِ وَكَانَ رَجُلٌ قَدْ شَهِدَ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى مِنَ الصَّلاَةِ فَصَلَّى نَبِيُّ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى رَأَيْنَا بَيَاضَ خَدَّيْهِ ثُمَّ انْفَتَلَ كَانْفِتَالِ أَبِي رِمْثَةَ -يَعْنِي نَفْسَهُ- فَقَامَ الرَّجُلُ الَّذِي أَدْرَكَ مَعَهُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى مِنَ الصَّلاَةِ يَشْفَعُ فَوَثَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ فَهَزَّهُ ثُمَّ قَالَ اجْلِسْ فَإِنَّهُ لَمْ يَهْلِكْ أَهْلُ الْكِتَابِ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ صَلَوَاتِهِمْ فَصْلٌ. فَرَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بَصَرَهُ فَقَالَ "أَصَابَ الله بِكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ". (ش) (رجال الحديث) (أشعث بن شعبة) المصيصي أبو أحمد خراساني الأصل روى عن المنهال بن خليفة وأرطأة بن المنذر والسري بن يحيى. وعنه محمَّد بن عيسى وأبو الطاهر ابن السرح وعبد الوهاب بن نجدة وجماعة. ضعفه الأزدي ووثقه أبو داود وقال أبو زرعة لين وقال في التقريب مقبول من الثالثة. روى له أبو داود. و(المنهال بن خليفة) الكوفي أبي قدامة العجلي. روى عن أبي المليح وعطاء بن أبي رباح والحجاج بن أرطأة وسماك بن حرب وعلى ابن زيد. وعنه وكيع وابن المبارك وأبو معاوية وعبد الله بن جابر ومحمد بن سابق وكثيرون ضعفه ابن معين والنسائي وقال ابن حبان كان ينفرد. بالمناكير عن المشاهير لا يجوز الاحتجاج به وقال البخاري حديثه منكر وقال الدولابي والحاكم ليس بالقوي. روى له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه. و(الأزرق بن قيس) الحارثي البصري. روى عن ابن عمر وأنس وأبي برزة الأسلمي وغيرهم. وعنه سليمان التيمي والحمادان وشعبة وطائفة. قال النسائي ثقة وقال أبو حاتم صالح الحدث وقال الدارقطني ثقة مأمون ووثقه ابن سعد وابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال مات في ولاية خالد على العراق (قوله يكنى أبا رمثة) بكسر الراء وسكرن الميم التيمي ابن تيم الرباب قيل اسمه رفاعة بن يثربي وقيل حبان بن وهب وقيل غير ذلك. روى

باب في الرجل يتطوع في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة

عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه إياد بن لقيط وثابت بن أبي منقذ (معنى الحديث) (قوله أو مثل هذه الصلاة) شك من الأزرق بن قيس (قوله قال وكان أبو بكر الخ) أي قال أبو رمثة كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يقومان في الصف الأول عن يمينه لفضل الصف الأول والجهة اليمنى ولما تقدم للمصنف في باب من يستحب أن يلي الإِمام في الصف من حديث أبي مسعود أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى. (قوله وكان رجل قد شهد التكبيرة الأولى) يعني تكبيرة الإحرام والمراد أنه لم يكن مسبوقًا (قوله ثم انفتل الخ) أي تحول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن القبلة بعد أن سلم وقوله كانفتال أبي رمثة فيه وضع الظاهر موضع المضمر وكان القياس أن يقول كانفتالي (قوله يشفع الخ) يعني يصلي عقب السلام شفعًا من غير فاصل أو يشفع صلاته بصلاة أخرى فوثب إليه عمر أي قام إليه فقبض على منكبيه وحرّكه. وفي نسخة فأخذ بمنكبه وفعل ذاك إنكارًا على الرجل في صنعه للإشارة إلى أنه لا ينبغي فعل هذا (قوله فإنه لم يهلك أهل الكتاب الخ) تعليل لأمره الرجل بالجلوس (قوله أصاب الله بك الخ) أي أصاب الله بك الحق والمراد فعلت فعلًا موافقًا للصواب (فقه الحديث) دلّ الحديث على كرهة وصل النافلة بالفريضة (والمستحب) الفصل بينهما عند الحنفية بمقدار اللهمّ أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. أو بمقدار لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهمّ لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجدّ (وذهب) غيرهم إلى أنه يندب الفصل بينهما بالأذكار الواردة عقب الصلوات من الاستغفار والتسبيح والتكبير. ودلّ الحديث أيضًا على فضل سيدنا عمرو بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وعلى أنه ينبغي للتابع إذا رأى منكرًا أن يبادر إلى إزالته ولو مع حضور المتبوع ولا يتوقف على إذنه، وعلى أنه يطلب من المتبوع أن يعزّزه إذا وافق الحق (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الحاكم والطبراني عن أبي رمثه وأخرجه ابن منده وأبو نعيم من طريق المنهال بن خليفة عن الأزرق بن قيس قال صلى بنا إمام لنا يكنى أبا ريمة فسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خدّيه ثم قال صليت بكم كما رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي فذكر أبا ريمة بدل أبي رمثة. ولم نقف على هذه الكنية في نسخ أبي داود. وفي بعض النسخ "قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَقَدْ قِيلَ أَبُو أُمَيَّةَ مَكَانَ أَبِي رِمْثَةَ." (باب السهو في السجدتين) المراد بالسجدتين الركعتان فهو من إطلاق الجزء على الكل. وفي نسخة "باب في سجدتي

السهو" وفي أخرى "باب في سجود السهو" وفي أخرى "جماع أبواب السهو في الصلاة باب في سجدتي السهو" (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِحْدَى صَلاَتَيِ الْعَشِيِّ -الظُّهْرَ أَوِ الْعَصْرَ قَالَ- فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ في مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهَا إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى يُعْرَفُ في وَجْهِهِ الْغَضَبُ ثُمَّ خَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ وَهُمْ يَقُولُونَ قَصُرَتِ الصَّلاَةُ قَصُرَتِ الصَّلاَةُ وَفِي النَّاسِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَاهُ أَنْ يُكَلِّمَاهُ فَقَامَ رَجُلٌ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُسَمِّيهِ ذَا الْيَدَيْنِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتِ الصَّلاَةُ قَالَ "لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرِ الصَّلاَةُ". قَالَ بَلْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللهِ. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ "أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ". فَأَوْمَئُوا أَىْ نَعَمْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَى مَقَامِهِ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ وَكَبَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ وَكَبَّرَ. قَالَ فَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ سَلَّمَ في السَّهْوِ فَقَالَ لَمْ أَحْفَظْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ ثُمَّ سَلَّمَ. (ش) (أيوب) السختياني تقدم في الجزء الأول صفحة 257 وكذا (محمَّد) بن سيرين صفحة 243 (قوله صلى بنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) ظاهر في أن أبا هريرة كات حاضرًا القصة "فما قيل" من أنه لم يشهد تلك القصة وأن الكلام فيها على المجاز والمراد صلى بالمسلمين "مردود" بهذه الرواية (وبما رواه) أحمد ومسلم من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله إحدى صلاتي العشيّ الخ) العشيّ ما بين

الزوال إلى الغروب وقيل ما بين الزوال إلى الصباح. وقوله الظهر أو العصر. بيان لإحدى صلاتي العشيّ وهو كذلك بالشك في رواية البخاري من طريق آدم عن شعبة. والشك في رواية المصنف من ابن سيرين كما تؤيده رواية البخاري عنه عن أبي هريرة صلى بنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إحدى صلاتي العشيّ. قال ابن سيرين سماها أبوهريرة ولكن نسيت أنا. وفي أخرى للبخاري قال محمَّد وأكثر ظني أنها العصر. وعند الطحاوي من طريق أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة وأكثر ظني أنه ذكر الظهر. وفي أخرى من طريق أبي الوليد عن شعبة الظهر من غير شك. ولمسلم من طريق سلمة الظهر أيضًا من غير شك (قال) في الفتح والظاهر أن الاختلاف فيه من الرواة. وأبعد من قال يحمل على أن القصة وقعت مرّتين وروى النسائي من طريق ابن عون عن ابن سيرين أن الشك فيه من أبي هريرة. ولفظه صلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إحدى صلاتي العشيّ قال أبوهريرة ولكني نسيتها (فالظاهر) أن أبا هريرة رواه كثيرًا على الشك وكان ربما غلب على ظنه أنها الظهر فجزم بها وتارة غلب على ظنه أنها العصر فجزم بها. وطرأ الشك في تعيينها أيضًا على ابن سيرين. وكأن السبب في ذلك الاهتمام بما في القصة من الأحكام الشرعية. ولم تختلف الرواة في حديث عمران في قصة الخرباق أنها العصر "فإن قلنا" إنهما قصة واحدة "فيترجح" رواية من عين العصر في حديث أبي هريرة اهـ "وما قاله" من أن الرواة لم تختلف في حديث عمران في قصة الخرباق أنها العصر "غير مسلم" فقد أخرج البيهقي من طريق خالد عن أبي قلابة ثنا أبو المهلب عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى في الظهر أو العصر ثلاث ركعات "الحديث" بالشك (قوله في مقدّم المسجد) أي جهة القبلة. ففي رواية لمسلم من طريق ابن عيينة ثم أتى جذعًا في قبلة المسجد فاستند إليه مغضبًا وفي رواية للبخاري فقام إلى خشبة معروضة في المسجد أي موضوعة بالعرض (ولا تنافي) بين هذه الروايات لأن المراد بالخشبة في حديث المصنف الجذع الذي كان ممتدًّا بالعرض في قبلة المسجد الذي كان يتكئُ عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبل اتخاذ المنبر (قوله فوضع يديه عليها) وفي رواية للبخاري فوضع يده عليها بالإفراد. وفي رواية له أيضًا فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه ووضع خدّه الأيمن على ظهر كله اليسرى (قوله يعرف في وجهه الغضب الخ) لعلّ غضبه كان لأمر من أمور المسلمين ثم خرج سرعان الناس بفتح السين والراء وبتسكين الراء أيضًا أي أوائلهم الذين يتسارعون إلى الشيء. والمراد هنا أوائل الناس خروجا من المسجد وهم أصحاب الحاجات غالبًا. وحكى القاضي عياض أن الأصيلى ضبطه بضم السين وسكون الراء وعليه فهو جمع سريع ثل قفيز وقفزان (قوله قصرت الصلاة) كذا في رواية

باب السهو في السجدتين أي الركعتين

للبخاري بصيغة الأخبار وفي رواية له أيضًا أقصرت الصلاة بالاستفهام واستفهموا لجواز النسخ (قوله فهاباه أن يكلماه الخ) أي بما وقع له من نقصان الصلاة إعظامًا له لما ظهر عليه من أثر الغضب وأما ذو اليدين فغلب عليه حرصه على العلم فسأله. وكان رسول الله صل الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يلقبه بذلك لطول في يديه حقيقة لما في رواية مسلم بلفظ وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين. ويحتمل أن يكون كناية عن طولهما بعمل الخير والسخاء كما ذكره القرطبي (وقال) ابن قتيبة لأنه كان يعمل يديه جميعًا. واسم ذى اليدين الخرباق كما في رواية لمسلم عن عمران بن حصين. وعليه أكثر العلماء (وقال) الطيبى الخرباق لقب له واسمه عمير (قوله لم أنس ولم تقصر) كذا في أكثر الطرق وهو صريح في نفي النسيان والقصر وفي رواية لمسلم كل ذلك لم يكن. وأخبر بذلك على اعتقاده لا بحسب نفس الأمر (قوله بل نسيت) أثبت ذو اليدين النسيان لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما نفى الأمرين وكان مقرّرًا عند الصحابي أن السهو غير جائز عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيما أمر بتبليغه جزم بوقوع النسيان لا بوقوع القصر لأنه مما أمر بتبليغه فلا ينساه (وفيه دليل) على جواز السهو عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الأفعال الشرعية (قال) ابن دقيق العيد وهو مذهب عامة العلماء والنظار وهذا الحديث مما يدل عليه وقد قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حديث ابن مسعود الآتي إنما أنا بشر أنسى كما تنسون (وشذّت) طائفة من المتوغلين فقالو لا يجوز السهو عليه وإنما ينسى عمدًا ويتعمد صورة النسيان ليسنّ (وهذا باطل) لإخباره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأنه ينسى ولأن الأفعال العمدية تبطل الصلاة ولأن صورة الفعل النسياني كصورة الفعل العمد وإنما يتميزان للغير بالإخبار فلا يتمّ ما قالوه إلا أن يتمايز الفعلًان بأنفسهما. ومن أجازوا السهو عليه قالوا لا يقرّ عليه اتفاقًا بل يقع له بيانه إما متصلًا بالفعل كما في هذا الحديث أوبعده (وفائدته) بيان الحكم الشرعى إذا وقع مثله لغيره (أما القول) فنقل القاضي عياض والنووي الإجماع على عدم جواز السهو عليه فيما طريقه البلاغ منها (وما ليس) طر يقه البلاغ من الأقوال الدنيوية والأخبار التي لا مستند الأحكام إليها ولا ما تضاف إلى وحي فقال جماعة يجوز النسيان عليه فيها إذ ليس من باب التبليغ الذي يتطرّق به إلى القدح في الشريعة (قال القاضي) عياض والحق الذي لا مرية فيه ترجيح قول من لم يجز ذلك على الأنبياء في خبر من الأخبار كما لم يجيزوا عليهم فيها العمد فإنه لا يجوز عليهم خلف في خبر لا عن قصد ولا سهو ولافى صحة ولا مرض ولا رضا ولا غضب اهـ وهذا كله مبني على أن النسيان والسهو بمعنى وهو الذهول عن الشيء تقدمه ذكر أولم يتقدّمه أما من فرق بينهما فجعل السهو ما ذكر والنسيان لابدّ أن يتقدمه ذكر فقال يمتنع السهو عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الأقوال البلاغية وغيرها ويجوز عليه في الأفعال مطلقًا

بلاغية أم لا. أما النسيان فممتنع في البلاغيات مطلقًا فعلية أو قولية قبل تبليغها. وبعد التبليغ يجوز عليه لكن يكون من الله تعالى لا من الشيطان إذ ليس له عليه سبيل (قوله فقال أصدق ذواليدين فأومأوا أي نعم) أي أشاروا إلى صدق ما قاله ذو اليدين. وقوله نعم تفسير من بعض الرواة للإيماء وفي رواية مسلم نظر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمينًا وشمالًا فقال ما يقول ذواليدين قالوا صدق لم تصلّ إلا ركعتين. وفي رواية ابن ماجه قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أكما يقول ذو اليدين قالوا نعم. وفي رواية للبخاري قالوا صدق لم تصلّ إلا ركعتين (ولا منافاة) بين هذه الروايات لإمكان الجمع بينها بأن البعض جمع بين الإشارة والكلام وبعضهم أشار والآخر تكلم "فإن قيل" كيف تكلم ذو اليدين ومن معه وهم في الصلاة "أجيب" بأنهم لم يكونوا على يقين أنهم في صلاة فإنهم كانوا مجوّزين نسخ الصلاة من أربع إلى اثنتين ولهذا قيل أقصرت الصلاة أم نسيت (وقال النووي) إن هذا كان خطابًا للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وجوابا وذلك لا يبطل عندنا وعند غيرنا اهـ وقوله وعند غيرنا فيه نظر لأنه محمول عند بعضهم على صلاة النافلة (قوله فرجع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى مقامه فصلى الركعتين الباقيتين) ظاهره أنه رجع لتمام الصلاة لمجرّد قول القوم. لكن سيأتي للمصنف في الباب في حديث محمَّد بن يحيى بن فارس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يسجد سجدتي السهو حتى يقنه الله عزّ وجل ذلك أي أنه سلم من اثنتين فلا يقال إنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترك يقين نفسه ورجع إلى قولهم (وفي الحديث حجة) لمن قال إن الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطلها لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بني على صلاته التي سلم منها ناسيًا (وأجاب) عنه من قال ببطلان الصلاة بالكلام مطلقًا ولو لمصلحتها بأن الحديث منسوخ بحديث ابن مسعود المتقدم في "باب ردّ السلام في الصلاة" وفيه وإن الله عَزَّ وَجَلَّ قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة وبحديث زيد بن أرقم المتقدم أيضًا في "باب النهي عن الكلام في الصلاة" ولفظه كان أحدنا يكلم الرجل إلى جنبه في الصلاة فنزلت (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام لأن ذا اليدين قتل يوم بدر على ما نقلوه عن الزهري وقالوا لا يمنع من هذا كون أبي هريرة رواه وهو متأخر الإِسلام عن وقعة بدر لأن الصحابي قد يروي ما لا يحضره بأن يسمعه منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو من صحابي (لكن) دعوى النسخ مردودة لأن حديث ابن مسعود كان بمكة حين رجع من الحبشة قبل الهجرة أو كان بالمدينة حين كان يتجهز صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لغزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة. وحديث أبي هريرة في قصة ذى اليدين كان بعد ذلك لأن أبا هريرة أسلم عام خيبر سنة سبع من الهجرة "وقولهم" لا يمنع من هذا كون أبي هريرة رواه وهو متأخر الإِسلام الخ "مردود" أيضًا بأن أبا هريرة كان يصلي مع النبي صلى الله

مبحث جليل متعلق بقصة ذي اليدين وذي الشمالين

تعالى عليه وعلى آله وسلم في تلك الواقعة كما تقدم في رواية أحمد ومسلم بلفظ بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "وقولهم" إن ذا اليدين قتل ببدر "مردود" بأن المقتول يوم بدر ذو الشمالين وهو غير ذى اليدين فإن ذا الشمالين هو عمير بن عمرو الخزاعي وذا اليدين الخرباق بن عمرو السلمي كما في رواية مسلم (وقد) عاش ذو اليدين بعد وفاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم زمانًا (ولا ينافي) هذا ما رواه النسائي من طريق ابن أبي حثمة عن أبي هريرة قال صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الظهر أو العصر فسلم في ركعتين وانصرف فقال له ذو الشمالين بن عمرو أنقصت من الصلاة أم نسيت قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما يقول ذو اليدين "الحديث" (لاحتمال أن كلا) من ذى اليدين وذى الشمالين كان يلقب بما يلقب به الآخر. وعلى تقدير أنهما واحد فلا يصح القول بأنه مات ببدر لحديث الباب. ولما رواه مسلم عن أبي هريرة من عدّة طرق في إحداها صلى بنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إحدى صلاتي العشي "الحديث" وفيه فقام ذو اليدين فقال يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت. وفي الثانية مثلها. وفي الثالثة قال أبوهريرة صلى لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "الحديث" وفيه فقام ذوا اليدين الخ وقد علمت أن أبا هريرة أسلم في السنة السابعة من الهجرة عام خيبر وغزوة بدر كانت في السنة الثانية (قال في الفتح) "قوله صلي بنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ" ظاهر في أن أبا هريرة حضر القصة. وحمله الطحاوي على المجازر فقال إن المراد به صلى بالمسلمين. وسبب ذلك قول الزهري إن صاحبب القصة استشهد ببدر فإن مقتضاه أن تكون القصة وقعت قبل بدر وهي قبل إسلام أبي هريرة بأكثر من خمس سنين. لكن اتفق أئمة الحديث كما نقله ابن عبد البر وغيره على أن الزهري وهم في ذلك. وسببه أنه جعل القصة لذى الشمالين وذو الشمالين هو الذي قتل ببدر وهو خزاعي واسمه عمير بن عمرو بن نضلة. وأما ذو اليدين فتأخر بعد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمدّة لأنه حدّث بهذا الحديث بعد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما أخرجه الطبراني وغيره وهو سلمي واسمه الخرباق (وقد) وقع عند مسلم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة فقام رجل من بني سليم فلما وقع عند الزهري بلفظ فقام ذو الشمالين وهو يعرف أنه قتل ببدر قال لأجل. ذلك إن القصة وقعت قبل بدر (وقد) جوّز بعض الأئمة أن تكون القصة وقعت لكلّ من ذى الشمالين وذى اليدين وأن أبا هريرة روى الحديثين فأرسل أحدهما وهو قصة ذى الشمالين وشاهد الآخر وهو قصة ذى اليدين وهذا محتمل من طريق الجمع (وقيل يحمل) على أن ذا الشمالين كان يقال له أيضًا ذو اليدين وبالعكس فإن ذلك سببًا للاشتباه (ويدفع) المجاز الذي ارتكبه الطحاوي ما رواه مسلم وأحمد وغيرهما من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة في هذا الحديث عن أبي هريرة

مذاهب العلماء في محل سجود السهو

بلفظ بينما أنا أصلي مع رسول لله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد اتفق معظم أهل الحديث من المصنفين وغيرهم على أن ذا الشمالين غير ذى اليدين ونصّ على ذلك الشافعي رحمه الله تعالى في اختلاف الحديث اهـ ببعض حذف (وأما حديث) زيد بن أرقم فليس فيه بيان أنه قبل حديث أبي هريرة أو بعده فلا يصح الحكم بنسخة له. وعلى فرض أن حديثي ابن مسعود وزيد بن أرقم متأخران عن قصة ذى اليدين فيمكن الجمع بينها بأن النهي عن الكلام في حديثي ابن مسعود وزيد بن أرقم محمول على الكلام الذي ليس لمصلحة الصلاة والسلام في قصة ذى اليدين كان لمصلحة الصلاة فلا معارضة بينها (قوله ثم سلم ثم كبر وسجد الخ) فيه دلالة على أن سجود بعد السلام (وإلى هذا) ذهبت الحنفية والثوري مطلقًا وبه قال جماعة من الصحابة منهم على وسعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر وابن مسعود وعمران بن حصين وأنس والمغيرة بن شعبة وجمع من التابعين منهم أبو سلمة بن عبد الرحمن والحسن البصري والنخعي وعمر بن عبد العزيز وعبد الرحمن بن أبي ليلى والسائب ومن أهل البيت الهادي والقاسم وزيد بن علي والمؤيد بالله (واستدلوا) بحديث الباب. وبما رواه مسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي وأحمد عن عمران بن حصين وسيأتي للمصنف وفيه ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم (وذهب) جماعة إلى أن سجود السهو يكون قبل السلام مطلقًا منهم الزهري ومكحول وابن أبي ذئب والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي في الجديد. ونسبة الترمذي إلى أكثر فقهاء المدينة وأبي هريرة وقال به من الصحابة أبو سعيد الخدري وروى عن ابن عباس ومعاوية (واستدلوا) بما رواه البخاري عن عبد الله بن بحينة أنه قال صلى لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ركعتين من بعض الصلوات ثم قامو فلم يجلس فقام الناس معه فلما قضى ونظرنا تسليمه كبر قبل التسليم فسجد سجدتين وهو جالس ثم سلم (وبما رواه) أحمد ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرك صلى ثلاثًا أم أربعًا فليطرح الشك وليس على ما استقين ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسًا شفعن له صلاته وإن كان صلى إتمامًا لأربع كانتا ترغما للشيطان. ويأتي للمصنف نحوه. وما ذكر هو مشهور مذهب الشافعية ولهم في المسألة قولان آخران (أحدهما) التخيير بين تقديم السجود على السلام وتأخيره عنه (والثاني) إن كان السهو لزيادة فبعد السلام وإن كان لنقص فقبله وهو قول المزني وأبي ثور والصادق والناصر من أهل البيت (أما السجود) بعد السلام للزيادة فلحديث الباب ونحوه. وأما السجود قبل السلام للنقص فلحديث عبد الله بن بحينة المتقدم (وبهذا قال) مالك وقال أيضًا إذا اجتمع نقص وزيادة وسجد قبل السلام (قال ابن عبد البرّ) وبما قاله مالك وأصحابه يصح استعمال الخبرين جميعًا واستعمال الأخبار على وجهها أولى من ادّعاء النسخ ومن جهة النظر الفرق بين الزيادة والنقصان بين في ذلك لأن السجود في النقصان

إصلاح وجبر ومحال أن يكون الإصلاح والجبر بعد الخروج من الصلاة. وأما السجود في الزيادة فإنما هو ترغيم للشيطان وذلك ينبغي أن يكون بعد الفراغ (قال ابن العربي) مالك أسعد قيلا وأهدى سبيلا اهـ (وذهب أحمد) وسليمان بن داود من أصحاب الشافعي إلى أنه يستعمل كل حديث في سجود السهو على ما ورد فيه ومالم يرد فيه شيء سجد فيه قبل السلام (وقال إسحاق) بن راهويه يستعمل كل حديث كما ورد وما لم يرد فيه شيء فما كان نقصًا سجد له قبل السلام وما كان زيادة سجد له بعده (وحكى) ابن أبي شيبة عن علي عليه السلام أن الساهي يخير بين السجود قبل السلام وبعده سواه أكان لزيادة أم نقص وحكاه الرافعي قولًا للشافعى ورواه المهدي في البحر عن الطبري وقالوا إنه صح عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى السجود قبل السلام وبعده فكان الكل سنة (ومال إلى ذلك) صاحب سبل السلام حيث قال الأولى العمل على التوسيع في جواز الأمرين. والقول بالتخيير أقرب الطرق للجمع بين الأحاديث (قال) الحافظ أبو بكر البيهقي روينا عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه سجد للسهو قبل السلام وأنه أمر بذلك. وروينا أنه سجد بعد السلام وأنه أمر بذلك وكلاهما صحيح ولهما شواهد يطول بذكرها الكلام ثم قال الأشبه بالصواب جواز الأمرين جميعًا. وهذا مذهب كثيرين من أصحابنا اهـ بتصرّف (وذهب أهل الظاهر) إلى أن محل سجود السهو كله بعد السلام إلا في موضعين فإن الساهي مخير في السجود فيهما قبل السلام وبعده "أحدهما" من قام من ركعتين ولم يجلس ولم يتشهد "ثانيهما" أن لا يدري كم صلى أثلاثا أم أربعًا فيبني على الأقل (وقال في النيل) وأحسن ما يقال في المقام إنه يعمل على ما يقتضيه أقواله وأفعاله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من السجود قبل السلام وبعده من غير فرق بين الزيادة والنقص لما أخرجه مسلم في في صحيحه عن ابن مسعود أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين. وجميع أسباب السجود لا تكون إلا زيادة أو نقصًا أو مجموعهما وهذا ينبغي أن يعدّ مذهبًا لأن مذهب داود وإن كان فيه أنه يعمل بمقتضى النصوص الواردة كما حكاه النووي فقد جزم بأن الخارج عنها يكون قبل السلام. وإسحاق بن راهويه وإن قال إنها تستعمل الأحاديث كما وردت فقد جزم أنه يسجد لما خرج عنها إن كان زيادة بعد السلام وإن كان نقصًا فقبله كما سبق. والقائلون بالتخيير لم يستعملوا النصوص كما وردت ولا شك أنه أفضل اهـ (وهذا الخلاف) كله في بيان الأفضل (قال) القاضي عياض وجماعة من أصحاب الشافعي لا خلاف بين هؤلاء المختلفين وغيرهم من العلماء أنه لو سجد قبل السلام أو بعده للزيادة أوللنقص يجزئه ولا تفسد صلاته وإنما اختلافهم في الأفضل ولا عبرة بما قاله الهادوية من فساد صلاة من سجد قبل السلام مطلقًا لأنه مخالف للإجماع ولما صرّحت به الأحاديث (قوله ثم رفع وكبر ثم كبر وسجد مثل سجوده الخ) هكذا في

ما دل عليه حديث أبي هريرة من أنه لو ادعى شخص دعوى بحضرة جمع لا يعمل بدعواه من غير تثبت من الجماعة ومذاهب العلماء في البناء على ما صلى إذا سلم ساهيا. وفي قدر طول الفصل وذكر حكمة تأخير سجود السهو لآخر الصلاة وغير ذلك من الفوائد

أكثر النسخ أي ثم رفع رأسه من سجدة السهو الأولى مكبرًا ثم كبر للسجود الثاني وسجد كسجوده الأول في الصلاة أو أطول منه. وفي بعض النسخ ثم رفع وكبر وسجد بإسقاط لفظ ثم كبر وهو هكذا فيما أخرجه البيهقي من طريق المصنف وفيه وصلى الركعتين الباقيتين ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع وكبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع وكبر ويؤيدهما أيضًا ما أخرجه الطحاوي من طريق أسد عن حماد بن زيد بهذا السند فقال في فصلى بنا الركعتين الباقيتين ثم سلم ثم كبر ثم سجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر وسجد مثل سجوده أو أطول. والنسخة الأولى واضحة والثانية على تقدير ثم كبر (قوله قال فقيل لمحمد الخ) أي قال أيوب السختياني قيل لمحمد بن سيرين أسلم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد سجدتي السهو فهو على تقدير الاستفهام فقال لم أحفظه عن أبي هريرة لكن أخبرت أن عمران بن حصين قال في حديثه ثم سلم. وحديث عمران بن حصين أخرجه البخاري ومسلم بلفظ إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى العصر فسلم من ثلاث ثم دخل منزله فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان في يديه طول فقال يا رسول الله فذكر له صنعه فقال أصدق هذا قالوا نعم فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم ويأتي للمصنف نحوه (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز السهو في الأفعال على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وتقدم بيانه، وعلى أن السلام قبل تمام الصلاة سهوًا والكلام لمصلحتها لا يبطلها وتقدم بيانه أيضًا، وعلى أنه لو ادعى واحدث شيئًا بحضرة جمع لا يخفى عليهم ما ادعاه سئلوا عما ادعاه ولا يعمل بقول الواحد من غير تثبت من الجماعة، وعلى أن الأفعال التي ليست من جنس الصلاة إذا وقعت فيها سهوًا لا تبطلها وعلى جواز البناء على ما صلى إذا سلم من الصلاة سهوًا قبل تمامها لا فرق بين من سلم من ركعتين أو أكثر أو أقل عند الجهور (وقال سحنون) إنما يبني من سلم من ركعتين كما في قصة ذى اليدين لأن ذلك وقع على غير القياس فيقتصر به على مورد النص والذين قالوا بجواز البناء مطلقًا قيدوه بما إذا لم يطل الفصل (واختلفوا) في قدر الطول فحدّه الشافعي في الأمّ بالعرف. وفي البويطي بقدر ركعة (وعن) ابن أبي هريرة بقدر الصلاة التي يقع السهو فيها (ومن العلماء) من اعتبره على ما زاد على مقدار فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في هذا الحديث (وقال) بعض المتقدمين يجوز البناء وإن طال الزمن ما لم ينتقض وضوؤه ذكر هذا ابن دقيق العيد. ودلّ الحديث أيضًا على مشروعية سجود السهو وتقدم الخلاف في محله، وعلى أنه سجدتان كسجود الصلاة وعلى أنه يكبر في الخفض للسجود والرفع منه. وسيأتي الكلام على التشهد فيه والسلام منه. ودلّ الحديث على أن سجود السهو يكون آخر الصلاة لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسم لم يفعله إلا كذلك. وتأخيره احتمال وجود سهو آخر فيكون جابرًا للكل لأن

سجود السهو لا يتعدد بتعدد أسبابه كما يأتي بيانه (والحديث) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه ومالك في الموطأ والدارقطني وابن حبان (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ بِإِسْنَادِهِ -وَحَدِيثُ حَمَّادٍ أَتَمُّ- قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَقُلْ بِنَا. وَلَمْ يَقُلْ فَأَوْمَئُوا. قَالَ فَقَالَ النَّاسُ نَعَمْ. قَالَ ثُمَّ رَفَعَ -وَلَمْ يَقُلْ وَكَبَّرَ- ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ وَتَمَّ حَدِيثُهُ لَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فَأَوْمَئُوا. إِلاَّ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. (ش) (قوله بإسناده الخ) أي لإسناد محمَّد بن سيرين السابق يعني عن أبي هريرة لكن حديث حماد بن زيد السابق أتمّ من حديث مالك بن أنس هذا (قوله لم يقل بنا الخ) أي لم يقل مالك بن أنس في روايته صلى بنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ركعتين كما قال حماد في روايته بل قال صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ركعتين وكذلك لم يقل مالك فأومأوا كما قال حماد بل قال فقال الناس نعم (قوله ثم رفع ولم يقل وكبر الخ) يعني لم يذكر مالك في روايته التكبير عند الرفع من السجدتين كما ذكره حماد في روايته (وحديث) مالك هذا رواه مطولًا في الموطأ عن أيوب عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أصدق ذو اليدين فقال الناس نعم فقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصلى ركعتين أخريين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع (قوله ولم يذكر ما بعده) أي ما بعد ثم رفع كما ذكره حماد وهو قوله فقيل لمحمد الخ (قوله ولم يذكر فأومأوا إلا حماد بن زيد) أي لم يذكر أحد في روايته ممن روى عن أيوب قوله فأومأوا إلا حماد بن زيد بل كلهم أجابوا باللفظ فقال بعضهم نعم وقال بعضهم صدق كما تقدم. وفي بعض النسخ زيادة " قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكُلُّ مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَقُلْ فَكَبَّرَ. وَلاَ ذَكَرَ رَجَعَ." أي أن كل من روى هذا الحديث عن ابن سيرين لم يقل في روايته وكبر بعد قوله ثم رفع ولم يذكروا أيضًا قوله فرجع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى مقامه فقد انفرد حماد بهاتين الجملتين. أما انفراده بقوله رجع فسلم لأنا لم نجد أحدًا رواه عن أيوب بهذه الزيادة إلا حماد بن زيد. وأما انفراده بقوله فكبر فغير مسلم فقد أخرج مسلم الحديث من طريق

سفيان بن عيينة عن أيوب وفيه فصلى ركعتين وسلم ثم كبر ثم سجد ثم كبر فرفع ثم كبر وسجد ثم كبر ورفع "الحديث" وأخرج نحوه النسائي من طريق ابن عون عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة وكذلك روى نحوه البخاري من طريق حفص بن عمر عن ابن سيرين عن أبي هريرة (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا بِشْرٌ -يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضَّلِ- نَا سَلَمَةُ -يَعْنِي ابْنَ عَلْقَمَةَ- عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِمَعْنَى حَمَّادٍ كُلِّهِ إِلَى آخِرِ قَوْلِهِ نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ ثُمَّ سَلَّمَ. قَالَ قُلْتُ فَالتَّشَهُّدُ قَالَ لَمْ أَسْمَعْ فِي التَّشَهُّدِ وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَتَشَهَّدَ وَلَمْ يَذْكُرْ كَانَ يُسَمِّيهِ ذَا الْيَدَيْنِ. وَلاَ ذَكَرَ فَأَوْمَئُوا. وَلاَ ذَكَرَ الْغَضَبَ وَحَدِيثُ حَمَّادٍ أَتَمُّ. (ش) غرض المصنف بسياق هذه الرواية بيان أن سلمه بن علقمة روى حديث محمَّد بن سيرين بمعنى حديث حماد بن زيد (رجال الحديث) (سلمة بن علقمة) التميمي أبو بشر البصري. روى عن محمَّد ابن سيرين ونافع مولى ابن عمر وعبيد الله بن حميد وجماعة. وعنه يزيد بن زريع وابن علية وابن أبي عدي وحماد بن زيد وبشر بن المفضل. وثقه أحمد وابن معين وابن سعد والعجلي وقال ابن حبان كان حافظًا متقنًا وقال أبو حاتم صالح الحديث ثقة وقال ابن المديني ثبت. توفي سنة تسع وثلاثين ومائة. روى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله بمعنى حماد كله الخ) أي حدّث سلمة عن ابن سيرين بمعنى حديث حماد. لكن زاد سلمة في روايته السؤال عن التشهد ولم يذكر تسمية ذى اليدين ولا قوله فأومأوا ولا قوله يعرف في وجهه الغضب. وقوله فالتشهد مبتدأ خبره محذوف وهو على تقدير الاستفهام أي فهل التشهد مذكور في الحديث. وفي رواية البخاري عن سلمة بن علقمة قال قلت لمحمد يعني ابن سيرين في سجدتي السهو تشهد قال ليس في حديث أبي هريرة (ص) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ وَهِشَامٍ وَيَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ وَابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ أَنَّهُ كَبَّرَ وَسَجَدَ. وَقَالَ هِشَامٌ يَعْنِي ابْنَ حَسَّانَ كَبَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ.

أقوال الفقهاء في تكبيرة الإحرام لسجود السهو

قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ وَحُمَيْدٌ وَيُونُسُ وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَا ذَكَرَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ أَنَّهُ كَبَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ هِشَامٍ لَمْ يَذْكُرَا عَنْهُ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّهُ كَبَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ. (ش) غرض المصنف بسياق هذا بيان أن الرواة اختلفوا في إثبات التكبير الأول لسجود السهو قبل تكبيرة السجدة الأولى (وحاصله) أن حمادًا روى هذا الحديث عن أيوب ويحيى وابن عون وكذا رواه حبيب بن الشهيد وحميد ويونس وعاصم الأحول كلهم عن محمَّد بن سيرين ولم يذكر أحد منهم تكبيرة الإحرام لسجود السهو. واختلفت الرواة عن هشام بن حسان فرواه أبو بكر بن عياش وحماد بن زيد عن محمَّد بن سيرين بدون ذكر تكبيرة الإحرام كرواية هؤلاء عنه. ورواه حماد بن زيد عن هشام عن محمَّد بن سيرين بتكبير إحرام للسجود. وبه قال مالك في إحدى روايتيه لأنه كصلاة مستقلة فيفتقر إلى إحرام جديد "والثانية" لا إحرام له كسجود التلاوة (واستدلّ) للرواية الأولى برواية حماد بن زيد هذه. لكنها رواية شاذة لا يصح الاحتجاج بها كما قال المصنف ولم يقل أحد فكبر ثم كبر إلاحماد بن زيد وقال البيهقي في سننه بعد ما أخرج حديث المصنف تفرّد به حماد بن زيد عن هشام وسائر الروايات عن ابن سيرين ثم سائر الروايات عن هشام بن حسان لم يحفظ التكبيرة الأولى وحفظها حماد بن زيد اهـ (وقال) الحافظ في الفتح اختلف في سجود السهو بعد السلام هل يشترط له تكبيرة إحرام أو يكتفى بتكبير السجود (فالجمهور) على الاكتفاء وهو ظاهر غالب الأحاديث (وحكى) القرطبي أن قول مالك لم يختلف في وجوب السلام بعد سجدتي السهو قال وما يتحلل منه بسلام لا بدّ له من تكبيرة إحرام ويؤيده ما رواه أبو داود من طريق حماد بن زيد عن هشام بن حسان عن ابن سيرين في هذا الحديث قال فكبر ثم كبر وسجد للسهو قال أبو داود لم يقل أحد فكبر ثم كبر إلا حماد بن زيد فأشار إلى شذوذ هذه الزيادة. و (أبو بكر بن عياش) بن سالم الأسدي الكوفي الخياط مولى واصل الأحدب قيل اسمه محمَّد وقيل سالم وقيل اسمه كنيته وهو الصحيح كما قاله الحافظ. روى عن أبيه وأبي إسحاق السبيعي وعبد العزيز بن رفيع وحميد الطويل وأبي إسحاق الشيباني وجماعة. وعنه أبو داود الطيالسي والثوري وابن المبارك وابن مهدي وأحمد وأبو نعيم وكثيرون قال العجلي كان ثقة قديمًا صاحب سنة وعبادة وكان يخطئُ بعض الخطأ وقال ابن سعد كان ثقة

صدوقًا عارفًا بالحديث والعلم إلا أنه كثير الغلط وقال يعقوب بن شيبة شيخ قديم معروف بالصلاح البارع وكان له فقه كثير وعلم بأخبار الناس ورواية للحديث يعرف له سنة وفضل وفي حديثه اضطراب وقال أبو نعيم لم يكن في شيوخنا أحد أكثر غلطًا منه وقال البزّار لم يكن بالحافظ وتكلم فيه غير واحد من جهة حفظه. مات سنة اثنتين أو ثلاث وتسعين. روى له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ وَلَمْ يَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ حَتَّى يَقَّنَهُ اللَّهُ ذَلِكَ. (ش) ساق المصنف هذه الرواية لما فيها من قول أبي هريرة لم يسجد صلى الله عليه وعلى آله وسلم سجدتي السهو حتى يقنه الله تعالى أنه سلم من ركعتين إما بوحى أو بتذكيره إياه لما سأل القوم عما قاله ذو اليدين فصدقه القوم. وعلم أبوهريرة ذلك إما من قرائن الأحوال أو بإخباره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (ص) حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ نَا يَعْقُوبُ -يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ- نَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا الْخَبَرِ قَالَ وَلَمْ يَسْجُدِ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تُسْجَدَانِ إِذَا شَكَّ حَتَّى لَقَّاهُ النَّاسُ. (ش) (رجال الحديث) (قوله حدثنا أبي) هو إبراهيم بن سعد تقدم في الجزء الأول صفحة 176. و (صالح) بن كيسان في الثالث صفحة 153. و (ابن شهاب) محمَّد بن مسلم الزهري في الأول صفحة 48. و (أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمه) اسمه عبد الله بن حذيفة وقيل عدي ابن كعب بن حذيفة بن تمام بن غانم بن عبد الله العدوي المدني. روى عن أبيه وجدته وحكيم ابن حزام وأبي هريرة. وعنه خالد بن إياس والزهري وأبو بكر بن أبي الجهم وابن المنكدر وصالح بن كيسان. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة من الرابعة (معنى الحديث) (قوله قال ولم يسجد السجدتين الخ) أي قال أبو بكر بن سليمان ولم يسجد النبي صلى

لله عليه وآله وسلم سجدتي قبل السلام ولا بعده كما صرّح به في رواية النسائي عن الزهري وفيها قال أبوهريرة لم يسجد رسول الله صلى الله عليه وآله سلم يومئذ قبل السلام ولا بعده (قوله حتى لقاه الناس) أي ذكروه بأنه سلم من اثنتين. وفي بعض النسخ حين لقنه الناس (وقد) أخرج البيهقي رواية صالح بن كيسان عن ابن شهاب أن أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة أخبره أنه بلغه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى ركعتين ثم سلم ثم قام فقال ذو الشمالين بن عبد يا رسول الله قصرت الصلاة أم نسيت فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم تقصر الصلاة ولم أنس فقال ذو الشمالين قد كان بعض ذلك يا رسول الله فأقبل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على القوم فقال أصدق ذو الشمالين فقالوا نعم فقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأتمّ ما بقي من الصلاة ولم يسجد السجدتين اللتين تسجدان إذا شك الرجل في صلاته حين لقاه الناس اهـ "وقوله ذو الشمالين بن عبد" لعله ذو الشمالين بن عمرو كما تقدم في رواية مسلم (ص) قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي بِهَذَا الْخَبَرِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. (ش) غرض المصنف بهذه التعاليق تقوية رواية صالح بن كيسان في أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يسجد سجدتي السهو حتى ذكره الناس. ولم نقف على من أخرج رواية سعيد ابن المسيب وأبي بكر بن الحارث وعبيد الله بن عبد الله. وأما رواية أبي سلمة فقد رواها النسائي من طريق محمَّد بن رافع قال نا عبد الرزاق قال أنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن أبي هريرة قال صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الظهر أو العصر فسلم في ركعتين وانصرف فقال له ذو الشمالين بن عمرو أنقصت الصلاة أم نسيت قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما يقول ذو اليدين فقالوا صدق يا نبي الله فأتمّ بهم الركعتين اللتين نقص (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَعِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْعَلاَءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ جَمِيعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ سَجَدَ السَّجْدَتَيْنِ. (ش) رواية يحيى بن أبي كثير أخرجها البيهقي من طريق شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

"الحديث" وفي آخره فصلى بهم ركعتين أخريين وأخرجه مسلم في صحيحه بهذا السند فاختصره وقال بعد ذكر بعض الرواية واقتص الحديث. ورواية عمران بن أبي أنس أخرجها الطحاوي والنسائي عنه بلفظ إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى يوما فسلم في ركعتين ثم انصرف فأدركه ذو الشمالين فقال يا رسول الله أنقصت الصلاة أم نسيت فقال لم تنقص ولم أنس فقال بلى والذي بعثك بالحق فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أصدق ذو اليدين فقالوا نعم يا رسول الله فصلى للناس ركعتين (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ الزُّبَيْدِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِيهِ وَلَمْ يَسْجُدْ سَجْدَتَي السَّهْوِ. (ش) فيه أيضًا أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يسجد سجدتي السهو في قصة ذى اليدين (والحاصل) أن روايات الزهري مضطربة فبعضها فيها أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سجد للسهو وبعضها مسكوت فيها عن السجود وبعضها صريح في أنه لم يسجد وما كان كذلك لاتقوم به حجة (قال ابن عبد البرّ) قد اضطرب الزهري في حديث ذى اليدين اضطرابًا أوجب عند أهل العلم بالنقل تركه من روايته خاصة ولا أعلم أحدًا من أهل العلم بالحديث عوّل على حديث الزهري في قصة ذى اليدين وكلهم تركوه لاضطرابه وأنه لم يقم له إسنادًا ولا متنًا وإن كان إمامًا عظيمًا في هذا الشأن فالغلط لا يسلم منه بشر والكمال لله تعالى وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلى النبي صلى الله تعالى وعلى آله وسلم فقول الزهري إن ذا اليدين قتل يوم بدر متروك لتحقق غلطه فيه اهـ (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ نَا أَبِي نَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الظُّهْرَ فَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَقِيلَ لَهُ نَقَصَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. (ش) (قوله سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة) هكذا رواية الطحاوي. وفي رواية للنسائي سمع أبا سلمة يحدث عن أبا هريرة (قوله فقيل له نقصت الصلاة) هو على تقدير الاستفهام كما يدل عليه سائر الأحاديث وكما في رواية الطحاوي أقصرت. وأخرج النسائي هذه الرواية بلفظ إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى صلاة الظهر ركعتين ثم سلموا فقالوا

قصرت الصلاة فقام فصلى ركعتين ثم سلم ثم سجد سجدتين. وأخرجه الطحاوي بلفظ قال أبوهريرة سلم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ركعتين فقيل له يا رسول الله أقصرت الصلاة فقال وماذاك فأخبر بما صنع فصلى ركعتين ثم سلم ثم سجد سجدتين وهو جالس (ص) حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَسَدٍ أَنَا شَبَابَةُ نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- انْصَرَفَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ صَلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَقَصُرَتِ الصَّلاَةُ يَا رَسُولَ اللهِ أَمْ نَسِيتَ قَالَ "كُلَّ ذَلِكَ لَمْ أَفْعَلْ". فَقَالَ النَّاسُ قَدْ فَعَلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ. فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ وَلَمْ يَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ. (ش) (رجال الحديث) (إسماعيل بن أسد) بن شاهين البغدادي أبو إسحاق. روى عن شجاع بن الوليد وروح بن عبادة وحجاج الأعور ويزيد بن هارون وجماعة. وعنه أبو داود وابن ماجه والبزّار وابن أبي حاتم وآخرون. قال ابن أبي حاتم ثقة صدوق وقال الدارقطني ثقة صدوق ورع فاضل وقال البزّار ثقة مأمون وقال ابن مخلد من خيار المسلمين. توفي سنة ثمان وخمسين وثلثمائة. و (شبابة) بن سوّار تقدم في الجزء الرابع صفحة 219. و (ابن أبي ذئب) هو محمَّد بن عبد الرحمن تقدم في الجزء الثاني صفحة 83 (معنى الحديث) (قوله كل ذلك لم أفعل) يعني لم أنس ولم تقصر. وكل بالنصب مفعول لأفعل مقدم عليه ويجوز رفعه على الابتداء وخبره جملة أفعل (قوله قد فعلت ذلك) يعني أديت الصلاة ناقصة (قوله ولم يسجد سجدتي السهو) هو مخالف أيضًا للروايات الكثيرة عن أبي هريرة الدالة على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سجد بعد السلام. وهو ضعيف لأن في سنده شبابة ابن سوّار وقد رمي بالإرجاء (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِهَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ التَّسْلِيمِ. (ش) هذا تعليق وصله مسلم والنسائي قال أخبرنا قتيبة عن مالك عن داود بن الحصين

عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد أنه قال سمعت أبا هريرة يقول صلي لنا رسول الله صلي الله تعالي عليه ولي آله وسلم صلاة العصر فسلم من ركعتين فقام ذو اليدين فقال أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت فقال رسول الله صلي الله تعالي عليه وعلي آله وسلم كل ذلك لم يكن فقال قد كان بعض ذلك يا رسول الله فأقبل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي الناس فقال أصدق ذو اليدين فقالوا نعم فأتم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ما بقي من الصلاة ثم سجد سجدتين وهو وجالس بعد التسليم. هذا و(داود بن الحصين) الأموي مولهما أبوسليمان المدني. روي عن أبيه وعكرمة ونافع وأبي سفيان وجماعة. وعنه مالك وابن إسحاق وإبراهيم بن أبي حبيب وإبراهيم ابن أبي يحيى. وثقه ابن معين وابن سعد والعجلي وقال أبو حاتم ليس بالقوي ولولا أن مالكًا روى عنه لترك حديثه. وقال أبو داود أحاديثه عن شيوخه مستقيمة وأحاديث عن عكرمة مناكير وقال الساجي منكر الحديث يتهم برأي الخوارج. مات سنة خمس وثلاثين ومائة روي له الجماعة (قوله عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد) هكذا في بعض النسخ وفي بعضها مولى أبي أحمد. والصواب النسخة الأولي لموافقتها رواية الموطأ والبخاوي والنسائي. وقيل كان مولى لبني عبد الأشهل وانقطع إلي ابن أبي أحمد قيل اسمه وهب وقيل قزمان بضم القاف وسكون الزاي وقال ابن عبد البر لا يصح له اسم غير كنيته. روي عن أبي هريرة وأبي سعيد وعبد الله ابن حنظلة ومروان بن الحكم وعبد الله بن زيد وغيرها. وعنه ابنه عبد الله وداود بن الحصين وخالد بن رباح. وثقه الدارقطني وقال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث وقال في التقريب ثقة من الثالثة. روي له الجماعة (ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ نَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ الْهِفَّانِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ بِهَذَا الْخَبَرِ قَالَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ. (ش) (الهفاني) بكسر الهاء وتشديد الفاء نسبة إلي هفان بطن من حنيفة. وحديث ضمضم أخرجه النسائي كما ذكره المنذري (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ نَا أَبُو أُسَامَةَ ح وَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ أَنَا أَبُو أُسَامَةَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَي السَّهْوِ.

(ش) (أبو أسامة) هو حماد بن أسامة تقدم في الجزء الأول صفحة 152. وكذا (عبيد الله) ابن عمر العمري صفحة 271 (قوله فذكر نحو حديث ابن سيرين) ولفظه كما في ابن ماجه عن ابن عمر أن رسول الله صلي الله تعالي عليه وعلي آله وسلم سها فسلم في الركعتين فقال له رجل يقال له ذو اليدين يا رسول الله أقصرت الصلاة أو نسيت فقال ما قصرت وما نسيت قال إذًا فصليت ركعتين قال أكما يقول ذو اليدين قالوا نعم فتقدم فصلي ركعتين ثم سلم ثم سجد سجدتي السهو (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ح وَنَا مُسَدَّدٌ نَا مَسْلَمَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ نَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ نَا أَبُو قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ سَلَّمَ رَسُولُ اللهِ -صلي الله عليه وسلم- في ثَلاَثِ رَكَعَاتٍ مِنَ الْعَصْرِ ثُمَّ دَخَلَ -قَالَ عَنْ مَسْلَمَةَ- الْحُجَرَ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ كَانَ طَوِيلَ الْيَدَيْنِ فَقَالَ لَهُ أَقَصُرَتِ الصَّلاَةُ يَا رَسُولَ اللهِ فَخَرَجَ مُغْضَبًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ فَقَالَ "أَصَدَقَ". قَالُوا نَعَمْ. فَصَلَّي تِلْكَ الرَّكْعَةَ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْهَا ثُمَّ سَلَّمَ. (ش) (رجال الحديث) (أبو المهلب) هو عمرو بن معاوية وقيل عبد الرحمن بن معاوية روي عن عمر وعثمان وأبيّ بن كعب وأبي مسعود الأنصاري وأبي موسي الأشعري وغيرهم من الصحابة. وعنه أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي وسعيد الجريري ومحمد بن سيرين وعوف الأعرابي. قال العجلي تابعي ثقة وقال ابن سعد كان من الطبقة الأولى من أهل البصرة وكان ثقة قليل الحديث. روي له مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله سلم رسول الله صلي الله تعالي عليه وعلي آله وسلم في ثلاث ركعات من العصر) وفي رواية البيهقي من طريق هشيم قال أنبأنا خالد عن أبي قلابة ثنا أبو المهلب عن عمران ابن حصين أن رسول الله صلي الله عليه وعلي آله وسلم صلي الظهر أو العصر ثلاث ركعات "الحديث" فروي بالشك بين الظهر والعصر وقال في آخره هذا هو الصحيح بهذا اللفظ (قوله ثم دخل قال عن مسلمة الحجر) أي قال مسدد في روايته عن مسلمة سلم رسول الله صلي الله تعالي عليه وعلي آله وسلم في ثلاث ركعات من العصر ثم دخل الحجر فزاد في روايته عن مسلمة لفظ الحجر ولم يذكره عن يزيد (قوله فخرج مغضبًا يجرّ رداءه) لأنه لم يتمهل حتى يلبس رداءه (قوله ثم سجد سجدتيها ثم سلم) المراد سجدتي السهو الذي حصل في الصلاة. وفي بعض

باب إذا صلى خمسا

النسخ سجد سجدتين (وهذا الحديث) صريح في أنه صلي الله تعالي عليه وعلي آله وسلم سلم في العصر من ثلاث ركعات وما تقدم من الروايات صريح في أنه صلي الله تعالي عليه وعلي آله وسلم سلم في الظهر أوالعصر من ركعتين ولا منافاة بينهما فإن الظاهر أن القصة متعددة لما بينهما من الاختلاف الواقع في السياقين ففي حديث أبي هريرة أن السلام وقع من اثنتين وأنه صلي الله تعالي عليه وعلي آله وسلم قام إلي خشبة في المسجد. وفي حديث عمران أنه سلم من ثلاث ركعات وأنه دخل منزله بعد السلام وإلي تعدد القصة جنح ابن خزيمة ومن تبعه. وقال بعضهم إن القصة واحدة (قال في الفتح) وهو الراجح في نظري فقد حكى العلائي أن بعض شيوخه حمل حديث عمران علي أن المراد به أنه سلم في ابتداء الركعة الثالة واستبعده ولكن طريق الجمع يكتفي فيه بأدني مناسبة وليس بأبعد من دعوى تعدد القصة فإنه يلزم منه كون ذي اليدين في كل مرّة استفهم من النبي صلي الله تعالي عليه وعلي آله وسلم عن ذلك واستفهم النبي صلي الله تعالي عليه وعلي آله وسلم من الصحابة عن صحة قوله. ولعل الراوي لما رآه تقدم من مكانه إلي جهة الخشبة ظن أنه دخل منزله لكون الخشبة كانت في جهة منزله فإن كان كذلك وإلا فرواية أبي هريرة أرجح لموافقة ابن عمر له علي سياقه اهـ ببعض تصرّف وما استبعده من تعدد القصة ليس ببعيد بل هو الأقرب ولا بعد في تكرار السؤال من ذي اليدين لما علمت من شدة حرصه علي العلم ومن أن أبا بكر وعمر هاباه أن يكلماه. واستفهم صلي الله تعالي عليه وعلي آله وسلم من الصحابة ثانيًا لأنه لا يلزم من أن يكون مصيبًا في المرّة الأولى أن يكون مصيبًا في الثانية (قال) في النيل والظاهر ما قاله ابن خزيمة ومن تبعه من التعدد لأن دعوى الاتحاد تحتاج إلي تأويلات متعسفة اهـ (والحديث) أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي وكذا البيهقي بالشك كما تقدم (باب إذا صلي خمسًا) يعني في الرباعية (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ -الْمَعْنَي- قَالَ حَفْصٌ نَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ صَلَّي رَسُولُ اللهِ -صلي الله عليه وسلم- الظُّهْرَ خَمْسًا. فَقِيلَ لَهُ أَزِيدَ في الصَّلاَةِ قَالَ "وَمَا ذَاكَ". قَالَ صَلَّيْتَ خَمْسًا. فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ. (ش) (قوله المعنى) أي حدثنا مسلم بن إبراهيم بمعنى الحديث (قوله قال حفص حدثنا

مذاهب الأئمة فيمن زاد في صلاته ركعة ساهيا أو ركعتين في الثنائية أو أربعا في الرباعية

شعبة) لعله قال ذلك لأن رواية مسلم بالعنعنة وإلا فكان الظاهر أن يقول قالا حدثنا شعبة و(الحكم) بن عتيبة. و (إبراهيم) بن يزيد النخعي (قوله صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الظهر خمسًا) جزم الحكم في هذه الرواية بالزيادة (قوله فقيل له أزيد في الصلاة) قيل له ذلك بعد أن تسارّ القوم فقال ما شأنكم فقالوا له أزيد في الصلاة تدلّ عليه الرواية الآتية (قوله قال صليت خمسًا) أي قال السائل عن الزيادة صليت خمسًا. وفي نسخة قالوا صليت خمسًا (قوله فسجد سجدتين بعد ما سلم) قد استدلّ بهذا الحديث من قال إن سجود السهو كله بعد السلام. لكن لا دلالة فيه لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يعلم بزيادة الركعة إلا بعد السلام لما سألوه. قال في الفتح قد اتفق العلماء في هذه الصورة على أن سجود السهو بعد السلام لتعذره قبله لعدم علمه بالسهو وإنما تابعه الصحابة لتجويزهم الزيادة في الصلاة لأنه كان زمان توقع النسخ (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن من زاد في صلاته ركعة ناسيًا لم تبطل صلاته (قال) النووي وإلى ذلك ذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور من السلف والخلف بل إن علم بعد السلام فقد مضت صلاته صحيحة ويسجد للسهو إذا ذكر بعد السلام بقرب وإن طال فالأصح عندنا أنه لا يسجد وإن ذكر قبل السلام عاد إلى القعود سواء أكانا في قيام أم ركوع أم سجود أم غيرها ويتشهد ويسجد للسهو ويسلم اهـ (وقالت المالكية) إذا تذكر الزيادة بعد السلام يسجد ولو طال الفصل (وقالت الحنفية) إن قام لخامسة وسها عن القعود الأخير عاد ما لم يسجد وسجد للسهو فإن سجد للخامسة بطل فرضه برفع رأسه من السجود وصارت صلاته نافلة فيضمّ إليها ركعة سادسة لأن التنفيل بالوتر غير مشروع. وإن قعد في الرابعة ثم قام يظنها القعدة الأولى ثم تذكر قبل أن يسجد عاد للجلوس وسلم وإن سجد للخامسة تمّ فرضه لأنه لم يترك إلا السلام وهو ليس بفرض وضمّ إليها سادسة لتصير الركعتان له نفلًا. ومحل ضمّ ركعة سادسة فيما إذا جلس في الرابعة وسجد في الخامسة إذا كان في غير العصر أما في العصر فقيل لا يضم لكراهة التنقل بعدها. وقيل يضمّ وهو الأصح لأن هذا التنفل ليس بمقصود والنهي عن التنقل بعد العصر إذا كان مقصودًا. وقالوا في الفجر إذا قام إلى ثالثة بعد ما جلس قدر التشهد وسجد للثالثة لا يضمّ إليها رابعة لكراهة التنقل بعد الفجر وكذا لا يضم إليها رابعة إذا لم يجلس لأن صلاته حينئذ تصير نافلة والتنفل قبل الفجر بأكثر من ركعتي الفجر مكروه (قال) النووي والحديث يردّ جميع ما قالوه لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يرجع من الخامسة ولم يشفعها وإنما تذكر بعد السلام ففيه ردّ عليهم وحجة للجمهور اهـ وهذا إذا كانت الزيادة ركعة (أما إذا كانت) أكثر من ركعة فاختلفت العلماء في ذلك فذهبت الشافعية إلى أن الزيادة مطلقًا لا تفسد الصلاة

إذا كانت سهوًا أقلت أو كثرت (وقالت المالكية) إذا بلغت الزيادة في الثنائية ركعتين وفي الرباعية والثلاثية أربع ركعات بطلت الصلاة فإذا كانت أقل من ذلك سجد للسهو بعد السلام كما يسجد لزيادة ركعة وهذا هو مشهور المذهب (وقال) القاضي عياض إن زاد دون نصف الصلاة لم تبطل ويسجد للسهو وإن زاد النصف فأكثر فقال ابن القاسم ومطرّف يعيد لزيادة النصف في الصبح وغيرها وقال عبد الملك يعيد لزيادة غير الصبح وليست الركعة بطول في الصبح وروي عن عبد الملك ومطرّف وأبي بكر الثعالبي من صلى الظهر ثماني ركعات يجزئه سجود السهو اهـ من الأبي شرح مسلم (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللهِ صَلَّى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَلاَ أَدْرِي زَادَ أَمْ نَقَصَ- فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ أَحَدَثَ في الصَّلاَةِ شَىْءٌ. قَالَ "وَمَا ذَاكَ". قَالُوا صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا. فَثَنَى رِجْلَهُ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَسَجَدَ بِهِمْ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمَّا انْفَتَلَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ "إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ في الصَّلاَةِ شَىْءٌ أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي". وَقَالَ "إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ في صَلاَتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لْيُسَلِّمْ ثُمَّ لْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ". (ش) (جرير) بن عبد الحميد. و (منصور) بن المعتمر (قوله قال إبراهم فلا أدري زاد أم نقص) هو على تقدير الاستفهام. وقد صرح به في بعض النسخ والمراد أن إبراهيم النخعي شك في روايته عن علقمة بن قيس في سبب سجود السهو أكان لأجل الزيادة أم النقصان لكن في رواية الحكم المتقدمة عن إبراهيم أنه صلى خمسًا بالجزم بالزيادة. ولعل إبراهم شك لما حدث منصورًا وتيقن الزيادة لما حدث الحكم (قال) في الفتح وقد تابع الحكم على ذلك حماد بن أبي سليمان وطلحة بن مصرّف وغيرهما (قوله أحدث في الصلاة شيء) سألوا عن حدوث شيء يوجب تغير حكم الصلاة عما عهدوه لأن الزمن زمن وحي (قوله وما ذاك) فيه دليل على أنه لم يكن عنده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شعور بما وقع منه من الزيادة (قوله فثنى رجله الخ)

مذاهب العلماء في المراد بتحري الصواب في حديث ابن مسعود المتعلق بالشك في الصلاة. وفي حكم سجود السهو

وفي رواية الكشميهني والأصيلي فثنى رجليه والمراد أنه حوّلها عن حالتها التي كانت عليها وجعلها على الهيئة الصالحة للسجود. وفي الكلام تقديم وتأخير والأصل فاستقبل القبلة وثنى رجله. وهو يدلّ على أنه إنما أخبر بالزيادة بعد انصرافه عن القبلة (قوله فسجد سجدتين) وفي نسخة فسجد بهم سجدتين (قوله لو حدث في الصلاة شيء الخ) فيه دلالة على أن البيان لا يتأخر عن وقت الحاجة (قوله إنما أنا بشر) قصر صلى الله عليه وآله وسلم على البشرية للردّ على من أنكر أن يكون الرسول بشرًا عنادًا فهو قصر قلب وهو أيضًا قصر إضافيّ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم له أوصاف أخر غير البشرية ككونه نبيًا رسولًا بشيرًا نذيرًا (قوله أنسي كما تنسون) زاد النسائي وأذكر كما تذكرون. وفيه دليل على جواز النسيان عليه صلى الله عليه وآله وسلم في الأفعال وتقدم بيانه (قوله فإذا نسيت فذكروني) فيه دلالة على أن التابع يذكر المتبوع بما وقع منه ولا يمنعه من ذلك عظمه (قوله إذا شك أحدكم) الشك في اللغة التردّد بين الشيئين سواء استوى طرفاه أو رجح أحدهما أما ما اشتهر من أنه التردّد بين أمرين على السواء فهو عرف طارئ (قوله فليتحرّ الصواب الخ) أي فلينظر ما هو أقرب إلى الصواب ليخرج عن الشك فإن تبين له شيء عمل عليه وإن تردد بنى على اليقين وهو الأقل. وفي رواية مسلم من طريق مسعر عن منصور فأيكم شك في صلاته فلينظر أحري ذلك إلى الصواب. وله من طريق شعبة عن منصور فليتحرّ أقرب ذلك إلى الصواب. وله من طريق فضيل بن عياض عن منصور فليتحرّ الذي يري أنه الصواب (واختلف) في المراد بالتحرّي فقالت الشافعية هو البناء على اليقين لا على الأغلب لأن الصلاة في الذمة بيقين فلا تسقط إلا بيقين (وقيل) التحرّي الأخذ بغالب الظنّ وهو ظاهر الروايات التي عند مسلم (وقال) ابن حبان في صحيحه البناء غير التحرّي فالبناء أن يشك في الثلاث أو الأربع مثلًا فعليه أن يلقي الشك والتحري أن يشك في صلاته فلا يدري ما صلى فعليه أن يبني على الأغلب عنده (وقال) غيره التحرّي لمن اعتراه الشك مرّة بعد أخري فيبني على غلبة ظنه. وبه قال مالك وأحمد (وعن) أحمد في المشهور التحرّي يتعلق بالإمام فهو الذي يبني على ما غلب على ظنه وأما المنفرد فيبني على اليقين دائمًا (وعن) أحمد رواية أخري كالشافعية. وأخري كالحنفية (وقال) أبو حنفية إن طرأ الشك أولًا استأنف وإن كثر بنى على غالب ظنه وإلا فعلي اليقين أفاده في الفتح. وسيأتي في الباب بعد بيان المذاهب فيما إذا تردّد بين الأقل والأكثر وغلب على ظنه الأكثر (قوله ثم ليسجد سجدتين) ظاهره وجوب سجود السهو وبه قالت الحنابلة قالوا لأن الأصل في الأمر الوجوب فلو تركه عمدًا بطلت الصلاة إن كان قبليًا ولا تبطل إن كان بعديًا لأنه خارج عن الصلاة جابر لها وإن تركته سهوًا قبل السلام أو بعده أتي به ما لم يطل الفصل عرفًا ولو انحرف عن القبلة أو تكلم وإن طال أو خرج من المسجد أو أحدث لم

يسجد وصحت صلاته (وقال أبو حنيفة) وأصحابه هو واجب يأثم المصلي بتركه ولا تبطل الصلاة وعليه العادة خروجًا من الإثم. وقيل سنة والأصح عندهم الأول (وقالت) الشافعية إنه سنة وهو مشهور مذهب المالكية لا فرق عندهم بين السجود القبلي والبعدي. وقال بعضهم بوجوب القبلي (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ ثَنَا أَبِي ثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بِهَذَا قَالَ "فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ". ثُمَّ تَحَوَّلَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. (ش) (قوله بهذا) أي الحديث المذكور عن منصور ولفظه عند مسلم والبيهقي من طريق على بن مسهر عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فزاد أو نقص قال إبراهيم والوهم مني فقيل يا رسول الله أزيد في الصلاة شيء فقال إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس ثم تحوّل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسجد سجدتين (قوله قال فإذا نسي أحدكم الخ) أي قال سليمان بن مهران الأعمش في روايته عن إبراهيم النخعي بسنده قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين بدل قوله في حديث منصور إذا شك أحدكم فليتحرّ الصواب (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ حُصَيْنٌ نَحْوَ حَدِيثِ الأَعْمَشِ. (ش) أي روى هذا الحديث حصين بن قبيصة نحو رواية الأعمش بتقديم قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما أنا بشر أنسى كما تنسون الخ على سجوده للسهو. وقد ساق. المصنف رواية حصين لتقوية رواية الأعمش الدالة على تقديم كلامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على سجود السهو. ويقوّيها أيضًا ما أخرجه مسلم من طريق أبي بكر النهشلي عن الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله قال صلى بنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلنا يا رسول الله أزيد في الصلاة قال وما ذاك قالوا صليت خمسًا قال إنما أنا بشر مثلكم أذكر كما تذكرون وأنسى كما تنسون ثم سجد سجدتي السهو. ويؤيدها أيضًا ما رواه البيهقي من طريق موسى بن عبد الله عن أبي بكر النهشلي. وما أخرجه النسائي من طريق عبد الله عن أبي النهشلي فإن هاتين الروايتين وقعتا في الكتابين على ترتيب سياق مسلم. ورواية أحمد من هذا الطريق توافق رواية منصور واما روايته ففيها تأخير قوله إنما أنا بشر الخ عن سجود السهو وقد رجحها البيهقي فقال بعد تخريج حديث الأعمش وفي هذا وفي حديث الأسود عن عبد الله أن سجوده كان بعد قوله

إنما أنا بشر وقد مضى في رواية منصور عن إبراهيم ما دلّ على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سجد أولًا ثم أقبل على القوم وقال ما قال. وقد مضى في هذا الباب عن إبراهيم بن سويد عن علقمة مثل ذلك وهو أولى أن يكون صحيحًا من رواية من ترك الترتيب في حكايته اهـ وأيضًا رجح الحافظ رواية منصور فقال "تنبيه" روي الأعمش عن إبراهيم هذا الحديث مختصرًا ولفظه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سجد سجدتي السهو بعد السلام والكلام أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن خزيمة وغيرها قال ابن خزيمة إن كان المراد به قوله وما ذاك في جواب قولهم أزيد في الصلاة فهذا نظير ما وقع في قصة ذي اليدين وإن كان المراد به قوله إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فقد اختلف الرواة في الموضع الذي قالها فيه ففي رواية منصور أن ذلك كان بعد سلامه من سجدتي السهو وفي رواية غيره أن ذلك كان قبل. ورواية منصور أرجح والله تعالى أعلم اهـ ببعض تصرّف (ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَا جَرِيرٌ ح وَثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَي ثَنَا جَرِيرٌ -وَهَذَا حَدِيثُ يُوسُفَ- عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللهِ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- خَمْسًا فَلَمَّا انْفَتَلَ تَوَشْوَشَ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ "مَا شَأْنُكُمْ". قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ زِيدَ في الصَّلاَةِ قَالَ "لاَ". قَالُوا فَإِنَّكَ صَلَّيْتَ خَمْسًا. فَانْفَتَلَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَالَ "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ". (ش) ساق المصنف هذا لتقوية رواية منصور فإن الكلام فيها وقع بعد سجود السهو (قوله فلما انفتل) أي انصرف من صلاته (قوله توشوش القوم) التوشوش كلام مختلط خفيّ لا يكاد يفهم. وفي نسخة توسوس بالسين المهملة (قوله فانفتل فسجد سجدتين) أي تحوّل إلى القبلة فسجد سجدتي السهو. وأخرج مسلم هذه الرواية عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم ابن سويد قال صلى بنا علقمة الظهر خمسًا فلما سلم قال القوم يا أبا شبل قد صليت خمسًا قال كلا ما فعلت قالوا بلى قال وكنت في ناحية القوم وأنا غلام فقلت بلى قد صلى قالت قال لي وأنت أيضًا يا أعور تقول ذاك قال قلت نعم قال فانفتل فسجد سجدتين ثم سلم ثم قال قال عبد الله صلى بنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خمسًا "الحديث" (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا اللَّيْثُ -يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ- عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ

باب إذا شك في الثنتين والثلاث من قال يلقى الشك

سُوَيْدَ بْنَ قَيْسٍ أَخْبَرَهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى يَوْمًا فَسَلَّمَ وَقَدْ بَقِيَتْ مِنَ الصَّلاَةِ رَكْعَةٌ فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ فَقَالَ نَسِيتَ مِنَ الصَّلاَةِ رَكْعَةً فَرَجَعَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَأَمَرَ بِلاَلًا فَأَقَامَ الصَّلاَةَ فَصَلَّى لِلنَّاسِ رَكْعَةً فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ النَّاسَ. فَقَالُوا لِي أَتَعْرِفُ الرَّجُلَ قُلْتُ لاَ إِلاَّ أَنْ أَرَاهُ فَمَرَّ بِي فَقُلْتُ هَذَا هُوَ. فَقَالُوا هَذَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ. (ش) (قوله صلى يومًا) أي المغرب كما في رواية الحاكم (قوله فأدركه رجل) هو طلحة ابن عبيد الله كما سيذكره المصنف بعد وكما في رواية الحاكم (قوله وأمر بلالًا فأقام الصلاة) لعلّ المراد أنه أمره بإعلام الناس بالصلاة (ويحتمل) أن المراد حقيقة الإقامة فيكون الحديث منسوخًا للإجماع على أن الإقامة أثناء الصلاة مبطلة لها (والحديث) أخرجه أحمد والحاكم (باب إِذَا شَكَّ في الثِّنْتَيْنِ وَالثَّلاَثِ مَنْ قَالَ يُلْقِي الشَّكَّ) وفي نسخة أو الثلاث. وفي أخري "إذا شك في اثنتين أو الثلاث" وهو على التقديم والتأخير أي في بيان من قال يلقي الشك إذا شك في الثنتين والثلاث. وفي بعض النسخ "باب من قال يلقي الشك" ويلقي بصيغة المجهول والشك نائب الفاعل وتقدم بيان معنى الشك (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ ثَنَا أَبُو خَالِدٍ عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ في صَلاَتِهِ فَلْيُلْقِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَي الْيَقِينِ فَإِذَا اسْتَيْقَنَ التَّمَامَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ صَلاَتُهُ تَامَّةً كَانَتِ الرَّكْعَةُ نَافِلَةً وَالسَّجْدَتَانِ وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً كَانَتِ الرَّكْعَةُ تَمَامًا لِصَلاَتِهِ وَكَانَتِ السَّجْدَتَانِ مُرْغِمَتَيِ الشَّيْطَانِ". (ش) (قوله فليلق الشك الخ) أي المشكوك فيه ويبني على اليقين كما إذا شك هل صلى ثلاثًا أو أربعًا فيلق الرابعة المشكوك فيها ويبني على الأقل المتيقن وبهذا قالت الشافعية سواء أكان شكه مستوي الطرفين أم ترجح أحدهما ولا يعمل بغلبة الظن سواء أطرأ هذا الشك أول

المذاهب فيمن شك في الصلاة وفيمن كان الشك عادة له

مرّة أم تكرّر (قال النووي) قال الشيخ أبو حامد وبمثل مذهبنا قال أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء وشريح وربيعة ومالك والثوري اهـ (وقالت) المالكية من شك في صلاته يبني على الأقل فلو بنى على الأكثر بطلت صلاته إلا إذا كان يأتيه الشك في كل يوم في صلاته ولو مرّة فإنه يبني على الأكثر ويعرض عن الشك ويسجد بعد السلام ترغيمًا للشيطان فلو بنى عل الأقل صحت صلاته لأنه رجوع إلى الأصل (وذهب) الأوزاعي والشعبي إلى أن من شك ولم يكن الشك عادة له بأن لم يسبق له شك قبل ذلك أصلًا أو في الصلاة التي شك فيها أعاد. وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر وابن عمرو وبه قالت الحنفية (واحتجوا) بما أخرجه الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سئل عن رجل سها في صلاته فلم يدر كم صلى فقال ليعد صلاته وليسجد سجدتين قاعدًا (قال في النيل) وهو من رواية إسحاق بن يحيى بن عبادة قال العراقي لم يسمع إسحاق من جده عبادة اهـ فلا ينتهض لمعارضة الأحاديث الصحيحة المصرّحة بوجوب البناء على الأقل (واحتجوا) أيضًا بما أخرجه الطبراني عن ميمونة بنت سعد أنها قالت أفتنا يا رسول الله في رجل سها في صلاته لا يدري كم صلى قال ينصرف تم يقوم في صلاته حتي يعلم كم صلى فإن ذلك الوسواس يعرض فيسهيه عن صلاته (قال في النيل) وفي إسناده عثمان ابن عبد الرحمن الطوائفي الجزري مختلف فيه يروي عن المجاهيل وفي إسناده أيضًا عبد الحميد بن يزيد وهو مجهول كما قال العراقي اهـ (ومن اعتاده) الشك (فعند) الحنفية يتحرّي ويأخذ بأكبر رأيه لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من شك في صلاته فليتحرّ الصواب. وإن لم يكن له رأي بنى على الأقل لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثا أم أربعًا بنى على الأقل (وظاهر) ما قالوه التفرقة بين التحرّي والبناء على اليقين. وإليه ذهب أبو حاتم وابن حبان وقال قد يتوهم من لم يحكم صناعة الأخبار ولا تفقه في صحيح الآثار أن التحرّي والبناء على اليقين واحد وليس كذلك لأن التحرّي أن يشك المرء في صلاته فلا يدري ما صلى فإذا كان كذلك فعليه أن يتحرّي الصواب ويبني على الأغلب عنده. والبناء على اليقين أن يشك المرء في الثنتين والثلاث أو الثلاث والأربع فإذا كان كذلك فعليه أن يبني على اليقين وهو الأقل اهـ (وقال) الشافعي وداود وابن حزم التحرّي والبناء على اليقين واحد (وحكاه) النووي عن الجمهور قالوا لأن التحرّي القصد. ومنه قوله تعالى {فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} فمعني قوله في الحديث فليتحرّ الصواب أي يقصد الصواب ويعمل عليه وقصد الصواب هو البناء على اليقين وهو الأقل والبناء في حديث أبي سعيد (قال في النيل) والذي يلوح لي أنه لا معارضة بين أحاديث البناء على الأقل والبناء على اليقين وتحرّي الصواب وذلك لأن التحرّي في اللغة هو طلب ما هو

أحري إلى الصواب وقد أمر به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأمر بالبناء على اليقين والبناء على الأقل عند عروض الشك فإن أمكن الخروج بالتحرّي عن دائرة الشك لغة ولا يكون إلا بالاستيقان بأنه قد فعل من الصلاة كذا ركعات فلا شك أنه مقدّم على البناء على الأقلّ لأن الشارع قد شرط في جواز البناء على الأقل عدم الدراية كما في حديث عبد الرحمن بن عوف وهذا التحرّي قد حصلت له الدراية وأمر الشاك بالبناء على ما استيقن في حديث أبي سعيد ومن بلغ به تحرّيه إلى اليقين قد بنى على ما استيقن (وبهذا تعلم) أنه لا معارضة بين الأحاديث المذكورة وأن التحرّي المذكور مقدم على البناء على الأقل. وقد أوقع الناس ظن التعارض بين هذه الأحاديث في مضايق ليس عليها أثارة من علم كالفرق بين المبتدإ والمبتلى والركن والركعة (فإن قالت) الحنفية حديث أبي سعيد الذي فيه البناء على الأقل لا يخالف ما قلناه فإنه ورد في الشك وهو ما استوى طرفاه ومن شك ولم يترجح له أحد الطرفين بنى على الأقل بالإجماع بخلاف من غاب على ظنه أنه صلى أربعًا مثلًا فإنه يبني على الأكثر (فالجواب) أن تفسير الشك بمستوي الطرفين إنما هو اصطلاح طارئ للأصوليين. وأما في اللغة فالتردد بين وجود الشيء وعدمه كله يسمي شكًا سواء المستوي والراجح والمرجوح كما تقدم (والحديث) مجمل على اللغة ما لم يكن هناك حقيقة عرفية أو شرعية ولا يجوز حمله على ما يطرأ للمتأخرين من الاصطلاح "ذكره النووي" (قوله فإذا استيقن التمام الخ) أي بإتيان الركعة المشكوك فيها سجد سجدتين أي قبل السلام كما في الرواية الآتية ورواية مسلم (قوله فإن كانت صلاته تامة الخ) أي تامة في نفس الأمر كانت الركعة الزائدة والسجدتان نافلة له لأن السجدتين تشفعان له الركعة كما في الرواية الآتية فكأنه صلى ركعتين نافلة بعد الفريضة. وقوله والسجدتان عطف على الركعة. وفي بعض النسخ والسجدتين بالنصب على المعية أي كانت الركعة مع السجدتين نافلة (قال الخطابي) في هذا الحديث بيان فساد قول من ذهب إلى أن من صلى خمسًا يضيف إليها سادسة إن كان قد قعد في الرابعة واعتلوا بأن النافلة لا تكون ركعة وقد نص فيه على أن تلك الركعة تكون نافلة ثم لم يأمره بإضافة أخري إليها (قوله وكانت السجدتان مرغمتي الشيطان) أي مغيظتين ومذلتين له من الرغام وهو التراب يقال أرغم الله أنفه أي ألصقه بالتراب. وكانتا مرغمتين للشيطان لأنه لما لبس على المصلي صلاته وأراد إفسادها جعل الله تعالى للمصلي هاتين السجدتين طريقًا إلى جبر صلاته وتداركا لما لبسه عليه وردّا للشيطان خاسئًا مبعدًا عن مراده وكملت صلاة العبد وامتثل أوامر الله تعالى بالسجود الذي عصي به إبليس ربه (والحديث) أخرجه أحمد ومسلم وابن حبان والحاكم والبيهقي والدارقطني

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَحَدِيثُ أَبِي خَالِدٍ أَشْبَعُ. (ش) غرض المصنف بهذا بيان أن الحديث روي من عدة طرق (ورواية) هشام وصلها الطحاوي قال بعد تخريج حديث محمَّد بن عجلان حدثنا يونس قال أنا ابن وهب قال أخبرني هشام ابن سعد عن زيد بن أسلم فذكر بإسناده مثله غير أنه قال ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم. ووصلها الدارقطني من هذا الطريق إلى أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله تعالى علببه وعلى آله وسلم قال إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر صلى ثلاثًا أم أربعًا فليقم فليصل ركعة ثم ليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم فإن كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها بهاتين السجدتين وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان (ومنه يتبين) أن رواية هشام أتمّ من رواية ابن عجلان لما فيها من بيان محلّ سجود السهو دون رواية ابن عجلان (ورواية) محمَّد بن مطرّف وصلها الإِمام أحمد عن على بن عياش قال ثنا محمَّد بن مطرّف ثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا شك أحدكم في صلاته فليلق الشك وليبن على اليقين وليصلّ سجدتين فإن كانت خمسًا شفعن بهما وإن كان صلى أربعًا كانتا ترغيمًا للشيطان (ومنه يتبين) أن رواية ابن عجلان أتمّ وعليه يحمل قول المصنف وحديث أبي خالد أشبع يعني أتمّ من حديث محمَّد بن مطرّف (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ أَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- سَمَّى سَجْدَتَي السَّهْوِ الْمُرْغِمَتَيْنِ. (ش) (رجال الحديث) (محمَّد بن عبد العزيز بن أبي رزمة) بكسر الراء وسكون الزاي اليشكري مولاهم أبو عمر المروزي. روي عن أبيه وابن إدريس وابن عيينة وابن المبارك وأبي معاوية ووكيع وآخرين. وعنه البخاري والنسائي وأبو داود وابن ماجه والترمذي وجماعة وثقه النسائي والدارقطني ومسلمة وقال أبو حاتم صدوق. مات سنة أربعين أو إحدي وأربعين ومائتين. و (الفضل بن موسى) أبو عبد الله السيناني بكسر السين المهملة. روى عن الأعمش

وإسماعيل بن أبي خالد وهشام بن عروة وعبد الحميد بن جعفر وغيرها. وعنه إبراهيم بن موسى وإسحاق بن راهويه ومعاذ بن راشد ويوسف بن عيسي ومحمود بن غيلان وكثيرون وثقه ابن معين وابن حبان وقال الحاكم إمام من أئمة عصره في الحديث. مات سنة إحدي أو اثنتين وتسعين ومائة. و (عبد الله بن كيسان) أبي مجاهد المروزي. روي عن سعيد ابن جبير وعكرمة وأبي الزبير وعمرو بن دينار وآخرين. وعنه يحيى بن واضح وعيسي بن موسى وعلى بن حسن. وثقه الحاكم وابن حبان وقال أبو حاتم ضعيف الحديث وقال النسائي ليس بالقوي وقال العقيلي في حديثه وهم (معنى الحديث) (قوله سمى سجدتي السهو المرغمتين) تثنية مرغمة من الإرغام وهو الإذلال وتقدم معناه قريبًا. والمراد أن السجدتين كما تسميان سجدتي السهو تسميان المرغمتين (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الحاكم (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ في صَلاَتِهِ فَلاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا فَلْيُصَلِّ رَكْعَةً وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَإِنْ كَانَتِ الرَّكْعَةُ الَّتِي صَلَّى خَامِسَةً شَفَعَهَا بِهَاتَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ رَابِعَةً فَالسَّجْدَتَانِ تَرْغِيمٌ لِلشَّيْطَانِ". (ش) (قوله فلا يدري كم صلى) وفي نسخة فلم يدر كم صلى (قوله وليسجد سجدتين الخ) حجة لمن قال إن سجود السهو كله يكون قبل السلام ولو في الشك في الزيادة والنقصان ويردّ على من قال إن من شك في صلاته يبني على الأقل ويسجد بعد السلام (قال) الباجي ظاهره خلاف ما رويناه من حديث أبي هريرة وعمران بن حصين أن السجود في السهو بالزيادة بعد السلام وكذلك في حديث عبد الله بن مسعود ولنا في ذلك طريقان "أحدهما" الترجيح "والثاني" الجمع بين الحديثين. فأما الترجيح فلنا أخبار كلها صحاح ولا اضطراب في أسانيدها. وخبرهم مضطرب الإسناد لأن مالكًا وأكثر الحفاظ على إرساله وقد اضطرب في إسناده فرواه ابن بلال وغيره عن عطاء عن أبي سعيد. ورواه الدراوردي وغيره عن عطاء عن ابن عباس فكان ما تعلقنا به أولى لسلامة روايته من الاضطراب "والوجه الثاني" أن خبر عطاء رواه واحد والأخبار التي تعلقنا بها رواها جماعة من أئمة الصحابة. والتعلق بخبرهم أولى لأن السهو عن الجماعة أبعد "والوجه الثالث" أن رواة ما تعلقنا به أثبت لأن علقمة ومحمد بن سيرين

أثبت من عطاء فكان التعلق بروايتهما أولى (وأما الجمع) بين الحديثين فإنا نجمع بينهما على أن المراد بالسلام في حديث أبي هريرة وابن مسعود وعمران بن حصين السلام من الصلاة والسلام المذكور في حديث عطاء سلام التشهد (وقد) أطلق النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اسم السلام في قوله صلى الله علية وآله وسلم والسلام كما قد علمتم (ووجه ثان) وهو أن قوله في حديث عطاء فليصل ركعة وليسجد سجدتين وهو وجالس قبل التسليم يحتمل أن يريد به مجرّد الصلاة لأنه نصّ على ما يفعله من الركوع والسجود والجلوس والسلام فكان حمل الحديثين على ذلك أولى من إطراح أحدهما اهـ وفي هذا الجمع نظر. على أنه تقدم أن الكل ثابت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والأمر في ذلك واسع (قوله شفعها بهاتين) أي جعل تلك الركعة بهاتين السجدتين شفعًا (قال الباجي) يحتمل أن الصلاة مبنية على الشفع فإن دخل عليها ما يوترها من زيادة وجب إصلاح ذلك بما يشفعها اهـ (والحديث) أخرجه مالك في الموطأ مرسلًا أيضًا (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِإِسْنَادِ مَالِكٍ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ في صَلاَتِهِ فَإِنِ اسْتَيْقَنَ أَنْ قَدْ صَلَّى ثَلاَثًا فَلْيَقُمْ فَلْيُتِمَّ رَكْعَةً بِسُجُودِهَا ثُمَّ يَجْلِسْ فَيَتَشَهَّدْ فَإِذَا فَرَغَ فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَنْ يُسَلِّمَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ لْيُسَلِّمْ". ثُمَّ ذَكَرَ مَعْنَي مَالِكٍ. (ش) غرض المصنف بسياق هذا بيان أن من شك في عدد الركعات ثم تيقن ما صلاه يتمّ الصلاة على ما تيقن ويسجد سجدتين قبل السلام لتردده أثناء الصلاة (قوله بإسناد مالك) أي سند حديث مالك المتقدم وهو عطاء (قوله فإن استيقن أن قد صلى) أن مخففة من الثقيلة أي إن تيقن أنه قد صلى ثلاث ركعات. ويجوز أن تكون مصدرية أي إن تيقن صلاته ثلاث ركعات (قوله ثم يسلم) وفي نسخة ثم ليسلم (قوله ثم ذكر معنى مالك) أي ذكر يعقوب ابن عبد الرحمن معنى حديث مالك وهو أنه إن بقي على شكه في أنه أصلي ثلاثًا أم أربعًا ولم يتيقن كم صلى (وفي الحديث دلالة) على أن من شك في صلاته ثم زال شكه وتيقن ما صلاه يسجد للسهو قبل السلام وإلي ذلك ذهب الشيخ أبو علي والمؤيد باللهِ (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ كَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَحَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ وَدَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ وَهِشَامِ بْنِ سَعْدٍ إِلاَّ أَنَّ هِشَامًا بَلَغَ بِهِ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ.

(ش) أي كما روي الحديث عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك ورواه يعقوب بن عبد الرحمن عن زيد بن أسلم مرسلًا رواه عبد الله بن وهب عن مالك وحفص بن ميسرة وداود بن قيس مرسلًا ورواه عبد الله بن وهب أيضًا عن هاشم بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي سعيد الخدري موصولًا (ورواية) ابن وهب عن مالك وداود بن قيس وهشام بن سعد أخرجها البيهقي من طريق بحر بن نصر قال قرئَ على ابن وهب أخبرك مالك بن أنس وداود بن قيس وهشام بن سعد أن زيد ابن أسلم حدثهم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا شك أحدكم في الصلاة فلا يدري كم صلى ثلاثًا أو أربعًا فليقم فليصلّ ركعة ثم ليسجد سجدتين وهو جالس قبل السلام فإن كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها بهاتين السجدتين وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان إلا أن هشامًا بلغ به أبا سعيد الخدري "قال البيهقي" هكذا رواه بحر ابن نصر الخولاني وغيره عن ابن وهب ورواه أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمه ابن وهب فجعل الوصل لداود بن قيس "أخبرناه" محمَّد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمَّد بن يعقوب حدثني أبو بكر بن إسحاق ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ثنا عمي قال ثنا داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رواه مسلم في الصحيح عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ورواية بحر بن نصر كأنها أصح. وقد وصل الحديث جماعة عن زيد بن أسلم مع سليمان بن بلال وهشام بن سعد اهـ وحديث سليمان بن بلال المشار إليه أخرجه مسلم والبيهقي من طريق موسى بن داود قال ثنا سليمان عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثًا أم أربعًا فليطرح الشك وليس على ما استيقن وليسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم فإن كانت هي خمسًا كانتا شفعًا وإن صلى تمام الأربع كانتا ترغيمًا للشيطان اهـ (ومما تقدم) تبين أن الحديث روي مرسلًا وموصولًا من عدّة طرق ثابتة من حديث الحفاظ فلا يضرّ إرساله في بعضها (قال الزرقاني) تابع مالكًا على إرساله الثوري وحفص بن ميسره ومحمد بن جعفر وداود بن قيس في رواية. ووصله الوليد بن مسلم ويحيي بن راشد المازني كلاهما عن مالك عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري. وقد وصله مسلم من طريق سليمان بن بلال وداود بن قيس كلاهما عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد. وله طرق في النسائي وابن ماجه عن زيد موصولًا ولذا قال أبو عمر "يعني ابن عبد البر" هذا الحديث وإن كان الصحيح فيه عن مالك الإرسال فإنه متصل من وجوه ثابتة من حديث من تقبل زيادته لأنهم حفاظ فلا يضرّه تقصير من قصر في وصله اهـ (وقد قال) الأثرم لأحمد بن حنبل أتذهب إلى حديث أبي سعيد قال نعم قلت إنهم يختلفون في إسناده فقال إنما قصر به مالك وقد أسنده عدّة منهم ابن عجلان

باب من قال يتم على أكثر ظنه

وعبد العزيز بن أبي سلمة اهـ هذا و (حفص بن ميسرة) هو العقيلي أبو عمر الصنعاني. روي عن زيد بن أسلم وهشام بن عروة وموسي بن عقبة والعلاء بن عبد الرحمن. وعنه ابن وهب وآدم بن أبي إياس وسعيد بن منصور وسويد بن سعيد وآخرون. قال أبو حاتم يكتب حديثه ومحله الصدق وفي حديثه بعض الوهم وقال يعقوب بن سفيان ثقة لا بأس به وقال في التقريب ثقة من الثامنة ربما وهم. مات سنة إحدي وثمانين ومائة. روي له البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وأبو داود في المراسيل (باب من قال يتمّ على أكثر ظنه) أي في بيان أن من شك في عدد الركعات وله ظن غالب يعمل على مقتضاه. وفي بعض النسخ "باب من قال يتمّ على أكبر ظنه" بالباء الموحدة (ص) حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "إِذَا كُنْتَ في صَلاَةٍ فَشَكَكْتَ في ثَلاَثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَأَكْبَرُ ظَنِّكَ عَلَي أَرْبَعٍ تَشَهَّدْتَ ثُمَّ سَجَدْتَ سَجْدَتَيْنِ وَأَنْتَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ تُسَلِّمَ ثُمَّ تَشَهَّدْتَ أَيْضًا ثُمَّ تُسَلِّمُ". (ش) (النفيلي) هو عبد الله بن محمَّد. و (خصيف) بن عبد الرحمن (قوله إذا كنت في صلاة الخ) فيه دلالة على أن المصلي إذا شك في الزيادة والنقص وله ظنّ غالب يبني عليه, وعلى أن سجود السهو قبل السلام وأنه يتشهد. ولضعف الحديث كما سيأتي لم يقل به أحد من العلماء (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الدارقطني والنسائي وكذا البيهقي من طريق المصنف وهو غير صالح للاحتجاج به كما أشار لذلك المصنف (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ خُصَيْفٍ وَلَمْ يَرْفَعْهُ وَوَافَقَ عَبْدَ الْوَاحِدِ أَيْضًا سُفْيَانُ وَشَرِيكٌ وَإِسْرَائِيلُ وَاخْتَلَفُوا في الْكَلاَمِ في مَتْنِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يُسْنِدُوهُ. (ش) أي كما رواه محمَّد بن سلمة رواه عبد الواحد بن زياد عن خصيف لكن لم يرفعه وكذا لم يرفعه سفيان وشريك بن عبد الله النخعي وإسرائيل بن يونس وقد تفرّد برفعه محمَّد بن سلمة عن

خصيف ولم يرفعه للآخرون. واضطربوا أيضًا في متنه (قال) في المعرفة وروي خصيف عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهذا الحديث مختلف في رفعه ومتنه وخصيف غير قوي وأبو عبيدة عن أبيه مرسل اهـ يعني أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه وتقدم أن خصيفا كان سيء الحفظ وإن كان صدوقًا وخلط آخر حياته ورمي بالإرجاء وقد رواه أحمد من طريق محمَّد بن فضيل قال ثنا خصيف ثنا أبو عبيدة بن عبد الله عن عبد الله ابن مسعود قال إذا شككت في صلاتك وأنت جالس فلم قدر ثلاثًا صليت أم أربعًا فإن كان أكبر ظنك أنك صليت ثلاثًا فقم فاركع ركعة ثم سلم ثم اسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم وإن كان أكبر ظنك أنك صليت أربعًا فسلم ثم اسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم (وهذا الحديث) يدّل على خلاف ما دلّ عليه حديث محمَّد بن سلمة عن خصيف فإن هذا يدلّ على أن سجود السهو بعد السلام وحديث المصنف صريح في أنه قبل السلام. ويؤيد حديث محمَّد بن فضيل غالب ما رواه المتقنون عن مسعود فإن فيه ذكر سجود السهو بعد السلام وكذلك ما رواه عن عبد الله ابن جعفر يؤيد ذلك (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ نَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ نَا عِيَاضٌ ح وَنَا مُوسَي بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا أَبَانُ نَا يَحْيَى عَنْ هِلاَلِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَمْ يَدْرِ زَادَ أَمْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ قَاعِدٌ فَإِذَا أَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ إِنَّكَ قَدْ أَحْدَثْتَ فَلْيَقُلْ كَذَبْتَ إِلاَّ مَا وَجَدَ رِيحًا بِأَنْفِهِ أَوْ صَوْتًا بِأُذُنِهِ". وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ أَبَانَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ مَعْمَرٌ وَعَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عِيَاضُ بْنُ هِلاَلٍ وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ عِيَاضُ بْنُ أَبِي زُهَيْرٍ. (ش) (أبان) بن يزيد العطار (قوله فليسجد سجدتين) أي قبل السلام كما تفيده الرواية الآتية (قوله إنك قد أحدثت) كناية عن وسوسته للمصلي بذلك (قوله فليقل كذبت) كناية عن دفع الوسوسة والإعراض عنها وترك العمل بها (قوله إلا ما وجد ريحًا الخ) استثناء من محذوف وما مصدرية والتقدير فليقل كذبت في كل حال إلا حال وجدان ريح أوسماع صوت فيعمل عليها ويخرج من الصلاة لتيقن الحدث حينئذ. والمراد بسماع الصوت وشمّ الريح تيقن الحدث فمتي تيقن خروجه انصرف من الصلاة وإن لم يسمع ولم يشمّ (قوله وقال معمر وعلى بن

مذاهب العلماء فيمن شك أزاد أم نقص في صلاته

المبارك الخ) أشار به على الاختلاف في عياض فقال ابن المبارك ومعمر عياض بن هلال وقال أبان هلال بن عياض وقال الأوزعي عياض بن أبي زهير وقال هشام عياض بدون ذكر أبيه (ورجح) ابن خزيمة والبخاري ومسلم والدارقطني أنه عياض بن هلال وكذا ابن حبان وقال من زعم أنه هلال بن عياض فقد وهم. وقال أبو حاتم عياض بن هلال أشبه وجعل ابن المديني عياض بن أبي زهير غير عياض بن هلال (قال) الحافظ في تهذيب التهذيب وهذا عندي هو الصواب لأن عياض بن هلال أو هلال بن عياض أنصاري وأما هذا فإنه فهري فأني يجتمعان اهـ (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَلَبَسَ عَلَيْهِ حَتَّى لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ". (ش) (قوله فلبس عليه) بتخفيف الموحدة أي خلط عليه صلاته ومنه قوله تعالى (وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ) وضبطها بعضهم بالتشديد للتكثير. والتخفيف أفصح (قوله فليسجد سجدتين وهو جالس) ظاهر هذا الحديث والذي قبله أن المصلي إذا شك أزاد أم نقص فليس عليه إلا سجدتا السهو وإليه ذهب الحسن البصري وطائفة من السلف وروي عن أنس وأبي هريرة (وخالفهم) الجمهور فمنهم من قال يبني على الأقل ومنهم من قال يعمل على غلبة الظن ويسجد كما تقدم ويجاب عن هذين الحديثين بأنهما مجملان فيحملان على الأحاديث الدالة على أنه يبني على اليقين أو على غلبة الظن (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري وميلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٌ وَاللَّيْثُ. (ش) أي روي هذا الحديث سفيان بن عيينة ومعمر بن راشد والليث بن سعد مثل رواية مالك عن ابن شهاب بدون ذكر قوله قبل التسليم (ورواية) الليث أخرجها مسلم عن قتيبة عن مالك وأخرجها البيهقي عن يحيى بن بكير عن الليث وقال ورواه سفيان بن عيينة ومعمر بن راشد (ص) حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ نَا يَعْقُوبُ نَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ بِإِسْنَادِهِ زَادَ "وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ".

باب من قال بعد التسليم

(ش) (يعقوب) بن إبراهيم بن سعد. و (ابن أخي الزهري) هو محمَّد بن عبد الله (قوله زاد وهو جالس قبل التسليم) أي زاد ابن أخي الزهري في روايته بعد قوله فليسجد سجدتين وهو جالس قوله قبل التسليم (وهذه) الرواية أخرجها البيهقي (ص) حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ بْنُ أَبِي يًعْقُوبَ نَا يَعْقُوبُ أَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ قَالَ "فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ لْيُسَلِّمْ". (ش) (قوله أخبرنا أبي) هو إبراهيم بن سعد. و (ابن إسحاق) هو محمَّد وهذه الرواية أخرجها البيهقي (والحاصل) أنه قد اختلف على ابن شهاب في رواية الحدث فروي عنه مالك وابن عيينة ومعمر بن راشد والليث بن سعد الحديث بذكر السجدتين ولم يبين محلهما أهو قبل السلام أم بعده وروي عنه ابن أخي الزهري محمَّد بن عبد الله ومحمد بن إسحاق وذكر أن محلّ السجدتين قبل السلام. هذا وحديث أبي سعيد الخدري وحديث أبي هريرة كلاهما غير مطابق للترجمة ولعلّ المصنف حملهما على التحرّي فأدخلهما تحت هذه الترجمة ويؤيده ما رواه الطحاوي عن أبي سعيد وأبي هريرة من أنهما يريان التحرّي عند الشك قال حدثنا ابن مرزوق قال ثنا شيخ أحسبه أبا زيد الهروي قال ثنا شعبة قال إدريس أخبرني عن أبيه سمعه يحدث قال قال أبوهريرة في الوهم يتحرّي "قال" ثنا أبو بكرة قال ثنا إبراهيم بن بشار الرمادي قال ثنا سفيان ابن عيينة قال ثنا عمرو بن دينار قال سئل ابن عمر وأبوسعيد الخدري عن رجل سها فلم يدر كم صلى ثلاثًا أم أربعًا فقالا يتحرّي أصوب ذلك فيتمه ثم يسجد سجدتين وهو جالس "ثم أخرج" عن عمرو بن دينار عن سليمان اليشكري عن أبي سعيد الخدري أنه قال في الوهم يتحرّي قال قلت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (باب من قال بعد التسليم) وفي نسخة بعد السلام أي في ذكر دليل من قال إن سجود السهو بعد السلام (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسَافِعٍ أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ شَيْبَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "مَنْ شَكَّ في صَلاَتِهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ".

باب من قام من ثنتين ولم يتشهد

(ش) (رجال الحديث) (حجاج) لعله حجاج بن محمَّد الأعور. و (عبد الله بن مسافع) ابن عبد الله بن شيبة بن عثمان العبدري المكي الحجبي. روى عن صفية بنت شيبة ومصعب بن شيبة وعنه عبد الملك بن جريج ومنصور بن عبد الرحمن. قال في التقريب من الرابعة. مات مرابطًا بدابق مع سليمان بن عبد الملك. روى له أبو داود والنسائي والترمذي هذا الحديث لا غير. و (عتبة بن محمَّد ابن الحارث) بن نوفل الهاشمي. روى عن عبد الله بن الحارث وابن عباس وعبد الله بن جعفر وكريب وعنه مصعب بن شيبة وعبد الله بن مسافع ومنبوذ بن أبي سليمان. قال النسائي ليس بمعروف وقال في التقريب مقبول من الرابعة. روى له أبو داود والنسائي هذا الحديث. و (عبد الله ابن جعفر) بن أبي طالب الهاشمي. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أمه أسماء بنت عميس وعلى وعثمان وعمار. وعنه عبد الله بن شداد والقاسم بن محمَّد وعروة بن الزبير وآخرون. بايع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو ابن سبع سنين ولما رآه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تبسم وبسط يده فبايعه وكان مشهورًا بالكرم حتى كان يقال له قطب السخاء وقال معاوية هو أهل لكل شرف والله ما سابقه أحد إلى شرف إلا سبقه. توفي سنة ثمانين أو اثنتين وثمانين. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله من شك في صلاته الخ) أي بالزيادة أو النقص كما تقدم فليسجد سجدتين بعد ما يسلم (وفيه دلالة) على أن سجود السهو للشك يكون بعد السلام. ولا ينافيه ما تقدم من الأحاديث الدالة على أن سجود السهو للشك قبل السلام لأن الأمر في ذلك واسع والكل جائز كما تقدم. وهذا الحديث وإن كان ضعيفًا لأنه من رواية مصعب بن شيبة وفيه مقال يقوّيه ما تقدم من رواية ابن مسعود وفيها إذا شك أحدكم في صلاته فليتحرّ الصواب فليتمّ عليه ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين (والحديث) أخرجه أحمد والنسائي والبيهقي وابن حبان (باب من قام من ثنتين ولم يتشهد) أي في بيان ما يصنع من قام من اثنتين من صلاته ولم يتشهد التشهد الأول (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ وَانْتَظَرْنَا التَّسْلِيمَ كَبَّرَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ثُمَّ سَلَّمَ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.

مذاهب العلماء في حكم التشهد الأول والجلوس له. وفي متابعة المأموم إمامه في سجود السهو

(ش) (رجال الحديث) (عبد الله بن بحينة) هي أمه وقيل أم أبيه والصحيح الأول واسم أبيه مالك بن العشب جندب بن نضلة بن عبد الله بن رافع بن صعب بن دهمان الأزدي أبي محمَّد كان حليف بني المطلب بن عبد مناف قال ابن سعد أسلم قديمًا وكان ناسكًا فاضلًا يصوم الدهر. مات في إمارة مروان الأخيرة على المدينة (معنى الحديث) (قوله صلى لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ركعتين) أي صلى بنا ركعتين من الظهر كما في رواية للبخاري ومسلم (قوله ثم قام فلم يجلس) زاد ابن خزيمة في روايته عن الضحاك عن الأعرج فسبحوا له فمضي حتى فرغ من صلاته. وقد جاءت هذه الزيادة أيضًا عند النسائي من حديث معاوية والحاكم من حديث عقبة بن عامر (قوله فلما قضى صلاته) يعني أتي بجميع ركعاتها ولم يبق إلا السلام. وفي رواية ابن ماجه حتى فرغ من صلاته إلا أن يسلم (قوله وانتظرنا التسليم) وفي رواية البخاري ونظرنا تسليمه. وفي رواية له وانتظر الناس تسليمه (قوله كبر فسجد سجدتين) فيه دليل على أن سجود السهو قبل السلام يكبر له كسجود الصلاة (قال الباجي) لأنه انتقال من حال إلى حال في نفس الصلاة وذلك مما شرع فيه التكبير اهـ وتقدم الكلام على هذا وفيه دليل لمن قال يسجد للنقص قبل السلام. وفيه دلالة أيضًا على أن التشهد الأول والجلوس له ليسا من فرائض الصلاة إذ لو كانا فرضين لما جبرا بالسجود كسائر الفرائض (وبه قال) أبو حنيفة ومالك والشافعي وجمهور الصحابة والتابعين (وذهب) أحمد وأهل الظاهر إلى وجوبهما وأنهما يجبران بالسجود. وزاد الترمزي في روايته وكذا البخاري في رواية له قوله وسجدهما الناس معه مكان ما نسي وفي رواية مسلم مكان ما نسي من الجلوس يعني عوضا عن الجلوس الذي نسيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وفي هذه) الزيادة دلالة على أن المأموم يسجد مع الإِمام لسهو الإِمام وإن لم يسه المأموم. ونقل ابن حزم الإجماع على ذلك وقال أبو حامد وأبو الطيب وبهذا قال كافة العلماء إلا ابن سيرين فقال لا يسجد معه لأنه ليس بموضع سجود المأموم. قال النووي وتستثني صورتان "إحداهما" إذا بان الإِمام محدثًا فلا يسجد المأموم لسهوه ولا يحمل هو عن المأموم سهوه "الثانية" أن يعلم سبب سهو الإِمام ويتيقن غلطه في ظن الإِمام ترك بعض الأبعاض وعلم المأموم أنه لم يتركه أوجهر في موضع الإسرار أو عكسه فسجد فلا يوافقه المأموم اهـ (وذهب) إلى أن المؤتمّ يسجد لسهو الإِمام ولا يسجد لسهو نفسه حال القدوة الحنفية والشافعية والمالكية والجمهور لحديث الدارقطني عن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ليس على من خلف الإِمام سهو فإن سها الإِمام فعليه وعلى من خلفه السهو وإن سها من خلف الإِمام فليس عليه سهو والإمام كافيه. وفيه خارجة بن مصعب وأبو الحسين المدائني وفيهما مقال. وروى عن

مكحول والهادي أن المأموم يسجد لسهو نفسه لعموم الأدلة (قال في النيل) وهو الظاهر لعدم انتهاض هذا الحديث لتخصيصها اهـ "يعني حديث عمر المذكور" ومحل كون الإِمام يحمل سهو المأموم في غير الأركان "وما تقدّم" من أن المأموم يسجد مع الإِمام لسهوه "إذا كان" غير مسبوق فإن كان مسبوقًا فعند الشافعية يسجد مع الإِمام سواء أسها الإِمام فيما أدركه فيه أم سها قبل أن يدركه ويسجد آخر صلاته أيضًا (وكذا) قالت الحنابلة يسجد مع الإِمام سواء أسجد الإِمام قبل السلام أم بعده إلا أنهم قالوا لا يسجد المأموم آخر صلاته (وقالت المالكية) إن سجد الإِمام قبل السلام سجد المسبوق معه وإلا سجد آخر صلاته بعد سلامه (وقالت) الحنفية يسجد المسبوق مع الإِمام ولا يسجد آخر صلاته إلا لسهو طرأ عليه فيما يقضيه ويسجد اللاحق آخر صلاته ولا يسجد مع الإِمام. واللاحق من أدرك الإِمام في الركعة الأولى وفاته غيرها لعذر كسبق حدث. والمسبوق من سبق بركعة فأكثر فإن ترك الإِمام السجود للسهو سجده المأموم آخر صلاته (وبه قالت) والشافعية والمالكية والحنابلة والأوزعي والليت وأبو ثور وحكاه ابن المنذر عن ابن سيرين والحكم وقتادة (وقال أبو حنيفة) لا يسجد المأموم للسهو إذا تركه الإِمام وهو قول عطاء والحسن والنخعي والقاسم والثوري وحماد بن أبي سليمان والمزني ورواية عن أحمد (وإن سها) المسبوق حال قضاء ما عليه سجد سجدتين آخر صلاته وكفتا عن سهوه وعمل لحقه من سهو الإِمام إن كان باقيًا عليه (والحديث) أخرجه مالك في الموطأ والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ نَا أَبِي وَبَقِيَّةُ قَالاَ نَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِمَعْنَى إِسْنَادِهِ وَحَدِيثِهِ زَادَ وَكَانَ مِنَّا الْمُتَشَهِّدُ فِي قِيَامِهِ. (ش) (قوله حدثنا أبي) هو عثمان بن سعيد تقدم في الجزء الثالث صفحة 345. و (بقية) ابن الوليد في الثاني صفحة 173 (قوله بمعني إسناده وحديثه الخ) يعني بإسناده حديث الزهري ومعناه وزاد شعيب بن أبي حمزة في هذه الرواية بعد قوله فقام الناس معه وكان منا المتشهد في قيامه يعني كان بعضنا يقرأ التشهد حال قيامه (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَلِكَ سَجَدَهُمَا ابْنُ الزُّبَيْرِ وقَامَ مِنْ ثِنْتَيْنِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ. (ش) أي سجد عبد الله بن الزبير سجدتي قبل السلام حينما قام من ثنتين سهوًا

باب من نسي أن يتشهد وهو جالس

ولم يتشهد وبه قال محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري. وأتي المصنف به لتقوية هذه الرواية (باب من نسي أن يتشهد وهو جالس) أي في بيان ما يطلب ممن نسي التشهد الأول ثم تذكره قبل أنا يستوي قائمًا أو بعده والفرق بين هذه الترجمة والتي قبلها أن تلك بين فيها حكم من نسي التشهد ولم يتذكر حتى استوي قائمًا ولذا قال البيهقي "باب من سها فلم يذكر حتى استتمّ قائمًا لم يجلس وسجد للسهو" وهذه بين فيها حكم من تذكر قبل الاستواء قائمًا أو بعده (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ -يَعْنِي الْجُعْفِيَّ- قَالَ نَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُبَيْلٍ الأَحْمَسِيُّ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا قَامَ الإِمَامُ في الرَّكْعَتَيْنِ فَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ فَإِنِ اسْتَوَي قَائِمًا فَلاَ يَجْلِسْ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَي السَّهْوِ". (ش) (رجال الحديث) (سفيان) الثوري تقدم في الجزء الأول صفحة 65. و (جابر) ابن يزيد بن الحارث بن عبد يغوث الجعفي أبي عبد الله الكوفي ويقال أبو زيد. روى عن عكرمة وعطاء وأبي الضحى وأبي الطفيل والمغيرة بن شبيل وجماعة. وعنه شريك ومسعر والثوري وشعبة ومعمر وأبو عوانة وكثيرون. قال ابن سعد كان يدلس وكان ضعيفًا جدًا في رأيه وروايته وقال العجلي كان ضعيفًا يغلو في التشيع وكان يدلس وقال الميموني قلت لأحمد ابن خراش أكان جابر يكذب قال إي والله وذاك في حديثه بين وقال أبو حنيفة ما لقيت فيمن لقيت أكذب من جابر الجعفي ما أتيته بشيء من رأيي إلا أتي فيه بأثر وقال سفيان ما رأيت أورع منه في الحديث وقال شعبة صدوق في الحديث وقال وكيع مهما شككتم في شيء فلا تشكوا في أن جابرًا ثقة. توفي سنة سبع أو ثمان وعشرين ومائة. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه. و(المغيرة بن شبيل) بالتصغير ويقال ابن شبل (الأحمسي) أبو الطفيل الكوفي روى عن قيس بن أبي حازم وجرير البجلي وطارق بن شهاب. وعنه الأعمش وسعيد بن مسروق وداود في يزيد وحبيب بن أبي ثابت. وثقه ابن معين وقال أبو حاتم لا بأس به وقال في التقريب ثقة من الرابعة. روى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. و(قيس بن أبي حازم) ابن عوف البجلي الأحمسي الكوفي. روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلى وباقي العشرة وغيرهم من الصحابة. وعنه إسماعيل بن أبي خالد وبيان بن بشر ومجالد بن سعيد والمغيرة بن شبيل

أقوال العلماء فيمن نسي التشهد الأول ثم تذكره قبل أن يستوي قائما أو بعد الاستواء

ْوالأعمش وآخرون. أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهاجر إلى المدينة ليبايعه فقبض صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يلقاه وبايع أبا بكر. وأخرج أبو نعيم من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس قال دخلت المسجد مع أبي فإذا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب فلما خرجت قال لي أبي هذا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا قيس وكنت ابن سبع أو ثمان (قال) الحافظ لو ثبت هذا لكان قيس من الصحابة. والمشهور عند الجمهور أنه لم ير النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. والصحيح أنه غير صحابي فقد أخرج الحاكم أبو أحمد من طريق جعفر الأحمر عن السري بن يحيى عن قيس قال أتيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأبايعه فجئت وقد قبض النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبو بكر قائم على المنبر في مقامه فأطاب الثناء وأكثر البكاء. فيفيد أنه غير صحابي. توفي سنة أربع وثمانين روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله إذا قام الإِمام في الركعتين الخ) وفي رواية ابن ماجه إذا قام أحدكم من الركعتين وهو صريح في أن المصلي إذا ترك التشهد الأول والجلوس له رجع إليه ما لم يستقل قائمًا فإن استقل قائمًا لم يرجع وسجد سجدتي السهو (وبه قال الجمهور) ومنهم الحنفية والشافعية فإن عاد بعد أن استقلّ قائمًا فسدت صلاته على الصحيح عند الشافعية، وعلى الصحيح عند الحنفية (قال النووي) هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور ودليله حديث المغيرة. فإن عاد متعمدًا عالمًا بتحريمه بطلت صلاته وإن لم ينتصب قائمًا عاد (وفي سجود) السهو قولان أصحهما عند جمهور الأصحاب لا يسجد "وقال" القفال وطائفة إن صار إلى القيام أقرب منه إلى القعود ثم عاد سجد وإن كان إلى القعود أقرب أو استوت نسبتهما لم يسجد اهـ (وقالت) الحنابلة إن استتمّ قائمًا ولم يقرأ فعدم رجوعه أولى. وإنما جاز رجوعه لأنه لم يتلبس بركن مقصود لأن القيام ليس بمقصود في نفسه وعليه سجود السهو لذلك كله (وقالت) المالكية يرجع ما لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه ولا سجود عليه وإن فارق الأرض بما ذكر فلا يرجع فإن رجع ففي بطلان صلاته خلاف والراجح عدم البطلان ولو رجع بعد أن استقل بل ولو قرأ بعض الفاتحة. أما لو رجع بعد قراءة الفاتحة كلها بطلت صلاته. وهذا كله في حق الإِمام والمنفرد أما المأموم فلو ترك التشهد ناسيًا وجلس إمامه وجب عليه الرجوع مطلقًا لمتابعة إمامه (وبه قالت) المالكية والحنفية والحنابلة وهو الأرجح عند الشافعية. وفي بعض النسخ زيادة "قال أبو داود ليس في كتابي عن جابر الجعفي إلا هذا الحديث" ولعله يشير بها إلى ضعف جابر الجعفي وقد علمت ما فيه (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقي والطحاوي والدارقطني ومداره على جابر الجعفي وهو ضعيف كما تقدم

(ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجُشَمِيُّ نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ قَالَ صَلَّى بِنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قُلْنَا سُبْحَانَ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَمَضَى فَلَمَّا أَتَمَّ صَلاَتَهُ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُ كَمَا صَنَعْتُ. (ش) (رجال الحديث) (المسعودي) هو عبد الرحمن بن عبد الله تقدم في الجزء الرابع صفحة 159. و (زياد بن علاقة) بكسر العين المهملة ابن مالك أبي مالك الثعلبي الكوفي. روى عن جابر بن سمرة والمغيرة بن شعبة وجرير بن عبد الله وأسامة بن شريك وجماعة. وعنه الأعمش والسفيانان وزائدة ومسعر وأبو عوانة وكثيرون. وثقه النسائي وابن معين والعجلي ويعقوب ابن سفيان وقال أبو حاتم صدوق الحديث. توفي سنة خمس وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله فنهض في الركعتين الخ) وفي رواية الترمذي فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس فسبح له من خلفه فأشار إليهم أن قوموا. وقوله فقلنا سبحان الله يعني أشرنا له إلى الجلوس. وقوله سبحان الله أشار لهم إلى القيام (قوله رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصنع كما صنعت) أتي به دليلًا على ما فعل. وقد صرّح في رواية الطحاوي بما صنعه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال صلى بنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فاستوي قائمًا من جلوسه فمضى في صلاته فلما قضي صلاته سجد سجدتين وهو جالس ثم قال إذا صلى أحدكم فقام من الجلوس فإن لم يستتم قائمًا فليجلس وليس عليه سجدتان فإن استوي قائمًا فليمض في صلاته وليسجد سجدتين وهو جالس (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي والطحاوي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ (ش) غرض المصنف بسوق هذا التعليق والذي بعده تقوية رواية المسعودي في أن الثابت عن المغيرة بن شعبة فيمن ترك التشهد الأول سجود السهو بعد السلام. ورواية ابن أبي ليلي أخرجها الترمذي من طريق هشيم نا ابن ليلى عن الشعبي قال صلى بنا المغيرة بن شعبة فنهض في الركعتين فسبح به القوم وسبح بهم فلما قضى صلاته سلم ثم سجد سجدتي السهو وهو جالس ثم حدثهم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل بهم مثل الذي فعل وأخرجها البيهقي من طريق أبي أسامة عن ابن أبي ليلى

(ص) وَرَوَاهُ أَبُو عُمَيْسٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ صَلَّى بِنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مِثْلَ حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ أَبُو عُمَيْسٍ أَخُو الْمَسْعُودِيِّ (ش) (قوله أبو عميس أخو المسعودي) فإنهما أولاد عبد الله بن عتبة بن مسعود. ولم نقف على أثر ثابت من طريق أبي عميس. لكن روى ابن أبي شيبة قال حدثنا محمَّد بن بشر نا معشر عن ثابت بن عبيد قال صليت خلف المغيرة بن شعبة فقام في الركعتين فلم يجلس فلما فرغ سجد سجدتين (ص) وَفَعَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمُغِيرَةُ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَالضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ (ش) أثر سعد بن أبي وقاص أخرجه ابن أبي شيبة عن بيان عن قيس قال صلى سعد بن مالك بأصحابه فقام في الركعة الثانية فسبح به القوم فلم يجلس وسبح هو وأشار إليهم أن قوموا فصلى وسجد سجدتين وأخرج الطحاوي نحوه (وأثر) عمران بن حصين أخرجه ابن أبي شيبة عن هشام عن محمَّد قال صلى بنا عمران بن حصين في المسجد فنهض في ركعتين أو قعد في ثلاث وأكثر ظن هشام أنه نهض في الركعتين فلما أتمّ الصلاة سجد سجدتي السهو (وأثر) الضحاك بن قيس أخرجه ابن أبي شيبة أيضًا عن أسباط بن محمَّد عن مطرّف عن الشعبي قال صلى الضحاك بن قيس بالناس الظهر فلم يجلس في الركعتين الأوليين فلما سلم سجد سجدتين وهو جالس. و (الضحاك بن قيس) ابن خالد بن وهب بن ثعلبة بن وائلة الفهري أبو سعيد قال البخاري له صحبة وقال الحافظ استبعد بعضهم صحبته وجماعة من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا بعد فيه فإن أقل ما قيل في سنه عند موت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان ابن ثمان سنين وقال الطبري مات النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو غلام وقال الحاكم زعم الواقدي أن الضحاك بن قيس لم يسمع من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والصواب قول أبي جعفر محمَّد بن جرير إنه قد صحت له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم روايات كثيرة ذكر فيها سماعه من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ (ومن الروايات) التي فيها سماع الضحاك منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما أخرجه الحاكم من طريق الحسن أن الضحاك ابن قيس كتب إلى قيس بن الهيثم حين مات يزيد بن معاوية سلام عيك أما بعد فإني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول إن بين يدي الساعة فتنًا كقطع الدخان يموت منها قلب

فتوى ابن عباس وعمر بن عبد العزيز في أن من نسي التشهد الأول يسجد للسهو بعد السلام

الرجل كما يموت بدنه يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل وإن يزيد قد مات وأنتم إخواننا وأشقاؤنا. ومنها ما أخرجه من طريق يزيد بن عبد الله بن الشخير قال سمعت أبا سعيد الضحاك بن قيس الفهري يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا أتي الرجل القوم فقالوا مرحبًا فمرحبًا به يوم يلق ربه وإذا أتي الرجل القوم فقالوا له قحطًا فقحطًا له يوم القيامة. روى عنه محمَّد بن سوقة وأبو إسحاق السبيعي وتميم بن طرفة وميمون بن مهران وعبد الملك بن عمير. قيل توفي سنة أربع وستين (ولم نقف) على أثرمعاوية بن أبي سفيان الموافق لفعل سعد بن أبي وقاص من تأخير سجدتي السهو بعد السلام "وربما" يستأنس له بما أخرجه النسائي بسنده عن محمَّد بن يوسف مولى عثمان عن أبيه يوسف أن معاوية صلى إمامهم فقام في الصلاة وعليه جلوس فسبح الناس فتمّ على قيامه ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد أن أتمّ الصلاة ثم قعد على المنبر فقال إلى سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول من نسي شيئًا من صلاته فليسجد مثل هاتين السجدتين "وبما قاله" الترمذي في جامعة في "باب ما جاء في سجدتي السهو بعد السلام والكلام " بعد ما أخرج حديث ابن مسعود وفي الباب عن معاوية وعبد الله بن جعفر وأبي هريرة اهـ لكن يخالف ذلك ما أخرجه الطحاوي من طريق محمَّد بن يوسف مولى عن عن أبيه قال إن معاوية ابن أبي سفيان صلى بهم فقام وعليه جلوس فلم يجلس فلما كان في آخر صلاته سجد سجدتين قبل أن يسلم وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصنع (ص) وَابْنُ عَبَّاسٍ أَفْتَى بِذَلِكَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. (ش) أي أفتي عبد الله بن عباس وعمر بن عبد العزيز بأن من قام من ثنتين ولم يتشهد يمضي في صلاته ويسجد للسهو بعد السلام (وفتوي) ابن عباس أخرجها الطحاوي بسنده عن عمرو ابن دينار عن عبد الله بن عباس قال سجدتا السهو بعد السلام. وأخرج أيضًا بسنده عن عطاء ابن أبي رباح قال صليت خلف ابن الزبير فسلم في الركعتين فسبح القوم فقام فأتم الصلاة فلما سلم سجد سجدتين بعد السلام قال عطاء فانطلقت إلى ابن عباس فذكرت له ما فعل ابن الزبير فقال أحسن وأصاب اهـ (وأما فتوي) عمر بن عبد العزيز فقد أخرجها الطحاوي أيضًا بسنده قال الزهري قلت لعمر بن عبد العزيز السجود قبل السلام فلم يأخذ به (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا فِيمَنْ قَامَ مِنْ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ سَجَدُوا بَعْدَ مَا سَلَّمُوا. (ش) أي سجدكل من ذكر للسهو بعد ما سلم من الصلاة إلا معاوية بن أبي سفيان فإنه

سجد قبل السلام كما علم من رواية الطحاوي. ولعل غرضه بذكر هذه العبارة زيادة الإيضاح وإلا فهي معلومة مما قبلها (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ وَالرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَشُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ -بِمَعْنَي الإِسْنَادِ- أَنَّ ابْنَ عَيَّاشٍ حَدَّثَهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْكَلاَعِيِّ عَنْ زُهَيْرٍ -يَعْنِي ابْنَ سَالِمٍ الْعَنْسِيِّ- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ عَمْرٌو وَحْدَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ". لَمْ يَذْكُرْ عَنْ أَبِيهِ. غَيْرُ عَمْرٍو. (ش) (رجال الحديث) (شجاع بن مخلد) الفلاس نزيل بغداد أبو الفضل البغوي روى عن يحيى بن زكرياء وابن علية وإسماعيل بن عياش ووكيع بن الجراح وغيرها. وعنه مسلم وأبو داود وابن ماجه وموسي بن هارون والبغوي وآخرون. وثقه أحمد وأبو زرعة وابن قانع وابن معين. توفي سنة خمس وثلاثين ومائتين (قوله بمعني الإسناد) يعني أنهم اتفقوا في معنى سند الحديث لا في لفظه. و (بن عياش) هكذا في أكثر النسخ بالياء التحتانية والشين المعجمة وفي بعض النسخ ابن عباس بالموحدة والسين المهملة ولعله تصحيف. وابن عياش هو إسماعيل تقدم في الجزء الأول صفحة 141. و(عبيد الله بن عبيد) أبي وهب الدمشقي. روى عن مكحول وبلال ابن سعد وزهير بن سالم وحسان بن عطية. وعنه سويد بن عبد العزين والأوزاعي ويحيي بن حمزة وإسماعيل بن عياش. وثقه دحيم وقال ابن معين ليس به بأس وقال في التقريب صدوق من السادسة. توفي سنة ثنتين وثلاثين ومائة. روى له أبو داود وابن ماجه. و(الكلاعي) بفتح الكاف نسبة إلى كلاع. إقليم بالأندلس ومحلة بنيسابور. و (زهير بن سالم) أبي المخارق الشامي روى عن ابن عمرو وعبد الرحمن بن جبير والحارث بن أيمن وعميربن سعد. وعنه عبيد الله بن عبيد وثور بن يزيد وفضيل بن فضالة وطائفة. قال الدارقطني منكر الحديث وقال في التقريب صدوق فيه لين وكان يرسل من الرابعة. و(العنسي) بالنون نسبة إلى عنس بفتح أوله وسكون ثانيه مخلاف باليمن ينسب إلى عنس بن مالك بن أدد (قوله قال عمرو وحده عن أبيه) أي قال عمرو بن عثمان في روايته عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه ولم يذكر عن أبيه من شيوخ المصنف غيره (معنى الحديث) (قوله لكل سهو وسجدتان) ظاهره أن السجود يتكرّر بتكرّر السهو في الصلاة

أقوال العلماء في أن سجود السهو هل يتكرر بتكرر السهو

ولا يتداخل (وبه قال) ابن أبي ليلي (وقال) بعضهم إن اتحد جنس السهو اتحد السجود وإلا تعدّد. لكن الأحاديث على خلافه (وذهب) الجمهور إلى أن سجود السهو لا يتكرّر بتكرّر السهو بل يتداخل إذا تكرّر سواء أكان من نوع واحد أو أنواع (قال في المهذب) لأنه لو لم يتداخل لسجد عقب السهو فلما أخر دلّ على أنه إنما أخر ليجمع كل سهو في الصلاة اهـ (وأجابوا) عن حديث ثوبان بأنه ضعيف لأنه من طريق إسماعيل بن عياش وفيه مقال "قال البيهقي" تفرّد به إسماعيل بن عياش وقال العراقي حديث مضطرب وقال الذهبي عن الأثرم إنه منسوخ اهـ (قال في سبل السلام) لا دلالة في الحديث على تعدد السجود لتعدد مقتضيه بل هو للعموم لكل ساه فيفيد الحديث أن كل من سها في صلاته بأي سهو كان يشرع له سجدتان ولا يختصان بالمواضع التي سها فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا بالأنواع التي سها بها والحمل على هذا المعني أولى من حمله على المعني الأول "يعني تكرّر السجود" وإن كان هو الظاهر فيه جمعًا بينه وبين حديث ذي اليدين اهـ (وقال الأوزاعي) إن كان السهو زيادة أو نقصًا كفاه سجدتان وإن كان أحدهما زيادة والآخر نقصًا سجد أربع سجدات اهـ ولا دليل له على هذه التفرقة وتقدم الكلام عل هذا في حديث ذي اليدين (قوله بعد ما يسلم) فيه حجة لمن يري أن سجود السهو كله بعد السلام لكن علمت أنه ضعيف فلا يصلح للاحتجاج به (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه ابن ماجه والدارقطني والطحاوي (باب سَجْدَتَي السَّهْوِ فِيهِمَا تَشَهُّدٌ وَتَسْلِيمٌ) (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي أَشْعَثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ خَالِدٍ -يَعْنِي الْحَذَّاءَ- عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بِهِمْ فَسَهَا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ. (ش) (أشعث) بن عبد الملك تقدم في الجزء الثالث صفحة 238. وكذا (أبو قلابة) عبد الله بن زيد صفحة 42. و (وأبو المهلب) عمرو بن معاوية (قوله فسها فسجد الخ) فيه دلالة على مشروعية التشهد بعد سجدتي السهو وعلى السلام منهما وبه قالت الحنفية أخذًا بظاهر هذا الحديث ولا يضرّ تفرّد أشعث عن ابن سيرين بذكر التشهد فيه فإنه

مذاهب الأئمة في صفة السلام من سجود السهو. وفي التشهد له. وفيما يسجد له المصلي من السهو. وفي السهو في النفل والفرض

ثقة وزيادة مقبولة (واختلفوا) في كيفية التسليم فقال بعضهم يسلم تسليمين وهو الصحيح صرفًا للسلام المذكور في الحديث إلى المعهود (وقال فخر الإِسلام) يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهة ولا ينحرف عن القبلة لأن لمعني التحية دون التحليل اهـ وقال بعضهم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه (وذهب المالكية) إلى أنه يتشهد لسجود السهو البعدي ويسلم أخذًا بحديث الباب وهو وإن كان مجملًا لم يبين فيه أن السجود للسهو كان بعد السلام فقد بين أنه كان بعد السلام فيما رواه مسلم عن عمران بن حصين قال سلم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل الحجرة فقام رجل بسيط اليدين فقال أقصرت الصلاة يا رسول الله فخرج مغضبًا فصلي الركعة التي كان ترك ثم سلم ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم (وفي القبليّ) عن مالك روايتان ومشهور المذهب أنه يتشهد ليقع سلامه عقب التشهد (وذهبت الشافعية) إلى أنه إذا سجد قبل السلام لا يتشهد وهو مشهور المذهب (واختلفوا) إذا سجد بعد السلام على القول به فقال النووي الصحيح أنه يسلم ولا يتشهد (وقالت الحنابلة) إن سجد قبل السلام لا يتشهد وإن سجد بعد السلام يتشهد وجوبًا (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الترمذي وحسنهو ابن حبان وصححه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين وأخرجه النسائي بدون ذكر التشهد فيه وكذا البيهقي وقال تفرّد به أشعث الحمراني اهـ وقد تقدم أنه ثقه وتفرّد الثقة لا يضرّ. وقد ذكر البيهقي له شاهدين "أحدهما" من طريق محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلي عن الشعبي عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تشهد بعد أن رفع رأسه من سجدتي السهو "قال البيهقي" وهذا يتفرّد به محمَّد ابن عبد الرحمن بن أبي ليلي عن الشعبي ولا يفرح بما يتفرّد به اهـ "والثاني" من طريق خصيف عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا كنت في الصلاة فشككت في ثلاث أو أربع وأكثر ظنك على أربع تشهدت ثم سجدت سجدتين وأنت جالس قبل أن تسلم ثم تشهدت أيضًا ثم سلمت "قال البيهقي" وهذا غير قوي ومختلف في رفعه ومتنه اهـ (قال الحافظ) في الفتح قد يقال إن الأحاديث الثلاثة "يعني حديث عمران وابن مسعود والمغيرة" ترتقي إلى درجة الحسن (قال العلائي) وليس ذلك ببعيد وقد صح ذلك عن ابن مسعود من قوله اهـ تتميم في ذكر ما يسجد له المصلي إذا سها فيه (قالت الحنفية) يسجد للسهو لترك واجب أو تغييره أو تأخير ركن أو تقديمه أو تكراره أوترك الترتيب فيما شرع مكرّرًا وللشك إن كثر (وقالت المالكية) يسجد لزيادة ركن وللشك

ولترك واحدة من هذه السنن الثمانية. السورة بعد الفاتحة. والجهر فيما يجهر فيه. والسرّ فيما يسرّ فيه والتكبير سوي تكبيرة الإحرام. وسمع الله لمن حمده والتشهد الأول والجلوس له والتشهد الأخير (وقالت الحنابلة) يسجد لما يبطل عمده الصلاة كما إذا زاد ركعة أو ركنا سهوًا ودخل في ذلك الزيادة والنقصان والشك بصوره (وقالت الشافعية) سبب سجود السهو أمران زيادة ونقصان فأما الزيادة فضربان قول وفعل فالقول أن يسلم في غير موضع السلام ناسيًا أو يتكلم ناسيًا أو يقرأ في غير موضع القراءة. والفعل ضربان أيضًا (أحدهما) ما لا يبطل عمده الصلاة فلا سجود فيه (والآخر) ما يبطل عمده وهو ضربان أيضًا متحقق ومتوهم فالمتحقق أن يزيد ركعة أو يقعد للتشهد في غير موضع القعود أو يطيل القيام بنية القنوت في غير موضعه أو يزيد ركوعًا أوسجودًا أو قيامًا أوقعودا سهوًا. والمتوهم أن يشك هل صلى ركعة أو ركعتين والنقصان أن يترك سنة مقصودة وهي شيئان إحداهما ترك التشهد الأول والأخري ترك القنوت اهـ من شرح المهذب ملخصًا. ومما تقدم تعلم أن ترك الركن لا يجبر بسجود السهو (والنفل) في سجود السهو كالفرض عند الجمهور لأن الجبر إرغام للشيطان في النفل وفي الفرض سواء كما تشهد له الأحاديث المطلقة كحديث أبي سعيد المتقدم إذا شك أحدكم في صلاته الخ وحديث ابن مسعود المتقدم أيضًا إذا شك أحدكم في صلاته فليتحرّ الصواب فإن اسم الصلاة يعمّ النفل والفرض (وذهب) ابن سيرين وقتادة إلى أن التطوع لا يسجد فيه للسهو. وروى هذا عن عطاء ونقله جماعة من أصاب الشافعي عن قوله القديم (قال في المهذب) وهذا لا وجه له لأن النفل كالفرض في النقصان فكان كالفرض في الجبران اهـ (قال في النيل) وهذا ينبني على الخلاف في اسم الصلاة الذي هو حقيقة شرعية في الأفعال المخصوصة هل هو متواطئ فيكون مشتركًا معنويًا فيدخل تحته كل صلاة أوهو مشترك لفظي بين صلاتي الفرض والنفل (فذهب) الرازي إلى الثاني لما بين صلاتي الفرض والنفل من التباين في بعض الشروط كالقيام واستقبال القبلة وعدم اعتبار العدد المنويّ وغير ذلك (قال العلائي) والذي يظهر أنه مشترك معنوي لوجود القدر الجامع بين كل ما يسمي صلاة وهو التحريم والتحليل مع ما يشمل الكل من الشروط التي لا تنفك (قال في الفتح) وإلى كونه مشتركًا معنويًا ذهب جمهور أهل الأصول (قال) ابن رسلان وهو أولى لأن الاشتراك اللفظي عل خلاف الأصل والتواطؤ خير منه اهـ فمن قال إن لفظ الصلاة مشترك معنوي قال بمشروعية سجود السهو في صلاة التطوع ومن قال بأنه مشترك لفظي فلا عموم له حينئذ الأعلي قول الشافعي إن المشترك يعم جميع مسمياته اهـ كلام النيل (وقالت المالكية) السهو في النفل كالسهو في الفرض إلافي ست مسائل (إحداها) الفاتحة فلو نسيها في النافلة وتذكر بعد الركوع تمادى وسجد قبل السلام بخلاف الفريضة فإنه يلغي تلك الركعة ويأتي بركعة أخري ويسجد قبل السلام إن كانت الركعة الملغاة من الأوليين وإلا فبعد السلام (الثانية)

باب انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة

والثالثة والرابعة السورة والجهر والسرّ فمن نسي واحدة منها في النافلة فلا سجود عليه بخلاف الفريضة فيسجد (الخامسة) من قام إلى ثالثة في النافلة فإن تذكر قبل عقد ركوعها رجع وسجد بعد السلام وإلا تمادي وزاد رابعة وسجد قبل السلام بخلافه في الفريضة فإنه يرجع متي ذكر أنه زاد ويسجد بعد السلام (السادسة) من نسي ركنا من النافلة كالركوع ولم يتذكر حتى سلم وطال فلا إعلادة عليه بخلاف الفريضة فإنه يعيدها أبدًا (باب انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة) أي انصراف النساء من المسجد قبل الرجال بعد الفراغ من الصلاة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ قَالاَ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ هِنْدَ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سَلَّمَ مَكَثَ قَلِيلًا وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ كَيْمَا يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ الرِّجَالِ مِنَ الصَّلاَةِ. (ش) (رجال الحديث) (عبد الرزاق) تقدم في الجزء الأول صفحة 106. وكذا (معمر) ابن راشد صفحة 107. وكذا (الزهري) صفحة 48. و (هند بنت الحارث) الفراسية ويقال القرشية زوج معبد بن المقداد. روت عن أم سلمة. وعنها الزهري. ذكرها ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة من الثالثة. روى لها البخاري وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله إذا سلم مكث قليلًا الخ) وفي رواية البخاري كان إذا سلم يمكث في مكانه يسيرًا. وفي رواية له عن أم سلمة قالت كان يسلم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وكانت الرجال أيضًا تمكث معه كما في رواية الطبراني أن النساء كنّ يشهدن الصلاة مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإذا سلم قام النساء فانصرفن إلى ييوتهن قبل أن يقوم الرجال. ولما في رواية النسائي عن أم سلمة قالت إن النساء كنّ إذا سلمن قمن وثبت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله فإذا قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قام الرجال. وقوله وكانوا يرون أن ذلك الخ أي كانوا يظنون أن مكثه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليخرج النساء قبل الرجال من الصلاة. وفي رواية أحمد قالت أم سلمة فنري والله أعلم أن ذلك لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهنّ الرجال ومقتضي هذا التعليل أنه صل الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسرع بالقيام إذاكان المأمومون رجالًا فقط

ما يقال عقب صلاة الفجر والمغرب

وعليه يحمل ما رواه أحمد ومسلم عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. وما أخرجه عبد الرزاق عن أنس قال صليت وراء النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكان ساعة يسلم يقوم ثم صليت وراء أبي بكر فكان إذا سلم وثب فكأنما يقوم عن رضفة. فهذان الحديثان صريحان في أن الإسراع بالقيام بعد السلام من الصلاة هو الأصل كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمكث إلا لعارض. وروى أحمد عن أبي أيوب مرفوعًا من قال إذا صلى الصبح لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرّات كنّ كعدل أربع رقاب وكتب له بهن عشر حسنات ومحى له بهن عشر سيئات ورفع له بهن عشر درجات وكنّ له حرزًا من الشيطان حتى يمسي وإذا قالها بعد المغرب فمثل ذلك. وروى الترمذي عن أبي ذرّ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثاني رجليه قبل أن يتكلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب له عشر حسنات ومحيت عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكان يومه ذلك في حرز من كل مكروه وحرس من الشيطان ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله عَزَّ وَجَلَّ "ولا يعارض" حديث الباب بهاتين الروايتين "لإمكان الجمع" يحمل مشروعية الإسراع على الغالب كما يشعر بذلك لفظ كان. أو يحمل على غير ما ورد مقيدًا بذلك من الصلوات. على أن اللبث مقدار الإتيان بالذكر المذكور لا ينافي الإسراع (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يستحب للإمام مراعاة حال المأمومين والاحتياط في اجتناب ما قد يفضي إلى المحذور واجتناب التهم وكراهة مخالطة الرجال للنساء، وعلى أنه يستحب للإمام أن لا يمكث في مكانه بعد السلام من الصلاة إلا لضرورة فيمكث بقدرها وتقدم بيانه في باب الإِمام يتطوع في مكانه (والحديث) أخرجه أحمد والبخاري والنسائي والبيهقي (باب كيف الانصراف من الصلاة) أيتوجه يمينًا أم شمالًا (ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ نَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ -رَجُلٍ مِنْ طَيِّئٍ- عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَكَانَ يَنْصَرِفُ عَنْ شِقَّيْهِ.

(ش) (رجال الحديث) (شعبة) بن الحجاج تقدم في الجزء الأول صفحة 32. و (قبيصة ابن هلب) بضم الهاء وسكون اللام وهو المشهور عند المحدّثين. وصوّب في القاموس أنه ككتف بفح فكسر. ابن عدي الطائي الكوفي. روى عن أبيه. وعنه سماك بن حرب. قال النسائي وابن المديني مجهول وقال العجلي تابعي ثقة وقال في التقريب مقبول من الثالثة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه (قوله عن أييه) هو هلب بن عدي ويقال هلب لقب له واسمه يزيد ولقب به لأنه وقد على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو أقرع فمسح رأسه فنبت شعره فلقب به. والهلب الشعر. سكن الكوفة. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابنه قبيصة (معنى الحديث) (قوله فكان ينصرف عن شقيه) أي عن جانبيه تارة عن يمينه وتارة عن شماله وفي رواية الترمذي عن هلب أيضًا قال كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يؤمنا فينصرف على جانبيه على يمينه وشماله. وفي رواية البيهقي عن أبي هريرة قال رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي حافيًا وناعلًا وقائمًا وقاعدًا وينفتل عن يمينه وعن شماله. وتقدم الكلام عليه في باب الإِمام ينحرف بعد التسليم (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه ابن ماجه والترمذي وحسنه وأخرجه البيهقي بلفظ كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينصرف مرّة عن يمينه ومرّة عن يساره ويضع إحدي يديه على الأخري (قال الشافعي) فإن لم يكن له حاجة في ناحية وكان يتوجه ما شاء أحببت أن يكون توجهه عن يمينه لما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحب من التيامن غير مضيق عليه في شيء من ذلك اهـ وفي سنده قبيصة وهو لم يسمع من أبيه فهو منقطع (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لاَ يَجْعَلْ أَحَدُكُمْ نَصِيبًا لِلشَّيْطَانِ مِنْ صَلاَتِهِ أَنْ لاَ يَنْصَرِفَ إِلاَّ عَنْ يَمِينِهِ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَكْثَرَ مَا يَنْصَرِفُ عَنْ شِمَالِهِ. قَالَ عُمَارَةُ أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ بَعْدُ فَرَأَيْتُ مَنَازِلَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَنْ يَسَارِهِ. (ش) (قوله لا يجعل أحدكم نصيبًا للشيطان من صلاته الخ) وفي رواية مسلم عن الأعمش

باب صلاة الرجل التطوع في بيته

جزءًا من صلاته. وفي رواية البخاري يري أن حقًا أن لا ينصرف إلا عن يمينه. وهو بيان للنصيب الذي يجعله المصلي للشيطان. وكان هذا من نصيب الشيطان لمخالفته ما ثبت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإنه كان ينصرف يمينًا وشمالًا كما تقدم. وفيه ذمّ من اعتقد غير الواجب واجبًا (قوله وقد رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أكثر الخ) بصيغة أفعل وهي رواية مسلم أيضًا. وفي رواية البخاري لقد رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كثيرًا ينصرف عن شماله (وفي هذا) دلالة على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أكثر ما كان ينصرف من صلاته بعد السلام على يساره. وفي رواية مسلم والبيهقي من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن السدي قال سالت أنسًا كيف أنصرف إذا صليت عن يميني أو عن يساري قال أما أنا فأكثر ما رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينصرف عن يمينه. ولا ينافي حديث الباب لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان ينصرف عن يمينه تارة وعن شماله تارة أخري فأخبر كل منهما بما اعتقده الأكثر. وتقدم تمام الكلام عليه في "باب الإِمام ينحرف بعد التسليم" (قوله قال عمارة أتيت المدينة بعد الخ) أي أتيت المدينة بعد ما سمعت هذا الحديث من الأسود بن يزيد فرأيت حجرات أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم عن يساره إذا استقبل القبلة في الصلاة. ولعله كان ينصرف كثيرًا إلى جهة يساره ليدخل منزله (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والبيهقي (باب صلاة الرجل التطوع في بيته) وفي نسخة "باب التطوع في البيت" (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ نَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "اجْعَلُوا في بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاَتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا". (ش) (يحيى) القطان تقدم في الجزء الأول صفحة 248. وكذا (عبيد الله) بن عمر بن حفص صفحة 271 (قوله اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم) أي اجعلوا بعض صلاتكم في بيوتكم فمن تبعيضية والمراد به النافلة للحديث الذي بعده ولما رواه البيهقي وسيأتي للمصنف أيضًا أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتي مسجد بنى عبد الأشهل فصلى فيه المغرب فلما قضوا صلاتهم رآهم يسبحون فقال هذه صلاة البيوت "وقوله يسبحون أي يصلون النافلة" وفي رواية

الترمذي والنسائي عليكم بهذه الصلاة في البيوت (وقال القاضي عياض) قيل هذا في الفريضة ومعناه اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وعبيد ومريض ونحوهم اهـ (وقال النووي) الصواب أن المراد النافلة وجميع أحاديث الباب تقتضيه ولا يجوز حمله على الفريضة اهـ (قوله ولا تتخذوها قبورًا) أي لا تجعلوها كالقبور في عدم الصلاة فيها ففيه تشبيه البيوت التي لا يصلي فيها بالقبور لعدم قدرة من فيها على العبادة وفي رواية مسلم عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مثل البيت الذي يذكر الله تعالى فيه والبيت الذي لا يذكر الله تعالى فيه كمثل الحي والميت (وقال) التوربشتي المراد أن من لم يصلّ في ييته جعل نفسه كالميت وبيته كالقبر اهـ (وقال الخطابي) المراد لا تجعلوا بيوتكم وطنًا للنوم فقط لا تصلون فيها فإن النوم أخو الموت والميت لا يصلي. وأما من تأوله على النهي عن دفن الموتى في البيوت فليس بشيء فقد دفن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بيته الذي كانت يسكنه أيام حياته اهـ وقوله وأما من تأوله على النهي عن دفن الموتى الخ "تعقبه" الحافظ في الفتح بأن النهي عن دفن الموتى في البيوت هو ظاهر لفظ الحديث قال وما استدل به الخطابي على ردّة من دفنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بيته فقد قال الكرماني لعل ذلك من خصائصه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد روى أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون. وإذا حمل دفنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بيته على الاختصاص لم يبعد غيره عن ذلك بل هو متجه لأن استمرار الدفن في البيوت ربما صيرها مقابر فتصير الصلاة فيها مكروهة اهـ ببعض تصرّف (وحثّ) صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على النافلة في البيت لكونه أخفي وأبعد من الرياء وأصون من المحبطات وليتبرّك البيت بالصلاة فيه وتنزل فيه الرحمة والملائكة كما جاء في رواية مسلم والبيهقي عن جابر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا قضي أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرًا (فقه الحديث) دلّ الحديث على استحباب صلاة النافلة في البيوت. ودلّ بمفهومه على أن المقابر ليست محلا للصلاة. وتقدم بسط الكلام عليه في "باب النهي عن الصلاة في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة" (والحديث) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله

باب من صلى لغير القبلة ثم علم

تعالى عليه وعلى آله وسلم- قَالَ "صَلاَةُ الْمَرْءِ في بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهِ في مَسْجِدِي هَذَا إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ". (ش) (رجال الحديث) (إبراهيم بن أبي النضر) هو إبراهيم بن سالم بن أبي أمية بن أبي النضر أبو إسحاق التميمي المعروف ببردان بفتح الموحدة. روى عن أبيه وسعيد بن المسيب وعنه سليمان بن بلال والواقدي وصفوان بن عيسى. وثقه ابن سعد وقال له أحاديث وقال في التقريب صدوق من السادسة. توفي سنة ثلاث وخمسين ومائة. روى له أبو داود (معنى الحديث) (قوله صلاة المرء في بيته الخ) فيه دلالة على استحباب صلاة التطوع في البيوت وأن فعلها من فعلها في المساجد ولو في مسجده صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لبعدها عن الرياء. ويستثني من صلاة النافلة في البيوت ما تشرع فيها الجماعة كالعيدين والاستسقاء والكسوف فإن فعلها في غير البيت أفضل لفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إياها في غير البيوت. وأما الصلوات المكتوبة ففعلها في المساجد أفضل في حق الرجل ولا سيما في الجماعة وأما النساء فالأفضل لهنّ أن يصلين المكتوبات والنوافل في بيوتهن لأنها أستر لهن وأبعد عن الفتنة (وقد) جاءت أحاديث أخر في الترغيب في الصلاة في البيوت. فقد روى أحمد وابن خزيمة وابن ماجه عن ابن مسعود قال سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أيما أفضل الصلاة في بيتي أم الصلاة في المسجد قال ألا تري إلى بيتي ما أقربه من المسجد فلأن أصلي في بيتي أحب إليّ من أن أصلي في المسجد إلا أن تكون صلاة مكتوبة. وروى ابن خزيمة في صحيحه عن أبي موسى قال خرج نفر من أهل العراق إلى عمر فلما قدموا عليه سألوه عن صلاة الرجل في بيته فقال عمر سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال أما صلاة الرجل في بيته فنور فنوّروا بيوتكم. وروى أيضًا عن أنس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أكرموا بيوتكم ببعض صلاتكم. وروى البيهقي عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرفوعًا فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل الفريضة على التطوع (والحديث) أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والترمذي والبيهقي (باب من صلى لغير القبلة ثم علم) أي في بيان حكم من صلى لغير القبلة لاشتباهها عليه ثم تبين له أنه صلى لغير جهتها أيعيد صلاته أم لا (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ وَحُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ

-صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يُصَلُّونَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَنَادَاهُمْ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَلاَ إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ إِلَى الْكَعْبَةِ مَرَّتَيْنِ فَمَالُوا كَمَا هُمْ رُكُوعٌ إِلَى الْكَعْبَةِ. (ش) (حماد) بن سلمة تقدم في الجزء الأول صفحة 26. و (حميد) الطويل في الثاني صفحة 172 (قوله كانوا يصلون نحو بيت المقدس) وكانت صلاتهم إليه بعد أن هاجروا إلى المدينة وصلوا نحوه ثلاثة عشر أوستة عشر أوسبعة عشر شهرًا كما تقدم (قوله فلما نزلت هذه الآية فولّ وجهك الخ) وكان نزولها بعد الهجرة. فقد روى الشيخان عن البراء قال صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرًا نحو بيت المقدس ثم علم الله تعالى هوي نبيه فنزلت "قد نري تقلب وجهك" الآية أي نري تردّد وجهك وتصرّف نظرك إلى جهة السماء. وتقدم شرح الآية في الجزء الرابع في "باب كيف الأذان" (قوله فمرّ رجل من بنى سلمة) بكسر اللام وهكذا رواية مسلم. وفي رواية النسائي عن البراء فمرّ رجل قد كان صلى مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على قوم من الأنصار فقال أشهد أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد وجه إلى الكعبة فانحرفوا إلى الكعبة. والرجل الذي مرّ لم يسمّ "وما قيل" من أنه عباد بن نهيك أو عباد بن بشر الأشهلي "فلا يتفق" مع قول المصنف من بنى سلمة فإن عباد بن بشر من بنى حارثة وعباد بن نهيك خطميّ فليسا من بنى سلمة (قوله فناداهم وهو ركوع في صلاة الفجر) وفي رواية مسلم والبيهقي عن ابن عمر قال بينها الناس في صلاة الصبح بقباء إذا جاءهم آت فقال إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد أنزل عليه اللية وقد أمر أن يسقبل الكعبة وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة (قوله قال فمالوا كما هم ركوع إلى الكعبة) أي قال أنس انحرفوا عن بيت المقدس حال ركوعهم وتوجهوا إلى الكعبة. وهذا محل الترجمة فإنهم لما علموا تحويل القبلة مضوا على صلاتهم ولم يستأنفوها. والظاهر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم بذلك وأقرّهم عليه حتى يكون دليلًا على عدم بطلان صلاتهم لأن مجرّد فعلهم لا يكون حجة. وقد وقع بيان كيفية التحوّل في خبر تويلة بنت أسلم عند الطبراني وفيه قالت فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء (قال الحافظ) وتصويره أن الإِمام تحول من مكانه في مقدمه المسجد إلى مؤخر المسجد

دليل من قال بقبول خبر الواحد والعمل به

لأن من استقبل الكعبة استدبر بيت المقدس وهو لو دار في مكان لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف ولما تحول الإِمام تحولت الرجال حتى صاروا خلفه وتحولت النساء حتى صرن خلف الرجال وهذا يستدعي عملًا كثيرًا في الصلاة فيحتمل أن ذلك وقع قبل تحريم العمل الكثير كما كان قبل تحريم الكلام ويحتمل أن يكون اغتفر العمل المذكور من أجل المصلحة المذكورة اهـ (فقه الحديث) دل الحديث على أن حكم الناسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه لأن أهل قباء الذين بنو سلمة لم يؤمروا بإعادة الصلاة مع كون الأمر باستقبال الكعبة وقع قبل شروعهم في تلك الصلاة، وعلى جواز تعليم من ليس في الصلاة من هو فيها، وعلى أن استماع المصلي لكلام من يعلمه لا يفسد صلاته، وعلى قبول خبر الواحد ووجوب العمل به، وعلى نسخ ما ثبت بطريق العلم بخبر الواحد لأن صلاتهم إلى بيت المقدس كانت عندهم بطريق القطع لمشاهدتهم صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى جهته وتحولهم إلى الكعبة بخبر هذا الواحد "فإن قيل" إن نسخ المقطوع به بخبر الواحد ممتنع عند أهل الأصول "قيل" إن ذلك جائز في زمنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لوجود الوحي الذي لا يقرّ إلا بالمشروع أو أن هذا الخبر قد احتفّ بالقرائن والمقدمات التي أفادت القطع لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقلب وجهه إلى السماء ليحوّل إلى جهة الكعبة وقد عرفت الأنصار ذلك بملازمتهم له فكانوا يتوقعون ذلك في كل وقت فلما جاءهم الخبر بذلك أفادهم العلم بما كانوا يتوقعون حدوثه (والحديث) أخرجه أحمد والنسائي ومسلم وابن خزيمة (باب تفريع أبواب الجمعة) التفريع في الأصل التفريق والتفصيل والمراد هنا بيان الفصول والأبواب المتعلقة بالجمعة (باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة) وفي بعض النسخ إسقاط هذه الترجمة (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُهْبِطَ وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ وَفِيهِ مَاتَ وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ وَهِيَ مُسِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة

مِنْ حِينَ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ إِلاَّ الْجِنَّ وَالإِنْسَ وَفِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللهَ حَاجَةً إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهَا". قَالَ كَعْبٌ ذَلِكَ في كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ. فَقُلْتُ بَلْ في كُلِّ جُمُعَةٍ. قَالَ فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ فَقَالَ صَدَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلاَمٍ فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبٍ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ لَهُ فَأَخْبِرْنِي بِهَا. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. فَقُلْتُ كَيْفَ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لاَ يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي". وَتِلْكَ السَّاعَةُ لاَ يُصَلَّي فِيهَا. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ فَهُوَ في صَلاَةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ". قَالَ فَقُلْتُ بَلَي. قَالَ هُوَ ذَاكَ. (ش) (القعنبي) هو عبد الله بن مسلمة تقدم في الجزء الأول صفحة 22 (قوله خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة) أي أفضل الأيام يوم الجمعة فخير أفعل تفضيل حذفت منه الهمزة لكثرة الاستعمال "وهو لا ينافي" ما رواه ابن حبان في صحيحه عن عبد الله ابن قرط أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أفضل الأيام عند الله تعالى يوم النحر وما رواه أيضًا عن جابر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما من يوم أفضل عند الله تعالى من يوم عرفة "لأن تفضيل يوم الجمعة" بالنسبة لأيام الأسبوع وتفضيل يوم عرفة أو يوم النحر بالنسبة لأيام السنة وقد صرّح العراقي بأن حديث أفضلية يوم الجمعة أصح والشوكاني بأن دلالة حديث جابر على أفضلية يوم عرفة أقوي من دلالة حديث عبد الله بن قرط على أفضلية يوم النحر. والجمعة بضم الميم على الأشهر وحكى فيها الفتح والكسر والسكون. وسمي بالجمعة قيل لأنه جمع فيه خلق آدم من الماء والطين. وقيل لاجتماع الأنصار مع أسعد بن زرارة فيه فصلي بهم وذكرهم فسموه بالجمعة بعد أن كانوا يسمونه يوم العروبة

الترغيب في الإكثار من العبادة يوم الجمعة ولا سيما بعد عصرها

وقيل لاجتماع الناس فيه للصلاة وبه جزم ابن حزم وقيل لاجتماع آدم وحواء فيه (قوله فيه خلق آدم) بيان لبعض فضائل يوم الجمعة والمراد بخلق آدم نفخ الروح فيه فلا ينافي ما تقدم من أنه جمع فيه خلقه لأنه جمع خلقه فيه من الماء والطين ثم مكث ما شاء الله ثم نفخ فيه الروح يوم الجمعة أيضًا. وفي رواية مسلم والترمذي وفيه أدخل الجنة. وفيها دليل على أنه عليه السلام لم يخلق في الجنة بل خلق خارجها ثم أدخلها (قوله وفيه أهبط) وفي رواية مسلم وفيه أخرج منها أي أنزل من الجنة في مكان بالهند يقال له سرنديب. وكان هبوطه من مزايا يوم الجمعة لما ترتب عليه من الخير الكثير ولا سيما وجود النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قال القاضي) الظاهر أن هذه القضايا المعدودة ليست لذكر فضيلته لأن إخراج آدم وقيام الساعة لا يعدّ فضيلة وإنما هو بيان لما وقع فيه من الأمور العظام وما سيقع ليتأهب فيه العبد بالأعمال الصالحة لنيل رحمة الله ودفع نقمه اهـ وقال ابن العربي في شرح الترمذي الجميع من الفضائل وخروج آدم من الجنة هو سبب وجود الذرية وهذا النسل العظيم ووجود الرسل والأنبياء والصالحين والأولياء ولم يخرج منها طردًا بل لقضاء أوطار ثم يعود إليها وأما قيام الساعة فتعجيل لجزاء الأنبياء والصديقين والأولياء وغيرهم وإظهار كرامتهم (قوله وفيه تيب عليه) يعني قبل الله توبته في يوم الجمعة مما وقع منه من الأكل من الشجرة التي نهاه الله تعالى عن الأكل منها بعد أن مكث ثلثمائة سنة لا يرفع رأسه حياء من الله عَزَّ وَجَلَّ فلما أراد الله الخير لقنه كلمات كانت سبب توبته كما قال تعالى {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} قيل هي قوله تعالى {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} وقيل هي سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالي جدك ولا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. وما وقع لآدم من أكله من الشجرة من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين فإنه لم يتعمد المخالفة بل اجتهد فأخطأ حيث فهم أن الشجرة المنهي عن الأكل منها هي شخص الشجرة التي كانت قريبة منه كما هو مقتضى اسم الإشارة في قوله تعالى {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} لا جنس الشجر فأكل من غيرها متأولًا فأخطأ في اجتهاده فهي صورة معصية (قوله وفيه مات) أي في يوم الجمعة مات آدم قيل دفن بالهند وقيل بمكة في غار أبي قبيس وهو الذي يقال له غار الكنز. وقيل دفن. ببيت المقدس كما ذكره العيني عن ابن عباس قال لما كان أيام الطوفان حمل نوح تابوت آدم في السفينة فلما خرج دفنه ببيت المقدس اهـ وكان موته يوم الجمعة من مزاياه لأن الموت تحفة المؤمن كما رواه الحاكم والبيهقي عن ابن عمر موقوفًا (قوله وفيه تقوم الساعة) أي القيامة وكان قيام الساعة من مزايا يوم الجمعة لأن فيه نعمتين عظيمتين للمؤمنين وصولهم إلى النعيم المقيم وإدخال أعدائهم في نيران الجحيم (قوله وما من دابة إلا وهي مسيخة الخ) روى بالسين والصاد المهملتين أي مصغية ومترقبة قيام الساعة بإلهام من الله تعالى خوفا من قيامها فيما بين الفجر وطلوع الشمس

وسميت القيامة ساعة لسرعة قيامها. وقوله من حين بفتح النون مبنيًا لإضافته إلى الجملة ويجوز إعرابه إلا أن الرواية بالفتح (قوله إلا الجن والإنس) فإنهم لا يترقبون انتظار الساعة ولا يخافون قيامها في هذا اليوم لكثرة غفلتهم لا لأنهم لا يعلمون ذلك. وروى ابن حبان وابن خزيمة في صحيحيهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا تطلع الشمس ولا تغرب على أفضل من يوم الجمعة وما من دابة إلا وهي تفزع يوم الجمعة إلا هذين الثقلين الجن والإنس. وأخفاها الله عَزَّ وَجَلَّ عن الثقلين لتحقق إيمانهم بالغيب (قوله وفيها ساعة) أي في الجمعة أو في ساعاتها. وفي نسخة وفيه بالتذكير أي في يوم الجمعة (قوله لا يصادفها عبد مسلم الخ) أي لا يوافقها عبد مسلم في حال صلاته حقيقة أو حكمًا بانتظاره الصلاة وقوله يسأل الله الخ أي يطلب منه تعالى أي حاجة دنيوية كانت أو أخروية في أي حال إلا أعطاه الله إياها بالشروط المعتبرة في آداب الدعاء كأن يدعوه تعالى وهو موقن بالإجابة (قوله قال كعب ذلك في كل سنة يوم) يعني تلك الساعة التي يجاب فيها الدعاء يوم الجمعة تكون في يوم واحد من كل سنة. و (كعب) هو ابن ماتع بالمثناة الفوقية المكسورة أبو إسحاق المعروف بكعب الأحبار أدرك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو في الجاهلية وأسلم في خلافة أبي بكر أو عمر وهو الصحيح وأخرج ابن سعد بسند حسن عن سعيد بن المسيب قال قال العباس لكعب ما منعك أن تسلم في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر قال إن أبي كتب لي كتابًا من التوراة فقال اعمل بهذا وختم على سائر كتبه وأخذ عليّ بحق الوالد على الولد أن لا أفض الختم عنها فلما رأيت ظهور الإِسلام قلت لعل أبي غيب عني علمًا ففتحتها فإذا صفة محمَّد وأمته فجئت الآن مسلمًا. ولعل الكتاب الذي كتبه أبوه له من التوراة كان فيه الحث على التمسك بدين اليهود والتنفير من الإيمان بالنبي محمَّد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بدعوى أن التوراة تأمر بذلك. وأخرج ابن أبي الدنيا من طريق أسامة بن زيد عن أبي معن قال لقي عبد الله ابن سلام كعبًا عند عمر فقال يا كعب من العلماء قال الذين يعملون بالعلم قال فماذا يذهب العلم من قلوب العلماء قال الطمع وشره النفس وتطلب الحاجات إلى الناس قال صدقت. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرسلًا وعن عمر وعائشة وصيهب. وعنه من الصحابة ابن عمر وابن عباس وأبوهريرة وابن الزبير ومعاوية ومن التابعين أبو رافع الصائغ وسعيد بن المسيب ومالك بن عامر وعبد الله بن رباح وآخرون. توفي سنة اثنتين أو أربع وثلاثين (قوله فقلت بل في كل جمعة الخ) أي قال أبوهريرة إن ذلك اليوم المشتمل على ساعة الإجابة موجود في كل أسبوع فقرأ كعب التوراة لينظر هذه الساعة فوجدها كما أخبر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال صدق رسول الله صلى الله تعالى

عليه وعلى آله وسلم (قوله ثم لقيت عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام ابن الحارث أبا يوسف الإسراءيلي الأنصاري من ولد يوسف بن يعقوب يقال كان اسمه الحصين فسماه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عبد الله. أسلم أول قدومه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة فقد أخرج أحمد من طريق زرارة بن أوفي عن عبد الله بن سلام قال لما قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة كمت ممن انجفل "أي أسرع الهرب" فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب. وأخرج البخاري من طريق حميد قال حدثنا أنس أن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة فأتاه يسأله عن أشياء فقال إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهنّ إلا نبيّ ما أول أشراط الساعة وما أول طعام يأكله أهل الجنة وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه قال أخبرني به جبريل آنفًا قال ابن سلام ذاك عدوّ اليهود من الملائكة قال أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد قال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال يا رسول الله إن اليهود قوم بهت فاسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي فجاءت اليهود فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أيّ رجل عبد الله بن سلام فيكم قالوا خيرنا وابن خيرنا وأفضلنا وابن أفضلنا فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام قالوا أعاذه الله من ذلك فأعاد عليهم فقالوا مثل ذلك فخرج إليهم عبد الله فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله قالوا شّرنا وابن شرّنا وانتقصوه قال هذا كنت أخاف يا رسول الله. وفي رواية للحاكم فقال لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كذبتم لن يقبل قولكم أما آنفًا فتثنون عليه من الخير ما أثنيتم وأما إن آمن فكذبتموه وقلتم فيه ما قلتم فلن يقبل قولكم (قوله هي آخر ساعة من يوم الجمعة) أي آخر جزء منه. ويدل عليه حديث جابر الآتي في الباب بعد وما رواه الترمذي عن أنس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم التمسوا الساعة التي ترجي يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة الشمس (فقه الحديث) دلّ الحديث على فضل يوم الجمعة، وعلى الترغيب في الإكثار فيه من العمل الصالح، وعلى أن القيامة تقوم فيه وأن الحيوانات العجم ملهمة ذلك فتخشى قيامها في كل يوم جمعة بخلاف الجنّ والإنس فهم في غفلة عن ذلك، وعلى الترغيب في الدعاء يوم الجمعة ولا سيما آخر ساعة منه، وعلى أن شريعته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مصدّقة للكتب القديمة (ومن أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مالك والترمذي والنسائي وأخرج البخاري ومسلم طرفًا منه في ذكر ساعة الجمعة من رواية الأعرج عن أبي هريرة وأخرج مسلم الفصل الأول

تفسير قول الله تعالى "ونفخ في الصور فصعق من في السموات. الآية"

في فضل الجمعة عن رواية الأعرج أيضًا وأخرجه البيهقي من طريق ابن بكير قال حدثنا مالك وذكر سنده إلى أبي هريرة (ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ نَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ قُبِضَ وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ". قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ يَقُولُونَ بَلِيتَ. فَقَالَ "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَي الأَرْضِ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ". (ش) (أبو الأشعث) هو ابن شرحبيل بن آدة تقدم في الجزء الثالث صفحة 209 (قوله وفيه النفخة وفيه الصعقة) المراد بالنفخة نفخة البعث وهي النفخة الثانية وبالصعقة النفخة الأولى التي يموت بها من كان حيًا حياة دنيوية إلا الرؤساء من الملائكة لما رواه ابن جرير الطبري بسنده عن أنس بن مالك قال قرأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله" فقيل من هؤلاء الذين استثني الله يا رسول الله قال جبراءيل وميكاءيل وملك الموت فإذا قبض أرواح الخلائق قال يا ملك الموت من بقي وهو أعلم قال يقول سبحانك تباركت ربي ذا الجلال والإكرام بقي جبريل وميكاءيل وملك الموت قال يقول يا ملك الموت خذ نفس نفس ميكاءيل قال فيقع كالطود العظيم قال ثم يقول يا ملك الموت من بقي فيقول سبحانك ربي يا ذا الجلال والإكرام بقي جبريل وملك الموت قال فيقول يا ملك الموت من قال فيموت قال ثم يقول يا جبريل من بقي قال فيقول جبريل سبحانك ربي يا ذا الجلال والإكرام بقي جبريل وهو من الله بالمكان الذي هو به قال فيقول يا جبريل لا بد من موتة قال فيقع ساجدًا يخفق بجناحيه يقول سبحانك ربي تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام أنت الباقي وجبريل الميت الفاني قال ويأخذ روحه في الخلقة التي خلق منها قال فيقع على ميكاءيل إن فضل خلقه على خلق ميكاءيل كفضل الطود العظيم على الظرب من الظراب اهـ "والظرب بفتح فكسر هو المكان المرتفع" أما من كان حيًا حياة برزخية فإنه يغشي عليه. فالنفخ في الصور مرّتان وهوظاهر قوله تعالى {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ

عدم أكل الأرض أجساد الأنبياء وعرض صلاة المصلين على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قبره والكلام في أن الأرض لا تأكل أجساد الشهداء

مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} ثم نفخ فيه أخري فإذا هم قيام ينظرون" وقيل إن النفخ ثلاث مرّات الأولى يكون بهما الزلزلة وتسيير الجبال وتكرير الشمس وانكدار النجوم وتسجير البحار والناس أحياء ولهون ينظرون إليها فتذهل كل مرضعة عما أرضعت والثانية والثالثة ما ذكرنا. والصعقة المرّة من الصعق وهو أن يغشي على الإنسان من صوت "شديد يسمعه وربما مات منه ثم استعمل في الموت كثيرًا. وقيل المراد بالصعقة صعقة موسى عليه الصلاة والسلام المذكورة في قوله تعالى (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا) (قوله فإن صلاتكم معروضة عليّ) تعليل لطلب الإكثار من الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في يوم الجمعة والمعني أن الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الجمعة تعرض عليه كعرض الهدايا على من أهديت إليه فهي من أهم الأعمال الطيبة فينبغي الإكثار منها ولا سيما في الأوقات الفاضلة فإن العمل الصالح يزيد ثوابه بفضل وقته (قوله وقد أرمت) بفتح الراء أصله أرمت حذفت إحدي الميمين كما قالوا أحست في أحسست ويروى بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون الميم ويجوز أن يكون أرمت بضم الهمزة بوزن أمرت من الأرم وهو الأكل أي صرت مأكولًا للأرض من قولهم أرمت الإبل تأرم إذا تناولت العلف وقلعته من الأرض (وقال الحربي) يرويه المحدّثون أرمت بفتح الميم ثم المشددة وفح التاء ولا أعرف وجهه والصواب أرمت بتشديد الميم وسكون التاء فتكون التاء لتأنيث العظام أي بليت عظامك أو رممت بكسر الميم الأولى وسكون الثانية أي صرت رمميا اهـ من النهاية بتصرّف (قوله قال يقولون بليت الخ) أي قال أوس يقصدون بقولهم أرمت بليت (وسألوا) عن كيفية العرض لاستبعادهم له بعد فناء الجسد واستبعادهم أيضًا العرض على الروح المجرّد ولذا قال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن الله عَزَّ وَجَلَّ حرم على الأرض أجساد الأنبياء أي منعها من أن تأكل جسدهم وهو كناية عن حياتهم في قبورهم (وقد وردت) أحاديث كثيرة تؤيد هذا وتدلّ على أن الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تبلغه في قبره ممن صلى عليه (منها) ما رواه ابن ماجه بإسناد جيد عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده الملائكة وإن أحدًا لن يصلي عليّ إلا عرضت عليّ صلاته حتى يفرغ منها قال قلت وبعد الموت قال إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (ومنها) ما رواه سعيد بن منصور في سننه عن خالد بن معدان أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أكثروا الصلاة في عليّ كل جمعة فإن صلاة أمتي تعرض عليّ في كل يوم جمعة (ومنها) ما رواه البيهقي با سناد حسن عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أكثروا عليّ من الصلاة في كل يوم جمعة

فإن صلاة أمتي تعرض عليّ في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم عليّ صلاة كان أقربهم مني منزلة (ومنها) ما رواه النسائي وابن حبان في في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه تعالى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن لله ملائكته سياحين يبلغوفي عن أمتي السلام (ومنها) ما رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن عن الحسن بن على رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال حيثما كنتم فصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني (ومنها) ما رواه الطبراني في الأوسط بإسناد لا بأس به عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من صلى عليّ بلغتني صلاته وصليت عليه وكتب له سوي ذلك عشر حسنات (ومنها) ما رواه أبو الشيخ بن حبان والبزّار واللفظله عن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن الله وكل بقبري ملكًا أعطاه الله أسماء الخلائق فلا يصلي عليّ أحد إلى يوم القيامة إلا أبلغني باسمه واسم أبيه هذا فلان بن فلان قد صلى عليك (ومنها) ما رواه البزّار والطبراني في الكبير وأبو الشيخ بن حبان واللفظ له عن عمار أيضًا قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن لله تبارك وتعالي ملكًا أعطاه أسماء الخلائق فهو قائم على قبري إذا متّ فليس أحد يصلي عليّ صلاة إلا قال يا محمَّد صلى عليك فلان بن فلان قال فيصلي الرب تبارك وتعالي على ذلك الرجل بكل واحدة عشرًا (وفي هذا كله) دلالة على أن إلاَّ نبياء أحياء في قبورهم وأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تعرض عليه اعمال أمته (فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على أن النفخة الأولى والثانية تقعان يوم الجمعة، وعلى الحث على الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيه وعلى أن الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تعرض عليه في قبره، وعلى أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء (وألحق بعضهم) شهداء المعركة الذين قاتلوا لإعلاء كلمة الله عَزَّ وَجَلَّ بالأنبياء في ذلك لقوله تعالى (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) ولما ذكره بعض المفسرين من أن معاوية لما أراد أن يجري العين على قبور الشهداء أمر بأن ينادي من كان له قتيل فليخرجه من هذا الموضع قال جابر فخرجنا إليهم فأخرجناهم رطاب الأبدان فأصابت المسحاة "الفأس" أصبع رجل منهم فقطرت دمًا (وفيه) أن مثل هذا لا يثبت بالقياس إذ فرق كبير بين الأنبياء وغيرهم (والآية ليست نصًا) في أن الأرض لا تأكل أجساد الشهداء. وأكثر المحققين على أن حياة الشهداء بالروح والجسد بحالة لا ندركها في هذه الدار (وقال بعضهم) المراد بحياة الشهداء أن الله تعالى يجعل أرواحهم في حواصل طيور خضر في الجنة لما سياتي للمصنف. في "باب فضل الشهادة" من كتاب الجهاد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله

باب الإجابة أية ساعة هي في يوم الجمعة

وسلم لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عند الحرب فقال الله سبحانه وتعالي أنا أبلغهم عنكم قال فأنزل الله تعالى {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ} الآية اهـ "وما ذكره جابر" من أنهم أخرجوا أجساد الشهداء رطابًا وأن أحدهم أصابته المسحاة فقطر أصبعه دمًا "فعلي فرض صحته" لا يستلزم اطراد عدم أكل الأرض لجسد كل شهيد بل لايستلزم عدم أكلها لأجساد أوليك الشهداء أنفسهم على ممرّ المئات والآلاف من السنين (وبالجملة) فلم تقف على دليل صريح صحيح يفيد أن الأرض لاتأكل أجساد الشهداء. وسيأتي بسط هذا المقام في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى (والحديث) أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم وابن حبان والبيهقي (باب الإجابة آية ساعة هي في يوم الجمعة) أي في بيان الساعة التي يجاب فيها الدعاء يوم الجمعة (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو -يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ- أَنَّ الْجُلاَحَ مَوْلَي عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ -يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ- حَدَّثَهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ "يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ". يُرِيدُ سَاعَةً "لاَ يُوجَدُ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا إِلاَّ آتَاهُ الله عَزَّ وَجَلَّ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ". (ش) (رجال الحديث) (ابن وهب) هو عبد الله تقدم في الجزء الأول صفحة 325 و (الجلاح) بضم الجيم وتخفيف اللام (مولى عبد العزيز) أبا كثير الأموي مولاهم المصري روى عن أبي سلمة والمغيرة بن أبي بردة وحنش الصنعاني. وعنه عمرو بن الحارث والليث وبكير بن الأشج وعبيد الله بن أبي جعفر ويزيد بن أبي حبيب، قال الدارقطني لا بأس به وقال ابن عبد البر تابعي ثقة وقال في التقريب صدوق من السادسة. توفي سنة عشرين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي (معنى الحديث) (قوله يوم الجمعة ثنتا عشرة الخ) بكسر المثلثة بغير ألف في أوله وهي رواية

الحاكم أيضًا. ورواية النسائي اثنتا عشرة بالألف. وقوله يريد ساعة تمييز وهو تصير من الراوي وفي رواية النسائي والحاكم ليس مدرجًا بل من كلامه صلى الله تعال عليه وعلى آله وسلم والمراد بالساعة هنا الجزء من الزمان فإن النهار اثنا عشر جزءًا طال أو قصر. ويحتمل أن المراد بها الساعة الفلكية فيكون التقدير بهذا العدد منظورًا فيه لبعض الأوقات لأن اليوم يزيد وينقص (قوله لا يوجد مسلم) صفة لموصوف محذوف أي وفيها ساعة لا يوجد عبد مسلم (قوله فالتمسوها الخ) أي اطلبوا ساعة الإجابة آخر ساعة من هذه الساعات وهي قليلة لما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذكر يوم الجمعة فقال في ساعة لا يوافقها عبد مسلم إلى قوله وأشار بيده يقللها. وفي رواية لمسلم وهي ساعة خفيفة. والطبراني في الأوسط من حديث أنس وهي قدر هذا يعني قبضة. وفي رواية للبخاري من طريق سلمة بن علقمة عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة ووضع أنملته على بطن الوسطي أوالخنصر قلنا يزهدها "أي يقللها" (قال ابن المنير) الإشارة لتقليلها هي الترغيب فيها والحضّ عليها ليسارة وقتها وغزارة فضلها اهـ (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي والحاكم والبيهقي بدون ذكر عدد الساعات (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ -يَعْنِي ابْنَ بُكَيْرٍ- عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَي الأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- في شَأْنِ الْجُمُعَةِ يَعْنِي السَّاعَةَ. قَالَ قُلْتُ نَعَمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الإِمَامُ إِلَي أَنْ تُقْضَي الصَّلاَةُ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ يَعْنِي عَلَي الْمِنْبَرِ. (ش) (قوله في شأن الجمعة يعني الساعة) لعلّ هذه العناية من أَبي بردة وفي رواية البيهقي في شأن ساعة الجمعة (قوله هي ما بين أن يجلس الإِمام الخ) يعني ساعة الإجابة تكون في الوقت الذي بين جلوس الإِمام على المنبر وفراغه من الصلاة وهو لا ينافي ما تقدم من أنها آخر ساعة من يوم الجمعة لاحتمال أنها تنتقل من وقت إلى آخر وأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حصرها في هذين الوقتين فيكون دلّ عل أحد الوقتين في هذا الحديث وعلى الآخر فيما تقدم وعلى تقدير أنها لا تنتقل فيصار إلى الترجيح (وقد ذهب) جماعة إلى ترجيح حديث الباب قال مسلم حديث أبي موسى أجود شيء في هذا الباب وأصحه وبذلك قال البيهقي وابن العربي وجماعة

أقوال العلماء في ذلك

وقال القرطبي هو نصّ في موضع الخلاف فلا يلتفت إلى غيره (وقال) النووي هو الصحيح بل الصواب وجزم في الروضة أنه الصواب ورجحه غيره بكونه مرفوعًا صريحًا وفي أحدًا الصحيحين (وذهب) آخرون إلى ترجيح قول عبد الله بن سلام فحكى الترمذي عن أحمد أنه قال أكثر الأحاديث على ذلك وقال ابن عبد البرّ إنه أثبت شيء في هذا الباب. وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن ناسًا من الصحابة أجتمعوا فتذكروا ساعة الجمعة ثم أفترقوا فلم يختلفوا أنها آخر ساعة "أي من يوم الجمعة" (ورجحه) كثير من الأئمة أيضًا كأحمد وإسحاق ومن المالكية الطوطوشي. وحكي العلائي أن شيخه ابن الزملكاني في شيخ الشافعية في وقته كان يختاره ويحكيه عن نص الشافعي (وأجابوا) عن كونه ليس في أحد الصحيحين بأن الترجيح بما في الصحيحين أو أحدهما إنما هو حيث لا يكون مما أنتقده الحفاظ كحديث أبي موسى فإنه قد أعلّ كما يأتي بيانه (لكن) الأحاديث الواردة في كونها بعد العصر أرجح لكثرتها واتصالها ولم يختلف في رفعها (قال) أحمد أكثر الأحاديث في الساعة التي يرجى إجابة الدعاء فيها بعد العصر اهـ من هذه الأحاديث ما تقدم للمصنف عن أبي هريرة الذي فيه قصة عبد الله بن سلام قال ابن عبد البر حديث عبد الله بن سلام أثبت شيء في هذا الباب اهـ (ومنها) ما رواه سعيد في سننه عن أبي سلمه أن ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اجتمعوا فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة فتفرّقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة (ومنها ما رواه) أحمد عن أبي سعيد وأبي هريرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى فيها خيرًا إلا أعطاه إياه وهي بعد العصر. وهو وإن كان مطلقًا عن تعيين آخر ساعة فهو محمول على المقيد بها (وحديث) أبي موسى معلول بالانقطاع والاضطراب. أما الانقطاع فلأن مخرمة لم يسمع من أبيه كما نقله المحققون. وأما الأضطراب فقال العراقي إن أكثر الرواة جعلوه من قول أبي بردة ولم يرفعه غير مخرمة عن أبيه (وقال) الدارقطني لم يسنده غير مخرمة عن أبيه عن أبي بردة والصواب أنه من قول أبي بردة وتابعه واصل الأحدب ومجالد روياه عن أبي بردة من قوله وقال النعمان بن عبد السلام عن الثوري عن ابن إسحاق عن أبي بردة عن أبيه موقوف ولا يثبت قوله عن أبيه اهـ كلام الدارقطني "ومارواه ابن ماجه" عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله يقول في يوم الجمعة ساعة من النهار لا يسأل الله فيها العبد إلا أعطي سؤله قيل أي ساعة قال حين تقام الصلاة إلى الانصراف "ضعيف" لأن كثير بن عبد الله اتفق أئمة الجرح والتعديل على ضعفه وقال الشافعي وأبو داود إنه ركن من أركانا الكذب (وما ذكره) المصنف في تعيين وقت ساعة الإجابة في هذا الباب "بعض أقوال" قد أنهاها بعضهم إلى اثنتين وأربعين "منها" أن الله تعالى أخفاها في جميع اليوم

باب فضل الجمعة

كما أخفيت ليلة القدر لما رواه أحمد والحاكم من حديث الآقياسعيد والآتي وفيه ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر (وهو) قضية كلام جمع من العلماء كالرافعي وصاحب المغني وغيرهما حيث قالوا يستحب أن يكثر من الدعاء يوم الجمعة رجاء أن يصادف ساعة الإجابة "ومن حجة" صاحب هذا القول تشبيهها بليلة القدر والاسم الأعظم في الأسماء الحسني (والحكمة) في ذلك بعث العباد على الاجتهاد في الطلب واستيعاب الوقت في العبادة "ومنها" أنها تنتقل في يوم الجمعة ولا تلزم ساعة معينة (قال الغزالي) هذا أشبه الأقوال وجزم به ابن عساكر وغيره "وقال" المحب الطبري إنه الأظهر "ومنها" أنها من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ومن العصر إلى الغروب "ومنها" أنها من الزوال إلى غروب الشمس "ومنها" أنها من حين أذان الجمعة إلى الفراغ من صلاتها "ومنها" أنها إذا أذن وإذا رقي المنبر وإذا أقيمت الصلاة "ومنها" أنها وقت الجلوس بين الخطبتين (والراجح) أنها بعد العصر كما تقدم وبه قال الجمهور من الصحابة والتابعين وغيرها "ولا ينافيه" ما رواه أحمد والحاكم واللفظ له عن أبي سلمة قال قلت والله لو جئت أبا سعيد الخدري فسألته عن هذه الساعة لعله أن يكون عنده منها علم فأتيته فقلت يا أبا سعيد إن أبا هريرة حدثنا عن الساعة التي في يوم الجمعة فهل عندك منها عم فقال سالت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عنها فقال إلى كنت أعلمها ثم أنسِيتها كما أنسيت ليلة القدر "لأن نسيانه" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يقدح في الأحاديث الواردة بتعيينها لاحتمال أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سمع منه التعيين قبل النسيان قاله البيهقي (والحديث) أخرجه مسلم والبيهقي (باب فضل الجمعة) أي في بيان فضل صلاة الجمعة (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَي الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَةِ إِلَي الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَمَنْ مَسَّ الْحَصَي فَقَدْ لَغَا". (ش) (قوله من توضأ فأحسن الوضوء الخ) يعني من أتي به مستجمعًا للشروط والآداب كما تقدم ثم أتي من صلاة الجمعة فاستمع الخطبة وسكت قريبًا كان أو بعيدًا فالإنصات اعمّ من الاستماع (واختلف) هل يلزم من الاستماع الإنصاف أولًا "مال ابن حجر" إلى الثاني فقال

الترغيب في المبادرة إلى صلاة الجمعة والدنو من الخطيب والتحذير من اللغو وعدم الإنصات

لايلزم إذ قد سمع الإنسان ويتكلم فلا بدّ من الأمرين جميعًا لمن كان قريبًا بحيث يسمع الخطبة وأما من كان بعيدًا لزمه الإنصاف فقط. وقيل يجوز له أن يقرأ القرآن حينئذ (قوله غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة الخ) يعني غفر الله له الذنوب الواقعة منه من ابتداء الساعة التي صل فيها الجمعة إلى مثلها من الجمعة الماضية ويغفر له زيادة على ما بين الجمعتين ذنوب ثلاثة أيام (وفي هذا) دلالة على مضاعفة فضلها الجمعة لأن غيرها من الصلوات يكفر ما بين الصلاتين فحسب (قوله ومن مسّ الحصى فقد لغا) يعني من لشعب بالحصى حال الخطبة فقد ارتكب اللغو المنهي عنه قال في القاموس واللغو السقط وما لا يعتدّ به من كلام أو غيره اهـ أو قال في النهاية من مس الحصى فقد لغا أي تكلم. وقيل عدل عن الصواب وقيل خاب. والأصل الأول اهـ وقوله تكلم هو على التشبيه أي كأنه تكلم. ولغا أصله الواو والياء يقال لغا يلغو وزان دعا يدعو ولغي يلغي وزان سعي يسعي ولغي يلغي وزان هوي يهوي (وفي هذا) إشارة إلى أنه ينبغي حال سماع الخطبة حضور القلب وسكون الجوارح والإقبال عليها وترك ما يشغل من عبث وغيره (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَي أَنَا عِيسَي نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِي عَنْ مَوْلَي امْرَأَتِهِ أُمِّ عُثْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا -رضي الله عنه- عَلَي مِنْبَرِ الْكُوفَةِ يَقُولُ "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ غَدَتِ الشَّيَاطِينُ بِرَايَاتِهَا إِلَي الأَسْوَاقِ فَيَرْمُونَ النَّاسَ بِالتَّرَابِيثِ أَوِ الرَّبَائِثِ وَيُثَبِّطُونَهُمْ عَنِ الْجُمُعَةِ وَتَغْدُو الْمَلاَئِكَةُ فَيَجْلِسُونَ عَلَي أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَيَكْتُبُونَ الرَّجُلَ مِنْ سَاعَةٍ وَالرَّجُلَ مِنْ سَاعَتَيْنِ حَتَّى يَخْرُجَ الإِمَامُ فَإِذَا جَلَسَ الرَّجُلُ مَجْلِسًا يَسْتَمْكِنُ فِيهِ مِنَ الاِسْتِمَاعِ وَالنَّظَرِ فَأَنْصَتَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ كِفْلاَنِ مِنْ أَجْرٍ فَإِنْ نَأَي وَجَلَسَ حَيْثُ لاَ يَسْمَعُ فَأَنْصَتَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ كِفْلٌ مِنْ أَجْرٍ وَإِنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَسْتَمْكِنُ فِيهِ مِنَ الاِسْتِمَاعِ وَالنَّظَرِ فَلَغَا وَلَمْ يُنْصِتْ كَانَ لَهُ كِفْلٌ مِنْ وِزْرٍ وَمَنْ قَالَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِصَاحِبِهِ صَهْ. فَقَدْ لَغَا وَمَنْ لَغَا فَلَيْسَ لَهُ في جُمُعَتِهِ تِلْكَ شَيْءٌ". ثُمَّ يَقُولُ في آخِرِ ذَلِكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ ذَلِكَ.

(ش) (عيسى) بن يونس تقدم في الجزء الأول صفحة 24 (قوله عن مولى امرأته) مجهول لا يعرف (قوله غدت الشياطين براياتها الخ) يعني ذهبت بأعلامها فالرايات جمع راية وهي العلم الذي في العسكر. ويحتمل أن يراد بها الأغلال التي تجعل في الأعناق. وقوله بالترابيث أوالربائث بالشك. والترابيث جمع تربيثة وهي الواحدة من التربيث تقول ربثته تربيثا وتربيثة أي حبسته. والربائث جهح ربيثة وهي الأمر الذي يحبس الإنسان عن مهامه ومقاصده والمراد أن الشياطين تجتمع في الأسواق وتذكر الناس حوائجهم ليمنعوهم باشتغالهم بها عن الذهاب إلى الجمعة وحضورها ويثبطونهم عنها يقال ثبطه تثبيطًا قعد به عن الأمر وشغله عنه ومنعه (قوله فيكتبون الرجل من ساعة الخ) يعني من حضر قبل خروج الإِمام بساعة أوساعتين. وقد بين في رواية ابن ماجه وغيره ثواب كل على حسبه عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وآله وسم قال إذا كان يوم الجمعة كانت على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس على قدر منازلهم الأول فالأول فإذا خرج الإِمام طووا الصحف واستمعوا الخطبة فالمهجر إلى الصلاة كالمهدي بدنة ثم الذي يليه كمهدي بقرة ثم الذي يليه كمهدي كبشا حتى ذكر الدجاجة والبيضة. وفي رواية له أيضًا فمن جاء بعد ذلك فإنما يجيء بحق إني الصلاة. وقوله حتى يخرج الإِمام غاية لكتابة الملائكة وبعد خروجه يطوون الصحف ويستمعون الخطبة كما في الحديث (وقوله فإذا جلس الرجل الخ) أي إذا جلس في مكان يتمكن فيه من سماع الخطيب والنظر إليه وسكت ولم يرتكب اللغو من القول والفعل كان له نصيبان من الثواب. فالكفلان تثنية كفل وهو النصيب وإن بعد عن الإِمام وجلس في مكان لا يسمع فيه الخطبة فأنصت ولم يلغ كان له نصيب واحد من الأجر لإنصاته (قوله كان عليه كفلان من وزر) أي كان عليه نصيبان من الإثم. وفي نسخة كان له كفل من وزر أي كانت عليه نصيب من وزر. فاللام فيه بمعني على. والنسخة الأولى هي الأولى لموافقتها لرواية أحمد وفيها كان عليه كفلان للغوه وعدم إنصاته (قوله صه) أي اسكت (قوله ومن لغا فليس له في جمعته تلك شيء) أي من الثواب. وفي رواية أحمد من قال صه فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له. وفي رواية له عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارًا والذي يقول له أنصت ليس له جمعة "أي ليس له جمعة كاملة" فلا ينافي حديث الباب للاتفاق على إسقاط فرض الجمعة عنه (قوله ثم يقول في آخر ذلك الخ) من كلام مولى أم عثمان أي قال مولى أم عثمان ثم يقول على بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بعد ذكره هذء القصة سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول ذلك. والغرض تقوية ما أخبر به وإفادة أن الحديث مرفوع

بيان أن وضع الرايات على المنبر بدعة مذمومة

(فقه الحديث) دلّ الحديث على مزيد فضل صلاة الجمعة، وعلى الترغيب في التبكير إليها وعلى أن الشياطين تجتهد في هذا اليوم في صدّ الناس عن الرواح إلى الصلاة أو عن التبكير إليها وعلى الترغيب في الدنوّ من الإِمام والنظر إليه والإنصات للخطبة "فما يفعله" كثير من أهل هذا الزمان من وضع رايات على المنبر تحجب الخطيب عن الأبصار "بدعة مذمومة" مخالفة لهدي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ودل الحديث أيضًا على التنفير من اللغو حال الخطبة لما فيه من الإثم والحرمان من عظيم الأجر، وعلى التحذير من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حال الخطبة لغير الخطيب (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي وأحمد عن عليّ بلفظ إذا كان يوم الجمعة خرجت الشياطين يربثوت الناس إلى أسواقهم ومعهم الرايات وتقعد الملائكة على أبواب المساجد يكتبون الناس على قدر منازلهم السابق والمصلي والذي يليه حتى يخرج الإِمام فمن دنا من الإِمام فأنصت أو استمع ولم يلغ كان له كفلان من الأجر ومن نأي عنه فاستمع وأنصت ولم يلغ كان له كفل من الأجر ومن دنا من الإِمام فلغا ولم ينصت ولم يستمع كان عليه كفلان من الوزر ومن نأي عنه فلغا ولم ينصت ولم يستمع كان عليه كفل من الوزر ومن قال صه فقد تكلم ومن تكلم فلا جمعة له ثِم قال هكذا سمعت نبيكم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ جَابِرٍ قَالَ بِالرَّبَائِثِ وَقَالَ مَوْلَي امْرَأَتِهِ أُمِّ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ. (ش) أتي به لبيان أن الحديث روى من طريقًا آخر بدون شك في قوله فيرمون الناس بالربائث، ولم نقف على من أخرج هذه الرواية (باب التشديد في ترك الجمعة) أي في بيان الوعيد الشديد لمن ترك صلاة الجمعة تهاونًا (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ -وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "مَنْ تَرَكَ ثَلاَثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ الله عَلَي قَلْبِهِ". (ش) (ورجال الحديث) (عبيدة بن سفيان) بن الحارث الحضرمي. روى عن أبي هريرة

وأبي الجعد وزيد بن خالد وعنه ابنه عمرو وإسماعيل بن أبي حكيم وبشر بن سعيد ومحمد بن عمرو. قالي العجلي تابعي ثقة وقال ابن سعد كان شيخًا قليل الحديث وقال في التقريب ثقة من الثالثة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. و (أبو الجعد) قيل اسمه أدرع وقيل عمرو ابن بكير. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن سلمان الفارسي. وعنه عبيدة ابن سفيان. بعثه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بجيش قومه لغزوة الفتح وتبوك. قتل مع عائشة يوم الجمل. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي. و (الضمري) بفتح فسكون نسبة إلى بن ضمرة بن بكر (معنى الحديث) (قوله من ترك ثلاث جمع تهاونًا بها) يعني كسلًا لقلة الاهتمام بأمرها وليس المراد أنه تركها استخفافًا وإلا كفر (قوله طبع الله على قلبه) أي جعل فيه الجفاء والقسوة فلا يصل إليه شيء من الخير. يقال طبع طبعًا من باب نفع ختم وأما الطبع بفتح الموحدة فهو الدنس "قال العراقي" المراد بالتهاون الترك بلا عذر وبالطبع أن يصير قلبه قلب منافق "وقال" أبو معاذ الطبع أن يطبع على القلب وهو أشد من الرين الذي هو اسوداد القلب من الذنوب وأشد منهما الإقفال وهو أن يقفل على القلب (وظاهر) أن من ترك ثلاث جمع تهاونًا يطبع على قلبه ولوكان الترك متفرّقًا وبه قال بعضهم حتى لو ترك في كل سنة جمعة لطبع الله على قلبه بعد الثالثة. ومجتمل أن المراد ثلاث متواليات. ويؤيده ما رواه الديلمي في مسند الفردوس عن أنس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من ترك ثلاث جمع متواليات من غير عذر طبع الله على قلبه ورواه البيهقي عن جابر. واعتبار الثلاث إمهال من الله تعالى للعبد لعله يتوب ويرجع عن ترك الجمعة (وقد ورد) في التحذير من ترك الجمعة أحاديث (منها) ما رواه مالك وأحمد عن أبي قتادة مرفوعًا بلفظ من ترك الجمعة ثلاث مرّات من غير ضرورة طبع الله على قلبه (ومنها) ما رواه الطبراني في الكبير عن أسامة رفعه من ترك ثلاث جمعًات غير عذر كتب من المنافقين (ومنها) ما رواه البيهقي من ترك الجمعة ثلاثًا من غير عذر قد رمي الإِسلام من وراء ظهره (ومنها) ما رواه ابن ماجه بإسناد حسن وابن خزيمة في صحيحه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ألا هل عسى أحدكم أن يتخذ الصبة من الغنم على رأس ميل أو ميلين فيتعذر عليه الكلأ فيرتفع ثم تجيء الجمعة فلا يجيء ولا يشهدها وتجيء الجمعة فلا يشهدها حتى يطبع على قلبه "والصبة بضم الصاد المهملة وتشديد الموحدة السرية من الخيل أو الغنم أو الإبل ما بين العشرين إلى الثلاثين وقيل ما بين العشرة إلى الأربعين" (ومنها) ما رواه أحمد عن حارثة بن النعمان قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتخذ أحدكم السائمة فيشهد الصلاة في جماعة فتتعذر عليه سائمته فيقول لو طلبت لسائمتي مكانا هو أكلأ

باب التشديد في ترك الجمعة

من هذا فيتحول ولا يشهد إلا الجمعة فتتعذر عليه سائمته فيقول لو طلبت لسائمتي مكانا هو أكلأ من هذا فيتحول فلا يشهد الجمعة ولا الجماعة فيطبع الله على قلبه (ومنها) ما رواه البيهقي وابن ماجه عن جابر قال خطبنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا أيها الناس توبوا إلى لله قبل أن تموتوا وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له وكثرة الصدقة في السرّ والعلانية ترزقوا وتنصروا واعلموا أن الله أفترض عليكم الجمعة في مقامي هذا في يومي هذا في شهري هذا من عامي هذا إلى يوم القيامة فمن تركها في حياتي أو بعدي وله إمام عادل أو جائر استخفافًا بها وجحودًا بها فلا جمع الله له شمله ولا بارك له في أمره ألا ولا صلاة له ألا ولا زكاة له ألا ولا حج له ألا ولا صوم له ألا ولا برّ له حتى يتوب فمن تاب الله عليه (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي والدارمي والحاكم (باب كفارة من تركها) أي في بيان مقدار كفارة من ترك الجمعة لغير عذر كما في الحديث (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا هَمَّامٌ نَا قَتَادَةُ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ وَبَرَةَ الْعُجَيْفِيِّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِنِصْفِ دِينَارٍ". (ش) (رجال الحديث) (همام) بن يحيى بن دينار تقدم في الجزء الأول صفحة 74. و (قدامة ابن وبرة) بفتحات. روى عن سمرة هذا الحديث. وعنه قتادة بن دعامة. قال أحمد ابن خزيمة والذهبي لا نعرفه وقال البخاري لم يصح سماعه من سمرة وقال في التقريب مجهول من الرابعة ووثقه ابن معين. روى له أبو داود والنسائي. و (العجيفي) بضم العين المهملة وفتح الجيم نسبة إلى عجيف بن ربيعة (معنى الحديث) (قوله فليتصدق بدينار) الأمر فيه للندب لأن الجمعة لها بدل وهو الظهر. وهذه الكفارة لتخفيف إثم الترك لا مزيلة له أصالة لأن تركها من غير عذر من الكبائر كما هو ظاهر الأحاديث الواردة بالوعيد الشديد أما هو الإثم كله فلابدّ فيه من التوبة (قوله فإن لم يجد فبنصف دينار) أي إن لم يجد دينارًا كاملًا فليتصدق بنصف دينار (والحديث) أخرجه النسائي والحاكم والبيهقي. وهو ضعيف لعدم سماع قدامة من سمرة كما تقدم

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَكَذَا رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ قَيْسٍ وَخَالَفَهُ في الإِسْنَادِ وَوَافَقَهُ في الْمَتْنِ. (ش) أي روى الحديث خالد بن قيس عن قتادة مثل رواية همام عنه غير أنه خالفه في الإسناد فإن خالدًا رواه عن قتادة عن الحسن عن سمرة فذكر الحسن بدل قدامة في رواية همام. وغرض المصنف بذكر هذا التعليق تقوية الحديث. وقد وصله ابن ماجه والبيهقي من طريق نوح بن قيس عن أخيه خالد بن قيس عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من ترك جمعة متعمدًا فليتصدق بدينار فإن لم يجد فنصف دينار "قال البيهقي" كذا قال "يعني خالد بن قيس" ولا أظنه إلا واهمًا في إسناده لاتفاق رواة همام وسعيد بن بشير وأيوب أبي العلاء على خلافه اهـ ملخصًا. هذا و (خالد ابن قيس) بن رباح البصري. روى عن عطاء وقتادة وعمرو بن دينار. وعنه أخوه نوح وعلى بن نصر ومسلم بن إبراهيم. وثقه ابن معين والعجلي وابن شاهين وقال ابن المديني لا بأس به وقال في التقريب صدوق من السادسة يغرب. روى له مسلم وأبو داود والنسائي. ورواية خالد هذه أخرجها ابن ماجه بلفظ من ترك الجمعة متعمدًا فليتصدق بدينار فإن لم يجد فبنصف دينار (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ وَإِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَيُّوبَ أَبِي الْعَلاَءِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ وَبَرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِرْهَمٍ أَوْ نِصْفِ دِرْهَمٍ أَوْ صَاعِ حِنْطَةٍ أَوْ نِصْفِ صَاعٍ". (ش) هذه الرواية أخرجها الحاكم والبيهقي مرسلة أيضًا فلا تقوي على معارضة الأحاديث الكثيرة الصحيحة المتصلة الدالة على التصدق بدينار أو نصف دينار وهو وإن روى متصلًا من طريق سعيد بن بشير كما ذكره المصنف ضعيف أيضًا لأن سعيدًا فيه مقال (قوله أو صاع حنطة الخ) أوللتخيير. وتقدم أن الصاع أربعة أمداد. بمدّ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الذي بالمدينة وهو رطل وثلث. والحنطة القمح. وغرض المصنف بذكر هذه الرواية بيان أن أيوب أبا العلاء عن قتادة خالف همامًا عن قتادة في السند فأرسله بإسقاط سمرة بن جندب وفي المتن فقد ذكر التصدق بدرهم أو نصف درهم أو صاع حنطة أو نصف صاع. وذكر همام التصدق بدينار أو نصف دينار "وقد أخرج" البيهقي من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل قال سمعت أبي وسئل عن

باب من تجب عليه الجمعة

حديث همام عن قتادة وخلاف أبي العلاء إياه فيه فقال همام عندنا أحفظ من أيوب أبي العلاء قال الإِمام أحمد ورواه خالد بن قيس عن يونس فوافق همامًا في متن الحديث وخالفه في إسناده و (محمَّد بن يزيد) أبو سعيد الكلاعي. روى عن إسماعيل بن أبي خالد وأيوب أبي العلاء وإسماعيل بن مسلم وغيرهم. وعنه أحمد وابن معين ومحمد بن سليمان الأنباري وآخرون. قال أحمد كان ثبتًا في الحديث ووثقه ابن معين وأبو داود والنسائي وذكره ابن حبان في الثقات وقال مات سنة ثمان وثمانين ومائة. روى له أبو داود والترمذي والنسائي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ هَكَذَا إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ "مُدًّا أَوْ نِصْفَ مُدٍّ". وَقَالَ عَنْ سَمُرَةَ. (ش) أي روى هذا الحديث سعيد بن بشير عن قتادة بلفظ الدرهم أونصفه كما رواه أيوب إلا أن سعيدًا قال في روايته مدّا أونصف مدّ بدل قوله في رواية أيوب صاع أو نصف صاع وذكر في روايته سمرة فهو متصل. وهذه الرواية وصلها البيهقي من طريق محمَّد بن شعيب أنبأ سعيد بن بشير أن قتادة حدثهم عن قدامة بن وبرة عن سمرة بن جندب الفزاري صاحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من ترك الجمعة بغير عذر فليتصدق بدرهم أو نصف درهم أو صاع أو مدّ قال سعيد فسألت قتادة هل يرفعه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فشك في ذلك قال سعيد وقد ذكر بعض أصحابنا أن قتادة يرفعه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وغرض المصنف بذكر هذه الرواية بيان أن سعيد بن بشير خالف أيوب أبا العلاء عن قتادة في السند فوصله بذكر سمرة. وفي المتن فقد ذكر التصدّق بمدّ أو نصف مدّ بدل قول أيوب في روايته أو صاع حنطة أو نصف صاع (وعلى الجملة) فإن أصحاب قتادة اختلفوا عليه اختلافًا كثيرًا في السند والمتن فالحديث مضطرب وقد علمت أن أقواها رواية همام. وفي بعض النسخ زيادة "قال أبو داود سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن اختلاف هذا الحديث فقال همام عندي أحفظ من أيوب يعني أبا العلاء" والغرض منها تقوية حديث التصدق بدينار أو نصفه المروى من طريق همام (باب مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ) وفي بعض النسخ "باب على من تجب الجمعة" (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ

أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَمِنَ الْعَوَالِي. (ش) لعلّ المصنف يري أن الجمعة تجب على من كات خارج العصر مستدلًا بهذا الحديث ولذا ذكره تحت هذه الترجمة لأن لا دليل فيه على الوجوب لأن أهل العوالي كانوا يحضرونها اختيارًا منهم. على أنهم كانوا يأتونها نوبًا فلو كانت واجبة عليهم لحضروها كلهم جميعًا (قال العيني) وقال صاحب التوضيح في حديث الباب ردّ لقول الكوفيين إن الجمعة لا تجب على من كان خارج المصر لأن عائشة رضي الله تعالى عنها أخبرت عنهم بفعل دائم أنهم يتناوبون الجمعة فدلّ على لزومها عليهم "قلت" هذا نقله عن القرطبي وهو ليس بصحيح لأنه لوكان واجبًا على أهل العوالي ما تناوبوا ولكانوا يحضرون جميعًا اهـ (وقال القسطلاني) استدل به على أن الجمعة تجب على من كان خارج المصر وهو يردّ على الكوفيين حيث قالوا بعدم الوجوب "وأجيب" بأنه لو كان واجبًا على أهل العوالي ما تناوبوا ولكانوا يحضرون جميعًا (وقال الحافظ) في الفتح وقال القرطبي فيه ردّ على الكوفيين حيث لم يوجبوا الجمعة على من كان خارج المصركذا قال وفيه نظر لأنه لو كان واجبًا على أهل العوالي ما تناوبوا ولكانوا يحضرون جميعًا اهـ (رجال الحديث) (عمرو) بن الحارث تقدم في الجزء الثاني صفحة 47. و (عبيد الله ابن أبي جعفر) أبي بكر الفقيه المصري مولى بنى كنانة ويقال مولى بنى أمية. روى عن محمَّد ابن جعفر وأبي الأسود وحمزة بن عبد الله وأبي سلمة ونافع مولى ابن عمر وكثيرين. وعنه عمرو ابن الحارث ويحيي بن أيوب وخالد بن حميد وسعيد بن أبي أيوب وغيرهم. قال أحمد كان يتفقه ليس به بأس ووثقه النسائي وأبو حاتم وابن سعد وقال ابن خراش صدوق وقال ابن يونس كان عالمًا زاهدًا. مات سنة اثنتن أو أربع وثلاثين ومائة (معنى الحديث) (قوله كان الناس ينتابون الجمعة الخ) أي يقصدونها مرّة بعد أخري يقال نابه ينوبه نوبًا وانتابه إذا قصده مرّة بعد أخري. وفي رواية يتناوبون بمثناة تحتية وأخري فوقية فنون مفتوحة أي يأتونها على سبيل التناوب فهي مغايرة للرواية الأولى. ويحتمل أن ينتابون بمعنى يتناوبون. وعليه فالروايتان متحدتان في المعنى. والعوالي جمع عالية وهي أماكن وقري شرق المدينة بين أدناها وبين المدينة أربعة أميال وقيل اثنان وقيل ثلاثة وبينها وبين أبعدها ثمانية أميال (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري مطولًا عن عائشة بلفظ كان الناس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم والعوالي فيأتون في الغبار يصيبهم الغبار والعرق فيخرج منهم العرق فأتي

رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنسان منهم وهو عندي فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ نَا قَبِيصَةُ نَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ -يَعْنِي الطَّائِفِيَّ- عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْهٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ هَارُونَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "الْجُمُعَةُ عَلَي كُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ". (ش) (رجال الحديث) (قبيصة) بن عقبة بن محمَّد بن سفيان السوائي أبو عامر الكوفي روى عن شعبة وسفيان الثوري ووكيع وحماد بن سلمة وفطر بن خليفة وجماعة. وعنه البخاري وهناد ابن السري والذهلي ومحمود بن غيلان وكثيرون. قال ابن معين ثقة في كل شيء إلا في حديث سفيان فإنه سمع منه وهو صغير. وقال ابن خراش صدوق وقال النووي كان ثقة صدوقًا كثير الحديث عن سفيان الثوري. وقال في التقريب صدوق ربما خالف. توفي سنة خمس عشرة أوست عشرة ومائتين. روى له الجماعة. و (محمَّد بن سعيد) أبي سعيد المؤذن (الطائفي) روى عن عطاء وأبي سلمة بن نبيه وعبد العزين بن أبي محذورة وطاوس بن كيسان. وعنه الثوري ومعتمر ابن سليمان وزيد بن الحباب وعدي بن الفضل. وثقه البيهقي. وقال في التقرب صدوق من الثالثة وقال المنذري فيه مقال. و (أبو سلمة بن نبيه) بنون وموحدة مصغرًا المدني الحجازي روى عن عبد الله بن هارون وعنه محمَّد بن سعيد الطائفي. روى له أبو داود. و (عبد الله ابن هارون) ويقال ابن ابن هارون. روى عن ابن عمرو بن العاصي. وعنه أبو سلمة بن نبيه. قال في التقريب مجهول من الثالثة (معنى الحديث) (وقوله الجمعة على كل من سمع النداء) أي تجب الجمعة على كل من سمع الأذان يوم الجمعة حقيقة أو حكما فإن العبرة بإمكان السماع لا بخصوص السماع بالفعل (لكن) يخرج من هذا العموم الأربعة المذكورة في حديث طارق بن شهاب الآتي في باب الجمعة للمرأة والمملوك على ما بأتي بيانه. المرأة والعبد والصبي والمريض (والحديث) وإن كان فيه مقال يقوّيه ما تقدم للمصنف عن ابن أم مكتوم ورواه مسلم عن أبي هريرة أن رجلًا أعمي أتي النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عايه وعلى آله وسلم أن يرخص له في الصلاة في بيته فرخص له فلما ولّي دعاه فقال هل تسمع النداء بالصلاة قال نعم قال فأجب (وهو) وإن كان في مطلق الجماعة فالقول به في خصوص الجمعة أولى (ومفهوم) الحديث عدم وجوب الجمعة على من لم يسمع النداء سواء أكان في البلد التي

أقوال العلماء في وجوب الجمعة على من كان خارج البلد

تقام فيها الجمعة أم خارجها لكن أجمعوا على أن من كان داخل البلد تجب عليه الجمعة وإن لم يسمع النداء (واختلف) فيمن كان خارجها. فقال عمرو بن العاص وسعيد بن المسيب وأحمد وإسحاق إن سمع النداء وجبت عليه وإلا فلا (وبه قالت) الشافعية وقالوا الاعتبار في سماع النداء أن يقف المؤذن في أطراف البلد والأصوات هادئة والريح ساكنة وهو مستمع فإذا سمع النداء حينئذ لزمته الجمعة وإلا فلا (وقال ابن عمر) وأبو هريرة وأنس والحسن وعطاء ونافع وعكرمة والحكم والأوزاعي تجب على من إذا جمع مع الإِمام أمكنه العود إلى أهله آخر النهار وأول الليل. (واستدلوا) بما رواه الترمذي عن أبي هريرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال الجمعة على من آواه الليل إلى أهله قال الترمذي إسناده ضعيف إنما يروى من حديث معارك بن عباد عن عبد الله بن سعيد المقبري وضعف يحيى بن سعيد القطان عبد الله بن سعيد المقبري في الحديث اهـ. وممن ضعفه أيضًا البيهقي وأحمد ولم يعدّ هذا الحديث شيئًا وقال لأحمد بن الحسن لما ذكر هذا الحديث عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم استغفر ربك استغفر ربك (وقال) زيد بن على والباقر والمؤيد بالله لا تجب الجمعة على من كانت خارج البلد ولو سمع الداء (وبه قال) أبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي إلا محمَّد فقال تجب إن سمع النداء (وقال مالك) والليث تجب الجمعة على من كان بينه وبين بلدها ثلاثة أميال فأقل (وقال) ابن المنذر وربيعة. تجب على من كان بينه ويينها أربعة أميال وهو رواية عن الزهري وفي رواية عنه أيضًا تجب على من كانت على ستة أميال (وحكي) عن عطاء أنها تجب على من كانت على عشرة أميال. وعن عكرمة أربعة فراسخ (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي وكذا الدارقطني من طريقين وفيه مقال لأن في سنده أبا سلمة بن نبيه وعبد الله بن هارون وهما مجهولان. وقد اختلف في رفعه ووقفه والمعروف وقفه على عبد الله بن عمرو كما أشار لذلك المصنف (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ عَنْ سُفْيَانَ مَقْصُورًا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو لَمْ يَرْفَعُوهُ وَإِنَّمَا أَسْنَدَهُ قَبِيصَةُ. (ش) أي روى حديث عبد الله بن عمرو بن العاص جماعة عن سفيان الثوري موقوفًا على عبد الله ابن عمرو ولم يرفعه إلا قبيصة قال البيهقي وقبيصة بن عقبة من الثقات ولحديثه شاهد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه. وأخرج بسنده إلى هشام قال ثنا الوليد عن زهير بن محمَّد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إنما الجمعة على من سمع النداء هكذا ذكره الدارقطني رحمه الله تعالى في كتابه بهذا الإسناد مرفوعًا. وروى

باب الجمعة في اليوم المطير

عن حجاج بن أرطأة عن عمرو كذلك مرفوعًا اهـ وأخرجه الدارقطني أيضًا وفي سنده زهير بن محمَّد روى عن أهل الشام مناكير والوليد مدلس وقد روى بالعنعنة. وحديث حجاج بن أرطأة الذي أشار إليه البيهقي أخرجه الدارقطني من طريق محمَّد بن الفضل بن عطية عن حجاج عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال الجمعة على من بمدى الصوت قال داود يعني حيث يسمع الصوت اهـ وفي سنده محمَّد بن الفضل نسبوه إلى الكذب فجميع طرق الحديث متكلم فيها ولكن لكثرتها يقوّي بعضها بعضًا. والموقوف في قوّة المرفوع لأن مثله لا يقال من قبل الرأي (باب الجمعة في اليوم المطير) أي في بيان حكم تأدية صلاة الجمعة في يوم المطر لمن سمع النداء. ومطير فعيل بمعني فاعل أي كثير المطر. ونسبة المطر إلى اليوم مجاز عقلي. ويقال يوم ماطر وممطر ومطرككتف أي ذو مطر (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ يَوْمَ حُنَيْنٍ كَانَ يَوْمَ مَطَرٍ فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مُنَادِيَهُ أَنِ الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ. (ش) مناسبة الحديث للترجمة أنه وإن كان مطلقًا عن التقييد بالجمعة فهو مقيد بدليل الرواية الآتية. و (همام) بن يحيى. و (أبو المليح) اسمه عامر بن أسامة تقدم في الجزء الأول صفحة 207 (قوله يوم حنين كان يوم مطر) يعني وكان يوم جمعة في الرواية الآتية وكانت تلك الغزوة في السنة الثامنة من الهجرة لخمس خلون من شوال. وحنين واد بين مكة والطائف على ثلاثة أميال من مكة (قوله أن الصلاة في الرحال) أن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن يعني أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر مؤذنه أن ينادي الناس ويعلمهم بأن يصلوا في رحالهم. والرحال جمع رحل وهي المنازل والمساكن من حجر أو غيره. وفي رواية النسائي عن أبي المليح عن أبية قال كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحنين فأصابنا مطر فنادى منادي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن صلوا في رحالكم (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي والبيهقي من طريق سعيد بن أبي عروبة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الأَعْلَى نَا سَعِيدٌ عَنْ صَاحِبٍ لَهُ عَنْ أَبِي مَلِيحٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ. (ش) غرض المصنف بذكر هذا الأثر بيان أن اليوم المطير الذي أمر رسول الله صلى الله

تعالى عليه وعلى آله وسلم فيه بالصلاة في الرحال كان يوم جمعة. وهذا الأثر أخرجه البيهقي بلفظ قال سعيد وحدثنا صاحب لنا أنه سمع أبا المليح يقول كان ذلك يوم جمعة "قال البيهقي" أما قتادة فلم يذكر في حديثه يوم جمعة اهـ (ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ خَبَّرَنَا عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ وَأَصَابَهُمْ مَطَرٌ لَمْ تَبْتَلَّ أَسْفَلُ نِعَالِهِمْ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فِي رِحَالِهِمْ. (ش) (قوله حدثنا نصر بن على قال سفيان بن حبيب خبرنا) سفيان. وخبرنا مبنيّ للمعلوم والجملة مقول القول وفاعل قال نصر بن على أي قال نصر بن على ثنا سفيان بن حبيب يؤيد هذا رواية الحاكم قال حدثنا نصر بن عليّ ثنا سفيان الخ "وما يوهمه" ظاهر المصنف من أن سفيان فاعل قال وأن خبرنا مبنيّ للمجهرل "فليس مرادًا" و (سفيان بن حبيب) هو البصري أبو محمَّد ويقال أبو معاوية البزّاز. روى عن عاصم الأحول وحبيب بن الشهيد وحسين بن ذكران وشعبة والأوزاعي وجماعة. وعنه عبد الرحمن بن المبارك وحميد بن مسعدة وحبان بن هلال ونصر بن على وآخرون. قال أبو حاتم صدوق ثقة وقال النسائي ويعقوب بن شيبة ثقة ثبت. توفي سنة ثنتين أو ثلاثًا وثمانين ومائة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري. و (أبو قلابة) هو عبد الله بن زيد الجرمي تقدم في الجزء الثالث صفحة 42 (معنى الحديث) (وقوله زمن الحديبية) كانت سنة ست. والحديبية بتخفيف الياء الأخيرة وتشدّد قرية صغيرة على مرحلة من مكة وعلى تسع مراحل من المدينة سميت بذلك لشجرة حدباء كانت بها. وقيل باسم بئر هناك عند مسجد الشجرة وهي من الحرم (وقال) ابن القصار بعضها في الحل وبعضها في الحرم (قوله لم تبتلّ أسفل نعالهم) هوكناية عن قلة المطر وظاهر ترجمة المصنف وذكره هذه الأحاديث تحتها يدل على أنه يري أن المطر يحيى ترك الجمعة وإن كان خفيفًا ولكن الأحاديث التي ساقها ليست صريحة في ذلك بل هي محتملة لأن يكون النداء بالصلاة في الرحال كان في صبح الجمعة أو عصرها. وعلى فرض أن الداء كان في وقت الزوال فهو لا يدل أيضًا إلا لو صح أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي الجمعة في الأسفار ولا نعلم ذلك إلا فيما رواه ابن سعد وأهل السير من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى الجمعة في بطن الوادي فالأحاديث المذكورة لا تنتهض للدلالة على ما أشار إليه المصنف (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الحاكم والبيهقي وكذا ابن ماجه عن أبي المليح قال خرجت

باب التخلف عن الجماعة في الليلة الباردة

في ليلة مطيرة فلما رجعت استفتحت فقال أبي من هذا قال أبو المليح قال لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الحديبية وأصابتنا سماء لم تبلّ أسافل نعالنا فنادي منادي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلوا في رحالكم (باب التخلف عن الجماعة في الليلة الباردة) وفي نسخة زيادة أو الليلة المطيرة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ نَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ نَزَلَ بِضَجْنَانَ في لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَأَمَرَ الْمُنَادِيَ فَنَادَي أَنِ الصَّلاَةُ في الرِّحَالِ. قَالَ أَيُّوبُ وَحَدَّثَ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ أَوْ مَطِيرَةٌ أَمَرَ الْمُنَادِيَ فَنَادَي الصَّلاَةُ في الرِّحَالِ. (ش) (قوله نزل بضجنان) بفتح الضاد المعجمة بعدها جيم ساكنة جبل أو موضع بين مكة والمدينة على بريد من مكة (قوله قال أيوب وحدث نافع الخ) غرض المصنف بهذا بيان أن ابن عمر استند في صنعِه هذا إلى فعل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (ص) حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ نَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ نَادَي ابْنُ عُمَرَ بِالصَّلاَةِ بِضَجْنَانَ ثُمَّ نَادَي أَنْ صَلُّوا في رِحَالِكُمْ قَالَ فِيهِ ثُمَّ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ الْمُنَادِيَ فَيُنَادِي بِالصَّلاَةِ ثُمَّ يُنَادِي "أَنْ صَلُّوا في رِحَالِكُمْ". في اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ وَفِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ في السَّفَرِ. (ش) (إسماعيل) بن إبراهيم المعروف بابن علية تقدم في الجزء الثاني صفحة 264 (قوله نادي ابن عمر الخ) يعني أمر المؤذن. بالأذان ثم أمره أن ينادي بالصلاة في الرحال فلا منافاة بينه وبين الروايات السابقة. وقوله ثم نادي أن صلوا رحالم يدل على أن هذا القول كان بعد الفراغ من الأذان (قوله قال في ثم حدث الخ) أي قال نافع مولى ابن عمر في الحديث ثم حدّث ابن عمر عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله في السفر) ظاهره أن إباحة ترك الجماعة من أجل البرد والمطر خاص بالسفر ولا ينافيه الاختلاف في الروايات السابقة فإن المطلق يحمل على المقيد ويلحق بالمسافر من تلحقه بذلك مثل مشقة في الحضر

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي من طريق شعبة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان في سفر في ليلة ذات ظلمة وريح أو ظلمة وبرد أو ظلمة ومطر فنادي مناديه أن صلوا في رحالكم (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ وَعُبَيْدِ اللهِ قَالَ فِيهِ في السَّفَرِ في اللَّيْلَةِ الْقَرَّةِ أَوِ الْمَطِيرَةِ. (ش) أي روى حماد بن سلمة هذا الحديث عن أيوب السختياني وعبيد الله بن عمر بإبدال الباردة بالقرّة وبأو التي للتقسيم في الليلة المطيرة بدل الواو. والقرّة الباردة يقال ليلة قرّة أي باردة ولم نقف على من أخرج رواية حماد بن سلمة عن أيوب ولا على روايته عن عبيد الله وروى مسلم والبيهقي رواية عبيد الله من طريق محمَّد بن عبد الله بن نمير قال ثنا أبي ثنا عبيد الله ابن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه نادي بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ومطر فقال في آخر أذانه ألا صلوا في اوحال ثم قال الرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في السفر ألا صلوا في رحالكم ورواه المصنف بعد من طريق أبي أسامة عن عبيد الله (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ نَادَى بِالصَّلاَةِ بِضَجْنَانَ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ فَقَالَ فِي آخِرِ نِدَائِهِ أَلاَ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ فِي سَفَرٍ يَقُولُ أَلاَ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ. (ش) (قوله فقال في آخر ندائه الخ) يعني أمر المؤذن أن يقول في آخر أذانه ألاصلوا الخ. ويحتمل أنه هو الذي أذن بنفسه ونادي بالصلاة في الرحال. وهذه الرواية أخرجها البخاري عن نافع قال أذن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان ثم قال صلوا في رحالكم وأخبرنا أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يأمر مؤذنًا يؤذن ثم يقول على أثره ألاصلوا في الرحال في الليلة الباردة أوالمطيرة في السفر (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -يَعْنِي أَذَّنَ بِالصَّلاَةِ فِي لَيْلَةٍ

ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ- فَقَالَ أَلاَ صَلُّوا في الرِّحَالِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ يَقُولُ أَلاَ صَلُّوا في الرِّحَالِ. (ش) هذه الرواية مطلقة عن التقييد بأن ذلك كان في السفر وقد علمت أن المطلق يحمل على المقيد. وقد أخرج رواية مالك البخاري ومسلم والنسائي (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ في الْمَدِينَةِ في اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَالْغَدَاةِ الْقَرَّةِ. (ش) (قوله نادي منادي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المدينة الخ) وفي نسخة بالمدينة أي نادي المنادي بقوله صلوا في رحالكم. وخالف ابن إسحاق الثقات الذين رووا الحديث عن نافع في أن الحادثة كانت بالمدينة لأن أكثر الرواة على أنها كانت في السفر. وممن خالفه يحيى بن سعيد في روايته عن القاسم كما ذكره المصنف. وهذه الرواية أخرجها البيهقي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَى هَذَا الْخَبَرَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ عَنِ الْقَاسِمِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِيهِ في السَّفَرِ. (ش) أتي المصنف بهذا التعليق تقوية للروايات الواردة بأن النداء بقوله صلوا في رحالكم كان في السفر ولم يكن في المدينة ولم يذكر المدينة إلا محمَّد بن إسحاق وهو مختلف فيه. ولم نقف على من روى رواية يحيى عن القاسم (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ نَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- في سَفَرٍ فَمُطِرْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لِيُصَلِّ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ في رَحْلِهِ". (ش) (زهير) بن معاوية تقدم في الجزء الأول صفحة 112. وكذا (أبو الزبير) محمَّد بن مسلم صفحة 24 (قوله ليصلّ من شاء منكم في رحله) يدلّ على أن الأمر في قوله

صلوا في رحالكم في الروايات السابقة للإباحة والمعنى أن من شاء أن يصلي في رحله فليصلّ ومن تحمل المشقة وأتي الجماعة فقد استكمل الفضيله (والحديث) أخرجه مسلم والترمذي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ ابْنُ عَمِّ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ إِذَا قُلْتَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَلاَ تَقُلْ حَيَّ عَلَي الصَّلاَةِ. قُلْ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ. فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ فَقَالَ قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالْمَطَرِ. (ش) (رجال الحديث) (عبد الحميد) بن دينار البصري (صاحب الزيادي) روى عن أنس والحسن البصري وثابت البناني وأبي رجاء العطاردي وآخرين. وعنه إسماعيل بن علية وشعبة وحماد ابن زيد ومهدي بن ميمون وغيرهم. وثقه ابن معين وابن حبان. روى له الشيخان وأبو داود والنسائي (قوله ابن عم محمَّد بن سيرين) أنكر الدمياطي أنه ابن عمه وقال هو زوج بنت سيرين فيكون زوج بنت محمَّد بن سيرين لا ابن عمه. لكن لا مانع من أن يكون زوج ابنتهو ابن عمه (معنى الحديث) (قوله فلا تقل حيّ على الصلاة الخ) صريح في أن ابن عباس أمر المؤذن أن يبدل الحيعلتين بالنداء بالصلاة في البيوت "وهو مناف" لما تقدم من أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان يأمر المؤذن فينادي بالصلاة ثم ينادي بالصلاة في الرحال في آخر ندائه. ولما في رواية للبخاري عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يأمر مؤذنًا يؤذن ثم يقول على إثر ذلك ألا صلوا في الرحال فإن هذه الروايات صريحة في أن النداء بالصلاة في الرحال كان بعد الفراغ من الأذان وهو الراجح للاتفاق على الإتيان بالحيعلتين في كل أذان. وقول ابن عباس للمؤذن فلا تقل حيّ على الصلاة الخ الظاهر أنه اجتهاد منه رضي الله عنه "وقوله" قد فعل ذا من هو خير مني الإشارة فيه عائدة إلى النداء بصلوا في بيوتكم لا إلى إبدال الحيعلتين بهذه الكلمة (وقد ورد) الجمع بين حيّ على الصلاة وبين ما يفيد الإذن في التأخر عن الحضور إلى صلاة الجماعة في رواية الطبراني عن نعيم بن النجام قال أذن مؤذن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة فيها برد وأنا تحت لحافي فتمنيت أن يلقي الله على لسانه ولا حرج فلما فرغ قال ولا حرج. وفي رواية عبد الرزاق عن نعيم قال أذن مؤذن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للصبح في ليله باردة فتمنيت لو قال ومن قعد فلا حرج فلما قال الصلاة

مذاهب الأئمة في التخلف عن الجماعة في البرد والريح والمطر

خير من النوم قالها. وروى البيهقي نحوه أيضًا (وقال النووي) هذه الكلمة "يعني صلوا في ييوتكم" تقال في نفس الأذان وفي حديث ابن عمر تقال بعده والأمران جائزان كما نص عليه الشافعي لكن بعده أحسن ليتمّ نظم الأذان. ومن أصحابنا من يقول يقوله بعد الفراغ وهو ضعيف مخالف لصريح حديث ابن عباس اهـ (وقال العيني) في شرحه على البخاوي بعد نقل الكلام النووي "قلت" حديث ابن عباس لم يسلك مسلك الأذان ألا تري أنه قال فلا تقل حيّ على الصلاة قل صلوا في بيوتكم وإنما أراد إشعار الناس بالتخفيف عنهم للعذر وذلك لأنه ورد في في حديث ابن عمر عند البخاري وحديث أبي هريرة عند ابن عدي في الكامل أن قول المؤذن صلوا في بيوتكم أو في رحالكم إنما يقال بعد الفراغ من الأذان اهـ ببعض تصرّف (قوله فكأن الناس استنكروا ذلك) أي قول ابن عباس للمؤذن فلا تقل حيّ على الصلاة. وفي رواية للبخاري فنظر القوم بعضهم إلى بعض (قوله قد فعل ذا من هو خير مني) يعني النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله إن الجمعة عزمة الخ) بفتح العين المهملة أي واجبة فكأن ابن عباس يقول لو تركت المؤذن يقول حيّ على الصلاة لبادر من سمعه إلى المجيء في المطر فيشق عليهم فأمرته أن يقول صلوا في بيوتكم لتعلموا أن المطر من الأعذار المرخصة في ترك الجمعة فقوله أن أحرجكم بالحاء المهملة أي أشق عليكم بإلزامكم السعي إلى الجماعة في الطين والمطر (وفي هذه) الأحاديث كلها دلالة عل أن كلا من البرد والريح والمطر عذر يبيح التخلف عن الجماعة والجمعة (واختلف في ذلك) فذهبت الشافعية إلى أن كلا من المطر والبرد الشديد عذر يبيح التخلف عن الجماعة سواء أكان بالليل أم بالنهار وكذلك الوحل عل الصحيح عندهم وكذلك الثلج عذر مطلقًا إن بلّ الثوب وكذا الحرّ الشديد بخلاف الريح فليست عذرًا يبيح التخلف إلا إذا كانت باردة وكانت ليلًا فقط وكل عذر سقطت به الجماعة تسقط به الجمعة (وذهبت الحنفية) إلى أن المطر والطين الكثيرين والبرد الشديد أعذار تبيح التخلف عن الجمعة والجماعة وكذا الظلمة الشديدة أما الريح فلا تكون عذرًا إلا إن كانت شديدة وكانت ليلًا (وقالت المالكية) إن الوحل والمطر الشديدين عذر في التخلف عن الجماعة والجمعة. وفسروا الوحل الشديد بأنه ما يحمل أواسط الناس على خلع النعال والمطر الشديد ما يحملهم على تغطية رءوسهم (وقالت الحنابلة) إن تأذى بمطر أو وحل أو جليد أو ريح باردة في ليلة مظلمة ولو لم تكن الريح شديدة أبيح له التخلف عن الجماعة والجمعة واستدلوا بأحاديث الباب (باب الجمعة للمملوك والمرأة) (ص) حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ نَا هُرَيْمٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ

أقوال الفقهاء في حكم صلاة الجمعة. وفي العدد الذي تنعقد به. وفي حكمها بالنسبة العبد والمرأة والصبي والمريض والمسافر والأعمى

بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَي كُلِّ مُسْلِمٍ في جَمَاعَةٍ إِلاَّ أَرْبَعَةً عَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ". (ش) (رجال الحديث) (إسحاق بن منصور) السلولي أبو عبد الرحمن. روى عن هريم بن سفيان. وعنه عباس بن عبد العظيم. قال في التقريب صدوق من التاسعة تكلم فيه للتشيع توفي سنة أربع ومائتين. روى له أبو داود. و (هريم) بالتصغير ابن سفيان البجلي الكوفي أبو محمَّد. روى عن بيان بن بشر والأعمش وأبي إسحاق الشيباني وإسماعيل بن أبي خالد وآخرين. وعنه إسحاق بن منصور وأبو نعيم وسويد بن عمرو وأبو غسان النهدي وجماعة. وثقه ابن معين وأبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات وقال الدارقطني صدوق وقال ابن أبي شيبة صدوق ثقة وقال البزّار صالح الحديث ليس بالقوي. روى له الجماعة. و (إبراهيم بن محمَّد بن المنتشر) بن الأجدع الهمداني الكوفي. روى عن أبيه وأنس وقيس بن مسلم. وعنه شعبة والثوري ومسعر وأبو عوانة. وثقه النسائي وابن سعد والعجلي ويعقوب بن سفيان وأحمد وأبو حاتم. روى له الجماعة. و (قيس بن مسلم) أبي عمرو الجدلي الكوفي. روى عن طارق بن شهاب وسعيد بن جبير وابن أبي ليلي والحسن بن محمَّد وجماعة. وعنه شعبة والثوري والأعمش ومالك بن مغول وكثيرون. وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وقال كان يري الإرجاء وقال يعقوب بن سفيان ثقة ثقة وكان مرجئًا. روى له الجماعة. و (طارق بن شهاب) ابن عبد شمس بن سلمة بن هلال البجلي الأحمسي أبي عبد الله اختلف في محبته والصحيح أنه صحابي. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرسلًا وعن الخلفاء الأربعة وبلال وحذيفة وغيرهم من الصحابة. وعنه إسماعيل بن أبي خالد وعلقمة بن مرثد وفي بن مسلم وسماك ابن حرب وجماعة. مات سنة اثنتين أو ثلاث وثمانين. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله الجمعة حق واجب الخ) أي صلاة الجمعة فرض عين على كل فرد من المؤمنين إلامن استثناه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الحديث وهذا المسافر كما يأتي بيانه (وبأن الجمعة) فرض عين قالت الأئمة الأربعة وجمهور الصحابة والتابعين وحكي ابن المنذر الإجماع على أنها فرض عين (وحكي) الخطابي الخلاف في أنها فرض عين أوكفاية وقال أكثر الفقهاء على أنها فرض كفاية اهـ وفيه نظر لما علمت من أن جمهور الصحابة والتابعين على أنهما فرض عين. وحكي المرعشي عن الشافعي في القديم والروياني عن بعض

الأصحاب أنها فرض كفاية (قال الدارمي) غلطوا حاكيه وقال أبو إسحاق المروزي لا يجوز حكايته هذا عق الشافعي (واستدل) من قال إنها فرض كفاية بما تقدم في باب من تجب عليه الجمعة عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال الجمعة على كل من سمع النداء قال في ضوء النهار إنه يدل على ذلك بلا شك ولا شبة اهـ لكن لا دلالة فيه لأنه ليس فيه إلا أنها من فرائض الأعيان على من سمع النداء فقط وليس فيه أنها فرض كفاية على من لم يسمع بل مفهومه يدل على أنها لا تجب عليه لا عينا ولا كفاية، وعلى تقدير أنه يدل على دعواهم ففيه مقال كما تقدم فلا يصلح للاستدلال به (واستدل) من قال بأنها فرض عين بحديث الباب (وبما) رواه النسائي عن حفصة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال رواح الجمعة واجب على كل محتلم (وبما) تقدم للمصنف في باب التشديد في ترك الجمعة أيضًا عن أبي الجعد مرفوعًا من ترك ثلاث جمع تهاونًا بها طبع الله على قلبه (وبما) رواه أحمد ومسلم عن ابن مسعود أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة لقد هممت أن آمر رجلًا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم. وبما رواه مسلم عن أبي هريرة وابن عمر أنهما سمعا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول على أعواد منبره لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعًات أوليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين (قوله في جماعة) صريح في أن الجماعة شرط في صحة الجمعة وعليه عامة الفقهاء إلا أنهم اختلفوا في العدد الذي تنعقد به الجمعة (فقال) أبو حنيفة ومحمد أقله ثلاث سوي الإِمام لأن الجمع الصحيح إنما هو الثلاث لأنه جمع تسمية ومعني ولأن قوله تعالى في الآية "فاسعوا" يقتضي ساعين وأقل الجمع ثلاثة وقوله "إلى ذكر الله" يقتضي ذاكرا يسعي إليه وهو الإِمام (قالا) ويجب أن يكونوا ممن تصلح إمامتهم (وبهذا) قال المؤيد بالله وأبو طالب وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي واختاره المزني والسيوطي وحكي عن الثوري (وقال أبو يوسف) والليث أقل الجماعة اثنان سوي الإِمام لأن في المثني اجتماع واحد بآخر والجمعة مشتقة من الجماعة وفي اثنين اجتماع لا محالة (وقالت المالكية) أقل الجماعة التي تنعقد بهم الجمعة اثنا عشر رجلًا سوي الإِمام ممن تجب عليهم الجمعة بأن يكونوا ذكورا بالغين أحرارًا مقيمين مستوطنين بنية التأبيد (وبه قال) الزهري والأوزاعي ومحمد ابن الحسن وحكاه المتولي عن ربيعة والماوردي في الحاوي (واستدلوا) بما رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه عن جابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يخطب قائمًا يوم الجمعة فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلًا. لكن ليس في الحديث ما يدل على أنها لا تصح إلا بهذا العدد (وذهبت الحنابلة) وإسحاق والشافعية إلى أن أقل الجماعة في الجمعة أربعون بالإمام واستدلوا بما رواه الدارقطني والبيهقي عن جابر في كل أربعين فما فوقها

جمعة وأضحى وفطر وذلك أنهم جماعة. لكن لا ينتهض للاستدلال به لضعفه لأنه من طريق عبد العزيز بن عبد الرحمن وفيه مقال قال أحمد أضرب على أحاديثه بأنها كداب أو موضوعة وقال النسائي ليس بثقة وقال الدارقطني منكر الحديث وكان ابن حبان لا يجوّز الاحتجاج به وقال البيهقي هذا الحديث لا يحتج بمثله "وما استدلّ به البيهقي" على اعتبار الأربعين من حديث ابن مسعود قال جمعنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكنت آخر من أتاه ونحن أربعون رجلًا فقال إنكم مصيبون ومنصورون ومفتوح لكم "لا يدلّ على دعواه" وهي اشتراط الأربعين في الجمعة لأن الواقعة قصد فيها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يجمع أصحابه ليبشرهم فاتفق أن اجتمع له منهم هذا العدد (قال السيوطي) إيراد البيهقي لهذا الحديث أقوى دليل على أنه لم يجد من الأحاديث ما يدلّ للمسألة صريحًا اهـ واستدلوا أيضًا بما يأتي للمصنف في الباب الآتي بعد عن عبد الرحمن بن كعب وفيه أن أسعد بن زرارة صلى بهم الجمعة وكانوا يومئذ أربعين. لكن الحديث لا دلالة فيه على اشتراط الأربعين لأن هذه واقعة عين لأن الجمعة فرضت عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو بمكة قبل الهجرة فلم يتمكن من إقامتها هنالك من المشركين فلما هاجر بعض أصاحبه إلى المدينة كتب إليهم يأمرهم أن يجمعوا فجمعوا واتفق أن عدّتهم كانت أربعين وليس في الحديث ما يدلّ على أن أقل من الأربعين لا تنعقد بهم الجمعة (وقد) تقرّر عند الأصوليين أن وقائع الأعيان لا يحتج بها على العموم (وقال) عمر بن عبد العزيز تنعقد بخمسين وهي رواية لأحمد واستدلّ بما رواه الدارقطني والطبراني عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة أن نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال على الخمسين جمعة ليس فيما دون ذلك اهـ وهو ضعيف لأن جعفرًا متروك أحاديث كما قاله الدارقطني وعلى تقدير صحته فهو محتمل للتأويل لأن ظاهره أن هذا العدد شرط للوجوب لا شرط للصحة ولا يلزم من عدم وجوبها على ما دون الخمسين عدم صحتها منهم (وقال) عكرمة تنعقد بسبعة وحكي عن ربيعة أيضًا (وقال ابن حزم) تنعقد بواحد مع الإِمام وقيل لا تنعقد إلا بثمانين حكى هذا عن المازري (قال في النيل) لا مستند لاشتراط ثمانين أو تسعة أوسبعة كما أنه لا مستند لصحتها من الواحد المنفرد. وأما من قال إنها تصح باثنين فاستدلّ بأن العدد واجب بالحديث والإجماع ورأى أنه لم يثبت دليل على اشتراط عدد مخصوص. وقد صحت الجماعة في سائر الصلوات باثنين ولا فرق بينها وبين الجماعة في بقية الصلوات ولم يأت نص من الشارع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأن الجمعة لا تنعقد إلا بكذا. وقد أطلق الشارع اسم الجماعة عليها فقال الاثنان فما فوقهما جماعة كما تقدم في أبواب الجماعة. وقد انعقدت سائر الصلوات بهما بالإجماع. والجمعة صلاة فلا تختص بحكم يخالف غيرها إلا بدليل ولا دليل على اعتبار عدد فيها زائد على المعتبر في غيرها وقد قال

عبد الحق إنه لا يثبت في عدد الجمعة حديث وكذلك قال السيوطي لم يثبت في شيء من الأحاديث تعيين عدد مخصوص اهـ (وقال) في الدرر البهية وشرحها الروضة الندية الجمعة كسائر الصلوات لا تخالفها لكونه لم يأت ما يدل عل أنها تخالفها في غير ذلك، وفي هذا الكلام إشارة إلى ردّ ما قيل إنه يشترط في جوبها الإِمام الأعظم والمصر الجامع والعدد الخصوص فإن هذه الشروط لم يدل عليها دليل يفيد استحبابها فضلا عن وجوبها فضلا عن كونها شروطًا بل إذًا صلى رجلان الجمعة في مكان لم يكن فيه غيرهما جماعة فقد فعلًا ما يجب عليهما فإن خطب أحدهما فقد عملًا بالسنة وإن تركا الخطبة فهي سنة فقط ولولا ما في حديث طارق بن شهاب "أي المذكور في الباب" من تقييد الوجوب على كل مسلم بكونه في جماعة ومن عدم إقامته لها صلى الله عليه وعلى آله وسلم في زمنه في غير جماعة لكان فعلها فرادي مجزئًا كغيرها من الصلوات (ومن تأمل) فيما وقع في هذه العبادة الفاضلة التي افترضها الله تعالى عليهم في الأسبوع وجعلها شعارًا من شعائر الإِسلام وهي صلاة الجمعة من الأقوال الساقطة قضى من ذلك العجب فقائل يقول الخطبة كركعتين وإن من فاتته لم تصح جمعته وكأنه لم يبلغه ما ورد عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من طرق متعددة يقوي بعضها بعضًا ويشدّ بعضها عضد بعض أن من فاتته ركعة من ركعتي الجمعة فليضف إليها أخري وقد تمت صلاته. ولا بلغه غير هذا الحديث من الأدلة وقائل يقول لا تنعقد الجمعة إلا بثلاثة مع الإِمام وقائل يقول بأربعة وقائل يقول بسبعة وقائل يقول بتسعة وقائل يقول باثني عشر وقائل يقول بعشرين وقائل يقول بثلاثين وقائل يقول لا تنعقد إلا بأربعين وقائل يقول بخمسين وقائل يقول لا تنعقد إلا بسبعين وقائل يقول لا تنعقد إلا فيما بين ذلك وقائل يقول بجمع كثير من غير تقييد وقائل يقول إن الجمعة لا تصح إلا في مصر جامع وحدّه بعضهم بأن يكون الساكنون فيه كذا وكذا من آلاف وآخر قال أن يكون فيه جامع وحمام وآخر قال أن يكون فيه هذا وهذا وآخر قال إنها لا تجب إلا مع الإِمام الأعظم فإن لم يوجد أو كان مختل العدالة بوجه من الوجوه لم تجب الجمعة ولم تشرع ونحو هذه الأقوال التي ليس عليها أثارة من علم ولا يوجد في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حرف واحد يدل على ما ادعوه من كون هذه الأمور المذكورة شروطًا لصحة الجمعة أو فرضًا من فرائضها أو ركنا من أركانها فيالله العجب مما يفعل الرأي بأهله ومن الأقوال التي هي عن الشريعة المطهرة بمعزل. يعرف هذا كل عارف بالكتاب والسنة وكل متصف بصفة الإنصاف وكل من ثبت قدمه ولم يتزلزل عن طريق الحق بالقيل والقال ومن جاء بالغلط فغلطه ردّ عليه مضروب به في

وجهه والحكم بين العباد هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما قال سبحانه وتعالي (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ). (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا). (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). فهذه الآيات ونحوها تدل أبلغ دلالة وتفيد أعظم فائدة أن المرجع مع الاختلاف إلى حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وحكم الله تعالى هو كتابه وحكم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن قبضه الله تعالى هو سنته ليس غير ذلك ولم يجعل الله تعالى لأحد من العباد وإن بلغ في العلم أعلي مبلغ وجمع منه مالًا يجمع غيره أن يقول في هذه الشريعة بشيء لا دليل عليه من كتاب ولا سنة. والمجتهد وإن جاءت الرخصة له بالعمل برأيه عند عدم الدليل فلا رخصة لغيره أن يأخذ بذلك الرأي كائنًا من كان وإني كما علم الله لا أزال أكثر التعجب من وقوع مثل هذا للمصنفين وتصديره في كتب الهداية وأمر العوام والمقصرين باعتقاده والعمل به وهو على شفا جرف هار. ولم يختص هذا بمذهب من المذاهب ولا بقطر من الأقطار ولا بعصر من العصور بل تبع فيه الآخر الأول كأنه أخذه من أم الكتاب وهو حديث خرافة وقد كثرت التعيينات في هذه العبادة كما سبقت الإشارة إليها بلا برهان ولا قرآن ولا شرع اهـ ببعض تصرّف (قوله عبد مملوك) هو وما بعده مرفوع على أنه خبر مبتدإ محذوف ويجوز فيها النصب على البدلية من أربعة (وظاهره) أن الجمعة لا تجب على العبد مطلقًا ولو كان مدبرًا أو مكاتبًا أو معتقًا لأجل (وإلي ذلك) ذهبت المالكية والشافعية وأحمد وعطاء والشعبي وعمر بن عبد العزين والثوري وأبو ثور وأهل الكوفة (وقال داود) تجب عليه مطلقًا. وهي رواية عن أحمد لدخوله في عموم الخطاب في الآية "وفيه نظر" فإن الآية مجملة والحديث مبين وقد بين أن العبد لا تجب عليه الجمعة (وقال النووي) قال بعض العلماء تجب الجمعة على العبد فإن منعه السيد فله التخلف اهـ وفيه أن الحديث يردّه (وعن الحسن) وقتادة والأوزاعي وجوبها على عبد يؤدي الضريبة أما من بعضه حرّ وبعضه رقيق فلا جمعة عليه على الصحيح وبه قال الجمهور. قال النووي وسواء أكان الزمن مقسومًا بينه وبين سيده أم لا وحكى الخراسانيون عن جماعة أنه إن كان بينه وبين سيده قسمة وصادف يوم الجمعة نوبته لزمته. وهو ضعيف لأن له حكم العبيد في معظم الأحكام ولا تنعقد به الجمعة. باتفاق اهـ ولا دليل على هذه التفرقة (والراجح) القول بعدم وجوبها على العبد مطلقًا "والحكمة" في ذلك ما في حضوره الجمعة من تعطيل كثير من أعمال سيده فإن أذن له السيد في حضورها حضر وصحت منه (قوله أو امرأة) عدم وجوب الجمعة على النساء متفق عليه. ويستحب للعجائز حضورها بخلاف الشابة "والحكمة" في ذلك أنها مشغولة بأعمال زوجها (قوله أو صبي) فيه دلالة على عدم وجوب الجمعة على الصبي

وهو مجمع عليه أيضًا (قوله أو مريض) أي بحيث لا يقدر على الإتيان لها أصلًا أو يقدر بمشقة ظاهرة وذلك لأنه عاجز عن الحضور إليها أو يحصل له الحرج والمشفقة إذا حضرها (ويلحق) بالمريض الشيخ الكبير عند أبي حنيفة والمالكة (وقال) أبو يوسف ومحمد وأحمد والشافعية إن وجد مركوبًا ملكًا أو بأجرة أو إعارة وجبت عليه وإلا فلا (ويستثني) أيضًا المسافر كما صرّح به في رواية البيهقي والدارقطني عن جابر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا مريض أو مسافر أو امرأة أو صبيّ أو مملوك فمن استغني بلهو أو تجارة استغني الله عنه والله غني حميد وفي إسناده ابن لهيعة وفيه مقال. وفي رواية الطبراني عن ابن عمر ليس على مسافر جمعة (وإلي ذلك) ذهبت الشافعية وقالوا لا فرق بين كون السفر طويلًا أوقصيرًا (وقالت الحنابلة) والحنفية لا تجب على المسافر سفر قصر (وقالت المالكية) لا تجب على مسافر إذا كان خارجًا عن البلد بأكثر من فرسخ ولا يشترط أن يكون سفر قصر "والحكمة" في عدم وجوبها على المسافر أنه لو حضرها يتخلف عن القافلة فيلحقه الحرج والوقوع في التهلكة (واختلف) في الأعمي فقال أبو حنيفة والإمام يحيى لا تجب على الأعمي مطلقًا. ويردّ عليهما حديث ابن أم مكتوم المتقدم في باب التشديد في ترك الجماعة (وقالت المالكية) والشافعية والحنابلة وأبو يوسف ومحمد وداود تجب عليه إن أمكنه الوصول بنفسه أو بقائد ويدل لهم ما تقدم للمصنف في الباب المذكور عن ابن أم مكتوم قال يا رسول الله إني رجل ضرير البصر شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي قال هل تسمع النداء قال نعم قال لا أجد لك رخصة. وهذا في الجماعة ففي الجمعة أولى (والحديث) أخرجه البيهقي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ طَارِقُ بْنُ شِهَابٍ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا. (ش) غرض المصنف بهذا أن الحديث مرسل وهو غير قادح في صحة الحديث لأنه مرسل صحابي وهو حجة عند الجمهور وادعى بعض الحنفية الإجماع على أن مرسل الصحابي حجة. على أنه قد اندفع الإعلال بالإرسال برواية الحاكم في المستدرك عن هريم بن سفيان عن طارق ابن شهاب عن أبي موسى مرفوعًا وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقد احتجا بهريم بن سفيان (وقال البيهقي) في سننه هذا الحديث وإن كان فيه إرسال فهو مرسل جيد وطارق بن شهاب من كبار التابعين وممن رأى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإن لم يسمع منه ولحديثه هذا شواهد اهـ ومن الشواهد التي أشار إليها ما أخرجه البيهقي من

باب الجمعة في القرى

طريق البخاري عن تميم الداري عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال الجمعة واجبة إلا على صبيّ أو مملوك أو مسافر. وفي رواية ابن عبدان إن الجمعة واجبة إلا على صبيّ أو مملوك أو مسافر (ومنها) ما أخرجه أيضًا من طريق ابن لهيعة عن جابر وتقدم لفظه (ومنها) ما أخرجه من طريق حسن بن صالح عن مولى لآل الزبير يرفعه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه قال الجمعة على كل حالم إلا أربعة على الصبي والمملوك والمرأة والمريض (ومنها) ما أخرجه بسنده عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول الجمعة واجبة إلا على ما ملكت أيمانكم أو ذي علة في (باب الجمعة في القري) أي في بيان حكم صلاة الجمعة في القري وهي جمع قرية على غير قياس (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُخَرِّمِيُّ -لَفْظُهُ- قَالاَ نَا وَكِيعٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ فِي الإِسْلاَمِ بَعْدَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ لَجُمُعَةٌ جُمِّعَتْ بِجُوَاثَى قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ. قَالَ عُثْمَانُ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى عَبْدِ الْقَيْسِ. (ش) (رجال الحديث) (قوله لفظه) أي لفظ الحديث لفظ محمَّد بن عبد الله المخرّمي فهو خبر لمبتدإ محذوف. وتقدمت ترجمته في الجزء الأول صفحة 164. وكذا (وكيع) صفحة 32 و (أبو جمرة) هو نصر بن عمران بن عصام وقيل ابن عاصم بن واسع البصري الضبعي. روي عن ابن عمر وابن عباس وأنس وآخرين. وعنه شعبة وقرّة بن خالد وهمام بن يحيى وأبو عوانة وجماعة وثقه ابن حبان وعبد الله بن أحمد وابن سعد وقال ابن عبد البر أجمعوا على أنه ثقة وقال في التقريب مشهور بكنيته ثقة من الثالثة (معنى الحديث) (قوله بالمدينة) ووقع في رواية المعافى بمكة وهو خطأ (قوله جمعت بجواثى الخ) بضم الجيم وواو مخففة وقد تبدل همزة مقصورة وقد تمدّ والبحرين اسم جامع لبلاد على ساحل بحر الهند بين البصرة وعمان (قوله قال عثمان الخ) أي قال عثمان بن أبي شيبة في روايته جواثي قرية من قري عبد القيس وقال في معجم البلدان هو حصن بالبحرين لعبد القيس وأشار المصنف بهذا إلى الفرق بين لفظ عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله المخرمي فإن لفظ المخرمي نسبة إلى المملكة ولفظ عثمان نسبة إلى القبيلة فإن عبد القيس علم لقبيلة كانوا ينزلون بالبحرين

أقوال العلماء في الموضع الذي تصلى فيه. وبيان عدم اشتراط البلد والمسجد لصحتها

(والقرية) كل مكان اتصلت به الأبنية سواء أكانت من أحجار أم أخشاب أم طين أم غيرها واتخذت قرارًا لا يظعنون عنها صيفًا ولا شتاءً إلا لحاجة وتطلق على البلدة الصغيرة وقد تطلق على المدن (وفي هذا) دلالة على صحة إقامة الجمعة في القري (وقد اختلف) في الموضع الذي تقام فيه الجمعة فذهبت الشافعية والحنابلة إلى أنها تقام في كل قرية فيها أربعون رجلًا أحرارا بالغين عقلاء مقيمين بها لا ينتقلون عنها إلا لحاجة سواء أكان بناء تلك القرية من حجر أم خشب أم قصب أم طين أم غيرها بشرط أن تكون أبنيتها مجتمعة عرفًا (وقالت المالكية) تقام في العصر والقرية أما العصر فلا خلاف فيه وكذا القرية عن كانت بيوتها متصلة وطرقها في وسطها وفيها سوق ومسجد يجمع فيه للصلوات كان لهم وال أم لا. واستدلوا بحديث الباب لكن لا دلالة فيه على هذا كله. وقالت الحنفية) لا تقام إلا في المصر. واختلفوا في المراد بها فقال أبو حنفية هي كل بلدة فيها سكك وأسواق ولها توابع ووال ينصف المظلوم وعالم يرجع عليه وهو الأصح عندهم واختار الكرخي وأبو يوسف أن العصر كل موضع له أمير وقاض ينفذ الأحكام ويقيم الحدود (واستدلوا) على اشتراط المصر بما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن على مرفوعًا لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع قال في النيل وقد ضعف أحمد رفعه وصحح ابن حزم وقفه وللاجتهاد فيه مسرح فلا ينتهض للاحتجاج به. وقد روى ابن أبي شيبة وصححه ابن خزيمة عن عمر أنه كتب إلى أهل البحرين أن جمعوا حيثما كنتم وهذا يشمل المدن والقري. وروى البيهقي عن الليث بن سعد أن أهل مصر وسواحلها كانوا يجمعون على عهد عمر وعثمان بأمرهما وفيهما رجال من الصحابة. وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر بإسناد صحيح أنه كان يري أهل المياه بين مكة والمدينة يجمعون فلا يعتب عليهم. وذكر ابن المنذر عن ابن عمر أيضًا أنه كان يري على أهل المناهل والمياه أنهم يجمعون (ويؤيد) عدم اشتراط العصر حديث طارق بن شهاب المتقدم فإنه لم يقيد فيه الوجوب بذلك. وكذا حديث الباب فإن القرية في الأصل هي البلدة الصغيرة. وكذا ما رواه الدارقطني من حديث أم عبد الله الدوسية وإن كان فيه مقال قالت قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجمعة واجبة على أهل كل قرية وإن لم يكونوا إلا ثلاثة ورابعهم إمامهم. ويؤيد ذلك ما رواه ابن سعد وأهل السير أنه صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة في بطن الوادي اهـ كلام النيل ببعض تصرّف (واختلف) الفقهاء أيضًا في اشتراط المسجد لصلاة الجمعة (فذهب) الهادي إلى اشتراطه وقال لأن الجمعة لم تقم إلا فيه (وبه قالت) المالكية وقالوا يشترط فيه أن يكون مبنيًا بناءً معتادًا لأهل البلد وأن يكون متحدًا فلو تعدد فالجمعة للعتيق وهو الذي أقيمت فيه الجمعة أولًا وإن تأخر بناؤه ما لم يهاجر العتيق أو يكون التعدد لحاجة أو يحكم حاكم بصحتها في الجديد وإلا صحت ومن الحاجة المبيحة للتعدد ضيق العتيق عمن يحضر لصلاة الجمعة ولو كان حضوره مندوبًا

كالنساء والصبيان والعبيد. ومنها وجود عداوة بين أهل البلد. ويشترط في المسجد أيضًا أن يكون داخل البلد وقال ابن ناجي يصح أن يكون خارجها بحيث ينعكس عليه دخان البلد. وحدّه بعضهم بأربعين ذراعًا وبعضهم بأربعين باعًا اهـ ومحل كلامه إذا بني خارج البلد ابتداء أما إذا بني داخل البلد ابتداء ثم خربت وصار خارجها عنها فالجمعة فيه صحيحة (وقال) أبو حنيفة والشافعي وأحمد والمؤيد بالله وغيرهم المسجد غير شرط في صحة الجمعة لأن الدليل المثبت لوجوب الجمعة ساكت عن اشتراطه فتجوز في مسجد البلد وفي أبنيتها وفي الفضاء التابع لها إذا كان لا تقصر فيه الصلاة (قال) في البحر وهذا القول قوي إن صحت صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بطن الوادي اهـ وقد روى صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بطن الوادي ابن سعد وأهل السير. ولو سلم عدم صحة ذلك لا يدل فعلها في المسجد على اشتراطه وتقدم أيضًا في عبارة الروضة الندية ما يفيد أن اشتراط المسجد والقرية وغيرهما مما ذكر لا دليل عليه من الكتاب ولا من السنة بل هي كغيرها من الصلوات (قال ابن رشد) في بداية المجتهد سبب اختلافهم في هذا الباب هو الاحتمال المتطرّق إلى الأحوال الراتبة التي اقترنت بهذه الصورة عند فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إياها هل هي شرط في صحتها أم وجوبها أم ليست بشرط وذلك أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يصلها إلا في جماعة ومصر ومسجد جامع فمن رأى أن اقتران هذه الأشياء بصلاته مما يوجب كونها شرطًا في صلاة الجمعة اشترطها ومن رأي بعضها دون بعض اشترط ذلك البعض دون غيره كاشتراط مالك المسجد وتركه اشتراط العصر والسلطان ومن هذا الموضع اختلفوا في مسائل كثيرة من هذا الباب مثل اختلافهم هل تقام جمعتان في مصر واحد أولا تقام "إلى أن قال" وهذا كله لعله تعمق في هذا الباب ودين الله يسر ولقائل أن يقول إن هذه لو كانت شروطًا في صحة الصلاة لما جاز أن يسكت عنها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا أن يترك بيانها لقوله تعالى (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) ولقوله تعالى (لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) اهـ (والحديث) أخرجه البخاري والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ -وَكَانَ قَائِدَ أَبِيهِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ بَصَرُهُ- عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَرَحَّمَ لأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ. فَقُلْتُ لَهُ إِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ تَرَحَّمْتَ لأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ

بِنَا فِي هَزْمِ النَّبِيتِ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ فِي نَقِيعٍ يُقَالُ لَهُ نَقِيعُ الْخَضِمَاتِ. قُلْتُ كَمْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ قَالَ أَرْبَعُونَ. (ش) (رجال الحديث) (ابن إدريس) هو عبد الله تقدم في الجزء الثاني صفحة 253 و (محمد بن أبي أمامة بن سهل) بن حنيف. روى عن أبيه وأبان بن عثمان وعبد الرحمن بن كعب. وعنه مالك وابن إسحاق ويحيى بن سعيد. وثقه ابن معين روى له أبو داود والنسائي و (عبد الرحمن بن كعب) بن مالك الأنصاري السلمي. روى عن أبيه وأخيه عبد الله وأبي قتادة وجابر وعائشة. وعنه ابنه كعب وأبو أمامة والزهري وسعد بن إبراهيم وأبو عامر الخزّاز. قيل ولد في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يرو عنه وقال ابن سعد كان ثقة وقال في التقريب ثقة من كبار التابعين. روى له الجماعة. و (كعب بن مالك) بن أبي كعب بن القين ابن كعب بن سواد بن غنم بن كعب الأنصاري أبي عبد الله السلمي أو أبي عبد الرحمن. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أسيد بن حضير. وعنه أولاده عبد الله وعبد الرحمن وعبيد الله ومحمد وابن عباس وجابر وأبو أمامة الباهلي وآخرون. كان مشهورًا بالشعر شهد العقبة وبايع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وشهد أحدًا وجرح بها بضعة عشر جرحًا وحمل من المعركة وهو ضعيف قد أثخنته الجراح وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في غزوة تبوك ثم تيب عليهم. توفي سنة خمسين في إمارة معاوية بن أبي سفيان كما ذكره الحاكم روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله ترحم لأسعد بن زرارة) يعني دعا له بالرحمة. وفي رواية ابن ماجه فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان استغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة ودعا له. و (أسعد بن زرارة) بن عدي بن عبيد النجاري الأنصاري أبي أمامة الخزرجي قديم الإِسلام قال الواقدي خرج أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد القيس إلى مكة يتنافران إلى عتبة ابن ربيعة فسمعا برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأتاه فعرض عليهما الإِسلام وتلا عليهما القرآن فأسلما ولم يقربا عتبة ورجعا إلى المدينة فكانا أول من قدم بالإِسلام إلى المدينة. وشهد العقبتين ويقال إنه أول من بايع ليلة العقبة وأول من مات من الصحابة بعد الهجرة وأول ميت صلى عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأول من دفن بالبقيع (قوله فقلت له إذا سمعت النداء الخ) هو على تقدير الاستفهام فكأنه قال مالك إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة فقال أترحم عليه لأنه أول من أقام الجمعة بنا جهة المدينة. وهزم النبيت

باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد

موضع من حرّة بنى بياضة. وأصل الهزم المنخفض من الأرض. والنبيت أبو حيّ باليمن واسمه عمرو بن مالك. وحرة بنى بياضة قرية على ميل من المدينة. وبنو بياضة بطن من الأنصار (قوله نقيع الخضمات) النقيع بطن من الأرض يستنقع فيه الماء مدة فإذا غار في الأرض أثبت الكلأ. والخضمات بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين وقيل بفتحهما موضع بنواحي المدينة قاله في النهاية. والمعني أن أسعد بن زرار أول من صلى بهم الجمعة بهزم النبيت الذي هو موضع من قريه بنى بياضة الكائنة في نقيع الخضمات (قوله قال أربعون) استدل به من قال إن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين رجلًا. وتقدم أنه لا يصلح للاستدلال به لأنها واقعة عين (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه ابن حبان والبيهقي والدارقطني والحاكم وكذا ابن ماجه عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال كنت قائد أبي حين ذهب بصره فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان استغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة ودعا له فمكثت حينًا أسمع ذلك منه ثم قلت في نفسي والله إن ذا لعجز أني أسمعه كلما سمع أذان الجمعة يستغفر لأبي أمامة ويصلي عليه ولا أسأله عن ذلك لم هو فخرجت به كما كنت أخرج به إلى الجمعة فلما سمع الأذان استغفر كما كان يفعل فقلت له يا أبتاه أرأيتك صلاتك على أسعد بن زرارة كلما سمعت النداء للجمعة لم هو قال أي بنى كان أول من صلى بنا صلاة الجمعة قبل مقدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من مكة في نقيع الخضمات في هزم من حرّة بنى بياضة قلت كم كنتم يومئذ قال أربعين رجلًا (باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد) أي أيجزئُ العيد عن الجمعة أم لا. وفي نسخة "باب إذا وافق يوم جمعة يوم عيد" (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا إِسْرَائِيلُ نَا عُثْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِيَاسِ بْنِ أَبِي رَمْلَةَ الشَّامِيِّ قَالَ شَهِدْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يَسْأَلُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَالَ أَشَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا في يَوْمٍ قَالَ نَعَمْ. قَالَ فَكَيْفَ صَنَعَ قَالَ صَلَّى الْعِيدَ ثُمَّ رَخَّصَ في الْجُمُعَةِ فَقَالَ "مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ". (ش) (رجال الحديث) (إسراءيل) بن يونس تقدّم في الجزء الأول صفحة 117 و(عثمان بن المغيرة) الثقفي مولاهم أبو المغيرة الكوفي. روى عن زيد بن وهب وسالم بن

أبي الجعد ومجاهد بن جبر وآخرين. وعنه شعبة والثوري وشريك وأبو عوانة. وثقه أحمد وابن معين والنسائي وأبو حاتم والعجلي وابن نمير. روي له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي. و (إياس بن أبي رملة الشامي) سمع معاوية يسأل زيد بن أرقم عن اجتماع العيد والجمعة كما ذكره المصنف. روي عنه عثمان بن المغيرة. قال ابن المنذر وابن القطان مجهول وقال في التقريب مجهول من الثالثة وذكره ابن حبان في الثقات. روي له أبو داود والنسائي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله أشهدت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عيدين الخ) بهمزة الاستفهام وفي بعض النسخ هل ثم شهدت وهي رواية ابن ماجه. وفي بعضها شهدت بإسقاط أداة الاستفهام وهي مقدّرة فيها والمراد بالعيد الجمعة والعيد وأطلق على الجمعة عيدًا لما رواه البيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال في جمعة من الجمع معاشر المسلمين هذا يوم جعله الله عَزَّ وَجَلَّ لكم عيدًا فاغتسلوا وعليكم بالسواك ولأنها تعود في كل شهر مرّات (قوله ثم رخص في الجمعة الخ) أي أجاز ترك صلاة الجمعة فقال من أراد صلاة الجمعة ممن حضر العيد فليصلها ومن لا فلا (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد وابن ماجه والنسائي والحاكم وصححه وكذا ابن خزيمة والذهبي في تلخيصه والبيهقي وابن المديني ولكن في إسناده إياس بن أبي رملة وقد علمت أنه مختلف في عدالته (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفٍ الْبَجَلِيُّ نَا أَسْبَاطٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ صَلَّى بِنَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ أَوَّلَ النَّهَارِ ثُمَّ رُحْنَا إِلَي الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْنَا فَصَلَّيْنَا وُحْدَانًا وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ فَلَمَّا قَدِمَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ أَصَابَ السُّنَّةَ. (ش) (رجال الحديث) (محمَّد بن طريف) بن خليفة أبو جعفر الكوفي. روي عن عبد الله بن إدريس وأبي بكر بن عياش وأبي أسامة ووكيع وآخرين. وعنه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأبو حاتم وموسي بن هارون وجماعة. وثقه الخطيب وقال أبو زرعة محله الصدق لا بأس به صاحب حديث وقال في التقريب صدوق من صغار العاشرة. توفي سنة اثنتين وأربعين وكل مائتين. و (البجلي) نسبة إلى بجيلة حيّ باليمن من معدّ و (أسباط) بن محمَّد تقدم في الجزء الثالث صفحة 118

معنى الحديث (قوله صلى بنا ابن الزبير الخ) أي صلى بنا عبد الله بن الزبير صلاة العيد في يوم جمعة أول النهار ثم لم يخرج إلى صلاة الجمعة فصلينا وحدانا يعني صلوا الظهر منفردين لا الجمعة لأنها لا تصح إلا في جماعة كما تقدم في باب الجمعة للملوك والمرأة في قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة. ولما حكاه النووي من الإجماع على أنها لا تصح إلا في جماعة (ويحتمل) أنهم صلوا الجمعة فرادى فيكون دليلًا لما حكي عن بعضهم من أن الجمعة تصح فرادي كبقية الصلوات. والأول أقرب إلى الصواب (قوله أصاب السنة) أي أصاب الطريقة الثابتة عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (من أخرج الحديث) أيضًا أخرجه النسائي والحاكم عن وهب بن كيسان قال الشوكاني وفعل ابن الزبير وقول ابن عباس أصاب السنة رجاله رجال الصحيح (ص) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ نَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ عَطَاءٌ اجْتَمَعَ يَوْمُ جُمُعَةٍ وَيَوْمُ فِطْرٍ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَجَمَعَهُمَا جَمِيعًا فَصَلاَّهُمَا رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ. (ش) (أبو عاصم) الضحاك النبيل تقدم في الجزء الأول صفحة 13 أو كذا (ابن جريج) عبد الملك صفحة 74. و (عطاء) بن أبي رباح (قوله فجمعهما جميعًا الخ) بتشديد الميم والمراد أنه صلى ركعتين أول النهار في جماعة قصد بهما العيد والجمعة ولم يعد إلى صلاة الجمعة بعد الزوال (وظاهر هذا) وما قبله أن عبد الله بن الزبير صلى العيد واكتفي بها عن الجمعة وهو الموافق للحديث السابق (وقال الخطابي) صنيع ابن الزبير لا يجوز أن يحمل إلا على رأي من يدعي تقديم صلاة الجمعة قبل الزوال وقد روى ذلك عن ابن مسعود فعلي هذا يشبه أن يكون ابن الزبير صلى ركعتين على أنهما جمعة وجعل العيد في معنى التبع لها اهـ لكنه غير مسلم (قال) العيني قول الصحابة ثم رحنا إلى الجمعة بعدها فلم يخرج إلينا فصلينا وحدانا ينافي تأويل الخطابي من قوله يشبه أن يكون الخ لأنهم لو لم يتحققوا أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاها عيدًا لما راحوا إلى الجمعة بعدها ولم يصلوا الظهر بعدها وحدانا. وأيضًا حديث زيد بن أرقم يؤيد ما قلنا لأن قضية ابن الزبير مثل قضية النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعينها وذكر زيد فيها صلى العيد ثم رخص في الجمعة. وأيضًا قول ابن عباس أصاب السنة أراد بها هذه اهـ (وما قاله) العيني هو الظاهر ولا يعكر عليه تقديم ابن الزبير الخطبة على الصلاة كما في رواية النسائي عن وهب بن كيسان قال اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فأخر الخروج حتى تعالى النهار ثم

أقوال الفقهاء في أن صلاة العيد هل تجزئ عن صلاة الجمعة

خرج فخطب فأطال الخطبة ثم نزل فصلي ولم يصل للناس يومئذ الجمعة. لأنه وقع تقديم خطبة العيد على الصلاة من جماعة منهم ابن الزبير وقد قدمها عمر بن الخطاب كما جاء في رواية الحاكم عن وهب بن كيسان قال شهدت ابن الزبير بمكة وهو أمير فوافق يوم فطر أو أضحي يوم الجمعة فأخر الخروج حتى ارتفع النهار فخرج وصعد المنبر فخطب وأطال الخطبة تم صلى ركعتين ولم يصل الجمعة فعاتبه عليه ناس من بنى أمية بن عبد شمس فبلغ ذلك ابن عباس فقال أصاب ابن الزبير السنة فبلغ ابن الزبير فقال رأيت عمر بن الخطاب إذا اجتمع عيدان صنع مثل هذا (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى وَعُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الْوَصَّابِيُّ -الْمَعْنَي- قَالاَ نَا بَقِيَّةُ نَا شُعْبَةُ عَنِ الْمُغِيرَةِ الضَّبِّيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ "قَدِ اجْتَمَعَ في يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ". قَالَ عُمَرُ عَنْ شُعْبَةَ. (ش) (رجال الحديث) (عمر بن حفص) بن سعد بن مالك الحميري. روي عن بقية ابن الوليد وسعيد بن موسى وعباس بن سلمه. وعنه أبو داود وأبو حاتم وابن أبي عاصم وأبو عروبة آخرون. قال ابن المواق لا يعرف حاله وقال في التقريب مقبول من صغار العاشرة. توفي سنة ست وأربعين ومائتين. و (الوصابي) بفتح الواو والصاد المهملة المشددة آخر موحدة نسبة إلى الوصاب قبيلة من حمير قاله السمعاني وقال في التقريب بضم الواو وتخفيف الصاد المهملة المفتوحة. و (عبد العزيز بن رفيع) الأسدي أبي عبد الله المكي الطائفي. روي عن أنس وابن الزبير وابن عباس وابن عمر وأبي الطفيل وغيرهم من الصحابة والتابعين. وعنه عمرو بن دينار والأعمش وشعبة بن الحجاج وشريك وكثيرون. وثقة أحمد وأبو حاتم والنسائي والعجلي. توفي سنة ثلاثين أو بعد الثلاثين والمائه. روي له الجماعة (معنى الحديث) (قوله فمن شاء أجزأه الخ) أي فمن أراد أن يكتفي بصلاة العيد عن صلاة الجمعة أجزأه ذلك (وفيه دلالة) على جواز ترك الجمعة لمن صلى العيد مع الإِمام اكتفاء بصلاة العيد (واختلف في هذا) فقالت الحنابلة تسقط الجمعة عمن حضر العيد مع الإِمام إلا الإِمام فلا تسقط عنه لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإنا مجمعون (وقال الهادي) والناصر تسقط الجمعة عمن حضر العيد إلا الإِمام وثلاثة معه فتجب عليهم. واستدلوا بقوله وإنا مجمعون. لكن قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنا مجمعون إخبار منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو لا يكفي بمجرّده

في الدلالة لأن مجرّد الأخبار لا يصلح دليلًا على الوجوب (قال في النيل) يدل على عدم الوجوب وأن الترخيص عام لكل أحد ترك ابن الزبير للجمعة وهو الإِمام إذ ذاك وقول ابن عباس أصاب السنة وعدم الإنكار عليه من أحد من الصحابة اهـ (وقال) في الروضة الندية الظاهر أن الرخصة عامة للإمام وسائر الناس كما يدل على ذلك ما ورد من الأدلة. أما قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإنا مجمعون فغاية ما فيه أنه أخبرهم بأنه سيأخذ بالعزيمة وأخذه بها لا يدل على أن لا رخصة في حقه وحق من تقوم بهم الجمعة وقد تركها ابن الزبير في أيام خلافته ولم ينكر عليه الصحابة ذلك اهـ (وللمالكية) في هذا روايتان. فروي مطرّف وابن ذهب وابن الماجشون عن مالك الاكتفاء بالعيد عن الجمعة لما رواه الشافعي في الأم عن عثمان أنه قال اجتمع في يومكم عيدان فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له. ووجه الدلالة في هذا أن عثمان خطب بذلك في جمع من الصحابة ولم ينكروا عليه فهو إجماع منهم على جواز ذلك. وروي ابن القاسم عن مالك أنه لا بد من الجمعة وهو مشهور المذهب وقول أبي حنيفة (والحديث) حجة عليهم (وقالت) الشافعية تجب على أهل البلد ولا يجزئهم العيد عنها واختلفوا في أهل القري الذين يسمعون نداء الجمعة. ومشهور المذهب أن الجمعة تسقط عنهم ويصلون الظهر لرواية عثمان المتقدمة. وبهذا قال عثمان وعمر بن عبد العزيز (وقال) عطاء إذا صلوا العيد لم تجب عليهم جمعة ولا ظهر لا على أهل البلد ولا على أهل القري (قال) ابن المنذر وروينا نحوه عن على (قوله قال عمر عن شعبة) أي قال عمر بن حفص أحد شيخي المصنف في روايته عن شعبة بالعنعنة بخلاف محمَّد بن المصفي فإنه قال في روايته حدثنا شعبة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الحاكم والبيهقي من طريق المصنف وأخرجه أيضًا من طريق زياد بن عبد الله عن عبد العزير بن رفيع بسنده إلى أبي هريرة قال اجتمع عيدان على عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال إنه قد اجتمع عيدكم هذا والجمعة وإنا مجمعون فمن شاء أن يجمع فليجمع فلما صلى العيد جمع "ورواه" أيضًا مرسلًا من طريق سفيان عن عبد الله بن رفيع عن ذكران أبي صالح قال اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الجمعة ويوم عيد فصلي ثم قام فخطب الناس فقال قد أصبتم ذكرًا وخيرًا وإنا مجمعون فن أحب أن يجلس فليجلس ومن أحب أن يجمع فليجمع. ويروي عن سفيان عن عبد العزيز موصولًا مقيدًا بأهل العوالي وفي إسناده ضعف وروي ذلك عن عمر ابن عبد العزيز عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مقيدًا بأهل العالية إلا أنه منقطع "وساقه بسنده" إلى عمر بن عبد العزيز قال اجتمع عيدان على عهد النبي صلى الله تعالى عليه

باب ما يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة

وعلى آله وسلم فقال من أحب أن يجلس من أهل العالية فليجلس من غير حرج. وروي ذلك بإسناد صحيح عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه مقيدًا بأهل العالية موقوفًا عليه اهـ وتقدم لفظه عن الشافعي في الأمّ (باب ما يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة) (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُخَوَّلِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَنْزِيلَ السَّجْدَةِ وَ (هَلْ أَتَي عَلَي الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ). (ش) (رجال الحديث) (مخوّل) بوزن محمَّد وقيل بكسر فسكون والأول أصح (ابن راشد) النهدي مولاهم أبي راشد الكوفي الحفاظ. روي عن محمَّد بن على ومسلم البطين وأبي سعيد. وعنه الثوري وشعبة وشريك وجماعة. وثقه النسائي وابن معين والعجلي ويعقوب بن سفيان وابن سعد والدارقطني وقال الآجري عن أبي داود شيعي روي له الجماعة (معنى الحديث) (قوله كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة الخ) فيه دلالة على مشروعية قراءة هاتين السورتين في صبح يوم الجمعة. وظاهره أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يواظب على قراءتهما في هذا اليوم كما يشعر به لفظ كان وتؤيده رواية الطبراني عن ابن مسعود أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة الم تنزيل السجدة وهل أتي على الإنسان يديم ذلك قال في مجمع الزوائد رجاله موثقون. وظاهره أيضًا أنه كان يقرأ السورتين بتمامهما خلافًا لما يفعله بعض الناس من اقتصارهم على بعضهما. قال النووي في الروضة لو أراد أن يقرأ آية أو آيتين فيهما سجدة لغرض السجود فقط لم أر فيه كلامًا لأصحابنا وفي قراءته خلاف للسلف. وأفتي الشيخ ابن عبد السلام بالمنع من ذلك وبطلان الصلاة به وروي ابن أبي شيبة عن أبي العالية والشعبي كراهة اختصار السجود زاد الشعبي وكانوا يكرهون إذا أتوا على السجدة أن يجاوزوها حتى يسجدوا. وكره اختصار السجدة ابن سيرين. وعن إبراهيم النخعي أنهم كانوا يكرهون أن تختصر السجدة. وعن الحسن أنه كره ذلك. وروي عن سعيد بن المسيب وشهر بن حوشب أن اختصار السجرد مما أحدث الناس وهو أن يجمع الآيات التي فيها السجود فيقرأها ويسجد فيها. وقيل الاختصار أن يقرأ القرآن إلا آيات

السجود فيحذفها وكلاهما مكروه لأنه لم يرد عن السلف اهـ وممن كان يقرؤهما في صبح يوم الجمعة من الصحابة ابن عباس وعمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عمر وابن الزبير. ومن التابعين إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (وبه قال) الشافعي وأحمد وقالا إن قراءتهما في فجر يوم الجمعة سنة إلا أن الحنابلة قالوا تكره المداومة عليهما (وذهبت) الحنفية إلى استحباب قراءتهما إذا قصد بذلك اتباع السنة أما إذا قرأ شيئًا من القرآن على وجه التعيين فمكروه لما فيه من هجران الباقي وإيهام التفضيل (وذهبت) المالكية إلى كراهة تعمد قراءة سورة فيها سجدة في الفريضة وهو رواية ابن القاسم عن مالك. وروي أشهب عنه جواز قراءة السورة التي فيها السجدة إذا كان وراء الإِمام عدد قليل لايخاف أن يخلط عليهم. وفصل ابن حبيب فقال يجوز قراءة السورة التي فيها السجدة في الصلاة الجهرية دون السرّية لأمن التخليط في الجهرية. وقال ابن بشير الصحيح الجواز لمداومته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الم السجدة. وعلى ذلك كان يواظب الخيار من أشياخي وأشياخهم اهـ وهذا هو ظاهر الأحاديث ولا وجه للكراهة مطلقًا أو في الصلاة السرّية وليس في الحديث أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسجد حين يقرأ هذه السورة في صبح يوم الجمعة (قال في الفتح) لم أر في شيء من الطرق التصريح بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سجد لما قرأ سورة الم السجدة في هذا المحل إلا في كتاب الشريعة لابن أبي داود من طريق أخري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال غدوت على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الجمعة في صلاة الفجر فقرأ سورة فيها سجدة فسجد "الحديث" وفي إسناده من ينظر في حاله. وللطبراني في الصغير في حديث عليّ أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سجد في صلاة الصبح في تنزيل السجدة لكن في إسناده ضعف اهـ (والحكمة) في قراءته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هاتين السورتين في هذا الوقت أنهما تضمنتا ما كان وما يكون في يومها فإنهما اشتملتا على خلق آدم وعلى ذكر المعاد وحشر العباد وذلك يكون يوم الجمعة فإن في قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه وما يكون فتكون السجدة جاءت تبعًا وليست مقصودة (قال في الهدي) كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ يوم الجمعة بسورتي الم تنزيل السجدة وهل أتي على الإنسان ويظن كثير ممن لا علم عنده أن المراد تخصيص هذه الصلاة بسجدة زائدة ويسمونها سجدة الجمعة وإذا لم يقرأ أحدهم هذه السورة استحب قراءة سورة أخري فيها سجدة ولهذا كره من كره من الأئمة المداومة على قراءة هذه السورة في فجر الجمعة دفعا لتوهم الجاهلين اهـ (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه ابن ماجه والترمذي من حديث ابن عباس. وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة. وأخرجه البيهقي عن أبي هريرة أيضًا

باب اللبس الجمعة

عن ابن مسعود. وأخرجه ابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص. ورواه الطبراني في الأوسط والصغير عن على (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُخَوَّلٍ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ وَزَادَ في صَلاَةِ الْجُمُعَةِ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَ (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ). (ش) (يحيى) بن سعيد القطان (قوله عن مخوّل يإسناده ومعناه) أي روي شعبة بن الحجاج هذا الحديث عن مخوّل بن راشد بإسناده المتقدم وبمعناه دون لفظه. وقد أخرج النسائي هذا الحديث عن طريق خالد بن الحارث قال حدثنا شعبة قال أخبرني مخوّل قال سمعت مسلمًا البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ في يوم الجمعة في صلاة الصبح الم تنزيل وهل أتى على الإنسان وفي صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين. (قوله وزاد في صلاة الجمعة الخ) أي زاد شعبة في روايته عن مخوّل أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة في الركعة الأولى وفي الثانية بسورة إذا جاءك المنافقدن. وسيأتي الكلام على ما يقرأ في صلاة الجمعة في بابه إن شاء لله تعالى. وهذه الرواية أخرجها أيضًا مسلم وأحمد والبيهقي (باب اللبس للجمعة) وفي نسخة باب اللبس للجمعة يوم الجمعة، أي في بيان ما ينبغي أن يتجمل به الإنسان من اللباس لصلاة الجمعة. واللبس بضم اللام مصدر لبس بكسر الموحدة من باب تعب (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَي حُلَّةً سِيَرَاءَ -يَعْنِي تُبَاعُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ في الآخِرَةِ". ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِنْهَا حُلَلٌ فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهَا حُلَّةً فَقَالَ عُمَرُ كَسَوْتَنِيهَا يَا رَسُولَ اللهِ وَقَدْ قُلْتَ في حُلَّةِ عُطَارِدَ مَا قُلْتَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنِّي

لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا". فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ. (ش) (القعنبي) عبد الله بن مسلمة تقدم في الجزء الأول صفحة 32 (قوله حلة سيراء) الحلة برود اليمن ولا تكون حلة إلا إذا كانت ثوبين من جنس واحد أحدهما رداء والآخر إزار أو ثوب له بطانة. وقيل الحلة برد أو غيره. والسيراء بكسر السين المهملة وفتح المثناة التحتية والمدّ صفة للحلة وهي نوع من البرود يخالطه حرير كالسيور. ويحتمل أن تكون سيراء مجرورة بإضافة الحلة إليها وعليه فتكون الحلة جميعها من الحرير لأنها مخلوطة به (قوله لو اشتريت هذه الخ) أي لكان حسنًا فجواب لو محذوف. ويحتمل أن تكون لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب وفي رواية البخاري لو ابتعتها فلبستها للوفد إذا أتوك وللجمعة. وفي رواية النسائي عن ابن إسحاق فتجمل بها لوفود العرب إذا أتوك وإذا خطبت الناس في يوم عيد أو غيره. وخص العرب لأنهم كانوا إذ ذاك الوفود في الغالب لأن مكة لما فتحت بادر العرب بإسلامهم فكانت كل قبيلة ترسل كبراءها ليسلموا ويتعلموا ويرجعوا إلى قومهم فيعلموهم (وقوله من لا خلاق له) يعني لا نصيب له من الخير وقيل لاحظ له في الحرير في الآخرة كما تؤيده رواية البخاري عن عمر مرفوعًا لا يلبس الحرير إلا من ليس له في الآخرة منه شيء (قوله ثم جاءت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منها حلل) أي من تلك الحلة. وفي رواية النسائي فجاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مثلها. وفي رواية البخاري عن جرير بن حازم فلما كان بعد ذلك أتي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحلل سيراء فبعث إلى عمر بحلة وبعث إلى أسامة بن زيد بحلة وأعطي عليًا حله (قوله وقد قلت في حله عطارد ما قلت) يعني به قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة. وفي رواية جرير ابن حازم عن البخاري فجاء عمر بحلته يحملها فقال بعثت إليّ بهذه وقد قلت بالأمس ما قلت في حلة عطارد. وحلة عطارد هي التي جاء بها عمر إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في رواية الطبراني عن حفصة بنت عمر أن عطارد جاء بثوب من ديباج كساه إياه كسري فقال عمر ألا أشتريه لك يا رسول الله. وعطارد هو ابن حاجب بن زرارة بن عدس كان من وفد بنى تميم أصحاب الحجرات وقد أسلم وحسن إسلامه واستعمله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على صدقات قومه (قوله إني لم أكسكها لتلبسها الخ) يعني لم أرسلها لك لتلبسها بل لتبيعها كما في رواية البخاري وفيها فقال إنما بعثت بها إليك لتبيعها وتصيب حاجتك وفي رواية له لتصيب بها مالًا وفي رواية للبخاري عن ابن عمر فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم. واسمه عثمان بن حكيم وكان أخاه لأمه كما في رواية النسائي وصحيح أبي عوانة وفيها فكساها أخًا له من أمه من أهل مكة مشركًا

ما ورد في ترهيب الرجال من لباس الحرير

وقيل كان أخاه من الرضاع وأما زيد بن الخطاب أخو عمر فإنه أسلم قبل عمر "ولا يقال" كيف أعطى عمر لأخيه الحلة ورضي له ما لا يرضاه لنفسه "لجواز" أن يكون عمر ير أن الكافر غير مخاطب بفروع الشريعة أخذًا بظاهر قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما يلبس هذا من لا خلاق له. والكافر لا خلاق له. أولجواز أن يكون أرسلها له ليبيعها أو يكسيها امرأته (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز بيع الحرير لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم أن الرجل يبيع الحلة ولم ينكر عليه البيع وعلى حرمة لبس الحرير للرجال (وقد ورد) في ذلك أحاديث كثيرة (منها) ما رواه النسائي وسيأتي للمصنف في كتاب اللباس عن على رضي الله تعالى عنه قال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخذ حريرًا فجعله في يمينه وذهبًا فجعله في شماله ثم قال إن هذين حرام على ذكور أمتي (ومنها) ما رواه أحمد ورواته ثقات عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه أنه سمع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول من كان يؤمن باللهِ واليوم الآخر فلا يلبس حريرًا ولا ذهبًا (ومنها) ما رواه النسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه (ومنها) ما رواه البخاري عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال كانا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه (ومنها) ما رواه الإِمام أحمد من طريق مبارك ابن فضالة عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله تعاالي عنه قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا يرجو أن يلبسه في الآخرة قال الحسن فما بال أقوام يبلغهم هذا عن نبيهم فيجعلون حريرًا في ثيابهم وبيوتهم (ومنها) ما رواه الإِمام أحمد والطبراني عن جويرية قالت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من لبس ثوب حرير في الدنيا ألبسه الله عَزَّ وَجَلَّ يومًا أو ثوبًا من النار يوم القيامة وفي رواية من لبس ثوب حرير في الدنيا ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة من النار أو ثوبًا من النار (ومنها) ما رواه البزار بإسناد حسن عن أنس رضي تعالى عنه أن رسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال قال الله عزّ وجلّ من ترك الخمر وهو يقدر عليه لأسقينه منه في حظيرة القدس ومن ترك الحرير وهو يقدر عليه لأكسونه إياه في حظيرة القدس (ومنها) ما رواه النسائي والحاكم وقال صحيح على شرطهما عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يمنع أهل الحلية والحرير ويقول إن كنتم تحبون حلية الجنة فلا تلبسونها في الدنيا. وسيأتي تمام الكلام عليه في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى، ودلّ الحدث أيضًا

على جواز تمليك الإنسان ما لا يجوز له لبسه لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أعطي عمر حلة وهو لا يجوز له لبسها، وعلى جواز إهداء المسلم للكافر لأن الغالب أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم بإهداء عمر الحلة لأخيه المشرك (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والبيهقي من طريق جويرية ابن أسماء عن نافع أن عبد الله بن عمر أخبره أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رأي حله سيراء من حرير فقال يا رسول الله لو ابتعت هذه الحلة فلبستها للوفود وليوم الجمعة فقال إنما يلبس هذه من الأخلاق له في الآخرة "وبهذا الإسناد" أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعث بعد ذلك إلى عمر بحله سيراء من حريركساها إياه فقال يا رسول الله كسوتنيها وقد سمعتك تقول فيها ما قلت فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعثت بها إليك لتبيعها أولتكسوها بعض نسائك (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَجَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حُلَّةَ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ بِالسُّوقِ فَأَخَذَهَا فَأَتَي بِهَا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَلِلْوَفْدِ. ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ وَالأَوَّلُ أَتَمُّ. (ش) (ابن وهب) هو عبد الله تقدم في الجزء الأول صفحة 325. و (يونس) بن يزيد الأيلي في الثاني صفحة 102. و (وابن شهاب) هو محمَّد بن مسلم الزهري في الأول صفحة 48 و (سالم) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب في الثالث صفحة 78 (قوله حلة إستبرق) هو بكسر الهمزة ما غلظ من الحرير (قوله تباع بالسوق) الذي كان يبيعها عطارد كما في رواية جرير ابن حازم عن نافع عند مسلم رأي عمر عطارد التميمي يقيم حلة بالسوق وكان رجلًا يغشي الملوك ويصيب منهم (قوله ابتع هذه الخ) أي اشتر هذه الحلة لتتجمل وتتزين بها في العيد ولقاء الوفود وفي نسخة تجمل بها للعيد وللوفد. والوفد قوم يجتمعون ويردون البلاد (قوله ثم ساق الحديث الخ) أي ساق أحمد بن صالح الحديث وحديث القعنبي أتم من حديث أحمد بن صالح (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ وَعَمْرٌو أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه

ما ورد في الترغيب في الاغتسال ولبس أحسن الثياب ومس الطيب يوم الجمعة

وسلم- قَالَ "مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ". أَوْ "مَا عَلَي أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدْتُمْ أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَي ثَوْبَيْ مَهْنَتِهِ". (ش) (قوله أخبرني عمرو) بن الحارث كذا با الإفراد في بعض النسخ وفي أكثرها أخبرني يونس وعمرو وعليها فقوله أن يحيى بن سعيد الأنصاري حدثه بالإفراد أي حدث يحيى كل واحد منهما ولعل النسخة الأولى هي الصواب لموافقتها رواية البيهقي (قوله ما على أحدكم إن وجد أو ما على الخ) أي ليس على أحد منكم حرج في أن يتخذ ثوبين حسنين ليوم الجمعة يلبسهما فيه زيادة على ثوبي مهنته إن وجد سعة لذلك. والغرض مه إباحة اتخاذ ثوبين لصلاة الجمعة ومثلها الأعياد لمن قدر على ذلك. هذا على أن ما نافية بمعنى ليس واسمها محذوف والجار والمجرور خبرها وقوله إن وجد معترض بين الاسم ومتعلة وهو قوله أن يتخذ. ويجوز أن يكون قوله على أحدكم متعلقًا بالاسم المحذوف وقوله أن يتخذ خبرًا وأوللشك من بعض الرواة. ويحتمل أن تكون ما استفهامية ويكون الغرض من الكلام الإغراء والترغيب في ذلك فيكون من قبيل قوله تعالى (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) أورده تعالى في صورة نفي الإثم والحرج ردّ لما اعتقدوا من الإثم فيه فكذلك ها هنا لما كان ظاهر ذلك الفعل يوهم تصنعًا ومراآة وأنه من صنيع أهل الرفاهية دفع ذلك الإيهام بقوله ما على أحدكم الخ ويكون الغرض من ذلك استحبابه لمن قدر عليه (قوله سوى ثوبي مهنته) أي بذلته وخدمته قال في النهاية والرواية بفتح الميم وقد تكسر (قال) الزمخشري والكسر عند الأثبات خطأ وقال الأصمعي المهنة بفتح الميم هي الخدمة ولا تكسر اهـ وهذا الحديث مرسل فإن محمَّد بن يحيى بن حبان من صغار التابعين لم يدرك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية تحسين الهيئة والتجمل بأحسن الثياب لصلاة الجمعة (وقد ورد) في الترغيب في ذلك أحاديث أخر (منها) ما أخرجه ابن ماجه عن أبي ذر عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من اغتسل يوم الجمعة فأحسن غسله وتطهر فأحسن طهوره ولبس من أحسن ثيابه ومس ما كتب الله له من طيب أهله ثم أتي الجمعة ولم يلغ ولم يفرق بين اثنين غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخري (ومنها) ما رواه أيضًا عن عائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خطب الناس يوم الجمعة فرأى ثياب النمار فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين للجمعة سوي ثوبي مهنته "والنمار" بكسر النون جمع نمرة كل شملة مخططة من مأزر الأعراب كأنها أخذت

من لون النمر لما فيها من السواد والبياض (والحديث) أخرجه البيهقي (ص) قَالَ عَمْرٌو وَأَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُوسَي بْنِ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ حَبَّانَ عَنِ ابْنِ سَلاَمٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ ذَلِكَ عَلَي الْمِنْبَرِ. (ش) أشار به وما بعده إلى روايتين أخريين للحديث و (ابن أبي حبيب) هو يزيد تقدم في الجزء الثالث صفحة 67. و (موسى بن سعد) بن زيد بن ثابت الأنصاري ويقال ابن سعيد. روى عن يوسف بن عبد الله بن سلام وحفص بن عبد الله وحبيب بن عبد الله بن عمر وآخرين وعنه سعيد بن أبي هلال وعطاء بن خالد. قال في التقريب مقبول من الرابعة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له مسلم وأبو داود وابن ماجه. و (ابن حبان) هو محمَّد بن يحيى بن حبان المتقدم و (ابن سلام) هو عبد الله بن سلام كما صرح به في رواية ابن ماجه وجزم به الحافظ في تهذيب التهذيب وعليه فالحديث منقطع فإن محمَّد بن يحيى بن حبان لم يدرك عبد الله بن سلام لأن ابن يحيى ولد سنة سبع وأربعين ومات عبد الله بن سلام سنة ثلاث وأربعين ويحتمل أن يكون المراد بابن سلام يوسف بن عبد الله بن سلام كما صرح به في رواية أخرى لابن ماجه وتأتي بعد وعليها فالحديث مرسل (قوله يقول ذلك على المنبر) يعني قوله ما على أحدكم الخ وهذه الرواية أخرجها البيهقي وابن ماجه عن موسى بن سعد عن محمَّد بن يحيى بن حبان عن عبد الله بن سلام أنه سمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول على المنبر في يوم الجمعة ما على أحدكم لو اشتري ثوبين ليوم الجمعة سوي ثوب مهنته (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُوسَي بْنِ سَعْدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَمٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. (ش) (يوسف بن عبد الله بن سلام) بن الحارث أبو يعقوب الإسراءيلي الأنصاري قال البخاري له صحبة وقال أبو حاتم ليست له صحبة بل له رؤية وقال العجلي تابعي الثقة. روى عن أبيه وعثمان وعلى وأبي الدرداء وخولة بنت ثعلبة وجماعة. وعنه ابنه محمَّد وعمر بن عبد العزيز وابن المنكدر ومعمر بن عبد الله وعوف بن عتبة وكثيرون ورواية يوسف أخرجها ابن ماجه عنه عن أبيه قال خطبنا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

باب التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة

في يوم الجمعة فقال ما على أحدكم الخ والظاهر أن هذه الرواية مرسلة لرواية ابن ماجه المذكورة (والحاصل) أن أسانيد هذا الحديث مختلف فيها فرواه يحيى بن سعيد الأنصاري مرسلًا وكذلك رواية موسى بن سعد عن يوسف. وأما رواية محمَّد بن يحيى بن حبان فمحتملة للإرسال والانقطاع ومجموع هذه الروايات يقضي بالقوة (باب التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة) أيجوز أم لا (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِى الْمَسْجِدِ وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ ضَالَّةٌ وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ وَنَهَى عَنِ التَّحَلُّقِ قَبْلَ الصَّلاَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. (ش) (مسدد) بن مسرهد تقدم في الجزء الأول صفحة 26. وكذا (يحيى) بن سعيد القطان صفحة 248. وكذا (ابن عجلان) محمَّد صفحة 43. و (شعيب) بن محمَّد ابن عبد الله بن عمرو بن العاص (قوله نهي عن الشراء والبيع في المسجد) ولفظ النهي جاء في رواية ابن ماجه عن ابن عمر عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال خصال لا تنبغي في المسجد لا يتخذ طريقًا ولا يشهر فيه سلاح ولا يقبض فيه بقوس ولا ينشر فيه نبل ولا يمرّ فيه بلحم نيء ولا يضرب فيه حدّ ولا يقتص فيه من أحد ولا يتخذ سوقًا (وفي هذا دلالة) على تحريم البيع والشراء في المسجد (وبه قالت) الحنابلة أخذًا بظاهر الحديث وقالوا لا فرق بين المعتكف وغيره قلّ البيع أوكثر احتيج إليه أم لا قال أحمد إنما هذه بيوت الله لا يباع فيها ولا يشرى. ورأى عمران القصير رجلًا يبيع في المسجد فقال يا هذا إن هذا سوق الآخرة فإن أردت البيع فأخرج إلى سوق الدنيا اهـ (وذهبت الحنفية) إلى أنه يكره البيع والشراء في المسجد إذا عمّ المسجد أو غلب عليه وإلا فلا كراهة قال الطحاوي ما نهي عنه من البيع في المسجد هو الذي يعمه أو يغلب عليه حتى يكون كالسوق فذلك مكروه فأما ما سوي ذلك فلا ولقد روينا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما يدل على إباحة العمل الذي ليس من القرب في المسجد وساق بسنده إلى علي رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول يا معشر قريش ليبعثن الله عليكم رجلًا امتحن الله به الإيمان يضرب رقابكم على الدين فقال أبو بكر أنا هو يا رسول الله قال لا فقال عمر أنا هو يا رسول الله قال لا ولكنه خاصف النعل في المسجد

وكان قد ألقى إلى على رضي الله تعالى عنه نعله يخصفها. أفلا ترى أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم ينه عليا رضي الله تعالى عنه عن خصف النعل في المسجد وإن الناس لو اجتمعوا حتى يعمّ المسجد بخصف النعال كان ذاك مكروهًا فلما كان ما لا يعم المسجد من هذا غير مكروه وما يعمه منه أو يغلب عليه مكروهًا كان ذلك في البيع وإنشاد الشعرو التحلق فيه قبل الصلاة ما عمه من ذلك فهو مكروه وما لم يعمه منه ولم يغلب عليه فليس بمكروه اهـ ولا دليل على ما ذكروه من التفرقة. وما ذكره الطحاوي من خصف نعل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المسجد لا يدلّ على مدّعاهم كما لا يخفى (قال القارئ) ومن البدع الشنيعة بيع ثياب الكعبة خلف المقام وبيع الكتب وغيرها في المسجد الحرام وأشنع منه وضع المحفات والقرب والدبش فيه سيما في أيام الموسم ووقت أزدحام الناس والله ولي أمر دينه ولا حول ولا قوة إلا به اهـ "والمحفة بكسر الميم وفتح المهملة مركب من مراكب النساء كالهودج" (وقالت الشافعية) يكره البيع والشراء في المسجد لغير المعتكف مطلقًا أما المعتكف فيكره له في غير ما لا بدّ له منه (وذهبت) المالكية إلى كراهتهما في المسجد إذا كانا بغير سمسرة. أما إذا كانا بسمسرة أي مناداة على السلعة فحرام لجعل المسجد سوقًا (وهذه) التفاصيل كلها لا دليل عليها (والراجح) ما قالته الحنابلة ولا قرينة تصرف النهي عن التحريم. ويؤيده ما رواه الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولا لا أربح الله تجارتك وما رواه أيضًا عن واثلة بن الأسقع أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم الخ (والأصل) في الأمر الوجوب فلو باع شخص في المسجد أثم وصح بيعه قال العراقي أجمع العلماء على أن ما عقده من البيع والشراء في المسجد لا يجوز نقضه اهـ (قوله وأن تنشد فيه ضالة) أي ونهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن أن ينادى على ضائعة في المسجد. وتقدم بيانه وافيًا في الجزء الرابع في باب كراهية إنشاد الضالة في المسجد (قوله وأن ينشد فيه شعر) فيه دلالة على عدم جواز إنشاد الشعر في المسجد وهو محمول على ما فيه التفاخر ومدح من لا يصح مدحه وذم من لا يصح ذمه فلا ينافي ما رواه الشيخان عن سعيد ابن المسيب قال مرّ عمر في المسجد وحسان فيه ينشد فلحظ إليه فقال كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك ثم التفت إلى أبي هريرة فقال أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول أجب عني اللهم أيده بروح القدس قال نعم (والمراد) بالإجابة الرد على الكفار الذين هجوه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ولا ينافي أيضًا" ما رواه الترمذي عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينصب لحسان منبرًا في المسجد فيقوم عليه يهجو الكفار. وما رواه أحمد عن جابر قال شهدت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله

وسلم أكثر من مائة مرّة في المسجد وأصحابه يتذاكرون الشعر وأشياء من أمر الجاهلية فربما تبسم معهم "فإن هذه" الأحاديث تفيد جواز الشعر في المسجد لاشتماله على هجاء المشركين ومدحه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والحث على الزهد ومكارم الأخلاق (قال ابن العربي) لا بأس بإنشاء الشعر في المسجد إذا كان في مدح الدين وإقامة الشرع اهـ (وقال النووي) لا بأس بإنشاد الشعر في المسجد إذا كان مدحًا للنبوة أو الإِسلام أو كان حكمة أو مكارم الأخلاق أو الزهد ونحو ذلك من أنواع الخير وأما ما فيه شيء مذموم كهجو مسلم أو صفة الخمر أو ذكر النساء أو المراد أو مدح ظالم أو افتخار منهي عنه أو غير ذلك فحرام اهـ وروى أو يعلي عن عائشة قالت سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الشعر فقال هو كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح قال العراقي إسناده حسن ووصله جماعة (وعلى الجمع) بين الأحاديث جري الأكثرون (وحكى) ابن التين عن أبي عبد الله البوني أن أحاديث النهي ناسخة لأحاديث الإذن ولم يوافق على ذلك لما تقرّر من أن الجمع بين الأحاديث ما أمكن هو الواجب وقد أمكن هنا. ومحل النهي عن الشعر في المسجد ما لم يشوّش على مصل أو قارئ أو ذاكر وإلا منع (قوله ونهي عن التحلق الخ) أي ونهي عن الجلوس على هيئة الحلقة قبل الصلاة يوم الجمعة لما يترتب عليه من قطع الصفوف مع كون الناس مأمورين بالتبكير يوم الجمعة والتراص في الصفوف الأول فالأول (وحمل الجمهور) النهي في الحديث على الكراهة. والتحلق المنهي عنه أعم من أن يكون للعلم أوللمذاكرة أوللمشاورة والتقييد بقبل الصلاة يدل على أن التحلق بعدها غير منهي عنه وبيوم الجمعة يدل على جواز التحلق في غيره مطلقًا كما يشعر ذلك ما رواه مسلم والبيهقي عن أبي واقد الليثي قال بينما رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قاعد في أصحابه إذا جاء ثلاثة نفر فأما رجل فوجد فرجة في الحلقة فجلس وأما رجل فجلس أظنه قال خلف الحلقة وأما رجل فانطلق فقال رسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ألا أخبركم عن هؤلاء النفر أما الرجل الذي جلس في الحلقة فرجل آوي فآواه الله وأما الرجل الذي جلس خلف الحلقة فاستحيا فاستحيا الله منه وأما الرجل الذي انطلق فرجل أعرض فأعرض الله عنه اهـ (أما التحلق) في المسجد لأمر من أمور الدنيا فغير جائز لأن المساجد إنما بنيت للعبادة ولما في حديث ابن مسعود سيكون في آخر الزمان قوم يجلسون في المساجد حلقًا حلقًا أمانيهم الدنيا فلا تجالسوهم فإنه ليس لله فيهم حاجة ذكره العراقي في شرح الترمذي وقال إسناده ضعيف فيه بزيع أبو الخليل وهو ضعيف جدًا اهـ وقال في مجمع الزوائد رواه الطبراني في الكبير (والحديث) أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وليس فيه إنشاد الضالة ورواه البيهقي وكذا ابن ماجه في "باب الجمعة" مقتصرين فيه على النهي عن التعليق ورواه ابن ماجه أيضًا في "باب ما يكره في المساجد" مقتصرًا فيه على النهي عن البيع والشراء وتناشد الأشعار

باب اتخاذ المنبر

(باب اتخاذ المنبر) وفي بعض النسخ "باب في اتخاذ المنبر" (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيُّ الْقُرَشِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمِ بْنُ دِينَارٍ أَنَّ رِجَالًا أَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ وَقَدِ امْتَرَوْا في الْمِنْبَرِ مِمَّ عُودُهُ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ وَاللهِ إِنِّي لأَعْرِفُ مِمَّا هُوَ وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَوَّلَ يَوْمٍ وُضِعَ وَأَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَي فُلاَنَةَ امْرَأَةٍ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ "أَنْ مُرِي غُلاَمَكِ النَّجَّارَ أَنْ يَعْمَلَ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ". فَأَمَرَتْهُ فَعَمِلَهَا مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ ثُمَّ جَاءَ بِهَا فَأَرْسَلَتْهُ إِلَي النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ هَا هُنَا فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى عَلَيْهَا وَكَبَّرَ عَلَيْهَا ثُمَّ رَكَعَ وَهُوَ عَلَيْهَا ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَي فَسَجَدَ في أَصْلِ الْمِنْبَرِ ثُمَّ عَادَ فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَي النَّاسِ فَقَالَ "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي وَلِتَعَلَّمُوا صَلاَتِي". (ش) (أبو حازم) سلمة بن دينار تقدم في الجزء الأول صفحة 147 (قوله أن رجالًا) لم تعرف أسماؤهم (قوله امتروا في المنبر) من المماراة وهي المجادلة أي تجادلوا فيه وقيل من الامتراء وهو الشك يعني شكوا في أصله (قوله إني لأعرف مما هو) بإثبات الألف في ما الاستفهامية المجرورة على خلاف الأصل. وفي بعض النسخ بحذف الألف. وأقسم لتأكيد أنه عالم به ومتيقن منه ليزيل ما عندهم. وفي رواية للبخاري أن سهلًا قال ما بقي أحد أعلم به مني (قوله وقد رأيته أول يوم وضع) زاد عن السؤال لإعلامهم بأنه متثبت مما سألوه عنه (قوله أرسل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى فلانة الخ) وفي رواية للبخاري إلى فلانة امرأة من الأنصار. ولم يعرف اسمها وقيل اسمها فكيهة بنت عبيد بن دليم وقيل عائشة (قوله أن مري غلامك) أي خادمك وأن تفسيرية مبينة للمرسل به

ما دل عليه حديث سهل بن سعد من جواز ارتفاع الإمام في الصلاة على المأمومين لقصد التعليم وغير ذلك من الفوائد.

والغلام قيل اسمه قبيصة المخزومي وقيل باقوم وقيل ميمون واختاره الحافظ (وظاهر الحديث) أنه صلى الله عليه وآله وسلم أرسل إلى المرأة "وهو لا ينافي" رواية البخاري عن جابر أن المرأة قالت يا رسول الله ألا أجعل لك شيئًا تقعد عليه فإنه صريح في أن المرأة التي بدأته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في شأن المنبر "لاحتمال" أن تكون المرأة عرضت عليه الأمر أولًا ثم أرسل إليها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد لتنجز عمله (قوله فعملها من طرفاء الغابة) هو شجر من شجر البادية واحده طرفة. وفي رواية للبخاري من أثل الغابة ولا تنافي بينهما لأن الطرفاء كما في القاموس أربعة أصناف منها الأثل. والغابة موضع من عوالي المدينة على تسعة أميال منها وأصلها كل شجر ملتف (قوله ثم جاء الخ) أي جاء الغلام بالأعواد التي صنعها إلى مولاته فأرسلته بها إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأمر بها فوضعت ها هنا يعني في قبلة مسجده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله صلى عليها وكبر عليها الخ) لم يذكر في هذه الرواية القراءة بعد الإحرام والقيام بعد الرفع من الركوع. وفي رواية للبخاري عن أبي حازم كبر فقرأ وركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقري يعني مشى إلى خلفه محافظة على استقبال القبلة فسجد في أصل المنبر يعني على الأرض قريبًا منه ثم رجع إلى المنبر للقيام عليه (قوله إنما صنعت هذا الخ) يعني إنما صليت فوق المنبر لتقتدوا بي ولتتعلموا كيفية صلاتي. وفي هذا بيان حكمة صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المنبر إذ لو صلي على الأرض لخفي حاله على كثير من المأمومين (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية اتخاذ المنبر للخطبة لكونه أبلغ في إسماع الناس ومشاهدتهم للخطيب سواء أكان الخطيب خليفة أم لا كما هو مذهب الجمهور خلافًا لمن فرق بين الخليفة وغيره لأنه لا دليل على هذه التفرقة، وعلى جواز ضد تعليم المأمومين أفعال الصلاة بالفعل، وعلى جواز العمل اليسير في الصلاة لمصلحتها، وعلى جواز ارتفاع الإِمام على المأمومين لقصد التعلم (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه ورواه البيهقي من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه أن نفرًا جاءوا إلى سهل بن سعد قد تماروا في المنبر من أيّ عود هو فقال أما والله إلى لأعرف من أيّ عود هو ومن عمله ورأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أول يوم جلس عليه قال فقلت له يا أبا عباس فحدثنا فقال أرسل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى امرأة قال أبو حازم إنه لسماها يومئذ انظري غلامك النجار يعمل لي أعوادًا لأكلم الناس عليها فعمل هذه الثلاث درجات ثم أمر بها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فوضعت هذا الموضع فهي من طرفاء الغابة

ولقد رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قام عليه فكبر وكبر الناس وراءه وهو على المنبر يعني ثم ركع ثم رفع فنزل القهقري حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته ثم أقبل على الناس وقال يا أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا بَدُنَ قَالَ لَهُ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ أَلاَ أَتَّخِذُ لَكَ مِنْبَرًا يَا رَسُولَ اللهِ يَجْمَعُ -أَوْ يَحْمِلُ- عِظَامَكَ قَالَ "بَلَي". فَاتَّخَذَ لَهُ مِنْبَرًا مِرْقَاتَيْنِ. (ش) (أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل. و (وابن أبي روّاد) هو عبد العزيز بن ميمون (قوله لما بدن) بتشديد الدال المهملة المفتوحة أي كبر في السنن أو بضم الدال أو فتحها مخففة كثر لحمه وعظم (قوله قال له تميم الداري الخ) ليس في هذه الرواية التصريح بأن تميما الذي صنع المنبر فلا ينافي أن الصانع له غلام المرأة وتميم من جملة من بدأه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في عمل المنبر (قوله يجمع أو يحمل عظامك) شك من الراوي والمراد أنه يخطب عليه (قوله فاتخذ له منبرًا مرقاتين) يعني درجتين غير الدرجة التي كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يجلس عليها ويؤيده ما ذكره إن عبد البر في الاستيعاب عن باقوم الرومي قال صنعت لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم منبرًا من طرفاء له ثلاث درجات المقعدة ودرجتان ولا ينافيه ما في رواية مسلم من أن المنبر كان ثلاث درجات لأنه عدّ المقعدة من الثلاث وعلى هذا يحمل ما رواه الحاكم وصححه عن كعب بن عجرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحضروا المنبر فحضرناه فلما ارتقى الدرجة الأولى قال آمين فلما ارتقى الدرجة الثانية قال آمين فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال آمين فلما نزل قلنا يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئًا ما كنا نسمعه قال إن جبريل عرض لي فقال بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له قلت آمين فلما رقيت الثانية قال بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت آمين فلما رقيت الثالثة قال بعد من أدرك أبويه الكبر عنده أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قلت آمين (قال) السمهودي جميع كلام المؤرخين مقتض لاتفاقهم على أن منبره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان درجتين غير المجلس اهـ (وكان) طول المنبر إلى جهة السماء ذراعين وامتداده مما يلي القبلة إلى الجهة المقابلة لها ذراعين وكان عرضه ذراعًا وارتفاع كل واحدة من الدرجتين نصف ذراع وارتفاع الدرجة الثالثة التي كان يجلس عليها ذراعًا وكان سطح المقعدة ذراعًا في ذراع وكان له رمانتان في جانبي المجلس من المقدم كان يمسكهما صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بيديه

صفة منبر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وبيان أن ما كان على خلافها فهو محدث وبدعة مذمومة

الكريمتين إذا جلس. ارتفاع كل واحدة من الرمانتين عن المجلس نصف ذراع وكان له خمسة أعواد من جوانبه ثلاثة خلف الظهر كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يستند إليها وطولها ذراع وفي كل جانب عود وكان فيه سبع كوى من جوانبه (واستمرّ) على هذه الهيئة إلى أن زاد فيه مروان ست درجات وذلك حين كتب معاوية إلى مروان وهو على المدينة أن أرسل إليّ بمنبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فخرج مروان فقلعه وأراد أن يبعث به إلى معاوية فكسفت الشمس حتى أظلمت المدينة وظهرت النجوم نهارًا وأصابتهم ريح شديدة وصار يلقي الرجل الرجل يصكه فلا يعرفه فخرج عليهم مروان فخطبهم وقال يا أهل المدينة إنكم تزعمون أن أمير المؤمنين بعث إلى منبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأمير المؤمنين أعلم بالله من أن يغير منبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عما وضعه عليه إنما أمرني أن أكرمه وأرفعه فدعا نجارًا فزاد فيه هذه الزيادة (وقيل) إن معاوية لما قدم من الشام عام حج حرك المنبر وأراد أن يخرجه إلى الشام فكسفت الشمس يومئذ حتى بدت النجوم فاعتذر معاوية إلى الناس وقال أردت أن أنظر إلى ما تحته وخشيت عليه من الأرضة (واستمرّ المنبر) بهذه الزيادة التي زادها مروان إلى أن احتراق مع المسجد سنة أربع وخمسين وستمائة (إذا علمت) ما تقدم من أن منبره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان درجتين غير المقعدة تعلم أن ما كان من المنابر على خلاف هذه الهيئة محدث (قال في المدخل) ومن الأمور التي أحدثت في المساجد اتخاذ هذا المنبر العالي فإنه أخذ من المسجد جزءًا عظيمًا وهو وقف على صلاة المسلمين كفى به أنه لم يكن من فعل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا من فعل الخلفاء بعده وإذا كان كذلك فهو من جملة ما أحدث في المساجد. وفيه تقطيع الصفوف كما هو مشاهد في البلاد ومنبر السنة غير هذا كله كان ثلاث درجات لا غير والثلاث درجات لا تشغل مواضع المصلين "فإن قيل" بل تشغل ولو موضع واحد "فالجواب" أن هذا مستثني بفعل صاحب الشرع وهو أكمل الحالات وما عداه بدعة لا ضرورة تدعو إليه "فإن قيل" قد كثر الناس واتسع الجامع فإذا صعد الخطيب على المنبر وهو ثلاث درجات قل أن يسمع الخطيب الجميع أو أكثرهم في الغالب. "فالجواب" أن من كان على منبر عال هو الذي لا يسمعهم لكونه بعيدا عنهم فكأنه في سطح وحده وهذا مشاهد ألا ترى أن الخطيب يخطب على هذا المنبر العالي وكثير من الناس لا يسمعونه وإذا دخل في الصلاة سمعوا قراءته أكثر من خطبته وما ذاك إلا لكونه في الصلاة واقفًا معهم على الأرض وفي حال الخطبة لم يكن معهم كذلك (وليحذر) أن تفرش السجادة وغيرها على المنبر ودرجه لأنه بدعة إذا لم يأت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا عن أحد من الخلفاء بعده ولا عن أحد الصحابة ولا السلف وليس بموضع صلاة فهو من الترفه يطلب

باب موضع المنبر

تركه قال وليحذر من جعل الأعلام السود على المنبر حال الخطبة فإنه من البدع اهـ وتقييد الأعلام بالسود لا مفهوم له فإن وضع أعلام على المنبر مطلقًا بدعة مذمومة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي من طريق شعيب بن عمرو الضبي ثنا أبو عاصم ثنا ابن أبي روّاد حدثني نافع عن عبد الله بن عمر أن تميمًا الداريّ قال لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما أسنّ وثقل ألا أتخذ لك منبرًا تحمل أو تجمع أو كلمة تشبها عظامك فاتخذ له مرقاتين أوثلاثة فجلس عليها قال فصعد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فحنّ جذع كان في المسجد كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا خطب يستند إليه فنزل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فاحتضنه فقال له شيئًا لا أدري ما هو ثم صعد المنبر وكانت أساطين المسجد جذوعًا وسقائفه جريدًا قال البخاري روى أبوعاصم عن ابن أبي روّاد فذكره (باب موضع المنبر) أي الموضع الذي يكون فيه المنبر من المسجد (ص) حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ نَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ كَانَ بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ الْحَائِطِ كَقَدْرِ مَمَرِّ الشَّاةِ. (ش) فيه دلالة على أنه ينبغي أن يمكن أن يكون المنبر غير ملتصق بالحائط التي تكون جهة القبلة بل يكون بينه وبينها مقدار ممرّ الشاة (والحديث) أخرجه البخاري ومسلم بنحوه (باب الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال) أي في بيان حكم الصلاة يوم الجمعة قبل تحقق زوال الشمس (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَي نَا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَرِهَ الصَّلاَةَ نِصْفَ النَّهَارِ إِلاَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ "إِنَّ جَهَنَّمَ تُسْجَرُ إِلاَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ هُوَ مُرْسَلٌ مُجَاهِدٌ أَكْبَرُ مِنْ أَبِي الْخَلِيلِ وَأَبُو الْخَلِيلِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي قَتَادَةَ.

(ش) (رجال الحديث) (حسان بن إبراهيم) بن عبد الله أبوهشام العنبري. روي عن سعيد بن مسروق وسفيان الثوري وابن عجلان وعبد الله بن عمر وغيرهم. وعنه حميد بن مسعدة وعلى بن حجر وغيرهما. وثقه ابن معين وابن حبان وقال أبو زرعة لا بأس به وقال ابن عدي هو عندي من أهل الصدق إلا أنه يغلط في الشيء لا يعتمد وقال في التقريب صدوق يخطئُ من الثامنة. مات سنة ست وثمانين ومائة. و (أبو الخليل) هو صالح بن أبي مريم الضبعي مولاهم البصري. روي عن عبد الله بن الحارث ومجاهد بن جبر ومسلم بن يسار وآخرين. وعنه عطاء وقتادة وأبو الزبير ومنصور بن المعتمر وجماعة. وثقه أبو داود والنسائي وابن معين وقال ابن عبد البر لا يحتج به. روي له الجماعة (معنى الحديث) (قوله أنه كره الصلاة نصف النهار الخ) وفي رواية البيهقي نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلايوم الجمعة. وروي أحمد ومسلم وسيأتي للصنف في باب تفريع أبواب التطوع وركعات السنة عن عمرو بن عبسة السلمي أنه قال قلت يا رسول الله أي الليل أسمع قال جوف الليل الآخر فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح ثم أقصر حتى تطلع الشمس فترتفع قيس رمح أو رمحين فإنها تطلع بين قرني شيطان وتصلي لها الكفار ثم صل ماشئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى يعدل الرمح ظله ثم أقصر فإن جهنم تسجر وتفتح أبوابها فإذا زاغت الشمس فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة "الحديث" وقوله إلا يوم الجمعة استثناء من كراهة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة نصف النهار. وقوله إن جهنم تسجر تعليل لكراهة الصلاة وقت الزوال أي توقد وتحمي يقال سجرت التنور إذا أحميته (قوله إلا يوم الجمعة الخ) استثناء من محذوف أي إن جهنم تسجر وقت الزوال في جميع الأيام إلا يوم الجمعة فلا تسجر فيه وقت الزوال فلذا لا تكره الصلاة فيه (قال الخطابي) قوله إن جهنم تسجر وبين قرني الشيطان وأمثالهما من الألفاظ الشرعية التي أكثرها ينفرد الشارع بمعناها ويجب علينا التصديق بها والوقوف عند الإقرار بصحتها والعمل بموجبها اهـ وحمله بعضهم على النافلة فقال تكره النافلة وقت الزوال كل يوم إلا في يوم الجمعة لفقد عله الكراهة (واستدل) به الحنابلة على جواز صلاة الجمعة قبل تحقق الزوال. لكن في الحديث انقطاع كما ذكره المصنف فلا يصلح حجة (وقال) العيني يمكن أن يكون المراد من قوله نصف النهار بعد الزوال من غير تأخير وهو أول وقت الظهر وأطلق عليه نصف النهار باعتبار قربه منه ويكون معنى كراهة الصلاة في ذاك الوقت لأجل شدة الحر وهي من فيح جهنم ولأجل تسجير جهنم فيه فيكون التأخير عن ذلك الوقت إلى وقت البرودة مستحبًا كما قال أبردوا بالظهر "الحديث" ويكون المراد من قوله كره الصلاة

باب الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال

صلاة الظهر ويكون معنى قوله إلا يوم الجمعة لا تكره الصلاة في ذلك الوقت يعني في أول الوقت الذي يلي وقت الزوال من غير تأخير لعدم العله الموجبة للكراهة وهي تسجير جهنم فتكون الصلاة في وقتها بعد الزوال بهذا التقدير اهـ يبعض تصرّف (قوله وهو مرسل الخ) لعل مراده بالإرسال الانقطاع فإن الصحابي مذكور وقد بين المصنف وجه الإرسال بقوله أبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة (والحديث) أخرجه البيهقي (باب وقت الجمعة) وفي بعض النسخ "باب في وقت الجمعة" (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنِي فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيُّ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الْجُمُعَةَ إِذَا مَالَتِ الشَّمْسُ. (ش) وفي نسخة يصلي يوم الجمعة إذا مالت الشمس يعني إذا زالت عن كبد السماء. وفي رواية البخاري كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس أي يتحقق ميلها (وفيه إشعار) بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يواظب على صلاة الجمعة عقب الزوال (وإلي هذا) ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي والجمهور من الصحابة والتابعين فمن بعدهم مستدلين بحديث الباب وبما رواه مسلم عن سلمة بن الأكوع قال كنا نجمع مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء "وهو يفيد" أن الفيء كان موجودًا لكنه قليل لأن الجدران كانت قصيرة لا يستظل بظلها إلابعد توسط الوقت (قال النووي) قال الشافعي صلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان والأئمة بعدهم كل جمعة بعد الزوال (وذهبت الحنابلة) وإسحاق إلى جواز الجمعة قبل الزوال مستدلين مما رواه أحمد ومسلم والنسائي عن جابر قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي الجمعة. ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس. وبما رواه الدارقطني وأحمد عن عبد الله بن سيدان السلمي قال شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار ثم شهدتها مع عمر فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول انتصف النهار ثم شهدتها مع عثمان فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول زال النهار فما رأيت أحدًا عاب ذلك ولا أنكره (قال أحمد) وكذلك روى عن ابن مسعود وجابر وسعيد ومعاوية أنهم صلوا قبل الزوال فلم ينكر عليهم فكان كالإجماع اهـ (وأجاب الجمهور) عن حديث جابر بأنه محمول على المبالغة في تعجيل الصلاة بعد الزوال من غير إبراد وأن الصلاة وإراحة

الجمال كانتا تقعان عقب الزوال. وعن الأثر المذكور عن أبي بكر وعمر وعثمان بأنه ضعيف لأن عبد الله بن سيدان تكلم فيه غير واحد. قال الحافظ تابعي كبير غير معروف العدالة وقال ابن عدي يشبه المجهول وقال البخاري لا يتابع على حديثه وقد عارضه ما هو أقوي منه اهـ "يعني به حديث الباب عند المصنف والبخاري وما تقدم عند مسلم وما رواه ابن أبي شيبة عن سويد بن غفلة أنه صلى مع أبي بكر وعمر حين زالت الشمس" (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري والترمذي البيهقي (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا يَعْلَى بْنُ الْحَارِثِ سَمِعْتُ إِيَاسَ بْنَ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ فَيْءٌ. (ش) (رجال الحديث) (يعلي بن الحارث) بن حرب بن جرير بن الحارث المحاربي أبو حرب الكوفي. روى عن إياس بن سلمة وسليمان بن حبيب وإسماعيل بن أبي خالد وأشعث ابن أبي الشعثاء وغيرهم. وعنه أحمد بن عبد الله ويحيى الحماني ويحيى بن آدم وأبو الوليد الطيالسي وآخرون. وثقه ابن معين وابن المديني ويعقوب بن شيبة والنسائي وابن حبان وقال في التقريب ثقة من الثامنة. مات سنة ثمان وستين ومائة. و (إياس بن سلمة بن الأكوع) الأسلمي أبا سلمة أو أبا بكر المدني. روى عن أبيه وابن عمار. وعنه ابناه سعيد ومحمد ويعلي بن الحارث وعمرو ابن راشد وابن أبي ذئب وغيرهم. وثقه ابن معين والعجلي والنسائي وابن حبان وقال في التقريب ثقة من الثالثة. توفي سنة تسع عشرة ومائة (معنى الحديث) (قوله وليس للحيطان فيء) يعني يستظل به كما صرّح به في رواية البخاري والنسائي كنا نصلي مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به. وفي رواية مسلم وابن ماجه كنا نصلي مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الجمعة فنرجع وما نجد للحيطان فيئًا نستظل به "وليس المراد" نفي الظل مطلقًا لأن الظل لا ينتفي في وقت مالًا قبل الزوال ولا بعده (وهذه) الروايات تدل عل المبادرة بصلاة الجمعة عقب الزوال لأن النفي في قوله وليس للحيطان فيء متوجه إلى القيد فقط وهو قوله يستظل به فتكون دليلًا للقائلين إن وقت الجمعة بعد الزوال (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والبيهقي والدارقطني

أقوال العلماء في صلاة الجمعة قبل الزوال

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ كُنَّا نَقِيلُ وَنَتَغَدَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ. (ش) وفي رواية الترمذي ما كنا نقيل ولا نتغذي إلا بعد الجمعة في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. والقيلولة النوم نصف النهار وتطلق على الاستراحة في هذا الوقت وإن لم يكن معها نوم. والغداء الطعام الذي يؤكل أول النهار (واحتج به) من قال بجواز صلاة الجمعة قبل الزوال لأن الغذاء والقيلوله محلهما نصف النهار. وحكوا عن ابن قتيبة أنه لا يسمى غذاء ولا قائلة بعد الزوال (وحمله الجمهور) على أن المراد به التبكير بالصلاة أول الزوال فكانوا لا يتغذون إلا بعد الجمعة لاشتغالهم بالتهيؤ للجمعة والتهجير وليس المراد أنه يقع تغذّيهم ومقيلهم وقت الزوال حتى تكون الصلاة وقعت قبله (لكن) قال في النيل قد ثبت أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يخطب خطبتين ويجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس كما في مسلم من حديث أم هشام بنت حارثة أنها قالت ماحفظت (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) إلا من في رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو يقرؤها على المنبر كل جمعة. وعند ابن ماجه من حديث أبيّ ابن كعب أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قرأ يوم الجمعة تبارك وهو قائم يذكر بأيام الله وكان يصلي الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين كما ثبت ذلك عند مسلم من حديث على وأبي هريرة وابن عباس. ولو كانت خطبته وصلاته بعد الزوال لما انصرف منها إلا وقد صار للحيطان ظل يستظل به وقد خرج وقت الغداء والقائلة (وأصرح) من هذا حديث جابر المذكور في الباب فإت صرّح بأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي الجمعة ثم يذهبون إلى جمالهم فيريحونها عند الزوال (ولا ملجئَ) إلى التأويلات المتعسفة التي ارتكبها الجمهور (واستدلالهم) بالأحاديت القاضية بأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم صلى الجمعة بعد الزوال لا ينفي الجواز قبله (وقد أغرب) ابن العربي فنقل الإجماع على أنها لا تجب حتى تزول الشمس إلا ما نقل عن أحمد (وهو مردود) فإنه قد نقل ابن قدامة وغيره عن جماعة من السلف مثل قول أحمد وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن سلمة أنه قال صلى بنا عبد الله بن مسعود الجمعة ضحي وقال خشيت عليكم الحرّ. وأخرج من طريق سعيد بن سويد قال صلى بنا معاوية الجمعة ضحى (وفيما قاله) نظر فإن خطبته وصلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كانتا معتدلتين فما كان يزيد اشتغاله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بهما على ساعة فلكية وبمضيها لا يمكن أن يكون لجدران المدينة فيء يستظلّ به لقصر جدرانها إذ ذاك (وما ذكره) عن معاوية وابن مسعود لا يعارض الأحاديث

باب النداء يوم الجمعة

الصحيحة الثابتة عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الدالة على أنه كان يصليها بعد الزوال (قال) في سبل السلام ليس فيه "يعني حديث الباب" دليل على الصلاة قبل الزوال لأنهم في المدينة ومكة لا يقيلون ولا يتغدّون إلا بعد صلاة الظهر كما قال تعالى (وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ) نعم كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسارع بصلاة الجمعة في أول وقت الزوال بخلاف الظهر فقد كان يؤخره بعده حتى يجتمع الناس اهـ (والحديث) أخرجه أحمد والشيخان والنسائي والترمذي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي (باب النداء يوم الجمعة) وفي نسخة باب في النداء يوم الجمعة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ نَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ الأَذَانَ كَانَ أَوَّلُهُ حِينَ يَجْلِسُ الإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ -رضي الله عنهما- فَلَمَّا كَانَ خِلاَفَةُ عُثْمَانَ وَكَثُرَ النَّاسُ أَمَرَ عُثْمَانُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالأَذَانِ الثَّالِثِ فَأُذِّنَ بِهِ عَلَى الزَّوْرَاءِ فَثَبَتَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ. (ش) (رجال الحديث) (وابن وهب) هو عبد الله. و (يونس) بن يزيد. و (السائب ابن يزيد) بن سعيد بن ثمامة الكندي. روى البخاري من طريق محمَّد بن يوسف عن السائب أن خالته ذهبت به وهو وجع فمسح النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأسه ودعا له وتوضأ فشرب من وضوئه ونظر إلى خاتم النبوة. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أبيه وعمر وعثمان وعبد الله بن السعدي وطلحة وآخرين. وعنه الزهري ويحيي بن سعيد وإبراهيم بن قارظ. مات سنة إحدي أو اثنتين وثمانين (معنى الحديث) (قوله أن الأذان كان أوله الخ) وفي رواية ابن خزيمة كان ابتداء النداء الذي ذكره الله في القرآن إذا خرج الإِمام يعني وجلس. وقوله فلما كان خلافة عثمان يعني ومضى مدة منها كما في رواية أبي نعيم. وقوله وكثر الناس يعني في المسجد كما جاء في رواية للبخاري (وقوله أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث) وفي رواية وكيع عن ابن أبي ذئب عند ابن خزيمة فأمر عثمان بالأذان الأول ونحوه للشافعي ولا تنافي بينهما لأنه باعتبار كونه مزيدًا على الأذان والإقامة في المشروعية ثالثًا وباعتبار كونه مقدمًا عليهما في الفعل جعل أولًا فهو أول في الفعل ثالث في المشروعية. ووصف بالثاني في رواية

بيان أن ما يفعله المؤذنون يوم الجمعة من الأولى والثانية بدعة ضلالة وكلام جليل لصاحب المدخل في ذلك

للبخاري عن عقيل بالنظر إلى الأذان دون الإقامة. وهذه الرواية صريحة في أن عثمان هوالذي زاد هذا النداء "وما جاء في بعض الروايات" عن برد بن سنان عن مكحول عن معاذ أن عمر هو الذي زاده "فغير ثابت" لأن معاذًا كان خرج من المدينة إلى الشام في أول غزو الشام واستمرّ إلى أن مات بها في طاعون عمواس في خلافة عمر (قوله فأذن به على الزوراء) بالمد موضع بالسوق بالمدينة كما قاله البخاري. وما قاله ابن بطال من أنه حجر كبير على باب المسجد مردود بما في رواية الطبراني فأمر بالنداء الأول على دار يقال لها الزوراء. ومافي رواية ابن ماجه وابن خزيمة من قوله زاد النداء الثالث على دار في السوق يقال لها الزوراء. وأمر به في ذاك المكان ليعلم الناس به أن الجمعة قد حضرت. وكان يفعل عند دخول الوقت لا قبله (فما يفعله) الناس قبل دخول الوقت مما يسمونه بالأولي والثانية (لا أصل له) لأنه لم يفعله النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا أمر به ولا فعله أحد من أصحابه ولا من السلف بل هو محدث أحدثه بعض الأمراء كما ذكره ابن الحاج العبدري فيتعين تركه لأن تركه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إياه مع وجود المقتضي وهو تشريع الأحكام في حياته واستمراره على ذلك حتى فارق الدنيا يدل على عدم مشروعيته. وكذلك إجماع الأمة من الصحابة والسلف الصالح على هذا الترك دليل على أن تركه هو السنة وفعله بدعة مذمومة. ولا يقال إنها داخلة تحت الأوامر العامة كقوله تعالى (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) لأن تركه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إياه وكذا الصحابة دليل على عدم دخوله في تلك الأوامر. على أن هذا ليس من الخير بل هو ضلال كما نصّ عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقوله فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة رواه المصنف في باب في لزوم السنة من حديث العرباض بن سارية (قال في المدخل) يطلب من إمام المسجد أن ينهى المؤذنين عما أحدثوه من التذكار يوم الجمعة لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يفعله ولا أمر به ولا فعله أحد بعده من السلف بل هو قريب العهد بالحدوث أحدثه بعض الأمراء وهو الذي أحدث التغني بالأذان في المدرسة التي بناها وبدعة هذا أصلها يتعين تركها "فإن قيل" الناس مضطرون للتذكار لكي يقوموا من أسواقهم وأشغالهم ويخرجوا من بيوتهم فيأتوا إلى المسجد "فالجواب" أنه لا يخلو سأل من يأتي إلى الجمعة إما أن يكون بعيدًا أو قريبًا من المسجد وفإن كان قريبًا فالأذان الأول الذي فعله سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه يكفيه سماعه وإن كات بعيدًا فهو لا يسمع الأذان الأول الذي للتذكار فيأخذ لنفسه بالاحتياط ألا تري أن السعي إلى الجمعة يجب على الناس بحسب قرب مواضعهم وبعدها وقد يتعين على بعضهم الإتيان إلى الجمعة من طلوع الشمس وعلى بعضهم من الزوال بحسب ما ذكر من القرب

والبعد وإذا كان كذلك فلا ضرورة تدعو إلى ما أحدثوه. ثم مع ذلك ترتب عليه المفاسد أعني التشويش على من في المسجد ينتظر الجمعة وهم على ما يعلم من حالهم منهم المصلي والذاكر والتالي والمتفكر إلى غير ذلك (وهذه البدعة) قد عمت البلوى في الأقاليم لكن كل أهل إقليم قد اختصوا بعوائد ألا تري أن التذكار في الديار المصرية على ما هو مشاهد وفي المغرب يجتمع جماعة من المؤذنين فيرفعون أصواتهم على المنار بقولهم الوضوء للصلاة ويدورون عليه مرارًا وذلك مكروه لوجوه (الأول) أنه لم يكن من فعل من مضى (الثاني) أن العامة تسمعهم فيظنون أن الغسل للجمعة غير مشروع لها والغالب أنهم لا يسألون العلماء فتندرس هذه السنة بينهم ولو قدّرنا أنهم ينادون الغسل للجمعة وهو الغالب فقد يكون ذلك سببًا لترك الجمعة لجهله وهو لا يسأل ويسمع الغسل للجمعة ولا يقدر عليه فيترك الصلاة لأجل ذلك (الثالث) ما ترتب على ذلك من التشويش على من في المسجد كما تقدم بيانه اهـ كلام صاحب المدخل (وما ذكره) توسيع في الدائرة وإلا فيكفي في منع ذلك أنه بدعة لم يستحسنها أحد من السلف وأن فيها تشويشًا وهو حرام بالإجماع وأنه وسيله إلى اعتقاد العوام أنه من الدين ومن الأمور الشرعية التي لابدّ منها والآيات والأحاديث والآثار ناطقة بمنع ذلك كله (قوله فثبت الأمر على ذلك) أي على زيادة أذان ثان على الزوراء كما كان في عهد سيدنا عثمان. وهذا كان بالنسبة لزمن أبي داود (أما ما يفعل) الآن من وقوع الأذانين في مكان واحد أو أحدهما فوق المسجد والآخر داخل المسجد فليس موافقًا لما كان عليه سيدنا عثمان ولا ما كان عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبو بكر وعمر فإن الغرض الذي زاد سيدنا عثمان الأذان لأجله وهو أنه لما كثر الناس وانتشرت المنازل كان من عند الزوراء لا يسمع الأذان الذي عند المسجد زاد أذانًا على الزوراء لإسماعهم فإذا اجتمع الناس في المسجد وجلس الخطيب على المنبر أذن المؤذن ثانيًا خارج المسجد على الباب أو علي السطح كما كان في زمن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر وعمر وهذا الغرض الذي أحدث الأذان الثاني من أجله في زمن سيدنا عثمان رضي الله عنه ليس موجودًا في زماننا فإننا لم نر أذانا يفعل بعيدًا عن المسجد فإذًا يطلب الاقتصار على أذان واحد في الجمعة في زماننا كماكان في زمن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر لعدم الغرض الذي أحدث الأذان الثاني من أجله ومن لم يقتصر على أذان واحد فقد خالف سيدنا عثمان فضلا عن غيره وهذا معلوم لمن اطلع على ما هو مقرّر في كتب السنة، وعلى فرض أنه وجد الغرض الذي أحدث الأذان الثاني من أجله زمن سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه يطلب أن يقتصر على أذان واحد أيضًا كما صرّح بذلك الشافعي في الأم قال وأحب أن يكون الأذان يوم الجمعة حين يدخل الإِمام المسجد ويجلس على موضعه الذي يخطب عليه

اتفاق الأئمة على أن الأذان يوم الجمعة خارج المسجد

خشب أو جريد أو منبر أو شيء مرفوع له أو الأرض فإذا فعل أخذ المؤذن في الأذان فإذا فرغ قام فخطب لا يزيد عليه وأحب أن يؤذن مؤذن واحد إذا كان على المنبر لا جماعة مؤذنين "قال الشافعي" وقد كان عطاء ينكر أن يكون عثمان أحدثه ويقول أحدثه معاوية والله تعالى أعلم "قال الشافعي" وأيهما كان فالأمر الذي على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحب إليّ اهـ باختصار (والحديث) أخرجه البخاري والنسائي ورواه الترمذي والبخاري والبيهقي من طريق ابن أبي ذئب عن ابن شهاب (ص) حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كَانَ يُؤَذَّنُ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِذَا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. ثُمَّ سَاقَ نَحْوَ حَدِيثِ يُونُسَ. (ش) (النفيلي) عبد الله بن محمَّد تقدم في الجزء الأول صفحة 43. وكذا (الزهري) محمَّد ابن مسلم صفحة 48 (قوله كان يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) المراد أنه كان لا يؤذن للجمعة إلا أذان واحد خارج المسجد حين يجلس صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المنبر وكذلك كان يفعل بين يدي أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما (وبه يردّ) ما ذكره صاحب الهداية وشرحه "إذا صعد الإِمام المنبر جلس وأذن المؤذنون بين يدي المنبر" بذلك جري التوارث ولم يكن على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا هذا الأذان فإن ظاهره أن الأذان يوم الجمعة المتوارث عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم يكون داخل المسجد أمام المنبر وليس كذلك (وقد اتفقت) المذاهب على أن الأذان يوم الجمعة يكون خارج المسجد (قال) في الفتاوي الهندية والسنة أن يؤذن المؤذن على المأذنة أو خارج المسجد ولا يؤذن في المسجد اهـ (وقال) في البحر والسنة أن يؤذن في موضع عال يكون أسمع لجيرانه اهـ (وقال الإِمام العيني) الحنفي في شرحه على البخاري روى الزهري عن السائب بن يزيد كان إذا جلس رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المنبر أذن المؤذن على المسجد ثم كانت الصحابة على ذلك (قال) وفي رواية أبي داود كان يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على باب المسجد وكذا في رواية الطبراني وفي رواية عبد بن حميد اهـ إلى غير ذلك مما في كتب السادة الحنفية

(وقال) في نهاية المحتاج للرملي الشافعي ويستحب أن يؤذن على عال كمنارة وسطح للاتباع ولزيادة الإعلام (وفي البحر) لو لم يكن للمسجد منارة سنّ أن يؤذن على الباب وينبغي تقييده بما إذا تعذر في سطحه وإلا فهو أولى اهـ وغير ذلك مما في كتب السادة الشافعية (وقال الإِمام) أبو داود في سننه عن السائب بن يزيد قال كان يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا جلس على المنبر يوم الجمعة على باب المسجد وأبي بكر وعمر زاد في رواية فلما كان خلافة عثمان وكثر الناس أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث فأذن به على الزوراء فثبت الأمر على ذلك اهـ وكذا في غيره من كتب الحديث (وقال في الكشاف) عند الكلام على قوله تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا) الآية والنداء الأذان وقالوا المراد له الأذان عند قعود الإِمام على المنبر فكان إذا جلس النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المنبر أذن المؤذن على باب المسجد فإذا نزل أقام الصلاة ثم كان أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما على ذلك حتى إذا كان عثمان الخ ما تقدم (ومثله) في روح المعاني وروح البيان وحاشيتي الجمل والصاوي على الجلالين وفي البحر المحيط لأبي حيان وكتاب الدر اللقيط لتاج الدين أحمد بن عبد القادر الحنفي وحاشية الشهاب على البيضاوي وغير ذلك من التفاسير المشهورة (وقال) في المدخل السنة في أذان الجمعة إذا صعد الإِمام على المنبر أن يكون المؤذن على المنار "أي أو السطح" أو الباب كذلك كان على عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر وعمر وصدرًا من خلافة عثمان رضي الله تعالى عنهم ثم زاد عثمان رضي الله تعالى عنه أذانًا آخر بالزوراء وهو موضوع بالسوق لما كثر الناس وأبقى الأذان الذي كان على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المنار والخطيب على المنبر إذ ذاك ثم إنه لما تولى هشام بن عبد الملك جعل الأذان الذي فعله عثمان بالزوراء على المنار ثم نقل الذي كان على المنار حين صعود الإِمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر وعمر وصدرًا من خلافة عثمان بين يديه قال علماؤنا رحمة الله تعالى عليهم وسنة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هي التي تتبع (فقد بان) أن فعل الأذان في المسجد بين يدي الخطيب بدعة تمسك بعض الناس بها ثم تطاول الأمر على ذلك حتى صار بين الناس كأنه سنة معمول بها وهذا وما شاكله ليس له أصل في الشرع. هذا ما هو من طريق النقل (وأما) ما هو من طريق المعني فلأن الأذان إنما هو نداء إلى الصلاة ومن هو في المسجد لا معنى لندائه إذ هو حاضر ومن هو خارج المسجد لا يسمع النداء الذي هو داخل المسجد وإنما هي عوائد وقع الاستئناس بها فصار المنكر لها كأنه يأتي ببدعة على زعمهم فإنا لله وإنا إليه راجعون على قلب الحقائق لأنهم يعتقدون أن ما هم عليه هو الصواب والأفضل ولو فعلوا ذلك مع اعتقادهم أنه بدعة

بيان أن مؤذن الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الجمعة واحد لا ثلاثة

لكان أخف أن يرجى لأحدهم أن يتوب اهـ ببعض تصرّف (وبهذا تعلم) أنه لا وجه لما يفعله كثير من أهل زماننا من إقامتهم مؤذنًا يؤذن داخل المسجد أمام المنبر زاعمين أن المراد بقوله بين يدي الخطيب ما يصنعونه فابتدعوا بدعة ضلالة وزادوا في الابتداع باقامتهم آخر على مكان مرتفع داخل المسجد أيضًا يرفع صوته بالأذان عقب المؤذن الذي أمام المنبر كلمة بعد كلمة (وقوله ثم ساق نحو حديث يونس) أي ذكر محمَّد بن إسحاق عن الزهري نحو حديث يونس عنه (ص) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ نَا عَبْدَةُ عَنْ مُحَمَّدٍ -يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ- عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ قَالَ لَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ بِلاَلٌ ثُمَّ ذَكَرَ مَعْنَاهُ. (ش) (عبدة) بن سليمان تقدم في الجزء الثالث صفحة 102 (قوله لم يكن لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا مؤذن واحد بلال) يعني في الجمعة فلا يقال كان له جماعة من المؤذنين سوي بلال ابن أم مكتوم وأبو محذورة وسعد القرظ وزياد بن الحارث الصدائي فهؤلاء ما كانوا له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في يوم الجمعة فإن ابن أم مكتوم كان يؤذن في الصبح فقط إذا ظهر الفجر ففي رواية البخاري فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم وأبو محذورة كان مؤذنًا بمكة وسعد القرظ جعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مؤذنًا لقباء وزياد بن الحارث الصدائي تعلم الأذان ليؤذن لقومه أفاده العيني (وبهذه الرواية) يردّ على ابن حبيب المالكي من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا رقي المنبر وجلس أذن المؤذنون وكانوا ثلاثة واحدًا بعد واحد فإذا فرغ الثالث قام فخطب لأنه لم يرد من طريق صحيح (قال الحافظ) بعد نقل عبارة ابن حبيب لم يرد ذلك صريحًا من طريق متصلة يثبت مثلها ثم وجدته في مختصر البويطي عن الشافعي اهـ (قوله ثم ذكر معناه) أي ذكر محمَّد ابن إسحاق معنى حديث يونس. وأخرجه ابن ماجه بلفظ ما كان لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا مؤذن واحد إذا خرج أذن وإذا نزل أقام وأبو بكر وعمركذلك فلا كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على دار في السوق يقال لها الزوراء فإذا خرج أذن وإذا نزل أقام (والحديث) في سنده محمَّد بن إسحاق وقد عنعن عن الزهري وهو مدلس إذا عنعن لكن رواه أحمد وصرّح بالتحديث عن الزهري قال حدثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال حدثني محمَّد بن مسلم بن عبيد الله الزهري عن السائب بن يزيد بن أخت نمر قال لم يكن لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا مؤذن واحد في الصلوات كلها في الجمعة وغيرها يؤذن

باب الإمام يكلم الرجال في خطبته

ويقيم قال كان بلال يؤذن إذا جلس رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المنبر يوم الجمعة ويقيم إذا نزل ولأبي بكر وعمر حتى كان عثمان (وقال) الحافظ ابن عبد البر في التمهيد شرح الموطأ بعد سرد الروايات وقال ابن إسحاق في هذا الحديث عن الزهري عن السائب بن يزيد قال كان يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا جلس على المنبر يوم الجمعة على باب المسجد وأبي بكر وعمر ذكره أبو داود حدثنا النفيلي عن محمَّد بن سلمة عن ابن إسحاق ثم ساق حديث يونس الذي تقدم وقال في حديث ابن إسحاق هذا مع حديث مالك ويونس مما يدل على أن الأذان كان بين يدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا أن الأذان الثاني عند باب المسجد والثالث أحدثه عثمان على الزوراء اهـ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ نَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ ابْنَ أُخْتِ نَمِرٍ أَخْبَرَهُ قَالَ وَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- غَيْرُ مُؤَذِّنٍ وَاحِدٍ. وَسَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَيْسَ بِتَمَامِهِ. (ش) (قوله وساق الحديث الخ) أي ساق صالح بن كيسان الحديث مثل حديث يونس وليس بتمامه والمراد أنه رواه مختصرًا. وأخرجه النسائي من طريق صالح عن ابن شهاب أن السائب بن يزيد أخبره قال إنما أمر بالتأذين الثالث عثمان حين كثر أهل المدينة ولم يكن لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غير مؤذن واحد وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإِمام (باب الإِمام يكلم الرجل في خطبته) أيجوز ذلك أم لا (ص) حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ الأَنْطَاكِيُّ نَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ نَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَمَّا اسْتَوَى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ "اجْلِسُوا". فَسَمِعَ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَجَلَسَ عَلَي بَابِ الْمَسْجِدِ فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ "تَعَالَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا

يُعْرَفُ مُرْسَلاً إِنَّمَا رَوَاهُ النَّاسُ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- وَمَخْلَدٌ هُوَ شَيْخٌ. (ش) (رجال الحديث) (مخلد بن يزيد) في القرشي الحراني أبو يحيى. روى عن الأوزاعي وحريز بن عثمان ويحيى بن سعيد وإسراءيل بن يونس وجماعة. وعنه أحمد وإسحاق ابن راهويه وعلى بن ميمون ويعقوب بن سفيان ويعقوب بن كعب وكثيرون. وثقه ابن معين وأبو داود ويعقوب بن سفيان وقال أبو حاتم صدوق وقال أحمد لا بأس به وكان يهم. توفي سنة ثلاث وتسعين ومائة. روى له الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه. و (ابن جريج) هو عبد الملك بن عبد العزيز تقدم في الجزء الأول صفحة 74 (في معني الحديث) (قوله لما استوى الخ) يعني لما جلس صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المنبر أمر الناس بالجلوس. ولعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأى من كان جالسًا قام ليصلي وقت جلوسه على المنبر فأمرهم بالجلوس فيكون دليلًا بعدم جواز صلاة من كان جاء وقتئذ (قال ابن حجر) الظاهر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأى أحدًا من الحاضرين قام ليصلي فأمر بالجلوس لحرمة الصلاة على الجالس بجلوس الإِمام على المنبر إجماعًا اهـ (ويحتمل) أن يكون الأمر عاما فيشمل الداخل والجالس فيكون حجة لمن منع الصلاة مطلقًا وقت جلوس الخطيب على المنبر. وسيأتي تمام الكلام عليه (قوله فجلس على باب المسجد) مبادرة لامتثال الأمر ولعله كان قادمًا حين سمع الأمر فجلس على باب المسجد (قوله فقال تعال يا عبد الله بن مسعود) لعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمره بالدخول لأن المسجد كان فيه سعة ولأن ابن مسعود كان من فقهاء الصحابة وقد قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى رواه المصنف في باب ما يستحب أن يلي الإِمام في الصف. فلا يلزم منه تخطي الرقاب. وبين به أن الأمر بالجلوس لمن كان داخل المسجد لا لمن كان خارجًا عنه. وفيه وفي قوله اجلسوا دليل على جواز كلام الخطيب قبل الشروع في الخطبة وسيأتي بيانه (قوله هذا يعرف مرسلًا الخ) أتي به المصنف لبيان أن رواية الحديث متصلة ليس متفقًا عليها. والمعروف روايته مرسلًا لأن أكثر الرواة رووه عن عطاء عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بإسقاط الصحابي ولم يروه متصلًا إلا مخلد بن يزيد (قوله ومخلد هو شيخ) أشار به إلى أنه عدل لأن التعديل على مراتب (الأولى) قال ابن أبي حاتم إذا قيل للواحد ثقة أو متقن فيحتج بحديثه (الثانية) إذا قيل صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به فيكتب حديثه وينظر فيه (الثالثة) إذا

باب الجلوس إذا صعد المنبر

قيل شيخ فيكتب حديثه وينظر فيه إلا أنه دون الثانية فانفراد مخلد باتصال الحديث لا يقدح في صحته (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي والحاكم (باب الجلوس إذا صعد المنبر) (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِيُّ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ -يَعْنِي ابْنَ عَطَاءٍ- عَنِ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ كَانَ يَجْلِسُ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ حَتَّى يَفْرُغَ -أُرَاهُ قَالَ الْمُؤَذِّنُ- ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ ثُمَّ يَجْلِسُ فَلاَ يَتَكَلَّمُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ. (ش) (العمري) عبيد الله بن عمر تقدم في الجزء الأول صفحة 271. وكذا (نافع) مولى ابن عمر صفحة 66 (قوله يخطب خطبتين) يعني للجمعة قبل الصلاة (قوله كان يجلس إذا صعد المنبر الخ) يعني قبل الشروع في الخطبة وقوله حتى يفرغ غاية لجلوسه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المنبر قبل الخطبة (قوله أراه المؤذن) من كلام نافع أتى به لبيان الفاعل المستتر ويحتمل أن ابن عمر صرّح بالفاعل أي قال نافع أظن أن ابن عمر قال حتى يفرغ المؤذن (وفيه دليل) على مشروعية الجلوس على المنبر قبل الشروع في خطبة الجمعة (والحكمة) فيه انتظار فراغ المؤذن من الأذان (وبه أخذ) مالك والشافعية والحنابلة وقالوا هو سنة بخلاف خطبة غير الجمعة فلا يجلس قبلها (وعن مالك) روايتان "إحداهما" لا يجلس لأن الجلوس شرع يوم الجمعة لانتظار فراغ المؤذن من الأذان ولا أذان في خطبة غيرها "ثانيتهما" يجلس لأن صعود الإِمام المنبر للخطبة يتعلق بالصلاة فكان من سنته الجلوس قبل الخطبة كالجمعة (قوله ثم يقوم فيخطب الخ) أي يقوم بعد الفراغ من الأذان فيخطب الخطبة الأولى ثم يجلس ولا يتكلم ثم يقوم فيخطب الخطبة الثانية (وفيه دليل) على مشروعية الخطبتين للجمعة والجلوس بينهما (واختلف) في حكم الخطبتين (فذهبت) المالكية والشافعية والحنابلة والعترة إلى وجوبهما وأنهما شرط في صحة الجمعة (واستدلوا) بما ثبت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الأحاديث الصحيحة ثبوتًا مستمرًّا أنه كان يخطب في كل جمعة (وبقوله) صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي رواه أحمد والبخاري ولم يثبت أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى الجمعة بدون خطبتين (قال النووي) ولأن السلف قالوا إنما قصرت الجمعة لأجل الخطبة فإذا لم يخطب رجع للأصل اهـ (واستدلوا) أيضًا بقوله تعالى (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ) قالوا والذكر

الذي بعد الأذان هوالخطبة (وبمثل هذا) قالت الحنفية إلا أنهم قالوا يجزئُ خطبة واحدة وتسنّ الثانية (قال الزيلعي) وروى عن عدة من الصحابة أنهم خطبوا خطبة واحدة ولم ينكر عليهم أحد اهـ "وحكاه العراقي" عن الأوزاعي وإسحاق بن راهويه وأبا ثور وابن المنذر وأحمد في رواية عنه (وذهب) الحسن وداود الظاهري والجويني وعبد الملك بن حبيب من أصحاب مالك إلى أن الخطبة مندوبة. وإلى هذا جنح الشوكاني (وأجاب) عن أدله الجمهور بما ملخصه أما استمراره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الخطبة في كل جمعة فهو مجرّد فعل لا يفيد الوجوب فضلًا عن الشرطية. وقوله صلوا كما رأيتموني أصلي لا يدل على وجوب الخطبة لأنها ليست صلاة بل ولا يدل على وجوب الصلاة على الصفة التي كات يصليها لأنه كان يواظب على أشياء ليست واجبة كما يدل عليه حديث المسيء صلاته فإنه لم يعلمه التشهد وكان يواظب عليه (واستدلالهم) بقوله تعالى (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ) لا يفيد وجوب الخطبة لأن الذكر ليس نصًا في الخطبة بل محتمل لها وللصلاة. وحمله على الصلاة أولى للاتفاق على وجوبها بخلاف الخطبة ففي وجوبها خلاف اهـ (وقال) في الروضة الندية إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سنّ في الجمعة خطبتين يجلس بينهما وما صلى بأصحابه جمعة من الجمع إلا وخطب فيها. إنما دعوى الوجوب إن كانت بمجرّد فعله المستمرّ فهذا لا يناسب ما تقرّر في الأصول ولا يوافق تصرّفات الفحول وسائر أهل المذهب المنقول. وأما الأمر بالسعي إلى ذكر الله فغايته أن السعي واجب وإذا كان هذا الأمر مجملًا فبيانه واجب فما كان متضمنًا لبيان نفس السعي إلى الذكر يكون واجبًا فأين وجوب الخطبة "فإن قيل" إنه لما وجب السعي إليها كانت واجبة بالأولي "فيقال" ليس السعي لمجرّد الخطبة بل إليها وإلى الصلاة ومعظم ما وجب السعي لأجله هو الصلاة فلا تتمّ هذه الأولوية وهذا النزاع في نفس الوجوب وأما في كون الخطبة شرطًا للصلاة فعدم وجود دليل يدلّ عليه لا يخفي على عارف فإن شأن الشرطية أن يؤثر عدمها في عدم المشروط فهل من دليل يدل على أن عدم الخطبة يؤثر في عدم الصلاة اهـ أما الجلوس بين الخطبتين فالجمهور على أنه سنة تصح الجمعه لدونه (وقالت الشافعية) إنه واجب لا تصح الخطبة إلا به لمواظبته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليه مع قوله صلوا كما رأيتموني أصلي (وقد) علمت ما في هذا الاستدلال على أنهم قالوا بسنية الجلوس قبل الشروع وهو صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يواظب عليه فأي فرق بينهما (قال العيني) قال ابن بطال روى عن المغيرة بن شعبة أنه كان لا يجلس في خطبته ولوكان فرضًا ل ماجهله ولو جهله ما تركه من يحضره من الصحابة والتابعين (ومن قال) إن الجلسة بين الخطبتين فريضة لا حجة له لأن القعدة استراحة الخطيب وليست من الخطبة والمفهوم من كلام العرب أن الخطبة اسم للكلام الذي يخطب به ولم يقل بقول الشافعي غيره

باب الخطبة قائما

وهو خلاف الإجماع "إلى أن قال" والعجب من الشافعي كيف جعل الخطبتين والجلسة بينهما فرضًا بمجرّد فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يجعل الجلوس قبل الخطبة فرضًا وقد صح أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعله اهـ (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري والنسائي والدارقطني والبيهقي (باب الخطبة قائم) (ص) حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا زُهَيْرٌ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا ثُمَّ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ قَائِمًا فَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ جَالِسًا فَقَدْ كَذَبَ فَقَالَ فَقَدْ وَاللهِ صَلَّيْتُ مَعَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ صَلاَةٍ. (ش) (زهير) بن معاوية تقدم في الجزء الأول صفحة 112. وكذا (سماك) بن حرب صفحة 241 (قوله كان يخطب قائمًا) فيه دليل عل مشروعية القيام حال الخطبة (واختلف) في حكمه (فذهب الجمهور) إلى وجوبه واستدلوا بحديث الباب وبما رواه البخاري ومسلم والمصنف وغيرهم عن ابن عمر قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب يوم الجمعة قائمًا ثم يجلس ثم يقوم كما يفعلون اليوم. وبما رواه الشافعي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبا بكر وعمركانوا يخطبون يوم الجمعة خطبتين قيامًا يفصلون بينهما بالجلوس (قال النووي) لأن الخطبة أحد فرضي الجمعة فوجب القيام والقعود كالصلاة "وما رواه" ابن أبي شيبة عن طاوس قال خطب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قائمًا وأبو بكر وعمر وعثمان وأول من جلس على المنبر معاوية "لا يدل" على عدم الوجوب لأن جلوس معاوية في الخطبة كان لضرورة كثرة لحمه (فقد) روى ابن أبي شيبة عن الشعببي أن معاوية إنما خطب قاعدًا لما كثر شحم بطنه ولحمه (وقال أبو حنيفة) وأصحابه وأحمد في رواية عنه القيام في الخطبة سنة لأنه الثابت من فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفعل الخلفاء الراشدين بعده وليس بواجب لأن الفعل بمجرّده لا يفيد الوجوب وهذا هو الظاهر لما علمت من أن مجرّد الفعل لا يقتضي الوجوب "وما قاله النووي" من أن الخطبة أحد فرضي الجمعة فوجب القيام لها كالصلاة "معارض" بأنها تخالف الصلاة في عدم اشتراط استقبال القبله فيها فهي بالأذان أشبه (قوله فمن حدثك الخ) وفي رواية أحمد فمن قال إنه كان يخطب جالسًا فقد كذب. وفي رواية مسلم فمن نبأك

أقوال الفقهاء في حكم قراءة القرآن في الخطبة

أنه كان يخطب جالسًا فقد كذب. والغرض منه تأكيد قيامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الخطبة (قوله فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة) محمول على المبالغة في الكثرة أو محمول على الصلوات الخمس لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يصلّ الجمعة هذا القدر أو نصفه من حين افتراضها إلى أن فارق الدنيا فإنه إنما يكمل في نحو أربعين سنة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد ومسلم والنسائي والبيهقي وكذا الحاكم مطوّلًا (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ -الْمَعْنَى- عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ نَا سِمَاكٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- خُطْبَتَانِ كَانَ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ. (ش) لم يبين في هذه الرواية ما كان يقرأه من القرآن في الخطبة وسيأتي للمصنف أنه كان يقرأ فيها سورة (ق). وفي رواية ابن ماجه عن عطاء بن يسار عن أبيّ بن كعب أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قرأ يوم الجمعة تبارك وهو قائم فذكرنا بأيام الله وعطاء لم يدرك أبيا وفي رواية الطبراني في الأوسط عن جابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خطب فقرأ في خطبته آخر الزمر فتحرّك المنبر مرّتين وفي سنده عبد الرحمن بن عثمان ابن أمية وفيه مقال. وعنده أيضًا عن على أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ على المنبر (قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ) وفي سنده هارون بن عنترة وفيه مقال (وفي) هذا كله دلالة على مشروعية قراءة القرآن في الخطبة ولا خلاف في مشروعيتها (واختلفوا) في وجوبه (فقال الشافعي) يجب قراءة آية ويستحب قراءة ق (وقال الإِمام يحيى) تجب قراءة سورة واستدلوا بمواظبته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على القراءة في الخطبة (وقال الجمهور) لا يجب القرآن في الخطبة وهو الأرجح لما تقدم من أن مجرد الفعل لا يفيد الوجوب (واختلف) أيضًا في محل القراءة (فقال الشافعي) في إحدي الخطبتين لا بعينها (وقالت الهادوية) وبعض أصحاب الشافعي يقرأ في الأولى. ويدل له ما رواه ابن أبي شيبة عن الشعبي مرسلًا قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس بوجهه ثم قال السلام عليكم ويحمد الله تعالى ويثني عليه ويقرأ سورة ثم يجلس ثم يقوم فيخطب ثم ينزل وكان أبو بكر وعمر يفعلًان ذلك (وقال العراقيون) من أصحاب الشافعي يقرأ فيهما جميعًا وهو ما اختاره القاضي من الحنابلة (وحكى العمراني) أنه يقرأ في الخطبة الثانية ويدل له ما رواه النسائي عن جابر بن سمرة قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب قائمًا ثم يجلس

باب الرجل يخطب على قوس

ثم يقوم ويقرأ آيات ويذكر الله عَزَّ وَجَلَّ (والظاهر) أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما كان يلتزم في الخطبة قراءة سورة بعينها ولا آية كذلك. وقوله ويذكر الناس من التذكار أي يعظهم ويأمرهم وينهاهم ويعدهم بالجنة على الطاعة ويحذرهم من المخالفات (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والبيهقي وأخرجه ابن ماجه عن شعبة وسفيان عن سماك وأخرجه النسائي عن سفيان عن سماك (ص) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُدُ قَعْدَةً لاَ يَتَكَلَّمُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. (ش) (أبو كامل) فضيل بن حسين الجحدري. و (أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله (قوله ثم يقعد قعدة) أراد بها الجلسة التي بين الخطبتين (قوله وساق الحديث) أي ذكر أبو عوانة حديث جابر المتقدم (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الإِمام أحمد من طريق عفان قال ثنا أبو عوانة ثنا سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب قائمًا ثم يقعد قعدة لايتكلم ثم يقوم فيخطب خطبة أخرى على منبره فمن حدثك أنه يراه يخطب قاعدًا فلا تصدقه (باب الرجل يخطب على قوس) أي يخطب متكئًا على قوس (ص) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نَا شِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ حَدَّثَنِي شُعَيْبُ بْنُ رُزَيْقٍ الطَّائِفِيُّ قَالَ جَلَسْتُ إِلَى رَجُلٍ لَهُ صُحْبَةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُقَالُ لَهُ الْحَكَمُ بْنُ حَزْنٍ الْكُلَفِيُّ فَأَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا قَالَ وَفَدْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- سَابِعَ سَبْعَةٍ أَوْ تَاسِعَ تِسْعَةٍ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ زُرْنَاكَ فَادْعُ اللهَ لَنَا بِخَيْرٍ فَأَمَرَ بِنَا أَوْ أَمَرَ لَنَا بِشَىْءٍ مِنَ التَّمْرِ وَالشَّأْنُ إِذْ ذَاكَ دُونٌ فَأَقَمْنَا بِهَا أَيَّامًا شَهِدْنَا فِيهَا الْجُمُعَةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا أَوْ قَوْسٍ

أقوال العلماء في ذلك وبيان بطلان القول باعتماد خطيب الجمعة على سيف

فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ كَلِمَاتٍ خَفِيفَاتٍ طَيِّبَاتٍ مُبَارَكَاتٍ ثُمَّ قَالَ "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ لَنْ تُطِيقُوا أَوْ لَنْ تَفْعَلُوا كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا". قَالَ أَبُو عَلِيٍّ سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ قَالَ ثَبَّتَنِي في شَيءٍ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِي (ش) (رجال الحديث) (شهاب بن خراش) بن حوشب بن يزيد بن الحارث الشيباني الواسطي. روى عن أبيه والقاسم بن غزوان وقتادة وأبي إسحاق السبيعي وجماعة. وعنه عبد الرحمن بن مهدي وأسد بن موسى وقتيبة وهشام بن عمار وآخرون. وثقه ابن المبارك وابن عمار والعجلي وأبو زرعة وقال أحمد وأبو حاتم ويحيى بن معين لا بأس به زاد أبو حاتم صدوق وقال ابن عدي له أحاديث ليست بالكثيرة وفي بعض رواياته ما ينكر عليه ولا أعرف للمتقدمين فيه كلامًا وقال ابن حبان كان رجلًا صالحًا وكان ممن يخطئُ كثيرًا حتى خرج عن الاعتداد به لكن قال الحافظ الأكثر على توثيقه. و (شعيب بن رزيق) بتقديم الراء على الزاي (الطائفي) الثقفي. روى عن الحكم بن حزن. وعنه شهاب بن خراش. قال ابن معين ليس به بأس صالح وقال في التقريب لا بأس به من الخامسة (قوله فقال له الحكم بن حزن) بفتح فسكون (الكلفي) بضم الكاف وفتح اللام نسبة إلى بنى كلفة بن حنظلة بن مالك كما قاله البخاري أو إلى بنى كلفة ابن عون بن نصر كما قاله خليفة قال مسلم لم يروعنه إلا شعيب بن رزيق (معنى الحديث) (قوله فأنشأ يحدثنا) أي شرع مع يحدثنا (قوله سابع سبعة أو تاسع تسعة) شك من شعيب وهو حال من فاعل وقد يعني أتيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حال كوني واحدًا من سبعة أو واحدًا من تسعة (قوله زرناك) أي أتيناك زائرين وللزائر حق (قوله فأمر بنا أو أمر لنا الخ) بالشك عطف على محذوف أي فدعا الله لنا وأمر لنا بشيء من التمر والشأن إذ ذاك دون يعني وقت ضيق من العيش. وأتى به الحكم بن حزن اعتذارًا عن اقتصاره صلى الله عليه وآله وسلم على التمر المقدم لهم منه (قوله فأقمنا فيها أيامًا شهدنا فيها الجمعة الخ) يعني أقمنا بالمدينة أياما حضرنا معه صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الجمعة. وفي رواية أحمد فلبثنا عنده أياما شهدنا فيها الجمعة (قوله فقام متوكئًا على عصا أو قوس) وفي رواية أحمد فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متوكئًا على قوس أو قال عصا (وفي هذا دلالة) على مشروعية اعتماد الخطيب حال الخطبة على عصا أو نحوها. وحكمة ذلك أن فيه بعد يده عن العبث (واختلف الفقهاء) بأي اليدين يتكئُ الخطيب على ما يعتمد عليه (فقالت المالكية) يأخذ الخطيب استحبابًا بيده اليمنى عصا أو قوسا أوسيفُ ايتكئُ عليه حال خطبته ولا يعتمد على عود المنبر (وقالت الشافعية) يأخذ ما ذكر بيده

اليسري ويشغل اليمنى بحرف المنبر لاتباع السلف والخلف فإن لم يجد شيئًا من ذلك جعل اليمنى على اليسري أو أرسلهما. ولو أمكنه شغل اليمنى بحرف المنبر وإرسال اليسري فلا بأس (وقالت الحنفية) يكون السيف بيساره في كل بلدة فتحت عنوة ويخطب بقوس أو عصا في كل بلدة فتحت صلحًا (وقالت الحنابلة) ويسنّ أن يعتمد على سيف أو قوس أو عصا بإحدي يديه ويتوجه باليسري ويعتمد بالأخري على حرف المنبر أو يرسلها (وهذه التفاصيل) كلها لم نقف عل دليل يدل عليها وليس في حديث الباب ما يدل على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يأخذ ما يتكئُ عليه باليمني أو اليسري (والظاهر) ما ذهب إليه المالكية من استحباب أخذ الخطيب ما يعتمد عليه بيده اليمنى (لما روى) الشيخان عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعجبه التيمن في ترجله وتنعله وطهوره وفي شأنه كله. وسيأتي للمصنف في كتاب اللباس (وروى) النسائي عنها قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يحب التيامن يأخذ بيمينه ويعطي بيمينه ويحب التيمن في جميع أموره (قال في الهدى) كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعتمد على قوس أو عصا قبل أن يتخذ المنبر وكان في الحرب يعتمد على قوس وفي الجمعة يعتمد على عصا ولم يحفظ عنه أنه اعتمد على سيف "وما يظنه بعض الجهال" أنه كان يعتمد على السيف دائمًا وأن ذلك إشارة إلى أن الدين قام بالسيف "فمن فرماجةله" القبيح من وجهين "أحدهما" أن المحفوظ أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توكأ على العصا وعلى القوس "الثاني" أن الدين إنما قام بالوحي وأما السيف فلمحق أهل الضلال والشرك ومدينة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم التي كان يخطب فيها افتتحت بالقرآن ولم تفتح بالسيف ولا يحفظ عنه أنه بعد اتخاذ المنبر أنه كان يرقاه بسيف ولا قوس ولا غيره ولا قبل اتخاذه أنه أخذ بيده سيفا ألبتة وإنما كان يعتمد على عصا أو قوس اهـ (ويؤيد) ما قاله من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يعتمد في الحرب على قوس وفي الجمعة على عصا ما رواه ابن ماجه من طريق عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد قال حدثني أبي عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا خطب في الحرب خطب على قوس وإذا خطب في الجمعة خطب على عصا (قوله كلمات خفيفات الخ) نحو الكلمات الآتية في الحديث بعد وكلمات منصوبة بنزع الخافض أي أثنى عليه بكلمات كما في رواية البيهقي (قوله لن تطيقوا أولن تفعلوا الخ) بالشك وفي رواية أحمد إنكم لن تفعلوا ولن تطيقوا أي إنكم لن تستطيعوا فعل كل ما أمرتم به ولكن توسطوا في العمل فلا تفرطوا حتى تملوا ولا تفرّطوا حتى تعاقبوا فالسداد التوسط في العمل (وقال) الحافظ سدّدوا أي الزموا السداد وهو الصواب من غير إفراط ولا تفريط وأبشروا بالثواب على العمل الدائم وإن قلّ. والمراد تبشير من عجز عن العمل بالأكمل بأن العجز إذا

ما دل عليه حديث الحكم بن حزن من استحباب المكث عند العالم للاستفادة منه وغير ذلك من الأحكام

لم يكن من صنيعه لا يستلزم نقص أجره. وأبهم المبشر به تعظيمًا وتفخيمًا له (قوله قال أبو على الخ) أي قال أبو على محمَّد اللؤلؤي أحد تلاميذ المصنف قال أبو داود وذكرني بشيء من الحديث بعض أصحابي بعد أن شككت فيه لذهابه من القرطاس. وفيه إشارة إلى زيادة تحرّي المصنف (فقه الحديث) يدل الحديث على مشروعية زيارة أهل الفضل والأرتحال إليهم، وعلى استحباب إكرام الضيف بما تيسر من غير تكلف، وعلى استحباب طلب الدعاء من أهل الخير وعلى طلب المكث عند العالم للاستفادة منه، وعلى استحباب اعتماد الخطيب حال خطبته على عصا أو قوس. وقد علمت ما فيه، وعلى مشروعية افتتاح الخطبة بالحمد والثناء على الله تعالى وعلى أنه ينبغي للخطيب أن يرشد الناس إلى ما فيه صلاحهم وتبشيرهم بالثواب على الأعمال الخيرية لينشطوا لها، وعلى استحباب التوسط في العمل من غير تفريط ولا إفراط (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد وأبو يعلي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نَا أَبُو عَاصِمٍ نَا عِمْرَانُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا تَشَهَّدَ قَالَ "الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا مَنْ يَهْدِهِ الله فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّ إِلاَّ نَفْسَهُ وَلاَ يَضُرُّ اللهَ شَيْئًا". (ش) (رجال الحديث) (أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل. و (عمران القطان) تقدم في الجزء الرابع صفحة 10. و (قتادة) بن دعامة. و (عبد ربه) بن سعيد بن قيس بن عمرو الأنصاري النجاري. روى عن جده وأبي أمامة وثابت البناني وسعيد المقبري وآخرين. وعنه عطاء وعمرو بن الحارث ومالك وشعبة والسفيانان وكثيرون. وثقه النسائي وابن سعد والعجلي وأبو حاتم وقال حسن الحديث. مات سنة تسع وثلاثين ومائة. روى له الجماعة. و (أبو عياض) المدني قيل اسمه قيس بن ثعلبة وقيل عمرو بن الأسود. روى عن ابن مسعود. وعنه عبد ربه ابن سعيد بن قيس. قال في التقريب مجهول من السادسة. روى له أبو داود والنسائي (معنى الحديث) (قوله كان إذا تشهد) يعني خطب وأطلق عليها التشهد لاشتمالها عليه

ذكر بعض خطبه صلى الله تعال عليه وعلى آله وسلم. واختلاف الأئمة في ابتداء الخطبة بالحمد لله وفي شروطها وأركانها وكلام جليل لابن حزم في عدم اشتراط الخطبة لصلاة الجمعة

(قوله (ص) نستعينه ونستغفره الخ) أي نطلب منه عَزَّ وَجَلَّ المعونة على الطاعة والمغفرة للذنوب فإنه أهل لذلك ونعوذ به من شرور أنفسنا. واستعاذ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من شر النفس لأنها أمارة بالسوء ميالة إلى الأهواء والأغراض الفاسدة وهذا تعليم منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للأمة لأنه معصوم من الذنوب وقد ملك نفسه (قوله من يهد الله الخ) وفي نسخة من يهده الله أي من يخلق الله فيه الهداية والتوفيق إلى طاعته فلا يقدر أحد على إضلالة ومن يخلق فيه الضلالة فلا يقدر أحد على هدايته (قوله أرسله بالحق الخ) أي أرسله الله تعالى بالدين الحق مبشرًا من أطاع بالجنة في الآخرة وبالنصر في الدنيا. ومخوّفُ امن عصي بالنك الذي الدنيا وبالنار والعذاب في الآخرة. وقوله بين يدي الساعة يعني قريبًا من قيامها فظهوره في الدنيا من أشراط الساعة كما يشير إليه قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بأصبعيه السبابة والوسطي رواه مسلم (قوله فقد رشد) أي أصاب الصواب واهتدى إليه ورشد من باب تعب وقتل (وقوله ومن يعصهما الخ) فيه دلالة على جواز الجمع بين الله ورسوله في ضمير واحد. ويؤيده ما في رواية البخاري من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما (قوله ولا يضرّ الله شيئًا) من ذكر الخاص بعد العام وفائدته دفع ما عساه أن يتوهم أن الله تعالى يلحقه ضرر مخالفة من خالف (وقد جاء) صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ألفاظ أخر (فقد روى) الشافعي في مسنده من طريق كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خطب يومًا فقال إن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونستهديه ونستنصره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى حتى يفيء إلى أمر الله (وروى) أيضًا عن إبراهيم بن محمَّد قال حدثني عمرو أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خطب يومًا فقال في خطبته ألا إن الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر ألا وإن الآخرة أجل صادق يقضي فيها ملك قادر ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة ألا وإن الشر بحذافيره في النار ألا فاعملوا وأنتم من الله على حذر واعلموا أنكم معروضون على أعمالكم فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره (ورواه) أيضًا البيهقي من طريق زبيد بن الحارث عن شداد بن أوس (فقه الحديث) دلّ على مشروعية الحمد في ابتداء الخطبة (واختلف في حكمه) فقالت الشافعية والحنابلة إنه من واجبًات الخطبة لا تصح إلا به واستدلوا بفعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما في الحديث وبما سيأتي للمصنف عن أبي هريرة عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله

وسلم قال كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم (وقالت) المالكية والحنفية إن الحمد في الخطبة سنة وهو الظاهر وفعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يدل على الوجوب تقدم غير مرّة. وأما قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كل أمر ذي بال الخ فقد اختلف في وصله وإرساله ورجح النسائي والدارقطني إرساله لا يقوي على الاستدلال به وعلى تسليم وصله فلا يدل على الوجوب لأنه لو دل على الوجوب هنا لدل على وجوبه في كل أمر ذي بال ولا قائل به (وفيه دلالة) أيضًا على مشروعية الإتيان بالشهادتين في الخطبة. وعلى الإتيان فيها بالوعظ والإرشاد وهو المقصود منها (واختلف) العلماء في حكمه فذهبت المالكية والشافعية والحنابلة إلى وجوبه فيها (وذهبت) الحنفية إلى سنيته (وذكر الفقهاء) لها شروطًا وأركانًا على اختلاف في بعضها (فقالت الحنفية) أركانها "المقدار" الذي تصح به وأقله تسبيحة أو تهليلة أو تحميدة "ونية الخطبة" (وشروطها) أن تكون في الوقت وقبل الصلاة. وبحضور جماعة تنعقد بهم الجمعة وهم ثلاثة سوي الإِمام وتقدم الكلام على ذلك في باب الجمعة للمملوك والمرأة. وأن لا يفصل بينها وبين الصلاة بقاطع لها (وقالت المالكية) أركانها ثمانية اشتمالها على تحذير وتبشير. وكونها باللفظ العربي. وكونها جهرًا. وكونها قبل الصلاة بعد الزوال وكون أجزائها متصلة بعضها ببعض. وكونها متصلة بالصلاة. وحضور الجماعة الذين تجب عليهم الجمعة وتنعقد بهم "وتقدم في الباب المذكور" أنهم اثنا عشر رجلًا غير الإِمام. وكونها في المسجد هذا وبعض المالكية يعبر عما ذكر بالشروط (وقالت الشافعية) أركان الخطبة خمسة حمد الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلفظهما لا بمعناهما. والوصية بالتقوي قالوا وهذه الثلاثة لابدّ منها في كل من الخطبتين. وقراءة في إحداهما. والدعاء للمؤمنين في الأخيرة وشروطهما عندهم كونهما بالعربية. وفي الوقت. والموالاة بين أركانهما وبينهما. وبينهما وبين الصلاة والطهارة من الحدث والخبث. وستر العورة. وقيام قادر. وجلوس بينهما بالطمأنينة. وإسماع الأربعين الذين تنعقد بهم الجمعة (وقالت الحنابلة) مما قالت به الشافعية إلا أنهم عبروا عن جميعه بالشروط وزادوا عليهم أن وقتها يدخل من وقت صلاة العيد. وصلاحية الخطيب لأن يكون إمام في الجمعة (وهذه التفاصيل) وتلك الشروط التي ذكروها لم يقم على وجوبها دليل صريح من كتاب ولا سنة وغاية ما فيها مواظبة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليها في خطبه وقد علمت غير مرّة أن فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمجرّده لا يفيد الوجوب (قال) في الروضة الندية الخطبة المشروعة هي ما كان يعتاده صلى الله عليه وعلى آله وسلم من ترغيب الناس وترهيبهم فهذا في الحقيقة روح الخطبة الذي لأجله شرعت وأما اشتراط الحمد لله أو الصلاة على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو قراءة شيء من القرآن فجميعه خارج عن معظم المقصود من شرعية الخطبة. واتفاق مثل ذلك في خطبته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

لا يدل على أنه مقصود متحتم وشرط لازم. ولا شك منصف أن معظم المقصود هو الوعظ دون ما يقع قبله من الحمد والصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد كان عرف العرب المستمر أن أحدهم إذا أراد أن يقوم مقامًا أو يقول مقالًا شرع بالثناء على الله وعلى رسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وما أحسن هذا وأولاه ولكن ليس هو المقصود بل المقصود ما بعده ولو قال قائل إن من قام في محفل من المحافل خطيبًا ليس له باعث على ذلك إلا أن يصدر منه الحمد والصلاة لما كان هذا مقبولًا بل كل طبع سليم يمجه ويرده (إذا تقرّر) هذا عرفت أن الوعظ في خطبة الجمعة هو الذي يساق إليه الحديث فإذا فعله الخطيب فقد فعل الأمر المشروع إلا أنه إذا قدّم الثناء على الله وعلى رسوله أو استطرد في وعظه القوارع القرآنية كان أتمّ وأحسن اهـ (وقال ابن حزم) ليست الخطبة فرضًا فلو صلاها إمام دون خطبة صلاها ركعتين جهرًا ولا بدّ. ونستحب له أن يخطب على أعلي المنبر مقبلًا على الناس بوجهه يحمد الله تعالى ويصلي على رسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويذكر الناس بالآخرة ويأمرهم بما يلزمهم في دينهم. وما خطب به مما يقع عليه اسم خطبة أجزأه ولو خطب بسورة يقرؤها فحسن فإن كان لم يسلم على الناس إذ دخل فليسلم عليهم إذا قام على المنبر فقد روينا من طريق مسلم بن الحجاج بسنده إلى نافع عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب يوم الجمعة قائمًا ثم يجلس ثم يقوم كما يفعلون اليوم وقد روينا عن عثمان ومعاوية أنهما كانا يخطبات جالسين وقد قال الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) فإنما لنا الائتساء بفعله وليس فعله فرضًا "ثم قال" من احتج في إيجاب الخطبة بأنها جعلت بدلًا عن الركعتين لزمه أن يقول بقول هؤلاء وإلا فقد تناقض "واحتج بعضهم" في إيجاب الخطبة بقول الله تعالى (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْ وَا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) قال وهذا الاحتجاج لا منفعة لهم فيه في تصويب قولهم وإنما فيه أنهم تركوه قائمًا وهكذا نقول وإنما هو ردّ على من قال إنهم تركوه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قاعدًا وهذا لا يقوله أحد وليس في إنكار الله تعالى لتركهم نبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قائمًا إيجاب لفرض القيام في الخطبة ولا لفرض الخطبة فإن كان ذلك عندهم كما يقولون فيلزمهم أن من خطب قاعدًا فلا جمعة له ولا لهم وهذا لا يقوله أحد منهم فظهر أن احتجاجهم بالآية عليهم وأنها مبطلة لأقوالهم في ذلك لو كانت على إيجاب القيام وليس فيها أثر بوجه من الوجوه على إيجاب الخطبة إنما فيها أن الخطبة تكون قيامًا فقط. فإن ادعوا إجماعًا ردّ إجماعةم ما رويناه عن سيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن البصري من لم يخطب يوم الجمعة صلى ركعتين على كل حال. وقد قاله أيضًا ابن سيرين (وقد أقدم) بعضهم فقال إن قول الله تعالى (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ) إنما مراده إلى الخطبة وجعل هذا حجة في إيجاب

فرضها (قال ابن حزم) ومن لهذا المقدم أن الله تعالى أراد بالذكر المذكور فيها الخطبة بل أول الآية وآخرها يردّان ما قال لأن الله تعالى إنما قال (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَي ذِكْرِ اللهِ) وقال الله عَزَّ وَجَلَّ (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا في الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ) فصح أن الله إنما افترض السعي إلى الصلاة إذا نودي لها وأمر إذا قضيت بالانتشار وذكره كثيرًا فصح يقينا أن الذكر المأمور بالسعي إليه هو الصلاة وذكر الله تعالى فيها بالتكبير والتسبيح والتمجيد والقراءة والتشهد لا غير ذلك. ولو كان ما قاله هذا القائل لكان من لم يدرك الخطبة ولا شيئًا منها وأدرك الصلاة غير مؤدّ ما افترض الله تعالى عليه من السعي وهم لا يقولون هذا "فإن قالوا" لم يصلها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قط إلا بخطبة "قلنا" ولا صلاها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا بخطبتين قائمًا يجلس بينهما فاجعلوا كل ذلك فرضًا لا تصح الجمعة إلا به. ولا صلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا رفع يديه في التكبيرة الأولى فأبطلوا الصلاة بترك ذلك. وأما قولنا ما وقع عليه اسم خطبة فاقتداء بظاهر فعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ ببعض تصرّف (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي (وهذا الحديث) وما بعده إلى آخر الباب غير مطابق للترجمة إلا أن يقال إنه ترجم لشيء وزاد عليه وهو غير معيب وقد ترجم البيهقي لهذا الحديث وغيره مما فيه ذكرلخطبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال "باب كيف يستحب أن تكودت الخطبة" (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ تَشَهُّدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ قَالَ "وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى". وَنَسْأَلُ اللهَ رَبَّنَا أَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ يُطِيعُهُ وَيُطِيعُ رَسُولَهُ وَيَتَّبِعُ رِضْوَانَهُ وَيَجْتَنِبُ سَخَطَهُ فَإِنَّمَا نَحْنُ بِهِ وَلَهُ. (ش) (ابن وهب) عبد الله تقدم في الجزء الأول صفحة 325. و (يونس) بن يزيد (قوله سأل ابن شهاب عن تشهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) يعني عن خطبته يوم الجمعة فذكر ابن شهاب محمَّد بن مسلم نحو حديث أبي عياض المتقدم في روايته وقال ومن يعصهما ضد غوى أي ضلّ (قوله ويتبع رضوانه الخ) أي يتبع ما به رضوانه من امتثال الأوامر واجتناب النواهي ويجتنب ما به سخطه وعذابه من فعل المعاصي (قوله فإنما نحن

تحذير الخطيب أن يجمع بين الله ورسوله في ضمير واحد

به وله) يعني مستعينون به ومطيعون له (وهذه الرواية) أخرجها البيهقي من طريق محمَّد بن يعقوب قال حدثا بحر بن نصر ثنا ابن وهب أخبرني يونس أنه سأل ابن شهاب عن تشهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الجمعة فقال ابن شهاب إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرًا ونذيرًا بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى نسأل الله ربنا أن يجعلنا ممن يطيعه ويطيع رسوله ويتبع رضوانه ويجتنب سخطه فإنما نحن به وله (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ عَنْ تَمِيمٍ الطَّائِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ خَطِيبًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَالَ "قُمْ -أَوِ اذْهَبْ- بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ". (ش) (رجال الحديث) (مسدد) بن مسرهد تقدم في الجزء الأول صفحة 24. وكذا (يحيى) القطان صفحة 248. وكذا (سفيان بن سعيد) الثوري صفحة 65. و (عدي ابن حاتم) بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي الطائي أبي طريف أسلم سنة تسع وشهد فتح العراق وشهد صفين مع على. روى الشيخان عن عدي بن حاتم قال أتيت عمر بن الخطاب في نفرٍ من قومي فجعل يفرض لرجل من طيء ويعرض عني فاستقبلته فأعرض عني ثم أتيته من حيال وجهه فأعرض عني فقلت يا أمير المؤمنين أتعرفني فضحك وقال نعم والله إني لأعرفك آمنت إذ كفروا وأقبلت إذ أدبروا ووفيت إذ غدروا وإن أول صدقة بيضت وجه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ووجوه أصحابه صدقة طيئ جئت بها إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم أخذ يعتذر ثم قال إنما فرضت لقوم أجحفت بهم الفاقة وهم سادة عشائرهم لما ينوبهم من الحقوق قلت فلا إليّ إذًا اهـ أي فلا تدفع إليّ شيئًا من الصدقة إذًا (معنى الحديث) (قوله أن خطيبًا خطب) لعله كان يخطب بين يدي قوم لا خطبة جمعة (قوله من يطع الله ورسوله الخ) جوابه محذوف أي من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى (قوله بئس الخطيب أنت) ذمه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لجمعه بين ضمير الله ورسوله لما في مسلم والبيهقي بعد قوله بئس الخطيب أنت قل ومن يعص الله ورسوله فقد غوى. ولعلّ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فهم منه

استحباب قراءة سورة ق في خطبة الجمعة

اعتقاد التسوية بين الله وبين رسوله فيكون إنكاره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خاصًا بذلك الخطيب. أو كان هناك من يعتقد التسوية بينهما فذمه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تنبيها عل فساد اعتقاد ذلك "ولا ينافيه" ما تقدم من جمعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بينه وبين ربه في ضمير واحد "لعلمه" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأن مجلسه كات خاليًا ممن يعتقد المساواة المذكورة (وقال) الشيخ عزّ الدين من خصائصه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان يجوز له الجمع في الضمير بينه وبين ربه تعالى وذلك ممتنع على غيره وإنما يمتنع من غيره دونه لأن غيره إذا جمع أو هم إطلاقه التسوية بخلافه هو فإن منصبه لا يتطرّق عليه إيهام ذلك ذكره السيوطي (ولكن) الخصوصية لا تثبت إلا بدليل ولا دليل هنا (وقال النووي) الصواب أن سبب النهي أن الخطب شأنها البسط والإيضاح وأجتناب الإشارات والرموز اهـ ولكن ينافيه ما تقدم من جمعه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بينه وبين ربه في خطبه في ضمير واحد (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والنسائي والحاكم والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نَا شُعْبَةُ عَنْ خُبَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْنٍ عَنْ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَتْ مَا حَفِظْتُ ق إِلاَّ مِنْ في رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَخْطُبُ بِهَا كُلَّ جُمُعَةٍ قَالَتْ وَكَانَ تَنُّورُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَتَنُّورُنَا وَاحِدًا (ش) (رجال الحديث) (شعبة) بن الحجاج تقدم في الجزء الأول صفحة 32. و (خبيب) بضم المعجمة مصغرًا ابن عبد الرحمن في الجزء الرابع صفحة 200. و (عبد الله بن محمَّد بن معن) الغفاري المدني. روى عن أم هشام بنت الحارث. وعنه خبيب بن عبد الرحمن. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من الثالثة. روى له مسلم وأبو داود. و (بنت الحارث بن النعمان) هي أم هشام صحابية وهي مشهورة وهي أخت عمرة بنت عبد الرحمن لأمها. روت عنها أختها عمرة وبايعت بيعة الرضوان. روى لها كل مسلم وأبو داود (معنى الحديث) (قوله ما حفظت ق إلا من في رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) وفي رواية مسلم ما أخذت ق والقرآن المجيد إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرؤها كل جمعة عل المنبر إذا خطب الناس. والمراد أنه كان يكثر من قراءتها في الخطبة كما في رواية الشافعي في مسنده عن أم هشام بنت حارثة أنها سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ "ق" وهو

يخطب على المنبر يوم الجمعة وأنها لم تحفظها إلا منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الجمعة على المنبر لكثرة ما كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ بها على المنبر يوم الجمعة (واختار) صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذه السورة لاشتمالها على أحوال البعث والموت والمواعظ والزواجر البليغة (قوله قالت وكان تنور رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتنورنا واحدًا) أشارت به إلى قوة حفظها ومعرفتها بأحواله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لقربها من منزله. والتنور هو الذي يخبز فيه (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الحاكم والبيهقي وكذا النسائي من طريق محمَّد بن عبد الرحمن عن ابنة حارثة بن النعمان ولم يذكر فيه قصة التنور (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ بِنْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ أُمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ. (ش) الغرض منه بيان الاختلاف في أبي أم هشام فروى محمَّد بن جعفر عن شعبة أنه ابن ت الحارث بن النعمان وروى روح بن عبادة عن شعبة أيضًا أنه ابن ت حارثة بن النعمان بزيادة التاء في حارثة وكذا قال محمَّد بن إسحاق في روايته وزاد فيها أن كنيتها أم هشام فهو يشير بهذا إلى أرجحية ثبوت التاء في حارثة ويقويه ما رواه أحمد ومسلم من طريق محمَّد بن جعفر عن شعبة وفيه عن ابنة لحارثة بن النعمان (ورواية) محمَّد بن إسحاق أخرجها البيهقي قال حدثنا عبد الأعلي عن محمَّد بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت لقد كان معنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بيوتنا وإن تنورنا وتنوره واحد سنتين أوسنة وبعض أخري وما أخذت ق والقرآن المجيد إلى عن لسان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ بها كل يوم جمعة على الناس إذا خطبهم رواه مسلم في الصحيح عن عمرو بن محمَّد الناقد عن يعقوب بن إبراهيم وأم هشام بنت حارثة بن النعمان هي أخت عمرة بنت عبد الرحمن لأمها اهـ (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي سِمَاكٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا يَقْرَأُ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ. (ش) (يحيى) القطان. و (سفيان) الثوري. و (سماك) بن حرب (قوله كانت صلاة

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطبته قصدًا). يعني متوسطتين ليستا طويلتين طولًا يملّ ولا قصيرتين قصرًا يخلّ والتوسط في كل منهما بحسبه. ففي الخطبة بالنسبة لغيرها من الخطب وفي الصلاة بالنسبة لغيرها من الصلوات (فلا منافاة) بين هذا الحديث وبين ما رواه مسلم عن عمار قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة وإن من البيان لسحرًا. ومئنة بفتح الميم وكسر الهمزة وتشديد النون معناها العلامة "فإن الأمر" بإطالة الصلاة في هذه الرواية بالنسبة للخطبة فلا يخرجها عن كونها متوسطة بالنسبة للصلوات (قال النووي) وعلى عدم الجمع بين الحديثين يكون العمل بالقول في حق الأمة لأن فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم آله وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة لاحتمال أن يكون الفعل خاصا به اهـ (ولا يخفى) ما فيه فإن الخصوصية لا تثبت بالاحتمال (سيما) وأنه قال صلوا كما رأيتموني أصلي رواه أحمد والبخاري (قوله يقرأ آيات من القرآن الخ) نحو قوله تعالى (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) كما أخرجه الشيخان عن أبي يعلي وكما أخرجه النسائي. وقوله تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) وقوله ويذكر الناس أي يعظهم (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والنسائي والترمذي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ نَا مَرْوَانُ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ أُخْتِهَا قَالَتْ مَا أَخَذْتُ ق إِلاَّ مِنْ في رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْرَؤُهَا في كُلِّ جُمُعَةٍ. (ش) (مروان) بن معاوية. و (يحيى بن سعيد) الأنصاري تقدم في الجزء الأول صفحة 55 و (عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة. و (أختها) هي أم هشام بنت حارثة ابن النعمان أختهالأمها (والحديث) أخرجه البيهقي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَابْنُ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ أُمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ. (ش) أي روى هذا الحديث يحيى بن أيوب وابن أبي الرجال عن يحيى مثل رواية سليمان ابن بلال عنه. و (ابن أبي الرجال) هو عبد الرحمن بن محمَّد بن عبد الرحمن الأنصاري. روى عن أبيه والأوزاعي ويحيى بن سعيد وابن أبي ذئب وآخرين. وعنه أبو نعيم وعبد الله بن يوسف

باب رفع اليدين على المنبر

وقتيبة بن هشام وسويد بن سعيد وكثيرون. وثقه أحمد والدارقطني وابن معين وقال أبو داود يشير به بأس وقال ابن حبان ربما أخطأ. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي. ولم نقف على من أخرج رواية ابن أبي الرجال. وأما رواية يحيى بن أيوب فقد رواها مسلم وأشار لها المصنف (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ السَّرْحِ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ أُخْتٍ لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْهَا بِمَعْنَاهُ. (ش) (ابن السرح) أحمد بن عمرو بن السرح (قوله كانت أكبر منها) أي كانت أم هشام أكبر من عمرة. وتقدم أن أم هشام كانت صحابية بخلاف عمرة فإنها تابعية (قوله بمعناه) أي بمعنى حديث سليمان بن بلال المتقدم (باب رفع اليدين على المنبر) أهو مشروع حال قيام الخطيب على المنبر أم لا (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا زَائِدَةُ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ رَأَى عُمَارَةُ بْنُ رُؤَيْبَةَ بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ وَهُوَ يَدْعُو في يَوْمِ جُمُعَةٍ فَقَالَ عُمَارَةُ قَبَّحَ الله هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ. قَالَ زَائِدَةُ قَالَ حُصَيْنٌ حَدَّثَنِي عُمَارَةُ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ مَا يَزِيدُ عَلَى هَذِهِ يَعْنِي السَّبَّابَةَ الَّتِى تَلِي الإِبْهَامَ. (ش) (رجال الحديث) (بشر بن مروان) بن الحكم بن أبي العاص بن أمية في عبد شمس ابن عبد مناف القرشي تولي الكوفة سنة إحدي وسبعين بعد قتل مصعب بن الزبير وأضيف إليه البصرة سنة ثلاث وسبعين بعد أن عزل عنها خالد بن عبد الله فرحل إليها واستخلف على الكوفة عمرو بن حريث. و (عمارة بن رؤيبة) تقدم في الجزء الرابع صفحة 7 (معنى الحديث) (قوله وهو يدعو في يوم جمعة) يعني ويرفع يديه حال الدعاء في الخطبة كما تؤيده رواية الترمذي عن حصين قال سمعت عمارة وبشر بن مروان يخطب فرفع يديه في الدعاء فقال عمارة قبح الله هاتين اليدين القصيرتين الخ ويحتمل أن يراد بقوله يدعو أي يشير بيديه في الخطبة حال الوعظ والإرشاد كما هو دأب الوعاظ يحرّكون أيديهم يمينًا وشمالًا ينبهون الحاضر على الاستماع ويؤيده ما رواه مسلم من طريق عبد الله بن إدريس عن حصين عن عمارة بن رؤيبة قال رأى

أقوال العلماء في ذلك حال الخطبة

بشر بن مروان على المنبر رافعًا يديه فقال قبح الله هاتين اليدين "الحديث" وما رواه النسائي من طريق سفيان عن حصين أن بشر بن مروان رفع يديه يوم الجمعة على المنبر فسبه عارة بن رؤيبة الثقفي وقال ما زاد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على هذا وأشار بأصبعه السبابة (قوله قبح الله هاتين اليدين) وفي رواية أحمد لعن الله هاتين اليدين. ودعا عليه لمخالفته ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالجملة خبرية لفظًا إنشائية معنى وفيها إطلاق اسم الجزء على الكل ويحتمل أن تكون خبرية لفظًا ومعنى فيكون إخبارًا عن قبح صنعه (قوله لقد رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو على المنبر الخ) وفي رواية أحمد رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المنبر يدعو وهو يشير بأصبع. وفي رواية مسلم لقد رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بأصبعه المسبحة (وفي هذا دلالة) على عدم مشروعية رفع اليدين على المنبر حال الدعاء في الخطبة وهو بدعة مذمومة كما تؤيده رواية البزار وأحمد عن غضيف بن الحارث قال بعث إليّ عبد الملك بن مروان فقال يا أبا أسماء إنا قد أجمعنا الناس على أمرين قال وما هما قال رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة والقصص بعد الصبح والعصر فقال أما إنهما أمثل بدعتكم عندي ولست مجيبك إلى شيء منهما قال لم قال لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة (وإلى كراهة) رفع اليدين حال الخطبة ذهب مالك والشافعي وجماعة. قال القاضي عياض كره مالك وقوم من السلف رفع اليدين في الخطبة لهذا الحديث لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يزد على الإشارة بالمسبحة وأجازه بعض أصحابنا وآخرون لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رفعهما في خطبة الجمعة حين استسقى اهـ (لكن) رفعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقتئذ كان لعارض الاستسقاء ويؤيده ما في الصحيحين وسيأتي للمصنف عن أنس قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء فإنه كان يرفع يديه حتى يري بياض إبطيه (والحديث) أخرجه أحمد ومسلم والترمذي والنسائي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا بِشْرٌ -يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضَّلِ- نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- شَاهِرًا يَدَيْهِ قَطُّ يَدْعُو عَلَى مِنْبَرِهِ وَلاَ عَلَى غَيْرِهِ وَلَكِنْ رَأَيْتُهُ

باب إقصار الخطب

يَقُولُ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَعَقَدَ الْوُسْطَى بِالإِبْهَامِ. (ش) (رجال الحديث) (عبد الرحمن بن معاوية) الزرقي الأنصاري أبي الحويرث حليف بنى نوفل. روى عن حنظلة بن قيس ونعيم المجمر وعبد الله بن عبد الرحمن وغيرهم وعنه الثوري وعبد الرحمن بن إسحاق ومعن بن عيسى وشعبة. ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن معين لا يحتج بحديثه وقال النسائي ليس بذاك وقال أبو داود كان من مرجئي أهل المدينة وقال في التقريب صدوق سيئُ الحفظ. مات سنة ثمان وعشرين ومائة. و (ابن أبي ذباب) هو عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن سعد بن أبي ذباب الدوسي المدني. روى عن أبيه وأبي هريرة وسهل بن سعد وعبيد بن حنين. وعنه مجاهد وسعيد بن أبي هلال ومالك وعبد الرحمن ابن معاوية وعكرمة بن إبراهيم. وثقه ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة من الثالثة. روى له أبو داود والترمذي والنسائي (معنى الحديث) (قوله ما رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شاهرًا يديه الخ) أي ما رأيته مبرزًا يديه ومظهرًا لهما حال الدعاء لا في الخطبة ولا في غيرها لكن رأيته يشير بالسبابة وقت الخطبة. وهو صريح في عدم مشروعية رفع اليدين حال الدعاء (لكن) الحديث ضعيف لأنه من طريق عبد الرحمن بن إسحاق وعبد الرحمن بن معاوية وفيهما مقال وسيأتي تمام الكلام على وقع اليدين في الدعاء في بابه إن شاء الله تعالى (والحديث) أخرجه أحمد والبيهقي (باب إقصار الخطب) وفي بعض النسخ باب اقتصار الخطبة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ نَا أَبِي نَا الْعَلاَءُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَاشِدٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِإِقْصَارِ الْخُطَبِ. (ش) (أبو راشد) لم يعرف اسمه. روى عن عمار بن ياسر. وعنه عدي بن ثابت قال في التقريب مقبول من الثالثة وذكره ابن حبان في الثقات وقال الذهبي في الميزان أبو راشد عن عمار لا يعرف (قوله أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بإقصار الخطب) لعله يشير بذلك إلى ما رواه مسلم عنه كما تقدم وفيه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة وروى أبو بكر بن أبي شيبة نا ابن نمير عن العلاء بن صالح عن عدي بن ثابت قال أنبأنا أبو راشد

باب الدنو من الإمام عند الموعظة

قال خطبنا عمار فتجوّز في الخطبة فقال رجل قد قلت قولًا شفاء لو أنك أطلت فقال إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهي أن نطيل الخطبة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الحاكم وابن أبي شيبة والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ نَا الْوَلِيدُ أَخْبَرَنِي شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ السُّوَائِيِّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لاَ يُطِيلُ الْمَوْعِظَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِنَّمَا هُنَّ كَلِمَاتٌ يَسِيرَاتٌ. (ش) (الوليد) بن مسلم تقدم في الجزء الثاني صفحة 51. و (شيبان أبو معاوية) هو ابن عبد الرحمن. و (السوائي) بضم السين المهملة نسبة إلى سواء بن عامر بن صعصعة (قوله لا يطيل الموعظة الخ) يعني الخطبة إنما هن أي كلمات الخطبة كلمات يسيرات فالضمير عائد على الكلمات المعلومة من السياق (ويؤخذ) من أحاديث الباب استحباب تقصير خطبة الجمعة وكراهة الإطالة فيها (وقد جاء) في تقصير الخطبة أحاديث (منها) ما رواه النسائي عن عبد الله بن أبي أوفي قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يطيل الصلاة ويقصر الخطبة (ومنها) ما رواه البزّار عن ابن مسعود أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن قصر الخطبة وطول الصلاة مئنة من فقه الرجل فطوّلوا الصلاة وأقصروا الخطب وإن من البيان لسحرًا وإنه سيأتي بعدكم قوم يطيلون الخطبة ويقصرون الصلاة. ورواه الطبراني في الكبير موقوفًا على ابن مسعود قال العراقي وهو أولى بالصواب لاتفاق سفيان وزائدة على ذلك اهـ (ومنها) ما رواه الطبراني في الكبير عن أبي أمامة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا بعث أميرًا قال أقصر الخطبة وأقلل الكلام فإن من الكلام سحرًا وفي إسناده جميع بن ثوب وفيه مقال (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي (باب الدنوّ من الإِمام عند الموعظة) وفي بعض النسخ عند الخطبة أي في استحباب القرب من الإِمام وقت الخطبة (ص) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ نَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ وَجَدْتُ في كِتَابِ أَبِي بِخَطِّ يَدِهِ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ قَالَ قَتَادَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَالِكٍ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "احْضُرُوا الذِّكْرَ وَادْنُوا مِنَ الإِمَامِ فَإِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَزَالُ

باب الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث

يَتَبَاعَدُ حَتَّى يُؤَخَّرَ في الْجَنَّةِ وَإِنْ دَخَلَهَا". (ش) (قوله وجدت في كتاب أبي الخ) الوجادة أن يقف الراوي على أحاديث بخط راويها غير المعاصر له أو المعاصر ولم يلقه أولقيه ولم يسمع منه أوسمع منه غير ما وجده في كتابه فله أن يقول وجدت أو قرأت بخط فلان أو في كتاب فلان بخطه حدثنا فلان وليس له أن يقول أخبرني أو حدثني فلان إلا إن كان له منه إذن بالرواية عنه. وتقدم في مقدمة الكتاب أن الوجادة يحتج بها قديمًا وحديثا (وهو) صريح في أن معاذ بن هشام لم يسمع هذا الحديث من أبيه وإنما رواه بطريق الوجادة (قال البيهقي) وهو الصحيح ثم ساق سندًا آخر فيه سماع معاذ من أبيه وغلطه "وفيه" قال أخبرنا إسماعيل بن إسحاق القاضي نا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة فذكره قال البيهقي ولا أظنه إلا واهمًا في ذكر سماع معاذ من أبيه هو أو شيخه فأما إسماعيل القاضي فهو أجلّ من ذلك اهـ (قوله احضروا الذكر الخ) يعني الخطبة واقربوا من الإِمام لأن من قرب منه وأنصت واستمع ولم يلغ كان له كفلان من الأجر كما تقدم. وقوله فإن الرجل الخ تعليل لمحذوف أي ادنوا من الإِمام ولا تتباعدوا عنه فإن الرجل لا يزال يتأخر عن مواطن الخير وعن المبادرة إلى الجمعة حتى يؤخر في دخول الجنة أو في درجاتها (قال الطيبي) لا يزال الرجل يتباعد عن استماع الخطبة وعن الصف الأول الذي هو مقام المقربين حتى يؤخر إلى آخر صف المتسفلين (قوله وإن دخلها) أتي به لدفع ما يتوهم من أن البعد عن الإِمام يترتب عليه عدم دخول الجنة أصلًا (وفيه) تعريض بأن من تأخر عن المبادرة إلى الجمعة قنع من الجنة ومن الدرجات العالية والمقامات الرفيعة بمجرّد الدخول (فقه الحديث) دلّ الحديث على الحثّ على حضور خطبة الجمعة والقرب من الإِمام وعلى التنفير من التأخر عن ذلك (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الحاكم والبيهقي وأخرج الطبراني والأصبهاني عن سمرة نحوه بلفظ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم احفروا الجمعة وادنوا من الإِمام فإن الرجل ليكون من أهل الجنة فيتأخر عن الجمعة فيؤخر عن الجنة وإنه لمن أهلها وأخرجه البيهقي عن الحسن عن سمرة بنحوه (باب الإِمام يقطع الخطبة للأمر يحدث) (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ حُبَابٍ حَدَّثَهُمْ نَا حُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-

مذاهب العلماء في كلام الخطيب بما ليس من جنس الخطبة

فَأَقْبَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ وَيَقُومَانِ فَنَزَلَ فَأَخَذَهُمَا فَصَعِدَ بِهِمَا الْمِنْبَرَ ثُمَّ قَالَ "صَدَقَ الله {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} رَأَيْتُ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ". ثُمَّ أَخَذَ في الْخُطْبَةِ. (ش) (رجال الحديث) (حسين بن واقد) المروزي أبو عبد الله. روى عن ثابت البناني وعبد الله بن بريدة وأبي إسحاق السبيعي وعمرو بن دينار وآخرين, وعنه الأعمش والفضل بن موسى وعلى بن المبارك وجماعة. وثقة ابن معين وقال النسائي وأبو زرعة لا بأس به وقال ابن حبان من خيار الناس وربما أخطأ وقال الساجي فيه نظر وهو صدوق يهم وقال في التقريب ثقة له أوهام من السابعة وقال ابن سعد كان حسن الحديث وقال أحمد أحاديثه لا أدري أيش هي. توفي سنة سبع وخمسين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي والبخاري في التاريخ (معنى الحديث) (قوله يعثران) مضارع عثر من باب قتل وضرب والمراد أنهما يسقطان على الأرض لصغرهما. وفي رواية يمشيان ويعثران وفي رواية النسائي عليهما قميصان أحمران يعثران فيهما (قوله فصعد بهما) وفي نسخة فصعد بهما المنبر. وفي رواية أحمد فحملهما فوضعهما بين يديه. وفي رواية النسائي فحملهما ثم عاد إلى المنبر. ورفعهما عنده ليكون لهما الرفعة عند الله وعند خلقه (قوله إنما أموالكم وأولادكم فتنة) شاغلة لكم عن أمور الآخرة. وكانت فتنة لأنها اختبار من الله تعالى لعبادة ليظهر من يشغله ذلك عن الطاعة فتكون نقمة عليه ممن لا يشغله فتكون له نعمة فمن رجع إلى الله تعالى ولم يشتغل بماله وولده وجاهد نفسه فقد فاز ومن اشتغل بهما فقد هلك (وهو) صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم معصوم من الاشتغال بغير الله تعالى فيكون المراد بالفتنة هنا مجرّد ميل لم يشغله عن الله تعالى (قوله رأيت هذين فلم أصبر الخ) وفي رواية النسائي رأيت هذين يعثران في قميصيهما فلم أصبر حتى قطعت كلامي. ولم يصبر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأثر الرحمة والرقة في القلب (وفي هذا دلالة) على جواز فصل الخطبة بعضها عن بعض بكلام ليس من جنسها وهو محمول على ما إذا كان الفصل يسيرًا (وبه قالت) المالكة والحنابلة (وقالت الحنفية) يكره الكلام في الخطبة ولا يفسدها (وللشافعية) قولان أظهرهما اشتراط الموالاة بين أجزاء الخطبة ولا يحرم كلام الخطيب فيها إذا كان لهم كإنقاذ أعمي فإن كان لغير مهم فقيل بالحرمة وقيل بالكراهة. وهذا الخلاف ما لم يكن الكلام أمرًا أو نهيًا أولم يكن لضرورة وإلا جاز اتفاقًا (ومنه ما رواه) مسلم والبيهقي من طريق حميد بن هلال عن أبي رفاعة العدوي قال انتهيت إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو يخطب فقلت يا رسول الله -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه فأقبل إليّ وترك خطبته فأتى

باب الاحتباء والإمام يخطب

بكرسىّ خلت "أي ظننت" قوائمه من حديد فجعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى خطبته وأتم آخرها (ومارواه) مسلم من أن عمر بن الخطاب رضي الله هـ عنه كان يخطب فدخل عليه عثمان رضي الله هـ عنه فقاله آية ساعة هذه فقال ما زدت حين سمعت النداء يا أمير المؤمنين على أن توضأت فقال والوضوء أيضًا وقد علمت أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بالاغتسال. فقد أنكر عمر أثناء خطبته على عثمان رضي لله تعالى عنهما تأخره عن المبادرة إلى حضور الجمعة واقتصاره على الوضوء وتقدم نحوه للمصنف في "باب في الغسل يوم الجمعة" في الجزء الثالث (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والنسائي والبيهقي (باب الاحتباء والإمام يخطب) أيجوز أم لا (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ نَا الْمُقْرِئُ نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي مَرْحُومٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الْحُبْوَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ. (ش) (رجال الحديث) (المقرئُ) هو عبد الله بن يزيد تقدم في الجزء الأول صفحة 220 و(أبو مرحوم) هو عبد الرحيم بن ميمون المدني المعافري مولاهم سكن مصر. عن سهل بن معاذ وعلى بن رباح ويزيد بن محمَّد وإسحاق بن ربيعة. عنه سعيد بن أبي أيوب ونافع ابن يزيد ويحيى بن أيوب وغيرهم. قال ابن معين ضعيف الحديث وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به وقال النسائي أرجو أنه لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات. توفي سنة ثلاث وأربعين ومائة. روى له الترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه. و(سهل بن معاذ) ابن أنس الجهني نزيل مصر. روى عن أبيه. وعنه أبو مرحوم وفروة بن مجاهد وإسماعيل بن يحيى والليث بن سعد. قال العجلي تابعي ثقة وضعفه ابن معين وقال في التقريب لا بأس به من الرابعة. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه والبخاري في الأدب (قوله عن أبيه) هو معاذ ابن أنس الجهني نزيل مصر. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أبي الدرداء وكعب الأحبار. وعنه ابنه سهل ولم يروعنه غيره وهو لين الحديث إلا أن أحاديثه حسان في الفضائل والرغائب. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه والبخاري في الأدب (معنى الحديث) (قوله نهى عن الحبوة الخ) بضم الحاء المهملة وكسرها اسم من الاحتباء

وهو أن يجمع الشخص ظهره وساقيه بثوب أو غيره وقد يحتبي بيديه (والحكمة) في النهي عن الاحتباء يوم الجمعة أنه يجلب النوم ويعرّض الطهارة للنقض (قال العيني) ويلحق به في الكراهة الاستناد إلى الحائط أو غيره لأنه في معنى الاحتباء وأكثر (وإلى النهي) عن الاحتباء يوم الجمعة حال الخطبة ذهب جماعة منهم عبادة بن نسيّ. وروى ابن أبي شيبة كراهته عن الأوزاعي ومكحول وعطاء والحسن البصري. واستدلوا بحديث الباب. وبما رواه ابن ماجه عن عمر وابن شعيب عن أبيه عن جده قال نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الاحتباء يوم الجمعة يعني والإمام يخطب. وبما رواه ابن عدي في الكامل عن جابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب. لكن حديث معاذ ضعيف لأنه من رواية ابنه سهل وأبي مرحوم وفيهما مقال كما علمت. وحديث عمرو بن شعيب في إسناده بقية بن الوليد وهو مدلس ورواه بالعنعنة عن شيخه عبد الله بن واقد وهو من شيوخه المجهولين. وحديث جابر في إسناده عبد الله بن ميمون القداح وهو ذاهب الحديث كما قاله البخاري (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والترمذي والحاكم والبيهقي وأخرجه ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو وابن عدي عن جابر (ص) حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ نَا خَالِدُ بْنُ حَيَّانَ الرَّقِّيُّ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزِّبْرِقَانِ عَنْ يَعْلَى بْنِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ شَهِدْتُ مَعَ مُعَاوِيَةَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَجَمَّعَ بِنَا فَنَظَرْتُ فَإِذَا جُلُّ مَنْ في الْمَسْجِدِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَرَأَيْتُهُمْ مُحْتَبِينَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ. (ش) (رجال الأثر) (خالد بن حيان الرقيّ) أبو يزيد الكوفي مولاهم. روى عن سالم بن أبي المهاجر وسليمان بن عبد الله وبن جعفر بن برقان وجماعة. وعنه أحمد وأبو كريب وعلى ابن ميمون وزكرياء بن عدي والحسن بن حماد وجماعة. وثقه ابن معين وابن عمار وابن سعد وقال كان ثبتًا وقال النسائي والدارقطني وابن خراش لا بأس به. توفي سنة إحدى وتسعين ومائة و(سليمان بن عبد الله بن الزبرقان) ويقال سليمان بن عبد الرحمن بن فيروز. روى عن يعلى ابن شداد. وعنه خالد بن حيان ويحيى بن سلامة. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب لين الحديث من السابعة (معنى الأثر) (قوله فجمع بنا) بتشديد الميم يعني صلى بنا الجمعة (قوله فرأيتهم محتبين

والإمام يخطب) فيه حجة لمن قال بجواز الاحتباء حال الخطبة منهم من ذكره المصنف ومنهم سالم بن عبد الله والقاسم بن محمَّد وعطاء وابن سيرين وعمرو بن دينار وأبو الزبير وعكرمة بن خالد وأحمد بن حنبل وإسحاق. وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية (وأجابوا) عن أحاديث النهي بأنها ضعيفة فلا تقوم بها حجة (وقد جمع) الطحاوي بين احتباء الصحابة المذكورين في حديث الباب والاحتباء المنهيّ عنه في حديث سهل بن معاذ بما حاصله أن الاتجاه المنهي عنه ما كان مبتدأ أثناء الخطبة من السامعين لما فيه من التشاغل عنها وعدم الإصغاء إليها وأن الاحتباء الجائز ما كان مبتدأ قبل الشروع فيها واستمرّ إلى الفراغ منها (ويمكن الجمع) بوجه آخر وهو أن الاحتباء المنهي عنه ما أدى إلى كشف العورة بأن كان فاعله لابسًا ثوبًا واحدًا لما رواه البيهقي عن أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن لبستين وعن بيعتين عن الملامسة والمنابذة وعن أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء وعن أن يشتمل الرجل بالثوب الواحد على شقيه اهـ وأن الاحتباء الجائز هو ما لم يؤد إلى ما ذكر. وقد ثبت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان يحتبي فقد روى البيهقي من طريق أبي حاتم الرازي عن ابن عمر قال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم محتبيًا بفناء الكعبة يقول بيده هكذا وشبك أبو حاتم بيديه وأخرجه البخاري أيضًا من طريق فليح (من أخرج الأثر أيضًا) أخرجه البيهقي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحْتَبِي وَالإِمَامُ يَخْطُبُ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَشُرَيْحٌ وَصَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَمَكْحُولٌ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ وَنُعَيْمُ بْنُ سَلاَمَةَ قَالَ لاَ بَأْسَ بِهَا. (ش) غرض المصنف بهذا تقوية حديث يعلي بن شداد بن أوس. وأخرج الطحاوي والبيهقي أثر ابن عمر هذا بسنده إلى نافع أن ابن عمركان يحتبي يوم الجمعة والإمام يخطب وربما نعس حتى يضرب بجبهته حبوته اهـ. و(شريح) بن الحارث بن قيس بن الجهم بن معاوية بن عامر الكندي أبو أمية النخعي الكوفي القاضي ويقال شريح بن شرحبيل ويقال ابن شراحيل. أدرك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يلقه وقيل لقيه وقال ابن معين كان في زمن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يسمع منه واستقضاه عمر بن الخطاب على الكوفة وأقرّه على ابن أبي طالب وأقام على القضاء بها ستين سنة وقضى بالبصرة سنة. روى عن عمر وعلى وابن مسعود وزيد بن ثابت وغيرهم. وعنه ابن سيرين وإبراهيم النخعي والشعبي وكثيرون. روى

باب الكلام والإمام يخطب

له النسائي وأبو داود. قيل توفي سنة ثمان وسبعين. و (صعصعة بن صوحان) بضم الصاد وبالحاء المهملتين ابن حجر بن الحارث العبدي أبو عمرو الكوفي تابعي كبير مخضرم. روى عن على بن أبي طالب وابن عباس. وعنه أبو إسحاق السبيعي. قال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات وذكر ابن عبد البرّ أنه كان مسلمًا في عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يره. توفي بالكوفة في خلافة معاوية. روى له النسائي وابن ماجه و(سعيد بن المسيب) أحد الفقهاء السبعة تقدم في الجزء الثاني صفحة 175، روى أثره أبو بكر ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنه كان يحتبي يوم الجمعة والإمام يخطب. و(إسماعيل بن محمَّد بن سعد" بن أبي وقاص الزهري المدني. روى عن أبيه وأنس بن مالك وابن عيينة. ذكره ابن معين في تابعي أهل المدينة ومحدّثيهم وقال ثقة حجة ووثقه أبو حاتم والعجلي والنسائي وابن خراش. توفي سنة أربع وثلاثين ومائة. روى له الجماعة. إلا أبا داود. وإنعيم بن سلامة) روى عن ابن عمر. وعنه الأوزاعي. ذكره ابن حبان في الثقات (قوله قال لا بأس بها) أي قال نعيم بن سلامة لا بأس بالحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب وفي بعض النسخ قال أبو داود لا بأس بها. فعلى النسخة الأولى يكون المعنى أن ابن عمر ومن ذكر بعده فعلوا الحبوة حال الخطبة ما عدا نعيم بن سلامة فإنه قال لا بأس بها، وعلى النسخة الثانية يكون نعيم بن سلامة فعلها أيضًا كمن ذكر قبله فيكون فاعل قال لا بأس بها أبا داود (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا كَرِهَهَا إِلاَّ عُبَادَةُ بْنُ نُسَيٍّ. (ش) غرض المصنف بهذا الصنيع الإشارة إلى تضعيف حديث سهل بن معاذ. ولكن قد علمت مما سبق في شرح حديث سهل بن معاذ أن الحسن وعطاء ومكحولًا والأوزاعي وافقدا عبادة ابن نسيّ في القول بكراهة الاحتباء حال خطبة الجمعة إلا أن العراقي نقل عن الثلاثة الأول القول بالكراهة والقول بعدمها (باب الكلام والإمام يخطب) (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "إِذَا قُلْتَ أَنْصِتْ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ". (ش) (القعنبي) عبد الله بن مسلمة. و (ابن شهاب) محمَّد بن مسلم الزهري. و (سعيد) بن المسيب

أقوال العلماء في ذلك

(قوله (ص) إذا قلت أنصت الخ) بفتح الهمزة أمر من أنصت أي اسكت. وفي رواية البخاري إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب أنصت فقد لغوت. واللغو الكلام الذي لا فائدة فيه وقيل الإثم. وقيل الميل عن الصواب. وتقدم نحوه قى باب فضل الجمعة. والمراد أنه لا ثواب له في جمعته وإن سقط عنه الفرض (وفيه دلالة) على منع الكلام حال خطبة الجمعة مطلقًا لأنه إذا كان الأمر بالمعروف لغوًا فبالأولى غيره من الكلام (وإلى ذلك) ذهب مالك والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد وكثيرون. وللشافعية قولان (أصحهما) وهو المشهور في الجديد لا يحرم ويستحب الإنصات. وحملوا الحديث الباب ونحوه على الكمال (وقال أبو حنيفة) يحرم الكلام ويجب الإنصات إذا خرج الإِمام إلى أن يفرغ من الخطبة. والمراد بخروجه صعوده على المنبر كما قاله الزيلعي (وقال) في شرح المجمع المراد خروجه من الخطبة إن كانت وإلا فالمراد قيامه للصعود على المنبر. واستدل بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا خرج الإِمام فلا صلاة ولا كلام (قال) الكمال ابن الهمام رفعه غريب والمعروف كونه من كلام الزهري رواه مالك في الموطأ قال خروجه يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام. وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي وابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم أنهم كانوا يكرهون الصلاة والسلام بعد خروج الإِمام قال وقول الصحابي حجة فيجب تقليده عندنا إذا لم ينفه شيء من السنة اهـ وأيضًا فمثل هذا لا يقال من قبل الرأي فهو مرفوع حكمًا قال ابن عبد البر عند قول الزهري خروجه يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام هذا يدلّ على أن الأمر بالإنصات وقطع الصلاة ليس برأى وأنه سنة احتج بها ابن شهاب لأنه أخبر عن علم علمه لا عن رأى اجتهده بل هو سنة وعمل مستفيض في زمن عمر وغيره اهـ (وقال) أبو يوسف ومحمد لا بأس بالكلام إذا خرج قبل أن يخطب وإذا نزل قبل أن يكبر (وهذا) كله في حق من سمع الخطبة كان في المسجد أم لا. أما من لم يسمعها بأن كان بعيدًا ففيه خلاف فقال الجمهور يجب الإنصات أيضًا ويحرم الكلام عليه كالسامع وقال أحمد والنخعي لا يحرم (وقالت المالكية) يحرم كلامه إن كان بالمسجد أو رحبته لا خارجهما سدًّا للذريعة لئلا يسترسل الناس حتى يتكلم من يسمع الإِمام (وهذا) كله في الكلام حال الخطبة أما قبل الشروع فيها وبعد صعود الخطيب على المنبر وبعد الفراغ منها فالأكثرون على الجواز (وقال) الشافعي لا بأس أن يتكلم والإمام على المنبر قبل كلام الإِمام فإذا ابتدأ في الكلام لم أحب أن يتكلم حتى يقطع الإِمام الخطبة الآخرة كان قطع الآخرة فلا بأس أن يتكلم حتى يكبر الإِمام وأحسن في الأدب أن لا يتكلم من حين يبتدئُ الإِمام الكلام حتى يفرغ من الصلاة وإن تكلم رجل والإمام يخطب لم أحب ذلك له اهـ ببعض تصرّف (قال الحافظ) واستدلّ بالحديث من منع جميع أنواع الكلام حال الخطبة وبه قال

الجمهور في حق من سمعها وكذا الحكم في حق من لا يسمعها عند الأكثر قالوا وإذا أراد الأمر بالمعروف فليجعله بالإشارة (وأغرب) ابن عبد البر فنقل الإجماع على وجوب الإنصات على من سمعها إلا عن قليل من التابعين. ولفظه: لا خلاف علمته بين فقهاء الأمصار في وجوب الإنصات للخطبة على من سمعها في الجمعة وأنه غير جائز أن يقول لمن سمعه من الجهال يتكلم والإمام يخطب أنصت ونحوها أخذًا بهذا الحديث (وروي) عن الشعبي وناس قليل أنهم كانوا يتكلمون إلا في حين قراءة الإِمام في الخطبة خاصة قال وفعلهم في ذلك مردود عند أهل العلم وأحسن أحوالهم أن يقال إنه لم يبلغهم الحديث اهـ (واختلف) السلف إذا خطب بما لا ينبغي من القول وعلى ذلك يحمل ما نقل عن السلف من الكلام حال الخطبة. والذي يظهر أن من نفى وجوبه أراد أنه لا يشترط في صحة الجمعة بخلاف غيره. ويدل على الوجوب في حق السامع أن في حديث عليّ المشار إليه آنفًا عند أحمد في باب فضل الجمعة ومن دنا من الإِمام فلغا ولم ينصت ولم يستمع كان عليه كفلان من الوزر لأن الوزر لا يترتب على من فعل مباحًا ولو كان مكروهًا كراهة تنزيه (وأما) ما استدلّ به من أجاز مطلقًا من قصة السائل في الاستسقاء ونحوه ففيه نظر لأنه استدلال بالأخصّ على الأعمّ فيمكن أن يخص عموم الأمر بالإنصات بمثل ذلك كأمر عارض في مصلحة عامة كما خص بعضهم منه ردّ السلام لوجوبه (ونقل) صاحب المغني الاتفاق على أن الكلام الذي يجوز في الصلاة يجوز في الخطبة كتحذير الضرير من البئر (وعبارة الشافعي) وإذا خاف على أحدكم لم أر بأسًا إذا لم يفهم عنه بالإيماء أن يتكلم. وقد استثنى من الإنصات في الخطبة ما إذا انتهى الخطيب إلى كل ما لم يشرع مثل الدعاء للسلطان مثلًا بل جزم صاحب التهذيب بأن الدعاء للسلطان مكروه (وقال النووي) محله ما إذا جازف وإلا فالدعاء لولاة الأمور مطلوب اهـ ومحل الترك إذا لم يخف الضرر وإلا فيباح للخطيب إذا خشى على نفسه والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من الفتح باختصار (وقال) الترمذي واختلفوا في ردّ السلام وتشميت العاطس فرخص بعض أهل العلم في ردّ السلام وتشميت العاطس والإمام يخطب وهو قول أحمد وإسحاق (وكره) بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم ذلك وهو قول الشافعي اهـ (وحكى) ابن العربي عن الشافعي موافقة أحمد وإسحاق قال العراقي وهو أولى مما نقله عنه الترمذي وقد صرّح الشافعي في مختصر البويطي بالجواز فقال ولو عطس رجل يوم الجمعة فشمته رجل رجوت أن يسعه لأن التشميت سنة ولو سلم رجل على رجل كرهت ورأيت أن يردّ عليه لأن السلام سنة وردّه فرض هذا لفظه وقال النووي في شرح المهذب إنه الأصح اهـ (وظاهر الحديث) عدم حرمة الكلام في خطبة غير الجمعة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مالك وأحمد والشيخان والنسائي والترمذي وابن ماجه

وأخرجه البيهقي من طريق عقيل عن الزهري بلفظ من قال لصاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت قد لغا وأخرجه من طريق الشافعي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج وأخرجه من طريق ابن عجلان عن أبي الزناد بلفظ إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة فقد لغوت عليك بنفسك (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَأَبُو كَامِلٍ قَالاَ نَا يَزِيدُ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ رَجُلٌ حَضَرَهَا يَلْغُو وَهُوَ حَظُّهُ مِنْهَا وَرَجُلٌ حَضَرَهَا يَدْعُو فَهُوَ رَجُلٌ دَعَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا فَهِىَ كَفَّارَةٌ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِى تَلِيهَا وَزِيَادَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) ". (ش) (رجال الحديث) (مسدد) بن مسرهد. و (أبو كامل) فضيل بن حسين الجحدري. و (حبيب المعلم) بن أبي قريبة ويقال ابن زيد مولى معقل بن يسار. روى عن الحسن وعطاء بن أبي رباح وهشام بن عروة وعمرو بن شعيب. وعنه حماد بن سلمة ويزيد ابن زريع وعبد الوارث بن سعيد. وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة وقال النسائي ليس بالقوي وقال في التقريب صدوق من السادسة. مات سنة خمس وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله يحضر الجمعة ثلاثة نفر) يعني ثلاثة أقسام وأصل النفر اسم لجماعة الرجال من ثلاثة إلى عشرة وقيل من ثلاثة إلى سبعة (قوله يلغو) أي يعبث ويتكلم بما لا يعنيه (قوله وهو حظه منها) أي اللغو نصيبه من حضور الجمعة وليس له نصيب من الأجر (قوله فهو رجل دعا الله الخ) يعني اشتغل بالدعاء حال الخطبة فإن شاء أعطاه ما دعا به وإن شاء منعه عقابا على ما أساء به من اشتغاله بالدعاء عن سماع الخطبة والمراد أنه ليس له حظ من ثواب الجمعة (قوله بإنصات وسكوت) يعني باستماع للخطبة وسكوت عن اللغو. وذكر السكوت بعد الإنصات من ذكر العام بعد الخاص لأن الإنصات سكوت مع استماع والسكوت أعم (قوله ولم يؤذ أحدًا) يعني بنوع من أنواع الأذى وهو من ذكر العام بعد الخاص (قوله فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها) أي كفارة لما يقع منه من الذنوب مبتدئًا من أول جمعته إلى نهايتها مع غفران

باب استئذان المحدث الإمام

ذنوب ثلاثة أيام من الجمعة الأخرى. والمراد أنه إذا وقع منه ذنب في هذه الأيام وقع مغفورًا ويحتمل أن يكون المراد بالجمعة الجمعة التي قبلها فيكون التكفير لما وقع من الذنوب في هذه الأيام ظاهرًا. وتقدم أن المراد بما بين الجمعتين من صلاة الجمعة وخطبتها إلى مثل الوقت من الجمعة الثانية حتى تكون سبعة أيام كاملة فإن كان خاليًا من الذنوب رفع له بها درجات (قوله وذلك بأن الله تعالى يقول من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ذكره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم استشهادًا على ما ذكره من أن حضور الجمعة بهذا الوصف يكفر عشرة أيام (قال) النووي قال العلماء معنى المغفرة له ما بين الجمعتين وثلاثة أيام أن الحسنة بعشرة أمثالها وصار يوم الجمعة الذي فيه الأفع الذي معنى الحسنة التي تجعل بعشرة أمثالها اهـ (فقه الحديث) دل الحديث على التنفير من اللغو حال الخطبة يوم الجمعة، وعلى أنه يطلب عدم الاشتغال بغير سماع الخطبة ولو بالدعاء، وعلى مضاعفة الأجر لمن أنصت وتباعد عن الأذى (وقد جاء) في التنفير من اللغو حال الخطبة أحاديث "منها" ما رواه أحمد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كثل الحمار يحمل أسفارًا والذي يقول له أنصت ليس له جمعة "ومنها" ما رواه أيضًا عن أبي الدرداء قال جلس النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يومًا على المنبر فخطب الناس فتلا آية وإلى جنبي أبيّ بن كعب فقلت له يا أبيّ متى أنزلت هذه الآية فأبي أن يكلمني ثم سألته فأبي أن يكلمني حتى نزل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال له أبيّ مالك من جمعتك إلا ما لغيت فلما انصرف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جئته فأخبرته فقال صدق أبيّ فإذا سمعت إمامك يتكلم فأنصت حتى يفرغ (والحديث) أخرجه ابن خزيمة والبيهقي (باب استئذان المحدث الإِمام) أمطلوب أم لا. وفي بعض النسخ "باب استئذان المحدث للإمام" والأولى أولى لأن الاستئذان يتعدي بنفسه فلا حاجة إلى زيادة اللام (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِصِّيصِيُّ نَا حَجَّاجٌ نَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا أَحْدَثَ أَحَدُكُمْ في صَلاَتِهِ فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ ثُمَّ لْيَنْصَرِفْ". (ش) (حجاج) بن محمَّد الأعور تقدم في الجزء الأول صفحة 95 وكذا (ابن جريج)

المذاهب في ذلك

عبد الملك بن عبد العزيز صفحة 74 (قوله فليأخذ بأنفه) أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأخذ أنفه ليعتقد من رآه أن به رعافُ الا أنه محدث أو قادح في الإِمام ولا يعدّ هذا من الكذب بل من باب الحياء وستر ما لا يحسن إظهاره والتورية بما هو أحسن (قوله ثم لينصرف) يعني من غير أن يتوقف على إذن الإِمام فيناسب الحديث الترجمة (وعلى أن) المحدث لا يستأذن الإِمام جرى أكثر الفقهاء (قال مالك) في الموطأ ليس على من رعف أو أصابه أمر لا بدّ له من الخروج أن يستأذن الإِمام يوم الجمعة إذا أراد أن يخرج اهـ قيل لأن الإذن يشق على الناس ولا سيما مع كثرتهم وكبر المسجد وما في دين الله من حرج (وقال جماعة) من التابعين لا يخرج المحدث في الجمعة حتى يستأذن الإِمام وإذنه أن يشير بيده قال مجاهد (وعن) عطاء قال رأيتهم يستأذنون الإِمام وهو يخطب يشير الرجل بيده ويشير الإِمام ولا يتكلم ذكره البيهقي (واستدلوا) بعموم قوله تعالى (وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) ووضع المحدث يده على أنفه حال خروجه منزّل منزلة استئذانه (لكن) لا دلالة في الآية على ذلك لأنها محمولة على استئذان الجماعة الإِمام في الحرب (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الدارقطني متصلًا من عدّة طرق وأخرجه البيهقي وأخرجه ابن ماجه من طريق عمر بن على وعمر بن قيس عن هشام موصولًا (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا دَخَلَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ". لَمْ يَذْكُرَا عَائِشَةَ. (ش) هكذا في نسخة العيني وفي أكثر النسخ عن هشام عن أبيه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا دخل والإمام يخطب لم يذكرا عائشة. والصواب النسخة الأولى فإنه لا معنى لذكر دخول الرجل والإمام يخطب في هذا الباب. ولعلّ ذكر الدخول سهو من النساخ والصواب إذا أحدث الرجل والإمام يخطب. وغرض المصنف من ذكر هذه العبارة بيان أن حماد بن سلمة وأبا أسامة حماد بن أسامة رويا الحديث مرسلًا عن هشام بدون ذكر عائشة بخلاف رواية ابن جريج السابقة. ولم نقف على من أخرج رواية حماد بن سلمة وأبي أسامة (باب إذا دخل الرجل والإمام يخطب) أيصلى تحية المسجد أم لا (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نَا حَمَّادٌ عَنْ عَمْرٍو -وَهُوَ ابْنُ دِينَارٍ- عَنْ جَابِرٍ أَنَّ

رَجُلًا جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ فَقَالَ "أَصَلَّيْتَ يَا فُلاَنُ". قَالَ لاَ. قَالَ "قُمْ فَارْكَعْ". (ش) (حماد) بن زيد. و (جابر) بن عبد الله (قوله أن رجلًا) هو سليك الغطفانى كما صرّح به في الروايات الآتية (قوله يا فلان الخ) كناية عن اسم الرجل. وقوله فاركع أي صل ركعتين كما هو مصرّح به في الروايات الآتية ففيه إطلاق اسم الجزء على الكل (من أخرج الحديث) أخرجه الشيخان وإبن ماجه والترمذي والدارقطني والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ -الْمَعْنَى- قَالاَ نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالاَ جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ وَرَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ "أَصَلَّيْتَ شَيْئًا". قَالَ لاَ. قَالَ "صَلِّ رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزْ فِيهِمَا". (ش) (رجال الحديث) (إسماعيل بن إبراهيم) بن معمر بن الحسن الهذلي أبو معمر القطيعى بفتح القاف الهروي نزيل بغداد. روى عن إبراهيم بن سعد وابن عيينة وشريك وابن المبارك وغيرهم. وعنه البخاري ومسلم وأبو داود وأبو حاتم وأبو يعلى وجماعة. قال ابن سعد ثقة ثبت صاحب سنة وفضل وخير وقال ابن قانع ثقة ثبت وقال في التقريب ثقة مأمون من العاشرة توفي سنة ست وثلاثين ومائتين. و (الأعمش) سليمان بن مهران (قوله عن أبي سفيان) طلحة ابن نافع الواسطي (قوله وعن أبي صالح) ذكون الزيات وهو معطوف على قوله عن أبي سفيان فالأعمش روى الحديث عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ورواه عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. و (سليك) بالتصغير ابن هدبة وقيل ابن عمرو. و (الغطفاني) بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة بعدها فاء نسبة إلى غطفان بن سعيد بن قيس (وقد صرّح) في هذه الرواية ورواية البخاري ومسلم وغيرهم أن الداخل هو سليك "وما رواه" الطبراني بسنده عن أبي ذرّ أنه أتى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو يخطب فقال لأبي ذرّ صليت ركعتين فقال لا "فليس بصحيح" لأنه من طريق ابن لهيعة وهو ضعيف. على أن ابن حبان روى هذا الحديث عن أبي ذرّ أنه جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو جالس في المسجد "أما ما رواه" الدارقطني عن أنس قال

مشروعية تحية المسجد لمن دخل والإمام يخطب

دخل رجل من قيس المسجد فذكر نحو هذه القصة "فلا ينافي" كونه سليكًا فإن غطفانًا من قيس (قوله تجوّز فيهما) يعني خففهما وأمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالتخفيف ليسمع الخطبة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه ابن ماجه وأخرج مسلم والدارقطني والبيهقي حديث أبي سفيان عن جابر (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ الْوَلِيدِ أَبِي بِشْرٍ عَنْ طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ أَنَّ سُلَيْكًا جَاءَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ زَادَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ قَالَ "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ يَتَجَوَّزُ فِيهِمَا". (ش) (طلحة) بن نافع أبي سفيان المتقدم (قوله فذكر نحوه الخ) أي ذكر الوليد بن مسلم نحو حديث الأعمش وزاد قوله ثم أقبل على الناس فقال إذا جاء أحدكم الخ. ورواية الوليد أخرجها الدارقطني عن طلحة أنه سمع جابر بن عبد الله يقول جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب فجلس قبل أن يصلي فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يصلي ركعتين ثم أقبل على الناس بوجهه فقال إذا جاء أحدكم إلى الجمعة والإمام يخطب فليصلّ ركعتين يتجوّز فيهما (وفي هذه) الزيادة دلالة على أن مشروعية تحية المسجد حال الخطبة عامة لكل داخل وليست خاصة بسليك "فما قاله" بعضهم من أنها واقعة عين لا عموم لها "لا وجه له" لأن الأصل عدم الخصوصية "وما قالوه" من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمره بالصلاة ليراه القوم وهو قائم فيتصدقون عليه مستدلين بما رواه أحمد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن هذا الرجل دخل المسجد في هيئة بذّة فأمرته أن يصلي ركعتين وأنا أرجو أن يفطن له رجل فيتصدق عليه "لا ينافي" جواز التحية حال الخطبة (على أن) من قال بعدم جواز تحية المسجد وقت الخطبة لا يقولون. بجواز التطوع للتصدق (وقال النووي) تأويل أحاديث سليك بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمره ليراه الناس ويتصدّقوا عليه يردّه صريح قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوّز فيهما وهذا نص لا يتطرق إليه تأويل ولا أظن عالمًا يبلغه هذا اللفظ صحيحًا فيخالفه اهـ (فإن قيل) يشكل على قصة سليك قوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) والمراد بالقرآن الخطبة. وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب أنصت فقد لغوت لأنه إذا امتنع الأمر بالمعروف مع قصر زمنه فمنع التشغال بالتحية أولى. وما سيأتي من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للذى يتخطى الرقاب "اجلس" ولم يأمره بالتحية

باب تخطي رقاب الناس يوم الجمعة

وما رواه الطبراني عن ابن عمر مرفوعًا إذا دخل أحدكم والإمام على المنبر فلا صلاة ولا كلام (يجاب) عن الآية بأن الخطبة ليست قرآنًا وما فيها من القرآن يخصص عموم الأمر بالإنصات له بأمر الداخل بالصلاة لحديث سليك فيكون الأمر بالإنصات في حق الجالس "وبهذا يجاب" عن حديث إذا قلت لصاحبك الخ فيكون قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنصت مخصوصًا بالجالس. على أن مصلي التحية يقال له منصت لأنه يقرأ سرًّا كما يؤيده ما تقدم عن أبي هريرة في افتتاح الصلاة قال يا رسول الله أرأيت سكوتك فأطلق على القول سرًّا سكوتًا "وعن حديث" تخطي الرقاب بأنه يحتمل أن يكون ذلك قبل مشروعية تحية المسجد أو أنه لم يأمره بالتحية للإشارة إلى أنها ليست بواجبة أو أنه صلى التحية في مؤخر المسجد ثم تقدم ليسمع الخطبة فوقع منه تخطي الرقاب فأنكر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليه ذلك "وعن حديث" ابن عمر بأنه ضعيف لأنه من طريق أيوب بن نهيك وهو منكر الحديث كما قاله أبو زرعة وأبو حاتم فلا يقوي على معارضة الحديث الصحيح (وبهذا تعلم) أن الراجح مشروعية تحية المسجد حال الخطبة (وقد أجاب) المانعون لها حال الخطبة عن هذا الحديث بأجوبة تقدم بعضها في الجزء الرابع في "باب ما جاء في الصلاة عند دخول المسجد" (باب تخطي رقاب الناس يوم الجمعة) أي في بيان ما يدل على منع تخطي رقاب الناس يوم الجمعة (ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ نَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ قَالَ كُنَّا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ صَاحِبِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَجَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ بُسْرٍ جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ". (ش) (رجال الحديث) (بشر بن السريّ) البصري أبو عمرو. روى عن حماد بن سلمة والثوري وابن المبارك والليث ومسعر وإبراهيم بن طهمان وعدّة. وعنه أحمد ويحيى بن آدم وأبو خيثمة وعلي بن المديني ومحمود بن غيلان وطائفة. وثقه ابن معين والعجلي وابن سعد وقال كان كثير الحديث وقال العقيلي مستقيم الحديث وقال ابن عديّ له غرائب عن الثوري

مذاهب الفقهاء في ذلك

ومسعر وغيرهم وهو حسن الحديث ممن يكتب حديثه ويقع في أحاديثه من النكرة لأنه يروي عن شيخ محتمل فأما هو في نفسه فلا بأس به مات سنة ست وتسعين. روى له الجماعة و (أبو الزاهرية) هو حدير بن كريب. و(عبد الله بن بسر) بضم الموحدة أبي بسر الحمصي روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أبيه. وعنه أبو الزاهرية وخالد بن معدان وصفوان بن عمرو وحريز بن عثمان وغيرهم. توفي سنة ثمان وثمانين أو أربع وتسعين وهو ابن مائة سنة (معنى الحديث) (قوله فقال عبد الله بن بسر جاء رجل الخ) فيه أمر هذا الذي يتخطى الرقاب بالجلوس بطريق الإشارة ولعله لم يأمره أمرًا صريحًا لكونه كان صاحب منزلة فسلك معه الأمر مسلك الأدب وعرّض له بما قاله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لمن تخطى الرقاب ليبادر إلى الامتثال (قوله اجلس فقد آذيت) وفي رواية أحمد والبيهقي فقد آذيت وآنيت أي أبطأت (وظاهر) الحديث يدل على تحريم تخطى الرقاب يوم الجمعة وحكى أبو حامد في تعليقه عن الشافعي التصريح بالتحريم. وعدّه صاحب الهدى من الكبائر (وقال) النووي في زوائد الروضة المختار تحريمه للأحاديث الصحيحة اهـ (وقالت) المالكية يحرم مطلقًا سواء أكان لفرجة أم لا إذا جلس الإِمام على المنبر أما قبل جلوسه فإن كان لسدّ فرجة جاز وإلا كره (ومشهور) مذهب الشافعية الكراهة مطلقًا إلا لفرجة فلا يكره (وكذا) قالت الحنابلة (وقالت) الحنفية لا بأس بالتخطى ما لم يأخذ الإِمام في الخطبة ولم يؤذ أحدًا إلا أن يجد فرجة أمامه فيتخطى للضرورة (وهذه التفاصيل) لا دليل عليها بل الراجح المنع مطلقًا حال الخطبة وغيرها للتأذي الحاصل به إلا إذا كان إمامًا أو كان بين يديه فرجة لا يصلها إلا بالتخطي ولم يجد غيرها (وقد جاء) في التنفير من تخطي الرقاب أحاديث "منها" ما أخرجه ابن ماجه والترمذي عن معاذ بن أنس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرًا إلى جهنم قال الترمذي حديث غريب والعمل عليه عند أهل العلم اهـ واتخذ بالبناء للمفعول بمعنى أنه يجعل جسرًا على طريق جهنم يمرّ عليه مجازاة له بمثل عمله وبالبناء للفاعل بمعنى أنه اتخذ لنفسه بصنيعه ذلك طريقًا يؤديه إلى جهنم "ومنها" ما أخرجه أحمد والطبراني في الكبير عن أرقم بن أرقم المخزومي أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال الذي يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة ويفرّق بين اثنين بعد خروج الإِمام كالجارّ قصبه في النار "وقصب بضم القاف وسكون الصاد المهملة جمعه أقصاب وهي الأمعاء" "ومنها" ما أخرجه الطبراني في في الأوسط عن أنس قال بينما رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب إذ جاء رجل يتخطى رقاب الناس حتى جلس قريبًا من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلا قضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله

باب الرجل ينعس والإمام يخطب

وسلم صلاته قال ما منعك يا فلان أن تجمع معنا قال يا رسول الله حرصت أن أضع نفسي بالمكان الذي ترى قال قد رأيتك تتخطى رقاب الناس وتؤذيهم من آذى مسلمًا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله عَزَّ وَجَلَّ (وظاهر) التقييد في بعض الروايات بيوم الجمعة أن عدم جواز تخطي الرقاب مختص به فلو تخطى في غير يوم الجمعة فلا حرج. ويحتمل أن التقييد به خرج مخرج الغالب لكثرة الناس فيه فيكون سائر الصلوات مثل الجمعة في عدم جواز التخطي (وهذا) هو الظاهر لوجود العلة التي هي الأذى (قال في النيل) ظاهر هذا التعليل أن ذلك يجري في مجالس العلم وغيرها ويؤيده ما أخرجه الديلمى في مسند الفردوس من حديث أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من تخطى حلق قوم بغير إذنهم فهو عاص لكن في إسناده جعفر بن الزبير قد كذبه شعبة وتركه الناس اهـ "ولا يشكل" على هذا ما رواه البخاري والنسائي عن عقبة ابن الحارث قال صليت وراء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالمدينة العصر ثم قام مسرعًا فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه ففزع الناس من سرعته فخرج عليهم فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته فقال ذكرت شيئًا من تبر كان عندنا فكرهت أن يحبسنى فأمرت بقسمته "لأن فعله" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يعارض قوله الخاص بنا. على أن تخطيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يتضرّر منة مؤمن بل يسرّ به ولذا خصّ بعضهم عدم جواز التخطي بغير من يتبرّك الناس بمروره (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والنسائي والبيهقي وأخرجه ابن ماجه من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جابر باب الرجل ينعس والإمام يخطب أي في بيان ما يطلب ممن ينعس والإمام يخطب (ص) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ عَبْدَةَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ في الْمَسْجِدِ فَلْيَتَحَوَّلْ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ". (ش) (عبدة) بن سليمان تقدم في الجزء الثالث صفحة 102. و (ابن إسحاق) هو محمَّد في الأول صفحة 57 (قوله إذا نعس) من باب قتل من النعاس وهو أول النوم وهو ريح لطيف يأتي من قبل الدماغ يغطي العين ولا يصل إلى القلب فإذا وصله كان نومًا (قوله فليتحول من مجلسه الخ) الحكمة في أمره له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالانتقال لأن الحركة

باب الإمام يتكلم بعد ما ينزل من المنبر

تذهب النعاس أولأن المكان الذي أصابه فيه النوم فيه شيطان كما يؤيده ما تقدم في رواية مسلم من أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للصحابة بالانتقال من الوادى الذي ناموا فيه عن صلاة الفجر وقال إن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان. ومن جلس ينتظرالصلاة فهو في صلاة والنعاس فيها من الشيطان فكان الأمر بالتحول لإذهاب ما هو منسوب إلى الشيطان من حيث غفلة الجالس في المسجد عن الذكر أوسماع الخطبة أو ما فيه منفعة "ولا يقال" إن الانتقال وقت الخطبة عمل منهيّ عنه لما فيه من الاشتغال عن سماع الخطبة المأمور به فلا يشمله الحديث "لأن" انتقال الناعس يؤدي إلى ذهاب نعاسه فيتنبه للخطبة ولذلك أمره الشارع بالتحوّل. وترجم المصنف على الحديث بالترجمة المذكورة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والبيهقي والترمذي وقال حديث حسن صحيح "ولا ينافي" تصحيح الترمذي له عنعنة محمَّد بن إسحاق "فإنه قد رواه" البيهقي عن سعيد الأنصاري عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا نعس أحدكم في الصلاة في المسجد يوم الجمعة فليتحوّل من مجلسه إلى غيره "قال البيهقي" ولا يثبت رفع هذا الحديث والمشهور عن ابن عمر من قوله "أخبرنا" أبو زكريا بن أبي إسحاق وغيره قالوا ثنا أبو العباس محمَّد بن يعقوب أنبأ الربيع بن سليمان أنبأ الشافعي أنبأ سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال كان ابن عمر يقول للرجل إذا نعس يوم الجمعة والإمام يخطب أن يتحوّل منه "قال البيهقي" وقد روى من وجه آخر عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (باب الإِمام يتكلم بعد ما ينزل من المنبر) يعني وقبل أن يدخل في الصلاة (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ جَرِيرٍ -هُوَ ابْنُ حَازِمٍ لاَ أَدْرِي كَيْفَ قَالَهُ مُسْلِمٌ أَوْ لاَ- عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَنْزِلُ مِنَ الْمِنْبَرِ فَيَعْرِضُ لَهُ الرَّجُلُ فِى الْحَاجَةِ فَيَقُومُ مَعَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي. قَالَ أَبُو دَاوُدَ الْحَدِيثُ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ عَنْ ثَابِتٍ هُوَ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ. (ش) (قوله لا أدري كيف قاله مسلم أولا) أي لا أدري أقال مسلم لفظ وهو ابن حازم أم لا فكيف استفهام بمعنى الهمزة. ويحتمل أن يكون المستفهم عنه محذوفًا والهمزة مقدّرة

أقوال الأئمة في ذلك

قبل قال أي قال لا أدري كيف الأمر أقاله مسلم أولا (قوله فيعرض له الرجل في الحاجة الخ) يعني يتكلم معه في حاجته وينتظر معه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قائمًا حتى يفرغ من كلامه. وفي رواية النسائي فيعرض له الرجل فيكلمه (قوله ثم يقوم فيصلي) وفي رواية النسائي ثم يتقدم إلى مصلاه فيصلي (وفي هذا) دلالة على جواز كلام الإِمام بعد الفراغ من الخطبة وقبل الشروع في الصلاة وبه قال عطاء وطاوس والزهري وبكر المزني والنخعي ومالك والشافعي وإسحاق ويعقوب ومحمد والهادوية وروي ذلك عن ابن عمر (وقال ابن العربي) الأصح عندي أن لا يتكلم بعد الخطبة لأن مسلمًا قد روى أن الساعة التي في يوم الجمعة هي من حين يجلس الإِمام على المنبر إلى أن تقام الصلاة فينبغي أن يتجرّد للذكر والتضرّع اهـ "ولا ينافي" حديث الباب الأحاديث الواردة في الإنصات حتى تنقضي الصلاة كما في رواية النسائي من حديث سلمان بلفظ فينصت حتى يقضي صلاته وعند أحمد بإسناد صحيح من حديث نبيشة وفيه فاستمع وأنصت حتى يقضي الإِمام جمعته "لأن" حديث الباب محمول على أن الكلام لحاجة (قوله والحديث ليس بمعروف عن ثابت) غرضه بهذا بيان أن الحديث مطعون فيه بأنه لم يعرف عن ثابت بهذا اللفظ قال الترمذي سمعت محمدًا "يعني البخاري" يقول وهم جرير بن حازم في هذا الحديث والصحيح ما روى عن ثابت عن أنس قال أقيمت الصلاة فأخذ رجل بيد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فما زال يكلمه حتى نعس بعض القوم (قوله وهو مما تفرّد به جرير ابن حازم) يعني تفرّد بروايته جرير بن حازم عن ثابت وهو قد يهم في الشيء وهو صدوق قال البخاري وهم جرير بن حازم في حديث ثابت عن أنس عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني قال البخاري يروي عن حماد بن زيد قال كنا عند ثابت البناني فحدث حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني فوهم جرير فظن أن ثابتًا حدثهم عن أنس عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ من الترمذي. ولعل المصنف والترمذي يشيران إلى أن القصة كانت في العشاء لا في صلاة الجمعة ويؤيده ما رواه البيهقي من طريق حماد بن سلمة وعمارة عن ثابت عن أنس قال أقيمت صلاة العشاء فقال رجل لي حاجة فقام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يناجيه حتى نام القوم أو بعض القوم وما رواه مسلم من طريق حجاج عن ثابت قال أقيمت الصلاة صلاة العشاء الآخرة "الحديث" وبهذا يندفع ما جمع به العراقي بين روايتى المصنف والترمذي من أن المراد من قول الترمذي أقيمت الصلاة صلاة الجمعة وبعد نزوله عن المنبر (والحديث) أخرجه النسائي وابن ماجه والبيهقي والترمذي وقال لا نعرفه إلا من حديث جرير بن حازم

باب من أدرك من الجمعة

(باب من أدرك من الجمعة ركعة) (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ". (ش) (أبو سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف تقدم في الجزء الأول صفحة 24 (قوله من أدرك ركعة من الصلاة) يعني صلاة الجمعة كما صرّح به في رواية الدارقطني والبيهقي وفيها من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى فيكون فيه حمل المطلق على المقيد وبهذا يناسب الحديث الترجمة ويحتمل إبقاء الحديث على إطلاقه فيعمّ جميع الصلوات حتى الجمعة فيكون أيضًا مناسبًا للترجمة. يؤيد ذلك ما رواه البيهقي من طريق معمر عن الزهري قال قال الزهري والجمعة من الصلاة هذا هو الصحيح قال البيهقي وهو رواية الجماعة عن الزهري (وفي رواية) معمر دلالة على أن لفظ الحديث في الصلاة مطلق وأنها بعمومها تتناول الجمعة كما تتناول غيرها من الصلوات (قوله فقد أدرك الصلاة) المراد أدرك فضل الجماعة بإدراك ركعة مع الإِمام أو أدرك حكمها في الأداء فيكون من أدرك ركعة في الوقت فقد أدركها أداء ولو أتمها خارج الوقت أو المراد أدرك وجوبها فيكون الحديث محمولًا على أربابه الأعذار فمن زال عذره من نحو حيض أو جنون وقد بقي من الوقت مقدار ما يسع ركعة فقد وجبت عليه تلك الصلاة فالحديت مصروف عن ظاهره إجماعًا للاتفاق على أن من أدرك ركعة من الصلاة لم يكن مدركًا الصلاة بتمامها. وتقدم نحو هذا الحديث في باب وقت العصر (وظاهره) أن من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة تمامها ومن لم يدرك ركعة فليتمها أربعًا لما رواه البيهقي عن ابن مسعود قال إذا أدركت ركعة من الجمعة. فأضف إليها أخرى فإذا فاتك الركوع فصل أربعًا وما رواه عن ابن عمر قال إذا أدركت من الجمعة ركعة فأضف إليها أخرى وإن أدركتهم جلوسًا فصل أربعًا وم ارواه أيضًا والدارقطني عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى فإن أدركهم جلوسًا صلى أربعًا (وبهذا) قالت الشافعية والمالكية وأحمد ومحمد من الحنفية وإسحاق وأبو ثور والزهري والأوزاعي والثوري وابن مسعود وابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب والأسود وعلقمة والحسن البصري وعروة بن الزبير والنخعي وابن المنذر (وقال) عطاء وطاوس ومجاهد ومكحول من لم يدرك الخطبة لا يكون مدركًا للجمعة

باب ما يقرأ في الجمعة

فيصلي أربعًا (والحديث) حجة عليهم (وقال) الحكم وحماد الجمعة تدرك بإدراك التشهد فمن أدرك مع الإِمام التشهد فقد أدرك الجمعة فيصلي بعد سلام الإِمام ركعتين وتمت جمعته وكذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف تدرك بإدراك التشهد "مستدلين" بما رواه الشيخان وغيرهما من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا قالا وهو بعمومه يشمل مدرك التشهد الأخير قبل السلام فإنه يجب عليه بهذا الحديث أن يتم الصلاة التي أحرم بها بل قالا إذا أدرك الإِمام في سجود السهو يتمها جمعة (ولكن) عموم الحديث مخصوص بما تقدم عن البيهقي والدارقطني من أن من لم يدرك ركعة من الجمعة صلاها أربعًا فهو حجة عليهم وحديث الباب حجة عليهم أيضًا لأن مدرك التشهد لا يقال إنه أدرك ركعة. وبالأولى من أدرك سجود السهو (واختلف) فيمن أدرك من الجمعة دون ركعة هل يدخل مع الإِمام بنية الجمعة ويتمها بعد سلامه جمعة (وبه قالت) الحنفية كما علمته (وقالت) الشافعية ومحمد من الحنفية يدخل بنية الجمعة ويتمها ظهرًا (وقالت) الحنابلة إن نواها ظهرًا وكان بعد الزوال أتمها ظهرًا وإلا بأن نواها جمعة أو كانت قبل الزوال حسبت له نافلة (وقالت) المالكية ينوي جمعة ويتمها ظهرًا. وهل يستأنف إحرامًا جديدًا أو يبني على تلك النية خلاف قال أبو القاسم في تفريعه الاختيار أن يبتدئَ تكبيرة أخرى للإحرام اهـ (من أخرح الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي وأخرجه النسائي وابن ماجه والترمذي والبيهقي من طريق سفيان عن الزهري وأخرجه أيضًا البيهقي والدارقطني من طرق أخرى عنه (باب ما يقرأ في الجمعة) وفي بعض النسخ باب ما يقرأ به في الجمعة (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْرَأُ فِى الْعِيدَيْنِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ بِـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) وَ (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) قَالَ وَرُبَّمَا اجْتَمَعَا فِى يَوْمٍ وَاحِدٍ فَقَرَأَ بِهِمَا. (ش) (أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله الواسطي تقدم في الجزء الأول صفحة 91 (قوله كان يقرأ في العيدين الخ) أي كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في صلاة العيدين وصلاة الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى في الركعة الأولى منهما وفي الثانية هل أتاك حديث الغاشية (قوله قال الخ) أي قال النعمان بن بشير وربما اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد فيقرأ بالسورتين

المذكورتين في صلاة العيد وصلاة الجمعة. وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرؤهما في هاتين الصلاتين الجامعتين لاشتمالهما على العلوم والخير وتذكير أحوال الآخرة والوعد والوعيد (والحديث) أخرجه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي والبيهقي وأخرجه أيضًا عن سمرة بن جندب (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ سَأَلَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ مَاذَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى إِثْرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ كَانَ يَقْرَأُ (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ). (ش) (رجال الحديث) (ضمرة بن سعيد) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم ابن عمرو بن غزية ابن عمرو الأنصاري المازني. روى عن أبي سعيد الخدري وأنس والحجاج بن عمرو وأبي بشر المازني. وعنه ابنه موسى وابن عيينة وفليح بن سليمان وغيرهم. وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي وابن حبان والعجلي وقال في التقريب ثقة من الرابعة (معنى الحديث) (قوله أن الضحاك بن قيس الخ) هكذا في رواية للبيهقي وفي رواية له ولمسلم قال كتب الضحاك بن قيس إلى النعمان بن بشير يسأله. فقد بين عبيد الله بن عبد الله في هذه الرواية أن السؤال المذكور في حديث الباب كان بالكتابة (قوله على إثر سورة الجمعة) يعني عقب قراءة سورة الجمعة في الركعة الأولى. وفيه إشارة إلى أن قراءتها في صلاة الجمعة كانت مشهورة فلذا لم يسأل عنها (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مالك في الموطأ وأحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ نَا سُلَيْمَانُ -يَعْنِي ابْنَ بِلاَلٍ- عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ صَلَّى بِنَا أَبُو هُرَيْرَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَفِى الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ) قَالَ فَأَدْرَكْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ حِينَ انْصَرَفَ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّكَ قَرَأْتَ بِسُورَتَيْنِ كَانَ عَلِىٌّ يَقْرَأُ بِهِمَا بِالْكُوفَةِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ بِهِمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ.

أقوال العلماء فس الأفضل من ذلك. وبيان الحكمة في قراءة سورة الجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة

(ش) (جعفر) الصادق ابن محمَّد الباقر تقدم في الجزء الثاني صفحة 211 وكذا أبوه محمَّد الباقر صفحة 212 و(وابن أبي رافع) هو عبيد الله مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الخامس صفحة 150 (قوله صلى بنا أبوهريرة) وفي رواية ابن ماجه والبيهقي عن عبيد الله بن أبي رافع قال استخلف مروان أبا هريرة على المدينة فخرج إلى مكة فصلى بنا أبوهريرة الخ (قوله فإني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) جواب لسؤال فكأن أبا رافع قال سمعتك تقرأ في الجمعة بما قرأ به عليّ فهل لذلك من أصل قال أبوهريرة إني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ بهما "والحكمة" في قراءة سورة الجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة ما تضمنته الأولى من الأحكام المناسبة للجمعة ومن الثناء على المؤمنين وما فيها من بيان فضيلة بعثته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة والحث على ذكرالله تعالى. وما في الثانية من توبيخ المنافقين على عدم التوبة وعدم إتيانهم الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليستغفرلهم ومن الموعظة البليغة في قوله تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ... الآية) (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْرَأُ فِى صَلاَةِ الْجُمُعَةِ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) وَ (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ). (ش) (رجال الحديث) (زيد بن عقبة) الفزاري الكوفي. روى عن سمرة بن جندب. وعنه ابنه سعد وعبد الملك بن نمير وسعيد بن خالد. قال العجلي تابعي ثقة ووثقه النسائي وابن حبان. و(سمرة بن جندب) الصحابي تقدم في الجزء الثالث صفحة 136 (معنى الحديث) (قوله كان يقرأ في صلاة الجمعة الخ) تقدم بيانه. وأحاديث الباب كلها تدلّ على أن السنة أن يقرأ الإِمام في صلاة الجمعة في الركعة الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية هل أتاك حديث الغاشية أو يقرأ في الأولى سورة الجمعة والثانية هل أتاك حديث الغاشية أو يقرأ في الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين (واختلف) في الأفضل "فاختار" الشافعي وأحمد أن يقرأ في الركعة الأولى الجمعة وفي الثانية بالمنافقين "واختار مالك" أن يقرأ الجمعة في الأولى وفي الثانية بالغاشية (وقالت) الحنفية يقرأ الإِمام بما شاء في الجمعة كغيرها. وقد ثبتت هذه الروايات كلها فلا وجه لتفضيل بعض الكيفيات على بعض (والحديث) أخرجه أحمد والنسائي والبيهقي

باب الرجل يأتم بالإمام وبينهما جدار

(باب الرجل يأتمّ بالإمام وبينهما جدار) أي في بيان ما يدلّ على صحة اقتداء الذي يأتمّ بالإمام وبينهما حائط (ص) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِى حُجْرَتِهِ وَالنَّاسُ يَأْتَمُّونَ بِهِ مِنْ وَرَاءِ الْحُجْرَةِ. (ش) (هشيم) بالتصغير بن بشير تقدم في الجزء الأول صفحة 201 و (عمرة) بنت عبد الرحمن في الثالث صفحة 82 (قوله في حجرته) يعني في حجرة بيته كما يدلّ له ما في رواية البخاري عن عائشة أيضًا وفيها وجدار الحجرة قصير فرأى الناس شخص النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وما رواه أبو نعيم في الحلية عن حماد بن زيد عن يحيى بلفظ كان يصلي في حجرة من حجر أزواجه. ويحتمل أنها الحجرة التي كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم احتجرها بالحصير في المسجد كما في رواية البخاري عن عائشة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان له حصير يبسطه بالنهار ويحتجره بالليل "والأول" أقرب لموافقته للترجمة وهو المراد هنا (قوله والناس يأتمون به من وراء الحجرة) فيه دلالة على جواز اقتداء المأموم بالإمام وبينهما حائل وللفقهاء في ذلك تفاصيل (فقالت) الشافعية إن كان المأموم والإمام في المسجد وحالت بينهما أبنية صحت القدوة إن علم المأموم بانتقالات الإِمام وإن بعدت المسافة يينهما وأمكن وصول المأموم الإِمام ولو بانحراف عن القبلة. وإن كان بغير المسجد فيشترط أن لا يزيد ما بين الإِمام والمأموم وبين كل صف وآخر على ثلثمائة ذراع بشرط أن لا يكون بينهما حائل يمنع المرور والرؤية باتفاق أو يمنع أحدهما على الأصح. قالوا ويغتفر الشارع المطروق والنهر ولو احتاج إلى سباحة (وقالت الحنابلة) إن كان المأموم والإمام في المسجد وكان المأموم يعلم انتقالات الإِمام برؤية أوسماع صوت صحت القدوة وإلا فلا. وإن كانا خارج المسجد أو كان المأموم وحده خارجه صحت القدوة إن رأى الإِمام أو من خلفه ولو كانت الرؤية مما لا يمكن الاستطراق منه كشباك ولو زادت المسافة بينهما على ثلثماثة ذراع (وقالت المالكية) العبرة بضبط حركات الإِمام أو حركات من خلفه برؤية أوسماع لا فرق بين المسجد وغيره (وقالت الحنفية) يمنع الحائل القدوة إن اشتبه حال الإِمام على المأموم إنا كانا بمكان واحد ويمنع إن كانا بمكانين مطلقًا اشتبه حال الإِمام على المأموم أم لا (والظاهر) أن المدار على ضبط المأموم أحوال

باب الصلاة بعد الجمعة

الإِمام (ولا دليل) على ما ذكروه من اعتبار تلك الأذرع أو نحوها (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي وكذا البخاري بنحوه (باب الصلاة بعد الجمعة) (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ -الْمَعْنَى- قَالاَ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ نَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِى مَقَامِهِ فَدَفَعَهُ وَقَالَ أَتُصَلِّي الْجُمُعَةَ أَرْبَعًا وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُصَلِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِى بَيْتِهِ وَيَقُولُ هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. (ش) (أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني تقدم في الجزء الأول صفحة 257 وكذا (نافع) مولى ابن عمر صفحة 66 (قوله رأى رجلًا يصلي ركعتين الخ) أي يصلي ركعتين بعد صلاة الجمعة في مكانه الذي صلى فيه الجمعة فمنعه وأنكر عليه صلاته النافله بمكان الجمعة موصولة بها لما تقدم من كراهة النافلة من المكتوبة. ولما في الحديث بعده أن نبى الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر أن لا توصل صلاة بصلاة حتى يتكلم أو يخرج (قوله وكان عبد الله يصلي يوم الجمعة الخ) أي قال نافع كان عبد الله بن عمر يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته مستندًا في ذلك لفعل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا إِسْمَاعِيلُ أَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُطِيلُ الصَّلاَةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَيُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ فِى بَيْتِهِ وَيُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. (ش) (إسماعيل) بن إبراهيم المعروف بابن علية (قوله كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة الخ) استدل به الشافعية على أن الجمعة لها سنة قبلية واستدلوا أيضًا بما رواه الشيخان عن عبد الله بن مغفل مرفوعًا بين كل أذانين صلاة. وبما رواه ابن ماجه عن ابن عباس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي قبل الجمعة أربعًا لا يفصل في شيء منهن. وبما رواه الترمذي أن عبد الله بن مسعود كان يصلي قبل الجمعة أربعًا. واستدلوا أيضًا بقياس

الجمعة على الظهر. لكن لا دلالة لهم في هذا كله (أما حديث) الباب فقول ابن عمر فيه إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يفعل ذلك أي يطيل الصلاة قبل الجمعة ويركع ركعتين بعدها في بيته. والمراد بقوله كان يطيل الصلاة قبل الجمعة قبل الزوال لا بعده وذلك أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا زالت الشمس خرج من حجرته ودخل المسجد وصعد المنبر وأخذ المؤذن في الأذان فإذا انتهى شرع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الخطبة بدون فصل "فقد روى" النسائي بسنده إلى السائب بن يزيد قال كان بلال يؤذن إذا جلس رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المنبر يوم الجمعة فإذا نزل أقام ثم كان كذلك في زمن أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما "وروى الشافعي" في الأم قال أخبرني الثقة عن الزهري عن السائب بن يزيد أن الأذان كان أوله للجمعة حين يجلس الإِمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر وعمر فلما كانت خلافة عثمان وكثر الناس أمر عثمان بأذان ثان فأذن به "وتقدم" نحوه للمصنف في باب النداء يوم الجمعة "وقال الشافعي" في الأم وأحب أن يكون الأذان يوم الجمعة حين يدخل الإِمام المسجد يجلس على موضعه الذي يخطب عليه خشب أو جريد أو منبر أو شيء مرفوع له أو الأرض فإذا فعل أخذ المؤذن في الأذان فإذا فرغ قام فخطب لا يزيد عليه اهـ ويحتمل أن اسم الإشارة فيه عائد على صلاة الركعتين بعد الجمعة في بيته فقط كما تدلّ عليه الرواية السابقة ورواية مسلم من طريق الليث عن نافع عن عبد الله أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته ثم كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصنع ذلك (وقد ورد) أن ابن عمر كان يصلي قبل الجمعة ثنتى عشرة ركعة كما ذكره أبو شمامة عن ابن المنذر "وأما قوله" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين كل أذانين صلاة فهو عام مخصوص بغير الجمعة لفعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المذكور "وأما" ما رواه ابن ماجه عن ابن عباس من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي قبل الجمعة أربعًا لا يفصل في شيء منهنّ "فإسناده مسلسل" بالضعفاء ففيه بقية بن الوليد مدلس ومبشر بن عبيد كذاب منكر الحديث وحجاج بن أرطأة مدلس وعطية متفق على ضعفه فلا يصح الاحتجاج به. وعلى فرض صحته فيحمل على ما قبل الزوال "وأما أثر" ابن مسعود عند الترمذي "فالأربعة" قبلها فيه محمولة على النفل المطلق قبل دخول الوقت كما ذكر في حديث ابن عمر "وأما قياسهم" الجمعة على الظهر "فهو قياس" في مقابلة النص فلا يعوّل عليه (وبهذا) تعلم سقوط قول من قال إن الجمعة مقصورة من الظهر فيطلب لها سنة قبلها كالظهر إذ لوكان كما ذكر لفعلها صلى الله عليه وآله وسلم "فإن قيل" لعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى سنة الجمعة في بيته بعد زوال الشمس ثم خرج "قيل" لو فعل ذلك لنقله أزواجه كما نقلن سائر صلواته في بيته ليلًا ونهارًا. وحيث لم ينقل

شيء من ذلك دل على أنه غير مشروع (قال الإِمام) أبو شامة الشافعي شيخ النووي في كتابه الباعث على إنكار البدع والحوادث جرت عادة الناس أنهم يصلون بين الأذانين يوم الجمعة متنفلين بركعتين أو أربع ونحو ذلك إلى خروج الإِمام وذلك جائز ومباح وليس بمنكر من جهة كونه صلاة وإنما المنكر اعتقاد العامة منهم ومعظم المتفقهة منهم أن ذلك سنة للجمعة قبلها كما يصلون السنة قبل الظهر ويصرّحون في نيتهم بأنها سنة الجمعة وكل ذلك بمعزل عن التحقيق والجمعة لا سنة لها قبلها وهي صلاة مستقلة بنفسها حتى قال بعض الناس هي الصلاة الوسطى وهو الذي يترجح في ظني لما خصها الله تعالى به من الشرائط والشعائر (والدليل) على أنه لا سنة لها قبلها أن المراد من قولنا الصلاة المسنونة إنها منقولة عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قولًا وفعلًا والصلاة قبل الجمعة لم يأت منها شيء عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدل على أنه سنة ولا يجوز القياس في شرعية الصلوات اهـ ملخصًا وقد أطال الكلام رحمه الله في ذلك فراجعه إن شئت (وقال في الهدى) النبوى كان إذا فرغ بلال من الأذان أخذ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الخطبة ولم يقم أحد يركع ركعتين ألبتة ولم يكن الأذان إلا واحدًا وهذا يدل على أن الجمعة كالعيد لا سنة لها قبلها وهذا أصح قولي العلماء وعليه تدل السنة فإن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يخرج من بيته فإذا رقي المنبر أخذ بلال في أذان الجمعة فإذا أكمله أخذ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الخطبة من غير فصل وهذا كان رأى عين فمتى كانوا يصلون السنة. ومن ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلال من الأذان قاموا كلهم فركعوا ركعتين فهو أجهل الناس بالسنة. وهذا الذي ذكرناه من أنه لا سنة قبلها هو مذهب مالك رحمه الله وأحمد رحمه الله تعالى في المشهور عنه واحد الوجهين لأصحاب الشافعي. والذين قالوا إن لها سنة منهم من احتج أنها ظهر مقصورة فيثبت لها أحكام الظهر وهذه حجة ضعيفة جدًا فإن الجمعة صلاة مستقلة بنفسها تخالف الظهر في الجهر والعدد والخطبة والشروط المعتبرة لها وتوافقها في الوقت. وليس إلحاق مسألة النزاع بمورد الاتفاق أولى من إلحاقها بموارد الافتراق بل إلحاقها بموارد الافتراق أولى لأنها أكثرها مما اتفقا فيه (ومنهم) من أثبت السنة لها هنا بالقياس على الظهر وهو أيضًا قياس فاسد فإن السنة ما كانت ثابتة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من قول أو فعل أوسنة خلفائه الراشدين وليس في مسألتنا شيء من ذلك ولا يجوز إثبات السنن في مثل هذا بالقياس لأن هذا مما انعقد سبب فعله في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإذا لم يفعله ولم يشرعه كان تركه هو السنة (ومنهم) من احتج بما ذكره البخاري في صحيحه فقال "باب الصلاة قبل الجمعة وبعدها" حدثنا عبد الله بن يوسف أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها

ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته وقبل العشاء ركعتين وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين "وهذا لا حجة فيه" ولم يرد به البخاري إثبات السنة قبل الجمعة وإنما مراده أنه هل ورد في الصلاة قبلها أو بعدها شيء ثم ذكر هذا الحديث أي أنه لم يرو عنه فعل السنة إلا بعدها ولم يرد قبلها شيء (وقد ظن) بعضهم أن الجمعة لما كانت بدلًا عن الظهر وقد ذكر في الحديث السنة قبل الظهر وبعدها دل على أن الجمعة كذلك وإنما قال وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف بيانًا لموضع صلاة السنة بعد الجمعة فإنه بعد الانصراف وهذا الظن غلط منه لأن البخاري قد ذكر في باب التطوع بعد المكتوبة حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سجدتين قبل الظهر وسجدتين بعد الظهر وسجدتين بعد المغرب وسجدتين بعد العشاء وسجدتين بعد الجمعة فهذا صريح في أن الجمعة عند الصحابة صلاة مستقلة بنفسها غير الظهر وإلا لم يحتج إلى ذكرها لدخولها تحت اسم الظهر فلما لم يذكر لها سنة إلا بعدها علم أنها لا سنة لها قبلها (ومنهم) من احتج بما رواه ابن ماجه في سننه عن أبي هريرة وجابر قال جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب فقال له أصليت ركعتين قبل أن تجئ قال لا قال فصلّ ركعتين وتجوّز فيهما وإسناده ثقات (قال) أبو البركات تقي الدين وقوله قبل أن تجيء يدلّ على أن هاتين الركعتين سنة الجمعة وليست تحية المسجد (قال) شيخنا حفيده أبو العباس وهذا غلط والحديث المعروف في الصحيحين عن جابر قال دخل رجل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب فقال أصليت قال لا قال فصلّ ركعتين وقال إذا جاء أحدكم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوّز فيهما فهذا هو المحفوظ في هذا الحديث. وأفراد ابن ماجه في الغالب غير صحيحة هذا معنى كلامه (وقال) شيخنا أبو الحجاج الحافظ المزّي هذا تصحيف من الرواة وإنما هو أصليت قبل أن تجلس فغلط فيه الناسخ "يعني فقال قبل أن تجيء بدل قبل أن تجلس" قال وكتاب ابن ماجه إنما تداولته شيوخ لم يعتنوا به بخلاف صحيح البخاري ومسلم فإن الحفاظ تداولوهما واعتنوا بضبطهما وتصحيحهما قال ولذلك وقع فيه أغلاط وتصحيف "قلت" ويدلّ على صحة هذا أن الذين اعتنوا بضبط سنن الصلاة قبلها وبعدها وصنفوا في ذلك من أهل الأحكام والسنن وغيرها لم يذكر واحد منهم هذا الحديث في سنة الجمعة قبلها وإنما ذكروه في استحباب فعل تحية المسجد والإمام على المنبر واحتجوا به على منع من فعلها في هذه الحال فلو كانت هي سنة لكان ذكرها هناك والترجمة عليها وحفظها وشهرتها أولى من تحية المسجد ويدل عليه أيضًا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يأمر بهاتين الركعتين إلا الداخل لأجل أنها تحية المسجد ولو كانت سنة الجمعة لأمر القاعدين أيضًا ولم يخص بها الداخل وحده (ومنهم) من احتج بما رواه أبو داود

في سننه قال حدثنا مسدد قال حدثنا إسماعيل أخبرنا أيوب عن نافع قال كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين في بيته ويحدث أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يفعل ذلك (وهذا) لا حجة فيه على أن للجمعة سنة قبلها وإنما أراد بقوله إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يفعل ذلك أنه كان يصلي الركعتين بعد الجمعة في بيته لا يصليهما في المسجد وهذا هو الأفضل فيهما كما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته. وفي السنن عن ابن عمر أنه إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ثم تقدم فصلى أربعًا وإذا كان بالمدينة صلى الجمعة ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين ولم يصلّ بالمسجد فقيل له فقال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعل ذلك (وأما إطالة) ابن عمر الصلاة قبل الجمعة فإنه تطوع مطلق وهذا هو الأولى لمن جاء إلى الجمعة أن يشتغل بالصلاة حتى يخرج الإِمام كما تقدم من حديث أبي هريرة ونبيشة الهذلي عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أبوهريرة من اغتسل يوم الجمعة ثم أتى المسجد. فصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ الإِمام من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام هكذا كان هدى الصحابة رضي الله تعالى عنهم (قال ابن المنذر) روينا عن ابن عمر أنه كان يصلي قبل الجمعة ثنتى عشر ركعة (وعن) ابن عباس أنه كان يصلي ثمان ركعات (وهذا دليل) على أن ذلك كان منهم من باب التطوع المطلق ولذلك اختلف في العدد المروى عنهم في ذلك (وقال الترمذي) في الجامع وروي عن ابن مسعود أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعًا وبعدها أربعًا وإليه ذهب ابن المبارك والثوري (ومنهم) من احتج على ثبوت السنة قبلها بما رواه ابن ماجه في سننه حدثنا محمَّد بن يحيى حدثنا يزيد ابن عبد ربه حدثنا بقية عن مبشر بن عبيد عن حجاج بن أرطأة عن عطية العوفي عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يركع قبل الجمعة أربعًا "الحديث" قال ابن ماجه باب الصلاة قبل الجمعة فذكره (وهذا الحديث) فيه عدة بلايا "إحداها" بقية بن الوليد إمام المدلسين وقد عنعنه ولم يصرّح بالسماع "الثانية" مبشر بن عبيد المنكر الحديث "الثالثة" الحجاج بن أرطأة الضعيف المدلس "الرابعة" عطية العوفي قال البخاري كان هشيم يتكلم فيه وضعفه أحمد وغيره وقال عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول شيخ كان يقال له مبشر بن عبيد كان بحمص أظنه كوفيًا وروى عنه بقية وأبو المغيرة أحاديثه أحاديث موضوعة كذب وقال الدارقطني مبشر بن عبيد متروك الحديث أحاديثه لا يتابع عليها وقال البيهقي عطية العوفي لا يحتج به ومبشر بن عبيد الحمصي منسوب إلى وضع الحديث والحجاج بن أرطأة لا يحتج به (قال بعضهم) ولعلّ الحديث انقلب على بعض هؤلاء الثلاثة الضعفاء لعدم ضبطهم وإتقانهم فقال قبل الجمعة أربعًا وإنما هو بعد

مشروعية الفصل بين الصلاة المكتوبة والنافلة

ْالجمعة فيكون موافقًا لما ثبت في الصحيح ونظير هذا حديث عائشة إن بلالًا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم وهو في الصحيحين فانقلب على بعض الرواة فقال إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال اهـ باختصار (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي وكذا النسائي بدون ذكر قوله يطيل الصلاة قبل الجمعة وأخرج مسلم والترمذي وابن ماجه نحوه من وجه آخر (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي الْخُوَارِ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَرْسَلَهُ إِلَى السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ ابْنِ أُخْتِ نَمِرٍ يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ رَأَى مِنْهُ مُعَاوِيَةُ فِى الصَّلاَةِ فَقَالَ صَلَّيْتُ مَعَهُ الْجُمُعَةَ فِى الْمَقْصُورَةِ فَلَمَّا سَلَّمْتُ قُمْتُ فِى مَقَامِي فَصَلَّيْتُ فَلَمَّا دَخَلَ أَرْسَلَ إِلَىَّ فَقَالَ لاَ تَعُدْ لِمَا صَنَعْتَ إِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ فَلاَ تَصِلْهَا بِصَلاَةٍ حَتَّى تَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ فَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِذَلِكَ أَنْ لاَ تُوصَلَ صَلاَةٌ بِصَلاَةٍ حَتَّى يَتَكَلَّمَ أَوْ يَخْرُجَ. (ش) (رجال الحديث) (عبد الرزاق) بن همام تقدم في الجزء الأول صفحة 106 و(عمر بن عطاء بن أبي الخوار) بضم الخاء المعجمة وتخفيف الواو المكي مولى بني عامر. روى عن ابن عباس والسائب بن يزيد وعبيد الله بن عياض ونافع بن جبير ويحيى بن يعمر. وعنه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وإسماعيل بن أمية. وثقه ابن معين وأبو زرعة والعجلي ويعقوب ابن سفيان وقال في التقريب ثقة من الرابعة. روى له مسلم وأبو داود (معنى الحديث) (قوله أرسله إلى السائب بن يزيد الخ) أي أرسل نافع عمر بن عطاء إلى السائب بن يزيد. وقوله ابن أخت نمر صفة ليزيد لأن نمر بن جبل كان خال يزيد لا خال السائب. والسائب تقدمت ترجمته في هذا الجزء صفحة 244 (قوله يسأله عن شيء رأى منه معاوية في الصلاة) وفي رواية مسلم والبيهقي يسأله عن شيء رآه منه معاوية أي يسأل عمر السائب عن شيء رآه منه معاوية بن أبي سفيان في الصلاة فأنكره معاوية عليه (قوله فقال صليت معه الجمعة في المقصورة) أي قال السائب صليت الجمعة مع معاوية في المقصورة وهي الحجرة التي تكون في المسجد للإمام وأول من أحدثها من الخلفاء معاوية حين طعنه الخارجي ثم استمرّ العمل عليها تحصينًا للأمراء (قال) القاضي عياض وأجاز بعض المتأخرين اتخاذها وهو وخطأ لتفريقها الصفوف وسترها الإِمام

اختلاف العلماء في الصلاة في المقصورة

عمن خلفه وإنما عملت لعلة تحصين الأمراء وأبا لغير ذلك لا تفعل (واختلف) في الصلاة فيها فأجازها الحسن والقاسم وسالم وغيرهم وصلوا فيها (وكرهها) ابن عمر والشعبي والشافعي وأحمد وإسحاق إلا أن إسحاق قال من صلى فيها أجزأه (وكان) ابن عمر إذا أقيمت الصلاة وهو فيها خرج إلى المسجد (وقيل) هذا إن كانت مباحة وأما المحجورة عن آحاد الناس فلا تجزئُ الجمعة فيها لأنهما خرجت بالحجر عن حكم الجامع المشترط اهـ (قوله فلما سلمت قمت في مقامي فصليت) وفي رواية مسلم فما سلم الإِمام قمت في مقامي فصليت أي قمت في مكاني الذي صليت فيه الجمعة فصليت النافلة من غير فاصل بينها وبين الفرض (قوله فلما دخل أرسل إليّ الخ) أي لما دخل معاوية ييته أرسل إلي فقال لا تعد لصلاة النافلة متصلة بالفريضة بل افصل يينهما بكلام أو خروج من المسجد (قوله حتى تكلم) بحذف إحدى التاءين وقد صرّح بها في بعض النسخ (قوله فإن نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) وفي رواية مسلم فإن نبى الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمرنا بذلك. وأتى به معاوية دليلًا على ما قاله. وقوله أن لا توصل صلاة بصلاة بيان لاسم الإشارة (وفيه دليل) على استحباب فصل النافلة عن الفريضة إما بالكلام أو التحول إلى مكان آخر. والأفضل خروجه إلى بيته لما تقدم من الترغيب في إيقاع النافلة في البيوت (والحديث) أخرجه مسلم والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ الْمَرْوَزِيُّ أَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ إِذَا كَانَ بِمَكَّةَ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ تَقَدَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَلَّى أَرْبَعًا وَإِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ صَلَّى الْجُمُعَةَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يُصَلِّ فِى الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَفْعَلُ ذَلِكَ. (ش) (محمَّد بن عبد العزيز بن أبي رزمة) بكسر الراء وسكون الزاي تقدم في هذا الجزء صفحة 153. و (عطاء) هو وابن أبي رباح في الجزء الأول صفحة 288 (قوله تقدم فصلى ركعتين) يعني في المسجد (قوله كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعل ذلك) أي يصل بعد الجمعة ستًا بمكة في المسجد وركعتين في بيته بالمدينة. وكانت صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الجمعة بمكة عام الفتح إذ لم يصل الجمعة فيها قبله. ولعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى

النافلة وبمكة في المسجد لأنه لم يكن له فيها بيت للإقامة وقتئذ وللإشارة إلى جواز صلاتها في المسجد (والحديث) أخرجه البيهقي (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا زُهَيْرٌ ح وَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-قَالَ ابْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ- "مَنْ كَانَ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا". وَتَمَّ حَدِيثُهُ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ "إِذَا صَلَّيْتُمُ الْجُمُعَةَ فَصَلُّوا بَعْدَهَا أَرْبَعًا". قَالَ فَقَالَ لِي أَبِي يَا بُنَيَّ فَإِنْ صَلَّيْتَ في الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَتَيْتَ الْمَنْزِلَ أَوِ الْبَيْتَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ". (ش) (سهيل) بن أبي صالح ذكران السمان تقدم في الجزء الثاني صفحة 180 (قوله من كان مصليًا الخ) وفي رواية من كان منكم مصليًا بعد الجمعة فليصل أربعًا "وفيه إشارة" إلى أن الصلاة بعد الجمعة ليست واجبة (قوله إذا صليتم الجمعة فصلوا بعدها أربعًا) هذا الأمر محمول على الندب عند العلماء (وفيه دلالة) على استحباب صلاة أربع ركعات بعد الجمعة مطلقًا سواء أصليت في المسجد أم في البيت أم بعضها في المسجد والآخر في البيت (قوله قال فقال لي أبي يا بني فإن صليت الخ) أي قال سهيل بن أبي صالح قال لي أبي فإن صليت النافلة في المسجد فصل فإن صليت الخ) أي قال سهيل بن أبي صالح قال لي أبي فإن صليت النافلة في المسجد فصل ركعتين فإذا أتيت المنزل فصل ركعتين. وفي نسخة فإذا صليت الخ وفي رواية مسلم والبيهقي عن عبد الله بن إدريس قال سهيل فإن عجل بك شيء فصل ركعتين في المسجد وركعتين إذا رجعت فكأن أبا صالح يقول لابنه سهيل صل أربعًا إن لم تتعجل فإن تعجلت لضرورة فصل ركعتين في المسجد وركعتين في البيت (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم باللفظين المذكورين ورواه ابن ماجه والنسائي والبيهقي بلفظ ابن يونس ورواه الترمذي بلفظ ابن الصباح وقال حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِى بَيْتِهِ.

(ش) (عبد الرزاق) بن همام. و (معمر) بن راشد. و (الزهري) تقدم في الجزء الأول صفحة 48. و (سالم) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب في الجزء الثالث صفحة 78 (قوله كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته) دليل على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقتصر على ركعتين بعد الجمعة في بيته (قال النووي) وصلاها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ركعتين في بعض الأوقات لبيان أن أقلها ركعتان. ومعلوم أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي في أكثر الأوقات أربعًا لأنه أمرنا بهنّ وحثنا عليهن وهو أرغب في الخير وأحرص عليه وأولى به اهـ ببعض تصرّف (قال العراقي) وما ادعى من أنه معلوم فيه نظر بل ليس ذلك بمعلوم ولا مظنون لأن الذي صح عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة ركعتين في بيته ولا يلزم من كونه أمر به أن يفعله "وكون ابن عمر بن الخطاب" كان يصلي بمكة بعد الجمعة ركعتين ثم أربعًا وإذا كان بالمدينة صلى بعدها ركعتين فقيل له فقال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعل ذلك "فليس في ذلك علم" ولا ظن أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يفعل بمكة ذلك وإنما أراد رفع فعله بالمدينة فحسب لأنه لم يصح أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى الجمعة بمكة. وعلى تقدير وقوعه بمكة فليس ذلك في أكثر الأوقات بل نادرًا وربما كانت الخصائص في حقه بالتخفيف في بعض الأوقات فإنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا خطب احمرّت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش "الحديث" فربما لحقه تعب من ذلك فاقتصر على الركعتين في بيته وكان يطيلهما كما ثبت في رواية النسائي "وأفضل الصلاة طول القنوت" أي القيام فلعلهما كانتا أطول من أربع ركعات خفاف أو متوسطات اهـ (والحاصل) أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر الأمة أمرًا مختصًا بهم بصلاة أربع ركعات بعد الجمعة وأطلق ذلك ولم يقيده بكونها في البيت واقتصاره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ركعتين كما في حديث ابن عمر لا ينافي مشروعية الأربع لما تقرّر في الأصول من عدم المعارضة بين قوله الخاص بالأمة وفعله الذي لم يقترن بدليل خاص يدلّ على التأسي به فيه وذلك لأن تخصيصه للأمة بالأمر يكون مخصصًا لأدلة التأسى اهـ من نيل الأوطار (قال الزرقاني) قال ابن بطال والحكمة في صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الركعتين بعد الجمعة في بيته أن الجمعة لما كانت بدل الظهر واقتصر فيها على الركعتين ترك التنفل في المسجد خشية أن يظن أنهما "أي النافلة بعدها" التي حذفت اهـ وعلى هذا فلا يتنفل قبلها ركعتين متصلتين بها في المسجد لهذا المعنى اهـ (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي وأخرجه مسلم والبيهقي وابن ماجه والترمذي

مشروعية سنة الجمعة البعدية ومذاهب العلماء في عدد ركعاتها

من طريق عمرو بن دينار عن الزهري بدون زيادة في بيته (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. (ش) أي كما روى هذا الحديث سالم بن عبد الله عن أبيه رواه عبد الله بن دينار عن ابن عمر ولم نقف على من أخرج هذه الرواية (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ نَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عُمَرَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَيَنْمَازُ عَنْ مُصَلاَّهُ الَّذِى صَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةَ قَلِيلًا غَيْرَ كَثِيرٍ قَالَ فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَالَ ثُمَّ يَمْشِي أَنْفَسَ مِنْ ذَلِكَ فَيَرْكَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ كَمْ رَأَيْتَ ابْنَ عُمَرَ يَصْنَعُ ذَلِكَ قَالَ مِرَارًا (ش) (قوله فينماز عن مكانه الخ) أي ينفصل ويتنحى عن المكان الذي صلى فيه الجمعة قليلًا ثم يمشي أبعد من الانتقال الأول ويصلى أربعًا (قوله قال مرارًا) أي قال عطاء رأيت ابن عمر يصنع ذلك مرارًا (والحديث) أخرجه البيهقي عن جعفر بن عون عن ابن جريج (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَلَمْ يُتِمَّهُ. (ش) أي روى هذا الأثر عبد الملك ابن أبي سليمان العزرمي عن ابن عمر لكن رواه مختصرًا. ورواية عبد الملك بن أبي سليمان لم نقف على من أخرجها ولكن أخرج الطحاوي هذا الحديث بسنده عن أبي إسحاق عن عطاء قال أبو إسحاق حدثني غير مرّة قال صليت مع ابن عمر رضي الله عنهما يوم الجمعة فلما سلم قام فصلى ركعتين ثم قام فصلى أربع ركعات ثم انصرف (وأحاديث) الباب تدل على مشروعية سنة الجمعة البعدية وأنها ركعتان أو أربع أوست (وبهذا) أخذت الحنابلة وقالوا أقلها ركعتان وأكثرها ست (وقالت) الشافعية أقلها ركعتان وأكثرها أربع ونقل عن ابن مسعود والنخعي أنها أربع (وبه قالت) الحنفية وقالوا إن الأربع تكون بتسليمة واحدة (وقالت) المالكية لا سنة للجمعة بعدها (والأحاديث) حجة عليهم (وأحاديث الباب) تدل أيضًا على جواز صلاة سنة الجمعة البعدية في المسجد وفي البيت. وأكثر الروايات على صلاتها في البيت وهو الأفضل لأحاديث الترغيب في النافلة في البيوت

باب صلاة العيدين

(باب صلاة العيدين) تثنية عيد مأخوذ من العود فقلبت الواو ياء وكان القياس جمعه على أعواد لكن جمع على أعياد للفرق بينه وبين أعواد الخشب. وقيل للزوم الياء في مفرده. وسمى عيدًا لعوده في كل سنة أولعود الله فيه على عبادة بالخير والسرور. ولا سيما العود بغفران الذنوب. وفي بعض النسخ أبواب العيدين باب صلاة العيدين (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ "مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ". قَالُوا كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا في الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ". (ش) (حماد) بن سلمة تقدم في الجزء الأول صفحة 26. و (حميد) الطويل (قوله قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة الخ) يعني قدم أول الهجرة ولهم يومان يلعبون فيهما هما يوم النيروز والمهرجان. والنيروز هو أول يوم تتحول فيه الشمس إلى برج الحمل وهو أول السنة الشمسية كما أن غرّة المحرم أول السنة القمرية. والمهرجان أول يوم الميزان كما يظهرمن مقابلته بالنيروز. وهما يومان معتدلان في الهواء والحرارة والبرودة يستوى فيهما الليل والنهار. قيل اختارهما الحكماء المتعلقون بالهيئة للعيد في أيامهم واتبعهم أهل زمانهم فجاء الأنبياء وأبطلوا ذلك (قوله إن الله قد أبدلكم بهما الخ) يريد أن الله أبطل ما كانوا يعملونه في هذين اليومين من أعمال الجاهلية وشرع في مقابلتهما يومي العيدين. وخيرًا أفعل تفضيل ليس على بابه إذ لا خيرية في يوميهما (قوله يوم الأضحى) بفتح الهمزة سمي بذلك لأنه يتقرب فيه إلى الله تعال بالأضحية كما أن عيد الفطر سمي بذلك لأن فيه الفطر من الصوم. وقدم الأضحى على الفطر لكونه العيد الأكبر (والحديث) متضمن للنهى عن اللعب والفرح في يومي النيروز والمهرجان فلا ينبغي للمؤمن أن يوافق الكفار في تعظيم هذين اليومين وأشباههما من أعياد الكفار ولذا قال أبو حفص الكبير الحنفي من أهدى في النيروز بيضة إلى مشرك تعظيمًا لليوم فقد كفر بالله تعالى وأحبط عمله (وقال) الحسن بن منصور الحنفي من اشترى شيئًا لم يكن يشتريه في غير النيروز أو أهدى فيه هدية إلى غيره فإن أراد بذلك تعظيم اليوم كما يعظمه الكفرة فقد كفر وإن أراد

كلام نفيس لصاحب المدخل في التحذير من التشبه بالكافرين وتعظيم مواسمهم

بالشراء التنعم والتنزه وبالإهداء التحابب جريًا على العادة لم يكن كفرًا لكنه مكروهًا للتشبه بالكفرة حينئذ فينبغي التحرّز عنه اهـ من المرقاة (وقال في المدخل) بعد أن ذكر المواسم الشرعية وغيرها مما أحدثه المسلمون بقي الكلام على المواسم التي اعتادها أكثرهم وهم يعلمون أنها مواسم مختصة بأهل الكتاب. فتشبه بهم بعض أهل الوقت فيها وشاركوهم في تعظيمها يا ليت ذلك لو كان في العامة خصوصًا ولكنك ترى بعض من ينتسب إلى العلم يفعل ذلك في بيته ويعينهم عليه ويعجبه منهم ويدخل السرور على من عنده في البيت من كبير وصغير بتوسعة النفقة والكسوة على زعمه بل زاد بعضهم أنهم يهادون بعض أهل الكتاب في مواسمهم ويرسلون إليهم ما يحتاجونه. لمواسمهم فيستعينون بذلك على زيادة كفرهم ويرسل بعضهم الخرفان وبعضهم الفواكه وغير ذلك مما يكون في وقتهم وقد يجمع ذلك أكثرهم وهذا كله مخالف للشرع الشريف (قال أشهب) قيل لمالك أترى بأسًا أن يهدى الرجل لجاره النصراني مكافأة له على هدية أهداها إليه قال ما يعجبنى ذلك قال الله عَزَّ وَجَلَّ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ... الآية) (قال ابن رشد) رحمه الله تعالى قوله مكافأة له على هدية أهداها إليه إذ لا ينبغي له أن يقبل منه هدية لأن المقصود من الهدايا التودّد لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم تهادوا تحابوا وتذهب الشحناء. فإن أخطأ وقبل منه هديته فالأحسن أن يكافئه عليها حتى لا يكون له عليه فضل في معروف صنعه معه (وسئل) ابن القاسم عن الركوب في السفن التي يركب فيها النصارى لأعيادهم فكره ذلك مخافه نزول السخط عليهم لكفرهم الذي اجتمعوا له (قال) وكره ابن القاسم للمسلم أن يهدى إلى النصراني في عيده مكافأة له ورآه من تعظيم عيده وعونًا له على مصلحة كفره ألا ترى أنه لا يحل للمسلين أن يبيعوا للنصارى شيئًا من مصلحة عيدهم لا لحمًا ولا إدامًا ولا ثوبًا ولا يعارون دابة ولا يعاونون على شيء من دينهم لأن ذلك من التعظيم لشركهم وعونهم عل كفرهم وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك وهو قول مالك وغيره لم أعلم أحدًا اختلف في ذلك اهـ (ويمنع) التشبه بهم لما ورد في الحديث من تشبه بقوم فهو منهم. ومعنى ذلك تنفير المسلمين عن موافقة الكفار في كل ما اختصوا به وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكره موافقة أهل الكتاب في كل أحوالهم حتى قالت اليهود إن محمدًا يريد أن لا يدع شيئًا من أمرنا إلا خالفنا فيه (وقد جمع) هؤلاء بين التشبه بهم فيما ذكر والإعانة لهم على كفرهم فيزدادون به طغيانا إذ أنهم إذا رأوا المسلمين يوافقونهم أو يساعدونهم أو هما معا كان ذلك سببًا لغبطتهم بدينهم ويظنون أنهم على حق (وكثرت المهاداة) بينهم حتى أن بعض أهل الكتاب ليهادون ببعض ما يفعلونه في مواسمهم لبعض من له رياسة من المسلمين فيقبلون ذلك منهم ويشكرونهم ويكافئونهم وأكثر أهل الكتاب يغتبطون بدينهم ويسرّون عند قبول المسلم ذلك

باب وقت الخروج إلى العيد

منهم لأنهم أجمل صور وزخارف فيظنون أن أرباب الرياسة في الدنيا من المسلمين هم أهل العلم والفضل والمشار إليهم في الدين (وتعدّى هذا) السمّ لعامة الناس فسرى فيهم فعظموا مواسم أهل الكتاب وتكلفوا فيها النفقة وقد يكون بعضهم فقيرًا لا يقدر على النفقة فيكلفه أهله وأولاده ذلك حتى يتداين لفعله وأكثرهم لا يفعل الأضحية لجهله وجهل أهله بفضيلتها أو قلة ما بيده فلا يتكلف هو ولا هم يكلفونه ذلك مع أن العلماء رحمة الله عليهم قالوا يتداين للأضحية حتى إنه لو كان له ثوبان باع أحدهما وأخد الأضحية إن لم يكن مضطرًا إليه كما تقدم لتأكيد أمرها في الشرع (فأول) ما أحدثوه في ذلك أنهم اتخذوا طعامًا يختص بذلك فتشبهوا بهم في فعل النيروز فمن لم يفعله منهم كان ذلك سببًا لوقوع التشويش بين الرجل وأهله فلا بدّ له في ذلك اليوم من الهريسة والزلابية وغيرهما كلّ على قدر حاله فمنهم من يأتي بالصانع يبيت عنده فيصنعها ليلًا حتى لا تطلع الشمس إلا وهي متيسرة فيرسلون منها لمن يختارون ويجمعون الأقارب والأصحاب وغير ذلك مما يلزمه النساء لأزواجهن حتى صار كأنه فرض عين لأنهن اكتسبن ذلك من مجاورة القبط ومخالطتهن بهم فأنسن بعوائدهم الرديئة (ثم انضمّ) إلى ذلك مفسدة عظيمة يأباها الله تعالى والمسلمون وهي شرب الخمر في ذلك اليوم للنصارى لابدّ لهم منه وبعضهم يفعله جهارًا وتعدّى ذلك لبعض عوامّ المسلمين في ذلك اليوم فما أقبح هذا وأشنعه عند من يعتقد الإِسلام دينًا كائنًا ما كان. فمن كان باكيًا فليبك على غربة الإِسلام وغربة أهله ودثور أكثر معالمه ألا ترى أن بعض هذه المفاسد عند من ينسب إلى العلم أو الدين فلم يبق في الغالب إلا كما قال الإِمام رزين رحمه الله تعالى إنما هي أسماء وضعت على غير مسميات فإنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم اهـ ملخصًا (إلى) غير ذلك من المفاسد العظيمة التي فشت بين المسلمين بسبب مشاركتهم لأهل الكتاب في أعيادهم ومواسمهم سيما ما يحدث في اليوم المدعوّ شمّ النسيم (ومن أراد) زيادة على ما ذكر فعليه بكتاب مدخل الشرع الشريف ففيه ما يشفى غليل المسترشدين (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي والترمذي والحاكم والبيهقي (باب وقت الخروج إلى العيد) (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا أَبُو الْمُغِيرَةِ نَا صَفْوَانُ نَا يَزِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ الرَّحْبِيُّ قَالَ خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مَعَ النَّاسِ

مذاهب الفقهاء في وقت صلاة العيد

فِي يَوْمِ عِيدِ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى فَأَنْكَرَ إِبْطَاءَ الإِمَامِ فَقَالَ إِنَّا كُنَّا قَدْ فَرَغْنَا سَاعَتَنَا هَذِهِ وَذَلِكَ حِينَ التَّسْبِيحِ. (ش) (رجال الحديث) (أبو المغيرة) هو عبد القدوس بن الحجاج تقدم في الجزء الثاني صفحة 48. و(صفوان) هو ابن عمرو بن هرم السكسكي أبو عمرو الحمصي. روى عن عبد الله بن بسر وجبير بن نفير وشريح بن عبيد وراشد بن سعد وجماعة. وعنه أبو إسحاق الفزاري وابن المبارك وعيسى بن يونس ومعاوية بن صالح وغيرهم. وثقه النسائي وأبو حاتم والعجلي وابن سعد وقال كان مأمونًا. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في الأدب و(يزيد بن خمير) بضم الخاء المعجمة مصغرًا ابن يزيد (الرحبي) الهمداني الحمصي الزيادى أبو عمر روى عن أبي أمامة وعبد الله بن بسر وعبد الرحمن بن جبير وسليم بن عامر وآخرين. وعنه شعبة وصفوان بن عمرو والضحاك بن حمزة ومحمد بن جحادة وأبو عوانة. قال أحمد كان كيسا صالح الحديث وحديثه حسن وقال أبو حاتم صالح الحديث صدوق ووثقه النسائي وابن معين. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في الأدب. و(عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون السين المهملة (معنى الحديث) (قوله في يوم فطر أو أضحى) شك من الراوي (قوله فأنكر إبطاء الإِمام) أي تأخره عن التبكير لصلاة العيد (قوله إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه الخ) وفي رواية ابن ماجه إن كنا لقد فرغنا ساعتنا هذه يعني فرغنا من صلاة العيد في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في مثل هذه الساعة. وقوله وذلك حين التسبيح من عبد الله بن بسر واسم الإشارة عائد على أول وقت العيد المفهوم من السياق. ومراده أن أول وقت العيد هو أول وقت حل النافلة. ويحتمل أنه من كلام يزيد بن خمير فكأنه قال كان كلام ابن بسر مع الإِمام حين حلّ النافلة فيكون مراده أنه يفرغ من صلاة العيد حين حلّ النافلة. والأول أقرب للصواب لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه لم يصلوا العيد إلا بعد حلّ النافلة وقد قام الإجماع على ذلك (قال في البحر) هي من بعد إنبساط الشمس إلى الزوال ولا أعرف فيه خلافًا اهـ وبذلك تعلم أنه لا وجه لقول من قال إن أول وقت صلاة العيد من حين ظهور جزء من الشمس و (السنة) أن تعجل صلاة الأضحى فتصلى حين ارتفاع الشمس قدر رمح في رأى العين وتؤخر صلاة الفطر إلى ارتفاعها قدر رمحين لما في حديث عمرو بن حزم عن جندب قال كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بنا يوم الفطر والشمس على قيد رمحين والأضحى على قيد رمح أورده

باب خروج النساء إلى العيد

الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه. ولما رواه الشافعي مرسلًا وكذا البيهقي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران أن عجل الأضحى وأخر الفطر وذكر الناس (قال الشوكاني) رواه الشافعي عن شيخه إبراهيم بن محمَّد عن أبي الحويرث وإبراهيم بن محمَّد ضعيف عند الجهور وقال البيهقي لم أر له أصلًا في حديث عمرو بن حزم اهـ ملخصًا (وإلى ذلك) ذهبت الشافعية والحنابلة والحنفية قالوا الحكمة في ذلك ما في الأضحى من استحباب الإمساك عن الفطر حتى يفرغ من الصلاة ويأكل من أضحيته فربما كان ترك التعجيل للصلاة يتأذى به لطول الإمساك ولما في تأخير صلاة عيد الفطر من اتساع الوقت لإخراج صدقة الفطر قبل الصلاة كما هو الأفضل (وقالت) المالكية يصليان إذا ارتفعت الشمس قدر رمح لا فرق بينهما (لكن) ما ذكر من الأحاديث يردّ عليهم (والحديث) أخرجه ابن ماجه والحاكم والطبراني والبيهقي (باب خروج النساء إلى العيد) (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ وَيُونُسَ وَحَبِيبٍ وَيَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ وَهِشَامٍ -في آخَرِينَ- عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ قَالَتْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نُخْرِجَ ذَوَاتِ الْخُدُورِ يَوْمَ الْعِيدِ. قِيلَ فَالْحُيَّضُ قَالَ "لِيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ". قَالَ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لإِحْدَاهُنَّ ثَوْبٌ كَيْفَ تَصْنَعُ قَالَ "تُلْبِسُهَا صَاحِبَتُهَا طَائِفَةً مِنْ ثَوْبِهَا". (ش) (حماد) بن زيد تقدم في الجزء الأول صفحة 29. و (أيوب) السختياني. و (يونس) ابن عبيد في الثاني صفحة 172. و (حبيب) بن الشهيد في الأول صفحة 258. وكذا (هشام) ابن حسان صفحة 243 (قوله في آخرين عن محمَّد) يعني حدّث حماد بن زيد عن هؤلاء مع جماعة أخرين عن محمَّد بن سيرين. و (أم عطية) هي نسيبة تقدمت ترجمتها في الجزء الثالث صفحة 128 (قوله أن نخرج ذوات الخدور) أي صاحبات الخدور جمع خدر بكسر الخاء المعجمة وهو الستر ويطلق أيضًا على ناحية البيت يكون عليها ستر تجعل فيه البكر (قوله قيل فالحيض الخ) أي قيل يا رسول الله فهل تشهد الحيض فكأنه قال نعم يخرجن ليشهدن مجامع الخير ودعوة المسلمين فيكبرن بتكبيرهم ويدعين بدعائهم ولا يصلين فالكلام على تقدير الاستفهام والحيض فاعل لفعل محذوف (قوله فقالت امرأة الخ) لعلها أم عطية كما في بعض الروايات عند

مسلم والدارمي وفيها قالت فقلت يا رسول الله إن لم يكن الخ (قوله قال تلبسها صاحبتها طائفة الخ) وفي رواية البخاري ومسلم لتلبسها صاحبتها من جلبابها. والمراد أن تعطيها شيئًا من ثيابها لتحضر به مشاهد الخير فالإضافة في قوله من ثوبها للجنس. ويحتمل أن يكون المراد أن تشركها معها في لبس ثوبها الذي عليها فتجعل منه طرفُ اعليها. وهذا يظهر في الثوب الواسع كالملاءة والملحفة والأول أقرب (وفي هذا) مبالغة في الحثّ على خروجهن للعيد (والحديث) أخرجه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ نَا حَمَّادٌ نَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ بِهَذَا الْخَبَرِ قَالَ "وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ". وَلَمْ يَذْكُرِ الثَّوْبَ. قَالَ وَحَدَّثَ عَنْ حَفْصَةَ عَنِ امْرَأَةٍ تُحَدِّثُهُ عَنِ امْرَأَةٍ أُخْرَى قَالَتْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ مُوسَى في الثَّوْبِ. (ش) (قوله ويعتزل الحيض مصلى المسلمين) يعني ينفصلن عنها لئلا يلوّثن المصلى بدمائهن ويؤذين الناس برائحتهن. والأمر باعتزال النساء المصلى محمول على الندب عند الجمهور وقيل للوجوب (قوله ولم يذكر الثوب) يعني لم يذكر محمَّد بن عبيد في روايته أن المرأة سألته صل الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن المرأة التي لم يكن لها ثوب. ففي حديث ابن عبيد زيادة على حديث موسى بن إسماعيل ونقص فالزيادة ذكر اعتزال الحيض المصلى والنقص عدم ذكر قصة الثوب فيه (قوله قال وحدث عن حفصة الخ) أي قال محمَّد بن عبيد وحدث حماد عن أيوب عق حفصة عن امرأة تحدث هذا الحديث عن امرأة أخرى فالمرأة الأولى لم يعرف اسمها والثانية قيل هي أم عطية وقيل غيرها واستظهره الكرماني (قوله قالت قيل يا رسول الله) أي قالت المرأة الثانية قيل يا رسول الله إن لم يكن لإحداهن ثوب الخ (قوله فذكر معنى حديث موسى في الثوب) أي ذكر محمَّد بن عبيد معنى حديث موسى بن إسماعيل في ذكر الثوب (ورواية) حفصة أخرجها البخاري والبيهقي عن أيوب عن حفصة بنت سيرين قالت كنا نمنع جوارينا أن يخرجن يوم العيد فجاءت امرأة فنزلت قصر بنى خلف فأتيتها فحدثت أن زوج أختها غزا مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثنتي عشرة غزوة فكانت أختها معه في ست غزوات فقالت فكنا نقوم على المرضى ونداوى الكلمى فقالت يا رسول الله أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج فقال لتلبسها صاحبتها من جلبابها فليشهدن الخير ودعوة المؤمنين قالت حفصة فلما قدمت أم عطية أتيتها فسألتها أسمعت في كذا وكذا قالت نعم بأبي وقلما ذكرت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا قالت بأبي قال ليخرج العواتق ذوات الخدور أو قال العواتق

وذوات الخدور شك أيوب والحيض ويعتزل الحيض المصلي وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين قالت فقلت لها آلحيض قالت نعم أليس الحائض تشهد عرفات وتشهد كذا وتشهد كذا (ص) حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ نَا زُهَيْرٌ نَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا الْخَبَرِ قَالَتْ وَالْحُيَّضُ يَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ فَيُكَبِّرْنَ مَعَ النَّاسِ. (ش) (النفيلي) هو عبد الله بن محمَّد تقدم في الجزء الأول صفحة 43. وكذا (زهير) ابن معاوية صفحة 112. وكذا (عاصم) بن سليمان صفحة 274 (قوله عن حفصة بنت سيرين الخ) ظاهر هذه الرواية أن حفصة روت عن أم عطية بنفسها وفي الرواية السابقة حدثت عن امرأة عن امرأة أخرى وقد قيل إنها أم عطية. ولا تنافي بينهما لاحتمال أن حفصة روت عن أم عطية بواسطة وبغير واسطة (قوله كنا نؤمر الخ) أي كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأمرنا بإخراج ذوات الخدور الخ. وقوله بهذا الخبر متعلق بحدثنا (قوله قامت والحيض يكن خلف الناس الخ) أي قالت أم عطية ويخرجن النساء الحيض إلى المصلى ويكنّ خلف الناس ويكبرن مع تكبيرهم (وهذه الرواية) أخرجها مسلم عن حفصة أيضًا عن أم عطية قالت كنا نؤمر بالخروج في العيدين والمخبأة والبكر قالت الحيض يخرجن فيكن خلف الناس فيكبرن مع الناس (ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ -يَعْنِي الطَّيَالِسِيَّ- وَمُسْلِمٌ قَالاَ نَا إِسْحَاقُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ جَمَعَ نِسَاءَ الأَنْصَارِ فِي بَيْتٍ فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَامَ عَلَى الْبَابِ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ السَّلاَمَ ثُمَّ قَالَ أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْكُنَّ. وَأَمَرَنَا بِالْعِيدَيْنِ أَنْ نُخْرِجَ فِيهِمَا الْحُيَّضَ وَالْعُتَّقَ وَلاَ جُمُعَةَ عَلَيْنَا وَنَهَانَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ. (ش) (رجال الحديث) (أبو الوليد الطيالسي) هو هشام بن عبد الملك تقدم في الجزء الأول صفحة 319 وهذا (مسلم) بن إبراهيم صفحة 90 و (إسحاق بن عثمان)

أقوال الأئمة في ذلك وفي حكم صلاة العيد

أبو يعقوب الكلابي البصريّ. روى عن الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وموسى بن أنس وغيرها. وعنه أبو الوليد الطيالسي ووكيع ومسلم بن إبراهيم. قال أبو حاتم ثقة لا بأس به وقال ابن معين صالح وقال في التقريب صدوق مقلّ من السابعة. روى له أبو داود هذا الحديث لا غير (معنى الحديث) (قوله لما قدم المدينة الخ) لعل ذلك كان حين قدومه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من مكة بعد الفتح لأن آية (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ... الخ) نزلت يوم فتح مكة كما ذكره بعض المفسرين. وقوله جمع نساء الأنصار في بيت أي أمر بجمعهن في بيت من بيوت الأنصار ليعلمهن أمور الدين (قوله وأمرنا بالعيدين الخ) أي أمرنا بإخراج الحيض والعتق في العيدين. فالباء بمعنى في. ويحتمل أن قوله نخرج فيهما الخ على حذف الواو وإبقاء الباء على حالها أي أمرنا بصلاة العيدين وأن نخرج فيهما الحيض والعتق. والعتق كركع جمع عاتق وهي الشابة أول بلوغها وقيل هي التي لم تبن من والدتها ولم تزوّج وقد بلغت وتجمع أيضًا على عواتق وأما العاتق من الأعضاء فهو من المنكب إلى أصل العنق (قوله ولا جمعة علينا) يعني وبين لنا أنه لا جمعة واجبة علينا (قوله ونهانا عن اتباع الجنائز) صريح في أن المرأة منهية عن السير مع الجنازة. وسيأتي تمام الكلام عليه في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى (وأحاديث الباب) تدل على مشروعية خروج النساء في العيدين إلى المصلى من غير فرق بين البكر والثيب والشابة والعجوز والحائض وغيرها إلا أن الحائض لا تصلى (لكن) محله إذا أمن من خروجهن الفتنة (وقد اختلفت) الفقهاء في هذا فقالت الشافعية يستحب خروج النساء إلا الشابة وذات الجمال فيكره خروجهن لخوف الفتنة عليهن وبهن (قال الشافعي) في الأم أحب شهود النساء العجائز وغير ذوات الهيئات الصلاة والأعياد وأنا لشهودهن الأعياد أشد استحبابًا مني لشهودهن غيرها من الصلوات المكتوبات اهـ (وقالت الحنابلة) لا بأس بحضورالنساء غير مطيبات ولا لابسات ثياب زينة أو شهرة اهـ وظاهر كلامهم عدم الفرق بين الشابة وغيرها (وبعدم الفرق) قال أبو حامد من الحنابلة والجرجانى من الشافعية وقالا يستحب خروجهن (وذهت المالكية) إلى أن المرأة إن انقطع منها أرب الرجال أو كانت متجالة لم ينقطع منها أرب الرجال أصلًا جاز لها الخروج لفرض وعيد واستسقاء. وإن كانت شابة غير فارهة فلا يجوز خروجها لعيد ولا استسقاء ولا جمعة لأنها مظنة الازدحام ويجوز خروجها لمسجد لصلاة جماعة بشرط عدم الطيب والريبة وأن لا تكون مخشية الفتنة وأن تخرج في خشن ثيابها وأن لا تزاحم الرجال وأن يكون الطريق مأمونًا من توقع المفسدة وإلا حرم. وإن كانت فارهة في الشباب حرم خروجها مطلقًا (وذهب) الثوري وابن المبارك إلى كراهة خروج النساء مطلقًا حكى ذلك عنهما الترمذي وهو قول أبي يوسف ورواية عن مالك وحكاه ابن قدامة عن النخعي ويحيى بن سعيد

الأنصاري. وقال ابن الهمام يخرج العجائز للعيد لا الشوابّ اهـ (قال في المرقاة) وهو قول عدل لكن لا بد أن يقيد بأن تكون غير مشتهاة في ثياب بذلة بإذن حليلها مع الأمن من المفسدة بان لا يختلطن بالرجال ويكن خاليات من الحلى والحلل والبخور والشموم والتبختر والتكشف ونحوها مما أحدثن في هذا الزمان من المفاسد. وقد قال أبو حنيفة ملازمات البيوت لا يخرجن اهـ (قال في النيل) حكى القاضي عياض عن أبي بكر وعمر وعلى وابن عمر أن خروج النساء لعيد حق عليهن. وروى ابن أبي شيبة عن أبي بكر وعلى أنهما قالا حق عل كل ذات نطاق الخروج إلى العيد (والقول) بكراهة الخروج على الإطلاق ردّ للأحاديث الصحيحة بالآراء الفاسدة. وتخيصص الشوابّ يأباه صريح الحديث المتفق عليه اهـ (ولا يخفى) ما يترتب على خروج النساء في هذا الزمان واجتماعهن مع الرجال من المفاسد (والأحاديث) تدل على وجوب صلاة العيد لأن أمر النساء بالخروج إلى المصلى يقتضي أمرهن بالصلاة لمن لا عذر لها منهن والرجال أولى من النساء بذلك لأن الخروج وسيلة إليها ووجوب الوسيلة يستلزم وجوب المتوسل إليه بالطريق الأولى (وإلى) القول بالوجوب ذهبت الحنفية في أصح القولين عندهم وقالوا تجب على من تفترض عليه الجمعة (وقالت) الحنابلة هي فرض كفاية على الرجال للأحاديث ولقوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) فإن المراد بالصلاة عندهم صلاة العيد. ولمواظبته صلى الله عليه وآله وسلم على فعلها (وذهب) الجمهور إلى أنها سنة مؤكدة لما تقدم للمصنف أول كتاب الصلاة عن طلحة بن عبيد الله أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل نجد ثائر الرأس "الحديث" وفيه فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة قال هل عليّ غيرهن قال لا إلا أن تطوّع (وأجاب) الأولون عن هذا الحديث بأن الرجل كان من أهل البادية. والعيد لا تجب عليهم ولا على أهل القرى (قال في الروضة) اختلف أهل العلم هل صلاة العيد واجبة أم لا والحق الوجوب لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مع ملازمته لها قد أمرنا بالخروج إليها كما في حديث أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للناس أن يغدوا إلى مصلاهم بعد أن أخبره الركب برؤية الهلال وهو حديث صحيح. وثبت في الصحيح حديث أم عطية قالت أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن نخرج في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. والأمر بالخروج يقتضي الأمر بالصلاة لمن لا عذر لها بفحوى الخطاب والرجال أولى من النساء بذلك لأن الخروج وسيلة إليها ووجوب الوسيلة يستلزم وجوب المتوسل إليه بل ثبت الأمر القرآني بصلاة العيد كما ذكره أئمة التفسير في قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) فإنهم قالوا المراد صلاة العيد (ومن الأدلة) عل وجوبها أنها مسقطة للجمعة إذا اتفقتا في يوم عيد وما ليس بواجب

مبايعة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم النساء بغير مصافحة

لا يسقط ما كان واجبًا اهـ (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد في مسنده مطوّلًا عن أم عطية قالت لما قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة جمع نساء الأنصار في بيت ثم أرسل إليهن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقام على الباب فسلم عليهن فرددن السلام فقال أنا رسول رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إليكن فقلن مرحبًا برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبرسوله فقال تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئًا ولا تسرقن ولا تزنين ولا تقتلن أولادكن ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن ولا تعصين في معروف فقلن نعم فمدّ عمر يده من خارج الباب ومددن أيديهن من داخل ثم قال اللهم اشهد وأمرنا أن نخرج في العيدين العتق والحيض ونهينا عن اتباع الجنائز ولا جمعة علينا فسألته عن البهتان وعن قوله ولا يعصيك في معروف قال هي من النياحة "وأخرجه" ابن جرير أيضًا مطولًا. وقوله فمددنا أيدينا الخ ظاهره أن عمر رضي الله عنه صافح النساء بيده عند البيعة فتحمل على أنها كانت بحائل لما رواه ابن أبي حاتم قال حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا ابن فضيل عن حصين عن عامر هو الشعبي قال بايع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم النساء وفي يده ثوب قد وضعه على كفه "الحديث" ويحتمل أنه لم يضع يده في أيديهن بل كان مدّ الأيدى للإشارة للبيعة ويؤيده ما رواه الإِمام أحمد بسنده إلى أميمة بنت رقيقة قالت أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في نساء نبايعه فأخذ علينا ما في القرآن أن لا نشرك بالله شيئًا الآية قال في استطعتنّ وأطقتنّ قلنا الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا قلنا يا رسول الله ألا تصافحنا قال إني لا أصافح النساء إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة. وما رواه البخاري عن عروة أن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ) إلى قوله (غَفُورٌ رَحِيمٌ) قالت عائشة فمن أقرّ بهذه الشروط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد بايعتك كلامًا ولا والله ما مست يده يد امرأة في المبايعة قط ما بايعن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك. وهاتان الروايتان أرجح من رواية ابن أبي حاتم فإنها مرسلة (باب الخطبة يوم العيد) وفي نسخة باب الخطبة في يوم العيد (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ نَا الأَعْمَشُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ

باب الخطبة يوم العيد

أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ح وَعَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ أَخْرَجَ مَرْوَانُ الْمِنْبَرَ في يَوْمِ عِيدٍ فَبَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا مَرْوَانُ خَالَفْتَ السُّنَّةَ أَخْرَجْتَ الْمِنْبَرَ في يَوْمِ عِيدٍ وَلَمْ يَكُنْ يُخْرَجُ فِيهِ وَبَدَأْتَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلاَةِ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ مَنْ هَذَا قَالُوا فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ. فَقَالَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "مَنْ رَأَى مُنْكَرًا فَاسْتَطَاعَ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ". (ش) (رجال الحديث) (أبو معاية) محمَّد بن خازم الضرير. و (الأعمش) سليمان ابن مهران (قوله عن أبيه) هو رجاء بن ربيعة الزبيدى مصغرًا أبو إسماعيل الكوفي. روى عن على وابن عمر وابى سعيد الخدري والبراء بن عازب. وعنه ابنه إسماعي ويحيى بن هانئ. وثقة العجلي وذكره ابن حبان في الثقات روى له مسلم وأبو داود وابن ماجة حديث الباب (معنى الحديث) (قوله أخرج مروان المنبر في يوم عيد الخ) يعني ليخطب عليه. وكان مروان وقتئذ أميرًا على المدينة كما في رواية للبخاري وفي رواية له قال أبو سعيد فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت. وهي صريحة في أن المنبر بنى بالمصلى وليس مخرجًا إليها ولا تنافي بين الروايتين لاحتمال أن مروان لما أنكروا عليه إخراج المنبر ترك إخراجه وأمر ببناء منبر باللبن والطين بالمصلى (قوله فقام رجل) قيل هو عمارة بن رؤيبة (قوله خالفت السنة الخ) أي الطريقة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وبين مخالفته بقوله أخرجت المنبر الخ وظاهره أن أول من قدّم خطبة العيد على الصلاة مروان وقيل سبقه إلى ذلك عثمان كما رواه ابن المنذر عن الحسن البصري قال أول من خطب قبل الصلاة عثمان صلى بالناس ثم خطبهم على العادة فرأى ناسًا لم يدركوا الصلاة ففعل ذلك "يعني قدّم الخطبة على الصلاة" وفيها أن الحامل لعثمان على تقديم الخطبة على الصلاة هو إدراك الناس الصلاة بخلاف الحامل لمروان على ذلك فإنه كما في رواية البخاري قال إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة. فعثمان راعى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة ومروان راعى مصلحتهم في إدراكهم الخطبة (لكن) قال العيني لم يصح هذا عن عثمان. وقيل أول

الاتفاق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان صفة تغيير المنكر

من فعل ذلك معاوية. فقد روى الشافعي في مسنده عن عبد الله بن يزيد الخطميّ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يبدءون بالصلاة قبل الخطبة حتى قدم معاوية قدّم الخطبة وروى عن ابن سيرين أن أول من فعل ذلك زياد حين كان بالبصرة (قوله فقال أبو سعيد الخدري من هذا الخ) يعني من المنكر على مروان فقيل له فلان بن فلان (وهو صريح) في أن الإنكار كان من غير أبي سعيد. وفي رواية للبخاري قال أبو سعيد لما أتينا الصلاة إذا منبر بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجبذته بثوبه فجبذني فارتفع فخطب قبل الصلاة فقلت غيرتم والله فقال أبا سعيد قد ذهب ما تعلم فقلت ما أعلم والله خير مما لا أعلم (وهي صريحة) في أن المنكر على مروان أبو سعيد "ولا تنافي" بين الروايتين "لاحتمال" تعدد القصة ويؤيده ما في حديث الباب من إخراج المنبر إلى المصلى بخلاف رواية البخاري المذكورة فإن فيها أنهم حين خرجوا إلى المصلي وجدوا أن كثير بن الصلت قد بنى فيها منبرًا. وفي رواية مسلم فإذا كثير بن الصلت قد بنى منبرًا من طين ولبن (قوله أما هذا قد قضى ما عليه) يعني أدّى ما وجب عليه من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر (قال القاضي عياض) إنكار الرجل وأبي سعيد بحضرة هذا الجمع وتسمية أبي سعيد بذلك منكرًا يدل على أن السنة وعمل الخلفاء تقديم الصلاة وأن ما روى من تقديم الخطبة عمن تقدم ذكره لا يصح لأن المغير لا يحمل الناس على مذهبه وإنما يغير ما أجمع عليه اهـ (قوله سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول الخ) أتى به تأييدًا لقوله أما هذا فقد قضى ما عليه (قوله من رأى منكم منكرًا فاستطاع أن يغيره الخ) وفي رواية مسلم من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده (والأمر) فيه للوجوب إجماعًا (قال) القاضي عياض الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من دعائم الإِسلام المجمع على وجوبها ولم يخالف فيه إلا من لا يعتدّ به من الروافض اهـ (وهو واجب) على الكفاية ويتعين على من علم به وحده أولم يقدر على القيام به إلا هو. ولا يشترط في القيام به أن يكون الآمر ممتثلًا في نفسه لأنه تعلق به حقان حق الكفّ في نفسه وحق نهي غيره ولا يسقط حق حقًا. وهو لا ينافي أن الكمال أن يكون الآمر عاملًا بما يأمر به مجتنبًا ما ينهى عنه ليكون أدعى في القبول. ويشترط في القيام به أن يكون الآمر عالمًا بما يأمر به. وما اشتهر حكمه من الواجبًات الظاهرة والمحرّمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها يستوى في القيام به العلماء وغيرهم وما خفي من الأقوال والأفعال يختص به العلماء (قوله فإن لم يستطع فبلسانه الخ) أي وإن لم يستطع تغيير المنكر بيده كأن خاف من تغييره باليد مفسدة أشد فليغيره بلسانه بالأمر والنهى ويكون بلين ورفق ما لم تدع الحاجة إلى الشدة ليكون أقرب إلى تحصيل المطلوب فإن خاف من التغيير بالقول أشدّ غيره بقلبه بأن يكره المنكر ويضرع إلى الله تعالى في إزالته (قوله وذلك)

أضعف الإيمان) يعني أقل أعمال الإيمان ثمرة والمراد أن التغيير بالقلب أقل ثمرة مما قبله لا أقل مطلقًا فلا ينافيه أن أقل الأعمال ثمرة إماطة الأذى عن الطريق كما في الحديث وليس المراد أن المنكر بقلبه ضعيف الإيمان لأنه أدى ما وسعه (قال القاضي عياض) الحديث أصل في كيفية التغيير فيجب على المغير أن يغير بكل وجه أمكنه زواله به فالتغيير باليد أن يكسر آلات الباطل ويريق الخمر وينزع الغصب أو يأمر بذلك فإن خاف من التغيير باليد مفسدة أشدّ غير بالقول فيعظ ويخوّف ويندب الخير. ويستحب أن يرفق بالجاهل وذي العزةّ الظالم المتقى شرّه فإنه أدعى للقبول ولذا استحب في المغير أن يكون من أهل الصلاح فإن القول منه أنفع. ويغلظ على غيرهما. فإن خاف أيضًا من التغيير بالقول مفسدة أشد غير بالقلب هذا هو المراد بالحديث خلافًا لمن رأى الإنكار بالتصريح بكل حال وإن قتل وقيل منه كل أذى اهـ بتصرّف (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالاَ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَامَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى فَبَدَأَ بِالصَّلاَةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَلَمَّا فَرَغَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلاَلٍ وَبِلاَلٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ تُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ الصَّدَقَةَ قَالَ تُلْقِي الْمَرْأَةُ فَتَخَهَا وَيُلْقِينَ وَيُلْقِينَ وَقَالَ ابْنُ بَكْرٍ فَتَخَتَهَا. (ش) (رجال الحديث) (عبد الرزاق) بن همام. و (محمَّد بن بكر) بن عثمان البرسانى أبو عبد الله ويقال أبو عثمان البصري. روى عن أيمن بن نابل وهشام بن حسان وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وشعبة وحماد بن سلمة وكثيرين. وعنه أحمد وإسحاق وابن المديني وابن معين وهارون الحمال والسفيانان ووكيع وجماعة. وثقة أبو داود والعجلي وابن معين وابن سعد وقال أحمد صالح الحديث وقال أبو حاتم شيخ محله الصدق. توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله نزل فأتى النساء) يعني انتقل من مكانه الذي كان يعظ فيه الرجال إلى المكان الذي فيه النساء وليس المراد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نزل عن المنبر لأنه

وعظ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم النساء بعد خطبة العيد

لم يثبت أنه خطب في العيد على منبر بل كان يخطب قائمًا على رجليه وعلى بعيره. لما رواه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخرج يوم العيد فيصلي بالناس ركعتين ثم يسلم فيقف على رجليه فيستقبل الناس وهم جلوس فيقول تصدقوا تصدقوا. ولما رواه أيضًا عن قيس بن عائذ قال رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب على ناقة حسناء وحبشيّ آخذ بخطامها. ولما رواه أحمد وأبو داود عن الهرماس بن زياد قال رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى (وفيه دليل) على أن النساء إذا حضرن صلاة العيد يكنّ بمعزل عن الرجال (قوله فذكرهن الخ) أي وعظهن. وفي رواية لمسلم عن ابن عباس قال شهدت صلاة الفطر مع نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كأني انظر إليه حين يجلس الرجال ثم أقبل يشقهم حتى جاء النساء ومعه بلال فقال (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا) فتلا هذه الآية وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكئًا على بلال فأمر بتقوي الله وحثّ على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن وقال تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدّين فقال لم يا رسول الله قال لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير فجعلن يتصدقن من حليهنّ يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتيمهنّ "وقوله من سطة النساء أي أوساطهن وسفعاء الخدين يعني في خديها سواد ليس بالكثير" (قوله وبلال باسط ثوبه تلقي النساء فيه الصدقة) أي حين أمرهنّ بها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وكانت مطلق صدقة لا كما قاله بعضهم من أنها صدقة الفطر كما تدلّ عليه رواية مسلم من طريق ابن جريج عن عطاء وفيها قال ابن جريج قلت لعطاء زكاة الفطر قال لا ولكن صدقة يتصدقن بها حينئذ وفيها قلت لعطاء أحقًا على الإِمام أن يأتي النساء حين يفرغ فيذكرهن قال إي لعمري إن ذلك لحق عليهم وما لهم لا يفعلون ذلك (قوله تلقي المرأة فتخها) بفتحتين جمع فتخة وهي خواتيم كبار تلبس بالأيدى وربما وضعت في أصابع الأرجل. وقيل هي خواتيم لا فصوص لها (قوله ويلقين ويلقين) يعني يلقين أشياء أخر. وفي رواية لمسلم فجعلت المرأة تلقي الخاتم والخرص والشيء. وكرّر الفعل إشارة إلى أن الملقى أشياء مختلفة (وفيه دليل) على جواز تصدق المرأة من مالها بدون إذن زوجها وسيأتي الكلام عليه في أواخر كتاب الزكاة إن شاء الله تعالى (قوله وقال ابن بكر فتختها) أي قال محمَّد بن بكر في روايته تلقى المرأة فتختها بالإفراد بدل فتخها

(ومن أخرج الحديث أيضًا) أخرج البخاري والنسائي والبيهقي نحوه وكذا مسلم عن جابر أيضًا قال شهدت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكئًا على بلال فأمر بتقوي الله وحثّ عل طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت لم يا رسول الله قال لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير قال فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطتهنّ وخواتيمهنّ (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا شُعْبَةُ ح وَنَا ابْنُ كَثِيرٍ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَشَهِدَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ فِطْرٍ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ أَكْبَرُ عِلْمِ شُعْبَةَ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ. (ش) (قوله أشهد على ابن عباس الخ) الغرض منه تأكيد الرواية (قوله قال ابن كثير أكبر علم شعبة فأمرهن الخ) أي قال محمَّد بن كثير في روايته أغلب ظن شعبة أنه سمع من أيوب السختياني عن عطاء أن ابن عباس قال فأمرهن بالصدقة الخ. وفي رواية مسلم عن عطاء قال سمعت ابن عباس يقول أشهد على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لصلى قبل الخطبة قال ثم خطب فرأى أنه لم يسمع النساء فأتاهن فذكرهن ووعظهن وأمرهن بالصدقة وبلال قائل بثوبه فجعلت المرأة تلقي الخاتم والخرص والشيء (والحاصل) أن محمَّد بن كثير لما حدث بهذا الحديث عن شعبة بن الحجاج أخبر أن شعبة تيقن أن الحديث من شهادة ابن عباس إلى قوله ومعه بل الذي روايته عن أيوب وشك في قوله فأمرهن بالصدقة الخ هل رواه عن أيوب فيكون داخلا فيما شهد به ابن عباس أولًا ثم أخبر ابن كثير أن شعبة قال أكبر على أنه داخل فيه أما رواية حفص بن عمر ورواية أبي داود الطيالسي من طريق ابن كثير فلم يكن فيهما شك شعبة وكذا رواية البخاري من طريق سليمان بن حرب عن شعبة عن عدي بن ثابت ورواية مسلم من طريق معاذ العنبري عن شعبة عن عدي بن ثابت فلعل الشك وقع لشعبة حينما حدّث ابن كثير وتيقن لما حدّث به غيره

اتفاق علماء الأمصار وأئمة الفتوى على أن صلاة العيد قبل الخطبة. والخلاف في إعادتها إذا وقعت قبل الصلاة. وتحقيق أن خطبة العيد وغيره تفتتح بالحمد لله

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم من طريق سفيان بن عيينة قال حدثنا أيوب الخ (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَأَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالاَ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَعْنَاهُ قَالَ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعِ النِّسَاءَ فَمَشَى إِلَيْهِنَّ وَبِلاَلٌ مَعَهُ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي الْقُرْطَ وَالْخَاتَمَ فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ. (ش) (مسدد) بن مسرهد تقدم في الجزء الأول صفحة 24. وكذا (عبد الوارث) بن سعيد صفحة 29 (قوله بمعناه) أي بمعنى حديث شعبة المتقدم عن أيوب (قوله قال فظن أنه لم يسمع النساء) أي قال ابن عباس فظن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه لم يسمع النساء الموعظة لبعدهن عن الرجال (قوله فكانت المرأة تلقي القرط الخ) بضم القاف وسكون الراء ما علق في شحمه الأذن سواء أكان من ذهب أم غيره ويجمع على قراط مثل رمح ورماح وعلى قرطة بوزن عنبة وعلى أقرطة. والخاتم بفتح المثناة الفوقية وكسرها ما يوضع في الإِصبع (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُعْطِي الْقُرْطَ وَالْخَاتَمَ وَجَعَلَ بِلاَلٌ يَجْعَلُهُ فِي كِسَائِهِ قَالَ فَقَسَمَهُ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ. (ش) (قوله قال فجعلت المرأة الخ) أي قال ابن عباس فشرعت المرأة تعطي القرط والخاتم في الصدقة فقسمها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على فقراء المسلمين (وأحاديث الباب) تدل على أن صلاة العيد قبل الخطبة. قال القاضي عياض وهذا هو المتفق عليه بين علماء الأمصار وأئمة الفتوى ولا خلاف بين أئمتهم فيه وهو فعل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والخلفاء الراشدين من بعده اهـ (وقال العراقي) إن تقديم الصلاة على الخطبة قول العلماء كافة. وقال ابن قدامة لا نعلم فيه خلافًا بين المسلمين إلا عن بني أمية ولا يعتدّ بخلاف بنى أمية لأنه مسبوق بالإجماع الذي كان قبلهم ومخالف لسنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصحيحة وقد أنكر عليهم فعلهم وعدّه بدعة اهـ "وما روى" عن عمر وعثمان وابن الزبير ومعاوية من أنهم خطبوا قبل الصلاة "فلم يصح" وعلى تقدير صحته فلا يعارض ما ثبت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الأحاديث الصحيحة الكثيرة من فعله المستمرّ إلى أن فارق الدنيا وانعقد الإجماع من السلف والخلف عليه (واختلف) فيما لو وقعت الخطبة قبل الصلاة أيعتدّ بتلك الخطبة أم لا (فقالت) الحنابلة والشافعية

لا يعتد بها ويعيدها بعد الصلاة (وقالت) الحنفية يعتد بها مع الكراهة (وقالت) المالكية يعتد بها ويعيدها ندبًا وقيل استنانًا (وهما خطبتان) كخطبتي الجمعة يقوم فيهما ويجلس بينهما. فقد روى ابن ماجه من طريق إسماعيل بن مسلم الخولاني عن أبي الزبير عن جابر قال خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم فطر أو أضحى فخطب قائمًا ثم قعد قعدة ثم قام وإسماعيل ضعيف. وروى الشافعي في مسنده عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال السنة أن يخطب الإِمام في العيد خطبتين يفصل بينهما بجلوس اهـ (ويبتدئهما) بالحمد الله كخطبة الجمعة ويكبر أثناءهما لما رواه ابن ماجه عن سعد المؤذن قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يكبر بين أضعاف الخطبة ويكثر التبكير في خطة العيدين. وما رواه البيهقي أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يبدأ بالصلاة قبل الخطبة وكان يحب أن يكثر التكبير بين أضعاف الخطبة. ولحديث أحمد والمصنف عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد الله فهو أجذم وهو وإن اختلف في وصله يعضده ما رواه الطبراني عن كعب بن مالك مرفوعًا كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه بالحمد فهو أقطع. وأخرج ابن حبان والعسكري والمصنف عن أبي هريرة مرفوعًا كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه بحمد الله تعالى فهو أقطع "وما رواه" البيهقي وابن أبي شيبة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال السنة أن تفتتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات تترى والثانية بسبع تكبيرات تترى "لا ينتهض للاحتجاج به" لأن قول التابعي من السنة كذا ليس ظاهرًا في سنة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلا يحتج به بخلاف ما إذا قالها الصحابي فيحتج به على الراجح (قال في الهدى) كانت صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفتتح خطبه كلها بالحمد لله ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيد بالتكبير وإنما روى ابن ماجه في سننه عن سعد مؤذن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان يكبر بين أضعاف الخطبة ويكثر التكبير في خطبة العيدين وهذا لا يدل على أنه كان يفتتحها به وقد اختلف الناس في افتتاح خطة العيدين والاستسقاء فقيل يفتتحان بالتكبير وقيل يفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار وقيل يفتتحان بالحمد قال شيخ الإِسلام تقى الدين هو الصواب لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله وأما قول كثير من الفقهاء إنه يفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار وخطبة العيدين بالتكبير فليس معهم فيها سنة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ألبتة والسنة تقتضي خلافه وهو افتتاح جميع الخطب بالحمد اهـ ببعض تصرّف

باب يخطب على قوس

(باب يخطب على قوس) وفي بعض النسخ إسقاط هذه الترجمة والصواب إثباتها (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي جَنَابٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْبَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نُوِّلَ يَوْمَ الْعِيدِ قَوْسًا فَخَطَبَ عَلَيْهِ. (ش) (رجال الحديث) (أبو جناب) بفتح الجيم وتخفيف النون هو يحيى بن حيّ تقدم في الجزء الرابع صفحة 239. و (يزيد بن البراء) بن عازب الأنصاري الحارثي الكوفي روى عن أبيه. وعنه عدي بن ثابت وأبو جناب وأبو عائذ. قال العجلي تابعي ثقة وقال في التقريب صدوق من الثالثة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائي (معنى الحديث) (قوله نوّل يوم العيد قوسًا فخطب عليه) أي أعطي يوم العيد قوسًا فخطب وهو متكئ عليه. ونوّل بواو واحدة مشددة هكذا في أكثر النسخ من التنويل وهو الإعطاء وفي بعضها بواوين من المناولة. وهذا الحديث أخرجه أحمد من طريق أبي جناب مختصرًا كرواية المصنف وأخرجه مطوّلًا عنه أيضًا قال حدثني يزيد ابن البراء بن عازب عن البراء بن عازب قال كنا جلوسًا في المصلى يوم أضحى فأتانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلم على الناس ثم قال إن أول نسك يومكم هذا الصلاة قال فتقدم فصلى ركعتين ثم سلم ثم استقبل الناس بوجهة وأعطي قوسًا أو عصا فاتكأ عليه فحمد الله وأثنى عليه وأمرهم ونهاهم وقال من كان منكم عجل ذبحًا فإنما هي جزرة أطعمه أهله إنما الذبح بعد الصلاة فقام إليه خالي أبو بردة بن نيار فقال أنا عجلت ذبح شاتي يا رسول الله ليصنع لنا طعام نجتمع عليه إذا رجعنا وعندي جذعة من معز أوفى من الذي ذبحت أفتغنى عني يا رسول الله قال نعم ولن تغنى عن أحد بعدك قال ثم قال يا بلال قال فمشى واتبعه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى أتى النساء فقال يا معشر النسوان تصدقن الصدقة خير لكنّ قال فما رأيت قط أكثر خدمة مقطوعة وقلادة وقرطًا من ذلك اليوم "والخدمة بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة الخلخال" (باب ترك الأذان في العيد) وفي نسخة باب الأذان في العيد (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ

ابْنَ عَبَّاسٍ أَشَهِدْتَ الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ نَعَمْ وَلَوْلاَ مَنْزِلَتِي مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ مِنَ الصِّغَرِ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- الْعَلَمَ الَّذِى عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَذَانًا وَلاَ إِقَامَةً قَالَ ثُمَّ أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ -قَالَ- فَجَعَلَ النِّسَاءُ يُشِرْنَ إِلَى آذَانِهِنَّ وَحُلُوقِهِنَّ قَالَ فَأَمَرَ بِلاَلًا فَأَتَاهُنَّ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. (ش) (سفيان) (الثوري) (قوله سأل رجل) لم يعرف اسمه (قوله ولولا منزلتي منه ما شهدته من الصغر) وفي رواية البخاري ولولا مكاني من الصغر ما شهدته يعني لولا منزلتي من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما شهدت العيد لأجل صغرى. ومنزلته قرابته من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العلم الخ) أي جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى العلامة التي عند دار كثير بن الصلت فالمراد بالعلم العلامة لا الجبل وظاهره أن دار كثير كانت موجودة في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم وليس كذلك فإن كثيرًا بناها بعده صلى الله عليه وآله وسلم بزمن فصارت شهيرة في تلك البقعة ووصف المصلى بمجاورتها وكثير بن الصلت هو ابن معاوية الكندي تابعي كبير ولد في عهده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقدم المدينة هو وإخوته فسكنها قال نافع كان اسمه قليلًا فسماه عمر كثيرًا (قوله فصلى ثم خطب) أي صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العيد ثم خطب بعد الصلاة (قوله ولم يذكر أذانًا ولا إقامة) أي قال ابن عابس لم يذكر ابن عباس أذانًا ولا إقامة وهذه الجملة معترضة بين المتناسبين. وفي رواية البخاري فصلى ثم خطب ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهنّ وذكرهنّ وأمرهنّ بالصدقة فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه في ثوب بلال ثم انطلق هو وبلال إلى بيته (قوله قال فجعل النساء يشرن إلى آذانهنّ وحلوقهنّ) وفي أكثر النسخ فجعلن النساء. والنساء بدل من ضمير النسوة. والنسخة الأولى هي الأولى. والمعنى أسرع النساء يشرن إلى ما في آذانهنّ وحلوقهنّ من الأقراط والقلائد يقصدن بذلك أنها صدقة (قوله فأمر بلالًا فأتاهنّ الخ) أي أمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بلالًا بإتيانه النساء ليأخذ ما يتصدقن به. وظاهر هذه الرواية أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم ينتقل من المكان الذي خطب فيه وأنه أرسل بلالًا ليأخذ من النساء ما تصدقن به بخلاف الروايات السابقة فإنها صريحة في أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذهب إلى النساء ومعه بلال

باب ترك الأذان في العيد

لوعظهن وحضهن على الصّدقة (ويمكن الجمع) بأن بلالًا مشى مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأتيا إليهن فوعظهن وأمرهن بالتصدق فتصدق بعض منهن وأمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بلالًا أن يأتي البعض الآخر ليأخذ منهن الصدقة فأخذها منهن ثم رجع إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وبأن) في رواية الباب اختصارًا لما عند البخاري من طريق عبد الرحمن في عابس قال سمعت ابن عباس قيل له أشهدت العيد مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال نعم ولولا مكاني من الصغر ما شهدته "خرج" حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت فصلى ثم خطب ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكرهن "الحديث" (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الْعِيدَ بِلاَ أَذَانٍ وَلاَ إِقَامَةٍ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ شَكَّ يَحْيَى. (ش) (يحيى) في سعيد القطان. و (طاوس) بن كيسان اليمامي (قوله صلى العيد الخ) صرّح ابن عباس في هذه الرواية بأنه ليس في صلاة العيد أذان ولا إقامة وأن أبا بكر الصديق وعمر رضي الله تعالى عنهما صلى كل منهما العيد بغير أذان ولا إقامة وشك يحيى القطان في ذكر عمر في الرواية أوعثمان (والحديث) أخرجه ابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَهَنَّادٌ -وَهَذَا لَفْظُهُ- قَالاَ نَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ -يَعْنِي ابْنَ حَرْبٍ- عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- غَيْرَ مَرَّةٍ وَلاَ مَرَّتَيْنِ الْعِيدَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلاَ إِقَامَةٍ. (ش) (أبو الأحوص) سلام بن سليم (قوله صليت مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غير مرّة ولا مرّتين الخ) مراده أنه صلى العيدين مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم كثيرًا بغير أذان ولا إقامة (وأحاديث الباب) كلها تدل على عدم مشروعية الأذان والإقامة في صلاة العيدين قال العراقي وعلى هذا عمل العلماء كافة اهـ وقال ابن قدامة لا نعلم في هذا خلافًا ممن يعتد بخلافه اهـ (وقال مالك) في الموطأ سمعت غير واحد من علمائنا يقول لم يكن في الفطر ولا في الأضحى نداء ولا إقامة منذ زمن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى اليوم

باب التكبير في العيدين أي في صلاتهما مذاهب العلماء في ذلك وفي محل التكبير والقراءة. وفي عدد التكبير في ركعتي العيد

وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا اهـ واختلف في أول من أحدث الأذان والإقامة في العيدين من الأمراء. فقيل معاوية كما أخرجه الشافعي قال أخبرنا الثقة عن الزهري أنه قال لم يؤذن للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا لأبي بكر ولا لعمر ولا لعثمان في العيدين حتى أحدث ذلك معاوية بالشام فأحدثه الحجاج بالمدينة حين أمر عليها اهـ وقيل أول من أحدثهما ابن الزبير وقيل مروان وقيل الحجاج (ولاوجه لهم) فيما أحدثوه لمخالفته الثابت عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وخلفائه الراشدين "وما روي" من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يأمر المؤذن أن يقول الصلاة جامعة "فهو مرسل" عن الزهري ضعيف كما ذ كره النووي فلا تقوم به حجة "وما قيل" من أنه يقال فيها ذلك قياسًا على الكسوف "لا يعوّل عليه" لأن محلّ القياس مسألة لم يعلم فيها نص وصلاة العيد تكرّرت منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في مجمع من الصحابة. ومثل هذا تتوفر الدواعي على نقله تواترًا فلا محلّ للقياس فيه. وروى مسلم عن عطاء قال أخبرني جابر أن لا أذان لصلاة يوم الفطر حين يخرج الإِمام ولا ما بعد ما يخرج ولا إقامة ولا شيء (وهو بعمومه) يشمل نفي قولهم الصلاة جامعة ونحوها (قال في الهدى) كان صلى الله عليه وآله وسلم إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول الصلاة جامعة والسنة أنه لا يفعل شيء من ذلك اهـ (والحديث) أخرجه أحمد ومسلم والترمذي والبيهقي (باب التكبير في العيدين) أي في بيان صفة التكبير في صلاة العيدين وعدده (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ نَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ وَالأَضْحَى فِي الأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَفِى الثَّانِيَةِ خَمْسًا. (ش) (ابن لهيعة) هو عبد الله. و (عقيل) بضم العين مصغرًا ابن خالد الأيلي (قوله كان يكبر في الفطر والأضحى الخ) فيه دليل على سنية التكبير في صلاة العيدين وأنه في الركعة الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس تكبيرات لا فرق في هذا بين عيد الأضحى والفطر وهو مروى عن عمر وعلى وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وجابر وابن عمر وابن عباس وعائشة وهو قول الفقهاء السبعة من أهل المدينة وقول عمر بن عبد العزيز والزهري ومكحول ومالك

والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق إلا أن مالكًا وأحمد والمزني قالوا سبعًا في الأولى بتكبيرة الإحرام وخمسًا في الثانية سوى تكبيرة القيام (وقال الشافعي) والأوزاعي وإسحاق السبع في الأولى غير تكبيرة الإحرام والخمس في الثانية غير تكبيرة القيام وهو الأقرب لما رواه الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كبر في العيدين الأضحى والفطر ثنتي عشرة تكبيرة في الأولى سبعًا وفي الآخرة خمسًا سوى تكبيرة الإحرام (والحديث) أخرجه البيهقي (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ السَّرْحِ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ قَالَ سِوَى تَكْبِيرَتَيِ الرُّكُوعِ. (ش) (ابن السرح) هو أحمد بن عمرو (قوله بإسناده) أي بإسناد حديث قتيبة وهو عن عروة عن عائشة (قوله قال سوى تكبيرتي الركوع) أي قال عبد الله بن وهب في روايته عن ابن لهيعة بسنده كان يكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة عيد الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات والثانية (ورواية) ابن وهب أخرجها ابن ماجة والدارقطني والبيهقي بلفظ إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كبر في الفطر والأضحى سبعًا وخمسًا سوى تكبيرتي الركوع (وفيها دلالة) لقول من قال إن تكبيرة الإحرام معدودة من السبع حيث لم يستثنها مع تكبيرتي الركوع "ولا يشكل" عليه عدم استثناء تكبيرة القيام للركعة الثانية "لأنها في نفس القيام" ولا يعدّ من تكبيرات العيد إلا ما كان بعد القيام (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ قَالَ نَبِيُّ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "التَّكْبِيرُ في الْفِطْرِ سَبْعٌ في الأُولَى وَخَمْسٌ في الآخِرَةِ وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا". (ش) (رجال الحديث) (المعتمر) بن سليمان. و (عبد الله بن عبد الرحمن) بن يعلي بن كعب (الطائفي) أبو يعلى الثقفي. روى عن عمرو بن شعيب وعطاء بن أبي رباح والمطلب بن عبد الله وآخرين. وعنه الثوري ومروان بن معاوية والمعتمر بن سليمان وجماعة. ضعفه ابن معين

وقال الدارقطني يعتبر به ووثقه العجلي وقال أبو حاتم ليس بالقوي لين الحديث وقال النسائي ليس بالقوي يكتب حديثه وقال في التقريب صدوق يخطئُ ويهم من السابعة. روى له مسلم والنسائي وابن ماجه وأبو داود والبخاري في الأدب (معنى الحديث) (قوله والقراءة بعدهما) يعني القراءة في الركعتين تكون بعد التكبير فيهما (وفيه دلالة) على أن القراءة في صلاة العيد تكون بعد التكبير في الركعتين (وبهذا) قال مالك والشافعي وأحمد قال العراقي وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين (واستدلوا) أيضًا بما رواه الترمذي من طريق عبد الله بن نافع عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كبر في العيدين في الأولى سبعًا قبل القراءة وفي الآخرة خمسًا قبل القراءة قال الترمذي حديث حسن (وبما رواه) البيهقي من طريق عبد الله بن محمَّد بن عمار ابن سعد وعمر بن حفص بن عمر بن سعد عن آبائهم عن أجدادهم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كبر في العيدين في الأولى سبعًا وفي الآخرة خمسًا وكان يكبر قبل القراءة (وبما رواه) من طريق شعيب بن أبي حمزة ومالك عن نافع مولى ابن عمر قال شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات في القراءة وفي الآخرة خمس تكبيرات في القراءة ثم قال هي السنة (وما رواه) أيضًا عن سعد بن قرظ قال إن السنة في صلاة الأضحى والفطر أن يكبر الإِمام في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة ويكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات قبل القراءة (وقالت) الحنفية يوالي بين القراءتين فيكبر في الأولى ثم يقرأ ويقرأ في الثانية ثم يكبر لما أخرجه عبد الرزاق عن علقمة والأسود قالا كان ابن مسعود جالسًا وعنده حذيفة وأبو موسى الأشعري فسألهم سعيد بن العاص عن التكبير في الفطر والأضحى فقال حذيفة سل الأشعري فقال أبو موسى سل عبد الله فإنه أقدمنا وأعلمنا فسأله فقال ابن مسعود يكبر أربعًا ثم يقرأ فيركع تم يقوم في الثانية فيقرأ ثم يكبر أربعًا بعد القراءة (ولما رواه) البيهقي عن معبد بن خالد عن كردوس قال قدم سعيد بن العاص قبل الأضحى فأرسل إلى عبد الله ابن مسعود وإلى أبي موسى وإلى أبي مسعود الأنصاري فسألهم عن التكبير فقذفوا بالمقاليد إلى عبد الله "أي أشاروا إليه" فقال عبد الله تقوم فتكبر أربع تكبيرات ثم تقرأ ثم تركع في الخامسة ثم تقوم فتقرأ ثم تكبر أربع تكبيرات فتركع بالرابعة (قالوا) ولأن التكبير من الثناء والثناء حيث شرع في الركعة الأولى شرع مقدمًا على القراءة كالاستفتاح في الركعة الثانية شرع مؤخرًا كالقنوت (والراجح) ما قاله الأولون لأنه مرفوع إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قولًا وفعلًا من طرق كثيرة جيدة. وما ذكروه من القياس على دعاء الافتتاح والقنوت لا يعوّل عليه لأنه في مقابلة النصّ

(والحديث) أخرجه الدارقطني والبيهقي وقال حديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي صحيح (ص) حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ نَا سُلَيْمَانُ -يَعْنِي ابْنَ حَيَّانَ- عَنْ أَبِي يَعْلَى الطَّائِفِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ فِي الأُولَى سَبْعًا ثُمَّ يَقْرَأُ ثُمَّ يُكَبِّرُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا ثُمَّ يَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ. (ش) (أبو يعلى) هو عبد الله بن عبد الرحمن المتقدم (قوله كان يكبر في الفطر في الأولى سبعًا الخ) فيه دلالة أيضًا على أن التكبير يكون قبل القراءة (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ وَكِيعٌ وَابْنُ الْمُبَارَكِ قَالاَ سَبْعًا وَخَمْسًا. (ش) أي روى هذا الحديث وكيع بن الجرّاح وعبد الله بن المبارك وقالا في روايتهما عن أبي يعلى يكبر في الثانية خمسًا. وغرض المصنف بهذا الإشارة إلى ضعف رواية سليمان بن حيان عن أبي يعلى التي فيها أن التكبير في الثانية أربع. وقد روى الدارقطني هذا الحديث من عدة طرق عن أبي يعلى بذكر الخمس تكبيرات في الركعة الثانية وقال البيهقي بعد أن أخرج رواية المعتمر بن سليمان عن الطائفي وكذلك رواه ابن المبارك ووكيع وأبو عاصم وعثمان بن عمر وأبو نعيم عن عبد الله "وفي كل ذلك" دلالة على خطأ رواية سليمان بن حيان عن عبد الله الطائفي في هذا الحديث سبعًا في الأولى وأربعًا في الثانية. ورواية عبد الله بن المبارك أخرجها ابن ماجه بلفظ إن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كبر في العيد سبعًا وخمسًا (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ وَابْنُ أَبِي زِيَادٍ -الْمَعْنَى قَرِيبٌ- قَالاَ نَا زَيْدٌ -يَعْنِي ابْنَ حُبَابٍ- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو عَائِشَةَ جَلِيسٌ لأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ سَأَلَ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُكَبِّرُ فِي الأَضْحَى وَالْفِطْرِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى كَانَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا تَكْبِيرَهُ عَلَى الْجَنَائِزِ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ صَدَقَ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى كَذَلِكَ كُنْتُ

أُكَبِّرُ فِي الْبَصْرَةِ حَيْثُ كُنْتُ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ أَبُو عَائِشَةَ وَأَنَا حَاضِرٌ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ. (ش) (رجال الحديث) (ابن أبي زياد) هو عبد الله بن الحكم بن أبي زياد أبو عبد الرحمن القطواني. روى عن ابن عيينة ومعاذ بن هشام وزيد بن الحباب وغيرهم. وعنه الترمذي وابن ماجه وأبو حاتم وكثيرون. وثقه ابن أبي حاتم وابن حبان وقال في التقريب صدوق من العاشرة. مات سنة خمس وخمسين ومائتين. روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي و(عبد الرحمن بن ثوبان) هو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان فهو منسوب إلى جده (قوله عن أبيه) هو ثابت بن ثوبان العنسي الدمشقي. روى عن سعيد بن المسيب ومكحول والزهري وابن سيرين وعبد الله بن الديلمى. وعنه ابنه عبد الرحمن والأوزاعي ويحيى بن حمزة وآخرون وثقة أبو حاتم وابن معين وقال العجلي لا بأس به وقال في التقريب ثقة من السادسة. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه والبخاري في الأدب. و (أبو عائشة) الأموي مولاهم روى عن أبي هريرة وحذيفة. وعنه مكحول وخالد بن معدان. قال الذهبي لا يعرف وقال ابن حزم وابن القطان مجهول. و(سعيد بن العاص) وفي نسخة سعيد بن العاص بإثبات الياء ابن سعيد بن العاص بن أمية الأموي أبا عثمان كان من فصحاء قريش ولهذا ندبه عثمان فيمن ندب لكتابة القرآن وكانت عربية القرآن قائمة على لسان سعيد بن العاص لأنه كان أشبههم لهجة برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولي الكوفة وغزا طبرستان ففتحها وغزا جرجان وكان في عسكره حذيفة وغيره من كبار الصحابة وكان مشهورًا بالكرم. روى عن ابن عمر أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ببردة فقالت إني نذرت هذه البردة لأكرم العرب فقال أعطيها لهذا الغلام يعني سعيدًا. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرسلًا وعن عثمان وعمرو وعائشة. وعنه ابناه عمر ويحيى ومولاه كعب وسالم بن عبد الله وعروة بن الزبير توفي سنة سبع أو ثمان وخمسين (معنى الحديث) (قوله تكبيره على الجنائز) أي كتكبيره على صلاة الجنازة والتشبيه في عدد التكبيرات (قوله حيث كنت عليهم) أي كنت واليًا عليهم (قوله قال أبو عائشة الخ) غرضه بهذا وما قبله تأكيد ما رواه لأنه عن عيان فلا شك فيه (وبهذا الحديث) استدلت الحنفية على أن عدد التكبير في الركعة الأولى من صلاة العيد ثلاث وكذا في الثانية وإنما قال أربعًا لأن تكبيرة الافتتاح تضمّ إلى الثلاث في الأولى والثانية يضمّ إليها تكبيرة الركوع فيكون في كلّ ركعة أربع تكبيرات (وهو مذهب) ابن مسعود وأبي موسى وأبي مسعود الأنصاري والثوري (لكن الحديث) لا يصلح للاحتجاج به لأن فيه عبد الرحمن بن ثوبان ضعفه ابن معين

وقال أحمد لم يكن بالقوي وأحاديثه مناكير. وفيه أبو عائشة وهو مجهول لا يعرف اسمه ولا حاله. ورواه البيهقي من رواية مكحول عن رسول أبي موسى وحذيفة. قال البيهقي هذا الرسول مجهول وقد خولف راوى هذا الحديث في موضعين "أحدهما" في رفعه "والآخر" في جواب أبي موسى. والمشهور في هذه القصة أنهم أسندوا أمرهم إلى ابن مسعود فأفتاه ابن مسعود بذلك ولم يسنده إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كذلك رواه أبو إسحاق السبيعي عن عبد الله ابن موسى أو ابن أبي موسى أن سعيد بن العاص أرسل إلى مسعود وحذيفة وأبي موسى فسألهم عن التكبير في العيد فأسندوا أمرهم إلى ابن مسعود فقال تكبر أربعًا قبل القراءة ثم تقرأ فإذا فرغت كبرت فركعت ثم تقوم في الثانية فتقرأ فإذا فرغت كبرت أربعًا وعبد الرحمن هو ابن ثابت بن ثوبان ضعفه يحيى بن معين قال وكان رجلًا صالحًا ورواه النعمان بن المنذر عن مكحول عن رسول أبي موسى وحذيفة عنهما عن الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يسمّ الرسول اهـ (وعلى) تقدير صحة الحديث فليس فيه أن التكبير ست في كلتا الركعتين سوى تكبيرتي الإحرام والركوع كما يقولون بل ظاهره أن التكبير فيهما أربع ولا قائل به (وهناك) آثار أخر تدل على أن التكبير ثلاث في الأولى والثانية (منها) ما رواه عبد الرزاق في مصنفه قال أخبرنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن علقمة والأسود أن ابن مسعود كان يكبر في العيدين تسعًا تسعًا أربع قبل القراءة ثم يكبر فيركع وفي الثانية يقرأ فإذا فرغ كبر أربعًا ثم ركع (ومنها) ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا هشيم أنا مجالد عن الشعبي عن مسروق قال كان عبد الله بن مسعود يعلمنا التكبير في العيدين تسع تكبيرات خمس في الأولى وأربع في الأخرى ويوالي بين القراءتين (ومنها) ما رواه عبد الرزاق أيضًا في مصنفه أخبرنا إسماعيل بن أبي الوليد نا خالد الحذاء عن عبد الله بن الحارث قال شهدت ابن عباس كبر في صلاة العيد بالبصرة تسع تكبيرات ووالى بين القراءتين قال وشهدت المغيرة بن شعبة فعل ذلك أيضًا (لكن هذه آثار) لا تقوى على معارضة المرفوع من الأحاديث (وأخذ من أحاديث الباب) أن التكبير في العيد له طريقتان "إحدهما" أن يكبر في الأولى سبعًا وفي الثانية خمسًا "وثانيتهما" يكبر أربعًا في الأولى بتكبيرة الإحرام وأربعًا في الثانية بتكبيرة الركوع (وهناك) طرق أخرى. منها التفرقة بين عيد الفطر والأضحى فيكبر في الفطر إحدى عشرة ستًا في الأولى وخمسًا في الثانية وفي الأضحى ثلاثًا في الأولى وثنتين في الثانية يبدأ بالقراءة في الركعتين فيهما رواه ابن أبي شيبة موقوفًا على عليّ لكنه من رواية الحارث الأعور وفيه مقال (ومنها) أن التكبير سبع في الأولى وسبع في الثانية وهي مروية عن أنس والمغيرة بن شعبة وسعيد بن المسيب والنخعي (ومنها) أنه يكبر في الأولى سبعًا قبل القراءة وفي الثانية خمسًا بعد القراءة حكى هذا في البحر عن القاسم والناصر (ومنها) أن

ذكر مبدإ خلق السموات والأرض وما فيهما واختلاف العلماء في الموالاة بين تكبيرات صلاة العيد. وفي رفع اليدين عند كل تكبيرة. وفي حكم تلك التكبيرات وفي سجود السهو لتركها. وفي ابتداء وقت التكبير وانتهائه. وفي صفته. وحكم الجهر به أيام العيد

التكبير سبع في الأولى وخمس في الثانية إلا أنه فيهما بعد القراءة (وإليه) ذهب الهادي والمؤيد بالله أبو طالب (وأقوى) الطرق ما فيها أن التكبير سبع في الأولى وخمس في الثانية قبل القراءة فيهما لكثرة أدلتها ولما تقدم من أنها قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة هي المروية عن عائشة وعمرو بن العاصي ومروية أيضًا عن عمرو بن عوف عند الترمذي بلفظ إن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كبر في العيدين في الأولى سبعًا قبل القراءة وخمسًا في الثانية قبل القراءة قال الترمذي وهو أحسن شيء في هذا الباب (قال) الشوكاني بعد سرد الأقوال في عدد التكبير احتج أهل القول الأول بما في الباب من الأحاديث المصرّحة بعدد التكبير وكونه قبل القراءة (قال) ابن عبد البر وروى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من طرق حسان أنه كبر في العيدين سبعًا في الأولى وخمسًا في الثانية من حديث عبد الله بن عمر وابن عمرو وجابر وعائشة وأبي واقد وعمرو بن عوف المزني ولم يرد عنه من وجه قوي ولا ضعيف خلاف هذا وهو أولى ما عمل به اهـ (ثم قال) وأرجح هذه الأقوال أولها في عدد التكبير وفي محل القراءة اهـ وأولها التكبير سبعًا في الأولى قبل القراءة وخمسًا في الثانية قبلها (قال الزرقاني) قال بعض العلماء حكمة هذا العدد أنه لما كان للوترية أثر عظيم في التذكير بالوتر الصمد الواحد الأحد وكان للسبعة منها مدخل عظيم في الشرع جعل تكبير صلاة العيد وترًا وجعل سبعًا في الأولى لذلك وتذكيرًا بأعمال الحج السبعة من الطواف والسعي والجمار تشويقًا إليها لأن النظر إلى العيد الأكبر أكثر تذكيرًا بخالق هذا الوجود بالتفكر في أفعاله المعروفة من خلق السموات السبع والأرضين السبع وما فيها من الأيام السبع لأنه خلقهما في ستة أيام وخلق آدم في السابع يوم الجمعة. ولما جرت عادة الشارع بالرفق بهذه الأمة ومنه تخفيف الثانية عن الأولى وكانت الخمسة أقرب وترًا إلى السبعة من دونها جعل تكبير الثانية خمسًا لذلك اهـ وقوله وخلق آدم في السابع يوم الجمعة مبني على القول بأن مبدأ الخلق كان يوم السبت والصحيح أنه كان يوم الأحد لما في مسلم والحاكم عن ابن عباس إن الله خلق الأرض يوم الأحد والاثنين وخلق الجبال وما فيهن من المنافع يوم الثلاثاء وخلق يوم الأربعاء الصخر والماء والطين والعمران والخراب وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقين منه فخلق الله في أول ساعة من هذه الساعات ساعات الآجال وفي الثانية ألقى الله الألفة على كل شيء مما ينتفع به الناس وخلق في الثالثة آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة اهـ (واختلف) في الموالاة بين تكبيرات صلاة العيد فقال أبو حنيفة ومالك والأوزاعي يوالى بينها ولا يفصلها بذكر ولا دعاء ويسكت الإِمام هنيهة قدر ما يكبر المأموم (وقال الشافعي) يفصل بين كل تكبيرتين قدر آية لا طويلة ولا قصيرة (واختلف)

أصحابه فيما يقوله في هذه السكتة فقال الأكثرون يقول سبحانه الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وقال بعضهم يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (وبالفصل) بين كل تكبيرتين قالت الحنابلة وقالوا يقول الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلًا وصلى الله على محمَّد النبي وآله وسلم تسليمًا كثيرًا (ولا حجة لهم) على ذلك كله ولو كان لنقل إلينا كما نقل التكبير "وما رواه" البيهقي أن الوليد بن عقبة خرج على عبد الله وحذيفة والأشعرى وقال إن هذا العيد غدا فكيف التكبير فقال عبد الله بن مسعود تكبر وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك "فليس صريحًا" في تكبير الصلاة بل يحتمله وغيره من التكبير (واختلف) أيضًا هل يرفع يديه مع كل تكبيرة فقال أبو حنيفة ومحمد والشافعية والحنابلة وعطاء والأوزاعي وابن المنذر وداود يرفع يديه مع كل تكبيرة كما رواه البيهقي عن عمر أنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة ولحديث وائل بن حجر عند المصنف وغيره أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يرفع يديه مع كل تكبير (قال) أحمد فأرى أن يدخل فيه هذا كله اهـ (وقال) أبو يوسف وابن أبي ليلى والثوري لا يرفع يديه إلا في الإحرام وهي رواية عن مالك. وروي عنه مطرّف وابن كنانة استحباب الرفع في كل تكبيرة. وروى عنه التخيير في ذلك (قال في الهدى) كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة ولم يحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات ولكن ذكر عن ابن مسعود أنه كان يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكان ابن عمر مع تحرّيه للاتباع يرفع يديه مع كل تكبيرة اهـ (واختلف) في حكم التكبير في صلاة العيد فذهب الناصر والهادوية إلى أنه فرض. واستدلوا على ذلك في عيد الفطر بقوله تعالى (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) وعلى وجوبه في الأضحى بقوله تعالى (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) (وذهب) الجمهور إلى أنه سنة (وأجابوا) عن الآيتين بأنهما ليستا نصًا في تكبيرات صلاة العيد فلا يصح الاستدلال بهما على الوجوب (وقالت الحنفية) واجب يأثم المصلي بتركه عمدًا (قال في النيل) والظاهر عدم وجوب التكبير كما ذهب إليه الجهمور لعدم ما يدل على الوجوب وقال ابن قدامة لا أعلم في سنية التكبير في صلاة العيد خلافًا اهـ (واختلف) أيضًا فما إذا ترك التكبير أو بعضه نسيانًا (فقالت الحنفية) لو تركه حتى فرغ من القراءة فإن تذكره في الركوع أتى به فيه وإلا بأن تذكره بعد الرفع من الركوع سجد للسهو لتركه الواجب (وقالت الشافعية) والحنابلة إذا تركه حتى فرغ من القراءة لا يعود إليه ولاسجود عليه (وقالت المالكية) إن نسيه حتى فرغ من القراءة عاد إليه واستأنف القراءة وسجد بعد السلام هذا ما لم يركع فإن تذكره بعد الركوع تمادى في الصلاة وسجد الإِمام والفذ قبل السلام (فائدة) ذهب جماهير

العلماء من السلف والخلف إلى مشروعية التكبير في العيدين في غير الصلاة واختلفوا في ابتداء وقته وانتهائه أما في الأضحى (فذهبت) الحنفية إلى أن أول وقت التكبير فيه فجر يوم عرفة واختلفوا في آخره فقال أبو حنيفة آخره صلاة العصر من يوم النحر وقال أبو يوسف ومحمد آخره صلاة العصر من آخر أيام التشريق (وقالت الشافعية) والحنابلة يكبر عقب الصلاة من صبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق (وهذا) في حق المحلّ عندهم أما المحرم فيكبر من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق (وذهبت المالكية) إلى أنه يكبر عقب خمس عشرة فريضة من ظهر يوم النحر إلى صبح آخر أيام التشريق لما رواه الدارقطني عن ابن عمر قال التكبير أيام التشريق بعد الظهر من يوم النحر وآخره في الصبح من آخر أيام التشريق وما رواه عنه أيضًا أنهم كانوا يكبرون في صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الظهر من آخر أيام التشريق يكبرون في الصبح ولا يكبرون في الظهر (قال في الفتح) وفي التكبير اختلاف بين العلماء في مواضع فمنهم من قصر التكبير على أعقاب الصلوات. ومنهم من خص ذلك بالمكتوبات دون النوافل ومنهم من خصه بالرجال دون النساء وبالجماعة دون المنفرد وبالمؤدّاة دون المقضية وبالمقيم دون المسافر وبساكن العصر دون القرية (وظاهر) اختيار البخاري شمول ذلك للجميع والآثار التي ذكرها تساعده (وللعلماء اختلاف) في ابتدائه وانتهائه فقيل من صبح يوم عرفة وقيل من ظهره وقيل من عصره وقيل من صبح يوم النحر وقيل من ظهره وقيل في الانتهاء إلى ظهر يوم النحر وقيل إلى عصره وقيل إلى ظهر ثانيه وقيل إلى صبح آخر أيام التشريق وقيل إلى ظهره وقيل إلى عصره (حكى) هذه الأقوال كلها النووي إلا الثاني من الانتهاء. وقد رواه البيهقي عن أصحاب ابن مسعود ولم يثبت في شيء من ذلك عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حديث (وأصح) ما ورد فيه عن الصحابة قول علي وابن مسعود إنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى أخرجه ابن المنذر وغيره اهـ (والآثار) التي أشار إليها عند البخاري ما رواها عن عمر أنه كان يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتجّ مني تكبيرًا وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام "يعني أيام منى" وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعًا (وكانت) ميمونة تكبر يوم النحر وكان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد (وقال) في الروضة الندية أما تكبير أيام التشريق فلا شك في مشروعية مطلق التكبير في هذه الأيام المذكورة ولم يثبت تعيين لفظ مخصوص ولا وقت مخصوص ولا عدد مخصوص بل المشروع الاستكثار منه دبر الصلوات وسائر الأوقات فما جرت عليه عادة الناس اليوم استنادًا إلى بعض الكتب الفقهية من جعله عقب كل صلاة فريضة ثلاث مرّات وعقب كل صلاة نافلة مرّة واحدة وقصر

المشروعية على ذلك فحسب ليس على أثارة من علم فيما أعلم (وأصح) ما ورد فيه عن الصحابة من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى اهـ (أما وقت) تكبير عيد الفطر فقال الجمهور يكبر عند الغدوّ إلى صلاة العيد وبه قال علي وابن عمر وأبو أمامة وابن أبي ليلى وسعيد بن جبير وعمر ابن عبد العزيز والحكم وحماد ومالك وإسحاق وأبو ثور وهو ظاهر كلام الحنفية. ويدل لهم ما رواه الدارقطني عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يكبر يوم الفطر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلي (وقالت الشافعية) أول وقته إذا غربت الشمس ليلة العيد. وهو مذهب سعيد بن المسيب وأبي سلمة وعروة وزيد بن أسلم (وبه قالت الحنابلة) وقالوا يتأكد عند الخروج إلى المصلى (ومنشأ) الخلاف في ذلك اختلاف في تفسير قوله تعالى (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) فقال أكثر المفسرين المراد التكبير عند الخروج إلى الصلاة (وقال) جماعة المراد التكبير ليلة العيد عند رؤية هلال شوّال كما رواه ابن جرير عن ابن عباس قال حق على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوّال أن يكبروا الله تعالى حتى يفرغوا من عيدهم لأن الله يقول (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) (واختلف) في انتهائه فقالت المالكية ينتهي بخروج الإِمام إلى الصلاة (وهو) قول الشافعية (وللحنفية) في انتهائه قولان "أحدهما" ينتهى بالوصول إلى المصلى "ثانيهما" بشروع الإِمام في الصلاة وهو أصح الأقوال عند الشافعية (وقالت الحنابلة) ينتهي بالفراغ من الخطبة (واختلفوا) أيضًا في حكم هذا التكبير فذهب الأكثرون إلى استحبابه (قال النووي) وحكى العبدري وغيره عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وداود أنهم قالوا التكبير في عيد الفطر واجب وفي الأضحى مستحب اهـ وفي صفة التكبير روايات (منها) ما أخرجه الدارقطني عن جابر قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا صلى الصبح من غداة عرفة يقبل على أصحابه فيقول على مكانكم ويقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد (ومنها) ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان قال كبروا الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرًا (قال) في سبل السلام وهذه أصح الروايات (ومنها) ما أخرجه الدارقطني عن سعيد بن أبي هند أنه سمع جابر بن عبد الله يكبر في الصلوات الله أكبر الله أكبر الله أكبر. وحكى ابن المنذر عن عمر وابن مسعود أن التكبير الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد (وبه الثوري) وأبو حنيفة ومحمد وأحمد وإسحاق (وقال) الحكم وحماد وليس في التكبير شيء مؤقت (وقال) في سبل السلام وللأئمة فيه استحسانات كثيرة وهو يدل على التوسعة في الأمر وإطلاق الآية يعني قوله تعالى (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ) يقتضي ذلك. ولا فرق بين تكبير عيد الإفطار وتكبير عيد النحر في مشروعية التكبير لاستواء الأدلة في ذلك وإن كان المعروف عند الناس إنما هو تكبير

باب ما يقرأ في الأضحى والفطر

عيد النحر اهـ (وأكثر الفقهاء) على استحباب الجهر بالتكبير لما رواه الدارقطني عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا غدا يوم الأضحى ويوم الفطر يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى ثم يكبر حتى يأتي الإِمام. ولما رواه الشافعي عن ابن عمر أيضًا أنه كان إذا غدا إلى المصلى كبر فرفع صوته بالتكبير. ولما تقدم نقله عن البخاري من الآثار عن عمر وابنه أنهم كانوا يجهرون بالتكبير ويكبر أهل منى حتى ترتجّ منى بالتكبير (وقال أبو حنيفة) يسرّ بالتكبير لقوله تعالى (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً ... الآية) ولما روى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأى أقوامًا يرفعون أصواتهم عند الدعاء فقال إنكم لا تدعون أصمّ ولا غائبًا. ولقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خير الذكر الخفيّ. ولأن الأصل في الثناء الإخفاء إلا ما خصه الشرع كيوم الأضحى (باب ما يقرأ في الأضحى والفطر) أي في صلاتهما (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ مَاذَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الأَضْحَى وَالْفِطْرِ قَالَ كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) وَ (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ). (ش) (القعنبي) هو عبد الله بن مسلمة (قوله عن عبيد الله الخ) ظاهر السياق أن عبيد الله رأى عمر وحضره لما سأل أبا واقد. لكن عبيد الله لم يدرك عمر فلم يسمع سؤاله لأبي واقد كما قاله البيهقي والنووي فالحديث منقطع. لكن رواه مسلم والبيهقي من طريق فليح عن ضمرة قال حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي واقد قال سألني عمر بن الخطاب بم قرأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "الحديث" وقد أدرك عبيد الله أبا واقد وسمعه من غير خلاف فالحديث متصل كما قاله النووي في شرح مسلم وعلاء الدين في الجوهر النقي (وسأل عمر) أبا واقد عن هذا ومثله لا يخفى عليه لكثرة ملازمته للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إما لاختبار أبي واقد أحفظه أم لا أو اشتبه الأمر على عمر فأراد أن يتثبته (قال العراقي) ويحتمل أن عمر كان غائبًا في بعض الأعياد عن شهوده وأن ذلك الذي شهده أبو واقد كان في عيد واحد أو أكثر ولا عجيب أن يخفى على الصاحب الملازم بعض ما وقع

باب الجلوس للخطبة

من مصحوبه (قوله كان يقرأ فيها بـ ق الخ) أي بسورة ق إلى آخرها في الركعة الأولى من صلاة العيد وفي الثانية بسورة اقتربت الساعة إلى آخرها. وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأهمالك ونهما مشتملتين على الإخبار بالبعث والإخبار عن القرون الماضية وإهلاك المكذبين وتشبيه بروز الناس للعيد ببروزهم للبعث وخروجهم من الأجداث كأنهم جراد منتشر (وقرأ) صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في العيدين أيضًا بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية كما تقدم في حديث النعمان بن بشير في باب ما يقرأ به في الجمعة. وكما رواه البيهقي عن سمرة بن جندب قال كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في العيدين بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية. وسمعوا هذه السور لجهره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالقراءة فيها كما رواه البيهقي عن أبي إسحاق عن الحارث عن على رضي الله تعالى عنه قال الجهر في صلاة العيدين من السنة. وروى البزّار عن ابن عباس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قرأ فيهما بعمّ يتساءلون والشمس وضحاها (والحديث) أخرجه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي (باب الجلوس للخطبة) يعني جلوس الحاضرين لاستماعها أهو واجب أم لا (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ نَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى السِّيْنَانِيُّ نَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- الْعِيدَ فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ قَالَ "إِنَّا نَخْطُبُ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ فَلْيَذْهَبْ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا مُرْسَلٌ (ش) (ابن جريج) هو عبد الملك بن عبد العزيز تقدم في الجزء الأول صفحة 74 (قوله فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس الخ) ورواية النسائي من أحب أن ينصرف فلينصرف ومن أحب أن يقيم للخطبة فليقم (وفي هذا دلالة) على عدم وجوب الخطبة للعيد إذ لو وجبت لوجب الانتظار لسماعها، وعلى أنها غير واجبة جرت الأئمة "ولا يقال" إن تخيير السامع للخطبة لا يدل على عدم وجوبها بل غايته أن يدل على عدم وجوب سماعها "لأنه" إذا لم يجب سماعها لا يجب فعلها لأن الخطبة خطاب فإذا لم يكن السماع واجبًا لا يجب الخطاب (قوله هذا مرسل) يعني الصواب أن هذا الحديث مرسل وذكر الصحابي فيه خطأ. وليس المراد أن الرواية المذكورة مرسلة لأن

باب الخروج إلى العيد في طريق ويرجع في طريق

الصحابي مذكور فيها (وأخرج البيهقي) هذا الحديث وقال أخبرنا أبو طاهر وأبو سعيد قالا حدثنا أبو العباس محمَّد بن يعقوب قال سمعت العباس يعني الدوري يقول سمعت يحيى يعني ابن معين يقول عبد الله ابن السائب الذي يروي أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بهم العيد هذا خطأ إنما هو عن عطاء فقط وإنما يغلط فيه الفضل بن موسى السيناني يقول عن عبد الله بن السائب "وأخبرنا" بصحة ما قاله يحيى أبو القاسم زيد بن جعفر بن محمَّد العلوي وأبو القاسم عبد الواحد بن محمَّد النجار المقرئُ بالكوفة قالا ثنا محمَّد بن على بن دحيم ثنا إبراهيم بن إسحاق ثنا قبيصة عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء قال صلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم العيد بالناس ثم قال من شاء أن يذهب فليذهب ومن شاء أن يقعد فليقعد اهـ وقال الزيلعي في تخريج الهداية قال النسائي أخطأ "يعني في وصله" والصواب مرسل اهـ (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي وابن ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي (باب الخروج إلى العيد في طريق ويرجع في طريق) يعني أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا ذهب إلى المصلى لصلاة العيد من طريق رجع بعد الصلاة من طريق أخرى (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ نَا عَبْدُ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ- عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَ يَوْمَ الْعِيدِ فِي طَرِيقٍ ثُمَّ رَجَعَ فِي طَرِيقٍ آخَرَ. (ش) (عبيد الله يعني ابن عمر) هو وابن حفص العمري وفي بعض النسخ عبد الله بدل عبيد الله ولعلها خطأ من النساخ فإن حفص بن عاصم لم يكن له من أولاد أولاده ما يسمى بعبد الله (قوله أخذ يوم العيد في طريق ثم رجع في طريق آخر) في هذا دلالة على استحباب الذهاب إلى صلاة العيد من طريق والرجوع من طريق أخرى لا فرق بين الإِمام والمأموم والحكمة في مخالفة الطريق أن يشهد له الطريقان وسكانهما من الجن والإنس ولإظهار شعائر الإِسلام في الطريقين ليغيظ الكفار ويرهبهم ولتعمّ البركة الطريقين بمرور الإِمام والانتفاع به في الاقتداء والتعليم والاسترشاد (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه ابن ماجه والحاكم والبيهقي وأخرج البخاري عن جابر وأحمد والترمذي عن أبي هريرة نحوه

باب إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الغد

(باب إذا لم يخرج الإِمام للعيد من يومه يخرج من الغد) أي إذا لم يخرج الإِمام لصلاة العيد يومه لعذر فليخرج إلى الصلاة من اليوم التالي له. وفي بعض النسخ "باب إذا لم يخرج الإِمام في يوم العيد أيخرج من الغد" (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا شُعْبَةُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ رَكْبًا جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوُا الْهِلاَلَ بِالأَمْسِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا وَإِذَا أَصْبَحُوا أَنْ يَغْدُوا إِلَى مُصَلاَّهُمْ. (ش) (شعبة) بن الحجاج بن الورد تقدم في الجزء الأول صفحة 32، و (أبو عمير) هو عبد الله بن أنس بن مالك (قوله عن عمومة له) جمع عمّ كالخؤولة جمع خال (قوله أن ركبًا جاءوا إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أي أن جماعة أتوا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس لأنه غمّ على أهل المدينة هلال شوّال فأصبح الناس صيامًا فجاء هذا الركب إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأخبروه بأنهم رأوا الهلال فأمر الناس بالفطر وأن يغدوا إلى المصلى في اليوم الثاني صرّح بذلك في رواية ابن ماجه عن أبي عمير أيضًا قال حدثني عمومتي من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالوا أغمي علينا هلال شوّال وأصبحنا صيامًا فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يفطروا وأن يخرجوا إلى عيدهم من الغد (وفيه دلالة) على أنه إذا فات وقت صلاة العيد أول يوم صليت في اليوم الثاني قبل الزوال (وإلى ذلك) ذهب أبو حنيفة وصاحباه والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق والقاسم والناصر والمؤيد بالله لا فرق عندهم بين ما إذا فاتت للبس أو غيره من الأعذار (وقيده أبو طالب) بما إذا كان الترك في اليوم الأول لعذر اللبس (وذهبت الشافعية) إلى أنها تقضي أبدًا على الصحيح عندهم لأنه يسنّ قضاء النفل المؤقت إن خرج وقته. وروى الخطابي عن الشافعي أنهم إن علموا بالعيد قبل الزوال صلوا وإلا لم يصلوا يومهم ولا من الغد لأنه عمل في وقت فلا يعمل في غيره (وكذا) قال مالك وأبو ثور (والحديث) حجة عليهم قال الخطابي سنة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أولى بالاتباع وحديث أبي عمير صحيح فالمصير إليه واجب اهـ (قال في النيل) وصحح الحديث ابن السكن وابن حزم وابن حجر اهـ وقال

ابن القطان وعندي أنه حديث يجب النظر فيه ولا يقبل إلا أن تثبت عدالة أبي عمير فإنه لا يعرف له كبير شيء وإنما حديثان أو ثلاثة لم يروها عنه غير أبي بشر "جعفر بن أبي وحشية" ولا أعرف أحدًا عرف من حاله ما يوجب قبول روايته اهـ (وقال) ابن عبد البر أبو عمير مجهول (قال) الحافظ كذا قال وقد عرف أبا عمير من صحح حديثه اهـ بتصرّف (وقال النووي) في الخلاصة هو حديث صحيح وعمومة أبي عمير صحابة لا تضرّ جهالة أعيانهم لأن الصحابة كلهم عدول واسم أبي عمير عبد الله اهـ والحديث وإن كان واردًا في عيد الفطر يلحق به عيد الأضحى إذ لا فرق بينهما وهذا الحديث من أدلة القائلين بوجوب صلاة العيد وتقدم الكلام عليه (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والبيهقي وقال إسناده حسن والصحابة كلهم ثقات سموا أولم يسموا وأخرجه الدارقطني وقال إسناده حسن وأخرجه الصحاوى في شرح معانى الآثار (ص) حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ نُصَيْرٍ نَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ أَخْبَرَنِي أُنَيْسُ بْنُ أَبِي يَحْيَى أَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بْنُ سَالِمٍ مَوْلَى نَوْفَلِ بْنِ عَدِيٍّ أَخْبَرَنِي بَكْرُ بْنُ مُبَشِّرٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ كُنْتُ أَغْدُو مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الأَضْحَى فَنَسْلُكُ بَطْنَ بَطْحَانَ حَتَّى نَأْتِىَ الْمُصَلَّى فَنُصَلِّيَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ نَرْجِعُ مِنْ بَطْنِ بَطْحَانَ إِلَى بُيُوتِنَا. (ش) (رجال الحديث) (حمزة بن نصير) بن حمزة بن نصير الأسلمي مولاهم أبو عبد الله العسال المصري. ووهم من زعم أنه ابن نصير بن الفرج لأن ذاك طرسوسي وهذا مصري. روى عن ابن أبي مريم ويحيى بن حسان وأسد بن موسى. وعنه أبو داود وعلى بن أحمد وأحمد بن راشد. قال في التقريب مقبول من الحادية عشرة. و(ابن أبي مريم) هو سعيد ابن الحكم تقدم في الجزء الأول صفحة 100 و (إبراهيم بن سويد) بن حيان المدني. روى عن عمرو بن أبي عمرو وأنيس بن أبي يحيى ويزيد بن أبي عبيد. وعنه ابن أبي مريم وابن وهب. وثقه ابن معين وقال أبو زرعة ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أتى بمناكير وقال في التقريب ثقة يغرب من الثامنة. روى له البخاري وأبو داود. و (أنيس) مصغرًا (ابن أبي يحيى) ابن سمعان الأسلمي. روى عن أبيه وإسحاق بن سالم. وعنه إبراهيم بن سويد وحاتم بن إسماعيل

باب الصلاة بعد صلاة العيد

وصفوان بن عيسى ويحيى القطان. وثقه النسائي وأبو حاتم وابن معين والعجلي وجماعة وقال الحاكم ثقة مأمون. توفي سنة ست وأربعين ومائة. روى له أبو داود والترمذي. و(إسحاق بن سالم مولى نوفل بن عدي) هكذا في نسخ أبي داود. وفي تهذيب التهذيب ورواية البيهقي مولى بنى نوفل ولعل هذا هو الصواب. روى عن بكر بن مبشر وعامر بن سعد وسالم أبي الغيث وآخرين وعنه أنيس بن أبي يحيى وعبد الله بن محمَّد ومحمَّد بن أبي يحيى. قال في التقريب مجهول الحال من الثالثة. و(بكر بن مبشر الأنصاري) المدني له صحبة. روى عنه إسحاق بن سالم. روى له أبو داود هذا الحديث فقط (معنى الحديث) (قوله فنسلك بطن بطحان الخ) بفتح الموحدة وضمها وسكون الطاء المهملة واد بالمدينة (وهذا يدلّ) على أن الصحابة كانوا يأتون لصلاة العيد من طريق ويرجعون من هذا الطريق وأقرّهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ذلك للإشارة إلى أن مخالفة الطريق ليست بواجبة (واحتج بهذا الحديث) من قال إن مخالفة الطريق للإمام فقط (لكن) لا يصلح للاستدلال به لأنه من طريق إسحاق بن سالم وهو مجهول (ولا وجه) لذكر هذا الحديث في هذا الباب ولو ذكر في الباب الذي قبله كما في بعض النسخ لكان له وجه في الجملة لأنه يدلّ على أن الرجوع من الطريق الذي خرج منه ليس بواجب كما ذكر (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري في التاريخ والبيهقي وكذا الحاكم عن بكر قال كنت أغدو مع أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى المصلى يوم الفطر فنسلك بطن بطحان حتى نأتي المصلى فنصلي مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم نرجع إلى بيوتنا (باب الصلاة بعد صلاة العيد) يعني في بيان حكم صلاة التطوع بعد صلاة العيد (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ ثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ فِطْرٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَلاَ بَعْدَهُمَا ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا. (ش) (قوله فصلى ركعتين لم يصلّ قبلهما ولا بعدهما) وفي نسخة لم يصل قَبلها ولا بعدها يعني لم يصلّ تطوّعًا قبل صلاة العيد ولا بعدها (وفيه دلالة) على عدم مشروعية سنة للعيد لا قبل

أقوال الفقهاء في التنفل قبل صلاة العيد وبعدها

الصلاة ولا بعدها وقد أجمع على هذا (واختلفوا) في النفل المطلق (فذهب) جماعة إلى كراهته قبلها وبعدها منهم ابن عباس وابن عمر وهو رواية عن علي وابن مسعود وحذيفة وجابر وسلمة بن الأكوع وابن أبي أوفى وعبد الله بن مغفل ومسروق والضحاك والقاسم وسالم ومعمر وابن جريج والشعبي وأحمد بن حنبل لظاهر حديث الباب (وقال الزهري) لم أسمع أحدًا من علمائنا يذكر أن أحدًا من سلف هذه الأمة كان يصلي قبل صلاة العيد ولا بعدها (وذهب) إلى جواز الصلاة قبلها وبعدها جماعة "وحكاه" العراقي عن أنس وبريدة بن الحصيب ورافع بن خديج وسهل بن سعد وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير والأسود بن يزيد وجابر بن زيد والحسن البصري وسعيد بن أبي الحسن وسعيد بن المسيب وصفوان بن محرز وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعروة ابن الزبير وعلقمة والقاسم بن محمَّد ومكحول "قيل" يدلّ لهم ما رواه ابن حبان والحاكم في صحيحيهما عن أبي ذرّ قال قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة خير موضوع فمن شاء استكثر ومن شاء استقل اهـ وفيه أنه لا يدلّ على مدّعاهم لأنه عامّ قد خصص بتركه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه الصلاة قبلها وبعدها مدة حياتهم (وبعضهم) أجاز الصلاة بعدها لا قبلها حكاه ابن المنذر عن أبي مسعود البدرى وعلقمة والأسود ومجاهد والنخعي والثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي وحكاه البخاري في صحيحه عن ابن عباس (وأجاز) البصريون الصلاة قبلها لا بعدها لما رواه البيهقي عن الأزرق بن قيس عمن سمع ابن عمر في رجل يصلي يوم العيد قبل خروج الإِمام قبل الصلاة قال إن الله لا يردّ على عبده حسنة يعملها له. وما رواه عن سعيد بن المسيب أنه كان يصلي يوم العيد قبل أن يصلي الإِمام (وقالت الشافعية) يجوز لغير الإِمام التنفل قبلها وبعدها ويكره في حق الإِمام حديث الباب (وقالت الحنفية) تكره الصلاة في المصلى قبل العيد وبعدها وفي البيت قبلها قالوا ولا تكره بعدها في البيت لما رواه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لا يصلي قبل العيد شيئًا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين وأخرجه الحاكم أيضًا وصححه وحسنه الحافظ في الفتح (لكن) تصحيح هذا الحديث وتحسينه غير مسلم فإن فيه عبد الله بن محمَّد بن عقيل وقد ضعفه غير واحد (وفرقت المالكية) بين المسجد والمصلى فقالوا يكره التنفل في المصلى قبل العيد وبعده لحديث الباب (وإن صلاها) في المسجد لعلة مطر ونحوها جاز التنفل قبلها تحية المسجد وبعدها لعدم المنع من ذلك (قال الحطاب) وهذه التفرقة في حق غير الإِمام وأما الإِمام فيكره في حقه مطلقًا لا فرق بين المسجد والمصلى لحديث الباب (واستدل) من قال بكراهة التنفل قبلها وبعدها مطلقًا يحدث الباب وأشباهه (وأجاب القائلون) بالجواز مطلقًا بأنه ليس فيها نهي عن الصلاة في هذه الأوقات "ولا يشكل" عليه عدم صلاته صلى الله عليه وآله وسلم قبل العيد

باب يصلي بالناس العيد في المسجد إذا كان يوم مطر

وبعدها "لاشتغاله" بما هو مشروع في حقه من التأخر إلى وقت الصلاة فلا يلزم من ذلك عدم مشروعية الصلاة لغيره (والحاصل) أن صلاة العيد لم يثبت لها سنة قبلها ولا بعدها بل الثابت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه ترك الصلاة قبلها وبعدها فيكون الترك سنة والفعل بدعة. أما مطلق النفل فلم يثبت فيه منع بدليل خاص إلا إن كان ذلك في وقت الكراهة في جميع الأيام (قال في النيل) وليس في الباب مايدل على منع مطلق النفل ولا على منع ما ورد فيه دليل يخصه كتحية المسجد إذا أقيمت صلاة العيد في المسجد اهـ (قولي تلقى خرصها الخ) بضم الخاء المعجمة وكسرها الحلقة الصغيرة من الحلي. والسخاب ككتاب خيط ينظم فيه خرز وتلبسه الصبيان والجوارى. وقيل قلادة تتخذ من قرنفل ومحلب وسك ونحوه وليس فيها من اللؤلؤ والجوهر شيء. والسك الدنانير والدراهم المضروبة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والحاكم والدارقطني والترمذي وابن ماجه والبيهقي (باب يصلي الناس العيد في المسجد إذا كان يوم مطر) (ص) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ نَا الْوَلِيدُ ح وَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ نَا رَجُلٌ مِنَ الْفَرْوِيِّينَ -وَسَمَّاهُ الرَّبِيعُ فِي حَدِيثِهِ عِيسَى بْنَ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ أَبِي فَرْوَةَ- سَمِعَ أَبَا يَحْيَى عُبَيْدَ اللَّهِ التَّيْمِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فِي يَوْمِ عِيدٍ فَصَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلاَةَ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ. (ش) (رجال الحديث) (عيسى بن عبد الأعلى) بن عبد الله (بن أبي فروة) الأموي مولاهم. روى عن عبيد الله بن عبد الله بن موهب وإسحاق بن عبد الله. وعنه الوليد بن مسلم روى له أبو داود هذا الحديث فقط. قال الذهبي لا يكاد يعرف وقال ابن القطان لا أعرفه في شيء من الكتب ولا في غير هذا الحديث وقال في التقريب مجهول من السابعة. و(أبو يحيى عبيد الله) بن عبد الله بن موهب (التيمي) المدني. روى عن أبي هريرة وعطاء بن يسار وعمرة بنت عبد الرحمن. وعنه ابنه يحيى وابن أخيه عبيد الله بن عبد الرحمن وعيسى بن عبد الأعلى. قال

مذاهب العلماء في مكان صلاة العيد

أحمد لا يعرف ووثقه ابن حبان وقال الشافعي لا نعرفه وقال ابن القطان مجهول الحال وقال في التقريب مقبول من الثالثة (معنى الحديث) (قوله فصلى بهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة العيد في المسجد) أي مسجد المدينة. وفيه دليل على جواز صلاة العيد في المسجد لعذر من نحو مطر أما إذا لم يكن عذر فالسنة أن تصلى في الصحراء لمواظبته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والخلفاء الراشدين بعده على ذلك (وهو مذهب) مالك وأبي حنيفة وجماعة من الشافعية وجمهور السلف والخلف والحنابلة والهادوية (وحجتهم) على ذلك ما ذكر من المواظبة على الصلاة في الصحراء ولقوله على رضي الله تعالى عنه لولا أن الخروج إلى الجبانة لصلاة العيد هو السنة لصليت في المسجد. ولما رواه البيهقي من طريق سلمة بن رجاء عن محمَّد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي قال مطرنا في إمارة أبان بن عثمان على المدينة مطرًا شديدًا ليلة الفطر فجمع الناس في المسجد فلم يخرج إلى المصلى الذي يصلي فيه الفطر والأضحى ثم قال لعبد الله ابن عامر بن ربيعة قم فأخبر الناس ما أخبرتني فقال عبد الله بن عامر إن الناس مطروا على عهد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فامتنع الناس من المصلى فجمع عمر الناس في المسجد فصلى بهم ثم قام على المنبر فقال يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يخرج بالناس إلى المصلى يصلي بهم لأنه أرفق بهم وأوسع عليهم وإن المسجد كان لا يسعهم قال فإذا كان المطر فالمسجد أرفق اهـ وما رواه أيضًا عن الحارث الأعور عن على رضي الله تعالى عنه قال من السنة أن يمشي الرجل إلى المصلى والخروج يوم العيد من السنة ولا يخرج إلى المسجد إلا ضعيف أو مريض اهـ (وذهب) بعض الشافعية والإمام يحيى إلى أن الأفضل صلاة العيد في المسجد إذا كان يسع الناس في عيدهم وإن لم تكن ضرورة قالوا لأن الأئمة لم يزالوا يصلون صلاة العيد بمكة في المسجد ولأن المسجد أشرف وأنظف. وإن ضاق المسجد فالأفضل صلاتها في الصحراء (وهذا التفصيل) لا دليل عليه (قال) الشوكاني كون العلة الضيق والسعة مجرّد تخمين لا ينتهض للاعتذار عن التأسي به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الخروج إلى الجبانة بعد الاعتراف بمواظبته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ذلك اهـ (والراجح) ما قاله الأولون لقوة أدلتهم "وما استدل به" بعض الشافعية "أبحاث عقلية" في مقابلة الثابت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وخلفائه فلا يعوّل عليه "وقولهم" إن المسجد أشرف وأنظف "مسلم" لكن لا يقتضي ترك ما واظب عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وخلفاؤه، على أن إيقاعها في الصحراء أظهر لشعائر الإِسلام وأرفق للراكب من أهل الآفاق وأيسر للحيض ولو كانت صلاة العيد في المسجد أفضل لصلاها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه في مسجده فإن

الصلاة فيه بألف صلاة فهذا دليل صريح على أن الصلاة في الصحراء هي السنة (قال في المدخل) السنة الماضية في صلاة العيدين أن تكون في المصلى لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال صلاة في مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام. ثم مع هذه الفضيلة العظيمة خرج صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى المصلى وتركه فهذا دليل واضح على تأكد أمر الخروج إلى المصلى لصلاة العيدين فهي السنة وصلاتهما في المسجد بدعة إلا أن تكون ثمّ ضرورة داعية إلى ذلك فليس ببدعة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعلها ولا أحد من الخلفاء الراشدين بعده اهـ بحذف (وهذا كله) في غير مسجد مكة أما هو فاتفقوا على أن صلاة العيد فيه أفضل (قال الشافعي) بلغنا أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يخرج في العيدين إلى المصلى بالمدينة وكذلك من كان بعده وعامة أهل البلدان إلا أهل مكة فإنه لم يبلغا أن أحدًا من السلف صلى بهم عيدًا إلا في مسجدهم اهـ (قال) في الفتح ثم أشار الشافعي إلى أن سبب ذلك سعة المسجد وضيق أطراف مكة اهـ وقيل لما في مسجد مكة من المزايا التي لم توجد في غيره من الطواف والنظر إلى البيت الحرام (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه ابن ماجه والبيهقي والحاكم وهو ضعيف لأنه من طريق عيسى بن عبد الأعلي وفيه مقال كما تقدم (تمَّ الجزء السادس) (من المنهل العذب المورود. شرح سنن الإِمام أبي داود) (ويليه الجزء السابع وأوّله) باب تفريع صلاة الاستسقاء

المنهل العذب المورود «شرح سنن الإمام أبي داود» تأليف الإمام الجليل المحقق، والعارف الرباني المدقق، محيي السنة وقامع البدعة صاحب الفضيلة والإرشاد الشيخ/ محمود محمد خطاب السبكي المتوفى في الرابع عشر من شهر ربيع الأول سنة 1352 هـ عمه الله بالرحمة والرضوان وأسكنه عالي الجنان عني بتنقيحه وتصحيحه نجل الشيخ الأستاذ الإمام السيد/ أمين محمود محمد خطاب من العلماء الأعلام والمدرس بالأزهر المعمور [الجزء السابع]

باب تفريع صلاة الاستسقاء

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (باب تفريع صلاة الاستسقاء) أي باب يذكر فيه عدة فروع مختلفة في صلاة إلاستسقاء، وفي بعض النسخ "باب جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها" أي عدة أبواب وفروع مختلفة في صلاة الاستسقاء. وجماع الشيء بكسر ففتح ما يجمع عددًا منه ويكون بضم الجيم وتشديد الميم ومعناه ما تجمع وانضمّ بعضه إلى بعض. والاستسقاء لغة طلب السقيا. وشرعا طلب السقي من الله تعالى عند حصول الجدب بالثناء عليه والاستغفار والصلاة. وهو مشروع في مكان ليس لأهله أنهار أولهم ولكنها لا تفي بمصالحهم. وهو ثابت بالكتاب والسنة والإجماع قال الله تعالى حكاية عن سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا) (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْمَرْوَزِيُّ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ بِالنَّاسِ لِيَسْتَسْقِىَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا وَاسْتَسْقَى وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. (ش) (عبد الرزاق) بن همام تقدم في الجزء الأول صفحة 106. وكذا (معمر) بن راشد صفحة 107. وكذا (الزهري) محمَّد بن مسلم بن شهاب صفحة 48 (قوله خرج بالناس يستسقي) أي يطلب من الله السقيا بالمطر وأل في الناس للعهد. والمعهود من أبيح له الخروج من الرجال والصبيان والعجائز من النساء. أما الشواب منهن فيحرم خروجهن إن كنّ مخشيات الفتنة وإلا كره (قوله فصلى بهم ركعتين) فيه دليل على مشروعية صلاة الاستسقاء وأنها ركعتان. وبه قال مالك والشافعي وأحمد ومحمد وأبو يوسف في رواية والجهور من السلف والخلف وقالوا هي سنة وزعم بعضهم أنها أربع ركعات بتسليمتين ولم يصح له دليل (وقال) أبو حنيفة لا صلاة فيها بجماعة

الجهر فيها، الحكمة في تحويل الرداء

مسنونة بل مندوبة لعدم المواظبة عليها. بل هي دعاء واستغفار فإن صلوها وحدانا جاز (واستدلّ) بما رواه البخاري ومسلم عن أنس أن رجلًا دخل المسجد في يوم جمعة ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قائم يخطب فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يديه ثم قال "اللهم أغثنا اللهم أغثنا ... الحديث" وبما سيأتي للمصنف في الباب الآتي عن عمير مولى بنى أبي اللحم أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستسقى عند أحجار الزيت قريبًا من الزوراء قائمًا يدعو ويستسقي رافعًا يديه لا يجاوز بهما رأسه قال أبو حنيفة ولو كانت الصلاة سنة ما تركها. لكنه غير مسلم لأنه صلى الله عليه وآله وسلم ترك الصلاة في بعض الأحيان لبيان أنها ليست بواجبة. عل أن أحاديث الصلاة ليست منافية لحديث الدعاء فقط بل فيها الدعاء وزيادة فالعمل بها أولى وأكمل (قوله جهر بالقراءة فيهما) فيه دلالة على استحباب الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء. وأجمع العلماء على ذلك وممن نقل الإجماع عليه ابن بطال (قوله وحول رداءه) أي جعل ما على يمينه على يساره وما على يساره على يمينه كما صرح به في الرواية الآتية وهو يدل على استحباب تحويل الرداء في الاستسقاء. وبه قال الجمهور وقال أبو حنيفة لا يحول وهو رواية عن أبي يوسف (واختلف) في كيفية التحويل (فذهبت) المالكية والحنابة إلى أنه يجعل ما على يمينه على يساره وما على يساره على يمينه. وبه قالت الشافعية إذا كان الرداء مدورًا. فإن كان مربعًا فعل به ذلك وجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه (وقال محمَّد) من الحنفية يقلب الإِمام الرداء فيجعل أعلاه أسفله دون القوم وإذا كان الرداء قباء يجعل البطانة خارجًا والطهارة داخلا "والحكة" في التحويل التفاؤل بأن الله تعالى يحول الحالة من الجدب والقحط إلى الخصب كما رواه الدارقطني من طريق حفص بن غياث عن جعفر بن محمَّد عن أبيه قال استسقى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وحوّل رداءه لتحول القحط. وقال القاضي أبو بكر هذه أمارة بينه وبين ربه لا على طريق الفأل فإن من شرط الفأل أن لا يكون بقصد وإنما قيل له حول رداءك فيتحول رداؤك أفاده العيني (قوله فدعا واستسقى واستقبل القبلة) هو عل التقديم والتأخير أي استقبل القبلة فدعا واستسقى (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ السَّرْحِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ قَالاَ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَيُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ الْمَازِنِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَمَّهُ -وَكَانَ مِنْ

أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا يَسْتَسْقِى فَحَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ يَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ -قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ- قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ- وَقَرَأَ فِيهِمَا زَادَ ابْنُ السَّرْحِ يُرِيدُ الْجَهْرَ. (ش) (ابن السرح) هو أحمد بن عمرو تقدم في الجزء الأول صفحة 324. وكذا (ابن وهب) عبد الله صفحة 325. و (ابن أبي ذئب) محمَّد بن عبد الرحمن في الثاني صفحة 83 وكذا (يونس) بن يزيد الأيلي صفحة 102 (قوله سمع عمه) هو عبد الله بن زيد بن عاصم تقدم بصفحة 319 من الجزء الأول (قوله فحول إلى الناس ظهره) ليستقبل القبلة في الدعاء (قوله قال سليمان بن داود واستقبل القبلة) أي قال في روايته فحول إلى الناس ظهره واستقبل القبلة يدعو الله. وأما ابن السرح فلم يذكر في روايته "واستقبل القبلة" (قوله ثم صلى ركعتين) صرح في هذه الرواية بتقديم الدعاء على الصلاة وفي الرواية السابقة بتقديم الصلاة على الدعاء ولا منافاة بينهما لجواز الأمرين (قوله قال ابن أبي ذئب وقرأ فيهما الخ) أي قال في روايته عن ابن شهاب قرأ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الركعتين. وزاد ابن السرح في روايته أنا ابن أبي ذئب أراد بالقراءة الجهر بها. وأما يونس فلم يتعرض في روايته عن ابن شهاب للقراءة (وهذه الرواية) أخرجها النسائي والطحاوي والبيهقي عن عباد بن تميم أنه سمع عمه وكان من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يومًا يستسقي فحول إلى الناس ظهره يدعو الله ويستقبل القبلة وحول رداءه ثم صلى ركعتين قال ابن أبي ذئب في الحديث وقرأ فيهما قال ابن وهب يريد الجهر وأخرج مسلم حيث يونس ولم يذكر فيه القراءة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ قَالَ قَرَأْتُ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ -يَعْنِي الْحِمْصِيَّ- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ بِإِسْنَادِهِ لَمْ يَذْكُرِ الصَّلاَةَ قَالَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ فَجَعَلَ عِطَافَهُ الأَيْمَنَ عَلَى عَاتِقِهِ الأَيْسَرِ وَجَعَلَ عِطَافَهُ الأَيْسَرَ عَلَى عَاتِقِهِ الأَيْمَنِ ثُمَّ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.

(ش) (رجال الحديث) (عمرو بن الحارث) الزبيدى (الحمصي) روى عن عبد الله ابن سالم. وعنه إسحاق بن إبراهيم. قال الذهبي لا تعرف عدالته وقال في التقريب مقبول من السابعة. روى له أبو داود والبخاري في الأدب. و(عبد الله بن سالم) الأشعري اليحصبي أبو يوسف. روى عن محمَّد بن زياد وإبراهيم بن أبي عبلة وعد بن الوليد الزبيدى والعلاء بن عتبة. وعنه عبد الصمد بن إبراهيم ويحيى بن حسان وأبو مسهر وأبو المغيرة وعمرو بن الحارث وجماعة. وثقه الدارقطني وقال النسائي ليس به بأس وقال في التقريب ثقة من السابعة. مات سنة تسع وسبعين ومائة. روى له البخاري وأبو داود والنسائي (معنى الحديث) (قوله لم يذكر الصلاة) أي لم يذكر محمَّد بن الوليد الزبيدي في روايته عن الزهري أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى الركعتين (قوله قال وحول رداءه) أي قال الزبيدى في روايته وحوّل رداءه. وفي بعض النسخ إسقاط قال (قوله فجعل عطافه الخ) بيان لتحويل الرداء والمراد أنه جعل طرف ردائه الأيمن على عاتقه الأيسر وطرفه الأيسر على عاتقه الأيمن. والضمير في عطافه عائد عليه صل الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والكلام على تقدير مضاف أي جعل طرف عطافه. ويحتمل أن يكون عائدًا على الرداء مرادًا بالعطاف طرفه من إطلاق اسم الكل على الجزء فإن العطاف اسم للرداء. وسمى الرداء عطافًا لوقوعه على عطفى الرجل بكسر العين أي ناحيتي عنقه (وهذه) الرواية أخرجها البيهقي (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ قَالَ اسْتَسْقَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ لَهُ سَوْدَاءُ فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِهَا فَيَجْعَلَهُ أَعْلاَهَا فَلَمَّا ثَقُلَتْ قَلَبَهَا عَلَى عَاتِقِهِ. (ش) (عبد العزيز) بن محمَّد الدراوردي تقدم في الجزء الأول صفحة 23 (قوله وعليه خميصة له سوداء) وفي نسخة وعليه خميصة سوداء. وتقدم أن الخميصة كساء مربع أسود من صوف أو غيره له علمان في طرفيه (قوله فلما ثقلت قلبها على عاتقه) وفي نسخة على عاتقيه أي لما عسر عليه جعل أسفلها أعلى. قلبها فجعل الطرف الأيمن على الأيسر وعكسه (وهذه الرواية) أخرجها الطحاوي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَحْوَهُ قَالاَ نَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا هِشَامُ بْنُ

كيفية الخروج لصلاة الاستسقاء

إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ أَرْسَلَنِي الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ -قَالَ عُثْمَانُ ابْنُ عُقْبَةَ وَكَانَ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ- إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلُهُ عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الاِسْتِسْقَاءِ فَقَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مُتَبَذِّلًا مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى -زَادَ عُثْمَانُ فَرَقى الْمِنْبَرِ ثُمَّ اتَّفَقَا- وَلَمْ يَخْطُبْ خُطَبَكُمْ هَذِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّكْبِيرِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدِ. (ش) (رجال الحديث) (النفيلي) هو عبد الله بن محمَّد تقدم في الجزء الأول صفحة 43 (قوله نحوه) أي أن حديث عثمان مثل حديث النفيلي في المعنى وإن اختلفا لفظًا (قوله حدثنا حاتم بن إسماعيل) هكذا في جميع نسخ المصنف ورواية الترمذي والنسائي والطحاوي والبيهقي وفي رواية الدارقطني والحاكم إسماعيل بن ربيعة بن هشام بدل حاتم بن إسماعيل "ولا تنافي" يينهما لاحتمال أن كلا منهما روى الحديث عن هشام بن إسحاق وقد ثبتت رواية كل منهما عنه كما يأتي و(هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة) أبو عبد الرحمن المدني. روى عن أبيه. وعنه إسماعيل بن ربيعة والثوري وحاتم بن إسماعيل. قال أبو حاتم شيخ وقال في التقريب مقبول من السابعة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (قوله أخبرني أبي) هو إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن كنانة العامري مولاهم. أرسل عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبي هريرة وابن عباس. وروى عن عامر بن سعد وعبد الملك بن أبي بكر. وعنه ابناه عبد الرحمن وهشام وعمر بن محمَّد الأسلمي. وثقه أبو زرعة وقال النسائي لا بأس به وقال في التقريب صدوق من الثالثة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (قوله قال عثمان ابن عقبة) أي قال عثمان بن أبي شيبة أحد شيخي المصنف في روايته أرسلني الوليد بن عقبة بدل عتبة (معنى الحديث) (قوله وكان أمير المدينة) وذلك سنة ثمان وخمسين كما ذكره ابن جرير (قوله متبذلًا الخ) يعني لابسًا ثياب المهنة لا ثياب الزينة خاشعًا لله مبتهلًا إليه. وفي رواية ابن ماجه خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم متواضعًا مبتذلًا متخشعًا مترسلًا متضرعًا "ومترسلًا أي متمهلًا في مشيه" (قوله ثم اتفقا فلم يخطب خطبكم هذه) وفي نسخة خطبتكم بالإفراد أي اتفق عثمان والنفيلي على قول ابن عباس في الرواية فلم يخطب خطبتكم هذه يعني أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يخطب في الاستسقاء مثل خطبة الجمعة والعيد بل خطب خطبة أخرى وسيأتي لفظها في حديث عائشة (قوله ولكن لم يزل في الدعاء الخ)

كيفية صلاتها

ظاهر هذة الرواية ورواية ابن السرح السابقة أن الدعاء وقع قبل الصلاة بخلاف الرواية السابقة أول الباب فإن الصلاة فيها وقعت قبل الدعاء ولا تنافي بينهما فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يفعل هذا مرّة وذاك تارة أخرى أو أن ثم في هذه الرواية ورواية. ابن السرح بمعنى الواو فلا تفيد ترتيبا كما تدل عليه رواية البيهقي وفيها لكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد فتتفق الروايات على أن الصلاة وقعت قبل الدعاء (قوله ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد) استدل به الشافعية على أن صلاة الاستسقاء كصلاة العيد وأنه يكبر في الركعة الأولى سبعًا وفي الثانية خمسًا واستدلوا أيضًا بما رواه الحاكم والدارقطني عن محمَّد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن طلحة قال أرسلني مروان إلى ابن عباس أسأله عن سنة الاستسقاء فقال سنة الاستسقاء سنة الصلاة في العيدين إلا أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قلب رداءه فجعل يمينه على يساره وجعل يساره على يمينه وصلى ركعتين كبر في الأولى سبع تكبيرات وقرأ بسبح اسم ربك الأعلى وقرأ في الثانية هل أتاك حديث الغاشية وكبر فيها خمس تكبيرات. وذهب مالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور والجمهور إلى أنه لا يكبر في صلاة الاستسقاء تكبيرات الزوائد وتأولوا حديث الباب بأن المرادكصلاة العيد في عدد الركعات والجهر بالقراءة وكون الصلاة قبل الخطبة وقالوا إن حديث الدارقطني والحاكم ضعيف لأنه من طريق محمَّد بن عبد العزيز وهو متروك فلا ينتهض للاحتجاج به (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي والحاكم والدارقطني وابن حبان وأبو عوانة والبيهقي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَالإِخْبَارُ لِلنُّفَيْلِيِّ وَالصَّوَابُ ابْنُ عُتْبَةَ. (ش) الإخبار بكسر الهمزة مصدر يعني أن قول هشام بن إسحاق في السند أخبرني أبي هو من رواية النفيلي. ولعل رواية عثمان بالعنعنة كما في رواية ابن ماجه والنسائي من طريق آخر ويحتمل أن الأخبار بفتح الهمزة بمعنى الخبر أي أن لفظ الحديث للنفيلي أحد شيخى المصنف وهو معنى ما رواه عثمان بن أبي شيبة (قوله والصواب ابن عتبة) أي أن الصواب ما قاله النفيلي من أن مرسل إسحاق إلى ابن عباس الوليد بن عتبة بالمثناة الفوقية لا بالقاف كما قال عثمان بن أبي شيبة لكنه كذلك بالقاف عند الترمذي من رواية قتيبة عن حاتم وعند الطحاوي من رواية أسد ابن موسى. وعليه فهما روايتان فلا وجه لتخطئة إحداهما

باب في وقت يحول رداءه إذا استسقى

(باب فِي أَيِّ وَقْتٍ يُحَوِّلُ رِدَاءَهُ إِذَا اسْتَسْقَى) هكذا في أكثر النسخ وفي بعفها إسقاط هذه الترجمة وذكر هذين الحديثين قبل حديث ابن عباس المتقدم (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ نَا سُلَيْمَانُ -يَعْنِي ابْنَ بِلاَلٍ- عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِي وَأَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ. (ش) (يحيى) بن سعيد الأنصاري تقدم في الجزء الأول صفحة 55 (قوله خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى المصلى يستسقي الح) فيه وفي الحديث الذي بعده دلالة على أنا وقت تحويل الرداء يكون عند استقبال القبلة للدعاء وتقدم بيان كيفية التحويل (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الْمَازِنِيَّ يَقُولُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. (ش) (القعنبي) هو عبد الله بن مسلمة تقدم في الجزء الأول صفحة 22 وتقدم بيان الحديث وافيًا (وأخرج حديثي الباب أيضًا) البخاري ومسلم وأحمد والبيهقي والدارقطني (باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ) (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ حَيْوَةَ وَعُمَرَ بْنِ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى بَنِي آبِي اللَّحْمِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَسْقِي عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ قَرِيبًا مِنَ الزَّوْرَاءِ قَائِمًا يَدْعُو يَسْتَسْقِي رَافِعًا يَدَيْهِ قِبَلَ وَجْهِهِ لاَ يُجَاوِزُ بِهِمَا رَأْسَهُ. (ش) (رجال الحديث) (ابن وهب) هو عبد الله تقدم في الجزء الأول صفحة 325

و (حيوة) ابن شريح تقدم في الجزء الأول صفحة 101 (قوله وعمر بن مالك) هكذا في نسخ أبي داود والذي عند أحمد في مسنده حدثني هارون ثنا ابن وهب قال وأخبرني حيوة عن عمر بن مالك الخ. فهي تفيد أن عمر بن مالك شيخ لحيوة بن شريح لا لابن وهب كما في المصنف، لكن أخرج مسلم بسنده إلى ابن وهب عن حيوة بن شريح وعمر بن مالك مقرونًا به عن ابن الهاد في حديث التغني بالقرآن، وهذا يؤيد ما في أبي داود. هذا و(عمر بن مالك) هو المعافري المصري. روى عن يزيد بن عبد الله بن الهاد وعبيد الله بن أبي جعفر وصفوان بن سليم وخالد بن عمران. وعنه ضمام بن إسماعيل وعبد الرحمن بن شريح. وثقه أحمد بن صالح. وقال في التقريب لا بأس به فقيه من السابعة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وقيل فيه عمرو بن مالك وهو وهم. والصواب عمر كما هنا. و(ابن الهاد) يزيد بن عبد الله بن أسامة تقدم في الجزء الثاني صفحة 174، و(عمير بالتصغير مولى بني آبى اللحم) بالمد على وزن اسم الفاعل الغفاري الصحابي. شهد خيبر مع مولاه آبى اللحم وزاد المصنف (بني) لأنه لما كان مولى آبى اللحم فهو مولى بنيه. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن مولاه. وعنه محمَّد بن إبراهيم ومحمد بن زيد ويزيد ابن عبد الله ويزيد بن أبي عبيد. روى له مسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي وأبو داود (معنى الحديث) (قوله أنه رأى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) هكذا في مسند أحمد بسند قتيبة بن سعيد ثنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن يزيد ابن عبد الله عن عمير مولى آبى اللحم أنه رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، ورواه أيضًا من طريق هارون بن معروف قال قال ابن وهب أخبرني حيوة عن ابن الهاد عن محمَّد بن إبراهيم التيمي عن عمير مولى آبى اللحم أنه رأى رسول الله صلى الله تعالى علية وعلى آله وسلم وكذلك رواه الحاكم من طريق يحيى بن بكير ثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن يزيد بن عبد الله عن عمير مولى آبى اللحم أنه رأى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولكن روى النسائي والترمذي الحديث من طريق قتيبة بسنده إلى عمير مولى آبى اللحم عن آبى اللحم أنه رأى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "الحديث" ثم قال الترمذي كذا قال قتيبة في هذا الحديث عن آبى اللحم ولا نعرف له عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا هذا الحديث الواحد وعمير مولى آبى اللحم قد روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحاديث وله صحبة اهـ ويمكن الجمع بأن عميرًا رأى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يدعو في الاستسقاء كما هنا وروى ذلك عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بواسطة آبى اللحم كما في الترمذي (قوله عند أحجار الزيت الخ) هو موضع بالمدينة من الحرة سمي بذلك لسواد أحجاره كأنها طليت بالزيت. والزوراء بفتح الزاي وسكون الواو بعدها راء ممدودة موضع

الدعاء في الاستسقاء

عند سوق المدينة كما تقدم (قوله يدعو يستسقى رافعا يديه) فيه دلالة على مشروعية رفع اليدين حال الدعاء في الاستسقاء (قوله قبل وجهه) أي مقابلة لوجهه ومحاذية له لا يجاوز بهما رأسه (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والحاكم وأخرجه الترمذي والنسائي من حديث عمير مولى آبى اللحم عن آبى اللحم (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَلَفٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ نَا مِسْعَرٌ عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بَوَاكِي فَقَالَ "اللهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ". قَالَ فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ. (ش) (رجال الحديث) (ابن أبي خلف) هو محمَّد بن أحمد بن أبي خلف تقدم في الجزء الثاني صفحة 175. و(مسعر) بكسر فسكون هو ابن كدام بكسر ففتح تقدم في الجزء الأول صفحة 206. و(يزيد الفقير) هو ابن صهيب الكوفي أبو عثمان. روى عن ابن عمر وجابر وأبي سعيد. وعنه الحكم بن عتبة ومسعر والمسعودي وقيس بن سليم ومحمد بن أيوب الثقفي وأبو حنيفة والأعمش وغيرها. قال أبو حاتم وابن خراش صدوق. ووثقه النسائي وابن معين وأبو زرعة وابن حبان وقال في التقريب ثقة من الرابعة. روى له البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله أتت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بواكي) بالموحدة المفتوحة وهي الرواية المشهورة ورواية البزار جمع باكية أي نفوس باكية أو نساء باكيات لانقطاع المطر عنهم. وفي نسخة الخطابي رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يواكي بالمثناة التحتية أي يتحامل على يديه إذا رفعهما ومدهما في الدعاء قال النووي والذي ادعاه الخطابي لم تأت به الرواية ولا انحصر الصواب فيه بل ليس هو واضح المعنى وفي رواية البيهقي أتت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هوازل بدل بواكي (قوله اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا) بضم الميم أي مطرًا معينًا ومخلصا من القحط (قوله مريئًا مريعًا) أي هنيئًا محمود العاقبة كثير النفع لا ضرر فيه. ومريعًا بفتح الميم وكسر الراء وسكون الياء من مرع الوادى مراعة صار ذا خصب ويروي بضم الميم من أمرع المكان إذا أخصب. ويروى مربعا بموحدة مكسورة من قولهم أربع إذا أكل الربيع. ويروي مرتعًا بضم الميم ومثناة فوقية مكسورة من قولهم أرتع المطر إذا أثبت ما ترتع فيه الماشية (قوله فأطبقت عليهم السماء) بالبناء للفاعل أو المفعول أي قال جابر ظهر عليهم السحاب من فوق رءوسهم بحيث لا يرون السماء ثم عمهم المطر الدائم يقال أطبق عليه الشيء إذا جعل عليه الطبق وغطاه به، فالمراد بالسماء السحاب. ويحتمل أن يراد به المطر

الجمع بين أحاديث رفع اليدين في الاستسقاء وغيره

أي عمهم المطر وغمرهم يقال مطر مطبق. أي عام. وعرّف السماء لقصد التعميم وبيان أنه غمام مطبق أخذ بآفاق السماء إجابة لدعوة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية الدعاء في الاستسقاء وعلى جواز التجاء المرءوس للرءيس ولا سيّما عند الحاجة. وعلى كمال رأفة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأمته حيث بالغ في الدعاء في هذه الحالة، وعلى عظم منزلته عند ربه، وعلى سعة رحمة الله تعالى بعبادة حيث رفع عنهم ما حل بهم (والحديث) أخرجه الحاكم والبيهقي. (ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الدُّعَاءِ إِلاَّ فِي الاِسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ. (ش) (سعيد) بن أبي عروبة تقدم في الجزء الأول صفحة 69 (قوله كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء الخ) ظاهرة عدم رفع اليدين حال الدعاء إلا في الاستسقاء. لكنه معارض بالأحاديث الكثيرة الواردة في رفع اليدين في الدعاء في غير الاستسقاء (منها) ما أخرجه الحاكم في الأدب المفرد عن أبي هريرة قال قدم الطفيل بن عمرو على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال إن دوسًا عصت فادع الله عليها فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال اللهم اهد دوسًا (ومنها) ما أخرجه الترمذي من حديث عمر قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل فأنزل الله عليه يومًا ثم سرى عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه ودعا (ومنها) ما أخرجه النسائي من حديث أسامة قال كنت ردف النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعرفات فرفع يديه يدعو فمالت به ناقته فسقط خطامها فتناوله بيده وهو رافع اليد الأخرى (وقد أفرد) البخاري رفع الأيدي في الدعاء بترجمة في كتاب الدعوات وساق فيها عدة أحاديث وصنف المنذري في ذلك جزء. أو قال النووي هي أكثر من أن تحصر قد جمعت منها نحوًا من ثلاثين حديثًا من الصحيحين ويجمع بين حديث الباب وبين هذه الأحاديث بأن أنسًا أراد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان لا يرفع يديه رفعًا يبالغ فيه إلا في الاستسقاء لما في الجدب من عموم الحاجة. أما في غير الاستسقاء فكان يرفع يديه رفعًا دون ذلك. أو يجمع بينهما بأن النفي في حديث أنس متوجه إلى نفي صفة رفع اليدين في الاستسقاء من جعل بطونهما مما يلي الأرض وظهورهما إلى السماء كما في الرواية الآتية. ولا يعكر على هذا أنه جاء في بعض روايات رفع اليدين فيغير الاستسقاء أنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض أبطيه لأن رؤية البياض في الاستسقاء

كيفية رفع اليدين حال الاستسقاء وغيره

أبلغ منها في غيره، وعلى فرض عدم إمكان الجمع فتقدم الأحاديث المثبتة لرفع اليدين حال الدعاء في غير الاستسقاء على النافية له (قوله حتى يرى بياض إبطيه) لعله كان يرى بياض إبطيه وقت أن لم يكن عليه ثوب بأن كان عليه رداء، وبياض إبطيه من خصوصياته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. فإن آباط غيره مغمورة بالشعر متغيرة اللون كريهة الرائحة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري ومسلم والدارقطني والحاكم والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ نَا عَفَّانُ نَا حَمَّادٌ أَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَسْتَسْقِي هَكَذَا يَعْنِي وَمَدَّ يَدَيْهِ وَجَعَلَ بُطُونَهُمَا مِمَّا يَلِي الأَرْضَ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ. (ش) (رجال الحَديث) (الحسَن بن محمَّد) بن الصباح أبو علي البغدادي روى عن ابن عيينة وابن أبي عدي ومروان بن معاوية ووكيع وجماعة. وعنه أحمد والبخاري والترمذي وابن ماجه وأبو عوانة والبغويُّ وكثيرون. وثقه النسائي والعقيلي وقال ابن عبد البر يقال إنه لم يكن في وقته أفصح منه ولا أبصر باللغة وكان نبيلًا ثقة مأمونًا. توفي سنة تسع وخمسين ومائتين. و(الزعفراني) نسبة إلى الزعفرانية قرية قرب بغداد. و(عفان) بن مسلم تقدم في الجزء الرابع صفحة 143. و(حماد) بن سلمة تقدم بصفحة 26 جزء أول. و(ثابت) ابن أسلم البناني تقدم في الجزء الثاني صفحة 245 (معنى الحديث) (قوله يعني ومد يديه الخ) تصير لاسم الإشارة وفيه بيان كيفية رفع اليدين حال الدعاء. وفي رواية مسلم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم استسقى فأشار بظهر كله إلى السماء. ومن هذا قال جماعة إن السنة في كل دعاء لدفع بلاء كالقحط ونحوه أن يرفع يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء. وإذا دعا لتحصيل خير جعل بطن كفيه إلى السماء ويشهد له ما سيأتي للمصنف في باب الدعاء من قوله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سألتم الله فسلوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها. والحكمة في جعل بطون الكفين إلى الأرض الإشارة إلى تحول حال الشدة والجدب إلى الرخاء والخصب كما تقدم في تحول الرداء، والإشارة أيضًا إلى ما يسأله وهو أن يجعل باطن السحاب إلى الأرض لينصب ما فيه من الأمطار كما أن الكف إذا جعل بطنها إلى الأرض انصب ما فيها من الماء (والحديث) أخرجه البيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنِي

خطبة الاستسقاء وصلاته

(ص) مَنْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ بَاسِطًا كَفَّيْهِ. (ش) (شعبة) بن الحجاج بن الورد (قوله أخبرني من رأى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) هو عمير مولى آبى اللحم كما في التقريب وتهذيب التهذيب في المبهمات (قوله باسطًا كفيه) أي مادهما منشورتين جاعلًا بطونهما إلى السماء (وفيه دلالة) على جواز رفع اليدين حال الدعاء وجعل بطونهما إلى السماء في الاستسقاء كما أنه لا يجوز العكس أخذًا من الحديث المتقدم أول الباب. وهذا يرجح أن الحديث من مرويات عمير لا من مرويات مولاه آبي اللحم (ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ نَا خَالِدُ بْنُ نِزَارٍ حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مَبْرُورٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ شَكَى النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قُحُوطَ الْمَطَرِ فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ فِي الْمُصَلَّى وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَكَبَّرَ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ قَالَ "إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ وَاسْتِئْخَارَ الْمَطَرِ عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَدْعُوهُ وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ". ثُمَّ قَالَ " (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلاَغًا إِلَى حِينٍ". ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إِبْطَيْهِ ثُمَّ حَوَّلَ عَلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ وَقَلَّبَ أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَابَةً فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ فَلَمْ يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتِ السُّيُولُ فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إِلَى الْكِنِّ ضَحِكَ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فَقَالَ "أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ".

وقت صلاة الاستسقاء، ما تفتتح به خطبته

(ش) (رجال الحديث) (هارون بن سعيد) بن الهيثم بن محمَّد بن الهيثم التيمي السعدي مولاهم أبو جعفر نزيل مصر. روى عن ابن عيينة وابن وهب وأبي ضمرة ومؤمل ابن إسماعيل وبشر بن بكر. وروى عنه مسلم وأبو داود والنسائيُّ وابن ماجه وأبو حاتم ومحمد ابن وضاح وآخرون. قال مسلمة بن قاسم كان مقدمًا في الحديث فاضلًا ووثقه ابن يونس والنسائيُّ وقال في التقريب ثقة من العاشرة. توفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين. و (الأيلي) نسبة إلى أيلة مدينة على ساحل بحر قلزم "البحر الأحمر" مما يلي الشام. و(خالد بن نزار) بن المغيرة بن سليم الغساني روى عن إبراهيم بن طهمان ومالك بن أنس والأوزاعي وابن عيينه والشافعي. وعنه أحمد ابن صالح وأبو الطاهر بن السرح وهارون بن سعيد وجماعة. وثقه محمَّد بن وضاح وقال ابن حبّان يغرب ويخطئُ وقال في التقريب صدوق يخطئُ. توفي سنة اثنتين وعشرين ومائتين. روى له أبو داود والنسائي. و(يونس) بن يزيد تقدم في الجزء الثاني صفحة 102 (قوله عن أبيه) عروة بن الزبير تقدم في الجزء الأوّل صفحة 72 (معنى الحديث) (قوله شكا الناس) أي أخبروا عن مكروه أصابهم وشكا من باب قتل بالألف أو الياء ويتعدي بنفسه (قوله قحوط المطر) بضم القاف مصدر قحط من باب خضع كالقحط أو هو جمع قحط وأضيف إلى المطر للإشارة إلى عمومه (قوله حين بدًا حاجب الشمس) أي ظهر شعاعها من الأفق وسمي حاجبًا لأنه أول ما يبدو منها كحاجب الإنسان (وفي هذا) استحباب الخروج لصلاة الاستسقاء عند طلوع الشمس. وظاهره أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلاها في وقت صلاة العيد (واختلف) في وقتها. فقيل هو وقت صلاة العيد "وقيل" أوله أول وقت صلاة العيد ويمتدّ إلى صلاة العصر "وقيل" لا تختص بوقت بل تجوز في كل وقت من ليل أو نهار إلا أوقات الكراهة وهو الظاهر وصوبه النووي ورجحه الحافظ وهو قول الجمهور (قوله فكبر وحمد الله) فيه دليل على أن خطبة الاستسقاء تفتتح بالتكبير والتحميد وهو ظاهر نص الشافعي قال في الأم ويخطب الإِمام في الاستسقاء خطبتين كما يخطب في صلاة العيدين يكبر الله فيهما ويحمده ويصلي على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويكثر فيهما من الاستغفار حتى يكون أكثر كلامه اهـ (وبهذا قالت) الحنابلة والمحاملي من الشافعية. وقالت المالكية وجمهور الشافعية يفتتح الخطبة بالاستغفار ويكثر منه أثناءها لكن لم نقف لهم على دليل (قوله إنكم شكوتم جدب دياركم الخ) أي قحطها وتأخر المطر عن أول وقته. فالإبان بكسر الهمزة وتشديد الباء أول الشيء (قوله وقد أمركم الله عَزَّ وَجَلَّ أن تدعوه الخ) المراد به قوله تعالى (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (قوله واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين) المراد أنزل علينا المطر النافع الذي يكون سببًا لإنبات الأرزاق التي هي سبب في قوتنا واجعله كافيًا لنا مدة احتياجنا إليه وفي نسخة (وبلاغًا إلى خير)

تقديم خطبة الاستسقاء على صلاته وتأخيرها

أي زادًا نبلغ وتتوصل به إلى خيري الدنيا والآخرة فالبلاغ ما يتوصل به إلى المطلوب (قوله ثم رفع يديه الخ) يعني رفعهما شيئًا فشيئا إلى أن ظهر بياض إبطيه (قوله ثم حول إلى الناس ظهره) يعني وهو على المنبر (قوله ونزل فصلى ركعتين) فيه دليل على أن الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة، وبه قال الليث وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطّاب وغيره وحكاه العبدري عن عمر ابن عبد العزيز، وقال المالكية والشافعية والحنابلة يصلي ثم يخطب وهو قول الجماهير. ويدل لهم ما رواه أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة قال خرج نبي الله يومًا يستسقي فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا ودعا الله غزّ وجلّ "الحديث" وما رواه أحمد عن عبد الله بن زيد قال خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة وبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم استقبل القبلة فدعا. ولا منافاة بين أحاديث تقديم الصلاة على الخطبة وأحاديث تقديم الخطبة على الصلاة لأن الكل جائز. قال النووي قال أصحابنا لو قدم الخطبة على الصلاة صحتا. لكن الأفضل تقديم الصلاة كصلاة العيد وخطبتها. وجاء في الأحاديث ما يقتضي جواز التقديم والتأخير واختلفت الرواية في ذلك عن الصحابة اهـ قال في النيل وجواز التقديم والتأخير بلا أولوية هو الحق (قوله فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت) أي أوجد الله سحابة سمع منها صوت الرعد ورؤى منها لمعان البرق. وإسناد الرعد والبرق إلى السحاب مجاز لأن الرعد ملك موكل بالسحاب والبرق لمعان يظهر من خلال السحاب وقيل لمعان المطراق الذي يزجر به السحاب (قوله فلم يأت مسجده حتى سالت السيول) يعني لم يأت صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى المسجد من المكان الذي صلى فيه حتى نزل المطر وكثر (قوله فلما رأى سرعتهم إلى الكن الخ) يعني لما رأى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سرعة القوم إلى ما يسترهم من المطر ضحك حتى ظهرت نواجده أي أقصى أضراسه. وقيل هي الأنياب والأضراس كلها (قوله فقال أشهد أن الله على كل شيء قدير) استعظام منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لقدرته تعالى حيث أنزل الغيث الكثير بعد أن كانت الأرض جدبًا واعتراف منه بالعبودية وإظهار للتذلل والخضوع وإظهار أنه مؤيد من عند الله تعالى بقبول دعائه من ساعته لكونه رسوله (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية الالتجاء إلى كبير القوم عند حصول الشدائد وعلى مشروعية خروج الإِمام بالناس إلى الصحراء للاستسقاء، وعلى استحباب الخروج للاستسقاء أول النهار وتقدم بيانه، وعلى استحباب الخطبة على مرتفع في الاستسقاء، وعلى استحباب ابتداء الخطبة بالتكبير والتحميد وتقدم بيانه، وعلى أنه ينبغي أن تكون الخطبة في كل مقام بما يناسبه فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جعل الخطبة مناسبة للاستسقاء

استقبال الإمام القوم حال خطبة الاستسقاء

وعلى جواز تكرار الحمد في خطبة الاستسقاء، وعلى أنه ينبغي أن يكون الخطيب الكبير الذي اشتهر بالزهد والورع ليكون دعاؤه أقرب إلى الإجابة، وعلى أنه يستحب للإمام أن يستقبل القوم حال الخطبة، وعلى استحباب المبالغة في رفع اليدين حال الدعاء في الاستسقاء، وعلى جواز تحويل الإِمام ظهره للناس بعد الدعاء، وعلى استحباب تحويل الرداء تفاؤلًا بتحول الحال كما تقدم، وعلى جواز الخطبة قبل الصلاة وتقدم إيضاحه، وعلى أن الضحك لحاجة إلى ظهور النواجذ مشروع، وعلى أنه ينبغي شكر الله تعالى على نعمائه (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أبو عوانة وابن حبان والبيهقي والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقْرَءُونَ (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ حُجَّةٌ لَهُمْ. (ش) غرض المصنف بهذا بيان حال الحديث وأنه صالح للاحتجاج به والغريب ما تفرد به راو وهو هنا خالد بن نزار لأنه يغرب كما تقدم عن ابن حبان (قوله أهل المدينة يقرءون ملك يوم الدين) يعني بإسقاط الألف وهي قراءة أكثر القراء وقرأ عاصم والكسائي مالك بالألف وهما قراءتان سبعيتان ثابتتان عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالتواتر فلا يتوقف ثبوت إحداهما على الاحتجاج بدليل ظني كحديث الباب (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قَحْطٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَبَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُنَا يَوْمَ جُمُعَةٍ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْكُرَاعُ هَلَكَ الشَّاءُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا قَالَ أَنَسٌ وَإِنَّ السَّمَاءَ لَمِثْلُ الزُّجَاجَةِ فَهَاجَتْ رِيحٌ ثُمَّ أَنْشَأَتْ سَحَابَةً ثُمَّ اجْتَمَعَتْ ثُمَّ أَرْسَلَتِ السَّمَاءُ عَزَالِيَهَا فَخَرَجْنَا نَخُوضُ الْمَاءَ حَتَّى أَتَيْنَا مَنَازِلَنَا فَلَمْ يَزَلِ الْمَطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى فَقَامَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَحْبِسَهُ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله

دعاء الاستسقاء في خطبة الجمعة

تعالى عليه وعلى آله وسلم - ثُمَّ قَالَ "حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا". فَنَظَرْتُ إِلَى السَّحَابِ يَتَصَدَّعُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ كَأَنَّهُ إِكْلِيلٌ. (ش) (يونس بن عبيد) بالرفع عطف على حماد أي رواه مسدد عن يونس بن عبيد عن ثابت بن أسلم البناني عن أنس بن مالك كما رواه عن حماد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس (قوله إذ قام رجل) قال الحافظ لم أقف على اسمه. وفي مسند أحمد ما يدل على أنه كعب بن مرة اهـ وفي البيهقي من طريق مرسلة ما يدل على أنه خارجة بن حصن الفزاري (قوله هلك الكراع) بوزن غراب يذكر ويؤنث اسم لجماعة الخيل (قوله هلك النساء) جمع شاة وهي من الغنم تذكر وتؤنث (قوله فمد يديه) يعني رفعهما مبسوطتين إلى السماء (قوله وإن السماء لمثل الزجاجة) يعني في الصفاء لخلوها من السحاب والواو للحال. وفي رواية للبخاري قال أنس والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئًا (قوله فهاجت ريح الخ) أي ثارت ريح وأنشأت سحابة أي أحدثتها وإسناد الإنشاء إلى الريح من باب الإسناد إلى السبب (قوله ثم اجتمعت) أي انضم بعضها إلى بعض متكاثفة (قوله ثم أرسلت السماء عزاليها) بفتح العين المهملة وكسر اللام جمع عزلاء وهو فم المزادة الأسفل شبه اتساع المطر وتدفقه بالماء الذي يخرج من أفواه القرب (قوله نخوض الماء) أي نمشي فيه لكثرته (قوله حوالينا ولا علينا) يعني أنزل المطر حول المدينة مواضع الشجر والنبات لا على الأبنية والمساكن (قوله يتصدع) أي يتفرق ويتقطع عن المدينة (قوله كأنه إكليل) يريد أن الغيم انكشف عن المدينة واستدار بآفاقها كالحلقة. والإكليل بكسر الهمزة شبه عصابة مزينة بالجوهر يوضع على الرأس (فقه الحديث) دل الحديث على علو منزلته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند ربه حيث أجاب دعاءه على الفور في المبدأ والمنتهى. وعلى كمال حكمته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حيث أجاب السائل بما فيه المصلحة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري بلفظ أن رجلًا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائمًا فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا قال فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يديه فقال اللهم اسقنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا قال أنس ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئًا وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار قال فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس قال فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت قال والله ما رأينا الشمس سبتا

ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قائم يخطب فاستقبله قائمًا وقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها قال فرفع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يديه ثم قال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والجبال والظراب والأدوية ومنابت الشجر قال فانقطعت وخرجنا نمشى في الشمس. قال شريك فسألت أنسًا أهو الرجل الأول قال لا أدري اهـ. والآكام جمع أكمة بفتحات وهي التل المرتفع قليلًا والظراب بكسر الظاء المعجمة جمع ظرب بكسر الراء وقد تسكن وهو الجبل الصغير المنبسط قليل الارتفاع وأخرجه البيهقي بنحوه (ص) حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ أَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ بِحِذَاءِ وَجْهِهِ فَقَالَ "اللَّهُمَّ اسْقِنَا". وَسَاقَ نَحْوَهُ. (ش) (الليث) هو ابن سعد الإِمام (قوله فرفع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يديه الخ) غرض المصنف بهذا بيان الفرق بين رواية شريك هذه ورواية عبد العزيز السابقة فإن عبد العزيز قال في حديثه عن أنس فمدّ يديه ودعا. وقال شريك في حديثه عن أنس فرفع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يديه بحذاء وجهه فقال اللهم اسقنا (قوله وساق نحوه) أي وساق شريك بعد ذلك حديثه نحو حديث عبد العزيز بن صهيب (من أخرج الحديث أيضًا) أخرج البخاري ومسلم والنسائي نحوه (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ ح وَنَا سَهْلُ بْنُ صَالِحٍ نَا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اسْتَسْقَى قَالَ "اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ". هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مَالِكٍ. (ش) (رجال الحديث) (سهل بن صالح) بن حكيم الأنطاكي أبو سعيد البزار روى عن يحيى القطان ويزيد بن هارون ووهب بن جرير وابن علية ووكيع وآخرين. وعنه

أنواع الاستسقاء. من يستسقى به الناس

أبو داود والنسائي والحسن بن أحمد وأبو أسامة الحلبي وآخرون. وثقه أبو حاتم وابن حبان وأبو زكرياء ومسلمة بن قاسم وقال النسائي لا بأس به. و(على بن قادم) الخزاعي أبو الحسن الكوفي. روى عن الأعمش والثوري وجعفر بن زياد الأحمر ويونس بن أبي إسحاق وسعيد ابن أبي عروبة وعلى بن صالح وآخرين. وعنه القاسم بن زكرياء وسهل بن صالح ويوسف ابن موسى ويعقوب بن سفيان ومحمد بن عبد الرحمن البزار ومحمد بن عوف الطائي وآخرون وثقه ابن حبان والعجلي وقال ابن سعد منكر الحديث شديد التشيع وقال الساجي صدوق وفيه ضعف وضعفه ابن معين وقال ابن عدي نقموا عليه أحاديث رواها عن سفيان الثوري غير محفوظة. توفي سنة ثنتي عشرة أو ثلاث عشرة ومائتين (معنى الحديث) (قوله اللهم اسق عبادك وبهائمك الخ) المراد بالبهائم كل حيوان غير آدمي وفي إضافة العباد والبهائم إليه تعالى مزيد استعطاف (قوله وانشر رحمتك) وفي رواية مالك وابسط رحمتك على عبادك. وفي هذا إشارة لقوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) (قوله وأحي بلدك الميت) يعني الذي لا خصب فيه لانقطاع الماء عنه فالإحياء النماء والخصب. والموت كناية عن الجدب وعدم الخصب. وكأنه يشير إلى قوله تعالى (الله الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)، وظاهر الحديث أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اقتصر في الاستسقاء على الدعاء. ولا ينافي ما تقدم من أنه صلى أيضًا لأن الاستسقاء أنواع. أدناها الدعاء المجرد عن الصلاة كما في هذا الحديث، وأوسطها الدعاء خلف الصلوات المكتوبة، وأكملها صلاة ركعتين بنية الاستسقاء وخطبتان ودعاء. هذا وأحاديث الباب صريحة في أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو الذي كان يستسقي للقوم في حياته. وبعد وفاته كان يستسقى الناس بأصلحهم وأقربهم إلى الله تعالى. فقد روى أن معاوية استسقى بيزيد ابن الأسود فقال اللهم إنا نستسقي بخيرنا وأفضلنا اللهم إنا نستسقي بيزيد بن الأسود يا يزيد ارفع يديك إلى الله تعالى فرفع يديه ورفع الناس أيديهم فثارت سحابة من المغرب كأنها ترس وهب لها ريح فسقوا حتى كاد الناس لا يبلغون منازلهم. وروى البخاري عن أنس أن عمر ابن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا فيسقون قال في النيل وقد بين الزبير بن بكار في الأنساب صفة مادعا به العباس في هذه الواقعة والوقت الذي وقع فيه ذلك فأخرج بإسناده أن العباس لما استسقى به عمر قال اللهم إنه لا ينزل بلاءً إلا بذنب ولا يكشف إلا بتوبة وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض

باب صلاة الكسوف

وعاش الناس. قال وأخرج أيضًا من طريق داود بن عطاء عن زيد أسلم عن ابن عمر قال استسقى عمر بن الخطاب عام رمادة بالعباس بن عبد المطلب وذكر الحديث. وفيه فخطب الناس عمر فقال إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد فاقتدوا برسول الله صلى لله عليه وعلى آله وسلم في عمه العباس واتخذوه وسيلة إلى الله وفيه فما برحو حتى سقاهم الله اهـ (قوله وهذا لفظ مالك) يعني ما ذكره المصنف لفظ حديث مالك هو مرسل لا لفظ حديث سفيان (والحديث) أخرجه البيهقي (باب صلاة الكسوف) وفي بعض النسخ كتاب الكسوف باب صلاة الكسوف. تكرر في الأحاديث ذكر الكسوف والخسوف للشمس والقمر. فرواه جماعة فيهما بالكاف. ورواه آخرون فيهما بالخاء ورواه جماعة في الشمس بالكاف وفي القمر بالخاء وهو الكثير في اللغة واختيار القراء، يقال كسفت الشمس وكسفها الله وانكسفت، وخسف القمر وخسفه الله وانخسف. هذا والكسوف لغة التغير إلى السواد، يقال كسفت الشمس إذا اسودت. وسببه حيلولة القمر بين الأرض والشمس. والخسوف لغة الذهاب، يقال خسف القمر إذا ذهب ضوءه. وسببه حيلولة الأرض بين القمر والشمس. وصلاة الكسوف والخسوف مشروعة بالسنة والإجماع (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَخْبَرَنِي مَنْ أُصَدِّقُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُرِيدُ عَائِشَةَ قَالَ كُسِفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قِيَامًا شَدِيدًا يَقُومُ بِالنَّاسِ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُومُ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُومُ ثُمَّ يَرْكَعُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلاَثُ رَكَعَاتٍ يَرْكَعُ الثَّالِثَةَ ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى إِنَّ رِجَالًا يَوْمَئِذٍ لَيُغْشَى عَلَيْهِمْ مِمَّا قَامَ بِهِمْ حَتَّى إِنَّ سِجَالَ الْمَاءِ لَتُصَبُّ عَلَيْهِمْ يَقُولُ إِذَا رَكَعَ "اللَّهُ أَكْبَرُ". وَإِذَا رَفَعَ "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". حَتَّى تَجَلَّتِ الشَّمْسُ ثُمَّ قَالَ "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ

الرد على من يزعم أن الكسوف يكون لموت كبير أو حدوث أمر عظيم

لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ فَإِذَا كُسِفَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ". (ش) (ابن جريج) هو عبد الملك بن عبد العزيز تقدم في الجزء الأول صفحة 74 (قوله أخبرني من أصدق الخ) أي قال عبيد بن عمير أخبرني من أصدقه قال عطاء بن أبي رباح وظننت أن عبيدًا أراد عائشة بهذا القول. ولا يقال إن الحديث له حكم المرسل جريًا على رأي من يقول إن قوله أخبرني الثقة وأخبرني من أصدق ليس بحجة لأن الحديث رواه مسلم والبيهقي من طريق عطاء عن عبيد عن عائشة (معنى الحديث) (قوله كسفت الشمس الخ) بفتح الكاف والسين من باب ضرب أي ذهب ضوءها واسودت في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان ذلك في السنة العاشرة من الهجرة (قوله فقام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قيامًا شديدًا) المراد قام قيامًا طويلًا (قوله يقوم بالناس ثم يركع الخ) بيان لكيفية صلاة الكسوف وأنها ركعتان يقوم في كل ركعة منها ثلاث مرات يقرأ في كل مرة ويركع ثم يسجد بعد الرفع من الركوع الثالث (قوله حتى إن رجالًا يومئذ الخ) أتى به للإشارة إلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالغ في طول القيام بالقوم حتى غشى على بعضهم وأصابهم العرق الشديد حتى كأن السجال صبت عليهم. والسجال جمع سجل بفتح فسكون وهو الدلو العظيمة التي فيها الماء كما تقدم. وقوله لينصب عليهم وفي بعض النسخ لتصب عليهم وهو كناية عن كثرة ما أصابهم من العرق (قوله حتى تجلت الشمس) أي انكشفت وظهر ضوءها (قوله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته) أتى به صلى الله عليه وآله وسلم ردًّا على ما فهمه القوم من أن الشمس كسفت لموت ابنه إبراهيم كما في الرواية الآتية. وفيه الرد أيضًا على بعض المنجمين القائل إن الشمس تنكسف لموت كبير أو حدوث أمر عظيم. قال الخطابي كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغير في الأرض من موت أو ضرر فأعلم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه اعتقاد باطل وأن الشمس والقمر خلقان مسخران لله ليس لهما سلطان في غيرهما ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما اهـ. وذكر الحياة لدفع ما يقال لا يلزم من عدم كسوف الشمس لموت أحد عدم كسوفها لحياة أحد فاندفع بذلك ما يقال إنه لا حاجه إلى ذكر الحياة لأنه خلاف سبب الحديث (قوله ولكنهما آيتان من آيات الله الخ) أي علامتان عظيمتان دالتان على قدرته تعالى يخوف بهما عبادة. وذكره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ردًّا على بعض الجاهلية الذين كانوا يعظمون الشمس والقمر ويعبدونهما فبين أنهما مخلوقان لله تعالى لا تأثير لهما وأنهما كسائر المخلوقات يطرأ عليهما التغير (قوله فافزعوا

الطاعة سبب لدفع البلاء. حكم صلاة الكسوف، حديث الكسوف يوم موت إبراهيم ابن الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

إلى الصلاة) أي أسرعوا إليها واستعينوا بها على دفع ما ينزل بكم. وفيه إشارة إلى أن الالتجاء عند المخاوف إلى الله تعالى بالصلاة ونحوها من الدعاء والاستغفار سبب لدفع ما نزل من البلايا والعقوبات العالجة والآجلة بسبب العصيان. والأمر فيه وفي غيره من الأحاديث المشتملة على الأمر بصلاة الكسوف محمول على السنية عند الجهور لانحصار الواجب من الصلوات في الخمس كما جاء في الحديث. وقال أبو عوانة في صحيحه إنها واجبة حملًا للأمر على ظاهره ونقل عن أبي حنيفة القول بالوجوب لكنه خلاف المشهور عنه (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجة البيهقي وكذا مسلم والنسائي بنحوه (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُسِفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ النَّاسُ إِنَّمَا كُسِفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ ابْنِهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى بِالنَّاسِ سِتَّ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ كَبَّرَ ثُمَّ قَرَأَ فَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ ثُمَّ رَكَعَ نَحْوًا مِمَّا قَامَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَرَأَ دُونَ الْقِرَاءَةِ الأُولَى ثُمَّ رَكَعَ نَحْوًا مِمَّا قَامَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الثَّالِثَةَ دُونَ الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ رَكَعَ نَحْوًا مِمَّا قَامَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَانْحَدَرَ لِلسُّجُودِ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ ثَلاَثَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لَيْسَ فِيهَا رَكْعَةٌ إِلاَّ الَّتِى قَبْلَهَا أَطْوَلُ مِنَ الَّتِى بَعْدَهَا إِلاَّ أَنَّ رُكُوعَهُ نَحْوٌ مِنْ قِيَامِهِ قَالَ ثُمَّ تَأَخَّرَ فِي صَلاَتِهِ فَتَأَخَّرَتِ الصُّفُوفُ مَعَهُ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقَامَ فِي مَقَامِهِ وَتَقَدَّمَتِ الصُّفُوفُ فَقَضَى الصَّلاَةَ وَقَدْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ بَشَرٍ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِي". وَسَاقَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ. (ش) (عبد الملك) بن أبي سليمان تقدم في الجزء الرابع صفحة 339 (قوله وكان ذلك

حكم قراءة الفاتحة في غير القيام الأول من صلاة الكسوف. حكم تطويل السجود والجلوس بين السجدتين فيها

اليوم الذي مات فيه إبراهيم الخ) أي كان يوم كسوف الشمس هو اليوم الذي مات فيه إبراهيم ابن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وأمه مارية القبطية. ولد في ذى الحجة سنة ثمان وتوفى سنة عشر وهو ابن ثمانية عشر شهرًا على الأشهر (قوله فصلى بالناس ست ركعات) يعني أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى ركعتين في كل ركعة ثلاث ركوعات وسجدتان كما ذكره المصنف (قوله ثم ركع نحوًا مما قام) يعني ركع ركوعا طويلًا قريبًا من القيام للقراءة. ولم نر في شيء من الأحاديث بيان ما قاله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الركوع في صلاة الكسوف. لكنهم اتفقوا على أنه لا قراءة فيه للنهي عنها فيه. والمشروع فيه الذكر والتسبيح (قوله فقرأ دون القراءة الأولى) أي قرأ في القيام الثاني قراءة أقل من القراءة في القيام الأول. واتفقوا على أنه يقرأ في القيام الأول الفاتحة وغيرها من القرآن. واختلف في قراءة الفاتحة في القيام الثاني. فذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أنها لا تصح الصلاة إلا بقراءتها أيضًا لأنها تطلب قبل كل ركوع. وقال محمَّد بن سلمة لا يعيد الفاتحة في القيام الثاني لأنها ركعة واحدة ولا تقرأ الفاتحة مرتين فيها (قوله ثم رفع رأسه فانحدر للسجود) لم يذكر في هذه الرواية تطويل الرفع من الركوع الذي يعقبه السجود. وجاء في رواية لمسلم والمصنف عن جابر وفيها ثم رفع "أي من الركوع الثالث" فأطال ثم سجد. قال النووي وهي رواية شاذة اهـ ونقل القاضي عياض إجماع العلماء على أنه لا يطيل الاعتدال الذي يليه السجود وتأول هاتين الروايتين بأن المراد بالإطالة فيهما زيادة الطمأنينة (قوله فسجد سجدتين) لم يذكر في هذه الرواية تطويل السجدتين وقد جاء تطويلهما في رواية سمرة بن جندب الآتية للمصنف وفيها ثم سجد بنا كأطول ما سجد بنا في صلاة قط وفي رواية أيضًا عند أحمد والبخاري عن أسماء وفيها فسجد فأطال السجود ثم رفع ثم سجد فأطال السجود. وفي رواية للبخاري ومسلم عن ابن عمرو بن العاص وفيها فركع ركعتين في سجدة ثم قام فركع ركعتين في سجدة ثم جلي عن الشمس قالت عائشة ما ركعت ركوعًا قط ولا سجدت سجودًا قط كان أطول منه. وبندب تطويل السجدتين قالت المالكية والحنابلة وكذا الشافعية على الأصح عندهم ولم يذكر المصنف أيضًا في هذه الرواية تطويل الجلسة بين السجدتين وقد جاء في رواية عند النسائي وابن خزيمة من حديث ابن عمرو وفيه ثم رفع فجلس فأطال الجلوس حتى قيل لا يسجد ثم سجد وصحح الحافظ هذا الحديث وقال لم أقف في شيء من الطرق على تطويل الجلوس بين السجدتين إلا في هذا اهـ وبعدم تطويل الجلوس بين السجدتين قالت الحنابلة والشافعية والمالكية. قال في الطراز لا يطيل الفصل بين السجدتين بالإجماع. وكذا قال الشيخ زروق في شرح الإرشاد. ونقل الغزالي الاتفاق على ترك تطويله فإن أرادوا الاتفاق المذهبي فمسلم وإلا فهم محجوجون بهذه الرواية ولعلها لم تثبت عندهم أو ثبتت وتأولوها بأن المراد زيادة

حديث رؤية النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الجنة والنار في صلاة الكسوف

الطمأنينة كما تقدم عن القاضي (قوله ثم تأخر في صلاته الخ) أي تأخر عن مكانه الذي كان يصلي فيه ثم تقدم فقام في مقامه وكان تأخره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين رأى النار وتقدمه حين رأى الجنة لما في رواية مسلم عن عائشة وفيها قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفًا من الجنة حينما رأيتموني جعلت أتقدم ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضًا حين رأيتموني تأخرت ورأيت فيها عمرو ابن لحيّ وهو الذي سيب السوائب وفي رواية النسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص والذي نفسي بيده لقد أدنيت الجنة مني حتى لو بسطت يدي لتعاطيت من قطوفها ولقد أدنيت النار مني حتّى لقد جعلت أتقيها خشية أن تغشاكم حتى رأيت فيها امرأة من حمير تعذب في هرة ربطتها فلم تدعها تأكل من خشاش الأرض فلا هي أطعمتها ولا هي سقتها حتى ماتت فلقد رأيتها تنهشها إذا أقبلت وإذا ولت تنهش أليتها وحتى رأيت فيها صاحب السبتيتين أخابني الدعدع يدفع بعصا ذات شعبتين في النار وحتى رأيت فيها صاحب المحجن الذي كان يسرق الحاج بمحجنه متكئًا عل محجنه في النار يقول أنا سارق المحجن. و "قوله صاحب السبتيتين" هكذا في النسائي والذي في كتب الغريب صاحب السائبتين قال في النهاية السائبتان بدنتان أهداهما النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسم إلى البيت فأخذهما رجل من المشركين فذهب بهما وسماهما سائبتين لأنه سيبهما لله تعالى اهـ (قوله فصلوا حتى تنجلي) فيه حجة لمن يقول إن المصلي يزيد ركوعًا ثالثًا ورابعًا وأكثر حتى تنجلي الشمس. منهم ابن خزيمة وابن المنذر والخطابي وأبو بكر الضبعي (قوله وساق بقية الحديث) ظاهره أن هذا الحديث مختصر وأن له بقية من طريق يحيى عن عبد الملك ولم نعثر على بقيته من هذا الطريق بل له بقية من طريق عبد الله ابن نمير عن عبد الملك أخرجها مسلم قال حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا عبد الملك عن عطاء عن جابر قال انكسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال الناس إنما انكسفت لموت إبراهيم فقام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصلى بالناس ست ركعات بأربع سجدات بدأ فكبر ثم قرأ فأطال القراءة ثم ركع نحوًا مما قام ثم رفع رأسه من الركوع فقرأ قراءة دون القراءة الأولى ثم ركع نحوًا مما قام ثم رفع رأسه من الركوع فقرأ قراءة دون القراءة الثانية ثم ركع نحوًا مما قام ثم رفع رأسه من الركوع ثم انحدر بالسجود فسجد سجدتين ثم قام فركع أيضًا ثلاث ركعات ليس منها ركعة إلا التي قبلها أطول من التي بعدها وركوعه نحوًا من سجوده ثم تأخر وتأخر الصفوف خلفه حتى انتهينا وقال أبو بكر حتى انتهى إلى النساء ثم تقدم وتقدم الناس معه حتى قام في مقامه فانصرف حين انصرف وقد آضت الشمس فقال

باب من قال أربع ركعات أي قال إن صلاة الكسوف تكون ركعتين في كل ركعة ركوعان

يأيها الناس إنما الشمس والقمر آيتان من آيات الله وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس وقال أبو بكر لموت بشر فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فصلوا حتى تنجلي. ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه لقد جئ بالنار وذلكم حين رأيتمونى تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها وحتى رأيت فيها صاحب المحجن يجرّ قصبه في الناركان يسرق الحاجّ بمحجنه فإن فطن له قال إنما تعلق بمحجني وإن غفل عنه ذهب به وحتى رأيت صاحبة الهرة التي ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعًا ثم جئ بالجنة وذلكم حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه ثم بدًا لي أن لا أفعل فما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه اهـ (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم من الطريق المذكورة آنفًا وأخرجه البيهقي من طريق المصنف تحت ترجمة باب من أجاز أن يصلي في الخسوف ركعتين في كل ركعة ثلاث ركوعات (باب من قال أربع ركعات) أي باب يذكر فيه الأحاديث الدالة لمن قال إن صلاة الكسوف تكون ركعتين في كل ركعة ركوعان فيكون في الركعتين أربعة ركوعات. أو تكون ركعتين في كل ركعة أربعة ركوعات وفي بعض النسخ ذكر هذه الترجمة قبل الحديث السابق، وهو لا يناسبها فلعل ذلك خطأ من النساخ (ص) حَدَثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ نَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ هِشَامٍ نَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كُسِفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِأَصْحَابِهِ فَأَطَالَ الْقِيَامَ حَتَّى جَعَلُوا يَخِرُّونَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ فَكَانَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. (ش) (إسماعيل) بن إبراهيم المعروف بابن علية تقدم بالجزء الثاني صفحة 264. و(هشام) بن أبى عبد الله الدستوائي في الجزء الأول صفحة 114. وكذا (أبو الزبير) محمد بن مسلم صفحة 24 (قوله حتى جعلوا يخرّون) أي يسقطون على الأرض من طول القيام (قوله وساق الحديث) وتمامه عند مسلم والبيهقي وفيه وجعل يتقدم ويتأخر في صلاته ثم أقبل على أصحابه فقال إني عرضت على الجنة

حديث صلاة الكسوف في المسجد

والنار فقربت مني الجنة حتى لو تناولت منها قطفًا نلته أو قال قصرت يدى شك هشام وعرضت عليّ النار فجعلت أتأخر رهبة أن تغشاكم ورأيت امرأة حميرية سوداء طويلة تعذّب في هرّة لها ربطتها فلم تطعمها ولم تسقها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض ورأيت فيها أبا ثمامة عمرو بن مالك يجرّ قصبه في النار وإنهم كانوا يقولون إن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم وإنهما آيتان من آيات الله يريكموها فإذا انكسفا فصلوا حتى ينجلي اهـ وهذا الحديث مطابق للترجمة فإن فيه أنه صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ركع ركوعين في كل ركعة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ السَّرْحِ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ ح وَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ نَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ خُسِفَتِ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمَسْجِدِ فَقَامَ فَكَبَّرَ وَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قِرَاءَةً طَوِيلَةً ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ". ثُمَّ قَامَ فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً هِىَ أَدْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ الأُولَى ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا هُوَ أَدْنَى مِنَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ ثُمَّ قَالَ "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ". ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ. (ش) (يونس) هو ابن يزيد الأيلي. و (ابن شهاب) هو محمد بن مسلم الزهري (قوله فخرج رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى المسجد الخ) فيه دلالة على مشروعية صلاة الكسوف في المسجد وأنها تصلي حماعة ويأتي بيانه (قوله فاقترأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أي قرأ. وعبر بالافتعال ليدل على طول القراءة وأكدها بقولة قراءة طويلة ليشعر بالزيادة في الطول (قوله فقال سمع الله لمن حمده الخ) دلّ على أنه

حديث صلاة الكسوف ركعتين في كل ركعة خمسة ركوعات

مشروع للإمام أن يجمع بين التسميع والتحميد وتقدم بيانه (قوله فاستكمل أربع ركعات) يعني صلى ركعتين في كل ركعة ركوعان (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وزاد فيه ثم قام فخطب وأثنى على الله بما هو أهله ثم قال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا عَنْبَسَةُ نَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ كَانَ كَثِيرُ بْنُ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ مِثْلَ حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَيْنِ. (ش) (رجال الحديث) (عنبسة) بن خالد تقدم في الجرء الثاني صفحة 327.و (يونس) ابن يزيد الأيلي. و (كثير بن عباس) بن عبد المطلب بن هاشم المدني أبو تمام. روى عن أبيه وأخيه عبد الله وأبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم. وعنه الأعرج والزهري وأبو الأصبغ. قال ابن حبان كان رجلًا صالحًا فقيهًا فاضلًا وقال يعقوب بن شيبة يعدّ في الطبقة الأولى من أهل المدنية ممن ولد على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقال ابن سعد كان رجلًا صالحًا فقيهًا ثقة قليل الحديث وقال الدارقطني روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مراسيل. مات بالمدنية أيام عبد الملك ابن مروان. روى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي (معنى الحديث) (قوله مثل حديث عروة الخ) يعنى وذكر كثير بن عباس صفة صلاة الكسوف مثل الصفة التى في حديث عروة عن عائشه السابق (قوله أنه صلى ركعتين في كل ركعة ركعتين) يعنى ركوعين وهو مفعول لفعل محذوف أي صلى ركعتين وجعل في كل ركعة ركوعين. وفي نسخة ركعتان بالرفع على الابتداء وفي كل ركعة خبر مقدم. وذكره بعد التشبيه للتأكيد (من أخرج الحديث أيصا) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفُرَاتِ بْنِ خَالِدٍ أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَحُدِّثْتُ عَنْ عُمَرَ

بْنِ شَقِيقٍ نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ -وَهَذَا لَفْظُهُ وَهُوَ أَتَمُّ- عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بِهِمْ فَقَرَأَ بِسُورَةٍ مِنَ الطُّوَلِ وَرَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ الثَّانِيَةَ فَقَرَأَ سُورَةً مِنَ الطُّوَلِ وَرَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ كَمَا هُوَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو حَتَّى انْجَلَى كُسُوفُهَا. (ش) هذا الحديث غير مناسب للترجمة فكان المناسب ذكره تحت ترجمة باب من قال خمس ركعات (رجال الحديث) (محمد بن عبد الله بن أبي جعفر الرازي). روى عن عبد الرحمن ابن زيد وعبد العزيز بن أبي حازم وإبراهيم بن المختار وعمر بن هارون البلخي وغيرهم. وعنه أبو حاتم وأحمد بن الفرات وسعيد بن العباس والحسن بن العباس ومحمد بن أيوب وغيرهم ذكره ابن حبان في الثقات وجزم ابن عبد البر بأن الزهري تفرد بالرواية عنه وقال لا يعرف إلا برواية الزهري عنه وقال في التقريب صدوق من العاشرة (قوله عن أبيه) هوعبد الله بن أبى جعفر الرازي. روى عن أبيه وعكرمة وابن جريج وشعبة وآخرين. وعنه ابنه محمد وعيسى ابن سوادة وإسماعيل بن إبراهيم الهذلي ومحمد بن عيسى الطباع وجماعة، ضعفه الساجي وذكره ابن حبان في الثقات وقال يعتبر حديثه من غير روايته عن أبيه وقال ابن عدي بعض حديثه لا يتابع عليه وقال أبو زرعة ثقة صدوق. روى له أبو داود. و(أبو جعفر الرازي) التميمي مولاهم قيل اسمه عيسى بن ماهان وقيل عيسى بن عبد الله بن ماهان. روى عن الربيع ابن أنس وحميد الطويل والأعمش وعطاء بن السائب ومطرف بن طريف وجماعة. وعنه شعبة وأبو عوانة وسلمة بن الفضل وهاشم بن القاسم وعمر بن شقيق وأبو نعيم وآخرون. وثقه ابن معين وقال يكتب حديثه لكنه يخطئُ. وقال عمرو بن على فيه ضعف وهو من أهل الصدق سيءُ الحفظ وقال أبو زرعة شيخ يهم كثيرًا وقال ابن خراش صدوق سيءُ الحفظ وقال ابن عدي ينفرد عن المشاهير بالمناكير لا يعجبني الاحتجاج بحديثه إلا فيما وافق الثقات وقال أحمد والنسائي ليس بالقوى وقال أبو حاتم ثقه صدوق وقال ابن المديني ثقة كان يخلط. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخارى في الأدب. و(عمر بن شقيق) بن أسماء الجرمي البصري. روى عن أبى جعفر وإسماعيل بن مسلم. وعنه ابنه الحسن وأزهر بن جميل ويحيى

من صفة صلاة الكسوف أن تصلى ركعتين في كل ركعة أربعة ركوعات

ابن حكيم وروح بن عبد المؤمن. قال ابن عدي قيل الحديث وقال ابن حزم لا يدري من هو وقال الذهلي ما رأيت أحدًا ضعفه وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من الثامنة (قوله وهذا لفظه الخ) أي ما سيذكره المصنف لفظ حديث عمر بن شقيق وحديثه أتم من حديث عبد الله بن أبي جعفر. و(الربيع بن أنس) البكري البصري الخراساني. روى عن أنس وأبي العالية رفيع بن مهران والحسن البصري وصفوان بن محرز. وعنه أبو جعفر الرازي والأعمش وسلمان التيمي وسلمان بن عامر وابن المبارك وعيسى بن عبيد. قال العجلي وأبو حاتم صدوق وقال النسائي ليس به بأس وقال ابن معين كان يتشيع فيفرط. توفي سنة تسع وثلاثين أو أربعين ومائة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (معنى الحديث) (قوله فقرأ بسورة من الطول) بضم الطاء وفتح الواو جمع الطولى كالكبر جمع الكبرى تقدم أن السبع الطول هي البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والتوبة (قوله وركع خمس ركعات) صريح في أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ركع خمسة ركوعات في كل ركعة. لكنه ضعيف لأنه من طريق أبي جعفر الرازي وقد ضعفه غير واحد كما علمت (قوله ثم جلس كما هو الخ) أي استمر جالسًا على هيئه جلوسه في الصلاة يدعو الله حتى انجلت الشمس (والحديث) أخرجه الحاكم والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ نَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ وَالأُخْرَى مِثْلُهَا. (ش) مناسبة الحديث للترجمة من حيث إنه صلى الله عليه وآله وسلم أتى في كل ركعة بأربعة ركوعات (قوله فقرأ ثم ركع الخ) دلّ على أن من جملة صفات صلاة الكسوف أن تكون كل ركعة من ركعتها بأربعة ركوعات، وصحح الترمذي هذا الحديث. لكن قال ابن حبان إنه ليس بصحيح لأنه من رواية حبيب بن أبي ثابت عن طاوس ولم يصرّح حبيب بسماع هذا الحديث من طاوس، وحبيب مدلس (من أخرج الحديث أيضًا) أجرجه مسلم والنسائي والترمذي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا زُهَيْرٌ نَا الأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ حَدَّثَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ عِبَادٍ

الْعَبْدِيُّ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَنَّهُ شَهِدَ خُطْبَةً يَوْمًا لِسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ قَالَ سَمُرَةُ بَيْنَمَا أَنَا وَغُلاَمٌ مِنَ الأَنْصَارِ نَرْمِي غَرَضَيْنِ لَنَا حَتَّى إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ قِيدَ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ فِي عَيْنِ النَّاظِرِ مِنَ الأُفُقِ اسْوَدَّتْ حَتَّى آضَتْ كَأَنَّهَا تَنُّومَةٌ فَقَالَ أَحَدُنَا لِصَاحِبِهِ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَاللَّهِ لَيُحْدِثَنَّ شَأْنُ هَذِهِ الشَّمْسِ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي أُمَّتِهِ حَدَثًا قَالَ فَدَفَعْنَا فَإِذَا هُوَ بَارِزٌ فَاسْتَقْدَمَ فَصَلَّى فَقَامَ بِنَا كَأَطْوَلِ مَا قَامَ بِنَا فِي صَلاَةٍ قَطُّ لاَ نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا قَالَ ثُمَّ رَكَعَ بِنَا كَأَطْوَلِ مَا رَكَعَ بِنَا فِي صَلاَةٍ قَطُّ لاَ نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا ثُمَّ سَجَدَ بِنَا كَأَطْوَلِ مَا سَجَدَ بِنَا فِي صَلاَةٍ قَطُّ لاَ نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا. ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ فَوَافَقَ تَجَلِّى الشَّمْسِ جُلُوسَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَشَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَشَهِدَ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ سَاقَ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ خُطْبَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. (ش) هذا الحديث غير مناسب للترجمة وكذا الحديثان بعده فكان المناسب ذكرها تحت ترجمة باب من قال يصلي في الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوع واحد (رجال الحديث) (زهير) بن معاوية تقدم بالجزء الأول صفحة 112. و(الأسود بن قيس العبدي) أبو قيس الكوفي. روى عن أبيه وثعلبة بن عباد وجندب بن عبد الله وشقيق بن عقبة وسعيد بن عمرو. وعنه شعبه والثوري وأبو عوانة وابن عيينة وشريك وجماعة. والنسائي والعجلي وابن معين وأبو حاتم وقال التقريب ثقة من الرابعة. روى له الجماعة. و(ثعلبة بن عباد العبدي) البصري. روى عن أبيه وسمرة بن جندب. وعنه الأسود بن قيس. وثقه ابن حبان وقال ابن المديني وابن القطان وابن حزم وابن المواق مجهول. وقال في التقريب مقبول من الرابعة (معنى الحديث) (قوله نرمي غرضين لنا) تثنية غرض وهو الهدف الذي يرمى إليه بنحو السهام (قوله اسودت حتى آضت كأنها تنومة) المراد تغير ضوؤها وعادت من الصفاء

المذاهب في الجهر والسر بالقراءة في صلاة الكسوف

إلى الاسوداد وصار لونها يشبه التنومة وهي نوع من النبات فيها وفي ثمرها اسوداد قليل (قوله فوالله ليحدثن شأن هذه الشمس الخ) يعني ليجددن الله من أجل تغير الشمس أمرًا من أمور الدين. ولعل هذا ظهر لهم مما اعتادوه من تجدد، الأحكام عند حدوث الحوادث (قوله فدفعنا فإذا هو بارز الخ) يعني ذهبنا مسرعين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وفي نسخة فدفعنا إلى المسجد فإذا هو أي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بارز من البروز وهو الظهور. وروى بأزز بهمزة مفتوحة وزاءين أي بجمع كثير. قال في النهاية في حديث سمرة كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانتهيت إلى المسجد فإذا هو بأزز أي ممتلئ بالناس يقال أتيت الوالي والمجلس أزز أي كثير الزحام ليس فيه متسع والناس أزز إذا انضم بعضهم إلى بعض اهـ (قوله فاستقدم فصلى فقام بنا الخ) أي تقدم فشرع في الصلاة فقام بنا يقرأ قيامًا كأطول قيام قامه بنا في صلاة مضت. وقط ظرف للزمن الماضي واستعملت هنا في الإثبات والأصل فيها أن تستعمل بعد نفى "قال السيوطى" فيه استعمال قط في الإثبات وهي مختصة بالنفي بإجماع النحاة، وخرجه الشيخ جمال الدين بن هشام على أنه وقع قط بعد ما المصدرية كما يقع بعد ما النافية، وقال الرضى وربما استعملت قط بلا نفي لفظًا ومعنى نحو كنت أراه قط أي دائمًا, ولفظًا لا معنى نحو هل رأت الذئب قط اهـ أي ما رأيت الذئب قط فهذا يبطل دعوى الإجماع (قوله لا نسمع له صوتًا) يعني لم يجهر فيها بالقراءة. وهو دليل على أن القراءة في صلاة الكسوف تكون سرًا، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعية والليث بن سعد وجمهور الفقهاء. واستدلوا أيضًا بما رواه الشيخان عن ابن عباس قال انخسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلى فقام قيامًا طويلًا نحوًا من قراءة سورة البقرة الخ قالوا وهو دليل على أن ابن عباس لم يسمع ما قرأ به صلى الله عليه وآله وسلم لأنه لو سمعه لم يقدره بما ذكر بل كان يذكر ما سمعه "وما قيل" من أن ابن عباس كان بعيدا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "فمردود" بما روى الشافعي في الأم عن ابن عباس أنه قال كنت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة كسوف الشمس فما سمعت منه حرفًا (وقال) أحمد وأبو يوسف ومحمد يجهر فيها بالقراءة. وبه قال ابن المنذر وقال رويناه عن على وعبد الله بن يزيد الخطمي وزيد بن أرقم والبراء بن عازب. واحتجوا بما رواه الترمذي عن عائشة أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى صلاة الكسوف فجهر بالقراءة فيها. وسيأتي للمصنف في الباب الآتي. وبما رواه أحمد عن عائشة قالت خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتى المصلى فكبر فكبر الناس ثم قرأ فجهر بالقراءة وأطال القيام "الحديث" ولا منافاة بين روايات الجهر بالقراءة والسرّ فيها لثبوت كل عنه صلى الله عليه

أقوال الأئمة في خطبة صلاة الكسوف

وعلى آله وسلم بناء على أن صلاة الكسوف تعددت. أما على أنها لم تتعدد فترجح روايات الجهر لثبوتها في الصحيحين ولكونها متضمنة للزيادة فيعمل بها ولكونها مثبتة فتقدم على النافية قال ابن العربي الجهر عندي أولى لأنها صلاة جامعة ينادى لها ويخطب فأشبهت العيد والاستسقاء اهـ. ورجح ابن القيم الجهر بالقراءة فيها، وقال الطبري والهادي يخير في القراءة بين السرّ والجهر وهي رواية عن مالك (قوله ثم قام فحمد الله وأثنى عليه الخ) فيه دلالة على مشروعية خطبة بعد صلاة الكسوف. وإلى ذلك ذهبت الشافعية قالوا يستحب خطبتان بعد الصلاة. واستدلوا بحديث الباب وأشباهه (وذهب) أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف وأحمد في رواية إلى أن الكسوف ليس فيه خطبة. وأجابوا عن حديث الباب وأشباهه بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بالصلاة ولم يأمر بالخطبة ولو كانت مشروعة لأمر بها. وما ذكر في الأحاديث مما يدل بظاهره على أنه خطب فمحمول على أنه قال ذلك ليردهم عن اعتقادهم أن الشمس خسفت لموت ابنه إبراهيم لا لقصد الخطبة للكسوف (قال) في الفتح وتعقب هذا بما في الأحاديث الصحيحة من التصريح بالخطبة وحكاية شرائطها من الحمد والثناء والموعظة وغير ذلك مما تضمنته الأحاديث فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف. والأصل مشروعية الاتباع اهـ (قال) ابن القيم خطب صلى الله عيه وعلى آله وسلم بالقوم خطبة بليغة حفظ منها قوله إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا يا أمة محمد. والله ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزنى أمته يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا وقال لقد رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم به حتى لقد رأيتنى أريد أن آخذ قطفًا من الجنة حين رأيتموني أتقدم ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضًا حين رأيتمونى تأخرت. وفي لفظ ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرًا قط أفظع منها ورأيت أكثر أهل النار النساء. قالوا وبم يا رسول الله قال بكفرهن قيل أيكفرن بالله قال يكفرن العشير ويكفرن الإحسان ولو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئًا قالت ما رأيت منك خيرًا قط. ومنها "يعني من الخطبة" ولقد أوحي إليّ أنكم تفتنون في القبور مثل أو قريبًا من فتنة الدجال يؤتى أحدكم فيقال له ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن أو قال الموقن فيقول محمد رسول الله جاء بالبينات والهدى فأجبنا وآمنا واتبعنا فيقال له نم صالحًا فقد علمنا أن كنت لمؤمنًا. وأما المنافق أو قال المرتاب فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته اهـ (قوله ثم ساق أحمد بن يونس الخ) أي ذكر خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد صلاة الكسوف وهي ما ذكره أحمد في مسنده من أنه صلى الله عليه وآله وسلم لما سلم حمد الله وأثنى عليه وشهد أنه لا إله إلا الله وأنه عبده ورسوله

صفة المسيح الدجال. حديث صلاة الكسوف ركعتين كصلاة الصبح

ثم قال أيها الناس أنشدكم باللهِ إن كنتم تعلمون أني قصرت في شيء من تبليغ رسالات ربي لما أخبرتمونى بذلك فقام رجل فقال نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لأمتك وقضيت الذي عليك ثم قال أما بعد فإن رجالًا يزعمون أن كسوف هذه الشمس وكسوف هذا القمر وزوال هذه النجوم عن مطالعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض وإنهم قد كذبوا ولكنها آيات من آيات الله تبارك وتعالى يعتبر بها عبادة فينظر من يحدث له منهم توبة وأيم الله لقد رأيت منذ قمت أصلي ما أنتم لاقوه من أمر دنياكم وآخرتكم وأنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابًا آخرهم الأعور الدجال ممسوح العين اليسرى كأنها عين أبي يحيى لشيخ حينئذ من الأنصار بينه وبين حجرة عائشة وأنه متى يخرج فسوف يزعم أنه الله فمن آمن به وصدقه واتبعه لم ينفعه صالح من عمله سلف ومن كفر به وكذبه لم يعاقب بشيء من عمله سلف وأنه سيظهر على الأرض كلها إلا الحرم وبيت المقدس وأنه يحصر المؤمنين في بيت المقدس فيتزلزلون زلزالًا شديدًا ثم يهلكه الله عَزَّ وَجَلَّ وجنوده حتى إن جذم الحائط أو قال أصل الحائط أو أصل الشجرة لينادي يا مسلم يا مؤمن هذا يهودى أو قال هذا كافر فتعال فاقتله قال ولن يكون ذلك حتى تروا أمورًا يتفاقم بينكم شأنها في أنفسكم وتسألون بينكم هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرًا وحتى تزول جبال عن مراتبها اهـ (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي وكذا أحمد والبيهقي مطولًا لا بذكر الخطبة (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا وُهَيْبٌ نَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ قَبِيصَةَ الْهِلاَلِيِّ قَالَ كُسِفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَخَرَجَ فَزِعًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ ثُمَّ انْصَرَفَ وَانْجَلَتْ فَقَالَ "إِنَّمَا هَذِهِ الآيَاتُ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا كَأَحْدَثِ صَلاَةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مِنَ الْمَكْتُوبَةِ". (ش) (رجال الحديث) (وهيب) بن خالد الباهلي تقدم بصفحة 33 من الجزء الأول و(أبو قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي تقدم في صفحة 42 من الجزء الثالث. و(قبيصة الهلالي) بن المخارق بن عبد الله بن شداد بن معاوية بن أبي ربيعة البصري. له صحبة. وفد على النبي صلى الله تعلى عليه وآله وسلم وروى عنه. وروى عنه ابن قطن وكنانة بن نعيم وأبو عثمان النهدي وأبو قلابة. روى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي

المذاهب في كيفية صلاة الكسوف

(معنى الحديث) (قوله فخرج فزعًا يجر ثوبه) وفي رواية الشيخين عن أبي موسى قال خسفت الشمس فقام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فزعًا يخشى أن تكون الساعة فأتى المسجد فصلى الخ. والفزع الخوف وكان فزعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند ظهور هذه الآيات شفقة على أهل الأرض أن يأتيهم العذاب كما أتى من قبلهم من الأمم. أو تعليمًا للأمة ليفزعوا عند ظهور الآيات (قوله فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة) أي صلوا صلاة الكسوف مثل الصلاة المكتوبة التي وقع الكسوف بعدها وكانت صلاة الصبح فقد صليت ضحى كما يؤخذ من الرواية السابقة (والحديث) أخرجه النسائي والحاكم والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا رَيْحَانُ بْنُ سَعِيدٍ نَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ قَبِيصَةَ الْهِلاَلِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ الشَّمْسَ كُسِفَتْ بِمَعْنَى حَدِيثِ مُوسَى قَالَ حَتَّى بَدَتِ النُّجُومُ. (ش) (رجال الحديث) (ريحان بن سعيد) بن المثنى بن معدان الناجي أبو عصمة البصري. روى عن عباد بن منصور وشعبة وروح بن القاسم. وعنه أحمد وإسحاق الحنظلي وأبو بكر بن أبي شيبة وإبراهيم بن سعد الجوهري وآخرون. قال أبو حاتم لا بأس به يكتب حديثه ولا يحتج به وقال النسائي وابن معين لا بأس به وقال العجلي منكر الحديث وضعفه ابن قانع وقال في التقريب صدوق ربما أخطأ من التاسعة. مات سنة ثلاث أو أربع ومائتين و(هلال بن عامر) وقيل ابن عمرو البصري. روى عن قبيصة بن مخارق، وعنه أبو قلابة ذكره ابن منده في الصحابة وقال في التقريب ثقة من الرابعة وقال الذهبى لا يعرف (معنى الحديث) (قوله بمعنى حديث موسى الخ) أي ابن إسماعيل شيخ المصنف في الرواية السابقة وقال أحمد بن إبراهيم في روايته هذه كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى بدت النجوم أي ظهرت لشدة الظلة الحاصلة بتغير ضوء الشمس (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي. هذا وأحاديث الباب تدل على أن صلاة الكسوف وردت بكيفيات مختلفة (منها) ما يفيد أنها ركعتان كبقية النوافل (ومنها) ما يفيد أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان (ومنها) ما يفيد أنها ركعتان في كل ركعة ثلاثة ركوعات (ومنها) ما يفيد أنها ركعتان في كل ركعة أربعة ركوعات (ومنها) ما يفيد أنها ركعتان في كل ركعة خمسة ركوعات ولذا اختلف الفقهاء في كيفيتها. فقالت الحنفية والثوري والنخعي إنها ركعتان كسائر النوافل. واستدلوا بحديثى سمرة بن جندب وقبيصة الهلالي. وقالوا المراد بقوله في حديث قبيصة كأحدث صلاة صليتموها

جواز العمل بكل ما ثبت في صلاة الكسوف

صلاة الصبح فإن الكسوف كان عند ارتفاع الشمس قدر رمحين. واستدلوا أيضًا بالأحاديث الآتية للمصنف في باب من قال يركع ركعتين عن النعمان بن بشير وعبد الله بن عمرو وعبد الرحمن بن سمرة (وقالت) العترة إنها ركعتان في كل ركعة خمسة ركوعات، واستدلوا بما تقدم للمصنف عن أبي بن كعب قال انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى بهم فقرأ بسورة من الطول وركع خمس ركعات وسجد سجدتين ثم قام الثانية فقرأ سورة من الطول وركع خمس ركعات وسجد سجدتين "الحديث" وقال حذيفة في كل ركعة ثلاثة ركوعات لما تقدم للمصنف من حديث جابر بن عبد الله وفيه فقام النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فصلى بالناس ست ركعات في أربع سجدات "الحديث" ولما تقدم للمصنف أيضًا من حديث عائشة في باب صلاة الكسوف. وفيه فركع ركعتين في كل ركعة ثلاث ركعات يركع الثالثة ثم يسجد، وقال مالك والشافعي وأحمد وجمهور الفقهاء ركعتان في كل ركعة ركوعان، وهذا أولاها لصحة أدلته وكثرة القائلين به قال ابن عبد البر أصح ما في الباب ركوعان وما خالف ذلك فمعلل أو ضعيف اهـ وكذا قال البيهقي (ونقل) صاحب الهدى عن الشافعي وأحمد والبخاري أنهم كانوا يعدّون الزيادة على الركوعين في كل ركعة غلطًا من بعض الرواة اهـ لكنه غير مسلم لأنه تقدم حديث جابر عند المصنف ومسلم وأحمد وفيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى ست ركوعات في الركعتين. وحديث عائشة أيضًا عند أحمد والنسائي قالت صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ست ركعات وأربع سجدات وحديثها عند مسلم أيضًا. قالت إن الشمس انكسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقام قيامًا شديدًا يقوم قائمًا ثم يركع ثم يقوم ثم يركع ثم يقوم ثم يركع ركعتين في ثلاث ركعات وأربع سجدات وانصرف وقد تجلت الشمس. وصحح ابن القيم حديث الركوعين في كل ركعة من وجهين. أحدهما أن أحاديث تكرار الركوع مرتين أصح إسنادًا وأسلم من العلة والاضطراب. ثانيهما أن رواتها أكثر وأحفظ وأجل من رواة غيرها. وقال ابن المنذر وابن خزيمة والخطابي يجوز العمل بجميع ما ثبت في ذلك وهو من الاختلاف المباح اهـ وقوّاه النووي في شرح مسلم. وقال في الروضة الندية قد رويت هذه الصلاة من فعله صلى الله عليه وآله وسلم على أنواع. ركعتين كسائر الصلوات في كل ركعة ركوع واحد. وركوعين في كل ركعة وثلاثة وأربعة وخمسة والكل سنة أيها فعل المكلف فقد فعل ما شرع له واختيار الأصح منها على الصحيح هو دأب الراغبين في الفضائل العارفين بكيفية الدلائل اهـ وهذا كله مبني على أن قصة صلاة الكسوف تعددت أما على أنها واحدة فالمصير إلى الترجيح متعين. وأحاديث الركوعين في كل ركعة أصح كما علمت. ودلت أحاديث الباب أيضًا على أن صلاة الكسوف

المذاهب في كيفية صلاة الخسوف

تصلى في جماعة. وإلى ذلك ذهبت المالكية والشافعية والحنابلة وقالوا إنها تصح فرادى وقالت الحنفية تصلي جماعة بإمام الجمعة وإن امتنع فلهم أن يصلوها فرادى خشية الفتنة. وهذا كله في كسوف الشمس. أما خسوف القمر فقالت الشافعية والحنابلة هي ركعتان في كل ركعة ركوعان كصلاة كسوف الشمس في جماعة لما رواه الشافعي في مسنده ؤالبيهقي عن الحسن البصري قال خسف القمر وابن عباس أمير على البصرة فخرج فصلى بنا ركعتين في كل ركعة ركعتين ثم ركب وقال إنما صليت كما رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي اهـ لكنه ضعيف لأنه من طريق إبراهيم بن محمد ولا يحتج بحديثه لضعفه وكذا ما رواه الدارقطني عن حبيب بن أبي ثابت عن طاوس عن ابن عباس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى في كسوف الشمس والقمر ثماني ركعات في أربع سجدات يقرأ في كل ركعة فهو ضعيف أيضًا لأنه من طريق حبيب بن أبي ثابت وهو مدلس كما تقدم عن ابن حبان. وقد أخرج مسلم حديث ابن عباس بدون ذكر القمر فيه. وما رواه أيضًا عن عائشة قالت كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي في كسوف الشمس والقمر أربع ركعات الخ فقد قال الحافظ ذكر القمر فيه مستغرب اهـ (وقالت) الحنفية صلاة الخسوف ركعتان بركوع واحد في كل ركعة كبقية النوافل. وتصلى فرادى لأنه قد خسف القمر في عهده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرارًا ولم ينقل إلينا أنه جمع الناس لها فيتضرع كل وحده (وقالت) المالكية، وندب لخسوف القمر ركعتات جهرًا بقيام وركوع واحد كالنوافل فرادى في المنازل وتكرّر حتى ينجلي القمر أو يغيب أو يطلع الفجر. وكره إيقاعها في المساجد جماعة أو فرادى. والأصل في هذا اختلافهم في الأصل بالصلاة عند الكسوف كما جاء في الأحاديث عند المصنف وغيره. فمن فهم من الأمر بالصلاة معنى واحدًا في كسوف الشمس خسوف القمر كالشافعية جعل صلاة خسوف القمر كالصلاة لكسوف الشمس كما جاء في الأحاديث المتقدمة. ومن فهم في الأصل اختلافًا قال المفهوم من الصلاة أقل ما ينطلق عليه اسم الصلاة في الشرع وهي النافلة فذًّا إلا أن يدل الدليل على غير ذلك. ولما دل فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في كسوف الشمس على غير هذا المعنى بقى المفهوم في خسوف القمر عل حاله (باب القراءة في صلاة الكسوف) وفي نسخة باب ما يقرأ فيها (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ نَا عَمِّي نَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ

قراءة سورة البقرة وآل عمران فيها

عُرْوَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ كُلُّهُمْ قَدْ حَدَّثَنِي عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُسِفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَقَامَ فَحَزَرْتُ قِرَاءَتَهُ فَرَأَيْتُ أَنَّهُ قَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ -وَسَاقَ الْحَدِيثَ- ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ فَحَزَرْتُ قِرَاءَتَهُ فَرَأَيْتُ أَنَّهُ قَرَأَ بِسُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. (ش) (رجال الحديث) (عبيد الله بن سعد) بن إبراهيم بن سعد الزهري أبو الفضل البغدادي، روى عن أبيه وعمه يعقوب وأخيه إبراهيم وروح بن عبادة ويزيد بن هارون ويونس بن محمد وجماعة. وعنه البخاري وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وكثيرون. وثقه الدارقطني والخطيب وقال ابن أبي حاتم صدوق وقال النسائي لا بأس به. توفي سنة ستين ومائتين (قوله حدثنا عمي) هو يعقوب بن إبراهيم في الثالث صفحة 152 (قوله حدثنا أبي) هو إبراهيم ابن سعد في الجزء الأول صفحة 176. و(عبد الله بن أبي سلمة) مولى آل المنكدر. روى عن ابن عمر ومسعود بن التيمم والمسور بن مخرمة ومعاذ بن عبد الرحمن وعروة بن الزبير. وعنه بكير بن الأشج وابن إسحاق وأبو الزبير ويزيد بن الهاد ويحيي بن سعيد الأنصاري وآخرون. وثقه النسائي. وقال في التقريب ثقة من الثالثة. توفي سنة ست ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي (معنى الحديث) (قوله فحزرت قراءته الخ) أي قدرت القراءة التي قرأها في الركعة الأولى ظننت أنه قرأ فيها مقدار سورة البقرة (قوله وساق الحديث) لا حاجة إليه لأن الرواية لم يحذف منها شيء ففي رواية الحاكم والبيهقي عن عائشة أيضًا قالت كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلى بالناس فحزرت قراءته فرأيت أنه قرأ سورة البقرة ثم سجد سجدتين ثم قام فأطال القراءة فيها فقدرت قراءته فرأيت أنه قرأ سورة آل عمران (قوله ثم قام فأطال القراءة الخ) أي قام إلى الركعة الثانية فأطال القراءة فيها فقدرت قراءته فظننت أنه قرأ سورة آل عمران. والحديث يفيد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى ركعتين بركوع واحد في في كل ركعة. وهو يؤيد تعدد قصة صلاة الكسوف فلا ينافي ما تقدم عن عائشة أيضًا أنه صلى ركعتين بركوعين في كل ركعة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي والحاكم بلفظ تقدم

(ص) حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ أَخْبَرَنِي أَبِي نَا الأَوْزَاعِيُّ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً فَجَهَرَ بِهَا يَعْنِي فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ. (ش) (الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو تقدم في الجزء الثاني صفحة 290 (قوله فقرأ قراءة طويلة فجهر بها) لا ينافي ما تقدم من أنها حزرت قراءته لاحتمال أنه جهر بالقراءة ولم تسمع عين المقروء فاحتاجت إلى حزره كما في الرواية السابقة. ويحتمل أن القصة متعددة فمرة جهر بالقراءة فأخبرت بذلك ومرّة أسرّ فحزرت قراءته. ويحتمل أن المراد بالكسوف هنا كسوف القمر فيكون عدم المنافاة بين الروايتين ظاهرًا فإن الجهر بالقراءة في هذا الحديث في صلاة الليل. وحزرها للقراءة في الرواية السابقة في كسوف الشمس. وتقدم بيان المذاهب في السر والجهر بالقراءة في الكسوف (قوله يعني في صلاة الكسوف) هكذا في جميع النسخ بزيادة لفظ يعني والظاهر أنها من أبي داود. ورواية البيهقي والحاكم بدونها (ومن أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي والحاكم وأخرج البخاري ومسلم والترمذي نحوه (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -كَذَا عِنْدَ الْقَاضِي وَالصَّوَابُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- قَالَ خُسِفَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسُ مَعَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا بِنَحْوٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ رَكَعَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ. (ش) (القعنبيّ) هو عبد الله بنْ مسلمة تقدم في الجزء الأول صفحة 22 (قوله عن ابن عباس) ووقع في بعض النسخ عن أبي هريرة وهو غلط والصواب عن ابن عباس ويؤيده رواية مالك في الموطأ والنسائي والبخاري والبيهقي فإن فيها عن ابن عباس ومن ثم قال المزي في الأطراف ووقع في نسخة القاضي عن أبي هريرة وهو وهم اهـ وقال الحافظ في الفتح قوله عن عطاء بن يسار عن ابن عباس كذا في الموطأ وفي جميع من أخرجه من طريق مالك ووقع في رواية اللؤلؤي في سنن أبي داود عن أبي هريرة بدل ابن عباس وهو غلط اهـ (قوله وساق الحديث) تمامه عند مالك في الموطأ والبيهقي. ثم ركع وهو ركوعا طويلًا ثم رفع فقام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلًا وهو دون الركوع الأول ثم سجد ثم قام قام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلًا وهو دون الركوع الأول ثم

باب أينادى فيها بالصلاة أي يقال فيها الصلاة جامعة

رفع فقام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلًا وهو دون الركوع الأول ثم سجد ثم انصرف وقد تجلت الشمس فقال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله. قالوا يا رسول الله رأيناك تناولت شيئًا في مقامك هذا ثم رأيناك تكعكعت فقال إني رأيت الجنة أو أريت الجنة فتناولت منها عنقودًا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا وأريت النار فلم أر كاليوم منظرًا أفظع منها ورأيت أكثر أهلها النساء. قالوا لم يا رسول الله قال بكفرهن قال يكفرن بالله قال يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئًا قالت ما رأيت منك خيرًا قط اهـ (والحديث) أخرجه مالك والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي (باب أينادى فيها بالصلاة) بهمزهّ الاستفهام وهي ساقطة في بعض النسخ والكلام على تقديرها أي في بيان ما يدل على أن صلاة الكسوف ينادى لها بقوله الصلاة جامعة (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ نَا الْوَلِيدُ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ أَنَّهُ سَأَلَ الزُّهْرِيَّ فَقَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُسِفَتِ الشَّمْسُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا فَنَادَى أَنَّ الصَّلاَةَ جَامِعَةٌ. (ش) (رجال الحديث) (الوليد) بن مسلم تقدم في الجزء الثاني صفحة 51. و (عبد الرحمن ابن نمر) بفتح النون وكسر الميم اليحصبي أبو عمرو الدمشقي. روى عن الزهري ومكحول. وعنه الوليد بن مسلم. وثقه الذهلي وابن البرقي وقال الحاكم مستقيم الحديث وقال دحيم صحيح الحديث وقال أبو حاتم ليس بالقوي ولم يخرج له الشيخان سوى حديث واحد في الكسوف وقال ابن معين ضعيف. روى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي (قوله أنه سأل الزهري) يعني سأله عن النداء في صلاة الكسوف (معنى الحديث) (قوله إن الصلاة جامعة) بتشديد إن والصلاة اسمها وجامعة خبرها أو الخبر محذوف وجامعة بالنصب حال أي إن الصلاة حاضرة حالة كونها جامعة. ويحتمل أن تكون أن بفتح الهمزة وتخفيف النون مفسرة والصلاة مبتدأ وجامعة خبر. أو أن الصلاة مفعول لفعل محذوف وجامعة حال أي أقيموا الصلاة حال كونها جامعة. وإسناد الجمع إليها مجاز عقلي من قبيل الإسناد إلى السبب. أو في الكلام حذف مضاف أي ذات جماعة حاضرة. وفي هذا دلالة على مشروعية الإعلام في صلاة الكسوف بهذا النداء وليس فيها أذان ولا إقامة باتفاق كما قاله ابن دقيق العيد

باب الصدقة فيها

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرج نحوه البخاري ومسلم والبيهقي عن عائشة قالت خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فبعث مناديًا فنادى (الصلاة جامعة (فاجتمع الناس فصلى بهم أربع ركعات في ركعتين بأربع سجدات ثم تشهد ثم سلم (باب الصدقة فيها) أي في بيان أن الصدقة مطلوبة حال كسوف الشمس (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ يُخْسَفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبِّرُوا وَتَصَدَّقُوا". (ش) (قوله وكبروا) المراد بالتكبير الصلاة. ويحتمل أن يراد بالتكبير مطلق التعظيم ويؤيده ما في رواية البخاري فاذكروا الله (قوله وتصدقوا) أمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالصدقة لأنها تدفع البلاء والعذاب والكسوف من جملة الآيات المنذرة بالعذاب. وأطلق في الأمر بالصدقة ليعم كل صدقة قليلة كانت أو كثيرة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والحاكم والبيهقي مطولًا (باب العتق فيها) أي في حال كسوف الشمس (ص) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو نَا زَائِدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُ بِالْعَتَاقَةِ فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ. (ش) (زائدة) ابن قدامة تقدمَ في الجزء الأول صفحة 243، وكذا (هشام) ابن عروة صفحة 149. و (فاطمة) بنت المنذر بن الزبير تقدمت ترجمتها هي و (أسماء) بنت أبي بكر بالجزء الثالث صفحة 230 (قوله كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأمر بالعتاقة الخ) بفتح العين المهملة أي بالعتق وهو مصدر عتق يقال عتق العبد من باب ضرب عتقًا وعتاقة وعتاقًا ولا يتعدي بنفسه فلا يقال عتقته ولا يبني للمجهول فلا يقال عتق العبد ويتعدي بالهمزة فيقال أعتقته فهو معتق ولا يقال أعتق العبد بالهمزة مبنيًا للفاعل والعبد فاعل بل الثلاثي لازم والرباعي متعدّ. والأمر فيه محمول على الندب للترغيب في الخير كالأمر بالصلاة والصدقة والدعاء (الحديث) أخرجه البخاري والحاكم والبيهقي

باب من قال يركع ركتين تكرير صلاة الكسوف حتى تنجلي الشمس

(باب من قال يركع ركعتين) أي في ذكر أدلة من قال تصلى صلاة الكسوف ركعتين في كل ركعة ركوع واحد (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ الْبَصْرِيُّ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ كُسِفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَجَعَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيَسْأَلُ عَنْهَا حَتَّى انْجَلَتْ. (ش) (رجال الحديث) (الحارث بن عمير) أبو عمير البصري نزيل مكة. روى عن حميد الطو يل وأيوب بن أبي تميمة السختياني وجعفر بن محمد وسليمان بن المغيرة وجماعة. وعنه ابن عيينة وابن مهدي وأبو أسامة وأحمد بن أبي شعيب ومحمد بن سلمان وآخرون. وثقه النسائي وأبو حاتم وابن معين والدارقطني وقال الأزدي ضعيف منكر الحديث وقال ابن خزيمة كذاب وقال ابن حبان كان ممن يروي عن الأثبات الأشياء الموضوعات. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في التعاليق. و (أبوقلابة) عبد الله بن زيد البصري تقدم في الجزء الثالث صفحة 42 (معنى الحديث) (قوله فجعل يصلي ركعتين ركعتين) يعني كل ركعة بركوع واحد وهو حجة لمن قال إن صلاة الكسوف كبقية النوافل. ويحتمل أنه أراد بقوله ركعتين ركعتين في كل ركعة ركوعان. ويبعده قوله يسأل عنها فإن ظاهره أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسأل عن انجلائها بعد كل ركعتين. وما في رواية البيهقي من طريق عبد الوارث عن أيوب وفيها فجعل يصلي ركعتين ويسلم حتى انجلت الشمس (قوله ويسأل عنها حتى انجلت) أي يسأل الناس بعد كل ركعتين عن حال الشمس هل انجلت فإذا قيل له لم تنجل صلى ركعتين ثم يسأل عن انجلائها حتى انجلت، فقد أخرج أحمد من عدة طرق بسنده إلى النعمان بن بشير قال انكسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن يصلي ركعتين ثم يسأل ثم يصلي ركعتين ثم يسأل حتى انجلت اهـ لكن أخرج النسائي الحديث من طريق معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا خسفت الشمس والقمر فصلوا كأحدث صلاة صليتموها. وأخرج من طريق عاصم الأحول عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير. أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى حين انكسفت الشمس مثل صلاتنا يركع ويسجد اهـ فليس في أكثر الروايات تكرار ركعتين. وهو مما يؤيد تعدد القصة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي من طريق الحارث بن عمير كالمصنف. ورواه

ما قاله الفلاسفة في سبب الخسوف والكسوف لا يتنافى مع السنة. حديث طلب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عدم عذاب أمته

النسائي في والحاكم وابن ماجه من طرق أخرى بنحوه ورواه أحمد من عدّة طرق بلفظ تقدم وأخرجه الطحاوي من طريق عبيد الله بن عمرو عن أيوب عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير أو غيره. قال كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فجعل يصلي ركعتين ويسأل حتى انجلت قم قال إن رجالًا يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من عظماء أهل الأرض وليس ذلك كذلك ولكنهما آيتان من آيات الله فإذا تجلى الله لشيء من خلقه خشع له اهـ وأخرج النسائي نحوه من طريق قتادة عن أبي قلابة عن قبيصة الهلالي أن الشمس انخسفت فصلى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم ركعتين ركعتين حتى انجلت ثم قال إن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولكنهما خلقان من خلقه وإن الله تعالى يحدث في خلقه ما شاء وإن الله عز وجل إذا تجلى لشيء من خلقه يخشع له فأيهما حدث فصلوا حتى ينجلي أو يحدث الله أمره اهـ (قال ابن القيم) في كتابه مفتاح السعادة إسناد هذه الرواية لا مطعن فيه ورواته ثقات حفاظ ولكن لعل هذه اللفظة يعني (إن الله إذا بدًا لشيء من خلقه خشع له، مدرجة في الحديث من كلام بعض الرواة ولهذا لا توجد في سائر أحاديث الكسوف فقد روى حديث الكسوف عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بضعة عشر صحابيًا فلم يذكر أحد منهم في حديثه هذه اللفظة من هنا نشأ احتمال الإدراج (وقال القاضي) السبكي في منع الموانع إنكر الغزالي هذه الزيادة غير جيد فإن الحديث مروي في النسائي وغيره. وهو لا يتنافى مع ما قاله الفلاسفة من أن خسوف القمر عبارة عن ذهاب ضوئه بتوسط الأرض بينه وبين الشمس حيث إنه يقتبس نوره من الشمس. والأرض كرة فإذا وقع القمر في ظل الأرض انقطع عنه نور الشمس وأن كسوف الشمس سببه توسط القمر بين الأرض والشمس. فإنه لا يبعد أن العالم بالجزئيات ومقدّر الكائنات سبحانه وتعالى يقدر في الأزل خسوفهما بتوسط الأرض بين القمر والشمس ووقوف القمر بين الأرض والشمس ويكون ذلك وقت تجليه سبحانه وتعالى عليهما. فالتجلي سبب لكسوفهما. قضت العادة بأنه يقارن توسط الأرض والقمر ولا مانع من ذلك. ولا ينبغي منازعة الفلاسفة فيما قالوا إذ دلت عليه براهين قطعية اهـ بتصرّف من شروح سنن النسائي (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَكَدْ يَرْكَعُ ثُمَّ رَكَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ ثُمَّ رَفَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَسْجُدُ ثُمَّ سَجَدَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ ثُمَّ رَفَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَسْجُدُ ثُمَّ سَجَدَ

حكم التأوه في الصلاة

فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ ثُمَّ رَفَعَ وَفَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ نَفَخَ فِي آخِرِ سُجُودِهِ فَقَالَ "أُفْ أُفْ". ثُمَّ قَالَ "رَبِّ أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لاَ تُعَذِّبَهُمْ وَأَنَا فِيهِمْ أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لاَ تُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ". فَفَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِنْ صَلاَتِهِ وَقَدْ أَمْحَصَتِ الشَّمْسُ وَسَاقَ الْحَدِيثَ. (ش) (رجال الحديث) (قوله عن أبيه) هو السائب بن مالك الثقفي أبو يحيى الكوفي. روى عن سعد بن أبي وقاص وعلى وعمار والمغيرة بن شعبة وعبد الله بن عمرو. وعنه ابنه عطاء وأبو إسحاق السبيعي. قال العجلي تابعي ثقة ووثقه ابن معين وقال في التقريب ثقة من الثالثة روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه والبخاري في الأدب (معنى الحديث) (قوله لم يكد يركع الخ) المراد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أطال القراءة في القيام وأطال الركوع والرفع منه وكذا السجود (قوله ثم نفخ في أخر سجوده فقال أف أف) وفي رواية النسائي فجعل ينفخ في آخر سجوده من الركعة الثانية ويبكي الخ، ونفخ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حزنًا على ما وقع من المخالفات التي هي سبب في الانتقام (وبهذا استدل) أبو يوسف على أن المصلي إذا تأوّه في صلاته لا تفسد. وعامة الفقهاء على أن النفخ في الصلاة يفسدها لأنه من كلام الناس (وأجابوا) عى هذا الحديث بأن النفخ كان جائزًا ثم نسخ (قوله ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم الخ) أشار به إلى قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) والمراد أنجز ما وعدتني به واكشف ما نزل بنا من البلاء. وليس قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ألم تعدني الخ ناشئا عن عدم تصديقه بوعد الله تعالى بل يمكن أن يكون هذا مبنيًا على تجويز أن يكون وعد الله إياه مشروطًا بشرط كعدم نحالفتهم (قوله وقد أمحصت الشمس) أي ظهر ضوؤها وانجلت. ويروى انمحصت على المطاوعة وهو قليل في الرباعي. وأصل المحص التخليص ومنه تمحيص الذنوب وإزالتها (قوله وساق الحديث) أي ذكر السائب بن مالك بقية الحديث، وتمامه كما في رواية النسائي إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عزّ وجلّ إذا رأيتم كسوف أحدهما فاسعوا إلى ذكر الله والذي نفس محمد بيده لقد أدنيت الجنة مني الخ ما تقدم في حديث جابر قبيل باب من قال أربع ركعات (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي والطحاوي والحاكم والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ نَا الْجُرَيْرِيُّ عَنْ حَيَّانَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ

رفع اليدين والتسبيح والتهليل والدعاء

الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أَتَرَمَّى بِأَسْهُمٍ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِذْ كُسِفَتِ الشَّمْسُ فَنَبَذْتُهُنَّ وَقُلْتُ لأَنْظُرَنَّ مَا أُحْدِثَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ الْيَوْمَ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ يُسَبِّحُ وَيُحَمِّدُ وَيُهَلِّلُ وَيَدْعُو حَتَّى حُسِرَ عَنِ الشَّمْسِ فَقَرَأَ بِسُورَتَيْنِ وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ. (ش) (رجال الحديث) (الجريري) هو سعيد بن إياس تقدم في الجزء الأول صفحة 313 و(عبد الرحمن بن سمرة) بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي أبو سعيد كان اسمه عبد كلال فسماه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عبد الرحمن، أسلم يوم الفتح وشهد غزوة موتة وهو الذي افتتح سجستان وكابل في خلافة عثمان. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن معاذ. وعنه ابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن البصري وابن سيرين وآخرون. مات سنة خمسين أو إحدى وخسين. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله أترمي بأسهم الخ) وفي نسخة بأسهمي أي أرمي بأسهمي عن القوس. وفي رواية النسائي بينا أنا أترامى بأسهم لي بالمدينة (قوله فنبذتهن الخ) أي طرحتهن. وفي رواية النسائي فجمعت أسهمي وقلت لأنظرن ما أحدثه رسول الله صل الله عليه وعلى آله وسلم (قوله فانتهيت إليه وهو رافع يديه الخ) أي انتهيت إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو قائم يصلي في المسجد رافعا يديه يسبح ويحمد ويهلل حتى انجلت الشمس. ولما انجلت تمم صلاته ركعتين كبقية النوافل وقرأ فيهما سورتين. وليس المراد أنه ابتدأ الصلاة بعد انجلاء الشمس لأنه لا حاجة إلى الصلاة حينئذ ولأنه مخالف لسائر الروايات وما اتفق عليه من أن صلاة الكسوف تفتتح قبل الانجلاء ويؤيده رواية مسلم عن عبد الرحمن بن سمرة قال كنت أرى بأسهم لي بالمدينة في حياة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذ كسفت الشمس فنبذتها فقلت والله لأنظرن إلى ما حدث لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في كسوف الشممس فأتيته وهو قائم في الصلاة رافع يديه فجعل يسبح ويهلل ويكبر ويحمد ويدعو حتى حسر عنها فلما حسر عنها قرأ سورتين وصلى ركعتين. وفي هذا دلالة على أنه إن انجلت الشمس حال الصلاة أتمت الصلاة كبقية النوافل (والحديث) أخرجه مسلم والنسائي والحاكم والبيهقي

باب الصلاة عند الظلمة ونحوها

(باب الصلاة عند الظلمة ونحوها) وفي نسخة وغيرها يعني من زلزلة وريح شديد ومطر كثير (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ حَدَّثَنِي حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ النَّضْرِ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى عَهْدِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -قَالَ- فَأَتَيْتُ أَنَسًا فَقُلْتُ يَا أَبَا حَمْزَةَ هَلْ كَانَ يُصِيبُكُمْ مِثْلُ هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنْ كَانَتِ الرِّيحُ لَتَشْتَدُّ فَنُبَادِرُ الْمَسْجِدَ مَخَافَةَ الْقِيَامَةِ. (ش) (رجال الحديث) (محمد بن عمرو الخ) هو ابن عمرو بن عباد بن جبلة بن أبي روّاد العتكي مولاهم أبو جعفر البصري. روى عن محمد بن أبي على وأبي عامر العقدي وأبي أحمد الزبيري وحرميّ بن عمارة وجماعة. وعنه مسلم وأبو داود وابن أبي عام وأبو زرعة وبقيّ بن مخلد، وثقه أبو داود وقال على بن الحسن صدوق وقال في التقريب صدوق من الثالثة، توفي سنة أربع وثلاثين ومائتين. و(حرميّ بن عمارة) بن أبي حفصة العتكي مولاهم البصري أبو روح. روى عن شعبة وقرّة بن خالد وأبي طلحة الراسبي وجماعة. وعنه على بن المديني وإبراهيم بن محمد بن عرعرة ومحمد بن عمرو بن جبلة وآخرون، قال أحمد وابن معين صدوق وقال في التقريب صدوق يهم من التاسعة. توفي سنة إحدى ومائتين. روى له الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه، و(عبيد الله بن النضر) بن عبد الله بن مطر القيسي أبو النضر البصري. روى عن أبيه، وعنه حرمي بن عمارة وزيد بن الحباب وابن المبارك وأبو سلمة، وثقه ابن معين وقال أبو حاتم لا بأس به وقال في التقريب لا بأس به من السابعة (قوله حدثني أبي) هو النضر بن عبد الله بن مطر القيسي البصري. روى عن أبيه وقيس بن عبادة وأنس. وعنه ابنه عبيد الله والحاكم بن عطية، وثقه ابن حبان وقال في التقريب مستور من الخامسة (معنى الحديث) (قوله كانت ظلمة على عهد أنس الخ) أي قال النضر بن عبد الله كانت ظلمة شديدة في زمن أنس فأتيته فسألته هل كان يقع لكم مثل هذه الظلمة في عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال أنس نعوذ بالله من أن يقع في زمنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مثل هذه الظلمة. ومعاذ مصدر أقيم مقام الفعل بعد حذفه وأضيف إلى المفعول به بعد حذف الجار (قوله إن كانت الريح لتشتد الخ) يعني تقوي فنسارع إلى المسجد للصلاة والدعاء مخافة أن تقوم الساعة. وإن مخففة من الثقيلة والكلام للتأكيد ومخاقة منصوب عل التعليل أي لأجل الخوف من وقوعها (وفيه دلالة) على مشروعية

المذاهب في الصلاة للزلازل ونحوها

الصلاة عند الريح الشديدة وكذا غيرها من الزلازل والصواعق والظلمة الشديدة نهارًا والضوء. الشديد بالليل لعموم الحديث الآتي (وبه قالت) الشافعية والحنفية وقالوا تصلى فرادى لا جماعة (وقالت) الحنابلة لا يصلي لشئ من الآيات إلا الزلزلة الدائمة فيصلي لها كالكسوف. ونقل جماعة عن أحمد الصلاة لهذه الآيات كلها (وقال) مالك تكره الصلاة لأىّ آية من هذه الآيات ماعدا الكسوف. وروى عن أشهب والقاضي عياض جواز الصلاة لكل آية يخشي منها أن تكون عقوبة كالزلازل والريح الشديدة والظلمات (والحديث) أخرجه الحاكم والبيهقي (باب السجود عند الآيات) أي في بيان ما يدل على طلب السجود عند ظهور علامة مخوّفة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي صَفْوَانَ الثَّقَفِيُّ نَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ نَا سَلْمُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ قِيلَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ مَاتَتْ فُلاَنَةُ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَخَرَّ سَاجِدًا فَقِيلَ لَهُ أَتَسْجُدُ هَذِهِ السَّاعَةَ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا رَأَيْتُمْ آيَةً فَاسْجُدُوا". وَأَيُّ آيَةٍ أَعْظَمُ مِنْ ذَهَابِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- (ش) (رجال الحديث) (محمَّد بن عثمان بن أَبي صفوان) بن مروان بن عثمان أبو عبد الله البصري. روى عن أبيه ويحيى بن سعيد القطان وابن مهدي ومعاذ بن هشام ويحيى بن كثير العنبري وآخرين. وعنه أبو داود والنسائي وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو بكر بن أبي عاصم وجماعة، وثقه أبو حاتم وقال النسائي لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة من الحادية عشرة، و (الثقفي) نسبة إلى ثقيف قبيلة من هوازن، و(يحي بن كثير) بن درهم البصري العنبري أبو غسان خراساني الأصل. روى عن عثمان بن سعد ومعاذ بن العلاء ومسلم بن جعفر وشعبة وكثيرين. وعنه ابنه الحسن وعمرو بن على وعباس العنبري وعبد الله بن الهيثم العبدي وجماعة، وثقه عباس العنبري وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال النسائي ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة من التاسعة. توفي سنة ست ومائتين. روى له الجماعة، و (سلم) بفتح السين المهملة وسكون اللام (ابن جعفر) أبو جعفر البكراوي الأعمى. روى عن الحكم بن أبان وسعيد الجريري والوليد بن كثير وعنه يحيى بن

السجود لموت عظيم من أهل الفضل

كثير ونعيم بن حماد، وثقه عباس العنبري وذكره ابن حبان في الثقات وقال الأزدي متروك الحديث وقال ابن المديني صدوق وتكلم فيه الأزدي بغير حجة. روى له أبو داود والترمذي (معنى الحديث) (قوله ماتت فلانة بعض أزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) هي صفية بنت حييّ كما في رواية البيهقي (قوله فخر ساجدًا) يعني كسجود التلاوة (قوله فقيل له تسجد هذه الساعة) أتسجد هذه الساعة، وكان السجود قبل طلوع الشمس. فقد روى البيهيقى عن عكرمة قال سمعنا صوتًا بالمدينة فقال لي ابن عباس يا عكرمة انظر ما هذا الصوت فذهبت فوجدت صفية بنت حيي امرأة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد توفيت فجئت إلى ابن عباس فوجدته ساجدًا ولما تطلع الشمس فقلت له سبحان الله تسجد ولم تطلع الشمس بعد فقال يا لا أمّ لك أليس قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا رأيتم آية فاسجدوا فأى آية أعظم من أن يخرجن أمهات المؤمنين من بين أظهرنا ونحن أحياء. وكان ذهاب أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أعظم الآيات لأنهن ذوات البركة فبحياتهن يرفع العذاب عن الناس وبموتهن يخشى العذاب فينبغي الرجوع والالتجاء إلى الله تعالى ليدفع العذاب ببركة الذكر والسجود (قوله إذا رأيتم آية فاسجدوا) أي إذا رأيتم علامة مخوّفة من عذاب الله فاسجدوا أي صلوا. ففيه إطلاق الجزء على الكل ويحتمل أن المراد السجود فقط كما فعل ابن عباس وهو الأقرب. وقال الطيبى إن أريد بالآية خسوف الشمس والقمر فالمراد بالسجود الصلاة. وإن كانت غيرها كمجئ الريح الشديدة والزلزلة وغيرهما فالسجود هو المتعارف. ويجوز العمل على الصلاة أيضًا لما ورد أنه كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة اهـ (والحديث) أخرجه البيهقي والترمذي وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه تفريع أبواب صلاة السفر أي أبواب صلاة المسافر المتنوعة. وفي بعض النسخ أبواب صلاة المسافر بدون لفظ تفريع (باب صلاة المسافر) وفي بعض النسخ باب في فرض صلاة المسافر (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ فُرِضَتِ الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلاَةِ الْحَضَرِ.

تفريع أبواب صلاة السفر

(ش) (قوله فرضت الصلاة ركعتين ركعتين) أي فرض الله تعالى الصلوات المكتوبة ليلة الإسراء ركعتين ركعتين يعني إلا المغرب جاء مصرّحا به في رواية أحمد، وكرّر لفظ ركعتين لإفادة عموم التثنية لكل صلاة (قوله فأقرّت صلاة السفر الخ) يعني بقيت ركعتين وزيد في صلاة الحضر بعد الهجرة كما جاء في رواية للبخاري عن عائشة قالت فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ففرضت أربعًا. والزيادة في غير الصبح والمغرب كما رواه ابن حبان وابن خزيمة والبيهقي من طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت فرضت صلاة الحضر والسفر ركعتين ركعتين فلما قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة واطمأن زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان وتركت صلاة الفجر لطول القراءة فيها وصلاة المغرب لأنها وتر النهار (والحديث) صريح في أن صلاة السفر فرضت ركعتين فهي عزيمة وهو قول عمر وعلى وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وجابر. وبه قالت الحنفية واستدلوا بحديث الباب وبما رواه النسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن عمر بن الخطاب قال صلاة السفر ركعتان وصلاة الأضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم محمَّد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد خاب من افترى وبما روى عن ابن عمر أنه قال صحبت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في السفر فكان لا يزيد على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك. وعن ابن عباس مثله. قالوا وكل من روى صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في السفر روى القصر فلو كان فرض المسافر أربعًا لما تركه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دائمًا (وذهب مالك) في المشهور عنه إلى أن القصر رخصة وأن الصلاة فرضت أربعًا، وبه قالت الشافعية وهو قول عثمان وسعد بن أبي وقاص وعائشة والحسن البصري وأحمد وأبي ثور وداود. قال النووي وهو مذهب أكثر العلماء ورواه البيهقي عن سلمان الفارسي في اثنى عشر من الصحابة وعن أنس والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود وابن المسيب وأبي قلابة اهـ واستدل هؤلاء بقول الله تعالى (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ في الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ ... الآية) "قالوا لأن نفي الجناح لا يستعمل إلا في المباح ونظيره قوله تعالى (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) وقوله تعالى (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ... الآية) "ولا يقال" إن نفي الجناح يستعمل في الواجب كما في قوله تعالى (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) "لأن الآية" نزلت لما كره المسلمون السعي بين الصفا والمروة لطواف أهل الجاهلية بهما وعليهما صنمان يمسحونهما ففهموا أن السعي بينهما ممنوع لذلك فنزل قوله تعالى "فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ" الآية فنفي الجناح مستعمل فيها لرفع الإثم والحرج، والوجوب مستفاد من دليل آخر وهو قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

جواب الجهور عن أدلة من قال إن القصر عزيمة

(إن الله كتب عليم السعى فاسعوا" رواه البيهقي، وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ابدءوا بما بدأ الله به" يعني الصفا، رواه مسلم، واستدلوا أيضًا بحديث عمر الآتي بعد، وبما رواه النسائي والدارقطني عن عائشة أنها قالت خرج مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في عمرة في رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت فقلت بأبي وأمي أفطرت وصمت وقصرت وأتممت فقال أحسنت يا عائشة قال الدارقطني إسناده حسن، وبما رواه مسلم عن ابن عمر قال صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمنى ركعتين وأبو بكر بعده وعمر بعد أبي بكر وعثمان صدرًا من خلافته ثم صلى بعد أربعًا، وكان ابن عمر إذا صلى مع الإِمام صلى أربعًا وإذا صلى وحده صلى ركعتين، ولوكان القصر عزيمة في السفر لما تركه عثمان ولما وافقه الصحابة على تركه (وأجابوا) عن حديث فرضت الصلاة ركعتين ركعتين وحديث عمر "صلاة السفر ركعتان" بأن المراد ركعتان لمن أراد الاقتصارعليهما (قال النووي) يتعين المصير إلى هذا التأويل جمعًا بين الأدلة ويؤيده أن عائشة روت الحديث وأتمت وتأولت ما تأوله عثمان. وتأويلهما أنهما رأياه جائزًا على ما هو الصحيح في تأويله، ومما يؤيد هذا التأويل أن الأخذ بظاهر حديث عائشة مخالف لنص القرآن أو إجماعًا وجب ترك ظاهره اهـ ببعض تصرف، ويؤيده أيضًا أن القائلين بوجوب القصر يقولون بوجوب الإتمام إذا اقتدى المسافر بمقيم وقوله في حديث عمر "تمام غير قصر" معناه تامة الأجر لا ناقصة (وأجابوا) عن قول ابن عمر صحبت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في السفر فكان لا يزيد على ركعتين بأن مجرد الملازمة على الفعل لا يدل على الوجوب كما تقدم غير مرة (وقال) في الفتح والذي يظهر لي وبه تجتمع الأدلة أن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب ثم زيدت بعد الهجرة إلا الصبح كما رواه ابن حبان وابن خزيمة والبيهقي ثم بعد أن استقرّ فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول الآية وهي قوله تعالى (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ) ويؤيد ذلك ما ذكره ابن الأثير في شرح المسند أن قصر الصلاة كان في السنة الرابعة من الهجرة فعلي هذا المراد بقول عائشة فأقرّت صلاة السفر أي باعتبار ما آل إليه الأمر من التخفيف لا أنها استمرّت منذ فرضت فلا يلزم من ذلك أن القصر عزيمة اهـ باختصار (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مالك والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُسَدَّدٌ قَالاَ نَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ح وَنَا خُشَيْشٌ -يَعْنِي ابْنَ أَصْرَمَ- نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ

حديث بدل على أن القصر رخصة

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَيْهِ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَرَأَيْتَ إِقْصَارَ النَّاسِ الصَّلاَةَ وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فَقَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ الْيَوْمُ. فَقَالَ عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ "صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ". (ش) (رجال الحديث) (يحي) هو ابن سعيد القطان تقدم في الجزء الأول صفحة 348.وكذا (ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز صفحة 74. و (خشيش) بضم ففتح مصغرًا (ابن أصرم) بن الأسود النسائي أبو عاصم. روى عن روح بن عبادة وعبد الله بن بكر السهمى وعبد الرزاق بن همام وحبان بن هلال وأبي داود الطيالسي وجماعة وعنه أبو داود والنسائي وأحمد بن عبد الوارث. وثقه النسائي وابن يونس ومسلمة بن قاسم وقال في التقريب ثقة حافظ من الحادية عشرة. توفي سنة ثلاث وخمسين وماتين. و (عبد الرحمن ابن عبد الله بن أبي عمار) القرشي. روى عن أبي هريرة وابن الزبير وابن عمر وجابر وعبد الله ابن بابيه وشداد بن الهاد. وعنه ابن جريج وعبد الملك بن عبيد وعكرمة بن خالد. وثقه النسائي وأبو زرعة وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال في التقريب ثقة عابد من الثالثة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي. و (عبد الله بن بابيه) ويقال باباه ويقال بابي المكي. روى عن أبي هريرة ويعلي بن أمية وجبير بن مطعم وابن عمر وابن عمرو. وعنه إبراهيم بن المهاجر وأبو الزبير وعمر وبن دينار وقتادة وحبيب بن أبي ثابت. وثقه النسائي وابن المديني والعجلي وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال في التقريب ثقة من الرابعة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي. و (يعلى بن أمية) بن أبي عبيدة بن همام بن الحارث بن بكر بن زيد بن مالك أبو خلف ويقال أبو خالد المكي. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن عمر وعنبسة بن أبي سفيان. وعنه أولاده صفوان ومحمد وعثمان وعبد الله بن الديلمي وعبد الله بن بابيه ومجاهد. كان عامل عمر بن الخطاب على نجران. روى له عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثمانية وعشرون حديثًا اتفق الشيخان على ثلاثة أحاديث. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله أرأيت إقصار الناس الصلاة الخ) يعني أخبرني لأي شيء يقصر الناس الصلاة اليوم وقد جعل الله سبب ذلك الخوف من فتنة الكفار وقد زال. والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا. وإقصار مصدر أقصر مضاف لفاعله يقال قصر الصلاة وأقصرها وقصرها فيتعدي

بيان الاختلاف في سنده

بنفسه وبالهمز وبالتضعيف (قوله عجبت مما عجبت منه) يعني من قصر الصلاة مع الأمن (قوله صدقة تصدق الله بها عليكم ألخ) المرأد أن القصر إكرام من الله تعالى بتخفيف الصلاة من أجل مشقة السفر وهذا الحديث حجة لمن قال إن القصر في الصلاة رخصة وإن الصلاة شرعت تامة وإلا لما تعجب عمر ويعلى بن أمية فدل تعجبهما على أن القصر عن أصل كامل وترك بعضه وفيه دلالة على أنه يجوز للإنسان أن يقول تصدق الله عليّ بكذا ولا وجه لمن كرهه، وعلى أن المفضول إذا رأى الفاضل يعمل شيئًا وأشكل عليه دليله يطلب منه أن يسأله عنه (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي وابن حبان والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالاَ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عَمَّارٍ يُحَدِّثُ فَذَكَرَهُ نَحْوَهُ. (ش) (قوله فذكره) وفي نسخة فذكر نحوه أي ذكر محمد بن بكر نحو الحديث المتقدم والغرض من سياق هذه الرواية بيان الاختلاف الواقع في سند الحديث. فرواه يحيى القطان عن ابن جريج عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار عن عبد الله بن بابيه. ورواه محمد بن بكر عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي عمار عن عبد الله بن بابيه فأبدل عبد الرحمن بأبيه عبد الله وعبد الرزاق وافق يحيى القطان في الرواية الأولى وابن بكر في الثانية. ولم نقف على من أخرج رواية محمد بن بكر. هذا و (عبد الله بن أبي عمار) روى عن عبد الله بن بابيه عن يعلي بن أمية وعنه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ وَحَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ بَكْرٍ. (ش) غرض المصنف بهذا ترجيح طريق محمد بن بكر بأن أبا عاصم الضحاك بن مخلد النبيل وحماد في مسعدة رويا الحديث عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي عمار كما رواه محمد بن بكر لكن يعارضه رواية الطحاوي الحديث من طريق روح بن عبادة عن ابن جريج عن عبد الرحمن ابن عبد الله بن أبي عمار عن ابن بابيه. ورواية مسلم والنسائي وابن ماجه من طريق عبد الله ابن إدريس عن ابن جريج عن ابن أبي عمار بالسند المذكور. ورواية الدارمي عن أبي عاصم عن ابن جريج عن ابن أبي عمار وهو عبد الرحمن بن عبد الله كما في الخلاصة والتقريب وتهذيب التهذيب. فلا ترجيح لرواية محمد بن بكر. ولا وجه لما ادعاه الحافظ في تهذيب التهذيب من أن المحفوظ هو طريق يحيى القطان وغيره عن ابن جريج عن عبد الرحمن بن عبد الله ولا لقوله في التقريب عبد الله بن أبي عمار صوابه عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار. فإن رجال كل

باب متى يقصر المسافر

من الطريقين ثقات عدول وقد صرح المصنف في رواية عبد الرزاق ومحمد بن بكر عن ابن جريج بسماعه من عبد الله بن أبي عمار وصرح بعض المحدثين بسماعه من عبد الرحمن وتقدم للمصنف في رواية يحيى القطان وعبد الرزاق عن ابن جريج قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله فالوجه أن يقال إن ابن جريج سمع الحديث من عبد الرحمن ومن أبيه وحدث به كما سمع. هذا و (حماد بن مسعدة) هو أبو سعيد البصري التيمي. روى عن سليمان التيمي وحميد الطويل وهشام بن عروة ومالك وابن أبي ذئب وكثيرين. وعنه أحمد وإسحاق وأبو بكر بن أبي شيبة وهارون بن سليمان وثقه أبو حاتم وابن سعد وابن شاهين وابن حبان. توفي سنة ثنتين ومائتين. روى له الجماعة. ولم نقف على من أخرج روايته. أما رواية أبي عاصم فقد وصلها البيهقي من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب قال ثنا إبراهيم بن مرزوق ثنا أبو عاصم عن ابن جريج أنبأ عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار عن عبد الله بن بابي عن يعلى قال قلت لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قول الله عز وجلّ (أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ) قال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال صدقة تصدق الله عليكم بها فاقبلوها (باب متى يقصر المسافر) يعني في بيان ابتداء القصر والمسافة التي تقصر فيها الصلاة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نَا شُعْبَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الْهُنَائِيِّ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ قَصْرِ الصَّلاَةِ فَقَالَ أَنَسٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلاَثَةِ فَرَاسِخَ -شُعْبَةُ شَكَّ- يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. (ش) (رجال الحديث) (ابن بشار) هو محمد. و (يحيى بن يزيد) أبو نصر البصري روى عن أنس والفرزدق. وعنه شعبة بن الحجاج وخلف بن خليفة وابن علية. قال أبو حاتم شيخ وذكره ابن حبان في الثقات. وقال في التقريب مقبول من الخامسة. روى له مسلم وأبو داود و (الهنائي) بضم الهاء وتخفيف النون نسبة إلى هناءة بن عمرو بن مالك بطن من الأزد (معنى الحديث) (قوله كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ) هكذا في رواية مسلم بالشك. والميل بكسر الميم عند العرب مقدار مدّ البصر في الأرض. وعند القدماء من أهل الهيئة ثلاثة آلاف ذراع. وعند المحدّثين أربعة آلاف ذراع. والخلاف لفطي لأنهم اتفقوا على أن مقداره ست وتسعون

مذاهب العلماء في المسافة التي تقصر فيها الصلاة

ألف أصبع والأصبع ست شعيرات بطن كل واحدة إلى الأخرى. لكن القدماء يقولون الذراع اثنتان وثلاثون إصبعا. والمحدثون يقولون أربع وعشرون إصبعا فإذا قسم مقدار الميل "96 ألف أصبع" على 32 أصبعا كان المتحصل ثلاثة آلاف ذراع وهو رأى القدماء. وإن قسم على 24 كان المتحصل أربعة آلاف ذراع وهو رأى المحدثين. وهو المختار عند الحنفية. وقالت المالكية الصحيح أن الميل ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع على ما قاله ابن عبد البر. وقيل ثلاثة آلاف ذراع. ومشهور المذهب أنه ألفًا ذراع والذراع ستة وثلاثون إصبعًا. وقالت الشافعية والحنابلة الميل ستة آلاف ذراع والذراع عندهما أربعة وعشرون أصبعا. والفرسخ عند الجميع ثلاثة أميال (واختلف) العلماء في المسافة التي تقصر في الصلاة. فذهبت الظاهرية إلى أن أقل مسافة القصر ثلاثة أميال لما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا تسافر امرأة ثلاثًا إلا ومعها ذو محرم. وقال ابن حزم أقلها ميل. واحتج بإطلاق السفر في قوله تعالى (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) الآية. وكذا في سنة رسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. قال فلم يخص الله ولا رسوله ولا المسلون سفرًا من سفر. ثم احتج على ترك القصر فيما دون المحل بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج إلى البقيع لدفن الموتى وللفضاء لقضاء الحاجة ولم يقصر (وذهب) الصادق وأحمد بن عيسى والقاسم والهادي إلى أن أقل مسافة القصر بريد محتجين بما رواه الحاكم مرفوعًا لا تسافر المرأة بريدًا إلا مع ذى محرم (وذهب) الأوزاعي وآخرون إلى أن أقلها مسير يوم تام. قال ابن المنذر وبه أقول مستدلين بما رواه الشيخان عن أبي هريرة مرفوعًا لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة "أي محرم" (وذهب) الشافعي ومالك وأصحابهما وأحمد والليث وإسحاق والحسن البصري والشعبي والثوري وجماعة إلى أن أقل مسافة القصر مرحلتان وهما ثمانية وأربعون ميلًا. وهو قول ابن عباس وابن عمر. واستدلوا بما رواه ابن المنذر والبيهقي بإسناد صحيح وعلقه البخاري عن عطاء بن أبي رباح أن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان الرباعية ركعتين ويفطران في أربعة برد فا فوق ذلك. وبما رواه الشافعي والبيهق بإسناد صحيح أيضًا عن عطاء قال سئل ابن عباس أتقصر الصلاة إلى عرفة فقال لا ولكن إلى عسفان فإلى جدة وإلى الطائف. ونقل النووي عن مالك أن بين مكة وكل من الطائف وعسفان أربعة برد (وقالت) الحنفية أقل مسافة القصر مسيرة ثلاثة أيام أوليال من أقصر أيام السنة أولياليها بالسير الوسط وهو سير الإبل ومشي الأقدام في السهل. لما رواه أبو داود وغيره عن خزيمة بن ثابت مرفوعًا. المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام وللقيم يوم وليلة. ووجه التمسك به أنه يقتضي أن كل من صدق عليه أنه مسافر شرع المسح له ثلاثة أيام لأن اللام في المسافر

تقدير مسافة القصر بالميل والمتر وغيرهما

للاستغراق ولا يتصور ذلك إلا إذا قدر أقل مدة السفر ثلاثة أيام لأنه لو قدر بأقل من ذلك لا يمكنه استيفاء مدته لانتهاء سفره فاقتضى تقديره بها ضرورة وإلا لخرج بعض المسافرين. قالوا ولا يشترط سفركل اليوم إلى الليل بل إلى الزوال لأنه أكثر النهار الشرعي الذي هو من الفجر إلى الغروب. والمدة من الفجر إلى الزوال في أقصر أيام السنة في القطر المصري سبع ساعات إلا ثلثا فزمن السير في ثلاثة أيام عشرون ساعة وهو قريب من مسافة القصر عند الأئمة الثلاثة. وقد اعتمد بعض علماء الحنفية أن قدرها بالزمن مسير يوم وليلة أو يومين معتدلين وكذا ليلتان بحيث يقطع المسافر أربعًا وعشرين ساعة يسير الإبل المثقلة بالأحمال ودبيب الأقدام ذهابًا لا إيابًا بما في ذلك زمن استراحة المسافر الذي يقضي فيه مصالحة من أكل وطهارة وصلاة وإصلاح متاع. وعن أبي حنيفة تقديره بثلاث مراحل وهو قريب من الأول. ويعتبر في كل شيء السير المعتاد فيه مع الاستراحة المعتادة حتى لو ركب قطارًا مثلًا فقطع مسيرة ثلاثة أيام في زمن يسير قصر الصلاة. وقيل إنه مقدر بالفراسخ. فقيل بأحد وعشرين. وقيل ثمانية عشر. والصحيح أنه لا اعتبار بالفراسخ. قال في البحر وأشار المصنف "يعني النسفى" إلى أنه لا اعتبار بالفراسخ وهو الصحيح لأنّ الطريق لو كان وعرًا بحيث يقطع في ثلاثة أيام أقل من في خمسة عشر فرسخًا قصر بالنص وعلى التقدير بها لا يقصر فيعارض النص فلا يعتبر سوى سير الثلاثة اهـ وفي النهاية الفتوى على اعتبار ثمانية عشر فرسخًا. وفي المجتبى فتوى أكثر أئمة خوارزم على خمسة عشر فرسخًا اهـ وقال في فتح القدير وكل من قدر بقدر اعتقد أنه مسيرة ثلاثة أيام اهـ وهذا التقدير ملاحظ فيه الطريق السهل. وأما الصعب فالمسافة فيه أقل من خمسة عشر فرسخًا على قدر صعوبة. هذا واعلم أن الفرسخ ثلاثة أميال والميل أربعة آلاف ذراع فلكي والذراع ستة وأربعون سنتيمترًا وثلاثة أثمان سنتيمترًا فيكون الميل 1855 متر خمسًا وخمسين وثمانمائة وألف متر. ويكون الفرسخ 5565 متر خمسة وستين وحمسمائة وخمسة ألاف متر. وتكون الخمسة عشر فرسخًا 83475 متر خمسة وسبعين وأربعمائة وثلاثة وثمانين ألف متر. أي نحو ثلاثة وثمانين كيلو متر ونصف كيلو متر. هذا (وأجاب) الجمهور عما احتج به ابن حزم من إطلاق الآية والأحاديث بأنه ينقل عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم القصر صريحًا في أقل من مرحلتين. وعن حديث الباب بأن المراد به أنه كان إذا سافر سفرًا طويلًا ابتدأ القصر بعد ثلاثة أميال. فهو بيان لابتداء القصر وليس المراد منه بيان غاية السفر وليس التقييد بالثلاثة لكونه لا يجوز القصر عند مفارقة البلد بل لأنه ما كان يحتاج إلى القصر إلا إذا تباعد هذا القدر لأن الظاهر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان لا يسافر عند دخول وقت الصلاة إلا بعد أن يصليها فلا تدركه الصلاة الأخرى إلا وقد

الكلام في أدلة تحديد مسافة القصر

تباعد عن المدينة بهذا القدر أفاده النووي. قال الحافظ في الفتح لا يخفى بعد هذا الحل مع أن البيهقي ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس قال سألت أنسًا عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة يعني من البصرة فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع فقال أنس فذكر الحديث "يعني حديث الباب" فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن الموضع الذي يبتدئ القصر منه. ثم قال وردّه "يعني الحديث" القرطبي بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به. فإن كان المراد به أنه لا يحتج به في التحديد بثلاثة أميال فمسلم لكن لا يمتنع أن يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ فإن الثلاثة الأميال مندرجة فيها فيؤخذ بالأكثر احتياطا اهـ قال في سبل السلام لكن قيل إنه لم يذهب إلى التحديد بالثلاثة الفراسخ أحد اهـ وقال الخطابي إذا ثبت هذا الحديث كانت الثلاثة الفراسخ حدًّا فيما تقصر الصلاة إلا أني لا أعرف أحدًا من الفقهاء يقول به اهـ (وقال) في الروضة الندية لم يأت في تعيين قدر السفر الذى يقصر فيه المسافر شيء عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فوجب الرجوع إلى ما يسمى سفرًا لغة وشرعًا فمن خرج من بلده قاصدًا محلًا يعدّ في سيره إليه مسافرًا قصر الصلاة وإن كان ذلك المحل دون بريد ولم يأت من اعتبر البريد واليوم وإليومين والثلاثة بحجة نيرة. وغاية ما جاءوا به حديث لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ثلاثة أيام بغير ذي محرم. وفي رواية يومًا وليلة وفي رواية بريدًا. وليس فيه ذكر القصر ولا هو في سياقه. والاحتجاج به مجرد تخمين "ولا يقال" محل الدليل فيه كونه سمى تلك المدة سفرًا "لأنا نقول" تسميتها سفرًا لا ينافي تسمية ما دونها سفرًا فقد سمى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسافة الثلاث سفرًا كما سمى مسافة البريد سفرًا في ذلك الحديث. وتسمية البريد سفرًا لا ينافي تسمية ما دونه سفرًا "وأما ما رواه" الدارقطني والبيهقي والطبراني من حديث ابن عباس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال يأهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان "فهو ضعيف" لا تقوم به الحجة لأن في إسناده محمد الوهاب بن مجاهد الحجازي وهو متروك وقد نسبه النووي إلى الكذب وقال الأزدي لا تحل الرواية عنه وراويه عنه إسماعيل بن عياش وهو ضعيف في الحجازيين. والصحيح أنه موقوف على ابن عباس كما أخرجه عنه الشافعي بإسناد صحيح ومالك في الموطأ اهـ ملخصًا (وعلى الجملة) فلم يرد عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دليل صحيح صريح يفيد تحديد المسافة التي تقصر فيها الصلاة. وحديث الباب وإن كان صحيحًا فقد علمت ما فيه. فالاحتياط للدين أن لا تقصر الصلاة فيما دون أربعة برد خروجا من الخلاف (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والبيهقي قال الحافظ في الفتح هو أصح حديث ورد في بيان مسافة القصر اهـ ولا وجه لمن قال إن يحيى بن يزيد ليس ممن يوثق به في ضبط هذا

المسافر لا يقصر الصلاة إلا إذا فارق بناء البلد

الأصل فقد نص البخاري وغيره على أنه سمع من أنس بن مالك ولم يذكروا فيه طعنًا (ص) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ سَمِعَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ. (ش) (رجال الحديث) (إبراهيم بن ميسرة) الطائفي نزيل مكة. روى عن أنس ووهب بن عبد الله وسعيد بن جبير وعمرو بن الشريد. وعنه السفيانان وشعبة وأيوب وابن جريج وآخرون وثقة أحمد والنسائي والعجلي وابن معين وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث. توفي سنة ثنتين وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله صليت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الظهر بالمدينة أربعًا) يعني في اليوم الذي أراد فيه الخروج إلى مكة للحج أو العمرة (قوله والعصر بذى الحليفة ركعتين) يعني صليت العصر معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بذى الحليفة ركعتين وذو الحليفة ميقات أهل المدينة بينه ويينها ستة أميال أوسبعة، ولا حجة فيه للظاهرية على جواز القمر في السفر القصير لأن ذا الحليفة لم تكن منتهى سفره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإنما كان قاصدًا مكة فاتفق نزوله بها وقت العصر فقصرها، وفيه دلالة على أن المسافر لا يقصر الصلاة إلا إذا فارق بناء البلد أو الخيام إن كان من أهلها وهو قول الأئمة الأربعة. وروى مطرف وابن الماجشون عن مالك أنه لا يقصرحتى يجاوز ثلاثة أميال. وحديث الباب حجة على الحارث بن أبي ربيعة والأسود بن يزيد وعطاء وغيرهم من السلف القائلين إن مريد السفر يقصر ولو في بيته. وحجة أيضًا على مجاهد القائل لا يقصر يوم خروجه حتى يدخل الليل وبالعكس (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وصححه والبيهقي (باب الأذان في السفر) وفي بعض النسخ باب المسافر يؤذن (ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا عُشَّانَةَ الْمَعَافِرِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "يَعْجَبُ رَبُّكُمْ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةٍ بِجَبَلٍ

الترغيب في الأذان والإقامة

يُؤَذِّنُ بِالصَّلاَةِ وَيُصَلِّي فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلاَةَ يَخَافُ مِنِّي فَقَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ". (ش) لعل وجه مناسبة الحديث للترجمة أن انتقال الرعاة يعد سفرًا لغة أو أن الرعاة قد ينتقلون إلى مسافة السفر الشرعي (رجال الحديث) (أبو عشانة) بضم العين المهملة وتشديد الشين هو حيي بن يؤمن بن حجيل بن جريج المصري. روى عن ابن عمرو وعقبة بن عامر ورويفع بن ثابت وعنه عمرو بن الحارث والليث بن سعد وابن لهيعة. وثقه أحمد وابن معين ويعقوب بن سفيان وقال أبو حاتم صالح. توفي سنة ثماني عشرة ومائة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والبخاري في الأدب، و (المعافري) بفتح الميم وتشديد الياء في آخره نسبة إلى معافر اسم قبيلة باليمن (معنى الحديث) (قوله يعجب ربك) المراد يرضى منه فعله ويقبله ويثيبه عليه ثوابًا كاملًا وأصل التعجب انفعال النفس مما خفي سببه وهو مستحيل على الله تعالى إذ لا يخفى عليه شيء والظاهر أن الخطاب لواحد وقيل عام لكل من يتأتي منه السماع (قوله في رأس شظية بجبل) وفي رواية النسائي في رأس شظية الجبل أي القطعة المرتفعة في أعالي الجبل وجمعها شظايا كعطية وعطايا (قوله يؤذن للصلاة ويصلي) وفي رواية النسائي يؤذن بالصلاة ويصلي والمراد بالأذان مطلق الإعلام فيشمل الإقامة. ويحتمل أن يكون في الكلام اكتفاء أي يؤذن ويقيم. وفائدة الأذان أنه يشهد له كل رطب ويابس ويغفر له مدى صوته كما جاء مصرحًا به في رواية النسائي وغيره ولأنه إذا أذن وأقام تصلى معه الملائكة فيحصل له ثواب الجماعة لما رواه البيهقي عن سلمان الفارسي قال قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما من رجل يكون بأرض قيّ فيؤذن بحضرة الصلاة ويقيم الصلاة فيصلي إلا صف خلفه من الملائكة ما لا يرى قطراه "طرفاه" يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دعائه. ولما رواه عبد الرزاق بسنده إلى أبى عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم إذا كان الرجل بأرض قيّ فحانت الصلاة فليتوضأ فإن لم يجد ماء فليتيمم فإن أقام صلى معه ملكاه وإن أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه "والقيّ بكسر القاف وتشديد المثناة التحتية الفلاة" (قوله انظروا إلى عبدي هذا) أمر الملائكة أمر تعجب لاستعظام شأنه ولمزيد شرفه وكذا وصفه بالعبودية وإضافته إلى الله تعالى (قوله يؤذن ويقيم الصلاة) وفي نسخة للصلاة (قوله يخاف مني) أي من عذابي لا رياء (قوله وأدخلته الجنة) يعني قضيت له بدخولها (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية الأذان للمنفرد وتقدم بيانه. وعلى الحث

باب المسافر يصلي وهو يشك في الوقت

على الإخلاص في العمل لما يترتب على ذلك من رضاء الله تعالى وغفر الذنوب والتمتع بالنعيم الدائم (ولحديث) أخرجه أحمد والنسائي والبيهقي (باب المسافر يصلي وهو يشك في الوقت) يعني يصلي الصلاة لأول وقتها. وليس المراد أنه يصلي مع التردد في دخول وقت الصلاة لأنها لا تصح حينئذ وإن وقعت في الوقت على المختار. ولا فرق في ذلك بين المسافر والمقيم (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْمِسْحَاجِ بْنِ مُوسَى قَالَ قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي السَّفَرِ فَقُلْنَا زَالَتِ الشَّمْسُ أَوْ لَمْ تَزُلْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ ارْتَحَلَ. (ش) (رجال الحديث) (أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير. و (المسحاج) بكسر الميم وسكون السين المهملة (ابن موسى) الضبي أبو موسى الكوفي. روى عن أنس. وعنه المغيرة ابن مقسم وجرير بن عبد الحميد ومروان بن معاوية. وثقه ابن معين وأبو داود وقال ابن حبان لا يحتج به وقال في التقريب مقبول من الخامسة. روى له أبو داود (معنى الحديث) (قوله حدثنا ما سمعت الخ) يعني ما علمته من حال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في السفر (قوله فقلنا زالت الشمس) على تقدير همزة الاستفهام وقد صرح بها في بعض النسخ (قوله أولم تزل) شك أنس ومن معه في دخول الوقت. وهذا لا يستلزم أنهم صلوا مع الشك بل زال شكهم بمجرد أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مؤذنه بالأذان. وفي هذا دلالة على أنه ينبغي للمسافر أن يبادر بالصلاة أول وقتها متى ثبت دخول الوقت (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنِي حَمْزَةُ الْعَائِذِيُّ -رَجُلٌ مِنْ بَنِي ضَبَّةَ- قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نَزَلَ مَنْزِلًا لَمْ يَرْتَحِلْ حَتَّى يُصَلِّيَ الظُّهْرَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ بِنِصْفِ النَّهَارِ قَالَ وَإِنْ كَانَ بِنِصْفِ النَّهَارِ. (ش) (رجال الحديث) (يحيى) بن سعيد القطان. و (شعبة) بن الحجاج. و (حمزة)

باب الجمع بين الصلاتين

هو ابن عمرو أبو عمرو البصري. روى عن أنس وعلقمة بن وائل. وعنه ابنه عمرو وعوف الأعرابي. وثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق من الرابعة روى له مسلم وأبو داود والنسائي. و (العائذى) نسبة إلى عائذ بن عمرو (معنى الحديث) (قوله إذا نزلت منزلًا) يعني نزل في منزل للراحة قبل الظهر لا مطلق نزول لحديث أنس الذي في الباب بعده وفيه فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب (قوله وإن كان بنصف النهار) أي وإن كان أداء الصلاة المذكورة نصف النهار يعني عقب الزوال. فالمراد من الحديث كالذى قبله أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يبادر بالصلاة أول وقتها قبل أن يرتحل. وليس المعنى أنه كان يصليها في الزوال لحديث أنس المذكور وللإجماع على عدم صحة صلاة الظهر قبل الزوال إلا الجمعة فتصح قبل الزوال عند بعض الأئمة كما تقدم في الجزء السادس في باب وقت الجمعة صفحة 241 (والحديث) أخرجه النسائي (باب الجمع بين الصلاتين) أي في الجمع بين صلاتي الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير فأل في الصلاتين للعهد. والمعهود الصلاتان المشتركتان في الوقت (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَأَخَّرَ الصَّلاَةَ يَوْمًا ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا. (ش) (رجال الحديث) (عامر بن واثلة) بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نحوًا من عشرين حديثًا. وروى عن أبي بكر وعمر وعلى ومعاذ وابن عباس وابن مسعود. وعنه الزهري وقتادة وأبو الزبير محمد بن مسلم وسعيد بن إياس وعكرمة بن خالد وكثيرون. ولد سنة ثلاث من الهجرة. ومات سنة بضع ومائة. وهو آخر من مات من الصحابة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (معنى الحديث) (قوله في غزوة تبوك) كانت في رجب سنة تسع من الهجرة وهي آخر

مذاهب العلماء في الجمع بينهما للمسافر

غزوة. غزاها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بنفسه. وتسمى غزوة العسرة. وتبوك بوزن رسول بلد بالشام قريب من مدين بينها وبين المدينة أربع عشرة مرحلة وهي غير مصروفة للعلمية والتأنيث أو وزن الفعل .. صالح النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم أهلها علي الجزية من غير قتال (قوله يجمع بين الظهر والعصر الخ) أي جمع تأخير بأن يؤخر الظهر إلى وقت العصر والغرب إلى وقت العشاء. ويحتمل أن يكون المراد جمع التقديم إن ارتحل عند الزوال بأن يصلي العصر مع الظهر في أول وقتها. وجمع التأخير إن ارتحل قبل الزوال وكذا يقال في المغرب والعشاء ويدل على هذا حديث معاذ الآتي (قوله فأخر الصلاة يومًا الخ) أي أخر صلاة الظهر يومًا ثم خرج من رحله فصلى الظهر والعصر في وقت واحد جمع تأخير وهذا بيان لما أجمل في قوله كان يجمع الخ علي الاحتمال الأول. وتفسير لبعضه على الثاني (قوله ثم دخل ثم خرج) مقتضاه أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان غير سائر لأن الغالب استعمال الدخول إلى الخباء أو المنزل وكذا الخروج حال الإقامة فمعنى قوله "فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء" أنه يجمع بينهما سائرًا. ومعنى قوله فأخر الصلاة يوما الخ أنه جمع بينهما يومًا في حالة النزول. يدل علي هذا لفظ ثم دخل ثم خرج. قال ابن عبد البر هذا أوضح دليل علي رد قول من قال لا يجمع إلا من جدّ به السير (وبالحديث) ونحوه من أحاديث الباب استدل من قال بجواز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء مطلقًا في عرفة وغيرها وهم الجمهور من السلف والخلف منهم سعد بن أبي وقاص وابن عمر وابن عباس وأبو موسى الأشعري وأسامة ابن زيد وعمر وعثمان ومالك وأحمد والشافعي وأبو ثور. واستدلوا أيضًا بما رواه البيهقي بإسناد صحيح والإسماعيلى عن أنس قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى العصر والظهر جميعًا ثم ارتحل. وبما رواه البيمقى بإسناد جيد عن ابن عباس قال ألا أخبركم عن صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. إذا زالت الشمس وهو في المنزل قدم العصر إلى وقت الظهر ويجمع بينهما في الزوال وإذا سافر قبل الزوال أخر الظهر إلى وقت العصر ثم جمع بينهما في وقت العصر. قال النووي وهو من الأمور المشهورة المستعملة فيما بين الصحابة والتابعين. وقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي وابن سيرين ومكحول وأبو حنيفة وأصحابه لا يجوز الجمع إلا في عرفة بين الظهر والعصر جمع تقديم وفي المزدلفة بين المغرب والعشاء جمع تأخير للحاضر والمسافر وهو محكي عن المزني من الشافعية واستدلوا بما رواه الشيخان عن ابن مسعود قال والذي لا إله غيره ما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة قط إلا لوقتها إلا صلاتين جمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بجمع "أي مزدلفة" وبما رواه مسلم عن أبي قتادة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله

الكلام في أدلة ذلك

وسلم قال ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة بأن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت الأخرى. وبأحاديث المواقيت (وأجابوا) عن الأحاديث الواردة في الجمع بين الصلاتين في غير عرفة ومزدلفة بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى الأولى في آخر وقتها والثانية في أول وقتها فهو جمع صوري. ويدل لذلك ما رواه مسلم عن ابن عباس قال صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الظهر والعصر جميعًا والمغرب والعشاء جميعًا في غير خوف ولا سفر وسيأتي للصنف بعد ثلاثة أحاديث. وفي لفظ جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا سفر. ولم يقل أحد بجواز الجمع الحقيقي في الحضر من غير مطر. فدل على أن المراد بالجمع هنا الجمع الصوري (وأجاب) الجمهور عن حديث ابن مسعود بأنه ناف والأحاديث التي استدلوا بها مثبتة والمثبت مقدم على النافي كما هو مقرر. وعن حديث ليس في النوم تفريط وأحاديث المواقيت بأنها عامة في الحضر والسفر. وأحاديث الجمع خاصة بالسفر فتقدم. ونقل عن الخطابي أنه قال لا يصح أن يكون المراد بالجمع في مثل هذا الحديث الجمع الصوري فإن الجمع رخصة فلو كان صوريًا لكان أعظم مشقة وحرجًا من الإتيان لكل صلاة في وقتها لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلًا عن العامة اهـ ويجاب عنه بأن الشارع قد عرف أمته أوائل الأوقات وأواخرها تعريفًا تامًا وقد عينها بعلامات حسية لا تكاد تخفى على العامة فضلًا عن الخاصة. ولا شك أن فعل الصلاتين والخروج إليهما مرة واحدة أخف وأيسر من خلافه فالأولى التعويل على أن ذلك الجمع صوري وبه يتم الجمع بين الأحاديث (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية الجمع بين الصلاتين للمسافر (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والنسائي وكذا مسلم وابن ماجه مختصرًا والبيهقي وأخرجه مالك في الموطأ بزيادة قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنكم ستأتون غدًا إن شاء الله تعالى عين تبوك وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئًا حتى آتى فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان والعين تبض "أي تقطر" بشيء من ماء فسألهما رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هل مسستما من مائها شيئًا فقالا نعم فسبهما رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال لهما ماشاء الله أن يقول ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلًا قليلًا حتى اجتمع شيء ثم غسل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيه وجهه ويديه ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير فاستقى الناس ثم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما هنا قد ملئَ جنانًا (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ نَا حَمَّادٌ نَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ

جمع المسافر بين المغرب والعشاء جمعا صوريا

ابْنَ عُمَرَ اسْتُصْرِخَ عَلَى صَفِيَّةَ وَهُوَ بِمَكَّةَ فَسَارَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَبَدَتِ النُّجُومُ فَقَالَ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا عَجِلَ بِهِ أَمْرٌ فِي سَفَرٍ جَمَعَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلاَتَيْنِ. فَسَارَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ فَنَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا. (ش) (أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني تقدم في الجزء الأول صفحة 257 (قوله استصرخ على صفية) بالبناء للمجهول يقال استصرخ الإنسانِ وبه إذا أتاه الصارخ أي المصوّت يعلمه بأمر حادث يستعين به عليه أو ينعى له ميتًا أي أتى ابن عمر من يخبره باحتضار زوجته صفية بنت أبى عبيد بن مسعود الثقفية "ففي رواية" النسائي من طريق كثير بن قاروندا قال سألنا سالم ابن عبد الله عن الصلاة في السقر فقلنا أكان عبد الله يجمع بين شيء من الصلوات في السفر فقال لا إلا بجمع ثم انتبه فقال كانت عنده صفية فأرسلت إليه إني في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة فركب وأنا معه فأسرع السير حتى حانت الظهر فقال له المؤذن الصلاة يا أبا عبد الرحمن فسار حتى إذا كان بين الصلاتين نزل فقال للمؤذن أقم فإذا سلمت من الظهر فأقم مكانك فأقام فصلى الظهر ركعتين ثم سلم ثم أقام منه فصلى العصر ركعتين ثم ركب فأسرع السير حتى غابت الشمس فقال له المؤذن الصلاة يا أبا عبد الرحمن فقال كفعلك الأول فسار حتى إذا اشتبكت النجوم نزل فقال أقم فإذا سلمت فأقم فصلى المغرب ثلاثًا ثم أقام فصلى العشاء الآخرة ثم سلم واحدة تلقاء وجهه ثم قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا حضر أحدكم أمر يخشى فوته فليصل هذه الصلاة اهـ (قوله وهو بمكة) لا ينافيه ما في رواية النسائي من طريق كثير بن قاروندا قال سألت سالم بن عبد الله عن صلاة أبيه في السفر وفيه أن صفية بنت أبى عبيد كانت تحته فكتبت إليه وهو في زراعة له إني في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة "الحديث" لاحتمال أن هذه الزراعة كانت له بمكة (قوله إذا عجل به أمر) أي أسرعه أمر. وعجل من باب تعب والباء للتعدية (قوله حتى غاب الشفق) أي قرب غيابه لما رواه النسائي من طريق ابن جابر قال حدثني نافع قال خرجت مع عبد الله بن عمر في سفر "الحديث" وفيه ومضى حتى إذا كان في آخر الشفق نزل فصلى المغرب ثم أقام العشاء وقد توارى الشفق. وفي رواية له من طريق العطاف عن نافع قال أقبلنا مع ابن عمرمن مكة "الحديث" وفيه وسار حتى كاد الشفق أن يغيب ثم نزل فصلى وغاب الشفق وصلى العشاء. وأصرح منهما ما سيأتي للمصنف عن نافع وعبد الله بن واقد أن مؤذن ابن عمر قال الصلاة قال سر حتى إذا كان قبل غيوب الشفق نزل فصلى المغرب ثم انتظر حتى غاب الشفق فصلى العشاء "الحديث" فما ذكرصريح في الجمع الصوري وعليه

المسافر بين الصلاتين جمع تقديم وتأخير

فليس حديث الباب دليلًا لمن قال بمشروعية الجمع بين المغرب والعشاء في غير المزدلفة جمع تأخير وليس فيه رد على من قال إن المراد بالجمع المذكور في الأحاديث الجمع الصوري (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الترمذي من حديث عبيد الله بن عمر عن نافع وقال حسن صحيح. وأخرجه النسائي من حديث سالم بن عبد الله عن أبيه بمعناه وأتم منه. وأخرجه البيهقي من حديث سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن ابن عمر استصرخ على صفية بنت أبي عبيد وهو بمكة وهي بالمدينة فأقبل فسار حتى غربت الشمس وبدت النجوم فقال له رجل كان يصحبه الصلاة الصلاة فسار ابن عمر فقال له سالم الصلاة فقال إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا عجل به أمر في سفر جمع بين هاتين الصلاتين فسار حتى إذا غاب الشفق جمع بينهما وسار ما بين مكة والمدينة ثلاثًا اهـ (ص) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيُّ الْهَمْدَانِيُّ نَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِنْ يَرْتَحِلْ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعَصْرِ وَفِى الْمَغْرِبِ مِثْلَ ذَلِكَ إِنْ غَابَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَإِنْ يَرْتَحِلْ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعِشَاءِ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا. (ش) (قوله إذا زاغت الشمس) أي مالت إلى جهة المغرب في رأى العين (قوله جمع بين الظهر والعصر) أي جمع تقديم بأن صلى العصر مع الظهر في وقت الظهر (قوله وإن يرتحل) أي يسافر. وفي نسخة وإن ترحل. وفي أخرى وإن ارتحل (والحديث) من أدلة من قال بمشروعية جمع التقديمِ والتأخير في السفر ولكن في سنده هشام بن سعد وهو متكلم فيه بما تقدم في ترجمته صفحة 77 جزء ثاني. على أنه لا دليل فيه على ذلك كما سيأتي بيانه في حديث معاذ من رواية قتيبة ابن سعيد آخر الباب (والحديثِ) أخرجه الدارقطني والنسائي والبيهقي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ كُرَيْبٍ

طريق أخرى لحديث الجمع بين الصلاتين

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَ حَدِيثِ الْمُفَضَّلِ وَاللَّيْثِ. (ش) أشار به إلى أن الحديث روى من طريق أخرى. والغرض منه تقوية الحديث وحديث هشام أخرجه أحمد والبيهقي والدارقطني عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم في السفر إذا زاغت الشمس في منزله جمع بين الظهر والعصر قبل أن يركب فإذا لم تزغ له في منزله سار حتى إذا حانت العصر نزل فجمع بين الظهر والعصر وإذا حانت له المغرب في منزله جمع بينها وبين العشاء وإذا لم تحن في منزله ركب حتى إذا كانت العشاء نزل فجمع بينهما. ورواية ابن عباس هذه ضعيفة لأن في سندها حسين بن عبد الله ضعفه غير واحد كما سيأتي (قال) الحافظ في التلخيص حديث ابن عباس رواه أحمد والدارقطني والبيهقي من طريق حسين عن عكرمة عن ابن عباس. وحسين ضعيف. واختلف عليه فيه. وجمع الدارقطني في سننه بين وجوه الاختلاف عليه إلا أن علته ضعف حسين. ويقال إن الترمذي حسنه. وكأنه باعتبار المتابعة. وغفل ابن العربي فصحح إسناده. لكن له طريق أخرى أخرجها يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده عن أبي خالد الأحمر عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس. وروى إسماعيل القاضي في الأحكام عن إسماعيل بن أبي إدريس عن أخيه عن سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن كريب عن ابن عباس نحوه اهـ. هذا و (حسين بن عبد الله) هو ابن عبيد الله ابن عباس بن عبد المطلب. روى عن ربيعة بن عباد وعكرمة. وعنه هشام بن عروة وابن المبارك وشريك النخعي وابن عجلان وطائفة. قال أحمد له أشياء منكرة وضعفه ابن معين وقال أبو زرعة والحاكم ليس بقوي وقال أبو حاتم ضعيف وقال الجوزجاني لا يشتغل بحديثه وقال النسائي ليس بثقة وقال العقيلي له غير حديث لا يتابع عليه وقال ابن عدي أحاديثه يقوّي بعضها بعضًا وهو ممن يكتب حديثه فإني لم أجد في حديثه حديثًا منكرًا وقد جاوز المقدار وقال ابن حبان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِي مَوْدُودٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَطُّ فِي السَّفَرِ إِلاَّ مَرَّةً. (ش) (رجال الحديث) (قتيبة) بن سعيد تقدم بصفحة 98 من الجزء الأول و(أبو مودود) هو عبد العزيز بن أبي سليمان المدني تقدم في الجزء الرابع صفحة 92

مذهب ابن عمر أن ترك الجمع للمسافر أفضل

و (سليمان بن أبي يحيى) الحجازي. روى عن أبي هريرة وابن عمر. وعنه داود بن قيس وابن عجلان وأبو مودود. قال أبو حاتم ليس بحديثه بأس وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب لا بأس به من الرابعة. روى له أبو داود هذا الحديث فقط (معنى الحديث) (قوله ما جمع رسول الله الخ) أي جمع تأخير أخذًا من الروايات السابقة وقوله إلا مرة لعلها كانت بالمزدلفة لما رواه البخاري والنسائي عن ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعًا كل واحدة منهما بإقامة "الحديث" فيكون من أدلة القائلين إنه لا جمع إلا في المزدلفة وعرفة. لكن في سنده عبد الله بن نافع المخزومي وفيه مقال فلا ينتهض للاستدلال به. وأما ما تقدم من أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يتكرّر منه الجمع بين الصلاتين في سفره إلى تبوك فهو محمول على الجمع الصوري كما تقدم (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا يُرْوَى عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرَ ابْنُ عُمَرَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا قَطُّ إِلاَّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ يَعْنِي لَيْلَةَ اسْتُصْرِخَ عَلَى صَفِيَّةَ (ش) غرض المصنف بهذا وما بعده تضعيف ما رواه سليمان بن أبي يحيى من أن الحديث مرفوع إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وترجيح وقفه على ابن عمر. ولكن لا منافاة بين المرفوع والموقوف في هذا حتى يحتاج إلى ترجيح الموقوف عل المرفوع فإنه يحتمل أن سليمان بن أبي يحيى سمع ابن عمر فرواه مرفوعًا وأن نافعًا رآه من فعل ابن عمر فرواه موقوفًا (ص) وَرُوِىَ مِنْ حَدِيثِ مَكْحُولٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ. (ش) (قَوله أو مرتين) شك من بعض الرواة. ويؤخذ من أثر ابن عمر أن ترك الجمع للمسافر أفضل حيث لم يفعله إلا مرة أو مرتين مع شدة محافظته على الاتباع. ولم نقف على من وصل هذا التعليق والذي قبله (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ سَفَرٍ. قَالَ مَالِكٌ أُرَى ذَلِكَ كَانَ فِي مَطَرٍ. (ش) (قوله جمَيعًا) يعني جمع بينهما (قوله قال مالك أرى ذلك كان في مطر) أي أظن

مذاهب العلماء في الجمع بين الصلاتين للمطر

أن جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين الصلاتين من غير خوف ولا سفركان المطر (وظاهر الحديث) مع تفسير مالك له يقتضي إباحة الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء لضرورة المطر. وقد روي عن مالك كراهية الجمع بين الظهر والعصر للمطر لأن الغالب من أحوال الناس وقتئذ تصرفهم في أسواقهم وزراعاتهم وغير ذلك من أمور معايشهم في وقت المطر والطين ولا يمتنعون من شيء من ذلك بسببهما فكره أن يمتنع مع ذلك من أداه الفرائض في أوقاتها المختارة لها. وليس كذلك في المغرب والعشاء فإن وقتهما ليس وقت تصرّف بما ذكر بل إذا جمع بينما رجع إلى منزله للراحة والسكون فيه. ووافق مالكًا على ما ظنه جماعة من أهل المدينة وغيرهم كالشافعي. لكن في الرواية الآتية من غير خوف ولا مطر. وأجاب البيهقي بأن الأولى رواية الجمهور فهى أولى. قال وقد روينا عن ابن عباس وابن عمر الجمع بالمطر وهو يؤيد التأويل (وأجاب) غيره بأن المراد ولا مطر كثير أو ولا مطر دائم. وقد قال بجواز الجمع للمطر جماعة من السلف فجوزه الشافعي بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء جمع تقديم بشرط أن يكون المطر قائمًا وقت افتتاح الصلاتين. وبه قال أبو ثور وجماعة. وجوزه مالك وأحمد بين المغرب والعشاء دون الظهر والعصر. وبه قال ابن عمر وعروة بن الزبير وإسحاق والفقهاء السبعة. مستدلين بحديث الباب. وبما رواه الأثرم عن أبى سلمة بن عبد الرحمن قال إن من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء قال ابن قدامة في المغني وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال نافع أن عبد الله بن عمر كان يجمع إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء. وقال هشام بن عروة رأيت أبان بن عثمان يجمع بين الصلاتين في الليلة المطيرة المغرب والعشاء فيصليهما معه عروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو بكر بن عبد الرحمن لا ينكرونه ولا يعرف لهم في عصرهم مخالف فكان إجماعًا رواه الأثرم اهـ وروي هذا عن مروان وعمر بن عبد العزيز وجوز مالك الجمع بينهما للطين والظلمة أيضًا (وقال) أبو حنيفة والمزني وآخرون لا يجوز الجمع للمطر مطلقًا وحملوا الجمع في الحديث علي الجمع الصوري. قال النووي هذا احتمال ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل. قال الحافظ في الفتح وهذا الذي ضعفه استحسنه القرطبي ووجحه قبله إمام الحرمين وجزم به ابن الماجشون والطحاوي وقوّاه ابن سيد الناس بأن أبا الشعثاء وهو راوى هذا الحديث عن ابن عباس قد قال به فيما رواه الشيخان من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار فذكر هذا الحديث وزاد قلت يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء قال وأنا أظنه. وراوي الحديث أدري بالمراد من غيره. ثم قال ويقوى ما ذكر من الجمع الصوري أن طرق الحديث كلها ليس فيها تعرّض لوقت الجمع فإما أن تحمل علي مطلقه فيستلزم إخراج الصلاة عن وقتها

ما قيل في الجمع بينهما للمرض أو لعذر آخر

المحدود بغير عذر وإما أن تحمل على صفة مخصوصة لا تستلزم الإخراج ويجمع بها بين مفترق الحديث. والجمع الصور أولى اهـ وفيما قاله نظر فإن ظن أبي الشعثاء لا يعين أن الجمع صوري حيث لم يستند فيما ظنه إلى دليل. ومحل كون راوي الحديث أدري من غيره إذا كان مباشرًا للحادثة. وهذا روى الحادثة عن ابن عباس. وقوله إن طرق الحديث كها ليس فيها تعرّض لوقت الجمع الخ أما إن الأحاديث ليس فيها تعرّض لوقت الجمع فمسلم. وأما إن حملها على مطلق الجمع وهو الجمع الحقيقي يستلزم إخراج الصلاة عن وقتها المحدود بغير عذر فممنوع لأن العذر موجود وهو المطر. ونظيره الجمع في السفر كما تقدم. وقوله والجمع الصوري أولى ممنوع بأن فيه مشقة وحرجًا على الأمة في الميلة المطيرة إذ لو أذن المؤذن للغرب وحضر الناس في المسجد وانتظروا إلى قرب العشاء ليجمعوا بين الصلاتين جمعًا صوريًا لشق ذلك عليهم كما لا يخفى. وقد قال ابن عباس في علة الجمع أراد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن لا يحرج أمته "وأما ما رواه النسائي" عن ابن عباس بلفظ صليت مع رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالمدينة ثمانيا جميعًا وسبعًا جميعًا أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء "وما أخرجه" ابن جرير عن ابن عمر قال خرج علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكان يؤخر الظهر ويعجل العصر ويؤخر المغرب ويعجل العشاء فيجمع بينهما "فحمول" على غير حاله المطر وقد حمل بعضهم حديث الباب على أنه كان لعذر المرض ونحوه. وهو قول أحمد والقاضي حسين واختاره الخطابي والمتولي والروياني. قال النووي وهو المختار لأن المشقة في المرض أشد منها في المطر. قال الحافظ في الفتح وفيه نظر لأنه لوكان جمعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين الصلاتين لعارض المرض لما صلى معه إلا من به نحو ذلك العذر. والظاهر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جمع بأصحابه. وقد صرح بذلك ابن عباس في روايته اهـ (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مالك في الموطأ والبيهقي وكذا مسلم والنسائي والطحاوي وليس في روايتهم قول مالك (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نَحْوَهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ (ش) غرض المصنف بهذا تقوية رواية مالك من أن الحديث فيه من غير خوف ولا سفر وقد روى البيهقي رواية حماد هذه ولم يذكر فيها المغرب والعشاء قال أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد أنبأ أبو سهل بن زياد القطان ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا حجاج يعني ابن منهال قال حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن اين عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة في غير خوف ولا سفر اهـ ورواه أيضًا زهير

بيان الاضطراب في حديث أبي الزبير عن سعيد عن ابن عباس

ابن معاوية كرواية حماد فقد روى البيهقي من طريق جعفر بن معاذ قال حدثنا أحمد بن يونس ثنا زهير ثنا أبو الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال صلى رسول الله صلى الله تعال عليه وعلي آله وسلم الظهر والعصر جميعًا بالمدينة في غير خوف ولا سفر قال أبو الزبير فسألت سعيدًا لم فعل ذلك فقال سألت ابن عباس كما سألتني فقال أراد أن لا يحرج أحدًا من أمته. ورواه أيضًا هشام بن سعد كرواية مالك كما أخرجه البيهقي من طريق إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا جعفر بن عون عن هشام بن سعد ثنا أبو الزبير عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس قال جمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولاسفر قلت لم تر يا ابن عباس قال أراد أن لا يحرج أمته (ص) وَرَوَاهُ قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا إِلَى تَبُوكَ. (ش) ساق المصنف هذا البيان أن في متن الحديث اضطرابًا. فقد رواه مالك وحماد بن سلمة عن أبى الزبير بأن الجمع كان في غير خوف ولا سفر. ورواه قرّة عنه بأن الجمع كان في السفر. وقد علمت أنه قد وافق مالكًا وحمادًا زهير بن معاوية وهشام بن سعد. ورواية الجماعة أولى أن تكون محفوظة كما قاله البيهقي. ورواية قرّة بن خالد وصلها مسلم والبيهقي من طريق يحيى بن حبيب الحارثي قال ثنا خالد يعني ابن الحارث ثنا قرّة نا أبوالزبير ثنا سعيد بن جبير ثنا ابن عباس أن رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جمع بين الصلاة في سفرة سافرها في غزوة تبوك فجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال سعيد فقلت لابن عباس ما حمله على ذلك قال أراد أن لا يحرج أمته اهـ (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ نَا الأَعْمَشُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ مَطَرٍ. فَقِيلَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ مَا أَرَادَ إِلَى ذَلِكَ قَالَ أَرَادَ أَنْ لاَ يُحْرِجَ أُمَّتَهُ. (ش) (أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير. و (الأعمش) سليمان بن مهران (قوله ما أراد إلى ذلك) أي ما قصد بفعله ذلك فإلى بمعنى الباء (قوله أن لا يحرج أمته) بمثناة تحتية مضمومة ونصب أمته. وروى تحرج بمثناة فوقية مفتوحة من باب تعب ورفع أمته على أنه فاعل. أي إنما جمع بين الصلاتين لئلا يشق على أمته فقد وسع لهم في الأمر بأن يصلوا بعض

ما قيل في جواز الجمع بين الصلاتين في الحضر بلا عذر

الصلوات في أول وقتها والبعض في آخره والبعض في آخر وقته وما يليه في أول وقته. وقد جاءت هذه الجملة عند الطبراني في الأوسط والكبير عن ابن مسعود مرفوعة بلفظ جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فقيل له في ذلك فقال صنعت ذلك لئلا تحرج أمتي (وبظاهر) هذا الحديث قال ابن المنذر وحكاه عن غير واحد من أصحاب الحديث. وحكاه القفال عن أبي إسحاق المروزي قالوا يجوز الجمع في الحضر من غير خوف ولا مطر ولا مرض قال ابن المنذر ولا معنى لحمل الجمع فيه على عذر من الأعذار لأن ابن عباس قد أخبر بالعلة فيه بقوله أراد أن لا يحرج أمته. وحكي عن ابن سيرين أنه كان لا يرى بأسًا بالجمع بين الصلاتين في الحضر للحاجة مطلقًا أولغير حاجة ما لم يتخذ عادة. واستدلوا أيضًا بما أخرجه النسائي من طريق عمرو بن هرم عن جابر بن زيد عن ابن عباس أنه صلى بالبصرة الأولى "يعني الظهر" والعصر ليس بينهما شيء والمغرب والعشاء ليس بينهما شيء فعل ذلك من شغل. وزعم ابن عباس أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة الأولى والعصر ثماني سجدات ليس يينهما شيء اهـ "وكان شغل ابن عباس" بخطبة خطبها للناس كما أخرجه مسلم والبيهقي من طريق عبد الله بن شقيق قال خطبنا ابن عباس يومًا بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون الصلاة الصلاة فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني الصلاة الصلاة فقال ابن عباس أتعلمني بالسنة لا أمّ لك ثم قال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء. قال عبد الله بن شقيق فحاك في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته اهـ (وحمل الجمهور) حديث الباب على ما تقدم في شرح الحديث السابق من أن المطر المنفي هنا المطر الكثير أو الدائم. والأولى حمله على الجمع الصوري كما تقدم "وقول الحافظ في الفتح" وإرادة نفي الحرج تقدح في حمله على الجمع الصوري لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج "مردود" بما تقدم من أن الشارع عين الأوقات بعلامات لا تكاد تلتبس على العامة فضلًا عن الخاصة فلا حرج في مراعاتها لمن أراد الجمع الصوري "ولا يقال" إن حمل الجمع في الحديث على ما شملته أحاديث التوقيت من الجمع الصوري طرح لفائدة قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لئلا تحرج أمتي وإلغاء لمضمونه "لأنا نقول" رفع الحرج ليس منسوبًا إلى أقواله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المبينة للأوقات الشاملة للجمع الصوري بل هو منسوب لأفعاله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليس إلا "فقد قالت" عائشة رضي الله عنها ما صلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة لآخر وقتها مرتين حتى قبضه الله فربما ظنّ ظانّ أن فعل كل صلاة في أول وقتها متحتم لمواظبته صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم على ذلك فكان في جمعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جمعًا صوريًا تخفيف وتسهيل

على من أقتدى بمجرّد الفعل. وقد كان اقتداء الصحابة بالأفعال أكتر منه من اقتدائهم بالأقوال ويدل على ذلك ما وقع في الحديبية من أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم أولًا بالنحر والحلق فتأخروا فلما دخل على أم سلمة وأشارت عليه بأن ينحر ويحلق ففعل ونحروا جميعا وكادوا يهلكون من شدة تراكم بعضهم على بعض حال الحلق. ومما يدل على أن الجمع الحقيقي لا يجوز إلا لعذر ما أخرجه الترمذي عن ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر. وفي إسناده حنش بن قيس وهو ضعيف. قال الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في السفر أو بعرفة (من أخرج الحديت أيضًا) أخرجه مسلم والنسائي والترمذي والبيهقي وكذا الطبراني عن ابن مسعود بلفظ تقدم ذكره بالصفحة السابقة وهو حديث إسناده جيد غير أن ابن خزيمة قال في حبيب كان مدلسًا ولكن وثقه غير واحد كما تقدم "وقول الترمذي" في آخرسننه ليس في كتابي حديث أجمعت الأمة على ترك العمل به إلا حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر. وحديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة "لا يقدح في صحة الحديث" لأن قوله ذاك محمول على الأخذ بظاهره من الجمع الحقيقي وقد علمت أن المراد بالجمع فيه الجمع الصوري (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ أَنَّ مُؤَذِّنَ ابْنِ عُمَرَ قَالَ الصَّلاَةُ. قَالَ سِرْ. حَتَّى إِذَا كَانَ قَبْلَ غُيُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ انْتَظَرَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ وَصَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا عَجِلَ بِهِ أَمْرٌ صَنَعَ مِثْلَ الَّذِى صَنَعْتُ فَسَارَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَسِيرَةَ ثَلاَثٍ. (ش) (رجال الحديث) (قوله عن أبيه) هو فضيل في غزوان بن جرير الضبي مولاهم أبو الفضيل الكوفي. روى عن سالم بن عبد الله وأبى حازم ونافع وعكرمة وأبي زرعة وكثيرين وعنه الثوري وابن المبارك ووكيع وعيسى بن يونس وأبو أسامة وجماعة. وثقه أحمد وابن معين ويعقوب بن سفيان. روى له الجماعة. و(عبد الله بن واقد) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب المدني العدوي. روى عن جده وعائشة.، عنه الزهري وفضيل بن غزوان وعمر بن محمد وعبد الله بن أبى بكر وعدة. قال في التقريب مقبول من الرابعة وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة تسع

بعض أدلة من قال بالجمع الصوري وروايات تقوي حديث فضيل بن غزوان

عشرة ومائه. وروى له مسلم وأبو داود وابن ماجه. و (مؤذن ابن عمر) هو نافع مولاه كما تفيده رواية النسائي من طريق ابن جابر قال حدثني نافع قال خرجت مع عبد الله بن عمر في سفر يريد أرضًا له فأتاه آت فقال إن صفية بنت أبي عبيد لما بها "أي هي في التعب لما بها من المرض" فانظر أن تدركها فخرج مسرعًا ومعه رجل من قريش يسايره وغابت الشمس فلم يصل الصلاة وكان عهدي به وهو يحافظ على الصلاة فلما أبطأ قلت الصلاة يرحمك الله فالتفت إليّ ومضى حتى إذا كان في آخر الشفق نزل فصلى المغرب ثم أقام العشاء وقد توارى الشفق فصلى بنا ثم أقبل علينا فقال إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا عجل به السير صنع هكذا. (معنى الحديث) (قوله الصلاة) بالنصب مفعول لمحذوف. أي أنؤدي الصلاة. أو بالرفع مبتدأ والخبر محذوف أي الصلاة حضر وقتها (قوله سر) أمر من السير. وفي نسخة سر سر وكرره للتأكيد (قوله قبل غيوب الشفق) أي مغيبه وهو مصدر غاب (قوله إذا عجل به الأمر) من باب تعب أي أسرعه كما تقدم والباء زائدة (قوله فسار في ذلك اليوم الخ) أي سار ابن عمر في اليوم الذي استصرخ فيه على زوجه مساقة يسار فيها ثلاث أيام. والحديث صريح في أن النبي صلة الله عليه وعلى آله وسلم جمع بين الصلاتين في السفر جمعًا صوريًا (والحديث) أخرجه الدارقطني وكذا النسائي من طريق آخر بلفظ تقدم (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ ابْنُ جَابِرٍ عَنْ نَافِعٍ نَحْوَ هَذَا بِإِسْنَادِهِ. (ش) غرض المصنف بذكر هذا التعليق تقوية رواية فضيل بن غزوان بأن الرحمن بن يزيد ابن جابر تابعه "وقد وصله" النسائي قال أخبرنا محمود بن خالد حدثنا الوليد ثنا ابن جابر ثني نافع الخ ما تقدم أول الصفحة وكذا وصله الدارقطني والبيهقي من طريق العباس بن الوليد بن مزيد قال أخبرني أبي قال سمعت ابن جابر يقول حدثني نافع قال خرجت مع عبد الله بن عمر وهو يريد أرضًا له "الحديث" ووصله أيضًا الطحاوي قال حدثنا المؤذن حدثني بشر بن بكر حدثني ابن جابر حدثني نافع قاتل خرجت مع عبد الله بن عمر الخ (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ أَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ جَابِرٍ بِهَذَا الْمَعْنَى. (ش) أي روى الحديث عيسى بن يونس عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بمعنى حديث فضيل ابن غزوان المتقدم. وهذه الرواية أخرجها الدارقطني من طريق المصنف (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلاَءِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ ذَهَابِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا.

حديث الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء لنحو مطر جمعا صوريا

(ش) أي روى هذا الحديث عبد الله بن العلاء بن زبر بالزاي المفتوحة والموحدة الساكنة وقال قال نافع في هذه الرواية حتى إذا كان ابن عمر عند ذهاب الشفق أي قرب ذهابه فيوافق ما ذكر في الرواية السابقة من قوله حتى إذا كان قبل غيوب الشفق نزل. والغرض منه تقوية حديث فضيل بن غزوان أيضًا. وبيان أن فيه اختلافًا في المتن (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ قَالاَ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ح وَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ ثَمَانِيًا وَسَبْعًا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ. وَلَمْ يَقُلْ سُلَيْمَانُ وَمُسَدَّدٌ بِنَا. (ش) (قوله صلى بنا ثمانيًا الخ) أي ثماني ركعات بينها بقوله الظهر والعصر. وسبعًا بينها بقوله المغرب والعشاء. وفي رواية النسائي ثمانيًا جميعًا وسبعًا جميعًا يعني مجموعين جمعًا حقيقيًا. ولعل ذلك كان لمطر "ولا ينافيه" ما سيذكره المصنف عن صالح مولى التوءمة عن ابن عباس من قوله من غير مطر "لاحتمال أن يكون" المنفي المطر الكثير أو الدائم على ما تقدم. ويحتمل أن يكون جمعًا صوريًا فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لبيان الجواز. ويؤيده ما في رواية النسائي من قوله أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء (قوله ولم يقل سليمان ومسدد بنا) أي لم يقل سليمان بن حرب ومسدد بن مسرهد في روايتيهما صلى بنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بل قالا صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بدون لفظ بنا (والحديث) أخرجه البخاري ومسلم والنسائيّ وأخرجه الطحاوي والبيهقي بالطريقين (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي غَيْرِ مَطَرٍ. (ش) أي روى حديث ابن عباس صالح مولى التوءمة وقال في روايته صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالمدينة ثمانيًا وسبعًا في غير مطر. وتقدم أن المنفي المطر الكثير أو الدائم. أو أن هذا كان جمعًا صوريًا. و(صالح مولى التوءمة) هو ابن نبهان. روى عن عائشة وأبي هريرة وابن عباس وزيد بن خالد. وعنه السفيانان وموسى بن عقبة وابن جريج. ضعفه أبو زرعة والنسائيّ وقال أبو حاتم ليس بالقوي وقال ابن حبّان تغير وجعل يأتي بالأشياء تشبه الموضوعات عن الثقات فاختلط حديثه الأخير بحديثه القديم ولم يتميز فاستحق الترك. توفي

الجمع بين المغرب والعشاء في غير المزدلفة

سنة خمس وعشرين ومائة. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه. والتوءمة هي بنت أمية بن خلف وسميت التوءمة لأنها كانت مع أخت لها في بطن (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَارِيُّ نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- غَابَتْ لَهُ الشَّمْسُ بِمَكَّةَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِسَرِفَ. (ش) (رجال الحديث) (يحيى بن محمد) بن عبد الله بن مهران مولى بني نوفل الحجازي روى عن عبد العزين بن محمد الدراوردي وعبد الرحمن بن زيد وعبد الله بن خالد. وعنه أحمد بن صالح ومحمد بن عبد الله بن نمير والزبير بن بكار وغيرهم. قال البخاري يتكلمون فيه ووثقه العجلي وقال ابن حبّان يغرب وقال في التقريب صدوق يخطئُ من كبار العاشرة. روى له أبو داود والترمذي والنسائيُّ. و (الجاريّ) بالراء نسبة إلى الجار وهي بلدة على ساحل البحر الأحمر قرب المدينة المنورة (معنى الحديث) (قوله غابت له الشمس الخ) يعني غربت عليه وهو بمكة فجمع بين المغرب والعشاء بسرف جمعًا حقيقيًا لا صوريًا لأن المسافة التي بين مكة وسرف لا يمكن قطعها إلا في زمن لا يبقى معه وقت للجمع الصوري. وسرف بفتح فكسر مصروف وغير مصروف موضع قريب من التنعيم شمال مكة بينه وبينها سبعة أميال على الراجح. وقيل ستة أميال أو تسعة أو عشرة أو اثنا عشر. به تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ميمونة وبه توفيت ودفنت (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي والطحاوي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ جَارُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ بَيْنَهُمَا عَشْرَةُ أَمْيَالٍ يَعْنِي بَيْنَ مَكَّةَ وَسَرِفَ. (ش) بين المصنف بهذا المسافة التي بين مكة وسرف. وهو قول. وقد تقدم أن الراجح خلافه و (محمد بن هشام) بن عيسى بن عبد الرحمن الطالقاني أبو عبد الله نزيل بغداد (جار أحمد ابن حنبل) أي أنه كان يسكن بغداد بجواره. روى عن أبى بكر بن عياش وأبى معاوية وحفص بن غياث وابن علية وآخرين. وعنه البخاري وأبو داود والنسائيُّ وابن صاعد ومحمد ابن إسحاق وعدة. وثقه الخطيب وقال ابن حبّان مستقيم الحديث وقال في التقريب ثقة من العاشرة. توفي سنة ثنتين وخسين ومائتين (وهذا الأثر) أخرجه البيهقي

أقوال العلماء في اختصاص الجمع بين الصلاتين في السفر بحال السير

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ عَنِ اللَّيْثِ قَالَ قَالَ رَبِيعَةُ -يَعْنِي كَتَبَ إِلَيْهِ- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ غَابَتِ الشَّمْسُ وَأَنَا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَسِرْنَا فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ قَدْ أَمْسَى قُلْنَا الصَّلاَةُ. فَسَارَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ وَتَصَوَّبَتِ النُّجُومُ ثُمَّ إِنَّهُ نَزَلَ فَصَلَّى الصَّلاَتَيْنِ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ صَلَّى صَلاَتِي هَذِهِ يَقُولُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ لَيْلٍ. (ش) (قوله يعني كتَبَ إليه الخ) العناية من عبد الله بن وهب أي يقصد الليث بن سعد بقوله قال ربيعة أنه لم يحدثه مشافهة بل كتب إليه. وأطلق القول على الكتابة لاشتراكهما في الإفادة. أولما بينهما من التلازم فإن القول لازم للكتابة. وقوله حدثني عبد الله بن دينار بيان للمكتوب (قوله وأنا عند عبد الله بن عمر) يعني سائر معه (قوله وتصوبت النجوم) أي مالت إلى الغروب (قوله إذا جدّ به السير) يعني اجتهد صلى الله عليه وآله وسلم في السير. وإسناد الجد إلى السير مجاز عقلي يقال جد يجدّ من بابي ضرب وقتل وجدّ به الأمر وجدّ فيه وأجدّ إذا اجتهد (قوله يجمع يينهما بعد ليل) أي بعد دخول الليل دخولًا بينا (وبالحديث) استدل الليث ومالك في المشهور عنه أن الجمع يختص بمن جدّ به السير وقال ابن حبيب يختص بالسائر لحديث الباب ولما في البخاري من حديث ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجمع بين الظهر والعصر إذا كان علي ظهر سير ويجمع بين المغرب والعشاء (وأجاب) الجمهور بما تقدم في حديث معاذ الأول من التصريح بجمعه صلي الله عليه وآله وسلم نازلًا فإن قوله فيه ثم دخل ثم خرج لا يكون إلا وهو نازل. وبه استدل الجمهور أيضًا على جواز الجمع الحقيقى للمسافر "ولا ينافيه" ما تقدم عن ابن عمر من أنه صلى قبل غيبوبة الشفق "لجواز" تكرر ذلك من ابن عمر (والحديث) أخرجه البيهقي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَخِيهِ عَنْ سَالِمٍ (ش) أي روى هذا الحديث عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطّاب. روى عن أبيه وإخوته واقد وزيد وعمر ومحمد بن كعب وطائفة. وعنه ابن عيينة وأبو إسحاق الفزاري وبشر بن المفضل وأحمد بن يونس وغيرهم. وثقه ابن معين وأبو حاتم وقال لا بأس به. روى له الجماعة (قوله عن أخيه) هو عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطّاب. روى عن أبيه وجده وعم أبيه سالم وابن عم أبيه عبد الله بن واقد وحفص بن عاصم. وعنه أخوه شعبة ومالك

جمع التأخير بين الصلاتين في السفر

والسفيانان وابن المبارك وابن وهب وغيرها. وثقه ابن سعد وأحمد وابن معين وأبو داود وأثنى عليه الثوري والعجلي "وقد وصل" هذه الرواية الدارقطني قال ثنا أبو محمد بن صاعد ثنا عبيد الله بن سعد ثنا عمي ثنا عاصم بن محمد عن أخيه عمر بن محمد عن نافع وعن سالم أتى عبد الله بن عمر خبر من صفية فأسرع السير "الحديث" وفيه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم كان إذا جدّ به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن غاب الشفق بساعة (ص) وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مِنِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ بَعْدَ غُيُوبِ الشَّفَقِ. (ش) (ابن أبي نجيح) بفتح النون هو عبد الله تقدم في الجزء الثاني صفحة 153. و (إسماعيل ابن عبد الرحمن بن ذؤيب) ويقال ابن أبي ذؤيب الأسدي. روى عن ابن عمر وعطاء ابن يسار. وعنه سعيد بن خالد وابن أبي نجيح. وثقه أبو زرعة وابن سعد والدارقطني. روى له النسائي وأبو داود (قوله أن الجمع بينهما الخ) أي ذكر ابن أبي نجيح في روايته أن الجمع بين المغرب والعشاء كان من ابن عمر بعد غياب الشفق "ورواية" ابن أبي نجيح وصلها النسائي والبيهقيّ والطحاوي قال النسائي أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أنبأنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن إسماعيل بن عبد الرحمن شيخ من قريش قال صحبت ابن عمر إلى الحمى فلما غربت الشمس هبت أن أقول له الصلاة فسار حتى ذهب بياض الأفق وفحمة العشاء "أول سواد الليل" ثم نزل فصلى المغرب ثلاث ركعات ثم صلى ركعتين على أثرها ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعل. ونحوه للبيهقي. وقال الطحاوي حدثنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن إسماعيل بن أبى ذؤيب قال كنت مع ابن عمر فلما غربت الشمس هبنا أن نقول له الصلاة فسار حتى ذهبت فحمة العشاء ورأينا بياض الأفق فنزل فصلى ثلاثًا المغرب واثنتين العشاء ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعل (وبرواية) ابن أبي نجيح ونحوها استدل علي مشروعية جمع التأخير في السفر "ولا يقال" إن الشفق يطلق على الأحمر والأبيض فيحتمل أنه جمع بينهما بعد غياب الشفق الأحمر وقبل غياب الشفق الأبيض فيكون قد صلى المغرب في وقتها على القول بامتداده إلى ذهاب الشفق الأبيض، وهو قول للحنفية "لما في رواية النسائي" المتقدمة من قوله فسار حتى ذهب بياض الأفق وفحمة العشاء ثم نزل فصلى المغرب الخ (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَابْنُ مَوْهَبٍ -الْمَعْنَى- قَالاَ نَا الْمُفَضَّلُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ

لا يختص جمع التأخير بمن جد به السير

أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ أَبُو دَاوُدَ كَانَ مُفَضَّلٌ قَاضِىَ مِصْرَ وَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ وَهُوَ ابْنُ فَضَالَةَ. (ش) (قَتيبة) بن سعيد تقدم في الجزء الأول صفحة 98. وكذا (ابن موهب) يزيد بن خالد بن بن يد صفحة 134. و (عقيل) بضم ففتح ابن خالد تقدم في الجزء الثاني صفحة 228 (قوله المعنى) أي حدث ابن موهب بمعنى حديث قتيبة (قوله إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس الخ) يعني إذا سار قبل أن تميل الشمس إلى جهة الغروب أخر الظهر إلى وقت العصر (واستدل) بظاهره من قال بمشروعية جمع التأخير للسافر مطلقًا مجدًّا كان السير أولا. وأجاب من قال باختصاص جمع التأخير بمن جدّ به السير بأن الجمع فيه صورى ويكون المعنى أخر الظهر إلى قرب وقت العصر فيصلي الظهر في آخر وقتها ثم يصلي العصر متصلة بها في أول وقتها. لكن لا حاجة إلى هذا التقدير وما لا يحتاج إلى تقدير أولى مما يحتاج. ويؤيد كلام الجمهور ما أخرجه مسلم من طريق شبابة عن الليث عن عقيل بن خالد عن الزهري عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما. وفي رواية له وللبيهقي من طريق جابرعن عقيل إذا عجل عليه السير يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر فيجمع بينها ويؤخر المغرب حتى بحمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق (قوله صلى الظهر ثم ركب) يعني صلى الظهر وحده ثم ارتحل. وبهذا احتج من منع جمع التقديم دون جمع التأخير كابن حزم وهو رواية عن مالك وأحمد. وأجابوا عن الأحاديث القاضية بجواز جمع التقديم بما تقدم في شرح حديث معاذ أول الباب مما حكى عن أبي داود من أنها أحاديث منكرة وليس في جمع التقديم حديث قائم. لكن المعوّل عليه أن أحاديث جمع التقديم بعضها صحيح وبعضها حسن. قال الحافظ في الفتح وبحديث أنس احتج من أبى جمع التقديم كما تقدم. لكن روى إسحاق بن راهويه هذا الحديث عن شبابة فقال كان إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم ارتحل أخرجه الإسماعيلى. وأعلّ بتفرد إسحاق بذلك عن شيابة ثم تفرد جعفر الفريابي به عن إسحاق. وليس ذك بقادح فإنهما إمامان حافظان. وقد وقع نظيره في الأربعين للحاكم قال ثنا محمد بن يعقوب هو الأصم ثنا محمد بن إسحاق الصغاني وهو

بعض أدلة مشروعية جمع التقديم في السفر

أحد شيوخ مسلم ثنا محمد بن عبد الله الواسطي فذكر الحديث وفيه فان زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ركب اهو يؤخذ مما ذكره الحافظ أن في الحديث حذفًا والأصل فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل كل الظهر والعصر (قوله كان مفضل الخ) غرضه بيان حال مفضل وتوثيقه (والحديث) أخرجه الشيخان والنسائي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عُقَيْلٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ بِإِسْنَادِهِ قَالَ وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ. (ش) (رجال لحديث) (سلمان بن داود) تقدم في الجزء الثالث صفحة 151 و (ابن وهب) هو عبد الله تقدم في الأول صفحة 325. و (جابر بن إسماعيل) الحضرمي أبو عباد المصري. روى عن عقيل بن خالد وحيى بن عبد الله المعافري. وعنه ابن وهب. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من الثامنة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبخاري في الأدب (معنى الحديث) (قوله بهذا الحديث) يعني حديث أنس السابق (قوله بإسناده) أي سند عقيل وهو ابن شهاب عن أنس. وروايته أخرجها النسائي وكذا مسلم والبيهقي بلفظ تقدم (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إِلَى الْعَصْرِ فَيُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ سَارَ وَكَانَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلاَّهَا مَعَ الْمَغْرِبِ. (ش) تقدم شرح هذا الحديثَ وأَنه من أدلة القائلين بمشروعية جمع التَقديم (وقد أخرجه أيضًا) أحمد وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي والترمذي وقال حسن غريب تفرد به قتيبة. و(الليث) هوابن سعد تقدم في الجزء الثاني صفحة 58. و(يزيد بن أبِي حبيب) في الثالث صفحة 67 (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَلَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ إِلاَّ قُتَيْبَةُ وَحْدَهُ.

باب قصر قراءة الصلاة في السفر

(ش) أي أن قتيبة بن سعيد تفرد برواية الحديث. وغرض المصنف بهذا تضعيف الحديث والإشارة إلى أنه شاذ فإن الثقات الحفاظ رووه عن الليث ولم يذكروا فيه جمع التقديم. وخالفهم قتيبة فذكره ولذا قال الترمذي حديث حسن غريب تفرد له قتيبة. والمعروف عند أهل العلم حديث معاذ من حديث أبى الزبير عن أبى الطفيل "يعني الحديث الأول في الباب" عن معاذ وليس فيه جمع التقديم. وقال أبو سعيد بن يونس لم يحدث بهذا الحديث إلا قتيبة ويقال إنه غلط فيه فجعل يزيد بن أبي حبيب موضع أبى الزيير. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه لا أعرفه من حديث يزيد والذي عندي أنه دخل له حديث في حديث وذكر الحاكم أن الحديث موضوع. وقال ابن حزم إنه معنعن يزيد عن أبي الطفيل ولا يعرف له عنه رواية وقال الحافظ في الفتح المشهور في جمع التقديم حديث معاذ هذا وقد أعله جماعةّ عن أئمة الحديث بتفرد قتيبة عن الليث وأشار البخاري إلى أن بعض الضعفاء أدخله على قتيبة وله طريق أخرى عن معاذ برواية هشام بن سعد عن أبي الزبير. وهشام يختلف فيه وقد خالفه الحفاظ من أصحاب أبى الزبير كمالك والثوري وقرة بن خالد فلم يذكروا في روايتهم جمع التقديم اهـ وقال أبو داود هذا حديث منكر وليس في جمع التقديم حديث قائم (والحاصل) أن للحفاظ في هذا الحديث خمسة أقوال قال الترمذي إنه حسن غريب. وقال ابن حبان إنه محفوظ صحيح. وقال أبو داود إنه منكر. وقال ابن حزم منقطع. وقال الحاكم موضوع (باب قصر قراءة الصلاة في السفر) وفي بعض النسخ باب قدر القراءة في السفر. وفي بعضها باب قصر قراءة السفر (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ فَصَلَّى بِنَا الْعِشَاءَ الآخِرَةَ فَقَرَأَ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. (ش) (حفص بن عمر) بن الحارث تقدم في الجزء الأول صفحة 90. و (شعبة) ابن الحجاج تقدم فيه صفحة 32. و (عدي بن ثابت) الأنصاري تقدم في الجزء الثالث صفحة 75. و (البراء) بن عازب تقدم في الجزء الثاني صفحة 201 (قوله فقرأ في إحدى الركعتين بالتين والزيتون) وفي رواية النسائي فقرأ في العشاء في الركعة الأولى بالتين والزيتون. وفي هذا دلالة على جواز التخفيف في القراءة في الصلاة في السفر من أجل

باب التطوع في السفر

ألمشقة. وقد ثبت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في أكثر من حديث صحيح أنه كان يقرأ بقصار المفصل في السفر وغيره كما تقدم في أبواب القراءة (من أخرج الحديث أيضًا) أخر جه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي والبيهقي (باب التطوع في السفر) أيجوز أم لا (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا اللَّيْثُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي بُسْرَةَ الْغِفَارِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَفَرًا فَمَا رَأَيْتُهُ تَرَكَ رَكْعَتَيْنِ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ. (ش) (رجال الحديث) (أبو بسرة) بضم الموحدة وسكون السين المهملة (الغفاري) روى عن البراء بن عازب. وعنه صفوان بن سليم. وثقه العجلي وقال الذهبي لا يعرف وقال الترمذي سألت محمدًا "البخاري" عنه فلم يعرفه إلا من حديث الليث بن سعد ولم يعرف اسمه ورآه حسنًا. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال في التقريب. مقبول من الرابعة، روى له أبو داود والترمذي (معنى الحديث) قوله فما رأيته ترك ركعتين الخ) لعلهما سنة الوضوء أو الزوال أو الظهر. وقوله قبل الظهر أي قبل صلاته وهو ظرف لترك. وبظاهر الحديث استدل من يقول بمشروعية التنفل في السفر (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي والترمذي وقال حسن غريب (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ نَا عِيسَى بْنُ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقٍ -قَالَ- فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَقْبَلَ فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلاَءِ قُلْتُ يُسَبِّحُونَ. قَالَ لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا أَتْمَمْتُ صَلاَتِي يَا ابْنَ أَخِى إِنِّى صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي السَّفَرِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى

المذاهب في تأدية الرواتب في السفر

رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَصَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ). (ش) (رجال الحديث) (عيسى بن حفص) هو أبو زياد القرشي العدوي المدني. روى عن أبيه وسعيد بن المسيب والقاسم بن عد وعطاء بن أبي مروان. وعنه يحيى القطان والدراوردى والواقدى والقاسم بن عبد الله وعبد الله بن مسلة القعنبي. وثقه أحمد وابن معين والنسائي والعجلي وقال ابن سعد كان قليل الحديث. مات سنة سبع وخمسين ومائة. روى له الشيخان وأبو داود والنسائي (معنى الحديث) (قوله صحبت ابن عمر الخ) أي رافقته في سفر إلى مكة كما رواية مسلم فصلى الظهر ركعتين بنا ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله وجلسنا فرأى ناسًا قيامًا لصلاة النافلة فقال ما يصنع هؤلاء. والغرض منه الإنكار على الذين يتنفلون في السفر (قوله لو كنت مسبحًا الخ) أي لو كنت مصليًا النافلة في السفر لأتممت المكتوبة أربعًا. ومراده راتبة الفرائض كسنة الظهر والعصر. أما النوافل المطلقة فقد كان ابن عمر لا يتركها في السفر فقد روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن مجاهد قال صحبت ابن عمر من المدينة إلى مكة وكان يصلي تطوعًا على دابته حيثما توجهت به فإذا كانت الفريضة نزل فصلى. وأخرج البخاري من طريق سالم بن عبد الله عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه. وكان ابن عمر يفعله (قوله يا ابن أخي) خطاب لحفص بن عاصم وهو ابن أخيه حقيقة (قوله فلم يزد على ركعتين) أي لم يزد نفلًا راتبًا على ركعتي الفرض. وفيه دليل على المواظبة على القصر وترك الراتبة في السفر (قوله وصحبت عثمان فلم يزد على ركعتين الخ) أي أنه واظب على ترك الراتبة في السفر حتى لقي ربه فلا ينافي أنه كان في آخر عمره يتم الصلاة في السفر "فقد روى" مسلم من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى صلاة المسافر بمنى وغيره ركعتين وأبو بكر وعمر وعثمان ركعتين صدرًا من خلافته ثم أتمها أربعًا. وفي حديث آخر له عن ابن عمر قال صلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في صلاة المسافر وأبو بكر وعمر وعثمان ثمان سنين أو قال ست سنين وهذا هو المشهور أن عثمان أتم بعد ست سنين من خلافته (وتأول العلماء) حديث الباب بأن المراد أن عثمان لم يزد على الركعتين حتى قبضه الله في غير مني. والروايات المشهورة بإتمام عثمان بعد صدر من خلافته محمولة على الإتمام بمنى خاصة. وقد فسر عمران بن حصين في روايته أن إتمام عثمان إنما كان بمنى (وبالحديث) استدل من قال بعدم استحباب الرواتب في السفر. وهو ابن عمر وآخرون. وعليه يحمل ما رواه البيهقي ومالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر أنه لم يكن يصلي

باب التطوع على الراحلة والوتر

مع صلاة الفريضة في السفر شيئًا قبلها ولا بعدها (وقال الجمهور) باستحباب الرواتب للسافر مستدلين بالأحاديث المطلقة في ندب الرواتب. وحديث صلاة ركعتي الفجر حين ناموا حتى طلعت الشمس (وأجابوا) عن قول ابن عمر لو كنت مسبحًا لأتممت يعني لو شرعت النافلة للمسافر لكان الإتمام أولى "بأن الفريضة متحتمة" إذ لو شرعت تامة لتحتم إتمامها. وأما النافلة فهى إلى اختيار المصلي فطريق الرفق به أن تشرع في حقه ويخير في الإتيان بها فلو فعلها لا يحرم من ثوابها. قال الحافظ في الفتح وتعقب بأن مراد ابن عمر بقوله المذكور أنه لو كان مخيرًا بين الإتمام وصلاة الراتبة لكان الإتمام أحب إليّ. لكنه فهم من القصر التخفيف فلذلك كان لا يصلي الراتبة ولا يتم اهـ (وأجابوا) عن قول ابن عمر في حديث الباب إني صحبت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في السفر فلم يزد على ركعتين بأنه يحتمل أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي الرواتب في رحله ولا يراه ابن عمر فإن النافلة في البيت أفضل. أو باحتمال أنه تركها في بعض الأوقات تنبيهًا على جواز الترك "وقول ابن القيم" لم يحفظ عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها في السفر إلا ما كان من سنة الفجر "مردود" بحديث البراء بن عازب السابق. وكأنه لم يثبت عنده. لكن تقدم أن البخاري والترمذي حسناه وقد حمله بعضهم على سنة الزوال أو الوضوء كما تقدم (والحاصل) أنه قد اختلف في التنفل في السفر فذهب ابن عمر منعه بالنهار مطلقًا وجوازه بالليل على الراحلة والارض. وعامة السلف على جوازه بالليل والنهار على الراحلة والارض. وقيل بالمنع مطلقًا. قال الترمذي روى عن ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان لا يتطوع في السفر قبل الصلاة ولا بعدها وروى عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان يتطوع في السفر. ثم ختلف أهل العلم بعد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فرأى بعض أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يتطوع الرجل في السفر وبه يقول أحمد وإسحاق، ولم تر طائفة من أهل العلم أن يصلي قبلها ولا بعدها اهـ وبقول أحمد وإسحاق قال الجهور وباقى الأئمة الأربعة. وقد جمع ابن بطال بين ما اختلف عن ابن عمر في ذلك بأنه كان يمنع التنفل على الأرض ويقول به على الدابة (والحديث) أخرجه مالك والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والبيهقي (باب التطوع على الراحلة والوتر) أي باب ييان جواز التطوع والوتر على الراحلة. وخص الوتر بالذكر مع أنه من التطوع عند جمهورالأئمة لما فيه من الاختلاف في جوازه على الراحلة. والراحلة هي المركب من الإبل ذكرًا كان أو أنثى كما تقدم

المذاهب في كيفية التنفل على الراحلة

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَيَّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ عَلَيْهَا. (ش) (يونس) بن يزيد الأيلي تقدم في الجزء الثاني صفحة 102 (قوله يسبح على الراحلة الخ)، يعني يصلي النافلة إلى أي جهة توجهت دابته ولو إلى غير القبلة. وتوجه مضارع حذفت منه إحدى التاءين. وفي نسخة أي وجه توجهت، وفي رواية الشيخين قبل أي وجه توجه فلو توجهت إلى غير مقصده فإن كان إلى القبلة جاز وإلا فلا (والحديث) يدل على جواز التنفل على الراحلة في السفر قبل مقصده وهو مجمع عليه كما قال االنووي وغيره غير أنه يلزم التوجه إلى القبلة حال التحريمة عند الشافعي وابن حبيب من المالكية وهو رواية عن أحمد. ولا يلزم عند غيرهم. وسواء في ذلك قصير السفر وطويله عند الأكثر. وعن مالك لا يجوز ذلك إلا في سفر القصر. وقالت الحنفية لا يشترط السفر بل يجوز صلاة النافلة خارج العمران في محل يجوز للمسافر القصر فيه ولو مقيمًا خرج لحاجة على الراحلة موميًا بالركوع والسجود فرادى لا جماعة إلا على دابة واحدة علي الصحيح لحديث ابن عمر قالت رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي النافلة على راحلته في كل وجه يومئُ إيماء ولكنه يخفض السجدتين من الركعتين رواه الشيخان. وعن أبي يوسف جواز النافلة على الراحلة في المصر أيضًا. وقال أبو سعيد الاصطخري من الشافعية وأهل الظاهر يجوز التنفل على الراحلة حتى للمقيم. وروى هذا عن أنس ابن مالك. مستدلين بالأحاديث المطلقة التى لم يصرح فيها بذكر السفر. وبما رواه ابن حزم عن وكيع عن سفيان عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال كانوا يصلون على رحالهم ودوابهم حيثا توجهت. قال وهذه حكاية عن الصحابة والتابعين عمومًا في الحضر والسفر اهـ وهو مبني على عدم حمل المطلق على المقيد. لكن الجهور يقولون بحمل الروايات المطلقة على المقيدة بالسفر (وظاهر الحديث) أن جواز التنفل على الراحلة إلى الجهة التى قصدها مختص بالراكب. وإليه ذهب أبو حنيفة وأحمد والظاهرية. وقال الشافعي والأوزاعي يجوز التنفل إلى الجهة التي يقصدها للراجل قياسًا على الراكب. بجامع التيسير للمتطوع إلا أنه قيل لا يعفى له عدم الاستقبال في الركوع والسجود وعدم إتمامهما وأنه لا يمشى إلا في قيامه وتشهده. وهل يمشى حال الاعتدال من الركوع؟ قولان. ولا يمشي في الاعتدال بين السجدتين (وفي الحديث) دليل للجمهور ومنهم مالك وأحمد والشافعي القائلين بجواز الوتر على الراحلة في

تطوع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الراحلة

السفر (وقالت) الحنفية لا يجوز الوتر على الراحله لوجوبه عندهم بأحاديث يأتي بيانها في بابه إن شاء الله تعالى فلا يجوز على الدابة كالفرض إلا لعذر كما يأتي بيانه. واستدلوا أيضًا بما رواه الطحاوي بسنده إلى حنظلة بن أبي سفيان عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان يصلي على راحلته ويوتر بالأرض ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كذلك كان يفعل. وبما رواه أيضًا بسنده عن مجاهد أن ابن عمر كان يصلي في السفر على بعيره أينما توجه به فإذا كان في السحر نزل فأوتر. وبما أخرجه أحمد في مسنده من حديث سعيد بن جبير أن ابن عمر كان يصلي على راحلته تطوّعًا فإذا أراد أن يوتر نزل فأوتر على الأرض (وأجابوا) عن حديث الباب بأن ابن عمر كان لا يرى وجوب الوتر فكان عنده كسائر التطوعات يجوز فعله على الدابة وعلى الأرض "وعن إيتاره" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الدابة بأن ذلك كان قبل إحكام أمر الوتر وتأكيده فلما أحكم وأكد أمره كان يصليه على الأرض أو أن إيتاره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الدابة كان من خصوصياته. لكن ما استدلوا به من الروايات لا يستلزم عدم جواز الوتر على الدابة. وما أجابوا به عن حديث الباب من أن صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الوتر على الدابة كان قبل إحكام الوتر وتأكد أمره الخ تفرقة لم يدل عليها دليل صريح. وبأن الأصل عدم الخصوصية لا سيما وأن ابن عمر كان يوتر على الدابة وأنكر على من كان يوتر على الأرض "فقد" روى البيهقي من طريق مالك عن أبي بكر ابن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن سعيد بن يسار أنه قال كنت مع ابن عمر بطريق مكة فلما خشيت الصبح نزلت فأوترت فقال ابن عمر أليس لك في رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم أسوة حسنة قال بلى قال فإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يوتر على البعير. ورواه البخاري ومسلم أيضًا. وأخرج البيهقي بسنده إلى جرير ابن حازم قال قلت لنافع أكان ابن عمر يوتر على الراحلة قال وهل للوتر فضيلة على سائر التطوع إي والله لقد كان يوتر عليها (فالراجح) جواز الوتر على الدابة (وفي الحديث دليل أيضًا) على أن المكتوبة لا تكون إلى غير القبلة ولا على الدابة وهو مجمع عليه إلا حال العذر كما سيأتي بيانه في الباب الآتي (والحديث) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا رِبْعِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَارُودِ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي الْجَارُودُ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا سَافَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجَّهَهُ رِكَابُهُ.

(ش) (رجال الحديث) (ربعي بن عبد الله بن الجارود) بن أبى سبرة الهذلي البصري. روى عن جده وسيف بن وهب وعمرو بن أبي الحجاج. وعنه خالد بن الحارث ويزيد بن هارون وعبد الله بن رجاء وأبو سلمة ومسدد بن مسرهد. قال أبو حاتم وابن معين صالح الحديث وقال النسائي والدارقطني لا بأس به. روى له أبو داود والبخاري في الأدب. و(الجارود بن أبي سبرة) ابن سلمة الهذلي البصري أبو نوفل. روى عن طلحة بن عبيد الله وأبىّ بن كعب وأنس ومعاوية. وعنه ربعىّ بن عبد الله وقتادة وثابت. وثقه الدارقطني وقال أبو حاتم صالح الحديث روى له أبو داود (معنى الحديث) (قوله فأراد أن يتطوع) أي يصلي النافلة راكبًا والدابة سائرة (قوله فكبر) أي للإحرام عقب الاستقبال وبه أخذ الشافعي وابن حبيب من المالكية اشتراط التوجه إلى القبلة عند التحريمة إذا كانت الدابة سهلة وزمامها بيده. لكن مجرد فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يدل على الاشتراط حال التوجه لجواز حمله على الأولوية (قوله ثم صلى) أي تمم صلاته. وثم هنا للتراخي في الرتبة فإن الاهتمام بالتكبير أشد لكونه مقارنًا للنية ولذا خص بالتوجه إلى القبلة (قوله حيث وجهه ركابه) أي حيث سار به مركوبه فركابه مرفوع على الفاعلية (والحديث) يدل كسابقه على جواز التنفل للمسافر على الراحلة وعلى مشروعية استقبال القبلة حال تكبيرة الإحرام فقط (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والبيهقي والدارقطني والنسائي من طريق يحيى بن سعيد عن أنس وقال الصواب أنه موقوف وأخرج الشيخان نحوه (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى خَيْبَرَ. (ش) (رجال الحديث) (سعيد بن يسار) المدني مولى ميمونة وقيل مولى بني النجار روى عن أبي هريرة وعائشة وابن عباس وابن عمر وزيد بن خالد الجهني. وعنه سهيل بن أبي صالح وسعيد المقبري ويحيى بن سعيد وابن عجلان وجماعة. وثقه النسائي وابن معين وأبو زرعة والعجلي وابن سعد وقال كان كثير الحديث وقال ابن عبد البر لا يختلفون في توثيقه. توفي سنة ست أوسبع عشرة ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله يصلي على حمار) ظاهره يشمل الفريضة غير أنه ثبت بالإجماع

جواز التنفل في السفر على الدابة مطلقا

المنع من صلاة الفرض على غير الأرض بغير عذر فوجب حمله على النافلة. قال النسائي عمرو ابن يحيى لا يتابع على قوله يصلي علي حمار وإنما هو على راحلته. وقال النووي في شرح مسلم قال الدارقطني وغيره هذا غلط من عمرو بن يحيى والمعروف من صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على راحلته أو على البعير. والصواب أن الصلاة على الحمار من فعل أنس كما ذكره الشيخان ولذا لم يذكر البخاري حديث عمرو اهـ وفي تغليط رواية عمرو نظر لأنه ثقة نقل شيئًا محتملًا فلعله صلى الله عليه وآله وسلم صلى راكبًا الحمار مرة والبعير مرة أو مرات. لكن قد يقال إنه شاذ لمخالفته رواية الجمهور في البعير والراحلة والشاذ مردود اهـ كلام النووي بتصرّف. ورواية الشيخين التي أشار إليها لفظها في البخاري من طريق أنس بن سيرين قال استقبلنا أنس بن مالك حين قدم من الشام فلقيناه بعين التمر فرأيته يصلي علي حمار ووجهه من ذا الجانب يعني عن يسار القبلة فقلت رأيتك تصلي لغير القبلة فقال لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعله لم أفعله (قوله وهو متوجه الخ) أي ذاهب وفي رواية مسلم موجه وهو بمعنى متوجه. وخيبر بلد في الشمال الشرقي من المدينة علي ثلاثة أيام منها والمدينة واقعة بين مكة وخيبر فالمستقبل خيبر مستدبر الكعبة. قيل أول من سكنها رجل إسراءيلي اسمه خيبر فسميت باسمه (فقه الحديث) دل الحديث علي جواز التنفل على الدابة مطلقًا ولو حمارًا، وعلى طهارة عرق الحمار لأن التحرز من عرقه متعذر مع ملامسته ولاسيما إذا طال زمن ركوبه (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مالك ومسلم والنسائي والبيهقي وكذا الدارقطني في غرائب مالك عن الزهري عن أنس قال رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو متوجه إلى خيبر على حمار يصلي يومئُ إيماء. وقال الحافظ في الفتح وقد روى السراج من طريق يحيى بن سعيد عن أنس أنه رأى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي على حمار وهو ذاهب إلى خيبر إسناده حسن اهـ وبهذا قوى الحديث وارتفع عنه الشذوذ الذي ذكره النووي (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ -قَالَ- بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي حَاجَةٍ قَالَ فَجِئْتُ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ مِنَ الرُّكُوعِ. (ش) (وكيع) بن الجراج تقدم بصفحة 32 من الجزء الأول. و (أبو الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس المكي (قوله فجئت الخ) عطف على محذوف أي ذهبت فيما أرسلني لقضائه

باب الفريضة على الراحلة من عذر

فجئت إليه والحال أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي إلى جهة المشرق وإيماؤه إلى السجود أخفض من إيمائه إلى الركوع (فقه الحديث) والحديث يدل على أن من صلى على الراحلة يومئُ بالركوع والسجود ولا يلزمه وضع الجبهة على السرج ويكون إيماؤه للسجود أخفض من إيمائه للركوع بما يتحقق به الفرق بينهما (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي وابن ماجه بلفظ أتم والترمذي وقال حسن صحيح والعمل على هذا عند عامة أهل العلم وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن جابر قال رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي النوافل على راحلته في كل وجه يومئُ ولكنه يخفض السجدتين من الركعتين. وأخرجه البخاري عن جابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي التطوع وهو راكب في غير القبلة. وفي رواية له كان يصلي على راحلته نحو المشرق فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة (باب الفريضة على الراحلة من عذر) أي بيان أنه هل تجوز صلاة الفريضة على الدابة لعذر. وفي نسخة العيني والمنذرى من غير عذر أي من غير عذر شديد وعليه يحمل قوله في الحديث لم يرخص لهن في ذلك في شدة (ص) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ هَلْ رُخِّصَ لِلنِّسَاءِ أَنْ يُصَلِّينَ عَلَى الدَّوَابِّ قَالَتْ لَمْ يُرَخَّصْ لَهُنَّ فِي ذَلِكَ فِي شِدَّةٍ وَلاَ رَخَاءٍ. قَالَ مُحَمَّدٌ هَذَا فِي الْمَكْتُوبَةِ. (ش) (رجال الحديث) (النعمان بن المنذر) هو أبو الوزير الغساني. روى عن عطاء ابن أبى رباح ومجاهد وطاوس والزهري وسالم بن عبد الله وغيرهم. وعنه محمد بن شعيب والهيثم ابن حميد ومحمد بن الوليد ويحيى بن حمزة وجماعة. وثقه أبو زرعة ودحيم وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو داود كان داعية إلى القدر وقال النسائي ليس بذاك القوى. روى له أبو داود والنسائي مات سنة اثنتين ومائة (معنى الحديث) (قوله هل رخص للنساء الخ) بالبناء للمفعول أي هل سهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم حال حياته للنساء أن يصلين المكتوبة على الراحلة في السفر فقالت عائشة لم يرخص لهن في الصلاة على الدواب في حالة العسر واليسر فالمراد بالشدة العذر الذى لا حرج معه في الصلاة على الأرض. أما العذر الشديد فيجوز من أجله أداء الفريضة على الراحلة للنساء بل وللرجال لما رواه

مذاهب العلماء في ذلك

البيهقي من طريق عمرو بن عثمان بن يعلى عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم انتهى إلى مضيق هو وأصحابه والسماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم وحضرت الصلاة فأمر المؤذن فأقام فتقدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على راحلته فصلى بهم يومئُ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع. قال البيهقي وفي إسناده ضعف اهـ والمراد بالسماء المطر وبالبلة الوحل. وأخرجه أحمد والنسائي والدارقطني والترمذي وقال حديث غريب تفرد به عمرو ابن الرماح وقد روى عنه غير واحد من أهل العلم. وروي عن أنس بن مالك أنه صلى في ماء وطين على دابته. والعمل على هذا عند أهل العلم. وبه يقول أحمد وإسحاق اهـ وقد روى الترمذي عن أحمد وإسحاق أنهما يقولان بجواز الفريضة على الراحلة إذا لم يجد موضعًا يؤديها فيه نازلًا. وقد حكى النووي الإجماع على عدم جواز صلاة الفريضة على الدابة من غير ضرورة قال فإذا أمكنه استقبال القبلة والقيام والركوع والسجود على دابة واقفة عليها هودج أو نحوه جازت الفريضة علي الصحيح في مذهبنا فإن كانت سائرة لم تصح على الصحيح المنصوص للشافعي وقيل تصح كالسفينة فإنها تصح فيها الفريضة بالإجماع. ولو كان في ركب وخاف لو نزل للفريضة انقطع عنهم ولحقه الضرر قال أصحابنا يصلي الفريضة على الدابة بحسب الإمكان وتلزمه إعادتها لأنه عذر نادر اهـ (وقالت الحنفية) لا يحوز الفرض على الدابة إلا لضرورة كتعذر النزول لخوف مرض أو زيادته وخوف عدو وسبع ونفار دابة وكثرة طين ووحل وفوات رفقة فيجوز أن يصلي على الراحلة بإيماء للسجود أخفض من الركوع وقبلته حيث توجهت دابته ولا يضره نجاسة السرج والركابين والدابة. ومثل الفرض في ذلك صلاة الجنازة والواجب كقضاء نفل أفسده ومنذورة والوتر عند أبى حنفية وسجدة التلاوة إذا وجبت علي الأرض فلا تجوز على الدابة لغير ضرورة لأنها وجبت كاملة فلا تتأدى بما هو ناقص (وقالت المالكية) لا يصح فرض على الدابة ولو كان مستقبل القبلة إلا في حرب جائز لا يمكن النزول فيه عن الدابة أو خوف من نحو سبع إن نزل عن دابته. ويعيد الخائف في الوقت إن أمن. أو كان راكبًا في طين رقيق لا يمكنه النزول فيه فله أن يصلي على الدابة إيماء سواء أكان مسافرًا أم حاضرًا أم كان به مرض لا يطيق النزول معه وأمكنه أن يؤديها على الدابة كما يؤديها على الأرض فإن أمكنه أن يؤديها على الأرض أكمل من تأديتها على الدابة وجب عليه أن يؤديها على الأرض. ويجب عليه استقبال القبلة في هذه الأحوال كلها متى أمكنه ذلك وإلا صلى حيثما اتجه (قوله قال محمد الخ) أي قال محمد بن شعيب حديث عائشة إنما هو في الفرائض أما النوافل فيجوز لهن صلاتها على الدابة في السفر مطلقًا كالرجال بل هن أولى (والحديث) أخرجه البيهقي وكذا الدارقطني وقال تفرد به النعمان بن المنذر عن سليمان بن موسى عن عطاء

باب متى يتم المسافر

(باب متى يتم السفر) أي في بيان الوقت الذي يتم المسافر فيه الصلاة (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ ح وَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ -وَهَذَا لَفْظُهُ- أَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَشَهِدْتُ مَعَهُ الْفَتْحَ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لاَ يُصَلِّي إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ وَيَقُولُ "يَا أَهْلَ الْبَلَدِ صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ". (ش) (حماد) بن سلمة تقدم بصفحة 26 من الجزء الأول. و (ابن علية) هو إسماعيل تقدم بصفحة 264 من الجزء الثاني. و (أبو نضرة) هو المنذر بن مالك العبدي تقدم في الجزء الثالث صفحة 272 (قوله فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة) يعني بأيامها. وقد اختلفت الأحاديث في مدة إقامته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في مكة عام الفتح فذكر في أحاديث الباب خمسة عشر وسبعة عشر وثمانية عشر وتسعة عشر. وروى عبد بن حميد في مسنده عن ابن عباس عشرين. قال البيهقي أصح الروايات تسعة عشر. وجمع إمام الحرمين والبيهقي بين هذه الروايات بأن من قال تسعة عشر عدّ يومي الدخول والخروج ومن قال سبعة عشر حذفهما. ومن قال ثمانية عشر عدّ أحدهما. ومن قال خمسة عشر ظن أن الأصل سبعة عشر فحذف يومي الدخول والخروج. أما رواية عشرين وإن كانت صحيحة الإسناد فهي شاذة لمخالفة الثقة فيها الجماعة. ورواية تسعة عشر أرجح لكثرتها (قوله لا يصلي إلا ركعتين) يعني يقصر الفرض الرباعي (قوله صلوا أربعًا الخ) يعني أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر. بفتح فسكون أي مسافرون (وفي الحديث) دليل على أن من أقام ببلد ينتظر قضاء حاجة يقصر الصلاة إلى ثمانية عشر يومًا وبه قالت الشافعية في المشهور عنهم (وقال) أبو حنيفة ومالك وأحمد والشافعي في رواية عنه يقصر أبدًا مدة انتظاره تلك الحاجة لأن الأصل السفر. ولحديث الباب. واستدلوا أيضًا بما أخرجه البيهقي بسند صحيح أن ابن عمر أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة. وبحديث جابر قال أقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتبوك عشرين يومًا يقصر الصلاة رواه أحمد وابن حبان والبيهقي وسيأتي للمصنف في الباب الآتي وصححه ابن حزم والنووي وأعله الدارقطني في العلل بالإرسال والانقطاع ووجه الاستدلال به وبحديث الباب أنهما يفيدان أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قصر مدة إقامته ولا دليل على التمام فيما بعد تلك المدة. ويؤيد ذلك حديث ابن عباس أنه صلى الله

اقتداء المقيم بالمسافر

عليه وعلى آله وسلم أقام بحنين أربعين يومًا يقصر الصلاة أخرجه البيهقي وقال تفرد به الحسن ابن عمارة وهو غير محتج به. وقال الهادي والقاسم من لم يعزم على إقامة مدة معلومة يقصر إلى شهر ويتم بعده. واستدلا بقول عليّ عليه السلام يتم الذي يقيم عشرًا والذي يقول اليوم أخرج، غدًا أخرج يقصر شهرًا (قال في النيل) والحق أن الأصل في المقيم الإتمام لأن القصر لم يشرعه الشارع إلا للمسافر. والمقيم غير مسافر فلولا ما ثبت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من قصره بمكة وتبوك مع الإقامة لكان المتعين هو الإتمام فلا ينتقل عن ذلك الأصل إلا بدليل وقد دلّ الدليل على القصر مع التردد إلى عشرين يومًا كما في حديث جابر. ولم يصح أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قصر في الإقامة أكثر من ذلك فيقتصر على هذا المقدار. ولا شك أن قصره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في تلك المدة لا ينفي القصر فيما زاد عليها ولكن ملاحظة الأصل المذكور هي القاضية بذلك "فإن قيل" المعتبر صدق اسم المسافر على المقيم المتردد وقد قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "إنا قوم سفر" فصدق عليه هذا الاسم ومن صدق عليه هذا الاسم قصر لأن المعتبر هو السفر لانضباطه لا المشقة لعدم انضباطها "فيجاب عنه" أولًا بأن في الحديث المقال المتقدم. وثانيا بأنه يعلم بالضرورة أن المقيم المتردد غير مسافر حال الإقامة فإطلاق اسم المسافر عليه مجاز باعتبار ما كان عليه أو ما سيكون عليه اهـ (وفي الحديث) دليل على صحة اقتداء المقيم بالمسافر من غير كراهة خلافًا لمن زعمها فإذا سلم الإِمام أتم المقيم صلاته. ويطلب من الإِمام أن يخبرهم بحاله اقتداء بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي والترمذي وحسنه والطبراني وابن أبي شيبة في مصنفه وإسحاق بن راهويه والبزار. وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. قال الحافظ في التلخيص إنما حسن الترمذي حديثه لشواهده ولم يعتبر الاختلاف في المدة كما عرف من عادة المحدثين من اعتبارهم الاتفاق على الأسانيد دون السياق اهـ وأخرجه أبوداود الطيالسي والبيهقي عن عمران في حصين قال ما سافرت مع رسول الله صلي الله عليه وعلي آله وسلم سفرًا قط إلا صلى ركعتين حتى يرجع وشهدت معه حنينًا والطائف فكان يصلي ركعتين ثم حججت معه واعتمرت فصلى ركعتين ثم قال يأهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر ثم حججت مع عمر واعتمرت فصلى ركعتين ثم قال أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر ثم حججت مع عثمان واعتمرت فصلي ركعتين ثم إن عثمان أتمّ بمنى اهـ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ -الْمَعْنَى وَاحِدٌ- قَالاَ نَا حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَقَامَ سَبْعَ

عَشْرَةَ بِمَكَّةَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَنْ أَقَامَ سَبْعَ عَشْرَةَ قَصَرَ وَمَنْ أَقَامَ أَكْثَرَ أَتَمَّ. (ش) (حفص) بن غياث تقدم في الجزء الثاني صفحة 145. و (عاصم) بن سليمان الأحوال تقدم في الأول صفحة 274 (قوله أقام سبع عشرة بمكة) وفي رواية البخاري من هذا الطريق تسعة عشر وكذا رواه ابن المنذر من طريق عبد الرحمن الأصبهاني عن عكرمة (والحديث) يدل كسابقه على أن المسافر سفر قصر إذا أقام في جهة ينتظر قضاء حاجة غير عازم على إقامة أيام معلومة يقصر ما دام على هذا الحال (قوله قال ابن عباس ومن أقام الخ) يعني أن المدة التى لا تقطع السفر لو نوى المسافر إقامتها سبعة عشر يوما فأقل. فإن نوى إقامة أكثر منها أتم. وبه قال الشافعي في بعض الروايات عنه فيمن أقام متوقعا قضاء حاجة ولم ينو الإقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج فإن نواها أتم. وفي رواية عن ابن عباس أن المسافر إذا نوى إقامة خمسة عشر يومًا أتم الصلاة كما أخرجه الطحاوي عنه وكذا عن ابن عمر قالا إذا قدمت بلدة وأنت مسافر وفي نفسك أن تقيم خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة بها وإن كنت لا تدرى متى تظعن فاقصرها (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه ابن حبان والبيهقي. قال النووي إسناده على شرط البخاري (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَقَامَ تِسْعَ عَشْرَةَ. (ش) أشار به إلى رواية أخرى لحديث ابن عباس وقد وصلها البيهقي من طريق عبد الوارث قال حدثنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال أقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم زمن الفتح تسع عشرة ليلة يصلي ركعتين ركعتين اهـ وقوله تسع عشرة بتقديم التاء على السين وهو هكذا في رواية البخاري والترمذي وابن ماجه وهي أصح بخلاف الرواية السابقة فإنها بتقديم السين على الباء (ص) حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ خَمْسَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ. (ش) (النفيلي) عبدالله بن محمد تقدم في الجزء الأول صفحة 43 (قوله خمس عشرة الخ) هذه الرواية ضعفها النووي في الخلاصة. وردّ بأن رواتها ثقات ولم ينفرد بها ابن إسحاق فقد

أخرجها النسائي من رواية عراك بن مالك عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقام بمكة خمس عشرة يصلي ركعتين ركعتين. وأخرجها ابن ماجه والبيهقي، وإذا ثبت صحتها فتحمل على ما تقدم من أن الراوي ظن أن الأصل رواية سبع عشرة فحذف منها يومي الدخول والخروج (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَأَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ وَسَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ. (ش) أي روى حديث ابن عباس عبدة ومن معه عن محمد بن إسحاق مرسلًا بعدم ذكر ابن عباس لا كما رواه محمد بن سلمة مسندًا. والغرض منه بيان أنه قد اختلف على محمد بن إسحاق في هذا الحديث فرواه عنه محمد بن سلمة مسندًا بذكر ابن عباس. ورواه عنه مرسلًا عبدة بن سليمان ومن معه وعليه أكثر الرواة وصححه البيهقي وقال الاتصال غير محفوظ. ولم نقف على من وصل هذه التعاليق وذكرها البيهقي معلقة وقال ورواه عراك بن مالك عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مرسلًا وروى بسنده إلى عبد الله بن إدريس عن ابن إسحاق قال وحدثني محمد بن مسلم ثم أقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمكة خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة حتى سار إلى حنين. هذا هو الصحيح مرسل. وأخرج بسنده إلى أبى سعيد الأشج قال ثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال أقام النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عام الفتح فتح مكة خمس عشرة يقصر الصلاة حتى سار إلى حنين كذا رواه. ولا أراه محفوظا اهـ (ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنِي أَبِي نَا شَرِيكٌ عَنِ ابْنِ الأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَقَامَ بِمَكَّةَ سَبْعَ عَشْرَةَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. (ش) (رجال الحديث) (قوله أخبرني أبي) هو علي بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي أبو الحسن الكبير. روى عن عبد العزيز بن أبي روّاد وهشام الدستوائي وشعبة وابن المبارك وكثيرين. وعنه ابنه نصر ووكيع وأبو نعيم. وثقه ابن معين والنسائي وقال أبو حاتم ثقة صدوق وقال صالح بن محمد صدوق. توفى سنة سبع وثمانين ومائة. روى له الجماعة. و (ابن الأصبهاني) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن الأصبهاني الكوفي الجهني. روى عن أنس وأبى حازم الأشجعي وعكرمة وأبى صالح السمان والشعبي وآخرين. وعنه ابن أخيه محمد بن سليمان وإسماعيل بن

مدة إقامة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمكة وضواحيها في حجة الوداع

أبى خالد وشعبة والثوري وشريك بن عبد الله وجماعة. وثقه النسائي وابن معين وأبو زرعة والعجلي وقال أبو حاتم لا بأس به صالح. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله أقام بمكة الخ) يعني أقام بها عام الفتح كما صرح به في بعض الروايات السابقة يصلي الرباعية ركعتين وهو المراد بقوله في الرواية السابقة يقصر الصلاة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ -الْمَعْنَى- قَالاَ نَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَقُلْنَا هَلْ أَقَمْتُمْ بِهَا شَيْئًا قَالَ أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا. (ش) (رجال الحديث) (يحيى بن أبي إسحاق) الحضرمي مولاهم البصري النحوي روى عن أنس وسالم بن عبد الله وسليمان الأغرّ وسلمان بن يسار وآخرين. وعنه ابن سيرين والثوري ووهيب بن خالد وابن علية وبشر بن المفضل وطائفة. وثقه النسائي وقال أبو حاتم لا بأس به وقال ابن سعد ثقة وله أحاديث وكان صاحب قرآن وعلم بالعربية وقال أحمد في حديثه نكارة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله خرجنا مع رسول الله الخ) يعني لحجة الوداع كما في رواية شعبة عن يحيى بن أبي إسحاق عند مسلم (قوله قال أقمنا بها عشرًا) وفي نسخة أقمنا عشرًا يعني عشرًا من الليالي أو من الأيام. وحذفت التاء من العشر لأن المعدود إذا حذف جاز في العدد التذكير والتأنيث. والمراد أقام بمكة وما حواليها لا في مكة فقط. إذ كان ذلك في حجة الوداع كما ذكر. فإنه قدم مكة في الرابع من ذي الحجة وأقام بها إلى الثامن وخرج فيه إلى منى وذهب إلى عرفات في التاسع وعاد إلى منى في العاشر ونفر منها في الثالث عشر إلى مكة وخرج منها إلى المدينة في الرابع عشر. وأطلق على ذلك الإقامة بمكة لأن هذه مواضع النسك وهي في حكم التابع لمكة لأن مكة المقصودة بالأصالة (قال البيهقي) إنما أراد أنس ابن مالك بقوله فأقمنا بها عشرًا أي بمكة ومنى وعرفات وذلك لأن الأخبار الثابتة تدل على أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قدم مكة في حجته لأربع خلون من ذى الحجة فأقام بها ثلاثًا يقصر ولم يحسب اليوم الذي قدم فيه مكة لأنه كان فيه سائرًا ولا يوم التروية لأنه خارج فيه إلى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح فلما طلعت الشمس

المذاهب في مدة الإقامة التي لا تقطع السفر

سار منها إلى عرفات ثم دفع منها حين غربت الشمس حتى أتى المزدلفة فبات بها ليلتئذ حتى أصبح ثم دفع منها حتى أتى منى فقضى بها نسكه تم أفاض إلى مكة فقضى بها طوافه ثم رجع إلى مني فأقام بها ثلاثًا يقصر ثم نفر منها فنزل بالمحصب فأذن في أصحابه بالرحيل وخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح ثم خرج إلى المدينة فلم يقم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في موضع واحد أربعًا يقصر اهـ وحديث أنس لا ينافي الروايات السابقة لأنها كانت في فتح مكة وهو كان في حجة الوداع (وبالحديث) احتج الشافعي على أن المسافر إذا نوى إقامة أقل من أربعة أيام سوى يومي الدخول والخروج قصر الصلاة. وبه قال أبو ثور وابن المسيب وهو رواية عن أحمد. أما إذا نوى إقامة أربعة أيام فأكثر غير يومي الدخول والخروج فإنه يتم مستدلين بما رواه مالك عن عطاء الخراساني أنه سمع سعيد بن المسيب. قال من أجمع على إقامة أربع ليال وهو مسافر أتم الصلاة قال مالك وذلك أحب ما سمعت إلي وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم عندنا. وبما رواه البخاري ومسلم والبيهقي من حديث السائب بن يزيد أنه سمع العلاء بن الحضرمي يقول قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمكث المهاجر بعد قضاء نسكة ثلاثًا. وبما رواه مالك والبيهقي عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر ضرب لليهود والنصارى والمجوس بالمدينة إقامة ثلاث ليال يتسوّقون بها ويقضون حوائجهم ولا يقيم أحد منهم فوق ثلاث ليال. ووجه الدلالة أنه جعل الثلاثة في حكم المسافر وما زاد في حكم الإقامة. وبه قالت المالكية إلا أنهم لم يستثنوا يومي الدخول والخروج بل المعتبر عنهم نية إقامة أربعة أيام صحاح. واعتبر سحنون عشرين صلاة ولو من أيام ملفقة (وقال) ابن عمر وأبو حنيفة والثوري والمزني والليث بن سعد إن نوى إقامة خمسة عشر يومًا أتم وإن نوى أقل قصر. مستدلين بما أخرجه الطحاوي عن ابن عباس وابن عمر كما تقدم. وبما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناده عن مجاهد أن ابن عمر كان إذا أجمع إقامة خمسة عشر يومًا أتم الصلاة. وبما أخرجه محمد بن الحسن بإسناد عن ابن عمر قال إذا كنت مسافرًا فوطنت نفسك على إقامة خمسة عشر يومًا فأتمم الصلاة وإن كنت لا تدرى فاقصر (وقال) الأوزاعي وعبد الله بن عبد الله بن عتبة وابن عمر في رواية عنه إذا نوى إقامة اثنى عشر يومًا أتم (وقال) الحسن بن صالح إذا عزم على إقامة عشرة أيام أتم الصلاة (وروى) عن أنس وإسحاق بن راهويه أنه يقصر أبدًا حتى يدخل وطنه أو بلدًا له فيه أهل أو مال. وروى ذلك عن ابن عمر أيضًا. وقال ربيعة إن نوى إقامة يوم وليلة أتم (وقال) أحمد إذا عزم المسافر على أن يقيم اثنتين وعشرين صلاة أو أكثر يتم وإن نوى أقل من ذلك قصر. وهو قريب من قول مالك والشافعي إلا أنه رأى التحديد بالصلوات أحوط. واحتج بحديث ابن عباس وجابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله

وسلم قدم مكة صبيحة الرابع من ذي الحجة فأقام بها الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى الصبح في اليوم الثامن ثم خرج إلى منى. ذكره الشوكاني (قال الحافظ) في الفتح ولا شك أنه خرج من مكة صبح الرابع عشر فتكون مدة الإقامة بمكة وضواحيها عشرة أيام بلياليها كما قال أنس وتكون مدة إقامته بمكة أربعة أيام سواء لأنه خرج منها في اليوم الثامن فصلى الظهر بمنى اهـ فكانت صلاته بمكة إحدى وعشرين صلاة من أول صبح الرابع إلى آخر صبح الثامن (وقال) في الروضة الندية شرح الدرر البهية "وإذا عزم على إقامة أربع أتم بعدها" وجهه ما عرفناك من أن المقيم لا يعامل معاملة المسافر إلا على الحد الذى ثبت عن الشارع ويجب الاقتصار عليه. وقد ثبت عنه مع التردد ما قدمنا ذكره. وأما مع عدم التردد بل العزم على إقامة أيام معينة فالواجب الاقتصار على ما اقتصر عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مع عزمه على الإقامة في أيام الحج فإنه ثبت في الصحيحين أنه قدم مكة صبيحة رابعة من ذى الحجة فأقام بها الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى الصبح في اليوم الثامن ثم خرج إلى منى فلما أقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمكة أربعة أيام يقصر الصلاة مع كونه لا يفعل ذلك إلا عازمًا على الإقامة إلى أن يعمل أعمال الحج كان ذلك دليلًا على أن العازم على إقامة مدة معينه يقصر إلى تمام أربعة أيام ثم يتم وليس ذلك لأجل كون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لو أقام زيادة على الأربع لأتم فإنا لا نعلم ذلك ولكن وجهه ما قدمنا من أن المقيم العازم على إقامة مدة معينة لا يقصر إلا بإذن كما أن المتردد كذلك. ولم يأت الإذن بزيادة على ذلك ولا ثبت عن الشارع غيره اهـ (وقال في النيل) والحق أن من حط رحله ببلد ونوى الإقامة بها أيامًا من دون تردد لا يقال له مسافر فيتم الصلاة ولا يقصر إلا لدليل. ولا دليل ها هنا إلا ما في حديث الباب من إقامته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمكة أربعة أيام يقصر الصلاة. والاستدلال به متوقف على ثبوت أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم عزم على إقامة أربعة أيام إلا أن يقال إن تمام أعمال الحج في مكة لا يكون في دون الأربع فكان كل من يحج عازمًا على ذلك فيقتصر على هذا المقدار ويكون الظاهر والأصل في حق من نوى إقامة أكثر من أربعة أيام هو الإتمام والإلزام أن يقصر الصلاة من نوى إقامة سنين متعددة. ولا قائل به. ولا يرد على هذا قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في إقامته بمكة في الفتح إنا قوم سفر لأنه كان إذ ذاك مترددًا ولم يعزم على إقامة مدة معينة اهـ ببعض تصرّف (والحديث) أخرجه الشيخان والنسائي والترمذي وابن ماجه والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُثَنَّى -وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ الْمُثَنَّى- قَالاَ نَا أَبُو أُسَامَةَ -قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى- قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ

تأخير المغرب عن أول وقتها في السفر

جَدِّهِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ إِذَا سَافَرَ سَارَ بَعْدَ مَا تَغْرُبُ الشَّمْسُ حَتَّى تَكَادَ أَنْ تُظْلِمَ ثُمَّ يَنْزِلُ فَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ ثُمَّ يَدْعُو بِعَشَائِهِ فَيَتَعَشَّى ثُمَّ يُصَلِّي الْعِشَاءَ ثُمَّ يَرْتَحِلُ وَيَقُولُ هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُ. قَالَ عُثْمَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ (ش) هذا الحديث وإن كان ثابتًا في كل النسخ ليس مناسبا للترجمة "باب متى يتم المسافر" فلعل ذكره هنا تحريف من الناسخ. ولذا قال أبو على اللؤلؤي أحد تلاميذ المصنف ليس هذا الحديث في كتابي ولكن كان في الأصل موجودًا (رجال الحديث) (ابن المثنى) هو محمد تقدم في الجزء الأول صفحة 68. و (أبو أسامة) حماد بن أسامة تقدم فيه صفحة 152. و (عبد الله بن محمد) أبو محمد العلوي. روى عن أبيه وخالد بن أبى جعفر وعاصم بن عبيد الله وإسحاق بن سالم. وعنه ابنه عيسى وابن المبارك وابن أبى فديك وأبو أسامة وغيرها. قال ابن سعد كان قليل الحديث وقال في التقريب مقبول من السادسة. روى له أبو داود والنسائي (قوله عن أبيه) هو محمد بن عمر بن علي ابن أبى طالب القرشي الهاشمي. روى عن جده مرسلًا وأبيه وعمه محمد بن الحنفية وعلى بن الحسين وكريب مولى ابن عباس وآخرين. وعنه أولاده عبد الله وعبيد الله وعمر وابن جريج وهشام ابن سعد. قال ابن القطان حاله مجهول وقال ابن سعد كان قليل الحديث وقال في التقريب مجهول من الثالثة وذكره ابن حبان في الثقات (قوله عن جده) هو عمر بن على بن أبى طالب الهاشمي روى عن أبيه. وعنه أولاده محمد وعبيد الله وعلي. وثقه العجلي وقال في التقريب ثقة من الثالثة روى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله حتى تكاد أن تظلم) أي تقرب السماء من أن تظلم. وفي بعض النسخ حتى يكاد أن يظلم بالمثناة التحتية فيهما أي يقرب الليل من أن يظلم وجه الأرض (قوله فيصلي المغرب) أي قبل مغيب الشفق على الظاهر من قوله تكاد أن تظلم (قوله ثم يدعو بعشائه) بفتح العين المهملة اسم لما يتناول بعد الزوال من الطعام. والباء زائدة للتقوية (قوله ثم يصلي العشاء) أي في أول وقتها (قوله قال عثمان عن عبد الله الخ) أي قال عثمان بن أبي شيبة في روايته ثنا أبو أسامة عن عبد الله بن محمد الخ بالعنعنة. أما ابن المثنى فقال حدثنا أبو أسامة أخبرني عبد الله الخ بالإخبار

باب إذا أقام بأرض العدو يقصر

(ص) قال أَبُو عَلِيٍّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَنَسًا كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ وَيَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُ ذَلِكَ (ش) غرض المصنف بهذا وما بعده ترجيح رواية أنس التي تدل بظاهرها على أن الجمع حقيقي على رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه التي تفيد أن الجمع بين المغرب والعشاء صوري ولقائل أن يقول ليس في حديث أنس ما يدل على الجمع الحقيقي لاحتمال أن يراد بالشفق الشفق الأحمر. ولم نقف علي من وصل هذا التعليق (قوله قال أبو علي الخ) وفي نسخة سمعت أبا داود. وهو من كلام أبي علي اللؤلؤي. و (حفص بن عبيد الله) روى عن جده وجابر وأبي هريرة وابن عمر. وعنه يحيى بن سعيد ويحيى بن أبي كثير وابن إسحاق وموسى بن ربيعة. قال أبو حاتم لا يثبت له السماع إلا من جده وذكره ابن حبان في الثقات. روى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِثْلُهُ. (شَ) أي مثل رواية حفص بن عبيد الله في أن الجمع بين المغرب والعشاء كات بعد مغيب الشفق وقد تقدم في حديث أنس في باب الجمع بين الصلاتين أن رواية الزهري عن أنس أخرجها مسلم بلفظ إذا عجل عليه السفر أخر الظهر إلى أول وقت العصر فيجمع بينهما ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق (باب إذا أقام بأرض العدو يقصر) أي إذا نوى الجيش الإقامة بأرض العدوّ يقصرون الصلاة لأن دار الحرب ليست دار مكث وإقامة فحالهم يخالف عزمهم لأنهم بين أن ينتصروا فيقرّوا أو يهزموا فيفرّوا (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلاَةَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ غَيْرُ مَعْمَرٍ لاَ يُسْنِدُهُ.

باب صلاة الخوف دليلها

(ش) (رجال الحديث) (عبد الرزاق) بن همام تقدم في الجزء الأول صفحة 106 وكذا (معمر) بن راشد صفحة 107. و (محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان) القرشيّ العامري مولاهم أبو عبد الله المدني. روى عن أبي سعيد وأبى هريرة وجابر وابن عباس وابن عمر وطائفة وعنه أخوه سليمان ويحيى بن أبي كثير ويزيد بن عبد الله والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وآخرون. وثقه النسائي وأبو زرعة وابن سعد وقال كان كثير الحديث وقال أبو حاتم من التابعين لا يسأل عن مثله (معنى الحديث) (قوله أقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بتبوك الخ) وفي رواية البيهقي عى جابر قال غزوت مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم غزوة تبوك فأقام بها بضع عشرة فلم يزد على ركعتين حتى رجع قال البيهقي ولا أراه محفوظًا (والحديث) من أدلة من قال إن المسافر إذا أقام. بحهة ينتظر قضاء حاجة غير عازم على إقامة أيام معلومة يقصر الرباعية أبدًا. وبه قال الأئمة كما تقدم في حديث عمران بن حصين أول الباب السابق ولذا قال الترمذي أجمع أهل العلم على أن المسافر يقصر ما لم يجمع إقامة وإن أتى عليه سنون اهـ ومن هذا القبيل الغزاة المحاصرون للكفار أوللبغاة في دار الإِسلام. ومنه صاحب السفينة وعمالها لا يصيرون مقيمين بإقامتها إلا إن قربوا من مواطنهم (قوله غير معمر لا يسنده) يعني لم يرو هذا الحديث متصلًا إلا معمر بن راشد (من روى الحديث أيضًا) رواه ابن حبان والبيهقي وقال تفرد معمر بروايته مسندًا ورواه علي بن المبارك وغيره عن يحيى عن ابن ثوبان عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرسلًا. وروى عن الأوزاعي عن يحيى عن أنس وقال بضع عشرة ولا أراه محفوظًا. وأعله الدارقطني في العلل بالإرسال والانقطاع. وقال النووي في الخلاصة هو حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولا يقدح فيه تفرد معمر فإنه ثقة حافظ فروايته مقبوله اهـ وصححه ابن حزم (باب صلاة الخوف) أي في بيان كيفيات صلاة الخوف. وفي بعض النسخ أبواب صلاة الخوف وما فيها من الاختلاف. واعلم أن صلاة الخوف صلاها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علي هيئات مختلفة يتوخى في كل منها ما هو أحوط وأبلغ في الحراسة. وشرعت مع العمل الكثير لعارض الخوف. وهي ثابتة بالأحاديث الآتية وبقوله تعالى (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101) وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ

كيفية صلاة الخوف والعدو في جهة القبلة

وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ ... الآية). وليست صلاة الخوف خاصة بزمن وجود النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم فقد صلاها الصحابة بعده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من غير نكير. هذا ولم يعن أحد من أصحاب كتب الحديث بتفصيل صورها المروية عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غير المصنف ذكر لها بحسب الظاهر إحدى عشرة صورة وقد تبلغ أكثر من ذلك وربما دخل بعضها في بعض على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. والمختار أنها كلها جائزة بحسب مواطنها. وكل أمام من الأئمة اختار صورة فجعلت مذهبا له (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ مَنْ رَأَى أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ وَهُمْ صَفَّانِ فَيُكَبِّرُ بِهِمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَرْكَعُ بِهِمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَسْجُدُ الإِمَامُ وَالصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ وَالآخَرُونَ قِيَامٌ يَحْرُسُونَهُمْ فَإِذَا قَامُوا سَجَدَ الآخَرُونَ الَّذِينَ كَانُوا خَلْفَهُمْ ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ إِلَى مَقَامِ الآخَرِينَ وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الأَخِيرُ إِلَى مَقَامِهِمْ ثُمَّ يَرْكَعُ الإِمَامُ وَيَرْكَعُونَ جَمِيعًا ثُمَّ يَسْجُدُ وَيَسْجُدُ الصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ وَالآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ وَالصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ سَجَدَ الآخَرُونَ ثُمَّ جَلَسُوا جَمِيعًا ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ. (ش) الغرض من ذلك بيان كيفيها والعدو في جههّ القبلة "وحاصلها" أن يصفّ الإمام القوم صفين ثم يفتتح الصلاة فيحرم القوم كلهم خلفه ويركعون جميعًا إذا ركع ويرفعون إذا رفع فإذا سجد سجد معه الصف الذي يليه وبقي الصف الآخر قيامًا للحراسة وإذا قام الإمام ومن معه للركعة الثانية سجد الآخرون الذين كانوا قيامًا فإذا قام هؤلاء إلى الركعة الثانية تقدموا من كان الصف الأول وتأخر الصف الأول مكانهم فإذا ركع الإمام ركوع الثانية ركعوا معه جميعًا ثم يرفعون برفعه ثم يسجد معه الصف الذي يليه ويبقى الصف الآخر قيامًا يحرسونهم فإذا جلس الإِمام ومن معه للتشهد سجد الصف الآخر وجلس معه للتشهد أيضًا فإذا سلم سلموا جميعًا (وبهذه الكيفية) قال سفيان الثوري والشافعي وابن أبي ليلى وهي رواية عن مالك وأحمد. والأفضل عند الشافعي تقدم الصف الثاني وتأخر الأول كما في حديث أبى عياش الآتي. ويجوز بقاء كل صف في مكانه (ص) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ

كيف صلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة الخوف بعسفان

أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِعُسْفَانَ وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَصَلَّيْنَا الظُّهْرَ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لَقَدْ أَصَبْنَا غِرَّةً لَقَدْ أَصَبْنَا غَفْلَةً لَوْ كُنَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي الصَّلاَةِ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْقَصْرِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَلَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَالْمُشْرِكُونَ أَمَامَهُ فَصَفَّ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَفٌّ وَصَفَّ بَعْدَ ذَلِكَ الصَّفِّ صَفٌّ آخَرُ فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَرَكَعُوا جَمِيعًا ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ الصَّفُّ الَّذِينَ يَلُونَهُ وَقَامَ الآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ فَلَمَّا صَلَّى هَؤُلاَءِ السَّجْدَتَيْنِ وَقَامُوا سَجَدَ الآخَرُونَ الَّذِينَ كَانُوا خَلْفَهُمْ ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ إِلَى مَقَامِ الآخَرِينَ وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الأَخِيرُ إِلَى مَقَامِ الصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَرَكَعُوا جَمِيعًا ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ الصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ وَقَامَ الآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ فَلَمَّا جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَالصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ سَجَدَ الآخَرُونَ ثُمَّ جَلَسُوا جَمِيعًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا فَصَلاَّهَا بِعُسْفَانَ وَصَلاَّهَا يَوْمَ بَنِي سُلَيْمٍ. (ش) ساق المصنف هذا الحديث دليلًا على كيفية صلاة الخوف التي ذكرها قبل (رجال الحديث) (منصور) بن المعتمر تقدم في الجزء الأول صفحة 84. وكذا (مجاهد) بن جبر صفحة 58. و (أبو عياش) اسمه زيد بن الصامت وقيل ابن النعمان وقيل اسمه عبيد وقيل عبد الرحمن بن معاوية بن الصامت بن زيد بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا الحديث. وعنه مجاهد بن جبر وأبو صالح الزيات. شهد أحدًا وما بعدها. روى له أبو داود والنسائي. و (الزرقي) نسبة إلى زريق أحد أجداده

يكفي في مشروعية صلاة الخوف توقع هجوم العدو

(معنى الحديث) (قوله بعسفان) بضم العين وسكون السين المهملتين قرية بين مكة والمدينة على نحو ثلاثة مراحل من مكة وتسمى الآن بمدرج عثمان. وسميت عسفان لتعسف السيول فيها. وكانت صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بها في جمادى الأولى سنة ست من الهجرة بعد الخندق وبني قريظة (قوله وعلى المشركين خالد بن الوليد) يعني كان قائدهم خالد بن الوليد بن المغيرة قبل إسلامه والحديث صريح في هذا ولا يعارضه عدم ثبوت ذلك في كتب التاريخ. ولا تتوقف صلاة الخوف على حصول حرب بل يكفي فيها توقع هجوم العدو (قوله لقد أصبنا غرة الخ) بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء أي أدركنا من المسلمين غفلة في صلاِة الظهر. والمراد أن المسلمين كانوا غافلين عن حفظ مقامهم وما يخشى من مهاجمة العدو. وذكرهم لقد أصبنا غفلة بعد لقد أصبنا غرة إما للتأكيد فرحًا واستبشارًا باشتغال المسلين بصلاتهم وإما أن البعض منهم قال الأولى والبعض الآخر قال الثانية (قوله لو كنا حملنا عليهم الخ) أي ليتنا حملنا عليهم حال صلاتهم. فلو للتمني. ويحتمل أن تكون شرطية وجوابها محذوف أي لو حملنا عليهم في صلاتهم لظفرنا بهم (قوله فنزلت آية القصر) يعني بها آية صلاة الخوف لما في رواية النسائي فنزلت يعني صلاة الخوف. ولما في رواية البيهقي من قوله فنزلت هذه الآية (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ) وأطلق عليها في حديث الباب آية القصر لمجاورتها إياها. ويحتمل أن المراد بآية القصر قوله تعالى (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا). إلى قوله (عَذَابًا مُهِينًا) لأن الآيتين قد اشتملتا علي مشروعية القصر في صلاة الخوف وعلى كيفيتها فساقهما معا قال على رضي الله عنه نزل قوله إن خفتم بعد قوله أن تقصروا من الصلاة بسنة في غزوة بني أسد حين صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الظهر قال بعضهم هلا شددتم عليهم وقد أمكنوكم من ظهورهم وقالوا بعدها صلاة أحب إليهم من آبائهم وأولادهم فنزل إن خفتم إلى قوله عذابًا مهينًا لمشروعية صلاة الخوف (قوله فصف خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أي قام وراءه جماعة متراصون صفًا بعد صف وأحرموا جميعًا ولما أتم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم القراءة ركع وركعوا بعد أن كبر وكبروا جميعا كما في رواية مسلم (قوله فلما صلى هؤلاء السجدتين الخ) أي بعد أن فرغ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومن سجد معه من السجدتين سجد المتخلفون عن السجود للحراسة ولما قاموا للثانية تأخر الصف الذي كان خلف الإمام وتقدم الصف الذي كان متأخرًا عن السجود مع الإِمام في الركعة الأولى إلى من الصف الأول ليحرزوا فضيلة المصاحبة في سجود الركعة الثانية جبرًا لما فاتهم من المصاحبة في الركعة الأولى. وصريح رواية المصنف أن سجود الصف الأخير في الركعة الأولى كان قبل تبادل الصفوف وهكذا في رواية البيهقي ورواية للنسائي من طريق شعبة عن

ما قيل في غزوة بني سليم واحتمال تعددها

منصور. وفي رواية أحمد من طريق الثوري عن منصور. وهذا أرجح لاتفاق من ذكر عليه مما في رواية النسائي من طريق عبد العزيز بن عبد الصمد عن منصور عن مجاهد من أن سجود الصف الأخيركان بعد تبادل الصفوف. ولفظه ثم سجد الذين يلونه وتأخر هؤلاء الذين يلونه وتقدم الآخرون فسجدوا. لانفراد عبد العزيز بن عبد الصمد وإن كان أحفظ وأوعى من جرير ابن عبد الحميد في سند المصنف (قوله فلما جلس والصف الذي يليه) أي جلس النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والصف الذي خلفه للتشهد. فالصف مرفوع عطفًا على فاعل جلس أو مبتدأ والخبر محذوف أي كذلك. وهو أولى من النصب على أنه مفعول معه لما يلزم عليه من جعل الأشرف تابعًا لغيره ولإيهامه أنهم ساووه في بدء الجلوس وليس كذلك لأن مساواة المأموم الإمام في أفعال الصلاة مكروهة. والمراد بالذى يليه القريب منه (قوله ثم جلسوا جميعًا) أي جلس كل من الصفين للتشهد (قوله فصلاها بعسفان الخ) أي صلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة الخوف بهذه الكيفية مرتين مرة بعسفان ومرة بأرض بنى سليم. وكانت غزوة بنى سليم بعد بدر وقبل أحد بالكدر بضم الكاف وإسكان المهملة موضع على ثمانية برد من المدينة. وكان اللواء مع علي رضي الله تعالى عنه. واستخلف النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على المدينة ابن أم مكتوم وغنم فيها خمسمائة بعير فقسم أربعمائة على الغانمين فأصاب كل واحد بعيرين وأخذ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مائة كذا في بهجة المحافل "ومنه تعلم" أن ما في بعض كتب التاريخ من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج إلى بني سليم في ثلمائة رجل من أصحابه فوجدهم قد تفرقوا في مياههم ولم يلق كيدا اهـ "غير صحيح" والحديث صريح في أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى بها صلاة الخوف "ولا يعارضه" عدم ذكر أصحاب السير قصة صلاة الخوف فيها "لاحتمال" أن النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غزا في سليم مرتين مرة قبل أحد ولم يصل فيها صلاة الخوف ومرة بعد عسفان وصلى بها صلاة الخوف (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية صلاة الخوف بتلك الكيفية، وعلى أن أول مشروعيتها كان بعسفان، وعلى مزيد رأفة الله سبحانه وتعالى بهذه الأمة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم وكذا البيهقي من طريق المصنف. وأخرجه أيضًا من طريق يونس بن حبيب قال ثنا أبو داود الطيالسي ثنا ورقاء عن منصور عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي قال كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعسفان فحضرت الصلاة صلاة الظهر وعلى خيل المشركين خالد بن الوليد قال فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأصحابه الظهر قال فقال المشركون إن لهم صلاة

روايات تقوي حديث أبي عياش الزرقي

بعد هذه هي أحب إليهم من أبنائهم وأموالهم وأنفسهم يعنون صلاة العصر فنزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلي الله تعالى عليه وآله وسلم بين الظهر والعصر فأخبره ونزلت هذه الآية (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) الآية إلى آخرها فحضرت الصلاة فصف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صفين وعليهم السلاح فكبر والعدو بين يدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكبروا جميعًا وركعوا جميعًا ثم سجد رسول الله صلي الله تعالى عليه وآله وسلم والصف الذي يليه والآخرون قيامًا يحرسونه فلما فرغ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قام إلى الركعة الثانية وسجد الآخرون ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء وتأخر هؤلاء إلى مصاف هؤلاء فصلى بهم ركعة أخرى فركعوا جميعًا ثم سجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والصف الذي يليه والآخرون قيامًا يحرسونهم فلما فرغوا سجد هؤلاء ثم سلم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. قال أبو عياش فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذه الصلاة مرتين مرة بعسفان ومرة في أرض بني سليم اهـ وقال البيهقي هذا إسناد صحيح إلا أن بعضهم يشك في سماع مجاهد من أبي عياش ثم ذكر الحديث بإسناد جيد قال حدثنا أبو عياش قال وفي هذا تصريح بسماع مجاهد من أبى عياش. وأخرجه الدارقطني من طريق الثوري (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَى أَيُّوبُ وَهِشَامٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ هَذَا الْمَعْنَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- (ش) وفي أكثر النسخ رواه أيوب بإثبات الضمير. والأولى أولى أي روى أيوب السختياني وهشام بن عروة عن أبي الزبير محمد بن مسلم عن جابر بن عبد الله معنى حديث أبى عياش عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وغرض المصنف بذكر هذا التعليق وما بعده إلى آخر الباب تقوية حديث أبى عياش "ورواية أيوب" وصلها ابن ماجه بلفظ إنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى بأصحابه صلاة الخوف فركع بهم جميعًا ثم سجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والصف الذي يلونه والآخرون قيام حتى إذا نهض سجد أولئك بأنفسهم سجدتين ثم تأخر الصف المقدم حتى قاموا مقام أولئك وتخلل أولئك حتى قاموا مقام الصف المقدم فركع بهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جميعا ثم سجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والصف الذي يلونه فلما رفعوا رءوسهم سجد أولئك سجدتين وكلهم قد ركع مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وسجد طائفة بأنفسهم سجدتين وكان العدو مما يلي القبلة "ورواية هشام" وصلها البيهقي في المعرفة بلفظ فكبروا جميعًا وركعوا جميعًا ثم سجد الذين يلونه

والآخرون قيام فلما رفعوا رءوسهم سجد الآخرون ثم تقدم هؤلاء وتأخر هؤلاء فكبروا جميعا وركعوا جميعًا ثم سجد الذين يلونه والآخرون قيام فلما رفعوا رءوسهم سجد الآخرون قال البيهقي هذا إسناده صحيح (ص) وَكَذَلِكَ رَوَاهُ دَاوُدُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (ش) أي روى الحديث داود بن حصين أبو سليمان المدني عن عكرمة عن ابن عباس موقوفًا عليه مثل رواية أبى عياش الزرقي "وروايته" أخرجها النسائي من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن اين عباس قال ما كانت صلاة الخوف إلا سجدتين كصلاة حرّاسكم هؤلاء اليوم خلف أئمتكم هؤلاء إلا أنها كانت عقبًا. قامت طائفة منهم "أي حذاء العدو" وهم جميعًا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسجدت معه طائفة متهم ثم قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقاموا معه جميعًا ثم ركع وركعوا معه جميعًا ثم سجد فسجد معه الذين كانوا قيامًا أول مرة فلما جلس رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والذين سجدوا معه في آخر صلاتهم سجد الذين كانوا قيامًا لأنفسهم ثم جلسوا فجمعهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالتسليم. أخرجها البيهقي بأتم منه (ص) وَكَذَلِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ (ش) أي روى عبد الملك بن أبى سليمان عن عطاء بن أَبي رباح عن جابر بن عبد الله الحديث مرفوعًا مثل رواية جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد عن أبى عياش. وقد أخرجه النسائي والبيهقي ومسلم من طريق خالد قال حدثنا عبد الملك عن عطاء عن جابر قال شهدت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة الخوف فصفنا صفين "الحديث" (ص) وَكَذَلِكَ قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ حِطَّانَ عَنْ أَبِي مُوسَى فِعْلَهُ (ش) أي روى قتادة بن دعامة هذا الحديث عن الحسن البصري عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن أبى موسى عبد الله بن قيس الأشعري مثل رواية أبى عياش الزرقي من فعله. ولم نقف على هذا التعليق بهذا السند بل أخرج البيهقي وابن أبي شيبة من طريق قتادة عن أبى العالية قال صلى بنا أبو موسى الأشعري بأصبهان صلاة الخوف. وروى ابن أبى شيبة من طريق يونس ابن عبيد وابن جرير في تفسيره عن الحسن أن أبا موسى الأشعري صلى بأصحابه صلاة الخوف بأصبهان إذ غزاها قال فصلى بطائفة من القوم ركعة وطائفة تحرس فنكص هؤلاء الذين صلى بهم ركعة وخلفهم الآخرون فقاموا مقامهم فصلى بهم ركعة ثم سلم فقامت كل طائفة فصلت

باب من قال يقوم صف مع الإمام وصف وجاه العدو الخ وفيه كيفية لصلاة الخوف والعدو في غير جهة القبلة

ركعة اهـ وليس فيه ذكر حطان بين الحسن وأبي موسى. وسياقه صريح في أن العدو لم يكن جهة القبلة فهو مخالف لحديث أبى عياش (ص) وَكَذَلِكَ عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- (ش) لم نقف على من وصل هذا التعليق من طريق عكرمة بن خالد بل وصله ابن جرير الطبري من طريق ابن أبى نجيح عن مجاهد بن جبر قال قوم كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه بعسفان والمشركون بضجنان فتوافقوا فصلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأصحابه صلاة الظهر ركعتين ثم ساق الحديث مثل حديث أبى عياش الزرقي وهو حديث مرسل (ص) وَكَذَلِكَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ. (ش) لم نقف على من وصل هذا التعليق. وقوله وهو قول الثوري مكرر مع قوله في الترجمة هذا قول سفيان. وتقدم بيانه (باب من قال يقوم صف مع الإمام وصف وجاه العدو) (فَيُصَلِّي بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً ثُمَّ يَقُومُ قَائِمًا حَتَّى يُصَلِّيَ الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً أُخْرَى) (ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ فَيَصُفُّونَ وِجَاهَ الْعَدُوِّ وَتَجِئُ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً) (وَيَثْبُتُ جَالِسًا فَيُتِمُّونَ لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً أُخْرَى ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ جَمِيعًا.) (ش) الغرض منه بيان كيفية لصلاة الخوف والعدو في غير جهة القبلة (قوله ثم يقوم قائمًا) أي يستمر قائمًا (قوله فيصفوا الخ) بضم الصاد المهملة من باب نصر أي يصطفوا قبل العدو وتجئ الفرقة الأخرى التي كانت قبل العدو. والطائفة تطلق على القليل والكثير لكن كره الشافعي أن تكون في صلاة الخوف أقل من ثلاثة مستدلًا بقوله تعالى (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ) فأعاد على كل طائفة ضمير الجمع. وأقل الجمع ثلاثة على المشهور. وخالفه في ذلك غيره (قوله ثم يسلم بهم جميعًا) أي يسلم الإمام بالطائفتين. لكن حديث الباب لا يدل على ذلك (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ نَا أَبِي نَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى

بِأَصْحَابِهِ فِي خَوْفٍ فَجَعَلَهُمْ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ فَصَلَّى بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ خَلْفَهُمْ رَكْعَةً ثُمَّ تَقَدَّمُوا وَتَأَخَّرَ الَّذِينَ كَانُوا قُدَّامَهُمْ فَصَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَةً ثُمَّ قَعَدَ حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ تَخَلَّفُوا رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ. (ش) لا يظهر وجه مناسبة الحديث للترجمة إلا أن يقال معنى قوله فيه فجعلهم خلفه صفين أن الصف الأول كان خلفه حقيقة وأما الصف الثاني فكان وجاه العدو وعبر عنه بكونه خلف الإمام باعتبار ما يؤول إليه. يدل عليه ما في رواية أحمد عن سهل بن أبي حثمة قال يقوم الإمام وصف خلفه وصف بين يديه فيصلي بالذين خلفه ركعة وسجدتين ثم يقوم قائمًا حتى يصلوا ركعة أخرى ثم يتقدمون إلى مكان أصحابهم ثم يجئ أولئك فيقومون مقام هؤلاء فيصلي بهم ركعة وسجدتين ثم يقعد حتى يقضوا ركعة أخرى ثم يسلم عليهم (رجال الحديث) (قوله حدثنا أبي) هو معاذ بن معاذ تقدم في الجزء الأول صفحة 116 وكذا (شعبة) بن الحجاج بن الورد صفحة 32. و (صالح بن خوات) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الواو ابن جبر بن النعمان الأنصاري. روى عن أبيه وسهل بن أبى حثمة. وعنه ابنه خوات والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وعامر بن عبد الله ويزيد بن رومان. وثقه النسائي وابن حبان وقال في التقريب ثقة من الرابعة (معنى الحديث) (قوله صلى بأصحابه في خوف) أي في غزوة ذات الرقاع كما صرح به في رواية لمسلم ومالك في الموطأ وستأتي للمصنف (قوله فصلى بالذين يلونه ركعة) أي صلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالصف الذي يقرب منه. ولم يذكر في هذه الرواية أن الطائفة الأولى صلوا ركعة أخرى أم لا لكن سيأتي للمصنف في الباب الآتي أنهم أتموا لأنفسهم الركعة الباقية. والمصنف حمل حديث الباب على هذا حيث قال في الترجمة حتى يصلي الذين معه ركعة أخرى (قوله فلم يزل قائمًا) أي استمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قائمًا لتتمكن الطائفة الأولى من إتمام صلاتها وتدركه الطائفة الأخرى في قيام الركعة الثانية له (قوله حتى صلى الذين خلفهم ركعة الخ) هكذا بضمير الجمع في جميع نسخ أبى داود ورواية مسلم (وظاهره) أن الصف الأول صلى مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ركعة ثم ذهب إلى جهة العدو وصلى الصف الثاني ركعة لأنفسهم ثم تقدموا وصلوا الثانية مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولما جلسوا جميعًا للتشهد صلى أهل الصف الأول ركعتهم الباقية ثم سلم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بهم جميعًا (وهذا الظاهر) مخالف لترجمة المصنف ولرواية البيهقي

باب من قال إذا صلى ركعة وثبت قائما الخ وفيه كيفية ثانية لصلاة الخوف والعدو في غير جهة القبلة

وابن جرير الطبري في تفسيره الحديث بهذا السند وفيه حتى صلى الذين خلفه ركعة بإفراد الضمير ولما سيأتي للمصنف عن صالح بن خوات وفيه فصلى بالتى معه ركعة ثم ثبت قائمًا وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسًا وأتموا لأنفسهم "فإنه صريح" في أن الطائفة الأولى صلت ركعتيها قبل أن تصلي الطائفة الثانية ركعتها الأولى مع الإمام وما في الروايات المذكورة من إفراد الضمير هو الأقرب إلى الصواب لما تقدم في رواية أحمد. ويمكن توجيه رواية المصنف بأن ضمير الجمع في قوله حتى صلى الذين خلفهم ركعة عائد على الصف الثاني لأنه كان وجاه العدو وأمام الإمام جهة القبلة فالمراد بالموصول الصف الأول وبضمير الجمع الصف الثاني وعليه فمعنى كلام المصنف فصلى الإمام بالذين يلونه ركعة مع سجدتيها وهم الصف الأول ثم قام إلى الركعة الثانية وثبت قائمًا حتى صلى أهل الصف الأول ركعتهم الثانية ثم تقدموا وجاه العدو وتأخر الذين كانوا قدامهم وهم أهل الصف الثاني خلف الإمام فصلى بهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ركعتهم وهي الثانية له صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم قعد للتشهد واستمرّ حتى أتم أهل الصف الثاني صلاتهم ثم سلم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بهم جميعًا. ويدل هذا التوجيه ما تقدم في رواية أحمد (وبالحديث) على هذا التوجيه أخذ مالك والشافعي وأبو ثور ومن الصحابة على وابن عباس وأبوهريرة وابن عمر (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي (تنبيه) يوجد في أصول المصنف بعد هذا الحديث ما نصه: "قال أبو داود وأما رواية يحيى ابن سعيد عن القاسم نحو رواية في يزيد بن رومان إلا أنه خالفه في السلام ورواية عبيد الله نحو رواية يحيى بن سعيد قال ويثبت قائمًا اهـ ولا محل لهذه العبارة هنا لأنه لم يتقدم ذكر رواية يحيى ولا رواية يزيد بن رومان وستأتي بنصها في آخر الباب الآتي وهو محلها فذكرها هنا خطأ من النساخ (باب من قال إذا صلى ركعة وثبت قائمًا أتموا لأنفسهم ركعة) (ثُمَّ سَلَّمُوا ثُمَّ انْصَرَفُوا فَكَانُوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ وَاخْتُلِفَ فِي السَّلاَمِ) بيان لكيفية ثانية لصلاة الخوف والعدو في غير جهة القبلة وهي أن يصلي الإمام ركعة بإحدى الطائفتين ويثبث قائمًا حتى تتمّ هذه الطائفة ركعة أخرى ويسلمون ثم ينصرفون قبالة العدو وتجئ الطائفة الأخرى ويصلى بهم الإمام الركعة التي بقيت له ثم يثبت جالسًا حتى يصلوا ركعة أخرى ثم يسلم بهم أولا ينتظر بل يسلم ثم يتمون صلاتهم. وهذا هو الاختلاف في السلام المشار إليه في الترجمة (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَمَّنْ

صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلاَةَ الْخَوْفِ أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةً وِجَاهَ الْعَدُوِّ فَصَلَّى بِالَّتِى مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الَّتِى بَقِيَتْ مِنْ صَلاَتِهِ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ. قَالَ مَالِكٌ وَحَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَىَّ. (ش) (رجال الحديث) (يزيد بن رومان) الأسدى أبو روح المدني مولى آل الزبير روى عن أنس وابن الزبير والزهري وصالح بن خوات. وعنه هشام بن عروة وسلمة بن دينار وابن إسحاق ومالك وجماعة. وثقه النسائي وابن معين وابن سعد وقال كان عالمًا كثير الحديث توفي سنة ثلاثين ومائة. روى له الجماعة (قوله عمن صلى مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) قيل هو سهل بن أبي حثمة كما في الرواية السابقة وهو الظاهر من رواية البخارى وقيل هو خوات أبو صالح فقد روى الحديث ابن منده عن أبي أويس عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عن أبيه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وأخرجه البيهقي من طريق عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن أبيه. ورجحه الحافظ في الفتح وجزم به النووي في تهذيبه وقال إنه محقق من رواية مسلم وغيره (معنى الحديث) (قوله يوم ذات الرقاع) بكسر الراء غزوة مشهورة بأرض غظفان من نجد كانت سنة خمس أو سبع على ما اختاره البخاري. سميت بذلك لأن أقدام المسلمين نقبت من الحفاء فلفوا عليها الخرق وذلك من قلة الظهر هذا هو الصحيح كما ذكره البخارى عن أبي موسى الأشعري. وقيل سميت باسم جبل هناك يقال له الرقاع لأن فيه بياضًا وحمرة وسوادًا. وقيل غير ذلك (وسبب) هذه الغزوة أن قادمًا قدم المدينة فأخبر أن أنمارًا وثعلبة وغطفان قد جمعوا جموعًا لغزو المسلمين فبلغ ذلك النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم فاستخلف على المدينة عثمان بن عفان وخرج صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في أربعمائة رجل وقيل في سبعمائة فمضى حتى أتى ذات الرقاع فلم يجد إلا نسوة فأخذهن وفيهن جارية وضيئة وهربت الأعراب إلى رءوس الجبال ولم يقع ثمّ قتال ولكن توقع المسلمون ذلك فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة الخوف (قوله وأتموا لأنفسهم) يعني صلوا الركعة الباقية منفردين وسلموا كما في الرواية الآتية (قوله ثم ثبت جالسًا الخ) يعني من غير سلام منتظرًا إتمام

ما اختاره مالك والشافعي وأحمد من كيفية صلاة الخوف

الطائفة الأخرى الركعة الباقية فلما أتموها سلم بهم ليحصل لهم فضل التسليم معه كما حصل للأولى فضل التحريمة معه (قوله قال مالك وحديث يزيد الخ) هذا نقله القعنبي عن مالك. ولفظ مالك في الموطأ. وحديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوات أحب ما سمعت إليّ في صلاة الخوف ويجمع بينهما بأن مراد مالك أن حديث صالح بن خوات أحب إليه سواء أكان من حديث يزيد ابن رومان أم من حديث القاسم بن محمد. وقال الدارقطني بعد تخريج حديث يزيد بن رومان قال ابن وهب قال لي مالك أحب إلي هذا ثم رجع فقال يكون قضاؤهم بعد السلام أحب إلى اهـ وما ذكر يقتضي أن مالكًا سمع في كيفية صلاة الخوف صفات متعددة واختار منها هذه الكيفية ووافقه على ذلك الشافعي وأحمد وداود الظاهرى. وإنما اختار هذه لأنها أقرب لموافقتها لظاهر قوله تعالى (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ. الآية) لأن قوله (وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا) دليل على أن الطائفة الأولى قد فرغوا من صلاتهم. وقوله (فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) أي تمام الصلاة كما يقتضيه ظاهر العبارة وفي غير هذه الكيفية لا يصلون معه إلا بعضها وقد ذكر الطائفتين ولم يذكر عليهما قضاء فدل على أن كل واحدة منهما إنما انصرفت بعد كمال الصلاة فهذه الكيفية أحوط لأن الصلاة فيها تتأدى على سنتها في استقبال القبلة. وفي غير هذه الكيفية يقع الاستدبار لها ويكثر العمل في الصلاة فكان الأخذ بحديث الباب أولى (والحديث) أخرجه الشيخان والنسائي ومالك وأحمد والترمذي والبيهقي والدارقطني ولا يقدح فيه جهالة من روى عنه صالح بن خوات لأنه صحابي والصحابة كلهم عدول كما تقدم (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ الأَنْصَارِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ صَلاَةَ الْخَوْفِ أَنْ يَقُومَ الإِمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَطَائِفَةٌ مُوَاجِهَةَ الْعَدُوِّ فَيَرْكَعُ الإِمَامُ رَكْعَةً وَيَسْجُدُ بِالَّذِينَ مَعَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ ثُمَّ سَلَّمُوا وَانْصَرَفُوا وَالإِمَامُ قَائِمٌ فَكَانُوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ ثُمَّ يُقْبِلُ الآخَرُونَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُكَبِّرُونَ وَرَاءَ الإِمَامِ فَيَرْكَعُ بِهِمْ وَيَسْجُدُ بِهِمْ ثُمَّ يُسَلِّمُ فَيَقُومُونَ فَيَرْكَعُونَ لأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ.

(ش) هذا الحديث موقوف وهو كالذى قبله في صلاة الخوف والعدو في غير جهة القبلة غير أنه يخالفه في أن الطائفة الثانية جلست مع الإمام للتشهد في ركعتهم الأولى ولما سلم قاموا وأتموا لأنفسهم الركعة الباقية ثم سلموا كما سيأتي بيانه بعد (قوله أن يقوم الإمام) أي مستقبل القبلة كما في رواية الترمذي وابن ماجه (قوله وطائفة مواجهة العدو) أي مقابلة العدو وفي رواية البخاري والنسائي والترمذي وطائفة من قبل العدو وجوههم إلى العدو (قوله فيركع الإمام ركعة الخ) أي يركع الإمام بالطائفة الأولى ركوعًا ويسجد بهم سجدتين (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مالك والبخارى والنسائي وابن ماجه والدارقطني والطحاوي والبيهقي والترمذي قال حدثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم محمد عن صالح بن خوات بن جبير عن سهل بن أبى حثمة أنه قال في صلاة الخوف يقوم الإمام مستقبل القبلة وتقوم طائفة منهم معه وطائفة من قبل العدو وجوههم إلى العدو فيركع بهم ركعة ويركعون لأنفسهم ويسجدون لأنفسهم سجدتين في مكانهم ثم يذهبون إلى مقام أولئك ويجئ أولئك فيركع بهم ركعة ويسجد بهم سجدتين فهي له ثنتان ولهم واحدة ثم يركعون ركعة ويسجدون سجدتين قال محمد بن بشار سألت يحيى بن سعيد "يعني القطان" عن هذا الحديث فحدثني عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح ابن خوات عن سهل بن أبى حثمة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمثل حديث يحيى ابن سعيد الأنصاري وقال لي اكتبه إلى جنبه ولست أحافظ الحديث "يعني حديث شعبة" ولكنه مثل حديث يحيى بن سعيد الأنصاري قال أبو عيسى وهذا حديث حسن صحيح لم يرفعه يحيى ابن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد وهكذا رواه أصحاب يحيى بن سعيد الأنصاري موقوفًا ورفعه شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد اهـ (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ نَحْوُ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ إِلاَّ أَنَّهُ خَالَفَهُ فِي السَّلاَمِ (ش) رواية مبتدأ خبره نحو وهو على تقدير الفاء جواب أما. والمعنى أن رواية يحيى بن سعيد الأنصاري مثل رواية يزيد بن رومان السابقة إلا أن يحيى بن سعيد خالف يزيد بن رومان في وقت سلام الإمام ففي رواية يحيى يسلم الإمام إذا كملت صلاته ثم تكمل الطائفة الثانية صلاتها. وفي رواية يزيد ينتظر الإمام جالسًا حتى تتم الطائفة الثانية صلاتها ويسلم بها. وقد ترجح عند مالك الأخذ بكل من الحديثين فقد روى عنه عبد الرحمن بن مهدي وابن وهب وقتيبة بن سعيد والقعنبي أنه قال أحب ما في ذلك إليّ حديث يزيد بن رومان وقد تقدم

باب من قال يكبرون جميعا وإن كانوا مستدبرين القبلة الخ، وفيه كيفية ثالثة لصلاة

نحوه للمصنف. قال ابن بكير إنه قول مالك ثم رجع إلى حديث يحيى بن سعيد عن القاسم. وقال ابن القاسم في الموطأ بإثر حديث يحيى وهذا الحديث أحب إليّ وبه أخذ أصحاب مالك إلا أشهب فإنه أخذ بحديث ابن عمر الآتي في باب من قال يصلي بكل طائفة ركعة ثم يسلم. ووجه تعلق مالك بحديث يزيد بن رومان ما تقدم وأنه مرفوع. أما حديث يحيى بن سعيد فموقوف. ووجه تعلقه به أن التغيير في صلاة الخوف يغتفر للضرورة. ولا ضرورة في انتظار الإمام الطائفة الثانية حتى يتموا صلاتهم ولا فائدة في ذلك لأنه زيادة في صلاة لا تدعو الضرورة إليها وذلك مفسد لها اهـ من الباجي. ودعوى أنه لا فائدة في انتظار الإمام الطائفة الثانية غير مسلمة فإن فيه فائدة إحرازها فضيلة السلام مع الإمام كما أدركت الطائفة الأولى فضيلة الإحرام معه. ولا فرق عند المالكية الآخذين بالكيفية التي في حديث يحيى بين أن يكون العدو في جهة القبلة أم لا. وفرق الشافعي والجهور فحملوا حديث أبى عياش السابق أول صلاة الخوف على أن العدو كان أمام القبلة. وحملوا أحاديث سهل بن أبي حثمة على أن العدو كان في غير جهة القبلة "وأما ما زعمه ابن حزم" من أنه لم يرد عن أحد من السلف القول بأن الإمام يسلم قبل أن تأتي الطائفة الثانية بالركعة الثانية "فمردود" بحديث الباب الموقوف على سهل (ص) وَرِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ نَحْوُ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ وَيَثْبُتُ قَائِمًا. (ش) أي أن رواية عبيد الله بن عمر مثل رواية يحيى بن سعيد الأنصاري فقد قال عبيد الله في روايته ويثبت الإمام قائمًا كما قال يحيى بن سعيد. ورواية عبيد الله وصلها ابن جرير في تفسيره قال حدثنا محمد بن عبد الأعلى ثنا معتمر بن سليمان قال سمعت عبيد الله عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن رجل من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه قال صلاة الخوف أن تقوم طائفة من خلف الإمام وطائفة يلون العدو فيصلي الإمام بالذين خلفه ركعة ويقوم قائمًا فيصلي القوم إليها ركعة أخرى ثم يسلمون فينطلقون إلى أصحابهم ويجئ أصحابهم والإمام قائم فيصلي بهم ركعة فيسلم ثم يقومون فيصلون إليها ركعة أخرى ثم ينصرفون اهـ فمن قال إن المراد بقوله ورواية عبيد الله رواية عبيد الله بن معاذ العنبري المتقدمة في الباب السابق فلم يتحر الصواب (باب مَنْ قَالَ يُكَبِّرُونَ جَمِيعًا وَإِنْ كَانُوا مُسْتَدْبِرِي الْقِبْلَةِ) (ثُمَّ يُصَلِّي بِمَنْ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ يَأْتُونَ مَصَافَّ أَصْحَابِهِمْ وَيَجِئُ الآخَرُونَ) (فَيَرْكَعُونَ لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ تُقْبِلُ الطَّائِفَةُ الَّتِى كَانَتْ) (مُقَابِلَ الْعَدُوِّ فَيُصَلُّونَ لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً وَالإِمَامُ قَاعِدٌ ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ كُلِّهِمْ جَمِيعًا.) هذه كيفية ثالثة لصلاة الخوف والعدو في غير جهة القبلة وهي أن يكبر الإمام والمأمومون

جميعًا في وقت واحد حتى من كانو إتجاه العدو وإن كانوا مستدبرين القبلة ثم يصلي الإِمام بمن خلفه ركعة ثم ينصرفون مقابل العدو ويأتي الآخرون الذين كانوا عند العدو فيصلون لأنفسهم ركعة والإمام قائم ثم يصلون معه الركعة الثانية ثم تأتي الطائفة التى تجاه العدو فيصلون لأنفسهم الركعة الثانية والإمام والطائفة الثانية جالسون ثم يسلم بالطائفتين جميعًا. وقوله ثم يأتون مصاف أصحابهم أي أمكنة أصحابهم أمام العدو. ومصاف جمع مصف وهو مكان الصفوف في الجهاد (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ نَا حَيْوَةُ وَابْنُ لَهِيعَةَ قَالاَ أَنَا أَبُو الأَسْوَدِ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ هَلْ صَلَّيْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلاَةَ الْخَوْفِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَعَمْ. قَالَ مَرْوَانُ مَتَى فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَامَ غَزْوَةِ نَجْدٍ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ فَقَامَتْ مَعَهُ طَائِفَةٌ وَطَائِفَةٌ أُخْرَى مُقَابِلَ الْعَدُوِّ ظُهُورُهُمْ إِلَى الْقِبْلَةِ فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَكَبَّرُوا جَمِيعًا الَّذِينَ مَعَهُ وَالَّذِينَ مُقَابِلِى الْعَدُوِّ ثُمَّ رَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَةً وَاحِدَةً وَرَكَعَتِ الطَّائِفَةُ الَّتِى مَعَهُ ثُمَّ سَجَدَ فَسَجَدَتِ الطَّائِفَةُ الَّتِى تَلِيهِ وَالآخَرُونَ قِيَامٌ مُقَابِلِي الْعَدُوِّ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَقَامَتِ الطَّائِفَةُ الَّتِى مَعَهُ فَذَهَبُوا إِلَى الْعَدُوِّ فَقَابَلُوهُمْ وَأَقْبَلَتِ الطَّائِفَةُ الَّتِى كَانَتْ مُقَابِلِى الْعَدُوِّ فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَائِمٌ كَمَا هُوَ ثُمَّ قَامُوا فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَةً أُخْرَى وَرَكَعُوا مَعَهُ وَسَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ ثُمَّ أَقْبَلَتِ الطَّائِفَةُ الَّتِى كَانَتْ مُقَابِلِى الْعَدُوِّ فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَاعِدٌ وَمَنْ مَعَهُ ثُمَّ كَانَ السَّلاَمُ فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله تعالى عليه وعلى

بيان أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد خيبر

آلِهِ وسلم- وَسَلَّمُوا جَمِيعًا فَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَانِ وَلِكُلِّ رَجُلٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ. (ش) (رجال الحديث) (أبو عبد الرحمن) هو عبد الله بن يزيد تقدم في الجزء الأول صفحة 220. وكذا (حيوة) بن شرح صفحة 101. وكذا (ابن لهيعة) عبد الله صفحة 100 و (أبو الأسود) هو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن الأسود بن نوفل المدني يتيم عروة لأن أباه كان أوصى إليه وكان جده الأسود من مهاجرة الحبشة، روى عن عروة وعلي بن الحسين وسالم بن عبد الله بن عمر وسلمان بن يسار وجماعة. وعنه الزهري وهو من أقرانه والليث بن سعد وحيوة بن شريح وابن لهيعة وكثيرون. قال أحمد بن صالح هو ثبت له شأن وذكر. وقال ابن أبي حاتم سئل أبى عنه فقال ثقة قيل له يقوم مقام الزهري وهشام بن عروة فقال ثقة ووثقه النسائي وابن شاهين وابن حبان وقال ابن البرقي لا يعلم له رواية عن أحد من الصحابة مع أن سنه يحتمل ذلك. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله عام غزوة نجد) أي الغزوة التي كانت في أرض نجد وهي غزوة ذات الرقاع وكانت في السنة السابعة بعد خيبر على ما اختارة البخاري كما تقدم فقد قال قال أبوهريرة صليت مع النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في غزوة نجد صلاة الخوف. وإنما جاء أبوهريرة إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أيام خيبر. قال الحافظ في الفتح يريد بذلك تأكيد ما ذهب إليه من أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد خيبر. لكن لا يلزم من كون الغزوة كانت في جهة نجد أن لا تتعدد فإن نجدًا وقع القصد إلى جهتها في عدة غزوات اهـ لكن يؤيد ما اختاره البخاري ما رواه عن جابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى بأصحابه في الخوف في الغزوة السابعة غزوة ذات الرقاع. قال الحافظ في شرح هذا الحديث في التنصيص على أنها سابع غزوة من غزوات النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تأييد لما ذهب إليه البخاري من أنها كانت بعد خيبر فإن المراد الغزوات التي وقع فيها القتال وهي بدر وأحد والخندق وقريظة والمريسيع وخيبر والسابعة ذات الرقاع اهـ بتصرف (قوله وطائفة أخرى مقابلي العدو) أي وقامت طائفة أخرى مقابلين للعدو. وفي نسخة مقابلو العدو أي والحال أن طائفة أخرى مقابلة العدو (قوله والذين مقابلي العدو) أي وكبرت الطائفة الذين قاموا مقابلي العدو وفي نسخة مقابلو أي الذين هم مقابلو العدو (قوله والآخرون قيام مقابلي العدو) أي والطائفة الأخرى قائمة حال كونها مقابلة العدو. وفي نسخة مقابلو فيكون خبرًا ثانيًا للآخرون (قوله وسجد وسجدوا معه الخ) أي سجد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والطائفة الثانية

سجدتي الركعة الثانية. ولم يذكر أنهم لما فرغوا من ركعتهم ذهبوا إلى جهة العدو أولم يذهبوا والظاهر أنهم ما ذهبوا بل بقوا في مكانهم جالسين للتشهد حتى أقبلت الطائفة الأولى وصلت ركعتها الثانية وتشهدوا ثم سلم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وسلم الطائفتان جميعًا. ولعل الخوف كان قليلًا وقتئذ حتى أنه لم يبق أحد وجاه العدو. ويحتمل أن العدو إذا رآهم قائمين أو راكعين ذاهبين آيبين لا يقوى على القدوم عليهم (قوله فكان لرسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ركعتان) بالرفع اسم كان وهو هكذا في رواية الحاكم والنسائي. وفي بعض النسخ ركعتين أي فكان الذي صلاه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ركعتين وكان لكل طائفة ركعة معه. أما الركعة الثانية للطائفة الأولى فقد صلتها بعد أن رجعوا من مواجهة العدو والإمام قائم للتشهد وصلت الطائفة الثانية ركعتها الأولى منفردين والإمام قائم في الركعة الثانية وصلت الركعة الثانية معه. وفي رواية النسائي والطحاوي ولكل رجل من الطائفتين ركعتان ركعتان يعني كل صلاته (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي والحاكم وابن حبان والطحاوي والطبراني والبيهقي وذكر البخاري صدره معلقًا. قال الشوكاني رجال إسناده ثقات عند أبى داود والنسائي اهـ ولا ينافي ما قاله وجود ابن لهيعة في سنده لعدم انفراده بروايته (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّازِيُّ نَا سَلَمَةُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَى نَجْدٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ لَقِىَ جَمْعًا مِنْ غَطَفَانَ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ وَلَفْظُهُ عَلَى غَيْرِ لَفْظِ حَيْوَةَ وَقَالَ فِيهِ حِينَ رَكَعَ بِمَنْ مَعَهُ وَسَجَدَ قَالَ فَلَمَّا قَامُوا مَشَوُا الْقَهْقَرَى إِلَى مَصَافِّ أَصْحَابِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرِ اسْتِدْبَارَ الْقِبْلَةِ. (ش) ساق المصنف هذه الرواية لبيان ما بينها وبين الرواية السابقة من الخلاف في السند والمتن. ففي سند الرواية السابقة أن عروة بن الزبير رواها عن أبي هريرة بواسطة مروان بن الحكم وهنا يرويها عنه بلا واسطة. وقد ثبت أن عروة سمع من أبى هريرة فالسند متصل. وأما الخلاف في المتن فهو أنه في الرواية السابقة ذكر أن الطائفة التى كانت عند العدو كبرت مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مستدبرة القبلة. ولم يذكر ذلك في هذه الرواية. وذكر في هذه الرواية كيفية ذهاب الطائفة الأولى إلى العدو بعد أن صلت مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

ركعة ولم يبين ذلك في الرواية الأولى. هذا و (سلمة) بن الفضل تقدم بصفحة 138 من الجزء الثالث. و (محمد بن الأسود) هو أبو الأسود المتقدم في الحديث السابق (قوله خرجنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلى نجد) أي إلى جهة نجد وهي ما بين الحجاز والعراق وأصل النجد ما ارتفع من الأرض وبه سميت هذه البلاد. والمراد هنا نجد الحجاز لا نجد اليمن (قوله حتى إذا كنا بذات الرقاع) موضع بنجد كان به الغزوة المعروفة (قوله من نخل الخ) موضع بأرض غطفان من نجد بينه وبين المدينة يومان. وغطفان قبيلة سميت باسم غطفان بن سعد بن قيس بن غيلان (قوله فذكر معناه الخ) أي ذكر محمد بن إسحاق معنى حديث حيوة وابن لهيعة السابق ولفظه مخالف للفظهما. وهو كما ذكره الطحاوي والبيهقي من طريق يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن أبي هريرة قال صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الخوف فصدع الناس صدعين "يعنى فرّقهم فرقتين" فقامت طائفة خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وطائفة تجاه العدو فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمن خلفه ركعة وسجد بهم سجدتين ثم قام وقاموا معه فلما استووا قيامًا رجع الذين خلفه وراءهم القهقرى فقاموا وراء الذين بإزاء العدو وجاء الآخرون فقاموا خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصلوا لأنفسهم ركعة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم ثم قاموا فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهم أخرى فكانت لهم ولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ركعتان وجاء الذين بإزاء العدو فصلوا لأنفسهم ركعة وسجدتين ثم جلسوا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلم بهم جميعًا (قوله وقال فيه حين ركع الخ) بيان للفرق بين الروايتين أي قال ابن إسحاق في الحديث بعد أن ذكر صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمن معه الركعة الأولى فلما قاموا يعني للركعة الثانية مشوا القهقرى أي رجعوا إلى الوراء ووجوههم إلى القبلة إلى مصاف أصحابهم الذين تجاه العدو فقوله قال الثانية تأكيد لقال الأولى (قوله ولم يذكر استدبار القبلة) أي لم يذكر محمد بن إسحاق في روايته أن الطائفة التى كانت تجاه العدو أحرمت مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مستدبرة القبلة "وهذه الرواية" أخرجها الطحاوي والبيهقي كما مر وفي إسنادها محمد بن إسحاق وهو مدلس إذا لم يصرح بالتحديث كما في المصنف. ولكنه صرح به كما تقدم في رواية الطحاوي والبيهقي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ فَحَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي نَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ بِهَذِهِ

كيفية رابعة لصلاة الخوف والعدو في غير جهة القبلة

الْقِصَّةِ قَالَتْ كَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَكَبَّرَتِ الطَّائِفَةُ الَّذِينَ صُفُّوا مَعَهُ ثُمَّ رَكَعَ فَرَكَعُوا ثُمَّ سَجَدَ فَسَجَدُوا ثُمَّ رَفَعَ فَرَفَعُوا ثُمَّ مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- جَالِسًا ثُمَّ سَجَدُوا هُمْ لأَنْفُسِهِمُ الثَّانِيَةَ ثُمَّ قَامُوا فَنَكَصُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ يَمْشُونَ الْقَهْقَرَى حَتَّى قَامُوا مِنْ وَرَائِهِمْ وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَقَامُوا فَكَبَّرُوا ثُمَّ رَكَعُوا لأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَسَجَدُوا مَعَهُ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَسَجَدُوا لأَنْفُسِهِمُ الثَّانِيَةَ ثُمَّ قَامَتِ الطَّائِفَتَانِ جَمِيعًا فَصَلُّوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَرَكَعَ فَرَكَعُوا ثُمَّ سَجَدَ فَسَجَدُوا جَمِيعًا ثُمَّ عَادَ فَسَجَدَ الثَّانِيَةَ وَسَجَدُوا مَعَهُ سَرِيعًا كَأَسْرَعِ الإِسْرَاعِ جَاهِدًا لاَ يَأْلُونَ سِرَاعًا ثُمَّ سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَسَلَّمُوا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ شَارَكَهُ النَّاسُ فِي الصَّلاَةِ كُلِّهَا. (ش) أي أن ما تقدم هو ما حدثنا به الحسن بن علي ومحمد بن عمرو الرازي بسندهما إلى عروة بن الزبير عن أبي هريرة بواسطة مروان بن الحكم وبلا واسطته. وأما عبيد الله بن سعد بن إبراهيم فقد حدثنا عن عمه يعقوب بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم عن محمد بن إسحاق بسنده إلى عائشة بما يخالف رواية عروة عن أبي هريرة. وغرض المصنف بذكر هذا الحديث بيان كيفية رابعة لصلاة الخوف والعدو في غير جهة القبلة. وحاصلها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صف طائفة وراءه وقامت طائفة تجاه العدو فأحرم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأحرمت معه الطائفة التي خلفه ثم ركع بهم ورفع وسجد وسجدوا معه ورفع رأسه فرفعوا ثم مكث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جالسًا بين السجدتين وسجدوا وحدهم السجدة الثانية ثم رجعوا إلى ورائهم حتى قاموا خلف الذين أمام العدو وأقبلت الطائفة الثانية فاصطفوا خلفه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأحرموا ثم ركعوا ورفعوا لأنفسهم ثم سجد صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم سجدته الثانية فسجدوا معه ثم قام صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى الركعة الثانية وسجدوا لأنفسهم السجدة الثانية ثم رجعت الطائفة الأولى فوقفوا خلفه صلى الله تعالى

باب من قال يصلي بكل طائفة ركة الخ وفيه كيفية خامسة لصلاة الخوف والعدو في غير جهة القبلة

عليه وعلى آله وسلم فصلى بهم جميعًا الركعة الثانية مخففًا في سجودها الثاني ثم سلم بهم جميعًا وبهذا أخذت الظاهرية. وهو قول للإمام أحمد لقوله لا أعلم في هذا الباب حديثًا إلا صحيحًا (قوله قالت كبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) أي بعد أن جعل القوم فرقتين فرقة خلفه وفرقة إزاء العدو (قوله ثم مكث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أي استمر جالسًا بين السجدتين حتى سجدت الطائفة الأولى السجدة الثانية ثم قاموا فرجعوا إلى ورائهم حتى قاموا خلف الطائفة الأخرى وجاءت الطائفة الثانية فقاموا خلف رسول الله صل الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأحرموا ثم ركعوا (قوله ثم سجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) أي السجدة الثانية من الركعة الأولى (قوله سريعًا كأسرع الإسراع) بكسر الهمزة مصدر أسرع أي صلوا الركعة الثانية مسرعين في سجودها الثاني إسراعًا مبالغًا فيه. يعنى مع مراعاة ما يحصل به أقل الكمال في الصلاة. وإنما اجتهدوا في تخفيف السجود مخافة مهاجمة العدوّ حيث إن الكل ساجد (قوله لا يألون سراعًا) أي لا يقصرون في التخفيف ما استطاعوا (قوله وقد شاركه الناس في الصلاة كلها) هذا باعتبار أن الطائفة الثانية قضت الركعة التي فاتتها قبل سلام الإِمام وسلموا بسلامه فلا يرد أن الطائفة الثانية لم تشارك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في معظم الركعة الأولى (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي والحاكم من طريق العباس بن محمد بن حاتم الدوري عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد وقال الحاكم حديث صحيح على شرط مسلم وهو أتم حديث وأشفاه في صلاة الخوف كذا قال (باب مَنْ قَالَ يُصَلِّي بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً) (ثُمَّ يُسَلِّمُ فَيَقُومُ كُلُّ صَفٍّ فَيُصَلُّونَ لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً.) هذا بيان لكيفية خامسة لصلاة الخوف والعدو في غير جهة القبلة. وحاصلها أن يصلي الإِمام بالطائفة الأولى ركعة والطائفة الأخرى مواجهة للعدو ثم تنصرف الأولى وتذهب إلى وجه العدو وتجيء الثانية فيصلي بها الإِمام ركعة ثم يسلم ثم تقضي كل واحدة منهما ركعة. وبهذه الكيفية أخذ أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي وأشهب من المالكية. وهي رواية للشافعى على تفصيل يأتي بيانه إن شاء الله تعالى (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً وَالطَّائِفَةُ

ما اختاره الحنفيون في كيفية صلاة الخوف

الأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَقَامُوا فِي مَقَامِ أُولَئِكَ وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً أُخْرَى ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَامَ هَؤُلاَءِ فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ وَقَامَ هَؤُلاَءِ فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ. (ش) (قوله ثم قام هؤلاء الخ) أي قامت الطائفة الثانية كما يؤخذ من حديث ابن مسعود الآتي فصلوا ركعتهم الثانية ثم سلموا وذهبوا إلى العدو وقامت الطائفة الأولى فصلوا ركعتهم الثانية بعد أن رجعوا إلى المكان الذي صلوا فيه الركعة الأولى كما صرح به في الحديث الآتي، ويحتمل أنهم صلوا الركعة الثانية في مكانهم مستقبلين القبلة بعد أن تولت الطائفة الثانية الحراسة. وبهذا يكونون أدوا صلاتهم علي التعاقب. وهو الراجح من حيث المعنى. ويؤيده حديث ابن مسعود بعد. ويحتمل أن كل طائفة أتمت لأنفسها في وقت واحد وهو ظاهر الحديث واختاره المصنف ولذا جعل حديث ابن مسعود دليلًا على كيفية أخرى بترجمة خاصة. وهو ضعيف من حيث المعنى لما يلزم عليه من تضييع الحراسة المطلوبة وانفراد الإمام بها (وبالحديث) أخذ أبو حنيفة وغيره كما تقدم واختاره البخاري. ويندب عند الحنفية أن تذهب الطائفة الثانية بعد سلام الإِمام إلى وجه العدو وتجيء الأولى ندبًا إلى مكانها وتتم بلا قراءة لأنها لاحقة وتسلم وتذهب إلى العدو ولو أتمت عنده صح وتجئ الثانية ندبًا وتتم بالقراءة لأنها مسبوقة. قال ابن الهمام في فتح القدير بعد ذكره حديث ابن مسعود الآتي وحديث ابن عمر هذا. ولا يخفى أن كلا من الحديثين إنما يدل على بعض ما ذهب إليه أبو حنيفة وهو مشي الطائفة الأولى وإتمام الطائفة الثانية في مكانها من خلف الإمام وهو أقل تغييرًا وقد دل على تمام ما ذهب إليه ما هو موقوف على ابن عباس من رواية أبي حنيفة ذكره محمد في كتاب الآثار ولا يخفى أن ذلك مما لا مجال للرأي فيه لأنه تغيير بالمنافي للصلاة فالموقوف فيه كالمرفوع اهـ بتصرف. وبه يندفع قول النووي إنه لم يرد في شيء من طرق الحديث التي في الصحيحين وغيرهما أن فرقة جاءت إلى مكانها ثم أتمت صلاتها وإنما فيها أن كلا صلى بعد سلام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما بقي له في محله. وقد رجح ابن عبد البر الكيفية الواردة في حديث ابن عمر لقوة إسنادها ولموافقتها الأصول في أن المأموم لا يتم صلاته قبل سلام إمامه (والحديث) أخرجه الشيخان والنسائي والطحاوي والبيهقي والترمذي وقال حديث صحيح (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ نَافِعٌ وَخَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- (ش) أي روى نافع مولى ابن عمر وخالد بن معدان الحديث عن ابن عر مرفوعًا مثل

رواية سالم عنه. أما رواية نافع فقد وصلها مسلم والدارقطني والطحاوي والبيهقي والنسائي قال أخبرنا عبد الأعلي بن واصل بن عبد الأعلى قال حدثنا يحيى بن آدم عن سفيان عن موسى ابن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة الخوف في بعض أيامه فقامت طائفة معه وطائفة بإزاء العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ذهبوا وجاء الآخرون وصلى بهم ركعة ثم قضت الطائفتان ركعة ركعة. وأما رواية خالد بن معدان فم نقف على من وصلها وغرض المصنف بذكر هذا التعليق وما بعده إلى آخر الباب تقوية الحديث وبيان بعض من أخذ به من الأئمة (ص) وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَسْرُوقٍ وَيُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (ش) أي قول مسروق بن الأجدع الإِمام في صلاة الخوف موافق لما دل عليه حديث ابن عمر. وروى عن يوسف بن مهران عن ابن عباس مثل قول مسروق. وقول مسروق وصله ابن أبي شيبة في مصنفه قال حدثنا غندر عن شعبة عن المغيرة عن الشعبي عن مسروق أنه قال صلاة الخوف يقوم الإِمام ويصفون خلفه صفين تم يركع الإِمام فيركع الذين يلونه ثم يسجد بالذين يلونه فإذا قام تأخر هؤلاء الذين يلونه وجاء الأخرون فقاموا مقامهم فركع بهم وسجد بهم والآخرون قيام "يعني أمام العدو" ثم يقومون فيقضون ركعة فيكون للإمام ركعتان في جماعة ويكون للقوم ركعة ركعة في جماعة ويقضون الركعة الثانية. وروى ابن أبي شيبة أيضًا عن غندر عن شعبة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس مثل قول مسروق (ص) وَكَذَلِكَ رَوَى يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ فَعَلَهُ. (ش) أي وروى يونس بن عبيد عن الحسن البصري عن أبى موسى الأشعري أنه صلى صلاة الخوف مثل ما في حديث ابن عمر. وقد وصل هذا ابن أبي شيبة قال ثنا عبد الأعلى عن يونس عن الحسن أن أبا موسى صلى بأصحابه بأصبهان فصلت طائفة منهم معه وطائفة مواجهة العدو فصلى بهم ركعة ثم نكصوا وأقبل الآخرون يتخللونهم فصلى بهم ركعة ثم سلم وقامت الطائفتان فصلتا ركعة ركعة. ووصله ابن جرير أيضًا قال حدثني يعقوب بن إبراهيم ثنا ابن علية عن يونس بن عبيد عن الحسن أن أبا موسى الأشعري صلى بأصحابه صلاة الخوف بأصبهان إذ غزاها قال فصلى بطائفة كما القوم ركعة وطائفة تحرس فنكص هؤلاء الذين صلى بهم ركعة وخلفهم الآخرون فقاموا مقامهم فصلى بهم وكعة ثم سلم فقامت كل طائفة فصلت ركعة اهـ

باب من قال يصلى بكل طائفة ركعة ثم يسلم الخ، وفيه كيفية سادسة لصلاة الخوف والعدو في غير جهة القبلة

(باب مَنْ قَالَ يُصَلِّي بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً ثُمَّ يُسَلِّمُ فَيَقُومُ الَّذِينَ خَلْفَهُ) (فَيُصَلُّونَ رَكْعَةً ثُمَّ يَجِئُ الآخَرُونَ إِلَى مَقَامِ هَؤُلاَءِ فَيُصَلُّونَ رَكْعَةً.) هذا بيان لكيفية سادسة لصلاة الخوف والعدو في غير جهة القبلة وهي كالكيفية السابقة غير أن إتمام القوم صلاتهم في وقت واحد هناك. وهنا على التعاقب أو على التعاقب في كل منهما غير أن الطائفة الثانية ثم هناك مكانها عند العدو مستقبلة القبلة وهنا ترجع إلى المكان الذي صلت فيه الركعة الأولى، وبهذا يفرق أيضًا بين الحديثين وقد تقدم حمل حديث ابن عمر السابق علي مافى حديث الباب عن ابن مسعود وهو الراجح وعليه فلا فرق بينهما (ص) حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ نَا ابْنُ فُضَيْلٍ نَا خُصَيْفٌ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلاَةَ الْخَوْفِ فَقَامُوا صَفَّيْنِ صَفٌّ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَصَفٌّ مُسْتَقْبِلَ الْعَدُوِّ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَةً ثُمَّ جَاءَ الآخَرُونَ فَقَامُوا مَقَامَهُمْ وَاسْتَقْبَلَ هَؤُلاَءِ الْعَدُوَّ فَصَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ هَؤُلاَءِ فَصَلَّوْا لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمُوا ثُمَّ ذَهَبُوا فَقَامُوا مَقَامَ أُولَئِكَ مُسْتَقْبِلِي الْعَدُوِّ وَرَجَعَ أُولَئِكَ إِلَى مَقَامِهِمْ فَصَلَّوْا لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمُوا. (ش) (رجال الحديث) (عمران بن ميسرة) أبو الحسن المنقرى البصري. روى عن المعتمر بن سليمان وعبد الوارث بن سعيد وحفص بن غياث ومحمد بن فضيل. وعنه البخاري وأبو داود وأبو زرعة وأبو حاتم وآخرون. ذكره ابن حبان في الثقات ووثقه الدارقطني. توفي سنة ثلاث وعشرين ومائتين. و (ابن فضيل) هو محمد تقدم في الجزء الأول صفحة 205 و (خصيف) بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة ابن عبد الرحمن الجزري تقدم بصفحة 50 من الجزء الثالث. و (أبوعبيدة) هو عامر بن عبد الله بن مسعود تقدم في السادس صفحة 108 (معنى الحديث) (قوله فقاموا صفين الخ) وفي نسخة فقاموا صفًا خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أي قاموا مصطفين خلفه وقام صف قبالة العدو (قوله فقام هؤلاء) أي الطائفة الثانية (قوله فقاموا مقام أولئك الخ) يعني مقام الطائفة الأولى

مواجهين للعدو (قوله ورجع أولئك إلى مقامهم) يعني رجعت الطائفة الأولى إلى مكانهم الذى صلوا فيه الركعة الأولى (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الطحاوي والبيهقي. وقال أبو عبيدة لم يسمع من أبيه وخصيف ليس بالقوى اهـ لكن أبو عبيدة ثقة أخرج له البخاري محتجًا به في غير موضع وروى له مسلم وغيره وقال أبوداود كان أبو عبيدة يوم مات أبوه ابن سبع سنين مميزًا اهـ وابن سبع سنين يحتمل السماع والحفظ. وخصيف وثقه أبو زرعة والعجلي وابن معين وابن سعد وقال النسائي صالح (ص) حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ أَنَا إِسْحَاقُ -يَعْنِي ابْنَ يُوسُفَ- عَنْ شَرِيكٍ عَنْ خُصَيْفٍ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ. قَالَ فَكَبَّرَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَكَبَّرَ الصَّفَّانِ جَمِيعًا. (ش) الغرض من ذكر هذه الرواية بيان الفرق بين حديث محمد بن فضيل عن خصيف وبين حديث شريك بن عبد الله النخعي عنه بأن شريكًا ذكر في حديثه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسم كبر بالصفين جميعًا. ولم يذكره ابن فضيل في حديثه. لكن هذه الرواية أخرجها ابن جرير بسنده إلى شريك عن خصيف عن أبي عبيدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه. يعني نحو حديث عبد الواحد بن زياد عن خصيف وليس فيه فكبر الصفان جميعًا وأخرجها البيهقي معلقة (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ بِهَذَا الْمَعْنَى عَنْ خُصَيْفٍ (ش) أي روى حديث ابن مسعود سفيان الثوري عن خصيف بمعنى رواية شريك عنه (وهذه) الرواية وصلها الطحاوي قال حدثنا علي بن شيبة ثنا قبيصة ثنا سفيان ح وحدثنا أبو بكر ثنا مؤمل ثنا سفيان عن خصيف عن أبي عبيدة عن عبد الله قال صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة الخوف في بعض أيامه فصف صفًا خلفه وصفًا موازى العدو وكلهم في صلاة فصلى بهم ركعة ثم ذهب هؤلاء إلى مصاف هؤلاء وجاء هؤلاء إلى مصاف هؤلاء فصلى بهم ركعة ثم قضوا ركعة ثم ذهب هؤلاء إلى مصاف هؤلاء وجاء هؤلاء إلى مصاف هؤلاء فقضوا ركعة اهـ فقول سفيان في روايته وكلهم في صلاة بمعنى قول شريك في روايته فكبر الصفان جميعًا. وهذا إن كان ضمير "وكلهم" يرجع إلى الصفين. وأما إن كان يرجع إلى الصف الذي خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فليس قول سفيان بمعنى قول شريك. وعليه فلعل شريكًا فهم من قول سفيان المعنى الأول غلطًا فرواه بالمعنى. وهو كان يخطئُ كثيرًا. وقد روى عن خصيف هذا الحديث خمسة. ابن فضيل وعبد الواحد بن زياد وعبد الملك بن الحسين والثوري وشريك

باب من قال يصلى بكل طائفة ركعة ولا يقضون، وفيه كيفية سابعة لصلاة الخوف والعدو في غير جهة القبلة

فلم يذكر لفظ "فكبر الصفان جميعًا" إلا شريك (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَصَلَّى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ هَكَذَا إِلاَّ أَنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِى صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ مَضَوْا إِلَى مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ وَجَاءَ هَؤُلاَءِ فَصَلَّوْا لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى مَقَامِ أُولَئِكَ فَصَلَّوْا لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً. "ش" أي صلى عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب صلاة الخوف مثل مافى حديث ابن مسعود غير أن الطائفة الثانية لم توال بين ركعتيها بل صلت الركعة الأولى خلف الإمام فلما سلم مضت إلى مكان الطائفة الأولى عند العدو وجاءت الأولى فصلت ركعة وسلمت ثم رجعت إلى مكان الطائفة الثانية عند العدو وجاءت هذه فأتمت صلاتها. وقد وصل المصنف هذا التعليق بعد (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُمْ غَزَوْا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ كَابُلَ فَصَلَّى بِنَا صَلاَةَ الْخَوْفِ. "ش" أي حدثنا بفعل عبد الرحمن بن سمرة مسلم بن إبراهيم الفراهيدي. قال حدثنا (عبد الصمد بن حبيب) بن عبدالله الأزدي العوذي الراسبي. روى عن أبيه وسعيد بن طهمان ومعقل القسملي. وعنه عبد الصمد بن عبد الوارث ومحمد بن جعفر المدائني وإبراهيم بن أعين ومسلم بن إبراهيم وآخرون ضعفه أحمد وأبو حاتم وقال يكتب حديثه ليس بالمتروك وقال ابن معبن ليس به بأس: قال (أخبرني أبي) حبيب بن عبد الله الأزدي اليحمدي بضم الياء وسكون الحاء وكسر الميم البصري روى عن الحكم بن عمرو الغفاري وسنان بن سلمة وشبل بن عوف. وعنه ابنه عبد الصمد. قال أبو حاتم مجهول الحال. وكابل بضم الموحدة كانت أولًا اسمًا لولاية كبيرة ذات مروج واسعة بين الهند وبلاد فارس. افتتحها المسلون أيام الوليد بن عبد الملك سنة أربع وتسعين وهي الآن عاصمة بلاد الأفغان (باب من قال يصلي بكل طائفة ركعة ولا يقضون) ذكره لبيان كيفية سابعة لصلاة الخوف والعدو في غير جهة القبلة. وهي أن يصلي الإِمام بكل طائفة ركعة واحدة مقتصرين عليها (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِي الأَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ هِلاَلٍ

المذاهب في اقتصار كل طائفة في صلاة الخوف على ركعة

عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَهْدَمٍ قَالَ كُنَّا مَعَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِطَبَرِسْتَانَ فَقَامَ فَقَالَ أَيُّكُمْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلاَةَ الْخَوْفِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ أَنَا فَصَلَّى بِهَؤُلاَءِ رَكْعَةً وَبِهَؤُلاَءِ رَكْعَةً وَلَمْ يَقْضُوا. (ش) (رجال الحديث) (يحيى) القطان تقدم في الجزء الأول صفحة 248. وكذا (سفيان) الثوري صفحة 65 و (الأشعث بن سليم) تقدم بصفحة 6 من الجزء السادس و(الأسود بن هلال) أبو سلام الكوفي المحاربي. روى عن عمر ومعاذ وابن مسعود وأبي هريرة وثعلبة بن زهدم. وعنه أبو إسحاق السبيعي وأشعث بن أبي الشعثاء وابراهيم النخعي. وثقه النسائي وابن معين والعجلي. توفي سنة أربع وثمانين. روى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي و(ثعلبة بن زهدم) بفتح الزاي وسكون الهاء الحنظلي التيمي. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن حذيفة وأبي مسعود. وعنه الأسود بن هلال. وقد اختلف في صحبته فجزم بصحتها ابن حبان وابن السكن وابن حزم وجماعة ممن صنف في الصحابة يطول تعدادهم وذكره البخاري في التاريخ الكبير وقال قال الثوري له صحبة ولا يصح. وقال الترمذي في تاريخه أدرك النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم وعامة روايته عن الصحابة وقال العجلي تابعي ثقة وذكره مسلم في الطبقة الأولى من التابعين. روى له أبو داود والنسائي. و(طبرستان) بفتح الطاء والباء وكسر الراء اسم بلاد واسعة بالعجم وهي مركبة من كلمتين طبر وهي بالفارسية اسم للفأس. وأستان وهي الناحية. ولكثرة اشتباك أشجارها لا يتمكن الجيش من سلوكها إلا بعد قطع الأشجار بالطبر فلذا سميت طبرستان. وقيل الطبر ما يشق به الأحطاب ونحوها وعليه سميت طبرستان لأن أهل تلك الجهة كثيرو الحروب وأكثر أسلحتهم الأطبار. فتحت في عهد عثمان رضي الله عنه علي يد سعيد بن العاص رضي الله عنه سنة تسع وعشرين من الهجرة "معنى الحديث" "قوله فصلى بهؤلاء الخ" أي صلى حذيفة كما جاء في رواية الحاكم وفيها فقام حذيفة فصف الناس خلفه وصفا موازي العدو فصلى بالذين خلفه ركعة ثم انصرف هؤلاء مكان هؤلاء وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا (قوله ولم يقضوا) يعني لم يصلوا ركعة أخرى وحدهم بل اقتصرت كل طائفة على الركعة التي صلتها مع الإمام (وفي الحديث) دليل على أن من صفات صلاة الخوف اقتصار كل طائفة على ركعة وبه يقول حذيفة وابن عباس وزيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وأبوهريرة وأبو موسى الأشعري والثوري وأحمد وإسحاق وغيرهم (وذهب الجهور) إلى أن صلاة الخوف كصلاة

الأمن فلا يجوز الاقتصار فيها على ركعة واحدة في أي حال. وتأولوا حديث الباب ونحوه بأن المراد أن كل طائفة صلت مع الإمام ركعة وأتموا لأنفسهم ركعة. وقوله ولم يقضوا أي لم يعيدوا الصلاة بعد الأمن. وهو بعيد لأن المتبادر من قوله ولم يقضوا أي لم يصلوا ركعة أخرى غير التي صلوها مع الإمام. ويؤيد ماذهب إليه الأولون من الأخذ بظاهر الحديث بقية أحاديث الباب. وهو المعول عليه ولا مانع من العمل به. قال الخطابي أخبرني الحسن بن يحيى عن ابن المنذر قال قال أحمد بن حنبل كل حديث في أبواب صلاة الخوف فالعمل به جائز اهـ (والحديث) أخرجه النسائي والطحاوي والبيهقي والحاكم وقال صحيح الإسناد (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَا رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَمُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "ش" أي روى هذا الحديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ومجاهد بن جبر المكي عن ابن عباس عن النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. أما حديث عبيد الله فقد وصله الطحاوي والحاكم وابن جرير والنسائي بإسناد رجاله ثقات قال النسائي أخبرنا محمد ابن بشار ثنا يحيى بن سعيد عن سفيات حدثني أبو بكر بن أبي الجهم عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى بذى قرد وصف الناس خلفه صفين صفًا خلفه وصفًا موازي العدو فصلى بالذين خلفه ركعة ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا اهـ وصححه ابن حبان وغيره. وأما حديث مجاهد عن ابن عباس فقد ذكره المصنف آخر الباب. وغرض المصنف من ذكر هذا التعليق والتعاليق بعده تقوية حديث حذيفة بأن صلاة الخوف تكون ركعة للمأمومين وركعتين للإمام (ص) وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "ش" أي وكذا روى هذا الحديث عبد الله بن شقيق العقيلي عن أبي هريرة مرفوعًا. وقد وصله النسائي بسنده عن عبد الله بن شقيق قال ثنا أبوهريرة قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نازلًا بين ضجنان وعسفان محاصر المشركين فقال المشركون إن لهؤلاء صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأبكارهم أجمعوا أمركم ثم ميلوا عليهم ميلة واحدة فجاء جبريل عليه السلام فأمره أن يقسم أصحابه نصفين فصلى بطائفة منهمّ وطائفة مقبلون على عدوهم قد أخذوا حذرهم وأسلحتهم فيصلي بهم ركعة ثم يتأخر هؤلاء ويتقدم أولئك فيصلي بهم ركعة تكون لهم مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ركعة ركعة وللنبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ركعتان

(ص) وَيَزِيدُ الْفَقِيرُ وَأَبُو مُوسَى جَمِيعًا عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "ش" أي وروى هذا الحديث يزيد بن صهيب الفقير وأبو موسى عن جابر مرفوعًا. أما حديث ابن يزيد فقد وصله الطحاوي والنسائي من طريق يزيد بن زريع قال حدثنا عبد الرحمن ابن عبد الله المسعودى قال أن يزيد الفقير أنه سمع جابر بن عبد الله قال كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم فأقيمت الصلاة فقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقامت خلفه طائفة وطائفة مواجهة العدو فصلى بالذين خلفه ركعة وسجد بهم سجدتين ثم إنهم انطلقوا فقاموا مقام أولئك الذين كانوا في وجه العدو وجاءت تلك الطائفة فصلى بهم رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ركعة وسجد بهم سجدتين ثم إن رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سلم فسلم الذين خلفه وسلم أولئك. هذا (وأبو موسى) رجل من التابعين وليس هو أبا موسى الاشعري كما صرح به في بعض النسخ. قيل اسمه علي بن رباح اللخمي روى عن جابر. وعنه زياد بن نافع. وروايته وصلها ابن جرير قال حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ابن وهب قال ثني عمي عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة حدثه عن زياد بن نافع حدثه عن أبي موسى أن جابر بن عبد الله حدثهم أن رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى بهم صلاة الخوف يوم محارب وثعلبة لكل طائفة ركعة وسجدتين (ص) وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي حَدِيثِ يَزِيدَ الْفَقِيرِ إِنَّهُمْ قَضَوْا رَكْعَةً. "ش" أي قال بعضهم في رواية لحديث يزيد الفقير إن الطائفتين قضوا ركعة أخرى ولما كانت هذه الرواية غير ثابتة تبرأ منها المصنف. فقد أخرج النسائي من طريق حجاج ابن محمد عن شعبة عن الحكم عن يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى بهم صلاة الخوف فقام صف بين يديه وصف خلفه صلى بالذين خلفه ركعة وسجدتين ثم تقدم هؤلاء حتى قاموا في مقام أصحابهم وجاء أولئك فقاموا مقام هؤلاء فصلى بهم رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ركعة وسجدتين ثم سلم فكان للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ركعتان ولهم ركعة. وأخرج ابن أبى شيبة من طريق المسعودي ومسعر عن يزيد الفقير عن جابر قال صلاة الخوف ركعة ركعة اهـ. فلم يكن فيما روى من حديث يزيد الفقير قوله إنهم قضوا ركعة

(ص) وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "ش" أي روى هذا الحديث سماك عن عبد الله بن عمر مرفوعًا مثل رواية هؤلاء من اقتصار كل طائفة على ركعة. و (سماك الحنفي) هو ابن الوليد أبو زميل. وثقه أحمد وابن معين والعجلي وقال أبوحاتم صدوق لا بأس به وقال ابن عبد البر أجمعوا على أنه ثقة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي. وحديثه أخرجه ابن جرير في تفسيره قال حدثني أحمد بن الوليد القرشي قال ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن سماك الحنفي قال سألت ابن عمر عن صلاة السفر فقال ركعتان تمام غير قصر إنما القصر صلاة المخافة قلت وما صلاة المخافة قال يصلي الإمام بطائفة ركعة ثم يجئ هؤلاء مكان هؤلاء ويجئ هؤلاء مكان هؤلاء فيصلي بهم ركعة فيكون للإمام ركعتان ولكل طائفة ركعة ركعة اهـ ورواه البيهقي عن سماك الحنفي عن ابن عمر عن النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه صلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة صلاة الخوف "قال البيهقي" كذا أتى به سماك مختصرًا وقد رويناه عن سالم ونافع عن ابن عمر أن كل واحدة من الطائفتين قضوا ركعتهم. والحكم للإثبات في مثل هذا اهـ (ص) وَكَذَلِكَ رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فَكَانَتْ لِلْقَوْمِ رَكْعَةً رَكْعَةً وَلِلنَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَيْنِ. "ش" أي روى الحديث زيد بن ثابت مرفوعًا كرواية هؤلاء. وقد وصله الطحاوي بسنده إلى القاسم بن حسان قال أتيت ابن وديعة فسألته عن صلاة الخوف فقال ائت زيد بن ثابت فاسأله فلقيته فسألته فقال صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم صلاة الخوف في بعض أيامه فصف صفًا خلفه وصفًا موازي العدو فصلى بهم ركعة ثم ذهب هؤلاء إلى مصاف هؤلاء وجاء هؤلاء إلى مصاف هؤلاء فصلى بهم ركعة ثم سلم عليهم. وقال في رواية ثنا مؤمل ابن إسماعيل ثنا سفيان وذكر بسنده مثله وقال عبد الله بن وديعة وزاد فكانت للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ركعتان ولكل طائفة ركعة ركعة. ووصله النسائي أيضًا (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالاَ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَخْنَسِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّلاَةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِى السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِى الْخَوْفِ رَكْعَةً.

باب من قال يصلى بكل طائفة ركعتين وفيه كيفية ثامنة لصلاة الخوف، وهي أن يصلي الإمام مرتين بكل طائفة مرة

(ش) بهذا وصل المصنف تعليق مجاهد عن ابن عباس الذي أشار إليه أول الباب بعد الحديث بقوله وكذا رواه عبيد الله بن عبد الله ومجاهد عن ابن عباس (رجال الحديث) (أبو عوانة) الوضاح تقدم بصفحة 91 من الجزء الأوّل. وبكير بن الاخنس) السدوسي ويقال الليثي الكوفي. روى عن أنس وابن عباس وابن عمر وأبى هريرة ومجاهد وعطاء وغيرهم. وعنه مسعر والأعمش وأبو إسحاق الشيباني وجماعة. وثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائيُّ والعجلي وابن حبّان. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله فرض الله عزّ وجلّ الصلاة) أي الرباعية فأل فيها للعهد بدليل السياق (قوله في السفر ركعتين) تقدم أنه من أدلة الحنفية على أن القصر في السفر واجب وأنه عزيمة (قوله وفي الخوف ركعة) أي لكل من الطائفتين في الثنائية حقيقة وهي الصبح سفرًا وحضرًا أو ثنائية حكما كالرباعية في السفر أما الإمام فلا يقتصر على ركعة لاتفاق أحاديث الباب أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى ركعتين (والحديث) من أدلة من قال يجوز في صلاة الخوف الاقتصار على ركعة لكل طائفة. وتأول الجمهور هذا الحديث بأن المراد ركعة مع الإمام وركعة أخرى منفردين جمعًا بينه وبين الأحاديث الصحيحة الدالة على أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم وأصحابه صلوا صلاة الخوف ركعتين. وقد علمت قوة قول من أخذ بظاهر هذا الحديث .. ولا منافاة بين الأدلة لجواز حمل هذا الحديث ونحوه على أن الركعة أقل ما يحزئُ في صلاة الخوف. وحمل الأحاديث الدالة على الركعتين على أنها الأكمل لورود صلاة الخوف بكيفيات مختلفة منها الاقتصار على ركعة واحدة (من أخرح الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه والطحاوي والبيهقي (باب من قال يصلي بكل طائفة ركعتين) بيان لكيفية ثامنة لصلاة الخوف والعدو في غير جهة القبلة وهو أن يصلي الإمام مرتين بكل طائفة مرة (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ نَا أَبِي نَا الأَشْعَثُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي خَوْفٍ الظُّهْرَ فَصَفَّ بَعْضَهُمْ خَلْفَهُ وَبَعْضَهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَانْطَلَقَ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ ثُمَّ جَاءَ

ما قيل في اقتداء المفترض بالمتنفل

أُولَئِكَ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعًا وَلأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. (ش) (الأشعث) بن عبد الملك تقدم بصفحة 238 من الجزء الثالث. و (أبو بكرة) نفيع بن الحارث تقدم في الجزء الثاني صفحة 316 (قوله فكانت لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم أربعًا الخ) فيه دليل علي أن من صفات صلاة الخوف أن يصلي الإمام الصلاة مرتين لكل طائفة مرة فتكون إحدى الصلاتين له فريضة والأخرى نافلة ويكون فيه اقتداء المفترض بالمتنفل. وبهذا قال الشافعي وحكي عن الحسن البصري. وأجاب عنه من لم يحوّز اقتداء المفترض بالمتنفل بأن الحديث محمول علي صلاة الحضر وأن كل طائفة أتموا لأنفسهم ركعتين بعد سلام الإمام وأن تسليمه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد الركعتين الأوليين من خصوصياته. ولا يخفى بعد هذا إذ الخصوصية لا تثبت إلا بدليل ولا دليل عليها. وليس في الحديث ما يفيد أن الطائفتين أتموا لأنفسهم ركعتين بعد سلام الإمام. وأجابوا بأجوبة غير ما ذكر لا تقوى علي رد ظاهر الحديث. قال محمد بن عبد الهادي الحنفي ولا يخفى أنه يلزم فيه إقتداء المفترض بالمتنقل قطعًا ولم أر لهم عنه جوابًا شافيًا (من أخرج الحديت أيضًا) أخرجه أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم والدارقطني والطحاوي والبيهقي. قال في النيل وأعله ابن القطان بأن أبا بكرة أسلم بعد وقوع صلاة الخوف بمدة اهـ قال الحافظ هذه ليست بعلة فإنه يكون مرسل صحابي (ص) وَبِذَلِكَ كَانَ يُفْتِي الْحَسَنُ. (ش) يعني بما في حديث أبي بكرة كان يفتي الحسن البصري. واختار هذه الكيفية للفتوى لما فيها من التسوية بين الطائفتين بإحرازكل طائفة فضيلة الجماعة في الصلاة كلها بلا ارتكاب مناف للصلاة أثناءها. ولم نقف على من وصل فتوى الحسن البصري (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ يَكُونُ لِلإِمَامِ سِتَّ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ ثَلاَثًا ثَلاَثًا. (ش) يعني أن الإمام يصلي المغرب مرتين بكل طائفة مرة فيكون له ست ركعات ولكل طائفة ثلاث. وهذا قياس من المصنف للغرب على غيرها لكن أخرج الدارقطني والحاكم والبيهقي من طريق عمرو بن خليفة البكراوي حدثنا أشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن.

كيفية صلاة المغرب في الخوف

عن أبى بكرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم صلى بالقوم في صلاة الخوف صلاة المغرب ثلاث ركعات ثم انصرف وجاء الآخرون فصلى بهم ثلاث ركعات فكانت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ست ركعات وللقوم ثلاثًا ثلاثًا. قال الحاكم سمعت أبا علي الحافظ يقول هذا حديث غريب أشعث الحمراني لم يكتبه إلا بهذا الإسناد قال الحاكم وإنه صحيح علي شرط الشيخين اهـ وبهذا تعلم أن قول الحافط في الفتح لم يقع في شيء من الأحاديث المروية في صلاة الخوف تعرّض لكيفية صلاة المغرب غير مسلم إلا أن يحمل قوله على أنه لم يرد في تجزئتها بين الطائفتين شيء ولذا اختلفوا فيما إذا صليت المغرب علي التجزئة هل يصلي الأمام بالطائفة الألي ركعتين وبالثانية واحدة أو العكس. فذهب إلى تعين الأول أبو حنيفة وأصحابه ومالك. وإلى اختياره الشافعي وأحمد وقالا بجواز الثاني. قال الشوكاني روى في البحر عن علي أنه صلى بالطائفة الأولى ركعتين قال وهو توقيف. واحتج لأهل القول الثاني بفعل علي أيضًا. يعني ما روى عنه أيضًا أنه صلى بالطائفة الأولى ركعة وبالثانية ركعتين. وأجاب عنه في البحر بأن الرواية الأولى أرجح أي من جهة المعنى لأنها أخف وأوفق للمعتاد في نظم الصلاة من انصراف كل طائفة عقب التشهد فمن قال بالأول قال تفارق الطائفة الأولى الإمام إذا قام إلى الثالثة وتتمم لنفسها علي ماسبق في غير المغرب وتأتيه الطائفة الثانية وهو في قيام الثالثة ثم تفارقه بعد السلام أو حين جلوسه للتشهد. ومن قال بالثاني قال تفارق الطائفة الأولى الإمام إذا قام للركعة الثانية وتتمم لأنفسها وتأتيه الطائفة الثانية وهو في قيام الثانية وتصلى معه الركعتين ثم تفارقه حين جلوسه الأخير أو بعد سلامه. وفي ذلك تفصيل مبين في الفروع (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- (ش) أي روي حديث أبي بكرة يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر مرفوعًا كما رواه الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة. ورواية جابر وصلها البيهقي ومسلم قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة نا عفان أنا أبان بن يزيد العطار نا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع قال كنا إذا أتينا علي شجرة ظليلة تركناها لرسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم معلق بشجرة فأخذ سيف رسول الله صلى الله تعالي عليه وآله وسلم فاخترطه فقال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتخافني قال لا قال فن يمنعك مني قال الله يمنعني منك فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأغمد السيف وعلقة قال فنودي بالصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم

حاصل كيفيات صلاة الحوف

تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين قال فكانت لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان. ووصله الطحاوي وعلقه البخاريُّ (ص) وَكَذَلِكَ قَالَ سُلَيْمَانُ الْيَشْكُرِيُّ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. (ش) أي كما روى أبو سلمة عن جابر روى سليمان بن قيس اليشكري هذا الحديث عنه أيضًا. وسيمان روى أيضًا عن أبي سعيد الخدري وأبى سعد الأزدي. وعنه قتادة وعمرو بن دينار. وفي سماعها منه مقال. وثقه النسائي وأبو زرعة والعجلي. و (اليشكري) نسبة إلى يشكر ابن وائل بن قاسط. وهذه الروايات المعلقة جميعها تفيد أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى صلاة الخوف بكل طائفة ركعتين صلاة تامة فكان للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربع ركعات ولكل طائفة ركعتان. وساقها المصنف تقوية لرواية أبى بكرة. وهذا التعليق وصله ابن جرير الطبري قال حدثنا ابن بشار قال ثنا معاذ بن هشام قال ثنا أبى عن قتادة عن سيمان اليشكري أنه سأل جابر بن عبد الله عن إقصار الصلاة أي يوم أنزل أو أيّ يوم هو فقال جابر انطلقنا نتلقى عير قريش آتية من الشام حتى إذا كنا بنخل جاء رجل من القوم إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا محمد قال نعم قال هل تخافني قال لا قال فن يمنعك مني قال الله يمنعني منك قال فسل السيف ثم هدده وأوعده ثم نادى بالرحيل وأخذ السلاح ثم نودى بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم بطائفة من القوم وطائفة أخرى يحرسونهم فصلى بالذين يلونه ركعتين ثم تأخر الذين يلونه على أعقابهم فقاموا في مصاف أصحابهم ثم جاء الآخرون فصلى بهم ركعتين والآخرون يحرسونهم ثم سلم فكانت للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتين ركعتين فيومئذ أنزل الله في إقصار الصلاة وأمر المؤمنين بأخذ السلاح اهـ ورواه البيهقي معلقًا (تنبيه) علم مما تقدم أنه روى في صلاة الخوف عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجوه ذكر المصنف منها تسعة "الأول" صلاتها والعدو في جهة القبلة وهو ما دل عليه حديث أبي عياش الزرقي وبه قال سفيان الثوري وابن أبي ليلى والشافعي وروى عن مالك وأحمد. وأما إذا كان العدو في غير جهة القبلة فقد ورد في كيفيتها وجوه "الأول" ما دل عليه حديث سهل بن أبي حثمة وبه قال على وابن عباس وأبوهريرة وابن عمر ومالك والشافعي وأحمد وأبو ثور "الثاني" ما دل عليه حديثًا صالح بن خوات عن خوات وعن سهل. وبه قال مالك والشافعي وأحمد وداود الظاهري "الثالث" ما دل عليه حديث أبى هريرة "الرابع" ما دل عليه حديث عائشة وبهما يقول

باب صلاة الطالب

أحمد. في رواية والظاهرية "الخامس" ما دل عليه حديث ابن عمر وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي وأشهب من المالكية وروى عن الشافعي وأحمد وأختاره البخاريُّ "السادس" حديث عبد الله بن مسعود وبه أخذ أبو حنيفة وغيوه ممن أخذ بحديث ابن عمر "السابع" ما دل عليه حديث حذيفة وبه يقول ابن عباس وزيد بن ثابت وجابر وأبوهريرة وأبو موسى الأشعري وابن عمر والثوري وإسحاق "الثامن" ما دل عليه حديث أبي بكرة وبه قال الشافعي والحسن البصري (باب صلاة الطالب) أي في بيان كيفية صلاة من يطلب العدو ليقتله (ص) حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو نَا عَبْدُ الْوَارِثِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِيِّ -وَكَانَ نَحْوَ عُرَنَةَ وَعَرَفَاتٍ- فَقَالَ "اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ". قَالَ فَرَأَيْتُهُ وَحَضَرَتْ صَلاَةُ الْعَصْرِ فَقُلْتُ إِنِّي لأَخَافُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا إِنْ أُؤَخِّرُ الصَّلاَةَ فَانْطَلَقْتُ أَمْشِي وَأَنَا أُصَلِّي أُومِئُ إِيمَاءً نَحْوَهُ فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ قَالَ لِي مَنْ أَنْتَ قُلْتُ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَجْمَعُ لِهَذَا الرَّجُلِ فَجِئْتُكَ فِي ذَاكَ. قَالَ إِنِّى لَفِي ذَاكَ فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً حَتَّى إِذَا أَمْكَنَنِي عَلَوْتُهُ بِسَيْفِى حَتَّى بَرَدَ. (ش) (رجال الحديث) (عبد الوارث) بن سعيد تقدم في الجزء الأول صفحة 29 و(ابن عبد الله بن أنيس) اسمه عبد الله كما قال المنذري ويحتمل أن يكون غيره فإن أولاد عبد الله بن أنيس كانوا خمسة. عبد الله. وعيسى. وضمرة. وعطية. وعمرو. روى عن أبيه. وعنه الزهري وبكير بن عبد الله وبكير بن مسمار، ذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود (قوله عن أبيه) هو عبد الله بن أنيس مصغرًا ابن أسعد بن حرام بن حبيب بن مالك أبو يحيى الجهني حليف الأنصار. روى عن النبي صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم وعن عمر وأبي أمامة. وعنه أولاده عبد الله وضمرة وعطية وعمرو وجابر بن عبد الله وبسر بن سعيد وآخرون شهد العقبة وأحدًا وما بعدهما. قيل مات سنة ثمانين. روى له مسلم وأبو داود والنسائيُّ والترمذي وابن ماجه والبخاري في الأدب

صلاة الفرض بالإيماء لخوف خروج وقته

(معنى الحديث) (قوله بعثني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى خالد ابن سفيان) أي أرسله لقتل خالد بن سفيان الهذلي فخرج من المدينة يوم الاثنين لخمس خلون من المحرم سنة أربع من الهجرة (قوله فكان نحو عرنة وعرفات) يعني قريبًا من عرنة وعرفات وعرنة بضم العين المهملة وفتح الراء بطن الوادي من أرض الحرم قريبة من عرفات (قوله اذهب فاقتله) أمره صلى الله عليه وآله وسلم بقتله لأنه كان يجمع الناس لغزوه صل الله عليه وآله وسلم (قوله فرأيته) أي رأيت خالدًا وعرفته بنعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إياه فإني كنت لا أعرفه فسألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عنه فقال لي إنك إذا رأيته أذكرك الشيطان ووجدت له هيبة فلما انتهيت إليه وجدت العلامة التي قالها لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكنت لا أهاب الرجال (قوله إني لأخاف أن يكون بيني وبينه ما إن أؤخر الصلاة) يعني أخاف أن يقع بيني وبينه جدال يوجب تأخير الصلاة. فما موصولة اسم يكون وإن زائدة وبيني ويينه متعلق بمحذوف خبر يكون. وفي رواية أحمد إني لأخاف أن يكون بيني ويينه ما يؤخر الصلاة (قوله وأنا أصلي أومئُ إيماء نحوه) أي والحال أني أصل مشيرًا برأسي للركوع والسجود مستقبلًا الجهة التي فيها خالد بن سفيان فكان استقباله لغير القبلة (قوله أنك تجمع لهذا الرجل الخ) أي تجمع الجيوش لقتال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجئتك في ذاك أي جئتك لجمعك الجيوش لذلك. وظاهر اللفظ أنه جاء لمساعدته. لكن عبد الله إنما جاء لقتله وإفساد تدبيره ولم يفقه خالد ما أراده (قوله إني لفي ذاك) أي أشتغل بجمع الناس لقتال محمد صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم (قوله فمشيت معه ساعة الخ) أي مقدارًا من الزمن أحدثه فيه فاستطاب الحديث حتى إذا أمكنني الخ أي أقدرني على ما أريد لغفلته واطمئنانه من جهتي واستطابته حديثي وتفرق أصحابه عنه وهدوء الناس ونومهم علوته بسيفي وضربته به حتى مات فقطع رأسه وأخذها ثم دخل غارًا في الجبل فنسج عليه العنكبوت وجاءوا يطلبونه فلم يجدوا شيئًا ثم خرج يسير بالليل ويتوارى بالنهارحتى قدم المدينة فوجد النبي صلي الله عليه وآله وسلم في المسجد فلما رآه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أفلح الوجه فقال ابن أنيس أفلح وجهك يا رسول الله فوضع الرأس بين يديه وأخبره الخبر فأعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عصا وقال تحضر بها في الجنة فكانت عنده فلما حضرته الوفاة أوصى بأن تدرج في كفنه فنفذت وصيته أفاده البيهقي في الدلائل وكان قدومه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم السبت لسبع بقين من المحرم سنة أربع من الهجرة فكانت غيبته ثمان عشرة ليلة (وبالحديث) استدل علي جواز الصلاة المكتوبة بالإيماء عند خوف خروج الوقت لأن ابن أنيس أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما فعل لما في رواية اليهقي في الدلائل من قوله وأخبرته خبري. ولا بد من كونه صلى

المذاهب في صلاة الطالب والمطلوب

الله تعالى عليه وعلي آله وسلم أقره على ذلك وإلا لبين عدم إقراره. وهو دليل لمن قال إن الطالب للعدو إذا خاف فوته صلى بالايماء ولو ماشيًا ولو إلى غير القبلة وهو قول الأوزاعي وابن حبيب من المالكية ورواية عن الشافعي (واختلف العلماء) في صلاة الطالب والمطلوب فعند أبى حنيفة يصلي المطلوب راكبًا بالإيماء بخلاف ما إذا كان ماشيًا أوسابحًا أوطالبًا ولو راكبًا وقال أحمد وعطاء والحسن البصري والثوري إن المطلوب يصلي سائرًا بالإيماء بخلاف الطالب وهذا هو المختار عند الشافعي. وظاهر حديث الباب يرد عليهم لأن ابن أنيس كان طالبًا وصلى بالإيماء (وسوّى) الأوزاعي وابن حبيب من المالكية بينهما في صلاة كل منهما بالإيماء وهو رواية عن مالك. وكالمطلوب في ذلك كل من منعه عدو من الركوع والسجود أو خاف على نفسه أو أهله أو ماله من نحو لص أوسبع فإنه يصلي بالإيماء إلى أي جهة توجه إليها. والمختار عند مالك الإعادة في الوقت إن أمن فيه (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحملى والبيهقي في السنن الكبرى من طريق النفيلي قال حدثنا محمد ابن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد الله يعني ابن عبد الله بن أنيس عن أبيه عبد الله بن أنيس أنه قال دعاني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال إنه بلغني أن ابن نبيح الهذلي يجمع الناس ليغزوني وهو بنخلة أو بعرنة "بضم العين المهملة وفتح الراء موضع قريب من مكة" فائته فاقتله قلت يا رسول الله انعته لي حتى أعرفه قال آية ما بينك وبينه أنك إذا رأيته وجدت له قشعريرة قال فخرجت متوشحًا بسيفي حتى دفعت إليه في ظعن نساء يرتاد بهن منزلًا حتى كان وقت العصر فلما رأيته وجدت له ما وصف لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم من القشعريرة فأقبلت نحوه وخشيت أن يكون بيني وبينه مجادلة تشغلني عن الصلاة فصليت وأنا أمشي نحوه أومئُ برأسى إيماء فلما انتهيت إليه قال من الرجل قلت رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل فجاء لذلك قال أجل نحن في ذلك قال فمشيت معه شيئًا حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسيف فقتلته ثم خرجت وتركت ظعاينه مكبات عليه فلما قدمت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أفلح الوجه قلت قد قتلته يا رسول الله قال صدقت ثم قام بي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فدخل بيته فأعطاني عصا فقال أمسك هذه عندك يا عبد الله بن أنيس فخرجت بها على الناس فقالوا ما هذه العصا معك يا عبد الله بن أنيس قال أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمرني أن أمسكها عندي قالوا أفلا ترجع إليه فتسأله عن ذلك قال فرجعت إليه فقلت يا رسول الله لم أعطيتني هذه العصا قال آية ما بيني وبينك يوم القيامة وإن أقل الناس المتخصرون يومئذ قال فقرنها عبدالله بن أنيس بسيفه فلم تزل معه حتى إذا مات أمر بها فضمت معه في كفنه فدفنا جميعا قال الحافظ في الفتح وإسناده حسن

باب تفريع أبواب التطوع وركعات السنة حكمة مشروعية النوافل

(باب تفريع أبواب التطوع وركعات السنة) تقدم أن التفريع في الأصل التفريق والتفصيل والمراد هنا بيان الأبواب والأحاديث الواردة في أنواع صلاة التطوع والركعات المسنونة "واعلم" أن التطوع والسنة والنفل والمندوب والمستحب والمرغب فيه والحسن ألفاظ متقاربة المعنى وهو ما رغب الشارع في فعله وجوّز تركه. وقد اشتهر إطلاق السنة على المؤكد منه. والنفل والمندوب والمستحب الخ على غير المؤكد. والتطوع على ما يعمها. ففي الترجمة عطف الخاص على العام. والحكمة في مشروعية النوافل رواتب وغيرها رفع الدرجات وتكفير السيئات وترغيم الشيطان وقطع طماعيته في منع الإنسان من تأدية الفرائض على الوجه الأكمل وتكميل ما عساه يقع من نقص في الفرائض وترك شيء من آدابها كخشوع وترك تدبر في قراءة لحديث أبى هريرة المتقدم بالجزء الخامس صفحة 309 في باب قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى نَا ابْنُ عُلَيَّةَ نَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ حَدَّثَنِي النُّعْمَانُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ". (ش) (رجال الحديث) (النعمان بن سالم) الطائفي. روى عن جدته وعثمان بن أبي العاص وعمرو بن أوس وأبى الزبير وابن عمر ويعقوب بن إبراهيم. وعنه داود بن أبي هند وسماك بن حرب وشعبة وعدة. وثقه النسائي وابن معين وأبو حاتم وقال صالح الحديث. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي. و (عمرو بن أوس) بن أبي أوس حذيفة الثقفي الطائفي روى عن أبيه والمغيرة وعبد الرحمن بن أبي بكر وابن عمرو وعروة بن الزبير. وعنه عثمان بن عبد الله والنعمان بن سالم وأبو إسحاق السبيعي وابن سيرين وجماعة. ذكره مسلم في الطبقة الأولى من التابعين. روى له الجماعة. و (عنبسة بن أبي سفيان) صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس المدني أبو الوليد. روى عن أخته أم حبيبة وشداد بن أوس. وعنه أبو أمامة الباهلي ويعلي بن أمية والمسيب بن رافع وعطاء بن أبي رباح وطائفة. قال أبو نعيم أدرك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا تصح له صحبة ولا رؤية. وذكره أبو زرعة في الطبقة الأولى من التابعين وابن حبان في ثقات التابعين. روى له سلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي. و (أم حبيبة) هي رملة بنت أبى سفيان أم المؤمنين تقدمت بصفحة 224 من الجزء. الثالث (معنى الحديث) (قوله من صلى في يوم) أي وليلة كما في رواية الترمذي والنسائي وابن

السنن المؤكدة

ماجه فالمراد في كل يوم وليلة فهو عام وإن كان نكرة مثبتة لما في رواية للنسائي وابن ماجه من حديث عائشة قالت قال النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من ثابر على ثنتي عشرة ركعة من السنة بني له بيت في الجنة (قوله ثنتي عشرهّ ركعة) أجملها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في هذه الرواية وبينها في رواية للترمذي بقوله أربعًا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتيهما قبل صلاة الفجر. وكذلك في رواية للنسائي إلا أنه قال ركعتين قبل العصر بدل ركعتين بعد العشاء. وفي هذا دليل على أن السنن التابعة للفرائض الخمس ثنتا عشرة ركعة. وفيه رد على الحسن البصري القائل بوجوب ركعتي الفجر والركعتين بعد المغرب وقد اختلف في حديث أم حبيبة كما علمت ففي رواية الترمذي إثبات ركعتين بعد العشاء لا قبل العصر وفي رواية النسائي عكس ذلك. والعمل بكل ما ذكر في الروايات صحيح وهو وإن كان أربع عشرة ركعة والأحاديث مصرحة بأن الثواب المذكور يحصل باثنتي عشرة ركعة لكنه لا يعلم الإتيان بالعدد الذي نص عليه النبي صلي الله عليه وآله وسلم في الأوقات المذكورة إلا بفعل أربع عشرة ركعة لما ذكر من الاختلاف (قوله بنى له بهن بيت في الجنة) يعنى جعل الله له بسبب هذه الركعات بيتًا في الجنة. ومحله إذا كانت فرائضه تامة أما إذا كانت ناقصة فتكمل من تطوعه كما في حديث أبي هريرة المشار إليه في شرح ترجمة الباب (والحديث) أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه والبيهقي والحاكم وقال حسن صحيح على شرط مسلم والترمذي وقال حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا خَالِدٌ ح وَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نَا خَالِدٌ -الْمَعْنَى- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِنَ التَّطَوُّعِ فَقَالَتْ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا فِي بَيْتِى ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَيْتِى فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى بَيْتِى فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ يُصَلِّي بِهِمُ الْعِشَاءَ ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْتِى فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ فِيهِنَّ الْوِتْرُ وَكَانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قَائِمًا وَلَيْلًا طَوِيلًا جَالِسًا فَإِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ وَإِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَاعِدٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ وَكَانَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلاَةَ الْفَجْرِ -صلى الله

المذاهب في كيفية صلاة الأربع قبل الظهر أين تؤدى الرواتب

تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. (ش) (قوله المعنى) أي أن يزيد بن زريع روى الحديث عن خالد الحذاء بمعنى ما رواه عنه هشيم بن بشير واللفظ الذي ذكره المصنف لهشيم (قوله من التطوع) بيان للصلاة المسئول عنها. والذي في مسلم عن تطوعه وهي أصح من جهة الرواية (قوله وكان يصلي من الليل تسع ركعات) أي أحيانًا يصلي في الليل تسع ركعات وأحيانًا يصلي إحدى عشرة ركعة كما سيأتي للمصنف عن عائشة في باب صلاة الليل. وفي رواية لمسلم ثلاث عشرة (قوله فيهن الوتر) أي من جملتهن الوتر وهو والتهجد سواء. وقيل الوتر غير التهجد وهو المعول عليه فإن الوتر قيل بوجوبه وانحصاره في ثلاث ركعات بسلام. وهو مذهب الحنفية. وأيضًا فإنه غير مقيد بوقت من أول الليل أو آخره. ويشترط وقوعه بعد العشاء بعد نوم أو قبله إلا أن الأفضل تأخيره إلى آخر الليل لمن يثق بالانتباه. وأما التهجد فسنة بالاتفاق وهو مقيد بآخر الليل مطلقًا أو بعد نوم (قوله وكان يصلي ليلًا طويلًا الخ) أي زمنًا طويلًا من الليل. والمعنى أنه كان يصلي صلاة كثيرة بعضها من قيام وبعضها من قعود (قوله فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم الخ) أي لا يقعد قبل الركوع والمراد أنه كان يصلي أحيانًا الصلاة كلها من قيام وأحيانًا كان يصليها كلها من جلوس وكذلك كان يصلي بعضها من قيام وبعضها من جلوس كما تقدم في باب صلاة القاعد (قوله صلاة الفجر) أي فرض الصبح (فقه الحديث) دلّ الحديث على سنية أربع ركعات قبل الظهر. وبه قالت الحنفية وهي بتسليمة واحدة عندهم للحديث الآتي في باب الأربع قبل الظهر وبعدها عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء. وعند مالك والشافعي وأحمد الأفضل الفصل بينهن بالسلام لما رواه مالك في الموطأ كان ابن عمر يقول صلاة الليل والنهار مثنى مثنى يسلم من كل ركعتين قال مالك وهو الأمر عندنا. قالوا وأما ما رواه الترمذي وغيره أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي أربع ركعات بعد الزوال لا يسلم إلا في آخرهن فقد ضعفه الحفاظ. ودل على استحباب تأدية الرواتب في البيت وهو الأفضل عند الجمهور. ولا فرق في ذلك بين راتبة النهار والليل. وقال بعض السلف المختار فعلها كلها في المسجد. وقال مالك والثوري الأفضل تأدية نوافل النهار في المسجد وراتبة الليل في البيت. والحديث حجة واضحة للجمهور. ويؤيده حديث صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة كما تقدم للمصنف في باب صلاة الرجل التطوع في بيته فإنه صحيح صريح لا معارض له فلا يعدل عنه. ودلّ على جواز صلاة التطوع قاعدًا مع القدرة

راتبة الظهر القبلية راكتان أو أربع

علي القيام. واختلف فيما إذا افتتح الصلاة من جلوس وأتمها من قيام فكرهه قوم وأجازه آخرون فلم يروا به بأسًا لما فيه من الانتقال إلى الأفضل ولحديث عائشة أن النبي صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم كان يصلي جالسًا فيقرأ وهو جالس فإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأ وهو قائم ثم يركع "الحديث" متفق عليه وتقدم للمصنف في باب صلاة القاعد. ولا ينافيه حديث الباب فإن عائشة رأته صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم فعل هذا مرة وهذا مرة فأخبرت بهما. وأما من افتتح التطوع قائمًا وأراد الجلوس بلا عذر فيصح مع الكراهة عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد وأشهب المالكي يصح بلا عذر وقال الجمهور يجوز بلا كراهة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي والنسائي وكذا الترمذي من طريق عبد الله بن شقيق قال سالت عائشة عن صلاة النبي صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم فقالت كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ثنتين وبعد العشاء ركعتين وقبل الفجر ثنتين وقال حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ -وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ- فِي بَيْتِهِ وَبَعْدَ صَلاَةِ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لاَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. (ش) (قوله كان يصلي قبل الظهر ركعتين) وفي مسلم ورواية للبخاري سجدتين بدل ركعتين في كل الحديث. والمراد بهما الركعتان. وفي هذا الحديث الاقتصار علي ركعتين قبل الظهر وفي غيره من أحاديث الباب ذكر أربع. ويجمع بينهما بأن كل راو وصف ما رأى. أو أنه صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا صلى في المسجد صلى ركعتين وإذا صلى في البيت صلي أربعًا ويؤيده حديث عائشة السابق وفيه كان يصلي قبل الظهر أربعًا في بيتي ثم يخرج. قال أبو جعفر الطبري الأربع كانت في كثير من أحواله والركعتان في قليلها (قوله في بيته) قيد للركعتين بعد المغرب وكذلك سنة العشاء لما في رواية البخاري عن ابن عمر فأما المغرب والعشاء ففي بيته. واستدل الشافعي وأحمد بهذا الحديث علي أن الرواتب المؤكدة عشر ركعات قال الرافعي ومنهم يعني من الشافعية من زاد علي العشر ركعتين أخريين قبل الظهر لقوله صلى

باب ركعتي الفجر

الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من ثابر على ثنتي عشرة ركعة من السنة بني الله له بيتًا في الجنة اهـ وهو مذهب الحنفية ويشهد له كثير من الأدلة السابقة واللاحقة. ومنها ما أخرجه الترمذي من طريق عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله تعالى عنه قال كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي قبل الظهر أربعًا وبعدها ركعتين وقال حديث حسن والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومن بعدهم يختارون أن يصلي الرجل قبل الظهر أربع ركعات. وهو قول سفيان الثوري: ابن المبارك وإسحاق اهـ وقد تقدم بيان المذاهب في سنة الجمعة البعدية في باب الصلاة بعد الجمعة (والحديث) أخرجه الشيخان والنسائي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ لاَ يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ. (ش) (رجال الحديث) (يحيى) القطان تقدم في الجزء الأول صفحة 248 (قوله عن أبيه) هو محمد بن المنتشر بن الأجدع بن مالك الهمداني. روى عن أييه وابن عمر وعائشة وعمر بن شرحبيل وحبيب بن مسلم وغيرهم. وعنه عبد الملك بن عمير وسماك بن حرب ومجالد بن سعيد. وثقه أحمد وابن حبان وابن سعد. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله كان لا يدع) أي لا يترك يقال ودعته أدعه ودعًا تركته فما زعمه بعض النحاة من أن العرب أماتت ماضي يدع ومصدره واسم الفاعل مردود ففي قراءة مجاهد وغيره ما ودعك ربك بفتحات. وفي الحديث لينتهين قوم عن ودعهم الجماعات (قوله قبل صلاة الغداة) أي قبل صلاة الصبح. وفي هذا الحديث وما قبله من أحاديث الباب دليل علي تأكد ما ذكر من الرواتب وهو قول الجمهور. وذهب مالك في المشهور عنه إلى أنه لا راتبة للمكتوبة ولا توقيت لئلا تلتبس بالمكتوبة وقال يتطوع بما شاء والأكمل ما ورد من أربع قبل الظهر وأربع بعدها وأربع قبل العصر وست بعد المغرب وغير ذلك (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري والبيهقي والنسائي من عدة طرق (باب ركعتي الفجر) (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي عَطَاءٌ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مُعَاهَدَةً مِنْهُ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ.

باب في تخفيفهما

(ش) (ابن جريج) هو عبد الملك تقدم في الجزء الأول صفحة 74. وكذا (عطاء) صفحة 288 (قوله لم يكن على شيء الخ) أي لم يكن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم محافظًا على شيء من النوافل أكثر من محافظته على الركعتين قبل الصبح فقوله على شيء من النوافل متعلق بمحذوف خبر يكن وأشد صفة لموصوف محذوف ومعاهدة تمييز. وفي الحديث دليل على تأكد ركعتي الفجر وأنهما من أفضل التطوع. وفيه رد على من قال من المالكية إنهما رغيبة يعني أقل من السنة. وبمواظبته صلى الله عليه وآله وسلم علي ركعتي الفجر استدل الحسن البصري على وجوبهما وهو شاذ والصواب قول الجمهور إنهما سنة فإن المواظبة لا تقتضي الوجوب إلا إن قامت قرينة على ذلك كإنكاره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على التارك لها. وأيضا فإن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ساقها مع سائر السنن في حديث المثابرة وغيره (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الطحاوي والبيهقي من هذا الطريق وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي من طريق يعقوب الدورقي (باب في تخفيفهما) أي في استحباب تخفيف ركعتي الفجر (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ نَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْفَجْرِ حَتَّى إِنِّي لأَقُولُ هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ (ش) (رجال الحديث) (محمد بن عبد الرحمن) بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة روى عن أم هشام بنت حارثة ويحيى بن سعد وعمرو بن شرحبيل وآخرين. وعنه يحيى بن سعيد ويحيى بن أبي كثير وعمارة بن غزية وشعبة وسفيان بن عيينة وجماعة. وثقه النسائي وابن سعد. توفي سنة أربع وعشرين ومائة. روى له الجماعة. و (عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد ابن زرارة تقدمت في الجزء الثالث صفحة 82 (معنى الحديث) (قوله إني لأقول هل قرأ فيهما بأم القرآن) كذا في رواية الحموي عند البخاري. وفي رواية عنده أيضًا بأم الكتاب. وفي رواية مالك في الموطأ أقر أبأم القرآن أم لا وأم القرآن هي الفاتحة سميت بذلك لاشتمالها على أصول معاني القرآن الثلاث ما يتعلق بالمبدأ وهو الثناء على الله تعالى وبالحياة وهو العبادة والاستعانة وبالمعاد وهو الجزاء على الأعمال وتقدم نحوه في باب القراءة في الصلاة. وليس المراد بقول عائشة هل قرأ بأم القرآن الشك في قراءته

الحكمة في تخفيف القراءة فيهما ما يقرأ فيهما بعد الفاتحة

بل المراد المبالغة في التخفيف بالنسبة إلى عادته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من إطالة صلاة النوافل ليلًا أو نهارًا. والحكمة في تخفيفه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم القراءة فإما المبادرة لصلاة الصبح أول وقتها. وبه جزم القرطبي وقيل ليستفتح صلاة النهار بركعتين خفيفتين كما كان يستفتح قيام الليل بركعتين ليتأهب للتفرغ للفرض أولقيام الليل الذي هو أفضل النوافل المطلقة. والحديث يدل على مشروعية تخفيف القراءة في ركعتي الفجر. وهو مذهب الجمهور وتمسك من زعم أنه لا قراءة فيهما أصلًا بهذا الحديث كأبي بكر الأصم وابن علية وطائفة من الظاهرية مردود بما ثبت في الأحاديث الآتية بل بالحديث نفسه. فإن الغرض منه الاقتصار على قراءة الفاتحة. قال القرطبي ليس معنى الحديث أنها شكت في قراءته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الفاتحة. وإنما معناه أنه كان يطيل القراءة في النوافل فلما خفف قراءة ركعتي الفجر صار كأنه لم يقرأ فيهما بالنسبة لغيرهما من الصلوات اهـ ببعض تصرف. وبالحديث تمسك مالك في المشهور عنه فقال لا يزيد في ركعتي الفجر على القراءة بأم القرآن لقول عائشة إني لأقول هل قرأ فيهما بأم القرآن أولا فإنه يدل على أن قراءة الفاتحة فيهما كان أمرًا مقررًا عندهم لكن لا يصلح للتمسك به على هذا لما علمت من أن المراد منه المبالغة في تخفيف القراءة فيهما بالنسبة لغيرهما فلا يقوى على رد الأحاديث الصريحة الآتية الدالة على أنه قرأ فيهما بغير أم القرآن. على أن ابن القاسم روى في مالك أنه كان يقرأ فيهما بأم القرآن وسورة من قصار المفصل. وروى ابن وهب أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قرأ فيهما بـ (قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ). وذكر الحديث لمالك فأعجبه (والحديث) أخرجه مالك والشيخان والنسائي والطحاوي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ نَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ (قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وَ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ). (ش) مناسبة الحديث للترجمة من حيث أنه قرأ فيهما بسورة قصيرة مع الفاتحة (رجال الحديث) (يزيد بن كيسان) أبو إسماعيل اليشكري. روى عن أبي حازم وسعيد بن الأزهر. وعنه ابن عيينة وأبو خالد الأحمر ومروان بن معاوية وجماعة. وثقة النسائي وابن معين وأحمد والدارقطني وقال أبو حاتم يكتب حديثه محله الصدق صالح الحديث وقال ابن حبان كان يخطئُ ولم يفحش خطؤه حتى لا يعد من العدول ولا أتى بما ينكر فهو مقبول إلا ما يعلم أنه أخطأ فيه فيترك. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري

حرص النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على تأديتهما

في الأدب. و (أبو حازم) هو سليمان الأشجعي تقدم في الجزء السادس صفحة 27 (معنى الحديث) (قوله قرأ في ركعتي الفحر الخ) يعني بعد الفاتحة وإنما لم يذكر الفاتحة للعلم بها ويؤيده قول عائشة في الحديث السابق حتى إني لأقول أقرأ بأم القرآن أم لا ويؤيده أيضًا حديث لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب. وفي الحديث دليل لما ذهب إليه الجمهور من استحباب قراءة سورة في كل ركعة من هاتين الركعتين بعد الفاتحة وكون المقروء في الركعة الأولى بعد الفاتحة قل يأيها الكافرون وفي الثانية الإخلاص. ولا دليل فيه لمن قال لا تتعين قراءة الفاتحة في الصلاة لعدم ذكرها مع السورتين لما علمت من أن عدم ذكرها لاشتهار طلبها. ويرد ما روى عن مالك من الاقتصار فيهما على الفاتحة وما روى عن بعض الظاهرية من أنه لا قراءة فيهما (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة والبيهقي والطحاوي (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا أَبُو الْمُغِيرَةِ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنِي أَبُو زِيَادَةَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ الْكِنْدِيُّ عَنْ بِلاَلٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لِيُؤْذِنَهُ بِصَلاَةِ الْغَدَاةِ فَشَغَلَتْ عَائِشَةُ بِلاَلًا بِأَمْرٍ سَأَلَتْهُ عَنْهُ حَتَّى فَضَحَهُ الصُّبْحُ فَأَصْبَحَ جِدًّا قَالَ فَقَامَ بِلاَلٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ وَتَابَعَ أَذَانَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا خَرَجَ صَلَّى بِالنَّاسِ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ شَغَلَتْهُ بِأَمْرٍ سَأَلَتْهُ عَنْهُ حَتَّى أَصْبَحَ جِدًّا وَأَنَّهُ أَبْطَأَ عَلَيْهِ بِالْخُرُوجِ فَقَالَ "إِنِّى كُنْتُ رَكَعْتُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ". فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ أَصْبَحْتَ جِدًّا. قَالَ "لَوْ أَصْبَحْتُ أَكْثَرَ مِمَّا أَصْبَحْتُ لَرَكَعْتُهُمَا وَأَحْسَنْتُهُمَا وَأَجْمَلْتُهُمَا". (ش) مناسبة الحديث للترجمة في قوله وأجملتها أي أديتهما على وجه الإجمال والتخفيف (رجال الحديث) (أبو المغيرة) هو عبد القدوس بن الحجاج تقدم في الجزء الثاني صفحة 48. و (أبو زيادة عبيد الله بن زيادة الكندي) ويقال البكري. روى عن بلال بن رباح وأبي الدرداء وعطي وعبد الله ابني بسر. وعنه عبد الله بن العلاء وعبد الرحمن بن يزيد. وثقة دحيم وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود (قوله أنه حدثه) أي أن بلالًا أخبر أبا زيادة (معنى الحديث) (قوله ليؤذنه بصلاة الغداة) أي ليعلم بلال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بدخول وقت صلاة الصبح (قوله حتى فضحه الصبح) بالفاء والضاد المعجمة

الحث على تأديتهما ولو مع العذر

أي دهمته فضحة الصبح وهي بياضه. ويروى فصحه بالصاد المهملة ومعناه ظهر له الصبح. وقيل المعنى أنه لما تبيّن له الصبح جدًا وظهرت غفلته عن الوقت فصار كمن افتضح بعيب ظهر منه (قوله فأصبح جدًا) أي دخل في الصباح دخولًا بينا لانتشار الضوء (قوله فآذنه بالصلاة الخ) أي أعلم بلال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحلول وقت صلاة الصبح وكرر ذلك فلم يبادر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالخروج عقب الإعلام لاشتغاله بتأدية ركعتي الفجر كما سيأتي (قوله وأخبره أن عائشة الخ) أي أخبر بلال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن سبب تأخره عن إعلامه بالصلاة حتى انتشر البياض وسأله بلال عن سبب تأخره عن الخروج عقب الإعلام فأخبره النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان مشغولًا بتأدية ركعتي الفجر (قوله فقال يا رسول الله إنك أصبحت جدًا الخ) أي دخلت في وقت الصبح دخولا بينًا فلو كنت تركت النافلة لأن أداء الفرض في أول وقته أهم من الاشتغال بها فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن انتشار البياض واتضاح النهار لا يمنع من تأديتهما قبل صلاة الصبح على الوجه الحسن باستكمال الأركان والآداب. والحديث يدل على تأكد ركعتي الفجر وأنه لا ينبغي التفريط فيهما (والحديث) أخرجه البيهقي. (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا خَالِدٌ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ الْمَدَنِيَّ- عَنِ ابْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ سِيْلاَنَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لاَ تَدَعُوهُمَا وَإِنْ طَرَدَتْكُمُ الْخَيْلُ". (ش) هذا الحديث غير مناسب للترجمة (رجال الحديث) (خالد) الحذاء تقدم في الجزء الأوّل صفحة 158. و (ابن زيد) هو محمد بن زيد بن مهاجر تقدم في الجزء الخامس صفحة 27. و (ابن سيلان) بكسر فسكون هو عبد ربه الدوسي كما سماه أحمد في بعض طرق الحديث وقال أبو حاتم عبد ربه بن سيلان يروي عن أبي هريرة وعنه محمد بن زيد بن المهاجر وكذا ذكره البخاري وابن حبّان في الثقات وقال في التقريب في ترجمة جابر بن سيلان. والصواب أن الذي روى له أبو داود اسمه عبد ربه قال ابن القطان حاله مجهول لم نر له راويًا غير ابن قنفذ. (معنى الحديث) (قوله لا تدعوهما الخ) أي لا تتركوا ركعتي الفجر وإن دفعتم الأعداء والمراد به المبالغة والحث على تأدية ركعتي الفجر ولو اشتد العذر فينبغى المحافظة عليهما حضرًا وسفرًا وأمنًا وخوفًا ركبانًا ومشاة ولو إيماء ولو لغير القبلة. والحديث يدل وجوب ركعتي

الفجر فإن النهي عن تركهما في مثل هذه الحالة الشديدة التي يباح لأجلها ترك كثير من الواجبًات دليل واضح على الوجوب. وإليه ذهب الحسن البصري وروى عن أبي حنيفة. وللجمهور أن يقولوا الحديث لا يصلح للاحتجاج به لأن في إسناده عبد الرحمن بن إسحاق المدني وعبد ربه بن سيلان وقد تكلم فيهما. وعلى فرض صلاحيته للاحتجاج به فهو محمول على المبالغة في الحث على تأديتهما. وقد صرف النهي عن حقيقته ما تقدم في الأحاديث من ذكرهما في النوافل (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والطحاوي والبيهقي وفيه مقال كما تقدم. وأخرجه أيضًا أبو يعلى بسنده إلى ابن عمر قال سمعت رسول الله صل الله تعال عليه وعلى آله وسلم يقول لا تتركوا ركعتي الفجر فإن فيهما الرغائب. (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا زُهَيْرٌ نَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّا كَانَ يَقْرَأُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ بِـ (آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) هَذِهِ الآيَةَ قَالَ هَذِهِ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى وَفِى الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ بِـ (آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ). (ش) مناسبة هذا الحديث وما بعده للترجمة من حيث إنه قرأ في ركعتي الفجر بعد الفاتحة بآيتين قصيرتين. وقد ذكرهما البيهقي تحت ترجمة "باب ما يستحب قراءته في ركعتي الفجر بعد الفاتحة، (زهير) بن معاوية أبو خيثمة تقدم في الجزء الأول صفحة 112 (قوله أن كثيرًا مما كان يقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخ) أي أن هاتين الآيتين بعض ما كان يقرأه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحيانًا كثيرة في ركعتي الفجر. فمما خبر مقدم وما موصولة والعائد محذوف وكثيًرا صفة لموصوف محذوف وقوله بآمنا بالله الخ اسم أن والباء فيه زائدة (قوله هذه الآية) أي اقرأ هذه الآية التي في البقرة وهي قوله تعالى (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (قوله قال هذه في الركعة الأولى الخ) أي قال ابن عباس هذه الآية كان يقرأها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الركعة الأولى يعني بعد الفاتحة وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في الركعة الثانية بالآية التي في آل عمران وهي (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) وفي رواية لمسلم والحاكم والبيهقيُّ عن ابن عباس قال كان صلى

التنكيس في قراءة ركعتي الفجر

الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في ركعتي الفجر (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) والتي في آل عمران (تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ... الآية) وفي الحديث دليل على استحباب قراءة هذه الآيات بعد الفاتحة في ركعتي الفجر (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والنسائي والطحاوي والبيهقي. (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ سُفْيَانَ نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ -يَعْنِي ابْنَ مُوسَى- عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا) فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى وَفِى الرَّكْعَةِ الأُخْرَى بِهَذِهِ الآيَةِ (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) أَوْ (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ) شَكَّ الدَّرَاوَرْدِيُّ. (ش) (رجال الحديث) (عثمان بن عمر يعني ابن موسى) بن عبد الله بن معمر بن عثمان التيمي. روى عن حارثة بن زيد وأبان بن عثمان والقاسم بن محمد والزهري. وعنه ابنه عمرو وإبراهيم بن طلحة ومحمد بن راشد وعبد الواحد بن زياد. قال ابن معين لا أعرفه وذكره ابن حبّان في الثقات وكان على قضاء المدينة في زمن مروان بن محمد ثم ولى القضاء للمنصور فكان معه حتى مات. روى له أبو داود وابن ماجه. و (أبو الغيث) هو سالم مولى ابن مطيع. روى عن أبي هريرة. وعنه سعيد المقبري وإسحق بن سالم وصفوان بن سليم قال أحمد أحاديثه متقاربة وقال ابن معين ثقة يكتب حديثه وقال ابن سعد كان ثقة حسن الحديث. روى له الجماعة. (معنى الحديث) (قوله قل آمنا بالله الخ) أي إلى آخر آية آل عمران وتمامها (وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (قوله ربنا آمنا الخ) وهي في آل عمران أيضًا بعد آية (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى) فهي قبل الآية السابقة وكذا آية (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ) فإنها في البقرة في ما ننسخ (قوله شك الدراوردي) أي شك عبد العزيز بن محمد الدراوردي فيما قرأه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الركعة الثانية أهو آية ربنا آمنا أم آية إنا أرسلناك وهكذا رواه البيهقي عن محمد بن الصباح بالشك والتنكيس ورواه عن سعيد بن منصور عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال ثنا عثمان بن عمر بن موسى قال سمعت أبا الغيث يقول سمعت أبا هريرة

المذاهب فما يقرأ فيهما

يقول سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في السجدتين قبل الصبح في السجدة الأولى (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) وفي الثانية (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) هكذا أخبرناه بلا شك. فقد اختلفت الروايات عن عبد العزيز. فرواه ابن الصباح بالشك والتنكيس وذكر (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ) آية آل عمران، في الركعة الأولى. ورواه عن عبد العزيز بن سعيد ابن منصور بلا شك ولا تنكيس وبذكر قوله تعالى (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ). آية البقرة. بدل آية آل عمران فهي الراجحة لخلوها من الشك وموافقتها نظم القرآن ورواية ابن عباس السابقة ولعل محمد بن الصباح وهم في روايته. وعلى فرض عدم وهمه فيها فتحمل على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نكس لبيان الجواز وهو مكروه في حق غيره. (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز التنكيس في القراءة في الصلاة بأن يقرأ في الركعة الثانية آية متقدمة في رسم المصحف على ما قرأ في الركعة الأولى. وقد علمت ما فيه. ودلّ على جواز الجهر بالقراءة في ركعتي الفجر لأن من أخبر بقراءته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في سنة الفجر كان يسمع قراءته. وأحاديث الباب ترد على من قال يقتصر في ركعتي الفجر على الفاتحة وعلى من قال لا يقرأ فيهما أصلًا (وقد اختلف) العلماء فيما يقرأ في ركعتي الفجر على أقوال لاختلاف ظاهر الأدلة "الأوّل" يقرأ فيهما بالفاتحة وسورة أو آية قصيرة مما تقدم ذكره في الباب وهو قول الجمهور ورواه ابن القاسم عن مالك "الثاني" يقتصر فيهما على الفاتحة وهو مشهور مذهب المالكية. وروى عن عبد الله بن عمرو بن العاص لحديث عائشة السابق "الثالث" يقتصر فيهما على قل يأيها الكافرون في الركعة الأولى وقل هو الله أحد في الركعة الثانية أو آيتين من الآيات السابقة. وهو قول بعض الظاهرية. وهو مردود بما تقدم للمصنف في باب من ترك القراءة في صلاته عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب "الرابع" لا قراءة فيهما أصلًا وهو قول أبي بكر الأصم وابن علية وبعض الظاهرية لحديث عائشة المتقدم أول الباب. وتقدم بيانه. والجهور علي استحباب تخفيف القراءة في ركعتي الفجر. وخص بعض العلماء استحباب التخفيف بمن لم يتأخرعليه بعض حزبه الذي اعتاد قراءته في الليل أما من بقي عليه شيء فيقرأه في ركعتي الفجر لما روى ابن أبى شيبة عن الحسن البصري قال لا بأس أن يطيل ركعتي الفجر يقرأ فيهما من حزبه إذا فاته. ونحوه عن مجاهد والثوري. وقال أبو حنيفة ربما قرأت في ركعتي الفجر حزبي من الليل. وروى ابن أبي شيبة أيضًا في مصنفه مرسلًا من رواية سعيد بن جبير قال كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ربما أطال ركعتي الفجر. ورواه البيهقي أيضًا وفي إسناده رجل

باب الاضطجاع بعدها

لم يسمّ. وهذا كله لا يصلح للاحتجاج به على التخصيص الذي ادعوه ولم يصح هذا التخصيص عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الطحاوي والبيهقي. (باب الاضطجاع بعدها) أي بعد صلاة سنة الصبح (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَأَبُو كَامِلٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالُوا نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ نَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ". فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ أَمَا يُجْزِئُ أَحَدَنَا مَمْشَاهُ إِلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَضْطَجِعَ عَلَى يَمِينِهِ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فِي حَدِيثِهِ قَالَ لاَ. قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ فَقِيلَ لاِبْنِ عُمَرَ هَلْ تُنْكِرُ شَيْئًا مِمَّا يَقُولُ قَالَ لاَ وَلَكِنَّهُ اجْتَرَأَ وَجَبُنَّا. قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فَمَا ذَنْبِي إِنْ كُنْتُ حَفِظْتُ وَنَسُوا. (ش) (أبو كامل) هو فضيل الجحدري تقدم بصفحة 227 من الجزء الأوّل. وكذا (عبد الواحد) بن زياد صفحة 86. وكذا (الأعمش) سليمان بن مهران صفحة 36 وكذا (أبو صالح) ذكوان السمان صفحة 44 (قوله إذا صلى أحدكم الخ) قيل المراد بالأحد المتهجد في الليل مطلقًا فإن الاضطجاع يكون عونًا له على القيام في صلاة الصبح لأن العادة في التهجد طول القيام فكان الاضطجاع للاستراحة والنشاط. وهذا حكمة الاضطجاع وقيل الأحد عام يشمل كل من أراد صلاة الصبح. وقوله فليضطجع على يمينه أي على شقه الأيمن. والحكمة أن القلب في جهة اليسار فلو اضطجع عليه استغرق في النوم لاستراحته بذلك فإذا اضطجع على يمينه يكون القلب معلقًا فيكون أبعد عن النوم (قوله فقال له الخ) أي قال مروان لأبي هريرة ألا يكفي في تحصيل النشاط أو في الفصل بين السنة والفرض مشي أحدنا إلى المسجد فممشى مصدر ميمى بمعنى المشي (قوله قال عبيد الله الخ) أي قال عبيد الله بن عمر بن ميسرة في روايته قال أبوهريرة لا يجزئُ المشي إلى

المسجد عن الاضطجاع فإن المشي إلى عبادة والضجعة عبادة أخرى لا يحصل أجر أحدهما بفعل الأخرى (قوله قال فبلغ ذلك ابن عمر الخ) أي قال أبو صالح بلغ ما يحدث به أبوهريرة ابن عمر فقال أكثر أبوهريرة على نفسه يعنى أكثر من الحديث إكثارًا ربما أدى إلى وقوعه في الخطأ (قوله قال لا ولكنه الخ) أي قال ابن عمر لا أنكر شيئًا في خصوص هذه الرواية ولكنه أقدم على الإكثار من رواية الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخفنا منه فكثر حديثه وقلّ حديثنا (قوله فما ذنبي أن كنت حفظت ونسوا) استفهام إنكاري والمعنى لا حرج عليّ لأني حفظت ما سمعت فبلغته وهم نسوا فلم يبلغوا (وبالحديث) احتج ابن حزم على وجوب الضجعة بعد صلاة ركعتي الفجر حملًا للأمر فيه على الوجوب وقال من ركع ركعتي الفجر لم تجزه صلاة الصبح إلا أن يضطجع على جنبه الأيمن بعد السلام منهما سواء أتركها عمدًا أم سهوًا وسواء أصلاهما أداء أم قضاء. وإن لم يصل ركعتي الفجر فلا يلزمه الاضطجاع (وحمل) الجمهور الأمر في الحديث على الاستحباب لقول عائشة في الحديث الآتي فإن كنت نائمة اضطجع وإن كنت مستيقظة حدثني وظاهره أنه ما كان يضطجع حال استيقاظها فكان ذلك قرينة لصرف الأمر عن الوجوب. وقال البيهقي بعد تخريج حديث الباب وهذا يحتمل أن يكون المراد به الإباحة. فقد رواه محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي صالح عن أبى هريرة حكاية عن فعل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا خبرًا عن قوله ثم قال بعد تخريجه اضطجاع النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وهذا أولى أن يكون محفوظًا لموافقته سائر الروايات عن عائشه وابن عباس اهـ وهذا أيضًا مما يضعف ما ذهب إليه ابن حزم (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والبيهقي والترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب وفي إسناده عبد الواحد بن زياد وقد ضعفه بعضهم ووثقه آخرون. وفي سنده أيضًا سليمان بن مهران الأعمش وقد عنعنه وهو مدلس. وأخرج الحديث أيضًا ابن ماجه من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع (ص) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ نَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ نَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَضَى صَلاَتَهُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ نَظَرَ فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِنْ كُنْتُ

الاضطجاع قبلهما

نَائِمَةً أَيْقَظَنِي وَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ فَيُؤْذِنَهُ بِصَلاَةِ الصُّبْحِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ. (ش) (رجال الحديث) (يحيى بن حكيم) المقوّم أبو سعيد البصري. روى عن ابن عيينة ويحيى القطان وابن مهدي وحماد بن مسعدة وجماعة. وعنه أبو داود والنسائي وأسلم بن سهل ومحمد بن هارون وأبو عروبة وآخرون. وثقه مسلمة والنسائي وقال كان حافظًا وقال أبو داود كان حافظًا متقنًا. وقال أبو عروبة ما رأيت. بالبصرة أثبت من يحيى بن حكيم وكان ورعًا متعبدًا. وقال ابن حبان كان ممن جمع وصنف. مات سنة ست وخمسين ومائتين. و (بشر بن عمر) بن الحكم ابن عقبة الأزدي أبو محمد البصري. روى عن شعبة ومالك وحماد بن سلمة وعكرمة وأبى معاوية وطائفة. وعنه إسحاق بن راهويه والحسن الخلال والفلاس والذهلي وغيرها. وثقه ابن سعد والعجلي وقال أبو حاتم صدوق وقال الحاكم ثقة مأمون. توفي سنة سبع ومائتين. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله إذا قضى صلاته من آخر الليل الخ) أي يعني فرغ من تهجدة آخر الليل وصلى الركعتين اللتين كان يصليهما بعد الوتر. لما أخرجه ابن ماجه من حديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوتر بواحدة ثم يركع ركعتين يقرأ فيهما وهو جالس فإذا أراد أن يركع قام فركع. وأخرج النسائي من حديث أبى سلمة ابن عبد الرحمن أنه سأل عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم من الليل فقالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي ثلاث عشرة ركعة تسع ركعات قائمًا يوتر فيها وركعتين جالسًا فإذا أراد أن يركع قام فركع وسجد ويفعل ذلك بعد الوتر فإذا سمع نداء الصبح قام فركع ركعتين خفيفتين (قوله ثم اضطجع) وفي نسخة ثم يضطجع تعنى على شقه الأيمن ليستريح من طول القيام في التهجد (قوله فيؤذنه بصلاة الصبح الخ) أي بدخول وقت صلاة الصبح فيصلي ركعتين خفيفتين سنة الصبح (والحديث) دليل على مشروعية الاضطجاع قبل ركعتي الفجر. ويوافقه حديث ابن عباس عند البخاري في باب الوتر وفيه ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن فقام فصلى ركعتين ثم خرج فصلى الصبح. ولا تنافي بين ما هنا وبين ما دل عليه الحديث السابق ونحوه من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بالاضطجاع واضطجع بعد ركعتي الفجر لأن التصريح بالاضطجاع قبلهما لا ينفي حصوله بعدهما وكذا العكس. ولاحتمال أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترك الاضطجاع أحيانًا قبلهما أو بعدهما لبيان الجواز. والحديث حجة لمن نفى وجوب الاضطجاع بعد ركعتي الفجر. وفيه إباحة الكلام مع الأهل بعد صلاة الليل لما فيه من الاستئناس

استحباب إيقاظ كل من الزوجين الآخر للصلاة آخر الليل

وفيه استحباب إيقاظ الرجل امرأته آخر الليل. وقد ورد رحم الله رجلًا قام من الليل صلى وأيقظ امرأته فصلت فإن أبت نضح في وجهها الماء. ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلي فإن أبى نضحت في وجهه الماء رواه أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة وسيأتي للمصنف في باب الحث علي قيام الليل. وأخذ الأوزاعي وأحمد بظاهر حديث الباب فأباحا ركعتين بعد الوتر من جلوس كما في رواية الشيخين. وسيأتي تمام الكلام على ذلك في باب الوتر إن شاء الله تعالى. وفي الحديث أيضًا دليل على استحباب اتخاذ مؤذن راتب وعلى مشروعية إعلام المؤذن الإمام بحلول الصلاة واستدعائه لها. وعلي استحباب تخفيف ركعتي الفجر كما تقدم (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي وكذا مسلم من طريق عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعه يوتر منها بواحدة فإذا فرغ منها اضطجع علي شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن فيصلي ركعتين. وأخرج النسائي وابن ماجه نحوه بلفظ تقدم وليس فيه ذكر الاضطجاع (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا سُفْيَانُ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ -ابْنِ أَبِي عَتَّابٍ أَوْ غَيْرِهِ- عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَإِنْ كُنْتُ نَائِمَةً اضْطَجَعَ وَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي. (ش) (رجال الحديث) (سفيان) بن عيينة (قوله عمن حدثه ابن أبي عتاب) أي عن ابن أبي عتاب الذي حدث زياد بن سعد. ففاعل حدث ضمير يعود على من والضمير المنصوب راجع إلى زياد وابن أبي عتاب بدل من الموصولة أو خبر لمبتدأ محذوف. وابن أبي عتاب اسمه زيد وقيل عبد الرحمن (قوله أو غيره) شك مسدد في شيخ زياد أهو ابن أبي عتاب أم غيره. والراجح أنه ابن أبي عتاب فقد أخرجه مسلم والبيهقي من طريق ابن أبي عمر قال نا سفيان وأخرجه البيهقي أيضًا من طريق عبد الجبار بن العلاء المكي ومن طريق الحميدي قالا ثنا سفيان عن زياد بن سعد فقد أخرجاه عن ابن أبي عتاب عن أبي سلمة بدون شك (معنى الحديث) (قوله إذا صلى ركعتي الفجر الخ) كذا في رواية مسلم. والذي في رواية البخاري كان يصلي ركعتين فإن كنت نائمة اضطجع تعنى على جنبه الأيمن كما صرح به في حديث أبى هريرة السابق. وحكمته كما تقدم الراحة من تعب التهجد والنشاط لصلاة الصبح ولذا قيل لا يستحب ذلك إلا للتهجد وبه جزم ابن العربي (قوله وإن كنت مستيقظة حدثني)

أقوال العلماء في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر

تعنى ولم يضطجع على الظاهر وإليه مال البخاري حيث ترجم بقوله باب من تحدث بعد الركعتين ولم يضطجع. وترجم له ابن خزيمة بقوله الرخصة في ترك الاضطجاع بعد ركعتي الفجر ويحتمل أنه كان يحدثها وهو مضطجع (وفي الحديث) حجة للجمهور القائلين بعدم وجوب الاضطجاع كما تقدم. ولا حجة فيه لمن زعم أن الاضطجاع ليس بمشروع لأنه لا يلزم من تركه له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا كانت عائشة مستيقظة عدم المشروعية (والحاصل) أن العلماء اختلفوا في حكم الاضطجاع بعد ركعتي الفجر على أقوال "الأول" أنه سنة وهو المروي عن أبي موسى الأشعري ورافع بن خديج وأنس وأبي هريرة وغيرها من الصحابة. ومن التابعين ابن سيرين والفقهاء السبعة. سعيد بن المسيب. وعروة بن الزبير. والقاسم بن محمد. وأبو بكر ابن عبد الرحمن. وخارجة بن زيد بن ثابت. وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة. وسليمان بن يسار وبه قال الشافعي وأحمد "القول الثاني" أن الاضطجاع واجب لا بد منه وهو قول ابن حزم مستدلًا بالأمر به في حديث أبى هريرة السابق: وتقدم رده "القول الثالث" أنه بدعة وبه قال عبد الله بن مسعود وابن عمر. فقد روى ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال قال عبد الله بن مسعود ما بال الرجل إذا صلى الركعتين يتمعك كما تتمعك الدابة أو الحمار. إذا سلم فقد فصل "يعني بين السنة والفرض" وروى أيضًا عن مجاهد قال صحبت ابن عمر في السفر والحضر فما رأيته اضطجع بعد ركعتي الفجر. وروى عن ابن المسيب قال رأى ابن عمر رجلًا يضطجع بعد الركعتين فقال احصبوه. وروى البيهقي عن زيد العمى عن أبي الصديق الناجي قال رأى عبد الله بن عمر قومًا قد اضطجعوا بعد الركعتين قبل صلاة الفجر فقال ارجع إليهم فسلهم ما حملهم على ما صنعوا فأتيتهم وسألتهم فقالوا نريد بذلك السنة فقال ابن عمر ارجع إليهم فأخبرهم أنها بدعة اهـ وهذا يبعد ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه كان يفعل الاضطجاع. وممن كره ذلك من التابعين الأسود بن يزيد وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وقال هي ضجعة الشيطان. وحكاه القاضي عياض عن مالك وجمهور العلماء. وقالوا إنما كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يضطجع بعد الركعتين للراحة من تعب القيام. وردّ بأنه لا ينافي كونه للتشريع ولاسيما مع وجود الأمر به. ومنهم من قال إن الاضطجاع ليس مقصودًا لذاته بل المقصود منه الفصل بين السنة والفريضة. وردّ بأن الفصل يحصل بغير الاضطجاع كالتحول والتحدث والسلام فلو لم يكن الاضطجاع مقصودًا لذاته لما ورد الأمر به بخصوصه "القول الرابع" التفرقة بين من يقوم الليل فيستحب له الاضطجاع للاستراحة وبين غيره فلا يشرع له. واختاره ابن العربي. وربما يدل له ما أخرجه الطبراني وعبد الرزاق أن عائشة قالت إنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يضطجع لسنة ولكن كان يدأب ليله فيستريح. لكن لا تقوم به حجة فإن في إسناده راويا لم يسم كما قاله في الفتح. ولأن ذلك منها ظن

حكم الكلام بعدهما

وتخمين وليس بجحة. وقد روت أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يفعله والحجة في فعله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وقد ثبت أمره به فترجحت مشروعيته "القول الخامس" استحبابه في البيت دون المسجد. وبه قال بعض السلف "وحكي" عن ابن عمر. ويقويه إنه لم ينقل عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه فعله في المسجد ولذا نهى ابن عمر عن فعله في المسجد وقال إنه بدعة وأمر بحصب من فعله في المسجد. وهذا هو الظاهر لأنه يبعد أن يقع من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المسجد ولا يعلم به مثل ابن عمر وابن مسعود ويقويه أيضًا أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما كان يتنفل في بيته وهذه الضجعة من توابع سنه الفجر فتكون في البيت دون المسجد. وفي تحديثه لعائشة بعد ركعتي الفجر دليل على جواز الكلام بعدهما. وإليه ذهب الجمهور منهم مالك والشافعي والحنابلة "خلافًا لمن كرهه كابن مسعود وإبراهيم النخعي وأبي الشعثاء وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح والحديث حجة عليهم (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الشيخان والبيهقي وكذا الترمذي عن عائشة قالت كان صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا صلي ركعتي الفجر فإن كانت له إليّ حاجة كلمني وإلا خرج إلى الصلاة. وقال حديث حسن صحيح. وقد كره بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم وغيرها الكلام بعد طلوع الفجر حتى يصلي صلاة الفجر إلا ما كان ذكر الله أو ما لا بد منه. وهو قول أحمد وإسحاق (ص) حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الْعَنْبَرِيُّ وَزِيَادُ بْنُ يَحْيَى قَالاَ نَا سَهْلُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي مَكِينٍ نَا أَبُو الْفَضْلِ -رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ- عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لِصَلاَةِ الصُّبْحِ فَكَانَ لاَ يَمُرُّ بِرَجُلٍ إِلاَّ نَادَاهُ بِالصَّلاَةِ أَوْ حَرَّكَهُ بِرِجْلِهِ. قَالَ زِيَادٌ قَالَ نَا أَبُو الْفُضَيْلِ. (ش) لعل وجه مناسبة الحديث للترجمه أن من كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يناديه بالصلاة أو يحركه برجله كان مضطجعًا بعد ركعتي الفجر (رجال الحديث) (عباس العنبري) بن عبد العظيم تقدم بالجزء الثالث صفحة 251. و (زياد بن يحيى) بن زياد بن حسان أبو الخطاب البصري. روى عن المعتمر بن سليمان وزياد بن الربيع وحاتم بن وردان وبشر بن المفضل وسهل بن حماد وغيرها. وعنه الجماعة وأبو حاتم وابن خزيمة وابن جرير وابن

استحباب إيقاظ النائم وقت الصلاة

المسيب وطائفة. وثقه أبو حاتم والنسائي وابن حبان. مات سنة أربع وخمسين ومائتين و (أبو مكين) بفتح الميم وكسر الكاف هو نوح بن ربيعة الأنصاري مولاهم البصري روى عن أبي مجلز وعكرمة ونافع وأبي صالح السمان وأبي الفضل بن خلف وغيرهم. وعنه يزيد بن زريع ويحيى القطان وسهل بن حماد ووكيع ومحمد بن بشر. وثقه أحمد وابن سعد وأبو داود وابن حبان وقال كان يخطئُ وقال العقيلي لا يتابع على حديثه. وقال في التقريب صدوق من الثالثة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه. و (أبو الفضل) بن خلف الأنصاري وقيل أبو الفضيل كما ذكره المصنف ويقال أبو المفضل وقيل ابن المفضل. روى عن مسلم بن أبي بكرة. وعنه أبو مكين. قال أبو الحسن القطان مجهول وقال في التقريب مجهول من الرابعة. روى له أبو داود. وأشار بقوله رجل من الأنصار إلى أنه مجهول الاسم. و (مسلم بن أبي بكرة) بن الحارث الثقفي. روى عن أبيه أبي بكرة نفيع بن الحارث. وعنه عثمان الشحام وسعيد بن جمهان وأبو الفضل وسعيد بن سلمة. وثقه ابن حبان والعجلي. مات سنة بضع وثمانين. روى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي (معنى الحديث) (قوله إلا ناداه بالصلاة الخ) أي أعله بدخول وقت الصلاة إما بالقول أو بالفعل كهزّة برجله (قوله قال زياد الخ) أي قال زياد بن يحيى في روايته قال أبو مكين حدثنا أبو الفضيل بالتصغير بدل أبو الفضل المذكور في رواية العباس. وفي الحديث دليل على استحباب إيقاظ النائمين وقت الصلاة، وعلي إباحة الكلام مع غير الأهل بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح (والحديث) أخرجه البيهقي وفي إسناده أبو الفضل وهو مجهول (باب إذا أدرك الإمام ولم يصل ركعتي الفجر) أي في بيان ما يطلب ممن أدرك الإمام وهو يصلي الصبح ولم يصل هو ركعتي الفجر (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الصُّبْحَ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ دَخَلَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الصَّلاَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ "يَا فُلاَنُ أَيَّتُهُمَا صَلاَتُكَ الَّتِى صَلَّيْتَ وَحْدَكَ أَوِ الَّتِى صَلَّيْتَ مَعَنَا". (ش) (عاصم) بن سليمان الأحول تقدم بالجزء الأول صفحة 274 (قوله فصلى الركعتين) أي ركعتي الفجر (قوله قال يا فلان) كناية عن اسم ذلك الرجل الذي بدأ بتأدية السنة (قوله أيتهما

حكم صلاة النافلة والإمام في الفريضة

صلاتك الخ) أي أي الصلاتين قصدت واعتمدت عليها وجئت لأجلها أصلاتك وحدك أم صلاتك معنا فإن كانت التي صليتها وحدك: هي النافلة فالبيت أولى بها من المسجد وإن كانت الفريضة فلم أخرتها وقدمت غيرها فهو استفهام إنكاري الغرض منه تبكيته على صلاته النافلة والإمام في الفريضة. فأيتهما صلاتك مبتدأ وخبر ويحتمل أن يكون أيتهما مفعولًا لفعل محذوف أي قصدت أي الصلاتين وجعلتها صلاتك (وفي الحديث) دليل علي أن من أدرك الإمام في الفريضة لا يدخل في النافلة وإن ظن أنه يدرك من الفريضة الركعة الأولى مع الإمام. وفيه رد على من قال إن علم أنه يدرك الإمام في الركعة الأولى أو الثانية يبدأ بسنة الصبح. وقالوا إن إنكاره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الرجل لوصله النافلة بالفريضة وصلاتهما في مكان واحد بلا فاصل بينهما غير السلام وهذا كنهيه من صلى الجمعة عن التطوع بعدها في مكانها حتى يتكلم أو يتقدم. وقالوا أيضًا إن حديث الباب محمول علي أن الرجل صلى ركعتي الفجر مخالطًا للصف فقد روى ابن ماجه من طريق أبي معاوية عن عاصم عن عبد الله بن سرجس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأى رجلًا يصلي الركعتين قبل صلاة الغداة وهو في الصلاة اهـ فإن رؤيته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إياه لا تتأتي إلا وهو في جانب المسجد في الصف الأول. واستدلوا على ما ذهبوا إليه بما رواه الطحاوي من طريق يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مر بعبد الله بن مالك بن بحينة وهو منتصب يصلي بين يدي نداء الصبح فقال لا تجعلوا هذه الصلاة كصلاة قبل الظهر وبعدها واجعلوا بينهما فصلًا اهـ فظهر بهذا الحديث أن الذي كرهه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لابن بحينة إنما هو وصله الفريضة بالنافلة في مكان واحد من غير فصل يينهما. وفيه أن الحديث ليس صريحًا في أن ابن بحينة كان يصلي ركعتي الفجر بل يحتمل أنه كان يصلي نافلة غيرها قبل الأذان كما يشعر بذلك قوله يصلي بين يدي نداء الصبح. وقالوا أيضًا فيما ذهبنا إليه جمع بين الفضيلتين فضيلة إدراك السنة وفضيلة إدراك الجماعة. وقد ثبت عن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأبي الدرداء أنهم أدّوا سنة الصبح والإمام في الفريضة. فقد روى الطحاوي من طريق عبد الله بن أبي موسى عن عبد الله يعني ابن مسعود أنه دخل المسجد والإمام في الصلاة فصلى ركعتي الفجر. وروى من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر أنه جاء والإمام يصلي الصبح ولم يكن صلى الركعتين قبل صلاة الصبح فصلاهما في حجرة حفصة وصلى مع الإمام. وروى من طريق أبي عثمان الأنصاري قال جاء عبد الله بن عباس والإمام في صلاة الغداة ولم يكن صلى الركعتين فصلى الركعتين خلف الإمام ثم دخل معه. وروى من طريق أبي عبيد الله عن أبي الدرداء أنه كان يدخل المسجد والناس صفوف في صلاة الفجر فيصلي الركعتين في ناحية

تضافر الأدلة على أنه إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

المسجد ثم يدخل مع القوم في الصلاة. ويبعد أن يكون حديث الباب على إطلاقه ويفعل على خلاف هؤلاء الصحابة الأجلاء. وفي هذا كله نظر لأن ظاهر الحديث الإنكار على من دخل في النافلة والإمام في الفريضة. وحمل الإنكار على عدم الفصل بين النافلة والفريضة بعيد لما في رواية البيهقي عن عبد الله بن سرجس قال دخل رجل المسجد ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في صلاة الصبح فصلى الركعتين قبل أن يصل إلى الصف الخ. وما في رواية مسلم من قوله دخل رجل المسجد ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في صلاة الغداة فصلى ركعتين في جانب المسجد ثم دخل مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "الحديث" فإت ظاهرهما أنه صلى النافلة في غير مكان الفريضة. ويؤيد بقاء الحديث على ظاهره الحديث الآتي فإن فيه النهى عن ابتداء صلاة أخرى بعد إقامة الصلاة الحاضرة ويؤيده أيضًا ما رواه البزار عن أنس قال خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين أقيمت الصلاة فرأى ناسًا يصلون ركعتي الفجر فقال أصلاتان معًا ونهى أن تصليا إذا أقيمت الصلاة. وأخرجه مالك في الموطأ بدون قوله ونهى الخ. وما رواه الطبراني في الكبير عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأى رجلًا يصلي ركعتي الغداة حين أخذ المؤذن يقيم فغمز النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منكبه وقال ألا كان هذا قبل هذا "وما ذكروه" من أن ما ذهبوا إليه فيه الجمع بين الفضيلتين "متعقب" بأنه يمكن الحصول على الجمع بين الفضيلتين بصلاة الركعتين بعد الفراغ من الفريضة كما سيأتي للمصنف بعد من إقراره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من صلاهما بعد الفريضه ولم ينكر عليه. وما ذكروه من الآثار معارض بالمثل. فقد ثبت عن عمر وأبي هريرة وغيرها أنهم كانوا يمنعون الشروع في النافلة بعد إقامة الصلاة فقد روى البيهقي عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا رأى رجلًا يصلي وهو يسمع الإقامة ضربه. وروى ابن حزم عن أبى هريرة قال إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة. وعلى تقدير عدم المعارض فهي لا تقوى على معارضة الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. قال ابن عبد البر وغيره الحجة عند التنازع السنة فمن أدلى بها فقد أفلح. وترك التنفل عند إقامة الصلاة وتداركها بعد قضاء الفرض أقرب إلى اتباع السنة ويتأيد ذلك من حيث المعنى بأن قوله في الأحاديث حى على الصلاة معناه هلموا إلى الصلاة التى يقام لها فأسعد الناس بامتثال هذا الأمر من لا يتشاغل عنه بغيره اهـ (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه والطحاوي (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ح وَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ

أقوال العلماء في حكم الشروع في صلاة بعد الإقامة للحاضرة

جَعْفَرٍ نَا شُعْبَةُ عَنْ وَرْقَاءَ ح وَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ح وَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ ح وَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ كُلُّهُمْ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةُ". (ش) (رجال الحديث) (ورقاء) بن عمر اليشكري أبو بشر الكوفي. روى عن أبي إسحاق السبيعي وزيد بن أسلم وسعد بن سعيد الأنصاري والأعمش وكثيرين. وعنه ابن المبارك ومعاذ بن معاذ وإسحاق بن يوسف الأزرق ووكيع وآدم بن أبي إياس وغيرها. وثقه أحمد ووكيع وقالا ابن معين وأبو حاتم صالح الحديث وقال أبو داود الطيالسي قال لي شعبة عليك بورقاء إنك لا تلقى بعده مثله. قيل لأبي داود أيّ شيء عنى بذلك قال أفضل وأورع وخيرًا منه وقال ابن عدي روى أحاديث غلط في أسانيدها وباقي أحاديثه لا بأس بها. و (أبو عاصم) الضحاك النبيل (قوله كلهم عن عمرو بن دينار) أي روى كل من حماد بن سلمة في الطريق الأول وورقاء بن عمر في الطريق الثاني وابن جرج في الثالث وأيوب السختياني في الرابع وزكريا بن إسحاق في الخامس عن عمرو بن دينار فهذه خمس طرق متصلة بعمرو بن دينار (معنى الحديث) (قوله إذا أقيمت الصلاة الخ) أي شرع في إقامتها ففي رواية ابن حبان عن محمد بن جحادة عن عمرو بن دينار إذا أخذ المؤذن في الإقامة فلا صلاة إلا المكتوبة وهو نفي بمعنى النهي والنهي متوجه إلى الشروع في غير المكتوبة المقامة أما إتمام ما شرع فيه قبل الإقامة فلا يشمله النهى بل يتمه. وإلا لزم إبطاله. وهو منهي عنه بقوله تعالى (وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) ويحتمل إبقاء النفي على أصله أي فلا صلاة صحيحة أو كاملة. وحمله على نفي الصحة أولى لأن نفيها أقرب إلى نفي الحقيقة. لكن لما لم يأمر النبي صل الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الرجل في الحديث السابق بإعادة ركعتي الفجر واقتصر على الإنكار دل على أن المراد هنا نفي الكمال. والحكمة في النهي عن الدخول في النافلة بعد الإقامة للمكتوبة التفرغ للفريضة من أولها والمحافظة على إكمالها مع الإمام وعلى أسباب الاتفاق والبعد مما يؤدي إلى الخلاف على الأئمة والطعن عليهم (وفي الحديث) دليل على أنه لا يجوز لمن حضر حال الإقامة أن يشرع في غير الصلاة المقام لها لا فرق في ذلك بين سنة الصبح وغيرها "وللعلماء" في ذلك أقوال "أحدهما" الكراهة وبها قال عمر وأبوهريرة وعروة بن الزبير وابن سيرين

المذاهب في صلاة ركعتي الفجر والإمام في الفريضة

وسعيد بن جبير وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق "الثاني" لا يجوز صلاة شيء من النوافل إذا أقيمت المكتوبة لا فرق بين ركعتي الفجر وغيرها قاله ابن عبد البر والظاهرية وقالوا من سمع الإقامة لا يحل له الدخول في ركعتي الفجر ولا في غيرهما من النوافل ولو خارج المسجد "الثالث" لا تنعقد صلاة التطوع بالشروع فيها وقت إقامة الفريضة. حكاه صاحب النيل عن الظاهرية أيضًا. واستدل أرباب هذه الأقوال بظاهر حديث الباب. فمن قال بالأول قال إن المراد بالنفي فيه النهي وهو محمول على الكراهة أو أن النفي فيه باق على حقيقته والمراد به نفي الكمال وقد تقدم وجهه. ومن قال بالثاني حمل النفي فيه على نهي التحريم. ومن قال بالثالث قال إن النفي فيه لنفي الصحة. وقد تقدم رده "القول الرابع" لا بأس بصلاة سنة الصبح خارج المسجد أو فيه والإمام في الفريضة إذا تيقن إدراك الركعة الأخيرة مع الإمام وهو قول أبي حنيفة وأصحابه. وقد روى عن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأبي الدرداء كما تقدم. وعن مسروق والحسن البصري ومكحول ومجاهد والأوزاعي وغيرها. واستدلوا بحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة إلا ركعتي الفجر. رواه البيهقي من طريق حجاج بن نصير عن عباد بن كثير وقال هذه الزيادة لا أصل لها وحجاج وعباد ضعيفان اهـ "القول الخامس" يركعهما خارج المسجد إن لم يخف فوات الركعة الأولى مع الإمام وإلا تركها ودخل مع الإمام. وهو قول مالك. وقال الثوري يركعهما ولو في المسجد ما لم يخش فوات ركعة مع الإمام "القول السادس" يصليهما ولو فاتته الصلاة مع الإمام إذا كان الوقت واسعًا. وهو قول ابن الجلاب من المالكية "واستدل" أرباب هذه الأقوال بما تقدم من الآثار التي ذكرناها في الحديث السابق. وهذه التفاصيل لا دليل عليها. وما استدلوا به من الآثار لا يقاوم حديث الباب وأجابوا عن تضعيف البيهقي لحجاج وعباد في حديث أبي هريرة بأن حجاجًا إنما ضعف في حديث شعبة. قال يعقوب بن شيبة سألت ابن معين عن حجاج بن نصير فقال كان شيخًا صدوقًا لكنهم أخذوا عليه أشياء في حديث شعبة وليس في سند البيهقي شعبة وأورد له ابن عدي أحاديثه عن شعبة ثم قال للحجاج روايات عن شيوخه ولا أعلم له شيئًا منكرًا غير ما ذكرت وهو في غير ما ذكرته صالح. وأما عباد بن كثير الرملي فوثقه ابن معين وقال ليس به بأس. وقال زياد بن الربيع كان ثقة (أقول) لكن ما قاله البيهقي أقوى فإن حجاجًا ضعفه غير ابن معين على الإطلاق. قال ابن المديني ذهب حديثه. وقال أبو داود متروك الحديث. وقال النسائي ضعيف ليس بثقة ولا يكتب حديثه وقال ابن حبان يخطئُ ويهم. وضعفه ابن سعد والدارقطني والأزدي والعجلي وابن قانع. وأما عباد بن كثير فمن جرّحه أكثر

باب من فاتته متى يقضيها

ممن وثقه. قال البخاري فيه نظر. وقال أبو حاتم وأبو زرعة ضعيف الحديث. وقال النسائي ليس بثقة. وقال ابن الجنيد متروك وقال ابن عدي له أحاديث غير محفوظة. وقال ابن حبان كان ابن معين يوثقه وهو عندي لا شيء في الحديث. وقال الحاكم روى أحاديث موضوعة. وقال الساجي روى أحاديث مناكير "وعلى فرض" صحة هذه الزيادة فقد ورد ما يعارضها "قال في الفتح" زاد مسلم بن خالد عن عمرو بن دينار في هذا الحديث "يعني حديث الباب، قيل يا رسول الله ولا ركعتي الفجر قال ولا ركعتي الفجر أخرجه ابن عدي في ترجمة يحيى بن نصر بن حاجب وإسناده حسن اهـ وأما ما رواه ابن ماجه من طريق الحارث عن علي قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي الركعتين عند الإقامة فقد قال في الزوائد وإسناده ضعيف فيه الحارث بن عبد الله الأعور متفق على تضعيفه (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه من طريق حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار البيهقي والدارمي. ومن طريق ورقاء بن عمر النسائي والدارمي. ومن طريق أيوب السختياني مسلم في صحيحه قال حدثنا الحسن بن علي الحلواني نا يزيد بن هارون أنا حماد بن زيد عن أيوب عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمثله وزاد قال حماد ثم لقيت عمرًا فحدثني به ولم يرفعه. وأخرجه من طريق زكريا بن إسحاق مسلم وابن ماجه والنسائي والطحاوي والترمذي وقال حديث حسن وهكذا روى أيوب وورقاء بن عمر وزياد ابن سعد وإسماعيل بن مسلم ومحمد بن جحادة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليها وعلى آله وسلم. وروى حماد بن زيد وسفيان بن عيينة عن عمرو ابن دينار فلم يرفعاه. والحديث المرفوع أصح عندنا والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وغيرها إذا أقيمت الصلاة لا يصلي الرجل إلا المكتوبة اهـ ولم نقف على من خرجه من طريق عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج إلا البيهقي فإنه رواه من طريق المصنف وأخرجه الطحاوي من طريق أبي عمر الضرير قال أنا حماد بن سلمة وحماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة بذلك ولم يرفعه فصار أصل الحديث عن أبي هريرة لا عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ وذكره البخاري ترجمة ولم يخرجه للاختلاف في رفعه ووقفه (باب من فاتته متى يقضيها) أي من فاتته سنة الفجر في أي وقت يقضيها (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ

ابْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "صَلاَةُ الصُّبْحِ رَكْعَتَانِ". فَقَالَ الرَّجُلُ إِنِّى لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا فَصَلَّيْتُهُمَا الآنَ. فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- (ش) (رجال الحديث) (سعد بن سعيد) بن قيس جنب عمرو الأنصاري. روى عن أنس والسائب بن يزيد والقاسم بن محمد وعمر بن كثير وآخرين. وعنه شعبة ويحيى بن سعيد والثوري وابن جريج وسلمان بن بلال. وثقه العجلي وابن عمار وابن سعد وقال كان كثير الحديث وضعفه أحمد وابن معين. وقال الترمذي تكلموا فيه من قبل حفظه وقال ابن عدي له أحاديث صالحة تقرب من الاستقامة ولا أرى بحديثه بأسًا. توفي سنة إحدى وأربعين ومائتين. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في التعاليق. و (قيس بن عمرو) ابن سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري له صحبة روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابنه سعيد وقيس بن أبي حازم ومحمد بن إبراهيم بن الحارث. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رجلًا) هو قيس بن عمرو الراوي كما صرح به الترمذي في حديثه عن قيس وفيه فصليت معه الصبح ثم انصرف النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فوجدني أصلي قال مهلًا يا قيس أصلاتان معًا قلت يا رسول الله إني لم أكن ركعت ركعتي الفجر قال فلا إذًا اهـ (قوله صلاة الصبح ركعتان) مبتدأ وخبر على معنى الاستفهام الإنكاري أي أن الصبح ركعتان فلم زدت عليهما. وفي رواية ابن ماجه أصلاة الصبح مرتين أي أتصلي صلاة الصبح مرتين. وهي أوضح. وفي بعض النسخ صلاة الصبح ركعتين أي صلاة الصبح شرعها الله ركعتين. وفي نسخة ركعتين ركعتين مكررًا تأكيدًا لفظيًا (قوله فسكت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) يعني أقره ففي الحديث دليل على أن من فاتته سنة الصبح له أن يصليها بعد صلاة الصبح وقبل طلوع الشمس وللعلماء في قضائها أقوال "الأول" استحباب قضائها بعد صلاة الصبح قبل الشمس وبعدها وإليه ذهب ابن عمر وعطاء وطاوس وابن جريج والشافعي وأحمد وإسحاق محتجين بحديث الباب وبما أخرجه الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من لم يصل

المذاهب في قضاء ركعتي الفجر

ركعتي الفجر فليصلهما بعد ما تطلع الشمس. وحملوا النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس على النفل المطلق الذى لاسبب له "القول الثاني" استحباب قضائها بعد طلوع الشمس وارتفاعها قدر رمح أو رمحين إلى الزوال فقط. وإليه ذهب القاسم بن محمد والأوزاعي ومالك ومحمد بن الحسن من أصحاب أبي حنيفة. محتجين بحديث الترمذي السابق. وقالوا يكره فعلها قبل طلوع الشمس لأحاديث النهي عن الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس "القول الثالث" أنها لا تقضي إلا إن فاتت مع الصبح فتقضي قبله إلى الزوال فقط وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف وقالا لا تقضى سنة الصبح إذا فاتت وحدها بعد الشمس لأن الأصل في السنن أن لا تقضى وخصت سنة الصبح إذا فاتت مع الفرض بما تقدم للمصنف في الجزء الثالث صفحة 38 عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم كان في مسير له فناموا عن صلاة الفجر فاستيقظوا بحر الشمس فارتفعوا قليلًا حتى استقلت الشمس ثم أمر مؤذنًا فأذن فصلى ركعتين قبل الفجر ثم أقام ثم صلى الفجر. ولا تصلى قبل الشمس بعد الفراغ من الفريضة لما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس الخ وهو عام يشمل صلاة النفل مطلقًا لسبب أو غيره والواجب لغيره كقضاء نفل أفسده "وأجاب" من لم يقل بمقتضى حديث الباب بأنه ضعيف لأن في سنده سعد بن سعيد وهو متكلم فيه كما تقدم. ولعدم إتصال سنده فإن محمد بن إبراهيم لم يسمع من قيس كما ذكره الترمذي "وردّ بأنه" قد روى من طرق أخرى متصلًا وبجموعها يقوي بعضها بعضًا. فقد أخرجه الطبراني في الكبير قال ثنا إبراهيم بن متوبة الأصبهاني ثنا أحمد بن الوليد بن برد الأنصاري ثنا أيوب بن سويد عن ابن جريج عن عطاء أن قيس بن سهل حدثه أنه دخل المسجد والنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي ولم يكن صلى الركعتين فصلى مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلما قضى صلاته قام فركع، وأخرجه ابن حزم في المحلى من طريق حسن بن ذكوان عن عطاء بن أبي رباح عن رجل من الأنصار قال رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رجلًا يصلي بعد الغداة فقال يا رسول الله لم أكن صليت ركعتي الفجر فصليتهما الآن فلم يقل له شيئًا. قال العراقي وإسناده حسن (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه ابن ماجه والدارقطني: الحاكم والبيهقي والترمذي وقال حديث محمد بن إبراهيم لا نعرفه إلا من حديث سعد بن سعيد وإسناد هذا الحديث ليس بمتصل. محمد ابن إبراهيم التيمي لم يسمع من قيس. وروى بعضهم هذا الحديث عن سعد بن سعيد عن محمد بن إبراهيم أن النبي صل الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج فرأي قيسًا اهـ

باب الأربع قبل الظهر وبعدها

(ص) حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ قَالَ قَالَ سُفْيَانُ كَانَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ. (ش) أَى قاَل سفيان بن عيينةَ كان عطاء بن أبي رباح يحدث بالحديث المتقدم عن سعد بن سعيد كما حدث به عنه عبد الله بن نمير، وغرض المصنف هذا تقوية الحديث لروايته من عدة طرق وقد أشار الترمذي إلى هذا الطريق فقال قال سفيان بن عيينة سمع عطاء بن أبي رباح من سعد بن سعيد هذا الحديث. وذكره البيهقي معلقاً كالمصنف (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَى عَبْدُ رَبِّهِ وَيَحْيَى ابْنَا سَعِيدٍ هَذَا الْحَدِيثَ مُرْسَلًا أَنَّ جَدَّهُمْ زَيْدًا صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِهَذِهِ الْقِصَّةِ. (ش) أي روى هذا الحديث عبد ربه ويحيى ابنا سعيد بن قيس بن عمرو بن سهل مرسلًا يعني غير متصل فقد سقط منه سعيد بن قيس وأبوه قيس بن عمرو كما يدل عليه ما سيأتي في رواية ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي. وقوله أن جدهم زيدًا هكذا في كل النسخ التي بأيدينا والصواب قيسًا بدل زيد أو إسقاطه فإن زيدًا جد أعلى كما ذكر في نسب يحيى وقد هلك في الجاهلية ولم يدرك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أفاده الحافظ في الإصابة وقال لم أر في النسخ المعتمدة من السنن لفظ زيد اهـ ويؤيده أن البيهقي أخرج هذه الرواية من طريق المصنف ولم يذكر زيدًا قال قال أبو داود روى عبد ربه ويحيى ابنا سعيد هذا الحديث مرسلًا أن جدهم صلى مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ وأيضا فإن الترمذي أخرج هذا الحديث وقال وروى بعضهم هذا الحديث عن سعد بن سعيد عن محمد بن إبراهيم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج فرأى قيسًا اهـ وأيضًا فقد أخرج هذه الرواية ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي عن يحيى عن أبيه عن جده أنه جاء والنبى صلي الله عليه وآله وسلم يصلي صلاة الفجر فصلى معه فلما سلم قام فصلى ركعتي الفجر فقال له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما هاتان الركعتان فقال لم أكن صليتهما قبل الفجر فسكت ولم يقل شيئًا اهـ (باب الأربع قبل الظهر وبعدها) أي في بيان ما ورد من الترغيب في صلاة أربع ركعات قبل صلاة الظهر وأربع بعدها (ص) حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ عَنِ النُّعْمَانِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ

عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرُمَ عَلَى النَّارِ". (ش) (رجال الحديث) (النعمان) بن المنذر الغساني ويقال اللخمي أبو الوزير الدمشقي روى عن مكحول الدمشقي الإِمام وعطاء والزهري وجماعة. وعنه محمد بن شعيب بن شابور والهيثم بن حميد ومحمد بن يزيد الواسطي وغيرهم. قال ابن سعد كان كثير الحديث وقال أبو زرعة ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال النسائي عقب حديثه في الحيض ليس بذاك القوي وقال دحيم ثقة إلا أنه يرمى بالقدر وقال أبو داود كان داعية في القدر وضع كتابًا يدعو فيه إلى القدر مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة. روى له أبو داود والنسائي (معنى الحديث) (قوله وأربع بعدها) ثنتان مؤكدتان لما تقدم من الروايات الكثيرة الدالة على الترغيب فيهما ومواظبته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليهما. والأخريان غير مؤكدتين (قوله حرّم على النار) وفي رواية ابن ماجه والترمذي ورواية للنسائي حرمه الله على النار. وفي رواية أخرى له حرم الله لحمه على النار. والمراد أن المواظبة على هذه الركعات تكون سببًا في عدم ارتكابه ما يوجب دخول النار. وفي الحديث الترغيب المحافظة على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والحاكم والنسائي وقال أبو زرعة وهشام بن عمار والنسائي مكحول لم يسمع من عنبسة شيئًا وقد ذكر أحمد في روايته عن سليمان بن موسى الواسطة بين مكحول وعنبسة قال حدثنا ابن لهيعة ثنا سلمان بن موسى أخبرني مكحول عن سفيان أن مولى لعنبسة بن أبي سفيان حدثه أن عنبسة بن أبي سفيان أخبره عن أم حبيبة. وأخرجه أيضًا ابن ماجه والنسائي من طريق محمد بن عبد الله الشعيثي عن أبيه عن عنبسة. وصححه الترمذي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ الْعَلاَءُ بْنُ الْحَارِثِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ. (ش) أي روى هذا الحديث العلاء بنَ الحارث وسليمان بن موسى الأشدقَ الدمشقَيَانَ عن مكحول بمثل رواية النعمان بن المنذر الغساني عن مكحول عن عنبسة. ولم نقف على من وصل رواية العلاء عن مكحول بل وصلها الترمذي من طريق العلاء عن القاسم قال حدثنا أبو بكر بن محمد بن إسحاق البغدادي حدثنا عبد الله بن يوسف التنيسي الشامي حدثنا الهيثم بن حميد أخبرني العلاء هو ابن الحارث عن القاسم بن عبد الرحمن عن عنبسة بن أبي سفيان قال سمعت أختي أم حبيبة زوج

الترغيب في صلاة أربع قبل الظهر بتسليم

النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تقول سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول من حافظ على أربع ركعات الخ. ورواية سليمان وصلها النسائي قال أخبرنا أحمد ابن ناصح حدثنا مروان بن محمد عن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى عن مكحول عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقول من صلى أربع ركعات قبل الظهر وأربعًا بعدها حرمه الله عزّ وجلّ على النار (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ مِنْجَابٍ عَنْ قَرْثَعٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَيْسَ فِيهِنَّ تَسْلِيمٌ تُفْتَحُ لَهُنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ بَلَغَنِي عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ قَالَ لَوْ حَدَّثْتُ عَنْ عُبَيْدَةَ بِشَىْءٍ لَحَدَّثْتُ عَنْهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ عُبَيْدَةُ ضَعِيفٌ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ ابْنُ مِنْجَابٍ هُوَ سَهْمٌ. (ش) (رجال الحديث) (عبيدة) بضم العين وفتح الباء ابن معتب الضبي أبو عبد الكريم الكوفي. روى عن عاصم بن بهدلة وإبراهيم النخعي وأبي وائل والشعبي وغيرها. وعنه شعبة والثوري وعبد الله بن نمير ومحمد بن فضيل ووكيع وجماعة. ذكره ابن المبارك فيمن يترك حديثه وقال ابن معين ضعيف وقال الدراوردي عن يحيى ليس بشئ وقال أبو زرعة ليس بقوي. وقال أبو حاتم ضعيف الحديث. وقال النسائي ضعيف وكان قد تغير وقال في موضع آخر ليس بثقة وقال ابن عدي هو مع ضعفه يكتب حديثه وقال الساجي صدوق سيئ الحفظ وقال ابن خزيمة لا يجوز الاحتجاج بخبره عندي وله معرفة بالأخبار. و (ابن منجاب) هو سهم بن منجاب بن راشد الضبي الكوفي. روى عن أبيه والعلاء بن الحضرمي وقزعة بن يحيى وعنه إبرهيم النخعي وعمرو بن دينار وعبد الملك بن قدامة وزرارة بن مرة الشيباني وغيرهم وثقه النسائي وابن حبان وقال العجلي تابعي ثقة. و (قرثع) بوزن أحمد الضبي الكوفي. روى عن أبي موسى الأشعري وأبي أيوب زيد بن خالد الأنصاري وسلمان الفارسي وقيس بن قيس الجعفي وعنه علقمة بن قيس وقزعة بن يحيى وسهم بن منجاب. قال الحاكم كان من زهاد التابعين وقتل في خلافه عثمان (معنى الحديث) (قوله أربع قبل الظهر الخ) أي أربع ركعات تصلى قبل صلاة الظهر ليس فيهن سلام على رأس الركعتين الأوليين وهي سنة الظهر القبلية تفتح لأجل صعودهن

باب الصلاة قبل العصر

السماء. والمراد قبولها. وفي الحديث دليل على تأكد استحباب أربع ركعات قبل الظهر وعلى عظم فضلهن، وعلى أن الأفضل عدم الفصل بينهن بسلام. وبه قالت الحنفية وقالوا إن الأربع التى بعدها ينبغي أن تكون بتسليمة واحدة قياسًا على الأربع التى قبلها ولأنها في نفل النهار والأفضل فيه التسليم على رأس كل أربع خلافًا للأئمة الثلاثة. لكن ينبغي أن يكون الخلاف فيما لم يرد فيه تعيين تسليمة أو تسليمتين (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه ابن ماجه وكذا الطبراني في الكبير والأوسط عن أبي أيوب قال لما نزل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليّ رأيته يديم أربعًا قبل الظهر وقال إنه إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء فلا يغلق منها باب حتى يصلي الظهر فأنا أحب أن يرفع لي في تلك الساعة خير. وأخرجه الترمذي في الشمائل والطحاوي من طريق المصنف بلفظه ومن طرق أخرى عن أبي أيوب قال أدمن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أربع ركعات بعد زوال الشمس فقلت يا رسول الله إنك تدمن هؤلاء الأربع ركعات فقال يا أبا أيوب إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء فلا ترتج " أي تغلق" حتى يصلي الظهر فأحب أن يصعد لي فيهن عمل صالح قبل أن ترتج فقلت يا رسول الله أو في كلهن قراءة قال نعم قلت بينهن تسليم فاصل قال لا إلا التشهد "وقد أشار" المصنف بقوله بلغني عن يحيى بن سعيد القطان الخ إلى ضعف الحديث ولكنه قد روى من عدة طرق يقوي بعضها بعضًا (باب الصلاة قبل العصر) (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا أَبُو دَاوُدَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الْقُرَشِيُّ حَدَّثَنِي جَدِّي أَبُو الْمُثَنَّى عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا". (ش) (رجال الحديث) (أبو داود) الطيالسي. و (محمد بن مهران) هو محمد بن إبراهيم بن مسلم بن مهران بن المثنى نسبه المصنف إلى جده الثاني لشهرته به ونسبه الترمذي في روايته إلى جده الأول فقال محمد بن مسلم بن مهران. وقد ينسب إلى جده الأعلى فيقال محمد بن المثنى ويقال ابن أبي المثنى وهي كنية جده مسلم وقيل كنية مهران. روى عن جده مسلم وحماد بن أبي سلمان وسلمة بن كهيل. وعنه شعبة وأبو داود الطيالسي. قال الدارقطني لا بأس به وقال ابن حبان كان يخطئُ وقال ابن عدي ليس له من الحديث إلا اليسير لا يتبين صدقه من كذبه.

الترغيب في صلاة ربع قبله. هل الأفضل أن تكون بسلام

روى له أبو داود والترمذي والنسائي. و (أبو المثنى) هو مسلم بن المثنى ويقال ابن مهران ابن المثنى الكوفي المؤذن، روى عن أبي عمر. وعنه محمد بن إبراهيم بن مسلم وحجاج بن أرطاة وثقه أبو زرعة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائي والترمذي (معنى الحديث) (قوله رحم الله امرأ الخ) يعنى شخصًا ذكرًا كان أو أنثى. وهي جملة دعائية. ويحتمل أن تكون خبرية لفظًا ومعنى والمراد المثابرة على ذلك لما رواه أبو يعلى عن أم حبيبة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من حافظ على أربع ركعات قبل العصر بنى الله له بيتًا في الجنة. وفي إسناده محمد بن المؤذن قال العراقي لا أدري من هو (والعمل) على ما في هذه الأحاديث مما يتنافس فيه المتنافسون اهـ وفي هذا ترغيب في صلاة أربع ركعات قبل العصر وهي مستحبة عند الجمهور ولم تكن مؤكدة لأنه لم يرو أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واظب عليها بل المروي أنه صلاها تارة أربعًا وتارة ركعتين كما في الحديث الآتي. والأفضل أن تكون بسلام واحد عند الحنفية وإسحاق. وعند غيرهم من الأئمة أن تكون بتسليمتين لما جاء عن علي رضي الله تعالى عنه قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي قبل العصر أربع ركعات يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين أخرجه الترمذي وقال حديث حسن. واختار إسحاق بن إبراهيم أن لا يفصل في الأربع قبل العصر. واحتج بهذا الحديث. قال ومعنى أنه يفصل بينهن بالتسليم يعني بالتشهد اهـ (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والترمذي وقال حسن غريب. وصححه ابن حبان وابن خزيمة وفي إسناده محمد بن مهران وفيه مقال. وأخرجه الطبراني في الأوسط والكبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا من صلى أربع ركعات قبل العصر لم تمسه النار. وأخرجه في الكبير عن أم سلمة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من صلى أربع ركعات قبل العصر حرّم بدنه على النار (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ. (ش) رجال الحديث) (شعبة) بن الحجاج تقدم في الجزء الأول صفحة 32. و (أبو إسحاق) السبيعي تقدم في الجزء الثاني صفحة 34. و (عاصم بن ضمرة) السلولي الكوفي روى عن علي. وعنه أبو إسحاق السبيعي وحبيب بن أبي ثابت والحكم بن عتيبة وغيرهم. وثقه العجلي وابن المديني وابن سعد وقال له أحاديث وقال البزار صالح الحديث وقال

باب الصلاة بعد العصر

النسائي ليس به بأس وقال ابن حبان كان ردئ الحفظ فاحش الخطأ. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (معنى الحديث) (قوله كان يصلي قبل العصر ركعتين) يعني كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقتصر على صلاة ركعتين قبل العصر أحيانًا وأحيانًا كان يصلي أربعًا كما تقدم في رواية الترمذي عن علي وكما في رواية ابن ماجه عن عاصم بن ضمرة قال سألنا عليًا عن تطوع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالنهار فأخبرهم بأنه كان يصلي ركعتي الضحى وأربعًا قبل الزوال وأربعًا قبل الظهر إذا زالت الشمس وركعتين بعدها وأربعًا قبل العصر يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين. فدلت الروايات علي التخيير بين ركعتين وأربع قبل الظهر. والأربع أفضل لكثرة رواياتها ولثبوتها قولًا وفعلًا. وفي إسناد الحديث عاصم بن ضمرة وهو مختلف فيه (باب الصلاة بعد العصر) أتجوز أم لا (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا اقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنَّا جَمِيعًا وَسَلْهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَقُلْ إِنَّا أُخْبِرْنَا أَنَّكِ تُصَلِّينَهُمَا وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْهُمَا. فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا فَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي بِهِ فَقَالَتْ سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ. فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرْتُهُمْ بِقَوْلِهَا فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُونِي بِهِ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَى عَنْهُمَا ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا أَمَّا حِينَ صَلاَّهُمَا فَإِنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ وَعِنْدِى نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَصَلاَّهُمَا فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الْجَارِيَةَ فَقُلْتُ

قُومِى بِجَنْبِهِ فَقُولِي لَهُ تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْمَعُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ. قَالَتْ فَفَعَلَتِ الْجَارِيَةُ فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ "يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ إِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالإِسْلاَمِ مِنْ قَوْمِهِمْ فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ". (ش) (رجال الحديث) (عبد الرحمن بن أزهر) بن عوف ابن أخي عبد الرحمن بن عوف أبو جبير المدني. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن جبير بن مطعم وعنه ابناه عبد الله وعبد الحميد والزهري وأبو سلمة وكريب مولى ابن عباس. روى له أبو داود والنسائي. و (المسور بن مخرمة) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي أبو عبد الرحمن أو أبو عثمان. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم. وعنه مروان بن الحكم وأبو أمامة ابن سهل وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعمرو بن دينار وجماعة. ولد بعد الهجرة بسنتين. له عن النبي صلى الله تعالى عيه وعلى آله وسلم اثنان وعشرون حديثًا اتفق الشيخان على حديثين وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بحديث مات سنة أربع وستين أصابه المنجنيق الذي كان يرمى به الحجاج الكعبة في عهد ابن الزبير (معنى الحديث) (قوله اقرأ عليها السلام) أمر من قرأ. وفي نسخة أقرئْ من الإقراء أي أبلغها السلام قال في القاموس قرأ عليه السلام أبلغه كأقرأه وقيل لا يقال أقرأه إلا إذا كان السلام مكتوبًا (قوله أخبرنا) بضم الهمزة مبنيًا للفعول، ولعل المخبر عبد الله بن الزبير فقد روى ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن الحارث قال دخلت مع ابن عباس على معاوية فأجلسه معاوية على السرير ثم قال ما ركعتان يصليهما الناس بعد العصر قال ذلك ما يفتي به الناس ابن الزبير فأرسل إلى ابن الزبير فسأله فقال أخبرتني بذلك عائشة فأرسل إلى عائشة فقالت أخبرتني أم سلمة فأرسل إلى أم سلمة فانطلقت مع الرسول فذكر القصة. واسم الرسول كثير بن الصلت كما في رواية الطحاوي بإسناد صحيح إلى أبي سلمة أن معاوية قال وهو على المنبر لكثير بن الصلت اذهب إلى عائشة فسلها عن ركعتي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد العصر فقال أبو سلمة فقمت معه وقال ابن عباس لعبد الله بن الحارث اذهب معه فجئناها فسألناها فقالت لا أدري "الحديث" (قوله إنك تصلينهما) باثبات النون كما في رواية للبخاري

النهي عن التنفل بعد صلاة الصبح والعصر

وفي رواية له تصليهما بحذف النون على خلاف الأصل. وفي رواية تصليها بإفراد الضمير راجع إلى الصلاة (قوله وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنهما) فيه إشارة إلى أنهم لم يسمعوا النهي عنهما منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد ذكر ابن عباس أن الذي سمع النهي عمر كما سيأتي للمصنف في الباب الآتي عن ابن عباس قال شهد عندي رجال مرضيون فيهم عمر وأرضاهم عندي عمر أن نبي الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس. وأما ابن أزهر والمسور بن مخرمة فلم نقف على تسمية الواسطة لهما. وقوله نهى عمر عنهما أي عن صلاة الركعتين بعد العصر وفي رواية عنها أي عن صلاة النافلة بعد العصر. زاد في رواية البخاري وقال ابن عباس وكنت أضرب الناس مع عمر عنها. وقد روى ابن أبي شيبة من طريق الزهري عن السائب بن يزيد قال رأيت عمر يضرب المنكدر على الصلاة بعد العصر (قوله فقالت أم سلمة) أحالته عليها لأنها هي التي رأت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي بعد صلاة العصر. وفي هذا عظيم النصح والإنصاف والتواضع من عائشة لأنها مع كونها أعلم من أم سلمة وأفضل وكلت الأمر إليها لاحتمال أن يكون عند أم سلمة من العلم ما ليس عندها (قوله فخرجت إليهم) أي إلى ابن عباس ومن معه وهذا من حسن أدب كريب (قوله ينهى عنهما) أي عن الركعتين بعد العصر. والمراد منه نهيه عن التنفل مطلقًا بعد العصركما تقدم في حديث ابن عباس ويحتمل أن النهي وقع عنهما بخصوصهما (قوله أما حين صلاهما آلخ) أي أما زمن صلاته إياهما فكان بعد أن صلي العصر ودخل البيت. ورواية البخاري ثم رأيته يصليهما حين صلى العصر ثم دخل عليّ فصلاهما بعد الدخول (قوله وعندي نسوة من بني حرام آلخ) بفتح الحاء المهملة والراء بطن من الأنصار منهم جابر بن عبد الله وذكر المصنف أنهم من الأنصار للاحتراز عن غير الأنصار لأن في العرب عدة بطون يقال لهم بنو حرام بطن في تميم وبطن في خزاعة وبطن في جذام (قوله أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما) أي فهل نسخ ذلك (قوله يابنة أبي أمية) كنية أبي أم سلمة واسمه حذيفة وقيل سهيل بن المغيرة المخزومي (قوله أتاني ناس من عبد القيس آلخ) يعني جاءني ناس من عبد القيس يخبرونني بإسلام جماعة من قومهم فشغلوني عن صلاة هاتين الركعتين. وفي رواية للطحاوي قدم عليّ قلائص من الصدقة فنسيتهما ثم ذكرتهما فكرهت أن أصليهما في المجسد والناس يرون فصليتهما عندك. وقوله فهما هاتان أي الركعتان اللتان صليتهما الآن هما اللتان كنت أصليهما بعد الظهر فشغلت عنهما (وبالحديث) استدلت الشافعية على أن صلاة التطوع التي لها سبب لا تكره في الوقت المنهي عن الصلاة فيه قالوا وإنما يكره ما لا سبب له. وأن

المذاهب في التنفل بعد صلاة العصر لسبب أو لغيره

السنن الراتبة إذا فاتت يستحب قضاؤها. وقال أبو حنيفة ومالك تكره النوافل وقت النهي مطلقًا لها سبب أم لا ولا يقضى من الرواتب إلا سنة الفجر على ما تقدم بيانه. وقال أحمد تكره النوافل مطقًا في وقت النهي وتقضى الراوتب في غيره (وأجابوا) عن حديث الباب بأن قضاءه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ركعتي الظهر بعد العصر خاص به لما رواه أحمد والطحاوي عن علي بن شيبة قال حدثنا ابن يزيد بن هارون قال أنا حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن ذكوان عن أم سلمة قالت صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العصر ثم دخل بيتي فصلى ركعتين فقلت يا رسول الله صليت صلاة لم تكن تصليها قال قدم عليّ مال فشغلني عن ركعتين كنت أصليهما بعد الظهر فصليتهما الآن قلت يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتا قال لا. قال الطحاوي فنهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في هذا الحديث أحدًا أن يصلي بعد العصر قضاء عما كان يصليه بعد الظهر. فدل ذلك على أن حكم غيره فيهما إذا فاتتاه خلاف حكمه فليس لأحد أن يصليهما بعد العصر ولا أن يتطوع بعد العصر أصلًا اهـ وقول البيهقي إن هذه الرواية ضعيفة ليس بصحيح فإن رجال سندها ثقات، ولو سلم عدم الاختصاص بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما كان في حديث الباب إلا جواز قضاء سنة الظهر لا جواز كل ذوات الأسباب (وفي الحديث) أيضًا فوائد أخرى منها أنه يستحب للعالم إذا سئل عن أمر مهم وعلم أن غيره أعلم به أن يرشد السائل إليه. ومنها أنه يطلب ممن أرسل في حاجة أن لا يتصرّف فيها بشيء لم يؤذن له فيه ولذا لم يذهب كريب إلى أم سلمة حتى رجع إلى من أرسله. وأنه يطلب من التابع إذا رأى من المتبوع ما يخالف المعروف أن يسأله عنه ليقف على ما دعا المتبوع إلى مخالفة المألوف. ويترتب على ذلك السلامة من سوء الظن بالمتبوع ومنها أن إشارة المصلي بيده لا تبطل الصلاة. وفيه دليل عدم مشروعية سنة الظهر البعدية. وفيه أنه إذا تعارضت المصالح بدأ بأهمها ولذا بدأ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحديث القوم في الإسلام وترك سنة الظهر حتى فات وقتها لأن الإشتغال بإرشادهم وتعليمهم الأحكام الشرعية أهمّ. وفيه جواز تكليم المصلي واستماعه إلى كلام غيره وفهمه له ولا يقدح ذلك في صلاته وأن المطلوب من المتكلم معه أن يقوم بجنبه لا أمامه منعًا للتشويش عليه ولا خلفه لتعسر تفهيمه بالإشارة إليه حينئذ. وفيه دلالة على مزيد فطنة أم سلمة رضي الله عنها وحسن تأدبها بملاطفتها في السؤال واهتمامها بأمر الدين. وفيه دليل على مشروعية تزاور النساء في البيوت. ومحله ما لم يترتب على ذلك مخالفة. وفيه مشروعية التنفل في البيت. وفيه طلب المبادرة إلى معرفة الحكم المشكل منعًا للشك (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الشيخان وأحمد وزاد في رواية له عن أم سلمة قالت ما رأيته صلاهما قبلها ولا بعدها. وأخرجه البيهقي والطحاوي وزاد في رواية له عن أم سلمة لم

باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة أي في الركعتين بعد العصر

أره صلاهما قبل ولا بعد. وأخرج الترمذي عن ابن عباس قال إنما صلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الركعتين بعد العصر لأنه أتاه مال فشغله عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر ثم لم يعد لهما وقال حديث حسن اهـ وما في هذه الروايات من أنه لم يعد إليهما ينافيه ما في مسلم عن أبي سلمة أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتان كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم يصليهما بعد العصر فقالت كان يصليهما قبل العصر ثم إنه شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما وكان إذا صلى صلاة أثبتها "أي داوم عليها" وفي البخاري في باب ما يصلي بعد العصر من الفوائت عن عائشة أنها قالت ما ترك النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم السجدتين بعد العصر عندي قط. وفيه أيضًا عنها ركعتان لم يكن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدعهما سرًا ولا علانية ركعتان قبل الصبح وركعتان بعد العصر. ومرادها بذلك أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واظب عليهما من الوقت الذي شغل فيه عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر. ولم ترد أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين من أول ما فرضت الصلوات إلى آخر عمره بدليل قولها في حديث مسلم ثم أثبتهما. وما في حديث الباب من أنه لم يكن يفعلهما قبل الوقت الذي قضاهما فيه. وقد جمع بين روايات النفي وروايات الإثبات بحمل النفي على نفي الصلاة في المسجد أو في بيت غير عائشة وبحمل الإثبات على فعلهما في بيت عائشة فكل راٍو أخبر بما علم (باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة) أي في صلاة ركعتين بعد صلاة العصر إذا كانت الشمس مرتفعة (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلاَلِ بْنِ يِسَافٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ الأَجْدَعِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلاَّ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ. (ش) (رجال الحديث) (منصور) بن المعتمر تقدم في الجزء الأول صفحة 84 و (وهب بن الأجدع) الهمداني الكوفي روى عن عمر وعلي. وعنه الشعبي وهلال بن يساف قال العجلي تابعي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل الكوفة وقال كان قليل الحديث: روى له أبو داود والنسائي

(معنى الحديث) (قوله نهى عن الصلاة آلخ) لفظ النهي عند البيهقي عن علي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة أي إلا صلاة تصلى والحال أن الشمس مرتفعة. فالمستثنى محذوف والواو للحال. وفي رواية النسائي إلا أن تكون الشمس بيضاء نقية مرتفعة. واستدلت الشافعية والحنابلة بهذا على جواز النافلة التي لها سبب بعد العصر ما دامت الشمس مرتفعة. ولكن لا دلالة فيه على تخصيص ذات السبب بل فيه الدلالة على جواز الصلاة مطلقًا بعد العصر ما دامت الشمس مرتفعة. وحمل الحنفية المستثنى في حديث الباب على فائتة المكتوبة والجنازة ونحوها من الواجبًات فإنه لا يكره فعلها بعد العصر بالإجماع ما دامت الشمس مرتفعة فإذا دنت للغروب يكره ذلك أيضًا. وحمله بعضهم على أن معناه نهى عن الصلاة بعد دخول وقت العصر إلا أن تكون الشمس مرتفعة فيصلي العصر. فالمستثنى إنما هو فرض العصر. ويدل على هذا ما أخرجه الطحاوي عن علي أنه صلى بعد العصر ركعتين بطريق مكة فنهاه عمر فتغيظ عليه فقال والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان ينهانا عنهما. وما أخرجه عنه أيضًا قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي دبركل صلاة ركعتين إلا الفجر والعصر وهو الحديث الآتي للمصنف (والحديث) أخرجه النسائي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي إِثْرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ رَكْعَتَيْنِ إِلاَّ الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ. (ش) هذا الحديث والثلاثة بعده غير مطابقة للترجمة فالمناسب ذكرها تحت ترجمة كراهية الصلاة بعد صلاتي الصبح والعصر. و (سفيان) بن عيينة تقدم بصفحة 47 من الجزء الأول و (أبو إسحاق) السبيعي بصفحة 34 من الجزء الثاني. و (على) هو ابن أبي طالب تقدم بصفحة 212 من الجزء الأول (قوله يصلي في إثر كل صلاة آلخ) أي عقب كل صلاة مفروضة ركعتين تطوعًا إلا الفجر والعصر فكان لا يصلي بعدهما ركعتين. وفي الحديث دلالة على كراهة التنفل بعد صلاتي الصبح والعصر وإن كان له سبب. وأجاب من أباح التنفل الذي له سبب في هذين الوقتين بأن المراد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يكن يصلي راتبة بعد هاتين الصلاتين لأنهما ليس لهما راتبة بعدية. وهذا لا ينافي ما ثبت أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي

المذاهب في التنفل بعد صلاتي الصبح والعصر

بعد العصر ركعتين في بيت عائشة كما تقدم لاحتمال أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما كان يصليهما بمرأى من الناس أو أن عليًا أخبر بذلك قبل حادثة الركعتين بعد العصر (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي وكذا الطحاوي بلفظ تقدم (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا أَبَانُ نَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِى عُمَرُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "لاَ صَلاَةَ بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ صَلاَةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ". (ش) (أبان) بن يزيد العطار تقدم في الجزء الأول صفحة 119. وكذا (أبو العالية) رفيع بن مهران صفحة 290 (قوله شهد عندي آلخ) يعني أعلمني وأخبرني وليس المراد شهادة الحكم. والمراد بكونهم مرضيين أنه لا شك في صدقهم ودينهم وأحبهم إليّ عمر كما جاء في رواية للبخاري ومسلم (قوله لا صلاة بعد صلاة الصبح آلخ) نفي بمعنى النهي أي لا تصلوا. والنهي قيل للتحريم. والأصح أنه للكراهة. والصارف له عن الحرمة إقرار النبي صلى الله عليه وعلي آله وسلم قيس بن عمرو على صلاة الركعتين بعد الصبح كما تقدم. وبالحديث احتج أبو حنيفة وأصحابه على كراهة التنفل ولو كان لسبب بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس. وبه قال مالك والحسن البصري وسعيد بن المسيب والعلاء ابن زياد وهو قول جماعة من الصحابة منهم علي وابن مسعود وأبوهريرة وزيد بن ثابت وابن عمر وابن عمرو ولذا كان عمر يضرب على الركعتين بعد العصر بمحضر من الصحابة من غير نكير فدل علي أن صلاته صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم الركعتين بعد العصرمخصوصة به كما تقدم وكان خالد بن الوليد يضرب الناس علي الصلاة بعد العصر. وذهب الشافعي إلى أنه يجوز من الصلاة في هذين الوقتين ما له سبب واستدل بصلاته صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم سنة الظهر بعد صلاة العصر. وأجاب الجمهور عنه بأنه من خصوصيات النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم كما تقدم. وقالت الحنابلة يحرم التطوع مطلقًا وقوله سبب في هذين الوقتين لظاهر حديث الباب ونحوه إلا ركعتي الطواف لحديث لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار رواه أصحاب السنن عن جبير بن مطعم وصححه ابن خزيمة والترمذي والحاكم وابن حبان (وذهب) أبو بكرة وكعب بن عجرة وغيرهما إلى المنع من الصلاة مطلقًا ولو فرضا بعد صلاة

جواز قضاء الفوائت بعدهما

الصبح وبعد صلاة العصر. وهو مشهور مذهب داود الظاهري مستدلين بالحديث لعموم النهي فيه. ويرده ما تقدم من إقرار النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قيسًا على صلاته ركعتي الفجر بعد صلاة الصبح. ويرده أيضًا حديث يزيد بن الأسود قال شهدت مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم حجته وصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف فلما قضى صلاته وانحرف إذا هو برجلين في أخرى القوم لم يصليا معه فقال عليّ بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما فقال ما منعكما أن تصليا معنا فقالا يا رسول الله إنا قد كنا صلينا في رحالنا قال فلا تفعلًا إذا صليتما في رحالكم ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنهما لكما نافلة أخرجه النسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح وتقدم للمصنف بصفحة 282 من الجزء الرابع (وقد أجمع العلماء) على جواز قضاء الفوائت في هذين الوقتين لعموم حديث من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها. رواه الشيخان والمصنف عن أنس. ولمسلم إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها. وذهب جماعة من السلف إلى إباحة الصلاة مطلقًا في جميع الأوقات. وحكى عن داود. وبه جزم ابن حزم. واستدلوا بحديث لاتمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار رواه أصحاب السنن عن جبير ابن مطعم. وزعموا أن أحاديث النهي منسوخة بهذا الحديث وحديث أبي هريرة من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر رواه البخاري وتقدم للصنف في باب وقت العصر من الجزء الثالث وهو دليل علي إباحة الصلاة في هذين الوقتين "ورد استدلالهم" بحديث جبير بن مطعم بأنه خاص بالصلاة في الحرم المكي، ودعواهم عامة فلا يصلح الاستدلال به عليها. ورد دعوى النسخ بأنه قد تقرر أن المبيح والحاظر إذا تعارضا جعل الحاظر متأخرًا فلا يتأتى دعوى نسخه بالمبيح على أن الحديث الأول خاص كما تقدم. وأحاديث النهي عامة فلا يصلح لنسخها على فرض تأخره وكذا الحديث الثاني خاص بالمكتوبة صاحبة الوقت. وأحاديث النهي في غير صاحبة الوقت فلا يصح دعوى نسخها به على فرض تأخره. وروى عن ابن عمر تحريم الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس لظاهر حديث الباب وإباحتها بعد العصر حتى تصفر الشمس. وبه قال ابن حزم محتجًا بحديث عليّ السابق أول الباب أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الشيخان والطحاوي والبيهقي وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن صحيح وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعدهم أنهم كرهوا الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس وأما الصلوات الفوائت فلا بأس بأن تقضى بعد العصر وبعد الصبح اهـ

حديث الأوقات النهي عن الصلاة فيها

(ص) حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي سَلاَّمٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ قَالَ "جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَصَلِّ مَا شِئْتَ فَإِنَّ الصَّلاَةَ مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الصُّبْحَ ثُمَّ أَقْصِرْ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَتَرْتَفِعَ قِيْسَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَتُصَلِّي لَهَا الْكُفَّارُ ثُمَّ صَلِّ مَا شِئْتَ فَإِنَّ الصَّلاَةَ مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ حَتَّى يَعْدِلَ الرُّمْحُ ظِلَّهُ ثُمَّ أَقْصِرْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ تُسْجَرُ وَتُفْتَحُ أَبْوَابُهَا فَإِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ فَصَلِّ مَا شِئْتَ فَإِنَّ الصَّلاَةَ مَشْهُودَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ ثُمَّ أَقْصِرْ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَيُصَلِّي لَهَا الْكُفَّارُ". وَقَصَّ حَدِيثًا طَوِيلًا قَالَ الْعَبَّاسُ هَكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو سَلاَّمٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ إِلاَّ أَنْ أُخْطِئَ شَيْئًا لاَ أُرِيدُهُ فَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ. (ش) (رجال الحديث) (محمد بن المهاجر) بن أبي مسلم دينار الأنصاري الشامي أخو عمرو بن مهاجر مولى أسماء بنت يزيد الأشهلية. روى عن العباس بن سالم والوليد بن عبد الرحمن الجرشي وربيعة بن يزيد وجماعة. وعنه ابن عيينة وأبو توبة الربيع بن نافع الحلبي وهشام بن سعيد الطالقاني وكثيرون. وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة الدمشقي ودحيم وأبو داود ويعقوب ابن سفيان وقال النسائي ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان متقنًا وقال العجلي شامي ثقة. مات سنة سبعين ومائة. روى له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه. و (العباس بن سالم) بن جميل بن عمرو بن ثوابة بن الأخنس اللخمي الدمشقي. روى عن أبي إدريس الخولاني وأبي سلام ممطور الأعرج وربيعة بن يزيد ومدرك بن عبد الله الأزدي. وعنه محمد وعمرو ابنا مهاجر. وثقه العجليّ وأبو داود وابن حبان روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه. و (أبو أمامة) هو صدى بن عجلان الباهلي الصحابي تقدم بصفحة 68 من الجز. الثاني. و(عمرو بن عبسة) "بفتحات" (السلمي) بضم السين المهملة ابن عامر ابن خالد بن غاضرة بن عتاب أبو نجيح أسلم قديمًا بمكة رابع أربعة في الإسلام وهاجر بعد أحد ونزل الشام وهو أخو أبي ذر الغفاري لأمه فقد روى مسلم عن عمرو بن عبسة السلمي قال كنت وأنا في الجاهلية

قصة قدوم عمرو بن عبسة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمكة والمدينة

أظن أن الناس على ضلالة وأنهم ليسوا علي شيء وهم يعبدون الأوثان فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارًا فقعدت على راحلتي فقدمت عليه فإذا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مستخفيًا جرّاء عليه قومه فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له ما أنت قال أنا نبي فقلت وما نبي قال أرسلني الله فقلت بأي شيء أرسلك قال أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله ولا يشرك به شيء قلت له فمن معك على هذا قال حر وعبد ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن به فقلت إني متبعك قال إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا ألا ترى حالي وحال الناس ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فائتني قال فذهبت إلى أهلي وقدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة وكنت في أهلي فجعلت أتخبر الأخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة حتى قدم عليّ نفر من أهل يثرب من أهل المدينة فقلت ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة قالوا الناس إليه سراع وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا فقدمت المدينة فدخلت عليه فقلت يا رسول الله أتعرفني قال نعم ألست الذي لقيتني بمكة فقلت بلى فقلت يا نبي الله أخبرني عما علمك الله وأجهله أخبرني عن الصلاة قال صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس الخ. روى له عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثمانية وثلاثون حديثًا روى له مسلم حديثًا واحدًا. وروى عنه ابن مسعود وسهل بن سعد وأبو أمامة الباهلي وسلام بن الأسود وغيرهم، نزل الشام وسكن حمص إلى أن مات في أواخر خلافة عثمان رضي الله عنهما. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (معنى الحديث) (قوله أيُّ الليل أسمع) يعني أي أوقات الليل أقرب إلى إجابة الدعاء والعمل فوضع السمع موضع الإجابة مجازًا مرسل علاقته اللزوم (قوله جوف الليل الآخر) يعني ثلثه الأخير أقرب للإجابة. فجوف مبتدأ خبره محذوف والآخر صفته (قوله فصل ما شئت فإن الصلاة الخ) أي صلّ من النوافل ما شئت إلى أن تصلي الصبح فإن الصلاة حينئذ تحضرها الملائكة وتكتب ثوابها. وهو يدل بظاهره علي إباحة التطوع بعد طلوع الفجر بأكثر من ركعتين. ولكن ينافيه ما في حديث أحمد قلت أي الساعات أفضل قال جوف الليل الآخر ثم الصلاة مكتوبة مشهودة حتى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر فلا صلاة إلا الركعتين حتى تصلي الفجر "الحديث" فهو صريح في كراهة التطوع بعد طلوع الفجر بغير ركعتي الفجر فلعله وقع اختصار في حديث المصنف (قوله ثم أقصر حتى تطلع الشمس الخ) أقصر بقطع الهمزة أمر من الإقصار وهو الكف عن الشيء مع القدرة عليه وقيس رمح بكسر القاف أي قدر رمح يقال قيس رمح وقاس رمح أي قدره والمعنى كفّ عن الصلاة إلى ظهور الشمس وارتفاعها في رأي العين قدر رمح أو رمحين. وقوله فإنها تطلع بين قرني

حكمة النهي عن الصلاة في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها

شيطان تعليل للأمر بالكف عن الصلاة. وتنكير الشيطان للتحقير والمراد بقرني الشيطان جانبا رأسه وذلك أنه يدني رأسه من الشمس حين طلوعها فيكون الساجد من الكفار للشمس كالساجد له وحينئذ يتمكن هو وجنوده من أن يلبسوا على المصلي صلاته فلذا نهى عن الصلاة وقتئذ صيانة لها (قوله ويصلي لها الكفار) أي يسجد لها عبادةا. وفي رواية مسلم وحينذ يسجد لها الكفار (قوله حتى يعدل الرمح ظله) يعني حتى يستوى الظل مع الرمح أي لا يبقى على الأرض منه شيء وهذا يكون بمكة والمدينة وما حولهما في أطول يوم في السنة وهو أول فصل الصيف وفي هذه الحالة يقف الظل فلا يزيد ولا ينقص فإذا أخذ في الزيادة إلى جهة المشرق كان وقت الزوال. وفي رواية مسلم حتى يستقل الظل بالرمح أي يرتفع الظل فلا يبقى على الأرض منه شيء .. وتخصيص الرمح بالذكر لأن العرب كانوا إذا أرادوا معرفة الوقت ركزوا رماحهم في الأرض ثم نظروا إلى ظلها. وإلا فمثل الرمح غيره من كل مستقيم قائم (قوله فإن جهنم تسجر) بالبناء للمفعول مشددًا ومخففًا أي توقد يقال سجر التنور إذا أوقده. ولعل تسجيرها حينئذ لمقارنة الشيطان الشمس واستعداد عباد الشمس للسجود لها. فلذا نهي عن الصلاة في هذا الوقت لما فيه من التشبه بعباد الشمس. وجهنم علم على النار وهو أعجمي معرب ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة. وقيل إنه عربي مشتق من الجهومة وهي كراهة المنظر. أو من قولهم بئر جهام أي عميق فتكون ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث (قوله فإذا زاغت الشمس) أي مالت في رأى العين عن كبد السماء إلى جهة الغروب (قوله ثم أقصر حتى تغرب الشمس الخ) أي كف بعد صلاة العصر عن الصلاة مطلقًا ولا سيما حال الغروب لما فيه من التشبه بعباد الشمس. وأما ما بين صلاة الصبح والطلوع وما بين صلاة العصر والغروب فالحكمة في النهي عن الصلاة فيهما أن ما قارب الشيء يعطى حكمه وأن عباد الشمس ربما يستعدون لتعظيمها من أول هذين الوقتين مراقبين طلوعها أو غروبها ليسجدوا لها فلو أبيح التنفل في هذين الوقتين لكان فيه تشبه بهم أو إيهام التشبه بهم. قال الخطابي وذكر تسجير جهنم وكون الشمس بين قرني الشيطان وما أشبه ذلك من الأشياء التي تذكر على سبيل التعليل لتحريم شيء أولنهي عن شيء أمور لا تدرك معانيها من طريق الحس والعيان وإنما يجب الإيمان بها والتصديق للخبر بها والانتهاء إلى أحكامها التي علقت بها اهـ (قوله وقص حديثًا طويلًا) أي ذكر عمرو بن عبسة بعد ذلك تمام حديثه الطويل وهو كما في مسلم قال فقلت يا نبي الله ما الوضوء حدثني عنه قال ما منكم رجل يقرب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فيستنثر إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرّت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرّت خطايا يديه من أنامله مع الماء ثم يمسح رأسه إلا خرّت خطايا رأسه من أطراف شعره

مذاهب العلماء في الصلاة وقت طلوع الشمس واستوائها وغروبها

مع الماء ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرّت خطايا رجليه من أنامله مع الماء فإن هو قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذى هو له أهل وفرّغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئة يوم ولدته أمه فقال أبو أمامة يا عمرو بن عبسة انظر ما تقول في مقام واحد يعطى هذا الرجل فقال عمرو يا أبا أمامة لقد كبرت سني ورقّ عظمي واقترب أجلي وما بي حاجة أن أكذب على الله ولا على رسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا مرة أو مرتين أو ثلاثًا حتى عد سبع مرات ما حدثت به أبدًا ولكن سمعته أكثر من ذلك (قوله قال العباس هكذ احدثني أبو سلام الخ) غرض العباس به بيان أنه بذل جهده في نقل الحديث على ما هو عليه فكأنه يقول حدثني أبو سلام عن أبي أمامة الباهلي بهذا الحديث كما حدثت به مع التحري فإن تبين فيه شيء من الخطأ فليس مقصودًا إلي وأطلب من الله المغفرة وقبول التوبة. وليس المراد أنه شاك فيما نقله. (والحديث) يدل على النهي عن التنفل بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وترتفع قدر رمح ووقت الاستواء حتى نزول وبعد صلاة العصر حتى تغيب الشمس فهذه ثلاثة أوقات لكنها خمسة تفصيلًا باعتبار تفاوت النهي فيها فإنه في وقت طلوع الشمس ووقت غروبها أشد منه في الأوقات الثلاثة الأخر. وهذه الأوقات الخمسة باعتبار متعلق النهي قسمان "أحدهما" ما يتعلق فيه النهي بفعل المصلى الصلاة وذلك بعد صلاة الصبح وصلاة العصر فإذا صلى فريضته في هذين الوقتين فهو منهي عن التنفل بعدها. وتقدم في الحديث السابق بيان مذاهب العلماء في ذلك "ثانيهما" ما يتعلق النهي فيه بالوقت وهو وقت الطلوع إلى الارتفاع ووقت الاستواء ووقت الغروب (وقد اختلف) العلماء في حكم الصلاة في هذه الأوقات الثلاثة فقال أبو حنيفة وأصحابه لا تصح في هذه الأوقات صلاة مطلقًا مفروضة أو واجبة أو نافلة قضاء أو أداء. مستدلين بعموم النهي عن الصلاة في هذه الأوقات بناء على أن النهي يقتضي الفساد. واستثنوا من ذلك عصر اليوم لحديث أبي هريرة مرفوعًا من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر رواه الشيخان وتقدم للمصنف بصفحة 330 من الجزء الثالث فيصح أداؤه وقت الغروب لأنه أداه كما وجب ويكره تحريمًا تأخيره إلى هذا الوقت. واستثنوا أيضًا صلاة الجنازة إن حضرت في وقت من هذه الأوقات فإنها تصل فيها بلا كراهة لحديث عليّ مرفوعًا ثلاث لا يؤخرن الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت والأيمّ إذا وجدت كفؤا رواه الحاكم والترمذي وقال غريب ليس بمتصل. ولما سيأتي للمصنف في باب التعجيل بالجنازة عن الحصين بن وحوح أن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعوده فقال إني لأرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا فإنه

مشروعية التنفل يوم الجمعة وقت الاستواء

لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله. واستثنوا أيضًا سجدة تلاوة تليت آيتها في وقت من هذه الأوقات فإنها تؤدي فيه بلا كراهة لأنها أدّيت كما وجبت لكن الأفضل تأخيرها لتؤدى في الوقت المستحب لأنها لا تفوت بالتأخير. وقد فرقوا بين الصبح والعصر حيث قالوا بعدم صحة أداء الصبح وقت الطلوع وبصحة أداء العصر وقت الغروب بما تقدم في حديث أبي هريرة في باب وقت العصر صفحة 333 من الجزء الثالث. ولكنه فرق لا وجه له بعد أن سوّى بينهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر رواه البخاري وغيره كما تقدم هناك .. واستثنى أبو يوسف أيضًا التنفل يوم الجمعة وقت الاستواء مستدلًا بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ندب الناس إلى التبكير يوم الجمعة ورغب في الصلاة إلى خروج الإمام كما تقدم وعليه الإجماع وجعل الغاية خروج الإمام وهو لا يخرج إلا بعد الزوال فدل على عدم الكراهة وجاء فيه حديث أبي قتادة مرفوعًا أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة وقال إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة رواه المصنف في باب الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال، وفيه انقطاع لأنه من رواية أبي الخليل عن أبي قتادة ولم يسمع منه وفي سنده الليث بن أبي سليم وهو ضعيف وقد ذكر له البيهقي شواهد ضعيفة يقوى بها (وقالت الحنابلة) لا ينعقد النفل مطلقًا في هذه الأوقات الثلاثة حتى ما له سبب كسجود تلاوة وشكر وصلاة كسوف وتحية مسجد لعموم أدلة النهي. ولا فرق في ذلك بين مكة وغيرها ولا يوم الجمعة وغيره إلا تحية المسجد يوم الجمعة فإنهم قالوا بجواز فعلها بلا كراهة وقت الاستواء وحال الخطبة لحديث أبي قتادة المتقدم. وفيه أنه يفيد إباحة الصلاة مطلقًا وقت الاستواء يوم الجمعة وهم لا يقولون إلا بإباحة تحية المسجد حينئذ، ويحرم عندهم أيضًا صلاة الجنازة في هذه الأوقات إلا إن خيف عليها التغير فتجوز للضرورة، وقالوا يجوز بلا كراهة في هذه الأوقات قضاء الفرائض لحديث من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها وجعلوه مخصصًا لأحاديث النهي "قال في النيل" وهو تحكم لأنه أعم منها من وجه وأخص من وجه وليس أحد العمومين أولى بالتخصيص من الآخر. وكذلك الكلام في فعل الصلاة المفروضة في هذه الاوقات أداء إلا أن حديث من أدرك من الفجر ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر أخص من أحاديث النهي مطلقًا فيقدم عليها اهـ وجوّزوا أيضًا في هذه الأوقات الصلاة المنذورة ولو كان نذرها فيها بأن قال لله علي أن أصلي ركعتين عند طلوع الشمس مثلًا لأنها صلاة واجبة فأشبهت الفرائض. وقد علمت أن دليلهم في قضاء الفرائض لا ينهض. وأباحوا أيضًا تأدية ركعتي الطواف ولو نفلًا في كل وقت

لحديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى آية ساعة شاء من ليل أو نهار. رواه الأربعة وقال الترمذي صحيح كما تقدم (وقالت المالكية) تحرم النوافل ولو لها سبب والمنذورة وسجدة التلاوة وقت الطلوع والغروب لحديث الباب ونحوه من أحاديث النهي. وكذا تحرم صلاة الجنازة في هذين الوقتين إلا إن خيف تغيرها فتجوز. وأباحوا الفرائض العينية قضاء أو أداء في هذين الوقتين مستدلين بما تقدم للمصنف في الجزء الرابع صفحة 37 من قوله صلى الله عليه وآله وسلم من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها وأباحوا الصلاة مطلقًا فرضًا ونفلًا وقت الاستواء. قال الزرقاني في شرح الموطأ قال الجمهور والأئمة الثلاثة بكراهة الصلاة عند الاستواء. وقال مالك بالجواز مع روايته هذا الحديث "يعني حديث عبد الله الصنابحي أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها ونهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الصلاة في تلك الساعات" قال ابن عبد البر فإما أنه لم يصح عنده. أو ردّه بالعمل الذي ذكره بقوله ما أدركت أهل الفضل إلا وهم يجتهدون ويصلون نصف النهار اهـ قال الزرقاق والثاني أولى أو متعين فإن الحديث صحيح بلا شك إذ رواته ثقات مشاهير. وعلى تقدير أنه مرسل فقد تقوّى بأحاديث عقبة وعمرو يعني ابن عبسة "وهو حديث الباب" وقد صححهما مسلم اهـ "أقول" وحيث ثبتت صحة الحديث فهو مذهب مالك ولا وجه للتفرقة بين أجزائه بعمل الناس فإنه لا كلام لأحد مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: على أن عمل الناس إنما هو في الصلاة وقت الاستواء يوم الجمعة وقد تقدم ما يدل على استثنائه ولذا قال الباجي في شرح الموطأ. وفي المبسوط عن ابن وهب سئل مالك عن الصلاة نصف النهار فقال أدركت الناس وهم يصلون يوم الجمعة نصف النهار. وقد جاء في بعض الحديث نهي عن ذلك فأنا لا أنهى عنه للذى أدركت الناس عليه ولا أحبه للنهي عنه اهـ وقول مالك لا أحبه للنهي عنه محمول على أنه لم يثبت عنده الحديث الدال على إباحة الصلاة وقت الاستواء يوم الجمعة. وقد تقدم ما فيه (وقالت الشافعية) يكرة النفل الذي لا سبب له في هذه الأوقات. أما الفرض مطلقًا والنفل الذي له سبب فلا يكره مستدلين بحديث من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها. وتقدم ما فيه. وأباحوا أيضًا التنفل مطلقًا في الحرم المكي في هذه الأوقات لحديث الترمذي وغيره المتقدم يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار. وأباحوا النفل أيضًا وقت الاستواء يوم الجمعة لما تقدم عن أبي قتادة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة. والمشهور عن داود منع الصلاة في هذه الأوقات مطلقًا

المذاهب في التنفل بعد طلوع الفجر بأكثر من سنته

وحكي عنه إباحتها. وقد روى عن جمع من الصحابة. ولعلهم لم يسمعوا أحاديث النهي. إذا علمت هذا تعلم أن المعوّل عليه أن الصلاة مطلقًا ممنوعة في هذه الأوقات الثلاثة إلا أداء الصبح وقت الطلوع والعصر وقت الغروب والنفل وقت الاستواء يوم الجمعة (والحديث) أخرجه أحمد والبيهقي وابن ماجه والطحاوي وأخرجه مسلم مطولًا والترمذي مختصرًا (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا وُهَيْبٌ نَا قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى عَنْ أَيُّوبَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ يَسَارٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَآنِي ابْنُ عُمَرَ وَأَنَا أُصَلِّي بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَالَ يَا يَسَارُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نُصَلِّي هَذِهِ الصَّلاَةَ فَقَالَ "لِيُبَلِّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ لاَ تُصَلُّوا بَعْدَ الْفَجْرِ إِلاَّ سَجْدَتَيْنِ". (ش) (رجال الحديث) (قدامة ابن موسى) بن عمرو بين قدامة بن مظعون الجمحي المكي روى عن أنس وسالم بن عبد الله وأبي صالح السمان وأيوب بن حصين وغيرهم. وعنه ابنه إبراهيم وابن جريج ووهيب بن خالد ويحيى بن أيوب المصري ووكيع ويحيى بن سعيد وجماعة. وثقه ابن معين وأبو زرعة وابن حبان وقال الزبير بن بكار كان ثبتًا. مات سنة ثلاثة وخمسين ومائة روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه. و (أيوب بن حصين) وقيل محمد بن حصين وهو أصح كما قاله أبو حاتم. روى عن أبي علقمة ويسار بن نمير. وعنه قدامة بن موسى. ذكره أبي حبان في الثقات وقال الدارقطني مجهول. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه. و (أبو علقمة) هو مولى بنى هاشم تقدم بصفحة 24 من الجزء الثاني، و (يسار مولى ابن عمر) هو ابن نمير القرشي العدوي. ووى عن ابن عمر. وعنه أبو علقمة وأبو أمامة. وثقه أبو زرعة وابن حبان. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله رآني ابن عمر وأنا أصلي الخ) يعني نفلًا مطلقًا غير سنة الصبح بدليل إنكار ابن عمر عليه. وقوله إلا سجدتين أي ركعتين وهما سنة الصبح. وفي هذا دليل على كراهة التنفل بعد طلوع الفجر بأكثر من سنة الصبح وبه قال سعيد بن المسيب والعلاء بن زياد وحميد بن عبد الرحمن والحنفية وروى ذك عن ابن عمر وابن عمرو وهو المشهور عن أحمد (وذهب) الحسن البصري والشافعي إلى جواز التنفل بعد طلوع الفجر قبل صلاة الصبح قالوا والنهى عن الصلاة بعد الصبح المراد منه بعد صلاة الفريضة. واستدلوا بما تقدم في حديث عمرو بن عبسة من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلّ ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة

حتى تصلي الصبح. وبه قال ابن حزم "وقد تقدم" في حديث أحمد ما ينافيه من قوله. قلت أيّ الساعات أفضل قال جوف الليل الآخر ثم الصلاة مكتوبة مشهودة حتى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر فلا صلاة إلا الركعتين حتى تصلي الصبح. فلعل في رواية أبي داود اختصارًا فلا يصح الاحتجاج بها (وقال مالك) يجوز ذلك لمن فاتته صلاة الليل لما رواه في الموطأ عن سعيد بن جبير أن عبد الله بن عباس رقد ثم استيقظ ثم قال لخادمه انظر ما صنع الناس وهو يومئذ قد ذهب بصره فذهب الخادم ثم رجع فقال قد انصرف الناس من الصبح فقام عباس الله بن عباس فأوتر ثم صلى الصبح "ولما رواه" أنه بلغه أن عبد الله بن عباس وعبادة بن الصامت والقاسم بن محمد وعبد الله بن عامر بن ربيعة قد أوتروا بعد الفجر "وما رواه" عن هشام بن عروة عن أبيه أن عبد الله بن مسعود قال ما أبالي لو أقيمت صلاة الصبح وأنا أوتر "وما رواه" عن يحيى بن سعيد أنه قال كان عبادة بن الصامت يؤمّ قومًا فخرج يوما إلى الصبح فأقام المؤذن صلاة الصبح فأسكته عبادة حتى أوتر ثم صلى بهم الصبح "وما رواه" عن عبد الرحمن بن القاسم أنه قال سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة يقول إني لأوتر وأنا أسمع الإقامة أو بعد الفجر. يشك عبد الرحمن أيّ ذلك "وما رواه" عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع أباه القاسم بن محمد يقول إني لأوتر بعد الفجر "ففي هذا كله" دلالة على أن الوتر تصلى بعد الفجر وقبل صلاة الصبح "قال في النيل" والحديث "يعني حديث الباب" يدل على كراهة التطوع بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر قال الترمذي وهو مما أجمع عليه أهل العلم كرهوا أن يصلي الرجل بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر قال الحافظ في التلخيص دعوى الترمذي الإجماع على الكراهة لذلك عجيب فإن الخلاف في ذلك مشهور حكاه ابن المنذر وغيره وقال الحسن البصري لا بأس به وكان مالك يرى أن يفعله من فاتته صلاة بالليل وقد أطنب في ذلك محمد بن نصر في قيام الليل اهـ وطرق حديث الباب يقوّى بعضها بعضًا فتنتهض للاحتجاج بها على الكراهة. وقد أفرط ابن حزم فقال الروايات في أنه لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر ساقطة مطروحة مكذوبة اهـ فالراجح القول بكراهة التنفل بعد طلوع الفجر بأكثر من سنته (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد وابن ماجه والدارقطني والترمذي وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث قدامة بن موسى. ورواه أبو يعلى والطبراني من وجهين آخرين عن ابن عمر نحوه. ورواه الدارقطني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. وفي سنده الإفريقي ورواه الطبراني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وفي سنده روّاد بن الجرّاح ورواه البيهقي من حديث سعيد بن المسيب مرسلًا قال وروى موصولًا عى أبي هريرة ولا يصح اهـ

المذاهب في التنفل ركعتين بعد صلاة العصر

(ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ وَمَسْرُوقٍ قَالاَ نَشْهَدُ عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ مَا مِنْ يَوْمٍ يَأْتِي عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ. (ش) (الأسود) بن يزيد النخعي تقدم بصفحة 127 من الجزء الأول. و (مسروق) هو ابن الأجدع تقدم بصفحة 254 من الجزء الثاني (قوله نشهد على عائشة) يعني نخبر عنها وليس المراد شهادة الحكم (قوله ما من يوم يأتي الخ) أي ما من يوم يمر على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد أن وفد عليه عبد القيس وشغلوه عن الركعتين بعد الظهر إلا صلى بعد صلاة العصر ركعتين. وكانت صلاته لهما يوم الوفد قضاء ثم داوم عليهما فإنه كان إذا صلى صلاة داوم عليها (وبالحديث) استدل جماعة على استحباب صلاة ركعتين بعد العصر وقد فهمت عائشة من مواظبته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الركعتين بعد العصر أن نهيه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم عن الصلاة بعدها حتى تغرب الشمس مختص بمن قصد الصلاة عند غروب الشمس وليس النهي على إطلاقه ولذا قالت. والذى ذهب به ما تركهما حتى لقي الله وما لقي الله حتى ثقل عن الصلاة وكان يصلي كثيرًا من صلاته قاعدًا تعنى الركعتين بعد العصر وكان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصليهما ولا يصليهما في المسجد مخافة أن يثقل على أمته وكان يحب ما يخفف عنهم أخرجه البخاري من طريق عبد الواحد بن أيمن عن أبيه عن عائشة. قال الحافظ في الفتح وكانت تتنفل بعد العصر وقد أخرجه المصنف "يعني البخاري" في الحج من طريق عبد العزيز بن رفيع قال رأيت ابن الزبير يصلي ركعتين بعد العصر ويخبر أن عائشة حدثته أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يدخل بيتها إلا صلاهما وكأن ابن الزبير فهم من ذلك ما فهمته خالته عائشة (وأجاب الجمهور) عن حديث الباب ونحوه بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما صلى الركعتين بعد العصر قضاء لسنة الظهر البعدية التي فاتته يوم وفد عبد القيس وكان إذا فعل فعلًا واظب عليه وهذا من خصوصياته صلى الله تعالى على آله وسلم كما تقدم (والحديث) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والطحاوي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ نَا عَمِّي نَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-

باب الصلاة قبل المغرب

كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ وَيَنْهَى عَنْهَا وَيُوَاصِلُ وَيَنْهَى عَنِ الْوِصَالِ. (ش) (رجال الحديث) (قوله حدثنا عمي) هو يعقوب بن إبراهم تقدم في الجزء الثالث صفحة 152. و (أبوه) إبراهيم بن سعد تقدم في الجزء الأول صفحة 176. وكذا (ابن إسحاق) محمد صفحة 57. (وذكوان مولى عائشة) هو أبو عمرو. روى عن عائشة. وعنه عبد الرحمن بن الحارث وابن أبي مليكة وعلي بن الحسين ومحمد بن عمرو بن عطاء والأزرق بن قيس. وثقه أبو زرعة وابن حبان والعجلي وأثنى عليه ابن أبي مليكة أحسن الثناء توفي ليل الحرة في ذى الحجة سنة ثلاث وستين. روى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي (معنى الحديث) (قوله كان يصلي بعد العصر) أي الركعتين المذكورتين في الحديث السابق (قوله وينهى عنها) تريد به قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس (قوله ويواصل الخ) يعني يصل صيام النهار بإمساك الليل مع صوم اليوم الذي بعده من غير أن يتناول مفطرًا وينهى عن الوصال. ولفظ النهي سيأتي في باب الوصال من كتاب الصيام من حديث أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر قالوا فإنك تواصل يا رسول الله قال إني لست كهيئتكم إن لي مطعمًا يطعمني وساقيًا يسقيني. والحديث صريح في أن صلاة النفل بعد العصر كانت من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم كما أن الوصال في الصوم كان من خصائصه ولذا نهى الأمة عنهما. وسيأتي تمام الكلام على الوصال في بابه إن شاء الله تعالى. وسكت المصنف عن الحديث لكن في سنده محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو ابن عطاء وفيه مقال إذا لم يصرح بالتحديث كما هنا (والحديث) أخرجه البيهقي (باب الصلاة قبل المغرب) يعني صلاة التطوع (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-"صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ". ثُمَّ قَالَ "صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ لِمَنْ شَاءَ". خَشْيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً. (ش) (عبد الله المزني) هو ابن مغفل تقدم بصفحة 107 من الجزء الأول (قوله لمن

المذاهب في ذلك

شاء) أتى به لبيان أن الأمر في قوله صلوا قبل المغرب للندب. وهنا أتى به بعد الأمر مرتين وفي رواية أبي نعيم في المستخرج صلوا قبل المغرب ركعتين قالها ثلاثًا ثم قال لمن شاء. وفي رواية البخاري قال صلوا قبل صلاة المغرب قال في الثالثة لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة. وهو يدل على أن في رواية المصنف اختصارًا "قال الحافظ" في الفتح وأعاده الإسماعيلي من هذا الوجه ثلاث مرات وهو موافق لقوله في رواية البخاري قال في الثالثة. فحذف أبو داود أو أحد من الرواة قوله قال في الثالثة. وقوله خشية أن يتخذها الناس سنة مفعول لأجله. وظاهر سياق الحديث أنه من قول الراوي فيكون المعنى قال الراوي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمن شاء لئلا يتخذها الناس طريقة لازمة. وعلى فرض أنها من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكون المعنى قلت لمن شاء خشية أن يتخذها الناس سنة (والحديث) دليل على استحباب صلاة ركعتين قبل صلاة المغرب وبه قال جمع من الصحابة والتابعين والفقهاء منهم عبد الرحمن بن عوف وأبيّ بن كعب وأنس وجابر وعبد الرحمن بن أبي ليلى والحسن البصري وأحمد وإسحاق. وبه قال المحققون من الشافعية والحنفية وأهل الحديث. وعن مالك قول باستحبابهما. وذهب قوم إلى عدم استحبابهما وهو مشهور مذهب المالكية والحنفية. وقول عند الشافعية. ونقل عن الخلفاء الأربعة قال النخعي لم يصلهما أبو بكر ولا عمر ولا عثمان وهما بدعة وكان خيار الصحابة بالكوفة علي وابن مسعود وعمار وحذيفة وأبو مسعود أخبرني من رمقهم كلهم فما رأى أحدًا منهم يصلي قبل المغرب وقد احتج من قال بعدم استحبابهما بما رواه أحمد وتقدم للمصنف في باب وقت المغرب عن عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا تزال أمتي بخير أو على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم. قالوا وهو يدلّ على طلب تعجيلهما. وصلاة الركعتين قبلها يؤدي إلى تأخيرها واستدلوا أيضًا بحديث ابن عمر الآتي أنه سئل عن الركعتين قبل المغرب فقال ما رأيت أحدًا على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصليهما. وادّعى ابن شاهين أن حديث الباب منسوخ بما رواه الدارقطني والبزار من طريق حيان بن عبيد الله عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن عند كل أذانين ركعتين ما خلا صلاة المغرب قال البزار لا نعلم رواه إلا حيان وهو بصري مشهور ليس به بأس. وردّ هذا "أولًا" بأن المنقول عن الخلفاء الأربعة رواه محمد بن نصر وغيره من طريق إبراهيم النخعي عنهم وهو منقطع. ولو ثبت فلا يدل على النسخ ولا الكراهة. وقد روى البخاري وأحمد عن مرثد بن عبد الله قال أتيت عقبة بن عامر فقلت له ألا أعجبك من أبي تميم يركع ركعتين قبل صلاة المغرب فقال عقبة إنا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قلت فما يمنعك الآن قال الشغل. فلعل غيره أيضًا منعه الشغل. وقد روى محمد بن نصر وغيره

من طرق قوية عن عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبى بن كعب وأبي الدرداء وأبي موسى الأشعري وغيرهم أنهم كانوا يواظبون عليهما. وأما قول أبي بكر بن العربي اختلف فيها الصحابة ولم يفعلها أحد بعدهم فمردود بقول محمد بن نصر قد روينا عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصلون الركعتين قبل المغرب ثم أخرج ذلك بأسانيد متعددة عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى وعبد الله بن بريده ويحيى بن عقيل والأعرج وعامر بن عبد الله بن الزبير وعراك ابن مالك "ثانيًا" بأن الأحاديث الواردة بطلب الركعتين قبل المغرب مخصصة لعموم أدلة استحياب التعجيل. قال النووي وأما قولهم إن فعلهما يؤدي إلى تأخير المغرب فهو خيال منابذ للسنة فلا يلتفت إليه ومع هذا فهو زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها اهـ "ثالثا" أن رواية حيان الذي ادعوا أنها ناسخة لحديث الباب شاذة لأن حيان وإن كان صدوقًا عند البزار وغيره لكنه خالف الحفاظ من أصحاب عبد الله بن بريدة في إسناد الحديث ومتنه وقد وقع في بعض طرقه وكان بريدة يصلي ركعتين قبل صلاة المغرب فلو كان الاستثناء محفوظًا له ما خالفه بريدة راويه. وقد نقل ابن الجوزي في الموضوعات عن الفلاس أنه كذب حيانًا. وقال ابن حزم حيان مجهول. وقال الدارقطني ليس بالقوى. وقال الهيثمي اختلط وذكره ابن عدي في الضعفاء وقال البيهقي أخطأ فيه حيان بن عبيد الله في الإسناد والمتن جميعًا. أما السند فأخرجاه في الصحيح عن سعيد الجريري وكهمس عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال بين كل أذانين صلاة قال في الثالثة لمن شاء. وأما المتن فكيف يكون صحيحًا وفي رواية ابن المبارك عن كهمس في هذا الحديث قال وكان ابن بريدة يصلي قبل المغرب ركعتين اهـ (فمن هذا) تعلم أن دعوى النسخ لا دليل عليها. قال النووي في شرح مسلم وأما من زعم النسخ فهو مجازف لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا عجزنا عن التأويل والجمع بين الأحاديث وعلمنا التاريخ وليس هنا شيء من ذلك اهـ إذا علمت هذا علمت أن الحق مع من قال باستحباب الركعتين قبل صلاة المغرب لثبوتهما بأمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتقريره وكذا بفعله كما رواه ابن حبان من حديث ابن مغفل أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى قبل المغرب ركعتين. قال الحافظ في الفتح ومجموع الأدلة يرشد إلى استحباب تخفيفهما كما في ركعتي الفجر اهـ (والحديث) أخرجه أحمد والبخاري والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَزَّازُ أَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ نَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ صَلَّيْتُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ عَلَى عَهْدِ

رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ قُلْتُ لأَنَسٍ أَرَآكُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ نَعَمْ رَآنَا فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا. (ش) (رجال الحديث) (البزاز) بزايين هو المعروف بصاعقة الحفاظ لجودة حفظه تقدم بصفحة 102 من الجزء السادس. وفي بعض النسخ محمد بن عبد الرحيم البرقي وهو من شيوخ المؤلف أيضًا. (وسعيد بن سليمان) بن كنانة أبو عثمان الواسطي البزاز المعروف بسعدويه. روى عن سليمان بن كثير والليث بن سعد وسليمان بن المغيرة وحماد بن سلمة ومنصور بن أبي الأسود وزهير بن معاوية وطائفة. وعنه البخاري وأبو داود وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم. وثقه أبو حاتم والعجلي وابن سعد وابن حبان. مات ببغداد لأربع خلون من ذى الحجة سنة خمس وعشرين ومائتين. روى له الجماعة و(منصور بن أبي الأسود) قيل اسم أبيه حازم. روى عن المختار بن فلفل وعبد الملك بن أبي سليمان والأعمش ومجالد والليث بن أبي سليم ومغيرة بن مقسم. وعنه ابن مهدي ومحمد بن جعفر المدائني وسعيد بن سليمان وأبو الربيع الزهراني وجماعة. وثقه ابن معين وابن حبان وقال أبو حاتم يكتب حديثه وقال النسائي ليس به بأس. روى له أبو داود والترمذي والنسائي. و (المختار بن فلفل) بضم الفاءين تقدم بصفحة 12 من الجزء الخامس (معنى الحديث) (قوله صليت الركعتين قبل المغرب الخ) أي قبل صلاة المغرب ففي رواية مسلم قال أنس كنا نصلي على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم ركعتين بعد غروب الشمس وقبل صلاة المغرب (قوله أراكم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) الهمزة للاستفهام أي هل أبصركم رسول الله صلى الله عليه وعلي آله وسلم تفعلون ذلك. وفي رواية أكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاهما (قوله فلم يأمرنا ولم ينهنا) أي لم يأمرنا صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم بهاتين الركعتين ولم ينهنا عنهما. وفي تقريره صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم لمن رآه يصلي في ذلك الوقت دليل علي عدم كراهة الصلاة فيه ولا سيما والمصلون عدد كثير من الصحابة. وقد تقدم في الحديث السابق أمره بهما وفعله لهما كما في رواية ابن حبان (من أخرج اطديث أيضًا) أخرجه البيهقي وكذا مسلم عن المختار بن فلفل قال سألت أنس بن مالك عن التطوع. بعد العصر فقال كان عمر يضرب الأيدي على صلاة بعد العصر وكنا نصلى على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ركعتين بعد غروب الشمس (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ نَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ

استحباب التنفل قبل المغرب وغيره

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ لِمَنْ شَاءَ". (ش) (ابن علية) هو إسماعيل تقدم في الجزء الثاني صفحة 264. و (الجريري) هو سعيد بن إياس تقدم بصفحة 313 من الجزء الأول (قوله بين كل أذانين صلاة الخ) المراد الأذان والإقامة فهو من باب التغليب. وأطلق على الإقامة أذانًا لأنها إعلام الحاضرين بالدخول في الصلاة كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت. ولا يصح حمل الحديث على ظاهره لأن الصلاة بين الأذانين مفروضة والحديث ناطق بعدم الوجوب بقوله لمن شاء. والمراد بالصلاة النافلة ونكرت لتتناول كل عدد نواه المصلي من النافلة. وكرر الجملة للتأكيد وهي خبر بمعنى الأمر أي صلوا بين كل أذان وإقامة صلاة نافلة. والحديث عام مخصوص بغير الجمعة لما ثبت أنه صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يصل بين أذانها وإقامتها شيئًا. وتقدم تحقيق هذا في باب الصلاة بعد الجمعة في الجزء السادس صفحة 296. ويحتمل إبقاء الأذانين على ظاهره ويكون المعنى صلوا بين كل أذانين صلاة نافلة غير المفروضة: وفي رواية للبخاري بين كل أذانين صلاة ثلاثًا "أي قالها ثلاث مرات، ويفسره ما في الرواية الأخرى بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة ثم قال في الثالثة لمن شاء. وفي رواية لمسلم قال في الرابعة لمن شاه. ولا منافاة بين هذه الروايات لأن ذكر الأقل لا ينفي ثبوت الأكثر (والحديث) بعمومه يدل على استحباب التنفل قبل المغرب وغيره من الصلوات والحكمة في ذلك أن المقصود بالأذان إعلام الناس بدخول الوقت ليتأهبوا للصلاة بالطهارة فيحضروا المسجد لتأديتها. ووصل الأذان بالإقامة يفوّت هذا المقصود. وفيه دفع ما يتوهم أن الأذان للفريضة يمنع من فعل غيرها. وأما حديث الدارقطني والبيهقي والبزار من طريق حيان ابن عبيد الله العدوي قال حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إن عند كل أذانين ركعتين ما خلا صلاة المغرب فلا يصلح للاحتجاج به لأنه ضعيف كما علمت (والحديث) أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجه والبيهقي والترمذي وقال حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّيهِمَا. وَرَخَّصَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ.

دليل من قال بكراهة التنفل قبل صلاة المغرب وبيان ما فيه

قَالَ أَبُو دَاوُدَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ هُوَ شُعَيْبٌ يَعْنِي وَهِمَ شُعْبَةُ فِي اسْمِهِ. (ش) (رجال الحديث) (أبو شعيب) الصواب شعيب كما ذكره المصنف وهو شعيب صاحب الطيالسة قيل إنه ابن بيان. روى عن طاوس بن كيسان الإمام وابن سيرين. وعنه يحيى بن عبد الملك وشعبة بن الحجاج وموسى بن إسماعيل. قال أبو حاتم صالح الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو زرعة لا بأس به. روى له أبو داود (معنى الحديث) (قوله سئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب الخ) أي هل تطلب صلاتهما فاجاب ابن عمر بما يفيد عدم طلبهما وسهل في صلاة الركعتين بعد العصر. ولعله كان يرى كعائشة أن النهي عن الصلاة بعد العصر مختص بمن قصد الصلاة عند غروب الشمس وليس على إطلاقه. وتقدم ما فيه (والحديث) عن أدلة من قال بكراهة الركعتين في صلاة المغرب. وهو معارض بما هو أقوى منه كحديث أنس المقدم. وما أخرجه البخاري عن أنس قال كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبتدرون السواري حتى يخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم كذلك يصلون ركعتين قبل المغرب. وما في مسلم عن أنس قال كنا بالمدينة فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري فركعوا ركعتين حتى أن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة مما يصليهما. وللنسائى نحوه في السنن الكبرى ولذا قال البيهقي بعد حديث ابن عمر. القول في مثل هذا قول من شاهد دون من لم يشاهد اهـ وبأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعلهما كما صححه ابن حبان بل ثبت عن ابن عمر أنه صلى هاتين الركعتين كما أخرجه الدارقطني عن عبد الله بن بريدة قال لقد أدركت عبد الله بن عمر يصلي تينك الركعتين عند المغرب لا يدعهما على حال قال فقمنا فصلينا الركعتين قبل الإقامة ثم انتظرنا حتى خرج الإمام فصلينا معه المكتوبة اهـ على أن الحديث لا يدل على الكراهة إذ عدم رؤية ابن عمر أحدًا يصليهما لا يقتضي الكراهة قال العلامة زين الدين بن نجيم في البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنع عن التنفل بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب لما رواه أبو داود سئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب فقال ما رأيت أحدًا على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصليهما، وهو يقتضي نفي الندوبية أما ثبوت الكراهة فلا إلا أن يدل دليل آخر. وما ذكروا من استلزام تأخير المغرب فقد ذكر في القنية استثناء القليل. والركعتان لا تزيد على القليل إذا تجوّز فيهما. وفي صحيح البخاري أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال صلوا قبل المغرب ركعتين. وهو أمر ندب وهذا الذي ينبغي اعتقاده في هذه المسألة اهـ (قوله سمعت يحيى بن معين يقول الخ) غرض المصنف بهذا بيان أن شعبة بن الحجاج غلط في اسم شيخه حيث قال عن أبي شعيب والصواب ما قاله يحيى بن معين مما أنه شعيب

باب صلاة الضحى

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي (باب صلاة الضحى) أي في الترغيب في صلاة الضحى. والإضافة علي معنى في كصلاة الليل. أو من إضافة المسبب إلى السبب كصلاة الظهر. والضحى بالضم والقصر في الأصل ارتفاع الشمس أول النهار ثم صار اسمًا للوقت. والضحاء بالفتح والمد امتداد النهار. والضحوة مثله وجمعها ضحى مثل قرية وقرى (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ ح وَنَا مُسَدَّدٌ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ -الْمَعْنَى- عَنْ وَاصِلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنِ ابْنِ آدَمَ صَدَقَةٌ تَسْلِيمُهُ عَلَى مَنْ لَقِىَ صَدَقَةٌ وَأَمْرُهُ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيُهُ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَإِمَاطَتُهُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ وَبُضْعَةُ أَهْلِهِ صَدَقَةٌ وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ رَكْعَتَانِ مِنَ الضُّحَى". قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَحَدِيثُ عَبَّادٍ أَتَمُّ وَلَمْ يَذْكُرْ مُسَدَّدٌ الأَمْرَ وَالنَّهْىَ زَادَ فِي حَدِيثِهِ وَقَالَ كَذَا وَكَذَا وَزَادَ ابْنُ مَنِيعٍ فِي حَدِيثِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدُنَا يَقْضِى شَهْوَتَهُ وَتَكُونُ لَهُ صَدَقَةٌ قَالَ "أَرَأَيْتَ لَوْ وَضَعَهَا فِي غَيْرِ حِلِّهَا أَلَمْ يَكُنْ يَأْثَمُ". (ش) (رجال الحديث) (أحمد بن منيع) تقدم بصفحة.11 من الجزء السادس. و (عباد ابن عباد) تقدم بصفحة 309 من الجزء الثالث. و (واصل) بن المهلب بن أبي صفرة الأسدي البصري مولى أبي عيينة. روى عن رجاء بن حيوة ويحيى بن عقيل وأبي كريز المكي ولقيط وغيرهم وعن مهدي بن ميمون وحماد بن زيد وهشام بن حسان وشعبة وعباد بن عباد وكثيرون. وثقه أحمد وابن معين وابن حبان والعجلي وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال البزار ليس بالقوي. روى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. و (يحيى بن عقيل) بالتصغير الخزاعي البصري. روى عن عمران بن حصين وأنس بن مالك وعبد الله بن أبي أوفى ويحيى بن يعمر وغيرهم. وعنه عزرة بن ثابت وعبد الله بن كيسان وسلمان التيمي وواصل بن المهلب والحسين بن واقد وآخرون قال ابن معين ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات. روى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. و (أبو ذر) هو جندب بن جنادة تقدم بصفحة 175 من الجزء الثالث

(معنى الحديث) (قوله يصبح علي كل سلامي الخ) بضم السين المهملة وتخفيف. اللام وفتح الميم في الأصل عظام الأصابع والأكف ثم استعمل في سائر عظام الجسد ومفاصله وفي النهاية السلامي جمع سلامية وهي الأنملة من أنامل الأصابع. وقيل واحده وجمعه سواء ويجمع على سلاميات وهي التي بين كل مفصلين من أصابع الإنسان. وقيل السلامي كل عظم مجوّف من صغار العظام اهـ وهو في الحديث من قبيل المفرد، والمعنى تصغير الصدقة مطلوبة في كل صباح على كل عظم من عظام ابن آدم. فقوله صدقة اسم يصبح وقوله علي كل سلامي متعلق بمحذوف خبرها. قال القاضي عياض إن كل عظم من عظام ابن آدم يصبح سليمًا من الآفات باقيًا على الهيئة التي تتم بها منافعه فعليه صدقة شكرًا لمن صوّره ووقاه عما يغيره ويؤذيه اهـ وسيأتي للمصنف في باب إماطة الأذى عن الطريق من كتاب الأدب أن النبي صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم قال في الإنسان ثلثمائة وستوت مفصلًا فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منه بصدقة قالوا ومن يطيق ذلك يا نبي الله قال النخاعة في المسجد تدفنها والشيء تنحيه عن الطريق فإن لم تجد فركعتا الضحى تجزئك (قوله تسليمه على من لقي صدقة) أي بدء الإنسان غيره بالسلام يثاب عليه ثواب صدقة المال لما فيه من إرسال الإنس إلى الغير وأمن المسلم عليه من جهة المسلم كما أن في الصدقة إيصال الإحسان للغير. وهذا وما بعده بيان للصدقة المجملة بين به أن المراد بالصدقة ما يعم وجوه الخير لا خصوص ما تعورف من الإحسان المالى ليعم الفقراء والعاجزين عن الخيرات المالية (قوله وأمره بالمعروف الخ) أي أمر الإنسان غيره بما عرف حسنه شرعًا كطاعة الله تعالى والإحسان إلى الناس وإنصاف الغير وحسن الصحبة مع الأهل وغيرهم وكل ما ندب إليه الشرع. والمنكر ضده (قوله وإماطته الأذى الخ) بإثبات الضمير وفي بعض النسخ وإماطة الأذى إزالة كل ما يؤذي الناس فيها كالشوك والحجر والنجاسة. ويندرج فيه عزل الولاة الظلمة ومن يتولون الوظائف الدينية وغيرها بالرشوة والجهلة من الحكام وقطاع الطريق فكل هؤلاء أذى في طريق المسلين وطريق الدين فإماطتهم صدقة (قوله وبضعة أهله صدقة) بفتح الموحدة أي مباشرته زوجه فهو من إضافة المصدر إلى فاعله، وفي بعض النسخ وبضعته أهله بنصب أهل على أنه مفعول المصدر المضاف إلى فاعله، والبضع يطلق علي عقد النكاح والفرج والجماع وهو المراد هنا (قوله ويجزئُ من ذلك كله الخ) بضم الياء من الإجزاء وبفتحها من جزى يجزى أي يكفي عما ذكر من الصدقات المطلوبة عن الأعضاء ركعتان يصليهما في وقت الضحى لأن الصلاة عمل بجميع أعضاء البدن فيكون المصلي قد أدى بكل عضو الصدقة المطلوبة منه لاشتمال الصلاة على الصدقات المذكورة وغيرها فإن فيها أمرًا للنفس بالخير ونهيًا لها عن الشر " (إِنَّ الصَّلَاةَ

ركعتا الضحى تجزيء عن صدقة مفاصل الإنسان وهي ثلثمائة وستون مفصلا

تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) ولعل وجه تخصيص ركعتي الضحى بالإجزاء أنه وقت غفلة أكثر الناس عن الطاعة والقيام بحقوق العبودية (قوله وحديث عباد أتم الخ) أي حديث عباد ابن عباد أتم من حديث حماد بن زيد عن واصل لأن عبادًا ذكر في روايته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزاد قوله قالوا يا رسول الله أحدنا يقضي شهوته الخ ولم يذكر مسدد بن مسرهد عن حماد في روايته الأمر والنهى ولا قالوا يا رسول الله الخ لكنه زاد في روايته وقال أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذا كذا، ولم يذكر المشار إليه. ولعله ما ذكره ابن منيع وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (قوله أحدنا يقضي شهوته الخ) بحذف همزة الاستفهام التعجبي أي أحدنا يجامع زوجه لقضاء لشهوته ويكون له في ذلك أجر فأجابهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بما يزيل الاستغراب فذكر لهم مقابل المسئول عنه المعلوم حكمه وهو إذا وضع شهوته في حرام بأن زنى فإنه يكون آثما فكذلك من جامع امرأته فإنه يثبت له الأجر فأثبت صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الأجر في الجماع الحلال لثبوت الوزر في ضده، وظاهره أنه يحصل الأجر بمجرد الجماع ولو خلا عن النية، ويحتمل أنه لا يحصل له الأجر إلا بالنية الصالحة كإعفاف نفسه أو زوجه أو طلب ذرية صالحة لأن الجماع من المباحًات فلا يصير طاعة إلا بالنية الصالحة. وفيه دليل لمن يقول بصحة القياس (ص) حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ أَنَا خَالِدٌ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ قَالَ "يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدِكُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ فَلَهُ بِكُلِّ صَلاَةٍ صَدَقَةٌ وَصِيَامٍ صَدَقَةٌ وَحَجٍّ صَدَقَةٌ وَتَسْبِيحٍ صَدَقَةٌ وَتَكْبِيرٍ صَدَقَةٌ وَتَحْمِيدٍ صَدَقَةٌ". فَعَدَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِنْ هَذِهِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ثُمَّ قَالَ "يُجْزِئُ أَحَدَكُمْ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَا الضُّحَى". (ش) (خالد) هو ابن عبد الله. الواسطي تقدم في الجزء الأول صفحة 158 و (أبو الأسود) اسمه ظالم بن عمرو وقيل غير ذلك كما تقدم في الجزء الثالث صفحة 253 و (الديلي) نسبة إلى ديل بكسر الدال وسكون الياء قبيلة من عبد القيس ويقال الدئلي بكسر الدال وفتح الهمزة نسبة إلى دئل بوزن عنب قيلة أخرى (قوله قال يصبح) أي قال أبو ذر إن النيى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال يصبح الخ وقد صرح مسلم بذلك في روايته حيث قال عن أبي الأسود عن أبي ذر عن النبي صلى لله تعالى عليه وآله وسلم أنه قال يصبح الخ

الترغيب في صلاة الضحى وغيرها من أنواع الطاعة

ففي رواية المصنف اختصار (قوله فله بكل صلاة صدقة الخ) الفاء تفصيلية أي فله بسبب كل نوع من أنواع العبادة المذكورة من الصلاة والصيام والحج والتسبيح ونحوها ثواب كثواب الصدقة المالية (قوله فعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الخ) أي ذكر من الأعمال الصالحة والعبادات أنواعًا كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتهليل وإماطة الأذى عن الطريق وإغاثة الملهوف وبدء السلام ورده وغض البصر، وفي هذين الحديثين دليل على عظم فضل صلاة الضحى وتأكيد مشروعيتها وأن ركعتيها تكفيان عن الصدقة المطلوبة كل يوم عن المفاصل وهي ستون وثلثمائة مفصل كما تقدم فينبغي المواظبة عليها والإكثار من التسبيح والتحميد والتهليل والصلاة والصيام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإزالة ما يؤذى المارّ عن الطريق ودفن النخامة إذا وجدها في المسجد وبدء السلام ورده وحسن معاشرة الأهل وغير ذلك من أنواع الطاعات لتؤدى بهها الصدقات المطلوبة في كل يوم عن الأعضاء (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد وكذا مسلم والبيهقي من طريق مهدي بن في ميمون قال ثنا واصل مولى أبي عيينة عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلى عن أبي ذرّ عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهى عن المنكر صدقة ويجزئُ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ نَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ زَبَّانَ بْنِ فَائِدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "مَنْ قَعَدَ فِي مُصَلاَّهُ حِينَ يَنْصَرِفُ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ حَتَّى يُسَبِّحَ رَكْعَتَيِ الضُّحَى لاَ يَقُولُ إِلاَّ خَيْرًا غُفِرَ لَهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ". (ش) (رجال الحديث) (ابن وهب) هو عبد الله، و (زبان) بفتح الزاي وتشديد الموحدة (ابن فائد) بالفاء المصري الحمراوي. روى عن سهل بن معاذ وسعيد بن ماجد. وعنه يحيى بن أيوب والليث وابن لهيعة وسعيد بن أبي أيوب وغيرهم، قال أحمد بن حنبل أحاديثه مناكير وقال ابن معين شيخ ضعيف وقال أبو حاتم شيخ صالح وقال ابن حبان منكر الحديث جدًا يتفرد عن سهل ابن معاذ بنسخة كأنها موضوعة لا يحتج به وقال الساجي عنده مناكير. مات سنة خمس وخمسين

الترغيب في الجلوس في مكان صلاة الصبح إلى ارتفاع الشمس

ومائة. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه (قوله عن أبيه) هو معاذ بن أنس الصحابي تقدم بصفحة 274 من الجزء السادس (معنى الحديث) (قوله من قعد في مصلاه الخ) أي من استمر جالسًا في مكان صلاته من مسجد أو بيت بعد صلاة الصبح مشتغلًا بأى نوع من أنواع الطاعة حتى يصلي ركعتي الضحى بعد ارتفاع الشمس لا يفعل إلا ما فيه الثواب من قول أو فعل يتجاوز الله عن ذنوبه وإن كانت أكثر مما يلقيه البحر من الرغوة. والواو في قوله وإن كانت عاصفة على محذوف تقديره إن لم تكن أكثر من زبد البحر بل وإن كنت (وفي الحديث) دلالة على سعة فضل الله تعالى والترغيب في الاستمرار في الجلوس في مصلاه بعد صلاة الصبح إلى أن ترتفع الشمس مع الاشتغال بالطاعة، وعلى الترغيب في صلاة ركعتي الضحى بعد ذلك والحديث وإن كان ضعيفًا لأن في سنده زبانا وسهل ابن معاذ وقد تكلم فيهما غير واحد يعمل به في فضائل الأعمال (والحديث) أخرج البيهقي (ص) حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ نَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "صَلاَةٌ فِي إثْرِ صَلاَةٍ لاَ لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ". (ش) هذا عجز حديث تقدم الكلام عليه في باب فضل المشي إلى الصلاة مناسبته للترجمة أن صلاة الضحى شأنها أن تقع بعد صلاة الصبح وارتفاع الشمس بلا لغو بينهما. ولو ذكر المصنف هنا بعض صدره وهو قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم "ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه. أي لا يزعجه ولا يخرجه. إلا إياه فأجره كأجر المعتمر" لكان أوضح في المناسبة و (القاسم أبو عبد الرحمن) وفي نسخة ابن عبد الرحمن تقدم في الجرء الرابع صفحة 250 و (وأبو أمامة) هو صدى بن عجلان الباهلي تقدم بصفحة 68 الجزء الثاني (قوله صلاة في إثر صلاة الخ) بكسر الهمزة وسكون المثلثة أي صلاة تتبع صلاة وتتصل بها سواء أكانت نفلًا بعد فرض أم عكسه ليلًا أم نهارًا أم مكتوبة إثر مكتوبة ليس بينهما ما لا ثواب فيه من الفعل أو القول مكتوب تصعد به الملائكة المقربون إلى عليين وهو كتاب جامع لأعمال الخير من الملائكة ومؤمني الثقلين. وقيل موضع في السماء السابعة تحت العرش. وقيل هو أعلى مكان في الجنة. فاللغو ما لا فائدة فيه من القول أوالفعل. والكتاب مصدر بمعنى اسم المفعول (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والبيهقي

(ص) حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ نَا الْوَلِيدُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ أَبِي شَجَرَةَ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا ابْنَ آدَمَ لاَ تُعْجِزْنِي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي أَوَّلِ نَهَارِكَ أَكْفِكَ آخِرَهُ". (ش) مناسبة الحديث للترجمة أن المراد بهذه الأربع صلاة الضحى كما مال إليه المصنف والترمذي ولذا ذكرًا الحديث في باب صلاة الضحى وهو الظاهر من الحديث وعليه عمل الناس وقيل إن المراد بها ركعتا الفجر وفرض الصبح لأنها هي التي في أول النهار حقيقة ويكون معناه كحديث من صلى الفجر فهو في ذمة الله وحسابه على الله رواه الطبراني عن والد أبي مالك الأشجعي بإسناد حسن. وهذا الخلاف مبني علي أن النهار من طلوع الشمس أو من طلوع الفجر. وعلى أنه من طلوع الفجر فلا مانع من أن ألمراد بهذه الأربع ما يصلي بعد طلوع الشمس لأن ذلك الوقت لا يخرج عن كونه أول النهار (رجال الحديث) (الوليد) بن مسلم. و (مكحول) الدمشقي الإمام. و (نعيم ابن همار) بفتح الهاء وتشديد الميم وفي آخره راء، وقيل ابن هبار. ويقال حمار بكسر الحاء المهملة، وقيل خمار بالخاء المعجمة المكسورة الغطفاني الشامي. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم وعن عقبة بن عامر. وعنه أبو إدريس الخولاني وكثير بن مرة وقتادة. روى له أبو داود والنسائي (معنى الحديث) (قوله يابن آدم لا تعجزني الخ) وفي نسخة ابن آدم. وتعجز بضم المثناة الفوقية من الاعجاز وهو كناية عن تسو يف العبد العمل لله تعالى. والمعنى لا تفوّت صلاة أربع ركعات لي في أول النهار أكفك شرّ آخره الهموم والبلايا وأحفظك من الذنوب وأعفو عما وقع منها. وقال الطيبيّ أي أكفك شغلك وحوائجك وأدفع عنك ما تكرهه بعد صلاتك إلى آخر النهار (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والنسائي في الكبرى والدارمي وفي إسناده اختلاف كثير. قال المنذري قد جمعت طرقه في جزء مفرد. وأخرجه الترمذي عن أبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الله عَزَّ وَجَلَّ أنه قال ابن آدم اركع لي من أول النهار أربع ركعات أكفك آخره وقال حديث حسن غريب وفي

إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال ومن الأئمة من يصحح حديثه عن الشاميين. وهذا الحديث شامي الإسناد. ورواه أبو يعلى بلفظ أتعجز ابن آدم أن تصلي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخر يومك وأخرج البيهقي نحوه. (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ قَالاَ نَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْفَتْحِ صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْفَتْحِ صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى فَذَكَرَ مِثْلَهُ. قَالَ ابْنُ السَّرْحِ إِنَّ أُمَّ هَانِئٍ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَذْكُرْ سُبْحَةَ الضُّحَى بِمَعْنَاهُ. (ش) (رجال الحديث) (قوله حدثني عياض بن عبد الله عن مخرمة بن سليمان) هكذا في أكثر النسخ والبيهقي. وفي بعضها عن عياض بن عبد الله عن عبد الله عن مخرمة. ولعل زيادة عن عبد الله بينهما خطأ من النساخ. و (مخرمة بن سليمان) الأسدي الوالبي. روى عن ابن عباس وابن الزبير وأسماء بنت أبي بكر والسائب بن يزيد وغيرهم. وعنه عمرو بن شعيب وعبد ربه بن سعيد وسعيد بن أبي هلال ومالك بن أنس وطائفة. وثقه ابن معين وابن حبان وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال ابن سعد كان قليل الحديث. قتل سنة ثلاثين ومائة وهو ابن سبعين سنة روى له الجماعة. و (أم هانئ) هي فاختة بنت أبي طالب بن عبد المطلب وقيل اسمها هند. روى لها عن النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ستة وأربعون حديثًا اتفق الشيخان على حديث واحد. وروى عنها مولاها أبو مرة وابن ابنها جعدة المخزومي وعبد الله بن عباس والشعبي وعطاء وكريب وعبد الرحمن بن أبي ليلى. روى لها الجماعة. (معنى الحديث) (قوله يوم الفتح الخ) أي فتح مكة سنة ثمان من الهجرة في رمضان. وسبحة الضحى صلاتها. وفيه رد على من قال إن هذه صلاة الفتح لا صلاة الضحى ويؤيده ما رواه ابن عبد البر في التمهيد من طريق عكرمة بن خالد عن أم هانئ قالت قدم

صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الضحى يوم فتح مكة

رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مكة فصلى ثمان ركعات فقلت ما هذه قال صلاة الضحى. ذكره الحافظ في الفتح. قال النووي في شرح مسلم توقف فيه القاضي عياض وغيره ومنعوا دلالته قالوا لأنها إنما أخبرت عن وقت صلاته لا عن نيتها. ولعلها كانت صلاة شكر لله تعالى على الفتح. وهذا الذي قالوه فاسد فقد ثبت عن أم هانئُ أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الفتح صلى سبحة الضحى ثمان ركعات يسلم من كل ركعتين. رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري اهـ (قوله يسلم من كل ركعتين) فيه رد على من قال إن صلاة الضحى موصولة سواء أكانت ثماني ركعات أم أقل أم أكثر (والحديث) يدل على استحباب صلاة الضحى وأنها ثمان ركعات بسلام على رأس كل ركعتين. ولا حجة فيه لمن قال إنها لا تشرع إلا لسبب كالقدوم من سفر. فإن الأحاديث التي ذكرها المصنف صريحة في مشروعيتها مطلقًا (قوله قال أحمد بن صالح الخ) غرض المصنف بهذا تفصيل ما أجمله أولا من روايتي أحمد بن صالح وأحمد بن عمرو بن السرح بأن لفظ رواية أحمد بن صالح بسنه إلى أم هانئ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى يوم الفتح سبحة الضحى ثمان ركعات. وأن لفظ رواية ابن السرح بسنده إلى أم هانئ قالت دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم الفتح وصلى ثماني ركعات ولم يذكر سبحة الضحى (من أخرج الحديث أيضًا) أخرج البيهقي رواية أحمد بن صالح من طريق المصنف (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ مَا أَنَا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الضُّحَى غَيْرَ أُمِّ هَانِئٍ فَإِنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ اغْتَسَلَ فِي بَيْتِهَا وَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ صَلاَّهُنَّ بَعْدُ. (ش) (قوله ما أخبرنا أحد الخ) وفي رواية لابن أبي شيبة من طريق آخر عن ابن أبي ليلى قال أدركت الناس وهم متوافرون فلم يخبرني أحد أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى الضحى إلا أم هانئ. ولمسلم من طريق عبد الله بن الحارث قال سألت وحرصت على أن أجد أحدًا من الناس يخبرني أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبح سبحة الضحى فلم أجد أحدًا يحدثني ذلك غير أن أم هانئ بنت أبي طالب أخبرتني فذكر الحديث. وعبد الله بن الحارث مذكور في الصحابة. وبين ابن ماجه في روايته وقت سؤال

صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى وآله وسلم الضحى قبل يوم الفتح وبعده

عبد الله بن الحارث عن ذلك. ولفظه سألت في زمن عثمان بن عفان والناس متوافرون الخ. وما قاله ابن أبي ليلى وابن الحارث لا ينفي إخبار غير أم هانئ بأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى الضحى وأمر بها كما دلت عليه الأحاديث السابقة وكما ستعرفه (قوله غير أم هانئ) بالرفع بدل من أحد ويجوز نصبه على الاستثناء (قوله اغتسل في بيتها) وفي الموطأ ومسلم من طريق أبي مرة عن أم هانئ أنها ذهبت إلى بيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو بأعلى مكة فوجدته يغتسل. ولا منافاة لأنه يجمع بينهما بأن ذلك تكرر منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويؤيده ما رواه ابن خزيمة عنها أن أبا ذر ستره لما اغتسل. وأن في رواية أبي مرة أن فاطمة هي التي سترته. ويحتمل أن يكون نزل في بيتها بأعلى مكة كانت هي في بيت آخر فجاءت فوجدته يغتسل. وأما الستر فيحتمل أن يكون أحدهما ستره في ابتداء الغسل والآخر في أثنائه. أفاده الحافظ في الفتح (قوله وصلى ثماني ركعات) أي بأربع تسليمات كما صرح به في الحديث السابق. وزاد افي خزيمة عن كريب عن أم هانئ فسلم من كل ركعتين. وما في الطبراني من حديث ابن أبي أوفى أنه صلى الضحى ركعتين فسألته امرأته فقال إن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى يوم الفتح ركعتين لا ينافي حديث الباب لأنه يجمع بينهما بأن ابن أبي أوفى رأى من صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ركعتين ورأت أم هانيء بقية الثمان (قوله فلم يره أحد صلاهن بعد) من كلام ابن أبي ليلى على الظاهر. وفي رواية ابن أبي شيبة عن أم هانئ قالت دخل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بيتي فوضعت له ماء فاغتسل ثم صلى ثماني ركعات صلاة الضحى لم يصلهن قبل يومه ولا بعده. وفي مسلم نحوه عنها أيضًا. وهذا النفي باعتبار ما وصل إليه علمها فلا ينافي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى الضحى قبل يوم الفتح وبعده. فعن معاذة العدوية قالت سألت عائشة أكان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي الضحى قالت نعم أربعًا ويزيد ما شاء الله أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه والنسائي في الكبرى والترمذي في الشمائل والحاكم. وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي الضحى حتى نقول إنه لا يدعها ويدعها حتى نقول إنه لا يصليها رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب. وعن جابر بن عبد الله قال أتيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أعرض عليه بعيرًا لي فرأيته صلى الضحى ست ركعات أخرجه الطبراني في الأوسط. وعن حذيفة قال خرجت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى حرة نبي معاوية فصلى الضحى ثمان ركعات طوّل فيهن رواه ابن أبي شيبة. والأحاديث في هذا شهيرة كثيرة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والشيخان وابن ماجه وكذا الترمذي بسنده إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى قال ما أخبرني أحد أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى الضحى

رد دعوى أن صلاة الضحى لا تستحب إلا لسبب

إلا أم هانئ فإنها حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل فسبح ثمان ركعات ما رأيته صلى صلاة قط أخفّ منها غير أنه كان يتم الركوع والسجود. قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وأخرج البيهقي نحوه من طريق آدم بن أبي إياس عن شعبة وأخرج النسائي نحوه (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نَا الْجُرَيْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الضُّحَى فَقَالَتْ لاَ إِلاَّ أَنْ يَجِئَ مِنْ مَغِيبِهِ. قُلْتُ هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقْرِنُ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ قَالَتْ مِنَ الْمُفَصَّلِ. (ش) (الجريري) هوسعيد بن إياس (قوله إلا أن يجيء من مغيبه) أي من سفره. ومغيب مصدر غاب يقال غاب غيبًا وغيبة وغيابًا وغيوبًا ومغيبًا (قوله يقرن بين السور) أي يجمع بينها في ركعة واحدة يقال قرن بين الشيئين يقرن من بابي ضرب وقتل إذا جمع بينهما (قوله من المفصل) هو كما تقدم من سورة محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو الفتح أو الحجرات أو ق إلى آخر القرآن. وسمى بذلك لكثرة فصوله (وبالحديث) احتج من لم ير استحباب صلاة الضحى إلا لسبب كالفتح والقدوم من السفر والتعليم والتبرك كما في حديث أحمد عن عتبان بن مالك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى في بيته سبحة الضحى فقاموا وراءه فصلوا بصلاته. وأخرجه الدارقطني ولكنه قال ساعة الضحى بدل سبحة الضحى. وأخرجه مسلم من رواية ابن وهب عن يونس وليس فيه ذكر السبحة "وردّ" بأن الأحاديث الواردة بإثباتها مطلقًا قد بلغت مبلغًا لا يقصر معه عن اقتضاء استحبابها مطلقًا. منها ما تقدم للصنف وغيره. ومنها ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة قال أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت صوم ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى ونوم على وتر. وفي رواية لأحمد وركعتي الضحى كل يوم. ومنها ما رواه الترمذي وابن ماجه عن أنس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم قال من صلى الضحى اثنتي عشرة ركعة بني الله له قصرًا من ذهب في الجنة قال الترمذي حسن غريب. وقد صنف السيوطي والحاكم جزءًا في الأحاديث الواردة في إثباتها مطلقًا. وذكر السيوطي عن جماعة من الصحابة أنهم كانوا يصلونها. منهم أبو سعيد الخدري وعائشة وأبو ذر وعبد الله بن غالب. وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن أنه سئل هل كان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلونها فقال نعم كان

الجمع بين سورتين في ركعة واحدة

منهم من يصلي ركعتين ومنهم من يصلي أربعًا ومنهم من يمد إلى نصف النهار. وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن عباس أنه قال إن صلاة الضحى لفي القرآن وما يغوص عليها إلا غوّاص قال تعالى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) وقد روى ابن جرير في تفسيره بسنده إلى ابن عباس قال كل تسبيح في القرآن فهو صلاة. والغدوّ أول النهار والآصال آخره "فهذه الأدلة" كلها متفقة على تأكد صلاة الضحى وإن لم يكن لها سبب وهو مذهب الجهور وأجابوا عن قول عائشة ما كان يصليها إلا أن يجئ من مغيبة بأن معناه ما رأيته يصلي الضحى إلا أن يجئ من مغيبه كما جاء في حديث مسلم من طريق عروة عنها أنها قالت ما رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يصلي سبحة الضحى قط "وسببه" أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما كان يوجد عند عائشة وقت الضحى إلا نادرًا فإنه قد يكون وقتئذ مسافرًا وقد يكون حاضرًا في المسجد. أو في موضع آخر. وإذا كان عند نسائه فإنما كان لها يوم من تسعة فيصح قولها ما رأيته يصليها. أو يكون معنى قولها ما كان يصليها أي ما كان يداوم عليها فيكون نفيًا للمداومة لا لأصلها كيف وقد تقدم عنها أنه كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصليها أربعًا ويزيد ما شاء الله وقد أخرح مالك عنها أنها كانت تصلي الضحى ثمان ركعات وتقول لو نشر لي أبواي ما تركتها (وفي الحديث) دليل على جواز الجمع بين سورتين من المفصل في ركعة واحدة وهو محمول على النفل. وأما الفرض فقال في زاد المعاد لم يحفظ عنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم. وأما حديث ابن مسعود إني لأعرف النظائر التي كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرن يينهن السورتين في الركعة. النجم والرحمن في ركعة. واقتربت والحاقة في ركعة. والطور والذاريات في ركعة. وإذا وقعت و (ن) في ركعة. وسأل سائل والنازعات في ركعة. وويل للمطففين وعبس في ركعة. والمدّثر والمزّمل في ركعة. وهل أتى ولا أقسم بيوم القيامة في ركعة. وعمّ يتساءلون والمرسلات في ركعة. والدخان وإذا الشمس كوّرت في ركعة. فهذا حكاية فعل لم يعلم محله هل كان في الفرض أو في النفل اهـ وحديث ابن مسعود المذكور سيأتي للمصنف في باب تحزيب القرآن بلفظ لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ النظائر السورتين في ركعة النجم والرحمن في ركعة الخ لكن أقرّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كان يقرأ السورتين في ركعة في الفرض كما رواه الترمذي والبزار والبيهقي والطبراني عن أنس قال كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء فكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح بقل هو الله أحد حتى يفرغ ثم يقرأ سورة أخرى معها فكان يصنع ذلك في كل ركعة فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبروه الخبر فقال وما يحملك على لزوم هذه السورة كل ركعة قال إني أحبها قال حبك إياها أدخلك الجنة (والحديث) أخرجه البيهقي وكذا مسلم من طريقين ولم يذكر مسألة القرن بين السورتين

الجمع بين الأحاديث المروية عن عائشة في صلاة الضحى

(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا قَالَتْ مَا سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ وَإِنِّي لأُسَبِّحُهَا وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ. (ش) (القعنبي) هو عبد الله بن مسلمة تقدم بصفحة 22 من الجزء الأول. وكذا (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري صفحة 48 (قوله ما سبح رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أي ما صلى في الزمن الذي مضى نافلة الضحى. فقطّ اسم للزمن الماضي. وقولها وإني لأسبحها أي أصليها. وفي رواية لأستحبها من الاستحباب. والأولى تقتضي الفعل والثانية لا تستلزمه (قوله وإن كان رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليدع العمل الخ) إن بكسر الهمزة مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن أي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يترك بعض الأعمال الصالحة والحال أنه يحب العمل به خشية أن يواظب الناس عليه فيفرض عليهم أو يواظبون عليه معتقدين فرضيته (وبظاهر) صدر الحديث احتج من قال بعدم استحباب صلاة الضحى. وحكي عن ابن عمر وهو قول الهادي والقاسم وأبي طالب "وردّ" بأن نفي عائشة لها لا ينفي وقوعها منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأنها إنما أخبرت عما رأته فقط. وقد ثبت أنه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم صلاها وأوصى بها ورغب فيها كما تقدم. وأجاب البيهقي بأن المراد بقولها ما سبح سبحة الضحى أي ما داوم عليها وقولها وإني لأسبحها أي أداوم عليها وفي بقية الحديث ما يدل على ذلك حيث قالت وإن كان ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به الخ (وعلى الجملة) فقد جاء في صلاة الضحى عن عائشة أحاديث مختلفة. منها ما أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه من طريق معاذة عن عائشة قالت كان النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء الله. ومنها الحديث السابق وفيه هل كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي الضحى فقالت لا إلا أن يجئ من مغيبه. وهذا الحديث وفيه أنها قالت ما سبح رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبحة الضحى قط. فدلّ الأول على الإثبات مطلقًا. والثاني علي تقييد الإثبات بمجيئه صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من السفر والثالث على النفي مطلقًا. وقد جمع بينها بأن قولها كان يصلي الضحى أربعًا لا يدل على المداومة على ما صرح به أهل التحقيق من أن كان لا يستلزم المداومة وإنما تدل على مجرد الوقوع وإن

ما ورد في عدد ركعات صلاة الضحى

خالف في ذلك بعض الأصوليين. ولا يستلزم هذا الإثبات أنها رأته يصلي لجواز أن تكون روت ذلك عن غيرها. وقولها إلا أن يجيء من مغيبه يفيد ذلك المطلق بوقت المجيء من السفر. وقولها ما سبح سبحة الضحى قط نفي لرؤيتها كما يدل عليه ما تقدم في رواية الشيخين من قولها ما رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي سبحة الضحى. ولا يستلزم ذلك عدم ثبوته عندها بغير الرؤية. أو هو نفي لما عدا الفعل المقيد بوقت القدوم من السفر وغاية الأمر أنها أخبرت عما بلغها. وغيرها من الصحابة أخبر بما يدل على المداومة وتأكد المشروعية. ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ولا سيما أن وجوده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن عائشة وقت الضحى كان نادرًا كما تقدم (فقه الحديث) دلّ الحديث على بيان ما كان عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الشفقة والرأفة بأمته. وعلي أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وعلى أن الرئيس إذا ترك مصلحة لدرء مفسدة لا تحصل بفعل التابع لا يطلب من التابع ترك تلك المصلحة لعدم الموجب للترك بالنسبة له (والحديث) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والبيهقي (فوائد تتعلق بصلاة الضحى) (الأولى) في عددها فقد ورد فيها ركعتان وأربع وست وثمان وثنتا عشرة وهذا كله ذكر في الأحاديث المتقدمة متنًا وشرحًا. وروى فيها عشر ركعات كما جاء عن ابن مسعود مرفوعًا من صلى الضحى عشر ركعات بني الله له ييتًا في الجنة. ذكره العيني علي البخاري. والعمل بكل من هذه الروايات جائز. والحكمة في اختلاف عدد ركعاتها التخفيف على الأمة ليفعل كل ما استطاعه فليتنافس في ذلك المتنافسون "فقد" روى الطبراني في الكبير بإسناد رجاله ثقات عن أبي الدرداء مرفوعًا من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين ومن صلى أربعًا كتب من العابدين ومن صلى ستًا كفي ذلك اليوم ومن صلى ثمانيًا كتبه الله من القانتين ومن صلى ثنتى عشرة ركعة بني الله له بيتًا في الجنة وما من يوم ولا ليلة إلا لله منّ يمنّ به على عبادة وصدقة وما منّ الله على أحد من عبادة أفضل من أن يلهمه ذكره. وقد روى عن جماعة من الصحابة ومن طرق كما قاله المنذري. وروى البيهقي بسنده إلى عبد الله بن عمر "وفي نسخة ابن عمرو ولعلها الصواب" قال لقيت أبا ذر فقلت يا عمّ أقبسني خبرًا فقال سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما سألتني فقال إن صليت الضحى ركعتين لم تكتب من الغافلين وإن صليتها أربعًا كتبت من المحسنين وإن صليتها ستًا كتبت من القانتين وإن صليتها ثمانيًا كتبت من الفائزين وإن صليتها عشرًا لم يكتب لك ذلك اليوم ذنب وإن صليتها ثنتي عشرة ركعة بنى الله لك بيتًا في الجنة (الثانية) في وقتها وهو من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى الزوال. لما روى البيهقي عن عاصم بن ضمرة

وقت صلاة الضحى وأقوال العلماء فيها

قال سألنا عليًا رضي الله عنه عن تطوع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالنهار فقال لنا ومن يطيقه فقلنا حدثناه نطيق منه ما أطقنا قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يمهل إذا صلى الفجر حتى إذا ارتفعت الشمس فكان مقدارها من العصر قام فصلى ركعتين "الحديث" ومراده أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي ركعتي الضحى ومقدار ارتفاع الشمس من جهة المشرق كمقدار ارتفاعها من جهة المغرب عند صلاة العصر. وحكى النووي في الروضة أن وقتها يدخل بطلوع الشمس لكن يستحب تأخيرها إلى ارتفاعها. والأفضل تأخيرها حتى يمضي ربع النهار لما رواه الطبراني من حديث زيد بن أرقم أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر بأهل قباء وهم يصلون الضحى حين أشرقت الشمس فقال صلاة الأوّابين إذا رمضت الفصال "أي حميت الرمل فتبرك الفصال لشدة حرها" وهو يدل على جواز صلاة الضحى عند الإشراق لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينههم عن ذلك ولكن أعلم أن التأخير إلى شدة الحر أفضل (الثالثة) في حكمها وقد اختلف فيه على أقوال. فقيل كانت واجبة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ويرده حديث عائشة الأخير ونحوه. والصحيح أنها سنة في حقه وحق أمته لأحاديث الباب وهو قول الجهور. وقيل إنها لا تشرع إلا لسبب. وتقدم ردّه. وقيل لا تستحب مطلقًا. وهو مردود أيضًا بالأحاديث. وذهب بعضهم إلى أن الأفضل عدم المواظبة عليها بل تفعل تارة وتترك تارة أخرى لما تقدم من حديث أبي سعيد الخدري عند الترمذي من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي الضحى أحيانًا ويدعها أحيانًا. وردّ بأنه كان يحب العمل ويتركه مخافة أن يفرض على أمته. وقد رغب في المواظبة عليها كما تقدم في الأحاديث. ولما جاء عن أبي هريرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من حافظ على شفعة الضحى غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر رواه ابن ماجه. وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن في الجنة بابًا يقال له باب الضحى فإذا كان يوم القيامة نادى المنادي أين الذين كانوا يديمون صلاة الضحى هذا بابكم فادخلوه برحمة الله. رواه الطبراني في الأوسط "وقيل إنها بدعة" وهو قول الهادي والقاسم وأبي طالب. مستدلين بما روى عن أنس أنه سئل عن صلاة الضحى فقال الصلوات خمس. وعن أبي بكرة أنه رأى ناسًا يصلون الضحى فقال ما صلاها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا عامة أصحابه. وروى الشعبي عن قيس بن عبيد قال كنت أختلف إلى ابن مسعود فما رأيته مصليًا الضحى. وروى شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف أنه كان لا يصلي الضحى "وردّ بأن" الأحاديث الواردة في إثباتها قد بلغت مبلغًا لا تقصر معه عن اقتضاء تأكدها. أما ما رواه البخاري من طريق مورّق قال قلت لابن عمر أتصلي الضحى قال لا قلت فعمر قال لا قلت فأبو بكر قال لا قلت فالنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا أخاله

ما يقرأ في صلاة الضحى

فقد حمله البخاري على حال السفر حيث ذكره تحت ترجمة باب صلاة الضحى في السفر. وأيضًا فإن تردد ابن عمر في صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله ويسلم لها يرده حديث أنس بن مالك قال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى في السفر سبحة الضحى ثمان ركعات رواه أحمد وابن خزيمة والحاكم وصححاه. ويؤيده حديث أم هانئ. وقد جاء عن ابن عمر جزمه بأنها محدثة. فقد روى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن مجاهد عن ابن عمر أنه قال إنها محدثة وإنها لمن أحسن ما أحدثوه. روى البخاري في أبواب العمرة من طريق مجاهد قال دخلت أنا وعروة المسجد فإذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة فإذا أناس يصلون الضحى فسألناه عن صلاتهم فقال بدعة. وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن الأعرج قال سألت ابن عمر عن صلاة الضحى فقال بدعة ونعمت البدعة. رروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال ما صليت الضحى منذ أسلمت إلا أن أطوف بالبيت "إلى غير ذلك" مما روى عنه. وليس فيه ما يدفع مشروعية صلاة الضحى. وأيضًا فنفيه محمول على عدم رؤيته لا على عدم الوقوع في نفس الأمر أو الذي نفاه صفة مخصوصة. فقد قال القاضي عياض وغيره إنما أنكر ابن عمر ملازمتها وإظهارها في المساجد وصلاتها جماعة لا أنها مخالفة للسنة ويِؤيده ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه رأى قومًا يصلونها فأنكر عليهم وقال إن كان ولا بدّ ففي بيوتكم أفاده الحافظ في الفتح (الرابعة) يقرأ في صلاة الضحى بسورة الشمس وضحاها والضحى "فقد" روى أبو الخير عن عقبة بن عامر قال أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن نصلى الضحى بسور منها والشمس وضحاها والضحى رواه الحاكم (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ نُفَيْلٍ وَأَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالاَ نَا زُهَيْرٌ نَا سِمَاكٌ قَالَ قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ نَعَمْ كَثِيرًا فَكَانَ لاَ يَقُومُ مِنْ مُصَلاَّهُ الَّذِى صَلَّى فِيهِ الْغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. (ش) (ابن نفيل) هو عبد الله بن محمد النفيلي تقدم في الجزء الأول صفحة 43 وكذا (زهير) بن معاوية صفحة 112. وكذا (سماك) بن حرب صفحة 241 (قوله كثيرًا الخ) صفة لمصدر محذوف أي أجالسه جلوسًا كثيرًا فكان صلى الله عليه وآله وسلم لا يقوم من مكانه الذي صلى فيه صلاة الصبح حتى تطلع الشمس. وقوله قام صلى الله تعالى عليه وآله وسلم

باب صلاة النهار

يعنى لصلاة الضحى كما هو الظاهر من ذكر هذا الحديث في باب صلاة الضحى. ويحتمل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قام للانصراف من المسجد. وعليه فلا يكون الحديث مناسبًا للترجمة. وقد ذكره مسلم تحت ترجمة باب فضل الجلوس في مصلاه بعد صلاة الصبح. وفي الحديث استحباب الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس وذلك لما تقدم في باب فضل القعود في المسجد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى وعلى آله وسلم قال الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه "الحديث" (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي وكذا البيهقي ومسلم بلفظ كان صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس (باب صلاة النهار) أي في بيان كيفية صلاة التطوع نهارًا (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "صَلاَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى". (ش) (رجال الحديث) (علي بن عبد الله البارقي) أبو عبد الله الأزدي. روى عن ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة وعبيد بن عمير. وعنه قتادة ومجاهد بن جبر وأبو الزبير وعبد الله بن كثير وغيرها. وثقه العجلي وقال ابن عدي ليس عنده كثير حديث وهو عندي لا بأس به وقال الذهبي في الميزان صدوق وضعفه ابن معين. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (معنى الحديث) (قوله صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) أي اثنتان اثنتان. ومثنى غير منصرف للوصفية والعدل. والتكرير للتأكيد. وقد فسره ابن عمر في رواية مسلم وأحمد من طريق عقبة بن حريث قال سمعت ابن عمر يحدث عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال صلاة الليل مثنى مثنى فإذا رأيت أن الصبح يدركك فأوتر بواحدة قال فقيل لابن عمر ما مثنى مثنى قال تسلم في كل ركعتين. وبالحديث احتج الشافعي وأحمد على أن الأفضل في تطوع النهار والليل السلام في كل ركعتين. ومن أدلتهم أيضًا حديث أبي هريرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال صلاة الليل والنهار مثنى مثنى رواه إبراهيم الحربي. وحديث عائشة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله

وسلم قال صلاة الليل والنهار مثنى مثنى رواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان. قال البخاري في باب التطوع مثنى مثنى. ويذكر ذلك عن عمار وأبي ذر وأنس وجابر بن زيد وعكرمة والزهري وقال يحيى بن سعيد الأنصاري ما أدركت فقهاء أرضنا إلا يسلمون في كل اثنتين من النهار اهـ وذكر أحاديث تدل على ذلك ومذهب المالكية أنه يطلب السلام من كل ركعتين في نفل الليل والنهار ويكره التنفل بأربع بسلام. وقال أبو يوسف ومحمد الأفضل في صلاة الليل أن تكون اثنين اثنين لما رواه الجماعة عن ابن عمر مرفوعًا صلاة الليل مثنى مثنى. والأفضل في صلاة النهار أن تكون أربعًا. وقال أبو حنيفة الأفضل في صلاة النهار والليل السلام من كل أربع لما تقدم عن معاذة أنها سألت عائشة كم كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي الضحى قالت أربع ركعات ويزيد ما شاء الله رواه مسلم. ولحديث زرارة بن أوفى عن عائشة أنها سئلت عن صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في جوف الليل فقالت كان يصلي صلاة العشاء في جماعة ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات ثم يأوي إلى فراشه "الحديث" وسيأتي للمصنف في باب صلاة الليل من عدة طرق. ولما رواه عبد الله بن الزبير قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا صلى العشاء ركع أربع ركعات وأوتر بسجدة "الحديث" رواه أحمد. وأجابوا عن حديث الباب بأن الترمذي رواه وقال اختلف أصحاب شعبة فيه فوقفه بعضهم ورفعه بعضهم والصحيح ما رواه الثقات عن ابن عمر فلم يذكروا فيه صلاة النهار وقال النسائي هذا الحديث عندي خطأ وكذا قال الحاكم في علوم الحديث وقال الدارقطني في العلل ذكر النهار فيه وهم اهـ وقال الحافظ في التلخيص وروى "يعني ابن عبد البر" بسنده عن يحيى بن معين أنه قال صلاة النهار أربع لا يفصل بينهن فقيل له فإن أحمد بن حنبل يقول صلاة الليل والنهار مثنى مثنى فقال بأي حديث فقيل له بحديث الأزدي فقال ومن الأزدي حتى أقبل منه وأدع حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع عن ابن عمر أنه كان يتطوع بالنهار أربعًا لا يفصل بينهن لو كان حديث الأزدي صحيحًا ما خالفه ابن عمر اهـ (وأجاب) من أخذ بظاهر حديث الباب ونحوه بأن الزيادة التي اشتمل عليها زيادة ثقة وهي مقبولة وهو لا ينافي حديثه الذي اقتصر فيه على صلاة الليل لأنه قال في منتقى الأخبار وقع جوابًا لسؤال سائل فكان الجواب على قدر السؤال. ويقويه ما تقدم في أدلتهم من الروايات الصريحة في أن صلاة النهار مثنى مثنى. وما تقدم أيضًا من الروايات الدالة على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي التطوع مثنى كحديث أم هانئ في صلاة الضحى وفيه كان يسلم من كل ركعتين وصلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبل الظهر وبعدها وقبل العصر ركعتين. وما استدل به أبو حنيفة من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي الضحى أربع ركعات فليس فيه

التصريح بالسلام بعد الأربع بل هو محتمل لذلك ولأن يسلم من كل ركعتين فلا يصلح للاحتجاج به (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني. قال ابن عبد البر لم يقله أحد عن ابن عمر غير عليّ وأنكروه عليه وكان يحيى بن معين يضعف حديثه هذا ويقول إن نافعًا وعبد الله بن دينار وجماعة رووه عن ابن عمر بدون ذكر النهار. وقال النسائي في الكبرى إسناده جيد إلا أن جماعة من أصحاب ابن عمر خالفوا الأزدي فلم يذكروا فيه النهار. وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم في المستدرك وقال البيهقي حديث صحيح، وعلى البارقي احتج به مسلم والزيادة من الثقة مقبولة. وقد صححه البخاري لما سئل عنه ثم روى ذلك بسنده إليه قال وقد روى عن محمد بن سيرين عن ابن عمر مرفوعًا بإسناد كلهم ثقات اهـ وله طرق وشواهد ذكر الحافظ في التلخيص بعضها (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى نَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ نَا شُعْبَةُ حَدَّثَنِي عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ الْمُطَّلِبِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "الصَّلاَةُ مَثْنَى مَثْنَى أَنْ تَشَهَّدَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَأَنْ تَبَاءَسَ وَتَمَسْكَنَ وَتُقْنِعَ بِيَدَيْكَ وَتَقُولَ اللَّهُمَّ اللَّهُمَّ فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهِىَ خِدَاجٌ". (ش) (رجال الحديث) (ابن المثنى) هو محمد. و (أنس بن أبي أنس) بن أبي عامر الأشجعي التيمي المدني. روى عن أبيه وعبد الله بن نافع. وعنه مالك بن أنس وعبد ربه بن سعيد. ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن يونس لست أعرفه بغير رواية شعبة روى له أبو داود والترمذي والنسائي. و (عبد الله بن نافع) بن العمياء. روى عن عبد الله بن الحارث. وعنه أنس بن أبي أنس وابن لهيعة. ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن المديني مجهول وقال البخاري لم يصح حديثه. روى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. و (عبد الله بن الحارث) ابن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم أبو محمد المدني. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرسلًا وعن عمر وعثمان وعلى والعباس وابن مسعود وابن عباس وعائشة وغيرهم. وعنه ابناه عبد الله وإسحاق وأبو إسحاق السبيعي وأبو سلمة وعمر بن عبد العزيز والزهري وطائفة. وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائي وابن المديني والعجلي ومحمد بن عمر. وقال يعقوب ابن شيبة ثقة ثقة ظاهر الصلاح وقال ابن عبد البر أجمعوا على أنه ثقة وقال ابن حبان من فقهاء أهل المدينة. توفي سنة أربع وثمانين. روى له الجماعة. و (المطلب) بن ربيعة بن الحارث

تخريج حديث الصلاة مثنى مثنى وبيان حاله

ابن عبد المطلب الهاشمي. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن على. وعنه ابنه عبد الله وعبد الله بن الحارث. توفي سنة إحدى وستين. روى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وفي رواية ابن ماجه المطلب بن أبي وداعة وهو وهم (معنى الحديث) (قوله الصلاة مثنى مثنى الخ) أي الأفضل في صلاة التطوع ليلًا أو نهارًا السلام من كل ركعتين كما تقدم عن ابن عمر. ويحتمل أن يكون المراد أن يتشهد في كل ركعتين وإن لم يسلم ويكون قوله أن تشهد الخ تفسيرًا له. وقوله أن تشهد أي تتشهد بحذف إحدى التاءين يعني تقرأ التحيات ففيه إطلاق اسم الجزء على الكل. وقوله وأن تبأس يعني تظهر البؤس والفاقة يقال بئس الرجل يبأس من باب فرح إذا اشتدت حاجته. وفي نسخة تباءس على وزن تفاعل من البؤس وأصله تتباءس حذفت إحدى التاءين قال في القاموس التباؤس التفاقر ويطلق على التخشع والتضرع. وهذا هو المراد هنا. وقوله وتمسكن من السكون أي تتمسكن فهو على حذف إحدى التاءين يعني تظهر المذلة والخضوع. وقوله وتقنع بيديك من الاقناع يعني ترفعهما حال الدعاء بعد الصلاة كما قاله ابن العربي والباء زائدة للتقوية (قوله فمن لم يفعل ذلك الخ) يعني من لم يظهر الفاقة والمسكنة في صلاته فهي خداج أي ناقصة في الأجر والفضيلة. ووصفها بالمصدر مبالغة أو هو على حذف مضاف أي ذات خداج. وفي الحديث دليل على أن الأفضل في صلاة التطوع أن تكون مثنى مثنى. وعلى طلب الخشوع والحضور في الصلاة ورفع اليدين عند الدعاء لأن ذلك من أسباب الإجابة والقبول (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد وابن ماجه والدارقطني والبيهقي وكذا الترمذي في باب التخشع في الصلاة من حديث الليث بن سعد قال حدثنا عبد ربه بن سعيد عن عمران بن أبي أنس عن عبد الله بن نافع بن العمياء عن ربيعة بن الحارث عن الفضل بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة مثنى مثنى تشهد في كل ركعتين وتخشع وتضرع وتمسكن وتقنع بيديك يقول ترفعهما إلى ربك مستقبلًا ببطونهما وجهك وتقول يا رب يا رب الخ وقال سمعت محمد بن إسماعيل يقول روى شعبة هذا الحديث عن عبد ربه بن سعيد فأخطأ في مواضع فقال عن أنس بن أبي أنس وهو عمران بن أبي أنس وقال عن عبد الله بن الحارث وإنما هو عبد الله ابن نافع بن العمياء عن ربيعة بن الحارث وقال شعبة عن عبد الله بن الحارث عن المطلب عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإنما هو عن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب عن الفضل ابن عباس عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال محمد وحديث الليث بن سعد أصح من حديث شعبة اهـ قال الخطابي قال يعقوب بن سفيان في هذا الحديث مثل قول البخاري وخطأ شعبة وصوّب الليث بن سعد. وكذلك قال محمد بن إسحاق بن خزيمة اهـ

باب صلاة التسبيح

(ص) سُئِلَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ مَثْنَى قَالَ إِنْ شِئْتَ مَثْنَى وَإِنْ شِئْتَ أَرْبَعًا. (ش) أي سأل المصنف بعض تلاميذه عن المراد من قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة مثنى مثنى في الحديث السابق فقال المصنف إن المراد منه الإرشاد إلى ما هو الأفضل والأكمل فلا ينافي جواز الزيادة على الاثنين. وهذه العبارة ساقطة من بعض النسخ (باب صلاة التسبيح) سميت بذلك لأن مصليها يسبح الله في عدة مواضع سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ النَّيْسَابُورِيُّ نَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ "يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّاهُ أَلاَ أُعْطِيكَ أَلاَ أَمْنَحُكَ أَلاَ أَحْبُوكَ أَلاَ أَفْعَلُ بِكَ عَشْرَ خِصَالٍ إِذَا أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ذَنْبَكَ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ قَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ خَطَأَهُ وَعَمْدَهُ صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ سِرَّهُ وَعَلاَنِيَتَهُ عَشْرَ خِصَالٍ أَنْ تُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً فَإِذَا فَرَغْتَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ وَأَنْتَ قَائِمٌ قُلْتَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً ثُمَّ تَرْكَعُ فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ رَاكِعٌ عَشْرًا ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَهْوِى سَاجِدًا فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ سَاجِدٌ عَشْرًا ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَسْجُدُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ فَتَقُولُهَا عَشْرًا فَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَافْعَلْ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِى كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِى كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِى كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِى عُمُرِكَ مَرَّةً". (ش) (رجال الحديث) (عبد الرحمن بن بشر بن الحكم) بن حبيب بن مهران

العبدي أبو محمد. روى عن ابن عيينة وعبد الرزاق بن همام وعلي بن الحسين ويحيى بن سعيد القطان وآخرين. وعنه البخاري وأبو داود وابن خزيمة ومحمد بن هارون وأبو حاتم وكثيرون قال ابن أبي حاتم كان صدوقًا ثقة وقال صالح بن محمد صدوق وذكره ابن حبان في الثقات. توفي سنة ستين ومائتين. روى له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه. و (النيسابوري) نسبة إلى نيسابور بلد بالعجم. و (موسى بن عبد العزيز) أبو شعيب اليماني العدني. روى عن الحكم ابن أبان. وعنه بشر بن الحكم وعبد الرحمن بن بشر. قال ابن معين والنسائي لا بأس به وقال السليماني منكر الحديث وضعفه ابن المديني. توفي سنة خمس وسبعين ومائة. روى له أبو داود والنسائي. و (عكرمة) مولى ابن عباس (معنى الحديث) (قوله يا عباس يا عماه) كرر النداء لمزيد الاهتمام. وعماه أصله عمي قلبت ياء المتكلم ألفًا وألحقت بها هاء السكت (قوله ألا أعطيك الخ) ألا للتنبيه مرتب على جواب مقدر كأن العباس لما ناداه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال نعم فقال ألا أعطيك ألا أمنحك أي أعطيك يقال منحه يمنحه من بابي نفع وضرب إذا أعطاه. وقوله ألا أحبوك بمعنى ما قبله يقال حباه كذا وبكذا وحبوت الرجل حباء بالكسر والمد إذا أعطيته الشيء بلا عوض. وفي نسخة ألا أجيزك بدل ألا أحبوك وهو بمعناه يقال أجازه يجيزه إذا أعطاه الجائزة أي العطية (قوله ألا أفعل بك) وفي نسخة ألا أفعل لك أي لأجلك فالباء في النسخة الأولى بمعنى اللام. وأضاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم الإعطاء وما بعده إلى نفسه لأنه الهادي إليه. وكرر ألفاظًا متقاربة المعنى للتأكيد والتشويق وزيادة الترغيب في صلاة التسابيح لعظم شأنها. وتقديم الاستفهام على التعليم لزيادة الاهتمام والاعتناء وإلا فالتعليم مطلوب وغير متوقف على الاستفهام (قوله عشر خصال) بالنصب مفعول تنازعه الأفعال السابقة وهو على تقدير مضاف أي أعلمك مكفر عشر أنواع من ذنوبك وروى بالرفع خبر مبتدإ محذوف والمفعول محذوف أي ألا أعلمك مكفر أنواع الذنوب وهي عشر خصال بينها بقوله أوله وآخره الخ (قوله إذا أنت فعلت ذلك) أي فعلت مكفر أنواع الذنوب وهي صلاة التسابيح التى سأبينها لك فاسم الإشارة راجع إلى ما وعده به مما سيبينه له صلى الله عليه وعلى آله وسلم (قوله غفر الله لك ذنبك) أي ستره عن الملائكة فلا تكتبه أو محاه بعد الكتابة (قوله أوله وآخره) أي مبدأه ومنتهاه والمراد جميعه وهو بدل من قوله ذنبك وما بعده عطف عليه وهو بيان للعشر خصال (قوله خطأه وعمده) لا يقال إن الخطأ لا إثم فيه لحديث رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه رواه الطبراني عن ثوبان. وحديث إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه رواه ابن ماجه عن أبي ذر والطبراني والحاكم عن ابن عباس وصححه. فكيف يجعل من جملة الذنب لأنا نقول المراد بالذنب ما فيه نقص أجر

التسبيح في صلاة التسابيح قبل القراءة وبعدها

وإن لم يكن فيه إثم ويؤيده قوله تعالى (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) ويحتمل أن المراد مغفرة ما ترتب على الخطأ من نحو الإتلاف. ومعنى المغفرة حينئذ إرضاء الخصوم، وفي التنصيص على الأقسام كلها مع تداخلها حث على صلاة التسابيح بأبلغ وجه (قوله عشر خصال) بالرفع خبرمبتدإ محذوف أي هذه عشر خصال وهي أول الذنب وآخره ويحتمل أن يكون منصوبًا بفعل محذوف أي خذ عشر خصال وقد اندرج فيها كل أنواع الذنوب فالمراد غفر جميع أنواع الذنوب ما عدا الشرك فإنه لا يغفر إلا بالدخول في الإسلام لقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (قوله أن تصلي أربع ركعات الخ) أن مصدرية أوّلت ما بعدها بمصدر خبر مبتدإ محذوف والتقدير تلك العطية التي أعطيك إياها أو تلك المنحة هي صلاتك أربع ركعات بنية صلاة التسابيح في غير الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها والظاهر أنها بسلام واحد، وذكر الترمذي عن ابن المبارك أنه قال إن صلاها ليلًا فأحب إليّ أن يسلم من كل ركعتين وإن صلاها نهارًا فإن شاء سلم وإن شاء لم يسلم (قوله وسورة) أيّ سورة شئت. وقد قيل يقرأ فيها تارة بإذا زلزلت والعاديات والعصر والإخلاص وتارة بألهاكم والعصر والكافرون والإخلاص. وقيل الأفضل أن يقرأ فيها أربعًا من التسابيح وهي الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن (قوله فإذا فرغت من القراءة وأنت قائم قلت الخ) أي قلت حال قيامك قبل الركوع سبحان الله الخ وفي رواية الترمذي من حديث أبي رافع فإذا انقضت القراءة فقل الله أكبر والحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله خمس عشرة مرة قبل أن تركع اهـ وفيها دليل على أن الترتيب بين هذه الكلمات غير لازم. وفيها وفي رواية الباب أن التسبيح بعد القراءة لا قبلها وبه قال جمهور الفقهاء. وعن ابن المبارك أنه كان يسبح قبل القراءة وبعدها. ففي الترمذي عن أحمد بن عبدة حدثنا أبو وهب قال سألت عبد الله بن المبارك عن الصلاة التي يسبح فيها فقال تكبر "يعني تكبيرة الإحرام" ثم تقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ثم تقول خمس عشرة مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثم تتعوذ وتقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وفاتحة الكتاب وسورة ثم تقول عشر مرات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثم تركع فتقولها عشرًا ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشرًا ثم تسجد فتقولها عشرًا ثم ترفع رأسك فتقولها عشرًا ثم تسجد ثانيًا فتقولها عشرًا تصلي أربع ركعات على هذا فذلك خمس وسبعون تسبيحة في كل ركعة. تبدأ في كل ركعة بخمس عشرة تسبيحة ثم تقرأ ثم تسبح عشرًا اهـ فعلم منه أنه كان يسبح قبل القراءة خمس عشرة مرة وبعدها عشرًا والباقي كما في الحديث غير أنه لا يسبح بعد الرفع من السجدة الثانية بل يقوم للقراءة "قال في المرقاة" قال السبكي. وجلالة ابن المبارك تمنع من مخالفته وإنما أحب العمل بما تضمنه حديث ابن عباس ولا يمنعني من

التسبيح بعد السجدتين الفصل بين الرفع والقيام فإن جلسة الاستراحة حينئذ مشروعة في هذا المحل. وينبغي للمتعبد أن يعمل بحديث ابن عباس تارة وبحديث ابن المبارك أخرى اهـ وقال المنذري جمهور الرواة على الصفة المذكورة في حديث ابن عباس وأبى رافع والعمل بها أولى إذ لا يصح ضع غيرها اهـ وحديث أبي رافع أخرجه ابن ماجه والترمذي بلفظ يأتي في التخريج (قوله ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشرًا) أي بعد تسبيح الركوع كما في الترمذي قال أبو وهب وأخبرني عبد العزيز بن أبي رزمة عن عبد الله، يعني ابن المبارك، أنه قال يبدأ في الركوع بسبحان ربي العظيم وفي السجود بسبحان ربي الأعلى ثلاثًا ثم يسبح التسبيحات اهـ وكذا التسبيح حال الاعتدال من الركوع إنما يكون بعد التحميد. وكذا حال الجلوس بين السجدتين يكون بعد الدعاء بنحو رب اغفر لي وارحمني (قوله ثم ترفع رأسك الخ) أي هما السجدة الثانية فتقولها عشرًا قبل أن تقوم كما صرّح به في رواية لابن ماجه والترمذي. وهو نص في مشروعية جلسة الاستراحة في هذه الصلاة. وتقدم عن ابن المبارك أنه أسقط التسبيح هنا وجعله بعد القراءة (قوله فذلك خمس وسبعون الخ) أي ما ذكر من التسبيحات خمس وسبعون في كل ركعة فإن سها ونقص عددًا ما محله أتى به في محل آخر تكملة للعدد المطلوب. أما إن سها أثناء الصلاة بما يترتب عليه سجود السهو فلا يسبح في سجدتي السهو إلا تسبيح السجود المعلوم ففي الترمذي من طريق عبد العزيز بن أبي رزمة قال قلت لعبد الله بن المبارك إن سها فيها أيسبح في سجدتي السهو عشرًا عشرًا قال لا إنما ثلثمائة تسبيحة (قوله إن استطعت أن تصليها الخ) الغرص منه الترغيب في فعلها مع وإنما التوسعة في وقتها (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه ابن ماجه والبيهقي في الدعوات وابن خزيمة والطبراني والحاكم والخطيب والآجرى وأبو سعيد السمعاني وأبو موسى المديني وابن حبان وأخرجه ابن ماجه والترمذي من طريق أبي رافع قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للعباس يا عم ألا أصلك ألا أحبوك ألا أنفعك قال بلى يا رسول الله قال يا عم صل أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة القرآن وسورة فإذا انقضت القراءة فقل الله أكبر والحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله خمس عشرة مرة قبل أن تركع ثم اركع فقلها عشرًا ثم ارفع رأسك فقلها عشرًا ثم اسجد فقلها عشرًا تم ارفع رأسك فقلها عشرًا ثم اسجد الثانية فقلها عشرًا ثم ارفع رأسك فقلها عشرًا قبل أن تقوم فتلك خمس وسبعون في كل ركعة وهي ثلثمائة في أربع ركعات فلو كانت ذنوبك مثل رمل عالج لغفرها الله لك قال يا رسول الله ومن يستطيع أن يقولها في يوم قال فإن لم تستطع أن تقولها في يوم فقلها في جمعة فإن لم تستطع أن تقولها في جمعة فقلها في شهر فلم يزل يقول له حتى قال قلها في سنة. قال الترمذي هذا حديث غريب

من حديث أبي رافع اهـ وعالج بعين مهملة آخره جيم ما تراكم من الرمل ودخل بعضه في بعض، وهو اسم موضع أيضًا. قال الترمذي وقد ورد عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غير حديث في صلاة التسبيح ولا يصح منه كبير شئ. وقد روى ابن المبارك وغير واحد من أهل العلم صلاة التسبيح وذكروا الفصل فيه اهـ. وقد تكلم الحفاظ في هذا الحديث. والصحيح أنه حديث ثابت ينبغي العمل به وقد صححه ابن خزيمة والحاكم وحسنه جماعة. وقال العسقلاني هذا حديث حسن وقد أساء ابن الجوزي بذكره في الموضوعات. وقال الدارقطني أصح شئ ورد في فضائل السور فضل قل هو أحد. وأصح شئ ورد في فضائل الصلوات فضل صلاة التسبيح. وقال عبد الله بن المبارك صلاة التسبيح مرغب فيها يستحب أن يعتادها في كل حين ولا يتغافل عنها. وقال ابن حجر في الأمالي لا بأس بإسناد حديث ابن عباس وهو من شرط الحسن فإن له يشواهد تقويه قال وممن صحح هذا الحديث وحسنه ابن منده وأبو الحسن بن المفضل المنذري وابن الصلاح والنووي والسبكي وآخرون اهـ وقال الزركشي غلط ابن الجوزي في إخراج حديث صلاة التسبيح في الموضوعات لأنه روى من ثلاث طرق "أحدها" حديث ابن عباس وهو صحيح ليس بضعيف فضلًا عن أن يكون موضوعًا وغاية ما علله بموسى بن عبد العزيز فقال مجهول وليس كذلك فقد روى عنه جماعة. ولو ثبتت جهالته لا يلزم أن يكون الحديث موضوعًا ما لم يكن في إسناده من يتهم بالوضع "والطريقان" الآخران في كل منهما ضعف. ولا يلزم من ضعفهما كون الحديث موضوعًا اهـ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ الأُبُلِّيُّ نَا حَبَّانُ بْنُ هِلاَلٍ أَبُو حَبِيبٍ نَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ نَا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ قَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ يُرَوْنَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "ائْتِنِي غَدًا أَحْبُوكَ وَأُثِيبُكَ وَأُعْطِيكَ". حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ يُعْطِينِي عَطِيَّةً قَالَ "إِذَا زَالَ النَّهَارُ فَقُمْ فَصَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ". فَذَكَرَ نَحْوَهُ قَالَ "تَرْفَعُ رَأْسَكَ - يَعْنِي مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ - فَاسْتَوِ جَالِسًا وَلاَ تَقُمْ حَتَّى تُسَبِّحَ عَشْرًا وَتَحْمَدَ عَشْرًا وَتُكَبِّرَ عَشْرًا وَتُهَلِّلَ عَشْرًا ثُمَّ تَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ". قَالَ "فَإِنَّكَ لَوْ كُنْتَ أَعْظَمَ أَهْلِ الأَرْضِ ذَنْبًا غُفِرَ لَكَ بِذَلِكَ". قُلْتُ فَإِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُصَلِّيَهَا تِلْكَ السَّاعَةَ

قَالَ "صَلِّهَا مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ حَبَّانُ بْنُ هِلاَلٍ خَالُ هِلاَلٍ الرَّأْيِ. (ش) (رجال الحديث) (محمد بن سفيان) بن أبي الزرد بفتح الزاي وسكون الراء قيل اسمه يعقوب. روي عن حبان بن هلال وسعيد بن عامر الضبعي وبكير بن بكار وعثمان بن عمر بن فارس وأبي عاصم وغيرهم. وعنه أبو داود وابن أبي عاصم وسعيد بن موسي وابن خزيمة وطائفة. قال الآجري سمعت أبا داود يثني عليه وذكره بن حبان في الثقات و (الأبلي) بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام نسبة إلي أبلة بلدة علي شاطئ دجلة في زاوية الخليج الذي يدخل علي مدينة البصرة. و (حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة (ابن هلال) الباهلي أو الكناني البصري. وعنه أحمد بن سعيد الدارمي وإسحاق بن منصور وعبد بن حميد ومحمد ابن سفيان وجماعة. وثقة بن معين ووالترمذي والنسائي وقال ابن سعد وكان ثقة ثبتًا وقال البزار ثقة مأمون. روي له الجماعة. مات بالبصرة سنة عشر ومائتين. و (مهدي بن ميمون) أبو يحيي الأسدي البصري. روي عن أبي رجاء العطاردي والحسن البصري وابن سيرين وهشام بن عروة وآخرين. وعنه هشام بن حسن وابن مهدي وابن المبارك ووكيع وحبان بن هلال وأبو داود وأبو وليد الطيالسيان وغيرهم. وثقة شعبة وأحمد والنسائي وابن معين والعجلي وابن خراش وذكره بن حبان في الثقات. مات سنة اثنتين وسبعين ومائة. و (عمرو بن مالك) أبو يحيي أو أبو مالك النكري. روي عن أبيه وأبي الجوزاء وعنه ابنه يحيي ونوح بن قيس ومهدي بن ميمون وعباد بن عباد وغيرهم. ذكره بن حبان في الثقات وقال يعتبر حديثه من غير رواية ابنه يخطئ ويغرب. مات سنة تسع وعشرين ومائة. روي له النسائي وابن ماجة والترمذي وأبو داود. و (أبو الجوزاء) بفتح الجيم وسكون الواو هو أوس بن عبد الله البصري تقدم بصفحة 189 من الجزء الخامس (قوله يرون الخ) مبني للمجهول أي يظن أهل المعرفة بالرجال أنه عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي (معنى الحديث) (قوله ائتني غدًا) اسم لليوم بعد يومك. وإنما لم يعلمه في الحال لغرض التشويق والاهتمام لما سيلقى إليه (قوله وأثيبك الخ) أي أعطيك جائزة من أثابه يثيبه إثابة والاسم الثواب ويكثر استعماله في الخير. وقوله حتى ظننت أنه يعطيني عطية يعني حسية لكنها معنوية (قوله إذا زال النهار) أي مالت الشمس عن وسط السماء إلي جهة الغرب في رأي العين (قوله فذكر نحوه) أي نحو الحديث المتقدم من قراءة الفاتحة والسورة ثم التسبيح خمس عشرة مرة الخ (قوله قال ثم ترفع رأسك الخ) أعاده لما فيه من زيادة بيان لم يكن في الرواية السابقة دفعًا لما يستغرب من طول الجلوس في هذا المحل. وقد تقدم أن فيه نصًا علي مشروعية جلسة الاستراحة في هذه الصلاة

(قوله (ص) ولا تقم حتى تسبح عشرًا الخ) المراد أنه يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وليس المراد أنه يقول كل واحدة منها عشرًا على انفرادها (قوله صلها من الليل والنهار) يعني ما عدا أوقات النهي (وفي الحديث) دليل عل استحباب صلاة التسابيح وأن تفعل بعد الزوال قبل صلاة الظهر إن تيسر وإلا ففي وقت آخر غير وقت النهي (قوله وحبان بن هلال خال هلال الرأى) غرض المصنف بهذا زيادة إيضاح لحبان في هلال فلعل هلالًا الرأى كان مشهورًا. ولقب بالرأى لسعة علمه وكثرة فقهه كما لقب ربيعة شيخ مالك بذلك وفي أكثر النسخ الرائي بصيغة اسم الفاعل. وفي بعضها الرازي وهو غلط من النساخ فإنه بصري كما ذكره في الميزان (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي من طريق أبي جناب الكلبي عن أبي الجوزاء عن ابن عمرو قال قال لي النبي صلى الله تعالي عليه وعلي آله وسلم ألا أحبوك ألا أعطيك فذكر الحديث باللفظ الذي تقدم للترمذي عن ابن المبارك. قال المنذري رواة هذا الحديث ثقات لكن قال ابن حجر في أمالي الأذكار اختلف فيه على أبي الجوزاء. فقيل عنه عن ابن عباس. وقيل عنه عن عبد الله بن عمرو. وقيل عنه عن ابن عمر، وروايته عن ابن عباس اختلف عليه فيها أيضًا، فروي عنه عن ابن عباس مرفوعًا، وروى عنه عن ابن عباس موقوفًا عليه. أما المرفوع فرواه الطبراني في الأوسط من طريق يحيي بن عقبة عن محمد بن جحادة عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال يا أبا الجوزاء ألا أحبوك ألا أنحلك قلت بلي قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسم يقول من صلى أربعًا فذكر الحديث. قال ابن حجر في الأمالي كلهم ثقات إلا يحيى ابن عقبة فإنه منزوك. وأما الموقوف فذكره المصنف بعد التعليق الآتي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ الْمُسْتَمِرُّ بْنُ الرَّيَّانِ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَوْقُوفًا (ش) أي روى هذا الحديث المستمر بن الريان بسنده إلى عبد الله بن عمرو حال كونه موقوفًا عليه وأشار المصنف بهذا الطريق والذي بعده إلى تقويه الحديث. فقد قال أبو بكر الخلاف في كتاب العلل قال علي بن سعيد سألت أحمد بن حنبل عن صلاة التسبيح فقال ما يصح عندى فيها شيء فقلت حديث عبد الله بن عمرو، قال كل يرويه عن عمرو بن مالك "يعني وفيه مقال" فقلت قد رواه المستمر ابن الريان عن أبي الجوزاء قال من حدثك قلت مسلم بن إبراهيم فقال المستمر شيخ ثقة، وكأنه أعجبه اهـ قال الحافظ ابن حجر وكأن أحمد لم يبلغه إلا من رواية عمرو بن مالك النكري فلما أبلغه متابعة المستر أعجبه. فظاهره أنه رجع عن تضعيفه، وقد أخرج هذا التعيق والذي بعده البيهقي

بيان طرق حديث ابن عباس في صلاة التسبيح

بلفظ المصنف. و (المستمر بن الريان) بالتحتانية هو الأيادي الزهراني أبو عبد الله البصري رأى أنسًا. روى عن أبي نضرة العبدي وأبي الجوزاء. وعنه شعبة ويحيى القطان ومسلم بن إبراهيم وأبو عاصم وأبو داود الطيالسي وغيرهم. وثقه يحيي القطان وأحمد وابن حبان والحاكم وقال أبو داود الطيالسي كان صدوقًا ثقة وقال أبو حاتم شيخ ثقة. روى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي (ص) وَرَوَاهُ رَوْحُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَجَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ النُّكْرِيِّ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ وَقَالَ فِي حَدِيثِ رَوْحٍ فَقَالَ حَدَّثْتُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. (ش) أي روى الحديثَ المذكور روح بن المسيب وجعفر بن سلمان الضبعي عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس موقوفًا عليه. قال الحافظ في أمالي الأذكار ورواية روح وصلها الدارقطني في كتاب صلاة التسبيح من طريق يحيي بن يحيي النيسابوري عن رواح اهـ وروح قال فيه ابن حبان روى الموضوعات الثقات لا تحل الرواية عنه. وجعفر بن سليمان صدوق له مناكير وضعفه يحيي القطان وغيره وأخرج له مسلم. ذكره الزبيدى (قوله وقال في حديث روح الخ) أي قال يحيى بن يحيى تلميذ روح فقال ابن عباس حدثت بهذا الحديث عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعني لا أقوله من عندي. وفي بعض النسخ فقال حديث النبي. صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أي قال ابن عباس بعد ذكر الحديث هذا حديث النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم (فقد علم) أن صلاة التسبيح رويت عن ابن عباس. من طريقين "طريق" الحكم عن عكرمة عنه وهو أصح الطريقين "الثاني" طريق أبي الجوزاء عن ابن عباس. وقد رواها عنه أيضًا عطاء ومجاهد. أما حديث عطاء فأخرجه الطبراني في الكَبير من طريق نافع أبي هرمز عن عطاء عن ابن عباس. قال ابن حجر في الأمالي ورواته ثقات إلا أبا هرمز فإنه متروك اهـ. لكن الذي روى عن عطاء هو نافع مولى يوسف وهو الذي قال فيه أبو حاتم متروك الحديث. أما نافع أبوهرمز فإنه مشهور الرواية عن أنس وعنه سعدويه. قال فيه النسائي ليس بثقة. ولينه ابن معين. فإن ثبتت رواية أبي هرمز عن عطاء فذكره في رواية الطبراني صحيح وإلا فهو من خطأ النساخ. وأما حديث مجاهد فأخرجه الطبراني في الأوسط من طريق موسى بن جعفر بن أبي كثير عن عبد القدوس بن حبيب عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال له يا غلام ألا أحبوك ألا أنحلك فذكر لحديث. قال الحافظ في الأمالي وعبد القدوس شديد الضعف. وقال الذهبي في الديوان

عبد القدوس بن حبيب عن التابعين تركوه. أفاده الزبيدي في شرح الإحياء (ص) حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ حَدَّثَنِي الأَنْصَارِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِجَعْفَرٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَذَكَرَ نَحْوَهُمْ قَالَ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الرَّكْعَةِ الأُولَى كَمَا قَالَ فِي حَدِيثِ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ. (ش) (رجال الحديث) (عروة بن رويم) أبو القاسم اللخمي. روى عن أنس وأبي إدريس الخولاني وأبى كبشة الأنماري وجابر بن عبد الله وآخرين. وعنه سعد بن عبد العزيز وعاصم بن رجاء ومحمد بن المهاجر وأبو فروة ويزيد بن سنان وهشام بن سعد وكثيرون وثقه ابن معين ودحيم والنسائي وقال أبو حاتم يكتب حديثه وقال عامة أحاديثه مرسلة وقال الدارقطني لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة خمس وثلاثين أو أربع وأربعين ومائة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه (قوله حدثني الأنصاري) قيل إنه جابر بن عبد الله بدليل أن ابن عساكر أخرج في ترجمة عروة بن رويم أحاديث عن جابر وهو الأنصاري فجوَّز أن يكون هو الذي هاهنا. لكن تلك الأحاديث من رواية غير محمد بن مهاجر عن عروة قال الحافظ في الأمالي وقد وجدت في ترجمة عروة هذا للطبراني حديثي أخرجهما من طريق أبي توبة الربيع بن نافع "شيخ أبي داود" بهذا السند بعينه فقال فيهما حدثني أبو كبشة الأنماري فلعل الميم كبرت قليلًا فأشبهت الصاد. فإن يكن كذلك فصحابي هذا الحديث أبوكبشة. وعلى التقديرين فسند هذا الحديث لا ينحط عن درجة الحسن فكيف إذا ضم إلى رواية أبي الجوزاء اهـ فتحصل أن المراد بالأنصاري إما جابر أو أبو كبشة وهما صحابيان وجهالة الصحابي لا تضر (معنى الحديث) (قوله قال لجعفر بهذا الحديث) أي أخبر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جعفر بن أبي طالب بحديث صلاة التسبيح (وقوله فذكر نحوهم) أي ذكر الأنصاري في حديثه نحو ما ذكره ابن عباس وابن عمرو في حديثهما فأراد بالجمع ما فوق الواحد (قوله قال في السجدة الثانية الخ) أي قال الأنصاري في روايته كما قال ابن عمرو بن العاص في حديثه الذي في سنده مهدي بن ميمون قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم ترفع رأسك من السجدة الثانية فاستو جالسًا ولا تقم حتى تسبح عشرًا وتحمد عشرًا وتكبر عشرًا وتههلل عشرًا إلى آخر ما تقدم (تتميم) قد علمت أن حديث صلاة التسبيح رواه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم

ذكر الصحابة الذين رووا صلاة التسبيح

ابن عباس وابن عمرو بن العاصى والأنصاري وأبو رافع. وكذا رواه الفضل بن العباس والعباس وعبد الله بن عّمرو وعلي بن أبي طالب وأخوه جعفر وعبد الله بن جعفر وأم سلة. أما حديث الفضل بن العباس فأخرجه أبو نعيم في كتاب القربات من رواية موسي بن إسماعيل عن عبد الحميد بن عبد الرحمن الطائي عن أبيه عن أبي رافع عن الفضل بن العباس أن النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال فذكره. قال الحافظ في الأمالي والطائي المذكور لا أعرفه ولا أباه وأظن أن أبا رافع شيخ الطائي ليس أبا رافع الصحابي بل هو إسماعيل بن رافع أحد الضعفاء اهـ. وأما حديث العباس فقد أخرجه الدارقطني في الأفراد وأبو نعيم في القربات وابن شاهين في الترغيب من طريق أبي رجاء الخراساني عن صدقه عن عروة بن رويم عن ابن الديلمي عن العباس قال قال لي رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ألا أهب لك ألا أعطيك ألا أمنحك فظننت أنه يعطينى شيئًا من الدنيا لم يعطه أحدًا قبلي قال أربع ركعات إذا قلت فيهن ما أعلمك غفرالله لك تبدأ فتكبر ثم تقرأ فاتحة الكتاب وسورة ثم تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة "الحديث" قال الحافظ وصدقة الدمشقي هو ابن عبد الله المعروف بالسمين وهو ضعيف من قبل حفظه ووثقه جماعة فيصلح في المتابعات. وغلط ابن الجوزي في قوله صدقة هو ابن يزيد الخراساني اهـ وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه الحاكم المستدرك من طريق أحمد بن داود بن عبد الغفار بسنده إلى حيوة بن شريح عن يزيد بن أبي حبيب عن نافع عن ابن عمر وقال وجه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جعفر بن أبي طالب إلى بلاد الحبشة فلما قدم اعتنقه وقبله بين عينيه ثم قال ألا أهب لك ألا أبشرك ألا أمنحك ألا أتحفك قال نعم يا رسول الله قال تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة ثم تقول بعد القراءة وأنت قائم قبل الركوع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله خمس عشرة مرة ثم تركع فتقولهن عشر اتمام هذه الركعة قبل أن تبتدئَ بالركعة الثانية تفعل في الثلاث ركعات كما وصفت لك حتى تم أربع ركعات وقال الحاكم هذا إسناد صحيح لا غبار عليه اهـ. وتعقبه الذهبي في التلخيص بأن أحمد بن داود كذبه الدارقطني وقوله تمام هذه الركعة منصوب على نزع الخافض أي وهكذا تفعل إلى تمام هذه الركعة فتسبح عشرًا في الاعتدال من الركوع وعشرًا في السجود وعشرًا في الجلوس بين السجدتين وعشرًا في السجدة الثانية وعشرًا في جلسة الاستراحة بعد الرفع من السجدة الثانية. وأما حديث على فأخرجه الدارقطني من طريق عمر مولى غفرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لعلي بن أبي طالب يا على ألا أهدى لك فذكر الحديث. وفي سنده ضعف وانقطاع. وله طريق آخر أخرجه الواحدى من طريق أبي علي بن الأشعث وهو مطعون فيه. وأما حديث جعفر بن

بيان حال أحاديث صلاة التسابيح وأقوال العلماء فيها

أبي طالب فأخرجه الدارقطني من رواية عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن على عن جعفر قال قال لي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذكر الحديث. وأما حديث عبد الله بن جعفر فأخرجه الدارقطني من وجهين عن عبد الله بن زياد وابن سمعان عن معاوية وإسماعيل بن عبد الله بن جعفر عن أبيهما قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ألا أعطيك فذكر الحديث. وابن سمعان ضعيف. وأما حديث أم سلمة فأخرجه أبو نعيم من طريق عمرو بن جميع عن عمرو بن قيس عن سعيد بن جبير عن أم سلمة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم قال للعباس يا عماه فذكر الحديث. وعمرو بن جميع ضعيف. وقال ابن عدي متهم بالوضع. وفي إدراك سعيد بن جبير أم سلمة نظر. أفاده الزبيدى في شرح الإحياء (وعلى الجملة) فقد ورد في صلاة التسبيح عدة أحاديث أمثلها وأصحها حديث عكرمة عن ابن عباس المتقدم أول الباب وقد علمت تصحيحه عن كثير من العلماء وقد قال فيه مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح لا يروي في هذا الحديث إسناد أحسن من إسناد حديث عكرمة ولذا نص علي استحبابها كثير من العلماء كالشيخ أبي حامد الأسفرايني والغزالي والمحاملي والجويني وإمام الحرمين والقاضي حسين والبغوي والمتولي والرافعي وتبعهم النووي في الروضة. وقال الحاكم ومما يستدل به على صحة الحديث استعمال الأئمة من أتباع التابعين إلى عصرنا هذا إياه ومواظبتهم عليه وتعليمه الناس منهم عبد الله بن المبارك اهـ وقال الحافظ في التلخيص قد اختلف كلام الشيخ محيي الدين فوهاه في شرح المهذب فقال حديثها ضعيف وفي استحبابها عندي نظر لأن فيها تغييرًا لهيئة الصلاة المعروفة فينبغي أن لا تفعل وليس حديثها بثابت. وقال في تهذيب الأسماء واللغات قد جاء في صلاة التسبيح حديث حسن في كتاب الترمذي وغيره. وذكره المحاملي وغيره من أصحابنا وهي سنة حسنة. ومال في الأذكار أيضًا إلى استحبابها بل قوّاه واحتج له. وقال التقي السبكي صلاة التسبيح من مهمات مسائل الدين "ثم قال" بعد كلام طويل وإنما أطلت الكلام في هذه الصلاة لإنكار النووي لها واعتماد أهل العصر عليه فخشيت أن يغتروا بذلك فينبغي الحرص عليها. وأما من سمع عظيم الثواب الوارد فيها ثم يتغافل عنها فما هو إلا متهاون غير مكترث بأعمال الصالحين لا ينبغي أن يعدّ من أهل العزم في شيء. أفادة الزبيدى في شرح الإحياء (باب ركعتي المغرب أين تصليان) أي في بيان المكان الذى تصلى فيه الركعتان بعد صلاة المغرب (ص) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنِي أَبُو مُطَرِّفٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ نَا مُحَمَّدُ

حكمة استحباب صلاة النافلة في البيوت

بْنُ مُوسَى الْفِطْرِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَتَى مَسْجِدَ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ فَصَلَّى فِيهِ الْمَغْرِبَ فَلَمَّا قَضَوْا صَلاَتَهُمْ رَآهُمْ يُسَبِّحُونَ بَعْدَهَا فَقَالَ "هَذِهِ صَلاَةُ الْبُيُوتِ". (ش) (رجال الحديث) (أبو بكر بن أبي الأسود) هو عبد الله بن محمد بن حميد بن الأسود البصري قاضي همدان. روى عن جده أبي الأسود وعبد الرحمن بن مهدي وحماد بن زيد ويحيى القطان وغيرها. وعنه البخاري وأبو داود ويعقوب بن شيبة ويعقوب بن سفيان وجماعة. قال الخطيب كان حافظًا متقنًا، وقال ابن معين لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات. توفي سنة ثلاث وعشرين ومائتين. روى له البخاري وأبو داود والتزمذى. و (أبو مطرف محمد بن أبي الوزير) هو محمد بن عمر بن مطرف بن أبي الوزير الهاشمي مولاهم. روى عن شريك وموسى بن عبد الملك وحاتم بن إسماعيل وعبد الله بن جعفر وطائفة. وعنه أبو بكر بن أبي الأسود ومحمد بن يونس ومحمد بن معمر وآخرون. قال ابن خزيمة كان من ثقات أهل المدينة وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو حاتم ليس به بأس. روى له أبو داود وابن ماجه (قوله عن أبيه) هو إسحاق ابن كعب بن عجرة القضاعي حليف بني سالم. روى عن أبيه وأبى قتادة. وعنه ابنه سعد. قال ابن القطان مجهول الحال ما روى عنه غير ابنه سعد، وقال في التقريب مجهول الحال من الثالثة. قتل يوم الحرة. روى له أبو داود والترمذي (معنى الحديث) (قوله أتى مسجد بني عبد الأشهل) بطن من الأنصار (قوله رآهم يسبحون بعدها الخ) أي يتنفلون بعد صلاة المغرب فقال هذه صلاة البيوت. وهو خبر بمعنى الأمر ففي رواية النسائي عليكم بهذه الصلاة في البيوت. وفي رواية أحمد اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم "للسبحة بعد المغرب" وبظاهر الأمر أخذ ابن أبي ليلي فقال بعدم صحة سنة المغرب في المسجد واستحسنه أحمد. وحمل الجهور الأمر على الندب للحديث الآتي أي أن الأفضل صلاة النوافل ولا سيما راتبة المغرب البعدية في البيوت لأنه أبعد من الرياء وأقرب إلى الإخلاص ولما فيه من حصول بركة الصلاة في البيوت. وهذا في حق غير المعتكف أما هو فإنه يؤديها في المسجد بلا كراهة اتفاقًا. ومن الحديث أخذ العلماء أن الأفضل تأدية النوافل في البيوت (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي وأحمد والطحاوي. وفي إسناده إسحاق بن كعب وهو مجهول تفرد بهذا الحديث. وأخرجه ابن ماجه عن عبد الوهاب بن الضحاك عن إسماعيل ابن عياش عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج قال أتانا

تطويل القراءة في الركعتين بعد المغرب وجواز صلاتهما في المسجد

رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بني عبد الأشهل فصلى بنا المغرب في مسجدنا ثم قال اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم. وإسناده ضعيف لأن رواية إسماعيل بن عياش وعبد الوهاب عند الشاميين ضعيفة. وأخرجه الترمذي من طريق إبراهيم بن أبي الوزير عن محمد بن موسى وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. والصحيح ما روي عن ابن عمر قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي الركعين بعد المغرب في بيته اهـ (ص) حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَرْجَرَائِيُّ نَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُطِيلُ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَتَفَرَّقَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ. (ش) (رجال الحديث) (يعقوب بن عبد الله) بن سعد بن مالك أبو الحسن الأشعري القمي روى عن أخيه عبد الرحمن وسهل بن ثعلبة وزيد بن أسلم وجعفر بن أبي المغيرة والأعمش وحفص بن حميد وغيرهم. وعنه ابن مهدي ومنصور بن سلمة والحسين بن موسى وإسماعيل بن أبان ومحمد بن سعيد وجماعة. قال النسائي ليس به بأس، وقال الدارقطني ليس بالقوى استشهد به البخاري في كتاب الطب من صحيحه. ووثقه أبو القاسم الطبراني وابن حبان. مات سنة أربع وسبعين ومائة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي. و (جعفر بن أبي المغيرة) دينار الخزاعى القمي. روى عن سعيد بن جبير وعكرمة وشهر بن حوشب وأبي الزناد وسعيد في عبد الرحمن. وعنه ابنه الخطاب وحسان بن عليّ ومطرف بن طريف ويعقوب بن عبد الله القمي وثقه أحمد وابن حبان وقال ابن منده ليس بالقوي. روى له أبو داود والترمذي والنسائي (معنى الحديث) (قوله يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب) محمول على بعض الأوقات فلا ينافي أنه كان يقرأ فيهما بسورتي الكافرون والإخلاص. فقد أخرج الترمذي عن عبد الله ابن مسعود أنه قال ما أحصي ما سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل صلاة الفجر بقل يأيها الكافرون وقل هو الله أحد. وأخرجه ابن ماجه مقتصرًا على ركعتي المغرب (وفي الحديث) دليل على مشروعية تطويل القراءة في الركعتين بعد المغرب، وعلى جواز تأديتهما في المسجد. ويحتمل أنه كان يفعل ذلك وقت الاعتكاف أو كان ذلك لعذر منعه من دخول البيت. قال الترمذي وقد روى عن حذيفة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى المغرب فما زال يصلي في المسجد حتى صلى العشاء الآخرة. ففي هذا الحديث دلالة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى ركعتين بعد المغرب في المسجد اهـ

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ نَصْرٌ الْمُجَدَّرُ عَنْ يَعْقُوبَ الْقُمِّيِّ وَأَسْنَدَهُ مِثْلَهُ. (ش) أي روى هذا الحديث نصر بن زيد المجدر واسنده إلى عبد الله بن عباس كما أسنده طلق بن غنام. وغرض المصنف بذكر هذا وما بعده بيان أن الحديث روى من عدة طرق. وهذا الطريق معلق. وقد أخرجه البيهقي بلفظ المصنف. هذا و (نصر) هو ابن زيد أبو الحسن البغدادي مولى بني هاشم. روى عن مالك ويعقوب بن عبد الله وشريك. وعنه محمد بن الصباح الدولابي ومحمد بن عيسى بن الطباع، قال ابن معين لا بأس به وثقه ابن سعد وقال صاحب حديث. روى له أبو داود. و (المجدر) بصيغة اسم المفعول من قام به الجدري وهو جروح تنفط على الجلد ممتلئة ماء ثم تنفتح. و (القمي) بضم القاف وتشديد الميم نسبة إلى قم بلد بالعجم كان أكثر أهلها شيعًا (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ نَا نَصْرٌ الْمُجَدَّرُ عَنْ يَعْقُوبَ مِثْلَهُ. (ش) أي حدثنا الحديث السابق محمد بن عيسى عن نصر عن يعقوب القمي مثل حديث طلق ابن غنام وهذا الطريق مسند ذكر المصنف فيه شيخه (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ قَالاَ نَا يَعْقُوبُ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِمَعْنَاهُ مُرْسَلٌ. (ش) هذا طريق رابع لحديث ابن عباس لكنه مرسل لعدم ذكر الصحابي فيه وقد أخرجه البيهقي أيضًا مرسلًا. وهذا باعتبار الظاهر. وأما في الواقع فموصول فقد بين المصنف الصحابي بأنه ابن عباس بقوله (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ حُمَيْدٍ يَقُولُ سَمِعْتُ يَعْقُوبَ يَقُولُ كُلُّ شَيْءٍ حَدَّثْتُكُمْ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ مُسْنَدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. (ش) قد أفاد أن كل ما حدث به يعقوب بن عبد الله عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن حبير عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فهو مسند عن ابن عباس وإن كان ظاهره الإرسال (وعلى الجملة) فقد ذكر المصنف لحديث ابن عباس أربع طرق يريد

باب الصلاة بعد العشاء

بذلك تقويته وفي كل منها يعقوب بن عبد الله، قال فيه الدارقطني ليس بالقوى، وذكره ابن الجوزي في الضعفاء ووثقه غيرهما كما تقدم. هذا و (محمد بن حميد) بن حبان أبو عبد الله الرازي. روى عن يعقوب بن عبد الله وإبراهيم بن المختار وابن المبارك وهارون بن المغيرة وأبى داود الطيالسي. وعنه أحمد ويحيى بن معين وأبو داود والترمذي وابن ماجه وآخرون وثقه ابن معين وجعفر ابن أبي عثمان الطيالسي. وقال النسائي والجوزجاني غير ثقة. وقال صالح ابن محمد الأسدي كل شيء كان يحدثنا ابن حميد كنا نتهمه فيه وما رأيت أحدًا أجرأ علي الله منه كان يأخذ أحاديث الناس فيقلب بعضها على بعض، وقال أبو زرعة كان يتعمد الكذب وقال ابن حبان يتفرد عن الثقات بالمقلوبات (باب الصلاة بعد العشاء) وفي نسخة باب في الصلاة بعد العشاء (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ الْعُكْلِيُّ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ حَدَّثَنِي مُقَاتِلُ بْنُ بَشِيرٍ الْعِجْلِيُّ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ سَأَلْتُهَا عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- الْعِشَاءَ قَطُّ فَدَخَلَ عَلَيَّ إِلاَّ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ وَلَقَدْ مُطِرْنَا مَرَّةً بِاللَّيْلِ فَطَرَحْنَا لَهُ نِطْعًا فَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى ثُقْبٍ فِيهِ يَنْبُعُ الْمَاءُ مِنْهُ وَمَا رَأَيْتُهُ مُتَّقِيًا الأَرْضَ بِشَىْءٍ مِنْ ثِيَابِهِ قَطُّ. (ش) (رجال الحديث) (قوله العكلي) نسبة إلى عكل بضم العين المهملة وسكون الكاف قبيلة و (مالك بن مغول) بكسر فسكون ابن عاصم بن غزية بن حارثة بن خديج أبو عبد الله البجلي الكوفي. روى عن أبي إسحاق السبيعي ونافع مولى ابن عمر وسماك بن حرب والزبير بن عدي والشعبي وكثيرين. وعنه شعبة والثوري وزائدة وابن عيينة ووكيع ويحيى بن سعيد القطان وابن المبارك. وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي وأبو نعيم، وقال ابن سعد كان ثقة مأمون الحديث فاضلًا خيرًا. وقال ابن حبان كان من عباد أهل الكوفة ومتقنيهم. مات سنة تسع وخمسين ومائة. روى له الجماعة. و (مقاتل بن بشير) روى عن شريح بن هانئ وموسى بن أبي موسى

باب نسخ قيام الليل

الأشعري. وعنه مالك بن مغول. ذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائي و (العجلي) نسبة إلى عجل بكسر المهملة وسكون الجيم أو بفتحهما قبيلة من ربيعة سميت باسم عجل بن لجيم بن صعب (معنى الحديث) (قوله سألتها عن صلاة رسول الله) أي عن تنفله بعد العشاء (قوله إلا صلى أربع ركعات) هي راتبة العشاء البعدية مؤكدتان والباقي مستحب لحديث من ثابر على ثنتي عشرة ركعة وفيه وركعتين بعد العشاء، رواه ابن ماجه وغيره عن عائشة (قوله أوست ركعات) الظاهر أن أوللتنويع أي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي تارة أربعًا وتارة ستًا وهذا هو الغالب من أحواله، فلا ينافي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي ركعتين كما في رواية مسلم من حديث عائشة وفيه ويصلي بالناس العشاء ويدخل بيتي فيصلي ركعتين الخ ونحوه في حديث ابن عمر عند الشيخين (قوله ولقد مطرنا الخ) أي أصابنا المطر فطرحنا له نطعًا وهو ما يتخذ من الجلد للصلاة عليه. وفيه أربع لغات كسر النون وفتحها مع سكون الطاء وفتحها وجمعه أنطاع ونطوع (قوله فكأنى أنظر إلى ثقب فيه) أي إلى خرق في النطع، وذكرت ذلك للإشارة إلى أنها متأكدة من الحادثة ومستحضرة لها (قوله ينبع الماء منه) أي يخرج منه الماء. وينبع من بابي قعد ونفع (قوله وما رأيته متقيًا الأرض الخ) أي ما رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم متجنبًا مباشرة الأرض لصون ثيابه من طين ونحوه فالباء في قوله بشيء تعليلية. وفي الحديث دلالة على مشروعية صلاة أربع ركعات أوست بعد صلاة العشاء. وعلى استحباب تأديتها في البيت. وعلى أنه يعفى عما يصيب ثوب المصلي من أثر المطر (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي وكذا أحمد مختصرًا عن عائشة قالت ما صلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العشاء قط فدخل عليّ إلا صلى أربع ركعات أوست ركعات. وأخرج الطبراني نحوه عن ابن عباس مرفرعًا من صلى أربع ركعات خلف العشاء قرأ في الركعتين الأوليين قل يأيها الكافرون وقل هو الله أحد وفي الركعتين الأخيرتين تنزيل السجدة وتبارك الذى بيده الملك كتبن له كأربع ركعات من ليلة القدر وفي إسناده يزيد بن سنان ضعفه قوم ووثقه آخرون (باب نسخ قيام الليل) وفي بعض النسخ أبواب قيام - اللبل باب نسخ قيام الليل والتيسير فيه (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ ابْنُ شَبُّويَةَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ

عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي الْمُزَّمِّلِ (قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلًا نِصْفَهُ) نَسَخَتْهَا الآيَةُ الَّتِى فِيهَا (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) وَنَاشِئَةُ اللَّيْلِ أَوَّلُهُ وَكَانَتْ صَلاَتُهُمْ لأَوَّلِ اللَّيْلِ يَقُولُ هُوَ أَجْدَرُ أَنْ تُحْصُوا مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَذَلِكَ أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا نَامَ لَمْ يَدْرِ مَتَى يَسْتَيْقِظُ وَقَوْلُهُ (أَقْوَمُ قِيلًا) هُوَ أَجْدَرُ أَنْ يُفْقَهَ فِي الْقُرْآنِ وَقَوْلُهُ (إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا) يَقُولُ فَرَاغًا طَوِيلًا. (ش) (رجال الأثر) (علي بن حسين) بن واقد المروزي. روى عن أبيه وهشام ابن سعد وابن المبارك وخارجة بن مصعب وأبي حمزة السكري. وعنه إسحاق بن راهويه ومحمود بن غيلان ومحمد بن رافع وسويد بن نصر وجماعة. قال النسائي لا بأس به وقال أبو حاتم ضعيف الحديث وقال البخاري لم أكتب عنه وكان إسحاق بن راهويه سيء الرأى فيه لعلة الإرجاء. توفي سنة إحدى أو اثنتي عشرة ومائتين. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في الأدب. و (يزيد النحوي) هو ابن أبي سعيد أبو الحسن القرشي مولاهم المروزي. روى عن مجاهد وعكرهة وعبد الله وسلمان ابني بريدة. وعنه أبو عصمة وحسين بن واقد ويسار المعلم ومحمد بن بشار وغيرهم. وثقه أبو زرعة وأبو داود والنسائي وابن معين، وقال الدارقطني حسبك به ثقة ونبيلًا. وقال ابن حبان كان متقنًا من العباد تقيًا من الرفعاء توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في الأدب. و (عكرمة) مولى ابن عباس تقدم بالجزء الأول صفحة 241 (المعنى) (قوله قال في المزمل) أي في سورة المزمل وهي مكية إلا آية إن ربك يعلم أنك تقوم إلى آخرها فإنها مدنية. والمزمل أصله المتزمل ففيه قلب التاء زايًا وإدغامها في الزاي أي المتحمل للنبوة أو القرآن: وقيل المزمل المتلفف في ثيابه وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في بدء نزول الوحي في غار حراء قال فجاء في الملك فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارى فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) حتى بلغ (مَا لَمْ يَعْلَمْ)، فرجعت بها يرجف فؤادي فدخلت

فضل قراءة القرآن ليلا

على خديجة بنت خويلد فقلت زملوني زملوني فزملوني حتى ذهب عني الروع "الحديث" رواه البخاري عن عائشة (قوله قم الليل الخ) أي قم في الليل للصلاة فيه وقوله إلا قليلًا نصفه استثناء من الليل ونصفه وما عطف عليه بيان للقليل ففيه التخيير بين قيام نصف الليل بتمامه أو قيام أنقص منه قليلًا أو زيادة عليه. والضمير في منه وعليه عائد على النصف. فيكون المعنى قم نصف الليل وبه جزم الطبري وهو قول عطاء الخراساني "ولا يقال" إن النصف مساو للنصف الآخر لا أقل معه فكيف يسوغ كونه بيانًا للقليل "لأن النصف" يوصف بالقلة بالنظر لكل الليل لا بالنظر للنصف الآخر. ويحتمل أن يكون نصفه بدلًا من الليل وإلا قليلًا استثناء من النصف فكأنه قال قم أقل من نصف الليل أو زد على النصف فيَكون التخيير بين أمرين الاقتصار علي أقل من النصف وعدم الاقتصار عليه بأن يفعله أو يزيد عليه (قوله نسختها الآية الخ) أي نسخت هذه الآية التي فيها الأمر بقيام الليل الآية التي في السورة وهي قوله تعالى إن ربك يعم أنك تقوم الخ (قوله علم أن لن تحصوه الخ) أي علم الله عدم استطاعتكم تقدير أوقات القيام وضبط ساعاته فتاب عليكم أي خفف عليكم بعد الشدة ورخص لكم في ترك القيام المذكور فالمراد بالتوبة التوبة اللغوية لا التوبة من الذنوب (قوله فاقرءوا ماتيسر من القرآن) يعني صلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل ولو ركعتين. وإطلاق القرأة علي الصلاة مجاز مرسل من إطلاق الجزء وإرادة الكل. والأمر فيه للوجوب فيكون الواجب قيام بعض غير معين من الليل ثم نسخ وجوب القيام مطلقًا على ما يأتي. وقيل إن القراءة باقية على حقيقتها. وحمل جماعة الأمر فيه على الندب فيكون الله تعالى رخص في ترك جميع القيام وندب لقراءة شيء من القرآن ليلًا فكأنه قال فتاب عليكم ورخص في ترك القيام فاقرءوا ما تيسر من القرآن وبهذه القراءة تنالون ثواب القيام. فقد جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين. رواه المصنف في باب تحزيب القرآن وابن خزيمة وكذا ابن حبان إلا أنه قال ومن قام بمائتي آية كتب من المقنطرين أي ممن كتب له قناطير من الأجر. وعن معاذ أنه قال القنطار ألف ومائتا أوقية والأوقية خير مما بين السماء والأرض. وقد بين ابن عباس في تفسيره ما أجمله في هذا الحديث حيث قال قم الليل يعني قم الليل كله إلا قليلًا منه فاشتد ذلك على النبي صلي الله تعالى عليه وآله وسلم وعلي أصحابه وقاموا الليل كله ولم يعرفوا ما حد القليل، فأنزل الله تعالى نصفه أو انقص منه قليلًا، فاشتد ذلك أيضًا عليهم وقاموا حتى انتفخت أقدامهم ففعلوا ذلك سنة، فأنزل الله تعالى ناسختها فقال علم أن لن تحصوه يعني قيام الليل من الثلث والنصف، وكان هذا قبل فرض الصلوات الخمس. فلما فرضت نسخت هذه

كما نسخت الزكاة كل صدقة وصوم رمضان كل صوم اهـ وفي تفسير ابن الجوزي كان الرجل يسهر طول الليل مخافة أن يقصر فيما أمر به من قيام ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه فشق عليهم ذلك فخفف الله عنهم بعد سنة ونسخ وجوب التقدير بقوله علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر منه. أي صلوا ما تيسر من الصلاة ولو قدر حلب شاة. ثم نسخ وجوب قيام الليل بالصلوات الخمس بعد سنة أخرى، فكان بين وجوب تطويل قيام الليل وتخفيفه بالاقتصار على ركعتين سنة وبين وجوب تطويله ونسخه بالكلية سنتان. وما قاله ابن عباس وتبعه ابن الجرزي وغالب المفسرين من أن نسخ وجوب قيام الليل وقع بالصلوات الخمس فيه نظر لأن وجوب الصلوات الخمس لا ينافي وجوب قيام الليل. شرط الناسخ أن يكون حكمه منافيًا لحكم المنسوخ. فالصواب أن يكون النسخ بحديث ضمام بن ثعلبة المتقدم في أول كتاب ألصلاة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبره بأن المفروض عليه خمس صلوات في اليوم والليلة فقال هل على غيرهن يا رسول الله قال لا إلا أن تطوع "الحديث" فقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لا" ينفي وجوب أي صلاة كانت غير الخمس فينفي وجوب قيام الليل كثيرًا كان أو قليلًا. وقد يجاب بأن مراد ابن عباس وغيره بالنسخ الانتقال من حكم إلى حكم وإن لم يكن بينهما تناف. والصحيح ما تقدم من أن آخر السورة نسخ أولها فصار قيام الليل تطوعًا بعد فرضيته وأن الأمر في قوله (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) للندب، وإليه ذهبت عائشة وغيرها كما سيأتي. وحكاه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل عن ابن عباس أيضًا واختاره (قوله وناشثة الليل أوله) أي أول ساعاته يقال نشأ وأنشأ إذا خرج وابتدأ، وقيدها ابن عباس والحسن بما كان بعد العشاء، وكان زين العابدين يصلي بين العشاءين ويقول هذه ناشئة الليل، وقال ابن مسعود ناشئة الليل قيامه على أنها مصدر من نشأ إذا قام ونهض على وزن فاعلة كالعافية بمعنى العفو قاله الأزهري. وقال ابن قتيبة ناشئة الليل ساعاته لأنها تنشأ أي تبدو. ومنه نشأت السحابة إذا بدت. وقالت عائشة الناشئة القيام بعد النوم. وقيل هي القيام آخر الليل (قوله وكانت صلاتهم لأول الليل) أي كانت صلاة الصحابة قيام الليل في أوله لئلا يستغرقهم النوم فلا يدركوا ما فرض عليهم من قيامه (قوله يقول هو أجدر أن تحصوا الخ) أي يقول ابن عباس بيانًا لوجه ماذهب إليه من أن ناشثة الليل أوله إن القيام في أوله أحق بضبط مافرض عليهم من قيام الليل (قوله هو أجدر أن يفقه في القرآن) هو تفسير من ابن عباس لقوله تعالى (وَأَقْوَمُ قِيلًا) ومعناه أن الليل أحق بأن يفهم فيه القرآن ما النهار لسكون الأصوات ولقلة الشواغل فيه. وقال مجاهد معناه أصون للقراءة وأثبت للقلب وقلة الرياء، وقرأ أنس أصوب قيلًا أي أصوب قراءة وأصح قولًا من النهار وفي رواية ابن جرير في تفسيره بسنده إلى ابن عباس قوله إن ناشئة الليل هي أشد وطأ يقول

أقوال العلماء في قيام الليل

ناشئة الليل كانت صلاتهم أول الليل هي أشد وطأ يقول هو أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من القيام وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ اهـ فجعل قوله هو أجدر تفسيرًا لقوله تعالى هي أشد وطأ، بخلاف ظاهر حديث الباب حيث جعله تفسيرًا لقوله تعالى (وَأَقْوَمُ قِيلًا) (قوله يقول فراغًا طويلًا) أي يقول ابن عباس في تفسير قوله تعالى سبحًا طويلًا فراغًا طويلًا أي لك في النهار فراغ واتساع للأمور الدنيوية فاعملها فيه وتفرغ في الليل لطاعة ربك، والسبح مصدر سبح، الفراغ والتصرف في المعاش والتقلب والانتشار في الأرض كما في القاموس. وفي المصباح سبح الرجل في الماء سبحًا من باب نفع والاسم السباحة بالكسر فهو سابح وسباح مبالغة وسبح في حوائجه تصرف فيها اهـ وقرأ يحيى بن يعمر سبخًا بالخاء المعجمة الفراغ والنوم كما في القاموس. وقال الزمخشري أما السباخة بالخاء فاستعارة من سبخ الصوف وهو نفشه ونشر أجزاءه لانتشار الهم وتفرق القلب بالشواغل اهـ (فقه الحديث) دل الحديث على جواز نسخ القرآن بالقرآن، وعلى أن قيام الليل نصفه أو ثلثه أو ثلثيه كان فرضًا على النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم وعلي أصحابه ثم خفف الله عنهم فنسخ وجوب قيام الليل في حقه وحقنا بقوله تعالى (فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ). قيل وليس في القرآن سورة نسخ آخرها أولها إلا هذه السورة. وقد اختلفت العلماء في قيام الليل على أقوال (الأول) أنه ليس بفرض لقوله تعالى نصفه أو انقص منه قليلًا أو زد عليه. وبه قال بعضهم وقال التخيير ليس من شأن الفرض وإنما هو مندوب. ورد بأنه من باب الواجب المخير في مقداره ثم نسخ كما تقدم (الثاني) أنه فرض على كل مسلم ولو قدر حلب شاة قاله الحسن البصري وابن سيرين لقوله تعالى (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ). وهو قول شاذ متروك لإجماع العلماء على أن قيام الليل نسخ بقوله تعالى (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) الآية وبحديث ضمام كما تقدم (الثالث) أنه كان فرضًا على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله سلم وحده وهو قول مالك، وروى عن ابن عباس لظاهر قوله تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك، أي فريضة زائدة على الصلوات الخمس خاصة بك دون أمتك. ولا يقال إن الخطاب له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خطاب لأمته, لأن محل هذا ما لم يقم دليل على الخصوصية كما هنا فإن قوله نافلة لك بعد قوله فتهجد دليل على أن الخطاب خاص به صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم دون أمته، قال في روح المعاني يدل على أن المراد ما ذكر ما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال، ذلك خاصة للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أمر بقيام الليل وكتب عليه اهـ (الرابع) أنه مندوب في حق النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم وأمته وهو قول الجمهور وحكى عن ابن عباس ومجاهد وزيد بن أسلم لما في مسلم والنسائي والبيهقي واللفظ له من طريق سعد بن هشام قال انطلقت إلى ابن عباس فسألته عن

الوتر فقال ألا أدلك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله تعالى وآله وسلم قال قلت من قال عائشة رضي الله تعالى عنها فأتها فسلها ثم أعلمني ما ترد عليك قال فانطلقت إليها فأتيت على حكيم بن أفلح فاستصحبته فانطلقنا إلى عائشة فاستأذنا فدخلنا فقالت من هذا قال حكيم بن أفلح فقالت من هذا معك قلت سعد بن هشام قالت ومن هشام قلت ابن عامر قال نعم المرء، كان عامر أصيب يوم أحد، قلت يا أم المؤمنين انبئيني عن خلق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان القرآن قال فهممت أن أقوم فبدا لي فقلت أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا أم المؤمنين، فقالت ألست تقرأ (يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) قال قلت بلى قالت فإن الله تعالى افترض القيام في أول هذه السورة فقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه حولًا حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرًا في السماء ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة "الحديث". وفي العيني على البخاري قال الشافعي رحمه الله سمعت بعض العلماء يقول إن الله تعالى أنزل فرضًا في الصلوات قبل فرض الصلوات الخمس فقال (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) فرضًا ثانيًا لقوله تعالى. ومن الليل فتهجد به نافلة لك فوجب طلب الدليل من السنة على أحد المعنيين فوجدنا سنة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن لا واجب من الصلوات إلا الخمس اهـ "والحديث" أخرجه البيهقي (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ -يَعْنِي الْمَرْوَزِيَّ- نَا وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ سِمَاكٍ الْحَنَفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ أَوَّلُ الْمُزَّمِّلِ كَانُوا يَقُومُونَ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَزَلَ آخِرُهَا وَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا سَنَةٌ. (ش) (وكيع) بن الجراح تقدم في الجزء الأول صفحة 32. وكذا (مسعر) بن كدام بكسر ففتح صفحة 206 (قوله كانوا يقولون الخ) أي كان النبي صلى الله عليه واله وسلم وأصحابه يقومون لصلاة في صلاة الليل قيامًا طويلًا كقيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخر المزمل وهو قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) الخ وكان بين نزول أول سورة المزمل المنسوخ وآخرها الناسخ سنة. ويؤيده ما تقدم في حديث مسلم والنسائي والبيهقي عن عائشة وما أخرجه محمد بن نصر في قيام الليل بأسانيد صحيحة عن أبي عبد الرحمن السلمي والحسن

باب قيام الليل

وعكرمة وقتادة، قال وعن قتادة في قوله (يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)، افترض الله قيام الليل في أول هذه السورة فقام رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه حولًا فأمسك الله خاتمتها في السماء اثنى عشر شهرًا ثم أنزل الله التخفيف في آخرها صار قيام الليل تطوعًا من بعد فريضة اهـ. وقيل كان بين الناسخ والمنسوخ ستة عشر شهرًا. ومقتضى هذين القولين أن النسخ وقع بمكة لأن إيجاب قيام الليل متقدم على فرض الخمس الذي كان ليلة الاسراء وكان الإسراء قبل الهجرة بأكثر من سنة علي الصحيح. واستشكل محمد بن نصر المروزي ذلك وقال الآية تدل على أن قوله تعالى (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) إنما نزل بالمدينة لقوله تعالى (وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) والقتال إنما وقع بالمدينة لا بمكة اهـ ورده الحافظ في الفتح فقال قبيل أبواب ستر العورة وما استدل به غير واضح لأن قوله تعالى (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ) ظاهر في الاستقبال فكأنه سبحانه وتعالى امتن عليهم بتعجيل التخفيف قبل وجود المشقة التي علم أنها ستقع لهم اهـ وقيل كانت مدة الفاصل بين أول السورة وآخرها عشر سنين، ففي تفسير ابن جرير الطبري حدثنا يعقوب عن جعفر عن سعيد قال لما أنزل الله على نبيه يأيها (يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) قال مكث النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على هذا الحال عشر سنين يقوم الليل كما أمره الله وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه فأنزل الله عليه بعد عشر سنين. (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ) إلى قوله (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) فخفف الله عنهم بعد عشر سنين اهـ وعلى هذا فيكون الناسخ مدنيًا. وما دل عليه حديث الباب من أن الفاصل بين الناسخ والمنسوخ سنة أقوى لكثرة مايؤيده كما علمت (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي ومحمد بن نصر في كتاب قيام الليل وكذا ابن جرير الطبري في تفسيره من عدة طرق (باب قيام الليل) أي في بيان فضل قيام الليل والترغيب فيه. (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ

نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ". (ش) (أبو الزناد) هو عبد الله بن ذكوان تقدم بالأول صفحة 168.وكذا (الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (قوله يعقد الشيطان) أي يربط الشيطان فالظاهر أن العقد باق على حقيقته لما في رواية ابن ماجه من طريق أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم بالليل بحبل فيه ثلاث عقد "الحديث". وفي رواية محمد بن نصر على قافية رأس أحدكم بالليل حبل فيه ثلاث عقد. وروى أحمد إذا نام أحدكم عقد على رأسه بجرير. وفي رواية ابن حبان ما من ذكر ولا أنثى إلا ويعقد على رأسه بجرير، وهو حبل من جلد ويفعل الشيطان ذلك كما تفعل النفاثات في العقد، وأكثر ما يكون ذلك من النساء تأخذ إحداهن الخيط فتعقد فيه عقدًا وتقول عليها كلمات، ويحتمل أن العقد مجاز كأنه شبه فعل الشيطان بالنائم من منعه من الذكر والصلاة بفعل الساحر بالمسحور من منعه عن مراده، وقيل إنه قول يقوله الشيطان ينشأ عنه تأخير النائم عن القيام في الليل كتأثير السحر. وقيل هو من عقد القلب وتصميمه فكأن الشيطان يوسوس في نفس النائم بأن عليك ليلًا طويلًا فتأخر عن القيام وقال في النهاية المراد تثقيله في النوم وإطالته فكأنه قد شد عليه شدًا وعقده ثلاث عقد. والشيطان يحتمل أن يراد به الجنس ويكون العاقد لذلك القرين أو غيره. ويحتمل أن يراد به إبليس ورده بعضهم بأن الغافلين عن قيام الليل كثيرون فلا يستطيع أن يعقد عليهم. وقد يقال لا مانع من ذلك لجواز أن يعطيه الله تعالى القدرة علي ذلك (قوله على قافية رأس أحدكم) أي مؤخر عنقه، وقافية كل شيء مؤخره، ولعل تخصيص القفا لأنه محل الواهمة ومحل تصرفها وهي أطوع القوى للشيطان وأسرع إجابة لدعوته، وظاهر قوله أحدكم التعميم للمخاطبين ومن في معناهم لكن يخص منه الأنبياء، ولا يعارضه ما في رواية البخاري عن أبي هريرة مرفوعًا "إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح" لامكان حمل حديث الباب على العقد المعنوي وحمل القرب في هذا الحديث على الحسي أو العكس أو حمل الحديثين على المعنوي أو الحسي، فيمكن تخصيص حديث الباب بحديث أبي هريرة أي فيعقد الشيطان على قافية رأس كل واحد إلا من قر أآية الكرسي عند نومه (قوله يضرب مكان كل عقدة) وفي رواية للبخاري يضرب على مكان كل عقدة. وفي أخرى يضرب عند مكان كل عقدة أي يضرب بيده على العقدة تأكيدًا وإحكامًا لما يفعله. وقيل المراد أنه يحجب الحس عن النائم حتى لا يستيقظ، ومنه فضربنا عن آذانهم أي حجبنا الحس أن في يلج آذانهم (قوله عليك ليل طويل) أي يضرب قائلًا ذلك، وعليك

الترغيب في الذكر والوضوء والصلاة عقب القيام من النوم

خبر مقدم وليل مبتدأ مؤخر أي باق عليك ليل طويل فارقد، ويحتمل أن ليلًا فاعل لفعل محذوف أي بقى عليك ليل طويل. وفي رواية مسلم بالنصب علي الإغراء على تقدير مضاف أي الزم نوم ليل طويل، وعليه فقوله ارقد توكيد، ومقصود الشيطان بذلك التلبيس علي النائم وتثبيطه عن القيام للعبادة وظاهره اختصاص ذلك بنوم الليل. ولا يبعد حصول مثل ذلك من الشيطان لمن نام نهارًا (قوله فذكر الله) أي بأى نوع من أنواع الذكر ومنه تلاوة القرآن وقراءة الحديث والعلم (قوله فإن توضأ انحلت عقدة) هذا ظاهر فيمن كان محدثًا حدثًا أصغر أما الجنب فقيل لا تنحل العقدة بالوضوء بل بالغسل، وخص الوضوء بالذكر لأنه الغالب وقيل تنحل بوضوء الجنب لعموم الحديث (قوله فإن صلى انحلت عقدة) هي بالإفراد في جميع الأقسام الثلاثة. وفي رواية مسلم فإذا استيقظ فذكر الله انحلت عقدة وإذا توضأ انحلت عنه عقدتان فإذا صلى انحلت العقد. وفي رواية البخاري بالإفراد في الأوليين وبالجمع في الثالثة والمؤدى واحد فإنه بانحلال العقدة الأخيرة تنحل العقد الثلاث، ويوافق رواية المصنف ما في حديث أحمد من قوله فإن ذكر الله انحلت عقدة واحدة وإن قام فتوضأ أطلقت الثانية فإن صلى أطلقت الثالثة. وظاهر رواية الجمع أن العقد تنحل كلها بالصلاة وهو كذلك في حق من لم يحتج للطهارة كمن نام متمكنًا ثم انتبه فصلى قبل الذكر والطهارة فإن الصلاة تجزئه في حل العقد كلها، أما من يحتاج إلى الطهارة فالمعنى علي رواية الجمع ثم انحلال عقده (قوله فأصبح نشيطًا) أي خفيفًا راغبًا في الطاعة نشيطًا في أحمال دينه ودنياه منشرح الصدر لما وفقه الله من الطاعة وبارك له في نفسه وتصرفه في كل أموره وبما زال عنه من عقد الشيطان وبما وعد به من الثواب ورضا الرحمن قال الله تعالى {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (قوله وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) أي إن لم يفعل ما ذكر من الذكر والوضوء والصلاة ونام حتى فاتته صلاة الصبح أو صلاة التهجد علي الخلاف في ذلك أصبح محزون القلب كثير الهم متحيرًا في أمره ثقيل النفس غير منشرح الصدر متكاسلًا عن تحصيل مآربه لتركه فعل الخير وبعده عن الله تعالى وتمكن الشيطان منه. ومقتضى قوله وإلا أصبح الخ أن من لم يفعل الثلاثة "الذكر والوضوء والصلاة، داخل فيمن يصبح خبيثًا كسلان وإن أتى ببعضها وهو الظاهر لكنه متفاوت، فمن ذكر الله فقط كان في الخبث أخف ممن لم يذكر أصلًا. وهذا الذى مختص بمن لم ينو القيام إلى الصلاة وضيعها أما من نوى القيام أو كانت عادته القيام فغلبته عينه فقد ثبت أن الله يكتب له أجر صلاته ونومه عليه صدقة كما سيأتي للمصنف بعد. ولا يقال إن هذا الحديث يعارض حديث لا يقولن أحدكم خبثت نفسي ولكن ليقل لَقِسَتْ نفسي أي ضعفت ذكره الحافظ في الفتح نقلًا عن ابن عبد البر

الذكر الوارد عقب النوم

لأن هذا الحديث فيه نهى الانسان أن يقول ذلك عن نفسه وحديث الباب إخبار عن صفة غيره للتنفير أو أن النهي في هذا الحديث محمول على ما إذا لم يكن هناك داع للوصف بذلك كالتنفير والتحذير وإلا جاز (فقه الحديث) دل الحديث على الحث عل ذكر الله تعالى والوضوء والصلاة وإن قلت عند الاستيقاظ من النوم، فإن ذلك يبعد الشيطان ولا يكون له على من فعل ذلك سبيل. ولا يتعين للذكر لفظ مخصوص بل يكفي كل ما يصدق عليه ذكر الله، وأعظمه تلاوة القرآن، وأفضله ما ورد عن النبي صلي الله تعالى عليه وعليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت أنه صلى الله تعالى عليه وعليه آله وسلم قال من تعارّ من الليل فقال حين يستيقظ لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. ولاحول ولا قوة إلا باللهِ. ثم دعا استجيب له. وما في حديث عائشة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا استيقظ من الليل قال لا إله إلا أنت سبحانك اللهم أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك. اللهم زدني علمًا ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة. إنك أنت الوهاب. وسيأتي ذلك في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى (والحديث) أخرجه مالك في الموطأ وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ نَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ نَا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي قَيْسٍ يَقُولُ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها لاَ تَدَعْ قِيَامَ اللَّيْلِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ لاَ يَدَعُهُ وَكَانَ إِذَا مَرِضَ أَوْ كَسِلَ صَلَّى قَاعِدًا. (ش) (رجال الحديث) (أبو داود) هو سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي و (عبد الله بن أبي قيس) وقيل ابن قيس أبو الأسود النصري الحمصي مولى عطية بن عازب روى عن مولاه وابن عمر وابن الزبير وأبى ذر وجماعة. وعنه محمد بن زياد ومحمد بن سليمان ومعاوية بن صالح وغيرهم، وثقه النسائي والعجلي، وقال أبو حاتم صالح الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبخاري في الأدب (معنى الحديث) (قوله لا تدع قيام الليل) أي لا تترك التطوع في الليل اقتداء به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله أو كسل) من باب تعب أي أصابه فتور بنحو تعب (قوله صلى قاعدًا) أي من غير أن ينقص من أجره شيء. فإن الله تعالى خصه بأن يكون ثواب تطوعه جالسًا كتطوعه قائمًا ولو بلا عذر كما تقدم بخلاف غيره. فإنه لو تنفل قاعدًا مع القدرة

الترغيب في التعاون على قيام الليل

على القيام فله نصف أجر القائم. أما من كان له عذر من مرض أو غيره فصلى جالسًا فله أجر القائم وقد تقدم تفصيل ذلك في باب الإمام يصلي من قعود (وفي الحديث) الحث على صلاة الليل وأنها تجوز من قعود ولو مع القدرة على القيام وهو مجمع عليه (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي من طريق يونس بن حبيب عن أبي داود الطيالسي (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ نَا يَحْيَى نَا ابْنُ عَجْلاَنَ عَنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ". (ش) (ابن بشار) هو محمد. و (يحيى) بن سعيد القطان. و (ابن عجلان) هو محمد و (القعقاع) بن حكيم. و (أبو صالح) هو ذكوان الزيات (قوله رجم الله رجلًا) إخبار من الصادق صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم باستحقاق من فعل ذلك الرحمة. أو دعاء له بهما وثناء له بحسن ما فعله (قوله فصلى) فرضًا أو نفلًا (قوله وأيقظ امرأته) أي نبهها بالحكمة والموعظة الحسنة للصلاة. وكالمرأة غيرها من المحارم كما يدل عليه لفظ الأهل في الحديث الآتي. والواو في قوله وأيقظ لمطلق المجمع لا تفيد ترتيبًا فله إيقاظها قبل صلاته وبعدها، وذكر الصلاة في الحديث أولًا للإشارة إلى أنه ينبغي لمن يدعو غيره إلى خير أن يبادر بفعله. فإنه أدعى للامتثال (قوله فإن أبت الخ) أي إن امتنعت عن القيام لا بعذر شرعي بل لنحو كسل نضح في وجهها الماء أي رش وجهها بماء. وخص الوجه بالنضح لأن رشه يذهب النوم أكثر من غيره (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز الدعاء للحي بالرحمة كما يدعى بها للميت، وعلي استحباب قيام الليل، وعلى حث الرجل أن يستيقظ أولًا ويأمر أهله بالخير، وعلى مشروعية إيقاظ النائم للتنفل، وعلى مشروعية حث من تكاسل عن الخير على فعله ولو بطريق الإزعاج من النوم وهو من باب التعاون على البر (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم. وقال حديث صحيح على شرط مسلم. وأخرجه البيهقي من طريق مسدد عن يحيى القطان (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ كَثِيرٍ نَا سُفْيَانُ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ ح وَنَا مُحَمَّدُ بْنُ

حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ -الْمَعْنَى- عَنِ الأَغَرِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالاَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا أَيْقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّيَا أَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا كُتِبَا فِي الذَّاكِرِينَ وَالذَّاكِرَاتِ". وَلَمْ يَرْفَعْهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَلاَ ذَكَرَ أَبَا هُرَيْرَةَ جَعَلَهُ كَلاَمَ أَبِي سَعِيدٍ. (ش) (ابن كثير) محمد تقدم في الجزء الأول صفحة 199. و (سفيان) الثوري و (مسعر) ابن كدام. و (شيبان) بن عبد الرحمن تقدم بالرابع صفحة 51. و (الأغرّ) أبو مسلم المدني نزل الكوفة روى عن أبي هريرة وأبي سعيد. وقد أعتقاه. وعنه علي بن الأقمر وأبو إسحاق السبيعي وطلحة بن مصرف وغيرهم. قال العجلي تابعي ثقة وقال البزار ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقر يب ثقة من الثالثة. روى له مسلم والأربعة والبخاري في الأدب (قوله إذا أيقظ الرجل الخ) ومثله المرأة فلا مفهوم للرجل كما يدل عليه الحديث السابق، والمراد إذا استيقظ أحدهما فأيقظ الآخر وقيد بقوله إذا أيقظ الرجل نظر الغالب فلا ينافي أنهما إذا استيقظا معًا أو أيقظهما الغير وصليا يكون لهما هذا الأجر وأهله زوجته ومثلها غيرها ممن له به صلة من قرابة أو غيرها. إذ المقصود تنبيه الغير لفعل الخير (قوله من الليل) أي فيه (قوله أو صلى ركعتين الخ) أي صلى كل واحد منهما وهو شك من الراوي. وركعتين بيان لأقل ما يحصل به الاندراج في سلك الذاكرين الله كثيرًا سواء أكانتا نفلًا أم فرضًا (قوله جميعًا) حال من ضمير التثنية في صليا أو من ضمير صلى، وقال الطيبي هي حال مؤكدة من فاعل صليا على التثنية لا الإفراد لأنه ترديد من الراوي فالتقدير فصليا ركعتين جميعًا ثم أدخل الراوي لفظ أو صلى بين المؤكد والمؤكد. فإن أريد تأكيد فاعله يقدر فصلى وصلت جميعًا فهو قريب من التنازع اهـ ببعض تصرف (قوله كتب في الذاكرين الخ) وفي نسخة كتبًا بضمير التثنية أي أمر الله بكتابة من فعل ذلك مع من أثنى الله تعالى عليهم بقوله والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا. والمراد بالذكر ما يشمل أنواعه من تسبيح وتحميد وتهليل واستغفار وصلاة وسلام علي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتفكر في مصنوعات الله تعالى وتلاوة قرآن وقراءة الحديث ومذاكرة علم. وكثرة الذكر تختلف باختلاف الأشخاص ففي حق العامة أقله ثلثمائة في كل يوم وليلة وفي حق المريدين اثنا عشر ألفًا وفي حق العارفين عدم خطور غير الله على قلوبهم (قوله ولم يرفعه ابن كثير الخ) أي لم يرفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شيخ المصنف محمد بن كثير في

باب النعاس في الصلاة

السند الأول ولم يذكر في السند أبا هريرة بل جعله موقوفًا على أبي سعيد الخدري (فقه الحديث) دل الحديث على الترغيب في قيام الليل والتعاون على فعل الخير والإكثار من ذكر الله تعالى رغبة فيما أعدة الله للذكرين والذاكرات من الغفران والأجر العظيم (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي مرفوعًا وابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه ابن أبي شيبة موقوفًا قال نا وكيع عن سفيان عن على بن الأقمر عن الأغر أبي مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا إذا أيقظ الرجل امرأته فصليا كتبًا من الذاكرين الله كثير والذاكرات (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ وَأُرَاهُ ذَكَرَ أَبَا هُرَيْرَةَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَحَدِيثُ سُفْيَانَ مَوْقُوفٌ. (ش) أي روى هذا الحديث عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري وقال أظن أن سفيان ذكر أبا هريرة في روايته كما ذكر أبا سعيد لكن لم يرفعه أيضًا بل جعله موقوفًا عليهما كما صرح به المصنف في قوله "وحديث سفيان موقوف" وغرض المصنف من هذا كله بيان أنه روى الحديث من ثلاث طرق (الأول) طريق ابن كثير عن سفيان وهو موقوف على أبي سعيد (الثاني) طريق محمد بن حاتم عن عبيد الله بن موسى عن شيبان عن الأعمش وهو مرفوع من رواية أبي هريرة وأبي سعيد. قال البيهقي في سننه الكبرى ورواه عيسى بن جعفر الرازي عن سفيان مرفوعًا نحو حديث الأعمش (الثالث) طريق ابن مهدي عن سفيان وهو موقوف على أبي سعيد وأبي هريرة. والموقوف فيه مرفوع حكما إذ مثل هذا لا يقال من قبل الرأي (باب النعاس في الصلاة) وفي بعض النسخ إسقاط هذه الترجمة. والنعاس أول النوم وهو ريح لطيفة تأتى من قبل الدماغ تغطي العين ولا تصل القلب فإذا وصلته كان نومًا (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ". (ش) (العقنبي) هو عبد الله بن مسلمة (قوله عن أبيه) هو عروة بن الزبير (قوله

حكم التمادى في الصلاة ممن غلبه النوم وحكمة أمره بالنوم

إذا تعس أحدكم الخ) بفتح العين المهملة من بابي نفع وقتل أي أصابه النعاس، وأل في الصلاة للجنس فتصدق بأي صلاة كانت فرضًا أو نفلًا ليلًا أو نهارًا (قوله فليرقد) أي فلينم وهو أمر استحباب على أن النعاس النوم الخفيف، وعليه ففي القطع الثواب، والتمادي في الصلاة مكروه، أما إذا أريد بالنعاس النوم الثقيل فالأمر بالرقاد للوجوب، ويؤيده التعليل بقوله فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس الخ وعليه فالقطع واجب والتمادى حرام. وللنسائي من طريق أيوب عن هشام فلينصرف والمراد به التسليم من الصلاة إذا أدركه فيها النوم. ولا منافاة بين هذا وما في حديث ابن عباس عند مسلم وغيره حين بات عند خالته ميمونة من قوله فجعلت إذا أغفيت أخذ بشحمة أذني، ولم يأمره بالنوم لأنه جاء تلك الليلة ليتعلم من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قيام الليل ففعل ذلك معه لئلا يفوته مطلوبه فهى واقعة حال لا تعارض العام (هذا) وقد حمل المهلب الحديث على ظاهره فقال كما في الفتح إنما أمره بقطع الصلاة لغلبة النوم عليه، فدل على أنه إذا كان النعاس أقل من ذلك عفي عنه، قال وقد أجمعوا على أن النوم القليل لا ينقض الوضوء (وخالف) المزني فقال ينقض قليله وكثيره فخرق الإجماع كذا قال المهلب وتبعه ابن بطال وابن التين وغيرهما، وقد تحاملوا على المزني في هذه الدعوى فقد نقل ابن المنذر وغيره عن بعض الصحابة والتابعين المصير إلى أن النوم حدث ينقض قليله وكثيره وهو قول أبي عبيدة وإسحاق بن راهويه (قال) ابن المنذر وبه أقول لعموم حديث صفوان بن عسال يعني الذي صححه ابن خزيمة وغيره وفيه إلا من غائط أو بول أو نوم فسوى بينهما في الحكم، والمراد بقليله وكثيره طول زمانه وقصره لا مباديه اهـ وقد تقدم بيان المذاهب في ذلك في الجزء الثاني في باب الوضوء من النوم. (قوله لعله يذهب يستغفر الخ) لعل هنا للإشفاق أي يخشى على أحدكم أن يقصد الاستغفار فيسبق لسانه إلى سب نفسه فيدعو عليها كما صرح به في رواية النسائي من طريق أيوب عن هشام بأن يريد اللهم اغفر فيقول اللهم اعفر فيكون دعاء على نفسه بالذل والهوان، ويسب بالنصب في جواب لعل ويجوز رفعه عطفًا على يستغفر، وسب الإنسان نفسه منهي عنه كما سيأتي للمصنف في باب النهي عن أن يدعو الإنسان علي أهله وماله عى جابر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على خدمكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة نيل فيها عطاء فيستجيب لكم "ولا يقال" إن حالة النوم لا يؤاخذ فيها الإنسان فإن ما يصدر منه فيها من غير اختياره كالناسي "لأن المرفوع" عنه وقتئذ إنما هو الإثم ألا أنه قد يكون سببًا في الضرر لأنه قد يصادف ساعة إجابة فيستجاب له كالسم إذا تناوله الإنسان خطأ فإنه لا يأثم لكن يترتب عليه الضرر

(فقه الحديث) دلّ الحديث على استحباب قطع الصلاة عند غلبة النوم على المصلي حتى يذهب عنه النوم. وهو عام في صلاة الفرض والنفل ليلًا أو نهارًا، لكن محله في الفريضة إذا لم يخش خروج وقتها. وحمله مالك وجماعة على خصوص نفل الليل لأنه محل النوم غالبًا، وعليه تظهر مناسبة الحديث للترجمة الأولى وهي قيام الليل. وعلى طلب الخشوع وحضور القلب في العبادة لأن الناعس لا يحضر قلبه والخشوِع إنما يكون بحضور القلب وعلى كراهة الصلاة حال غلبة النوم. وعلى طلب إلاخذ بالأحوط لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علل الأمر بالخروج من الصلاة بما هو محتمل. وعلى التنفير من سب الإنسان نفسه (والحديث) أخرجه مالك والشيخان والنسائي وابن ماجه والبيهقي والترمذي وقال حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ فَلْيَضْطَجِعْ". (ش) (عبد الرزاق) بن همام تقدم بالأول صفحة 106. وكذا (معمر) بن راشد صفحة 107 (قوله فاستعجم القرآن الخ) أي اشتد عليه ولم ينطق به لسانه لغلبة النعاس فصار كأن به عجمة (قوله فليضطجع) أي فلينم حتى يذهب عنه النعاس لئلا يغير كلام الله تعالى وكذا الحكم إذا قرأ خارج الصلاة وغلبه النوم (والحديث) أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ وَهَارُونُ بْنُ عَبَّادٍ الأَزْدِيُّ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَهُمْ نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- الْمَسْجِدَ وَحَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ فَقَالَ "مَا هَذَا الْحَبْلُ". فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ تُصَلِّي فَإِذَا أَعْيَتْ تَعَلَّقَتْ بِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لِتُصَلِّ مَا أَطَاقَتْ فَإِذَا أَعْيَتْ فَلْتَجْلِسْ". قَالَ زِيَادٌ فَقَالَ "مَا هَذَا". فَقَالُوا لِزَيْنَبَ تُصَلِّي فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ. فَقَالَ "حُلُّوهُ". فَقَالَ "لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ". (ش) (عبد العزيز) بن صهيب تقدم بالأول صفحة 29 (قوله بين ساريتين) تثنية

باب من نام عن حزبه

سارية وهي العمود وفي رواية البخاري بين الساريتين وكأنهما كانتا معهودتين فلذا عرفهما (قوله هذا أعيت تعلقت به) أي إذا ضعفت لطول القيام تعلقت بالحبل لتستريح ويذهب عنها الفتور (قوله لتصل ما أطاقت الخ) بلام الأمر المكسورة وحذف الياء للجازم أي لتصل قائمة ما دامت قادرة علي القيام، هذا ضعفت عنه فلتصل جالسة، وهذا لفظ هارون بن عباد، ويستفاد منه جواز القعود أثناء الصلاة بعد افتتاحها من قيام، وتقدم بيانه في باب صلاة القاعد بالجزء السادس ص 61، ويحتمل أن يكون المراد بقوله فلتجلس أي لتترك الصلاة وهو بعيد عن ظاهر السياق (قوله قال زياد الخ) أي قال زياد بن أيوب في روايته فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم لما دخل المسجد ووجد الحبل ما هذا، قالوا هذا حبل لزينب بنت جحش فذكر أن صاحبة الحبل زينب، وأما هارون فقال إنها أختها حمنة، والاختلاف في الاسم لا يؤدي إلى الاختلاف في الحكم (قوله فإذا كسلت) بكسر السين المهملة (قوله أو فترت) شك من الراوي أي ضعفت عن القيام في الصلاة (قوله ليصل أحدكم نشاطه الخ) أي مدة خفته وقوته عل العمل، فإذا كسل أو فتر هكهذا رواية مسلم بالشك. وفي رواية البخاري فإذا فتر فليقعد بدون شك (فقه الحديث) دل الحديث عل طلب الاقتصاد والتوسط في العبادة والنهي عن التعمق فيها وعلي الترغيب في الإقبال علي الصلاة حال النشاط والقوة، وعلى أنه إذا ضعف الشخص في الصلاة يقعد حتى فذهب عنه الضعف والفتور، وعلى مشروعية إزالة المنكر، وعلي جواز تنفل النساء في المسجد، فإن حمنة وزينب كانتا تصليان فيه ولم ينكل عليهما ومحل ذلك إن أمنت الفتنة، وعلي كراهة التعلق بالحبل أثناء الصلاة وبه قال الجمهور. وأما الاتكاء عل العصا لطول القيام في النافلة فلا خلاف في إباحته إلا ما روى عن ابن سيرين من كراهته. وأما الاعتماد في الفرض لغير عذر فنعه مالك والجمهور، وقالوا ببطلان الصلاة إذا كان بحيث لو أزيل المعتمد عليه لسقط، وأما للضرورة والعجز عن القيام فيجوز وتقدم بيانه بأتم وجه في "باب الرجل يعتمد في الصلاة على العصا" (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجه (باب من نام عن حزبه) الحزب ما يعتاده الشخص من قراءة أو صلاة أو ذكر (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا أَبُو صَفْوَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ح وَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ قَالاَ نَا ابْنُ وَهْبٍ -الْمَعْنَى- عَنْ يُونُسَ عَنِ

ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ وَعُبَيْدَ اللَّهِ أَخْبَرَاهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ قَالاَ عَنِ ابْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرَأَهُ مَا بَيْنَ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ". (ش) هذا الحديث رواه النسائي: قال. أخبرنا قتيبة بن سعيد ثنا أبو صفوان عبد الله ابن سعيد الخ عن يونس عن ابن شهاب أن السائب وعبيد الله أخبراه أن عبد الرحمن بن عبد القاريّ قال سمعت عمر الخ. ورواه ابن ماجه والبيهقي بسندهما إلى عبد الله بن وهب قال أنا يونس بسنده إلى عبد الرحمن بن عبد القاريّ: والمصنف رواه من طريقين إلى يونس (الأول) طريق قتيبة مشيرًا إلى أنه ذكر في السند عبد الرحمن بن عبد بدون لفظ القاريّ لكنه مذكور في رواية النسائي كما ترى (الثاني) طريق سليمان بن داود ومحمد بن سلمة وأشار إلى أنهما لم يذكرا في سندهما عن ابن وهب لفظ عبد الرحمن بل اقتصرا على ابن عبد القاري: لكن رواية ابن ماجه والبيهقي من طريق ابن وهب ذكر فيها لفظ عبد الرحمن كما ترى. ولعلّ هذا الاختلاف بين ما قاله المصنف وغيره من تصرف الرواة (رجال الحديث) (عبد الله بن سعيد الخ) مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي الدمشقى. روى عبيد الله عن أبيه وابن جريج ويونس بن يزيد وأسامة بن زيد ومالك وغيرها. وعنه الشافعي وأحمد والحميدي وعلي بن المديني وأبو خيثمة، وثقه ابن معين وعلي ابن المديني وعبد الرحمن ابن يونس وابن حبان والدارقطني. وقال أبو زرعة لا بأس به صدوق. و (ابن وهب) هو عبد الله. و (يونس) بن يزيد (قوله أن السائب بن يزيد) بن سعيد الليثي الصحابي شيخه هنا تابعي ففيه رواية الأكابرعن الأصاغر. و (عبيد الله) بن عبد الله بن عتبة بن مسعود تقدم بالثاني صفحة 228. و (عبد الرحمن بن عبد) قيل له صحبة أتى به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو صغير. روى عن عمر وأبي طلحة وأبي أيوب وأبي هريرة. وعنه ابنه محمد والسائب بن يزيد وعروة بن الزبير والأعرج والزهري وغيرهم، وثقه ابن معين وابن حبان والعجلي، وذكره مسلم وابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة. مات سنة ثمان وثمانين وهو ابن ثمان وسبعين سنة (قوله قالا عن ابن وهب الخ) أي قال سليمان بن داود ومحمد بن سلمة في روايتهما عن ابن وهب بن عبد القاريّ بدون ذكر لفظ عبد الرحمن وبزيادة لفظ القاري بتشديد

باب من نوى القيام فنام

الياء منسوب إلى القارة قبيلة سميت باسم أبيها القارة بن الديش، أما رواية قتيبة ففيها لفظ عبد الرحمن وليس فيها لفظ القارىّ. كما تقدم بيانه (معنى الحديث) (قوله من نام عن حزبه الخ) أي نام عنه كله أو بعضه في الليل فقراه في الوقت الذي بين صلاة الصبح وصلاة الظهر. والغرض منه الحث على المبادرة بفعل ما تركه ويحتمل أن الأداء مع المضاعفة مشروط بخصوص هذا الوقت (قوله كتب كأنما قرأه من الليل) يعني أثبت له أجره كاملًا كثوابه لو أداه في الليل وهذا تفضل من الله تعالى. وهذه الفضيلة إنما تحصل لمن غلبه النوم أو طرأ له عذر منعه من القيام وكانت نيته القيام. فقد روى مسلم وغيره عن عائشة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره صلى من النهار ثنتى عشرة ركعة (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية اتخاذ الأوراد ليلًا، وعلى استحباب قضاء الورد إذا فات في الليل بنوم أو غيره من الأعذار (واختلفت) الأئمة في ذلك. فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أن من فاتته صلاة الليل أو شيء من النوافل الراتبة استحب له قضاؤه بين صلاة الصبح والظهر أخذًا بحديث الباب وذهبت الشافعية ومحمد وأحمد في رواية عنه إلى استحباب قضائه في النهار أخذًا برواية مسلم السابقة، وقالت المالكية من فاتته صلاة الليل لعذر كغلبة النوم عليه فإن تذكرها قبل صلاة الصبح صلاها قبل أن يصلي الصبح وإلا فليس له قضاؤها (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه والبيهقي والترمذي وقال حديث حسن صحيح، ورواه النسائي مرفوعًا وموقوفًا، ولذا عاب الدارقطني على مسلم روايته، وزعم أنه معلل بروايته مرفوعًا وموقوفًا. ورده النووي بأن هذا التعليل فاسد والحديث صحيح وإسناده صحيح لأن الذي عليه الفقهاء والأصوليون ومحققو المحدثين أنه إذا روى الحديث مرفوعًا وموقوفًا أو موصولًا ومرسلًا حكم بالرفع والوصل لأنها زيادة ثقة سواء أكان الرافع والواصل أكثر أم أقل في الحفظ والعدد (باب من نوى القيام فنام) أي فيمن عزم أول الليل على القيام آخره فغلبه النوم فلم يستيقظ أله أجر أم لا، وفي نسخة "باب فيمن نوى القيام فنام" (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ عِنْدَهُ رَضِيٌّ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ

باب أي الليل أفضل

-صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "مَا مِنِ امْرِئٍ تَكُونُ لَهُ صَلاَةٌ بِلَيْلٍ يَغْلِبُهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ إِلاَّ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ صَلاَتِهِ وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً". (ش) (قوله عن رجل عنده رضي) أي مرضي عند سعيد بن جبير وفي نسخة رضا بكسر الراء مصدر بمعنى المفعول وهو الأسود بن يزيد النخعي كما في رواية للنسائى ولا يقدح في الحديث إبهامه في رواية المصنف خيث علم في طريق آخر وهو ثقة كما تقدم في ترجمته بالأول صفحة 127 (قوله ما من امرى تكون له صلاة الخ) أي ليس شخص يتعود صلاة الليل فمنعه نوم من أدائها إلا كتب له أجر ما كان يصليه غير مضاعف إن لم يقض ما فاته فإن قضاه كتب له الأجر مضاعفًا فما نافية للجنس ومن زائد (قوله وكان نومه عليه صدقة) أي صدقة تصدق الله به علي العبد فله فيه أجر تفضلًا من الله تعالى عليه. وفي هذا تحريض على قيام الليل وعلى العزم عليه. وفيه دليل علي أن المرء يجازي على مان وى من الخير وإن لم يعمله تفضلًا من الله سبحانه وتعالى إذا لم يحبسه عنه شغل دنيوي، وأن نيته يثاب عليها كما يثاب على العمل إذا حيل بينه وبين العمل بنحو نوم أو نسيان (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مالك في الموطأ، والنسائي والبيهقي، أخرجه الحاكم بنحوه من طريق سويد بن غفلة عن أبي الدرداء مرفوعًا بلفظ من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم بالليل فغلبته عينه حتى يصبح كتب له ما نوى وكان نومه عليه صدقة من ربه (باب أي الليل أفضل) أي في بيان أي جزء من أجزاء الليل العبادة فيه أكثر ثوابًا (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ". (ش) (قَوله ينزل ربنا عَزَّ وَجَلَّ كَل ليلة إلى سماء الدنيا الخ) هذا الحديث من أحاديث الصفات المتشابهة وللسلف والخلف فيه وأمثاله مذهبان مشهوران (فجمهور السلف) الذين منهمم الأئمة المجتهدون الأربعة والزهري والأوزاعي وابن المبارك ومكحول وسفيان الثوري وابن عيينة والليث بن سعد والحمادان سلكوا في هذا الحديث ونحوه من أحاديث الصفات التي

ظاهرها التشبيه الطريق الواضح السالم فأجروها على ظاهرها مصدقين بها على وجه الإجمال منزهين الله تعالى عن التشبيه والكيفية لقوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). وهذا مذهبنا وهو أسلم (وأما جمهور) الخلف فيؤوّلون ما ورد من الآيات والأحاديث المتشابهة تأويلات عربية صحيحة تليق بجلال الله سبحانه وتعالى، لما ثبت بالقواطع العقلية من أن الله تعالى منزه عن الجسمية والتميز والحركة والسكون والجهة فامتنع عليه النزول بمعنى الانتقال من جهة موضع أعلى إلى أخفض منه، فيقولون ينزل ملك ربنا فهو على تقدير مضاف كما يقال فعل الأمير إذا فعل بعض أتباعه، ويدل له ما في بعض طرق الحديث عند النسائي بلفظ يأمر مناديًا ينادي يقول هل من داع "الحديث" وقيل معنى ينزل ربنا يقبل على عبادة ويبسط عليهم رحمته ويعمهم بإحسانه ويجيب دعوتهم ويقبل معذرتهم كما هو شأن الملوك الكرماء إذا نزلوا بقرب قوم محتاجين ينعمون عليهم ويزيلون كربهم ويتلطفون بهم (وقال العيني) في شرح البخاري وحمل صاحب المفهم الحديث عل النزول المعنوي على رواية مالك عند مسلم فإنه قال فيها يتنزل ربنا بزيادة تاء بعد ياء المضارعة، فقال كذا صحت الرواية هنا وظاهرة في النزول المعنوي، وإليها يرد ينزل على أحد التأويلات. ومعنى ذلك أن مقتضى عظمة الله تعالى وجلاله واستغنائه أن لا يعبأ بحقير ذليل فقير لكن يتنزل بمقتضى كرمه ولطفه لأن يقول من يقرض غير عدوم ولا ظلوم ويكون قوله إلى السماء الدنيا عبارة عن الحالة القريبة إلينا والدنيا بمعنى القربى اهـ وقد حكى أبو بكر بن فورك أن بعض الثقات ضبط ينزل بضم أوله على حذف المفعول أي ينزل ربنا ملكًا (ويقويه) ما رواه النسائي من طريق الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد بلفظ إن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل ثم يأمر مناديًا لقول هل من داع فيستجاب له "الحديث" قال القرطبي وبهذا يرتفع الإشكال "ولا يعكر" عليه ما في رواية رفاعة الجهني ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول لا يسأل عن عبادى غيري "لأنه ليس" في ذلك ما يدفع التأويل المذكور أفاده الحافظ في الفتح (ومذهب السلف) أسلم المذاهب وأولاها بالقبول والاتباع قال البيهقي بعد نقل المذاهب في ذلك. وأسلمها الإيمان بلا كيف والسكوت عن المراد إلا أن يرد ذلك عن الصادق فيصار إليه، ومن الدليل على ذلك اتفاقهم على أن التأويل المعين غير واجب فحينئذ التفويض أسلم أفاده الحافظ في الفتح (وقال النووي) في شرح مسلم في هذا الحديث وشبهه من حديث الصفات مذهبان مشهوران (أحدهما) مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين الإيمان بحقيقتها على ما يليق به تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد ولا نتكلم في تأويلها مع اعتقادنا تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق من الانتقال والحركات وسائر صفات الخلق (وثانيهما) مذهب أكثر المتكلمين وجماعة من السلف وهو محكي عن مالك والأوزاعي أنها مؤولة بما يليق بها بحسب

بيان ما دعا الخلف إلى التأويل التفصيلي

مواطنها، فعلى هذا تأولوا هذا الحديث بتأويلين (أحدهما) تأويل مالك وغيره بأن معناه تنزل رحمته وأمره أو ملائكته كما يقال فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره (ثانيهما) أنه على الاستعارة ومعناه الاقبال على الداعي بالإجابة واللطف اهـ بتصرف. وقال في شرح المرقاة بعد ذكر كلام النووي وبكلامه وبكلام الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وإمام الحرمين والغزالي وغيرهم من أئمتنا يعلم أن المذهبين متفقان على صرف تلك الظواهركالمجيء والصورة والشخص والرجل والقدم واليد والوجه والغضب والرحمة والاستواء على العرش والكون في السماء وغير ذلك مما يفهم ظاهره ما يلزم عليه من محالات قطعية البطلان تستلزم أشياء يحكم بكفر معتقدها بالاجماع فاضطر ذلك جميع الخلف والسلف إلى صرف اللفظ عن ظاهره. وإنما اختلفوا هل نصرفه عن ظاهره معتقدين اتصافه سبحانه بما يليق بجلاله وعظمته من غير أن نؤوله بشيء آخر. وهو مذهب أكثر السلف. وفيه تأويل إجماليّ. أو مع تأويله بشئ آخر وهو مذهب أكثر الخلف وهو تأويل تفصيلي، ولم يريدوا بذلك مخالفة السلف الصالح، معاذ الله أن يظن بهم ذلك، وإنما دعت الضرورة في أزمنتهم لذلك لكثرة المجسمة والجهمية وغيرهما من فرق الضلال واستيلائهم على عقول العامة فقصدوا بذلك ردعهم وبطلان قولهم، ومن ثم اعتذر كثيرٌ منهم وقالوا لو كنا على ما كان عليه السلف الصالح من صفاء العقائد وعدم المبطلين في زمنهم لم نخض في تأويل شيء من ذلك. وقد علمت أن مالكًا والأوزاعي وهما من كبار السلف أولًا الحديث تأويل تفصيليًا. وكذلك سفيان الثوري أول الاستواء على العرش بقصد أمره، ونظيره ثم استوى إلى السماء أي قصد إليها. ومنهم الإمام جعفر الصادق. بل قال جمع منهم ومن الخلف إن معتقد الجهة كافر كما صرح به العراقي وقال إنه قول لأبي حنيفة ومالك والشافعي والأشعري والباقلاني. وقد اتفق سائر الفرق على تأويل آيات. (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ). (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ) الآية، (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ). (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ). وأحاديث قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن، والحجر الأسود يمين الله في الأرض ونحوها. وهذا الاتفاق يبين لك صحة ما اختاره المحققون أن الوقف على الراسخون في العلم لا الجلالة، قلت الجمهور على أن الوقف على إلا الله، وعدوه وقفا لازمًا، وهو الظاهر لأن المراد بالتأويل معناه الذي أراده الله تعالى، وهو في الحقيقة لا يعلمه إلا الله جل جلاله ولا إله غيره، وكل من تكلم فيه تكلم بحسب ما ظهر، ولم يقدر أحد أن يقول إن هذا التأويل هو مراد الله جزمًا، ففي التحقيق الخلاف لفظي، ولهذا اختار كثير من محققي المتأخرين عدم تعيين التأويل في شيء معين من الأشياء التي تليق باللفظ ويكلون تعيين المراد بها إلى علمه تعالى، وهذا توسط بين المذهببن وتلذذ بين المشربين، واختار ابن دقيق العيد توسطًا آخر، فقال إن كان التأويل من

الجمع بين روايات حديث النزول

المجاز البين الشائع فالحق سلوكه من غير توقف أو من المجاز البعيد الشاذ فالحق تركه، وإن استوى، الأمران فالاختلاف في جوازه وعدمه مسألة فقهية اجتهادية والأمر فيها ليس بالخطر بالنسبة للفريقين قلت التوقف فيها لعدم ترجيح أحد الجانبين مع أن التوقف مؤيد بقول السلف ومنهم الإِمام الأعظم اهـ كلام صاحب المرقاة ببعض تصوف، ومما تقدم تعلم (أولا) بطلان كلام من احتج بهذا الحديث على أن لله تعالى جهة لأن القول بالجهة يؤدي إلى تحيز وإحاطة وهما من صفات الحوادث تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا (وثانيًا) بطلان دعوى من حمل الحديث على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة تعالى الله عن قولهم علوا كبيرًا (¬1) (قوله حين يبقى ثلث الليل الآخر) بكسر الخاء المعجمة مرفوع على أنه صفة لثلث. وقد روى هذا الحديث من عدة أوجه عن أبي هريرة وغيره ورواية المصنف أصح الروايات. وفي رواية للترمذي ومسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة ينزل الله إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول، وفي رواية ابن ماجه من طريق عطاء بن يسار عن رفاعة الجهني إن الله يمهل حتى إذا ذهب من الليل نصفه أو ثلثاه وفي رواية لمسلم عن طريق ابن مرجانة عن أبي هريرة مرفوعًا ينزل الله تعالى في السماء الدنيا لشطر الليل أولثلث الليل الآخر الخ. وفي رواية الدارقطني من طريق يحيى بن أبي كثير عن عقبة بن عامر قال قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا مضى ثلث الليل أو قال نصف الليل ينزل الله عَزَّ وَجَلَّ إلى السماء الدنيا الخ، وفي رواية عن أبي سلمة عن أبي هريرة حين يبقى ثلث الليل الآخر. وفي رواية عند النسائي في عمل اليوم والليلة عن جبير بن مطعم أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن الله ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا. ويجمع بين هذه الروايات بأن المطلق منها محمول على المقيد، والمقيد المختلف يحمل على اختلاف الأحوال، فإن أوقات الليل تختلف في الزمان والأوقات باختلاف تقديم دخول الليل عند قوم وتأخره عند آخرين. وقيل يحمل على أن النزول يتكرر عند الثلث الأول والنصف والثلث الآخر. ووجه تخصيص النزول بالثلث الآخر الذي كثرت روايته ورجحه الترمذي وغيره واقتصر عليه المصنف أنه وقت التعرض لنفحات رحمة الله تعالى وأنه زمان عبادة أهل الإخلاص الذين خصهم الله بالمدح في قوله (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (قوله من يدعوني فأستجيب له الخ) بالنصب بأن مضمرة بعد الفاء الواقعة في جواب من، وبالرفع على الاستئناف أي فأنا أجيب دعاءه، وكذا قوله فأعطيه وأغفر له. وقد قرئَ بالوجهين في قوله تعالى {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} ¬

_ (¬1) ومن أراد زيادة البيان والوقوف علي عقيدة أهل الإيمان في آيات وأحاديث الصفات فليقرأ كتاب المؤلف رحمه الله "إتحاف الكائنات ببيان مذهب الخلف والسلف في المتشابهات" فإنه كتاب فريد في بابه لم يترك لأحد عذرًا في تفريطه بعدم معرفة ما تصح به عقيدته جزى الله مؤلفه أحسن الجزاء

قيل ذكر الدعاء وما بعده لأن المطلوب إما دفع ضرر أو جلب خير دينى أو دنيوى، ففي الاستغفار إشارة لدفع الضرر، وفي الدعاء إشارة إلى جلب الخير الديني. وفي السؤال إشارة إلى جلب الخير الدنيوى. والمعول عليه أن المقصود من الدعاء والسؤال واحد واختلاف العبارة لزيادة التأكيد. وقد روى الحديث عن الزهري من عدة طرق اتفقت على الاقتصار على الثلاثة المذكورة. قال الحافظ في الفتح وزاد سعيد عن أبي هريرة هل من تائب فأتوب عليه. وزاد أبو جعفر عنه من الذي يسترزقني فأرزقه من الذي يستكشف الضر فأكشف عنه. وزاد عطاء مولى أم حبيبة عنه ألا سقيم يستشفي فيشفى. ومعانيها داخلة فيما ذكر في الحديث. وزاد سعيد بن مرجانة عنه من يقرض غير عديم ولا ظلوم. وفيه تحريض على عمل الطاعة وإشارة إلى جزيل الثواب عليها اهـ وزاد إبراهيم عن ابن شهاب في آخر رواية ابن ماجه حتى يطلع الفجر فلذا كانوا يستحبون صلاة آخر الليل (فقه الحديث) دل الحديث على الحث والترغيب في صلاة الليل وتفضيل صلاة آخر الليل على أوله. وعلى الترغيب في الدعاء والاستغفار آخر الليل، وعلى تخصيص هذا الوقت بمزيد الشرف والفضل. وعلى أن الدعاء آخر الليل مجاب فإن وعد الله لا يتخلف. ولا يقال إن الدعاء قد يتخلف في بعض الأوقات لأن تخلفه جاء إما من وقوع خلل في شرط من شروط الدعاء كعدم الاحتراز في المطعم والمشرب أو استعجال الداعي، أولأن الدعاء بإثم أو قطيعة رحم. وإما من تأخر حصول المطلوب لمصلحة العبد أولوقت يريد الله وقوع الإجابة فيه (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجه والبيهقي، وكذا الترمذي من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ تقدم وقال حديث حسن صحيح. وقد روي هذا الحديث من أوجه كثيرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه قال ينزل الله تبارك وتعالى حين يبقى ثلث الليل الآخر وهذا أصح الروايات، وقال في الباب عن على وأبي سعيد ورفاعة الجهني وجبير بن مطعم وابن مسعود وأبي الدرداء وعثمان بن أبي العاص اهـ. أما حديث علي فأخرجه الدارقطني في كتاب السنة من طريقين وأحمد في مسنده. وأما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم والنسائي في اليوم والليلة من طريق الأغر أبي مسلم عن أبي سعيد وأبى هريرة. وأما حديث رفاعة الجهني فرواه ابن ماجه من طريق عطاء بن يسار عن رفاعة، وأما حديث جبير ابن مطعم فرواه النسائي في اليوم والليلة وأحمد في مسنده. وأما حديث ابن مسعود فأخرجه أحمد من طريق أبي الأحوص عن ابن مسعود. وأما حديث أبي الدرداء فرواه الطبراني في معجمه الكبير والوسط من طريق فضالة بن عبيد عن أبي الدرداء وقال هو حديث منكر. وأما حديث عثمان بن أبي العاص فرواه أحمد والبزار من طريق الحسن عن عثمان بن أبي العاص

الرد على من أنكر صحة حديث النزول

والطبراني في الكبير. وفي الباب أيضًا عن جابر بن عبد الله وعبادة بن الصامت وعقبة بن عامر وعمرو بن عتيبة وأبي الخطاب رجل صحابي وأبى بكر الصديق وأنس بن مالك وأبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل وأبي ثعلبة الخشني وعائشة وابن عباس وغيرهم. أما حديث جابر فرواه الدارقطني وابن حبان في كتاب السنة من طريق عبد الرحمن بن كعب عن جابر وفي إسناده محمد بن إسماعيل الجعفري وهو منكر الحديث وعبد الله بن سلمة ضعفه الدارقطني. وأما حديث عبادة بن الصامت فرواه الطبراني في الكبير والأوسط من رواية يحيى بن إسحاق عن عبادة وفي إسناده فضيل بن سليمان أخرج له الشيخان لكن قال فيه ابن معين ليس بثقة. وأما حديث عقبة بن عامر فرواه الدارقطني من رواية يحيى ابن أبي كثير وأما حديث عمرو بن عنبسة فرواه الدارقطني من طريق سليم بن عامر. وأما حديث أبي الخطاب فرواه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة. وقد تقدم بعض ألفاظ هذه الأحاديث وساقها بتمامها العيني في شرح البخاري. وفيه عن أبي زرعة قال هذه الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن الله ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا قد رواها عدة من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهي عندنا صحاح قوية قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينزل ولم يقل كيف ينزل فلا نقول كيف ينزل ونقول كما قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وروى البيهقي في كتاب الأسماء والصفات أخبرنا أبو عبد الله الحافظ سمعت أبا محمد بن أحمد بن عبد الله المزني يقول حديث النزول قد ثبت عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من وجوه صحيحة وورد في التنزيل ما يصدقه وهو قوله تعالى وجاء ربك والملك صفًا صفًا اهـ كلام العيني. ومنه تعلم بطلان ما ذهب إليه الخوارج وأكثر المعتزلة من إنكار صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة. قال العيني وهو مكابرة، والعجب أنهم أوّلوا ما ورد في القرآن من ذلك وأنكروا ما ورد في الحديث إما جهلًا وإما عنادًا. وذكر البيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن موسى بن داود قال قال لي عباد بن عوام قدم علينا شريك بن عبد الله من نحو خمسين سنة قال فقلت يا أبا عبد الله إن عندنا قومًا من المعتزلة ينكرون هذه الأحاديث قال فحدثني نحو عشرة أحاديث في هذا، وقال أما نحن فقد أخذنا ديننا هذا عن التابعين عن أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فهم عمن أخذوا. وقد وقع بين إسحاق بن راهويه وإبراهيم بن صالح المعتزلي كلام عند عبد الله بن طاهر بن عبد الله المعتزلي، قال إسحاق ابن راهويه جمعني وهذا المبتدع (يعني إبراهيم بن صالح) مجلس الأمير عبد الله بن طاهر فسألني الأمير عن أخبار النزول فسردتها فقال إبراهيم كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء فقلت آمنت برب يفعل ما يشاء فرضي عبد الله كلامي وأنكر على إبراهيم اهـ ملخصًا. وأخرج

باب وقت قيام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الليل

البيهقي عن إسحاق بن راهويه قال دخلت على عبد الله بن طاهر فقال لي يا أبا يعقوب تقول إن الله ينزل كل ليلة فقلت أيها الأمير إن الله بعث إلينا نبيًا نقل إلينا عنه أخبار بها نحلل الدماء وبها نحرم وبها نحلل الفروج وبها نحرم وبها نبيح الأموال فإن صح ذا صح ذاك وإن بطل ذا بطل ذاك قال فأمسك عبد الله اهـ (باب وَقْتِ قِيَامِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِنَ اللَّيْلِ) (ص) حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ الْكُوفِيُّ نَا حَفْصٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لَيُوقِظُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِاللَّيْلِ فَمَا يَجِئُ السَّحَرُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ حِزْبِهِ. (ش) (رجال الحديث) (حسين بن يزيد) بن يحيى الطحان الأنصاري أبو علي الكوفي. روى عن حفص بن غياث ومحمد بن فضيل ووكيع وعبد الله بن إدريس وآخرين. وعنه أبو داود والترمذي وأبو زرعة وأبو يعلى والحسن بن سفيان، ذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم لين الحديث. توفي سنة أربع وأربعين ومائتين و (حفص) بن غياث تقدم بالثاني صفحة 145 (معنى الحديث) (قوله إن كان رسول الله الخ) أي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يوقظه الله وينبهه من الليل فيصلي ما كان يعتاده من الصلاة فما يحيء وقت السحر إلا وقد انتهى منه، فإن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن والسحر بفتحتين قبيل الصبح وهو السدس الأخير من الليل. والحزب بالحاء المهملة والزاي الموحدة تقدم أنه ما يعتاده الشخص من صلاة أو غيرها، وقيل المراد به هنا ما كان يقرأه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من السور في صلاة الليل. وفي بعض النسخ حتى يفرغ من جزئه بالجيم المضمومة والهمزة وهي بمعنى الأولى وإن كان الجزء في الأصل النصيب والقطعة من الشيء، والمراد به هنا ما اعتاده صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من صلاة الليل أو غيرها (فقه الحديث) دل الحديث على استحباب قيام الليل. وعلى أنه ينبغي للإنسان أن يجعل على نفسه حزبًا في العبادة يؤديه في الليل (والحديث) أخرجه البيهقي (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى نَا أَبُو الأَحْوَصِ ح وَنَا هَنَّادٌ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ -وَهَذَا حَدِيثُ إِبْرَاهِيمَ- عَنْ أَشْعَثَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنْ

صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ لَهَا أَيُّ حِينٍ كَانَ يُصَلِّي قَالَتْ كَانَ إِذَا سَمِعَ الصُّرَاخَ قَامَ فَصَلَّى. (ش) (أبو الأحوص) هو سلام بن سليم تقدم بالأول صفحة 240 (وأشعث) بن أبي الشعثاء سليم تقدم بالسادس صفحة 6 و (أبوه) سليم بن أسود الكوفي تقدم بالرابع صفحة 217 و (مسروق) بن الأجدع تقدم بالثاني صفحة 254 (قوله وحديث إبراهيم الخ) يعني ما ذكره المصنف لفظ حديث إبراهيم بن موسى لا لفظ حديث هناد (قوله أيُّ حين كان يصلي) وفي رواية البخاري متى كان يقوم (قوله إذا سمع الصراخ) بضم ففتح الصوت الشديد والمراد به هنا صياح الديك. وفي رواية البخاري ومسلم إذا سمع الصارخ أي الديك سمي بذلك لكثرة صياحه. وقد جرت العادة بأنه يصيح عند نصف الليل أو قبله أو بعده بقليل كما قاله ابن عباس قال ابن بطال يصرخ عند ثلث الليل واختار النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا الوقت لأنه وقت نزول الرحمة وهدوء الأصوات (فقه الحديث) دل الحديث على أن قيام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان في النصف الأخير من الليل أو قبله بقليل. وعلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقوم بعض الليل لما يترتب علي قيامه كله من الملل والسآمة وإضعاف البدن بالسهر (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري ومسلم والبيهقي عن مسروق قال سألت عائشة أيّ العمل كان أحب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالت الدائم قلت متى كان يقوم قالت كان يقوم إذا سمع الصارخ (ص) حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا أَلْفَاهُ السَّحَرُ عِنْدِى إِلاَّ نَائِمًا تَعْنِي النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. (ش) (أبو توبة) الربيع بن نافع تقدم بالأول صفحة 125 (قوله عن أبيه) هو سعد ابن إبراهيم تقدم بالثالث صفحة 304. و (أبوسلمة) بن عبد الرحمن بن عوف تقدم بالأول صفحة 23 (قوله ما ألفاه السحر الخ) أي ما أتى على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السحر وهو عندي إلا وجده نائمًا. فالضمير المنصوب في ألفاه عائد عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والسحر فاعل. والمراد نومه بعد قيامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الذي كان بعد سماع الصارخ جمعًا بينه وبين الحديث السابق. وظاهر الحديث والسياق

أفضل القيام قيام سيدنا داود عليه الصلاة والسلام

يدل على أنه كان نائمًا حقيقة وأنه كان يداوم على ذلك. وهو مخصوص بغير رمضان فقد كانت عادته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في جميع السنة أنه ينام عند السحر إلا في رمضان فإنه كان يتشاغل بالسحور في آخر الليل ثم يخرج إلى صلاة الصبح عقبة. فقد روى البخاري عن أنس أن نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وزيد بن ثابت تسحرا فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى الصلاة فصلى فقلنا لأنس كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة قال كقدر ما يقرأ الرجل خمسين آية اهـ. ولذا ذكر البخاري حديث الباب تحت ترجمة من نام عند السحر وحديث أنس تحت ترجمة من تسحر فلم ينم حتى صلى الصبح "وما قاله" ابن التين من أن المراد من النوم في الحديث الاضطجاع على جنبه لأنها قالت في حديث آخر فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع "صرف" للفظ عن حقيقته بلا مقتضى إذ الاضطجاع لا ينافي النوم وأما أنه كان يحدثها إذا كانت مستيقظة فكان في بعض الأحيان فهو مخصص لعموم حديث الباب (فقه الحديث) دل الحديث على استحباب النوم عند السحر عقب قيام الليل ليستريح من نصب القيام، وهذا هو النوم الذي كان ينامه داود عليه السلام فإنه كان ينام أول الليل ثم يقوم في الوقت الذي ينادي فيه الله عَزَّ وَجَلَّ هل من سائل ثم ينام عند السحر. وقد رغب في العمل على هذا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حيث قال: أحب الصلاة إلى الله صلاة داود وأحب الصيام إلى الله صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يومًا ويفطر يومًا، أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمرو (والحديث) أخرجه الشيخان وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى نَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدُّؤَلِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَخِى حُذَيْفَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى. (ش) وجه مناسبة الحديث للترجمة أن الصلاة تشمل قيام الليل (رجال الحديث) (قوله محمد بن عبد الله) بن أبي قدامة الحنفي وقيل محمد بن عبيد أبو قدامة. روى عن عبد العزيز بن أخي حذيفة وعمر بن عبد العزيز. وعنه عكرمة بن عمار قال في التقريب مقبول. وقال الذهبي ما روى عنه فيما أعلم إلا عكرمة بن عمار. روى له أبو داود. وما في تهذيب التهذيب من أنه روى عن عبد العزيز بن أبي حذيفة مصحف والصواب ابن أخي حذيفة. و (الدؤلي) بضم الدال وفتح الهمزة نسبة إلى دئل بضم فكسر اسم لابن محلم

الصلاة والذكر سبب في تفرج الهم

ابن غالب بن خزيمة أبي قبيلة سميت باسمه ويقال دوليّ بضم الدال وفتح الواو. و (عبد العزيز ابن أخي حذيفة) بن اليمان وقال ابن منده إنه أخو حذيفة وقد وهم في ذلك. وصحح أبو نعيم الأول كما في تهذيب التهذيب. روى عبد العزيز عن حذيفة. وعنه محمد بن عبد الله الدؤلي. وحميد بن زياد ذكره ابن حبان في الثقات وقال لا صحبة له ووهم ابن منده بذكره في الصحابة وإن ذكره فيهم أبو اسحاق بن الأمير وغيره وهذا بناء منهم أنه أخو حذيفة وقد علمت ما فيه. و (حذيفة) ابن اليمان تقدم بالأول صفحة 91 (معنى الحديث) (قوله إذا حزبه أمر صلى) بفتح الحاء المهملة والزاي الموحدة ويقال حزبه أمر يحزبه من باب قتل إذا أصابه. وفي رواية حزنه بالنون بدل الموحدة أي كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا نزل به همّ صلى لأن الصلاة تعين على دفع النوائب وتفريج الكروب قال الله تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) (فقه الحديث) دل الحديث على أنه ينبغي لمن نزل به كرب وهمّ أن يفزع إلى خدمة مولاه بالصلاة. ومنه أخذ بعضهم ندب صلاة المصيبة وهي ركعتان عقبها وكان ابن عباس يفعل ذلك ويقول نفعل ما أمرنا الله به بقوله (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) ومثل الصلاة في ذلك الذكر والدعاء فقد كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا حزبه أمر قال لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين رواه أحمد عن عبد الله بن جعفر بإسناد حسن (والحديث) أخرجه أحمد (ص) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ نَا الْهِقْلُ بْنُ زِيَادٍ السَّكْسَكِيُّ نَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ كَعْبٍ الأَسْلَمِيَّ يَقُولُ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- آتِيهِ بِوَضُوئِهِ وَبِحَاجَتِهِ فَقَالَ: "سَلْنِي". فَقُلْتُ: مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: "أَوَغَيْرَ ذَلِكَ". قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: "فَأَعِنِّى عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ". (ش) وجه مناسبة الحديث للترجمة أن المراد بكثرة السجود كثرة الصلاة وهي صادقة بصلاة الليل (رجال الحديث) (الهقل) بكسر الهاء وسكون القاف لقب له وهو في الأصل الفتى من النعام والطويل الأخرق كما في القاموس واسمه محمد وقيل عبد الله (بن زياد) بن عبيد الله أبو عبد الله الدمشقي كاتب الأوزاعي. روى عنه وعن حريز بن عثمان ومعاوية بن يحيى وغيرهم

حث الرءيس على الاهتمام بأمر مرؤسيه والحث على مجاهدة النفس

وعنه ابنه محمد والليث بن سعد ومنصور بن عمار وخالد بن يحيى العمري وهشام بن عمار وآخرون قال ابن معين ثقة صدوق ما كان بالشام أوثق منه، وقال أحمد لا يكتب حديث الأوزاعي عن أوثق من هقل، وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال ابن عمار من أثبت أصحاب الأوزاعي. مات ببيروت سنة تسع وسبعين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (قوله السكسكي) بسينين مهملتين مفتوحتين بينهما كاف ساكنة نسبة إلى سكاسك حي باليمن كما في القاموس و (ربيعة بن كعب) بن مالك المدني كان من أهل الصفة خدم النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم روى له اثنا عشر حديثًا. وروى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن ونعيم المجمر وحنظلة بن علي الأسلمي قيل إنه أبو فراس الذي روى عنه أبو عمران الجوني. ويقويه ما رواه الحاكم في المستدرك من طريق المبارك بن فضالة قال حدثني أبو عمران الجوني حدثني ربيعة بن كعب الأسلمي قال كنت أخدم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال لي يا ربيعة ألا تتزوج الخ. قال في تهذيب التهذيب وصوب الحاكم أبو أحمد وابن عبد البر تبعًا للبخاري أن ربيعة بن كعب غير أبي فراس الذي روى عنه أبو عمران الجوني اهـ مات سنة ثلاث وستين. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (معنى الحديث) (قوله آتيه بوضوئه وبحاجته) أي بالماء الذي يتوضأ به وبما يحتاج إليه من أمور الطهارة وغيرها (قوله مرافقتك في الجنة الخ) أي أسألك مرافقتك وصحبتك في الجنة، فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتسأل هذا وغيره فالهمزة للاستفهام داخلة على محذوف والواو عاطفة، ويحتمل أن تكون أو الساكنة التي للإباحة أي يباح أن تسأل هذا أو غيره (قوله هو ذاك) أي المسئول منك مرافقتك في الجنة لا غير (قوله فأعني على نفسك بكثرة السجود) أي كن عونًا لي على إصلاح نفسك وجعلها طاهرة مستحقة لما تطلبه بكثرة الصلاة وخص السجود بالذكر لأنه مذلل للنفس وقاهر لها لما فيه من وضع أشرف الأعضاء وأعلاها من الأرض. وأي نفس خضعت لله تعالى استحقت رحمته وإحسانه. وفي الحديث أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء، رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة (فقه الحديث) دل الحديث على حث الرءيس على الأهتمام بأمر مرءوسيه وسؤاله إياهم ما يحتاجونه، وجواز طلب الرتب الرفيعة، وأن من الناس من يكون مع الأنبياء في الجنة وعلى الحث على مجاهدة النفس وقهرها بكثرة الطاعة، وعلى أن نيل المراتب العلية إنما يكون بمخالفة النفس الدنية، وعلى مزيد فضل الصلاة، وأن كثرتها سبب لعلو الدرجات ومصاحبته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في دار الكرامات. وفيه دليل لمن يقول إن كثرة الركوع والسجود أفضل من طول القيام، وتقدم بيانه في باب الدعاء في الركوع والسجود

بيان المراد من آية "تتجافى جنوبهم عن المضاجع"

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والنسائي وأحمد وأخرج الترمذي وأبن ماجه طرفًا منه (ص) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الآيَةِ {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} قَالَ: كَانُوا يَتَيَقَّظُونَ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يُصَلُّونَ وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: قِيَامُ اللَّيْلِ. (ش) (أبو كامل) فضيل بن حسين بن الجحدري تقدم بالأول صفحة 227 وكذا (سعيد) بن أبي عروبة صفحة 69. و (قتادة) بن دعامة (قوله في هذه الآية الخ) أي في تفسير هذه الآية وبينها بقوله تتجافى جنوبهم عن المضاجع الخ أي تتباعد جنوبهم عن مواضع الاضطجاع، والمراد أنهم كانوا يشتغلون بعبادة الله تعالى ودعائه عن طيب المضجع لما يرجونه من رحمة الله وإحسانه ويتضرعون إلى الله تعالى خوفًا من عقابه وطمعًا في رحمته وإنعامه ويتصدقون مما رزقهم الله بأنواع الصدقات فرضًا ونفلًا (قوله قال كانوا يتيقظون الخ) أي قال أنس نزلت الآية في شأن قوم كانوا يصلون بين المغرب والعشاء، وفي نسخة كانوا يتنفلون ما بين المغرب والعشاء، فقد رأى أنس أن المراد من الآية التنفل بين المغرب والعشاء. فقد أخرج الطبري في تفسيره بسنده إلى مالك بن دينار عن أنس بن مالك أن هذه الآية نزلت في رجال من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم كانوا يصلون فيما بين المغرب والعشاء (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) وأخرج بسنده إلى قتادة عن أنس (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) قال يتطوعون فيما بين المغرب والعشاء. وروى ذلك أيضًا عن عبد الله بن عيسى قال كان ناس من الأنصار يصلّون ما بين المغرب والعشاء فنزلت فيهم (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ)، وعن ابن المنكدر وأبي حازم قالا (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) هي صلاة ما بين المغرب وصلاة العشاء صلاة الأوابين ذكره محمد بن نصر في قيام الليل. وأخرج ابن مردويه من رواية يزيد بن أسلم عن أبيه قال قال بلال لما نزلت هذه الآية (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) كنا نجلس في المجلس وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يصلون بين المغرب إلى العشاء، وممن قال بذلك أيضًا سعيد بن جبير وزين العابدين وقتادة وعكرمة. فقد أخرج الطبري بسنده إلى سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) قال كانوا يتنفلون ما بين صلاة المغرب

الترغيب في كثرة الصلاة بين المغرب والعشاء وفي قيام الليل

وصلاة العشاء (قوله قال وكان الحسن الخ) أي قال قتادة كان الحسن البصري يقول المراد من التجافي في قوله تعالى (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ) قيام الليل، وهذا هو المشهور عند الجمهور، وبه قال مجاهد ومالك والأوزاعي وغيرهم، ويشهد لهم ما أخرجه أحمد والترمذي وصححه النسائي وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب ومحمد بن نصر في قيام الليل عن معاذ ابن جبل قال أقبلنا مع النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من غزوة تبوك فلما رأيته خاليًا قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة قال بخ بخ لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تقيم الصلاة المكتوبة وتؤتي الزكاة المفروضة وتلقى الله لا تشرك به شيئًا أولا أدلك على أبواب الجنة: الصوم جنة والصدقة برهان وقيام الرجل في جوف الليل يكفر الخطيئة وتلا هذه الآية (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) إلى (يَعْمَلُونَ) وما أخرجه الطبري في تفسيره بسنده إلى عروة بن الزبير عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال له ألا أدلك على أبواب الخير الصوم جنة والصدقة تكفر الخطيئة وقيام العبد في جوف الليل وتلا هذه الآية (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا)، وما أخرجه بسنده إلى مجاهد قال ذكر رسول الله صلي الله عليه وعلى آله وسلم قيام الليل ففاضت عيناه حتى تحادرت دموعه فقال (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) (فقه الحديث) دلّ الحديث على الترغيب في الإكثار من الصلاة بين المغرب والعشاء أو على قيام الليل. وعلى مدح من واظب على ذلك. وقد أشار الله تعالى إلى عظم ما يكون لهم بقوله (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي بطوله والترمذي مختصرًا وصححه، ولفظه عن أنس في قوله تعالى (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ)، نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة. وأخرجه ابن منده من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس في هذه الآية قال يصلون ما بين المغرب والعشاء، قال العراقي إسناده جيد، ورواه أيضًا من طرق أخرى (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} قَالَ: كَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ زَادَ فِي حَدِيثِ يَحْيَى: وَكَذَلِكَ {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ}. (ش) (ابن أبي عدي) هو محمد أبو عمرو البصري تقدم بالثالث صفحة 10. و (سعيد) ابن أبي عروبة. و (قتادة) بن دعامة (قوله كانوا قليلًا من الليل ما يهجعون) أي كانوا ينامون

باب افتتاح صلاة الليل بركعتين

زمنًا يسيرًا من الليل ويقومون أكثره، فما زئدة وقيل مصدرية أولت ما بعدها بمصدر أي كان قليلًا هجوعهم وهجوع بدل اشتمال من اسم كان، وقيل معناه كانوا قليلًا يهجعون في بعض الليل وهو الوقت الذي بين المغرب والعشاء أي لا ينامون فيه بل يصلون فعلى هذا من تبعيضية (قوله كانوا يصلون الخ) أي يتنفلون في الوقت الممتد بين صلاة المغرب وصلاة العشاء، هذا ما فسر به أنس الآية لكنها لا تدل على الاقتصار على ذلك كما قاله الجمهور، فقد قال الحسن البصري في تفسيرها كابدوا قيام الليل لا ينامون منه إلا قليلًا. وقال عبد الله بن رواحة هجعوا قليلًا ثم قاموا، وقال مسلم بن يسار المراد منها قلما يأتي على المؤمن ليلة لا يقوم فيها ونحوه عن ابن عباس وغيره (قوله زاد في حديث يحيى الخ) أي زاد محمد بن المثنى في حديث يحيى بن سعيد دون حديث ابن أبي عدي وكذلك تتجافى جنوبهم أي أنها نزلت فيمن كانوا يصلون فيما بين المغرب والعشاء كما نزلت فيهم كانوا قليلًا من الليل ما يهجعون. وفي هذا دلالة على مزيد فضل الصالحين الذين يجتهدون في العبادة حتى في أوقات الراحة ولا يستريحون من مشاق النهار إلا زمنًا قليلًا (والحديث) أخرجه البيهقي والحاكم ومحمد بن نصر في قيام الليل والطبري في تفسيره (باب افتتاح صلاة الليل بركعتين) (ص) حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ". (ش) (قوله إذا قام أحدكم الخ) أي إذا استيقظ أحدكم من النوم في الليل وأراد التهجد فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين كما في رواية مسلم. والحكمة في تخفيفهما أن بهما يحصل النشاط لما بعدهما من الصلاة، وقال في المرقاة قال في الأزهار المراد بهما ركعتا الوضوء ويستحب فيهما التخفيف لورود الروايات بتخفيفهما قولًا وفعلًا اهـ. والأمر في الحديث للاستحباب بالإجماع وقد ثبت ذلك بفعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أيضًا، فقد أخرج أحمد ومسلم عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا قام من الليل افتتح صلاته بركعتين خفيفتين. ولا منافاة بين هذا الحديث وبين قول عائشة فما يأتي كان يصل أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن لأن المراد كان يصلي أربعًا بعد هاتين الركعتين. ويدل علي ذلك ما أخرجه مسلم عن زيد بن خالد الجهني أنه قال لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

الليلة فصلى ركعتين خفيفتين ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة (والحديث) أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي ومحمد بن نصر (ص) حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ نَا إِبْرَاهِيمُ -يَعْنِي ابْنَ خَالِدٍ- عَنْ رَبَاحِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "إِذَا". بِمَعْنَاهُ زَادَ: "ثُمَّ لْيُطَوِّلْ بَعْدُ مَا شَاءَ". (ش) (رباح) بن زيد القرشي تقدم بالثاني صفحة 322. و (معمر) بن راشد بالأول صفحة 107. وكذا (أيوب) بن كيسان السختياني صفحة 257 (قوله قال إذا بمعناه الخ) أي قال أيوب في روايته قال أبوهريرة إذا قام أحدكم الخ وذكر معنى الحديث السابق وزاد فيه ثم ليطول بعد هاتين الركعتين ما شاء أن يطول من صلاته، فالحديث موقوف على أبي هريرة (والحديث) أخرجه البيهقي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَجَمَاعَةٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَوْقَفُوهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَيُّوبُ وَابْنُ عَوْنٍ أَوْقَفُوهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: فِيهِمَا تَجَوَّزْ. (ش) أي روى حديث أبي هريرة أيضًا حماد بن سلمة وزهير بن معاوية وجماعة منهم هشيم بن بشير عن هشام بن حسان موقوفًا على أبي هريرة. ورواية هشيم ذكرها ابن أبي شيبة قال حدثنا هشيم أخبرنا هشام عن ابن سيرين قال قال أبوهريرة إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح بركعتين خفيفتين. وهذا رواه أيوب السختياني وعبد الله بن عون عن محمد بن سيرين موقوفًا على أبي هريرة إلا أن ابن عون قال في روايته فليصل ركعتين فيهما تجوز أي تخفيف فهو مصدر ويحتمل أن يكون أمرًا أو مضارعًا بحذف إحدى التاءين، والغرض من هذا بيان أن الحديث روى من عدة طرق مرفوعًا وموقوفًا، فالمرفوع ما ذكره أولًا من طريق سليمان بن حيان عن هشام، وقد رفعه أحمد قال حدثنا محمد بن سلمة عن هشام عن محمد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا قام أحدكم ليصلي بالليل فليبدأ بركعتين خفيفتين، وقد رفعه مسلم والبيهقي أيضًا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة قال ثنا أبو أسامة عن هشام عن محمد عن أبي هريرة عن النيى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا قام أحدكم من

فضل طول القيام في صلاة التطوع

الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين، ورفعاه أيضًا من طريق عبد الله بن أبي شيبة قال ثنا أبو خالد الأحمر عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يفتتح صلاته من الليل بركعتين خفيفتين، فسليمان بن حيان لم ينفرد برفعه عن هشام، بل تابعه جماعة. والموقوف ما ذكره من طريق معمر عن أيوب ومن طريق حماد بن سلمة وزهير بن معاوية وغيرهما عن هشام وما ذكره عن أيوب وابن عون عن محمد بن سيرين (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ حَنْبَلٍ -يَعْنِي أَحْمَدَ- نَا حَجَّاجٌ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَلِيٍّ الأَزْدِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبْشِيٍّ الْخَثْعَمِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ: "طُولُ الْقِيَامِ". (ش) (رجال الحديث) (حجاج) بن محمد الأعور تقدم بالأول صفحة 95. و (ابن جريج) عبد الملك و (عثمان بن أبي سليمان) بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل النوفلي المكي. روى عن نافع بن جبير وسعيد بن جبير وحمزة بن عبد الله وجماعة. وعنه إسماعيل ابن أمية وابن جريج وعمرو بن سعيد وابن عيينة وآخرون، وثقه أحمد وابن معين وابن سعد وأبو حاتم ويعقوب بن شيبة والعجلي. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبخاري في الأدب و (على الأزدي) بن عبد الله أبو عبد الله البارقي. روى عن ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وعبيد ابن عمير، وعنه مجاهد بن جبر من أقرانه ويعلى بن عطاء وقتادة وغيرها. وثقه العجلي. وقال ابن عدي ليس عنده كثير حديث، وهو لا بأس به، وقال في الميزان احتج به مسلم وهو صدوق. روى له مسلم حديثًا في الدعاء إذا استوى على الراحلة للسفر. وروى له الأربعة. و (عبيد بن عمير) بالتصغير فيهما تقدم بالرابع صفحة 112. و (عبد الله بن حبشي) بضم الحاء المهملة وسكون الموحدة وكسر الشين المعجمة أبو قتيلة بالتصغير. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وعنه عبيد بن عمير وسعيد بن محمد بن جبير. روى له المصنف والنسائي حديث الباب وحديث النهي عن قطع السدر. و (الخثعمي) نسبة إلى خثعم بوزن جعفر اسم قبيلة سميت باسم أبيها خثعم بن أنمار (معنى الحديث) (قوله أي الأعمال أفضل) أي أكثر ثوابًا. والمراد بالأعمال طول القيام في الصلاة أو كثرة السجود بدليل الجواب، ولما في رواية الترمذي عن جابر أي الصلاة أفضل قال طول القنوت. وبالحديث استدلت الشافعية والحنفية على أن طول القيام في صلاة التطوع أفضل من كثرة الركوع والسجود. ويدل لهم أيضًا ما رواه مسلم من حديث جابر أن رسول الله صلى

المذاهب في الأفضل في صلاة التطوع أطول القيام أم كثرة الركوع والسجود

الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أفضل الصلاة طول القنوت. يعني القيام، قال الترمذي: وقد اختلف أهل العلم في هذا: فقال بعضهم طول القيام في الصلاة أفضل من كثرة الركوع والسجود: وقال بعضهم كثرة الركوع والسجود أفضل من طول القيام. وقال أحمد بن حنبل قد روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في هذا حديثان ولم يقض فيه بشئ. وقال إسحاق أما بالنهار فكثرة الركوع والسجود. وأما بالليل فطول القيام إلا أن يكون رجل له جزء بالليل يأتي عليه فكثرة الركوع والسجود في هذا أحبّ إليّ لأنه يأتي على جزئه وقد ربح كثرة الركوع والسجود اهـ وتقدم بيانه بأتم من هذا في باب الدعاء في الركوع والسجود من الجزء الخامس صفحة 323. وذكر هذا الحديث في هذا الباب للإشارة إلى أن الأمر بالتخفيف في بدء صلاة الليل للاستحباب كما تقدم، فلو افتتحه بركعين طويلتين فهو مباح كما يؤيده ما رواه محمد بن نصر عن حذيفة قال صليت ليلة مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فافتتح بالبقرة فقلت يقرأ مائة آية ثم يركع، فلما جاوزها قلت يقرؤها في ركعتين فلما بلغ الناس (يعني (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) الآية) قلت يقرؤها في ركعة، فلما فرغ منها افتتح سورة آل عمران (الحديث) (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه محمد بن نصر في قيام الليل (باب صلاة الليل مثنى مثنى) أي ركعتين ركعتين بأن يسلم من كل ركعتين كما فسره بذلك ابن عمر (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-: "صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِىَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى". (ش) (قوله أن رجلًا) وقع في معجم الطبراني الصغير أن السائل هو ابن عمر، وفي رواية مسلم عن عبد الله بن شقيق عن ابن عمر أن رجلًا سأل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنا بينه وبين السائل فقال يا رسول الله كيف صلاة الليل (الحديث) وفيه ثم سأله رجل على رأس الحول وأنا بذلك المكان من رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلا أدري أهو ذلك الرجل أو رجل آخر. وفي رواية محمد بن نصر في كتاب الوتر عن ابن عمر أن أعرابيًا سأل

بيان أنه لا يلزم في صحة الوتر تقدم نفل عليه والمذاهب في أقله

(الحديث) ولا منافاة بينها لاحتمال تعدد السائل (قوله عن صلاة الليل) أي عن عددها أو عن مكان السلام فيها بدليل الجواب (قوله مثنى مثنى) أي ركعتين ركعتين بأن يسلم على رأس كل ركعتين, قال الحافظ حمله الجمهور على أنه لبيان الأفضل, ويحتمل أن يكون للإرشاد إلى الأخف إذ السلام من كل ركعتين أخف على المصلي من الأربع فما فوقها اهـ (قوله فإذا خشي أحدكم الصبح) أي خاف دخول وقته بطلوع الفجر (قوله توتر له ما قد صلى) أي تجعل تلك الركعة ما صلاه وترًا وفي الحديث دليل على أن الأفضل في صلاة الليل السلام من كل ركعتين. وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد, وقد تقدم في باب صلاة النهار بيان المذاهب وأدلتها في ذلك. وبالحديث استدل على تعيين الشفع قبل الوتر وهو المشهور عن مالك بناء على أن قوله ما قد صلى محمول على النفل. وحمله من لا يشترط سبق الشفع على ما هو أعم من النفل والفرض, وقالوا إن سبق الشفع شرط في الكمال لا في الصحة. وهو المعتمد عند المالكية كما قاله الزرقاني. ويؤيده حديث أبي أيوب مرفوعًا "الوتر حق على كل مسلم فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحده فليفعل" أخرجه المصنف في باب كم الوتر. وصح عن جماعة من الصحابة أنهم أوتروا بواحده من غير تنفل قبلها. وقد روى محمد بن نصر وغيره بإسناد صحيح عن السائب بن يزيد أن عثمان قرأ القرآن ليلة في ركعه لم يصل غيرها, وفي كتاب المغازى من صحيح البخاري أن سعدًا أوتر بركعة. وفيه في المناقب عن معاوية أنه أوتر بركعه, وأن ابن عباس استصوبه أفاده الحافظ في الفتح. وبالحديث احتج مالك والشافعي على مشروعيه الإيتار بركعه واحده. واحتجا أيضًا بما يأتي للمصنف في باب صلاة الليل عن عائشه قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم يصلي من الليل عشر ركعات ويوتر بسجدة ويسجد سجدتي الفجر (الحديث) وهو مذهب الجمهور. وقال أبو حنيفه وأصحابه لا يصح إلا بإيتار بواحدة ولا تكون الركعه الواحده صلاه أصلًا. مستدلين بما رواه النسائي بسنده إلى عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم لا يسلم في ركعتي الوتر. وبما رواه الحاكم في مستدركه بسنده إلى عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن. وقال أنه صحيح على شرط الشيخين. وأجابوا عن الحديث الباب بما قاله الطحاوي أن معناه صلى ركعه مع ثتين قبلها وتتفق بذلك الأخبار اهـ وقالوا قوله في الحديث توتر له ما قبلها. وليس قبلها شيء لانقطاعها عنه, لكن هذا خلاف الظاهر من الحديث دليل على أن وقت الوتر يخرج بطلوع الفجر وسيأتي بيان ذلك في أبواب الوتر إن شاء الله تعالى

باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الشيخان ومالك والنسائي والطحاوي ومحمد بن نصر في كتاب قيام الليل، والترمذي من طريق الليث عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة واجعل آخر صلاتك وترًا, وقال حديث حسن صحيح (باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل) (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْوَرْكَانِيُّ نَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَدْرِ مَا يَسْمَعُهُ مَنْ فِي الْحُجْرَةِ وَهُوَ فِي الْبَيْتِ. (ش) (الوركاني) نسبة إلى وركان بفتح الواو وسكون الراء اسم لقرية من قرى قاشان ينسب إليها محمد بن جعفر. و (ابن أبي الزناد) عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكران تقدم بالثاني صفحة 143 (قوله كانت قراءة النبي الخ) يعني كان رفع صوته بالقراءة ليلًا متوسطًا بحيث يسمعه من في حجرة البيت والحال أنه صلى الله عليه وآله وسلم يصلي داخله، والمراد بالحجرة صحن البيت. وهو يدل على استحباب التوسط في رفع الصوت بقراءة الليل (والحديث) أخرجه البيهقي، وفي إسناده ابن أبي الزناد، وفيه مقال لكن استشهد به البخاري في مواضع (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ الرَّيَّانِ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِاللَّيْلِ يَرْفَعُ طَوْرًا وَيَخْفِضُ طَوْرًا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَبُو خَالِدٍ الْوَالِبِيُّ اسْمُهُ هُرْمُزُ. (ش) (رجال الحديث) (عمران بن زائدة) بن نشيط الكوفي. روى عن أبيه وحسين بن أبي عائشة ونفيع. وعنه ابن المبارك ووكيع وعيسى بن يونس وحفص بن غياث وأبو نعيم وغيرهم، وثقه ابن معين والنسائي وابن حبان. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه و (أبوه) زائدة بن نشيط الكوفي. روى عن أبي خالد الوالبي. وعنه ابنه عمران وفطر بن خليفة، ذكراه ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه و(أبو خالد) اسمه هرمزكما قاله المصنف, ويقال هرم الكوفي. روى عن ابن عباس وجابر

استحباب التوسط في قراءة الليل

ابن سمرة وميمونة. وعنه الأعمش ومنصوربن المعتمر وفطر بن خليفة وزائدة بن نشيط وغيرهم قال أبو حاتم صالح الحديث وذكره ابن حبان في الثقات. و (الوالبي) بالموحدة نسبة إلى والبة حيّ من بني أسد بن خزيمة (معنى الحديث) (قوله كانت قراءة النبي الخ) أي كانت قراءته في الصلاة أو غيرها في الليل مختلفة فتارة يرفع صوته بها رفعًا متوسطًا, وتارة يخفضه، وكان ذلك على حسب اقتضاء الحال (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الحاكم عن أبي هريرة بلفظ أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا قام من الليل رفع صوته طورًا, وخفضه طورًا وكان يذكر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعل ذلك, وقال هذا حديث صحيح الإسناد (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم - ح وَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ نَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ لَيْلَةً فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- يُصَلِّي يَخْفِضُ مِنْ صَوْتِهِ -قَالَ- وَمَرَّ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ يُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَهُ -قَالَ- فَلَمَّا اجْتَمَعَا عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم - قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا بَكْرٍ مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي تَخْفِضُ صَوْتَكَ". قَالَ: قَدْ أَسْمَعْتُ مَنْ نَاجَيْتُ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ وَقَالَ لِعُمَرَ: "مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَكَ". قَالَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أُوقِظُ الْوَسْنَانَ وَأَطْرُدُ الشَّيْطَانَ. زَادَ الْحَسَنُ في حَدِيثِهِ: فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا بَكْرٍ ارْفَعْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا". وَقَالَ لِعُمَرَ: "اخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا". و(ش) (رجال الحديث) (يحيى بن إسحاق) البجلي أبو زكريا، ويقال أبو بكر السيلحيني روى عن فليح بن سليمان ومبارك بن فضالة والحمادين والليث وأبان العطار وآخرين. وعنه أحمد ابن حنبل وأبو بكر بن أبي شيبة والحسن بن علي الخلال وأحمد بن منيع وطائفة، قال أحمد صالح

ثقة صدوق وقال ابن معين صدوق وقال ابن سعد كان ثقة حافظًا. مات سنة عشرين ومائتين روى له أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله قال قد أسمعت من ناجيت) أي قال أبو بكر مبينًا وجه إسراره إني أناجي الله وهو لا يحتاج إلى رفع الصوت. والمناجي المخاطب (قوله فقال يا رسول الله إني أوقظ الوسنان) أي قال عمر يا رسول الله أريد برفع صوتي تنبيه النائم نومًا خفيفُ اوإبعاد الشيطان عن الوسوسة (قوله زاد الحسن الخ) أي زاد الحسن بن الصباح في حديثه قوله فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا أبا بكر ارفع صوتك شيئًا قليلًا لينتفع السامع وقال لعمر اخفض صوتك شيئًا قليلًا منعا للتشويش على نحو فصل. وأراد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بذلك إرشادهما إلى الطريق الوسطى التي هي أكمل المراتب عملًا بقوله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلًا. فكأنه قال للصديق اجمع بين المناجاة وانتفاع السامع بقراءتك، وقال لعمر افعل ما به كمال الخشوع وأبعد عن المضرة. وفي هذا دلالة على أن المستحب في قراءة صلاة الليل التوسط في الجهر بها (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي بلفظ المصنف، وأخرجه الترمذي عن أبي قتادة بلفظ أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لأبي بكر مررت بك وأنت تقرأ وأنت تخفض من صوتك، قال إني أسمعت من ناجيت قال ارفع قليلًا، وقال لعمر مررت بك وأنت تقرأ وأنت ترفع صوتك، قال إني أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان، قال اخفض قليلًا، وقال الترمذي حديث غريب وإنما أسنده يبيح بن إسحاق عن حماد بن عبد الله الرباح مرسلًا اهـ والمصنف رواه كما ترى معضلًا وأكثر الناس إنما رووا هذا الحديث عن ثابت البناني (ص) حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينِ بْنُ يَحْيَى الرَّازِيُّ نَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم - بِهَذِهِ الْقِصَّةِ لَمْ يَذْكُرْ فَقَالَ لأَبِي بَكْرٍ: "ارْفَعْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا". وَلِعُمَرَ: "اخْفِضْ شَيْئًا". زَادَ: "وَقَدْ سَمِعْتُكَ يَا بِلاَلُ وَأَنْتَ تَقْرَأُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَمِنْ هَذِهِ السُّورَةِ". قَالَ: كَلاَمٌ طَيِّبٌ يَجْمَعُ الله تَعَالَى بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّكُمْ قَدْ أَصَابَ".

جواز الجهر والإسرار بالقراءة في صلاة الليل وبيان حكم قراءة آيات من عدة سور

(ش) (رجال الحديث) (أبو حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين اسمه وكنيته وسماه أبو حاتم عبد الله (بن يحيى) بن سليمان الرازي. روى عن حفص بن غياث ووكيع ويحيى ابن سليم وأسباط بن محمَّد وجعفر بن عون ويونس بن بكير وغيرهم. وعنه أبو داود وعلي بن سعيد وأحمد بن علي، وثقه أبو حاتم وقال صدوق، ووثقه الطبراني (معنى الحديث) (قوله بهذه القصة الخ) أي حدثنا أبوهريرة بقصة أبي بكر وعمر المبينة في الحديث السابق غير أنه لم يذكر أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إياهما بالتوسط في رفع الصوت بالقراءة، وزاد في روايته قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبلال قد سمعتك تقرأ بعض آيات من سورة وبعضًا من سورة أخرى، فقال بلال في سبب جمعه آيات من سور القرآن كلام حسن طيب جمع الله بعضه علي بعض وهو كلام الله أقرأ منه ما تدعو إليه الحاجة (قوله كلكم قد أصاب) أي كل واحد منكم قد أصاب فيما فعل. وهذا يدل على أن أمره صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أبا بكر عمر في الحديث السابق بالتوسط في رفع الصوت بالقراءة أمر إرشاد إلى الأكمل (وفي هذا) دليل على جواز رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل وجواز الإسرار فيها وجواز قراءة عدة آيات من سور مختلفة في الصلاة وخارجها وإن كان هذا خلاف الأولى بل الجمهور على كراهته. فقد قال محمَّد بن نصر في كتاب قيام الليل: ذكر عن يحيى بن القطان عن عبد الرحمن ابن حرملة عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر بأبي بكر وهو يقول وهو يخافت، ومر بعمر وهو يجهر ومر ببلال وهو يقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة فقال لأبي بكر مررت بك وأنت تجهر، فقال إني أسمع من أناجي، فقال ارفع من صوتك شيئًا وقال لعمر مررت بك وأنت تجهر، فقال أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان فقال اخفض شيئًا، وقال لبلال مررت بك وأنت تقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة، فقال أخفض الطيب بالطيب، فقال اقرأ السورة على وجهها. ولرواية قال لبلال إذا قرأت السورة فأنفذها (أي أتمها) قال أبو عبيد فالأمر عندنا على الكراهة لقراءة الآيات المختلفة كما أنكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على بلال، وذلك أثبت عندي لأنه أشبه بفعل العلماء اهـ (والحديث) أخرجه البيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَقَرَأَ فَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-: "يَرْحَمُ اللَّهُ فُلاَنًا كَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ أَذْكَرَنِيهَا اللَّيْلَةَ كُنْتُ قَدْ أَسْقَطْتُهَا". (ش) (حماد) بن سلمة تقدم بالأول صفحة 26 (قوله أن رجلًا) هو عبد الله بن

التنفير من نسيان شيء من القرآن واستحباب الدعاء لمن صنع معروفا

يزيد الأنصاري كما جزم به عبد الغني بن سعيد في المبهمات، فقد روى من طريق عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وعلي آله وسلم سمع صوت قارئ يقرأ فقال صوت من هذا، قالوا عبد الله بن يزيد، قال لقد أذكرني آية يرحمه الله كنت أنسيتها. وقيل هو عباد بن بشر الأنصاري لما في رواية للبخاري من حديث عباد بن عبد الله عن عائشة تهجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسمع صوت عباد يصلي في المسجد فقال عائشة أصوت عباد هذا، قلت نعم قال اللهم ارحم عبادًا ويؤيد الأول مشابهة قصة عمرة عن عائشة التي ذكرها عبد الغني في المبهمات بقصة عروة عنها التي في حديث الباب، بخلاف قصة عباد بن عبد الله عنها فليس فيها تعرض لنسيان الآية أفاده الحافظ في الفتح (قوله فقرأ فرفع صوته) يعني في المسجد كما جاء في رواية للبخاري عن عائشة قالت سمع النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم رجلًا يقرأ في المسجد الخ (قوله كأين من آية أذكرنيها الليلة) أي كثير من الآيات أذكرنيه بقراءته الليلة، فكأين بكاف وهمزة مفتوحتين وياء مكسورة مشددة ونون ساكنة للتكثير بمعنى كم مبتدأ، ويحتمل أن يكون كأين من آية مفعول لمحذوف يفسره المذكور، ولعله إشارة إلى قوله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) (قوله كنت أسقطتها) أي تركتها نسيانًا وفي رواية لمسلم عن عائشة قالت كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم يستمع قراءة رجل في المسجد فقال رحمه الله لقد أذكرني آية كنت أنسيتها, وفي رواية معمر عن هشام عند الإسماعيلي كنت نسيتها بفتح النون ليس قبلها همزة. هذا وقد اختلف العلماء في نسيان القرآن فمنهم من جعله كبيرة محتجًا بما أخرجه الترمذي والمصنف عن أنس مرفوعًا عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبًا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها وفي سنده ضعف وتقدم الكلام على هذا في "باب في كنس المساجد" (فقه الحديث) دل الحديث علي جواز رفع الصوت بالقراءة في الليل ولو في المساجد لأنه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم سمعه وأقره، وهو محمول عل رفع شأنه أن لا يحصل منه التشويش. ويدل له ما في الحديث الآتي من نهيه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم عن رفع الصوت بالقراءة، وعلى مشروعية الدعاء لمن تسبب في خير للغير، وعلي حواز النسيان على النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم فيما بلغه للأمة وهذا متفق عليه. أما ما لم يبلغه فلا يجوز عليه نسيانه قبل التبليغ. وتقدم الكلام علي هذا في سجود السهو (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري ومسلم من عدة طرق بألفاظ متقاربة، وأخرجه النسائي والبيهقي ومحمد بن نصر في قيام الليل. وفي بعض النسخ بعد هذا الحديث زيادة قوله "قال أبو داود ورواه هارون النحوي عن حماد بن سلمه في سورة آل عمران في الحروف وكأين من نبي" أي أن هارون بن موسى الأزدي أبو عبد الله النحوي روى هذا الحديث عن حماد بن

مشروعية الاعتكاف وجواز التنفل في المسجد وحكم رفع الصوت فيه

سلمة بلفظ يرحم الله فلانًا أذكرني في سورة آل عمران حروفًا أي كلمات أسقطتها وهي قوله ئعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) (الآية) ويحتمل أن يراد بالحروف القراءآت، فالجمهور يقرءون وكأين بفتح الكاف والهمزة وتشديد الياء مكسورهّ ونون ساكنة وقرأ ابن كثير وكائن على وزن اسم الفاعل فإن كان الرجل قرأ برواية الجمهور فهي التي نسيها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم, وإن كان قرأ برواية ابن كثير فهي التي نسيها وكان حافظًا لها "ولا منافاة" بين هذه الرواية وحديث الباب لجواز تعدد القصة (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ: "أَلاَ إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلاَ يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَلاَ يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ". أَوْ قَالَ: "فِي الصَّلاَةِ". (ش) (عبد الرزاق) بن همام تقدم بالأول صفحة 106. و (معمر) بن راشد و (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف و (أبو سعيد) الخدري (قوله اعتكف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم) أي مكث في المسجد للعبادة (قوله فكشف الستر) بكسر السين ما يستر به وجمعه ستور والسترة والستارة مثله. وفي رواية الحاكم فسمعهم يجهرون بالقراءة وهو في قبة له فكشف الستور (قوله ألا إن كلكم مناج ربه) وفي رواية الحاكم ألا كلكم يناجي ربه يعني يعبد ربه وهو يسمع السر وأخفى (قوله ولا يرفع بعضكم علي بعض في القراءة أو قال في الصلاة) بالشك وفي رواية الحاكم ولا يرفعن بعضم علي بعض في القراءة في الصلاة. وفي الحديث دليل على مشروعية الاعتكاف وجواز التنقل في المسجد. بلا كراهة. وعلى أن رفع الصوت بالقرآن وغيره في المسجد ممنوع إذا ترتب عليه إيذاء أو تشويش على نحو فصل أو نائم (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي والبيهقي والحاكم وقال حديث صحيح على شرط الشيخين وأخرجه أحمد والبزار والطبراني بإسناد صحيح عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال إن المصلى يناجى ربه عَزَّ وَجَلَّ فلينظر بم يناجيه ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ

الجمع بين الآثار في الجهر بالقرآن والإسرار به

ابْنِ مَعْدَانَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم -: "الْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ وَالْمُسِرُّ بِالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ". (ش) (بجير) بفتح الموحدة (بن سعد" أبو خالد الحمصي تقدم بالجزء الثاني صفحة 173 (قوله الجاهر بالقرآن الخ) أي الرفع صوته بالقرآن كالمعلن بالصدقه في أنه عرضه للرياء, وقارئه سرًا كالمتصدق خفيه في القرب من الإخلاص والسلامة من الرياء فلذا كان الإسرار بالقرآن وإخفاء الصدقه أفضل. وفي الحديث دليل على أن الإسرار بالقرآن أفضل من الجهر به وهذا في القراءة خارج الصلاة وفي صلاة الليل من يخشى رياء أو تشويشًا من الجهر. أما من لم يخش ذلك فالتوسط في حقه أفضل جمعًا بين الأحاديث "قال الطيبى" جاءت آثار بفضيلة الجهر بالقرآن وآثار بفضيلة الأسرار فالجمع بأن يقال الإسرار أفضل لمن يخاف الرياء والجهر أفضل لمن لا يخافه بشرط ألا يؤذى غيره من فصل أو نائم أو غيره وذلك لأن العمل في الجهر يتعدى نفعه إلى غيره من استماع أو تعلم أو ذوق أو كونه شعارًا للدين ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همه ويطرد النوم عنه وينشط غيره للعبادة فمتى حضر شيء من هذه النيات فالجهر أفضل اهـ (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي والحاكم والبيهقي ومحمد بن نصر والترمذي وقال حديث حسن غريب، وأخرج الطبراني عن أبي أمامة نحوه وفي إسناده إسحاق بن مالك الحضرمي ضعفه الأزدي ورواه الطبراني أيضًا من وجه آخر وفيه بشر بن نمير وهو ضعيف جدًا (باب في صلاة الليل) صلاة الليل تطلق حقيقة على ما يصلي فيه فرضًا كان أو نفلًا إلا أنه خص في عرف الشرع بما عدا المغرب والعشاء (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى نَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ وَيُوتِرُ بِسَجْدَةٍ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيِ الْفَجْرِ فَذَلِكَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً.

(ش) (ابن أبي عدي) محمَّد أبو عمر البصري تقدم بالثالث صفحة 10. وكذا (حنظلة) بن أبي سفيان صفحة 4 (قوله كان يصلي من الليل عشر ركعات) أي بخمس تسليمات لماتقدم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الليل مثنى مثنى ولقول عائشة في الحديث الثالث من الباب يسلم من كل ثنتين (قوله ويوتر بسجدة) تعنى ركعة فهو من إطلاق اسم الجزء على الكل (قوله ويسجد سجدتي الفجر) أي يركع ركعتين سنة الصبح بعد طلوع الفجر (قوله فذلك ثلاث عشرة ركعة) أي كل ما صلاه ثلاث عشرة ركعة. والحديث من أدلة من قال يشترط في صحة الوتر أن يتقدمه شفع وهو قول مالك، ومعتمد المذهب أن ذلك شرط كمال لا شرط صحه وهو مذهب الجمهور، ومن أدلة من قال بصحة الإيتار بركعة واحدة وهو قول الجمهور وسيأتي مزيد لذلك في باب الوتر إن شاء الله تعالى (والحديث) أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ. (ش) هذا الحديث كالذى قبله غير أن فيه زيادة الاضطجاع علي شقه الأيمن بعد صلاة الوتر للراحة من طول القيام وتقدم بيانه في باب الاضطجاع بعد ركعتي الفجر (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي والطحاوي ومحمد بن نصر والترمذي وقال حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ -وَهَذَا لَفْظُهُ- قَالاَ نَا الْوَلِيدُ نَا الأَوْزَاعِيُّ -وَقَالَ نَصْرٌ: عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَالأَوْزَاعِيِّ- عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاَةِ الْعِشَاءِ إِلَى أَنْ يَنْصَدِعَ الْفَجْرُ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ ثِنْتَيْنِ وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ وَيَمْكُثُ فِي سُجُودِهِ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ

استحباب إطالة السجود في قيام الليل وجواز الإيتار بركعة

بِالأُولَى مِنْ صَلاَةِ الْفَجْرِ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ. (ش) (قوله وهذا لفظه) يعني ما ذكره المصنف لفظ حديث نصر بن عاصم و (الوليد) بن مسلم تقدم بالثاني صفحة 51 (قوله وقال نصر الخ) أي قال نصر بن عاصم في روايته حدثنا الوليد عن ابن أبي ذئب والأوزاعي عن الزهري الخ فزاد ابن أبي ذئب. أما عبد الرحمن بن إبراهيم فقال في روايته حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي عن الزهري الخ فلم يذكر ابن أبي ذئب (قوله يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء الخ) أي في الوقت الذي بعد فراغه من صلاة العشاء إلى أن ينشق الفجر قبل النوم أو بعده فانصداع الفجر انشقاقه وظهوره يقال صدعته صدعًا من باب نفع شققته (قوله يسلم من كل ثنتين ويوتر بواحدة) هو حجة على من قال إن الوتر لا يصح إلا بثلاث (قوله ويمكث في سجوده الخ) أي يطيل السجود بقدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية. وفي مسند أحمد من طريق محمَّد بن عباد عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول في صلاة الليل في سجوده سبحانك لا إله إلا أنت. وعنها أنه يقول في سجوده اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وغير ذلك مما تقدم في "باب الدعاء في الركوع والسجود وباب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده" وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يطيل السجود في قيام الليل للاجتهاد في الدعاء والتضرع إلى الله تعالى، والمبالغة في التواضع والتذلل إليه تعالى والشكر على ما أنعم به عليه. وهذا كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يطيل القيام حق تتورم قدماه فقالت له عائشة لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك فقال أفلا أكون عبدًا شكورًا (قوله فإذا سكت المؤذن بالأولى الخ) أي فرغ من الأذان الأول لصلاة الصبح. فالباء بمعنى من كما في قوله تعالى (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ) أي منها. وتأنيث الأذان باعتبار ما فيه من المناداة، ووصف بالأول باعتبار الإقامة. وقوله من صلاة الفجر أي لصلاة الفجر فمن بمعنى اللام. وفي بعض النسخ الصحيحة فإذا سكب المؤذن بالموحدة وبدون باء الجر يعني فرغ المؤذن الأول. والسكب في الأصل صب الماء وقد يستعمل في القول. قال في النهاية فإذا سكب المؤذن بالأولى من صلاة الفجر. أرادت إذا أذن فاستعير السكب للإفاضه في الكلام كما يقال أفرغ في أذني حديثًا أي ألقى وصب (والحديث) يدل على استحباب قيام الليل وإطالة السجود فيه ومشروعية الإيتار بركعة واحدة واستحباب التخفيف في ركعتي الفجر

جواز التقرب إلى الله تعالى بسجدة واحدة

والاضطجاع بعدهما على الشق الأيمن (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجه والبيهقي بألفاظ متقاربة ومحمد بن نصر في قيام الليل (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُمْ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ قَالَ: وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ وَيَسْجُدُ سَجْدَةً قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَتَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ. وَسَاقَ مَعْنَاهُ. قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ عَلَى بَعْضٍ. (ش) (قوله أخبرهم بإسناده الخ) أي أن ابن شهاب أخبر ابن أبي ذئب وصاحبيه بإسناده السابق عن عروة عن عائشة بمعنى الحديث السابق، ولفظه عند الطحاوي من طريق عبد الله بن وهب قال أنا يونس وعمرو بن الحارث وإبن أبي ذئب عن أبي شهاب أخبرهم عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي فما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة ويسجد سجدة قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة فيخرج معه (قوله ويسجد سجدة الخ) تعنى أنصلي الله عليه وآله وسلم كان يمكث في كل سجدة من سجدات الركعات قدر قراءة خمسمين آية كما تشعر به الرواية السابقة. ويحتمل إبقاء الحديث على ظاهره فيكون المعنى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد ما يوتر بركعة يسجد سجدة طويلة بقدر قراءة خمسين آية، ومن هذا قال البيضاوي فيه دليل علي أنه يتقرب إلى الله تعالى بسجدة فردة غير سجدة التلاوة والشكر (قوله قال وبعضهم الخ أي قال عبد الله بن وهب وبعض مشايخي محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب وصاحبيه يزيد على بعض في هذا الحديث. وفي هذه الرواية زيادة على ما تقدم دليل على استحباب التغليس بأذان الصبح، وحكمته اتساع الوقت ليتمكن الناس من الاستعداد للصلاة. وعلى استجاب الإسفار حتى بسنة الصبح (والحديث) أخرجه الطحاوي بلفظ تقدم ررواه البيهقي والبخاري من طريق شعيب عن الزهري (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا وُهَيْبٌ نَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ

حديث الإيتار بخمس ركعات بسلام واحد وجواب الحنفية عنه

رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِخَمْسٍ لاَ يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْخَمْسِ حَتَّى يَجْلِسَ فِي الآخِرَةِ فَيُسَلِّمَ. (ش) (قوله ثلاث عشرة ركعة) أي غير ركعتي الفجر لما في الحديث بعده (قوله يوتر منها بخمس الخ) أي يجعل من الثلاث عشرة ركعة، خمس ركعات وترًا لا يجلس للتشهد إلا في آخرها فيصلي الخمس بتشهد وسلام واحد (وبظاهره) استدل الشافعي على أن الإيتار بخمس ركعات بتسليمة واحدة جائز قال النووي وهذا لبيان الجواز وإلا فالأفضل التسليم من كل ركعتين وهو المشهور من فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمره بالصلاة مثنى مثنى اهـ وقال في روضة المحتاجين وله في الفصل أن يتشهد بعد كل ركعتين أو أربع مثلًا وإن لم يسلم وفي الوصل ألا يتشهد إلا قبل الأخيرة وبحدها، أو بحدها فقط وهو أولى للنهى عن تشبيه الوتر بالمغرب في وقوع ركعة بين تشهدين اهـ ولم تأخذ الحنفية بالحديث لاضطرابه فقد أخرح الطحاوي حديث هشام بن عروة عن عروة كان يوتر بخمس سجدات ولا يجلس بينها حتى يجلس في الخامسة ثم يسلم، وحديث محمَّد بن جعفر بن الزبير عن عروة كان يجلس في خمس لا يجلس إلا في آخرهن وقال: فقد خالف ما روى هشام ومحمد بن جعفر عن عروة ما روى الزهري من قوله كان يصلي إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة ويسلم بين كل ركعتين فلما اضطرب ما روى عن عروة في هذا عن عائشة من صفة وتر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يكن فيما روى عنها في ذلك حجة ورجعنا إلى ما روى عنها غيره اهـ وهو مما أخرجه الحاكم والطحاوي من طريق زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن اهـ (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الشيخان وأحمد والنسائي وابن ماجه ومحمد بن نصر في قيام الليل والترمذي وزاد فيه فإذا أذن المؤذن قام فصلى ركعتين خفيفتين وقال حديث حسن صحيح وقد رأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وغيرها الوتر بخمس فقالوا لا يجلس في شيء منهن إلا في آخرهن اهـ (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ نَحْوَهُ. (ش) أي روى نحو حديث وهيب عن هشام عبد الله بن نمير الكوفي عن هشام أيضًا. "وهذه الرواية أخرجها مسلم" قال حدثنا ابن نمير حدثنا أبي حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ويوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها

بيان أن الأمر يختم صلاة الليل بالوتر للندب

(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ يُصَلِّي إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ. (ش) (القعنبي) عبد الله بن مسلمة (قوله ثلاث عشرة ركعة) منها الوتر كما في الحديث السابق ومنها الركعتان الخفيفتان اللتان كان صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم يفتتح بهما صلاة الليل (قوله إذا سمع النداء الخ) أي إذا سمع أذان الصبح صلى ركعتين خفيفتين هما سنة الصبح (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مالك في الموطأ والطحاوي والطبراني (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالاَ نَا أَبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَكَانَ يُصَلِّي ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ ثُمَّ يُصَلِّي -قَالَ مُسْلِمٌ: بَعْدَ الْوِتْرِ ثُمَّ اتَّفَقَا- رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ قَاعِدٌ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَرَكَعَ وَيُصَلِّي بَيْنَ أَذَانِ الْفَجْرِ وَالإِقَامَةِ رَكْعَتَيْنِ. (ش) (أبان) بن يزيد العطار تقدم بالأول صفحة 119. وكذا في (يحيى) بن أبي كثير صفحة 62. وكذا (أبو سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن صفحة 23 (قوله وكان يصلي ثماني ركعات الخ) تفصيل لما أجمل قبله. والظاهر أنه كان يصلي الثمان ركعات بأربع تسلمات لحديث صلاة الليل مثنى مثنى. ويحتمل أنه صلاها بسلامين لظاهر الحديث الآتي (قوله قال مسلم الخ) أي قال مسلم بن إبراهيم في روايته ثم يصلي "النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم" بعد الوتر ركعتين وهو قاعد. أما موسى بن إسماعيل فقال ثم يصلي ركعتين وهو قاعد. فقد انفرد مسلم بقوله بعد الوتر. وصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم هاتين الركعتين بعد الوتر لبيان جواز الصلاة بعده ومنه يعلم أن الأمر للندب في حديث اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا أخرجه الشيخان وسيأتي للمصنف في باب الوتر قبل النوم. ولم يواظب صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على هاتين الركعتين لما ثبت في الروايات الصحيحة عن عائشة وغيرها من أن آخرصلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الليل كانت وترًا، فيبعد مع هذه الأحاديث وأمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بجعل أخر صلاة الليل وترًا أن يداوم على ركعتين بعد الوتر. أما ما ذكره القاضي عياض

الخلاف في التنفل بعد الوتر

من ترجيح الأحاديث المشهورة وردّ رواية الركعتين جالسًا بعد الوتر فغير صحيح لأن الأحاديث إذا صحت وأمكن الجمع بينها تعين وقد علمت الجمع (قوله فإذا أراد أن يركع الخ) أي أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ في الركعتين بعد الوتر جالسًا فإذا فرغ من القراءة قام فركع (وبظاهر الحديث) أخذ الأوزاعي وأحمد في رواية عنه فأباحا ركعتين عقب الوتر. وكره مالك وغيره التنفل بعد الوتر متصلًا به. وقالوا في حديث الباب ونحوه إن هاتين الركعتين من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم لأمره الأمة بأن يجعلوا آخر صلاة الليل وترًا. وفعله لا يعارض القول الخاص بالأمة (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والنسائي (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي رَمَضَانَ فَقَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً: يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ قَالَ: "يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي". (ش) (قوله كيف كانت صلاة رسول الله الخ) أي كيف كانت صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ليالي رمضان وكم كان عددها بدليل إجابتها بالعدد ثم بيان الصفة. ويحتمل أن السؤال عن الصفة فقط كما هو ظاهر لفظ كيف فأجابت ببيانها. ومن لوازمه بيان العدد. ويحتمل أن السؤال عن العدد فقط فتكون كيف بمعنى كم فأجابت ببيانه ثم أتبعته ببيان الصفة. وخص السؤال عن الصلاة في رمضان لما علم من حثه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الصلاة فيه فظن أبو سلمة أنه كان يخصه بصلاة فأخبرته بأن فعله في رمضان وغيره سواء (وقوله ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) تعني غير ركعتي الفجر فلا ينافي ما تقدم من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي ثلاث عشرة ركعة. وأما ما رواه البيهقي وابن أبي شيبة عن ابن عباس

كان رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي في رمضان في غير جماعة عشرين ركعة والوتر فهو ضعيف قال البيهقي تفرد به أبو شيبة إبراهيم بن عثمان وهو ضعيف اهـ فلا يعارض حديث الباب الصحيح (قوله يصلي أربعًا الخ) أي أربع ركعات بسلام واحد علي الظاهر ويحتمل أنه كان يصليها بتشهدين وسلامين. ويؤيده حديث صلاة الليل مثنى مثنى، وعلى هذا فلا يصلح دليلًا لما قاله أبو حنيفة من أن الأفضل في نفل الليل أن يسلم من أربع ركعات (قوله فلا تسأل عن حسنهن وطولهن) يعني أنهن في نهاية كمال الحسن والطول مستغنيات عن السؤال عنهن. ويحتمل أنها نهته عن السؤال عن ذلك لأنها لا تقدر على وصفه (قوله ثم يصلي أربعًا الخ) عبرت بثم لاحتمال أنه كان يفصل بينها وبين الأربع التي قبلها بنوم لقولها أتنام قبل أن توتر. أولأن الأربع الثانية أقل من الأولى في الحسن والطول وإن أخذت حظها منهما (قوله ثم يصلي ثلاثًا) أي يوتر بهن بسلام واحد "وهو دليل" لما ذهب إليه الحنفية من أن الوتر ثلاث ركعات وغيرها من صلاة الليل (قوله أتنام قبل أن توتر الخ) الظاهر أنه كان ينام بعد الأربع الثانية قبل أن يوتر فسألته عن ذلك فأجابها بقوله إن عيني تنامان ولا ينام قلبي أي أنه لا ينام عن مراعاة الوقت. وهذا من خصائص الأنبياء. فقد روى البخاري أن الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، ولذا كان وضوءه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا ينقضه النوم لعلمه بما يكون منه، ولا يعارضه ما تقدم في حديث التعريس عن عمران بن حصين من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نام حتى طلعت الشمس لأن إدراك طلوع الشمس متعلق بالعين لا بالقلب لأنه من المحسوسات (فقه الحديث) دل الحديث على أن صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالليل كانت متساوية لا فرق بين رمضان وغيره. وهذا لا ينافي ما تقدم من أنه كان يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين ومن أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين خفيفتين لأن ذلك محمول على بعض الأوقات ودل على أن وضوءه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا ينقض بالنوم وهذا من خصائصه (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مالك في الموطأ وأحمد البخاري ومسلم والنسائي والطحاوي والبيهقي والترمذي وقال حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا هَمَّامٌ نَا قَتَادَةُ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: طَلَّقْتُ امْرَأَتِي فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ لأَبِيعَ عَقَارًا كَانَ لِي بِهَا فَأَشْتَرِىَ بِهِ السِّلاَحَ وَأَغْزُوَ فَلَقِيتُ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: قَدْ أَرَادَ

قيام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالليل ووتره

نَفَرٌ مِنَّا سِتَّةٌ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ". فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ وِتْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَدُلُّكَ عَلَى أَعْلَمِ النَّاسِ بِوِتْرِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَأْتِ عَائِشَةَ. فَأَتَيْتُهَا فَاسْتَتْبَعْتُ حَكِيمَ بْنَ أَفْلَحَ فَأَبَى فَنَاشَدْتُهُ فَانْطَلَقَ مَعِي فَاسْتَأْذَنَّا عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: مَنْ هَذَا قَالَ: حَكِيمُ بْنُ أَفْلَحَ. قَالَتْ: وَمَنْ مَعَكَ قَالَ: سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ. قَالَتْ: هِشَامُ بْنُ عَامِرٍ الَّذِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَتْ: نِعْمَ الْمَرْءُ كَانَ عَامِرًا. قَالَ قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ حَدِّثِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَإِنَّ خُلُقَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ الْقُرْآنَ. قَالَ قُلْتُ: حَدِّثِينِي عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) قَالَ قُلْتُ: بَلَى. قَالَتْ: فَإِنَّ أَوَّلَ هَذِهِ السُّورَةِ نَزَلَتْ فَقَامَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ وَحُبِسَ خَاتِمَتُهَا في السَّمَاءِ اثْنَىْ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ نَزَلَ آخِرُهَا فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ. قَالَ قُلْتُ: حَدِّثِينِي عَنْ وِتْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. قَالَتْ: كَانَ يُوتِرُ بِثَمَانِ رَكَعَاتٍ لاَ يَجْلِسُ إِلاَّ في الثَّامِنَةِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى لاَ يَجْلِسُ إِلاَّ في الثَّامِنَةِ وَالتَّاسِعَةِ وَلاَ يُسَلِّمُ إِلاَّ في التَّاسِعَةِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَيَّ فَلَمَّا أَسَنَّ وَأَخَذَ اللَّحْمَ أَوْتَرَ بِسَبْعِ رَكَعَاتٍ لَمْ يَجْلِسْ إِلاَّ في السَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ وَلَمْ يُسَلِّمْ إِلاَّ في السَّابِعَةِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ فَتِلْكَ هِىَ تِسْعُ رَكَعَاتٍ يَا بُنَيَّ وَلَمْ يَقُمْ رَسُولُ اللهِ

التنفير من التبتل والانقطاع للعبادة

-صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةً يُتِمُّهَا إِلَى الصَّبَاحِ وَلَمْ يَقْرَإِ الْقُرْآنَ في لَيْلَةٍ قَطُّ وَلَمْ يَصُمْ شَهْرًا يُتِمُّهُ غَيْرَ رَمَضَانَ وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلاَةً دَاوَمَ عَلَيْهَا وَكَانَ إِذَا غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ مِنَ اللَّيْلِ بِنَوْمٍ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ رَكْعَةً. قَالَ: فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَحَدَّثْتُهُ. فَقَالَ: هَذَا وَاللهِ هُوَ الْحَدِيثُ وَلَوْ كُنْتُ أُكَلِّمُهَا لأَتَيْتُهَا حَتَّى أُشَافِهَهَا بِهِ مُشَافَهَةً. قَالَ قُلْتُ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ لاَ تُكَلِّمُهَا مَا حَدَّثْتُكَ. (ش) (همام) بن يحيى بن دينار تقدم بالأول صفحة 104 (قوله طلقت امرأتي) لعله فعل ذلك ليتفرغ للجهاد كما يدل عليه السياق (قوله فأتيت المدينة) يعني من البصرة فإن أباه هشامًا كان نزيلها (قوله لأبيع عقارًا) بفتح العين وتخلف القاف اسم للأرض ونحوها من كل ملك ثابت (قوله أن يفعلوا ذلك) أي ما ذكر من الطلاق وبيع العقار والتفرغ للجهاد (قوله وقال لقد كان لكم في رسول الله الخ) أي قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لمن أراد ذلك لكم بي قدوة حسنة فإن من سنته النكاح مع الجهاد وقد قال من رغب عن سنتي فليس مني، فلا حدثوا سعد بن هشام بنهي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أراد أن يفعل مثل فعله راجع امرأته وأشهد على رجعتها كما في رواية مسلم. ولعل النفر الستة هم بعض العشرة الذين اجتمعوا في بيت عثمان بن مظعون بعد أن وعظ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الناس وخوفهم، فعزموا على الترهب وهم أبو بكر وعمر وعليّ وابن مسعود وأبو ذر وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد وسلمان الفارسي ومعقل بن مقرن وعثمان بن مظعون، فتشاوروا واتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفراش ولا يأكلوا اللحم ولا يقربوا النساء ويجبوا مذاكيرهم ويسيحوا في الأرض فبلغ ذلك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آلم وسلم فأتى دار عثمان بن مظعون فلم يجده فلما جاء عثمان أخبرته امرأته بذلك فأتى هو وأصحابه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال ألم أخبر أنكم اتفقتم على كذا وكذا فقالوا بلى يا رسول الله وما أردنا إلا الخير فقال لم أومر بذلك إن لأنفسكم عليكم حقًا فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم والدسم وآتي النساء فمن رغب عن سنتى فليس مني وفيهم نزلت (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ) (قوله أدلك على أعلم الناس بوتر رسول الله

تخلق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بآداب القرآن

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وفي رواية مسلم ألا أدلك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، قال من؟ قال عائشة فائتها فاسألها ثم ائتني فأخبرني بردها عليك. وكانت أعلم بذلك لأن الوتر صلاة ليلية تؤدي في البيت وأمهات المؤمنين أعلم بذلك. وأولاهن عائشة لشدة حرصها على حفظ آثار النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكان يخصها بما لم يخص به غيرها من نسائه فقد كان يحب المقام عندها كثيرًا وقد تنازلت لها سودة بنت زمعة عن نوبتها (قوله فاستتبعت حكيم بن أفلح) أي طلبت منه أن يتبعني ويصحبني في الذهاب إليها. وطلب منه ذلك لمعرفة عائشة إياه دون سعد بن هشام كما يدل عليه ما يأتي (قوله فأبى) أي امتنع حكيم من الذهاب معه إلى عائشة لأنه قد نهاها عن الكلام في شأن علي ومعاوية فأبت إلا الانضمام إلى معاوية كما في رواية مسلم وفيها فأتيت حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها فقال ما أنا بقاربها لأني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئًا فأبت إلا مضيًا (قوله فناشدته) أي سألته مقسمًا عليه أن يذهب معي. وفي رواية مسلم فأقسمت عليه. و (حكيم بن أفلح) من التابعين حجازي. روى عن ابن مسعود وعائشة. وعنه جعفر بن عبد الله. ذكره ابن حبان في الثقات (قوله حدثيني عن خلق رسول الله الخ) أي أخبريني عن صفات رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الطبيعية. والخلق بضم الخاء المعجمة واللام وقد تسكن في الأصل ملكة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال بسهولة فإن صدر عنها المحمود عقلًا وشرعًا فهي الخلق الحسن. وإلا فهي الخلق السيئ. والمراد به هنا ما كان عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الآداب والمكارم (قوله ألست تقرأ القرآن) استفهام إنكاري بمعنى النفي حذف جوابه وقد صرح به في رواية مسلم بقوله قلت بلى (قوله فإن خلق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان القرآن) مقول القول محذوف قد صرّح به في مسلم بقوله قالت فإن خلق نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان القرآن، أي أنه كان متمسكًا بآدابه وأوامره واقفًا عند حدوده معتبرًا بأمثاله وقصصه. فكان عاملًا بقول الله تعالى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) وقوله تعالى حكاية عن لقمان (أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ) وقوله (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) وغير ذلك متحليًا بما حث عليه الله تعالى بنحو قوله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) وقوله (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) وقوله (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) متجنبًا ما نهى الله عنه بنحو قوله (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ) الخ. وعلى الجملة فكل ما قص الله تعالى في كتابه من مكارم الأخلاق أو حث عليه أو ندب إليه كان صلى

الله تعالى عليه وعلى آله وسلم متخلقًا به، وكل ما نهى الله عنه كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يحوم حوله ولذا أثنى الله تعالى عليه بأعظم الثناء فقال (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (قوله فإن أول هذه السورة نزلت) وهو قوله (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا). وأنث الفعل في قوله نزلت مع أن الضمير راجع لأول لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه (قوله ثم نزل آخرها) وهو قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) الآية (قوله فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة) أي بعد أن كان فريضة كما في رواية النسائي. وظاهره أنه صار تطوعًا في حق النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو الأصح وكذا في حق الأمة بالإجماع. وأما ما حكاه القاضي عياض عن الحسن وابن سيرين من أن صلاة الليل فريضة عل كل مسلم ولو قدر حلب شاة لقوله تعالى (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) فقد تقدم أنه قول شاذ متروك لإجماع العلماء على خلافه لأن النصوص الصحيحة أنه لا واجب إلا الصلوات الخمس وتقدم بيان ذلك في باب نسخ قيام الليل (قوله حدثيني عن وتر النبي الخ) أي عن وقته وكيفيته وعدد ركعاته (قوله كان يوتر بثمان ركعات) هكذا في النسخ ولعل الظاهر كان يوتر بتسع ركعات كما في رواية مسلم ويدل عليه سياق الحديث (قوله لا يجلس إلا في الثامنة والتاسعة الخ) أي لا يجلس للتشهد إلا في الركعة الثامنة ولا يسلم ويجلس في التاسعة ويسلم فيها، وهو هكذا في بعض النسخ وفي أكثر النسخ لا يجلس إلا في الثامنة ثم يقوم فيصلي ركعة أخرى لا يجلس إلا في الثامنة والتاسعة. والأولى أصح وأخصر وموافقة لرواية مسلم عن عائشة، وفيها قالت كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ويقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليمًا يسمعنا (قوله ثم يصلي ركعتين وهو جالس) أي في بعض الأوقات، وتقدم أنهما من خصائصه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكان يقرأ في هاتين الركعتين بعد الفاتحة بسورة (إِذَا زُلْزِلَتِ) في الركعة الأولى و (قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ) في الثانية كما رواه أحمد والبيهقي عن أبي أمامة (قوله فلما أسن وأخذ اللحم) أي كبر سنه وسمن. وفي رواية للنسائي فلما كبر وضعف. وكان ذلك قبل موته بنحو سنة (قوله ولم يقم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الخ) أي لم يكن من سنته وعادته إحياء الليل كله بالطاعة بل كان يقوم وينام ولم يكن من عادته قراءة القرآن في ليلة بل كان يفرقه. ولم يكن من عادته أيضًا تتابع الصيام شهرًا كاملًا غير رمضان بل كان يصوم ويفطر. وهذا لا ينافي م اورد عن عائشة عند النسائي والترمذي من أنه كان يصوم شعبان كله وما رواه النسائي عن خباب بن الأرتّ أنه راقب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

بيان هجر المسلم المحرم ومتى يباح الهجر

في ليلة صلاها رسول الله صلى إله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلها حتى كان مع الفجر "الحديث" لأن ذلك كان في بعض الأحيان وكان يفعله تعليمًا للأمة وإرشادًا لها إلى سلوك الطريق الأيسر لئلا تملّ النفس وتسأم (قوله وكان إذا صلى صلاة داوم عليها) أي كان من عادته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا صلى صلاة تطوع واظب عليها فلا يتركها إلا لعذر أولبيان الجواز كما في هاتين الركعتين اللتين صلاهما بعد الوتر (قوله وكان إذا غلبته عيناه الخ) تعني أنه إذا منعه من قيام الليل غلبة نوم صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة بدلًا مما فاته من قيام الليل وظاهر اقتصاره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ثنتي عشرة ركعة في القضاء أنه كان إذا طرأ ما يفوّت عليه صلاة الليل بادر بالوتر وأخر غيره (قوله قال فأتيت ابن عباس الخ) أي قال سعد بن هشام لما سمعت الحديث من عائشة أتيت ابن عباس فحدثته به كما طلبه أولًا فاستحسنه وقال هذا الذي أريد الوقوف عليه ولو كنت أكلمها لذهبت إليها وأخذت عنها الحديث مباشرة. وتقدم أن سبب عدم كلامه إياها انضمامها إلى معاوية في النزاع الذي كان بينه وبين عليّ وقد كان ابن عباس يرى عدم دخولها في هذا النزاع كما رأى ذلك غيره الصحابة "ولا يقال" كيف ترك ابن عباس كلامها وفي الحديث لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام رواه الشيخان عن أبي أيوب الأنصاري "لأنا نقول" ليس المنهي عنه ترك التكلم مطلقًا إنما المنهى عنه الإعراض وترك التكلم عند اللقاء كما يدل عليه قوله يلتقيان الخ وابن عباس لم يترك الكلام عند اللقاء. بل ترك القرب منها والدخول عليها كما في رواية مسلم لو كنت أقربها أو أدخل عليها لأتيتها. أو يقال إنه ترك كلامها لا لغرض نفسي بل لأمر ديني وهو أنه ظن أنها عاصية في تكلمها في الحرب التي جرت بين علي ومعاوية كما في حديث مسلم نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين فأبت فيهما إلا مضيًا. وهجر العاصي لا شك جائز (قوله قلت لو علمت أنك لا تكلمها ما حدثتك) قاله سعد لابن عباس معاتبًا له على تركه كلامها ليرجع عن مقاطعتها ويكلمها ويحدث عنها (فقه الحديث) دل الحديث على التنفير من الرهبانية "وهي الانقطاع للطاعة" لما فيها من مخالفة سنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. وعلى أنه يتأكد الوقوف على ما كان عليه رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الطاعات والمكارم للتأسي به. وعلى أنه يستحب لمن سئل عن شيء ويعلم أن غيره أعلم منه به أن يرشد السائل إليه فإن الدين النصيحة. وعلى مزيد فضل عائشة واعتراف ابن عباس لها بالفضل. وعلى أنه ينبغي للإنسان أن يتأدب بآداب القرآن اقتداء بالنبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم. وعلى أن قيام الليل كان فرضًا ثم نسخ. وعلى مشروعية الإيتار بتسع ركعات وسبع بتشهدين وسلام واحد. وعلى كراهة قيام الليل كله بصلاة أو

استحباب المواظبة على الأوراد وقضائها إذا فاتت

قراءة. وعلي كراهة تتابع الصيام شهرًا كاملًا غير رمضان لما يترتب علي ذلك من الملل والسآمة غالبًا. وعلي استحباب المواظبة علي الأوراد وأنها إذا فاتت في الليل تقضى نهارًا (والحديث) أخرجه أحمد ومسلم والنسائي والطحاوي ومحمد بن نصر في كتاب قيام الليل (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ قَالَ: يُصَلِّي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ لاَ يَجْلِسُ فِيهِنَّ إِلاَّ عِنْدَ الثَّامِنَةِ فَيَجْلِسُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَدْعُو ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَيَّ فَلَمَّا أَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَخَذَ اللَّحْمَ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ بِمَعْنَاهُ إِلَى مُشَافَهَةً. (ش) (سعيد) بن أبي عروبة تقدم بالأول صفحة 69 (قوله بإسناده نحوه) أي روى سعيد عن قتادة بسنده السابق وهو زرارة عن سعد بن هشام نحو الحديث السابق. ولفظ هذه الرواية كما في النسائي بسند المصنف إلى سعد بن هشام أنه لقي ابن عباس فسأله عن الوتر فقال ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال نعم قال عائشة ائتها فسلها ثم ارجع إليّ فأخبرني بردّها عليك فأتيت على حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها فقال ما أنا بقاربها إني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئًا فأبت فيهما إلا مضيًا فأقسمت عليه فجاء معي فدخل عليها فقالت لحكيم من هذا الذي معك قلت سعد بن هشام قالت من هشام قلت ابن عامر فترحمت عليه وقالت نعم المرء كان عامرًا قال يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالت أليس تقرأ القرآن قلت بلى قالت فإن خلق نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم القرآن فهممت أن أقوم فبدا لي قيام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت يا أم المؤمنين أنبئيني عن قيام نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالت ألست تقرأ هذه السورة (يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) قلت بلى قالت فإن الله عَزَّ وَجَلَّ افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه حولًا حتى انتفخت أقدامهم وأمسك الله عَزَّ وَجَلَّ خاتمتها اثنى عشر شهرًا ثم أنزل الله عَزَّ وَجَلَّ التخفيف في آخر هذه السورة فصار قيام الليل تطوعًا بعد أن كان فريضة فهممت أن أقوم فبدا لي وتر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت يا أم المؤمنين

أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالت كنا نعدّ له سواكه وطهوره فيبعثه الله عَزَّ وَجَلَّ لما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ ويصلي ثماني ركعات لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة (قوله ثم يسلم تسليمًا يسمعنا) تقدم في رواية همام أنه كان يجلس في الثامنة ولا يسلم فقد خالف سعيد همامًا في ذكر السلام بعد الثامنة. والظاهر أن رواية سعيد وقع فيها وهم بذكر ركعة الوتر بعد الركعتين اللتين صلاهما النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جالسًا والصواب ذكرها بعد الجلوس في الثامنة ثم ذكر السلام بعد التاسعة (قوله يصلي ركعتين وهو جالس الخ) هذه الرواية تخالف الرواية السابقة وسائر الروايات الواردة في صلاة الليل لأن هذه الرواية أفادت أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي ركعتين وهو جالس ثم يصلي ركعة الوتر بعد الركعتين الخفيفتين. والرواية السابقة وغيرها دلت عل أنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما سلم على رأس التسع وأن الركعتين صلاهما جالسًا بعد الوتر. وهذه هي الصواب لموافقتها سائر الروايات. أما رواية سعيد عن قتادة فقد قال النسائي بعد أن ساقها كذا وقع في كتابي ولا أدري ممن الخطأ في موضع وتره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله بمعناه إلى مشافهة) أي حدثنا سعيد عن قتادة بباقي معنى الحديث السابق إلى قوله حتى تشافهني مشافهة أي لم يذكر هنا قول سعد لو علمت أنك لا تكلمها ما حدثتك. ولفظه عند النسائي فلما أسن وأخذ اللحم أوتر بسبع وصلى ركعتين وهو جالس بعد ما سلم فتلك تسع ركعات يا بني وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها وكان إذا شغله عن قيام الليل نوم أو مرض أو وجع صلى من النهار اثنتى عشرة ركعة ولا أعلم أن نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قرأ القرآن كله في ليلة وقام ليلة كاملة حتى الصباح ولا صام شهرًا كاملًا غير رمضان فأتيت ابن عباس فحدثته بحديثها فقال صدقت أما إني لو كنت أدخل عليها لأتيتها حتى تشافهني مشافهة (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ نَا سَعِيدٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا كَمَا قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. (ش) أي حدث عثمان بن أبي شيبة عن محمَّد بن بشر بسنده بنحو الحديث السابق عن همام عن قتادة إلا أن محمَّد بن بشر قال في روايته عن سعيد يسلم تسليمًا يسمعنا كما قال يحيى "وهذه الرواية" أخرجها مسلم قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمَّد بن بشر ثنا سعيد بن أبي عروبة ثنا قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام أنه قال انطلقت إلى عبد الله بن عباس فسألته عن الوتر وساق الحديث بقصته وقال فيه قالت من هشام قلت ابن عامر قالت نعم المرء

كان عامرًا أصيب يوم أحد. وأخرجها أيضًا ابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ بِنَحْوِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً يُسْمِعُنَا. (ش) (قوله عن سعيد بهذا الحديث الخ) أي حديث همام عن قتادة غير أن سعيدًا قال في روايته عن قتادة ويسلم تسليمة بدل تسليمًا. وفي نسخة يسلم تسليمًا "وهذه الرواية أخرجها" مسلم والبيهقي ومحمد بن نصر "والحاصل" أن المصنف روى هذا الحديث عن قتادة من أربع طرق الأول طريق همام. والثلاثة الباقية من طريق سعيد بن أبي عروبة. وكذا رواه مسلم والنسائي مختصرًا ومطولًا من عدة طرق وليس في رواية مسلم وأكثر روايات النسائي الخطأ في محل وتره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المتقدم بيانه في حديث محمَّد بن بشار عن يحيى بن سعيد (ص) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ الدِّرْهَمِيُّ نَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ نَا زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى: أَنَّ عَائِشَةَ سُئِلَتْ عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي صَلاَةَ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ فَيَرْكَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ يَأْوِى إِلَى فِرَاشِهِ وَيَنَامُ وَطَهُورُهُ مُغَطًّى عِنْدَ رَأْسِهِ وَسِوَاكُهُ مَوْضُوعٌ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ سَاعَتَهُ الَّتِى يَبْعَثُهُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَتَسَوَّكُ وَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُومُ إِلَى مُصَلاَّهُ فَيُصَلِّي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِيهِنَّ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَمَا شَاءَ اللَّهُ وَلاَ يَقْعُدُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى يَقْعُدَ فِي الثَّامِنَةِ وَلاَ يُسَلِّمُ وَيَقْرَأُ فِي التَّاسِعَةِ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَدْعُو بِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَهُ وَيَسْأَلُهُ وَيَرْغَبُ إِلَيْهِ وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً شَدِيدَةً يَكَادُ يُوقِظُ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ شِدَّةِ تَسْلِيمِهِ ثُمَّ يَقْرَأُ وَهُوَ قَاعِدٌ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَيَرْكَعُ وَهُوَ قَاعِدٌ ثُمَّ يَقْرَأُ الثَّانِيَةَ فَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَهُوَ قَاعِدٌ ثُمَّ يَدْعُو مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيَنْصَرِفُ فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ

صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدُنَ فَنَقَصَ مِنَ التِّسْعِ ثِنْتَيْنِ فَجَعَلَهَا إِلَى السِّتِّ وَالسَّبْعِ وَرَكْعَتَيْهِ وَهُوَ قَاعِدٌ حَتَّى قُبِضَ عَلَى ذَلِكَ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. (ش) (ابن أبي عديّ) محمَّد أبو عمرو البصري تقدم بالثالث صفحة 10 (قوله سئلت عن صلاة رسول الله) لعل السائل سعد بن هشام كما في الروايات السابقة وكما في رواية النسائي عنه قال قدمت المدينة فدخلت على عائشة قالت من أنت قلت أنا سعد بن هشام بن عامر قالت رحم الله أباك قلت أخبريني عن صلاة رسول الله الخ (قوله فيركع أربع ركعات) لعلها راتبة العشاء (قوله وطهوره) بفتح الطاء أي ما يتطهر به (قوله حتى يبعثه الله الخ) أي يوقظه الله في الوقت الذي شاء أن يوقظه فيه من ساعات الليل (قوله يقرأ فيهن الخ) أي يقرأ في كل ركعة منهن بأم القرآن وسورة وما شاء الله أن يقرأه من القرآن. وكان ركوعه وسجوده وقيامه سواء كما في الرواية بعد وكما في رواية للنسائي عن عائشة قالت فيصلي ثماني ركعات يخيل إلى أنه يسوّى بينهن في القراءة والركوع والسجود (قوله ولا يقعد في شيء منها الخ) أي لا يجلس للتشهد في شيء من الركعات حتى يجلس بعد الثامنة فيتشهد ولا يسلم (قوله ويرغب إليه) يعني يرجوه طامعًا فيما عنده تعالى (قوله ثم يقرأ وهو قاعد) أي بعد الإحرام بالركعتين اللتين بعد الوتر (قوله فلم تزل تلك صلاته الخ) أي لم تزل هذه كيفية صلاته صلى الله عليه وسلم حتى عظم بدنه وكثر لحمه. فبدن بتخفيف الدال وضمها من بابي قعد وضخم ويروى بدّن بتشديد الدال وفتحها أي كبر سنه وفي حديث عائشة السابق ما يؤيد كلا وهو قولها فلما أسن وأخذ اللحم. ولا وجه لمن أنكر الأول وصوّب الثاني مدعيًا أن كثرة اللحم لم تكن من صفته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقد جاء في صفته بادن متماسك أي عظيم البدن. وفي النهاية البادن الضخم (قوله فنقص من التسع ثنتين الخ) أي نقص من التسع ركعات ركعتين فصيرها إلى الست والسبع وكان يصلي ست ركعات بتشهد بعد السادسة ولا يسلم ثم يصلي السابعة ويتشهد ويسلم (قوله وركعتيه) عطف على المجرور قبله أي صيرها إلى الست والسبع والركعتين اللتين كان يصليهما بعد الوتر (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية إعداد معدّات العبادة قبل وقتها والاهتمام بشأنها. وعلى مشروعية التسوك عند القيام من النوم. وعلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يوتر بتسع ركعات قبل أن يكبر فلما أسن أوتر بسبع. وعلى مشروعية صلاة أكثر من ركعتين بلا تشهد في أثنائها. وعلى جواز الجلوس في النفل مع القدرة على القيام

(ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ قَالَ: يُصَلِّي الْعِشَاءَ ثُمَّ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ لَمْ يَذْكُرِ الأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَسَاقَ الْحَدِيثَ قَالَ فِيهِ: فَيُصَلِّي ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ يُسَوِّى بَيْنَهُنَّ فِي الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلاَ يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ إِلاَّ فِي الثَّامِنَةِ فَإِنَّهُ كَانَ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ وَلاَ يُسَلِّمُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً يُوتِرُ بِهَا ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ حَتَّى يُوقِظَنَا ثُمَّ سَاقَ مَعْنَاهُ. (ش) (قوله فذكر هذا الحديث بإسناده الخ) أي ذكر يزيد بن هارون عن بهز بن حكيم الحديث السابق بإسناده عن زرارة غير أنه لم يذكر في هذه الرواية الأربع ركعات بعد العشاء وذكر فيها أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم كان يسوي بين الثمان ركعات في القراءة والركوع والسجود وأنه لم يكن يجلس في شيء منهن إلا في الثامنة وأنه كان يرفع صوته بالسلام حتى يوقظ أهله (ص) حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ نَا مَرْوَانُ -يَعْنِي ابْنَ مُعَاوِيَةَ- عَنْ بَهْزٍ نَا زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ فَيُصَلِّي أَرْبَعًا ثُمَّ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ: يُسَوِّى بَيْنَهُنَّ فِي الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّسْلِيمِ: حَتَّى يُوقِظَنَا. (ش) (قوله ثم ساق الحديث بطوله الخ) أي ساق مروان بن معاوية الحديث السابق غير أنه لم يذكر في هذه الرواية التسوية بين الركعات في القراءة والركوع والسجود ولم يذكر قولها في السلام من الوتر حتى يوقظنا (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ -يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ- عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَيْسَ فِي تَمَامِ حَدِيثِهِمْ.

جواز الإيتار بتسع ركعات بتشهدين وسلام واحد

(ش) (قوله وليس في تمام حديثهم) بتنوين تمام ورفع حديث وفي زائدة أي ليس حديث ابن أبي عدي ويزيد بن هارون ومروان بن معاوية تامًا من جهة الإسناد لحذفهم الواسطة بين زرارة بن أوفى وعائشة وهو سعد بن هشام بخلاف حديث حماد بن سلمة فإنه تام لذكره الواسطة ولذا قال المنذري رواية زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة هي المحفوظة. وفي سماع زرارة من عائشة نظر. قال أبو حاتم الرازي قد سمع زرارة من عمران بن حصين ومن أبي هريرة ومن ابن عباس. قيل له ومن أيضًا قال هذا ما صح لي. وظاهره أنه لم يسمع عنده من عائشة اهـ بتصرف. وقال الحافظ. والمحفوظ أن بين زرارة وعائشة سعد بن هشام اهـ (والحاصل) أن المصنف روى حديث عائشة عن بهز بن حكيم من أربع طرق. طريق ابن أبي عدي وطريق يزيد بن هارون. وطريق مروان بن معاوية. وطريق حماد بن سلمة وهو أتمها. "وذكر في البذل" ما يفيد أن لفظ تمام مضاف إلى حديث ويكون المعنى عليه أي ليس حديث حماد بن سلمة مساويًا لحديث ابن أبي عدي ويزيد بن هارون ومروان بن معاوية "ولا وجه له" (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى -يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ- نَا حَمَّادٌ -يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ بِسَبْعٍ أَوْ كَمَا قَالَتْ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ وَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ. (ش) (قوله يوتر بتسع الخ) بتقديم التاء على السين. والظاهر أنه كان يصليها بتشهد في الثامنة والتاسعة بسلام واحد كما تدل عليه الروايات السابقة. ويحتمل أنه كان يسلم من كل ركعتين كما في حديث صلاة الليل مثنى مثنى. وفي بعض النسخ يوتر بسبع بتقديم السين على الموحدة فيكون من الثلاث عشرة ركعة الركعتان الخفيفتان اللتان كان يبدأ بهما صلاة الليل ولذا قال الراوي عن عائشة أو كما قالت (والحديث) أخرجه البيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُوتِرُ بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَوْتَرَ بِسَبْعِ رَكَعَاتٍ وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ الْوِتْرِ يَقْرَأُ فِيهِمَا

فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَرَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ (ش) (حماد) بن سلمة تقدم بصفحة 26 من الأول (قوله كان يوتر بتسع الخ) أي قبل أن يسنّ فلما أسنّ أوتر بسبع كما تقدم (قوله فإذا أراد أن يركع قام فركع الخ) أي إذا أراد الركوع بعد أن قرأ في الركعتين قاعدًا قام فركع وسجد وهو قائم. وهذا في بعض الأحيان فقد تقدم أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ قاعدًا ركع وسجد وهو قاعد (والحديث) أخرجه البيهقي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو مِثْلَهُ قَالَ فِيهِ قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ: يَا أُمَّتَاهُ كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ. (ش) أي روى حديثي أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف وعلقمة بن وقاص خالد ابن عبد الله الطحان الواسطي عن محمَّد بن عمرو بن علقمة مثل رواية حماد عنه لكن قال خالد في حديثه قال علقمة بن وقاص يا أمي كيف كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي الركعتين بعد الوتر فقالت كان يصليهما وهو جالس للقراءة فإذا أراد الركوع قام فركع ثم سجد. وفي نسخة روى هذين الحديثين. وقوله يا أمتاه بضم الهمزة وفتح الميم مشددة. والمثناة الفوقية بدل عن ياء المتكلم والألف زائدة كالألف التي تلحق آخر المنادى المستغاث أو المندوب والهاء للسكت. وفي بعض النسخ يا أمة. وقد وصل هذا التعليق المصنف بقوله حدثنا وهب بن بقية عن خالد كما سيأتي بيانه بعد (ص) حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ. ح وحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الأَعْلَى نَا هِشَامٌ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ: أَخْبِرِينِي عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلاَةَ الْعِشَاءِ ثُمَّ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ فَيَنَامُ فَإِذَا كَانَ جَوْفُ اللَّيْلِ قَامَ إِلَى حَاجَتِهِ وَإِلَى طَهُورِهِ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّهُ يُسَوِّى بَيْنَهُنَّ فِي الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ثُمَّ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ

يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ يَضَعُ جَنْبَهُ فَرُبَّمَا جَاءَ بِلاَلٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ ثُمَّ يُغْفِى وَرُبَّمَا شَكَكْتُ أَغَفَى أَوْ لاَ حَتَّى يُؤْذِنَهُ بِالصَّلاَةِ فَكَانَتْ تِلْكَ صَلاَتَهُ حَتَّى أَسَنَّ وَلَحُمَ فَذَكَرَتْ مِنْ لَحْمِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ وَسَاقَ الْحَدِيثَ. (ش) (قوله حدثنا وهب بن بقية عن خالد ح ونا ابن المثنى الخ) هكذا في جميع النسخ الموجودة. وفي النسخة الخطية حدثنا وهب بن بقية عن خالد ثم ابتدأ سندًا آخر فقال حدثنا ابن المثنى وليس في متنها علامة التحويل ولا ونا. بل كتبها بعض النساخ فيها على هامشها فصحفه بعض النساخ فجعلها متنًا. وكأن "المصنف" لما قال في الحديث السابق روى الحديثين خالد بن عبد الله الواسطي وصله بقوله حدثنا وهب بن بقية عن خالد وتم كلامه ثم أنشأ حديثًا آخر فقال حدثنا ابن المثنى. ويؤيد هذا صنيع البيهقي سننه الكبرى فإنه قال بعد ما أخرج الحديثين من طريق حماد عن محمَّد بن عمرو روى الحديثين خالد بن عبد الله الخ ثم قال حدثناه وهب بن بقية عن خالد اهـ فقوله حدثناه وهب بن بقية بالضمير يوضح أنه وصل للتعليق السابق. و (عبد الأعلى) ابن عبد الأعلى تقدم بصفحة 69 من الأول. وكذا (هشام) بن حسان صفحة 243 (قوله قام إلى حاجته) من بول ونحوه (قوله فتوضأ الخ) وفي نسخة فيتوضأ ثم دخل المسجد. والمراد دخل من الصلاة في البيت لا المسجد الجامع (قوله يخيل إليّ الخ) بضم المثناة التحتية مبنيًا للمفعول أي يغلب على ظني أنه كان يسوي بين الركعات في القراءة والركوع والسجود (قوله ثم يغفي) بضم الياء أي ينام نومًا خفيفًا يقال أغفيت إغفاء أي نمت نومًا خفيفًا (قوله وربما شككت أغفى أولا) المراد أنها كانت تجزم أحيانًا بأن بلالًا يؤذنه قبل النوم وأحيانًا تشك في نومه قبل الإعلام ففي رواية النسائي ثم يضع جنبه وربما جاء بلال فآذنه بالصلاة قبل أن يغفي وربما أغفى وربما شككت أغفي أم لا (قوله حتى أسن أولحم) وفي نسخة حتى سن بدون همز. والأولى هي المشهورة لغة. ولحم وزان كرم أي كثر لحمه يقال لحم الرجل فهو لحيم إذا كان كثير اللحم أما لحم بكسر الحاء فمعناه اشتهى اللحم وألحمه بفتح الحاء أطعمه اللحم. والأول هو المراد هنا (قوله وساق الحديث) أي ذكر سعد بن هشام بقية الحديث عن عائشة وهي قصة صلاة الليل بعد ما أسن ولحم من نقص الركعتين منها. (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي عن عمرو بن علي عن عبد الأعلى هذا وفي بعض النسخ زيادة "حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا وهيب ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة" وذكر حديثها المتقدم خامس حديث في الباب ثم ذكر بعده "قال أبو داود إنما كررت هذا

استحباب قراءة "إن في خلق السموات والأرض" الخ سورة آل عمران عقب القيام من النوم

الحديث لأنهم اضطربوا فيه" ثم قال أبو داود أصحابنا لا يرون الركعتين بعد الوتر. قيل وجه الاضطراب فيه أنه رواه وهيب وابن نمير عن هشام وفيه أنه كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر منها بخمس ولا يجلس في شيء من الخمس. ورواه مالك وجماعة عن هشام وليس فيه الإيتار بخمس اهـ وفيه نظر فإن هذا لا يعد اضطرابًا لأنه لا مخالفة بين ما رواه مالك وغيره عن هشام إلا بالاجمال والتفصيل. فحديث مالك مجمل. وفي حديث وهيب تفصيل وزيادة من ثقة ولذا لم يحكم أحد بضعفه بل قال القسطلاني في المواهب قد صح عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرهن. لكن أحاديث الفصل أكثر وأثبت طرقًا فالأوجه ما في أكثر النسخ من عدم ذكر هذه الرواية هنا. وحديث الإيتار بخمس أخرجه الحاكم من طريق همام عن هشام بن عروة وقال صحيح على شرط الشيخين (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى نَا هُشَيْمٌ أَنَا حُصَيْنٌ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ح وَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ رَقَدَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَرَآهُ اسْتَيْقَظَ فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ وَهُوَ يَقُولُ: (إِنَّ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ ثُمَّ إِنَّهُ انْصَرَفَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ بِسِتِّ رَكَعَاتٍ كُلُّ ذَلِكَ يَسْتَاكُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيَقْرَأُ هَؤُلاَءِ الآيَاتِ ثُمَّ أَوْتَرَ -قَالَ عُثْمَانُ: بِثَلاَثِ رَكَعَاتٍ فَأَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ- وَقَالَ ابْنُ عِيسَى: ثُمَّ أَوْتَرَ فَأَتَاهُ بِلاَلٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ فَصَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ - ثُمَّ اتَّفَقَا - وَهُوَ يَقُولُ: "اللهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبِي نُورًا وَاجْعَلْ في لِسَانِي نُورًا وَاجْعَلْ في سَمْعِى نُورًا وَاجْعَلْ في بَصَرِى نُورًا وَاجْعَلْ خَلْفِى نُورًا وَأَمَامِى نُورًا وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِى نُورًا وَمِنْ تَحْتِى نُورًا اللهُمَّ وَأَعْظِمْ لِي نُورًا".

حكمة قراءة هذه الآيات

(ش) (هشيم) بن بشيرتقدم بالأول صفحة 201. وكذا (حصين) بن عبد الرحمن صفحة 199 (قوله رقد عند النبي الخ) يعني بات عنده وكان ذلك عند خالته ميمونة كما صرح به في رواية مسلم وفيها قال فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأهله في طولها (قوله فرآه استيقظ) أي انتبه من نومه. وكان ذلك قبل نصف الليل أو بعده بقليل. ففي رواية مالك ورواية لمسلم فنام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ (قوله وتوضأ وهو يقول الخ) أي أراد الوضوء حالة كونه قائلًا هذه الآيات. لما في رواية مالك ومسلم استيقظ رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران ثم قام إلى شنّ معلق فتوضأ منه (قوله إن في خلق السموات والأرض الخ) أي في إيجاد السموات والأرض وما فيهما دلائل لأولي العقول السليمة على وحدانية الله عَزَّ وَجَلَّ. وقرأ هذه الآيات لما فيها من دلائل التوحيد والثناء على قوّام الليل والتنفير من المعاصي والترغيب في الطاعات التي يترتب عليها الإكرام في دار النعيم وغير ذلك (قوله ثم قام فصلى ركعتين الخ) يعني بعد أن صلى الركعتين الخفيفتين اللتين كان يفتتح بهما صلاة الليل. وبهذا تتفق هذه الرواية مع الروايات الآتية في عدد الركعات ثلاث عشرة ركعة. ويحتمل تعدد الواقعة (قوله ست ركعات) بالنصب بدل من ثلاث. ويجوز الرفع على أنه خبر لمبتدإ محذوف أي وهذه ست ركعات (قوله كل ذلك يستاك الخ) أي في كل مرة من الثلاث يستاك. وقولها بثلاث ركعات متعلق بأوتر. وهذا وقوله فأتاه المؤذن فخرج إلى الصلاة انفرد به عثمان بن أبي شيبة. وقال محمَّد بن عيسى في روايته ثم أوتر فأتاه بلال إلى قوله ثم خرج إلى الصلاة, وغرض المصنف بهذا بيان الفرق بين لفظي شيخيه بأن عثمان ذكر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أوتر بثلاث ركعات ولم يذكر أنه صلى سنة الفجر، وأن محمَّد بن عيسى ذكر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى سنة الفجر ولم يذكر عدد ركعات الوتر وصرح باسم المؤذن وبإعلامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالصلاة حين طلع الفجر (قوله ثم اتفقا الخ) أي اتفق عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن عيسى على قوله خرج إلى الصلاة وهو يقول اللهم اجعل في قلبي نورًا الخ. والتنوين للتعظيم أي نورًا عظيمًا. والنور في الأصل ما يتبين به الشيء حسيًا كان أو معنويًا والمراد به هنا ضياء الحق وبيانه. قال في النهاية كأنه قال اللهم استعمل هذه الأعضاء مني في الحق واجعل تصرّفي وتقلبي فيها على سبيل الثواب والخير اهـ وقيل المراد به العلم والهداية فقد سأل العلم والهداية لقلبه وجميع أعضائه وتصرفاته وجملته في جهاته الست حتى لا يزيغ شيء منها عن الهداية. فالمراد بطلب النور لما ذكر من الأعضاء أن يتحلى كل عضو منها بأنوار المعرفة والهداية ويتخلى عن ظلمة الجهالة والضلالة فإن ظلمات

النفس والجبلة محيطة بالإنسان والشيطان يأتيه من الجهات الست بالوساوس والشبهات التي كالظلمات فرفع كل ظلمة بنور يستأصل تلك الظلمة. والحكمة في تخصيص القلب واللسان والسمع والبصر بقي أن القلب مقر الفكر، واللسان معبر عما في القلب، ومنشأ الثناء والشكر على النعم. والسمع محل آيات الله تعالى المنزلة على أنبيائه. والبصر محل النظر في آيات الله الدالة على قدرته وألوهيته. والحكمة في تجريد خلف وأمام من من الجارة الإشارة إلى تمام الإنارة وإحاطتها (قوله اللهم وأعظم لي نورًا) أي أسألك ما تقدم وأن تعطينى نورًا عظيمًا. وهو إجمال لما سبق تفصيله. وفي رواية مسلم من طريق واصل بن عبد الأعلى عن محمَّد بن فضيل بسند المصنف اللهم أعطني نورًا (فقه الحديث) دلّ الحديث علي استحباب التسوك عند القيام من النوم وقراءة الآيات العشر إن في خلق السموات والأرض إلى آخر سورة آل عمران، وعلى جواز النوم قبل صلاة الليل وعلى مشروعية الإيتار بثلاث ركعات، وعلى استحباب الدعاء عقب صلاة الليل بقوله اللهم اجعل في قلبي نورًا الخ (والحديث) أخرجه مسلم والنسائي (ص) حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ حُصَيْنٍ نَحْوَهُ قَالَ: "وَأَعْظِمْ لِي نُورًا". (ش) أي حدثنا وهب عن خالد بن عبد الله الطحان الواسطي عن حصين بن عباس الرحمن نحو الحديث السابق غير أنه قال في روايته وأعظم لي نورًا بإسقاط لفظ اللهم "وهذه الراوية" أخرجها محمَّد بن نصر وفيها اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي لساني نورًا واجعل في بصري نورًا واجعل أمامي نورًا وخلفي نورًا واجعل عن يميني نورًا وعن شمالي نورًا واجعل فوقي نورًا وتحتي نورًا اللهم اجعلنى نورًا (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو خَالِدٍ الدَّالاَنِيُّ عَنْ حَبِيبٍ فِي هَذَا (ش) أي قال يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد عن حبيب بن أبي ثابت في هذا الحديث وأعظم لي نورًا كما قال خالد عن حصين (ص) وَكَذَلِكَ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِي رِشْدِينَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. (ش) أي قال سلمة عن كريب أبي رشدين "بكسر فسكون فكسر" مولى ابن عباس عنه في هذا الحديث وأعظم لي نورًا كما قال أبو خالد الدالاني. وفي بعض النسخ وكذلك قال في هذا الحديث وقال سلمة بتكرار قال. ولعله تصحيف من النساخ. وعلى فرض صحتها فتكون قال

ألفاظ الدعاء الوارد عقب صلاة الليل

الثانية للتأكيد والواو زائدة "وهذه الروايه أخرجها مسلم" قال حدثني أو الطاهر ثنا ابن وهب عن عبد الرحمن بن سلمان الحجري عن عقيل بن خالد أن سلمة بن كهيل حدثه أن كريبًا حدثه أن ابن عباس بات ليلة عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال فقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى القربة فسكب منها فتوضأ ولم يكثر من الماء ولم يقصر في الوضوء وساق الحديث وفيه قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم اللهم اجعل لي في قلبي، نورًا وفي لساني نورًا وفي سمعي نورًا وفي بصري نورًا ومن فوقي نورًا ومن تحتي نورًا. عن يميني نورًا وعن شمالي نورًا ومن بين يدي نورًا ومن خلفي نورًا واجعل في نفسي نورًا وأعظم لي نورًا. هذا وغرض المصنف بذكر هذه التعاليق تقوية ما وقع في حديث محمَّد بن عيسى وعثمان بن أبي شيبة بلفظ وأعظم لي نورًا فقد قواه برواية وهب بن بقية عن خالد عن حصين ثم بمتابعة أبي خالد الدالاني عن حبيب بن أبي ثابت ثم بحديث سلمة ابن كهيل عن أبي رشدين غير أن هذه الثلاثة ليس فيها لفظ اللهم "وعلى الجملة" فقد وقع الاختلاف في هذا اللفظ. ففي رواية مسلم من طريق واصل السابقة اللهم أعطني نورًا. ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان عن سلمة بن كهيل وعظم لي نورًا من باب التفعيل ومن طريق سعيد بن مسروق وعقيل بن خالد عن سلمة بن كهيل وأعظم لي نورًا من باب الإفعال. وهي ما رجحها المصنف بما تقدم وفي رواية الترمذي من طريق ابن أبي ليلى عن داود بن على عن أبيه عن جده ابن عباس اللهم أعظم لي نورًا وأعطني نورًا (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نَا أَبُو عَاصِمٍ نَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لأَنْظُرَ كَيْفَ يُصَلِّي فَقَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قِيَامُهُ مِثْلُ رُكُوعِهِ وَرُكُوعُهُ مِثْلُ سُجُودِهِ ثُمَّ نَامَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَتَوَضَّأَ وَاسْتَنَّ ثُمَّ قَرَأَ بِخَمْسِ آيَاتٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) فَلَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ هَذَا حَتَّى صَلَّى عَشْرَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى سَجْدَةً وَاحِدَةً فَأَوْتَرَ بِهَا وَنَادَى الْمُنَادِى عِنْدَ ذَلِكَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ مَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ فَصَلَّى سَجْدَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ

ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى صَلَّى الصُّبْحَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: خَفِىَ عَلَيَّ مِنِ ابْنِ بَشَّارٍ بَعْضُهُ. (ش) (أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل تقدم بالأول صفحة 131 (قوله قيامه مثل ركوعه الخ) يعني أنه سوّى في الطول بين القيام والركوع والسجود (قوله واستن) أي تسوك. وفي نسخة واستنثر على وزن استفعل من نثر ينثر بالكسر إذا امتخط. وفي النهاية واستنثر أي استنشق الماء ثم استخرج ما في الأنف فينثره اهـ (قوله ثم قرأ بخمس آيات الخ) الباء زائدة. وفي بعض النسخ الصحيحة ثم قرأ من آل عمران بدون قوله بخمس آيات وهي الموافقة للحديث السابق ونحوه من الأحاديث الكثيرة الصريحة في أنه قرأ عشر آيات من قوله تعالى إن في خلق السموات الخ السورة. وعلى فرض صحة النسخة الأولى فتحمل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يقتصر في بعض الأوقات على خمس آيات (قوله فلم يزل يفعل هذا الخ) أي استمر ينام فيستيقظ ويتوضأ ويقرأ الآيات المذكورة ويصلي ركعتين يسوى فهما بين القيام والركوع والسجود حتى تمت صلاته عشر ركعات (قوله فصلى سجدة واحدة الخ) يعني صلى ركعة واحدة أوتر بها ما صلى وأذن المؤذن عند فراغه من الوتر فقام صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم فصلى ركعتين خفيفتين سنة الصبح وجلس بعدهما ولم يضطجع حتى صلى الصبح. فالمراد بالسجدتين سنة الصبح (قوله خفي عليّ الخ) أي لم أتمكن من سماع بعض الحديث من محمَّد بن بشار فاقتصرت على ذكر ما سمعت (فقة الحديث) دل الحديث على حرص ابن عباس رضي الله عنهما على معرفة ما كان عليه النبي صلى الله وتعالى عليه وعلي آله وسلم من قيام الليل ليقتدى به. وعلي أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسلم في صلاة الليل من كل ثنتين. وبه استدل من جوّز الإيتار بركعة واحدة. وفيه دليل على إباحة ترك الاضطجاع بعد الوتر وبعد سنة الصبح (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه محمَّد بن نصر عن الفضل بن عباس قال بت ليلة عند النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم انظر كيف يصلي فقام إلى قربة معلقة فتوضأ ثم صلى ركعتين ركعتين حتى صلى عشر ركعات ثم سلم ثم قام فصلى سجدة فأوتر بها ونادى المنادى عند ذلك. قال محمَّد بن نصر فجعل "يعني كريبًا مولى ابن عباس" هذه الرواية عن الفضل بن عباس والناس إنما رووا هذا الحديث عن عبد الله بن عباس وهو المحفوظ عندنا اهـ ورواه مسلم وغيره بذكر ابن عباس. وهو عند الإطلاق ينصرف إلى عبد الله. ولم يذكر رواية كريب عن الفضل إلا المصنف ومحمد بن نصر وعلى فرض صحتها فيحمل على أن القصة وقعت لكل منهما

جواز الإيتار بخمس ركعات أو بسبع بسلام واحد

(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ نَا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ الأَسَدِيُّ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ مَا أَمْسَى فَقَالَ: "أَصَلَّى الْغُلاَمُ". قَالُوا: نَعَمْ. فَاضْطَجَعَ حَتَّى إِذَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ قَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى سَبْعًا أَوْ خَمْسًا أَوْتَرَ بِهِنَّ لَمْ يُسَلِّمْ إِلاَّ فِي آخِرِهِنَّ. (ش) (رجال الحديث) (محمَّد بن قيس) أبو نصر وقيل أبو الحكم. روى عن الشعبي وأبي عون الثقفي وحميد الطويل والحكم بن عتيبة وعطاء بن السائب وغيرهم. وعنه الثوري وشعبة وعلي بن مسهر ووكيع وأبو نعيم وآخرون. قال أحمد ثقة لا يشك فيه ووثقه ابن معين وعلي بن المديني والنسائي وقال أبو حاتم لا بأس به صالح الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان من المتقين وقال ابن عدي لا بأس به. روى له مسلم وأبو داود والنسائي (معنى الحديث) (قوله بعد ما أمسى) أي دخل في المساء دخولًا بينًا (قوله صلى سبعًا أو خمسًا الخ) الشك من ابن عباس أو من راو قبله. وفي هذا دليل كما تقدم على جواز نوم الرجل مع امرأته من غير مواقعة بحضرة بعض محارمها وإن كان مميزًا. وعلى مشروعية الإيتار بسبع ركعات أو خمس بسلام واحد (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه محمَّد بن نصر مختصرًا ولفظه عن ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أوتر بخمس وبسبع ليس يينهن سلام (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى نَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ فَصَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- الْعِشَاءَ ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى أَرْبَعًا ثُمَّ نَامَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَدَارَنِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَصَلَّى خَمْسًا ثُمَّ نَامَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ -أَوْ خَطِيطَهُ- ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْغَدَاةَ.

الجمع بين حديث سعيد بن جبير وغيره في قيام الليل وجواز الجماعة في نافلة الليل

(ش) (ابن أبي عدي) هو محمَّد تقدم بصفحة 10 من الثالث. و (شعبة) بن الحجاج تقدم بالأول صفحة 32. (الحكم) بن عتيبة تقدم بصفحة 125 من الثاني (قوله فصلى أربعًا الخ) قال الحافظ في الفتح قد حمل محمَّد بن نصر هذه الأربعة على أنها سنة العشاء لكونها وقعت قبل النوم. لكن يعكر عليه ما رواه هو من طريق المنهال بن عمرو عن علي بن عبد الله ابن عباس وفيه فصلى العشاء ثم صلى أربع ركعات بعدها حتى لم يبق في المسجد غيره ثم انصرف فإنه يقتضي أنه صلى الأربعة في المسجد لا في البيت اهـ وقد يقال إن هذا لا يعكر على حملها على سنه العشاء لاحتمال تعدد الواقعة وأن رؤية ابن عباس الأربع التي صلاها في المسجد كانت في ليلة غير الليلة التي نام فيها عند خالته ميمونة. ويحتمل أن يراد بالأربع أربع شفعات أي ثمان ركعات فتكون من قيام الليل (قوله فصلى خمسًا الخ) أوتر بهن بتشهد وسلام واحد كما تدل عليه الرواية الآتية ومقتضى هذه الرواية أنه اقتصرعلي الخمس بعد النوم. ومقتضى الرواية السابقة أنه اقتصر على خمس أوسبع، وهو مشكل فإن أكثر الروايات على أن صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالليل إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة. ويمكن دفع الإشكال بأن الرواية السابقة عن الحكم ابن عتيبة عن سعيد وقع فيها اختصار لما رواه النسائي من طريق يحيى بن عباد عن سعيد بن جبير فصلى ركعتين ركعتين حتى صلى ثمان ركعات ثم أوتر بخمس لم يجلس بينهن. وهو الحديث الآتي للمصنف. ويوافقه ما في هذا الحديث "حديث شعبة عن الحكم" أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى العشاء ثم جاء فصلى أربعًا ثم نام ثم قام يصلي فصلى خمسًا إن أريد من قوله فصلى أربعًا أربع شفعات أي ثمان ركعات. وبضمها إلى الخمس تكون ثلاث عشرة ركعة وقوله سمعت غطيطه أو خطيطه بالشك فيهما. والخطيط بفتح الغين المعجمة وكسر الطاء المهملة الصوت الذي يخرج مع نفس النائم. والخطيط بالخاء المعجمة كالغطيط وزنًا ومعنى قاله الداودي. وفي العباب وخط في نومه خطيطًا غطّ اهـ وقال في النهاية الخطيط قريب من الغطيط اهـ وبهذا تعلم بطلان قول القاضي أنه بالخاء المعجمة وهم. ولعله تبع في ذلك قول ابن بطال لم أجده بالخاء في كتب اللغة (قوله فصلى ركعتين الخ) الظاهر أنهما سنة الصبح. وقوله فصلى الغداة أي صلاة الصبح (والظاهر) أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج لصلاة الصبح بلا إعادة وضوء بعد النوم. ويؤيده ما في رواية للشيخين من طريق مخرمة عن كريب عن ابن عباس من قوله ثم نام حتى نفخ وكان إذا نام نفخ ثم أتاه المؤذن فخرح فصلى ولم يتوضأ اهـ وذلك لأن نومه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا ينقض وضوءه. وهذا من خصائصه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأن عينيه تنامان ولا ينام قلبه فلو خرج منه حدث لأحسّ به بخلاف غيره (فقه الحديث) دل الحديث علي فضل ابن عباس وحرصه مع صغر سنه علي معرفة أحوال

النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم طول ليلته ليقف على عمله بالليل. وقد روى الطحاوي ومحمد بن نصر أن أباه العباس أرسله لذلك. وعلى جواز الجماعة في نافلة الليل. وعلى جواز الصلاة خلف من لم ينو الإمامة. وعلى أن موقف المأموم الواحد يكون عن يمين الإِمام. وأنه إذا وقف عن يساره حوّله الإِمام إلى يمينه. وأن مثل ذلك جائز في الصلاة. وعلى مشروعية الإيتار بخمس ركعات (والحديث) أخرجه البخاري والنسائي والبيهقي وأخرجه الطحاوي من عدة طرق. (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ: فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ لَمْ يَجْلِسْ بَيْنَهُنَّ. (ش) (رجال الحديث) (قتيبة) بن سعيد تقدم بصفحة 98 من الأول. و (عبد المجيد) بن سهيل كما في البيهقي. وقيل ابن سهل بن عبد الرحمن بن عوف أبو وهب. وقيل أبو محمَّد القرشي المدني. روى عن عمه أبي سلمة بن عبد الرحمن وابن عمه صالح بن إبراهيم وسعيد بن المسيب وعكرمة مولى ابن عباس وعطاء بن أبي رباح وأبي صالح السمان وغيرهم. وعنه مالك وعبد العزيز بن محمَّد الدراوردي والمغيرة بن عبد الرحمن وابن أبي الزناد وشيبان بن بلال. وثقه ابن معين والنسائي وابن البرقي وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم صالح الحديث. روى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. و (يحيى بن عباد) بن شيبان بن مالك الأنصاري السلمي الكوفي أبوهبيرة. روى عن أبيه وجده وأنس وجابر وأم الدرداء وسعيد ابن جبير. وعنه سليمان التيمي وعبد المجيد بن سهيل وإسماعيل السدي ومجالد بن سعيد. وثقه النسائي ويعقوب بن سفيان وذكره ابن حبان في الثقات. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في الأدب (معنى الحديث) (قوله حدثه في هذه القصة الخ) أي حدث ابن عباس سعيد بن جبير في قصة نومه في بيت خالته ميمونة فقال قام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى ركعتين ثم ركعتين إلى أن صلى ثمان ركعات كان يسلم من كل ركعتين ثم أوتر بخمس لم يتشهد إلا في آخرهن (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي ومحمَّد بن نصر وزاد في آخره ثم قعد فأثنى على الله بما هو له أهل فأكثر من الثناء. وأخرجه البيهقي من طريق إبراهيم بن حمزة قال حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمَّد حدثني عبد المجيد بن سهيل عن يحيى بن عباد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن العباس بن عبد المطلب بعثه إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

قيام الليل بإحدى عشرة ركعة

في حاجة وكانت ليلة ميمونة بنت الحارث خالة ابن عباس فدخل عليها فوجد رسول الله علي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المسجد قال ابن عباس فاضطجعت في حجرته فجعلت في نفسي أن أحصي كم يصلي رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فجاء وأنا مضطجع في الحجرة بعد أن ذهب ثلث الليل ثم قال ارقد ثم تناول ملحفة على ميمونة فارتدى ببعضها وعليها بعضها ثم قام فصلى ركعتين حتى صلى ثمان ركعات ثم أوتر بخمس لم يجلس بينهن ثم قعد فأثنى على الله بما هو أهله فأكثر من الثناء ثم كان آخر كلامه أن قال اللهم اجعل لي نورًا في قلبي واجعل لي نورًا في سمعي واجعل لي نورًا في بصري واجعل لي نورًا عن يميني ونورًا عن شمالي واجعل لي نورًا بين يدي ونورًا خلفي وزدني نورًا وزدني نورًا (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِرَكْعَتَيْهِ قَبْلَ الصُّبْحِ: يُصَلِّي سِتًّا مَثْنَى مَثْنَى وَيُوتِرُ بِخَمْسٍ لاَ يَقْعُدُ بَيْنَهُنَّ إِلاَّ فِي آخِرِهِنَّ. (ش) المعنى أنه صلى الله تعالى عليه وسلم آله وسلم كان يقوم الليل بإحدى عشرة ركعة يصلي ستًا يسلم فيها من كل ركعتين ثم يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرها ثم يصلي ركعتي الفجر. وهذه كيفية لصلاته صلى الله عليه وآله وسلم بالليل. ولها كيفيات أخر تقدم بعضها (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي ومحمَّد بن نصر والترمذي من طريق عبد الله ابن نمير قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كانت صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء منهن إلا في آخرهن فإذا أذن المؤذن قام فصلى ركعتين خفيفتين وقال حديث حسن صحيح. وقد رأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وغيرهم الوتر بخمس فقالوا لا يجلس في شيء منهن إلا في آخرهن (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ نَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ.

(ش) الظاهر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي عشر ركعات بخمس تسليمات ثم يوتر بواحدة ويصلي ركعتي الفجر. ويحتمل غير ذلك من الكيفيات السابقة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والبخاري من طريق القاسم بن محمَّد عن عائشة قالت كان النبي صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر (ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ وَجَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الْمُقْرِئَ أَخْبَرَهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ قَائِمًا وَرَكْعَتَيْنِ بَيْنَ الأَذَانَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ يَدَعُهُمَا. قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ فِي حَدِيثِهِ: وَرَكْعَتَيْنِ جَالِسًا بَيْنَ الأَذَانَيْنِ زَادَ: جَالِسًا. (ش) (قوله عن عراك بن مالك عن أبي سلمة) هكذا في سند البخاري. وقد رواه الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر بن ربيعة عن أبي سلمة بإسقاط عراك كما في سند أحمد والنسائي. فكأن جعفرًا أخذه عن أبي سلمة بواسطة عراك وبدونه. لكن الأول هو الأصح فقد قال الطحاوي لا نعلم لجعفر عن أبي سلمة سماعًا (قوله ثم صلى ثماني ركعات قائمًا) لم يذكر في الحديث الوتر والركعتين اللتين كان يصليهما صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد الوتر. ولعل ذلك سقط من بعض الرواة فقد روى مسلم والنسائي من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أنه سأل عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالليل قالت كان يصلي ثلاث عشرة ركعة يصلي ثمان ركعات ثم يوتر ثم يصلي ركعتين وهو جالس فإذا أراد أن يركع قام فركع ويصلي ركعتين بين الأذان والإقامة في صلاة الصبح. وفي رواية البخاري بإسقاط الوتر وإثبات الركعتين بعده (قوله وركعتين بين الأذانين الخ) أي بين الأذان والإقامة وهما سنة الصبح ولم يكن يتركهما أبدًا كما في رواية البخاري. وهو يدل على تأكدهما ولذا قيل بوجوبهما كما تقدم (قوله زاد جالسًا) أي زاد جعفر في روايته قوله جالسًا أي صلى ركعتين بين الأذانين جالسًا. أما نصر بن علي فلم يذكر في روايته جالسًا. وليس أيضًا في رواية البخاري ومسلم والنسائي كما علمت. فزيادته وهم من جعفر. ولعل الأصل كما في رواية البخاري وصلى ثمان ركعات وركعتين جالسًا وركعتين بين النداءين فاشتبه الأمر علي جعفر.

جواب الحنفية عن حديث كان يوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث الخ

وعلي فرض صحة الرواية فيكون جلوسه في سنة الصبح لبيان الجواز أو أن ذلك كان لعذر (والحديث) أخرجه البخاري وأخرج مسلم والنسائي والطحاوي عن يحيى بن أبي كثير نحوه (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ قَالاَ نَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: بِكَمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُوتِرُ قَالَتْ: كَانَ يُوتِرُ بِأَرْبَعٍ وَثَلاَثٍ وَسِتٍّ وَثَلاَثٍ وَثَمَانٍ وَثَلاَثٍ وَعَشْرٍ وَثَلاَثٍ وَلَمْ يَكُنْ يُوتِرُ بِأَنْقَصَ مِنْ سَبْعٍ وَلاَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَ عَشْرَةَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ زَادَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ: وَلَمْ يَكُنْ يُوتِرُ بِرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ. قُلْتُ: مَا يُوتِرُ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ يَدَعُ ذَلِكَ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَحْمَدُ: وَسِتٍّ وَثَلاَثٍ. (ش) (قوله بكم كان رسول الله الخ) أي بكم ركعة كان صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم يصلي الوتر. ومراده السؤال عن صلاة الليل التي تختم بالوتر بدليل جواب عائشة كان يوتر بأربع وثلاث أي بسبع ركعات. وفصلت بالعاطف لبيان أنه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم كان يصلي الأربع بتسليمة واحدة أو بتسليمتين. أما الثلاث فإن يصليها بسلام واحد وكذا يقال فما بعده. وبإطلاقها علي الكل وترًا استدل من قال إن الوتر لا يختص بركعة ولا بثلاث بل يكون بسبع وتسع وإحدى عشرة وثلاث عشرة (وأجاب عنه) من خص الوتر بثلاث بأن في إتيانها بالثلاث بعد كل عدد دليلًا ظاهرًا على أن الوتر هو الثلاث. وما وقع قبله من الأربع والست والثمان والعشر تهجد ونفل مطلق وليس من الوتر. وإنما أطلقت على الكل وترًا مجازًا قال الترمذي قال إسحاق بن إبراهيم معنى ما روي أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يوتر بثلاث عشرة قال إنما معناه أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر فنسبت صلاة الليل إلى الوتر. وروى في ذلك حديثًا عن عائشة واحتج بما روى عن النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أوتروا يا أهل القرآن. قال إنما عني به قيام الليل. يقول إنما قيام الليل علي أصحاب القرآن اهـ ولعل الحديث الذي رواه إسحاق في ذلك عن عائشة هو حديث الباب (قوله ولم يكن يوتر بأنقص من سبع الخ) مرادها أنه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم لم يكن يصلي ليلًا أقل من سبع ولا أكثر من ثلاث عشرة ركعة بالوتر والركعتين الخفيفتين

الجمع بين أحاديث عائشة في قيام الليل

اللتين كان يبدأ بهما صلاة الليل. وهذا محمول على بعض الأوقات وإلا فقد ثبت أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى من الليل خمس عشرة ركعة وفيها الركعتان اللتان كان يصليهما بعد الوتر. قال النووي في شرح مسلم أما الاختلاف في حديث عائشة فقيل هو منها. وقيل من الرواة عنها، فيحتمل أن إخبارها بإحدى عشرة ركعة هو الأغلب وباقي روايتها إخبار منها بما كان يقع في بعض الأوقات. فأكثره خمس عشرة ركعة بركعتي الفجر، وأقله سبع وذلك بحسب ما كان يحصل من اتساع الوقت أو ضيقه بطول قراءة كما جاء في حديث حذيفة وابن مسعود. أولنوم أو عذر مرض أو غيره. وفي بعض الأوقات عند كبر السنن كما قالت فلما أسنّ صلى سبع ركعات. أو تارة تعدّ الركعتين الخفيفتين في أول قيام الليل وتعدّ ركعتي الفجر تارة وتحذفهما تارة. أو تعدّ إحداهما، وقد تكون عدّت راتبة العشاء مع ذلك تارة وحذفتها تارة. قال القاضي ولا خلاف أنه ليس في ذلك حدّ لا يزاد عليه ولا ينقص منه وأن صلاة الليل من الطاعات التي كلما زاد فيها زاد الأجر، وإنما الخلاف في فعل النبي صلى الله عليه، آله وسلم وما اختاره لنفسه اهـ (قوله زاد أحمد الخ) أي زاد أحمد بن صالح في روايته قول عائشة ولم يكن يوتر ركعتين قبل الفجر تعني لم يتركهما، ولم يذكر هذه الزيادة محمَّد بن سلمة. ويوتر بفتح الياء وكسر التاء مضارع وتر كوعد يقال وترت زيدًا حقه أتره نقصته. فإثبات الواو مخالف للقياس. وقولها ركعتين مفعول يوتر. وما في أكثر النسخ من جره بالباء فخطأ من النساخ (قوله قلت ما يوتر الخ) أي قال عبد الله بن أبي قيس لعائشة ما معنى لم يكن يوتر ركعتين فقالت لم يكن يترك صلاتهما (قوله ولم يذكر أحمد الخ) أي لم يذكر أحمد بن صالح في روايته قول عائشة وست وثلاث وإنما هو من رواية محمَّد بن سلمة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والبيهقي وكذا الطحاوي من طريق ابن وهب ولم يذكر وست وثلاث ولا ما زاده أحمد بن صالح في رواية المصنف وقال ففي هذا الحديث ذكرها لما كان يصليه صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الليل من التطوع وتسميتها إياه وترًا إلا أنها قد فصلت بين الثلاث وبين ما ذكرت معها وليس ذلك إلا لأن الثلاث كان لها معنى بائن من معنى ما قبلها (ص) حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَسَأَلَهَا عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِاللَّيْلِ. فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي ثَلاَثَ عَشْرَةَ

رَكْعَةً مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ إِنَّهُ صَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَتَرَكَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قُبِضَ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قُبِضَ وَهُوَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ وَكَانَ آخِرُ صَلاَتِهِ مِنَ اللَّيْلِ الْوِتْرَ. (ش) (رجال الحديث) (منصور بن عبد الرحمن) الأشلّ النضري. روى عن الشعبي وأبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني والحسن البصري. وعنه شعبة بن الحجاج والحكم بن عبد الله وبشر بن المفضل وإسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية. وثقه أبو داود وابن معين وقال النسائي ليس به بأس وقال أبو حاتم ليس بالقوي يكتب حديثه ولا يحتج به. روى له مسلم وأبو داود (معنى الحديث) (قوله كان يصلي ثلاث عشرة ركعة الخ) منها الركعتان اللتان كان يصليهما بعد الوتر جالسًا وقد تركهما بعد وصار يصلي إحدى عشرة ركعة ولما كبر سنه ترك ركعتين منها فصار يصلي تسع ركعات آخرهن الوتر. ولم تذكر في هذا الحديث سنة الفجر لأنها غير داخلة في صلاة الليل. هذا "وقد وقع" الاختلاف في روايات عائشة التي ذكرت فيها أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة. ففي بعضها ذكرت أن منها ركعتي الفجر. وفي بعضها لم تذكرهما. وفي بعضها ذكرت أنه كان يصلي ركعتين جالسًا بعد الوتر. ويجمع بينها بحملها على أوقات وأحوال مختلفة بحسب النشاط وبيان الجواز (فقه الحديث) فيه دليل على استحباب جعل آخر صلاة الليل وترًا. وعلى أنه صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترك الركعتين اللتين كان يصليهما بعد الوتر. وتقدم عن جماعة أنهما من خصوصياته صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي والترمذي والبيهقي وأخرج مسلم طرفًا منه وهو قول عائشة كان رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي من الليل حتى يكون أخر صلاته الوتر (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّى عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَّ كُرَيْبًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-

بِاللَّيْلِ قَالَ: بِتُّ عِنْدَهُ لَيْلَةً وَهُوَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ فَنَامَ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفُهُ اسْتَيْقَظَ فَقَامَ إِلَى شَنٍّ فِيهِ مَاءٌ فَتَوَضَّأَ وَتَوَضَّأْتُ مَعَهُ ثُمَّ قَامَ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ عَلَى يَسَارِهِ فَجَعَلَنِي عَلَى يَمِينِهِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِى كَأَنَّهُ يَمَسُّ أُذُنِي كَأَنَّهُ يُوقِظُنِي فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قُلْتُ: فَقَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى حَتَّى صَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً بِالْوِتْرِ ثُمَّ نَامَ فَأَتَاهُ بِلاَلٌ فَقَالَ: الصَّلاَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى لِلنَّاسِ. (ش) (قوله عن جدي) هو الليث بن سعد الإِمام تقدم بصفحة 58 من الثاني (قوله فقام إلى شنّ) بفتح الشين المعجمة أي قربة قديمة وجمعه شنان مثل سهم وسهام (قوله ثم وضع يده على رأسي الخ) كان يفعل ذلك حين يراه يغلب عليه النوم. ففي رواية مسلم فأخذ بيدي فجعلني عن شقه الأيمن فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني. وفي رواية لمحمد بن نصر ثم وضع يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها فجعل يمسح بها أذني فعرفت أنه إنما صنع ذلك ليؤنسني بيده في ظلمة البيت. فيؤخذ من هذه الرواية أنه كان يفعل ذلك لإزالة الخوف عنه. وهذا لا ينافي أنه كان يفعله للإيقاظ عند غلبة النوم كما في رواية المصنف (قوله قلت قرأ فيهما الخ) أي ظن ابن عباس في نفسه أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قرأ فيهما بالفاتحة فقط لما وقع من تخفيفهما أو عدم الجهر بالقراءة فيهما. وفي بعض النسخ فصل ركعتين خفيفتين قد قرأ فيهما بأم القرآن. وهذا محمول على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جهر في الركعتين بالقراءة. وهو الأقرب (قوله ثم صلى حتى صلى إحدى عشرة ركعة) يعني غير الركعتين الخفيفتين على الظاهر. ويؤيده ما في بعض النسخ ثم صلى إحدى عشرة ركعة فيكون كل صلاته ليلًا ثلاث عشرة ركعة (والحديث) أخرجه الجماعة والبيهقي مختصرًا ومطولًا (ص) حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ حَبِيبٍ وَيَحْيَى بْنُ مُوسَى قَالاَ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ حَزَرْتُ قِيَامَهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِقَدْرِ (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) لَمْ يَقُلْ نُوحٌ: مِنْهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ.

(ش) (رجال الحديث) (نوح بن حبيب) القومسي بضم القاف وفتح الميم أبو محمَّد. روى عن عباس الله بن إدريس وحفص بن غياث وأبي بكر بن عياش وابن مهدي ووكيع وجماعة. وعنه أبو داود والنسائي وموسى بن هارون وأبو حاتم وأبو زرعة وآخرون. قال أبو حاتم صدوق وقال أحمد بن سيار المروزي كان ثقة صاحب سنة وجماعة وقال النسائي لا بأس به ووثقه الخطيب ومسلمة بن قاسم. توفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين. و (ابن طاوس) هو عبد الله تقدم بصفحة 331 من الثالث (معنى الحديث) (قوله فصلى ثلاث عشرة ركعة الخ) ليس منها الركعتان الخفيفتان اللتان ذكرهما في الحديث السابق. وهذا على رواية يحيى بن موسى التي فيها منها ركعتا الفجر. أما على رواية نوح التي ليس فيها ذكر ركعتي الفجر فقد عدّ من الثلاث عشرة ركعة الركعتين الخفيفتين أو أنها محمولة على أن ركعتي الفجر من الثلاث عشرة. ورواية نوح أوفق بسائر روايات ابن عباس فإنه لم يجعل فيها ركعتي الفجر من صلاة الليل. وقوله حزرت قيامه الخ أي قدرت قيامه للقراءة في كل ركعة فكان قدر سورة (يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) (والحديث) أخرجه النسائي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ -قَالَ- لأَرْمُقَنَّ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- اللَّيْلَةَ قَالَ: فَتَوَسَّدْتُ عَتَبَتَهُ أَوْ فُسْطَاطَهُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ أَوْتَرَ فَذَلِكَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. (ش) (رجال الحديث) (قوله عن أبيه) هو أبو بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم تقدم بصفحة 92 من السادس. و (عبد الله بن قيس بن مخرمة) بن عبد المطلب بن عبد مناف القرشي. روى عن أبيه وابن عمر وأبي هريرة وزيد بن خالد. وعنه إسحاق بن يسار وأبو بكر بن محمَّد وابناه محمَّد والمطلب. وثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (معنى الحديث) (قوله لأرمقن صلاة رسول الله الخ) أي لأنظرن صلاته صلى الله

تعالى عليه وعلى آله وسلم لأعرف كيف وكم يصلي. يقال رمقه بعينه رمقًا من باب قتل أطال النظر إليه. والظاهر أنه قال ذلك نهارًا ثم رمق صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلًا وأخبر بما رأى. وعليه فالمضارع على حاله. ويحتمل أنه أخبر بذك بعد وقوفه على الكيفية فيكون المقام للماضي وعبر بالمضارع استحضارًا لتلك الحالة لتقررها في ذهنه وقوله فتوسدت عتبته أي جعلت عتبة بيته كالوسادة تحت رأسي. والفسطاط بضم الفاء وكسرها البيت من الشعر. ولعل هذا هو الصواب وكان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في سفر وكان ذك بإذنه (قوله ثم صلى ركعتين طويلتين الخ) كررها ثلاثًا لتأكيد التطويل أي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى ركعتين بالغ في تطويلهما ثم صلى ركعتين أقصر منهما وهكذا إلى أن صلى عشرًا غير الركعتين الخفيفتين (قوله فذلك ثلاث عشرة ركعة) أي كل ما صلى ثلاث عشرة ركعة فيكون أوتر بواحدة. ويحتمل أن يكون المشار إليه ما عدا الركعتين الخفيفتين فيكوت أوتر بثلاث. والأول هو الظاهر (والحديث) أخرجه مالك في الموطأ ومسلم وابن ماجه وابن نصر والترمذي والنسائي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَهِىَ خَالَتُهُ -قَالَ- فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ - أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ - اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِى فَأَخَذَ بِأُذُنِي يَفْتِلُهَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ قَالَ الْقَعْنَبِيُّ: سِتَّ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَوْتَرَ

صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالليل ثلاث عشرة ركعة

ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. (ش) (قوله بات عند ميمونة) وكان ذلك لأن أباه العباس أرسله في حاجة إليه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم بعد العشاء فلما بلغه إياها قال له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أي بنيّ بت عندنا هذه الليلة فبات عنده. ذكره محمَّد بن نصر في رواية له عن ابن عباس (قوله في عرض الوسادة) بفتح العين المهملة ضد الطول. ورواه الداودي بالضم بمعنى الجانب والصحيح الأول. والوسادة بكسر الواو المخدّة المعروفة. وفي رواية محمَّد بن نصر وتوسدت وسادة لهما من أدم محشوّة ليفًا وبتّ عليها معترضًا عند رأسهما (قوله حتى انتصف الليل الخ) غاية لنومه صلى الله عليه وآله وسلم. وفي رواية البخاري حتى انتصف الليل أو قريبًا منه. وفي رواية له الجزم بثلث الليل الأخير. وفي رواية محمَّد بن نصر فهبّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الليل فتعارّ ببصره إلى السماء ثم تلا هؤلاء الآيات من آل عمران (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) حتى انتهى إلى خمس آيات منها ثم عاد لمضجعه فنام هويًا من الليل ثم ذهب فتعارّ ببصره في السماء فتلاهن ثم قام إلى شن الخ (قوله فجلس يمسح النوم عن وجهه الخ) أي يزيل أثر النوم عن وجهه دفعًا للكسل ثم قرأ العشر الآيات أواخر سورة آل عمران ثم قام إلى شنّ معلقة. وأنثها لأنها بمعنى القربة. وفي رواية لمسلم فقام إلى شنّ معلق بالتذكير على معنى السقاء والوعاء. وزاد محمَّد بن نصر في روايته ثم استفرغ منها في إناء ثم توضأ فأسبغ الوضوء (قوله فقمت إلى جنبه) أي الأيسر فأداره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى جنبه الأيمن كما في كثير من الروايات. وقوله فأخذ بأذني يفتلها بكسر المثناة الفوقية أي يدلك أذنه لتركه أدب القيام عن يمين الإِمام، وليستحضر أفعال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم.: ولإيناسه في ظلمة الليل وإيقاظه من النوم كما تقدم (قوله فصلى ركعتين ثم ركعتين الخ) ظاهره أنه سلم من كل ركعتين. ويؤيده ما تقدم عن علي بن عبد الله عن ابن عباس من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصل بين كل ركعتين بالنوم والقراءة والسواك والوضوء. وقد وقع التصريح بالسلام من كل ركعتين عند ابن خزيمة من رواية طلحة بن نافع عن ابن عباس وفيها يسلم من كل ركعتين. وقد ذكر الركعتين ست مرات فتكون ثنتى عشرة ركعة (قوله ثم أوتر الخ) أي بواحدة فيكون كل صلاته ثلاث عشرة ركعة. وقد صرح بذلك في رواية لمسلم عن سلمة عن كريب وفيها قال فتكاملت صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثلاث عشرة ركعة. وفي رواية لمحمد بن نصر ثم صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثلاث عشرة ركعة من الليل وركعتيه بعد طلوع الفجر. وفي رواية للبخاري

باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة

من طريق عبد ربه بن سعيد عن كريب عن ابن عباس فصلى ثلاث عشرة ركعة. وتقدم مثله في حديث زيد بن خالد وفيه بعد أن ذكر الحديث فذلك ثلاث عشرة ركعة (فقد اتفقت) هذه الروايات على أن صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالليل ثلاث عشرة ركعة. وقد صرح في بعضها بأن ركعتي الفجر ليست منها. وفي رواية للبخاري في التفسير من طريق شريك ابن عبد الله بن أبي نمر عن كريب عن ابن عباس ما يخالف ذلك وفيها فلما كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر في السماء فقال (إِنَّ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) ثم قام توضأ واستنّ فصلى إحدى عشرة ركعة ثم أذن بلال فصلى ركعتين ثم خرج فصلى الصبح. ويمكن الجمع بين رواية شريك وغيرها من الروايات السابقة بأن الواقعة متعددة وعلى أنها واحدة كما مال إليه الحافظ في الفتح فيمكن الجمع أيضًا يحمل هذه الزيادة على أنه أخر سنة العشاء. ولا يخفى بعده لأنه لم يثبت في حديث أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخر سنة العشاء حتى استيقظ. أو بأن شريكًا أسقط في روايته الركعتين الخفيفتين اللتين كان يفتتح بهما صلاة الليل. وهو الأقرب. وعلى تقدير عدم إمكان الجمع فترجح روايات غير شريك لما فيها من زيادة الثقة ولكثرة رواتها وكونهم أحفظ منه. قال الحافظ في الفتح لا شك أن الأخذ بما اتفق عليه الأكثر والأحفظ أولى مما خالفهم فيه من هو دونهم ولا سيما إن زاد أو نقص اهـ (فقه الحديث) دل الحديث زيادة على ما تقدم على جواز القراءة للمحدث حدثًا أصغر وهو مجمع عليه. وتقدم بيانه في باب الجنب يقرأ القرآن من الجزء الثاني. وعلى استحباب مسح الوجه باليد عنوإلاستيقاظ من النوم. وعلى استحباب تأخير الوتر إلى آخر الليل. لكنه في حق من يشق بالانتباه آخره. وعلى مشروعية الاضطجاع بعد صلاة الوتر. وعلى استحباب اتخاذ مؤذن للإعلام بوقت الصلاة.، وعلى مشروعية إخباره الإِمام بحلول وقت الإقامة، وعلى استحباب صلاة سنة الصبح في البيت (والحديث) أخرجه مالك في الموطأ والشيخان والنسائي وابن ماجه والترمذي والبيهقي ومحمد بن نصر من عدة طرق (باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة) أي الاعتدال والتوسط فيها بين حدّي الإفراط والتفريط. وأصل القصوإلاستقامة في الطريق ثم استعير للتوسط (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ

استحباب التوسط في العمل وكراهة التعمق في الطاعة

مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَإِنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ". وَكَانَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ. (ش) مناسبة الحديث للترجمة أن العمل عام يشمل الصلاة. و (قتيبة) هو ابن سعيد. و (الليث) بن سعد الإِمام. و (ابن عجلان) هو محمَّد (قوله اكلفوا من العمل ما تطيقون الخ) من كلف من باب تعب يقال كلفت بهذا الأمر أكلف به أي أحببته وأولعت به. والمعنى خذوا من عمل البر ما تستطيعون المداومة عليه ولا تحملوا أنفسكم من الطاعات ما لا تقدرون على المداومة عليها. فمنطوقه يقتضي الأمر بالإقتصار على ما يطاق من العبادة. ومفهومه يقتضي النهي عن تكلف ما لا يطاق منها. وهو عام في أعمال البر لعموم اللفظ وإن كان سببه خاصًا بصلاة الليل "ففي مسلم" عن عائشة قالت كان لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حصير وكان يحجره من الليل فيصلي فيه فجعل الناس يصلون بصلاته ويبسطه بالنهار فثابوا "أي رجعوا للصلاة" ذات ليلة فقال يأيها الناس عليكم ما الأعمال ما تطيقون "الحديث". وقوله فإن الله لا يمل حتى تملوا بفتح الميم فيهما من باب تعب، والملل في الأصل السآمة والضجر يقال مللته ومللت منه مللًا وملالة أي سئمت وضجرت وهذا محال على الله تعالى. والمراد أنه لا يترك الثواب على العمل ما لم تتركوا العمل فهو من باب إطلاق الملزوم وإرادة اللازم فإن من ملّ شيئًا تركه فعبر عن الترك بالملل الذي هو سبب الترك. وقيل معناه لا يقطع عنهم فضله ما لم يملوا سؤاله فسمى فعله تعالى مللًا من باب المشاكلة وهي التعبير عن المعنى بلفظ غيره لوقوعه في صحبته، ونظيره قوله تعالى (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ) أي جازاهم على مكرهم (قوله فإن أحب العمل الخ) أي أكثره ثوابًا عند الله تعالى ما دووم عليه وإن كان قليلًا. وهو علة أخرى للأمر بالتوسط في العمل. وفي رواية مسلم وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه. وفي رواية للبخاري عن مسروق سألت عائشة أي الأعمال أحب إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالت الدائم (قوله وكان إذا عمل عملًا أثبته) أي كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا عمل عملًا داوم عليه. وهذا من كلام عائشة مدرج في الحديث. وفي رواية مسلم وكان آل محمَّد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إذا عملوا عملًا أثبتوه (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية التوسط والاعتدال في العمل وكراهة التعمق في الطاعة وعلى بيان ما كان عليه النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من الشفقة والرأفة بأمته حيث أرشدهم إلى ما فيه صلاحهم وما يمكنهم المحافظة عليه بلا مشقة لأن النفس تكون فيه أنشط ويحصل منه المقصود من الطاعة وهو الخشوع والدوام عليها بخلاف العمل الذي يشق على النفس فإنه

كراهة قيام كل الليل

عرضة لأن يتركه كله أو بعضه أو بفعله بمشقة وبلا رغبة فيفوته الخير العظيم. وقد ذم الله تعالى من التزم فعل البر ثم قطعه بقوله (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) وفيه الحث على العمل الدائم وأن القليل الدائم خير من الكثير المنقطع لأن بدوام القليل تدوم الطاعة والإقبال على الله تعالى مع الإخلاص والخشوع ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافُ ا. وفيه دليل للجمهور على أن قيام كل الليل مكروه. وكرهه مالك أولأوقال لعله يصبح مغلوبًا وفي رسول الله أسوة. ثم قال لا بأس به ما لم يضر ذالك بصلاة الصبح (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والبخاري والنسائي والبيهقي بألفاظ متقاربة (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعْدٍ نَا عَمِّي نَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَجَاءَهُ فَقَالَ: "يَا عُثْمَانُ أَرَغِبْتَ عَنْ سُنَّتِي". قَالَ: لاَ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ وَلَكِنْ سُنَّتَكَ أَطْلُبُ. قَالَ: "فَإِنِّي أَنَامُ وَأُصَلِّى وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَنْكِحُ النِّسَاءَ فَاتَّقِ اللهَ يَا عُثْمَانُ فَإِنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَصَلِّ وَنَمْ". (ش) (قوله حدثنا عمي) هو يعقوب بن إبراهيم تقدم بالثالث صفحة 152 (قوله حدثنا أبي) هو إبراهيم بن سعد تقدم بالأول صفحة 176 (قوله بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلى عثمان بن مظعون) أي أرسل إليه لما بلغه أنه يريد تحريم النساء والطيب وغيرهما والانقطاع للعبادة. و"عثمان بن مظعون" بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحي أسلم بعد ثلاثة عشر رجلأوهاجر إلى الحبشة هو وابنه السائب الهجرة الأولى فلما بلغهم أن قريشا أسلمت رجعوا. توفي بعد شهوده بدرًا في السنة الثانية من الهجرة وهو أول من مات بالمدينة من المهاجرين وأول من دفن بالبقيع منهم. ومناقبه كثيرة فقد روى الترمذي عن عائشة قالت قبل النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم عثمان بن مظعون وهو ميت وهو يبكى وعيناه تذرفان. وروى الحاكم عن ابن عباس قال لما مات عثمان بن مظعون قالت امرأته هنيئًا لك الجنة يا عثمان بن مظعون فنظر إليها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال وما يدريك قالت يا رسول الله فارسك وصاحبك فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى

الحث على القيام بحقوق الزوجة والضيف والنفس

آله وسلم إني رسول الله وما أدري ما يفعل بي فأشفق الناس على عثمان فلما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ألحقوها بسلفنا الخير عثمان بن مظعون فبكت النساء فجعل عمر يضربهن بسوطه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده وقال مهلًا يا عمر (قوله أرغبت عن سنتي الخ) أي هل أردت الإعراض عن طريقتي الحنيفة السمحة من الإفطار للتقوى على الصوم والنوم للتقوى على القيام والتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل فقال عثمان لا أرغب عن سنتك والله ولكن أطلب العمل على طريقتك لا غير. وبين له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم طريقته بقوله فإني أنام الخ (قوله فإن لأهلك عليك حقًا الخ) المراد بالأهل الزوجة أو مما هو أعم من ذلك ممن تلزمه نفقته. وحقهم القيام بما لا بد لهم منه من أمور الدنيا والآخرة. وقوله وإن لضيفك عليك حقًا يعني حق الإكرام والإيناس (قوله وإن لنفسك عليك حقًا) هو ما يحتاج إليه من الضروريات البشرية وما أباحه الله تعالى من الأكل والشرب والراحة التي يقوم بها البدن لتكون له عونًا على عبادة الله تعالى وأما إذا أجهد نفسه في الطاعة وأدام الصيام والقيام وترك الملاذّ ضعفت قوّته فلم يقدر على القيام بما ذكر (فقه الحديث) دلّ الحديث على بيان ما كان عليه النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من الشفقة بأمته وتتبع أحوالهم وإرشادهم إلى ما فيه صلاحهم، وعلى الترغيب في الاقتصاد في العبادة والتوسط فيها من غير تحمل المشقة، وعلى الحث على القيام بحقوق الزوجة والضيف وعدم التفريط في حقوق النفس. قال الخطابي فيه دليل على أن المتطوع بالصوم إذا قدم عليه ضيف يستحب له الإفطار والأكل معه ليزيد في إيناسه فإن هذا نوع من إكرامه اهـ بتصرف. ودل الحديث أيضًا على أن المطلوب في العبادات تقدم الواجبًات على المندوبًات (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ كَيْفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الأَيَّامِ قَالَتْ: لاَ كَانَ كُلُّ عَمَلِهِ دِيمَةً وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَطِيعُ (ش) (جرير) بن عبد الحميد. و (منصور) بن المعتمر تقدما بالأول صفحة 84. وكذا (إبراهيم) النخعي صفحة 36. وكذا (علقمة) بن قيس صفحة 286 (قوله

استحباب صيام أكثر شعبان والاثنين والخميس

هل كان يخص شيئًا من الأيام الخ) يعني هل كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخص وقتًا من الأوقات بشيء من الطاعات قالت لا أي كان لا يخص شيئًا من الأيام بعمل من الطاعات دائمًا ولا راتبًا. لكن يخص منه شهر شعبان فإنه كان يخصه بصيام أكثره "فعن أسامة" قال قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من المشهور ما تصوم من شعبان قال ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم أخرجه النسائي. وخص منه أيضًا صوم الاثنين والخميس فقد كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتحرى صيامهما "ففي الحديث" عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتحرى صيام يوم الاثنين والخميس. أخرجه الترمذي والنسائي وسيأتي للمصنف في كتاب الصيام وصححه ابن حبان. ولعل عائشة لم تستثن ذلك لأنها فهمت من حال السائل أن مراده بالأيام الثلاثة من كل شهر فكأنه لما سمع أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصومها ورغب في صيامها سأل عائشة هل كان يخصها بالبيض فقالت لا كان عمله ديمة تعني لو جعلها البيض لتعينت وداوم عليها لأنه كان يحب أن يكون عمله دائمًا لكن أراد التوسعة بعدم تعيينها فكان لا يبالي من أي الشهر صامها "فعن معاذة العدوية" قالت سألت عائشة أكان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام قالت نعم قلت من أي أيام الشهر كان يصوم قالت لم يكن يبالي من أي الأيام يصوم أخرجه مسلم والترمذي وسيأتي للمصنف في كتاب الصيام (قوله كان عله ديمة) بكسر أوله وسكون ثانيه أي دائمًا مستمرًا. والديمة في الأصل مطر يدوم أيامًا ثم أطلقت على كل شيء مستمر. ولا يعارض هذا الحديث أخرجه الستة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم، الحديث، ونحوه عن ابن عباس عند الشيخين والمصنف. لإمكان الجمع بأن قولها كان عمله ديمة معناه أن اختلاف حاله في الإكثار من الصوم ثم من الفطركان دائمًا مستمرًا (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الشيخان والبيهقي والترمذي في الشمائل (باب تفريع أبواب شهر رمضان) أي باب تفصيل عدة أحكام متعلقة بشهر رمضان. ورمضان اسم للشهر المعروف وهو من الرمض بفتح الميم شدّة الحر سمي بذلك لأنهم لما نقلوا أسماء المشهور من اللغة القديمة وسموها بالأزمنة التي وقعت فيها وافق هذا الشهر شدّة الحر. وقيل سمى بذلك لأنه يرمض الذنوب ويحرقها

باب في قيام شهر رمضان

(باب في قيام شهر رمضان) أي في فضل قيام ليله (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ قَالاَ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ -قَالَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ- عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِعَزِيمَةٍ ثُمَّ يَقُولُ "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". فَتُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- وَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ رضي الله عنه. (ش) (قوله قال الحسن الخ) أي قال الحسن بن علي في حديثه حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر ومالك. وأما محمَّد بن المتوكل فجعل شيخ عبد الرزاق معمر بن راشد فقط (قوله يرغب في قيام رمضان الخ) أي في إحياء لياليه بالطاعات من غير أن يأمرهم بقيامه أمر إيجاب. والعزيمة في الأصل تصميم القلب على إمضاه الأمر (قوله من قام رمضان الخ) أي أحيى لياليه بالطاعة حال كونه مصدقًا بأنه حق معتقدًا أفضليته مريدًا به وجه الله تعالى مع الإخلاص غفر الله له ما تقدم من ذنيه. فقوله إيمانًا أي تصديقًا منه بحقية الصيام وبوعد الله تعالى عليه بالثواب. وقوله احتسابًا أي مريدًا به وجه الله تعالى خاليًا من الرياء والسمعة. وفي رواية أحمد والنسائي زيادة وما تأخر (واستشكل) هذا بأن الغفران إنما يكون لذنب سابق فكيف يغفر ما سيقع من الذنوب (وأجيب) بأن المراد الحفظ من الوقوع في الذنوب. أو أن الذنب إذا وقع يقع مغفورًا "ويحصل إحياء لياليه" بأقل ما يصدق عليه القيام. وليس من شرطه استغراق جميع الليل. قال في الفتح ذكر النووي أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح يعني أنه يحصل بها المطلوب من القيام لا أن قيام رمضان لا يكون إلا بها. وأغرب الكرماني فقال اتفقوا على أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح اهـ. والمعول عليه الأخذ بعموم الحديث من أن القيام كما يحصل بصلاة التراويح يحصل بغيرها من أنواع الطاعات (وظاهر الحديث) عام في غفران الذنوب الصغائر والكبائر. وبه جزم ابن المنذر. لكن قال النووي في شرح مسلم المعروف عند الفقهاء أن هذا مختص بغفران

حكمة عدم مواظبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على صلاة التراويح في المسجد

الصغائر دون الكبائر. وقال بعضهم يجوز أن يخفف من الكبائر إذا لم يصادف صغيرة اهـ (قوله فتوفى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والأمر على ذلك الخ) يعني على تفريقهم في إحياء ليالي رمضان في البيوت وصلاتهم منفردين امتثالًا لأمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وفي رواية البخاري ومسلم وغيرهما عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اتخذ حجرة في المسجد من حصير فصلى فيها ليالي حتى اجتمع عليه ناس ثم فقدوا صوته ليلة وظنوا أنه قد نام في فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم فقال ما زال بكم الذي رأيت من صنيعكم حتى خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في ييوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة. واستمر الأمر على ذلك زمن خلافة أبي بكر وأول خلافة عمر ثم جمعهم عمر على أبيّ بن كعب فصلى بهم في المسجد جماعة. واستمر على الناس على هذا لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما أمرهم بصلاتها في البيوت خشية الافتراض وقد زالت هذه العلة بوفاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يأمر أبو بكر بصلاتها جماعة في المسجد لأنه كان مشغولًا بما هو أهم من ذلك وكذلك عمر أول خلافته (فقه الحديث) دلّ الحديث على الترغيب في إحياء ليالي رمضان بالطاعة وتأكد استحباب صلاة التراويح. وعلى غفران ما تقدم من الذنوب بقيامه. وعلى جواز أن يقال رمضان بدون ذكر الشهر قبله. وهو يرد على من قال بكراهة أن يقال جاء رمضان بدون ذكر الشهر مستدلًا بحديث لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ولكن قولوا شهر رمضان. فإن هذا الحديث ضعفه البيهقي، وضعفه ظاهر لأن أسماء الله تعالى توقيفية ولم ينقل عن أحد أن رمضان اسم من أسماء الله تعالى. قال العيني وكون رمضان اسمًا من أسماء الله عَزَّ وَجَلَّ غير صحيح لأن أسماء الله تعالى توقيفية لا تطلق عليه إلا بدليل صحيح. والأثر الذي جاء فيه ضعيف اهـ (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الجماعة والبيهقي مختصرًا ومطولًا وأخرجه محمَّد بن نصر ومالك في الموطأ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة فيقول من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه. قال ابن شهاب فتوفي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَا رَوَاهُ عُقَيْلٌ وَيُونُسُ وَأَبُو أُوَيْسٍ "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ". أي روى هذا الحديث عقيل بن خالد ويونس بن يزيد وأبو أويس عبد الله بن عبد الله الأصبحي كلهم عن ابن شهاب بلفظ من قام رمضان كرواية معمر. ورواية عقيل وصلها البخاري

الترغيب في الإخلاص في صيام رمضان وإحياء ليلة القدر بالطاعة

قال حدثنا يبيح بن بكر حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول لرمضان من قامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه. ورواية يونس وصلها البيهقي والنسائي قال أخبرنا الربيع بن سليمان قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول في رمضان من قامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه. وأما رواية أبي أويس فلم نقف على من وصلها (ص) وَرَوَى عُقَيْلٌ "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَامَهُ". أي روى عقيل بن خالد هذا الحديث مرة أخرى بلفظ من صام رمضان وقامه. وغرض المصنف بهذا بيان أن عقيلًا روى الحديث مرة مختصرًا على قيام رمضان ومرة رواه بذكر الصيام والقيام معًا. ولم نقف على روايته بالجمع بينهما (ص) حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ وَابْنُ أَبِي خَلَفٍ قَالاَ نَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". (ش) (مخلد) بن خالد تقدم بالثاني صفحة 322. وكذا (ابن أبي خلف) محمَّد بن أحمد بن أبي خلف صفحة 175. و (سفيان) الثوري تقدم بالأول صفحة 65 (قوله من صام رمضان الخ) أي من صام كل أيامه أما من أفطر بعض أيامه بغير عذر فلا ينال هذا الجزاء. ومن أفطر لعذر كان له الجزاء إن أدّى ما وجب عليه من القضاء أو الإطعام كمن صلى جالسًا لعذر فإن له أجر صلاة القائم (قوله ومن قام ليلة القدر الخ) أي أحياها بالعبادة "ولا يقال" إن قوله في الحديث السابق من قام رمضان يغنى عن هذا "لأن قيام" رمضان من غير موافقة ليلة القدر ومعرفتها سبب لغفران الذنوب، وقيام ليلة القدر لمن وافقها سبب للغفران وإن لم يقم غيرها فلم يغن أحدهما عن الآخر. ورتب على كل من قيام رمضان وصيامه وقيام ليلة القدر أمرًا واحدًا وهو الغفران تنبيها على أنه نتيجة الفتوحات الإلهية ومستتبع للعواطف الربانية "فان قيل" قد ثبت في تكفير الذنوب عدة أحاديث صحيحة "منها" الحديث السابق، وهذا الحديث "وحديث" صوم يوم

عرفة يكفر سنتين "وحديث" صوم عاشوراء يكفر سنة، إلى غير ذلك من الأحاديث، وإذا كانت الذنوب تكفر بأحد هذه الأعمال فما الذي يكفره الآخر "قلنا" المراد أن كل واحدة من هذه الخصال صالحة لتكفير الذنوب فإن صادفتا كفرتها وإن لم تصادفها بأن كان فاعلها سليمًا من الذنوب يكتب له بها حسنات ويرفع بها درجات. قال النووي المكفرات إن صادفت السيئات تمحها إذا كانت صغائر وتخففها إذا كانت كبائر وإلا تكون موجبة لرفع الدرجات (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الشيخان والنسائي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ. (ش) أي روى الحديث يحيى بن أبي كثير ومحمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف مثل رواية الزهري عنه "ورواية يحيى وصلها" محمَّد بن نصر قال حدثنا أبو قدامة حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام الدستوائي حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه. "ورواية محمَّد بن عمرو وصلها" الترمذي قال حدثنا هناد حدثنا عبدة والمحاربي عن محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من صام رمضان وقامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ نَاسٌ ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ "قَدْ رَأَيْتُ الَّذِى صَنَعْتُمْ فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلاَّ أَنِّى خَشِيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْكُمْ". وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ. (ش) (قوله صلى في المسجد الخ) أي في ليلة من رمضان كما ذكره بعد. وفي رواية

الجمع بين حديث خشية افتراض قيام رمضان وحديث هن خمس في الفعل الخ

الشيخين صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس مقتدين به. وصلى في المسجد لبيان جواز النافلة فيه وتعليم الناس (قوله ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة) وفي رواية الشيخين من الليلة الثالثة أو الرابعة بالشك. وفي رواية للبخاري من طريق عقيل عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد وصلى رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه فأصبح الناس فتحدثوا فأكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصلى فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله (قوله فلم يخرج إليهم رسول الله الخ) زاد أحمد من رواية ابن جريج فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى سمعت ناسًا يقولون الصلاة. وفي حديث زيد بن ثابت عند الشيخين ففقدوا صوته وظنوا أنه قد نام فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم. وفي رواية عنه عندهما فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب فخرج إليهم مغضبًا فقال ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم فعليكم بالصلاة في بيوتكم فان خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة (قوله فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم) وفي رواية البخاري من طريق عقيل حتى خرج لصلاة الصبح فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال أما بعد فإنه لم يخف عليّ مكانكم (قوله فلم يمنعني من الخزوج إليكم الخ) وفي ننسخة ولم يمنعني أي لم يمنعني مانع من الخروج إليكم إلا مخافة افتراض صلاة الليل عليكم. وفي رواية للبخاري من طريق يونس ولكني خشيت أن تفرض عليم فتعجزوا عنها. وفي رواية له عن أبي سلمة خشيت أن تكتب عليكم صلاة الليل "فدلت هذه الروايات" على أن عدم خروجه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم إليهم إنما كان لخشية افتراض هذه الصلاة. وليس في عدم خروجه دلالة على المنع من إقامة التراويح في المسجد جماعة لفعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإقراره لهم في الليالي السابقة. ولا دليل فيه على النسخ لأنه علل عدم خروجه بخشية الافتراض فإذا زالت العلة ذهب المانع وثبت جواز الإجماع، للتراويح في المسجد. "واستشكل" خشية الافتراض منه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم مع ما ثبت في حديث الإسراء من أن الله تعالى قال هن خمس في الفعل وخمسون في الأجر لا يبدل القول لديّ فإذا أمن التبديل فكيف يقع خوف الافتراض "ويجاب" باحتمال أن يكون المخوف جعل التهجد في المسجد جماعة شرطًا في صحة التنفل بالليل ويشير إليه قوله في حديث زيد بن ثابت حتى خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم. فمنعهم من صلاته جماعة إشفاقًا عليهم من اشتراط الجماعة وأمن مع إذنه في المواظبة على ذلك في البيوت من افتراضه. ويحتمل أن يكون المخوف افتراض قيام رمضان خاصة لقول عائشة في آخر الحديث وذلك في

جواز صلاة النافلة في المسجد جماعة وبيان المذاهب في صلاة التراويح في المسجد

رمضان. ويؤيده ما رواه أحمد من طريق سفيان بن حسين وفيه خشيت أن يفرض عليكم قيام هذا الشهر. وعلى هذا فيرتفع الإشكال لأن قيام رمضان لا يتكرر كل يوم بل كل سنهّ فلا يكون قدرًا زائدًا على الخمس. وقال ابن بطال يحتمل أن يكون هذا القول صدر منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما كان قيام الليل فرضًا عليه دون أمته فخشي إن خرج إليهم والتزموا معه قيام الليل أن يسوّي الله بينهم وبينه في حكمه لأن الأصل في الشرع المساواة بين النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وبين أمته في العبادة (قوله وذلك في رمضان) من كلام عائشة أدرجته في الحديث لبيان أن هذه القصة كانت في رمضان (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز صلاة النافلة في المسجد جماعة. لكن الأفضل فيها الانفراد إلا ما كانت الجماعة فيه من الشعائر كالكسوف. وكذا التراويح عند الجمهور لحديث الباب ولما فعله عمر والصحابة واستمر عمل المسلمين عليه (وقال) مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية وغيرهم الأفضل صلاتها فرادى في البيت إن لم تعطل المساجد لحديث أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وحكاه الطحاوي عن ابن عمر وإبراهيم النخعي وإسحاق بن سويد وعروة وسعيد بن جبير والقاسم وسالم ونافع وغيرهم وقال فهؤلاء كلهم يفضل صلاته وحده في شهر رمضان على صلاته مع الإِمام وذلك هو الصواب اهـ (وأجاب) الجمهور بأن حديث أفضل الصلاة صلاة المرء في ييته إلا المكتوبة مخصوص بغير ما شرعت فيه الجماعة من النوافل كالعيد فكان صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصليها في الصحراء وكذا التراويح فقد صلاها في المسجد جماعة. ودلّ الحديث على جواز الاقتداء بمن لم ينو الإمامة. وهو مذهب الجمهور. ثم إذا نوى الإِمام الإمامة بعد الاقتداء به حصلت له ولهم فضيلة الجماعة وإن لم ينوها حصلت لهم دونه على الأصح لأنه لم ينوها. والأعمال بالنيات. ودل الحديث على أنه إذا تعارضت مصلحة وخوف مفسدة قدّم درأ المفسدة لأنه صلي الله عليه وعلى آله وسلم رأى الصلاة في المسجد مصلحة لبيان الجواز فلما عارضه خوف الافتراض عليهم تركه لعظم المفسدة التي يخافها وهي عجزهم عن القيام إذا فرضت عليهم. وعلى أنه يطلب من كبير القوم إذا فعل شيئًا لم يكن يتوقعه أتباعه لعذر أن يبينه لهم تطييبًا لقلوبهم. وعلى ما كان عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الشفقة والرأفة بالأمة (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مالك وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي وأخرجه البيهقي من طريق الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج ليلة من جوف الليل يصلي في المسجد فصلى رجال يصلون بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا بذلك فاجتمع أكثر منهم فخرج رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الليلة

الثانية فصلى فصلوا معه فأصبح الناس فتحدثوا بذلك فأكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد س أهله فلم يخرج إليهم رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فطفق رجال منهم يقولون الصلاة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم حتى خرج لصلاة الصبح فلما قضى صلاة الفجر أقبل علي الناس فتشهد ثم قال أما بعد فإنه لم يخف عليّ شأنكم الليلة ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها. وكان رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يرغبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة أمر فيه فيقول من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه فتوفي رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والأمر على ذلك ثم كان الأمر علي ذلك خلافة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما (ص) حَدَّثَنَا هَنَّادُ نَا عَبْدَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ أَوْزَاعًا فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَضَرَبْتُ لَهُ حَصِيرًا فَصَلَّى عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَتْ فِيهِ قَالَ -تَعْنِي النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-- "أَيُّهَا النَّاسُ أَمَا وَاللَّهِ مَا بِتُّ لَيْلَتِى هَذِهِ بِحَمْدِ اللَّهِ غَافِلًا وَلاَ خَفِيَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ". (ش) (هناد) بن السرى تقدم بالأول صفحة 78. و (عبدة) بن سليمان تقدم بالثالث صفحة 102 (قوله يصلون في المسجد في رمضان أوزاعًا) أي متفرقين وهو حال من الضمير في يصلون أي أنهم كانوا يتنفلون في المسجد بعد صلاة العشاء جماعات متفرقة. ففي رواية أحمد ومحمد بن نصر كان الناس يصلون في مسجد رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في رمضان بالليل أوزاعًا يكون مع الرجل الشيء من القرآن فيكون معه النفر الخمسة أو الستة وأقل من ذلك وأكثر يصلون بصلاته الخ (قوله ضربت له حصيرًا) أي بسطت له حصيرًا على باب حجرتي كما صرح به في رواية أحمد وابن نصر. والحصير ما ينسج من سعف النخل أوسمار أو غيرهما (قوله بهذه القصة) أي بنحو القصة المذكورة في الحديث السابق وقد ذكرها محمَّد بن نصر في حديثه وفيه فأمرني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم ليلة من ذاك أن أنصب له حصيرًا علي باب حجرتي ففعلت فخرج رسول الله صلى الله تعالى عليه

وعلي آله وسلم بعد أن صلى العشاء الآخرة فاجتمع إليه من في المسجد فصلى بهم رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلًا طويلًا ثم انصرف فدخل وتركت الحصير علي حاله فلما أصبح الناس تحدثوا بصلاة رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمن كان في المسجد تلك الليلة فأمسى المسجد زاخًا بالناس فصلى بهم رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة العشاء الآخرة ثم دخل بيته وثبت الناس فقال لي رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما شأن الناس فقلت له سمع الناس بصلاتك البارحة بمن كان في المسجد فحشدوا لذلك لتصلي بهم قال اطوعنا حصيرك يا عائشة ففعلت فبات رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم غير غافل وثبت الناس مكانهم حتى خرج إليهم إلى الصبح فقال يأيها الناس أما والله ما بتّ والحمد لله ليلتي غافلًا وما خفي عليّ مكانكم ولكن تخوفت أن يفرض عليكم اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يملّ حتى تملوا. وقوله زاخا بالناس أي ممتلئًا بهم ودافعًا لهم لكثرة ازدحامهم. وقوله حشدوا أي اجتمعوا (قوله بحمد الله) الباء بمعنى عن متعلق بغافل أي ما بتّ غافلًا عن حمد الله وطاعته. ويحتمل أن يكون متعلقًا بمحذوف خبر المبتدإ المحذوف والجملة معترضة بين الحال وصاحبها أي ما بتّ ليلتي غافلًا وأنا الآن متلبس بالثناء علي الله تعالى (قوله ولا خفي عليّ مكانكم) أي ما خفي عليّ حالكم وما أنتم عليه لكن لم أخرج خشية أن يفرض عليكم قيام رمضان (فقه الحديث) دل الحديث على استحباب الجماعة في صلاة التراويح لصلاة الناس خلف النبي كل الله تعالى عليه وعلي آله وسلم ولم ينكر عليهم. وعلى ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم من التمسك والحرص علي الاقتداء بالنبى صلى الله تعاالى عليه وعلى آله وسلم. وعلى مشروعية القسم عند الحاجة إليه. وعلى طلب التحدث بالنعمة وشكر الله تعالى علي التوفيق لطاعته (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد ومحمد بن نصر (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- رَمَضَانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ فَلَمَّا كَانَتِ السَّادِسَةُ لَمْ يَقُمْ بِنَا فَلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ. قَالَ فَقَالَ "إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ

الترغيب في صلاة العشاء والصبح في جماعة

لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ". قَالَ فَلَمَّا كَانَتِ الرَّابِعَةُ لَمْ يَقُمْ فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ جَمَعَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ وَالنَّاسَ فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلاَحُ. قَالَ قُلْتُ مَا الْفَلاَحُ قَالَ السُّحُورُ ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا بَقِيَّةَ الشَّهْرِ. (ش) (رجال الحديث) (الوليد بن عبد الرحمن) الجرشي الحمصي. روى عن ابن عمر وأبى هريرة وأبى أمامة وجبير بن نفير وغيرهم. وعنه يعلي بن عطاء وإبراهيم بن أبي عبلة وداود بن أبي هند وإبراهيم بن سليمان ومحمد بن مهاجر. وثقه ابن معين وابن خراش وأبو حاتم ومحمد بن عون وابن حبان وقال أبو زرعة جيد الحديث من الطبقة الثالثة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (معنى الحديث) (قوله فلم يقم بنا الخ) أي لم يصل بنا قيام رمضان حتى بقي سبع ليال من الشهر فصلى ليلة الثالث والعشرين نظرًا إلى المتيقن وهو أن الشهر تسع وعشرون (قوله فلما كانت السادسة الخ) أي الليلة السادسة مما بقي من الشهر وهي ليلة الرابع والعشرين والليلة الخامسة مما بقي من الشهر هي ليلة الخامس والعشرين (قوله فقلت يا رسول الله لو نفلتنا الخ) بتشديد الفاء وتخفيفها أي قال أبو ذر نتمنى أن تزيدنا في قيام هذه الليلة على النصف فإن ذلك خير لنا. فلو للتمني، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم إن الشخص إذا صلى مع الإِمام الفرض والقيام حصل له ثواب قيام ليلة تامة بخلاف ما إذا صلى مع الإِمام العشاء فقط فإنه يحصل له ثواب قيام نصف ليلة لما رواه مالك والترمذي ومسلم وتقدم للمصنف في باب فضل صلاة الجماعة من الجزء الرابع عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة (قوله فلما كانت الرابعة الخ) أي الليلة الرابعة مما بقي من الشهر وهي ليلة السادس والعشرين، والليلة الثالثة، ليلة السابع والعشرين جمع النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم أقاربه وأزواجه وخواصه من الصحابة فصلى بهم القيام (قوله حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح) يعني أطال بنا القيام حتى خفنا فوات السحور. قال الخطابي أصل الفلاح البقاء سمي السحور فلاحًا إذ كان سببًا لبقاء الصوم ومعينًا عليه أي أنه معين على إتمام الصوم المفضي إلى الفلاح وهو الفوز بالسعادة في الدار الآخرة. (قوله قلت ما الفلاح الخ) أي قال جبير بن نفير لأبي ذر ما الفلاح قال السحور بضم السين وهو تناول الطعام. وبالفتح اسم لما يتسحر به من الطعام والشراب. قال في النهاية. وأكثر ما يروي بالفتح, وقيل إن الصواب بالضم لأنه بالفتح الطعام، والبركة والأجر والثواب في الفعل لا في الطعام اهـ وبه يظهر خشيتهم فوته (قوله ثم لم يقم بنا بقية الشهر) أي لم يصل بنا القيام

ليلة الثامن والعشرين والتاسع والعشرين (وبالحديث) استدل الجمهور على أن صلاة التراويح جماعة في المسجد أفضل منها في المنازل، وأنه مخصص لعموم حديث أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة رواه النسائي والطبراني عن زيد بن ثابت "هذا وحديث الباب، يفيد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى التراويح ليلة الثالث والخامس والسابع والعشرين أي أنه صلى بهم ثلاث ليال منفصلة. وحديث عائشة السابق يدل بظاهره على أنه صلى بهم ليلتين متواليتين (ويجمع بينهما) بأن في حديث عائشة اختصارًا لما تقدم في رواية البخاري من طريق عقيل عن ابن شهاب وفيها فأكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصلى فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله. وبأنه ليس في حديثها ذ كر الوصل صريحًا فيحمل على الانفصال كحديث أبي ذر (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي والطحاوي وابن ماجه ومحمد بن نصر والترمذي وقال حديث صحيح وأخرجه الحاكم وصححه ورواه البيهقي عن أبي ذر قال صمنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رمضان فلم يقم بنا من الشهر شيئًا حتى كانت ليلة ثلاث وعشرين قام بنا حتى ذهب نحو من ثلث الليل ثم لم يقم بنا من الليلة الرابعة وقام بنا في الليلة الخامسة حتى ذهب نحو من نصف الليل فقلنا يا رسول الله لو نفلتنا بقية الليل فقال إن الإنسان إذا قام مع الإِمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته ثم لم يقم بنا الليلة السادسة وقام السابعة وبعث إلى أهله واجتمع الناس حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح قال قلت وما الفلاح قال السحور ورواه وهيب عن داود قال ليلة أربع وعشرين السابع مما يبقى وليلة ست وعشرين الخامس مما يبقى وليلة ثمان وعشرين الثالث مما يبقى اهـ (ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ وَدَاوُدُ بْنُ أُمَيَّةَ أَنَّ سُفْيَانَ أَخْبَرَهُمْ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ -وَقَالَ دَاوُدُ عَنِ ابْنِ عُبَيْدِ بْنِ نِسْطَاسٍ- عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَأَبُو يَعْفُورٍ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ نِسْطَاسٍ. (ش) (رجال الحديث) (داود بن أمية) الأزدي. روى عن سفيان بن عيينة ومعاذ ابن هشام. وعنه أبو داود وعبد الله بن محمَّد البغوي وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي. قال في التقريب ثقة من العاشرة. لا يروي إلا عن ثقة. و (أبو يعفور) عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس

استحباب الإكثار من الطاعة في العشر الأواخر من رمضان

الثعلبي السامري الكوفي. روى عن أبيه والسائب بن يزيد وأبي الضحى وإبراهيم النخعي وآخرين. وعنه الحسن بن صالح وابن المبارك والسفيانان ومحمد بن فضيل وجماعة. وثقه أحمد وابن معين وابن حبان ويعقوب بن سفيان وقال أبو حاتم ليس به بأس. روى له الجماعة (قوله وقال داود الخ) أي قال داود بن أمية في روايته إن سفيان بن عيينة أخبرهم عن ابن عبيد بن نسطاس بكسر النون وسكون السين المهملة وهو أبو يعفور. و (أبو الضحى) هو مسلم بن صبيح تقدم بالخامس صفحة 107 (معنى الحديث) (قوله إذا كان دخل العشر الخ) أي العشر الأواخر من رمضان أحيى أكثر الليل بالاجتهاد في الطاعة لقول عائشة في حديث سعد بن هشام المتقدم في صلاة الليل ولم يقم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة يتمها إلى الصباح. وقال النووي وقولها أحيى الليل أي استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها. وأما قول أصحابنا يكره قيام الليل فمعناه الدوام عليه ولم يقولوا بكراهة ليلة أوليلتين والعشر. ولهذا اتفقوا على استحباب إحياء ليلتي العيدين وغير ذلك اهـ ونسبة الإحياء إلى الليل مجاز كأن الزمان المشغول بالعبادة بمنزلة الحي والخالي منها بمنزلة الميت. ويحتمل أن يكون المعنى أحيى نفسه باليقظة للطاعة في الليل لأن النوم موت أصغر, فإسناد الإحياء إلى الليل مجاز عقلي. وقوله وشد المئزر بكسر الميم أي الإزار. وفي رواية مسلم وجدّ وشدّ المئزر وهو كناية عن الاجتهاد في العبادة زيادة على عادته. أو كناية عن اعتزال النساء قال الخطابي يحتمل أنه يراد به الجد في العبادة كما يقال شددت لهذا الأمر مئزري أي تشمرت له. ويحتمل أن يراد التشمير والاعتزال معًا. ويحتمل أن يراد الحقيقة والمجاز فيراد شد مئزره حقيقة فلم يحله واعتزل النساء وشمر للعبادة اهـ (والحكمة) في اجتهاده صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم في العشر الأواخر من رمضان رجاء مصادفة ليلة القدر فإنها تكون غالبًا في العشر الأواخر كما سيذكره المصنف, والحرص علي إحسان خاتمة العمل في هذا الشهر (قوله وأيقظ أهله) للطاعة. والمراد من كان يطيق القيام من أهله فقد روى محمَّد بن نصر في قيام الليل عن زينب بنت أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا بقي من الشهر عشرة أيام لم يذر أحدًا من أهله يطيق القيام إلا أقامه (وفي الحديث) استحباب الإكثارمن العبادة في العشر الأواخر من رمضان لما فيها من مزيد الفضل والترغيب في التعاون علي الاجتهاد في الطاعة فيها (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري ومسلم والبيهقي وابن ماجه والنسائي ومحمد بن نصر (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله تعالى

الأفضل للقاريء أن يصلي التراويح منفردا بخلاف غيره

عليه وعلى آله وسلم - فَإِذَا أُنَاسٌ في رَمَضَانَ يُصَلُّونَ في نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ "مَا هَؤُلاَءِ". فَقِيلَ هَؤُلاَءِ نَاسٌ لَيْسَ مَعَهُمْ قُرْآنٌ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يُصَلِّي وَهُمْ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "أَصَابُوا وَنِعْمَ مَا صَنَعُوا". قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِالْقَوِيِّ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ ضَعِيفٌ. (ش) (رجال الحديث) (مسلم بن خالد) بن فروة وقيل ابن قرقرة أبو خالد الزنجي المخزومي القرشي الفقيه. روى عن يحيى بن زيد بن أسلم والزهري وعمرو بن دينار وعتبة بن مسلم والعلاء بن عبد الرحمن. وعنه ابن وهب والشافعي وعبد الملك بن الماجشون والقعنبي وجماعة. ضعفه المصنف كما ذكره بعد. وقال ابن المديني ليس بشيء وقال البخاري منكر الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به يعرف وينكر. وقال في التقريب فقيه صدوق كثير الأوهام من الثامنة وقال ابن عدي حسن الحديث وأرجو أنه لا بأس به وقال ابن حبان كان من فقهاء الحجاز ومنه تعلم الشافعي الفقه قبل أن يلقى مالكًا وكان يخطئ أحيانًا ووثقه ابن معين والدارقطني وقال الساجي صدوق كان كثير الغلط (قوله أبيه) هو عبد الرحمن بن يعقوب الحرقى تقدم بالأول صفحة 98 (معنى الحديث) (قوله ما هؤلاء الخ) أي ما بال هؤلاء مجتمعين فقيل هؤلاء ناس لا يحفظون شيئًا من القرآن يقرءونه في صلاة الليل وأبي بن كعب يصلي بهم لأنه كان يحفظ ويحسن القراءة (قوله أصابوا ونعم ما صنعوا) أي وافقوا الصواب وحسن صنعهم. وفي هذا دليل علي جواز الجماعة في قيام رمضان (وبالحديث) استدل الشافعي على أن الأفضل في حق غير القارئ أن يصلي مأمومًا في قيام رمضان بخلاف القارئ فإن الأفضل في حقه الانفراد. قال الترمذي واختار الشافعي أن يصلي الرجل وحده إذا كان قارئًا اهـ (والحديث) أخرجه ابن نصر وهو ضعيف كما ذكره المصنف بقوله وليس هذا الحديث بالقوي مسلم بن خالد ضعيف. لكن تقدم أن ابن حبان ذكره في الثقات ووثقه ابن معين وغيره. وقد أخرج الحديث البيهقي في المعرفة عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي وقال إسناده جيد وثعلبة ابن أبي مالك قد رأى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيما زعم أهل العلم بالتاريخ اهـ وقال الذهبي في تجريد أسماء الصحابة ثعلبة بن أبي مالك أبو يحيى القرظي ولد في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وله رواية وطال عمره اهـ

أقوال العلماء في عدد ركعات التراويح

تتميم مباحث تتعلق بصلاة التراويح (الأول) اختلف العلماء في عدد ركعاتها. فذهب أهل الحديث إلى أنها ثمان ركعات غير الوتر. واستدلوا بما أخرجه محمَّد بن نصر قال حدثنا محمد بن حميد الرازي حدثنا يعقوب بن عبد الله حدثنا عيسى بن جارية عن جابر قال صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رمضان ليلة ثمان ركعات والوتر فلما كان من القابلة اجتمعنا في المسجد ورجونا أن يخرج إلينا فلم ينزل فيه حتى أصبحنا قال إني كرهت وخشيت أن يكتب عليكم الوتر. ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما. واستدلوا أيضًا بما رواه مالك في الموطأ ومحمد بن نصر عن محمَّد بن يوسف عن السائب بن يزيد أنه قال أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميمًا الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة. ورواه سعيد بن منصور من طريق آخر. وبما رواه الشيخان عن عائشة وتقدم للمصنف في باب صلاة الليل قالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره علي إحدى عشرة ركعة "وما رواه البيهقي" عن ابن عباس من أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي في شهر رمضان في غير جماعة عشرين ركعة والوتر "فقد قال البيهقي" تفرد به أبو شيبة إبراهيم بن عثمان وهو ضعيف (وقال بعضهم) عدد ركعات التراويح عشر غير الوتر. لحديث رواه محمَّد بن إسحاق عن محمَّد بن يوسف عن السائب بن يزيد قال كنا نصلي في زمن عمر بن الخطاب في رمضان ثلاث عشرة ركعة ولكن والله ما كنا نخرج إلا في وجاه الصبح كان القارئ يقرأ في كل ركعة بخمسين آية ستين آية. رواه محمَّد بن نصر وقال قال ابن إسحاق وما سمعت في ذلك حديثًا هو أثبت عندي ولا أحرى بأن يكون كان من حديث السائب وذلك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم كانت له من الليل ثلاث عشرة ركعة اهـ (وذهبت) الحنفية والشافعية والحنابلة وداود وكثيرون إلى أنها عشرون ركعة بعشر تسليمات وذلك خمس ترويحات كل ترويحة أربع ركعات بتسليمتين، سميت بذلك لأنه يجلس عقب كل أربع جلسة خفيفة للاستراحة وهو مشهور مذهب المالكية. واستدلوا بما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن السائب بن يزيد قال كانوا يقومون على عهد عمر بعشرين ركعة وعلي عهد عثمان وعلي مثله. وقال الترمذي وأكثر أهل العلم علي ما روى عن عمر وعلي وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم عشرين ركعة. وهو قول الثوري وابن المبارك والشافعي وقال هكذا أدركت الناس بمكة يصلون عشرين ركعة اهـ. وبما رواه محمَّد بن نصر عن السائب أيضًا أنهم كانوا يقومون في رمضان بعشرين ويقرءون بالمئين من القرآن وأنهم كانوا يعتمدون على العصيّ في زمان عمر بن الخطاب. ورواه مالك من طريق بن يزيد بن خصيف عن السائب. وبما روى عبد الرزاق عن محمَّد بن يوسف أنهم كانوا يقومون بإحدى وعشرين. وبما رواه مالك في الموطأ ومحمد بن نصر عن يزيد بن رومان

الجمع بين الروايات الواردة في عدد ركعاتها

قال كان الناس في زمن عمر يقومون بثلاث وعشرين ركعة. وروى محمَّد بن نصر عن محمَّد بن كعب القرظي قال كان الناس يصلون في زمن عمر بن الخطاب في رمضان عشرين ركعة يطيلون فيها القراءة ويوترون بثلاث. وروى عن عطاء قال أدركتهم يصلون في رمضان عشرين ركعة والوتر ثلاث ركعات (ويجمع بين هذه الروايات) المبينة لعدد ركعات التراويح في زمن عمر أنهم أولًا كانوا يقومون بإحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة يطيلون فيها القراءة كما كان في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر ثم لما رأوا ملل القوم من تطويل القراءة خففوها وزادوا في عدد الركعات فصلوها عشرين غير الوتر (واختار مالك) في أحد قوليه أن عددها ست وثلاثون ركعة غير الوتر. فقد قال ابن القاسم سمعت مالكًا يذكر أن جعفر بن سلمان أرسل إليه يسأله أننقص من قيام رمضان فنهاه عن ذلك قال وقد قام الناس هذا القيام قديمًا. قيل له فكم القيام فقال تسع وثلاثون ركعة بالوتر ذكره محمَّد بن نصر وذكر نحوه في المدوّنة. وروى محمَّد بن نصر عن نافع مولى ابن عمر قال لم أدرك الناس إلا وهم يصلون تسعًا وثلاثين ركعة ويوترون منها بثلاث, ذكره في المدونة. وروى محمَّد أيضًا عن داود بن قيس قال أدركت المدينة في زمان أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز والناس يصلون ستًا وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث. ورواه ابن أبي شيبة (وسبب) هذه الزيادة ما جاء من ضعف الناس من طول القراءة (قال) الزرقاني في الموطأ وذكر ابن حبان أن التراويح كانت أولًا إحدى عشرة ركعة كانوا يطيلون القراءة فثقل عليهم فخففوا القراءة وزادوا في عدد الركعات فكانوا يصلون عشرين ركعة غير الشفع والوتر بقراءة متوسطة ثم خففوا القراءة وجعلوا الركعات ستًا وثلاثين غير الشفع ومضى الأمر على ذلك اهـ. وذكر نحوه الباجي (وقال) النووي قال أصحابنا والسبب في أن أهل المدينة كانوا يصلونها ستًا وثلاثين أن أهل مكة كانوا يطوفون بالكعبة بين كل ترويحتين ولا يطوفون بعد الترويحة الخامسة فأراد أهل المدينة مساواتهم فجعلوا مكان كل طواف أربع ركعات فزادوا على العشرين ست عشرة ركعة اهـ ببعض تصرف وقيل إن عدد التراويح ثمان وثلاثون ركعة غير الوتر فقد روى محمَّد بن نصر عن أبي أيمن قال قال مالك أستحب أن يقوم الناس في رمضان بثمان وثلاثين ركعة ثم يسلم الإِمام والناس ثم يوتر بواحدة وهذا العمل بالمدينة قبل الحرة منذ بضع ومائة سنة إلى اليوم (ويمكن) رد هذا إلى ما قبله بضم ركعتي الشفع إلى ست وثلاثين. ويوافقه ما رواه ابن نصر عن محمَّد بن أبي ذئب عن صالح مولى التوءمة قال أدركت الناس قبل الحرة يقومون بإحدى وأربعين ركعة يوترون منها بخمس. قال ابن أبي ذئب فقلت لا يسلمون بينهن "أي الخمس الوتر" فقال بل يسلمون بين كل ثنتين ويوترون بواحدة إلا أنهم يصلون جميعًا. والحرة أرض خارج المدينة ذات حجارة سود سميت بها الواقعة التي نهب فيها المدينة جيش يزيد بن معاوية وقاتلوا أهلها سنة ثلاث وستين. وقال الترمذي في جامعة

بيان وقت صلاتها وما يقرأ فيها

واختلف أهل العلم في قيام رمضان فرأى بعضهم أن يصلي إحدى وأربعين ركعة مع الوتر وهو قول أهل المدينة. وقال إسحاق بل نختار إحدى وأربعين ركعة على ماروى عن أبيّ بن كعب اهـ المقصود منه (ونقل) ابن عبد البر عن الأسود بن يزيد أنها تصلى أربعين ويوتر بسبع. وعن زرارة بن أوفى أنه كان يصلي بهم بالبصرة أربعًا وثلاثين ويوتر. وعن سعيد بن جبير أنه كان يصليها أربعًا وعشرين. وقيل ست عشرة غير الوتر. هذا حاصل ما قيل في عددها (وما كان) في زمن النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأبى بكر وأول خلافة عمر أولى وأحق أن يتبع فتصلى ثماني ركعات أو عشرًا غير الوتر وهو الأفضل. ويليه في الفضل صلاتها عشرين عملًا بما كان في آخر زمن عمر وزمن عثمان وعلي فإن قيام الليل مرغب فيه ولم يرد فيه تحديد من الشارع وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ رواه المصنف وغيره. وروى محمَّد بن نصر عن الزعفراني عن الشافعي قال رأيت الناس يقومون بالمدينة تسعًا وثلاثين ركعة قال وأحب إلي عشرون وكذلك يقومون بمكة وليس في شيء من هذا ضيق ولا حد ينتهي إليه لأنه نافلة فإن أطالوا القيام وأقلوا السجود فحسن وهو أحب اليّ وإن أكثروا الركوع والسجود فحسن اهـ (المبحث الثاني في وقتها) وهو بعد صلاة العشاء إلى آخر الليل قبل الوتر وبعده. والأفضل أن تصلى قبل الوتر وبعد سنة العشاء وهو قول الجمهور. وقيل إن وقتها ما بين صلاة العشاء والوتر. وهو قول للحنفية (المبحث الثالث فيما يقرأ فيها) المختار الذي قاله الأكثر واتفق العلماء على العمل به أن يقرأ القرآن بتمامه في التراويح في جميع الشهر فيقرأ في كل ليلة نحو جزء من ثلاثين ولا يترك ذلك لكسل القوم. وقيل يقرأ في كل ركعة من عشرين آية إلى ثلاثين آية كما أمر عمر بن الخطاب الأئمة الثلاثة. فقد روى البيهقي بإسناده عن أبي عثمان النهدي قال دعا عمر بن الخطاب بثلاث من القراء فاستقرأهم فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ ثلاثين آية وأمر أوسطهم أن يقرأ خمسًا وعشرين وأمر أبطأهم أن يقرأ عشرين آية. ورواه محمَّد بن نصر. والأمر في ذلك واسع فليفعل الإِمام ما لا يؤدي إلى نفور القوم مع مراعاة ما يطلب لها من سنن وآداب "ومن وقف" على ما كان عليه السلف الصالح من الاهتمام بها وإطالة القراءة فيها والاطمئنان في باقي الأركان مع تمام الخشوع حتى كانوا لا ينصرفون منها إلا قبيل الفجر"عرف" أنه خلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات. وقد كان السلف يراعون حال القوم من النشاط وعدمه. فقد روى مالك ومحمد بن نصر عن محمَّد بن يوسف عن السائب بن يزيد قال أمر عمر ابن الخطاب أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس في رمضان فكان القارئ يقرأ بالمائتين حتى كنا نعتمد على العصى من طول القيام وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر. وفي نسخة

بيان ما عليه أئمة الزمان وما كان عليه السلف الصالح في صلاة التراويح وغيرها

إلا في بزوغ الفجر. وروى مالك عن داود بن الحصين عن عبد الرحمن الأعرج قال كان القارئ يقوم بسورة البقرة في ثمان ركعات وإذا قام بها في ثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف. وروى مالك أيضًا عن عبد الله بن أبي بكر قال سمعت أبي يقول كنا ننصرف في رمضان فنستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر. وروى محمَّد بن نصر عن أبي مجلز أنه كان يقرأ بهم سبع القرآن في كل ليلة. وقال أبو داود سئل أحمد عن الرجل يقرأ القرآن مرتين في رمضان يؤم الناس قال هذا عندي على قدر نشاط القوم وإن فيهم العمال (فانظر هذا) وما اعتاده أئمة زماننا في صلاتهم التراويح وغيرها من الإسراع في القراءة وتقليلها وتخفيف الأركان وعدم الاطمئنان فيها وترك دعاء الاستفتاح وأذكار الأركان وترك الصلاة علي النبي صل الله عليه وآله وسلم وعلي الآل بعد التشهد وإسراعهم السلام وعدم الخشوع. وسبب كل هذا إهمال السنن واندراسها لقلة العمل بها حتى صار العامل بها مجهلًا عند كثير من الناس بمخالفته ما عليه أهل عصره فأصبح المعروف لديهم منكرًا والمنكر معروفًا. فأين هم من قول الله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) وقول النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي رواه أحمد والبخاري. وقوله لمن كان يعبث أثناء صلاته "لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه، رواه الترمذي عن أبي هريرة. وقد قال عفان بن مسلم عن حماد بن سلمة وقد نظر إلى رجل يصلي فجعل يخفف صلاته فقال له أحسن صلاتك فقال إني رأيت الحسن الجفزي يخفف صلاته يعني في التظوع فقال سمعت يونس بن عبيد يقول ما استخف رجل بالتطوع إلا استخف بالفريضة. وقال ميمون بن مهران أدركت الناس إذا قرأ "يعني الإِمام، خمسين آية قالوا إنه ليخفف, وأدركت القرّاء في رمضان يقرءون القصة منها قصرت أو طالت فأما اليوم فإني أقشعرّ من قراءة أحدهم يقرأ {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} ثم يقرأ في الركعة الأخرى {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}. {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} ذكره محمَّد بن نصر (فعلى العاقل) أن يعمل بما كان عليه النبي صل الله تعالى عليه وعلي آله وسلم وأصحابه والسلف الصالح وأن يأمر غيره بذلك ليحشر مع الفائزين. ولا يغتر بكثرة المخالفين لذلك من أهل زمانه ولا بوقوع ذلك في كثير من المساجد بحضور من ينتسبون إلى العلم. فقد قال الفضيل بن عياض لا تستوحش طرق الهدى لقلة أهلها ولا تغتر بكثرة الهالكين (باب في ليلة القدر) أي فيما يدل ثبوتها. وسميت بذلك لعظم قدرها وشرفها. فالقدر الشرف والمنزلة فمن أتى فيها بالطاعات صار ذا قدر وشرف. أو أن الطاعات فيها لها قدر زائد. ويحتمل أن يكون القدر من

بيان وقتها

التقدير وذلك لأن الله تعالى يظهر فيها ما يشاء من أمره إلى مثلها من السنة القابلة من أمر الموت والأجل والرزق إلى غير ذلك لقوله تعالى (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) وقوله تعالى (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) أي أنه تعالى يظهر ما سيكون في السنة المقبلة ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم مما قدره الله تعالى أزلًا وعلمه. وأجمع من يعتد به على وجودها ودورانها إلى يوم القيامة للأحاديث الصحيحة الكثيرة الآتية (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ -الْمَعْنَى- قَالاَ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ قَالَ قُلْتُ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَخْبِرْنِي عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ فَإِنَّ صَاحِبَنَا سُئِلَ عَنْهَا. فَقَالَ مَنْ يَقُمِ الْحَوْلَ يُصِبْهَا. فَقَالَ رَحِمَ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ -زَادَ مُسَدَّدٌ وَلَكِنْ كَرِهَ أَنْ يَتَّكِلُوا أَوْ أَحَبَّ أَنْ لاَ يَتَّكِلُوا ثُمَّ اتَّفَقَا- وَاللَّهِ إِنَّهَا لَفِي رَمَضَانَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ لاَ يَسْتَثْنِي. قُلْتُ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَنَّى عَلِمْتَ ذَلِكَ قَالَ بِالآيَةِ الَّتِى أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. قُلْتُ لِزِرٍّ مَا الآيَةُ قَالَ تُصْبِحُ الشَّمْسُ صَبِيحَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِثْلَ الطَّسْتِ لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ حَتَّى تَرْتَفِعَ. (ش) (حماد) بن سلمة تقدم بالأول صفحة 26. وكذا (عاصم) بن بهدلة صفحة 90 و (زر) بن حبيش تقدم بالثاني صفحة 32 (قوله أخبرنا عن ليلة القدر الخ) أي عن وقتها فإن صاحبنا أي عبد الله بن مسعود سئل عنها "ففي رواية مسلم" إن أخاك ابن مسعود يقول من يقم الحول الخ. وفي رواية ابن نصر أخبرني عن ليلة القدر فإن ابن أم عبد يقول من يقم الحول يصبها أي من يحيى كل ليالي السنة بالطاعة يدرك ليلة القدر لعدم خلوّ السنة منها فقال أبيّ بن كعب رحم الله أبا عبد الرحمن أي ابن مسعود لقد علم أن ليلة القدر في رمضان لا في غيره لما سيأتي عنه في باب من روى أنها ليلة سبع عشرة قال قال لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اطلبوها ليلة سبع عشرة من رمضان وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين ثم سكت. وهذا قول عن ابن مسعود. والمشهور عنه أنها ليلة معينة عند الله تعالى في السنة لا تتغير بتغير السنين ولذا أخبر أن من قام العام أصابها. ولعل أبيّ بن كعب ما عرف عنه إلا القول الأول فلذا جزم بأنه يعلم أنها في

علاماتها

ْرمضان لا تتعداه إلى غيره (قوله زاد مسدد الخ) أي زاد مسدد بن مسرهد في روايته علي سلمان بن حرب قول أبيّ ولكن كره ابن مسعود أن تعتمدوا علي قول واحد وهو أنها ليلة السابع والعشرين من رمضان وإنكان هو الصحيح الغالب علي الظن فلا تقوموا إلا تلك الليلة وتتركوا قيام باقي ليالي العام فتفوت حكمة الإبهام التي نسي النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم بسببها تعيين ليلة القدر وهي طلب الاجتهاد في الطاعة في جميع ليالي الشهر فقد روى محمَّد بن نصر من طريق وأهب بن عبد الله المغافري أنه سأل زينب بنت أم سلمة عن ليلة القدر فقالت لم يكن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعلمها ولو علمها لم تقم الناس غيرها، وقوله أو أحب أن لا يتكلوا بالشك من الراوي. وفي رواية مسلم أراد أن لا يتكل الناس بلا شك (قوله ثم اتفقا والله إنها الخ) أي اتفق سليمان بن حرب ومسدد على قول أبيّ والله إن ليلة القدر لفي رمضان ليلة سبع وعشرين. وفي رواية مسلم أما إنه قد علم أنها في رمضان وأنها في العشر الأواخر وأنها ليلة سبع وعشرين (قوله لا يستثنى) بياء الغائب، وهو من كلام زر بن حبيش أي حلف أبيّ حال كونه غير مستثن في يمينه بنحو إن شاء الله. وفي بعض النسخ لا نستثني بنون الجماعة فيكون من كلام أبيّ والمعنى لا نستثني في يميننا. ويؤيد الرواية الأولى ما في رواية مسلم ثم حلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين (قوله قلت يا أبا المنذر الخ) كنية أبيّ بن كعب أي قال زر بن حبيش له من أين علمت أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين قال بالعلامة التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال له عاصم ما العلامة التي أخبركم بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال تطلع الشمس صبيحتها بيضاء نقية خالية من الشعاع مثل الطست وهو اسم للإناء المعروف معرّب لأن التاء والطاء لا يجتمعان في كلمة عربية. ذكره في المصباح وقد تقدم في باب صفة وضوء النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن فيه لغات طست وطس وطسه بفتح الطاء وكسرها في الكل. والشعاع ما يرى من ضوء الشمس عند بروزها كالحبال مقبلة إلى الناظر وذلك لأن الملائكة لكثرة اختلافها في ليلة القدر ونزولها إلى الأرض وصعودها تحجب بأجنحتها وأجسامها اللطيفة شدة ضوء الشمس فلا يرى لها شعاع. وفائدة هذه العلامة مع أنها لا توجد إلا بعد انقضاء الليلة أن يشكر الله تعالى من وفق لقيامها ويستعد لقيامها في السنة المقبلة (وقد. ورد) لها علامات أخر. منها ما رواه ابن نصر عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال أمارة ليلة القدر أنها ليلة صافية مليحة كأن فيها قمرًا ساطعًا ساكنة لا حر فيها ولا برد ولا يحل لكوكب أن يرى فيها بنجم حتى الصباح وأن أمارة الشمس صبيحتها أن تجري لا شعاع لها مثل القمر ليلة البدر ولا يحل لشيطان أن يخرج معها يومئذ. وقوله مليحة بضم الميم من ألاح يليح إذا تلألأ أي ليلة مضيئة بالأنوار. وروى أحمد عن

اهتمام الصحابة بمعرفة وقتها

عبادة أيضًا نحوه مرفوعًا بلفظ أنها صافية بلجة كأن فيها قمرًا ساطعًا ساكنة ضاحية لا حر فيها ولا برد ولا يحل لكوكب يرمي به فيها. وقوله بلجة أي مضيئة. ونحوه ضاحية. والمراد بسكونها سكون الأصوات فيها. ونحوه عند ابن حبان من حديث جابر بن عبد الله. ومنها ما ذكره الطبري عن قوم من أن الأشجار في تلك الليلة تسقط علي الأرض ثم تعود إلى منابتها وأن كل شيء يسجد فيها (فقه الحديث) دل الحديث علي أنه يطلب ممن اشتبه عليه أمر أن يسأل عنه أهل الذكر. وعلي أن ابن مسعود يرى أن ليلة القدر لا تختص برمضان. وعلى أن أبيّ بن كعب يرى أنها تختص بليلة سبع وعشرين من رمضان ويعتقد أن ابن مسعود يرى ذلك لما ثبت عنده من الأحاديث. وقد علمت أن مشهور مذهب ابن مسعود خلاف ذلك. وعلي جواز الحلف على غلبة الظن. وعلي بيان علامة ليلة القدر (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي ومحمد بن نصر وكذا الترمذي مختصرًا وقال حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ ضَمُرَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ فِي مَجْلِسِ بَنِي سَلِمَةَ وَأَنَا أَصْغَرُهُمْ فَقَالُوا مَنْ يَسْأَلُ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَذَلِكَ صَبِيحَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ. فَخَرَجْتُ فَوَافَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلاَةَ الْمَغْرِبِ ثُمَّ قُمْتُ بِبَابِ بَيْتِهِ فَمَرَّ بِي فَقَالَ "ادْخُلْ". فَدَخَلْتُ فَأُتِيَ بِعَشَائِهِ فَرَآنِي أَكُفُّ عَنْهُ مِنْ قِلَّتِهِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ "نَاوِلْنِي نَعْلِي". فَقَامَ وَقُمْتُ مَعَهُ فَقَالَ "كَأَنَّ لَكَ حَاجَةً". قُلْتُ أَجَلْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَهْطٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يَسْأَلُونَكَ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَالَ "كَمِ اللَّيْلَةُ". فَقُلْتُ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ قَالَ "هِىَ اللَّيْلَةُ". ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ "أَوِ الْقَابِلَةُ". يُرِيدُ لَيْلَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ. (ش) (رجال الحديث) (أحمد بن حفص) بن عبد الله بن راشد أبو علي السلمي النيسابوري. روى في أبيه والحسين بن الوليد والجارود بن بن يد العامري وجماعة. وعنه

البخاري وأبو داود والنسائي وأبو حاتم وأبو عوانة وابن خزيمة وكثيرون. قال النسائي لا بأس به صدوق قليل الحديث وقال في التقريب صدوق من الحادية عشرة. توفي سنة ثمان وخمسين ومائتين. و (أبوه) هو حفص بن عبد الله بن راشد السلمي قاضي نيسابور. روى عن إبراهيم بن طهمان وإسراءيل بن يونس وابن أبي ذئب والثوري ومسعر وجماعة. وعنه ابنه أحمد ومحمد بن عقيل ومحمد بن يزيد وآخرون. ذكره ابن حبات في الثقات وقال في. التقريب صدوق من التاسعة. توفي سنة تسع ومائتين. روى له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه و (إبراهيم بن طهمان) تقدم بالسادس صفحة 59. و (عباد بن إسحاق) أو عبد الرحمن ابن إسحاق تقدم بالخامس صفحة 260. و (محمَّد بن مسلم الزهري) تقدم بالأول صفحة 48 و(ضمرة بن عبد الله بن أنيس) الجهني حليف الأنصار، روى عن أبيه، وعنه الزهري وبكير بن عبد الله وبكير بن مسمار. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من الثالثة، روى له أبو داود والنسائي هذا الحديث لا غير (قوله عن أبيه) هو عبد الله بن أنيس تقدم بصفحة 130 (معنى الحديث) (قوله بني سلمة) بكسر اللام "بطن من الأنصار" (قوله وذلك صبيحة إحدى وعشرين من رمضان) أي أن اجتماعهم وتشاورهم فيمن يسأله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ليلة القدر كان صبيحة إحدى وعشرين من رمضان (قوله فوافيت مع رسول الله الخ) يعني أتيته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقت صلاة المغرب فأديتها معه فأتى بعشائه بفتح العين أي طعام الليل فرأيت من نفسي عدم الإكثار من الطعام لأجل قلته (قوله قال هي الليلة الخ) أي قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هي ليلة اثنتين وعشرين ثم رجع عن قوله هذا فقال بل هي القابلة، فأوللإضطراب فأفاد أنها ليلة ثلاث وعشرين، ويحتمل أن تكون أوللإبهام فكأنه قال هي الليلة أوالليلة القابلة فتكون دائرة بين ليلة ثنتين وعشرين وثلاث وعشرين (فقه الحديث) دل الحديث على اعتناء الصحابة بأمر الدين، وعلى مشروعية الانتقال لطلب العلم، وعلى أن ليلة القدر ليلة ثنتين أو ثلاث وعشرين من رمضان (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والنسائي قال المنذري قال أبو داود هذا حديث غريب لم يرو الزهري عن ضمرة غير هذا الحديث اهـ (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا زُهَيْرٌ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي بَادِيَةً أَكُونُ فِيهَا

ذكر من قال إن ليلة القدر ليلة الثالث والعشرين من رمضان

وَأَنَا أُصَلِّي فِيهَا بِحَمْدِ اللهِ فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ أَنْزِلُهَا إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ. فَقَالَ "انْزِلْ لَيْلَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ". فَقُلْتُ لاِبْنِهِ كَيْفَ كَانَ أَبُوكَ يَصْنَعُ قَالَ كَانَ يدخلُ الْمَسْجِدَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ فَلاَ يَخْرُجُ مِنْهُ لِحَاجَةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ فَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ وَجَدَ دَابَّتَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَجَلَسَ عَلَيْهَا فَلَحِقَ بِبَادِيَتِهِ. (ش) (زهير) بن معاوية تقدم بالأول صفحة 112. و (ابن عبد الله بن أنيس) هو ضمرة المذكور في سندالحديث السابق (قوله إن لي بادية الخ) يعني أن لي سكنًا بالبادية أقيم فيه وأصلى إمامًا بأهلها فدلني علي ليلة ذات شأن من شهر رمضان أنزل فيها إلى المسجد النبوى لإحيائها بعبادة الله فيه لأجمع بين فضيلتي الزمان والمكان، وفي رواية ابن نصر مرني بليلة من هذا الشهر أنزلها إلى المسجد فأصليها فيه فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنزل إلى المسجد ليلة ثلاث وعشرين زاد ابن نصر في روايته فصلها فيه فإن أحببت أن تستتم أخر الشهر فافعل وإن أحببت فكف ولعل اختياره صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم لتلك الليلة لكونها ليلة القدر (قوله فقلت لابنه الخ) أي قال محمَّد بن إبراهيم لضمرة بن عبد الله كيف كان يصنع أبوك وقت نزوله المسجد في هذه الليلة قال كان إذا صلي عصر اليوم الثاني والعشرين في البادية خرج منها إلى المسجد فلا يخرج منه لحاجة غير ضرورية حتى يصلي الصبح رغبة في الخير، وفي رواية ابن نصر فلم يخرج إلا في حاجة يعني إلا لحاجة ضرورية كالبول والغائط (وفي الحديث) دليل على أن ليلة القدر ليلة الثالث والعشرين من رمضان، وإليه ذهب جماعة من الصحابة والتابعين، فمن الصحابة عبد الله بن أنيس، فقد روى محمَّد بن نصر من طريق معاذ بن عبد الله عن أخيه قال جلس إلينا عبد الله بن أنيس فقلنا هل سمعت من رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم في هذه الليل المباركة من شيء قال نعم جلسنا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في أخر هذا الشهر فقلنا له يا رسول الله متى نلتمس هذه الليلة المباركة قال التمسوا هذه الليلة لمساء ثلاث وعشرين فقال رجل من القوم فهي إذا أولى ثمان قال إنها ليست بأولى ثمان ولكنها أولى سبع إن الشهر لا يتم (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه ابن نصر وفي سنده محمَّد بن إسحاق وحديثه صحيح إذا صرّح بالتحديث كما هنا وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده مرفوعًا عن رجل من بني بياضة له صحبة قال قلت يا رسول الله إن لي بادية أكون فيها فمرني بليلة القدر فقال أنزل ليلة ثلاث وعشرين

الحث على طلبها في العشر الأواخر منه

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا وُهَيْبٌ أَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى وَفِي سَابِعَةٍ تَبْقَى وَفِي خَامِسَةٍ تَبْقَى". (ش) (وهيب بن خالد) تقدم بالأول صفحة 33. وكذا (أيوب) السختياني صفحة 257 (قوله التمسوها الخ) أي اطلبوا ليلة القدر المعلومة من السياق في تاسعة تبقى وهي ليلة الحادى والعشرين لأن المحقق المقطوع بوجوده بعد العشرين تسعة أيام لاحتمال أن يكون الشهر تسعة وعشرين يومًا وليوافق الأحاديث الدالة على أنها في الأوتار. والسابعة الباقي ليلة ثلاث وعشرين والخامسة الباقية ليلة خمس وعشرين. وهذا كله مبني على أن الشهر تسعة وعشرون يومًا. أما على أنه ثلاثون فلا تكون إلا في شفع فتكون التاسعة الباقية ليلة ثنتين وعشرين والسابعة الباقية ليلة أربع وعشرين والخامسة الباقية ليلة ست وعشرين، ويؤيده ما سيأتي لأبي سعيد من قوله إذا مضت واحدة وعشرون فالتى تليها التاسعة الخ، وهذا على طريقة العرب في التاريخ إذا جاوز نصف الشهر يؤرخون بالباقي منه وإذا لم يجاوز نصفه أرخوا بما مضى (والحديث) يدل على انتقال ليلة القدر من وتر إلى شفع وبالعكس فإن الشهر كما يكون ناقصًا يكون كاملًا وهو صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يأمر أمته بالتماسها في شهر ناقص دون كامل بل أطلق طلبها في كل المشهور على حسب ما قدر الله من كمال أو نقص (من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري والبيهقي وأخرج أحمد والترمذي نحوه عن أبي بكرة أنه سمع رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم يقول التمسوها في تسع بقين أوسبع بقين أو خمس بقين أو ثلاث بقين أو أخر ليلة. (باب فيمن قال ليلة إحدى وعشرين) أي في بيان دليل من قال إن ليلة القدر هي ليلة إحدى وعشرين (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ

فَاعْتَكَفَ عَامًا حَتَّى إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِى يَخْرُجُ فِيهَا مِنَ اعْتِكَافِهِ قَالَ "مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفِ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ وَقَدْ رَأَيْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ مِنْ صَبِيحَتِهَا في مَاءٍ وَطِينٍ فَالْتَمِسُوهَا في الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ وَالْتَمِسُوهَا في كُلِّ وِتْرٍ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَمُطِرَتِ السَّمَاءُ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صَبِيحَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ. (ش) (قوله كان رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعتكف العشر الأوسط) هكذا في أكثر الروايات، والمراد العشر الليالي فكان القياس أن يقول العشر الوسط بالتأنيث كما في رواية مالك في الموطأ بضم الواو والسين جمع وسطى لأنه وصف لمؤنث لكن ذكره باعتبار لفظ العشر أو هو صفة لموصوف محذوف والتقدير كان يعتكف الليالي العشر التي هي الثلث الأوسط، وروى وسط بضم الواو وسكون السين جمع واسط مثل بازل وبزل وفي رواية وسط بضم الواو وفتح السين مثل كبرى وكبر (قوله فاعتكف عامًا) يعني في العشر الوسطى في قبة ضربت له في المسجد لالتماس ليلة القدر قبل أن يعلمها كما في رواية مسلم عن أبي سعيد قال إن رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سدتها حصير قال فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة ثم أطلع رأسه فكلم الناس فدنوا منه فقال إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة "يعني ليلة القدر" ثم اعتكفت العشر الأوسط ثم أتيت فقيل لي إنها في العشر الأواخر فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف فاعتكف الناس معه الخ، وعند البخاري في باب السجود علي الأنف في الطين قال اعتكف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العشر الأول من رمضان واعتكفنا معه فأتاه جبريل فقال إن الذي تطلب أمامك فاعتكف العشر الأوسط فاعتكفنا معه فأتاه جبريل فقال إن الذي تطلب أمامك "الحديث" (قوله حتى إذاكانت ليلة إحدى وعشرين الخ) برفع ليلة علي أنها اسم كان أو فاعل لها على أنها تامة، وهي الليلة التي اعتاد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخروج فيها بعد غروب الشمس من معتكفه لكنه لم يخرج في هذه الليلة وقال من كان اعتكف معي فليثبت على

متى يخرج المعتكف من معتكفه في رمضان

اعتكافه العشر الأواخر، ففي الصحيحين عن أبي سعيد أيضًا قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يجاور في العشر التى في وسط الشهر فإذا كان من حين يقضي عشرون ليلة ويستقبل إحدى وعشرين يرجع إلى مسكنه ورجع من كان يجاور معه ثم إنه قام في شهر جاور فيه تلك الليلة التي كان يرجع فيها فخطب الناس فأمرهم بما شاء الله ثم قال إني كنت أجاور هذه العشر ثم بدًا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر فمن كان اعتكف معي فليبت في معتكفه الخ. وفي رواية أخرى فليثبت. في معتكفه. أما ما في رواية زياد عن مالك من قوله حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي كان يخرج فيها من صبحها من اعتكافه قال الخ فقد وافقه عليها يحيى بن يحيى ويحيى بن بكير والشافعي عن مالك وهذه تقتضي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اعتاد الخروج صبيحة إحدى وعشرين. وقد خالف زيادًا ومن معه ابن القاسم وابن وهب ومعن والقعنبي وجماعة عن مالك فقالوا هي الليلة التي يخرج فيها من اعتكافه بإسقاط من صبحها وهي رواية المصنف. وهي تقتضي أن خروجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من معتكفه كان في ليلة إحدى وعشرين لا في صبيحتها وهو الصواب لما روى ابن وهب وابن عبد الحكم عن مالك قال من اعتكف أول الشهر أو وسطه فإنه يخرج إذا غابت الشمس من آخر يوم من اعتكافه ومن اعتكف في آخر الشهر فلا ينصرف إلى بيته حتى يشهد العيد. قال ابن عبد البر لا خلاف في الأول وإنما الخلاف فيمن اعتكف العشر الأواخر هل يخرج إذا غابت الشمس أولا يخرج حتى يصبح اهـ. وأما ما في رواية البخاري عن أبي سعيد أيضًا من قوله فخرج صبيحة عشرين فخطبنا الخ فالظاهر أن هذا كان في سنة أخرى بدليل قوله في الحديث فمن كان اعتكف معي فليرجع فرجعنا (وقوله وقد رأيت هذه الليلة) أي علمت علامتها أو أبصرتها وهي السجود في الماء والطين. وفي رواية للشيخين قد أريت بضم الهمزة بالبناء للجهول أي أنه رأى في النوم من يقول له ليلة القدر ليلة كذا وعلامتها كذا. وليس معناه أنه رأى ليلة القدر نفسها لأن مثل ذلك لا ينسى صبيحتها (قوله ثم أنسيتها) أي أنسيت علم تعيينها. وفي رواية لمسلم نسيتها أو نسيتها بضم النون وتشديد السين "وسبب نسيانه" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لها ما في حديث البخاري عن عبادة ابن الصامت قال خرج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى "أي تخاصما" رجلان من المسلين فقال خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرًا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة. ولعل الحكمة في نسيان تعيينها أن لا يتكل الناس عليها فيقتصرون على إحيائها ويتركون إحياء غيرها (قوله وقد رأيتني) بضم التاء أي رأيت نفسي ففيه عمل الفعل في ضميري المتكلم الفاعل والمفعول وهذا

تأكد الاعتكاف في العشر الأواخر منه

من خصائص أفعال القلوب (قوله أسجد من صبيحتها) أي في صبيحة ليلة القدر (قوله والتمسوها في كل وتر) أي من العشر وخص الوتر بالذكر مع دخوله في العشر لأنه أرجى لياليها كما أن أرجى العشر السبع الأواخر منها كما يدل عليه الحديث الآتي فلا تنافي بين الأحاديث (قوله فمطرت السماء من تلك الليلة) أي في تلك الليلة التي رأى فيها أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين. ومطرت بفتحتين (قوله وكان المسجد على عريش) يعني على هيئة عريش وهو بيت سقفه من أغصان الشجر والجريد وجمعه عرش بضمتين مثل بريد وبرد. وفي رواية للبخاري من طريق همام وكان سقف المسجد جريد النخل وما نرى في السماء شيئًا فجاءت قزعة فأمطرنا فصلى بنا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأرنبته تصديق رؤياه (قوله فوكف المسجد) أي سال ماء المطر من سقفه، ففيه إسناد ما للحال للمحل (قوله فأبصرت عيناي) مراده أنه رأى رؤية لا شك فيها. وذكر العينين للتوكيد لأن الأبصار لا يكون إلا بهما على حد قوله أخذت بيدي لأن الأحذ لا يكون عادة إلا باليد (قوله وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين) جملة حالية. وفي رواية مالك في الموطأ فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم انصرف وعلى جبهته ألخ (قوله من صبيحة إحدى وعشرين) أي أبصرته في صبيحة ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي رأى أنها ليلة القدر. وفي رواية فنظرت إليه وقد انصرف من صلاة الصبح ووجهه وأنفه فيهما الماء والطين تصديق رؤياه (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية الباعث الاعتكاف وتأكده في العشر الأواخر من رمضان واستحباب إحياء لياليها. وعلى أن ليلة القدر تكون ليلة إحدى وعشرين. وعلى جواز النسيان عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لكنه في غير الأحكام وفي الأحكام بعد تبليغها وتقدم بيانه. وعلى الترغيب في العمل بالأفضل وتحصيل الأكثر ثوابًا. وعلى جواز السجود على الطين، وقد حمله الجمهور على الخفيف. وعلى استحباب ترك مسح الجبهة في الصلاة من أثر التراب ونحوه. وعلى أنه ينبغي أن يكون السجود على الجبهة والأنف جميعًا. وتقدم بيانه صفحة 345 من الجزء الخامس (والحديث) أخرجه أيضًا مالك في الموطأ والبخاري ومسلم والنسائي ومحمد بن نصر (باب آخر) وفي أكثر النسخ إسقاط الباب. والأولى إثباته لأن الحديث على إسقاطه لا يناسب الترجمة الأولى.

الصحيح أنها في الأوتار من العشر الأواخر من رمضان

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الأَعْلَى أَنَا سَعِيدٌ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ". قَالَ قُلْتُ يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنَّكُمْ أَعْلَمُ بِالْعَدَدِ مِنَّا. قَالَ أَجَلْ. قُلْتُ مَا التَّاسِعَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ قَالَ إِذَا مَضَتْ وَاحِدَةٌ وَعِشْرُونَ فَالَّتِى تَلِيهَا التَّاسِعَةُ وَإِذَا مَضَى ثَلاَثٌ وَعِشْرُونَ فَالَّتِى تَلِيهَا السَّابِعَةُ وَإِذَا مَضَى خَمْسٌ وَعِشْرُونَ فَالَّتِى تَلِيهَا الْخَامِسَةُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ لاَ أَدْرِي أَخَفِىَ عَلَيَّ مِنْهُ شَىْءٌ أَمْ لاَ. (ش) (سعيد) بن أبي عروبة تقدم بالأول صحة 69. و (أبو نضرة) المنذر بن مالك بالثالث صفحة 372 (قوله قال قلت يا أبا سعيد الخ) أي قال أبو نضرة قلت يا أبا سعيد إنكم أعرف بالعدد منا قال نعم نحن أعرف منكم. وفي رواية مسلم قال أجل نحن أحق بذلك منكم. وكانوا أعرف لأنهم أقرب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منه فإنه تابعي (قوله فالتي تليها التاسعة الخ) وهي ليلة ثنتين وعشرين؛ صرح به في رواية أحمد ومسلم. وهي تاسعة بالنظر إلى مابقى من الشهر على أنه ثلاثون يوما، وهذا لا ينافي قوله في الحديث السابق التمسوها في الأوتار لأن الغرض مما هنا إنما هو بيان معنى التاسعة والسابعة والخامسة بأنها تطلق على ثنتين وعشرين وأربع وعشرين وست وعشرين باعتبار كون الشهر ثلاثين يومًا وليس المراد بيان كون ليلة القدر فيها لأنه يصير مخالفًا لما صح من أنهما في الأوتار وعليه فيكون معنى قوله فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة أي التمسوا ليلة القدر في الليلة التي تبقى التاسعة بعدها وهي ليلة إحدى وعشرين وفي الليلة التي تبقى السابعة بعدها وهي ليلة ثلاث وعشرين وفي الليلة التي تبقى الخامسة بعدها وهي ليلة خمس وعشرين، ويحتمل بقاؤه على ظاهره ويكون الغرض منه ومن الحديث السابق الحث على الاجتهاد في كل ليلة من الليالي العشر الأواخر وترها وشفعها ليتحقق إدراك الفضيلة (قوله قال أبو داود لا أدري الخ) أي لا أعلم أخفي علي شيء من ألفاظ هذا الحديث أم لا. وأشار به إلى أنه ليس متحققًا من ألفاظه وذلك أنه لما رأه ظاهره مخالفا لما صح من أن ليلة القدر في الأوتار كما في حديث أبي سعيد السابق ظن أنه إما أن يكون خفي عليه من الحديث شيء يصح به معناه ويتفق مع ما سبق أولم يخف عليه منه شيء وتكون المخالفة فيه من بعض الرواة. وقد علمت المراد منه

باب من روى أنها ليلة سبع عشر

(والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والإمام أحمد مطولًا (باب من روى أنها ليلة سبع عشرة) أي ذكر دليل من قال إن ليلة القدر ليلة سبع عشرة من رمضان (ص) حَدَّثَنَا حَكِيمُ بْنُ سَيْفٍ الرَّقِّيُّ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو- عَنْ زَيْدٍ -يَعْنِي ابْنَ أَبِي أُنَيْسَةَ- عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "اطْلُبُوهَا لَيْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَلَيْلَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ". ثُمَّ سَكَتَ. (ش) (رجال الحديث) (حكيم بن سيف) بن حكيم الأسدي مولاهم (الرقي) أبو عمرو، روى عن عيسى بن يونس وأبي معاوية وعبيد الله بن عمرو، وعنه أبو داود وأبو زرعة وبقي بن مخلد وأبو الأحوص وجماعة. قال ابن عباس البر وأبو حاتم شيخ صدوق لا بأس به زاد أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به ليس بالمتين عندهم، توفي سنة خمس أو ثمان وثلاثين ومائتين. و (عبيد الله بن عمرو) بن أبي الوليد الأسدي مولاهم الجزري الرقي، روى عن عبد الملك بن عمير والأعمش وأيوب والثوري وأخرين. وعنه بقية بن الوليد والعلاء بن هلال الباهلي وأبو توبة الحلبي ويوسف بن عدي ومخلد بن الحسن وكثيرون. وثقه النسائي وابن معين والعجليّ وابن نمير وأبو حاتم وقال ابن نمير صالح الحديث صدوق لا أعرف له حديثًا منكرًا وقال ابن سعد كان ثقة صدوقًا كثير الحديث وربما أخطأ، مات سنة ثمانين ومائة، روى له الجماعة. و (زيد بن أبي أنيسة) الجزري أبو أسامة الرهاوي كوفي الأصل. روى عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي وعطاء بن أبي رباح وعطاء بن السائب والزهري وطلحة ابن مصرف وطائفة. وعنه مالك ومسعر وعبيد الله بن عمرو ومعقل بن عبيد الله وآخرون. وثقه العجلي ويعقوب بن سفيان وأبو داود وابن سعد وقال كان كثير الحديث فقيها راوية للعم، مات سنة خمس وعشرين ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله اطلبوها ليلة سبع عشرة الخ) صريح في أن ليلة القدر دائرة بين ليلة السبع عشرة من العشر الأوسط وبين الحادي والثالث والعشرين. وممن قال به عبد الله ابن مسعود كما ذكره ابن نصر عنه قال التمسوا ليلة القدر لسبع عشرة خلت من رمضان صبيحة يوم بدر يوم الفرقان يوم التقي الجمعًان وواحدة وعشرين وثلاث وعشرين فإنها لا تكون

باب من روى أنها في السبع الأواخر

إلا في الأوتار. وقال ابن مسعود أيضًا إنها في تسع عشرة كما ذكره عنه محمَّد بن نصر بلفظ التمسوها في سبع عشرة أو تسع عشرة أو إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين ويقول أما في سبع عشرة أو تسع عشرة فإن في صبيحتها يوم بدر وقرأ (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ). وممن قال إنها ليلة سبع عشرة أيضًا زيد بن أرقم كما في رواية ابن أبي شيبة والطبراني عنه قال لا أمترى ولا أشك أنها ليلة سبع عشرة من رمضان ليلة أنزل فيها القرآن وذكر محمَّد بن نصر عنه أنه قال إنها ليلة أنزل الله فيها القرآن وأعزّ في صبحها الإِسلام وأذل فيها أئمة الكفر وفرق في صبحها بين الحق والباطل اهـ (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي (باب من روى أنها في السبع الأواخر) أي من رمضان (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ في السَّبْعِ الأَوَاخِرِ". (ش) أي إجتهدوا واطلبوا ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان. والمراد بالسبع التي هي آخر الشهر التي تبتدئ من ليلة ثلاث وعشرين. واختار التوربشتي أن يراد بالسبع السبع بعد العشرين لتناوله إحدى وعشرين وثلاثًا وعشرين اهـ لكنه خلاف الظاهر المتبادر من الحديث بل المتبادر الأول. ويؤيد بقاءه على ظاهره رواية البخاري ومسلم والبيهقي ومحمد بن نصر عن نافع عن ابن عمر أن رجالًا من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إني أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحرّيها فليتحرها في السبع الأواخر اهـ. هذا وحديث الباب لا ينافي أحاديث التمسوها في العشر الأواخر لأنَّه يحتمل أن يكون صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم أولًا أنهما في العشر الأواخر فأخبر به ثم علم أنهما في السبع الأواخر فأخبر به. أو أنه حض القوي على قيام العشر الأواخر وحض الضعيف على قيام السبع. وقال الشافعي والذي عندي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يجيب علي نحو ما سئل يقال له نلتمسها في ليلة كذا فيقول التمسوها في ليلة كذا اهـ (والحديث) أخرجه مالك أيضًا ومسلم والبيهقي بلفظ المصنف وأخرجاه أيضًا وكذا البخاري ومحمد بن نصر بلفظ تقدم

باب من قال سبع وعشرون

(باب من قال سبع وعشرون) أي من قال إن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ نَا أَبِي أَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ سَمِعَ مُطَرِّفًا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَالَ "لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ". (ش) (قوله حدثنا أبي) هو معاذ بن معاذ تقدم بالثاني صفحة 116 (قوله أنه سمع مطرفًا عن معاوية) أي سمع مطرف بن عبد الله بن الشخير يحدث عن معاوية (قوله ليلة القدر ليلة سبع وعشرين) دليل على أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين من رمضان وهو قول جماعة من أهل العلم وحكاه صاحب الحلية من الشافعية عن أكثر العلماء وهو المعول عليه من مذهب أحمد ورواية عن أبي حنيفة وبه جزم أبي بن كعب وحلف عليه كما تقدم وهوالراجح للأحاديث الكثيرة الدالة عليه منها ما تقدم للمصنف. ومنها ما أخرجه البيهقي عن ابن عباس قال إن رجلًا أتى نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا نبي الله إني شيخ كبير عليل يشق عليّ القيام فأمرني بليلة لعل الله يوفقني فيها لليلة القدر فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليك بالسابعة وأخرجه ابن نصر وزاد فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أيكم يذكر حين طلع القمر كأنه شق جفنة "قال" أبو الحسن الفارسي أي ليلة سبع وعشرين فإن القمر يطلع فيها بتلك الصفة. ومنها ما رواه الطبراني والبيهقي من حديث ابن مسعود قال سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ليلة القدر فقال أيكم يذكر ليلة الصهباوات قلت أنا وذلك ليلة سبع وعشرين ورواه ابن أبي شيبة عن عمر وحذيفة وناس من الصحابة. ومنها ما رواه أحمد عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من كان متحريها فليتحرها ليلة سبع وعشرين (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي ومحمد بن نصر (باب من قال هي في كل رمضان) أي ذكر قول من قال إن ليلة القدر في كل شهر رمضان (ص) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُويَهْ النَّسَائِيُّ أَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ

حاصل ما ورد في وقتها

قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا أَسْمَعُ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَالَ "هِىَ فِي كُلِّ رَمَضَانَ". (ش) (رجال الحديث) (حميد) بن مخلد بن قتيبة بن عبد الله (بن زنجوية النسائي) أبو أحمد الحافظ. وزنجوية لقب لأبيه. روى عن سعيد بن أبي مريم والنضر بن شميل ويحيى ابن حميد ويزيد بن هارون وآخرين. وعنه النسائي وأبو زرعة الدمشقي وأبو حاتم والحسن ابن سفيان وكثيرون، قال أحمد بن سيار كان حسن الفقه وكتب ورحل وكان رأسًا في العلم وقال ابن حبان كان من سادات أهل بلده فقهًا وعلمًا وهو الذي أظهر السنة بنساء وقال الحاكم محدث كثير الحديث قديم الرحلة. قيل مات سنة سبع وأربعين ومائتين. و (محمَّد بن جعفر بن أبي كثير) الأنصاري الرقي مولاهم. روى عن حميد الطويل وزيد بن أسلم وهشام بن عروة وجماعة. وعنه زياد بن يونس وسعيد بن أبي مريم وعبد الله بن نافع وآخرون. وثقه ابن معين والعجليّ وقال ابن المدينيّ معروف وقال النسائي صالح مستقيم الحديث. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله وأنا أسمع) جملة حالية معترضة بين الفعل ومتعلقة (قوله هي في كل رمضان) أي في كل ليلة من ليالي رمضان وبه قال ابن عمر وأبو حنيفة وابن المنذر والمحاملي وبعض الشافعية ورجحه السبكي في شرح المنهاج (قال الطيبيّ) الحديث يحتمل وجهين "أحدهما" أنها واقعة في كل رمضان من الأعوام فتختص به فلا تتعدى إلى سائر المشهور "وثانيهما" أنها واقعة في كل رمضان في تختص بالبعض الذي هو العشر الأخير لأن البعض في مقابلة الكل فلا ينافي وقوعها في سائر الأشهر اللهم إلا أن يختص بدليل خارجي (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ لَمْ يَرْفَعَاهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. (ش) أشار به إلى أنه اختلف على أبي إسحاق السبيعي في رواية الحديث فرواه موسى بن عقبة عنه مرفوعًا ورواه عنه سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج موقوفًا. "هذا وحاصل" ما أشار إليه المصنف أن الروايات اختلفت في تعيين ليلة القدر. ففي رواية أبي بن كعب ورواية معاوية ابن أبي سفيان أنها ليلة سبع وعشرين. وفي رواية عبد الله بن أنيس أنها ليلة ثلاث وعشرين، وفي رواية ابن عباس أنها ليلة إحدى أو ثلاث أو خمس وعشرين. وفي رواية لأبي سعيد

إنها ليلة إحدى وعشرين وفي روايته الأخرى ليلة إحدى أو ثلاث أو خمس وعشرين أوليلة ثنتين أو أربع أوست وعشرين. وفي رواية ابن مسعود أنها ليلة سبع عشرة أو إحدى أو ثلاث وعشرين، وفي رواية لابن عمر أنها في السبع الأواخر من رمضان. وفي روايته الأخرى في كل ليلة من ليالي رمضان (وبكل) من هذه الروايات قال جماعة. وهناك أقوال أخر أبلغها بعضهم إلى أربع وأربعين وأرجحها أنها ليلة سبع وعشرين كما تقدم، وهذه الأقوال كلها مبنية على القول الصحيح من أنها باقية لم ترفع وأنها في رمضان من كل سنة وأنها تنتقل. والدليل عليه ما رواه البيهقي من طريق محمَّد بن غالب ثنا موسى بن مسعود ثنا عكرمة عن أبي زميل عن مالك بن مرثد عن أبيه قال قلت لأبي ذر سألت رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ليلة القدر قال أنا كنت أسأل عنها يعني أشد الناس مسألة عنها فقلت يا رسول الله أخبرني عن ليلة القدر أفي رمضان يعني أو في غيره قال لا بل في شهر رمضان فقلت يا نبي الله أتكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا قبضت الأنبياء ورفعوا رفعت معهم أو هي إلى يوم القيامة قال لا بل هي إلى يوم القيامة قال فقلت فأخبرني في أي شهر رمضان هي قال التمسوها في العثسر الأواخر والعشر الأول ثم حدث نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وحدث فاهتبلت غفلته فقلت يا نبى الله أخبرني في أي عشر هي قال التمسوها في العشر الأواخر ولا تسألني عن شيء بعد هذا ثم حدث وحدث فاهتبلت غفلته فقلت أقسمت عليك يا رسول الله بحقى عليك لتحدثني في أي العشر هي فغضب عليّ رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غضبًا ما غضب على من قبل. ولا بعد ثم قال التمسوها في السبع الأواخر ولا تسألني عن شيء بعد اهـ وقيل إنها في جميع السنة وهو قول للحنفية حكاه قاضيخان وأبو بكر الرازي منهم. قال في الفتح وزيف المهلب هذا القول وقال لعل صاحبه بناه على دوران الزمان لنقصان الأهلة وهو فاسد لأن ذلك لم يعتبر في صيام رمضان فلا يعتبر في غيره حتى تنتقل ليلة القدر عن رمضان اهـ (تم الجزء السابع ويليه الجزء الثامن) (وأوله باب في كم يقرأ القرآن)

المنهل العذب المورود «شرح سنن الإمام أبي داود» تأليف الإمام الجليل المحقق، والعارف الرباني المدقق، محيي السنة وقامع البدعة صاحب الفضيلة والإرشاد الشيخ/ محمود محمد خطاب السبكي المتوفى في الرابع عشر من شهر ربيع الأول سنة 1352 هـ عمه الله بالرحمة والرضوان وأسكنه عالي الجنان عني بتنقيحه وتصحيحه نجل الشيخ الأستاذ الإمام السيد/ أمين محمود محمد خطاب من العلماء الأعلام والمدرس بالأزهر المعمور [الجزء الثامن]

باب في كم يقرأ القرآن

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (باب في كم يقرأ القرآن) بصيغة المفعول أو الفاعل أي في كم يوم ينبغي ان يقرأ القرآن أو يقرأ القارئ (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالاَ أَنَا أَبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ "اقْرَإِ الْقُرْآنَ في شَهْرٍ". قَالَ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ "اقْرَأْ في عِشْرِينَ". قَالَ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ "اقْرَأْ في خَمْسَ عَشْرَةَ". قَالَ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ "اقْرَأْ في عَشْرٍ". قَالَ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ "اقْرَأْ في سَبْعٍ وَلاَ تَزِيدَنَّ عَلَى ذَلِكَ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ أَتَمُّ. (ش) (أبان) بن يزيد العطار و (يحيى) بن أبي كثير (قوله اقرأ القرآن في شهر) أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بذلك لما بلغه أنه يقرؤه في كل ليلة كما في رواية محمَّد ابن نصر عنه: قال دخل عليّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال ألم أخبر أنك تقرأ القرآن في كل ليلة، اقرأه في شهر الخ. والمراد بالقرآن جميعه. ولا يقال إن هذه القصة وقعت قبل موته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بزمن قبل أن ينزل بقية القرآن لأن العبرة بما دل عليه الإطلاق وهو الذي فهمه ابن عمرو ولذا كان يقول بعد أن كبر سنة وضعف ليتني قبلت الرخصة ولا شك أنه أضاف ما نزل أخرًا قبل موته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى ما نزل أولًا وكان يوزعه بقسطه (قوله إني أجد قوة) أي طاقة على قراءته في أقل من ذلك (قوله ولا تزيدن على ذلك) أي على قراءته في السبع ليال. والمراد لا تغير هذه الحالة إلى أقل منها, فأطلق الزيادة وأراد منها النقص على طريق التدلي, والنهي عن الزيادة ليس للتحريم كما أن الأمر بالقراءة ليس للوجوب كما عرف من قرائن الحال التي أرشد إليها السياق, وهي النظر

اهتمام السلف وعادتهم في قراءة القرآن

إلى عجزه عن غير ذلك في الحال أو المال (وفي الحديث) دلالة على أنه يندب قراءة القرآن على هذه المراتب المذكورة ويأخذ كل منها على حسب حاله مخافة المال والإسراع في القراءة. قال النووي هذا من الإرشاد إلى الاقتصاد في العبادة والإشارة إلى تدبر القرآن وقد كانت للسلف عادات مختلفة فيما يقرءون كل يوم بحسب أحوالهم وأفهامهم ووظائفهم: فكان بعضهم يختم القرآن في كل شهر، وبعضهم في عشرين يومًا، وبعضهم في عشرة أيام، وبعضهم أو أكثرهم في سبعة، وكثير منهم في ثلاثة، وكثير منهم في كل يوم وليلة، وبعضهم في كل ليلة، وبعضهم في اليوم والليلة ثلاث ختمات، وبعضهم ثمان ختمات وهو أكثر ما بلغنا. والمختار أنه يستكثر منه ما يمكنه الدوام عليه ولا يعتاد إلا ما يغلب على ظنه الدوام عليه في حال نشاطه وغيره. هذا إذا لم تكن له وظائف عامة أو خاصة يتعطل بإكثار القرآن عنها، فإن كانت له وظيفة عامة كولاية وتعليم ونحو ذلك فليوظف لنفسه قراءة يمكنه المحافظة عليها مع نشاطه من غير إخلال بشيء من كمال تلك الوظيفة اهـ (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم من طريق شيبان بن عبد الرحمن عن يحيى عن محمَّد بن عبد الرحمن مولى بني زهرة عن أبي سلمة، وأخرجه محمَّد بن نصر في قيام الليل (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَاقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ". فَنَاقَصَنِي وَنَاقَصْتُهُ فَقَالَ "صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا". قَالَ عَطَاءٌ وَاخْتَلَفْنَا عَنْ أَبِي فَقَالَ بَعْضُنَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَقَالَ بَعْضُنَا خَمْسًا. (ش) (حماد) بن سلمة (قوله عن أبيه) هو السائب بن يزيد (قوله صم من كل شهر الخ) وكان يصوم الدهر (قوله فناقصني وناقصته) أي راجعني وراجعته في النقصان وهو ظاهر بالنسبة للقراءة، أما في الصوم فليس بظاهر لأنه زايده في الأيام فإنه أمره صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، قال أطيق أكثر من ذلك فزاده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما في رواية للبخاري عنه بقوله صم من كل جمعة ثلاثة أيام، فقال أطيق أكثر من ذلك فقال صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أفطر يومين وصم يومًا، فقال أطيق أكثر من ذلك فقال صم يومًا وأفطر يومًا. ففي التعبير اكتفاء أي فناقصني وناقصته في القراءة وزايدني وزايدته في أيام الصوم (قوله واختلفنا عن أبي الخ) أي اختلف من روى

المستحب ألا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث

حديث ابن عمرو على السائب فقال بعضنا في مناقصته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لابن عمرو اقرأه في كل سبعة أيام وق الآخر ون في خمسة أيام. وذكر ابن نصر في رواية له الخمس. وذكرها الدارمي في مسنده من طريق أبي فروة عن ابن عمرو، قال قلت يا رسول الله في كم أختم القرآن قال اختمه في شهر، قلت إني أطيق قال اختمه في خمسة وعشرين، قلت إني أطيق قال اختمه في عشرين، قلت إني أطيق قال اختمه في خمس عشرة، قلت إني أطيق قال اختمه في خمس، قلت إني أطيق قال لا. وروى نحوه الترمذي من طريق أبي بردة وقال حسن صحيح غريب من هذا الوجه (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم من طريق ابن جريج عن عطاء وليس فيه ذكر الاختلاف على السائب ولا ذكر عدد لقراءة القرآن (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الصَّمَدِ أَنَا هَمَّامٌ أَنَا قَتَادَةُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ في كَمْ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَالَ "في شَهْرٍ". قَالَ إِنِّي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ -يُرَدِّدُ الْكَلاَمَ أَبُو مُوسَى- وَتَنَاقَصَهُ حَتَّى قَالَ "اقْرَأْهُ في سَبْعٍ". قَالَ إِنِّي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ. قَالَ "لاَ يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَهُ في أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ". (ش) (ابن المثنى) أبو موسى محمَّد. و (عبد الصمد) بن عبد الوارث. و (همام) بن يحيى العوذي (قوله في كم أقرأ القرآن) صريح في أن عمرو بدأ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالسؤال، وتقدم في رواية محمَّد بن نصر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو الذي بدأ بالسؤال، وفيه ألم أخبر أنك تقرأ القرآن الخ. ولا تنافي بينهما لاحتمال أن ابن عمرو سأل بعد إنكار النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليه قراءة القرآن في ليلة (قوله قال إني أقوى من ذلك) يعني أقدر على قراءته في أقل من شهر (قوله ردّد الكلام أبو موسى الخ) هو من كلام المصنف أي ذكر أبو موسى محمَّد بن المثنى بسنده ترداد مناقصته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لابن عمرو حتى قال له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اقرأه في سبع (قوله لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث) أي لا يفهم القرآن ويتدبر معانيه ويرتل قراءته من قرأه في أقل من ثلاث ليال, وهو تعليل لمحذوف فكأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال له اقرأه في ثلاث ولا تنقص عنها لأنه لا يفقه القرآن الخ (وفي هذا) دلالة على أن المستحب أن لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث , ويؤيده ما جاء في رواية أبي عبيد من طريق الطيب بن سليمان عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان لا يختم

القرآن في أقل من ثلاث. وما في رواية سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن ابن مسعود موقوفُ ااقرءوا القرآن في سبع ولا تقرءوه في أقل من ثلاث (وفيما ذكر) إذن في قراءته في ثلاث بعد المنع في الحديث أول الباب من قراءته في أقل من سبع (والحديث) أخرجه أيضًا محمَّد بن نصر، وأخرجه الترمذي من طريق شعبة عن قتادة مقتصرا علي قوله لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث وقال حسن صحيرواهـ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَفْصٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَطَّانُ خَالُ عِيسَى بْنِ شَاذَانَ أَنَا أَبُو دَاوُدَ أَنَا الْحَرِيشُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "اقْرَإِ الْقُرْآنَ في شَهْرٍ". قَالَ إِنَّ بِي قُوَّةً. قَالَ "اقْرَأْهُ في ثَلاَثٍ". قَالَ أَبُو عَلِيٍّ سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُولُ سَمِعْتُ أَحْمَدَ - يَعْنِي ابْنَ حَنْبَلٍ - يَقُولُ عِيسَى بْنُ شَاذَانَ كَيِّسٌ. (ش) (رجال الحديث) (محمَّد بن حفص الخ) روى عن أبي عبد الرحمن بن مهدي ومحمَّد بن خالد الجهني وأبي داود الطيالسي وأبي عاصم, وعنه حرب بن إسماعيل الكرماني ويعقوب بن سفيان وابن أبي الدنيا وغيرهم, ذكره ابن حبان في الثقات, وقال ابن منده حدث عنه ابن عتيبة ويحيى القطان بالمناكير. روى له أبو داود. و (الحريش) بفتح الحاء وكسر الراء (بن سليم) ويقال ابن أبي حريش الجعفي أبو سعيد الكوفي. روى عن حبيب بن أبي ثابت وطلحة بن مصرف. وعنه أبو داود سليمان بن داود الطيالسي وأبو خيثمة وابن إدريس وعبد الحميد الحماني, قال ابن معين ليس بشئ وذكره بن حبان في الثقات, وقال في التقريب مقبول من السابعة. روى له أبو داود والنسائي. و (خيثمة) بن عبد الرحمن الجعفي تقدم بالثالث صفحة 313 (معنى الحديث) (قوله اقرأه في ثلاث) قال له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك بعد أن راجعه كما في الروايات السابقة (قوله قال أبو علي سمعت أبا داود الخ) أي قال أبو علي اللؤلؤي أحد تلاميذ المصنف سمعت أبا داود يقول الخ. ولعل الغرض من ذكر أبي علي هذه العبارة توثيق محمَّد بن حفص شيخ المصنف حيث كان ابن أخته فطنًا عاقلًا تقيًا فيكون هو كذلك غالبًا لما ورد من أن الخال أب. والحاصل أنه قد ذكر في أحاديث الباب أن أقل ما يقرأ فيه

الجمع بين الروايات الواردة في المدة التي يقرأ فيها القرآن

القرآن من الليالي ثلاث أو خمس أوسبع. ولا تنافي بين هذه الروايات لاحتمال تعدد مراجعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لابن عمرو , فمرة اقتصر على ثلاث ومرة على خمس ومرة على سبع , ولا مانع من أن يتعدد قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم له في ذلك. ويؤيده الاختلاف الواقع في السياق. وكان ابن مسعود يقرأ القرآن من الجمعة إلى الجمعة وفي رمضان في كل ثلاث وما يتسعين عليه بالنهار إلا باليسير وقال من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز هذّه كهذ الشعر أو ناثر كنثر الدقل أي ردئ التمر. وكان معاذ بن جبل لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث. وكان عثمان بن عفان يفتتح ليلة الجمعة بالبقرة ويختم ليلة الخميس. وكان تميم الداري يختمه في كل اسبوع. (وأخذ) من أحاديث الباب كمال رفقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالأمو وإرشادهم إلى ما فيه فلاحهم وحثهم على ما يطيقون الدوام عليه وبعدهم عن التعمق والإكثار من العبادة التي يخاف عليهم الملل بسببها فيتركون العبادة, ويقوي ذلك ما تقدم بالسابع في باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة من حديث اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا (باب تحزيب القرآن) أي تجزئته أحزابًا. وتقدم أن الحزب ما يجعله الشخص على نفسه من الطاعات (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ أَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ الْهَادِ قَالَ سَأَلَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فَقَالَ لِي فِي كَمْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقُلْتُ مَا أُحَزِّبُهُ. فَقَالَ لِي نَافِعٌ لاَ تَقُلْ مَا أُحَزِّبُهُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "قَرَأْتُ جُزْءًا مِنَ الْقُرْآنِ". قَالَ حَسِبْتُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. (ش) (ابن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم تقدم بالأول صفحة 100. و (ابن الهاد) يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد تقدم بالثالث 174 (قوله ما أحزبه) يعني لأ اجعله أحزابًا مقدرة في كل ليلة بل اقرؤه على حسب النشاط (قوله لا تقل ما أحزبه الخ) لعله أنكر عليه ذلك لما فهمه من أنه لا يطلق على القرآن إلا ما ورد, وهو لا يعلم أن الحزب ورد إطلاقه على بعض القرآن وما علم إلا الجزء كما ذكره, ولو علم ما في حديث أوس بن حذيفة بعد من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم طرأ عليّ حزبي, ومن قول أوس كيف تحزبون القرآن ما أنكر عليه, ويحتمل أنه أراد لا تنكر التحزيب فإنه صلى الله تعالى عليه

وعلى آله وسلم جزءًا من القرآن وهذا هو التحزيب (قوله قال حسبت الخ) أي قال ابن الهاد ظننت أن نافعًا ذكر قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قرأت جزءًا من القرآن عن المغيرة بن شعبة، وغرضه بهذا بيان أن الحديث مرفوع حيث ذكر نافع بن جبير من رواه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو المغيرة. وفي هذه دلالة على جواز إطلاق المجزء على بعض القرآن (والحديث) أخرجه أيضًا محمَّد بن نصر (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا قُرَّانُ بْنُ تَمَّامٍ ح وَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا أَبُو خَالِدٍ -وَهَذَا لَفْظُهُ- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْلَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ جَدِّهِ -قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ فِي حَدِيثِهِ أَوْسُ بْنُ حُذَيْفَةَ- قَالَ قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ -قَالَ- فَنَزَلَتِ الأَحْلاَفُ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَأَنْزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بَنِي مَالِكٍ فِي قُبَّةٍ لَهُ. قَالَ مُسَدَّدٌ وَكَانَ فِي الْوَفْدِ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِنْ ثَقِيفٍ قَالَ كَانَ كُلَّ لَيْلَةٍ يَأْتِينَا بَعْدَ الْعِشَاءِ يُحَدِّثُنَا. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ قَائِمًا عَلَى رِجْلَيْهِ حَتَّى يُرَاوِحَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَأَكْثَرُ مَا يُحَدِّثُنَا مَا لَقِىَ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ ثُمَّ يَقُولُ لاَ سَوَاءً كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ مُسْتَذَلِّينَ -قَالَ مُسَدَّدٌ بِمَكَّةَ- فَلَمَّا خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ كَانَتْ سِجَالُ الْحَرْبِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ نُدَالُ عَلَيْهِمْ وَيُدَالُونَ عَلَيْنَا فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةً أَبْطَأَ عَنِ الْوَقْتِ الَّذِى كَانَ يَأْتِينَا فِيهِ فَقُلْنَا لَقَدْ أَبْطَأْتَ عَنَّا اللَّيْلَةَ. قَالَ إِنَّهُ طَرَأَ عَلَيَّ جُزْئِى مِنَ الْقُرْآنِ فَكَرِهْتُ أَنْ أَجِئَ حَتَّى أُتِمَّهُ. قَالَ أَوْسٌ سَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَيْفَ يُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ قَالُوا ثَلاَثٌ وَخَمْسٌ وَسَبْعٌ وَتِسْعٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلاَثَ عَشْرَةَ وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ وَحْدَهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَتَمُّ.

قصة قدوم وفد ثقيف على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(ش) (رجال الحديث) (قوله قرآن) بضم القاف وتشديد الراء (بن تمام) الأسدي الوالي أبوتمام الكوفي. روى عن أيمن بن نابل وسهل بن أبي صالح وهشام بن عروة وهشام بن حسان وعبد الله بن عبد الرحمن وعدة. وعنه أحمد بن حنبل ومسدد وأحمد بن منيع وآخرون, وثقة أحمد وابن معين والدراقطني واستضعفه بعضهن, وقال أبو حاتم شيخ لين. روى له أبو داود والترمذي والنسائي و (أبو خالد) سليمان بن حيان الأحمر تقدم بالرابع صفحة 332 (قوله وهذا لفظه) أي ما سيذكره المصنف لفظ حديث عبد الله بن سعيد يعني ما عدا ما عزاه لمسدد. و (عثمان بن عبد الله بن أوس) بن حذيفة الثقفي الطائفي. روى عن جده وعمه عمرو والمغيرة بن شعبة وسليمان بن هرمز. وعنه إبراهيم بن ميسرة وعبد الله ابن عبد الرحمن بن يعلى , ذكره بن حبان في الثقات, وقال في التقريب مقبول من الثالثة. روى له أبو داود وابن ماجة (قوله عن جده) هوأوس بن حذيفة وتقدم بالثالث صفحة 209 أنه غير أوس بن أوس. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن علي. وعنه ابنه عمرو وابن ابنه عثمان والنعمان بن سالم وجماعة (قوله قال عبد الله الخ) أي قال عبد الله بن سعيد في روايته عن جده أوس بن حذيفة مصرحًا باسم جده (معنى الحديث) (قوله في وقد ثقيف) قبيلة بالطائف. وثقيف لقب لقيس بن منبه ابن بكر أبو القبيلة (قوله فنزلت الأحلاف) هم جماعة من ثقيف , وهوفي الأصل جمع حليف بمعنى محالف أي معاهد وسموا بالأحلاف لأنهم تحالفوا على التناصر والعدوان ونزلوا على المغيرة لأنه كان منهم, وفي أسد الغابة ثقيف قبيلتان الأحلاف ومالك, فالأحلاف ولد عوف بن ثقيف اهـ وكان الوفد خمسة رجال رجلان من الأحلاف وثلاثة من بني مالك (قوله وأنزل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بني مالك) وفي رواية أبي داود الطيالسي عن أوس قال قدمنا وقد ثقيف على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنزل الأحلافيون على المغيرة بن شعبة, وأنزل المالكيين قبته الخ. وكان قدومهم في رمضان عقب رجوعه من تبوك, وكان من حديثهم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما انصرف عنهم تبعه عروة بن مسعود فأدركه قبل أن يصل إلى المدينة فأسلم وأخذ راجعا إلى قومه فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنهم قاتلوك, فقال يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبصارهم وكان محببًا إليهم مطاعًا فيهم فلما جاءهم دعاهم إلى الله تعالى فرموه بالنبل من كل ناحية فأصابه سهم فقتله, فقال لهم ادفنوني مع الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبل أن يرتحل عنكم, فلما بلغ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خبره قال إن مثله في قومه كمثل صاحب يس، ثم أقامت ثقيف بعد قتله أشهرًا وسقط في أيديهم ورأوا أن لا طاقة لهم بحرب من حولهم

إسلام وفد ثقيف: حديث لا خير في دين لا صلاة فيه

من العرب فأوفدوا جماعة منهم بإسلامهم، ولما نزلوا قناة ألفوا بها المغيرة بن شعبة يرعى الإبل وكان يوم نوبته فلما رآهم ترك الركاب وانصرف مسرعًا مبشرًا، فلقيه أبو بكر فأخبره فقال له أبو بكر أقسمت عليك باللهِ لا تسبقني بخبرهم ففعل فدخل أبو بكر على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخبره بقدومهم ثم خرج المغيرة فتلقاهم وعلمهم التحية فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية ثم ضرب لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبة في المسجد فكان فيما سألوا رسول الله صلى الله تعالى عليه على آله وسلم أن يدع لهم اللات ثلاث سنين فأبى عليهم ثم سألوه شهرًا فأبى عليهم ثم سألوه أن يعفيهم من الصلاة وأن لا يكسروا أوثانهم بأيديهم فقال لهم أما كسر الأوثان فسنعفيكم، وأما الصلاة فلا خير في دين لا صلاة فيه، فقالوا فسنؤتيكها وإن كانت دناءة ثم أسلموا، وكتب لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كتابهم وأمَّر عليهم عثمان بن أبي العاص وكان من أحدثهم سنًا، وإنما أمَّره عليهم لأنه رآه أكثرهم سؤالًا عن معالم الدين، وبعث معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة يهدمان اللات ولما أراد المغيرة هدم اللات قام أهل ييته دونه خشية أن يصيبه ما أصاب عروة، ولما شرع في الهدم صاح وخر مغشيًا عليه مستهزئًا بهم فارتجت المدينة فرحًا فقام المغيرة يضحك منهم ويقول يا خبثاء ما قصدت إلا الهزء بكم ثم أقبل على هدمها حتى استأصلها وأخذ ما لها وحليها وفرغ من أمرها (قوله قال مسدد وكان في الوفد الخ) أي قال مسدد في روايته بسنده عن عثمان بن عبد الله بن أوس عن جده وكان أي أوس بن حذيفة في الوفد الذين قدموا الخ والفرق بين عبارتي مسدد وعبد الله بن سعيد أن هذا جعل قدوم أوس في وفد ثقيف من قول أوس بن حذيفة وأما مسدد فجعله من قول نفسه (قوله قال كان يأتينا الخ) أي قال أوس كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأتينا كل ليلة بعد صلاة العشاء يحدثنا (قوله قال أبو سعيد قائمًا على رجليه) أي قال أبو سعيد عبد الله بن سعيد شيخ المصنف في روايته يأتينا بعد العشاء يحدثنا قائمًا على رجليه بزيادة "قائمًا على رجليه" وهي رواية ابن ماجة وأبي داود الطيالسي (قوله حتى يراوح بين رجليه من طول القيام) أي يعتمد على إحدى رجليه تارة وعلى الأخرى تارة من أجل طول القيام (قوله وأكثر ما يحدثنا الخ) أي وكان أكثر تحديثه لنا بما لاقاه من الأذى من قريش فقوله من قريش بدل من قومه (قوله لا سواء) يعني ليست حالتنا قبل الهجرة مساوية لحالتنا بعدها فلا عاملة عمل ليس واسمها محذوف وسواء خبرها (قوله كنا مستضعفين الخ) بيان لحالتهم الأولى (قوله قال مسدد بمكة) أي قال مسدد في روايته كنا مستضعفين مستذلين ونحن بمكة ولم يذكر عبد الله بن سعيد بمكة (قوله فلما خرجنا إلى المدينة الخ) أراد لما هاجروا إلى المدينة قويت شوكتهم شيئًا فكانوا يغلبون مرة ويغلبون أخرى. والسجال جمع سجل

بيان أن القرآن سبعة أحزاب

بفتح وسكون وهو الدلو, والأصل فيها أن يستقي الرجلان من بئر فينزع هذا مرة وذاك أخرى ثم استعمل في كل من يكون له الغلبة مرة وعليه أخرى (قوله ندال عليهم ويدالون علينا) أي تكون لنا الغلبة مرة وعلينا أخرى, يقال أديل لنا على أعدائنا أي نصرنا عليهم وكانت الدولة لنا (قوله أبطأ عن الوقت) أي تأخر عن الوقت الذي كان يعتاد المجيء فيه. وفي بعض النسخ أبطأ عند الوقت (قوله طرأ عليّ حزبي) وفي نسخة طرأ على جزئي أي ورد وأقبل, يقال طرأ يطرأ إذا جاء مفاجأة كأنه فجأه وقت كان يؤدي فيه من القراءة, والمراد أنه كان قد أغفل قراءته عن الوقت الذي كان يقرؤها فيه ثم تذكرها فاشتغل بها فتأخر عن الوقت الذي كان يعتاد المجيء فيه إلى وفد ثقيف (قوله فكرهت أن أجئ حتى أتمه) وفي رواية أحمد فأردت ألا أخرج حتى أقضيه (قوله كيف تحزبون القرآن) أي تجعلونه أحزابًا وفي بعض النسخ كيف تجزئونه (قوله قالوا ثلاث الخ) أي أحزابه ثلاث فثلاث وما عطف عليه خبر لمبتدأ محذوف. والمراد أنهم كانوا يجعلون القرآن سبعة أحزاب الأول ثلاث سور "البقرة وآل عمران والنساء" ولم تعد الفاتحة لقصرها, والثاني خمس من المائدة إلى التوبة, والثالث سبع من يونس لغاية النحل. والرابع تسع من الإسراء لغاية الفرقان, والخامس إحدى عشرة من الشعراء لغاية يس والسادس ثلاث عشرة من الصافات لغاية الحجرات, والسابع حزب المفصل من سورة ق إلى آخر القرآن, وكانوا يقرءون في كل يوم حزبًا, وفي رواية أحمد كيف تحزبون القرآن قالوا نحزبه ست سور وخمس سور الخ ولعل لفظ ست في هذه الرواية تصحيف من النساخ والصواب ثلاث كما في حديث المصنف (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية الانتقال لتعلم الدين. وعلى مشروعية الضياف وحسن إكرام الضيف ومؤانسته. وعلى جواز الحديث بعد العشاء لحاجة. وعلى جواز إطلاق الحزب على بعض القرآن. وعلى الاهتمام بالقرآن والترغيب في قراءته (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد وأبو داود الطيالسي عن يونس عن أبي داود عن عبد الله بن عبد الرحمن الخ وأخرجه محمَّد بن نصر من طريق المعتمر وابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن خالد الأحمر (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَلاَءِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لاَ يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ".

قراءة النظائر في ركعة

(ش) (سعيد) بن أبي عروبة. و (قتادة) بن دعامة (والمعنى) أن من قرأ القرآن في أقل من ثلاث ليال لايفهم معانيه لأنه حينئذ يسرع في القراءة ويكون همه أداء الألفاظ فقط فلا يتدبر المعنى (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ حَبِيبٍ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي كَمْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَالَ "فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا". ثُمَّ قَالَ "فِي شَهْرٍ". ثُمَّ قَالَ "فِي عِشْرِينَ". ثُمَّ قَالَ "فِي خَمْسَ عَشْرَةَ". ثُمَّ قَالَ "فِي عَشْرٍ". ثُمَّ قَالَ "فِي سَبْعٍ". لَمْ يَنْزِلْ مِنْ سَبْعٍ. (ش) (الرجال) (عبد الرزاق) بن همام. و (سماك بن الفضل) الخولاني اليماني الصنعاني. روى عن وهب بن منبه وعمر بن شعيب وشهاب بن عبد الله ومجاهد بن جبر. وعنه معمر بن راشد وشعبة وعمر بن عبيد الله الصنعاني وغيرهم، وثقه النسائي وابن نمير، وقال الثوري لا يكاد يسقط له حديث لصحته، وقال في التقريب ثقة من السادسة، روى له أبو داود والترمذي والنسائي (معنى الحديث) (قوله قال في أربعين يوما الخ) هو موافق لحديث أبي سلمة المذكور أول الباب في أن أقل مدة يقرأ فيها القرآن سبع، ويخالفه في أكثرها فهناك أكثرها ثلاثون وهنا أربعون، ولا منافاة بينهما لأن القصة متعددة فمرة سمع أحد الرواة ثلاثين والآخر سمع أربعين (وبهذا الحديث) أخذ إسحاق بن إبراهيم وقال لا نحب للرجل أن يأتي عليه أكثر من أربعين ولم يقرأ القرآن لهذا الحديث (والحديث) أخرجه أيضًا محمَّد بن نصر مرفوعًا، وأخرجه الترمذي عن وهب متصلًا بلفظ اقرأ القرآن في أربعين وقال حديث حسن غريب، ورواه مرسلًا عن وهب أيضًا (ص) حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ قَالاَ أَتَى ابْنَ مَسْعُودٍ رَجُلٌ فَقَالَ إِنِّي أَقْرَأُ الْمُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ. فَقَالَ أَهَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ وَنَثْرًا كَنَثْرِ الدَّقَلِ لَكِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْرَأُ النَّظَائِرَ السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ الرَّحْمَنَ وَالنَّجْمَ فِي رَكْعَةٍ وَاقْتَرَبَتْ وَالْحَاقَّةَ فِي رَكْعَةٍ وَالطُّورَ وَالذَّارِيَاتِ فِي رَكْعَةٍ وَإِذَا وَقَعَتْ وَن فِي رَكْعَةٍ وَسَأَلَ سَائِلٌ وَالنَّازِعَاتِ فِي رَكْعَةٍ وَوَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ

بيان النظائر

وَعَبَسَ فِي رَكْعَةٍ وَالْمُدَّثِّرَ وَالْمُزَّمِّلَ فِي رَكْعَةٍ وَهَلْ أَتَى وَلاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي رَكْعَةٍ. وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَالْمُرْسَلاَتِ فِي رَكْعَةٍ وَالدُّخَانَ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ فِي رَكْعَةٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا تَأْلِيفُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَحِمَهُ اللَّهُ. (ش) (إسراءيل) بن يونس تقدم بالأول ص 117. و (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قوله أتى ابن مسعود رجل) هو نهيك في بن سنان البجلي كما في رواية لمسلم عن أبي وائل (قوله إني أقرأ المفصل في ركعة) وفي رواية البخاري قرأت المفصل الليلة في ركعة وسمي مفصلًا لقصر سورة وقرب فصل بعضهن من بعض. وسبب قول الرجل لابن مسعود هذا القول بينه مسلم في رواية له عن وكيع عن الأعمش عن أبي وائل قال جاء رجل يقال له نهيك بن سنان إلى عبد الله فقال يا أبا عبد الرحمن كيف تقرأ هذا الحرف ألفًا تجده أم ياء من ماء غير أسن أو من ماء غير ياسن فقال عبد الله وكل القرآن قد أحصيت غير هذا الحرف قال إني لأقرأ المفصل في ركعة الخ (قوله فقال أهذا كهذ الشعر) يعني أإسراعا كإسراع الشعر، والاستفهام إنكاري بمعنى النهي فكأنه قال له لا تسرع في القراءة. وهذا منصوب على المصدرية بفعل محذوف يقال هذ في قراءته هذّا من باب قتل أسرع فيها. وقال له ذلك لأن تلك الصفة كانت عادتهم في إنشاد الشعر. وقال النووي في شرح مسلم معناه أن هذا الرجل أخبره بكثرة حفظه وإتقانه فقال ابن مسعود أتهذه هذا وهو شدة الإسراع والأفراط في العجلة, ففيه النهي عن الهذّ والحث على الترتيل والتدبر اهـ (قوله ونثرًا كنثر الدقل) بفتحتين أي رديء التمر ويابسه لأنه لردائته ويبسه لا يجتمع ويكون منثورًا, وشبه قراءته به لتساقط الترتيل فيها كما يتساقط الرطب اليابس من العذق (قوله كان يقرأ النظائر) يعني السور المتماثلة في المعاني كالمواعظ والحكم والقصص لا المتماثلة في عدد الآي لأنه ليس بين ما سيذكره من السور تماثل في الآي. قال الطبري كنت أظن أن المراد أنها متساوية في العدد حتى اعتبرتها فلم أجد فيها شيئًا متساويًا (قوله النجم والرحمن في ركعة) النجم الثريًا وهي عدة نجوم بعضها ظاهر وبعضها خفي, وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يراها أحد عشر نجمًا وفيه هو جميع النجوم, والرحمن اسم من أسماء الله تعالى وافتتح السورة به للإشارة إلى أنها مشتملة على نعم عظيمة لأن الرحمن المنعم بجلائل النعم (قوله واقتربت والحاقة في ركعة) أي سورة اقتربت الساعة أي القيامة وأتى بالفعل المزيد مبالغة في قربها لأن زيادة الحروف تدل على زيادة المعنى, والحاقة القيامة سميت بها لأنه يتحقق فيها ما أنكر في الدنيا من البعث والحساب والجزاء

وغير ذلك (قوله والطور والذاريات) الطور الجبل الذي كلم الله تعالى موسى عليه وهو طور سيناء. والذاريات جمع ذارية وهي الرياح التي تذرو التراب وتهب به (قوله وإذا وقعت ون) أي سورة إذا وقعت الواقعة أي قامت القيامة. ون حرف من حروف الهجاء والله أعلم بمراده به وقيل هواسم منقطع من اسمه الرحمن أو الناصر أو النصير أو النور (قوله وسأل سائل والنازعات) أي سورة سأل سائل أي دعا داع فسأل من السؤال بمعنى الدعاء وقيل من السيلان فالألف منقلبة عن ياء، والمعنى سأل سائل أي واد في جهنم قلبت الياء في اسم الفاعل همزة لأن العين إذا أعلت في الفعل بقلبها ألفًا تعل في اسم الفاعل بقلبها همزة مثل قائل. والنازعات الملائكة التي تنزع أرواح الكفار بشدة. قال ابن مسعود إن ملك الموت وأعوانه ينزعون روح الكافر كما ينزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبتل. والسفود بوزن التنور الحديدة التي يشوى بها اللحم (قوله وويل للمطففين وعبس) الويل قيل كلمة عذاب وقيل واد في جهنم. والمطففين جمع مطفف وهو الذي يأخذ في الكيل (قيل أو الوزن شيئًا قليلًا أو ينقص منهما وقد بينهم الله تعالى إلى بقوله (الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) الآية وعبس أي تغير وجهه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأعرض وقت مجيء ابن أم مكتوم له، وأتى الله بضمير الغيبة تلطفًا به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإجلالًا له لما في المشافهة بالخطاب من الشدة (قوله والمدثر والمزمل) تقدم أنه المتلفف في ثيابه من أعباء الوحي (قوله وهل أتى) أي سورة هل أتى على الإنسان المعروفة بسورة الإنسان وسورة الدهر (قوله وعم يتساءلون والمرسلات) أي عن أي شيء يسأل بعضهم بعضًا. والمرسلات أي الرياح المتتابعة يتلو بعضها بعضًا (قوله والدخان وإذا الشمس كورت) أي سورة إذا الشمس كورت أي لف بعضها ببعض وذهب نورها. والدخان بوزن غراب سميت السورة به لقوله تعالى فيها يوم تأتى السماء بدخان مبين. هذا وقد أخرج البخاري وغيره الحديث من طريق واصل عن أبي وائل عن عبد الله، وفيه إني لأحفظ القرناء التي كان يقرأ بهن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثماني عشرة سورة من المفصل وسورتين من آل حم وهو مشكل لأن رواية المصنف وغيرها لم يذكر فيها من الحواميم غير الدخان فتحمل على التغليب أو على الحذف، والأصل وسورتين إحداهما من آل حم (قوله هذا تأليف ابن مسعود) أي ما ذكر من ترتيب السور في كل ركعتين على هذه الهيئة تأليف ابن مسعود وجمعه لها في صحيفته. وأتى المصنف بهذا لدفع ما يتوهم من أن ترتيب السور في الحديث مخالف للترتيب المعروف، قال الحافظ في الفتح فيه دلالة على أن تأليف مصحف ابن مسعود غير تأليف العثماني، وكان أوله الفاتحة ثم البقرة ثم النساء ثم آل عمران ولم يكن على ترتيب النزول. ويقال إن مصحف عليّ

الترغيب في قراءة آخر البقرة

كان على ترتيب النزول أوله اقرأ ثم المدبر ثم ن والقلم ثم المزمل ثم تبت ثم التكوير ثم سبح وهكذا إلى آخر المكي ثم المدني والله تعالى أعلم. وأما ترتيب المصحف على ما هوعليه الآن فقد قال القاضي أبو بكر الباقلاني يحتمل أن يكون النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هوالذي أمر بترتيبه هكذا ويحتمل أن يكون من اجتهاد الصحابة اهـ. ومما يدل على أن ترتيب المصحف توفيقي الحديث الثاني في الباب وهو حديث أوس بن حذيفة فإنه يدل على أن ترتيب السور على ما هوفي المصحف الآن كان في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وفي هذا الحديث) ذم الإسراع في القراءة لأنه يؤدي إلى الإخلال بترتيل القرآن وعدم التدبر في معانيه ولذا قال ابن مسعود للرجل كما في رواية مسلم هذّا كهذّ الشعر إن أقوامًا يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع. وفيه أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يجمع بين السورتين في ركعة, وتقدم أن ذلك جائز في النفل أما في الفرض فقال ابن القيم أنه لم يحفظ عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأجاب عن حديث الباب بأنه لم يبين محل القراءة فيه هل كان من الفرض أم في النفل. لكن تقدم في صفحة 197 من السابع أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقر من قرأ السورتين في الفرض ولم ينكر عليه (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري والطبراني وابن خزيمة, وكذا مسلم من عدة طرق. (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا مَسْعُودٍ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ قَرَأَ الآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ في لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ". (ش) (شعبة) بن الحجاج. و (إبراهيم) النخعي (قوله سألت أبا مسعود الخ) أي قال عبد الرحمن حدثني علقمة عن أبي مسعود ثم سألت أبا مسعود عقبة بن عمروالأنصاري أي قال عبد الرحمن حدثني علقمة عن أبي مسعود ثم سألت أبا مسعود عقبة بن عمروالأنصاري والحال أنه يطوف بالبيت عما يكفي من قراءة القرآن في الليل, وقد أوضح السؤال في رواية مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد قال لقيت أبا مسعود عند البيت فقلت حديث بلغني عنك في الآيتين في سورة البقرة فقال نعم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه (قوله من آخر سورة البقرة) هو قوله تعالى آمن الرسول إلى آخر السورة. وجاء في رواية عليّ بن سعيد العسكري في ثواب القرآن من طريق عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن علقمة بن قيس عن عقبة بن عمرو بلفظ من قرأهما بعد العشاء الآخرة أجزأتاه آمن الرسول إلى آخر السورة (قوله كفتاه) أي أجزأتاه عن قيام الليل. ويؤيده ما رواه ابن عدي ابن

ما ورد في فضل آخر البقرة. الترغيب في قراءة القرآن

مسعود أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أنزل الله آيتين من كنوز الجنة كتبهما الرحمن بيده قبل أن يخلق الخلق بألفي عام من قرأهما بعد العشاء الآخرة أجزأتاه عن قيام الليل, وقيل كفتاه شر الشيطان. ويؤيده ما أخرجه الطبراني بسند جيد عن شداد بن أوس قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق السموات والأرضين بألفى عام فأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة ولا يقرآن في "ر ثلاث لي الذيقر بها شيطان. وأخرج الحاكم والترمذي نحوه عن النعمان بن بشير وقال الترمذي حسن غريب. وقيل كفتاه كل سوء وقيل كفتاه فيما يتعلق بالاعتقاد لما اشتملتا عليه من الإيمان بالله ورسله والأعمال إجمالًا, وقيل دفعتا عنه شر الإنس والجن وقيل كفتاه بما حصل له بسببها من الثواب عن طلب شيء آخر. ولا مانع من إرادة هذه المعاني كلها, واختصتا بذلك لما تضمنتاه من الثناء على الصحابة بجميل انقيادهم إلى الله وابتهالهم ورجوعهم إليه وما حصل لهم من الإجابة إلى مطلوبهم. وقد ورد في فضل هاتين الآيتين أحاديث أخر. منها ما أخرجه الحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من كنزه الذي تحت العرش فتعلموهما وعلموهما نساءكم وأبناءكم فإنهما صلاة وقرآن ودعاء. ومنها ما أخرجه مسدد عن عمروالدارمي عن علي قال ما كنت أرى أحدًا يعقل ينام حتى يقرأ هؤلاء الآيات من آخر سورة البقرة (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا عَمْرٌو أَنَّ أَبَا سَوِيَّةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ حُجَيْرَةَ يُخْبِرُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْمُقَنْطَرِينَ". (ش) (رجال الحديث) (عمرو) بن الحارث تقدم بالثاني ص 47. و (أبو سوية) بفتح السين المهملة وكسر الواو وتشديد المثناة التحتية المفتوحة اسمه عبيد بن سوية بن أبي سوية الأنصاري المصري. روى عن عبد الرحمن بن حجيرة وسبيعة الأسلمية. وعنه عمرو بن الحارث وحيوة بن شريح وابن لهيعة ويحيى بن أبي أسيد، قال ابن يونس كان صالحًا ووثقه ابن جبان، وقال أبوعمير الكندي كان فاضلًا. توفي سنة خس وثلاثين ومائتين. روى له أبو داود

و (ابن حجيرة) بالتصغير هوعبد الرحمن أبوعبد الله تقدم بالخامس صفحة 350 (معنى الحديث) (قوله من قام بعشر آيات) يعني من قرأ في الليل عشر آيات كما صرّح به في رواية الحاكم (قوله كتب من القانتين) أي القائمين المطيعين في تلك الليلة (قوله كتب من المقنطرين) أي ممن أعطوا من الأجر وزن قنطار. ق الذي النهاية جاء في الحديث أن القنطار ألف ومائتا أوقية, والأوقية خير مما بين السماء والأرض اهـ وعن أبي أمامة من قرأ بمائة آية لم يكتب من الغافلين, ومن قرأ بمائتي آية كتب من القانتين, ومن قرأ بألف آية كان له قنطار, والقنطار من ذلك لا تقي به دنياكم (وفي الحديث) الترغيب في قراءة القرآن في الليل لما فيه من الثواب العظيم. وأن قيام الليل يحصل بقراءة القرآن ولو بعشر آيات وكلما زاد في القراءة زيد له في الأجر. وقد جاء في الترغيب في قراءة القرآن أحاديث أخر منها ما أخرجه محمَّد بن نصر عن أبي هريرة من قرأ عشر آيات كتب من المصلين ولم يكتب من الغافلين, ومن قرأ خمسين آية كتب من الحافظين حتى يصبح, ومن قرأ ثلثمائة آية يقول الجبار نصب "أعيا" عبدي ومن قرأ ألف آية كتب له قنطار من برّ, والقنطار خير له من الدنيا وما فيها واكتنز ما شاء من الأجر فإذا كان يوم القيامة يقول الرب تبارك وتعالى اقرأ ورتل وارق بكل آية درجة حتى ينتهى به إلى آخر آية عنده, ويقول الرب للعبد اقبض فيقبض فيقول الله أتدرى ما معك فيقول العبد بيده "أي يشير بها قائلًا" أي ربّ أنت تعلم فيقول بهذه الخلد وبهذه النعيم. ومنها ما أخرجه أيضًا عن الحسن قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من قرأ مائة آية في ليلة لم يحاجه القرآن ليلتئذ, ومن قرأ مائتي آية كتب له قنوت ليلة ومن قرأ من الخمسمائة إلى ألف أصبح وله قنطار من الأجر, والقنطار دية أحدكم وإن أصغر البيوت (أخلاها) من الخير بيت لا يقرأ فيه القرآن (والحديث) أخرجه أيضًا الحاكم عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين, ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين, وأخرجه محمَّد بن نصر عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ من قرأ في ليلة مائة آية لم يكتب من الغافلين أوكتب من القانتين (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ ابْنُ حُجَيْرَةَ الأَصْغَرُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُجَيْرَةَ. (ش) ذكر هذا دفعا للالتباس ولبيان أن ابن حجيرة شخصان أحدهما الأكبر وهوالوالد المذكور في السند السابق والثاني الأصغر وهوعبد الله بن عبد الرحمن (ص) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى الْبَلْخِيُّ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالاَ نَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ

ما ورد في فضل إذا زلزلت

نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ هِلاَلٍ الصَّدَفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَقْرِئْنِي يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ "اقْرَأْ ثَلاَثًا مِنْ ذَوَاتِ الرَّاءِ". فَقَالَ كَبِرَتْ سِنِّى وَاشْتَدَّ قَلْبِي وَغَلُظَ لِسَانِي. قَالَ "فَاقْرَأْ ثَلاَثًا مِنْ ذَوَاتِ حم". فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ. فَقَالَ "اقْرَأْ ثَلاَثًا مِنَ الْمُسَبِّحَاتِ". فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللهِ أَقْرِئْنِي سُورَةً جَامِعَةً. فَأَقْرَأَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ) حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا. فَقَالَ الرَّجُلُ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَزِيدُ عَلَيْهَا أَبَدًا ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ". مَرَّتَيْنِ. (ش) (رجال الحديث) (القتباني) نسبة إلى قتبان موقع بعدن. و (عيسى بن هلال) السليحي الطائي المعروف بابن البراد. روى عن إسماعيل بن عياش ومحمَّد بن حمير السليحي ومروان ابن محمَّد ويحيى بن أبي بكير وآخرين. وعنه أبو داود والنسائي ويعقوب بن سفيان وموسى بن سهل وجماعة, قال النسائي لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أغرب, و (الصدفي) نسبة إلى صدف بفتح فكسر مخلاف باليمن. وقيل من حضر موت (معنى الحديث) (قوله أتى الرجل) لم يعرف اسمه (قوله أقرئني) أي علمني من القرآن ما يكفيني في التعبد (قوله اقرأ ثلاثًا من ذوات الرا) بلا مدّ أي ثلاث سور من السور التي أولها الر بلا همز وفي نسخة بالهمز وهي سورة يونس وهود ويوسف وإبراهيم والحجر (قوله واشتد قلبي الخ) يريد أنه قل فهمه وكثر نسيانه وثقل لسانه فلا يستطيع أن يتعلم السور الطوال (قوله اقرأ ثلاثًا من ذوات حم) أي من السور التي أولها حم (قوله من المسبحات) أي من السور التي أولها سبح ويسبح (قوله أقرئني سورة جامعة) يعني لأنواع الخير ومختصرة ليسهل عليه حفظها (قوله فأقرأه إذا زلزلت الأرض) أي سورة إذا زلزلت, وكانت جامعة لما رواه الترمذي والبيهقي والحاكم عن ابن عباس مرفوعًا إذا زلزلت تعدل نصف القرآن. ولأن أحكام القرآن تنقسم إلى أحكام الدنيا وأحكام الآخرة وهذه السورة تشتمل على أحكام الآخرة إجمالًا, قال كعب الأحبار لقد أنزل على محمَّد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم آيتان أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزبور والصحف (فَمَنْ يَعْمَلْ

باب في عدد الآي

مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) وروى أحمد عن صعصعة بن معاوية أنه أتى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقرأ عليه الآية فقال حسبي لا أبالي أن لا أسمع من القرآن غيرها. وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الحمر أي عن صدقها قال لم ينزل عليّ فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة وتلا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قوله تعالى ف (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) الخ والفاذة المنفردة في معناها (قوله أفلح الرويجل) أي فاز بالخير الكثير والرويجل تصغير رجل على غير قياس أوتصغير راجل أي ماش على رجليه, وهوتصغير تعظيم لقوة إدراك الرجل وبعد نظره (باب في عدد الآي) أي في عدد آي السورة التي تشفع لمن قرأها (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ أَنَا شُعْبَةُ أَنَا قَتَادَةُ عَنْ عَبَّاسٍ الْجُشَمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "سُورَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ ثَلاَثُونَ آيَةً تَشْفَعُ لِصَاحِبِهَا حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} ". (ش) (رجال الحديث) (قوله عباس الجشمي) يقال اسم أبيه عبد الله. روى عن أبي هريرة وعثمان. وعنه قتادة بن دعامة وسعد الجريري, ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من الثالثة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي هذا الحديث لا غير والجشمي نسبة إلى جشم بضم الجيم وفتح المعجمة قرية من قرى بيهق من أعمال نيسيابور بخراسان (معنى الحديث) (قوله تشفع لصاحبها) يعني لمن واظب على قراءتها, ونسبة الشفاعة للسورة على حقيقتها كما يؤيده ما أخرجه محمَّد بن نصر. القرآن شافع مشفع. ويحتمل أن يكون المراد أن قراءتها سبب في نجاة قرائها وشفاعته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم له فإسناد الشفاعة إليها مجاز (قوله حتى غفر له) أي يغفر له فعبر بالماضى عن المضارع لتحقق الوقوع (قوله تبارك الذي بيده الملك) خبر لمبتدأ محذوف أي تلك السورة تبارك الذي بيده الملك. وفي ذكر السورة مبهمة ثم تعيينها تفخيم لها وتعظيم لشأنها (وبالحديث) استدل من قال البسملة ليست آية من السورة كالحنفية والمالكية لأن كونها ثلاثين آية إنما يصح على أنها ليست آية منها (وفيه) دلالة على مزيد فضل هذه السورة وعظم قدرها والحث على المواظبة على قراءتها. وقد جاء في فضلها أحاديث أخر. منها ما أخرجه الطبراني وابن مردويه بسند جيد عن ابن مسعود قال من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب. وما أخرجه الطبراني والحاكم وابن مردويه وعبد بن حميد في مسنده واللفظ له عن

باب تفريع أبواب السجود وكم سجدة في القرآن

ابن عباس أنه قال لرجل ألا أتحفك بحديث تفرح به, قال بلى قال اقرأ تبارك الذى بيده الملك وعلمها أهلك وجميع ولدك وصبيان بيتك وجيرانك, فإنها المنجية والمجادلة يوم القيامة عند ربها لقارئها. ومنها ما أخرجه الترمذي ومحمَّد بن نصر واللفظ له عن ابن عباس قال ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر, فإذا فيه إنسان يقرأ سورة تبارك الذي بيده الملك حتى ختمها, فأتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله إني ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر, فإذا إنسان يقرأ سورة تبارك حتى ختمها, فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر. ومنها ما أخرجه محمَّد بن نصر عن ابن مسعود قال تبارك هي المانعة تمنع من عذاب القبر, يتوفى رجل فيؤتى من قبل رأسه فيقول رأسه إنه لا سبيل لكم على ما قبلي فإنه يقرأ فيّ سورة الملك, ويؤتى من قبل بطنه فيقول بطنه إنه لا سبيل لكم على ما قبلي إنه كان قد وعى فيّ سورة الملك, ويؤتى من قبل رجليه فتقول رجلاه إنه لا سبيل لكم على ما قبلي إنه كان يقرأ عليّ سورة الملك, وقال هي في التوراة سورة الملك من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب (والحديث) أخرجه أيضًا الحاكم وقال صحيح الإسناد (باب تفريع أبواب السجود وكم سجدة في القرآن) أي تفصيل أبواب سجود التلاوة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ الْبَرْقِيِّ نَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ الْعُتَقِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُنَيْنٍ -مِنْ بَنِي عَبْدِ كُلاَلٍ- عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَقْرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْقُرْآنِ مِنْهَا ثَلاَثٌ فِي الْمُفَصَّلِ وَفِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَانِ. (ش) (رجال الحديث) (محمَّد بن عبد الرحيم) نسبه إلى جده وإلا فهو ابن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعيه بسكون المهملة وفتح الياء ثم هاء, والذي في التقريب وغيره ابن سعيد بن أبي زرعة أبو عبد الله (بن البرقيّ) بفتح فسكون قيل له البرقي لأنه كان يتجر إلى برقة. روى عن أبي الأسود النضر بن عبد الجبار وعمرو بن أبي سلمة وعبد الله بن الحكم وسعيد بن أبي مريم وغيرهم وعنه أبو داود والنسائي وابنه عبيد الله بن محمَّد وأبو حاتم وغيرهم. قال النسائي لا بأس به وقال ابن يونس كان ثقة. توفي في جماد الآخرة سنة تسع واربعين ومائتين و (ابن أبي مريم) سعيد بن الحكم الجمحي تقدم بالأول صفحة 100. و (الحارث بن سعيد)

بيان السجدات التي في القرآن وأقوال العلماء فيها

وقيل ابن يزيد. وقيل سعيد بن الحارث. روى عن عبد الله بن منين. وعنه نافع بن بن يزيد وابن لهيعة. قال ابن القطان والذهبى لا يعرف حاله. روى له أبو داود والشيخان هذا الحديث و (العتقي) بضم العين وفتح المثناة الفوقية نسبة إلى العتقيين وهم عدة قبائل و (عبد الله بن منين) بنونين مصغرًا اليحصبي المصري. روى عن عمرو بن العاص. وعنه الحارث بن سعيد، قال في التقريب وثقه يعقوب بن سفيان من الثالثة. وقال عبد الحق لا يحتج به. وقال ابن القطان لا يعرف حاله. روى له أبو داود وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله أقرأه خمس عشرة سجدة) يعني عليه خمس عشرة آية في القرآن في كل منها ذكر السجدة. ويحتمل أن المراد أقرأه أي أمره أن يقرأ عليه خمس عشرة آية فيها السجدة. قال في النهاية إذا قرأ الرجل القرآن أوالحديث على الشيخ يقول أقرأني فلان أي حملني على أن أقرأ عليه اهـ (قوله منها ثلاث في المفصل) أي ثلاث آيات في المفصل، وهي قوله تعالى (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) في سورة النجم، وقوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ) في سورة إذا السماء انشقت، وقوله (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) في سورة اقرأ (قوله وفي سورة الحج سجدتان) عند قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ). وقوله (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) الآية فهذه خمس. والعشرة الباقية (أولها) خاتمة الأعراف في قولة (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) (ثانيها) في الرعد في قوله (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) (ثالثها) في النحل في قوله (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (رابعها) في الإسراء في قوله (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) (خامسها) في مريم في قوله (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) (سادسها) في الفرقان في قوله (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا) (سابعها) في النمل في قوله (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (ثامنها) في السجدة في قوله (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) (تاسعها) في ص في قوله (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) وهذا علي رأى الجهور، وقالت الحنفية السجود عند قوله (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ) (عاشرها) في فصلت في قوله (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) وقيل قى قوله تعالى (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ) (وفي الحديث) دلالة على أن مواضع السجود للتلاوة خمسة عشر موضعًا. وإليه ذهب الليث وإسحاق وابن المنذر وابن سريج من الشافعية وابن حبيب وابن وهب من المالكية ورواية عن أحمد. وذهب أبو حنيفة إلى أن عدد

مواضع السجود أربعة عشر. وهو قول لابن وهب وهي ما ذكر بإسقاط ثانية الحج , وقالوا هي سجدة الصلاة لأنها مقرونة بالأمر بالركوع والمعهود في مثله من القرآن كونه من أوامر ما هو ركن الصلاة بالاستقراء نحو واسجدى واركعي مع الراكعين. قال الزيلعي يدل لنا ما روي عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا سجدة التلاوة في الحج هي الأولى والثانية سجدة الصلاة وقرانها بالركوع يؤيد ما روى عنهما اهـ. وأخرج الطحاوي من طريق الثعلبي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال في سجود الحج الأول عزيمة والآخر تعليم اهـ. وبمثل قول الحنفية قالت الشافعية والحنابلة والهادوية وداود إلا أنهم أثبتوا ثانية الحج وأسقطوا سجدة ص وقالوا هي سجدة شكر لا سجدة تلاوة. وقال مالك وجمهول أصحابه إن مواضع السجود أحد عشر ليس في المفصل منها شيء ولا ثانية الحج. وبه قال ابن عباس وابن عمر والشافعي في القديم. ويدل لهم ما رواه ابن ماجة من طريق عثمان بن فائد عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن المهدي بن عبد الرحمن ابن عيينة بن خاطر قال حدثتني عمتى أم الدرداء عن أبي الدرداء قال سجدت مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إحدى عشرة سجدة ليس فيها من المفصل شيء. الأعراف والرعد والنحل وبني إسراءيل ومريم والحج وسجدة الفرقان وسليمان سورة النمل والسجدة وفي ص وسجدة الحواميم. وهو ضعيف لأنه من طريق عثمان بن فائد وفيه مقال قال ابن عدي عامة ما يرويه ليس بمحفوظ وقال ابن حبان يأتي بالمعضلات لا يجوز الاحتجاج به وقال أبو نعيم روى عن الثقات المناكير (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي, وفي سنده عبد الرحمن ابن منين, وفيه مقال كما تقدم لكن حسنه المنذري والنووي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رُوِىَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً وَإِسْنَادُهُ وَاهٍ. (ش) هذه الرواية أخرجها ابن ماجة والترمذي من طريق عمرو بن الحارث عن سعيد ابن أبي هلال عن عمر الدمشقي عن أم الدرداء عن أبي الدرداء أنه قال سجدت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إحدى عشرة سجدة منها التي في النجم (قوله وإسناده واه) أي ضعيف لأن في سنده سعيد بن أبي هلال وفيه مقال وعمر الدمشقي وهو مجهول وقال الترمذي حديث أبي الدرداء حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث سعيد بن أبي هلال عن عمر الدمشقي اهـ (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ أَنَّ مِشْرَحَ

دليل من قال إن في سورة الحج سجدتين

ابْنَ هَاعَانَ أَبَا الْمُصْعَبِ حَدَّثَهُ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ حَدَّثَهُ قَالَ قُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَفِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَانِ قَالَ "نَعَمْ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا فَلاَ يَقْرَأْهُمَا". (ش) (رجال الحديث) (ابن وهب) عبد الله و (ابن لهيعة) هوعبد الله. و (مشرح) بكسر فسكون (بن هاعان) المعافري المصري. روى عن عقبة بن عامر وسليم بن عمرو والمحرر بن أبي هريرة وعنه خالد بن عبيد وعبد الكريم بن الحارث والوليد بن المغيرة والليث بن سعد, وثقه ابن معين وقال ابن حبان في الثقات يخطئ ويخالف, وقال في الضعفاء يروي عن عقبة مناكير لا يتابع عليها والصواب ترك ما انفرد به. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجة والبخاري في خلق أفعال العباد (معنى الحديث) (قوله في سورة الحج سجدتان) على تقدير همزة الاستفهام وفي بعض النسخ التصريح بها. وفي رواية الترمذي فضلت سورة الحج لأن فيها سجدتين (قوله ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما) يعني من لم يرد السجود فلا يقرأهما لأنه لو قرأهما ولم يسجد فقد خالف ما ندب إليه الشارع. وفي المصابيح من لم يسجدهما فلا يقرأها بالإفراد أي لا يقرأ السورة بتمامها. ويحتمل أن المراد فلا يقرأ آية السجدة فيراد به جنس السجدة, والصواب النسخة الأولى, فإذا قرأ ولم يسجد كان آثما على القول بوجوب سجود التلاوة وتاركًا للسنة على القول بسنيته كما يأتي بيانه (وفي الحديث) دلالة لمن يقول إن سورة الحج فيها سجدتان وهو وإن كان ضعيفًا لأن في سنده ابن لهيعة ومشرح وفيهما مقال إلا أنه جاء ما يقويه. فقد روى الطحاوي عن عبد الله بن ثعلبة قال صلى بنا عمر بن الخطاب الصبح فقرأ بالحج وسجد فيها سجدتين. وأخرج مالك في الموطأ عن نافع أن رجلًا من أهل مصر أخبره أن عمر بن الخطاب قرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين ثم قال هذه السورة فضلت بسجدتين. وروى الطحاوي عن صفوان بن محرز أن أبا موسى الأشعري سجد في الحج سجدتين. وروي مثله عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر. وروى عن يزيد بن خمير قال سمعت عبد الرحمن بن جبير بن نفير وخالد بن معدان يحدثان عن جبير بن نفير أنه رأى أبا الدرداء سجد في الحج سجدتين. وهذه وإن كانت آثارًا لكن ليس للرأى فيها مجال (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والحاكم والدراقطني والبيهقي والترمذي وقال حديث ليس إسناده بذاك القوى واختلف أهل العلم في هذا. فروي عن عمر بن الخطاب وابن عمر أنهما قالا فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين. وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ورأى بعضهم فيها سجدة. وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة اهـ

باب من لم ير السجود في المفصل

(باب من لم ير السجود في المفصل) أي في بيان دليل من قال لا سجود في المفصل (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نَا أَزْهَرُ بْنُ الْقَاسِمِ -قَالَ مُحَمَّدٌ رَأَيْتُهُ بِمَكَّةَ- نَا أَبُو قُدَامَةَ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَسْجُدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ مُنْذُ تَحَوَّلَ إِلَى الْمَدِينَةِ. (ش) (رجال الحديث) (أزهر بن القاسم) الراسبي أبو بكر البصري. روى عن أبي قدامة الحارث بن عبيد وهشام الدستوائي والمثنى بن سعيد. وعنه أحمد وإسحاق ومحمود بن غيلان ومحمَّد بن رافع وآخرون. وثقه أحمد والنسائي. وقال أبو حاتم شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئ, وقال في التقريب صدوق من التاسعة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه (قوله قال محمَّد رأيته بمكة) أي قال محمَّد بن رافع رأيت أزهر بمكة, ولعله أتى بها لدفع ما يتوهم من أنه ما اجتمع عليه. و(مطر الوراق) هو ابن طهمان أبو رجاء الخراساني السلمي روى عن عكرمة وعطاء وحميد بن هلال ورجاء بن حيوة وشهر بن حوشب وكثيرين. وعنه إبراهيم بن طهمان والحمادان وروح بن القاسم وسعيد بن أبي عروبة وشعبة وجماعة. ضعفه ابن معين وابن سعد وقال العجلي صدوق وقال أبو بكر البزار لا بأس به وقال أبو داود ليس عندي بحجة ولا يقطع به في حديث إذا اختلف وقال الساجي صدوق يهم وقال ابن حبان ربما أخطأ قيل مات سنة خمس وعشرين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (معنى الحديث) (قوله لم يسجد في شيء من المفصل الخ) احتج به مالك ومن وافقه على أنه لا سجود في المفصل, لكن الحديث ضعيف لأنه من طريق أبي قدامة وهوضعيف قال فيه ابن حبان كان ممن كثر وهمه حتى خرج عن جملة من يحتج بهم إذا انفرد وقال الساجي عنده مناكير وضعفه ابن معين وقال أبو حاتم ليس بالقوى يكتب حديثه ولا يحتج به وقال أحمد مضطرب الحديث, وفيه أيضًا مطر الوراق وتكلم فيه بعضهم كما علمت وقد عيب على مسلم إخراج حديثه وعلى تقدير صحته فتقدم رواية من أثبت السجود في المفصل كما سيذكره المصنف بعد إذ المثبت مقدم على النافي ولعل ابن عباس لم يطلع على سجوده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المفصل فقال بما علم (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي (ص) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ نَا وَكِيعٌ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

أقوال العلماء في السجود في سورة النجم

قُسَيْطٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- النَّجْمَ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا. (ش) (ابن أبي ذئب) محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب و (يزيد بن عبد الله بن قسيط) بضم القاف ابن أسامة وعطاء بن يسار وغيرهم. وعنه ابناه عبد الله والقاسم ومالك وابن إسحاق والليث بن سعد وآخرون, وثقة النسائي وابن حبان وابن عبد البر وابن سعد وقال كان كثير الحديث, وقال ابن معين ليس به بأس. مات بالمدينة سنة اثنتين وعشرين ومائة. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله قرأت على رسول الله النجم الخ) من أدلة من قال إن المفصل لا سجود فيه ومن قال لا سجود في آخر النجم خاصة وهو قال عطاء وأبي ثور والحسن البصري وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وعكرمة وطاوس. وأجاب عنه من قال بالسجود في المفصل وبالسجود في النجم بأن تركه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السجود لاحتمال أنه كان غير متطهر حينئذ أو أن الوقت كان وقت كراهة أو أنه لم يسجد لبيان الجواز. قال في الفتح وهذا أرجح الاحتمالات وبه جزم الشافعي اهـ ويؤيده ما ذكره المصنف بعد من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سجد فيها (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والبيهقي والنسائي وأحمد والترمذي والدارقطني (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ السَّرْحِ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ نَا أَبُو صَخْرٍ عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِمَعْنَاهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ كَانَ زَيْدٌ الإِمَامَ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا. (ش) (رجال الحديث) (أبو صخر) هو حميد بن زياد بن أبي المخارق المدني الخراط. روى عن أبي صالح السمان وسلمة بن دينار ونافع وكريب ومكحول وجماعة. وعنه حيوة ابن شريح وعبد الله بن وهب ويحيى القطان وحاتم بن إسماعيل, وثقه الدارقطني وقال أحمد لا بأس به وضعفه النسائي وابن معين. قيل مات سنة تسع وثمانين ومائة. روى له مسلم وأبو داود الترمذي وابن ماجة والبخاري في الأدب, و (خارجة بن زيد بن ثابت) الأنصاري. روى عن أبيه أسامة بن زيد وسهل بن سعد. وعنه ابنه سليمان وابنا

قاريء آية السجدة كالإمام للمستمع

أخويه سليمان بن زيد بن ثابت وقيس بن سعد بن زيد والزهري وعثمان بن حكيم وجماعة، وثقه العجلي وابن سعد وقال كان كثير الحديث، وقال أبو الزناد كان أحد الفقهاء السبعة (المعنى) (قوله بمعناه) أي معنى حديث ابن أبي ذئب السابق. ولا يقال إن في سند الحديث اضطرابًا لأن ابن قسيط رواه مرة عن عطاء وأخرى عن خارجة لاحتمال أن يكون لابن قسيط فيه شيخان (قوله وكان زيد الإِمام فلم يسجد) بنصب الإِمام خبر كان والمراد أن زيدًا كان هو القارئ وأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسمع فلم يسجد. وأراد المصنف بهذا الجواب عن عدم سجود النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. قال الترمذي حديث زيد بن ثابت حديث حسن صحيح. وتأول بعض أهل العلم هذا الحديث فقال إنما ترك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السجود لأن زيد بن ثابت حين قرأ فلم يسجد لم يسجد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وروى الشافعي مرسلًا عن عطاء بن يسار أن رجلًا قرأ عند النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسجد فسجد النبي ثم قرأ آخر عنده السجدة فلم يسجد فلم يسجد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله قرأ فلان عندك السجدة فسجدت وقرأت فلم تسجد فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كنت إمامنا فلو سجدت سجدت. وروى ابن أبي شيبة من طريق ابن عجلان عن زيد بن أسلم قال إن غلامًا قرأ عند النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السجدة فانتظر الغلام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلما لم يسجد قال يا رسول الله ليس في هذه السجدة سجود قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بلى ولكنك كنت إمامنا ولو سجدت لسجدنا (ورواية أبي صخر) أخرجها الطبراني والدارقطني عنه عن يزيد بن قسيط عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال عرضت النجم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلم يسجد منا أحد. قال أبو صخر وصليت وراء عمر بن عبد العزيز وأبي بكر بن حزم فلم يسجدا فيها (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي (باب من رأى فيها سجودًا) أي باب في دليل من رأى في النجم سجودًا وكذا غيرها من المفصل (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ فَسَجَدَ فِيهَا وَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ إِلاَّ سَجَدَ فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى وَجْهِهِ

وَقَالَ يَكْفِينِي هَذَا. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا. (ش) (قوله قرأ سورة النجم) وكان ذلك في مكة كما صرح به في رواية للبخاري عن غندر وهي أول سورة نزلت فيها آية السجدة كما في رواية للبخاري عن الأسود بن يزيد عن ابن مسعود قال أول سورة أنزلت فيها سجدة النجم الخ (قوله فسجد فيها) أي سجد عواقب الفراغ منها وفي نسخة فسجد بها أي بسبب تلاوتها (قوله وما بقي أحد من القوم إلا سجد) المراد بالقوم الإنس والجن مؤمنهم ومشركهم كما في رواية للبخاري عن ابن عباس وفيها أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس. وسجد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم امتثالًا لأمر الله تعالى بالسجود في قوله (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) , وشكرًا للنعم العظيمة المعدودة في السورة, وسجد المؤمنون تبعًا له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم, وسجد المشركون لسماع أسماء آلهتهم من اللات والعزى أولما ظهر من سطوة سلطان العز وسطوع الأنوار العظيمة والكبرياء من توحيد الله عز وجل وصدق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى لم يبق لهم شك ولا أثر جحود واستكبار إلا من كان أشقى القوم وأطغاهم وهو من أخذ كفًا من حصى أوتراب فرفعه إلى وجهه. قال القاضي عياض أما ما يرويه الأخباريون والمفسرون أن سبب ذلك ما أجرى الله عَزَّ وَجَلَّ على لسان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الثناء على آلهة المشركين فباطل لا يصح فيه شيء من جهة النقل ولا من جهة العقل لأن مدح إله غير الله عَزَّ وَجَلَّ كفر لا يصح نسبة ذلك إلى لسان نبي ولا أن يمر به الشيطان على لسان نبي ولا يصح تسلط الشيطان على ذلك لأنه داعية إلى الشك في المعجزة وصدق الرسول اهـ (قوله فأخذ رجل الخ) هو أمية بن خلف كما في رواية للبخاري في كتاب التفسير عن ابن مسعود. وقيل هو المطلب بن أبي وداعة كما رواه النسائي عنه قال قرأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم النجم فسجد وسجد من معه فرفعت رأسي وأبيت أن أسجد ولم يكن يومئذ أسلم المطلب. ويمكن الجمع بينهما بأن كلا من أمية ابن خلف والمطلب لم يسجد وأن ابن مسعود لم ير المطلب ورأى أمية فأخبر عمن رآه, أو خص ابن مسعود أمية بالذكر لأنه هو الذي أخذ كفًا من التراب أو الحصى دون الآخر. وييده ما أخرجه ابن أبي شيبة عن أبي قال سجدوا في النجم إلا رجلين من قريش أرادا بذلك الشهرة (قوله يكفيني هذا) يعني عن السجود على الأرض, وصنع ذلك كبرًا أو ظنًا منه أن المقصود منه التواضع والانقياد لله تعالى بوضع أشرف الأعضاء على الأرض (قوله فلقد رأيته بعد ذلك قتل كافرًا) وذلك يوم بدر (وفي هذا الحديث) الرد على من قال إن المفصل لا سجود

باب السجود في إذا السماء انشقت واقرأ

فيه للتلاوة، وعلي من قال إن النجم لا سجود فيها، ورد لقول ابن القصار إن الأمر بالسجود في النجم ينصرف إلى الصلاة لا إلى سجود التلاوة، فإنه صريح في أن السجود كان للتلاوة كما يؤيده سجود المشركين معه. وفي دليل على أن السامع لآية السجدة يسجد وسيأتي بيانه في حديث ابن عمر (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والبيهقي وكذا النسائي مختصرًا وأخرجه الحاكم من طريق يحيى بن زكرياء عن أبيه عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله قال أول سورة قرأها رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الناس الحج حتى إذا قرأها سجد فسجد الناس إلا رجلًا أخذ التراب فسجد عليه فرأيته قتل كافرًا. قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين بالإسنادين جميعًا ولم يخرجاه إنما اتفقا على حديث شعبة عن إبى إسحاق عن الأسود عن عبد الله أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قرأ والنجم فذكره بنحوه وليس يعلل أحد الحديثين الآخر فإني لا أعلم أحدًا تابع شعبة على ذكره والنجم غير قيس ابن الربيع والذي يؤدي إليه الاجتهاد صحة الحديثين اهـ (باب السجود في إذا السماء انشقت واقرأ) أي باب في بيان ثبوت سجود التلاوة في سورتي إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) وَ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ). (ش) (رجال الحديث) (سفيان) بن عيينة كما في رواية الترمذي وابن ماجه. و (عطاء ابن ميناء) بكسر الميم والمد المدني ويقال البصري مولى ابن أبي ذباب الدوسي. روى عن أبي هريرة. وعنه سعيد المقبري وعمرو بن دينار والحارث بن عبد الرحمن وأيوب بن موسى وغيرهم، قال في التقريب صدوق من الثالثة. وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن عيينة من المعروفين عن أبي هريرة روى له الجماعة (معنى الحديث) (وله سجدنا مع رسول الله الخ) فيه دليل لمن قال بثبوت سجود التلاوة في المفصل. قال الترمذي والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم يرون السجود في (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) و (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) اهـ. وهذا الحديث يعارض حديث ابن عباس المتقدم أن النبي صلى

الله عليه وآله وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة لأن إسلام أبي هريرة كان سنة سبع من الهجرة. وحديث أبي هريرة مثبت وحديث ابن عباس ناف والمثبت مقدم علي النافي. على أن حديث ابن عباس ضعيف لأنه من رواية أبي قدامة وفيه مقال كما تقدم، قال ابن عبد البر هو منكر لأن أبا هريرة الذي روى سجوده في المفصل لم يصحب النبي صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم إلا بالمدينة وقد روى عنه الثقات أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سجد في النجم اهـ. ولا يقال إن حديث أبي هريرة أيضًا ضعيف لأنه من طريق عبد الله ابن ميناء وهو مجهول قال ابن القطان. لأنه روى من طرق أخرى: فقد رواه النسائي من طريق المعتمر عن قرة عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال سجد أبو بكر وعمر ومن هو خير منهما صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) و (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ). وروى أيضًا من طريق عمرو بن حزم عن بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة قال سجدنا مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في إذا السماء انشقت واقرأ اسم ربك. وروى مسلم من طريق يزيد بن حبيب عن صفوان بن سليم عن عبد الرحمن الأعرج مولى بني مخزوم عن أبي هريرة أنه قال سجدنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) و (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) (وبهذا) تعلم رد قول من قال إن عمل أهل المدينة استمر بعد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ترك السجود في المفصل. وفي بعض النسخ زيادة نصها "قال أبو داود أسلم أبوهريرة سنة ست عام خيبر وهذا السجود من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم آخر فعله" (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد ومسلم والنسائي والترمذي والبيهقي وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي نَا بَكْرٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) فَسَجَدَ فَقُلْتُ مَا هَذِهِ السَّجْدَةُ قَالَ سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَلاَ أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى أَلْقَاهُ. (ش) (رجال الحديث) (المعتمر) بن سليمان تقدم بالأول صفحة 258 , وأبوه سليمان ابن طرخان تقدم بالثاني صفحة 107. و (بكر) بن عبد الله المزني. تقدم بالأول صفحة 198 و (أبو رافع) نفيع الصائغ تقدم بالثاني صفحة 277 (معنى الحديث) (قوله العتمة) أي العشاء الآخرة (قوله فسجد) أي سجدة التلاوة حال الصلاة (قوله ما هذه السجدة) استفهام إنكاري, وفي رواية للبخاري عن أبي سلمة قال

أقوال العلماء في قراءة سورة فيها آية سجدة في الصلاة

رأيت أبا هريرة قرأ (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) فسجد بها، فقلت يا أبا هريرة ألم أرك تسجد قال لو لم أر النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسجد لم أسجد (قوله حتى ألقاه) أي حتى أموت وألقى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وفي رواية للنسائي عن أبي رافع قال صليت خلف أبي هريرة صلاة العشاء يعني صلاة العتمة فقرأ سورة (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) فسجد فيها فلما فرغت قلت يا أبا هريرة هذه سجدة ما كنا نسجدها قال سجد بها أبو القاسم صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنا خلفه فلا أزال أسجد بها حتى ألقى أبا القاسم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وفي هذا) دلالة على مشروعية قراءة سورة في الصلاة فيها آية سجدة. ومشروعية سجود التلاوة في الصلاة ويؤيده رواية ابن خزيمة عن أبي الأشعث عن المعتمر بهذا السند بلفظ صليت مع أبي القاسم فسجد بها. وأخرجه أبو عوانة من طريق يزيد بن هارون عن سيمان بلفظ صليت مع أبي القاسم فسجد فيها. وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء ولم يفرقوا بين صلاة الفريضة والنافلة ولا بين السرية والجهرية ولا بين الإِمام والفذ. وذهب مالك في رواية ابن القاسم عنه وكذا أصحابه إلى أنه يكره للإمام والفذ القراءة بالسجدة في الفريضة مطلقًا، وحديث الباب ظاهر في خلاف ما ذهبوا إليه. وروى أشهب عن مالك أنه يكره إلا أن يكون وراءه عدد قليل لا يخلط عليهم إذا سجد وروى عنه ابن وهب لا بأس أن يقرأ الإِمام بالسجدة في فريضة. وذهب أبو حنيفة وأحمد وابن حبيب من المالكية إلى أنه يكره له في السرية خشية التخليط فيها على المأمومين دون الجهرية لأمن التخليط فيها. ولكن يرده ما رواه أحمد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في الركعة الأولى من صلاة الظهر فرأى أصحابه أنه قرأ تنزيل السجدة وتقدم للمصنف نحوه بلفظ أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سجد في صلاة الظهر ثم قام فركع فرأينا أنه قرأ تنزيل السجدة. ولا حجة لهم في قول أبي رافع لأبي هريرة في حديث الباب ما هذه السجدة ولا في قول أبي سلمة له في رواية البخاري ألم أرك تسجد لأنهما لم ينكرا عليه بعد أن أعلمهما بما وقع منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا احتجا عليه بالعمل على خلاف ذلك. قال ابن عبد البر وأي عمل يدعى مع مخالفة المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والخلفاء الراشدين بعده اهـ. وذهب القاسم والهادي والمؤيد بالله إلى أنه لا سجود للتلاوة في الفرض فإن سجد بطلت صلاته. واستدلوا بما يأتي للمصنف في "باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب" عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ علينا السورة في غير الصلاة فيسجد ونسجد معه حتى لا يجد أحدنا مكانا لوضع جبهته. ورد بأنه لا يدل على ذلك لأن سجوده في غير الصلاة لا ينافي سجوده فيها الثابت بالأدلة الصحيحة. على أن استدلالهم بالحديث نظرا إلى المفهوم وهولا يعارض المنطوق

باب السجود في ص

(والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والبخاري والنسائي, والبيهقي وأخرجه مالك في الموطأ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قرأ لهم (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) فسجد فيها فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سجد فيها. وأخرجه البخاري بلفظ تقدم (باب السجود في ص) أي في بيان ثبوت سجود التلاوة في سورة ص (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا وُهَيْبٌ نَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَيْسَ {ص} مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَسْجُدُ فِيهَا. (ش) (وهيب) بن خالد و (أيوب) السختياني (قوله ليس (ص) من عزائم السجود أي ليس فعل سجدة (ص) من عزائم السجود فالتذكير باعتبار الفعل أولأن السجدة بمعنى السجود و(ص) بالسكون كما قرئ في السبع أو بالضم من غير تنوين على الشذوذ اسم ليس وهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث وقد تكتب ثلاثة أحرف كما قاله ابن حجر, والأول هو الأولى كما عليه الجمهور من القراء. والعزائم جمع عزيمة وهي في الأصل عقد القلب على إمضاء الشيء, وفي اصطلاح الفقهاء الحكم الثابت بالأصالة وتستعمل في الفرائض والسنن واستعمالها في الفرائض أكثر, وهي هنا مستعملة في السنن, والمراد أن سجدة (ص) ليست من السجدات المؤكدة. وبه استدل الشافعي على أن سجدتها ليست من سجدات التلاوة, وإنما هي سجدة شكر يسجدها خارج الصلاة, فإن سجدها فيها فسدت. وبهذا قال أحمد في المشهور عنه. وروي مثله عن عطاء وعلقمة وقالوا في قول ابن عباس رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سجد في (ص) فقال سجدها يعني للشكر كما صرح به في رواية للنسائي عن ابن عباس قال إن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سجد في (ص) فقال سجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرًا, وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك وسفيان وابن المبارك وإسحاق والجمهور إنها سجدة تلاوة. لما رواه الطحاوي بسنده عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سجد في (ص) وحدثنا علي بن شيبة بسنده عن مجاهد قال سئل ابن عباس عن السجدة في (ص) فقال (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) وقد رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسجد فيها فيقول ابن عباس ليس من عزائم السجود هو رأي له وليس من قول النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم اهـ وأجابوا عن حديث

النسائي بأن كونها توبة وشكرا لا ينافي كونها سجدة تلاوة وعزيمة لأن العبادات كلها شكر لله تعالى, قال الطحاوي بعد كلامه السابق فعلم من هذا أن السجدة ها هنا ليست لمجرد الشكر بل للتلاوة والشكر جميعًا ولا يستلزم كونها شكرًا أن لا تكون للتلاوة لعدم المنافاة بينهما اهـ وقالوا العمل بفعل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مقدم على العمل بقول ابن عباس. على أن حديث النسائي ضعفه البيهقي كما ذكره الزيلعي فلا تقوم به حجة (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري والبيهقي والترمذي وقال حديث حسن صحيح. (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو -يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ- عَنِ ابْنِ أَبِي هِلاَلٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ (ص) فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ آخَرُ قَرَأَهَا فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ تَشَزَّنَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ وَلَكِنِّي رَأَيْتُكُمْ تَشَزَّنْتُمْ لِلسُّجُودِ". فَنَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدُوا. (ش) (ابن أبي هلال) هوسعيد تقدم بالثالث ص 206 (قوله فلما بلغ السجدة) أي لما وصل في القراءة آية السجدة وهي قوله وخر راكعًا وأناب نزل عن المنبر فسجد وهي وإن جاءت بلفظ الركوع إلا أن المراد منه السجود كما ذكره المفسرون. وسجد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإن كانت الآية حكايته عما وقع من داود لأنه صلى الله تعالى عيله وعلى آله وسلم مأمور بالاقتداء به وبغيره من الأنبياء بقوله تعالى فبهداهم اقتده. وروى البخاري من طريق العوام بن حوشب قال سألت مجاهدًا عن سجدة (ص) فقال سألت ابن عباس من أين سجدت فقال أو ما تقرأ ومن ذريته داود وسليمان, (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) , فكان داود ممن أمر نبيكم صلى الله تعالى عيله وعلى آله وسلم أن يقتدى به فسجدها داود فسجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله تشزن الناس للسجود) أي تهيؤا وتأهبوا له. والشزن القلق يقال بات فلان على شزن أي قلق يتقلب من جنب إلى جنب (قوله إنما هي توبة نبي) أي سجدة توبة نبي لا سجدة تلاوة. وبهذا استدل الشافعي على أن السجدة في (ص) ليست سجدة تلاوة لأن سبب سجوده في المرة الثانية تهيؤهم للسجود. ويؤخذ من هذا

باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب أو في غير صلاة

أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عزم على عدم السجود في المرة الثانية. لكن يقال إن عزمه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على عدم السجود في المرة الثانية يدل على أنها ليست متأكدة فقط لا على أنها ليست سجدة تلاوة, قال في بدائع الصنائع وما تعلق به الشافعي فهو دليلنا فإنا نقول نحن نسجد ذلك شكرًا لما أنعم الله على داود بالغفران والوعد بالزلفى وحسن المآب ولهذا لا يسجد عندنا عقيب قوله وأناب بل عقيب مآب وهذه نعمة عظيمة في حقنا فإنه يطمعنا في إقالة عثراتنا وغفران خطايانا وزلاتنا فكانت سجدة تلاوة لوجود سببها وهو تلاوة هذه الآية وكذا سجدة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الجمعة الأولى أثناء الخطبة تدل على أنها سجدة تلاوة وتركه في الجمعة الثانية لا يدل على أنها ليست سجدة تلاوة بل كان يريد التأخير وهي عندنا لا تجب على الفور اهـ بتصرف (والحديث) أخرجه أيضًا الحاكم وابن خزيمة والبيهقي والدارقطني (باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب أو في غير صلاة) أيسجد على الدابة أم ينزل للسجود وفي بعض النسخ إسقاط قوله أو في غير صلاة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ أَبُو الْجُمَاهِرِ نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ -يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ- عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ عَامَ الْفَتْحِ سَجْدَةً فَسَجَدَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مِنْهُمُ الرَّاكِبُ وَالسَّاجِدُ فِي الأَرْضِ حَتَّى إِنَّ الرَّاكِبَ لَيَسْجُدُ عَلَى يَدِهِ. (ش) (عبد العزيز) بن محمَّد الدراوردي تقدم بالأول صفحة 23 (قوله قرأ عام الفتح سجدة) أي سورى فيها آية سجدة. ووقع في رواية الطبراني عن مصعب بن نافع أن التي قرأها سورة النجم, ويحتمل أنه اقتصر على قراءة آية السجدة لبيان الجواز لأن الاقتصار عليها خلاف الأولى لما فيه من إيهام تفضيل آية السجدة على غيرها فيستحب أن يقرأ معها آيات ليكون أدل على المعنى وعلى أن قصده القراءة لا لمجرد السجود (قوله منهم الراكب والساجد في الأرض الخ) وفي رواية الحاكم والساجد على الأرض والمراد سجد الراكب والماشي فالماشي يسجد على الأرض والراكب على يديه, ولعل ذلك فيمن لم يتمكن من السجود على السرج (وفيه) دليل على جواز سجود التلاوة على اليد لمن كان راكبًا على دابته. ومثله من كان به عذر كزحام فسجد على فخذه أو على غيره ولو وضع كفه على الأرض وسجد عليها جاز عند الحنفية على الصحيح

ولو بلا عذر إلا أنه يكره. قال ابن الهمام إذا تلا راكب أو مريض لا يقدر على السجود أجزأه الإيماء اهـ وقال في البدائع ما وجب من السجدة على الأرض لا يجوز على الدابة وما وجب على الدابة يجوز على الأرض, وقد روى عن علي رضي الله عنه أنه تلا سجدة وهو راكب فأومأ إليها إيماء اهـ. وإلى جواز سجود التلاوة على الدابة ذهبت الشافعية والحنفية والحنابلة وقالوا يؤمئُ بالسجود. ولا يقال إن كلامهم مخالف للحديث لأن وضع الجبهة على اليد فيه إيماء وزيادة. وكذا قالت المالكية إلا أنهم قالوا إذا كان السفر دون مسافة القصر ينزل الراكب ويسجد على الأرض ولا يجزئه الإيماء على دابته (والحديث) أخرجه أيضًا الحاكم والبيهقي, وفي سنده مصعب بن ثابت وقد ضعفه غير واحد من الأئمة (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ح وَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ نَا ابْنُ نُمَيْرٍ -الْمَعْنَى- عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ -قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ ثُمَّ اتَّفَقَا- فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ حَتَّى لاَ يَجِدُ أَحَدُنَا مَكَانًا لِمَوْضِعِ جَبْهَتِهِ. (ش) هذا الحديث مناسب لقوله في الترجمة أو في غير صلاة (قوله قال ابن نمير في غير الصلاة) أي قال عبد الله بن نمير في روايته كان يقرأ السورة في غير الصلاة. أما رواية يحيى بن سعيد فليس فيها قوله في غير الصلاة. وأل في السورة للعهد, والمعهود السورة التي فيها آية سجدة كما في رواية البخاري عن ابن عمر قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ السورة التي فيها السجدة (قوله حتى لا يجد أحدنا مكانًا لموضع جبهته) يعني من الزحام كما في رواية الطبراني عن المسور بن مخرمة عن أبيه قال أظهر أهل مكة الإِسلام حتى إنه كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليقرأ السجدة فيسجد وما يستطيع بعضهم أن يسجد من الزحام. وفي رواية له عن نافع نحوه, وزاد فيه حتى سجد الرجل على ظهر الرجل. وفي رواية لمسلم عن ابن عمر ربما قرأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم القرآن فيمر بالسجدة فيسجد بنا حتى ازدحمنا عنده حتى ما يجد أحدنا مكانًا يسجد فيه في غير صلاة. وهذا كله مبالغة في أنه لم يبق أحد إلا سجد معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والطبراني

سجود السامع لسجود القاريء وهل يشترط لذلك قصد السماع؟ والمذاهب في ذلك

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفُرَاتِ أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا. (ش) (قوله أنا عبد الله بن عمر عن نافع) وفي نسخة عبيد الله بن عمر بدل عبد الله كما في الرواية السابقة وهو الأظهر كما يفهم من التقريب والخلاصة (قوله كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ علينا القرآن) أي ليعلمنا الأحكام والوعد والوعيد وأخبار السابقين وكيفية تلاوته (قوله فإذا مر في قراءته بآية سجدة كبر) يعني للهوى لسجود التلاوة, وهذا متفق عليه واتفقوا أيضًا على التكبير عند الرفع من السجود. هذا إذا كان في الصلاة. أما إذا كان في غير الصلاة فجمهور الفقهاء يقولون بهذا التكبير. واختلف قول مالك فيه. ولم يذكر في الأحاديث ما يدل صريحًا على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كبر للإحرام في سجود التلاوة ولا تشهد فيها ولا سلم منها. وإلى ذلك ذهبت المالكية والحنفية وأكثر العلماء. وذهب الشافعية في المشهور عنهم إلى أنه إذا كان خارج الصلاة يكبر للإحرام ويرفع يديه ويسلم. وزاد بعضهم التشهد فيها (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي. وفي إسناده العمري عبد الله المكبر وهو ضعيف وأخرجه الحاكم من رواية العمري عبيد الله المصغر وهوثقة ولهذا قال على شرط الشيخين (ص) قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يُعْجِبُهُ هَذَا الْحَدِيثُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ يُعْجِبُهُ لأَنَّهُ كَبَّرَ. (ش) أي إنما أعجبه لأنه ذكر فيه التكبير لسجود التلاوة دون غيره من أحاديث الباب (فوائد) _ (الأولى) يستفاد من أحاديث الباب أن السامع لآية السجدة يسجد إذا سجد القارئ. قال ابن بطال أجمعوا على أن القارئ إذا سجد لزم المستمع أن يسجد اهـ. وقد اختلف في اشتراط قصد السماع لآية السجدة. فذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يشترط قصد الاستماع بل المدار على السماع لآية السجدة. وذهب مالك وأحمد إلى أنه يشترط قصد الاستماع. ويشهد لهم ظاهر أحاديث الباب فإن الظاهر أن القوم قصدوا الاستماع منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ويدل لهم أيضًا ما رواه البخاري تعليقًا من قول عثمان إنما السجدة على من استمعها. ووصله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب أن عثمان مرّ بقاصّ فقرأ سجدة ليسجد معه عثمان فقال عثمان إنما السجود على من استمع ثم مضى ولم يسجد.

المذاهب في سجود سامع آية السجدة إذا لم يسجد القاريء حكم سجود التلاوة

ورواه ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب مختصرًا بلفظ إنما السجدة على من سمعها. ورواه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب قال قال عثمان إنما السجدة على من جلس لها واستمع. وذكر البخاري أن السائب كان لا يسجد لسجود القاصّ أي الذي يقص على الناس الأخبار والمواعظ. والمشهور عند الشافعي أنه لا يشترط قصد الاستماع وإن كان في حق المستمع آكد. أما إذا لم يسجد القارئ ففي سجود المستمع خلاف فقالت الحنفية والشافعية يسجد ولو لم يسجد القارئ لتحقق السبب الذي هو سماع آية السجدة فلو سمعها ممن لا تجب عليه الصلاة لصغر أو جنون غير مطبق أو حيض أو نفاس يسجد على الصحيح عند الشافعية. وروى ابن القاسم عن مالك أن المستمع يسجد ولو تركه القارئُ وهو مشهور المذهب لأن السجود يطلب من القارئ والمستمع فإذا ترك القارئُ, ما ندبه إليه الشارع فعلى المستمع أن يأتي به. وروى مطرت وابن الماجشون أنه لا يسجد المستمع لأن القارئ إمام له فلا تصح مخالفته. وبهذا قالت الحنابلة. وهذا هوالذي يشهد له ما تقدم عن الشافعي عن عطاء مرسلًا أن رجلًا قرأ عند النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السجدة فسجد فسجد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم قرأ آخر عنده السجدة فلم يسجد فلم يسجد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله قرأ فلان عندك السجدة فسجدت وقرأت فلم تسجد فقال النبي صلى الله تعالى عيله وعلى آله وسلم كنت أمامنا فلو سجدت سجدت. وما تقدم عند أبي شيبة عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم أن غلامًا ما قرأ عند النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السجدة فانتظر الغلام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يسجد فلما لم يسجد قال يا رسول الله أليس في هذه السجدة سجود قال بلى ولكنك كنت إمامنا فيها ولو سجدت لسجدنا (ومن هذا) أخذت المالكية أن يكون القارئ مستكملًا لشروط الإمامة بأن يكون ذكرًا مسلمًا بالغًا عاقلًا فلا يسجد المستمع لقراءة امرأة ولا كافر ولا صبيّ ولا مجنون. قال في الموطأ سئل مالك عن امرأة قرأت السجدة ورجل معها يسمع عليه أن يسجد معها قال مالك ليس عليه أن يسجد معها, إنما تجب السجدة على القوم يكون معهم الرجل يأتمون به فيقرأ السجدة فيسجدون معه وليس على من سمع سجدة من إنسان يقرؤها ليس له بإمام أن يسجد تلك السجدة اهـ وقوله ليس بإمام أي ليس صالحًا لأن يكون إمامًا له. وبمثله قالت الحنابلة إلا أنهم قالوا يسجد لتلاوة صلى لأنه يصلح أن يكون إمامًا في النافلة (الثانية) اختلف العلماء في حكم سجود التلاوة فذهب الجمهور إلى أنه سنة منهم عمر بن الخطاب وسلمان الفارسي وابن عباس وعمران بن حصين ومالك والشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود واستدلوا بالأحاديث الصحيحة. منها ما تقدم للمصنف في باب من

المذاهب في اشتراط الطهارة لسجود التلاوة

لم ير السجود في المفصل عن زيد بن ثابت قال قرأت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم النجم فلم يسجد فيها. ومنها ما رواه البخاري ومالك في الموطأ والبيهقي وأبو نعيم وابن أبي شيبة عن عمر أنه قرأ على المنبر يوم الجمعة سورة النحل حتى جاء السجدة فنزل وسجد وسجد الناس حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال أيها الناس إنا لم نؤمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه. وفي لفظ إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء. وقال أبو حنيفة يجب سجود التلاوة ويأثم بتركه محتجًا بقوله تعالى فاسجدوا لله واعبدوا وقوله فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون. لكن الآيتان لا تدلان على الوجوب لأن الأمر في الآية الأولى محمول على الندب لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترك السجدة عند سماع هذه الآية. ودعوى أنه لم يسجد على الفور غير مسلمة لأنه لم يثبت أنه في تلك المرة سجد بعد. ويؤيده ما تقدم من أنه لم يسجد لما سمع القارئ وقال لو سجدت لسجدنا ولو كان واجبًا لأمره بالسجود. أما الآية الثانية فلا تصلح للاحتجاج أيضًا على الوجوب لاحتمال أن يراد بالسجود سجود التلاوة وأن يراد به الخضوع كما هو المتبادر منها فإنها وردت في ذم الكفار وتركهم لخضوع للقرآن والإيمان به استكبارًا وجحودًا. وقال أبو المعالي إن احتجاج أبي حنيفة بالأوامر الوادرة بالسجود في ذلك لا معنى له فإن إيجاب السجود مطلقًا لا يقتضي وجوبه مقيدًا عند قراءة آية السجدة ولو كان الأمر كما قال لكانت الصلاة تجب عند قراءة الآية التي فيها الأمر بالصلاة, وإذا لم يجد ذلك فليس سجود التلاوة واجبًا عند قراءة الآية التي فيها الأمر بالسجود اهـ. (الثالثة) لم يذكر في أحاديث سجود التلاوة ما يدل على اشتراط كون الساجد متطهرًا لكن جمهور الفقهاء على اشتراط الطهارة لأن سجود التلاوة صلاة فكان من شرطه الطهارة كسائر الصلوات. قال مالك في الموطأ لا يسجد الرجل ولا المرأة إلا وهما طاهران. واشترطوا أيضًا أن يكون مسلمًا عاقلًا ساترًا للعورة مستقبل القبلة, وقال ابن عمرو الشعبي لا تشترط الطهارة. وبه قال أبو طالب والمنصور من أهل البيت. وروى ابن أبي شيبة عن أبي عبد الرحمن أنه كان يقرأ السجدة ثم يسجد وهو على غير وضوء إلى غير القبلة وهو يمشي يومئُ إيماء. ومال إلى عدم اشتراط الطهارة صاحب سبل السلام حيث قال الأصل أنه لا تشترط الطهارة إلا بدليل وأدلة وجوب الطهارة وردت للصلاة والسجدة لا تسمى صلاة فالدليل على من اشترط ذلك اهـ. ومال إلى ذلك أيضًا الشوكاني وقال قد كان يسجد معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من حضر تلاوته ولم ينقل أنه أمر أحدًا منهم بالوضوء ويبعد أن يكونوا جميعًا متوضئين وقد كان يسجد معه المشركون وهم أنجاس لا يصح وضوءهم وقد روى البخاري أن ابن عمر كان يسجد

باب ما يقول إذا سجد

على غير وضوء, أما ما رواه عنه بإسناد صحيح أنه قال لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر فيجمع بينهما بأنه محمول على الطهارة الكبرى أو على حالة الاختيار والأول على الضرورة اهـ ببعض تصرف (باب ما يقول إذا سجد) أي للتلاوة (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا إِسْمَاعِيلُ نَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ في سُجُودِ الْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ يَقُولُ في السَّجْدَةِ مِرَارًا "سَجَدَ وَجْهِى لِلَّذِى خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ". (ش) (إسماعيل) بن علية (قوله عن رجل) هكذا في رواية المصنف والبيهقي بزيادة عن رجل بين خالد وأبي العالية, وقد أخرج الحاكم والترمذي والنسائي الحديث من طريق عبد الوهاب الثقفي عن خالد عن أبي العالية, وأخرجه الدارقطني من طريق سفيان بن حبيب عن خالد عن أبي العالية بدون ذكر الواسطة بين خالد وأبي العالية, والصواب رواية المصنف فإن خالدًا لم يسمع من أبي العالية كما نقله الحافظ عن أحمد وابن خزيمة. ولو نقف على اسم الرجل ولا على حاله و. (أبو العالية) رفيع بن مهران الرياحي تقدم بالأول صفحة 290 (قوله يقول في السجدة مرارًا) بيان لقوله يقول في سجود القرآن. ومرارًا معمول لمحذوف أي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقول في سجود التلاوة الكلمات الآتية مرارًا. وفي رواية ابن السكن كان يقولها ثلاثًا (قوله سجد وجهي) خصه بالذكر من بين أعضاء السجود لمزيد شرفه (قوله وشق سمعه وبصره الخ) أي فتح موضع سمعه وبصره بحوله وقوته أي بقدرته, فعطف قوته على ما قبله عطف تفسير. وزاد الحاكم في آخره فتبارك الله أحسن الخالقين. وروى ابن ماجة والترمذي والحاكم وابن حبان عن ابن عباس أنه قال كنت عند النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأتاه رجل فقال إني رأيت البارحة فيما يرى النائم كأني أصلي إلى أصل شجرة فقرأت السجدة فسجدت الشجرة لسجودي فسمعتها تقول اللهم احطط عني بها وزرًا واكتب لي بها أجرًا واجعلها لي عندك زخرًا, قال ابن عباس فرأيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قرأ السجدة فسجد فسمعته يقول في سجوده مثل الذي أخبره الرجل عن قول الشجرة. وزاد الترمذي فيه وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود عليه السلام. وهذا الحديث لا يدل على تعين ما ذكر من الأدعية في سجود التلاوة بل له أن يقول فيها ما يقال في سجود الصلاة. قال ابن الهمام ويقول في سجود التلاوة ما يقول في سجدة الصلاة

باب فيمن يقرأ السجدة بعد الصبح

على الأصح. واستحب بعضهم أن يقول فيه (سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا) لأنه تعالى أخبر أن أولياءه (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا) الآية. وينبغي ألا يكون ما ذكر على عمومًا بل إن كانت (أي سجدة التلاوة) في الصلاة المفروضة قال سبحان ربي الأعلى وإن كانت النوافل أو خارج الصلاة قال ما شاء مما ورد كسجد وجهي الخ اهـ بتصرف (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي والبيهقي والدارقطني وابن السكن وصححه, وأخرج النسائي أيضًا نحوه من حديث جابر (باب فيمن يقرأ السجدة بعد الصبح) أي من قرأ آياتها بعد صلاة الصبح وقبل طلوع الشمس أيسجد أم لا (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ الْعَطَّارُ نَا أَبُو بَحْرٍ نَا ثَابِتُ بْنُ عُمَارَةَ نَا أَبُو تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيُّ قَالَ لَمَّا بَعَثْنَا الرَّكْبَ -قَالَ أَبُو دَاوُدَ يَعْنِي إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ- كُنْتُ أَقُصُّ بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ فَأَسْجُدُ فَنَهَانِي ابْنُ عُمَرَ فَلَمْ أَنْتَهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ ثُمَّ عَادَ فَقَالَ إِنِّي صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ يَسْجُدُوا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. (ش) (رجال الحديث) (عبد الله بن الصباح) بن عبد الله الهاشمي مولاهم البصري روى عن المعتمر بن سليمان ويزيد بن هارون والحسن بن حبيب وسعد بن عامر وغيرهم. وعنه الجماعة إلا ابن ماجه. وأبو زرعة وأبو حاتم وابن خزيمة وجماعة. قال أبو حاتم صالح وقال النسائي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات مات سنة خمسين أو إحدى وخمسين ومائتين. و(أبو بحر) عبد الرحمن بن عثمان بن أمية بن عبد الرحمن بن أبي بكرة الثقفي البكراوي البصري. روى عن حميد الطويل وسعيد بن أبي عروبة وإسماعيل بن مسلم وحماد بن سلمة وجماعة. وعنه الحسن بن محمَّد وعمرو بن علي وزياد بن يحيى وأحمد بن عبد الضبي وآخرون, وثقه العجلي وضعفه أحمد والنسائي وابن معين وقال أبو حاتم ليس بالقوى يكتب حديثه ولا يحتج به وقال ابن حبان يروي المقلوبات عن الأثبات فلا يجوز الاحتجاج به. مات سنة خمس وتسعين ومائة. روى عن ابن عمر وأبي موسى الأشعري وأبي عثمان النهدي وغيرهم. وعنه قتادة وأنس بن سعيد وخالد الحذاء وجعفر بن ميمون وجماعة. وثقه ابن معين وابن حبان وابن سعد والدارقطني وقال البخاري في التاريخ لا نعلم له سماعًا

المذاهب في سجود التلاوة في أوقات النهي

من أبي هريرة وقال في التقريب مقبول من الثالثة. مات سنة خمس أوسبع أو تسع وتسعين. روى له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. (والهجيمى) بضم الهاء وفتح الجيم نسبة إلى الهجيم بطن من بني تميم (معنى الحديث) (قوله لما بعثنا الراكب) أي لما بعثنا معاشر بني تميم الجماعة إلى المدينة لتعلم أمور الدين وكنت منهم, فبعث مبني للفاعل والركب مفعول, ويحتمل أن يكون مبنيًا للمفعول فالراكب منصوب بنزع الخافض أي بعثنا في الركب (قوله كنت أقص بعد صلاة الصبح) يعني أذكر الناس وأعظهم بقراءة القرآن وكنت أقرأ سورة فيها سجدة تلاوة وأسجد في ذاك الوقت (قوله فلم أنته ثلاث مرات) لعله لم ينته أول مرة لأن ابن عمر لم يستند في هذه المرات إلى شيء ولذا لما ذكر له ما وقع منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه لم يعد (قوله فلم يسجدوا حتى تطلع الشمس) أي لم يسجدوا للتلاوة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وترتفع. قال البيهقي وهذا إن ثبت مرفوعًا فنختار له تأخير السجدة حتى يذهب وقت الكراهة وإن لم يثبت رفعه فكأنه قاسها على صلاة التطوع اهـ وفي هذا دلالة على عدم مشروعية سجود التلاوة بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس وكذا سائر أوقات النهي. وبه قالت الحنابلة. وقالوا لا تنعقد فيها. وقال ابن عمر وابن المسيب وأبو ثور السجود مكروه لأنها صلاة والصلاة منهي عنها في هذه الأوقات وبه قال مالك في رواية عنه وهو مشهور المذهب. وروى ابن القاسم عنه أنه يسجد بعد صلاة الصبح ما لم يفسر وبعد العصر ما لم تصفر الشمس. وقال ابن حبيب يسجد بعد الصبح ما لم يسفر ولا يرخص في السجود لها بعد العصر وإن لم تتغير الشمس. وقالت الشافعية لا يكره سجود التلاوة في أوقات النهي عن الصلاة لأنها من النفل الذي له سبب. وبه قال سالم بن عمر والقاسم بن محمَّد وعطاء والشعبي وعكرمة والحسن. وهو قول أبي حنيفة في سجدة تليت آيتها في وقت النهي, والأفضل تأخيرها لتؤدى في الوقت المستحب لأنها لا تفوت بالتأخير. أما سجدة تليت آيتها قبل وقت النهي فيمتنع سجودها فيه لأنها وجبت كاملة فلا تتأدى في الناقص (والحديث) أخرجه البيهقي من طريق المصنف ولم يذكر قول أبي تميمة لما بعثنا الراكب يعني إلى المدينة بل قال ثنا أبو تميمة قال كنت أقص بعد صلاة الصبح الخ اهـ وفي سنده أبو بحر وهو ضعيف فوائد تتعلق بسجود التلاوة (الأولى) إذا قرأ آيات السجدة في مكان واحد سجد لكل واحدة منها سجدة, أما لو كرر آية واحدة في المجلس الواحد فإن أخر السجود إلى آخر المرات كفاه سجدة واحدة, وإن سجد عقب التلاوة الأولى ففي إعادته أوجه قيل يسجد مرة أخرى لتجدد السبب. وبه قال مالك وأحمد. وعن أبي حنيفة روايتان وقيل تكفيه السجدة الأولى. وبه قال ابن سريج. وجزم به الشيخ

المذاهب في قضاء سجدة التلاوة وفي قيام ركوع الصلاة وسجودها مقامه: من سجد للتلاوة في الصلاة ينبغي له أن يقرأ شيئا من القرآن قائما قبل أن يركع

أبو حامد ورجحه نصر المقدسي, وقيل إن طال الفصل سجد ثانيًا وإلا فلا. وإن كررها في الصلاة فإن كانت في ركعة فكالمجلس الواحد وإن كانت في ركعتين سجد في الثانية أيضًا (الثانية) ينبغي أن يسجد عقب قراءة السجدة أوسماعها, فإن أخر السجود وقصر الفصل سجد وإن طال فأتت عند مالك والشافعي وأحمد, وفي قضائها قولان أشهرهما أنها لا تقضى لأنها تفعل لعارض وقد زال فأشبهت الكسوف. وقال أبو حنيفة لا تفوت إذا كانت خارج الصلاة أما إذا كانت داخلها ولم يسجدها لم تقض بعدها لأنها وجبت كاملة فلا تتأذى بالناقص (الثالثة) لا يقوم الركوع والسجود للصلاة مقام سجود التلاوة. وبه قال جمهور السلف والخلف وقال أبو حنيفة وأصحابه يقوم الركوع والسجود مقام سجدة التلاوة, ويكون في ركوع الصلاة على الفور من قراءة آية أو آيتين إن نواه وكذا السجود وإن لم ينوه, واستدل بقوله تعالى (وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) وأجاب الجمهور عنه بأن المراد بالركوع في الآية السجود كما عليه المفسرون وغيرهم. وهذا في حق القادر, أما العاجز فيأتي بما تيسر له ولو بالإيماء (الرابعة) إذا سجد المستمع مع القارئ لا ينوى الاقتداء به وله الرفع من السجود قبله (الخامسة) إذا سجد للتلاوة في الصلاة فقام يستحب له أن يقرأ شيئًا من القرآن قبل أن يركع ليقع ركوعه عقب قراءة ولو كانت السجدة آخر السورة كالنجم لما رواه البيهقي عن أبي هريرة قال رأيت عمر بن الخطاب سجد في النجم في صلاة الفجر ثم استفتح بسورة أخرى (باب تفريع أبواب الوتر) (باب استحباب الوتر) أي باب في بيان الأحاديث الدالة على أن الوتر مستحب. والوتر بكسر الواو وفتحها الفرد (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَنَا عِيسَى عَنْ زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا فَإِنَّ اللهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ". (ش) (عيسى) بن يونس تقدم بالأول ص 344 و (زكريا) بن أبي زائدة و (عاصم) بن ضمرة الكوفي تقدم بالسابع صفحة 163 (قوله يأهل القرآن) المراد بهم المؤمنون عامة من قرأ ومن لم يقرأ, وإن كان من قرأ أولى بالخطاب لحفظه إياه. وأضيفوا إلى القرآن لأنهم صدقوا به وأتمروا بأوامره وانتهوا بنواهيه. ويحتمل أن يراد بأهل القرآن حفاظه كما قاله الخطابي وخصهم بالذكر لمزيد

المذاهب في حكم الوتر

شرفهم والاهتمام بهم وإن كان الوتر مشروعًا في حق الجميع (قوله فإن الله وتر) أي واحد في ذاته فلا يقبل الانقسام وواحد في صفاته فلا شبه له ولا مثل له وواحد في أفعاله فلا شريك له ولا معين (قوله يحب الوتر) يعني يقبله من فاعله ويثيب عليه. والأمر في الحديث محمول على السنية عند جمهور الصحابة والتابعين فمن بعدهم حتى قال القاضي أبو الطيب هو قول العلماء كافة. وقال الشيخ أبو حامد في تعليقه الوتر سنة مؤكدة ليس بفرض ولا واجب. وبه قالت الأئمة إلا أبا حنيفة اهـ. ويؤيد صرف الأمر عن الوجوب ما رواه أحمد والترمذي والحاكم واللفظ له من طريق عاصم بن ضمرة قال قال عليّ إن الوتر ليس بختم كصلاتكم المكتوبة ولكن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أوتر ثم قال يأهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر. وما رواه الحاكم أيضًا عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ثلاث هن عليّ فرائض ولكم تطوع النحر والوتر وركعتا الفجر. وما رواه أيضًا عن عبد الرحمن بن أبي عمرة النجاري أنه سأل عبادة بن الصامت عن الوتر فقال أمر حسن عمل به النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والمسلمون من بعده وليس بواجب وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ومنها حديث الأعرابي الذي سأل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الإِسلام فقال خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة, فقال هل عليّ غيرها قال لا إلا أن تطوع "الحديث" وقال أبو حنيفة الوتر واجب, واستدل بما رواه البزار عن ابن مسعود مرفوعًا بلفظ "الوتر واجب على كل مسلم" وفي إسناده جابر الجعفي وقد ضعفه غير واحد. وبما سيأتي للمصنف في الباب الآتي عن بريدة مرفوعًا "الوتر حقًا على كل مسلم الخ" وسيأتي بيان ما فيه. وبما سيأتي للمصنف أيضًا في باب في الدعاء بعد الوتر عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا "من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره" قال والأمر فيه للوجوب ووجوب القضاء فرع وجوب الأداء. وبما رواه أحمد مرفوعًا بلفظ. إن الله زادكم صلاة وهي الوتر فصلوها فيما بين العشاء إلى الفجر. قال والزيادة تكون من جنس المزيد عليه, ولا جائز أن تكون زائدة على النفل لأنه غير محصور فلا تتحقق الزيادة عليه. وفيما قاله نظر لأنه لو كان المزيد لا بد أن يكون من جنس المزيد عليه لكان الوتر فرضًا وهو لا يقول به. وقوله لا جائز أن يكون زائدًا على النفل مسلم في النفل المطلق أما في المؤقت كراتبة الفرائض فغير مسلم لأنها محصورة فلا مانع من أن يكون زائدًا عليها وهو أيضًا مؤقت. ويحتمل أن يقال إن المراد بالزيادة في الحديث الزيادة في الخير وصلاة الوتر نوع منه, ويؤيده الرواية المذكورة بعده (إن الله قد أمركم بصلاة هي خير من حمر النعم وهي الوتر) وليس المراد أنها زائدة على الفرائض وإلا كانت ستًا ولا قائل له. وقال السيوطي المراد زادكم صلاة لم تكونوا

تصلونها على تلك الهيئة والصورة فإن نوافل الصلاة كانت شفعًا لا وتر فيها اهـ (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي عن عليّ بلفظ أوتر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم قال يأهل القرآن أوتروا فإن الله عَزَّ وَجَلَّ وتر يحب الوتر, وأخرجه أحمد والترمذي والحاكم والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو حَفْصٍ الأَبَّارُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِمَعْنَاهُ زَادَ فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ مَا تَقُولُ فَقَالَ "لَيْسَ لَكَ وَلاَ لأَصْحَابِكَ". (ش) (رجال الحديث) (أبو حفص الأبار) عمر بن عبد الرحمن بن قيس الكوفي الحافظ نزيل بغداد. روى عن إسماعيل بن عبد الله الكندي والأعمش وإسماعيل بن مسلم المكي ومنصور بن المعتمر ويحيى بن سعيد الأنصاري. وعنه موسى بن إسماعيل ويحيى بن معين وعثمان ابن أبي شيبة. وثقه ابن معين وابن سعد والدارقطني وقال أبو حاتم وأبو زرعة صدوق وقال أحمد والنسائي لا بأس به. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والبخاري في خلق أفعال العباد. والأبار بفتح الهمزة وتشديد الباء الموحدة منسوب إلى صنع الأبر التي يخاط بها (وأبو عبيدة) أي زاد ابن مسعود في روايته فقال أعرابي لما حدث ابن مسعود بالحديث ما تقول, وفي رواية ابن ماجه فقال أعرابي ما يقول رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم, فقال ابن مسعود مجيبًا للأعرابي ليس هذا الحكم لك ولا لأصحابك بل هو لمن يحفظ القرآن, فيكون المراد بالوتر صلاة الليل كلها كما أطلقه عليه بعضهم, ويكون المراد بأهل القرآن الحفاظ له, ويؤيده ما في رواية محمَّد بن نصر من قول الأعرابي ما يقول رسول الله قال ليس من أهله. أي من أهل القرآن, فابن مسعود يرى أن الوتر إنما يسن لأصحاب القرآن الذين يتلونه آناء الليل وهم يسجدون, والجمهور يرون أن من آمن بالقرآن فهو من أهله وإن لم يكن قارئًا (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه والبيهقي ومحمَّد بن نصر عن ابن مسعود عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يأهل القرآن فقال أعرابي ما يقول رسول الله فقال ليس لك ولا لأصحابك, وفي إسناده أبو عبيدة وفيه مقال. وقال ابن حبان لم يسمع من أبيه شيئًا اهـ فيكون منقطعًا

الترغيب في تأدية الوتر

(ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ -الْمَعْنَى- قَالاَ نَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَاشِدٍ الزَّوْفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُرَّةَ الزَّوْفِيِّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ -قَالَ أَبُوالْوَلِيدِ الْعَدَوِيُّ- قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَمَدَّكُمْ بِصَلاَةٍ وَهِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ وَهِيَ الْوِتْرُ فَجَعَلَهَا لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ". (ش) (رجال الحديث) (عبد الله بن راشد) أبو الضحاك المصري. روى عن عبد الله بن أبي مرة. وعنه يزيد بن أبي حبيب وخالد بن يزيد, قال ابن أبي حاتم ليس له حديث إلا في الوتر ولا يعرف سماعه من ابن أبي مرة وقال ابن حبان يروي عن عبد الله ابن أبي مرة إن كان سمع فيه ومن اعتمده فقد اعتمد إسنادًا مشوشًا اهـ وقال في التقريب مستور من السادسة و(الزوفي) بفتح الزاي وسكون الواو بعدها فاء نسبة إلى زوف بطن من مرادء ومن حضر موت. روى له أبو داود وابن ماجه. و (عبد الله بن أبي مرة). روى عن خارجة بن حذافة. وعنه عبد الله بن راشد ورزين بن عبد الله. قال البخاري لا يعرف إلا بحديث الوتر ووثقه العجلي وقال في التقريب صدوق من الثالثة. و(خارجة بن حذافة) ابن غانم القرشي العدوي له صحبة وله حديث واحد. روى عنه عبد الله بن أبي مرة وعبد الرحمن بن جبير شهد فتح مصر واختلط بها وكان على شرطة مصر في إمارة عمرو بن العاص لمعاوية قتله خارجي بمصر سنة أربعين وكان يحسب أنه عمرو. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه (قوله قال أبو الوليد العدوي) أي قال أبو الوليد هشام بن عبد الملك في روايته عن خارجة بن حذافة العدوي بزيادة نسبة خارجة ولم يذكرها قتيبة (معنى الحديث) (قوله خرج علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) يعني لصلاة الصبح كما في رواية محمَّد بن نصر قال خرج علينا رسول الله ذات غداة إلى الصبح (قوله قد أمدكم بصلاة) أي أنعم عليكم بصلاة وزادها لكم ليزداد ثوابكم يقال مد البحر وأمده زاده (قوله وهي خير لكم من حمر النعم) أي من النعم الحمر فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف والنعم بتفحتين اسم جمع لا واحد له من لفظه, وأكثر ما يقع من الإبل وقيل إنه خاص بها ويجمع على أنعام وعلى نعمان يضم النون مثل جمل وجملان. وخصها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالذكر دون غيرها ترغيبًا في فعل الوتر لأن حمر النعم أعز الأموال عند العرب, وقال

وقته

ذلك صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تقريبًا إلى الأفهام. وإلا فموضع سوط في الجنة خير من الدنيا فكذلك الوتر خير من الدنيا وما فيها (قوله وهي الوتر) بيان للصلاة الموصوفة بالخيرية (قوله فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر) أي جعل الله وقتها لكم بين صلاة العشاء وصلاة الفجر (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية صلاة الوتر والترغيب فيه. وعلى أن الوتر ليس بواجب إذ كان واجبًا لما سيق الكلام على الترغيب بل يكون على صفة الإلزام كأن يقال فرض عليكم أو أوجب عليكم. قال في سبل السلام وفي الحديث ما يفيد عدم وجوب الوتر اقوله أمدكم فإن الإمداد هو الزيادة بما يقوى المزيد عليه اهـ. ودل الحديث على أن وقت الوتر بعد الفراغ من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وهو متفق عليه كما قال ابن النذر أجمع أهل العلم على أن ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وقت للوتر. ونحوه لابن نصر. وعن ابن مسعود الوتر ما بين الصلاتين صلاة العشاء الآخرة وصلاة الفجر ومتى أوترت فحسن اهـ. وهذا هو المعول عليه. وقيل إنه يمتد بعد طلوع الفجر إلى صلاة الصبح وهو مخالف للأدلة (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد وابن ماجه والبيهقي والدارقطني والحاكم والترمذي وقال حديث خارجة بن حذاقة حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي حبيب, وقد وهم بعض المحدثين في هذا الحديث عن عبد الله بن راشد الزرقي وهو وهم اهـ وقال ابن حبان إسناده منقطع ومتنه باطل, وأخرجه ابن نصر وقال قد اختلف ألفاظ متون هذه الأخبار التي جاءت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه قال إن الله زادكم صلاة أو أمدكم بصلاة فقال بعضهم جعلها لكم ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر. وقال بعضهم ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح وهي أخبار في أسانيدها مطعن لأصحاب الحديث اهـ (باب فيمن لم يوتر) أي في بيان الوعيد الوارد في حق من لم يصل الوتر (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى نَا أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ نَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَتَكِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا".

التحذير من ترك السنة. ترجيح أن الوتر سنة وأدلة ذلك

(ش) (الرجال) (أبو إسحاق) هو إبراهيم بن إسحاق بن عيسى. روى عن ابن المبارك ومالك والدراوردي والوليد بن مسلم ومعتمر بن سليمان وابن عيينة وآخرين. وعنه أحمد بن حنبل والحسين بن منصور والحسين ومحمَّد البلخي وعباس الدورى وجماعة. وثقه يعقوب بن شيبة وابن معين وقال أبو حاتم صدوق وقال ابن حبان يخطئ ويخالف. توفي سنة أربع عشرة أو خمس عشرة ومائتين. روى له أبو داود وابن ماجه. و(الطالقاني) نسبة إلى طالقان بكسر اللام بلد بخراسان وأخرى بقزوين. و (العتكي) نسبة إلى بني عتيك فخذ من الأزد (معنى الحديث) (قوله الوتر حق) أي ثابت وهو مصدر حق الشيء ثبت (قوله فمن لم يوتر فليس منا) أي ليس من أهل طريقتنا. (واستدل به) أبو حنيفة على وجوب الوتر قال لأن هذا وعيد شديد ولا يكون مثله إلا لترك فرض أو واجب لا سيما وقد تأكد بالتكرار. وأجيب عنه بأنه محمول على تأكد سنية الوتر جمعًا بينه وبين الأحاديث الدالة على عدم الوجوب. وقد جاء الوعيد بأنه محمول على تأكد سنية الوتر جمعًا بينه وبين الأحاديث الدالة على عدم الوجوب. وقد جاء الوعيد الشديد أيضًا على ترك السنة كثيرًا. منه ما ورد في نظر المصلي إلى موضع سجوده فقد روى أحمد ومسلم والنسائي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أولتخطفن أبصارهم. وروى البخاري وأبو داود وغيرهما عن أنس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتد قوله في ذلك حتى قال لينتهن أولتخطفن أبصارهم. ومنه ما ورد في تسوية الصفوف في الصلاة والمتقدم إلى الصف الأول فقد روى أحمد والطبراني عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله تعالى عيه وعلى آله وسلم قال لتسون الصفوف أولتطمسن الوجوه أولتخطفن أبصاركم وروى مالك والبخاري وأبو داود وغيرهم عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول لتسون صفوفكم أوليخالفن الله بين وجوهكم وعن عائشة مرفوعًا لا يزال قوم يتأخرون على الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار. رواه المصنف في باب صف النساء والتأخر عن الصف الأول من الجزء الخامس. إلى غير ذلك من الروايات التي فيها الوعيد على ترك السنة إذا علمت ما تقدم تعلم أن الراجح القول بسنية الوتر كما عليه الجمهور وأبو يوسف ومحمَّد من الحنفية قال في الروضة الندية والحق أن الوتر سنة هوآكد السنن بينه عليّ وابن عمر وعبادة بن الصامت وإليه ذهب أكثر العلماء اهـ وذكر محمَّد بن نصر في قيام الليل أدلة كثيرة على أن الوتر سنة قال: إن الصلوات المكتوبات الموظفات على العباد في اليوم والليلة هي خمس صلوات وما زاد على ذلك فتطوع ثم اتفاق الأمة على أن الصلوات المكتوبات هي خمس لا أكثر. ودليل آخر وهو وتر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بركعة وبثلاث وبخمس وسبع وأكثر من ذلك, فلو كان الوتر فرضًا لكان مؤقتًا معروفًا عدده لا يجوز أن يزاد فيه ولا ينقص منه كالصلوات

الخمس المفروضات, وأحاديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه على خلاف ذلك لأنهم قد أوتروا وترًا مختلفًا في العدد, وكره غير واحد من الصحابة والتابعين الوتر بثلاث بلا تسليم في الركعتين كراهة أن يشبهوا التطوع بالفريضة. ودليل ثابت وهو أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أوتر على راحلته: قد ثبت ذلك عنه وفعله غير واحد من الصحابة والتابعين, وقد أجمعت الأمة على أن الصلاة المفروضة لا تجوز أن تصلى على الراحلة إلا عند الاضطرار ففي ذلك بيان أن الوتر تطوع وليس بفرض. ودليل رابع وهو أن الوتر يعمل به الخاص والعام من المسلمين في كل ليلة فلو كان فرضًا لما خفي وجوبه على العامة كما لم يخف وجوب الصلوات الخمس ولنقلوا علم ذلك كما نقلوا علم صلاة المغرب وسائر الصلوات أنها مفروضات قد توارثوا علم ذلك ينقله قرن عن قرن من لدن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى يومنا هذا لا يختلفون في ذلك ولا يتنازعون فلو كان الوتر فرضًا كسائر الصلوات لتوارثوا علمه ونقله قرن عن قرن كذلك. كيف وقد روى عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم قالوا الوتر تطوع وليس بفرض. منهم علي بن أبي طالب ولا يجوز أن يكون مثل عليّ يجهل فريضة صلاة من الصلوات يحتاج إليها في كل ليلة حتى يجحد فرضها فيزعم أنها ليست بحتم, من ظن بعلي رضي الله تعالى عنه فقد أساء به الظن, وكذلك سائر الصحابة وجماعة من التابعين قد روي عنهم مفسرًا أن الوتر تطوع اهـ وقد روى البيهقي عن عاصم بن ضمرة عن عليّ قال إن الوتر ليس بحتم كالصلاة المكتوبة ولكن سنة سنها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وروى أيضًا عن عبد الرحمن بن أبي عمرة أنه سأل عبادة بن الصامت عن الوتر فقال أمر حسن جميل عمل به النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والمسلمون من بعده وليس بواجب (والحديث) أخرجه أيضًا الحاكم وصححه وقال أبو المنيب "يعني عبيد الله العتكي" ثقة وثقه ابن معين أيضًا وقال أبو حاتم هو صالح الحديث وأنكر على البخاري إدخاله في الضعفاء: لكن تكلم فيه النسائي. وقال ابن حبان ينفرد عن الثقات بالمقلوبات. وقال البيهقي لا يحتج به (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُدْعَى الْمُخْدَجِيَّ سَمِعَ رَجُلًا بِالشَّامِ يُدْعَى أَبَا مُحَمَّدٍ يَقُولُ إِنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ. قَالَ الْمُخْدَجِيُّ فَرُحْتُ إِلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ عُبَادَةُ كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ

استدلال عبادة بن الصامت على عدم وجوب الوتر

عَلَى الْعِبَادِ فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ". (ش) (ابن محيريز) هو عبد الله المكي. تقدم بالرابع صفحة 144 (قوله يدعى المخدجي) بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة لقب له أو نسبة إلى مخدج بطن من كنانة واسمه رفيع. مجهول لا يعرف بغير هذا الحديث, قال ابن عبد البر مجهول وصحح حديثه وفي القاموس مخدج ابن الحارث أبو بطن منهم رفيع المخدجي اهـ وتقدم للمصنف في باب المحافظة على وقت الصلاة عن عبد الله الصنابحي قال زعم أبو محمَّد أن الوتر واجب الخ والصنابحي غير المخدجي, فالمصنف رواه من طريقتين. و (أبو محمَّد) مسعود بن أوس بن زيد كما تقدم بالرابع صفحة 3 وقيل اسمه سعد بن أوس (قوله فرحت إلى عبادة الخ) وفي رواية النسائي والبيهقي فرحت إلى عبادة بن الصامت فاعترضت له وهو رائح إلى المسجد فأخبرته بالذى قال أبو محمَّد فقال عبادة كذب أبو محمَّد الخ يعني أخطأ فلا إثم عليه لأنه لم يكن عن قصد بل أداه اجتهاده إلى أن الوتر واجب, وعبر بكذب لأن الكذب الإخبار عن الشيء على خلاف حقيقته سواء فيه العمد والخطأ ولا واسطة بينهما على مذهب أهل السنة والإثم يتبع العمد. قال الباجي والكذب ثلاثة أوجه أحدها ما يكون على وجه السهو فيما خفي عليه ولا إثم فيه. وثانيها أن يتعمده فيما لا يحل فيه الصدق كأن يسأل عن رجل يراد قتله ظلمًا فيجب ألا يخبر بموضعه. وثالثها يأثم فيه صاحبه وهو قصد الكذب فيما يحرم فيه قصده اهـ (قوله خمس صلوات كتبهن الله) أي فرضهن الله على العباد. وهو حجة لمن قال إن الوتر ليس بواجب (قوله استخفافًا بحقهن) أي تهاونًا بحقهن. وهو صادق بأن لم يضيع شيئًا منها أصلًا أو ضيعه سهوًا أو نسيانًا (قوله ومن لم يأت بهن) أي استخفافًا وتهاونًا لا جحودًا لقوله إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة, أما من تركها جحدًا فمقطوع بكفره فلا يدخل تحت قوله إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة, ووجه استدلال عبادة بهذا على أن الوتر ليس بواجب جعله العهد بدخول الجنة لمن جاء بالخمس فيفيد دخولها وإن لم يأت بغيرهن ومنه الوتر, ولأبي حنيفة أن الحديث إنما يدل على فريضة الخمس والوتر عنده ليس بفرض بل واجب وفرق بين الواجب والفرض كما بين السماء والأرض. على أنه قد ورد في الحديث "من قال لا إله إلا الله مخلصًا دخل الجنة" رواه البزار عن أبي سعيد فهذا وعد لمن قال تلك الكلمة وإن لم يأت بغيرها بدخول الجنة ومع هذا لا يستدل به على عدم فرضية الصلاة والزكاة والصوم وغيرها, وقد قال بوجوب الوتر ابن المسيب وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود ومجاهد والضحاك كما رواه ابن أبي شيبة ونقله ابن العربي عن أصبغ وسحنون, وقال مالك من تركه أدب

باب كم الوتر

وكان جرحًا في شهادته أفاده الحافظ في الفتح (والحديث) أخرجه النسائي والبيهقي ومحمد بن نصر (باب كم الوتر) أي في بيان الأحايث الدالة على عدد ركعات الوتر (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ فَقَالَ بِأُصْبُعَيْهِ هَكَذَا مَثْنَى مَثْنَى وَالْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ. (ش) (همام) بن يحيى تقدم بالأول صفحة 74 (قتادة) بن دعامة (قوله أن رجلًا) لم نقف على اسمه (قوله عن صلاة الليل) أي عن كيفية صلاته (قوله فقال بأصبعيه هكذا مثنى مثنى) أي أشار بأصبعيه إلى أن صلاة الليل ثنتين ثنتين. وأشار ابن عمر بأصبعيه حين التحديث كما أشار النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله والوتر ركعة من آخر الليل) أي في آخر الليل وهو بيان للأكمل, وإلا فالوتر يصح في أول الليل ووسطه أيضًا كما تفيده رواية خارجة بن حذافة السابقة "في باب استحباب الوتر" وفيها فجعلها (أي صلاة الوتر) لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر. ورواية عائشة الآتية للمصنف "في باب في وقت الوتر" لما سئلت عن وتر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال كل ذلك قد فعل أوتر أول الليل ووسطه وآخره (وبالحديث) استدل على أن الوتر يكون ركعة واحدة وأن فصله أولى من وصله, ورد بأنه ليس صريحًا في ذلك لاحتمال أن المعنى ركعة مضافة إلى ركعتين مما مضى: يدل عليه ما في رواية مالك وغيره من قوله ركعة واحدة توتر له ما قد صلى فإنه يدل على أن الركعة مضافة لما قبلها (والحديث) أخرجه أيضًا محمَّد بن نصر عن أبي مجلز قال سألت ابن عمر عن الوتر فقال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الوتر ركعة من آخر الليل. ورواه بهذا اللفظ عن ابن عباس. وأخرجه مسلم والنسائي وأحمد بنحوه (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنِي قُرَيْشُ بْنُ حَيَّانَ الْعِجْلِيُّ نَا بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلاَثٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ".

المذاهب في عدد ركعات الوتر

(ش) (رجال الحديث) (قوله قريش بن حيان) أبو بكر البصري (العجلي) روى عن الحسن ومحمَّد بن سيرين ومالك وعمرو ابني دينار وبكر بن وائل وجماعة. وعنه الأوزاعي ويحيى بن حسان ومروان بن معاوية وابن المبارك وأبو الوليد الطيالسي وغيرهم, وثقه النسائي وابن معين وابن حبان والدارقطني وقال أحمد وأبو حاتم لا بأس به وقال في التقريب ثقة من السابعة, روى له البخاري والنسائي وأبو داود. و(بكر بن وائل) بن داود التيمي الكوفي. روى عن الزهري وسعيد بن أبي عروبة وعبد الله بن دينار ونافع , وعنه شعبة وهمام بن يحيى وابن عيينة, قال أبو حاتم صالح وقال النسائي ليس به بأس وقال الحاكم ثقة, وذكره ابن حبان في الثقات. روى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل) أي يوتر بخمس لا يجلس ولا يسلم إلا في آخرهن كما تقدم في صلاة الليل عن عائشة. وفي رواية الحاكم عن هشام بن عروة قال حدثنا أبي أن عائشة حدثته أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في الخامسة ولا يسلم إلا في آخرها. ويحتمل أن يجلس بعد الرابعة ولا يسلم ثم يصلي ركعة ويجلس ويسلم (قوله ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل) أي يوتر بثلاث بتشهد واحد وسلام. ويؤيده ما رواه الحاكم في المستدرك من طريق زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عيله وعلى آله وسلم يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن. وهذا وتر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وعنه أخذه أهل المدينة. "وهذا" لا ينافي ما رواه الدارقطني والحاكم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا توتروا بثلاث أوتروا بخمس أوسبع ولا تشبهوا بصلاة المغرب "لأن النهي" فيه محمول على صلاة الثلاث في الوتر بتشهدين وسلام واحد. ويحتمل أنه يكون بتشهدين وسلام واحد وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري وقالوا في حديث لا توتروا بثلاث الخ إن النهي فيه للتنزيه محمول على الاقتصار على ثلاث ركعات المقتضي ترك صلاة الليل. لكن هذا خلاف ظاهر الحديث. والأولى حمله على الأول جمعًا بين الأحاديث (قوله ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل) وهي أقل الوتر. وحديث الباب صريح في رد قول من قال إن الوتر لا يكون إلا بثلاث فإنه جاء بالثلاث والواحدة والخمس (والحاصل) أن الأئمة اختلفوا في الوتر. فقال أبو حنيفة لا يكون إلا بثلاث. وقال مالك يكون بواحدة. وقال الشافعي وأحمد يكون بالواحدة والثلاث إلى إحدى عشرة. ولهما في الوتر بإحدى عشرة ثلاث كيفيات. إحداها أن يسلم من كل ركعتين ثم يصلي ركعة بتشهد وسلام. الثانية أن يسرد العشر ويتشهد ولا يسلم ثم يأتي بركعة ويتشهد ويسلم. الثالثة أن يسرد الجميع لا يجلس إلا في آخرهن ثم يسلم. وكذا الوتر بالخمس

الكيفيات الواردة في صلاة الوتر

والسبع والتسع. والأفضل في الخمس والسبع الجلوس في آخرها. والأفضل في الثلاث أن تكون بسلامين وتجوز بسلام واحد لا يجلس إلا في آخرها وبتشهدين وسلام كالمغرب. وما قاله الشافعي وأحمد هو الراجح الذي تشهد له الأدلة الكثيرة الصحيحة كما تقدم في صلاة الليل. وأما ما رواه الدارقطني من طريق يحيى بن زكرياء بن أبي الحواجب عن الأعمش عن مالك ابن الحارث عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم "وتر الليل ثلاث كوتر النهار صلاة المغرب" فقد قال الدارقطني تفرد به يحيي وهو ضعيف. وقال البيهقي الصحيح وقفه علي ابن مسعود، وكذا رواه الثوري وغيره عن الأعمش ورفعه ابن أبي الحواجب وهو ضعيف، وأخرجه الدارقطني أيضًا من حديث عائشة وفيه إسماعيل ابن مسلم المكي وهو ضعيف اهـ. من التلخيص للحافظ. وقال محمَّد بن نصر الأمر عندنا أن الوتر بواحدة وبثلاث وخمس وسبع وتسع كل ذلك جائز حسن علي ما روينا من الأخبار عن النبي صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم وأصحابه من بعده اهـ وذكر أحاديث وآثار كثيرة في الوتر بأكثر من ثلاث. وقال الترمذي روي عن النبي صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم الوتر بثلاث عشرة ركعة وإحدي عشرة وتسع وسبع وخمس وثلاث وواحدة. قال إسحاق بن إبراهيم معنى ما روي عن النبي صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم كان يوتر بثلاث عشرة ركعة أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر (يعني من جملتها الوتر) فنسبت صلاة الليل إلى الوتر. وقال في الهدي وردت السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في الوتر بخمس متصلة وسبع متصلة كحديث أم سلمة كان رسول الله صلي الله عليه وعلي آله وسلم يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بسلام ولا كلام رواه أحمد. وكقول عائشة كان رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس إلا في آخرهن، متفق عليه. وكحديث عائشة أنه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم كان يصلي من الليل تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يصلي التاسعة ثم يقعد ثم يسلم تسليمًا يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعدة فتلك إحدي عشرة ركعة فلما أسن رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم وأخذه اللحم أوتر بسبع وصنع في الركعتين مثل صنيعه في الأول. وفي لفظ عنها فلما أسن وأخذه اللحم أوتر بسبع بركعات لم يجلس إلا في السادسة والسابعة ولم يسلم إلا في السابعة. وفي لفظ صلي سبع ركعات لا يقعد إلا في آخرهن وكلها أحاديث صحاح صريحة لا معارض لها سوي قوله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة الليل مثنى مثنى وهو حديث صحيح، لكن الذي قاله هو الذي أوتر بالسبع والخمس، وسنته كلها حق يصدق بعضها بعضًا، فالنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أجاب السائل عن صلاة الليل

باب ما يقرأ في الوتر

بأنها مثنى مثنى ولم يسأله عن الوتر وأما السبع والخمس والتسع والواحدة فهي صلاة الوتر، والوتر اسم للواحدة المنفصلة مما قبلها وللخمس والسبع والتسع المتصلة كالمغرب اسم للثلاث المتصلة، فإن انفصلت الخمس والسبع بسلامين كالإحدي عشرة كان الوتر اسمًا للركعة المفصولة وحدها كما قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي الصبح أوتر بواحدة توتر له ما قد صلى فاتفق فعله صلى الله تعالى وعلي آله وسلم وقوله وصدق بعضه بعضًا اهـ وقال في الروضة الندية والحاصل أن لصلاة الليل باعتبار وترها ثلاث عشرة صفة كما ذكر ذلك ابن حزم في المحلي فالقول بأن الوتر ثلاث ركعات فقط لا يجوز الإتيان بغيرها ضيق عطن وقصور باع ولمثل هذا صار أكثر فقهاء العصر لا يعرفون الوتر إلا بأنها ثلاث ركعات بعد صلاة العشاء حتى إن كثيرًا منهم يكون له قيام في الليل وتهجد فتراه يصلي الركعات المتعددة ويظن أن الوتر شيء قد فعله وأنه لا تعلق له بهذه الصلاة التي يفعلها في الليل وهو لا يدري أن الوتر هو ختام صلاة الليل وأنه لا صلاة بعده إلا الركعتان المعروفتان بسنة الفجر، وكثيرًا ما يقع الإنسان في الابتداع وهو يظن أنه في الاتباع، والسبب عدم الشغل بالعلم وسؤال أهل الذكر. وأما ما روي عن الحسن البصري أنه قال أجمع المسلمون علي أن الوتر ثلاث لا يسلم إلا في آخرهن. فإن أراد أن الإجماع وقع علي هذا القدر وأنه لا يجوز الإيتار بغيره فهو من البطلان بمكان لا يخفي علي عازف فهذه الدفاتر الإِسلامية الحاكية لمذاهب الصحابة الذين أدركهم الحسن البصري ولمذاهب التابعين الذين هو واحد منهم قاضية بخلاف هذه الحكاية وهي بين أيدينا. وإن أراد أن هذه الصفة هي إحدي صفات الوتر فنحن نقول بموجب ذلك فقد روي الإيتار بثلاث ولكنه روي النهي عن الإيتار بثلاث كما أوضح ذلك الماتن رحمه الله في شرح المنتقي فتعارضت رواية الثلاث وروية النهي والعالم بكيفية الاستدلال لا يخفى عليه الصواب اهـ (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجة والطحاوي والدارقطني والبيهقي والحاكم مرفوعًا، ورواه الحاكم والدارقطني من عدة طرق موقوفًا، قال في التلخيص وصحح أبو حاتم والذهلي والدارقطني في العلل والبيهقي وغير واحد وقفه وهو الصواب اهـ. (باب ما يقرأ في الوتر) (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو حَفْصٍ الأَبَّارُ ح وَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَنَسٍ -وَهَذَا لَفْظُهُ- عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ طَلْحَةَ وَزُبَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-

يُوتِرُ بِـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) وَ (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) وَاللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ. (رجال الحديث) (أبو حفص الأبار) عمر بن عبد الرحمن تقدم بصفحة 42. و(محمَّد بن أنس) القرشي أبو أنس العدوي مولى عمر بن الخطاب الكوفي. روي عن سهيل بن أبي صالح وحصين بن عبد الرحمن وعاصم بن كليب والأعمش وغيرهم. وعنه إبراهيم بن موسي الرازي وعلي بن بحر. وثقه أبو زرعة وابن حبان وقال يغرب وقال أبو حاتم صحيح الحديث. روي له أبو داود و (طلحة) بن مصرف الكوفي تقدم بالثاني صفحة 63.و (زبيد) مصغر ابن الحارث ابن عبد الكريم بن عمرو بن كعب اليامي أبو عبد الرحمن الكوفي. روي عن سعد بن عبيدة وسعيد بن عبد الرحمن بن أبزي وإبراهيم النخعي ومجاهد وجماعة. وعنه جرير بن حازم وشعبة والثوري وشريك والأعمش وغيرهم. وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وابن سعد والعجلي وقال ثبت في الحديث وقال يعقوب بن سفيان ثقة كان يميل إلى التشيع وقال عمرو بن مرة كان صدوقًا. قيل مات سنة ثنتين وعشرين ومائة. روى له الجماعة. (معنى الحديث) (قوله يوتر بسبح اسم ربك الأعلي الخ) يعني يصلي الوتر ويقرأ في الركعة الأولي بعد الفاتحة بسورة سبح اسم ربك وفي الثانية بـ (قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وفي الثالثة بـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وفي أكثر النسخ بسبح اسم ربك الأعلى و (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا)، والمراد (قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، ففي مسند أبي حنيفة بعد تخريج هذا الحديث مرسلًا وفي الثانية (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) يعني قل (قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ) هكذا في قراءة ابن مسعود اهـ. والمراد بقوله والله الواحد الصمد (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ). وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي الثلاث ركعات بسلام واحد فقد أخرج الحديث النسائي عن طريق قتادة عن عروة عن سعيد بن عبد الرحمن وفيه ولا يسلم إلا في آخرهن. (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه والنسائي وأحمد ومحمد بن نصر والبيهقي، ورواه أحمد وابن ماجه والترمذي والنسائي عن ابن عباس، وأخرجه الطبراني عن ابن عمر وعمران بن حصين وابن مسعود. (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ نَا خُصَيْفٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يُوتِرُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ مَعْنَاهُ قَالَ وَفِي الثَّالِثَةِ بِ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ. (ش) (رجال الحديث) (خصيف) بن عبد الرحمن الجزلي تقدم بالثالث صفحة 50

قراءة أكثر من سورة في كل ركعة من ركعات الوتر

و (عبد العزيز بن جريج) المكي القرشي مولاهم، روي عن عائشة وابن عباس وابن أبي مليكة وسعيد بن جبير وعبد الله بن أبي خالد. وعنه ابنه عبد الملك وخصيف بن عبد الرحمن، قال البخاري والعقيلي لا يتابع علي حديثه، وقال الدارقطني والبرقاني مجهول، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال لم يسمع من عائشة وكذا قال العجلي وزاد وأخطأ خصيف فصرح بسماعه عن عائشة روي له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي. (معنى الحديث) (قوله بأي شيء كان يوتر الخ) أي بأي سورة من القرآن كان يقرأ رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في صلاة الوتر (قوله فذكر معناه) أي ذكر عبد العزيز عن عائشة معنى حديث عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب غير أنه قال يقرأ في الركعة الثالثة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) والمعوذتين بكسر الواو وتفتح، ولفظه عند الترمذي عن عبد العزيز قال سألنا عائشة بأي شيء كان يوتر رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم قالت كان يقرأ في الأولى بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) وفي الثانية بـ (قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وفي الثالثة بـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) والمعوذتين قال أبو عيسي حسن عريب اهـ. والحديث وإن كان ضعيفًا لأنه من طريق عبد العزيز بن جريج وفيه مقال كما تقدم وفي سنده خصيف وفيه لين. لكن له شواهد، فقد رواه الطبراني عن أبي هريرة وفي إسناده المقدام بن داود وهو ضعيف ورواه الدارقطني وابن حبان والحاكم من حديث سعيد بن عفير عن يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة. ورواه الحاكم أيضًا من طريق سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب وقال حيدث صحيح علي شرط الشيخين. وسعيد بن عفير إمام أهل مصر بلا مدافعة اهـ وقال العقيلي إسناده صالح. وروى زيادة المعوذتين محمَّد بن نصر أيضًا من طريق حسين بن عبد الله بن ضمرة بن أبي ضميرة. وضعفه أحمد وابن معين وأبو زرعة. فهذه روايات تدل على زيادة المعوذتين في الركعة الثالثة. (وفي هذه) الأحاديث دلالة علي استحباب قراءة هذه السور في ركعات الوتر. وبه قالت المالكية والشافعية. وقالت الحنفية والحنابلة يسن قراءة الأعلى والكافرون و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) لا المعوذتين. قال في البحر وما وقع في السنن وغيرها من زيادة المعوذتين أنكرها الإِمام أحمد وابن معين ولم يجزها أكثر أهل العلم اهـ. لكن علمت أنها ثابتة بروايات كثيرة يقوي بعضها بعضًا وإن كان في بعضها مقال، هذا وقد قرأ صلي الله تعالى عليه وعلي وآله وسلم غير هذه السور وزاد في كل ركعة سورًا آخر. فقد روي محمَّد بن نصر من طريق يحيى بن آدم قال حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي أن النبي صلي الله تعالى وعليه وعلي آله وسلم كان يوتر بتسع سور، في الأولى (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) و (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) و (إِذَا زُلْزِلَتِ)، وفي الثانية (وَالْعَصْرِ) و (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) و (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)، وفي الثالثة (قُلْ

باب القنوت في الوتر

يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ). وروي عن علي موقوفًا. وورد عن بعض الصحابة القراءة بغير ما ذكر قولًا وفعلًا. فقد روى محمَّد بن نصر عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ في الوتر في أول ركعة خاتمة البقرة. وفي الثانية (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وربما قرأ (قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، وفي الثالثة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ). وروي أيضًا عن سعيد بن جبير لما أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب أن يقوم بالناس في رمضان كان يوتر بهم فيقرأ في الركعة الأولى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، وفي الثانية ب (قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، وفي الثالثة بـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، وروي عن عليّ ليس من القرآن شيء مهجور فأوتر بما شئت، وروي النسائي من طريق عاصم الأحول عن أبي مجلز أن أبا موسى كان بين مكة والمدينة فصلى العشاء ركعتين ثم صلى ركعة أوتر بها فقرأ فيها بمائة آية من النساء ثم قال: ما آلوت أن أضع قدمي حيث وضع رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم قدميه وأنا اقرأ بما قرأ به رسول الله صلي الله تعالى وعلي آله وسلم (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان والبيهقي والدارقطني والحاكم ومحمد بن نصر. (باب القنوت في الوتر) أي في بيان مشروعية القنوت في الوتر، والقنوت يطلق علي معان، والمراد هنا الدعاء في محل مخصوص. (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ جَوَّاسٍ الْحَنَفِيُّ قَالاَ نَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ قَالَ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ قَالَ ابْنُ جَوَّاسٍ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ "اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِى وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ". (ش) (رجال الحديث) (أبو الأحوص) سلام بن سليم تقدم بالأول صفحة 240 و (أبو إسحاق) السبيعي. و (بريد بن أبي مريم) مالك بن ربيعة السلولي البصري، روى

عن أبيه وأنس وابن عباس وأبي موسي الأشعري وشهر بن حوشب وآخرين. وعنه ابنه يحيى وشعبة وأبو إسحاق السبيعي وعبد الرحمن بن هرمز وجماعة. وثقه أبو زرعة وابن معين والنسائي وأبو حاتم والعجلي. توفي سنة أربع وأربعين ومائة روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في الأدب و(أبو الحوراء). بحاء وراء مهملتين ربيعة بن شيبان السعدي البصري. روى عن الحسن. وعنه ثابت بن عمارة ويزيد بن أبي مريم وأبو يزيد الزراد، وثقه النسائي والعجلي وذكره ابن حبان في الثقات. روي له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي. و(الحسن بن علي) بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي سبط رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم وريحانته. روي عن النبي صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم وعن أبيه وأخيه الحسين وهند بن أبي هالة. وعنه ابنه الحسن وعائشة وعكرمة وابن سيرين وجبير بن نفير وطوائف. كان النبي صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم يحبه. فقد روي الترمذي عن أسامة بن زيد قال طرقت النبي صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم في بعض حاجة فقال هذان "يعني الحسن والحسين" ابناي وابنا بنتي اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما. وروي أحمد من طريق زهير بن الأحمر قال بينما الحسن بن علي يخطب بعد ما قتل علي إذ قام رجل من الأزد فقال لقد رأيت الله صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم واضعه في حبوته يقول من أحبني فليحبه فليبلغ الشاهد الغائب، وروى البخاري عن أبي بكر قال رأيت النبي صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم علي المنبر والحسن بن علي معه وهو يقبل علي الناس مرة وعليه مرة ويقول إن إبني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين. وروى أحمد من طريق المبارك بن فضالة قد حدثنا الحسن بن أبي الحسن قال حدثنا أبو بكرة قال كان رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم يصلي بالناس وكان الحسن بن علي يثب علي ظهره إذا سجد ففعل ذلك غير مرة قالوا له إنك لتفعل بهذا شيئًا ما رأيناك تفعله بأحد قال ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين، قال فلما ولى لم يهرق في خلافته بمحجمة من دم. وروى ابن أبي خيثعة من طريق هارون بن معروف قال حدثنا ضمرة عن ابن شوذب قال لما قتل عليّ سار الحسن في أهل العراق ومعاوية في أهل الشام فالتقوا فكره الحسن القتال وبايع معاوية على أن يجعل له العهد من بعده فكان أصحاب الحسن يقولون له يا عار أمير المؤمنين فيقول العار خير من النار ولد رضي الله عنه في رمضان سنة ثلاث من الهجرة علي الأصح، وتوفي سنة تسع وأربعين أو خمسين مسمومًا، قال ابن سعد أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا ابن عون عن عمر بن إسحاق قال دخلت أنا وصاحب لي علي الحسن بن علي فقال لقد لفظت طائفة من كبدي وإني قد سقيت السم مرارًا فلم أسق مثل

شرح ألفاظ القنوت

هذا فأتاه الحسين بن علي فسأله من سقاك فأبى أن يخبره. (معنى الحديث) (وقوله علمني كلمات) يعني جملًا أدعو بهن في الوتر فهو من إطلاق اسم الجزء علي الكل وهذا لفظ قتيبة. ورواية ابن جواس أقولهن في قنوت الوتر. وهي رواية النسائي وابن ماجه (قوله اللهم أهدني فيمن هديت ... ألخ) بيان للكلمات أي ثبتني علي الهداية مع من هديتهم من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، ففي بمعني مع أو زدني من أسباب الهداية حتى أكون مع الأنبياء (وعافني فيمن عافيت) أي من البلاء والأهواء (قوله وتولني فيمن توليت) أي تولني بالحفظ والرعاية مع من توليتهم ولا تكلني إلى نفسي (قوله وبارك لي فيما أعطيت) أي زدني فيما أعطيتنيه من خيري الدارين (قوله وقني شر ما قضيت) أي احفظني مما يترتب علي ما قضيته عليّ من السخط والجزع. هذا إن أريد بالقضاء القضاء المبرم إذ لا بد من نفوذه وإن أريد به المعلق فلا حاجة إلى هذا التأويل (قوله إنك تقضي ولا يقضى عليك) أي تحكم بما تريد ولا يحكم عليك لا رادّ لما قضيت ولا معقب لحكمك. وهو كالتعليل لما قبله (قوله وإنه لا يذل من واليت) بفتح الياء وكسر الذال أي لا يخذل من واليته من عبادك في الآخرة أو مطلقًا وإن ابتلي بما ابتلي به وسلط عليه من أهانه ظاهرًا لأن ذلك يزيده رفعة عند الله تعالى ومن ثم وقع للأنبياء ما وقع من المحن كقطع زكريا بالمنشار (قوله ولا يعز من عاديت) أي لا يكون لمن عاديته عزة في الدنيا ولا في الآخرة وإن أعطي من نعيم الدنيا ما أعطي حيث لم يمتثل أمر الله تعالى ولم يجتنب نهيه. وهذه الزيادة ثابتة في الحديث. "وقول" النووي في الخلاصة إن البيهقي رواها بسند ضعيف وقول ابن الرفعة لم تثبت "غير" مسلم لأن البيهقي رواها من طريق إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن الحسن أو الحسين بن علي. ورواها أيضًا الطبراني من حديث شريك وزهير بن معاوية عن أبي إسحاق ومن حديث أبي الأحوص عن أبي إسحاق، قال الحافظ في التلخيص وقد وقع لنا عاليًا جدًا متصلًا بالسماع قرأته علي أبي الفرج بن حماد أن علي بن إسماعيل أخبره أن إسماعيل بن عبد القوي أنبأ فاطمة بنت سعد الخير وأنبأ فاطمة بنت عبد الله أنبأنا محمَّد بن عبد الله حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا الحسن بن المتوكل البغدادي حدثنا عفان بن مسلم حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي قال علمني رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر اللهم اهدني فيمن هديت (الحديث) مثل ما ساقه الرافعي وزاد ولا يعز من عاديت اهـ (قوله تباركت ربنا وتعاليت) أي تزايد برك وإحسانك وتنزهت عما لا يليق بك. (فقه الحديث) دلّ الحديث علي مشروعية القنوت في الوتر. وظاهره عدم الفرق بين

المذاهب في زمنه ومحله

رمضان وغيره. وبه قالت الحنفية والحنابلة ورواه الترمذي ومحمد بن نصر عن ابن مسعود ورواه محمَّد بن نصر عن علي وعمر، وحكاه ابن المنذر عن إبراهيم النخعي وأبي ثور. واختار ابن مسعود وأبو حنيفة أن يكون قبل الركوع. وبه قال سفيان الثوري وابن المبارك وإسحاق وأهل الكوفة والبراء وأبو موسى وابن عباس وأنس وعمر بن عبد العزيز وعبيدة وعبد الرحمن بن أبي ليلي وحميد الطويل وذهب جماعة إلى أنه يقنت في الوتر في النصف الأخير من رمضان فقط منهم علي وابن سيرين وسعيد بن أبي الحسن والزهري ويحيى بن ثابت ومالك والشافعي واختاره أبو بكر الأثرم لما رواه محمَّد بن نصر بإسناده صحيح أن ابن عمر كان لا يقنت في الصبح ولا في الوتر إلا في النصف الأخير من رمضان وروي أيضًا عن الحسن كانوا يقتنون في النصف الأخير من رمضان. وعن محمَّد بن عمر كنا ونحن بالمدينة نقنت ليلة أربع عشرة من رمضان اهـ. وذهب قتادة إلى أنه يقنت في السنة كلها إلا في النصف الأول من رمضان، وعن بعض الشافعية أنه يقنت في رمضان فقط دون بقية السنة. وذهب طاوس إلى عدم مشروعية القنوت في الوتر. وروي ذلك محمَّد ابن نصر عن ابن عمر وأبي هريرة وعروة وابن الزبير وروي عن مالك مثل ذلك فقد سئل عن الرجل يقوم لأهله في رمضان أيقنت بهم في النصف الباقي من الشهر فقال لم أسمع أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم ولا أحدًا من أولئك قنت وما هو من الأمر القديم وما أفعله أنا في رمضان ولا أعرف القنوت قديمًا. وقال ابن العربي اختلف قول مالك فيه في صلاة رمضان قال والحديث لم يصح والصحيح عندي تركه إذ لم يصح عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم من فعله ولا قوله اهـ. وفي هذا كله نظر فإنه قد ثبت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم القنوت في الوتر كما ستعرفه. واختلف من قال بالقنوت في الوتر في محله. فذهب جماعة إلى أنه بعد الركوع منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسعيد بن جبير. وهو قول أحمد. ومشهور مذهب الشافعية، واستدلوا بما رواه البيهقي والحاكم عن الحسن بن علي قال علمني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم في وتري إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود اللهم أهدني الخ وقال الحاكم حديث صحيح علي شرط الشيخين. وذهب ابن مسعود وسفيان الثوري وابن المبارك وأبو حنيفة وغيرهم ممن تقدم ذكرهم إلى أنه قبل الركوع. واستدلوا بما رواه النسائي من طريق عبد الرحمن بن أبزى عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يوتر بثلاث يقرأ في الأولى سبح اسم ربك الأعلي وفي الثانية قل يأيها الكافرون وفي الثالثة قل هوالله أحد ويقنت قبل الركوع. وبما رواه ابن ماجه عن أبيّ أيضًا أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم كان يوتر فيقنت قبل الركوع وبما أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق سهيل بن العباس الترمذي قال حدثنا سعيد بن سالم

تكبيرة القنوت ورفع اليدين فيها

القداح بن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم كان يوتر بثلاث ركعات ويجعل القنوت قبل الركوع. وبما أخرجه أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال أوتر النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم بثلاث فقنت منها قبل الركوع. وعن ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم كان يوتر بثلاث ركعات ويجعل القنوت قبل الركوع رواه الطبراني في الأوسط. ولا منافاة بين روايات القنوت بعد الركوع وقبله في الوتر لأن هذا من باب المباح فيجوز القنوت فيه بعده وقبله لورود كل عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وروى ابن نصر عن حميد قال سالت أنسًا عن القنوت قبل الركوع وبعد الركوع فقال كنا نفعل قبل وبعد. ومن قال بالقنوت في الوتر قال يكبر ويرفع يديه قبله. فقد روى محمَّد بن نصر عن علي أنه كبر في القنوت حين فرغ من القراءة وحين ركع، وفي رواية كان يفتتح القنوت بتكبيرة، وقال أيضًا كان عبد الله بن مسعود يكبر في الوتر إذا فرغ من قراءته حين يقنت وإذا فرغ من القنوت. وعن البراء أنه كان إذا فرغ من السورة كبر ثم قنت. وعن أحمد إذا كان يقنت قبل الركوع افتتح القنوت بتكبيرة، وكان سعيد بن جبير يقنت في رمضان في الوتر بعد الركوع إذا رفع رأسه كبر ثم قنت وروى محمَّد بن نصر أيضًا عن الأسود أن عبد الله كان يرفع يديه في القنوت إلى صدره، وقال كان أبوهريرة يرفع يديه في قنوته في شهر رمضان. وروى البيهقي عن أنس أنه رفع يديه في القنوت. (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي من طريق يزيد عن أبي الحوراء. وتوقف ابن حزم في صحة حديثه عن لحسن فقال هذا الحديث وإن لم يكن مما يحتج به فإنا لم نجد فيه عن النبي صلى الله تعالى عليه علي آله وسلم غيره والضعيف من الحديث أحب إلينا من الرأي كما قال أحمد بن حنبل اهـ ورواه البيهقي أيضًا من طريق موسي بن عقبة عن عبد الله بن علي عن الحسن وزاد بعد قوله تبارك وتعاليت وصلى الله علي النبي محمَّد، قال النووي في شرح المهذب إنها زيادة بسند صحيح أو حسن اهـ. ورده الحافظ في التلخيص بأنه منقطع، فإن عبد الله بن علي لم يلحق الحسن بن علي رضي الله عنه اهـ. (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ نَا زُهَيْرٌ نَا أَبُو إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ قَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ هَذَا يَقُولُ فِي الْوِتْرِ فِي الْقُنُوتِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ أَبُو الْحَوْرَاءِ رَبِيعَةُ بْنُ شَيْبَانَ.

الدعاء بعد الوتر

(ش) غرض المصنف من ذكر هذه الرواية بيان الفرق بين رواية أبي الأحوص عن أبي إسحاق ورواية زهير بن معاوية عنه. فقد قال أبو الأحوص في روايته أقولهن في الوتر فجعلها من كلام الحسن، وقال زهير في روايته يقولها في الوتر في القنوت فجعلها من كلام أبي الحوراء (زهير) بن معاوية تقدم بالأول صفحة 112 (قوله بإسناده) أي إسناد أبي إسحاق السبيعي في الحديث السابق. وهو عن يزيد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن (قوله قال في آخره قال هذا الخ). أي قال زهير بن معاوية في آخر حديثه قال الحسن هذا أي دعاء القنوت يقوله الحسن في قنوت الوتر. قال الحافظ في التلخيص: نبه ابن خزيمة وابن حبان على أن قوله في قنوت الوتر تفرد به أبو إسحاق عن يزيد بن أبي مريم وتبعه ابناه يونس وإسرائيل، قالا ورواه شعبة وهو أحفظ من مائتين مثل أبي إسحاق وابنيه فلم يذكر فيه القنوت ولا الوتر وإنما قال كان يعلمنا هذا الدعاء اهـ. وروية زهير أخرجها الطبراني كما تقدم والبيهقي. (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمْرٍو الْفَزَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ هِشَامٌ أَقْدَمُ شَيْخٍ لِحَمَّادٍ وَبَلَغَنِي عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ. (ش) (رجال الحديث) (هشام بن عمرو الفزاري) روي عن عبد الرحمن بن الحارث. وعنه حماد بن سلمة. وثقه ابن معين وقال لم يرو عنه غير حماد بن سلمة، ووثقه أحمد وأبو حاتم، وقال شيخ قديم وذكره ابن حبان في الثقات. روي له أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه. والفزاري نسبة إلى فزارة قبيلة من غطفان و(عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) بن المغيرة ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم أبو محمَّد المدني. روي عن عمر وعثمان وعلي وأبي هريرة وعائشة، وعنه أولاده أبو بكر وعكرمة والمغيرة وهشام بن عمرو وجماعة. اختلف في صحبته، قال البغوي ولد في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم ولا أحسبه سمع منه. وقال العجلي تابعي ثقة وقال الدارقطني جليل يحتج به. توفي في خلافة معاوية، روي له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي.

حجة من قال إن قنوت الوتر قبل الركوع

(معنى الحديث) (قوله في آخر وتره) أي بعد السلام منه كما في رواية، قال ميرك وفي إحدى روايات النسائي كان يقول إذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك الحديث اهـ من المرقاة (قوله أعوذ برضاك من سخطك الخ) أي أتحصن بفعل ما يوجب رضاك مما يوجب سخطك وبفعل ما يوجب عفوك مما يوجب عذابك (قوله وأعوذ بك منك) أي أتحصن بذاتك من عذابك وفيه إشارة إلى قوله تعالى (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) وقوله (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ) أي عقوبته (قوله لا أحصي ثناء عليك) أي لا أستطيع أن أحصي نعمك التي تستحق بها الثناء عليك قال تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) (قوله أنت كما أثنيت على نفسك) أي أنت ثابت على الأوصاف الجليلة والكمالات التي أثنيت بها على ذاتك. فضمير المخاطب مبتدأ خبره محذوف. والكاف بمعى على وما موصوفة. وفي هذا اعتراف منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالعجز عن تفصيل الثناء ورده إلى الله تعالى المحيط علمه بكل شيء جملة وتفصيلًا (قوله أنه قال لم يروعنه الخ) أي لم يرو عن هشام بن عمرو غير حماد بن سلمة. وهذا يقتضي أن هشامًا غير معروف. وقد علمت أنه وثقه غير واحد فارتفعت جهالته. وفي هذا الحديث دلالة على مشروعية القنوت في الوتر بهذا الدعاء. وفي القنوت أدعية أخرى يأتي ذكر بعضها (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه والترمذي ومحمد بن نصر والبيهقي والحاكم والدارمي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَى عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَنَتَ -يَعْنِي فِي الْوِتْرِ- قَبْلَ الرُّكُوعِ. (ش) أشار بهذا التعليق والتعاليق التي بعده إلى بيان محل القنوت (قوله يعني في الوتر قبل الركوع) هذه العناية من أحد الرواة: ويحتمل أن تكون من المصنف. وهذا التعليق وصله محمَّد بن نصر قال حدثنا إسحاق أخبرنا عيسى بن يونس ثنا سعيد. ثم قال ومرة قال إسحاق ثنا فذكر السند إلى قوله عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بن كعب فذكر الحديث سواء ثم قال ويقنت قبل الركوع، ووصله الدارقطني من طريق عيسى بن يونس إلى آخر السند بذكر القنوت، قال فيه أبيّ وكان يقنت قبل الركوع وكان يقول إذا سلم سبحان ربي القدوس مرتين يسرهما وفي الثالثة يجهر بها ويمد بها صوته

بيان الاختلاف في حديث سعيد بن أبي عروبة في القنوت

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَى عِيسَى بْنُ يُونُسَ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ (ش) أي روى هذا الحديث عيسى بن يونس عن فطر بن خليفة عن زبيد عن سعيد بن عبد الرحمن مثل روايته له عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن عبد الرحمن (وروايته) عن فطر أخرجها الدارقطني موصولة عن عبد الله بن سليمان بن الأشعث قال حدثنا علي بن خشرم حدثنا عيسى بن يونس عن فطر عن زبيد عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب مثله وقال فيه ويقنت قبل الركوع، وإذا سلم قال سبحان الملك القدوس ثلاث مرات يمد بها صوته وفي الأخيرة يقول رب الملائكة والروح (ص) وَرُوِىَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَنَتَ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ. (ش) هذا تعليق آخر فيه التصريح بالقنوت قبل الركوع. والحاصل أنه قد روى ذكر القنوت قبل الركوع من ثلاث طرق: من طريق عيسى بن يونس عن قتادة ومن طريقه أيضًا عن فطر ابن خليفة عن زبيد، ومن طريق حفص، بن غياث عن مسعر عن زبيد (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدِيثُ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَزْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَذْكُرِ الْقُنُوتَ وَلاَ ذَكَرَ أُبَيًّا (ش) أشار به إلى أن حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة مختلف في وصله وفي ذكر القنوت فيه، فقد رواه عن عيسى بن يونس عنه موصولًا وذكر فيه القنوت، ورواه عن يزيد بن زريع مرسلًا ولم يذكر فيه القنوت (وقد روى النسائي) حديث قتادة عن عزرة من غير طريق يزيد بن زريع قال أخبرنا محمَّد بن المثنى حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد حدثنا سعيد عن قتادة

عن عروة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يوتر بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) و (قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، فإذا فرغ قال سبحان الملك القدوس. ورواه أيضًا بدون ذكر عبد الرحمن بن أبزى قال أخبرنا محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم عن أبي عامر عن هشام عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يوتر الخ، فلم يذكر في هاتين الروايتين أبيًا ولا القنوت (ص) وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الأَعْلَى وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ وَسَمَاعُهُ بِالْكُوفَةِ مَعَ عِيسَى بْنِ يُونُسَ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْقُنُوتَ (ش) أي كذلك روي هذا الحديث عبد الأعلي بن عبد الأعلي ومحمد بن بشر العبدي عن سعيد بن أبي عروبة بدون ذكر القنوت فيه (قوله وسماعه بالكوفة مع عيسي بن يونس) أي سماع محمَّد بن بشر عن سعيد بن أبي عروبة لهذا الحديث مع عيسي بن يونس كان بالكوفة. (ص) وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ وَشُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ وَلَمْ يَذْكُرَا الْقُنُوتَ (ش) أي روي هذا الحديث هشام بن أبي عبد الله الدستوائي وشعبة بن الحجاج بدون ذكر القنوت أيضًا (ورواية شعبة) أخرجها النسائي قال أخبرنا محمَّد بن بشار قال حدثنا أبو داود قال حدثنا شعبة عن قتادة قال سمعت عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يوتر بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) و (قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، فإذا فرغ قال سبحان الملك القدوس ثلاثًا. ورواه هكذا من عدة طرق (فالحاصل) أنه قد خالف عيسي بن يونس في روايته عن سعيد ابن أبي عروبة يزيد بن زريع وعبد الأعلى ومحمد بن بشر في عدم ذكر القنوت في الحديث، وخالفه يزيد بن زريع في عدم ذكر أبي فهذا يدل علي وهم عيسي في ذكر القنوت. علي أن النسائي روى الحديث من طريقه بدون ذكر القنوت قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أنبأنا عيسى بن يونس عن سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ في الركعة الأولى من الوتر بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) وفي الثانية بـ (قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وفي الثالثة بـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، وأيضًا خالف سعيد بن أبي عروبة في روايته عن قتادة هشام الدستوائي وشعبة عن قتادة في عدم ذكر القنوت. ووقع في رواية يزيد بن زريع عزرة بين قتادة وبين سعيد بن عبد الرحمن، فلعل قتادة روى عن

بيان الاختلاف في حديث عيسى بن يونس عن فطر: وحديث حفص عن مسعر

سعيد مرة بواسطة عزرة ومرة بدونها. (ص) وَحَدِيثُ زُبَيْدٍ رَوَاهُ سُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ وَشُعْبَةُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ كُلُّهُمْ عَنْ زُبَيْدٍ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمُ الْقُنُوتَ إِلاَّ مَا رُوِىَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ زُبَيْدٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ إِنَّهُ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَلَيْسَ هُوَ بِالْمَشْهُورِ مِنْ حَدِيثِ حَفْصٍ نَخَافُ أَنْ يَكُونَ عَنْ حَفْصٍ عَنْ غَيْرِ مِسْعَرٍ. (ش) أشار به إلى الاختلاف في التعليق الثاني عن عيسي عن فطر والتعليق الثالث عن حفص عن مسعر فذكر أن حديث زبيد رواه عنه سليمان الأعمش ومن معه وكلهم خالفوا فطرا عن زبيد حيث ذكر القنوت عنه ولم يذكروه، وخالفوا في روايته أيضًا حفص ابن غياث عن مسعر عن زبيد، فإن مسعرا ذكر في حديثه عن زبيد أنه قنت قبل الركوع فتابع مسعر فطر وبن خليفة في ذكر القنوت، هذا (ورواية سليمان الأعمش) أخرجها النسائي موصولة. قل أخبرنا محمَّد بن الحسين بن إبراهيم بن إشكاب النسائي أنبأنا محمد بن أبي عبيدة حدثنا أبي عن الأعمش وعن طلحة عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب قال كان رسول الله صلى الله تعالى وعلى آله وسلم يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الأعلى إلخ وروه أيضًا من عدة طرق بدون ذكر القنوت (وأخرج أيضًا) رواية شعبة قال أخبرنا عمر ابن يزيد حدثنا بهز بن أسد حدثنا شعبة عن سلمة وزبيد عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يوتر بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) إلخ (وأخرج) رواية عبد الملك بن أبي سليمان قال أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا محمَّد بن عبيد حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان عن زبيد عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم يوتر بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) إلخ (وأخرج) رواية جرير قال أخبرنا حرمى بن يونس بن محمَّد حدثنا أبي حدثنا جرير قال سمعت زبيدًا يحدث عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى إلخ وليس في رواية منها ذكر القنوت (قوله وليس هو بالمشهور من حديث حفص إلخ) أي ليس ذكر القنوت مشهورًا من حديث حفص عن مسعر بل يخشى أن يكون ذكر القنوت فيه عن حفص عن غير مسعر فوهم الراوي عن حفص فذكر مسعرًا فمتابعة مسعر لفطر ضعيفة، وغرض المصنف من هذا كله تضعيف رواية القنوت في الوتر إلا في النصف

رد تضعيف أحاديث القنوت في الوتر

الأخير من رمضان. ومال إلى تضعيف أحاديث القنوت في الوتر أيضًا أحمد. قال ابن القيم قال أحمد لم يصح عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في قنوت الوتر قبل أو بعد شيء وقال الخلال أخبرني محمَّد بن يحيى أنه قال لأبي عبد الله في القنوت في الوتر فقال ليس يروي فيه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم شيء ولكن كان عمر يقنت من السنة إلى السنة اهـ وقد حكي البيهقي في سننه الكبري كلام المصنف، وأجاب عنه في الجوهر النقي، قال "باب من قال يقنت في الوتر قبل الركوع" ذكر يعني البيهقي فيه حديث عيسي بن يونس عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب ثم ذكر (عن أبي داود أن جماعة رووه عن ابن أبي عروبة وأن الدستوائي وشعبة روياه عن قتادة ولم يذكروا القنوت) قلت عيسي ابن يونس قال فيه أبو زرعة ثقة حافظ وقال ابن المديني بخ بخ ثقة مأمون وإذا كان كذلك فهو زيادة ثقة، وقد جاء له شاهد علي ما سنذكره إن شاء الله تعالى ثم أخرجه البيهقي من حديث عيسي ابن يونس عن فطر عن زبيد وعن سعيد بن عبد الرحمن بسنده ثم ذكر (عن أبي داود أن جماعة رووه عن زبيد لم يذكر أحد منهم القنوت إلا ما روي عن حفص بن غياب عن مسعر عن زبيد فإنه قال في حديثه وإنه قنت قبل الركوع وليس هو بالمشهور من حديث حفص نخاف أن يكون عن حفص عن غير مسعر) قلت العجب من أبي داود كيف يقول لم يذكر أحد منهم القنوت إلا ما روي عن حفص عن مسعر عن زبيد، وقد روى هو ذكر القنوت قبل الركوع من حديث عيسي بن يونس عن ابن أبي عروبة، ثم قال وروى عيسي بن يونس هذا الحديث أيضًا عن فطر عن زبيد عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي عن النبي عليه السلام مثله والبيهقي خرّج رواية فطر عن زبيد مصرحة بذكر القنوت قبل الركوع، ثم نقل الكلام أبي داود لم يتعب عليه. علي أن ذلك روي عن زبيد من وجه ثالث قال النسائي في سننه أنا علي بن ميمون ثنا ومخلد عن يزيد عن سفيان هو الثوري وعن زبيد عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بن كعب أنه عليه السلام كان يوتر بثلاث يقرأ في الأولى بـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) وفي الثانية بـ (قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وفي الثالثة بـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) ويقنت قبل الركوع، وابن ميمون وثقه أبو حاتم وقال النسائي لا بأس به، ومخلد وثقه ابن معين ويعقوب وبن سفيان وأخرج له الشيخان، وأخرج ابن ماجه أيضًا هذا الحديث بسند النسائي، فظهر بهذا أن ذكر القنوت عن زبيد زيادة ثقة من وجوه فلا يصير سكوت من سكت عنه حجة على من ذكره، وقد روي القنوت في الوتر قبل الركوع عن الأسود وسعيد بن جبير والنخعي وغيرهم، رواه عنهم ابن أبي شيبة في مصنفه بأسانيده وقال أيضًا ثنا أبو خالد الأحمر وعن أشعث عن الحكم عن إبراهيم قال كان عبد الله لا يقنت في السنة كلها في الفجر ويقنت في الوتر كل ليلة قبل الركوع، قال أبو بكر هو ابن أبي شيبة هذا القول

قنوت سيدنا عمر رضي الله عنه في الوتر: القنوت في النصف الأخير من رمضان

عندنا وقال أيضًا ثنا يزيد بن هارون ثنا هشام الدستوائي عن حماد هو ابن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمة أن ابن مسعود وأصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كانوا يقتنون في الوتر قبل الركوع، وهذا سند صحيح علي شرط مسلم، وفي الإشراف لابن منذر روينا عن عمر وعلي وابن مسعود وأبي موسي الأشعري وأنس والبراء بن عازب وابن عباس وعمر بن عبد العزيز وعبيدة وحميد الطويل وابن أبي ليلي أنهم رأوا القنوت قبل الركوع وبه قال إسحاق اهـ وروى محمَّد بن نصر عن الأسود قال صحبت عمر رضي الله عنه ستة أشهر فكان يقنت في الوتر وكان عبد الله يقنت في الوتر السنة كلها. وعن علي رضي الله عنه أنه كان يقنت في رمضان كله وفي غير رمضان في الوتر، وروى عن الأسود أن عمر بن الخطاب قنت في الوتر قبل الركوع وعن ابن مسعود أنه قنت في الوتر بعد القراءة قبل الركوع، وقال في "باب ما يدعى به في قنوت الوتر" وعن عطاء أنه سمع عبيد بن عمر يؤثر عن عمر بن الخطاب في القنوت اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم علي عدوك وعدوهم، اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك. اللهم خالف بين كلمهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ واللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يكفرك بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد ولك نسعي ونحفد، نرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد إن عذابك بالكفار ملحق، وفي لفظ كان يقول في القنوت فذكر مثله غير أنه قال ونثني عليك الخير وقال نترك ومن يفجرك إلى قوله ملحق وزاد هنا يقول هذا في الوتر قبل الركوع، ونحفد من باب ضرب أي نسرع في العمل والخدمة وملحق روي بكسر الحاء أي إن عذابك يلحق من نزل به من الكفار وقيل بمعنى لاحق وروي بفتحها أي يلحق بهم ويصابون به وفي القاموس الفتح أحسن أو هو الصواب. (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَيُرْوَى أَنَّ أُبَيًّا كَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ. (ش) أي يقنت في النصف الأخير من شهر رمضان، وذكره بصيغة التمريض لأن في سنده مجهولًا كما ذكره مسندًا بقوله. (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَمَّهُمْ -يَعْنِي فِي رَمَضَانَ- وَكَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. (ش) (هشام) بن حسان تقدم بالأول صفحة 243 و (محمَّد) بن سيرين (وفي هذا الأثر)

صلاة أبي بن كعب قيام رمضان بالناس

مجهول وهو أيضًا فعل صحابي فلا يحتج به عند الجمهور (والحديث) أخرجه البيهقي (ص) حَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَكَانَ يُصَلِّي لَهُمْ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَلاَ يَقْنُتُ بِهِمْ إِلاَّ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي فَإِذَا كَانَتِ الْعَشْرُ الأَوَاخِرُ تَخَلَّفَ فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ فَكَانُوا يَقُولُونَ أَبَقَ أُبَيٌّ. (ش) (هشم) بن بشير تقدم بالأول صفحة 201 (قوله جمع الناس علي أبي بن كعب) أي ليصلي بهم قيام رمضان، وسبب جمعهم عليه ما رواه البخاري عن عبد الله بن عبد القارئ قال خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر إني لو جمعت هؤلاء علي قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم علي أبيّ بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخري والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر نعمت البدعة هذه والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون، يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله (قوله وكان يصلي لهم إلخ) أي يصلي بهم صلاة التراويح عشرين ليلة ولا يقنت بهم في الوتر إلا في النصف الأخير من رمضان فكان يقنت بهم خمس ليال منه وينفرد في العشر الأخير، يؤيده ترجمة البيهقي لهذا الحديث باب من قال لا يقنت في الوتر إلا في النصف الأخير من رمضان، ولعل تخلفه في هذه الليالي ليتفرغ للعبادة تفرغًا تامًا تاسيًا به صلى الله عليه وعلي آله وسلم فإنه كان إذا دخل العشر الأواخر من رمضان شد مئزره وأيقظ أهله (قوله أبق أبيّ) أي هرب أبق العبد من باب ضرب وفي لغة من باب تعب وقتل إذا هرب من سيده من غير خوف ولا كد عمل والاسم الإباق والواحد آبق والجمع آباق مثل كافر وكفار، وكانوا يقولون ابق لكراهتهم تخلفه عنهم فلذا شبهوه بالعبد الآبق (والأثر) أخرجه أيضًا البيهقي وأخرجه محمَّد بن نصر عن الحسن بلفظ إن أبي بن كعب أم الناس في رمضان فكان لا يقنت في النصف الأول ويقنت في الآخر فلما دخل العشر أبق وخلى عنهم فصلى بهم معاذ القارئ. (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِى ذُكِرَ فِي الْقُنُوتِ لَيْسَ بِشَىْءٍ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يَدُلاَّنِ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ أُبَيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَنَتَ فِي الْوِتْرِ.

باب في الدعاء بعد الوتر

(ش) أي ما ذكر من أن أبيًا لم يقنت في الوتر إلا في النصف الأخير من رمضان يدل علي أن ما ذكر من القنوت في غير رمضان ليس بشيء. لكن ذلك لا يصلح للدلالة لأن الأثر في إسناده انقطاع فإن الحسن لم يدرك عمر لأنه ولد سنة أحدى وعشرين ومات عمر في أواخر سنة ثلاث وعشرين أو في أوائل أربع وعشرين (قوله وهذان الحديثان الخ) يريد أن أثري أبي المذكورين يدلان علي ضعف حديثه المرفوع الذي ظاهره أنه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم قنت في الوتر دائمًا. ولعل وجه تضعيفه أن عمل الصحابي علي خلاف مرويه يدل علي ضعف ما رواه، وأبي روى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قنت في الوتر في غير رمضان وعمل علي خلافه فلم يقنت إلا في النصف الأخير منه، لكن علمت أن أثري أبي ضعيفان فإن الأول فيه مجهول والثاني فيه انقطاع فلا يدلان علي ضعف المروي المرفوع (باب في الدعاء بعد الوتر) (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ نَا أَبِي عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ طَلْحَةَ الأَيَامِيِّ عَنْ ذَرٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سَلَّمَ فِي الْوِتْرِ قَالَ "سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ". (ش) مناسبة الحديث للترجمة أنه أراد بالدعاء ما يشمل الذكر، أو أن التسبيح والتقديس من الدعاء ففي الحديث (خير الدعاء دعائي ودعاء الأنبياء من قبلي وهو لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو علي كل شيء قدير) (رجال الحديث) (محمَّد بن أبي عبيدة) المسعودي الكوفي، روي عن أبيه وعنه إبراهيم النخعي وابن ابنه يحيي وأبو كريب ومحمد بن عبد الله بن نمير وغيرهم، وثقه ابن معين، وقال ابن عدي له غرائب وإفرادات ولا بأس به عندي وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة خمس ومأتين، روي له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه و(أبوه) عبد الملك ابن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي المسعودي الكوفي. روي عن أبي إسحاق الشيباني والأعمش، وعنه ابنه محمَّد وحسين بن ثابت وأحمد بن يحيى الأحول، وثقه ابن معين والعجلي، روي له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. و(طلحة الأيامي) بن مصرّف تقدم بالثاني صفحة 63، والأيامي نسبة إلى إيام بكسر الهمزة وضمها وتخفيف الياء بوزن كتاب وغراب بطن من همدان و(ذر) بفتح الذال المعجمة ابن عبد الله تقدم بالثالث صفحة 163.

مذاهب العلماء في قضاء الوتر

(معنى الحديث) (قوله كان إذا سلم في الوتر الخ) أي كان من عادته صلى الله تعالى عليه وعلي آله إذا سلم من الوتر قال هذه الكلمات. وزاد النسائي كان يقولها ثلاث مرات يرفع بها صوته (قوله سبحان الملك القدوس) أي أنزه الله تنزيهًا عن كل نقص. والقدوس صيغة مبالغة من التقديس وهو التطهير عن العيوب. (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي تحت ترجمة التسبيح بعد الفراغ من الوتر" والبيهقي في باب ما يقول بعد الوتر، وأخرجه محمَّد بن نصر مطولًا بلفظ تقدم في الباب قبله. (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ نَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ الْمَدَنِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرِهِ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إِذَا ذَكَرَهُ". (ش) هذا الحديث غير مطابق للترجمة، ولعل المصنف وضعه تحت ترجمة "باب من نام عن وتر أو نسيه" فسقطت من النساخ (قوله من نام عن وتره) أي عن صلاة الوتر حتى طلع الفجر (قوله فليصله إذا ذكره) أي أو استيقظ كما صرح به في رواية الترمذي وغيره كما يأتي في تخريج الحديث فالتذكر راجع للنسيان والاستيقاظ راجع للنوم (والحديث) من أدلة القائلين بوجوب الوتر وقد قدم الكلام علي ذلك في باب من لم يوتر وفيه دلالة علي مشروعية قضاء الوتر. وبه قال جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم منهم سعد بن أبي وقاص وعلي وابن مسعود وابن عمر وعبادة بن الصامت وعامر بن ربيعة وأبو الدرداء ومعاذ بن جبل وفضالة بن عبيد وابن عباس: وعمرو بن شرحبيل وعبيدة السلماني وإبراهيم النخعي ومحمد بن المنتشر وأبو العالية: والثوري وأبو حنيفة ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق، واختلف في وقت قضائيه ابن عباس ومسروق والحسن البصري وإبراهيم النخعي ومكحول وقتادة ومالك وأحمد وإسحاق وأبو خيثمة يقضي بعد الفجر ما لم تصل الصبح قال الترمذي روي عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه قال لا وتر بعد صلاة الصبح وهو قول غير واحد من أهل العلم وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق لا يرون الوتر بعد صلاة الصبح اهـ يدل لهم ما أخرجه البيهقي عن ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم أصبح فأوتر وما أخرجه ابن نصر من طريق أبي عاصم حدثنا ابن جبير أخبرنا زياد أن أبا نهيك أخبره أن أبا الدرداء كان يخطب الناس فيقول لا وتر لمن أدركه الصبح، قال فانطلق رجال إلى عائشة فأخبروها فقالت كذب أبو الدرداء كان النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يصبح فيوتر، وقول

عائشة هذا أخرجه أحمد والطبراني في الأوسط. ويؤيده ما أخرجه الحاكم وصححه والبيهقي عن أبي الدرداء، قال ربما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويوتر وقد قام الناس لصلاة الصبح وما أخرجه ابن نصر عن أبي التياح عن رجل من عزة عن رجل من بني أسد قال خرج عليّ حين ثوب المثوب لصلاة الصبح فقال إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمرنا بالوتر وإنه أثبت وتره في هذه الساعة، وما رواه أيضًا عن عبادة أنه خرج يومًا لصلاة الفجر فلما رآه المؤذن أخذ في الإقامة فقال عبادة كما أنت ولم يكن أوتر فأوتر وصلى ركعتين قبل الفجر ثم أمره فأقام وصلى. وما أخرجه أيضًا عن عكرمة قال تحدث عن ابن عباس رجال من أصحابه حتى تهور الليل ثم خرجوا وغلبته عينه فما استيقظ حتى استيقظ بأصوات أهل البيقع وذلك بعد ما أصيب بصره فقال لي تراني أستطيع أن أصلي العشاء أربعًا قلت نعم فصلى ثم قال أقرانه أستطيع أن أوتر بثلاث قلت نعم فأوتر فقال أتراني أستطيع أن أصلي الركعتين قبل الغداة قلت نعم فصلاهما ثم صل الغداة وذكر ابن نصر آثارًا كثيرة عن الصحابة وغيرهم أنهم كانوا يوترون بعد الفجر وقبل الصلاة، وقال والذي أقول وبه إنه يصلي الوتر ما لم يصل الغداة فإذا صلى الغداة فليس عليه أن يقضيه بعد ذلك، وإن قضاه على ما يقضي التطوع فحسن، وقد صلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم الركعتين قبل الفجر بعد طلوع الشمس في الليلة التي نام فيها عن صلاة الغداة حتى طلعت الشمس وقضى الركعتين اللتين كان يصليهما بعد الظهر بعد العصر في اليوم الذي شغل فيه عنهما، وقد كانوا يقضون صلاة الليل إذا فاتهم بالليل نهارًا فذلك حسن وليس بواجب اهـ. وقال النخعي يقضي الوتر ما لم تطلع الشمس ولو بعد صلاة الصبح، وقال الشعبي والحسن وطاوس ومجاهد وحماد بن أبي سليمان إن الوتر يقضي بعد الصبح وبعد طلوع الشمس إلى الزوال، وهو مروي أيضًا عن ابن عمر، وفرق ابن حزم بين من تركه لنوم أو نسيان أوتركه عمدًا: قال فإن تركه لنوم أو نسيان قضاه إذا تذكر أو استيقظ في أي وقت كان ليلًا أو نهارًا وإن تركه عمدًا فلا قضاء عليه، ومشهور مذهب الشافعية أنه يقضي أبدًا ليلًا أو نهارًا، وعن الشافعي أنه يقضي بعد الفجر ما لم تصل الصبح وعن سعيد بن جبير إذا اطلع الفجر فلا يقضي نهارًا ويقضي في الليلة القابلة، وذكر ومحمد بن نصر عنه إذا طلع الفجر فلا وتر كيف تستطيع أن تجعل عمل الليل في عمل النهار وحكي عن الأوزاعي أنه لا يقضيه بعد الصبح حتى تطلع الشمس فيقضيه نهارًا حتى يصلي العصر فلا يقضيه بعده ويقضيه بعد المغرب إلى العشاء ولا يقضيه بعد العشاء لئلا يجمع بين وترين في ليلة ولئلا يصير وتره شفعًا. وقال محمَّد بن نصر رأى بعضهم أن الفجر إذا طلع فقد ذهب وقت الوتر ولا يقضي بعد ذلك ولأنه ليس بفرض وإنما يصلي في وقته فإذا ذهب وقته لم يقض علي ما روينا عن عطاء وغيره اهـ. وذهب الحنفيون إلى أنه يقضي

باب في الوتر قبل النوم

فيما عدا الأوقات الناقصة وهي وقت طلوع الشمس حتى ترتفع كريح ووقت استوائها حتى تزول ووقت اصفرارها حتى يتم الغروب والراجح قضاؤه مطلقًا في أي وقت كان إلا في أوقات النهي أخذًا بظاهر الحديث جمعًا بين الأدلة. والحديث وإن كان خاصًا بالنائم والساهي فقضاء العامد بالطريق الأولى كما عليه الجمهور في قضاء المكتوبة "وأما ما رواه ابن نصر" من طريق أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال نادى منادي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم لا وتر بعد الفجر وفي رواية من أدركه الصبح فلا وتر له "فهو ضعيف" لأنه من طريق أبي هارون العبدي وقد ضعفه غير واحد، وقال النسائي متروك الحديث. وقال الجوزجاني كذاب مفتر. وقال ابن حبان كان يروي عن أبي سعيد ما ليس من حديثه لا يحل كتب حديثه إلا علي جهة التعجب "وما رواه" الترمذي من طريق سليمان وبن موسي عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وعلي آله وسلم قال إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر فأوتروا قبل طلوع الفجر "قال الترمذي" قد تفرد به سليمان بن موسي علي هذا اللفظ اهـ. وقال البخاري عنده مناكير وقال النسائي ليس بالقوي وقال ابن عدي روي أحاديث ينفرد بها لا يرويها غيره اهـ. فيكون الحديث ضعيفًا فلا يقوى علي معارضة حديث الباب (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه والترمذي من طريق عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم عن أبيه عن عطاء. وعبد الرحمن ضعيف، ولذا أخرجه الترمذي مرسلًا من طريق عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم قال من نام عن وتره فليصل إذا أصبح ثم قال وهذا أصح من الحديث الأول. قال وقد ذهب بعض أهل العلم بالكوفة إلى هذا الحديث فقالوا يوتر الرجل إذا ذكر وإن كان بعد ما طلعت الشمس اهـ وأخرجه الحاكم بلفظ من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا أصبح أو ذكره وقال صحيح علي شرط الشيخين، وأخرجه ابن نصر من طريق وكيع عن عبد الرحمن بن زيد بلفظ من نام عن الوتر أو نسيه فليوتر إذا ذكر أو استيقظ، ثم قال عبد الرحمن بن زيد لا يحتج بحديثه اهـ وإعلال الحديث بضعف عبد الرحمن قد زال بمتابعة محمَّد بن مطرف في رواية المصنف والحاكم وعبد الله بن زيد في رواية الترمذي. (باب في الوتر قبل النوم) أي في بيان مشروعية الوتر قبل النوم ولا سيما لمن لا يثق الانتباه. (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى نَا أَبُو دَاوُدَ نَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -مِنْ أَزْدِ

الترغيب في صلاة الضحى وصيام ثلاثة أيام من كل شهر

شَنُوءَةَ- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَوْصَانِي خَلِيلِي -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِثَلاَثٍ لاَ أَدَعُهُنَّ فِي سَفَرٍ وَلاَ حَضَرٍ رَكْعَتَيِ الضُّحَى وَصَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ وَأَنْ لاَ أَنَامَ إِلاَّ عَلَى وِتْرٍ. (ش) (رجال الحديث) (ابن المثني) هو محمَّد تقدم بالأول ص 68، وكذا (أبو داود) الطيالسي ص 273 و (أبو سعيد) الأزدهي أزد شنوءة كما في المصنف، روي عن أبي هريرة وعنه قتادة، ذكره ابن حبان في الثقات روي له أبو داود والترمذي وابن ماجه. (معنى الحديث) (قوله أوصاني خليلي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم بثلاث) يعني بثلاث خصال من خصال الخير. والخليل الصديق الذي تخللت محبته القلب، وأراد أبوهريرة بالخلة مجرد الصحبة والمحبة فلا يقال إن الخلة لا تتم حتى تكون من الجانبين فيكون منافيًا لقوله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم لو كنت متخذًا خليلًا غير ربي لأتخذت أبا بكر خليلًا (قوله لا أدعهن في سفر ولا حضر) وفي رواية البخاري لا أدعهن حتى أموت، وفي رواية النسائي لا أدعهن إن شاء الله أبدًا، وهو من كلام أبي هريرة، وأتى به حرصًا على ما أوصاه به صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم ويحتمل أن يكون من جملة الوصية أي أوصاني بثلاث وأوصاني أن لا أدعهن (قوله ركعتي الضحى الخ) بيان للثلاث، وفي رواية أحمد ركعتي الضحى في كل يوم، وذكر الركعتين لأنهما أقل ما يكون فيها، ويحتمل أنه أراد بالركعتين صلاة الضحى مطلقًا أعم من أن تكون ركعتين أو أكثر كما صرح بذلك في رواية للبخاري أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت صوم ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى (الحديث) (قوله وصوم ثلاثة أيام من الشهر) يحتمل أن يراد بها الأيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ويحتمل أن يراد بها ثلاثة من الشهر مطلقًا متتابعة أم لا، وقيل يوم من أوله ويوم من آخره ويوم من وسطه، وقيل يوم من أول كل عشرة (قوله وأن لا أنام إلا علي وتر) وفي نسخة إلا عن وتر وفي رواية للبخاري من طريق أبي عثمان الهدي ونوم علي وتر، وفي رواية له عن أبي التياح وأن أوتر قبل أن أنام، وأوصاه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بذلك لعلمه بأنه الأليق بحالة فلا ينافي أن الأفضل تأخير الوتر إلى آخر الليل. وقال ابن حجر سببه أنه رضي الله عنه كان يشتغل أول الليل باستحضار محفوظاته من الأحاديث الكثيرة التي لم يسايره في حفظ مثلها أكثر الصحابة فكان يمضي عليه جزء كبير من أول الليل فلم يكد يطمع في الاستيقاظ آخره فأمره صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم بتقديم الوتر لذلك اهـ

وصية النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأبي الدرداء

واقتصر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الوصية على الصلاة والصوم لأنهما أشرف العبادات البدنية، وخصت الصلاة بشيئين لأنها تقع ليلًا ونهارًا وخصت الضحى لأنها تجزئ عن الصدقات التي تطلب علي مفاصل الإنسان في كل يوم كما تقدم، وخص الوتر لأنه أكد السنن (فقه الحديث) دل الحديث علي تأكد استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان. قال الحافظ في الفتح وعدم مواظبته صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم علي فعلها لا ينافي استحبابها لأنه حاصل بدلالة القول وليس من شرط الحكم أن تتظافر عليه أدلة القول والفعل، لكن ما واظب النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم علي فعله مرجح علي ما لم يواظب عليه اهـ ودل الحديث علي فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر. والحكمة في ذلك تمرين النفس علي الصيام لتدخل في الواجب منه بانشراح ولينجبر به ما لعله يقع من نقص في الفرض ودل علي استحباب تقديم الوتر على النوم لكن ذلك في حق من لم يثق بالاستيقاظ آخر الليل وإلا فالأفضل تأخيره لحديث اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وترًا. (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي وابن نصر. (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ نَا أَبُو الْيَمَانِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ السَّكُونِيِّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ "أَوْصَانِي خَلِيلِي -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِثَلاَثٍ لاَ أَدَعُهُنَّ لِشَىْءٍ أَوْصَانِي بِصِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَلاَ أَنَامُ إِلاَّ عَلَى وِتْرٍ وَبِسُبْحَةِ الضُّحَى فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ. (ش) (رجال الحديث) (أبو اليمان) الحكم بن نافع البهراني مولاهم الحمصي روي عن شعيب بن أبي حمزة وحريز بن عثمان وصفوان بن عمرو وسعيد بن عبد العزيز وآخرين وعنه البخاري وعبد الوهاب بن نجدة والذهلي وأبو مسعود الرازي وأبو حاتم وجماعة. وثقه ابن عمار وقال العجلي لا بأس به وقال أبو حاتم نبيل ثقة صدوق قيل مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين، روى له الجماعة، و(أبو إدريس السكوني) الحمصي، روي عن جبير بن نفير، وعنه صفوان بن عمرو ولم يرو عنه غيره كما جزم به ابن القطان وقال حاله مجهولة، وقال الذهبي روى عنه غير صفوان بن عمر وفهو شيخ محله الصدق اهـ قال الحافظ قول الذهبي هذا لا يوافقه عليه من يبتغي علي الإِسلام مزيد العدالة بل هذه الصفة هي صفة المستورين الذين اختلفت الأئمة في قبول أحاديثهم اهـ

الأفضل تأدية الوتر أول الليل لمن خاف ألا يقوم آخره، وتأخيره لمن وثق بالانتباه

(معنى الحديث) (قوله لا أدعهن بشيء) أي بسبب أي مانع من الموانع، وفي نسخة لا أدعهن لشيء، وهو كناية عن عدم اشتغاله عن هذه الثلاثة بحال، ففيه التأكيد علي المحافظة عليهن (قوله وبسبحة الضحى) أي نافلة الضحى. (والحديث) أخرجه أيضًا ابن نصر، وكذا مسلم من طريق الضحاك بن عثمان عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبي مرة مولي أم هانئ عن أبي الدرداء قال أوصاني حبيبي بثلاث لن أدعهن ما عشت بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى وبأن لا أنام حتى أوتر (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ نَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ السَّيْلَحِينِيُّ نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأَبِي بَكْرٍ "مَتَى تُوتِرُ" قَالَ أُوتِرُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ. وَقَالَ لِعُمَرَ "مَتَى تُوتِرُ". قَالَ آخِرَ اللَّيْلِ. فَقَالَ لأَبِي بَكْرٍ "أَخَذَ هَذَا بِالْحَزْمِ". وَقَالَ لِعُمَرَ "أَخَذَ هَذَا بِالْقُوَّةِ". (ش) (أبو زكريا) يحي بن إسحاق تقدم بالسابع ص 258 و (السيلحيني) نسبة إلى سيلحين موضع قرب بغداد بين الكوفة والقادسية. و (ثابت) بن أسلم البناني تقدم بالثاني صفحة 245 (وأبو قتادة) الحارث بن ربعي تقدم بالأول ص 120 (قوله متي توتر الخ) أي في أي وقت من أوقات الليل توتر، فقال أوتر في أول الليل، وفي رواية الحاكم أوتر قبل أن أنام (قوله أخذ هذا بالحزم) بالزاي والميم أي بالضبط والاحتياط يقال حزم الرجل أمره ضبطه وفي بعض النسخ أخذ هذا بالحذر بالذال المعجمة والراء وهي بمعنى الأولى، وفيه التفات من الخطاب إلى الغيبة، وقد جاء في رواية الحاكم علي الأصل فقال بالحزم أخذت (قوله أخذ هذا بالقوة) أي بقوة العزيمة علي القيام آخر الليل، وفي رواية ابن نصر عن ابن عمر فقال فعل القوي أخذت، وفي رواية له فعل القوي أخذت، وفي رواية له فعل مؤمن قوي أخذت، وفي هذا دلالة علي أن الأفضل لمن عمل أنه لا يقوى على القيام آخر الليل أن يوتر أوله، وأن الأفضل لمن قوي علي القيام آخر الليل أن يوتر آخره، قال عمر بن الخطاب إن الأكياس الذين يوترون أول الليل وأن الأقوياء الذين يوترون آخر الليل وهو الأفضل، وقد جاء في الوتر قبل النوم أحاديث، فقد روي ابن نصر عن الأشعت بن قيس عن عمر بن الخطاب قال يا أشعت احفظ عني شيئًا سمعته من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم: لا تسألن رجلًا فيم ضرب امرأته، ولا تنامن إلا على وتر، وروى أيضًا عن عليّ نهاني أن أنام إلا على وتر، وروي عن ميمون بن مهران قال مثل

باب في وقت الوتر

الذي يوتر في أول الليل وآخر الليل مثل رجلين خرجًا في سفر فلما أمسيا مرّا بقرية قال أحدهما أنزل في هذه القرية فأكون في حصن حصين، وقال الآخر أتقدم فأقطع عني من الطريق فآتى قرية كذا وكذا فأبيت فربما أدرك المنزل وربما لم يدركه. (والحديث) أخرجه ايضًا الحاكم والبيهقي، ورواه ابن نصر ابن عمر، وأخرجه الطبراني في الأوسط والبزار عن أبي هريرة، قال سأل النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم أبا بكر كيف توتر قال أوتر أول الليل قال حذر كيس، ثم سأل عمر كيف توتر قال من آخر الليل قال قوي معان، وأخرجه ابن ماجه وأحمد والترمذي ومسلم وابن نصر عن جابر واللفظ له: قال عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر أن رسول الله صلى الله تعالى وعلي آله وسلم قال من خاف منكم ألا يستيقظ آخر الليل فليوتر أول الليل وليرقد، ومن طمع منكم أن يصلي من آخر الليل فليقم من آخر الليل فإن قراءة آخر الليل محضورة وذلك أفضل. (باب في وقت الوتر) (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ مَتَى كَانَ يُوتِرُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ كُلَّ ذَلِكَ قَدْ فَعَلَ أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَوَسَطَهُ وَآخِرَهُ وَلَكِنِ انْتَهَى وِتْرُهُ حِينَ مَاتَ إِلَى السَّحَرِ. (ش) (أبو بكر بن عياش) اسمه محمَّد أوسالم أو عبد الله تقدم بالسادس صفحة 137 و (مسلم) بن صبيح الهمداني تقدم بالخامس صفحة 107 (قوله كل ذلك قد فعل) أي في كل أوقات الليل قد أوتر. وكل بالنصب مفعول مقدم لفعل، أو مبتدأ خبره جملة فعل (قوله ولكن انتهى وتره الخ) صريح في أن آخر وعمله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم تأخير الوتر إلى آخر الليل وأنه الأفضل، وقد جاء في وتره آخر الليل أحاديث كثيرة، منها ما رواه ابن ماجه من حديث شعبة عن عاصم بن ضمرة عن علي قال من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم من أوله وأوسطه وانتهي وتره إلى السحر. ومنها ما أخرجه ابن نصر عن الحارث بن معاوية أنه وفد إلى عمر بن الخطاب فقال إني قدمت أسألك عن الوتر في أول الليل أم في وسطه أم في آخره؟ فقال له ذلك قد عمل به النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم ولكن أثبت أمهات المؤمنين فسلهن فإنهن أبطن بما كان يصنع من ذلك من غيرهن

كيفية القراءة فيه

فأتاهن فسألهن عن ذلك فقلن له كل ذلك قد عمل به النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم وقد قبض حين قبض وهو يوتر في آخر الليل، وقوله أبطن من بطن الأمر إذا عرف باطنه وداخله. والمعني أنهن أعرف بما كان يصنعه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم في الوتر. وفي هذه الأحاديث دلالة علي أن الليل كله وقت الوتر، لكن أوله بعد صلاة العشاء عند الجمهور كما تقدم، وعند أبي حنيفة وقته وقت العشاء لما تقدم من قوله صلى الله عليه تعالى وعلي آله وسلم إن الله تعالى قد أمدكم بصلاة وهي خير ولكم من حمر النعم وهي الوتر فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر رواه المصنف في باب استحباب الوتر، لكن قال لا يقدم الوتر عند التذكر علي صلاة العشاء للترتيب فلوقدمه ناسيًا لا يعيده وكذا لوصلاها بلا طهارة ثم نام فقام توضأ وصلى الوتر ثم تذكر أنه صلى العشاء بلا طهارة أعادها دونه، وحكي عن بعض أصحاب الشافعي أنه يدخل وقته بمغيب الشفق ولو لم تصل العشاء لكنه ضعيف كما صرح بذلك العراقي وغيره من الشافعية. (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والشيخان والترمذي والنسائي والبيهقي وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ نَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ". (ش) (ابن أبي زائدة) يحيى بن زكريا تقدم بالأول صفحة 71 (قوله بادروا الصبح بالوتر) أي أسرعوا إلى أداء الوتر قبل أن يطلع الفجر. وفي رواية الترمذي وغيره عن أبي سعيد أنه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم قال أوتروا قبل أن تصبحوا، وفي هذه دلالة علي تأكد إيقاع الوتر في وقته وأنه يخرج وقته بطلوع الفجر. (والحديث) أخرجه أيضًا الترمذي والحاكم ومسلم وابن نصر. (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ رُبَّمَا أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَرُبَّمَا أَوْتَرَ مِنْ آخِرِهِ. قُلْتُ كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَتُهُ أَكَانَ يُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ أَمْ يَجْهَرُ قَالَتْ كُلَّ ذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ رُبَّمَا أَسَرَّ وَرُبَّمَا جَهَرَ وَرُبَّمَا اغْتَسَلَ فَنَامَ وَرُبَّمَا تَوَضَّأَ فَنَامَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ غَيْرُ قُتَيْبَةَ تَعْنِي فِي الْجَنَابَةِ.

الحث على ختم صلاة الليل بالوتر. من قال بجواز نقض الوتر

(ش) (قوله كيف كانت قراءته) أي في صلاة الليل (قوله وربما اغتسل فنام الخ) أي كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أجنب اغتسل فنام أو توضأ ونام ولم يغتسل فكان هذا في الجنابه كما ذكره المصنف عن غير قتيبة، وترك السؤال عن الجنابة هنا وصرح به في رواية مسلم قال قلت كيف كان يصنع في الجنابة أكان يغتسل قبل أن ينام أم ينام قبل أن يغتسل؟ قالت كل ذلك قد كان يفعل: ربما اغتسل فنام وربما توضأ فنام، قلت الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، وتقدم نحوه للمصنف بصفحة 293 من الجزء الثاني (قوله وقال غير قتيبة الخ). أي أن غير قتيبة زاد في آخر الحديث تعني في الجنابة أي أن عائشة لم تذكر لفظ الجنابة في الاغتسال ولكنها تريد اغتسال الجنابة. (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والترمذي. وتقدم للمصنف في باب الجنب يؤخر الغسل مطولًا عن غضيف بن الحارث. (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا". (ش) (يحي) القطان. و (عبيد الله) بن عمر بن حفص تقدم بالأول صفحة 271 (قوله اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا) الأمر فيه للندب عند الجمهور. وفيه دلالة على استحباب ختم صلاة الليل بالوتر. واحتج به من قال يجوز لمن أوتر نقض وتره الأول بأن يضيف إليه ركعة أخرى ثم يصلي ما بدًا له ثم يوتر آخر صلاته عملًا بهذا الحديث: قالوا فإذا أوتر ثم نام ثم قام فلم يشفع وتره وصلى مثنى مثنى ولم يوتر في آخر صلاته كان قد جعل آخر صلاته شفعًا لا وترًا، فيكون فيه مخالفة لهذا الحديث. وممن قال به إسحاق. وروى الشافعي عن عليّ قال الوتر ثلاثة أنواع فمن شاء أن يوتر أول الليل أوتر فإن استيقظ فشاء أن يشفعها بركعة ويصلي ركعتين ركعتين حتى يصبح ثم يوتر فعل، وإن شاء صلى ركعتين ركعتين حتى يصبح، وإن شاء أوتر آخر الليل. وروى أحمد عن ابن عمر أنه كان إذا سئل عن الوتر قال أما أنا فلو أوترت قبل أن أنام ثم أردت أن أصلي بالليل شفعت بواحدة ما مضى من وترى ثم صليت مثنى مثنى فإذا قضيت صلاتي أوترت بواحدة لأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمرنا أن نجعل آخر صلاة الليل الوتر. وفعله أيضًا عثمان كما ذكره عنه ابن نصر قال إني إذا أردت أن أقوم من الليل أوترت بركعة فإذا قمت ضممت إليها ركعة فما شبهتها إلا بالغريبة من الإبل تضم إلى الإبل. وروى أيضًا عن أبي مجلز أن ابن عباس قال أما أنا فلو أوترت ثم قمت وعليّ ليل لم أبال

باب في نقض الوتر أي في عدم جواز إبطاله. من قال بهذا

أن أشفع إليها بركعة ثم أصلي بعد ذلك ما بدًا لي ثم أوتر بعد ذلك، وفي رواية إذا أوتر الرجل من أول الليل ثم أراد أن يصلي شفع وتره بركعة ثم صلى ما بدًا له ثم يوتر من آخر صلاته اهـ وسنذكر كلام الفريق الآخر في الباب الآتي إن شاء الله تعالى. (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري ومسلم والنسائي ومحمد بن نصر والترمذي وكذا الحاكم عن ابن عمر كان يقول من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وترًا فإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بذلك، فإذا كان الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر فإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أوتروا قبل الفجر. (باب في نقض الوتر) أي في عدم جواز إبطال الوتر الذي صلى أول الليل (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا مُلاَزِمُ بْنُ عَمْرٍو نَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَدْرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ قَالَ زَارَنَا طَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ في يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَأَمْسَى عِنْدَنَا وَأَفْطَرَ ثُمَّ قَامَ بِنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَأَوْتَرَ بِنَا ثُمَّ انْحَدَرَ إِلَى مَسْجِدِهِ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا بَقِيَ الْوِتْرُ قَدَّمَ رَجُلًا فَقَالَ أَوْتِرْ بِأَصْحَابِكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "لاَ وِتْرَانِ في لَيْلَةٍ". (ش) (قوله زارنا طلق بن علي) يعني أباه وفي رواية النسائي زارنا أبي طلق بن علي (قوله ثم قام بنا تلك الليلة الخ) أي صلى بنا صلاة القيام والوتر تلك الليلة ثم انحدر يعني خرج إلى المسجد الذي كان يصلي فيه إمامًا فالإضافة في مسجده لأدنى ملابسة (قوله فصلى بأصحابه) ظاهرة أنه صلى بهم الفرض والقيام فيكون فيه اقتداء المفترض بالمتنفل. وتقدم بيانه (قوله لا وتران في ليلة) أي لا يجتمع أولا يجوز وتران في ليلة فوتران فاعل لفعل محذوف. ويحتمل أن لا عاملة عمل ليس أو عمل إن على لغة من يلزم المثنى الألف في الأحوال الثلاثة. والنفي بمعنى النهي فكأنه قال لا توتروا مرتين في ليلة. وفي هذا دليل على أنه لا يجوز إبطال الوتر بعد صلاته. وبه قال أكثر العلماء من السلف واختلف. وممن قال به طلق راوى الحديث وأبو بكر وعمار بن ياسر ورافع بن خديج وأبوهريرة وعائشة وغيرهم من الصحابة. ومن التابعين سعيد ابن المسيب وعلقمة والشعبي وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ومكحول والحسن البصري رواه ابن أبي شيبة عنهم في مصنفه ومن الأئمة سفيان النورى ومالك وأحمد وابن المبارك

كما رواه الترمذي عنهم وقال إنه أصح، ورواه العراقي عن الأوزاعي والشافعي وأبي ثور وحكاه القاضي عياض عن كافة أهل الفتيا: وقالوا إن من أوتر أول الليل ثم قام يتهجد يصلي شفعًا شفعًا حتى يصبح ولا يعيد الوتر لأن الرجل إذا أوتر أول الليل فقد قضى وتره فإذا هو نام بعد ذلك ثم قام وتوضأ وصلى ركعة أخرى فهذه صلاة غير تلك الصلاة وغير جائز في النظر أن تتصل هذه الركعة بالأولى التي صلاها أول الليل فلا يصيران صلاة واحدة وبينهما نوم وحدث ووضوء وكلام إنما هما صلاتان متباينتان كل واحدة غير الأخرى، فمن فعل ذلك فقد أوتر ثلاث مرات: مرة في أول الليل ومرة بهذه الركعة التي نقض بها الوتر ثم إذا هو أوتر آخر صلاته صار موترًا مرة ثالثة، وخالف حديث اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا لأنه جعله في أول الليل ووسطه وآخره، وخالف حديث لا وتران في ليلة لأنه أوتر ثلاث مرات هذا وقد تقدم أن الأمر في حديث اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا للندب لحديث عائشة الطويل عند مسلم وفيه فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليمًا يسمعنا ثم يصلي ركعتين وهو جالس، وتقدم للمصنف نحوه في "باب صلاة الليل" وحديث أم سلمة كان يصلي بعد الوتر ركعتين رواه الترمذي، وحديث أبي أمامة عند أحمد كان يصليهما بعد الوتر وهو جالس يقرأ فيهما (إِذَا زُلْزِلَتِ) و (قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ). وذكر ابن نصر آثارًا تدل على أن الوتر لا ينقض فقال سئلت عائشة عن الرجل يوتر ثم يستيقظ فيشفع بركعة ثم يوتر بعد قالت ذاك الذي يلعب بوتره. وعن أبي هريرة إذا صليت العشاء صليت بعدها خمس ركعات ثم أنام فإن قمت صليت مثنى مثنى وإن أصبحت أصبحت على وتر. وسئل رافع بن خديج عن الوتر فقال أما أنا فإني أوتر من أول الليل فإن رزقت شيئًا من آخره صليت ركعتين ركعتين حتى أصبح. وعن علقمة إذا أوترت ثم قمت فاشفع حتى تصبح. وعن جعفر قال سألت ميمونًا عن الرجل يوتر من آخر الليل وهو يرى أنه قد دنا الصبح فينظر فإذا عليه ليل طويل فأيهما أحب إليك؟ أيجلس حتى يصبح بعد وتره أم يصلي مثنى مثنى فقال لا، بل يصلي مثنى مثنى حتى يصبح. وقيل للأوزاعى فيمن أوتر في أول الليل ثم استيقظ آخر ليلته أله أن يشفع وتره بركعة ثم يصلي شفعًا شفعًا حتى إذا تخوف الفجر أوتر بركعة فكره ذلك وقال بل يصلي بقية ليلته شفعًا شفعًا حتى يصبح وهو على وتره الأول. وقال مالك من أوتر من أول الليل ثم نام ثم قام فبدا له أن يصلي فليصل مثنى مثنى وهو أحب ما سمعت إليّ. وسئل أحمد فيمن أوتر أول الليل ثم قام يصلي قال يصلي ركعتين قيل وليس عليه وتر قال لا. وما ذكره هؤلاء هو الراجح. قال ابن نصر هو أحب إليّ وإن شفع وتره اتباعًا للأخبار التي رويناها رأيته جائزًا اهـ

باب القنوت في الصلوات

(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي وابن نصر وابن حبان وصححه الترمذي وقال حسن غريب. (باب القنوت في الصلوات) (ص) حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أُمَيَّةَ نَا مُعَاذٌ -يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ- حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ وَاللَّهِ لأُقَرِّبَنَّ بِكُمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ وَصَلاَةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ وَصَلاَةِ الصُّبْحِ فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكَافِرِينَ. (ش) (هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي تقدم بالأول ص 114 (قوله لأقربن بكم صلاة رسول الله) وفي نسخة لأقربن لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني لأبينها لكم بيانًا فعليًا فأصلي شبه صلاته. وفي رواية الإسماعيلي إني لأقربكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وفي رواية الطحاوي لأرينكم (قوله يقنت في الركعة الآخرة) هومحتمل لأن يكون قبل الركوع أو بعده. وفي رواية البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقنت بعد الركوع (قوله وصلاة العشاء الآخرة) وفي رواية لأحمد وصلاة العصر مكان صلاة العشاء الآخرة (قوله ويدعو للمؤمنين) يعني المستضعفين والمأسورين منهم. وبين لهم بالفعل دون القول لأن البيان الفعلي أثبت من البيان القولي. (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي والدارقطني. (ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ ح وَنَا ابْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنِي أَبِي قَالُوا كُلُّهُمْ نَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ زَادَ ابْنُ مُعَاذٍ وَصَلاَةِ الْمَغْرِبِ. (ش) (أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي تقدم بالأول صفحة 319. و(ابن معاذ) عبيد الله تقدم بالثاني صفحة 115، وكذا (أبوه) معاذ بن معاذ التيمي صفحة 116 (قوله قالوا كلهم) أي قال أبو الوليد ومسلم وحفص ومعاذ حدثنا شعبة بن الحجاج. و(ابن أبي ليلى) عبد الرحمن تقدم بالثاني ص 34 (قوله زاد ابن معاذ وصلاة المغرب) أي زاد عبد الله بن معاذ في روايته قوله وصلاة المغرب أي كان يقنت أيضًا في صلاة المغرب. وفي

دعاء النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للمستضعفين

هذا دلالة على مشروعية القنوت في هاتين الصلاتين ويأتي تمام الكلام عليه إن شاء الله تعالى (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد ومسلم والترمذي والنسائي والطحاوي والبيهقي. (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا الْوَلِيدُ نَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَنَتَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- في صَلاَةِ الْعَتَمَةِ شَهْرًا يَقُولُ في قُنُوتِهِ "اللهُمَّ نَجِّ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللهُمَّ نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ". قَالَ أَبُوهُرَيْرَةَ وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمْ يَدْعُ لَهُمْ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ "وَمَا تَرَاهُمْ قَدْ قَدِمُوا". (ش) (الوليد) بن مسلم تقدم بالثاني صفحة 51 وما قيل إن الصواب أو الوليد كما في رواية ابن داسة وابن الأعرابي خطأ فقد أخرج البيهقي الحديث في السنن الكبرى من طريق ابن داسة قال أخبرنا أبو على الروذباري أنبأ محمَّد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ثنا الوليد وابن مسلم ثنا الأوزاعي فذكره بإسناده قال قنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في صلاة العتمة شهرًا الحديث فقد صرح بأنه الوليد بن مسلم، وكذا في سند الطحاوي و(الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو تقدّم بالثاني صفحة 290 (قوله في صلاة العتمة) يعني صلاة العشاء الآخرة. وفي رواية مسلم من طريق الوليد بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قنت في صلاته شهرًا ولم يقيدها بالعشاء لكن المطلق يحمل على المقيد حيث إن الراوي واحد (قوله يقول في قنوته الخ) بيان لما قنت به. وفي رواية للبخاري عن أبي هريرة أيضًا أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد اللهم نجّ الوليد الخ (قوله اللهم نج الوليد) وفي نسخة أنج الوليد بقطع الهمزة وهي رواية مسلم أي خلصه يقال نجا من الهلاك ينجو نجاة خلص ونجاه وأنجاه الله خلصه. و(الوليد) أخو خالد بن الوليد ابن المغيرة كان ممن شهد بدرًا مع المشركين وأسر وفدى نفسه بأربعة آلاف درهم ثم أسلم فقيل له هلا أسلمت قبل الفداء قال كرهت أن تظنوا بي أنى جزعت من الأسر فحبسه المشركون بمكة ثم تواعد هو وسلمه بن هشام وكان معهم عياش بن أبي ربيعة كما في رواية البخاري وهربوا من

بعض ما وقع لسلمة بن هشام والمستضعفين من المؤمنين

المشركين فعلم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمخرجهم فدعا لهم: وكان مبدأ دعائه لهم في الخامس عشر من رمضان، فقد روى أبو بكر بن زياد النيسابوري بسنده عن جابر قال رفع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأسه في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح صبيحة خمس عشرة من رمضان فقال اللهم أنج الوليد الخ، وقد شهد الوليد مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عمرة القضاء سنة سبع وقال يا رسول الله إذا أنا مت فكفني في فضل ثوبك مما يلي جلدك. فلما مات كفنه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في قميصه (قوله ونج سلمة بن هشام) ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم: هو أخو أبي جهل وابن عم خالد بن الوليد كان من السابقين إلى الإِسلام وهاجر إلى الحبشة ثم رجع إلى مكة فحبسه أبو جهل ومنعه من الهجرة إلى المدينة وعذب في الله تعالى فكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدعوله في صلاته في القنوت، ولم يتمكن من حضور بدر ثم هاجر وشهد غزوة مؤتة ولم يزل بالمدينة مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى قبض رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم خرج مع المسلمين إلى الشام حين بعث أبو بكر الجيوش لجهاد الروم فقتل في المرحم سنة أربع عشرة في خلافة عمر كما ذكره الحاكم في المستدرك (قوله المستضعفين من المؤمنين) يعني ضعفاء المؤمنين الذين حبسهم الكفار عن الهجرة وآذوهم فكانوا يعذبونهم بأنواع العذاب. كانوا يأخذون عمار ابن ياسر وأباه وأمه وأخته فيقلبونهم في الرمضاء ظهرًا لبطن فيمر عليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهم يعذبون فيقول صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة، وماتت سمية أم عمار بذلك فكانت أول قتيل في الإِسلام في ذات الله، ومات ياسر وابنته بعدها. وكان أمية بن خلف يخرج بلالًا فيضع الصخور على صدره ويتركها كذلك حتى يخشى أن يموت فيرفعها وبلال يقول أحد أحد. وما زال أمية يفعل به ذلك حتى اشتراه أبو بكر منه فأعتقه وأعتق آخرين منهم عامر بن فهيرة فقال له أبوه يا بني لو أعتقت رجالًا جلداء يمنعونك، فقال يا أبت إنما أريد ما أريد وفيه نزلت هذه الآية (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) إلى قوله (وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى) قال سعيد بن جبير قلت لابن عباس أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما يعذرون به في ترك دينهم، قال نعم والله إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر على أن يستوى جالسًا من الضرب حتى يقولوا له: اللات والعزى إلهك من دون الله فيقول نعم، وكذلك فعل معهم عمار حين غطوه في بئر ميمون وقالوا له أكفر بمحمد فأعطاهم ذلك، فأخبر رسول الله صلى الله تعالى

القنوت في العشاء للنازلة. عدم بطلان الصلاة بالدعاء لقوم بأسمائهم

عليه وعلى آله وسلم فأخبره فقال كيف وجدت قلبك قال مطمئنًا بالإيمان فجعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمسح دمعه، وقال إن عادوا لك فعد لهم بما قلت. ونزل فيه وفي أمثاله قوله تعالى. (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) (قوله اللهم أشدد وطأتك على مضر) أي اجعل بأسك وعذابك عليهم. والوطأة والوطء في الأصل الدوس بالقدم والمراد به هنا الإهلاك والعذاب الشديد لأن من يطأ الشيء برجله فقد استقصى في إهلاكه وإهانته. ومضر اسم قبيلة سميت باسم مضر بن نزار بن معد بن عدنان (قوله اللهم اجعلها عليهم الخ) بأن تسلط عليهم قحطًا عظيمًا سبع سنين أو أكثر كسني يوسف عليه الصلاة والسلام. وسنين يوسف هي السبعة الأعوام الشداد التي عمهم فيها القحط المشار إليها بقوله تعالى. (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ) وجمع سنة جمع مذكر سالمًا شاذ لأنه ليس علمًا لمذكر عاقل ولتغير مفرده بكسر أوله (قوله وأصبح رسول الله الخ) كان ذلك اليوم يوم عيد الفطر كما جاء في فوائد الزيادات من حديث أبي بكر بن زياد النيسابوري عن جابر قال رفع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأسه من الركعة الأخيرة في صلاة الصبح صبيحة خمس عشرة من رمضان فقال اللهم أنج الوليد بن الوليد (الحديث) وفيه فدعا بذلك خمسة عشر يومًا حتى إذا كان صبيحة يوم الفطر ترك الدعاء فسأله عمر فقال أو ما علمت أنهم قدموا قال بينما هويذكرهم انفتح عليهم الطريق يسوق بهم الوليد بن الوليد قد نكت أصبعه بالحرة "أي طوحه بها" وساق بهم ثلاثًا على قدميه (قوله فذكرت ذلك له). يعني سألته عن سبب ترك الدعاء لهم. وكون السائل في رواية المصنف أبا هريرة لا ينافي ما ذكر في رواية النيسابوري من أن السائل عمر لاحتمال أن يكون كل منهما سأل عن ذلك (قوله وما تراهم قد قدموا) أي أتسأل عن ذلك وما تعلم أن الوليد ومن معه قد قدموا إلى المدينة ونجاهم الله تعالى من عدوهم (والحديث) يدل على مشروعية القنوت في العشاء للحاجة وأنه يترك عنوإنتائها. وعلى أن الدعاء لقوم بأسمائهم وأسماء آبائهم لا يفسد الصلاة. وكذا الدعاء على الكفار والظلمة فيها لا يفسدها (والحديث) أخرجه أيضًا الشيخان والبيهقي. (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيُّ نَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ هِلاَلِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَنَتَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- شَهْرًا مُتَتَابِعًا في الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلاَةِ الصُّبْحِ في دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ إِذَا قَالَ "سَمِعَ

دعاء النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على رعل وذكوان

الله لِمَنْ حَمِدَهُ". مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ. (ش) (رجال الحديث) (عبد الله بن معاوية) بن موسى بن أبي غليط بن نشيط أبو جعفر المصري. روى عن الحمادين وعبد العزيز بن مسلم ومهدى بن ميمون وثابت بن يزيد وجماعة. وعنه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن أبي الدنيا وأبو يعلى وأبو بكر البزار، وثقه عباس العنبري ومسلمة بن قاسم وقال في التقريب ثقة من العاشرة. مات بالبصرة سنة ثلاث وأربعين ومائتين، والجمحي بضم الجيم وفتح الميمنسبة إلى بني جمح قبيلة و(ثابت بن يزيد) الأحوال أبو زيد البصري. روى عن هلال بن خباب وعاصم الأحول وسليمان التيمي ومحمد ابن عمرو وغيرهم. وعنه عبد الله بن معاوية ومعاوية بن عمرو ومحمد بن الصلت وجماعة، وثقة ابن معين وأبو حاتم وأبو داود، وقال النسائي وأبو زرعة لا بأس به، وقال في التقريب ثقة ثبت من السابعة. مات سنة تسع وستين ومائة. روى له الجماعة. و(هلال بن خباب) العبدي أبو العلاء البصري مولى زيد بن صوحان. روى عن عكرمة وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن الأسود ومجاهد وكثيرين. وعنه الثوري ومسعر وثابت بن يزيد وأبو عوانة وآخرون، وثقه أحمد وابن معين ويعقوب بن سفيان وقال يحيى القطان تغير قبل أن يموت واختلط وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئ ويخالف وذكره أيضًا في الضعفاء وقال اختلط في آخر عمره وكان يحدث بالشيء على التوهم: لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه. (معنى الحديث) (قوله قنت رسول الله شهرًا متتابعًا الخ) يعني مكث شهرًا متواليًا يقنت في الصلوات الخمس في الركعة الأخيرة في كل ركعة منها بعد الرفع من الركوع (قوله يدعو على أحياء الخ) بيان للقنوت، والأحياء جمع حي وهو الجماعة، ورعل وذكوان وعصية بيان للأحياء. ورعل بكسر الراء وسكون العين المهملة بطن من بني سليم ينسبون إلى رعل بن خالد ابن عوف بن مالك بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم، وذكوان بالذال المعجمة بطن من بني سليم أيضًا ينسبون إلى ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم. وعصية تصغير عصا اسم لقبيلة من بني سليم ينسبون إلى عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة. وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدعو عليهم لما ذكره البخاري من حديث عبد الأعلى بن حماد ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك أن رعلًا وذكران وعصية وبنى لحيان استمدوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على عدو فأمدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء في زمانهم كانوا

المذاهب في قنوات الصبح عند عدم النوازل

يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقنت شهرًا يدعو في الصبح على أحياء من أحياء العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان، قال أنس فقرأنا فيهم قرآنًا ثم إن ذلك رفع "أي نسخ القرآن الذي نزل فيهم" بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا. وكان ذلك سببًا لبدء القنوت. فقد روى البخاري أيضًا عن أنس قال بعث النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبعين رجلًا لحاجة يقال لهم القراء فعرض لهم حيان من بني سليم رعل وذكوان عند بئر معونة، فقال القوم والله ما إياكم أردنا إنما نحن مجتازون في حاجة للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقتلوهم فدعا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شهرًا في صلاة الغداة وذلك بدء القنوت وما كنا نقنت (وفي حديث الباب) دلالة على مشروعية القنوت في الصلوات المكتوبات كلها عند النوازل وعليه أكثر أهل العلم. أما عند عدم النوازل فاتفقوا أيضًا على عدم القنوت في الظهر والعصر والمغرب والعشاء واختلفوا في الصبح. فقال جماعة إنه مشروع فيها، وممن قال به من الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عباس والبراء بن عازب، ومن غيرهم ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وأبو عثمان النهدي وأبو رافع وأبو إسحاق الفزاري ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحابه وعبد الرحمن بن مهدي وسعيد بن عبد العزيز ومحمد بن جرير وأبو حاتم وأبو زرعة. وذهب جماعة إلى عدم مشروعيته فيها إذا لم تكن نازلة منهم ابن المبارك وابن عباس وابن مسعود وأبو الدرداء وأبو إسحاق وأصحابه وسفيان الثوري. واستدل الأولون بحديث الباب وبالحديث الثاني في الباب عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقنت في صلاة الصبح والمغرب. وبما رواه الحاكم وصححه والدراقطني عن أنس من عدة طرق أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قنت شهرًا يدعو عليهم ثم تركه فأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا. واستدل القائلون بعدم القنوت في الصبح عند عدم النازلة. بما رواه أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي مالك الأشجعي قال قلت لأبي يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ها هنا بالكوفة قريبًا من خمس سنين أكانوا يقنتون؟ قال أي بني محدث: ورواه النسائي بلفظ صليت خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلم يقنت وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت وصليت خلف عمر فلم يقنت وصليت خلف عثمان فلم يقنت وصليت خلف علي فلم يقنت ثم قال يا بني بدعة. ويدل لهم أيضًا ما أخرجه ابن حبان عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يقنت في

الحجة مع من قال بأن قنوات الصبح خاص بالنوازل

صلاة الصبح إلا أن يدعو لقوم أو على قوم. وما أخرجه الخطيب في كتابه القنوت من حديث محمَّد بن عبد الله الأنصاري ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم ورواه ابن خزيمة أيضًا وصححه. وبما رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي والحاكم في كتاب القنوت عن ابن مسعود ما قنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في شيء من صلاته. زاد الطبراني إلا في الوتر وأنه كان إذا حارب يقنت في الصلوات كلهن يدعو على المشركين ولا قنت أبو بكر ولا عمر حتى ماتوا ولا قنت علي حتى حارب أهل الشام وكان يقنت في الصلوات كلهن قال البيهقي كذا رواه محمَّد بن جابر السحيمى وهو متروك، وما رواه البيهقي وابن ماجه والدارقطني عن أم سلمة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه نهى عن القنوت في الصبح وفي سنده ضعيف. وما رواه الدارقطني والبيهقي عن ابن عباس أنه قال القنوت في الصبح بدعة، قال البيهقي لا يصح. وأجابوا عن حديث البراء بأنه ليس مختصًا بالصبح بل هو وارد في الصبح والمغرب. وأصحاب القول الأول لا يقولون بالقنوت في المغرب دائمًا وإنما هو عند النوازل فكذلك الصبح إذ لا فارق بينهما لورود الحديث فيهما على السواء. وعن حديث أنس بأنه ضعيف لا تقوم به حجة لأنه من طريق أبي جعفر الرازي وهو وإن وثقه جماعة فيه مقال. قال فيه عبد الله بن أحمد ليس بالقوي. وقال ابن المديني إنه يخلط. وقال أبو زرعة يهم كثيرًا وقال عمرو بن علي الفلاس صدوق سيئ الحفظ. وقال ابن معين ثقة لكنه يخطئ. وحكى الساجي أنه صدوق ليس بالمتقن. ويقوي ضعف الحديث ما رواه الخطيب من طريق قيس بن الربيع عن عاصم بن سليمان قال قلنا لأنس بن مالك إن قومًا يزعمون أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما زال يقنت بالفجر قال كذبوا وإنما قنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شهرًا واحدًا يدعو على حي من أحياء العرب. قال في الهدى قيس بن الربيع وإن كان يحيى ضعفه فقد وثقه غيره وليس بدون أبي جعفر الرازي فكيف يكون أبو جعفر حجة في قوله لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا وقيس ليس بحجة في هذا الحديث وهو أوثق منه أو مثله. والذين ضعفوا أبا جعفر أكثر من الذين ضعفوا قيسًا فإنما يعرف تضعيف قيس عن يحيى، قال أحمد بن سعيد بن أبي مريم سألت يحيى عن قيس بن الربيع فقال ضعيف لا يكتب حديثه كان يحدث بالحديث عن عبيدة وهو عنده عن منصور ومثل هذا لا يوجب رد حديث الراوي لأن غاية ذلك أن يكون غلط ووهم في ذكر عبيدة بدل منصور ومن الذي سلم من هذا من المحدثين؟ اهـ إذا علمت هذا علمت أن الراجح أن القنوت خاص بالنوازل في الصبح وغيرها فإن أنسًا أخبر كما تقدم

بيان حال حديث القنوت في الصبح وأن الاختلاف في قنوته من الاختلاف المباح

أنهم لم يكونوا يقنتون وأن بدء القنوت هو قنوت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدعو على رعل وذكوان فهذا يدل على أنه لم يكن من هديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم القنوت دائمًا لأن قوله في الحديث ذلك بدء القنوت مع قوله قنت شهرًا ثم تركه دليل على أنه إنما أراد بما أثبته من القنوت قنوت النوازل وهو الذي وقته بشهر، وعلى هذا يحمل ما تقدم من حديث أبي مالك الأشجعي وكذا الأحاديث التي فيها نفى القنوت مطلقًا. قال في الهدى كان هديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم القنوت في النوازل خاصة وتركه عند عدمها ولم يكن يخصه بالفجر بل كان أكثر قنوته فيها لأجل ما شرع فيها من الطول ولاتصالها بصلاة الليل وقربها من السحر وساعة الإجابة وللتنزل الإلهي ولأنها الصلاة المشهودة التي يشهدها الله وملائكته أو ملائكة الليل والنهار كما روى هذا في تفسير قوله تعالى إن قرآن الفجر كان مشهودًا. وأما حديث ابن أبي فديك عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من صلاة الصبح في الركعة الثانية يرفع يديه فيها فيدعو بهذا الدعاء: اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت. فما أبين الاحتجاج به لو كان صحيحًا أو حسنًا، ولكن لا يحتج بعبد الله هذا وإن كان الحاكم صحح حديثه في القنوت عن أحمد بن عبد الله المزني، نعم يصح عن أبي هريرة أنه قال والله لأنا أقربكم صلاة برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكان أبوهريرة يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح بعد ما يقول سمع الله لمن حمده فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار، ولا ريب أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل ذلك ثم تركه، فأحب أبوهريرة أن يعلمهم أن مثل هذا القنوت سنة وأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعله، وهذا رد على أهل الكوفة الذين يكرهون القنوت في الفجر مطلقًا عند النوازل وغيرها ويقولون هو منسوخ وفعله بدعة فأهل الحديث متوسطون بين هؤلاء وبين من استحبه عند النوازل وغيرها وهم أشعر بالحديث من الطائفتين فإنهم يقنتون حيث قنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويتركونه حيث تركه فيقتدون به في فعله وتركه ويقولون فعله سنة وتركه سنة ومع هذا فلا ينكرون على من داوم عليه ولا يكرهون فعله ولا يرونه بدعة ولا فاعله مخالفًا للسنة كما لا ينكرون على من تركه عند النوازل ولا يرون تركه بدعة ولا تاركه مخالفًا للسنة بل من قنت فقد أحسن ومن تركه فقد أحسن. وهذا من الاختلاف المباح الذي لا يعنف فيه من فعله ولا من تركه. وهذا كرفع اليدين في الصلاة وتركه. وكالخلاف في أنواع التشهدات وأنواع الأذان والإقامة وأنواع

الجهر بالقنوت وتأمين المأمومين على دعاء الإمام فيه

النسك من الإفراد والقران والتمتع. وليس مقصودًا إلا ذكر هديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الذي كان يفعله هو فإنه قبلة القصد وإليه التوجه وعليه مدار التفتيش والطلب وهذا شيء والجائز الذي لا ينكر فعله وتركه شيء فنحن لم نتعرض لما يجوز ولما لا يجوز وإنما مقصودنا فيه هدى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الذي كان يختاره لنفسه فإنه أكمل الهدي وأفضله فإذا قلنا لم يكن من هديه المداومة على القنوت في الفجر ولا الجهر بالبسملة لم يدل ذلك على كراهية غيره ولا أنه بدعة ولكن هديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أكمل الهدي وأفضله اهـ وأطال الكلام في هذا المقام. إذا تقرر هذا علمت أنه لا وجه لمن خصص القنوت بالوتر أو الصبح وأنه إذا تركه في الصبح سجد للسهو مستدلًا بما في حديث أنس المتقدم من قوله فلم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا وقد علمت ما فيه. وأيضًا فقد قال الحافظ في التلخيص اختلفت الأحاديث عن أنس واضطربت فلا يقوم بمثل هذا حجة اهـ قال الشوكاني الحق ما ذهب إليه من قال إن القنوت مختص بالنوازل وأنه ينبغي عند نزول النازلة ألا تختص به صلاة دون صلاة، وقد ورد ما يدل على هذا الاختصاص من حديث أنس عند ابن خزيمة في صحيحة ومن حديث أبي هريرة عند ابن حبان بلفظ كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد. وقد حاول جماعة من الشافعية الجمع بين الأحاديث بما لا طائل تحته وأطالوا الاستدلال على مشروعية القنوت في صلاة الفجر في غير طائل اهـ ويؤخذ من حديث ابن عباس "حديث الباب" مشروعية تأمين المأمومين على دعاء الإِمام في القنوت. قال ابن نصر قيل للحسن إنهم يضجون في القنوت فقال أخطأوا السنة كان عمر يقنت ويؤمن من خلفه. وقال أبو داود سمعت أحمد سئل عن القنوت فقال الذي يعجبنا أن يقنت الإِمام ويؤمن من خلفه. ويؤخذ من هذا كله أن القنوت يكون جهرًا لأن المأمومين إذا لم يسمعوا لم يؤمنوا. وروى محمَّد بن نصر عن أبي عثمان النهدي كان عمر يقنت بنا في صلاة الغداة حتى يسمع صوته من وراء المسجد. وعن الحسن أن أبيّ بن كعب أم الناس في رمضان فكان يقنت في النصف الأخير حتى يسمعهم الدعاء. وقالت المالكية يسر به. وبه قال الأوزاعي ولا وجه لهم إذا المذكور من الروايات يرد عليهم (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والحاكم. (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ قَالاَ نَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ هَلْ قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ فَقَالَ نَعَمْ. فَقِيلَ لَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَ الرُّكُوعِ قَالَ بَعْدَ الرُّكُوعِ. قَالَ مُسَدَّدٌ بِيَسِيرٍ.

المذاهب في أن قنوت النوازل بعد الركوع أو قبله والراجح كونه بعده

(ش) (أيوب) السختياني. و (محمَّد) بن سيرين (قوله قال مسدد بيسير) أي قال مسدد في روايته قنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد الركوع يسيرًا من الزمن فالباء زائدة وفي بعض النسخ إسقاطها. وقد بين هذا اليسير في رواية للبخاري من طريق عاصم قال سألت أنس بن مالك عن القنوت فقال قد كان القنوت قلت قبل الركوع أبو بعده؟ قال قبله قال فإن فلانًا أخبرني عنك أنك قلت بعد الركوع فقال كذب إنما قنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد الركوع شهرًا. وقد جاء عن أنس في عدة طرق أن القنوت بعد الركوع كان شهرًا في النوازل وورد أيضًا في أحاديث أخر منها حديث ابن عباس المتقدم. ومنها ما أخرجه أحمد والبخاري عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر يقول اللهم العن فلانًا وفلانًا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد فأنزل الله تعالى ليس لك من الأمر شيء إلى قوله فإنهم ظالمون. ومنها ما أخرجاه أيضًا عن أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع: قال إذا قال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد اللهم أنج الوليد (الحديث). وبظاهر هذه الأحاديث أخذ جماعة فقالوا إن القنوت بعد الرفع من الركوع منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبو قلابة وأبو المتوكل والشافعي وابن حبيب من المالكية. وذهب جماعة إلى أنه قبل الركوع: منهم مالك وإسحاق وهو مروي عن ابن عباس والبراء وعمر بن عبد العزيز وعبيدة السلماني وحميد الطويل وابن أبي ليلى. يدل لهم ما تقدم عن أنس عند البخاري من طريق عاصم. وما رواه ابن نصر عن الأسود أن عمر بن الخطاب قنت في الوتر قبل الركوع، وفي رواية بعد القراءة قبل الركوع. وما رواه أيضًا عن ابن مسعود أنه قنت في الوتر قبل الركوع. وما روى أيضًا عن عبد الله بن شداد قال صليت خلف عمر وعلي وأبي موسى فقنتوا في صلاة الصبح قبل الركوع، وأول من قنت قبل الركوع عثمان كما رواه ابن نصر من طريق حميد عن أنس قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقنت بعد الركعة وأبو بكر وعمر حتى كان عثمان قنت قبل الركعة ليدرك الناس، وروى ابن ماجه والطحاوي وابن نصر عن حميد قال سألت أنسًا عن القنوت قبل الركوع وبعد الركوع فقال كنا نفعله قبل وبعد. وبه قال أحمد وأيوب السختياني. وقال مالك في المدونة في القنوت في الصبح كل ذلك واسع قبل الركوع وبعد الركوع والذي أخذ به في خاصة نفسي قبل الركوع اهـ. والراجح أن القنوت يكون بعد الركوع لثبوته بالأحاديث الكثيرة المرفوعة عن أنس وغيره كما تقدم. قال البيهقي رواة القنوت بعد الركوع أكثر وأحفظ وعليه درج الخلفاء الراشدون اهـ. وروى الحاكم أبو أحمد عن الحسن البصري قال صليت خلف ثمانية

الجمع بين الأحاديث الواردة في القنوت قبل الركوع وبعده

وعشرين بدريًا كلهم يقنت في الصبح بعد الركوع. قال الحافظ إسناده ضعيف اهـ. وحديث عاصم الذي استدلوا به تفرد به عن أنس، وسائر الرواة عن أنس خالفوه. قال الأثرم قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل أيقول أحد في حديث أنس إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قنت قبل الركوع غير عاصم الأحول؟ فقال ما علمت أحدًا يقوله غيره وخالفهم عاصم كلهم: هشام عن قتادة والتيمى عن أبي مجلز وأيوب عن محمَّد وحنظلة السدوسي كلهم عن أنس عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه قنت بعد الركوع. وقال في الهدى أحاديث أنس كلها صحاح يصدق بعضها بعضًا ولا تتناقض. والقنوت الذي ذكره قبل الركوع غير الذي ذكره بعده والذي وقته غير الذي أطلقه. فالذي ذكره قبل الركوع هو إطالة القيام للقراءة الذي قال فيه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أفضل الصلاة طول القنوت. والذي ذكره بعده هو إطالة القيام للدعاء ففعله شهرًا يدعو على قوم ويدعو لقوم ثم استمر يطيل هذا الركن للدعاء والثناء إلى أن فارق الدنيا كما في الصحيحين عن ثابت عن أنس قال إني لا أزال أصلي بكم كما كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي بنا، قال وكان أنس يصنع شيئًا لا أراكم تصنعونه: كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائمًا حتى يقول القائل قد نسي وإذا رفع رأسه من السجدة يمكث حتى يقول القائل قد نسي. فهذا هو القنوت الذي ما زال عليه حتى فارق الدنيا. ومعلوم أنه لم يكن يسكت في مثل هذا الوقوف الطويل بل كان يثني على ربه ويمجده ويدعوه. وهذا غير القنوت الموقت بشهر فإن ذلك دعاء على رعل وذكران وعصية وبني لحيان ودعاء للمستضعفين الذين كانوا بمكة. وأما تخصيص هذا بالفجر فبحسب سؤال السائل فإنما سأله عن قنوت الفجر فأجابه عما سأله عنه. وأيضًا فإنه كان يطيل صلاة الفجر دون سائر الصلوات ويقرأ فيها بالستين إلى المائة، وكان كما قال البراء بن عازب ركوعه واعتداله وسجوده وقيامه متقاربة، وكان يظهر من تطويله بعد الركوع في صلاة الفجر ما لا يظهر في سائر الصلوات بذلك، ومعلوم أنه كان يدعو ربه ويثني عليه ويمجده في هذا الاعتدال كما تقدمت الأحاديث بذلك. وهذا قنوت منه لا ريب. فنحن لم نشك ولا نرتاب أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا. ولما صار القنوت في لسان الفقهاء وأكثر الناس هو هذا الدعاء المعروف: اللهم أهدني فيمن هديت الخ وسمعوا أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا وكذا الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة حملوا القنوت في لفظ الصحابة على القنوت في اصطلاحهم، ونشأ من لا يعرف غير ذلك فلم يشك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه كانوا مداومين عليه كل غداة. وهذا هو الذي نازعهم فيه جمهور العلماء وقالوا لم يكن هذا من فعله الراتب بل ولا يثبت عنه أن فعله، وغاية ما روي عنه في هذا القنوت أنه علمه

بعض أدعية القنوت المأثورة

الحسن بن عليّ كما في المسند والسنن الأربع عنه قال علمني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر "اللهم أهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت" قال الترمذي حديث حسن. ولا نعرف في القنوت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شيئًا أحسن من هذا. وزاد البيهقي بعد ولا يذل من واليت ولا يعز من عاديت. ومما يدل على أن مراد أنس بالقنوت بعد الركوع هوالقيام للدعاء والثناء ما رواه سليمان بن حرب حدثنا أبوهلال حدثنا حنظلة إمام مسجد قتادة قلت هو السدوسي قال اختلفت أنا وقتادة في القنوت في صلاة الصبح فقال قتادة قبل الركوع وقلت أنا بعد الركوع فأتينا أنس بن مالك فذكرنا له ذلك فقال أتيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في صلاة الفجر فكبر وركع ورفع رأسه ثم سجد ثم قام في الثانية فكبر وركع ثم رفع رأسه فقام ساعة ثم وقع ساجدًا. وهذا مثل حديث ثابت عنه سواء وهو يبين مراد أنس بالقنوت فإنه ذكره دليلًا لمن قال إنه قنت بعد الركوع، فهذا القيام والتطويل هو كان مراد أنس فاتفقت أحاديثه كلها وبالله التوفيق: وأما المروى عن الصحابة فنوعان. أحدهما قنوت عند النوازل كقنوت الصديق رضي الله تعالى عنه في محاربة الصحابة لمسليمة وعند محاربة أهل الكتاب وكذلك قنوت عمر وقنوت على عند محاربته لمعاوية وأهل الشام. الثاني مطلق ومراد من حكاه عنهم به تطويل هذا الركن للدعاء والثناء اهـ. وجاء في القنوت أدعية. منها ما تقدم عن الحسن وعن عمر في الوتر. ومنها ما ذكره ابن نصر عن أبي رافع قال صليت خلف عمر الصبح فقنت بعد الركوع فسمعته يقول اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ونخاف عذابك إن عذابك بالكفار ملحق، اللهم عذب الكفرة وألق في قلوبهم الرعب وخالف بين كلمهم وأنزل عليهم رجسك وعذابك، اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك، اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وأصلح ذات بينهم وألف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة وثبتهم على ملة رسولك وأوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق واجعلنا منهم: وذكر ابن نصر في دعاء عمر هذا روايات كثيرة، وأخرج من طريق محمَّد بن النضر الحارثي عن الأوزاعي قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول اللهم أسألك التوفيق لمحابك من الأعمال وصدق التوكل عليك وحسن الظن بك. وعن الحسين بن علي أنه كان يدعو في وتره اللهم

المذاهب في رفع اليدين حال دعاء القنوت

إنك ترى ولا ترى وأنت في المنظر الأعلى وإن لك الآخرة والأولى، وإن إليك الرجعى وإنا نعوذ بك أن نذل ونخزى. وليس في القنوت دعاء مؤقت معين كما قاله إبراهيم النخعي. وروى محمَّد بن نصر عن هشام بن عروة عن أبيه مرفوعًا إنما أقنت بكم لتدعوا ربكم وتسألوه حوائجكم. وقال مالك وليس في القنوت دعاء معروف. ولا بأس أن يدعو الرجل بجميع حوائجه في المكتوبة حوائج دنياه وآخرته في القيام والجلوس والسجود. واختلف في رفع اليدين في القنوت. فذهب أحمد وأصحاب الرأى وإسحاق إلى أنه يرفع يديه. قال النووي وهو الصحيح عند الشافعية. واحتجوا بما رواه البيهقي بإسناد صحيح أو حسن عن أنس في قصة القراء الذين قتلوا: قال لقد رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلما صلى الغداة يرفع يديه يدعو عليهم "يعني على الذين قتلوهم". قال الحافظ في التلخيص فيه علي بن الصقر، وقد قال فيه الدارقطني ليس بالقوي. واحتجوا أيضًا بما رواه الحاكم في المستدرك من طريق عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في صلاة الصبح في الركعة الثانية رفع يديه فيدعو بهذا الدعاء اللهم اهدني فيمن هديت (الحديث) قال الحاكم صحيح. لكن قال الحافظ في التلخيص وليس كما قال فهو ضعيف لأجل عبد الله اهـ وروى محمَّد بن نصر عن الأسود أن عبد الله بن مسعود كان يرفع يديه في القنوت إلى صدره. وروى أيضًا عن أبي عثمان النهدي كان عمر يقنت بنا في صلاة الغداة ويرفع يديه حتى يخرج ضبعية اهـ وهو تثنية ضبع بسكون الموحدة وهو العضد. وذهب جماعة إلى عدم رفع اليدين في القنوت منهم مالك والأوزاعي كما رواه عنه ابن نصر عن الوليد قال سألت الأوزاعي عن رفع اليدين في قنوت الوتر فقال لا ترفع يديك وإن شئت فأشر بأصبعك. (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والطحاوي ومحمد بن نصر (ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَنَتَ شَهْرًا ثُمَّ تَرَكَهُ. (ش) (قوله قنت شهرًا ثم تركه) استدل به الحنفية على نسخ القنوت في الصلوات المكتوبة. لكنه لا يصلح دليلًا على النسخ لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يدعو على أحياء من العرب في هذا الشهر ثم ترك الدعاء عليهم، فالمراد ترك الدعاء على هؤلاء الكفار فقط لا أنه تركه أصلًا حتى عند النوازل. فقد روى ابن خزيمة بإسناد صحيح عن أنس أن النبي

باب فضل التطوع في البيت

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم (وأجاب عن حديث الباب) من قال بالقنوت في الصبح دائمًا بأن المراد ترك القنوت في غير الصبح من الصلوات لحديث أنس لم يزل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقنت حتى فارق الدنيا. وقد علمت ما فيه، وعلمت أن الراجح أن القنوت خاص بالنوازل في الصبح وغيرها "وما رواه" الدارقطني من طريق مطرت أبي الجهم عن البراء بن عازب قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيها "محمول" على النوازل كما يؤيده حديث ابن عباس المتقدم "وما رواه" أيضًا من طريق محمَّد بن يعلي بن زنبور عن عنبسة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن نافع عن أبيه عن أم سلمة قالت نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن القنوت في الفجر "فهوضعيف" قال الدارقطني محمَّد بن يعلى وعنبسة وعبد الله بن نافع كلهم ضعفاء ولا يصح سماع لنافع عن أم سلمة اهـ وعلى تقدير صحته فهومحمول على غير النازلة (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه والبيهقي. (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا بِشْرُ بْنُ مُفَضَّلٍ نَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ حَدَّثَنِي مَنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلاَةَ الْغَدَاةِ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ قَامَ هُنَيَّةً. (ش) (قوله من صلى مع النبي) هوأنس كما في التقريب وتفيده الرواية السابقة (قوله هنية) بضم الهاء وفتح النون وتشديد المثناة التحتية تصغير هنة. وفي رواية الدارقطني هنيهة أي قام صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد رفع رفع رأسه من الركوع زمنًا يسيرًا يمجد الله فيه ويثنى عليه (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي. (باب فضل التطوع في البيت) (ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَزَّازُ نَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا عَبْدُ اللهِ -يَعْنِي ابْنَ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ- عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ احْتَجَرَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- في الْمَسْجِدِ حُجْرَةً فَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَخْرُجُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُصَلِّي فِيهَا قَالَ فَصَلَّوْا مَعَهُ بِصَلاَتِهِ -يَعْنِي رِجَالًا- وَكَانُوا

حكم اتخاذ حجرة في المسجد للاعتكاف

يَأْتُونَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَتَنَحْنَحُوا وَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَحَصَبُوا بَابَهُ -قَالَ- فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مُغْضَبًا فَقَالَ "يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنْ سَتُكْتَبَ عَلَيْكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلاَةِ في بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ خَيْرَ صَلاَةِ الْمَرْءِ في بَيْتِهِ إِلاَّ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ". (ش) (رجال الحديث) (مكي بن إبراهيم) بن بشير بن فرقد التميمي الحنظلي أبو السكن البلخي. روى عن أيمن بن نابل وبهز بن حكيم وأبي حنيفة ومالك وابن جريج وكثيرين. وعنه البخاري ومحمد بن حاتم وأحمد بن أبي سريج ومجاهد بن موسى وجماعة، وثقة أحمد وابن معين والعجلي والدارقطني. وقال أبو حاتم محله الصدق، وفي تهذيب التهذيب قال الخليلي ثقة متفق عليه وأخطأ في حديثه عن مالك عن نافع عن ابن عمر في الصلاة على النجاشي، والصواب عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة اهـ. توفي سنة أربع عشرة أو خمس عشرة ومائتين. روى له الجماعة و(عبد الله بن سعيد) بن أبي هند الفزاري مولاهم أبو بكر المدني. روى عن أبي أمامة ابن سهل وسعيد بن المسيب وإسماعيل بن أبي حكيم وبكير بن الأشج وعامر بن عبد الله ونافع مولى ابن عمر وجماعة. وعنه مالك وابن المبارك ووكيع وإسماعيل بن جعفر وسليمان ابن بلال وآخرون، وثقة أحمد ويعقوب وابن معين وابن سعد والعجلي وابن المديني وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئ وقال أبو حاتم ضعيف الحديث. مات سنة ست أوسبع وأربعين ومائة. روى له الجماعة. و(أبو النضر) سالم بن أبي أمية تقدم بالثاني صفحة 260 (معنى الحديث) (قوله احتجر رسول الله الخ) أي اتخذ له حجرة من الحصير في المسجد. وكان ذلك في رمضان كما تقدم، واتخذها ليصلي فيها تطوعًا ولينفرد للعبادة فيتفرغ قلبه لها والظاهر أنه كان معتكفًا فجعل الحصير ليحجزه عن الناس حال الأكل والنوم، ويؤخذ منه جواز اتخاذ الحجرة في المسجد من حصير ونحوه لكن بشرط ألا يحجز أكثر مما يسعه وإلا حرم إن كان ثمة من يحتاج لذلك المحل لما فيه من التضييق على المصلين. أما لو علم أن الناس وإن كثروا في المسجد لا يحتاجون لما حجزه فلا حرمة (قوله فكان يخرج من الليل الخ) أي يخرج من بيته ليلًا ليصلي في الحجرة ويصلي الناس معه فتأخر ليلة في البيت ولم يخرج فاجتمع الناس ورفعوا أصواتهم بالتنحنح ورموا بابه بالحصباء لظنهم أنه قد نام كما تقدم ولإعلامه

الأفضل في التراويح صلاتها جماعة في المسجد

بحضورهم ليخرج إليهم (قوله مازال بكم صنيعكم الخ) أي استمر حرصكم على المحافظة على صلاة التراويح في الجماعة حتى ظننت أنها ستفرض عليكم ولو فرضت عليكم ما قمتم بها كما في رواية النسائي فصلوا صلاة التطوع في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المفروضة فإنها في المسجد أفضل (وبالحديث) استدل على أن صلاة التراويح في البيت أفضل وأنها تصلى جماعة وانفرادًا، والجمهور على أن الأفضل في زماننا صلاتها بالمسجد جماعة (وأجابوا) عن الحديث بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما قال فعليكم بالصلاة في بيوتكم خوف الافتراض وقد زال الخوف بوفاته فارتفع المانع وصار فعلها في المسجد جماعة أفضل لأنها من الشعائر الظاهرة فأشبهت صلاة العيد والكسوف والاستسقاء. قال ابن حجر وبه أخذ أئمتنا فقالوا يسن فعل النوافل التي لا تسن فيها الجماعة في البيت فهوأفضل منه في المسجد ولو الكعبة أو الروضة الشريفة لأن فضيلة الاتباع تربوعلى فضيلة المضاعفة ولتعود بركتها على البيت ولأنه أبعد عن الرياء وإن خلا المسجد اهـ قال صاحب المرقاة والظاهر أن الكعبة والروضة الشريفة تستثنيان للغرباء لعدم حصولهما في مواضع أخر فتغتنم الصلاة فيهما قياسًا على ما قاله أئمتنا إن الطواف للغرباء أفضل من صلاة النافلة اهـ. (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والترمذي والنسائي والبيهقي مختصرًا ومطولًا. (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللهِ أَنَا نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "اجْعَلُوا في بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاَتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا". (ش) هذا الحديث تقدم في باب صلاة الرجل التطوع في بيته من الجزء السادس وذكر هنا للمناسبة (يحيى) بن سعيد القطان. و (عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري تقدم بالأول صفحة 271. (معنى الحديث) (قوله اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم) أي اجعلوا بعض صلاتكم وهي النافلة مؤداة في بيوتكم. فمن تبعيضية مفعول أول وفي بيوتكم مفعول ثان قدم اهتمامًا بشأن البيوت وأن من حقها أن تؤدي فيها النوافل لتستنير (قوله ولا تتخذوها قبورًا) أي لا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة فيها، وهو من التمثيل البديع حيث شبه البيت الذي لا يصلي فيه بالقبر والغافل عن الطاعة بالميت. وقيل معناه لا تدفنوا فيها موتاكم فيكون من باب الحقيقة (ويؤخذ) من حديثي الباب فضل صلاة التطوع في البيت. وتقدم الكلام عليه في "باب صلاة الرجل التطوع في بيته"

باب فيه فضل طول القيام في النافلة الجمع بين حديثي "أفضل الصدقة جهد المقل" و "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى"

(باب) كذا في جميع النسخ باب بلا ترجمة كأنه تتمة لما قبله، فقد ذكر فيه فضيلة طول القيام في النافلة (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا حَجَّاجٌ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَلِيٍّ الأَزْدِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُبْشِيٍّ الْخَثْعَمِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ "طُولُ الْقِيَامِ". قِيلَ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ "جُهْدُ الْمُقِلِّ". قِيلَ فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ قَالَ "مَنْ هَجَرَ مَا حَرَّمَ الله عَلَيْهِ". قِيلَ فَأَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ قَالَ "مَنْ جَاهَدَ الْمُشْرِكِينَ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ". قِيلَ فَأَيُّ الْقَتْلِ أَشْرَفُ قَالَ "مَنْ أُهْرِيقَ دَمُهُ وَعُقِرَ جَوَادُهُ". (ش) هذا الحديث تقدم للمصنف في باب افتتاح صلاة الليل بركعتين من الجزء الساب مقتصرًا على أول سؤال هنا وجوابه (حجاج) بن محمَّد تقدم بالأول ص 95، وكذا (ابن جريج) عبد الملك ابن عبد العزيز صفحة 74 و (عبد الله بن حبشي) بضم الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة ومثناة تحتية ثقيلة، تقدم بالسابع صفحة 254 (قوله أي الأعمال أفضل) أي أعمال الصلاة أفضل فأل في الأعمال للعهد وتقدم الكلام على هذه الجملة (قوله جهد المقل) الجهد بالضم الوسع والطاقة وبالفتح المشقة والغاية. والمراد هنا الأول. والمقل بضم الميم وكسر القاف وتشديد اللام الفقير الذي معه شيء قليل أي أن أفضل الصدقة ما يتصدق به قليل المال على قدر طاقته ووسعه. وكانت صدقة الفقير أفضل من صدقة الغني لأن الفقير يتصدق بما يحتاج إليه بخلاف الغني فإنه يتصدق بفضول ما له. وهذا نظير ما أخرجه النسائي من حديث أبي ذر والحاكم وابن حبان من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال سبق درهم مائة ألف درهم رجل له درهمان أخذ أحدهما فتصدق به ورجل له مال كثير فأخذ من عرضه مائة ألف درهم فتصدق بها. ولا تنافي بين هذا وبين ما رواه البخاري ومسلم عن حكيم بن حزام من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خير الصدقة ما كانت عن ظهر غنى. فإن حديث الباب ونحوه محمول على قوي الإيمان الذي يصبر على الفاقة ويكتفي بأقل الكفاية. وحديث حكيم محمول على ضعيف الإيمان، ويحتمل أن المراد بالغنى في حديث حكيم غنى القلب الذي يصبر صاحبه على الجوع والشدة وهو المراد بالمقل في حديث الباب فيكون المعنى أن تصدق الفقير الغني القلب

باب الحث على قيام الليل

ولو كان قليلًا أفضل من تصديق الغنى بكثير من مال، فهو يدل على أن الفقير الصابر أفضل من الغنى الشاكر وأن عبادة الأول مع قلتها أفضل من طاعة الثاني مع كثرتها (قوله فأي الهجرة أفضل) أي نوع من أنواع الهجرة أفضل. والهجرة في الأصل مأخوذة من الهجر ضد الوصل ثم غلبت على الخروج من أرض إلى أرض، فإن كان فر لله فهي الهجرة الشرعية، وتطلق أيضًا على ترك المحرمات وهي المرادة هنا بقوله من هجر ما حرم الله عليه أي هجرة من هجر الأمر الذي حرمه الله عليه، فهذه أفضل من الأولى وهي ترك الوطن إلا إذا كان معه أيضًا ترك المحرمات (قوله من جاهد المشركين بما له ونفسه) يدخل فيه جهاد الكافرين والمبتدعين بإبطال مذاهبهم وشبههم بالحجج القاطعة باللسان والكتابة، ولا ينافيه حديث أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جاثر رواه المصنف والترمذي وابن ماجه عن أبي سعيد لأن الأفضلية نسبية أو أن جهاد الكفار بالنفس والمال أشق (قوله من أهريق دمه) أي أريق وسفك فالهاء زائدة (قوله وعقر جواده) أي ضربت قوائمه بالسيف، والجواد من الخيل يطلق على الذكر والأنثى، وكان هذا أشرف لأنه جاهد بنفسه (وفي الحديث) دليل على الحث على طول القيام في الصلاة والترغيب في الصدقة وأنها من الفقير أفضل منها من الغنى، والحث على ترك المحرمات وعلى الجهاد والترغيب منه. (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والحاكم وابن حبان مختصرًا، وأخرجه ابن خزيمة والبيهقي من طريق أحمد بن الوليد ثنا حجاج قال قال ابن جريج حدثني عثمان بن أبي سليمان الأزدي عن عبيد بن عمير عن عبد الله بن حبشي أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سئل أي الأعمال أفضل قال إيمان لا شك فيه وجهاد لا غلول فيه وحجة مبرورة، قيل أي الصلاة أفضل قال طول القيام، قيل فأي الصدقة أفضل قال جهد من مقل، قيل فأي الهجرة أفضل قال من هجر ما حرم الله عليه، قيل فأي الجهاد أفضل قال من جاهد المشركين بما له ونفسه، قيل فأي القتل أشرف قال من أهريق دمه وعقر جواده اهـ. (باب الحث على قيام الليل) (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ نَا الْقَعْقَاعُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ "رَحِمَ الله رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ في وَجْهِهَا الْمَاءَ رَحِمَ الله امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ في وَجْهِهِ الْمَاءَ".

باب في ثواب قراءة القرآن

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ نَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ عَنِ الأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالاَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا كُتِبَا مِنَ الذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ". (ش) هذان الحديثان تقدم الكلام عليهما في باب قيام الليل من الجزء السابع وأعادهما هنا لما فيهما من الحث والترغيب في قيام الليل المناسب للترجمة التي ترجم بها هنا. وقد يذكر الحديث تحت عدة تراجم لمناسبات مختلفة. (باب في ثواب قراءة القرآن) (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا شُعْبَةُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُثْمَانَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ". (ش) (الرجال) (أبو عبد الرحمن) عبد الله بن حبيب بن ربيعة بالتصغير السلمي الكوفي، روى عن عمر وعثمان وعلى وخالد بن الوليد وابن مسعود وأبي هريرة وغيرهم، وعنه إبراهيم النخعي وأبو إسحاق السبيعي وسعيد بن جبير وعطاء بن السائب وغيرهم، وثقة العجلي والنسائي ومحمد بن عمر وقال ابن عبد البر هو ثقة عند الكل، مات سنة سبعين أو اثنين وسبعين وقال ابن قانع مات سنة خمسة وثمانين وهو ابن تسعين سنة روى له الجماعة. (المعنى) (قوله خيركم من تعلم القرآن) أي أفضلكم من حفظ القرآن وتدبر معانيه فأحل حلاله وحرم حرامه (قوله وعلمه) كذا في أكثر الروايات بواو العطف. وفي رواية السرخسي ورواية لأحمد عن غندر بأو وهي بمعنى الواو. ويحتمل أن تكون للتنويع، فتثبت الخيرية لمن فعل أحد الأمرين ولمن فعلهما بالطريق الأولى لأن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه لغيره مكمل لنفسه ولغيره وجامع بين النفع القاصر والمتعدي، ولهذا كان من جملة من قال الله تعالى فيهم. (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) وظاهر الحديث يدل على أن من تعلم القرآن وعلمه أفضل من غيره مطلقًا وذلك لأنه صار كاملًا

حكم الاشتغال بتعلم القرآن والأحكام

في نفسه مكملًا لغيره ولكن لا بد من تقييد التعلم والتعليم بالإخلاص ولا يتوهم أن العمل خارج عنهما فقد أجمعوا على أن من عصى الله فهو جاهل، ثم الخطاب عام لا يختص بالصحابة ولا يقال يلزم عليه أن يكون المقرئ أفضل من الفقيه لأن المخاطبين بذلك كانوا فقهاء فقد كانوا من أهل اللسان يعلمون معاني القرآن بالسليقة أكثر ممن يعلمها بالإكتساب فكان الفقه لهم سجية فمن كان مثلهم شاركهم في ذلك بخلاف من يقرأ القرآن ويقرئه قراءة محضة ولا يفهم معانيه. قال في الفتح (فإن قيل) يلزم أن يكون المقرئ أفضل ممن هو أعظم عناء في الإِسلام بالمجاهدة والرباط والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مثلًا (أجيب) بأن مدار المسألة على كثرة النفع المتعدي وقلته، فمن كان نفعه أكثر كان أفضل، فلعل من مقدرة في الخبر أو أن الخيرية في الحديث وإن أطلقت فهي مقيدة بجماعة مخصوصين خوطبوا بذلك لأنه اللائق بحالهم أو أن التفضيل بالنسبة لمتعلم غير القرآن فإن القرآن خير الكلام فمتعلمه خير من متعلم غيره وكيفما كان فهو مخصوص بمن علم وتعلم اهـ بتصرف. وسئل الثوري عن الجهاد وإقراء القرآن فرجح الثاني واحتج بحديث الباب ونحوه. والقرآن يطلق على كله وبعضه. ويصح إرادة المعنى الثاني هنا بمعنى أن من وجد منه التعليم والتعلم ولو آية كان خيرًا ممن ليس كذلك. وكان من تعلم القرآن وعلمه أفضل من غيره لأن خير الكلام كلام الله وخير الناس بعد النبيين من تعلم القرآن وعلمه مع الإخلاص فيهما، فمن حاز خير الكلام وتسبب مع ذلك أن يكون غيره مثله فقد تحققت له وراثة الأنبياء وكان من جملة الصديقين القائمين بحقوق الله تعالى وحقوق عبادة. فقد روى الحاكم أن من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحى إليه. وروى النسائي وابن ماجه والحاكم (أهل القرآن هم أهل الله وأولياؤه) قال في الفتح القرآن أشرف العلوم فيكون من تعلمه وعلمه لغيره أشرف ممن تعلم غير القرآن وهل التشاغل بتعلم القرآن وحفظه من غير فهم للمعنى كما يقع من كثير من قراء زماننا أفضل أو التشاغل بتعلم الأحكام الشرعية أصولًا وفروعًا؟ . قال ابن الجوزي تعلم اللازم منهما فرض على الأعيان وتعلم جميعهما فرض على الكفاية إذا قام به قوم سقط عن الباقين فإن فرضنا الكلام في الزائد منهما على قدر الواجب في حق الأعيان فالمتشاغل بالفقه أفضل وذلك راجع إلى حاجة الإنسان لأن الفقه أفضل من القراءة. وكان القارئ في زمن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو الأفقه فلذلك قدم القارئ في الصلاة اهـ. (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي. (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ

الترغيب في تعليم الأولاد القرآن والعمل بأحكامه

زَبَّانَ بْنِ فَائِدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضَوْؤُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِى عَمِلَ بِهَذَا". (ش) (ابن وهب) هو عبد الله تقدم بالأول صفحة 325 (قوله من قرأ القرآن) أي ورتله لأنه هو الذي يستحق الإكرام ولقوله تعالى (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) بخلاف من قرأن بغير ترتيل فإنه يستحق الإثم والانتقام. أخرج العسكري في المواعظ عن علي كرم الله وجهة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن هذه الآية فقال بينه تبيينًا ولا تنثره نثر الدقل ولا تهذه هذّ الشعر قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة (قوله وعمل بما فيه) أي من الأخلاق والآداب والأحكام فأتمر بأوامره واجتنب نواهيه واتعظ بمواعظه (قوله ألبس والداه تاجًا يوم القيامة) قيل هو كناية عن السعادة وسعتة الملك يوم القيامة والأقرب إبقاء التاج على ظاهرة وأنه ما يصاغ للملوك من الذهب والجواهر بقرينة قوله ضوءه أحسن من ضوء الشمس، وعبر بأحسن دون أنور وأشرق إعلامًا بأن تشبيه التاج مع ما فيه من نفائس الجواهر بالشمس ليس لمجرد الإشراق والضوء بل مع رعاية شيء من الزينة والحسن (قوله لو كانت فيكم) أي لو كانت الشمس في بيت من بيوتكم على سبيل التقدير فإن الشمس إذا كانت داخل البيت على هذه الصفة تضاعف ضوؤها فإن الضوء إذا حبس تزايد نوره على حد قوله تعالى. (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ). والمراد المبالغة في حسن ذلك التاج (قوله فما ظنكم بالذى عمل بهذا) أي إذا كان هذا جزاء والديه لكونهما سببًا في وجوده فما ظنكم بجزاء من قرأ القرآن وعمل به. وهذا إشارة إلى أن ثواب القارئ بلغ مبلغًا عظيمًا لا تحيط به العقول فلا يعلم قدر عظمة إلا الله تعالى. (فقه الحديث) دل الحديث على الحث على الترغيب في تعلم القرآن والعمل بمقتضاه. وعلى مزيد أجر والدي القارئ. وعلى الترغيب في تعليم الأولاد القرآن وحثهم على العمل بمقتضاه. وعلى عظم أجر قارئ القرآن العامل بما فيه. (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد وهو ضعيف لأن في سنده زبان بن فائد وسهل بن معاذ وفيهما مقال وأخرجه الحاكم عن بريدة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من قرأ القرآن وتعلمه وعمل به ألبس والده يوم القيامة تاجًا من نور ضوءه مثل ضوء الشمس ويكسى والده حلتين لا تقوم بهما الدنيا فيقولان بم كسينا هذا فيقال بأخذ ولدكما القرآن

أجر قاريء القرآن وما ورد في فضله

(ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا هِشَامٌ وَهَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَالَّذِى يَقْرَؤُهُ وَهُوَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ فَلَهُ أَجْرَانِ". (ش) (هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي تقدم بالأول صفحة 114 وكذا (همام) بن يحيى بن دينار صفحة 74، و (قتادة) بن دعامة (قوله الذي يقرأ القرآن الخ) الذي مبتدأ وجملة هو ماهر به حال من فاعل يقرأ، وقوله مع السفرة خبر المبتدأ، والماهر الحاذق في قراءته المتقين لها الذي لا تشق عليه لجودة حفظه لكونه يسر الله تعالى عليه كما يسره على الملائكة. يقال مهر في العلم يمهر مهرًا ومهارة فهو ماهر أي حاذق عالم بذلك ومهر في صناعته أتقنها. والسفرة جمع سافر مثل كاتب وكتبة هم الكتبة من الملائكة حملة اللوح المحفوظ قال تعالى (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ) سموا بذلك لأنهم ينقلون الكتب المنزلة على الأنبياء وقيل هم الكتبة لأعمال العباد. وقال ابن عباس هم الملائكة المتوسطون بين الله تعالى وأنبيائه. ويكون سافر بمعنى سفير أي رسول وواسطة، والمشهور في مصدره بهذا المعنى السفارة بكسر السين وفتحها. وقيل هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأنهم سفراء بين الله تعالى والأمم. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن وهب بن منبه أنهم أصحاب محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم وذلك لأنهم سفراء ووسائط بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبين سائر الأمة أولأن بعضهم يسفر إلى بعض في الخير والتعليم والتعلم. ويعنى بكونه معهم أنه يعمل بعملهم في الدنيا فيكونون معه بالحفظ والبركة ويكون رفيقًا لهم في منازلهم في الآخرة (قوله الكرام البررة) يعني الأعزاء على الله تعالى المعظمين عنده فالكرام من الكرامة بمعنى التوقير ويكون جمع كريم أي المكرمين المقربين عند الله لعصمتهم من دنس المعصية أو المراد أنهم متعطفون على المؤمنين يستغفرون لهم ويرشدونهم إلى ما فيه الخير بالإلهام وينزلون بما فيه تكميلهم من الشرائع، فالكرام من الكرم ضد اللؤم. والبررة جمع بار وهو التقي المطيع لله تعالى أو المحسن (قوله وهو يشتد عليه الخ) أي يشق عليه ويقل على لسانه لضعف حفظه. وفي رواية الشيخين وابن ماجه والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو شاق عليه فله أجران أجر لقراءته وأجر لمشقته، وهو تحريض وحث على تحصيل القراءة، وليس المراد أن الذي يتتعتع فيه أكثر من الماهر بل الماهر أكمل منه أجرًا لمزيد اعتنائه بالقرآن وكثرة دراسته وإتقانه لحروفه ولاندراجه في سلك الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين والصحابة الطاهرين. وقيل إن من يتتعتع في قراءته أكثر في الأجر من الماهر لأن

الترغيب في الاجتماع لتلاوة القرآن ومدارسته

الأجر على قدر التعب ولا يخفى بعده (وفي الحديث) الحث على حفظ القرآن واتقانه وبيان علومنزلة من فعل ذلك (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والبيهقي والترمذي وقال حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ تَعَالَى يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ الله فِيمَنْ عِنْدَهُ". (ش) (أبو معاوية) محمَّد بن خازم الضرير تقدم بالأول صفحه 36 (قوله ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله) المراد بهم المساجد وخصها بالذكر لأنها أشرف البقاع ويلحق بها غيرها من الأمكنه الطاهره (قوله ويتدارسونه بينهم) أي يقرءونه ويتعهدونه بالحفظ والإتقان. والأولى أن يقرأ الثاني ما قراه الأول لما قيل إنها الكيفيه التي كانت تحصل من النبي صلى الله عليه واله وسلم مع جبريل حينما يدارسه القرآن ومحله ما لم يؤد إلى التخليط والتشويش على المتعبدين وإلا منع لعموم قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا ضرر ولا ضرار) رواه الترمذي وابن ماجه وراواه مالك في الموطأ مرسلًا وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (من ضار مسلمًا ضاره الله ومن شق مسلمًا سياق الله عليه) رواه الترمذي أيضًا وحسنه وسيأتي للصنف (قوله إلا نزلت عليهم السكينه) أي الطمانينه والرحمه والوقار وقيل ما يحصل به السكون وصفاء القلب وذهاب الظلمة النفسانيه وقيل المراد بالسكينه الملائكه فإنهم ينزلون على التالين لكتاب الله يستمعون الذكر. ويؤيده ما أخرجه مسلم عن البراءه قال كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط بشطنين فتغشته سحابه فجعلت تدور وتدنو وجعل فرسه ينفر منها فلما أصبح أتى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذكر ذلك له فقال تلك السكينه تنزلت للقران (يعني الملائكه) والشطنين تثنيه شطن بفتحتين الحبل (قوله وغشيتهم الرحمه الخ) أي عمهم الفضل والإحسان وأحاطت بهم ورفرفت عليهم ملائكة الرحمه لاستماع الذكر تشريفًا وتعظيمًا لهم وذكرهم الله بالثناء عليهم في الملا الأعلى فيمن كان مقربًا عنده من الأنبياء والملائكه المقربين لقوله تعالى في الحديث عند الشيخين (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملإٍ ذكرته في ملإٍ خير منه) والعنديه عندية شرف ومكانه لا عندية

مكان لاستحالته عليه تعالى (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم مطولًا (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ نَا ابْنُ وَهْبٍ نَا مُوسَى بْنُ عُلَيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ في الصُّفَّةِ فَقَالَ "أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى بُطْحَانَ أَوِ الْعَقِيقِ فَيَأْخُذَ نَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ زَهْرَاوَيْنِ بِغَيْرِ إِثْمٍ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ قَطْعِ رَحِمٍ". قَالُوا كُلُّنَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ "فَلأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَتَعَلَّمَ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ وَإِنْ ثَلاَثٌ فَثَلاَثٌ مِثْلُ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإِبِلِ". (ش) (رجال الحديث) (موسى بن عُلَيِّ بن رباح) اللخمي أبو عبد الرحمن المصري روى عن أبيه والزهري وابن المنكدر ويزيد بن أبي حبيب وعنه اسامه بن زيد وابن المبارك وابن مهدي ووكيع وأبو نعيم وجماعة وثقه أحمد وابن معين والعجلي والنسائي وقال أبو حاتم كان رجلًا صالحًا يتقن حديثه لا يزيد ولا ينقص صالح الحديث وكان من ثقات المصريين توفي سنه ثلاث وستين ومائه روى له مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه والبخاري في الأدب. و(أبوه) عُلَيِّ بالتصغير ابن رباح بن قصير بن القشيب اللخمي أبو عبد الله. روى عن عمروبن العاص وسراقة بن مالك وفضاله بن عبيد وأبي قتاده وأبي هريرة وآخرين وعنه ابنه موسى وحميد بن هانئ ويزيد ابن أبي حبيب والحارث بن يزيد وغيرهم وثقه ابن سعد والعجلي ويعقوب بن سفيان والنسائي والترمذي وابن ماجه والبخاري في الأدب (معنى الحديث) (قوله ونحن في الصفه) بضم الصاد المهمله وتشديد الفاء موضع مظلل في مؤخر مسجد المدينة يسكنه من لم يكن له منزل من فقراء المهاجرين وكانوا يكثرون تاره حتى يبلغوا نحوالمائتين ويقلون أخرى لإرسالهم في الجهاد وتعليم القرآن (قوله أيكم يحب أن يغدوالخ) أي يذهب في الغدوه وهي أول النهار أو ينطلق كل يوم وفي رواية مسلم أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق وبطحان بضم الموحده وفتحها والعقيق واديان بالمدينة وأو للتنويع وخصها بالذكر لأنهما كانا يقام فيها أسواق الإبل بالمدينة (قوله كوماوين) تثنيه كوماء قلبت الهمزه واوا في التثنيه وهي العظيمه السنام. وزهراوين أي

بعض ما ورد في فضل قراءة القرآن

مائلين إلى البياض لسمنهما تثنيه زهراء من الزهرة وهي الحسن والبهجة (قوله بغير إثم) متعلق بقوله يأخذ وهو كنايه عن كونهما جلالين بغير ثمن ليستا مشوبتين بشيء من الإثم كان يسرقهما أو يغصبهما (قوله ولا قطع رحم) وفي نسخه ولا قطيعه رحم وهو من ذكر الخاص بعد العام والمراد إلا يأخذهما من ذوي رحمه بالغصب أو السرقه المترتب عليه قطيعه الرحم (قوله قالوا كلنا يا رسول الله الخ) أي كلنا يحب ذلك وهذا إلا ينافي اختيارهم الفقر فإنهم أرادوا الدنيا للدين ليصرفوا على المحتاجين والمجاهدين فأراد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يرقيهم عن هذا المقام قال فلأن يغدو أحدكم الخ أي إذا كنتم غير تاركين فلأن يذهب أحدكم كل يوم إلى المسجد ليتعلم الخ. والسلام للقسم والفعل في تأويل مصدر مبتدأ خبره خير والتقدير والله غدو أحدكم في كل يوم إلى المسجد ليتعلم آيتين من كتاب الله تعالى خير له من هاتين الناقتين (قوله وإن ثلاث فثلاث الخ) أي وإن كان الذي يتعلمه ثلاث آيات فهن خير من النوق الثلاث وفي رواية مسلم وأربع خير من أربع ومثل أعدادهن مثل أعدادهن من الإبل أي وسائر الأعداد من الآيات خير من مثل أعدادهن من الإبل ويحتمل أن يكون المعنى أن آيتين خير من ناقتين ومن أعدادهما من الإبل وثلاث خير من ثلاث ومن أعدادهن من الإبل وكذا أربع والحاصل أن الآيات تفضل على أعدادهن من النوق ومن أعدادهن من الإبل وهذا من باب التمثيل والتقريب وإلا فجميع الدنيا أحقر من أن تقابل بمعرفه شيء من كتاب الله تعالى وفي هذا كله الترغيب في تعلم القرآن (وقد جاء) في فضل قراءة القرآن والترغيب في حفظه أحاديث أخر. منها ما أخرجه الترمذي عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله صلى الله تعالى وعلى آله وسلم وخيركم وأفضلكم من تعلم القرآن وعلمه ومنها ما أخرجه أيضًا عن أبي صالح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول القرآن يا رب حلة فيلبس تاج الكرامه ثم يقول يا رب زده فيلبس حله الكرامه ثم يقول يا رب ارض عنه فيرضى عنه فيقال له أقرأ وارق وتزاد بكل آيه حسنة ومنها ما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله أوصني قال عليك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله قلت يا رسول الله -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- زدني قال عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء ومنها ما أخرجه مسلم عن أبي أمامة قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول اقراءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه. ومنها ما أخرجه الشيخان والنسائي عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجه ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانه ريحها طيب وطعمها مر ومثل

باب في فاتحة الكتاب

المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظله ليس لها ريح وطعمها مر: ومنها ما أخرجه النسائي وابن ماجه عن أنس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن لله أهلين من الناس قالوا من هم يا رسول الله قال أهل القرآن هم أهل الله وخاصته. (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم (باب فاتحة الكتاب) أي في بيان ما ورد في فضلها (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ نَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي. (ش) (ابن أبي ذئب) محمَّد بن عبد الرحمن تقدم بالثاني ص 83. و(المقبري) سعيد ابن أبي سعيد تقدم بالثالث ص 25 (قوله الحمد لله رب العالمين أم القرآن الخ) أم الشيء أصله وأصول القرآن ومقاصده أربعه: الإلهيات والمعاد وإثبات القضاء والقدر لله تعالى والنبوات فقوله الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم يدل على الإلهيات من أن ذاته مستجمعة لصفات الكمال وقوله مالك يوم الدين يدل على المعاد وإياك نعبد وإياك نستعين يدل على نفي الجبر وأن الكل بقضاء الله وقدره واهدنا الصراط المستقيم الخ يدل على إثبات القضاء والقدر وعلى النبوات ولذا لقبت هذه السورة بأم القرآن وأم الكتاب وقيل سميت بذلك لاشتمالها على جل المعاني التي في القرآن من الثناء على الله تعالى والتعبد بالأمر والنهى والوعد والوعيد واشتمالها على ذكر ذات الله تعالى وصفاته وعلى ذكر المبدأ والمعاش والمعاد كما تقدم. وقال البخاري سميت بذلك لأنها يبدأ بكتابتها في المصحف ويبدأ بقرائتها في الصلاة وقيل الأم في الأصل الراية التي يحملها قائد الجيش وتكون مرجعًا للعسكر في الكر والفر وسميت هذه السورة بذلك لأنها مرجع أهل الإيمان كما أن الأرض تسمى أمًا لأن الخلق يرجعون إليها في حياتهم ومماتهم وأما وجه تسميتها بالسبع المثاني لأنها سبع آيات بالاتفاق إلا أن بعضهم عد البسملة منها وجعل السابعة صراط الذين أنعمت عليهم الخ ومن لم يعد البسملة منها جعل صراط الذين أنعمت عليهم آيه وغير المغضوب عليهم الخ آيه أخرى. والمثاني جمع مثناه من التثنيه لأنها تثنى في الصلاة في كل ركعه كما جاء عن ابن عمر بسند حسن: قال السبع المثاني فاتحة الكتاب تثنى في كل ركعه

فضل الفاتحة

أو لاشتمالها على قسمين ثناء ودعاء كما يشير إليه حديث قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين وقد تقدم في (باب من ترك القراءة في صلاته) من الجزء الخامس ص 246 , وقيل هي من الثناء لاشتمالها على ما هو ثناء على الله تعالى فكأنها تثنى عليه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا ومن أسمائها الفاتحة والوافية والكفاية والشافية وسوره الأساس وسوره الصلاة وسورة السؤال وسوره الشكر وسوره الدعاء وسوره الشفاء (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري بلفظ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أم القرآن هي السبع المثاني والقران العظيم (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ نَا خَالِدٌ نَا شُعْبَةُ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِهِ وَهُوَ يُصَلِّي فَدَعَاهُ قَالَ فَصَلَّيْتُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ قَالَ فَقَالَ "مَا مَنَعَكَ أَنْ تُجِيبَنِي ". قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي. قَالَ "أَلَمْ يَقُلِ الله عَزَّ وَجَلَّ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) لأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ في الْقُرْآنِ". شَكَّ خَالِدٌ "قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ". قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ قَوْلَكَ. قَالَ " (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي الَّتِى أُوتِيتُ وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ". (ش) (الرجال) (خالد) بن الحارث البصري تقدم بالرابع صفحه 100. و(أبو سعيد بن المعلى) الحارث بن نفيع بن المعلى كما صححه ابن عبد البر وقيل رافع بن أوس بن المعلى. روى عن النبي صلى الله تعالى وآله وسلم. وعنه حفص بن عاصم وعبيد بن حنين. توفي سنه ثلاث أو أربع وسبعين روى له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه (المعنى) (وقوله فدعاه) أي طلب النبي صلى الله تعالى وعلى آله وسلم أبا سعيد فلم يجبه كما في رواية البخاري قال: كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلم أجبه. وفي رواية له قال مر بي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنا أصلي فدعاني فلم آته حتى صليت ثم أتيت, ولم يجبه في الصلاة لاعتقاده أن إجابه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مبطله للصلاه كإجابه غيره (قوله كنت أصلي) اعتذار عن عدم إجابته للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ولعله فهم أن من في الصلاة خارج عن الخطب في قوله تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ) (وقوله ألم يقل الله الخ) إنكار منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على أبي سعيد في عدم إجابته له في الصلاة (قوله استجيبوا لله وللرسول) أي أجيبوا الله ورسوله بالطاعة. فالسين والتاء زائدتان للتأكيد (قوله إذا دعاكم لما يحييكم) أي إذا طلبكم لما فيه حياتكم حياة أبدية من الإيمان بالله والرسول وإطاعتهما في الأمر والنهي. وإفرد الضمير في دعا ولم يقل دعياكم لأن دعوة الرسول في الحقيقه هي دعوة الله. وذكر الرسول لأنه المبلغ عن الله تعالى فعدم طاعته مخالفه لله (قوله لأعلمنك أعظم سورة الخ) وفي رواية للبخاري ثم قال لي لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن بدون شك. والمراد أن ثوابها أعظم من ثواب غيرها. وبه استدل جماعة على جواز تفضيل بعض القرآن على بعض. ومنع ذلك الأشعري وجماعة قالوا لأن المفضول ناقص عن درجه الأفضل وأسماء الله وصفاته وكلامه لا نقص فيها. وفيما قالوه نظر فإن الأحاديث الكثيره الصحيحه عند المصنف وغيره جاءت بتفضيل بعض القرآن على بعض. على أن التفاصيل إنما هو بحسب المعاني لا بحسب الصفه أما من حيث إنه كلام الله تعالى وصفة من صفاته فلا تفاضل فيه (قوله قلت يا رسول الله قولك) أي تذكر قولك لي لأعلمنك سورة, فقولك مفعول لمحذوف هو تذكر أو راع أو احفظ قولك الذي وعدتني به من تعليم السورة. وفي رواية البخاري ألم تقل لأعلمنك سورة: وفي رواية ابن ماجه فذهب النبي صلى الله تعالى وعلى آله وسلم ليخرج فاذكرته (قوله هي السبع المثاني الخ) فيه تصريح بأن المراد بقوله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) الفاتحة, فيكون عطف القرآن على السبع المثاني عطف مرادف وإطلاق القرآن على الفاتحة مبالغة لما اشتملت عليه من المعاني التي في القرآن كما تقدم ويحتمل أن يكون قوله والقران العظيم مبتدأ والخبر محذوف أي والقران العظيم ما يزيد عليها فيكون وصف الفاتحة قد انتهى إلى قوله السبع المثاني, والراجح الأول, وسيأتي عن ابن عباس أن السبع المثاني هي السبع الطول من أول البقرة إلى آخر الأعراف ثم براءه (وقيل يونس) هذا: وصريح المصنف أن هذه القصه وقعت لأبي سعيد بن المعلى , وفي رواية الترمذي من حديث أبي هريرة أنها وقعت لأبيّ بن كعب ولفظه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى وعلى آله وسلم خرج على أبيّ بن كعب فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا أبيّ وهو يصلي فالتفت أبيّ ولم يجبه وصلى أبيّ فخفف ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله تعالى وعلى آله وسلم فقال السلام عليك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليك السلام: ما منعك يا أبيّ أن تجيبني إذ دعوتك فقال يا رسول الله إني كنت في الصلاة, قال فلم تجد فيما أوحي إليّ أن (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ

حكم إجابة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الصلاة

لِمَا يُحْيِيكُمْ) , قال بلى ولا أعود أن شاء الله تعالى (الحديث). وجمع البيهقي بأن القصه وقعت لأبيّ ابن كعب ولأبي سعيد بن المعلى. قال الحافظ في الفتح ويتعين المصير إلى ذلك لاختلاف مخرج الحديثين واختلاف سياقهما وما قيل من أن هذه القصه وقعت لأبي سعيد الخدري فهو وهم كما قاله الحافظ. (فقه الحديث) دل الحديث على عظم فضل الفاتحة. وعلى أن القرآن يتفاضل. وعلى أن إجابه النبي صلى الله تعالى وعلى آله وسلم واجبه على الفور ولو في الصلاة لأنه صلى الله عليه وسلم عاتب الصحابي على تأخير إجابته. واختلف أتفسد صلاة من أجاب دعاء النبي صلى الله تعالى وعلى آله وسلم حال صلاته أم لا؟ وبكل قال جماعة من الحنفية والشافعية والحديث محتمل لكل منهما وذهبت المالكية إلى عدم البطلان في أصح القولين وعلى إنه ينبغي لمن نصب نفسه للأمر والنهي أن يستعمل الحكمة في نصحه. وعلى أن الإنسان لا تمنعه مهابه رئيسيه من تعلم أمر دينه منه. (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري والنسائي وابن ماجه والدرامي والبيهقي (باب مَنْ قَالَ هِىَ مِنَ الطُّوَلِ) أي من قال إن الفاتحة من السور الطُّوَلِ يعني باعتبار اشتمالها على المعاني الطويلة لا باعتبار اللفظ , ويحتمل أن المراد بيان من قال أن السبع المثاني هي الطُّوَلِ فمن زائده والضمير عائد على السبع المثاني في الحديث المتقدم لأنه لما ذكر أن الفاتحة السبع المثاني وهو قول بين بهذه الترجمه أن هناك قولًا آخر هو أن السبع المثاني هي السور الطوال الآتي بيانها (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أُوتِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي الطُّوَلِ وَأُوتِىَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ سِتًّا فَلَمَّا أَلْقَى الأَلْوَاحَ رُفِعَتْ ثِنْتَانِ وَبَقِىَ أَرْبَعٌ. (ش) (جرير) بن عبد الحميد تقدم بالأول صفحه 84. و (الأعمش) سليمان ابن مهران (قوله أوتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبعًا من المثاني الطُّوَلِ) أي أعطي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبعًا من المثاني هي الطول بضم الطاء المهمله وفتح الواو جمع الطولى مثل كبرى وكبر, ومراد ابن عباس بالسبع المثاني الفاتحة لأن آياتها سبع وطولها باعتبار غزارة معانيها كما تقدم, ويحتمل إنه أراد بها البقرة وآل عمران

باب ما جاء في آية الكرسي

والنساء والمائده والأنعام والأعراف والتوبة كما جاء عنه في رواية للنسائي بإسناد صحيح أن السبع المثاني الطوال أي السور من أول البقرة إلى آخر الأعراف ثم براءه وهو الظاهر ويؤيده ما أخرجه ابن جرير في تفسيره من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم البطين عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس في قوله سبعًا من المثاني قال البقرة وآل عمران والنساء والمائده والأنعام والأعراف. قال إسرائيل وذكر السابعة فنسيتها. فكان المصنف حمل كلام ابن عباس على الأول: ويؤيده ما أخرجه ابن جرير في تفسيره من طريق ابن جريج قال أخبرنا أبي عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس إنه قال في قوله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي) قال هي فاتحة الكتاب فقرأها على ستًا ثم قال بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الآية السابعة (قوله فلما ألقى الألواح الخ) يعني حين رجع من المناجاة ووجد قومه قد عبدوا العجل طرح الألواح التي كتبت فيها التوراة فرفع منها اثنان وبقين أربع. وكان القياس إنه يقول وبقيت أربع وهي رواية ابن جرير: قال البغوي قالت الرواة كانت التوراة سبعة أسباع فلما ألقى الألواح تكسرت فرفعت سته أسباعها وبقي سبع فرفع ما كان من أخبار الغيب وبقي ما فيه من الموعظة والأحكام والحلال والحرام, وأخرج السيوطي في الدر المنثور عن ابن عباس قال لما ألقى موسى الألواح تكسرت فرفعت إلا سدسها, وفي رواية عنه قال كتب الله لموسى في الألواح موعظه وتفصيلًا لكل شيء فلما ألقاها رفع الله منها سته أسباعها وبقي سبع يقول الله (وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ) أي فما بقي منها (والحديث) أخرجه ابن جرير في تفسيره وأخرجه أيضًا النسائي عن ابن عباس مختصرًا بلفظ أوتي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبعًا من المثاني السبع الطول وأخرجه بلفظ تقدم (باب ما جاء في آية الكرسي) أي في بيان فضل آية الكرسي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الأَعْلَى نَا سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ عَنْ أَبِي السَّلِيلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "أَبَا الْمُنْذِرِ أَيُّ آيَةٍ مَعَكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمُ". قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ "أَبَا الْمُنْذِرِ أَيُّ آيَةٍ مَعَكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمُ". قَالَ قُلْتُ (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) قَالَ فَضَرَبَ فِي صَدْرِى وَقَالَ "لِيَهْنِ لَكَ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ الْعِلْمُ".

بيان ما اشتملت عليه

(ش) (الرجال) (عبد الأعلى) بن عبد الأعلى تقدم بالأول ص 69. و(أبو السليل) بفتح السين المهمله وكسر اللام اسمه ضريب بالتصغير ابن نقير بالنون والقاف ويقال نفير بالفاء والراء, وقيل نفيل بن سمير الجريري البصري. روى عن زهدم الجرمي وأبي تميمه الهجيمي وعبد الله بن رباح وغنيم بن قيس وأرسل عن أبي ذر وأبي هريرة وابن عباس. وعنه جعفر بن حيان وسعيد الجريري وسليمان التميمي وعثمان بن غياث وغيرهم, وثقه ابن معين وابن حبان وابن سعد وقال في التقريب ثقه من السادسة روى له مسلم والأربعة (معنى الحديث) (وقوله أبا المنذر) بحذف حرف النداء وقد صرح به في رواية مسلم وهي كنية لأبيّ بن كعب (قوله أي آية معك الخ) أي أي آية من كتاب الله حال كونها محفوظه لك أعظم ثوابًا مما سواها. وسأل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أبيًا ليستطلع ما عنده فيظهر فضله وشرفه, وكان ممن حفظ القرآن كله في زمنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ولعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كرر عليه السؤال بعد إن فوض أبيّ علم ذلك إلى الله تعالى ورسوله لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يعلم بطريق الوحي إنه يعلمها, ولم يجبه أبيّ أول مرة تادبًا, أولأنه رغب أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يبين الجواب لأن كثرة الثواب والأجر لا دخل فيها للقياس, أولأنه جوز وجود ما هو أفضل مما يعرفه, فلما كرر عليه السؤال علم أن المراد سؤاله عما يعلمه فأجابه بذلك ويحتمل إنه لم يكن عنده علم بذلك أولًا فلما فوض وحسن تفويضه ألقى الله تعالى عليه ما علم به الجواب, فسأله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثانيًا ليظهر عليه سر ذلك العطاء فأجابه فزاده تثبيتًا وإمدادًا بضربه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على صدره وهنأه بما منحه الله تعالى (قوله الله لا إله إلا هو الخ) المراد بها الآية بتمامها. وكانت هذه الآية أعظم من غيرها من الآيات لأن التوحيد الذي استفيد منها لم يستفد من غيرها: فقد اشتملت على أمهات المسائل الدالة على ثبوت الكمالات لله تعالى ونفي النقائص. واحتوت على توحيد الله تعالى وتعظيمه وذكر أسمائه وصفاته العليا. واشتملت على سبعة عشر موضوعًا فيها اسم الله تعالى ظاهرًا في بعضها ومستترا في البعض الآخر ونطقت بأنه تعالى منفرد بالألوهيه حي واجب الوجود لذاته موجد لغيره منزه عن التحيز والحلول مبرأ عن التغير والفتور مالك الملك والملكوت ذو البطش الشديد العالم وحده بجلي الأشياء وخفيها وكليها وجزئيها واسع الملك والقدرة متعال عن كل ما لا يليق به عظيم لا تصل العقول والأفكار لكنه ذاته وصفاته. فقوله الله إشارة إلى ذات الله وجلاله, والقيوم الذي يقوم بنفسه ولا يقوم به غيره وذلك غايه الجلال والعظمه, ولا تأخذه سنه ولا نوم تنزيه وتقديس له تعالى عن صفات الحوادث , والتقديس مما يستحيل

بعض ما ورد في فضلها

عليه أحد اقسام المعرفه. وله ما في السماوات وما في الأرض إشاره إلى وحدانيه الأفعال وأن الأفعال جميعها منه وإليه. ومن ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه إشاره إلى انفراده بالملك والحكم والأمر وأنه لا يملك الشفاعه عنده في أمر من الأمور إلا من شرفه بها وأذن فيها, وهذا نفي للشركة عنه في الملك والأمر. ويعلم ما بين أيديهم إلى قوله بما شاء إشارة إلى صفه العلم وتفصيل بعض المعلومات والانفراد بالعلم حتى إنه لا علم لغيره إلا ما أعطاه ووهبه على قدر مشيئته وإرادته ووسع كرسيه السماوات والأرض إشارة إلى عظم ملكه وكمال قدرته. ولا يؤوده حفظهما أي لا يثقله وهو إشارة إلى صفه العزه وكمالها وتنزيهها عن الضعف والنقص. وهو العلي العظيم أي المنزه عن صفات الحوادث المتصف بالكبرياء والعظمه وهو إشارة إلى أصلين عظيمين في الصفات وحينئذ لا تجد في آية غيرها جميع هذه المعاني حتى آية شهد الله إذ ليس فيها إلا التوحيد, وقيل اللهم مالك الملك ليس فيها إلا توحيد الأفعال. والإخلاص ليس فيها إلا التوحيد والتقديس, والفاتحه فيها الثلاثه لكنها مرموزة لا مشروحه. نعم يقرب من آية الكرسي في الاشتمال على ما ذكر آخر سورة الحشر وأول الحديد ولكنها آيات لا آية واحدة على أنها تميزت عن تلك بالحي القيوم وهو الاسم الأعظم عند كثيرين اهـ من ابن علان وتفضيلها على ما عداها من الآيات لا يقتضي نقصًا في غيرها لأنه ليس في كلام الله تعالى نقص والكامل قد يفضل بعضه على بعض (قوله ليهن لك) بفتح المثناة التحتيه وسكون الهاء وكسر النون. وفي بعض النسخ ليهنئ بالهمزه وهي الأصل فحذفها تخفيف أي ليكن العلم هنيئًا لك يقال هنؤ الطعام من باب ظرف وهنئ بالكسر من باب علم وهنأ من باب ضرب صار هنيئًا, وكل أمر يأتيك من غير مشقة ولا تعب فهو هنئ وهذا متضمن للإخبار على طريق الكناية بأن أبيًا راسخ في العلم لإجابته بما هو الحق عند الله تعالى. وفي هذا منقبة جليله له ودليل ظاهر على كثرة علومه (فقه الحديث) دل الحديث على أن للرئيس أن يختبر من يرى فيه الكفاءه العلميه ليظهر فضله للغير فينتفع به. وعلى مشروعيه تعظيم الكبير فضلاء أصحابه. وعلى جواز مدح الإنسان في وجهه. ولكن محله إذا كان فيه مصلحه ولم يخش عليه إعجاب بنفسه. وعلى أن آية الكرسي أعظم آية في القرآن, وعلى جواز تفضيل بعض القرآن على بعض وهو الذي عليه المحققون خلافًا لمن منعه وأول أعظم في الحديث بمعنى عظيم. وقد ورد في فضل آية الكرسي أحاديث غير هذا. منها ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال وكلني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت لأرفعنك إلى رسول الله تعالى عليه وعلى آله وسلم, فقال دعني فإني محتاج وعليّ عيال ولي حاجه شديدة فخيلت عنه فأصبحت فقال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة قلت يا رسول الله

اشتكى حاجه شديدة فرحمته فخليت سبيله قال أما إنه قد كذب وسيعود فعرفت إنه سيعود لقول رسول الله صلى الله تعالى وعلى آله وسلم إنه سيعود فرصدته فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم, وقد دعني فإني محتاج وعليّ عيال لا أعود فرحمته فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا أبا هريرة ما فعل أسيرك قلت يا رسول الله شكى حاجه شديدة وعيالًا فرحمته فخليت سبيله قال أما إنه قد كذبك وسيعود فرصدته الثالثه فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهذا آخر ثلاث مرات تزعم أنك لا تعود ثم تعود, قال دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها, قلت ما هي قال إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما فعل أسيرك البارحة قلت يا رسول الله زعم إنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله قال ما هي؟ قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) , وقال لي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح" وكانوا أحرص شيء على الخير" فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما إنه قد صدقك وهو كذوب تعلم من خاطبت منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ قلت لا قال ذاك شيطان (ومنها) ما رواه ابن حبان في صحيحه عن أبي بن كعب أن أباه أخبره كان لهم جرين فيه تمر وكان مما يتعاهده فيجده ينقص فحرسه ذات ليله فإذا هو بدابه كهيئه الغلام المحتمل قال فسلم فرد عليه السلام, فقلت ما أنت جن أم أنس؟ قال جن فقلت ناولني يدك فإذا يد كلب وشعر كلب فقلت هذا خلق الجن فقال لقد علمت الجن أن فيهم من هو أشد مني, فقلت ما يحملك على ما صنعت فقال بلغني أنك تحب الصدقه فأحببت أن أصيب من طعامك, فقلت ما الذي يحرزنا منكم؟ قال هذه الآية آية الكرسي قال فتركته وغدا أبي إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخبره فقال صدق الخبيث اهـ والجرين بفتح فكسر موضع يداس ويدرس فيه الطعام ويجفف فيه الثمار وأخرج أحمد في مسنده عن أبي ذر في حديث طويل قال قلت يا رسول الله أي ما أنزل عليك أعظم؟ قال آية الكرسي (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) وأخرج الطبراني بإسناد حسن عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال من قرأ آية الكرسي في دبر الصلاة المكتوبه كان في ذمه الله إلى الصلاة الأخرى وأخرج البيهقي من حديث أنس مرفوعًا من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاه مكتوبه حفظ إلى الصلاة الأخرى, ولا يحافظ عليها إلا نبي أو صديق أو شهيد. وأخرج الديلمي عن علي كرم الله وجهه إنه قال لو تعلمون ما فيها لما

باب في سورة الصمد

تركتموها على حال وإن رسول الله صلى آله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أعطيت آية الكرسي من كنز تحت العرش لم يؤتها نبي قبلي. وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى وعلى آله وسلم قال سورة البقرة فيها آية سيدة آي القرآن لا تقرأ في بيت وفيه شيطان إلا خرج منه آية الكرسي. رواه الحاكم وصححه. (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم وأحمد وكذا ابن أبي شيبة في كتابه بإسناد مسلم وزاد والذي نفسي بيده إن لهذه الآية لسانًا وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش (باب في سورة الصمد) أي فيما ورد في فضل قل هو الله أحد, وسميت بالصمد لذكره فيها. والصمد السيد الذي ليس فوقه أحد ويقصده الناس دائمًا في حوائجهم وأمورهم. وقال الزجاج هو الذي ينتهي إليه السؤدد يقصده كل شيء. وعن ابن عباس هو السيد الذي قد كمل سؤدده والشريف الذي قد كمل في شرفه والعظيم الذي قد كمل في عظمته والحليم الذي قد كمل في حلمه والعليم الذي قد كمل في علمه والحكيم الذي قد كمل في حكمته, وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد. وقال أبوهريرة هو المستغنى عن كل أحد المحتاج إليه كل أحد. وروى ابن جرير وابن حاتم عن عبد الله بن بريده عن أبيه مرفوعًا "الصمد الذي لا جوف له". وقال الترمذي هو الذي لا تدركه الأبصار ولا تحويه الأفكار ولا تحيط به الأقطار وكل شيء عنده بمقدار ولهذه السورة أسماء أخر أنهاها بعضهم إلى عشرين. منها الإخلاص لما فيها من التوحيد وإخلاص العبادة له تعالى. ومنها سورة المعرفه لأن معرفه الله تعالى لا تتم إلا بمعرفه ما فيها. ومنها سورة التفريد وسوره التجريد وسوره النجاة (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) يُرَدِّدُهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَكَانَ الرَّجُلُ يَتَقَالُّهَا فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ". (ش) (رجال الحديث) (عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن) بن أبي صعصعة

بيان ما قيل في أنها تعدل ثلث القرآن

الأنصاري المازني. روى عن الزهري وعمر بن عبد العزيز وعطاء بن يسار والحارث بن عبد الله بن كعب والسائب بن خلاد وعنه يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك ويزيد بن الهاد وعبد العزيز بن أبي سليمان وثقه النسائي وأبو حاتم وابن حبان وابن عبد البر وقال في التقريب بن الهاد وعبد العزيز بن أبي سليمان. وثقه النسائي وأبو حاتم وابن حبان وابن عبد البر وقال في التقريب ثقه من السابعة. توفي في خلافه أبي جعفر المنصور. روى له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله أن رجلًا سمع رجلًا الخ) السامع هو أبو سعيد الخدري. والقارئ أخوه لأمه قتاده بن النعمان كما جزم به ابن عبد البر فقد أخرج الدارقطني هذا الحديث عن أبي سعيد بلفظ إن لي جارًا يقوم بالليل فما يقرأ إلا بقل هو الله أحد, وأخرج أحمد من طريق أبي الهيثم عن أبي سعيد قال بات قتاده بن النعمان يقرأ من الليل كله قل هو الله أحد لا يزيد عليها (الحديث) (قوله وكأن الرجل الخ) أي كأن السائل يتلقاها بتشديد اللام أي يعدها قليله. يقال تقلل الشيء واستقله وقاله اذا رآه قليلًا, والمراد أنه رآها قليله في العمل لا أنه عدها ناقصه (قوله أنها لتعدل ثلث القرآن) أي أن قل هو الله أحد لتماثل ثلث القرآن لأنه يشتمل على ثلاثه اقسام قصص وأحكام وعقائد, وقل هو الله أحد تتعلق بالعقائد فكانت بمنزله الثلث , ويؤيده ما في صحيح مسلم من طريق قتاده عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أيعجز أحدكم أن يقرأ كل يوم ثلث القرآن قالوا نعم قال فإن الله تعالى جزأ القرآن ثلاثه أجزاء فجعل قل هو الله أحد ثلث القرآن "وما اعترض به" ابن عبد البر من أن في القرآن آيات كثيره فيها أكثر مما فيها من التوحيد كآية الكرسي وآخر الحشر ولم يرد فيها ذلك "أجاب عنه" القرطبي بأن هذه السورة قد اشتملت على اسمين من أسماء الله تعالى يتضمنا جميع أوصاف الكمال لم يوجدا في غيرها من السور وهما الأحد والصمد لأنهما يدلان على أحديه الذات المقدسة الموصوفة بجميع أوصاف الكمال. وذلك أن الأحد يشعر بوجوده الخاص الذي لا يشاركه فيه غيره. والصمد يشعر بجميع أوصاف الكمال لأنه الذي انتهى إليه السؤدد فكان مرجع الطلب منه وإليه, ولا يتم ذلك على وجه التحقيق إلا لمن حاز جميع خصال الكمال وذلك لا يصلح إلا لله تعالى: فلما اشتملت هذه السورة على معرفه الذات المقدسة كانت بالنسبة إلى تمام المعرفه بصفات الذات وصفات الفعل ثلثا. وقيل أن ثواب قرائتها يعدل ثواب قراءه ثلث القرآن وضعفه ابن عقيل وقال لا يجوز أن يكون المعنى فله أجر ثلث القرآن لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات" فيكون ثواب قراءه القرآن بتمامه أضعافًا مضاعفة بالنسبة لثواب قراءه هذه السورة. قال وأجاب الدواني عن هذا الإشكال بأن للقارئ ثوابين تفصيليًا بحسب قراءه الحروف وإجماليًا بحسب ختم القرآن, فثواب قل هو الله أحد يعدل ثلث الختم الإجمالي دون التفصيلي

بعض ما ورد في فضلها

ونظيره إذا عين أحد لمن يبني دار في كل يوم دنانير وعين له إذا أتمها جائزة أخرى زائده على أجرته اليومية وأجاب الكرماني بأن المراد أنها تعدل ثلث القرآن في أصل الأجر دون المضاعفة فمن قرأها ثلاث مرات كأنه قرأ من القرآن من غير مضاعفة ومن قرأها ثلاثين مرة فكأنه قرأ القرآن كله مع المضاعفة والأحسن أن يقال لا مانع من أن يخص الله بعض العبادة التي ليس فيها كثير مشقة بثواب أكثر ما هو من جنسها وأشق منها بأضعاف مضاعفة وهو سبحانه الذي لا حجر عليه ولا يتناهى جوده وكرمه فلا يبعد أن يتفضل جل وعلا على قارئ القرآن بكل حرف عشر حسنات ويزيد على ذلك أضعافًا مضاعفة لقارئ الإخلاص بحيث يعدل ثوابه ثواب قارئ ثلث منه غير مشتمل على تلك السورة ويفوض حكمه التخصص إلى علمه سبحانه وتعالى وكذا يقال في أمثالها وهذا مراد من جعل ذلك من المتشابه الذي استأثر الله تعالى بعلمه وليس هذا بأبعد ولا أبدع من تخصيص بعض الأزمنة والأمكنة المتحدة الماهية بأن للعبادة فيه ولو قليلة من الثواب ما يزيد أضعافًا مضاعفة على ثواب العبادة في مجاوره مثلًا ولو كثيره بل قد خصص الأزمنة والأمكنة بوجوب العبادة فيه وبعضها بحرمتها فيه. وله سبحانه وتعالى في كل ذلك من الحكم ما هو به أعلم أفاده في روح المعاني وقال ابن عبد البر السكوت في هذه المسأله أفضل من الكلام فيها وأسلم واختار في الفتح القول بمضاعفه الأجر أيضًا قال ومنهم من حمل ذلك على تحصيل الثواب فقال معنى كونها ثلث القرآن أن ثواب قراءتها يحصل للقارئ مثل ثواب من قرأ ثلث القرآن ويستأنس له بما رواه العقل عن رجاء الغنوي "من قرأ قل هو الله أحد ثلاث مرات فكأنه قرأ القرآن أجمع" وقيل مثله بغير تضعيف وهي دعوى بدون دليل ويؤيد الإطلاق ما أخرجه مسلم من حديث أبي الدرداء وفيه "قل هو الله تعدل ثلث القرآن" وساق روايات أخر أيد بها الإطلاق اهـ (وفي الحديث) دلاله على مزيد فضل قل هو الله أحد لما تضمنه من تنزيه الله تعالى عن كل ما لايليق به لأنها مع قصرها جامعة لصفات الله الأحدية ومتضمنه لنفي ما لا يليق بجلاله من الوالد والولد والنظير فليس هناك من يمنعه كالوالد ولا من يساويه كالكفء ولا من يعينه كالولد, وهذه أصول مجامع التوحيد الاعتقاديه. وفيه جواز تكرار السورة الواحده في الصلاة مرات. وفيه أن الله يعطي على العمل القليل ما لا يعطيه على العمل الكثير. وقد ورد في فضلها أحاديث أخر. منها ما أخرجه الترمذي والنسائي والأحكام ومالك عن أبي هريرة قال أقبلت مع رسول الله صلى تعالى عليه وعلى آله وسلم فسمع رجلًا يقر قل هو الله أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجبت فسألته ماذا يا رسول الله فقال الجنة, فقال أبوهريرة فأردت أن اذهب إلى الرجل فأبشره ثم فرقت أن يفوتني الغداء مع رسول الله صلى تعالى عليه وعلى آله وسلم فآثرت الغداء مع

رسول الله صلى الله تعالى وعلى آله وسلم ثم ذهبت إلى الرجل فوجدته قد ذهب. ومنها ما أخرجه أحمد عن معاذ بن أنس الجهني عن رسول الله صلى الله تعالى وعلى آله وسلم قال "من قرأ قل هو الله أحد حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصر في الجنة" فقال عمر بن الخطاب إذًا نستكثر يا رسول الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الله أكثر وأطيب ومنها ما أخرجه الدرامي من طريق حيوة قال أخبرني أبو عقيل أنه سمع ابن المسيب يقول أن نبي الله صلى تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بني له بها قصر في الجنة, ومن قرأها عشرين مرة بني له قصران في الجنة, ومن قرأها ثلاثين مرة بني له بها ثلاثه قصور في الجنة" فقال عمر بن الخطاب والله يا رسول الله إذا لنكثرن قصورنا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الله أوسع من ذلك. ومنها ما أخرجه الدرامي في مسنده عن أبي المغيرة عن صفوان الكلاعي قال قال رجلًا رسول الله أي سور القرآن أعظم قال قل هو الله أحد. ومنها ما أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن عائشه رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعث رجلًا على سريه وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله تعالى وعلى آله وسلم فقال سلوه لأي شيء يصنع ذلك فسألوه فقال لأنها صفه الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبروه أن الله يحبه. وفي رواية للبخاري أيضًا والترمذي عن أنس أطول منه في آخرها فلما أتاهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبروه الخبر فقال يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعه فقال إني أحبها فقال حبك إياها أدخلك الجنة. ومنها ما رواه أبو نعيم من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبه عن مهاجر قال سمعت رجلًا يقول صحبت النبي صلى الله تعالى وعلى آله وسلم في سفر فسمع رجلًا يقرأ قل يا أيها الكافرون فقال قد برئ من الشرك وسمع آخر يقرأ قل هو الله أحد فقال غفر له. ومنها ما أخرجه الطبراني في معجمه وأبو يعلى في مسنده عن جابر يرفعه " ثلاث من جاء بهن مع الإيمان دخل من أي أبواب الجنة شاء وزج من الحور العين حيث شاء: من عفا عن قاتله وأدى دينًا خفيًا وقرأ في دبر كل صلاة مكتوبة عشر مرات قل هو الله أحد فقال أبو بكر أو إحداهن يا رسول الله قال أو إحداهن. وفي إسناده عمر بن نبهان وقد تكلم فيه (والحديث) أخرجه أيضًا مالك في الموطأ والبخاري والنسائي والبيهقي

باب في المعوذتين

(باب في المعوذتين) بكسر الواو وتفتح أي في بيان فضل قل أعوذ برب الفلق وقيل أعوذ برب الناس (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ الْقَاسِمِ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ كُنْتُ أَقُودُ بِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَاقَتَهُ في السَّفَرِ فَقَالَ لِي "يَا عُقْبَةُ أَلاَ أُعَلِّمُكَ خَيْرَ سُورَتَيْنِ قُرِئَتَا". فَعَلَّمَنِي (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) وَ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) قَالَ فَلَمْ يَرَنِي سُرِرْتُ بِهِمَا جِدًّا فَلَمَّا نَزَلَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ صَلَّى بِهِمَا صَلاَةَ الصُّبْحِ لِلنَّاسِ فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الصَّلاَةِ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ "يَا عُقْبَةُ كَيْفَ رَأَيْتَ". (ش) (ابن وهب) عبد الله. و (معاوية) بن صالح تقدم بالأول صفحه 332 و(القاسم) بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الدمشقي تقدم بالرابع صفحه 250 (قوله إلا أعلمك خير سورتين) أي إلا أعلمك سورتين هما من أفضل السور. وليس المراد انهما أفضل السور على الإطلاق إذ هناك ما يساويهما أو يزيد عليهما وقيل هما يزيان على غيرهما من السور في باب التعويذ إذ لم توجد سورة كلها تعويذ إلا هاتين السورتين (قوله فلم يرني سررت بهما جدًا) أي سرورًا كثيرًا. والنفي راجع إلى الصفه التي هي كثرة السور لا إلى أصل السرور لأنه حاصل. ولعل عقبة لم يكثر سروره بهما لأنه كان يريد سورتين أطول منهما كما يشعر به رواية النسائي عنه قال: اتبعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو راكب فوضعت يدي على قدمه فقلت اقرئني يا رسول الله سورة هود وسورة يوسف فقال لم تقرأ شيئًا أبلغ عند الله من قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس (قوله فقال يا عقبة كيف رأيت) يعني كيف كيف حال هاتين السورتين عندك الآن بعد أن رأيتني صليت بهما الصبح التي يقرأ فيها بالطوال. وقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك ترغيبًا له وتنبيهًا على فضل السورتين وتأكيدًا لقوله إلا أعلمك خير سورتين (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي وأخرج النسائي نحوه (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ

بيان مشتملاتهما

أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ الْجُحْفَةِ وَالأَبْوَاءِ إِذْ غَشِيَتْنَا رِيحٌ وَظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَتَعَوَّذُ بِ (أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) وَ (أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) وَيَقُولُ "يَا عُقْبَةُ تَعَوَّذْ بِهِمَا فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا". قَالَ وَسَمِعْتُهُ يَؤُمُّنَا بِهِمَا في الصَّلاَةِ. (ش) (قوله بين الجحفة والأبواء) الجحفة بضم فسكون موضع بين مكة والمدينة قريب من رابغ وهي ميقات أهل مصر والشام سميت بذلك لأن السيل أجحف بأهلها أي ذهب بهم ويقال كان اسمها مهيعه وهي الآن خراب ولخفاء موضعها صار الناس يحرمون من رابغ: محل مشهور قبلها على ساحل البحر الأحمر, والأبواء وزان أفعال موضع بين مكة والمدينة قريب من الجحفة من جهه الشمال دون مرحلة (قوله إذ غشيتنا ريح الخ) أي جاءتنا ريح وظلمة شديدة سترتنا (قوله فجعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتعوذ الخ) أي شرع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتحصن بسورة قل أعوذ برب الفلق وسورة قل أعوذ برب الناس (قوله يا عقبة تعوذ بهما الخ) أي تحصن بهاتين السورتين لأنه ما تحصن بمثلهما. واختصتا بذلك لاشتمالها على الجوامع في المستعاذ به والمستعاذ منه. أما الأول فلأن الافتتاح برب الفلق مؤذن بطلب فيض رباني يزيل كل ظلمه في الاعتقاد أو العمل لأن الفلق الصبح وهو وقت فيضان الأنوار ونزول البركات وقسم الأرزاق وذلك مناسب للمستعاذ به. وأما الثاني فلأنه في السورة الأولى ابتدأ في ذكر المستعاذ منه بالعام وهو شر كل مخلوق وهو شر كل مخلوق حي أو جماد فيه شر في البدن أو المال أو الدنيا أو الدين كإحراق النار ثم بالخاص اعتناء به لخفاء أمره إذ يلحق الإنسان من حيث لا يعلم لأن الظلمة التي تعقب ذلك تكون سببًا لصعوبة التحرز من الشر المسبب عنها ثم ذكر نفث الساحرات في عقدهن الموجب لسريان شرهن في الروح على أبلغ وجه وإخفائه فهو أدق من الأول, ثم ذكر شر الحاسد في وقت التهاب نار حسده لأنه حينئذ يسعى في إيصال أدق المكايد المذهبة للنفس والدين فهو أدق وأعظم من الثاني. وفي السورة الثانية خص شر الموسوس في الصدور من الجنة والناس لأن شره حينئذ يعادل تلك الشرور بأسرها لأنها إذا كانت في صدر المستعيذ ينشأ عنها كل كفر وبدعة وضلالة. ومن زاد التأكيد والمبالغه في جانب المستعاذ به إيذانًا بعظمة المستعاذ منه وكأنه قيل أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بمن رباهم بنعمه وملكهم بقهره وقوته وهو الههم ومعبودهم الذي يستعيذون به ممن سواه ويعتقدون أن لا ملجأ لهم إلا إليه: وختم به لأنه

الرد على منكر حديث سحر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

مختص به تعالى بخلاف الأولين فإنهما قد يطلقان على غيره. وسبب نزول هاتين السورتين كما قال المفسرون أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما رجع من الحديبة في ذى الحجة ودخل المحرم سنه سبع وفرغ من غزوة خيبر جاءت رؤساء اليهود إلى لبيد بن الأعصم وكان ساحرًا فقالوا أنت أسحرنا وقد سحرنا محمَّدًا فلم يؤثر فيه سحرنا شيئًا ونحن نجعل لك جعلًا على أن تسحره لنا سحرًا يؤثر فيه فجعلوا له ثلاثة دنانير فأتى غلامًا يهوديا كان يخدم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلم يزل به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعدة أسنان من مشطه وأعطاها له فسحره بها وكان من جملة السحر صورة من شمع على صورة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد غرزوا بها إحدى عشرة إره وجعلوا فيها وترًا فيه إحدى عشرة عقدة فنزلتا وكان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلما قرأ آية انحلت عقده وكلما نزع إبره وجد لها ألما في بدنه ثم يجد بعدها راحه فقد روى البخاري ومسلم وابن ماجه عن عائشه رضي الله تعالى عنها قالت سحر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى أنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء ولم يكن يفعله حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليله دعا الله ثم دعا قال اشعرت يا عائشه أن الله تعالى قد أفتاني فيما استفتيته فيه قلت وما ذاك يا رسول الله. فقال جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي أو الذي عند رجلي للذى عند رأسي ما وجع الرجل؟ قال مطبوب؟ قال مطبوب (أي مسحور) قال من طبه؟ قال لبيد بن الأعصم قال في أي شيء؟ قال في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر (أي وعاء طلع النخل) قال فأين هو؟ قال في بئر ذروان, قالت فأتاها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في أناس من أصحابه ثم قال يا عائشه والله لكأن ماءها نقاعة الحنا ولكأن نخلها رءوس الشياطين قالت فقلت يا رسول الله أفلا أحرقته قال لا أما أنا فقد عفاني الله تعالى وكرهت أن أثير على الناس الشر فأمرت بها فدفنت اهـ وهذان الرجلان جبريل وميكائيل كما في رواية ابن مردويه عن ابن عباس (وانكر بعضهم) حديث السحر زاعمين أنه غير لائق بالنبوة لأن تجويز السحر على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يؤدي إلى عدم الثقه بما أتى به من الشرائع. إذ يحتمل أن يخيل إليه أنه يرى جبريل ويكلمه وليس كذلك (وهو مردود) بالأحاديث الصحيحه وإجماع الصحابة "وما وقع له" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من السحر "كان متعلقًا" بظاهر جسده لم يصل إلى قلبه وعقله, فهو من الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى خلل في منصب النبوة كالأمراض غير المنفرة. قال القاضي عياض قد جاءت رويات حديث عائشه مبينة أن السحر إنما تسلط على جسده الشريف وظواهر جوارحه لا على عقله وقلبه واعتقاده "ويكون" معنى ما في بعض الروايات حتى يظن أنه يأتي أهله ولا يأتيهن. وفي بعض أنه يخيل

لا معارضة بين حديث السحر وآية "وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا"

إليه أنه يفعل الشيء ولم يفعله "أنه يظهر" له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن فإذا دنا منهن اخذته أخذة السحر فلم يأتهن ولم يتمكن كما يعتري المسحور "وكل" ما جاء في الروايات من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخيل إليه فعل الشيء ولم يفعله "محمول" على التخيل بالبصر لا لخلل تطرق إلى العقل. وليس في ذلك ما يدخل لبسًا على الرسالة ولا طعنًا لأهل الضلالة. وكانت مدة سحره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربعين يومًا, وقيل سته أشهر وقيل عامًا وهو المعتمد. "وقول القاضي عياض" قد جاءت روايات عائشه مبينة أن السحر إنما تسلط الخ "يشير به" إلى قول عائشه رضي الله عنها في حديث البخاري المتقدم دعا الله ثم دعا، وإلى قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "أشعرت يا عائشه أن الله تعالى قد أفتاني فيما استفيته فيه" وإلى قول أحد الملكين للآخر في الحديث ما وجع الرجل قال مطبوب "فان دعاءه" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقوله لعائشة أشعرت الخ وإخباره بما حصل من الملكين "دليل واضح" على أن السحر ما تسرب إلى قلبه وعقله بل كان متعلقًا بظاهر جسده فحسب (وقال في روح المعاني) قال الإمام المأزري قد أنكر ذلك الحديث المبتدعه من حيث أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها وإن تجويزه يمنع الثقه بالشرع "واجيب" بأن الحديث غير معارض للنص المسوق تشنيعًا على الكفار في وصفهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأنه مسحور وهو قوله تعالى (وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا) ولا يلزم على حديث عائشه حط منصب النبوة والتشكيك فيها لأن الكفار أرادوا بقولهم مسحورًا أنه مجنون, وحاشاه ولو سلم إراده ظاهره من أنه مسحور حقيقة لا مجنون فمقالتهم هذه كانت قبل هذه القصه أو مرادهم أن السحر أثر فيه وأن ما يأتيه من الوحي كان من تخليلات السحر (وهو كذب أيضًا) لأن الله تعالى عصمه فيما يتعلق بالرساله "وأما ما يتعلق" ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لاجلها وهي مما يعرض للبشر "فغير بعيد" أنه يخيل إليه من ذلك مالا حقيقة له, وقد قيل أنه إنما كان يخيل إليه أنه وطئ زوجاته وليس بواطئ وقد يتخيل الإنسان مثل هذا في المنام فلا يبعد تخيله في اليقظه وقيل أنه كان يخيل إليه أنه فعله وما فعله ولكن لا يعتقد صحه ما تخيله فتكون اعتقاداته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على السداد "إلى أن قال" وبعضهم أنكر أصل السحر ونفى حقيقته وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطله لا حقائق لها (ومذهب أهل السنة) وعلماء الأمة على إثباته وأن له حقيقة كحقيقه غيره من الأشياء لدلالة الكتاب والسنة على ذلك ببعض تصرف (وقال في الهدى) قد أنكر سحر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم طائفة من الناس وقالوا لا يجوز هذا عليه وظنوه نقصًا وعيبًا وليس الأمر كما زعموا بل هو من جنس ما كان يعتريه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الأسقام والأوجاع , وهو مرض من الأمراض وإصابته به

تعريف السحر. المذاهب في أنه حقيقة أو خيال وحكم العمل به

كإصتبته بالسم لا فرق بينهما, وقد ثبت في الصحيحين عن عائشه أنها قالت سحر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "الحديث" اهـ إذا علمت ما تقدم تعلم رد ما قاله بعض المفسرين من أن الحديث معارض لقوله تعالى (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا) وليس الأمر كما قال فإن المشركين قالوا في النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه مسحورًا أي مجنون فما يصدر عنه هذيان فلا يعول عليه فنزلت الآية مكذبة لهم ومشنعة عليهم وصف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا "وما يفيده" حديث عائشه من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سحر "كان" من قبيل الأمراض المتعلقة بظاهر البدن ولم تصل عقله وقلبه كما علمت فليس الحديث من قبيل مقالة المشركين كما قاله ذلك المفسر فهو غير معارض للآيه "فما أفاده كلامه"من أن الآية من قبيل المتواتر المقطوع به والحديث من قبيل الآحاد فيطرح العمل به ويعمل بالآيه "محله إذا لم" يمكن الجمع بينهما أما إذا أمكن كما هنا فيجب العمل بكل منهما (فائده) السحر في اللغة مصدر سحر يسحر فتح العين فيهما إذا أبدى ما يدق ويخفى وهو من المصادر الشاذة ويستعمل فيما لطف وخفي سببه, والمراد به أمر غريب يشبه الخارق للعادة وليس به: إذ يحصل بالتعليم ويستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشيطان بارتكاب القبائح (قولًا) كالرقى التي فيها ألفاظ الشرك ومدح الشيطان وتسخيره (وعملًا) كعبادة الكواكب والتزام الجنابة وانواع الفسوق (واعتقادًا) كاستحسان ما يوجب التقرب إلى الشيطان ومحبته وذلك لا يتسبب إلا فيمن يناسبه في الشر وخبيث النفس فان التناسب شرط التوافق والتعاون فكما أن الملائكه لا تعاون إلا خيار الناس المشبهين لهم في المواظبة على العبادة والتقرب إلى الله تعالى في القول والفعل كذلك الشيطان لا تعاون إلا الأشرار المشبهين لهم في الخباثة والنجاسة قولًا وفعلًا واعتقادًا, وبهذا يتميز الساحر عن النبي والولي فلا يرد ما قاله المعتزلة من أنه لو أمكن للإنسان من جهه الشيطان ظهور الخوارق والإخبار عن المغيبات لاشتبه طريق النبوة بطريق السحر (وفسر) الجمهور السحر بأنه أمر خارق للعادة يظهر للعادة يظهر من نفس شريرة بمباشرة أعمال مخصوصة (ومذهب أهل السنة) أن له وجودًا وحقيقة وأن العمل به كفر إذا اعتقد أن الكواكب هي المؤثرة في قلب الأعيان. وروي عن الشافعي أن قال السحر يخبل ويمرض , وقد يقتل حتى أوجب القصاص على من قتل به, والأصح أن السحر يخبل ويؤثر في الأبدان بالأمراض والجنون والموت فالسحر بمنزله العلل في الأبدان, وأنه قد يبلغ الساحر إلى حيث يطير في الهواء ويمشي على الماء ويقتل النفس والفاعل الحقيقي في كل ذلك هو الله سبحانه وتعالى بتمكين الساحر من فلق البحر وإحياء الموتى وإنطاق العجماء وغير ذلك من آيات الرسل عليهم الصلاة والسلام. (وأنكر) المعتزلة وبعض أهل السنة حقيقتة وقالوا إنما هو خيلالات (وقد اختلف) العلماء في حكم العمل بالسحر: فالأكثرون على أنه كفر حتى قال العلامه التفتازاني

جزاء الساحر. حكم تعلم السحر وتعليمه

لا يروى خلاف في ذلك ولكن قال الشيخ أبو منصور ما محصله إن أدى السحر إلى ما يخل بالإيمان فهو كفر وإلا فلا (وقالت المالكية) هو كلام مؤلف يعظم به غير الله تعالى وتنسب إليه المقادير والكائنات , قال مالك وأصحابه رضي الله عنهم: الساحر كافر بالله تعالى فإذا سحر هو بنفسه قتل ولا يستتاب: لما أخرجه أحمد وعبد الرازق والبيهقي أن عمر رضي الله عنه قال اقتلوا كل ساحر وساحرة فقتلوا ثلاث سواحر. ولحديث جندب قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "حد الساحر ضربه بالسيف "رواه الترمذي وقال الصحيح عن جندب موقوفًا, والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم وغيرهم ولما رواه مالك في الموطأ عن محمَّد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنه بلغه أن حفصة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قتلت جاريه لها سحرتها وقد كانت دبرتها فأمرت بها فقتلت. قال الباجي وقد روى نافع عن ابن عمر أن جارية لحفصة سحرت حفصة فوجدوا سحرها فاعترفت على نفسها فأمرت حفصة عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب فقتلها فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فأنكره فأتاه بن عمر فقال أنها سحرتها ووجدوا معها سحرها فاعترفت على نفسها فكأن عثمان أنكر عليها ما فعلت دون السلطان, فالساحر وإن كان يجب قتله فإنه لا يلي ذلك إلا السلطان (وقال أبو حنيفة) في المشهور عنه أن الساحر يقتل مطلقًا إذا علم أنه ساحر ولا يقبل قوله أترك السحر وأتوب عنه لما تقدم من الأدله, فإن أقر بأني كنت أسحر مدة وقد تركت منذ زمان قبل منه ولم يقتل (وقالت الحنابلة) السحر عقد ورقي وكلام يتكلم به فاعله أو يكتبه أو يعمل شيئًا يؤثر في بدن مسحور أو قبله أو عقله من غير مباشرة له, وله حقيقة, فمنه ما يقتل ومنه ما يمرض ومنه ما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه عن وطئها, ومنه ما يفرق به بين المرء وزوجه وما يبغض أحدهما في الآخر أو يحببه لقوله تعالى {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} إلى {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} وحديث عائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سحر حتى إنه يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله وروى من أخبار السحرة ما لا يمكن التواطؤ على الكذب فيه, ولا يلزم منه إبطال معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأن السحر لا يبلغ ما تأتي به الأنبياء من المعجزات فلا ينتهى إلى أن تسعى العصي والحبال وإن توهم ذلك: إنما يكون خيالًا فقط كما نطق بذلك القرآن الكريم, ويحرم تعلمه وتعليمه, وقد يكون كفرًا لمن اعتقد حله للإجماع على تحريمه بالكتاب والسنه, أو يعتقد أنه يعلم الأمور المغيبه, ويجوز حل السحر بالقرآن والذكر والكلام الذي لا بأس به (وقال الشافعي) إنما يقتل الساحر إذا كان يعمل في سحره ما يبلغ به الكفر, فإذا عمل عملًا دون الكفر فلم نر عليه قتلًا (وقال في روح المعاني) اختلف في تعليمه وتعلمه فقيل كفر لقوله تعالى {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى

بيان أن المعوذتين من القرآن

مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) ففيها ترتيب الكفر على الوصف المناسب المشعر بالعلية وهو السحر, وأجيب بأنا لا نسلم أن في الآية ذلك المعنى لأن المعنى أن الشياطين كفروا وهم مع ذلك يعلمون الناس السحر, وقيل إنهما حرامان وبه قطع الجمهور وقيل مكروهان وإليه ذهب البعض. وقيل مباحان, والتعليم المساق للذم هنا محمول على التعليم للإغراء والإضلال وإليه مال الإمام الرازي, والحق عندي الحرمة تبعًا للجمهور إلا لداع شرعي اهـ. ببعض تصرف (وقال في الروضة الندية) لا شك أن من تعلم السحر بعد اسلامه كان بفعل السحر كافرًا مرتدًا وحده حد المرتد. وقد ورد في الساحر بخصوصه أن حده القتل "ولا يعارض" ذلك ترك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قتل لبيد بن الأعصم الذي سحره "فقد يكون ذلك" قبل أن يثبت أن حدّ الساحر القتل وقد يكون ذلك لأجل خشيه معرّة اليهود, وقد كانوا أهل شوكة حتى أبادهم الله وفل شوكتهم وأقلهم وأذلهم وقد عمل الخلفاء الراشدون على قتل السحرة وشاع ذلك وذاع ولم ينكره أحد اهـ (وفي حديثي عقبة اللذين في الباب) دلاله على أن المعوذتين من القرآن. وعن ابن مسعود أنه أنكر قرآنيتهما. فقد روى الإمام أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق صحيحه عنه أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول لا تخلطوا القرآن بما ليس منه: إنهما ليستا من كتاب الله تعالى وإنما أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم أن يتعوذ بهما, وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما. لكن يرده ما تقدم من الأحاديث وإجماع الصحابة على قرآنيتهما وإثباتهما في المصحف من غير نكير من أحد من عهد الصحابة فمن بعدهم. ويدل عليه أيضًا ما أخرجه الإمام أحمد والبخاري والنسائي وغيرهم عن زر بن حبيش قال أتيت المدينة فلقيت أبي بن كعب فقلت له يا أبا المنذر إني رأيت ابن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه, فقال أما والذي بعث محمَّدًا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالحق لقد سألت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنهما وما سألني عنهما أحد منذ سألت غيرك فقال لي قل فقلت, قال فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. (قال في روح المعاني) وبهذا الاختلاف قدح بعض الملحدين في إعجاز القرآن قال لو كانت بلاغة ذلك بلغت حد الإعجاز لتميز به عن غير القرآن فلم يختلف في كونه منه. وأنت تعلم أنه قد وقع الإجماع على قرآنيتهما, وقالوا إن إنكار ذلك اليوم كفر, ولعل ابن مسعود رجع عن ذلك. وفي شرح المواقف أن اختلاف الصحابة في بعض سور القرآن مروي بالآحاد المفيده للظن, ومجموع القرآن منقول بالتواتر المفيد لليقين الذي يضمحل الظن في مقابلته فتلك الآحاد مما لا يلتفت إليه "ثم" إن سلمنا اختلافهم فيما ذكر "قلنا" إنهم لم يختلفوا في نزوله على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا في بلوغه في البلاغة حد الإعجاز, بل في مجرد كونه من القرآن وذلك لا يضر فيما نحن

بعض ما ورد في فضل المعوذتين

بصدده. وقد ورد في فضل هاتين السورتين أحاديث أخر. منها ما أخرجه مسلم عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط؟ قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس. ومنها ما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن عقبة قال قلت يا رسول الله اقرئني آيا من سورة هود وآيا من سورة يوسف فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "يا عقبة بن عامر إنك لن تقرأ سورة أحب إلى الله ولا أبلغ عنده من أن تقرا قل أعوذ برب الفلق فإن استطعت أن لا تفوتك في الصلاة فافعل" ومنها ما أخرجه النسائي وابن حبان عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اقرأ يا جابر فقلت بأبي أنت وأمي وما أقرأ قال قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس فقرأتها فقال اقرأ بهما ولن تقرأ بمثلهما (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي (باب كيف يستحب الترتيل في القراءة) أي التأني في القراءة وإتقانها: يقال رتل في القراءة إذا تأنى فيها وتمهل وبين حروفها وحركاتها وفي بعض النسخ "باب استحباب الترسل في القراءة" وفي بعضها "باب في ترتيل القرآن" (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا". (ش) (يحيى) القطان. و (سفيان) الثوري. و (زر) بن حبيش تقدم بالثاني ص 32 (قوله يقال لصاحب القرآن الخ) يعني حافظه كله أو بعضه العامل به المتأدب بآدابه. ويقال له ذلك عند دخول الجنة وتوجه العاملين إلى مراتبهم فيها على حسب أعمالهم (قوله وارتق) أي اصعد في درجات الجنة أو مراتب القرب بقدر ما حفظته من عدد آيات القرآن. فقد روى البيهقي في الشعب عن عائشه أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال عدد درج الجنة عدد أي القرآن ومن دخل الجنة من أهل القرآن فليس فوقه درجه, قال مشاهير القراء إن عدد آيات القرآن سته آلاف آية ومائتان وست وثلاثون آية, وقيل سته آلاف وستمائه وست وستون آية, وقيل درج الجنة على عدد حروف القرآن. وحروفه ألف ألف وخمسه وعشرون ألفًا كما قاله بعض المفسرين (قوله ورتل كما كنت ترتل في الدنيا) أي رتل في قراءتك في الجنة كترتيلك في

ما ورد في الترغيب في حفظ القرآن

الدنيا, وقراءه أهل الجنة كتسبيح الملائكة لا تشغلهم عن مستلذاتهم بل هي من أعظم مستلذاتهم ويؤخذ منه أنه لا ينال هذا الثواب العظيم إلا من حفظه القرآن واتقن قراءته (قوله فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها) وفي نسخه فإن منزلتك, وهي رواية الترمذي أي أن منزلتك في الجنة تكون عند آخر آية تقرؤها فإن قرأت كل القرآن ذلك أعلى الدرجات, وإلا على قدر قراءتك وقيل هو كناية عن دوام الترقي: فكما أن قراءته في الدنيا حال الختام تستدعي الافتتاح الذي لا انقطاع له كذلك تكون هذه القراءة والترقي في المنازل التي لا تتناهى (وفي الحديث) دلالة على الترغيب في حفظ القرآن أحاديث. منها ما أخرجه الحاكم عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (يجيء يوم القيامة القرآن كالرجل الشاب فيقول لصاحبه أنا الذي اسهرت ليلك واظمأت نهارك) ومنها ما رواه البخاري (من قرأ القرآن ثم مات قبل أن يستظهره (يحفظه) أتاه ملك يعلمه في قبره ويلقى الله وقد استظهره) ومنها ما أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (تعلموا القرآن واقرءوه ولا ترقدوا, فإن مثل القرآن ومن تعلمه فقام به كمثل جراب محشو مسكًا يفوح ريحه في كل مكان, ومثل من تعلمه فرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكئ على مسك) والمراد من حديث الباب وأشباهه أن نيل هذه الدرجات يكون لمن يحفظ القرآن ويرتله ويتدبر معانيه ويعمل على مقتضاه, واستكمال ذلك إنما يكون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم الملائكة بعده على حسب مراتبهم ومنازلهم في الدين ومعرفة اليقين, فكل منهم يقرأ في الجنة ما كان يقرؤه في الدنيا ويتدبره ويعمل على مقتضاه. أما من قرأ القرآن ولم يعمل به فكأنه لم يقرأه وإن قرأه دائمًا, بل يكون القرآن حجه عليه قال تعالى (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) وتقدم في (باب ثواب قراءة القرآن) أحاديث أخر تدل على الترغيب في حفظ القرآن وتلاوته (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي والبيهقي والترمذي وقال حديث حسن صحيح , ورواه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة اقرأ واصعد فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه. (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا جَرِيرٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ كَانَ يَمُدُّ مَدًّا. (ش) (جرير) بن حازم (قوله سألت أنسًا عن قراءة النبي الخ) أي سألته عن كيفية قراءته

كيفية صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلا

صلى الله عليه وسلم، فقال كان يطيل الحروف الصالحة للإطاله, وهي كل حرف بعده ألف أو واو أو ياء: كما في قوله تعالى, نوحيها. والمد المصطلح عليه عند القراء على ضربين أصلي وهو إشباع الحرف الذي بعده الف أو واو أو ياء وليس بعد كل منها همز أوسكون وهو المسمى بالمد الطبيعى. والفرعي ما زيد فيه بعد الأف والواو والياء همزه أوسكون كلفظ جاء ونستعين وتفاصيل ذلك تعلم من كتب القراءات. والحكمه في المدل في القراءة الاستعانه على تدبر المعاني والتفكر فيها وتذكر من يتذكر (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه والبيهقي والبخاري والترمذي بلفظ المصنف وأخرجه البخاري وابن نصر من طريق همام عن قتاده قال سئل أنس كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال كانت مد ثم قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يمد بسم الله ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم أي يمد اللام التي قبل الهاء من الجلالة, والميم التي قبل النون من الرحمن والحاء من الرحيم. (ص) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيُّ نَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ سَلَمَةَ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَصَلاَتِهِ فَقَالَتْ وَمَا لَكُمْ وَصَلاَتَهُ كَانَ يُصَلِّي وَيَنَامُ قَدْرَ مَا صَلَّى ثُمَّ يُصَلِّي قَدْرَ مَا نَامَ ثُمَّ يَنَامُ قَدْرَ مَا صَلَّى حَتَّى يُصْبِحَ وَنَعَتَتْ قِرَاءَتَهُ فَإِذَا هِيَ تَنْعَتُ قِرَاءَتَهُ حَرْفًا حَرْفًا. (ش) (رجال الحديث) (ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبد الله تقدم بالأول صفحه 153. و (يعلي بن مملك) بفتح الميم الأولى وسكون الثانية الحجازي. روى عن أم سلمة وأم الدرداء وعنه ابن أبي مليكة ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من الثالثه. روى له أبو داود والترمذي والنسائي والبخاري في الأدب (معنى الحديث) (قوله فقالت وما لكم وصلاته) أي أي شيء يحصل لكم من معرفتكم كيفية صلاته. والمراد من هذا تعجيب السائل من كيفية صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلًا واستبعادها قدرتهم على مثل ما كان يفعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الصلاة أو أنها ذكرت ذلك تحسرًا أو تلهفًا على ما تذكر من أحوال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا أنها أنكرت السؤال على السائل. والواو الأولى زائدة وفي بعض النسخ إسقاطها. وقال الطيبي هي عطف على مقدر أي ما لكم وقراءته وما لكم وصلاته والواو الثانية للمعية فتكون صلاته منصوبة وفي رواية أحمد ما لكم ولصلاته (قوله كان يصلي وينام قدر

ما صلى الخ) أي كانت صلاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونومة متساويين، وروى محمَّد بن نصر عن عبد الرحمن بن عوف عن رجل من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه رمق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بعض أسفاره ينظر كيف يصلي: فنام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ساعة من الليل ثم ذهب فقعد ونظر في السماء ثم تلا هذه الآيات من سورة آل عمران "إن في خلق السموات والأرض" حتى انتهى إلى خمس آيات منها ثم استاك وتوضأ ثم صلى ساعة من الليل ثم نام ساعة من الليل، ثم ذهب مرة أخرى فنظر في السماء ثم تلا تلك الآيات ثم استاك ثم توضأ ثم صلى فعل ذلك ثلاث مرات. وهذه الكيفية كانت تقع في بعض الاحيان، فلا ينافي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقع منه كيفيات أخر. فقد روى ابن نصر عن يعلي بن مملك أنه سأل أم سلمة عن صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالليل فقالت كان يصلي العشاء الآخرة ثم يسبح ثم يصلي بعد ما شاء الله من الليل ثم ينصرف فيرقد مثل ما يصلي ثم يستيقظ من نومته تلك فيصلي مثل ما نام وصلاته تلك الآخرة تكون إلى الصبح، ففي هذه الرواية أنه نام مرة واحده وصلى مرتين بخلاف حديث الباب ففيه أنه تكرر منه النوم والصلاة مرتين، وتقدم تمام الكلام على ذلك في (باب في صلاة الليل) بالسابع (قوله ونعتت قراءته) أي وصفتها والنعت وصف الشيء بما فيه من الحسن، ولا يقال في القبح إلا بتكلف بخلاف الوصف فيقال في الحسن والقبيح (قوله فإذا هي تنعت قرائته حرفًا حرفًا) أي تبين أنه صلى الله عليه وعلى اله وسلم كان يقرأ القرآن بالتأني والترتيل بحيث يتمكن السامع من عد الحروف حرفًا حرفًا، وفي رواية النسائي قراءة مفسرة حرفًا حرفًا أي مرتلة ومميزة تمييزًا تامًا، أو المراد بالحرف الجملة أي أنه كان يراعي الوقوف بعد تبيين الحروف، ويؤيده ما رواه ابن نصر عن عائشة أنها قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم إذا قرأ يقطع قراءتة آية آية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الحمد الله رب العالمين، ويحتمل أن أم سلمة قرأت للسائل قراءة تحكي بها قراءة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. (وفي الحديث) دلالة على استجاب التأني في القراءة وعدم الإسراع فيها لأن ذلك زينة القرآن الذي يتمكن القارئ من التدبر في معاينة، فقد روى ابن منصور أن علقمة قرأ على ابن مسعود فكان حسن الصوت فكأنه عجل قال رتل فداك أبي وأمي فإنه زين القرآن (والحديث) أخرجه أيضًا ابن نصر والبيهقي والنسائي والترمذي وقال حديث صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد عن ابن أبي مليكة عن يعلي بن مملك (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا شُعْبَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ

بيان المراد من الترجيع في القراءة. الحث على تحسين الصوت بالقرآن

رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِةِ يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفَتْحِ وَهُوَ يُرَجِّعُ. (ش) (قوله وهو يرجع) أي يردد في قراءته فالترجيع الترديد. وقيل هو تقارب ضروب الحركات في القراءة. وحكى عبد الله بن مغفل ترجيعه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في رواية البخاري من طريق شعبه عن معاوية بن قرة المزني عن عبد الله بن مغفل المزني قال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الفتح أو من سورة الفتح قال فرجع فيها قال ثم قرأ معاوية يحكي قراءاة ابن مغفل وقال لولا أن يجتمع الناس عليكم لرجعت كما رجع ابن مغفل يحكي النبي صلى الله عليه وسلم فقلت لمعاوية كيف كان ترجيعه قال آء آء آء ثلاث مرات بهمزة مفتوحة ثم الف ساكنه ثم همزة. قال في الفتح الترجيح في الحديث يحتمل أمرين أحدهما أن ذلك حدث من هز الناقة والآخر أنه أشبع المد في موضعه فحدث ذلك، وهذا الثاني أشبه بالسياق فإن في بعض طرقه لولا أن يجتمع الناس لقرأت لكم بذلك اللحن أي النغم. وقال الشيخ محمَّد بن أبي جمرة معنى الترجيح تحسين التلاوة باختصار. ويؤيد ما جنح إليه الحافظ ما وراه ابن نصر عن أم هانئ قالت كنت أسمع قراءة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنا نائمة على عريشي يرجع بالقرآن وقال ابن بطال في هذا الحديث إجازة القراءة بالترجيع والألحان الملذذة للقلوب بحسن الصوت "وقول" معاوية لولا أن يجتمع الناس "يشير" إلى أن القراءة بالترجيع تجمع نفوس الناس إلى الإصغاء وتستميلها بذلك حتى لا تكاد تصبر عن استماع الرتجيع المشوب بلذة الحكمة المهيمنة اهـ (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والترمذي والنسائي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ". (ش) (جرير) بن حازم. و (طلحة) بن مصرف (قوله زينوا القرآن بأصواتكم) أي زينوا القرآن بتحسين أصواتكم عند القراءة فإن الكلام الحسن يزداد حسنًا وزينة بالصوت الحسن، ويؤيده ما رواه ابن نصر والحاكم عن البراء أيضًا مرفوعًا حسنوا القرآن

بأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنًا، وروى أيضًا من طريق علقمة قال كنت رجلًا قد أعطاني الله حسن صوت بالقران، فكان عبد الله بن مسعود يستقرئني ويقول لي أقرأ فداك أبي وأمي، فإني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول إن حسن الصوت تزيين للقران. ورأى قوم أن الحديث مقلوب والأصل زينوا أصواتكم بالقران، وقالوا إن القرآن أعظم من أن يحسن بالصوت، بل الصوت أحق أن يحسن بالقران قال الخطابي هكذا فسره غير واحد من أئمة الحديث، وزعموا أنه من باب المقلوب كما قالوا عرضت الناقة على الحوض أي عرضت الحوض على الناقه إلى أن قال، وأخبرنا ابن الأعرابي ثنا عباس الدوري ثنا يحي بن معين ثنا أبو فطر عن شعبه قال نهاني أيوب ان أحدث زينوا القرآن بأصواتكم. قال ورواه معمر عن منصور عن طلحة فقدم الاصوات على القرآن وهذا هو الصحيح: أخبرناه محمَّد بن هشام قال حدثنا الدوري عن عبد الرازق ثنا معمر عن منصور عن طلحة عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال زينوا أصواتكم بالقران اهـ والأولى إبقاء الحديث على ظاهرة لما ذكر من أن تحسين الصوت بالقراءة تزين للقرآن. ولما جاء من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مدح القراءة بالصوت الحسن. فقد روى النسائي وابن نصر عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سمع قراءة أبي موسى فقال لقد أوتي هذا مزمارًا من مزامير آل داود. وروى ابن ماجة وابن نصر عن عائشة قالت أبطأت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة بعد العشاء ثم جئته فقال أين كنت أتسمع قراءة رجل من أصحابك في المسجد ولم أسمع مثل صوته وقراءته من أحد من أصحابك قالت فقام وقمت معه حتى استمع له ثم التفت إليّ فقال هذا سالم مولى أبي حذيفة الحمد الله الذي جعل في أمتى مثل هذا. وروى بن نصر أن أبا موسى كان يصلي في مسجد رسول الله صلى الله عليه تعالى وعلى آله وسلم ويرفع صوته وهو يقرأ القرآن، فقال علي بن أبي طالب لعمر بن الخطاب ألا تنهى هذا عن أن يغني بالقران في مسجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأمهل عمر حتى إذا كان الليل خرج فاستمع لأبي موسى وهو يقرأ فلما سمع قراءته رق لها حتى بكى ثم انصرف فلما أصبح واجتمع إليه أصحابه قال لهم من استطاع منكم أن يغني غناء أبي موسى فليفعل (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه والدرامي وابن نصر والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَيَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيُّ بِمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّيْثَ حَدَّثَهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَهِيكٍ عَنْ سَعْدِ

بيان المراد من التغني بالقرآن

بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -وَقَالَ يَزِيدُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ- عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ وَقَالَ قُتَيْبَةُ هُوَ فِي كِتَابِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ". (ش) (رجال الحديث) (قوله بمعناه) أي إن كل واحد من شيوخ المصنف روى الحديث بمعنى حديث الآخر وإن اختلف لفظه. و (عبيد الله) هكذا في أكثر النسخ بالتصغير وفي بعضها عبد الله بالتكبير (بن أبي نهيك) بفتح أوله القاسم بن محمَّد المخزومي الحجازي. روى عن سعد بن أبي وقاص. وعنه ابن أبي مليكة. وثقه النسائي والعجلي وابن حبان (قوله وقال يزيد الخ) أي قال بن يزيد بن خالد في روايته عن ابن أبي مليكة "بلا ذكر اسمه" عن سعيد بن أبي سعيد بدل سعد بن أبي الوقاص كما في الإصابة (قوله وقال قتيبه الخ) أي قال قتيبة الذي أحفظه عن سعد ابن أبي وقاص وفي كتابي عن سعيد بن أبي سعيد كما ذكر يزيد بن خالد والحاصل أن أبا الوليد الطيالسي حدث عن ابن أبي مليكة عن سعد بن أبي وقاص، وقتيبة ويزيد بن خالد حدثا عن ابن أبي مليكة عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، وصوب الحافظ في الإصابة رواية الطيالسي وقال الذهبي في التجريد سعيد بن أبي سعيد عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في التغني بالقرآن من رواية عبد الله بن أبي نهيك عنه، والصواب عن ابن أبي نهيك عن سعد اهـ وعلى تقدير ثبوت رواية قتيبه ويزيد يكون فيها إرسال وانقطاع: فإن سعيد بن أبي سعيد لم يدرك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وابن أبي مليكة روى الحديث عن ابن أبي نهيك عن سعيد كما في رواية الطحاوي في مشكل الآثار: قال حدثنا فهد بن سليمان حدثنا عبد الله بن صالح الليث بن سعد أنبأ عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن أبي نهيك عن سعيد بن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وساق الحديث، وأخرجه أيضًا من طريق شعيب ابن الليث: حدثنا الليث عن عبد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن أبي نهيك عن سعيد أو سعد عن رسول الله صلى الله تعالى وعليه وعلى آله وسلم (معنى الحديث) (وقوله ليس منا الخ) أي ليس من أهل طريقتنا الكاملة من لم يحسن صوته بالقران، بأن يزينه بالترتيل والترقيق. وقيل المراد بالتغني الإفصاح بألفاظه بأن تكون محكمة مرتله تنطبق على قوانين القراءة، وقيل المراد بالتغني به طلب غنى النفس أو اليد. وقيل المراد بالتغني الجهر بالقرآن والإعلان به. وقيل المراد به طلب غنى النفس أو اليد. وقيل المراد بالتغني الجهر بالقران والإعلان به. وقيل المراد به قراءته على خشية من الله تعالى ورقة من فؤاده. وقيل كشف الهم بتلاوته لأن الإنسان إذا أصابه هم ربما يتغنى بالشعر ليدفع ما نزل

أقوال العلماء في القراءة بالألحان والتطريب

به. وهمه المؤمن الإقبال على الدار الآخرة فإذا عرض له ما يشغله عن الله تعالى اشتد همه فيلجأ عند ذلك لقراءة القرآن فينفرج عنه ما نزل به. ونقل ابن الجوزي عن الشافعي أن المراد بالتغني التحزن في القراءة. قال في الفتح والذي نقله عن الشافعي لم أره صريحًا عنه في تفسير الخبر وإنما قال في مختصر المزني وأحب أن يقرأ حدرًا وتحزينًا اهـ وقال أهل اللغة حدرت القراءة أدرجتها ولم أمططها، وقرأ فلان تحزينًا إذا رقق صوته وصيره كصوت الحزين. وقد روى ابن أبي داود بإسناد حسن عن أبي هريرة أنه قرأ سورة فحزنها مثل الرثى. وأخرجه أبو عوانه عن الليث ابن سعد قال: يتغنى به يتحزن به ويرقق به قلبه اهـ كلام الفتح. وهناك تفاسير أخر للتغني وأقربها أن المراد به تحسين الصوت من غير إخلال بشيء من الحروف لما تقدم، ورجح التوربشتي معنى الاستغناء وقال المعنى ليس من أهل سنتنا وممن تبعنا في أمرنا وهو وعيد، ولا خلاف بين الأمه أن قارئ القرآن مثاب على قراءته مأجور وإن لم يحسن صوته فكيف يحمل على كونه مستحقًا للوعيد وهو مثاب مأجور اهـ وكذلك رجحه الطحاوي. قال في الفتح أما تحسين الصوت وتقديم حسن الصوت على غيره فلا نزاع في ذلك والذي يتحصل من الأدله أن حسن الصوت بالقراءة مطلوب فإن لم يكن حسنًا فليحسنه ما استطاع اهـ (وفي الحديث) دلالة على مشروعية تحسين الصوت بالقراءة وهذا متفق عليه كما ذكره الحافظ. أما القراءة بالألحان والتطريب فكرهها مالك والأكثر لأنها خارجة عما وضع القرآن له من الخشوع والتحزن والتدبر، وأجازها أبو حنيفه وجمع من السلف للأحاديث ولأن ذلك سبب للرقه وإثارة الخشية إقبال النفوس على استماعه. قال في الفتح وكان بين السلف خلاف في جواز القراءة بالألحان: فحكى عبد الوهاب المالكي عن مالك تحريم القراءة بالألحان، وحكاه أبو الطيب الطبري والماوردي وابن حمدان الحنبلي عن جماعة من أهل العلم، وحكى ابن بطال وعياض والقرطبي من المالكية والماوردي والبندنيجي والغزالي من الشافعية وصاحب الذخيرة من الحنفية الكراهه، وحكاه أبو يعلى وابن عقيل من الحنابلة. وحكى ابن بطال عن جماعة من الصحابة والتابعين الجواز وهو المنصوص للشافعي ونقله الطحاوي عن الحنيفه، وقال الفوراني من الشافعية يجوز بل يستحب. ومحل هذا الاختلاف إذا لم يخل بشئ من الحروف بإخراجه عن مخرجه، فلو أخل بشيء منها فقد أجمعوا على تحريمه كما قال النووي في التبيان: أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقران ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، فإن خرج حتى زاد حرفًا أو أخفاه حرم. قال وأما القراءة بالألحان فقد نص الشافعي في موضوع على كراهته وقال في موضع آخر لا بأس به، فقال أصحابه ليس على اختلاف قولين بل على اختلاف حالين، فإن لم يخرج بالألحان عن المنهج القويم جاز وإلا حرم. وحكى الماوردي عن الشافعي أن القراءة

اتفاقهم على حرمة القراءة الخارجة عن قانون القراء

بالألحان إذا انتهت إلى إخراج بعض الألفاظ عن مخارجها حرم, وكذا حكى ابن حمدان الحنبلي في الرعايه. وقال الغزالي والبندنيجي وصاحب الذخيرة من الحنفية إن لم يفرط في التمطيط الذي يشوش النظم استحب وإلا فلا. واغرب الرافعي فحكى عن أمالي السرخسي أنه لا يضر التمطيط مطلقًا. وحكاه ابن حمدان رواية عن الحنابلة, وهذا شذوذ لا يعرج عليه اهـ. فعلم من هذا كله أن القراءة الخارجة عن قوانين القراءة كقراءه أكثر أهل زماننا متفق على عدم جوازها. وقد جاء التحذير عن القراءة المحرفة وسماعها. فقد روى البيهقي في شعب الإيمان عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل العشق ولحون أهل الكتابين وسيجئ بعدم قوم يرجعون بالقران ترجيع الغناء والنوح لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلبوهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم" قال بن كثير المطلوب شرعًا إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة, فأما الأصوات بالنغمات المحدثه المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائي فالقرآن ينزّه عن هذا ويجل ويعظم أن يسلك في أدائه هذا المذهب ثم ساق حديث البيهقي وغيره من الأحاديث الدالة على النهي عن تحريف القرآن (والحديث) أخرجه أيضًا الطحطاوى في مشكل الآثار (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَهِيكٍ عَنْ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ. (ش) (عمرو) بن دينار تقدم بالخامس صفحه 208 و (سعد) بن أبي وقاص (قوله مثله) أي مثل الحديث السابق (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ نَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْوَرْدِ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ مَرَّ بِنَا أَبُو لُبَابَةَ فَاتَّبَعْنَاهُ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَهُ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَإِذَا رَجُلٌ رَثُّ الْبَيْتِ رَثُّ الْهَيْئَةِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ". قَالَ فَقُلْتُ لاِبْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَرَأَيْتَ إِذَا لَمْ يَكُنْ حَسَنَ الصَّوْتِ قَالَ يُحَسِّنُهُ مَا اسْتَطَاعَ.

(ش) (رجال الحديث) (عبد الأعلى بن حماد) بن نصر البصري الباهلي مولاهم أبو يحيى. روى عن مالك والحمادين ووهيب بن خالد وعبد الجابر بن الورد وجماعة. وعنه الشيخان وأبو داود وأبو زرعة وموسى بن هارون وآخرون. وثقه ابن معين وأبو حاتم والدارقطني والخليلي ومسلمة بن قاسم وابن قانع , وقال في التقريب لا بأس به من كبار العاشرة. روى له الشيخان وأبو داود والنسائي. توفي سنه ست أوسبع وثلاثين ومائتين. و(عبد الجبار بن الورد) بن أغر بن الورد المكي المخزومي مولاهم أبو هاشم, روى عن عطاء بن أبي رباح وابن أبي مليكة وعمرو بن شعيب وأبي الزبير وآخرين. وعنه عبد الأعلى بن حماد والحسن بن الربيع وسليمان بن منصور ووكيع وغيرهم. وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم وأبو داود ويعقوب بن سفيان والعجلي وقال البخاري يخالف في بعض حديثه, وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئ ويهم وقال في التقريب صدوق يهم من السابعة. روى له أبو داود والنسائي. و(عبيد الله بن أبي يزيد) المكي مولى آل قارظ بن شيبة. روى عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبي لبابة والحسين ابن علي وطائفة. وعنه ابن المنكدر وابن جريج وحماد بن زيد وسفيان بن عيينه وآخرون, وثقه ابن المديني وابن معين والعجلي وأبو زرعة والنسائي وابن سعد وقال كثير الحديث, وذكره ابن حبان في الثقات, وقال في التقريب ثقه كثير الحديث من الرابعة, مات سنه ست وعشرين ومائتين روى له الجماعة. و(أبو لبابة) الأنصاري المدني اسمه بشير وقيل رفاعة بن عبد المنذر ابن زبير بن أمية بن زيد بن مالك, شهد بدرًا, وقيل رده النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين خرج إلى بدر من الروحاء واستعمله على المدينة وضرب له بسهمه, ثم شهد أحدًا وما بعدها, وكانت معه راية بني عمرو بن عوف في غزوة الفتح, وكان أحد النقباء شهد العقبة. روى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعن عمر بن الخطاب. وعنه ابناه السائب وعبد الرحمن وابن عمر وسالم بن عبد الله ونافع مولى ابن عمر وغيرهم. قيل مات في خلافه علي. روى له الشيخان وأبو داود وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله فإذا رجل رث البيت الخ) أي فإذا أبو لبابة رجل رث البيت رث الهيئة أي بيته خلق بال وفي هيئته ضعف وبذاذة: يقال رث الشيء يرث من باب قرب رثوثة ورثاثة خلق ورثت هيئة الشخص وأرثت ضعفت وهانت (قوله فسمعته يقول الخ) ظاهره أن أبا لبابة اختار رثاثة الحال لأنه حمل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليس منا لم يتغن بالقران على معنى الاستغناء (قوله قال إذا لم يكن حسن الصوت الخ) أي قال عبد الجبار بن الورد لابن أبي مليكة أي إذا لم يكن القارئُ حسن الصوت فماذا يصنع؟ فقال يحسنه ما استطاع فقد حمل ابن أبي مليكة التغني على تحسين الصوت (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي وكذا الطحاوي من طريق إبراهيم بن أبي الوزير قال ثنا عبد الجبار بن الورد عن ابن أبي مليكة عن ابن أبي يزيد, ثم

قال هكذا قال: وإنما هو ابن أبي نهيك, ثم قواه بحديث فهذا قال: ثنا فهد ثنا يسره بن صفوان بن جميل اللخمي ثنا عبد الجابر بن ورد عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن أبي نهيك هكذا قال لنا فهد: وإنما هو عبيد الله قال دخلنا على أبي لبابة (الحديث) فهو يصوب أن الحديث عن عبيد الله ابن أبي نهيك لا عن عبيد الله ابن أبي يزيد. أقول ليس في كتب الرجال ما يدل على ما صوبه فقد ذكروا أن ابن أبي يزيد من شيوخه أبو لبابة, فلا مانع من أن يكون الحديث مرويًا من طريق ابن أبي يزيد وابن أبي نهيك. (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِيُّ قَالَ قَالَ وَكِيعٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ يَعْنِي يَسْتَغْنِي بِهِ. (ش) أي قال وكيع بن الجراح وسفيان بن عيينة يقصد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالتغني بالقران الاستغناء أي يستغنى به عن الناس والإكثار من الدنيا. والمراد الغنى المعنوي وهو غنى النفس لا الغنى المحسوس الذي هو ضد الفقر, لأن ذلك لا يحصل بمجرد ملازمة القراءة إلا إذا كان ذلك إكرامًا من الله تعالى لبعض عباده ولأن سياق الحديث يأبى هذا المحمل إذ يكون معناه حينئذ ليس منا من يتطلب الدنيا بملازمة تلاوه القرآن, ولا يخفى بعده, أو المراد يستغني بالقران عما سواه من الكتب السماوية. وارتضى أبو عبيد تفسير وكيع وابن عيينة وقال إنه جائز في كلام العرب واستدل بقول الأعشى وكنت امرأ زمنًا بالعراق ... خفيف المناخ طويل التغني أي كثير الاستغناء, وبقول المغيرة بن حيناء كلانا غني عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا اشتد تغانيا أي استغناء. وبقول ابن مسعود من قرأ سورة آل عمران فهو غني. وأنكر بعضهم تفسير التغني بالاستغناء. قال في الفتح ذكر الطبري عن الشافعي أنه سئل عن تأويل ابن عيينة التغني بالاستغناء فلم يرتضه قال: لو أراد الاستغناء لقال لم يستغن, وإنما أراد تحسين الصوت. قال ابن بطال وبذلك فسره ابن أبي مليكة وعبد الله بن المبارك والنضر بن شميل. ويؤيده رواية عبد الأعلى عن معمر عن ابن شهاب في حديث (ما أذن الله لنبي ما أذن لنبي في الترنم في القرآن) أخرجه الطبري. وعنده من رواية عبد الرازق عن معمر ما أذن لنبي حسن الصوت. وهذا اللفظ عند مسلم من رواية محمَّد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عن أبي هريرة, وعند ابن أبي داود والطحاوي من رواية عمرو بن دينار عن أبي سلمة عن أبي هريرة حسن الترنم بالقران قال الطبري والترنم لا يكون إلا بالصوت إذا حسنه القارئ وطرب به, قال ولو كان معناه الاستغناء لما كان لذكر الصوت ولا لذكر الجهر معنى. وأخرج ابن ماجه والكجي وصححه ابن

ترجيح أن المراد بالتغني تحسين الصوت بالقراءة

حبان والحاكم من حديث فضالة بن عبيد مرفوعًا (الله اشتد أذنا "أي استماعا" للرجل الحسن الصوت بالقران من صاحب القينه إلى قينته) والقينه المغنية. وروى ابن أبي شيبة من حديث عقبة بن عامر رفعه (تعلموا القرآن وغنوا به وأفشوه) كذا وقع عنده. والمشهور عند غيره في الحديث وتغنوا به. والمعروف في كلام العرب أن التغني الترجيح. بالصوت كما قال حسان تغن بالشعر أما أنت قائله *** إن الغناء بهذا الشعر مضمار قال ولا نعلم في كلام العرب تغنى بمعنى استغنى ولا في أشعارهم. وإنكار الطبري ورود تغنى بمعنى استغنى في كلام العرب مردود بما تقدم ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. وفي الجهاد في حديث الخيل, ورجل ربطها تعففًا وتغنيًا, وهذا من الاستغناء بلا ريب, لأن المراد بقوله تغنيًا فيه أنه يطلب بها الاستغناء عن الناس بقرينه قوله تعففًا وبالجمله تفسير ابن عيينة التغني بالاستغناء ليس بمدفوع. وإن كان ظواهر الأخبار ترجح أن المراد به تحسين الصوت. ويؤيده قوله يجهر به "أي المذكور في بعض الروايات" فإن كانت مرفوعة قامت الحجة, وإن كانت غير مرفوعة فالراوي أعرف بمعنى الخبر من غيره ولا سيما إذا كان فقيهًا. وجزم الحليمي بأنها من قول أبي هريرة والعرب تقول سمعت فلانًا يتغنى بكذا أي يجهر به والحاصل أنه يمكن الجمع بين أكثر التأويلات المذكورة وهو أنه يحسن به صوته جاهرًا به مترنمًا على طريق التحزن مستغنيًا به عن غيره من الأخبار طالبًا به غنى النفس راجيًا به غنى اليد اهـ بتصرف ومما يرجح كون التغني بمعنى تحسين الصوت ما ذكره المصنف بقوله (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مَالِكٍ وَحَيْوَةُ عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ". (ش) (حيوة) بن شريح تقدم بالأول ص 101 و(ابن الهاد) يزيد بن عبد الله بن أسامة تقدم بالثالث ص 174 (قوله ما أذن الله لشيء الخ) أي ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبي يحسن صوته بالقراءة: يقال أذن يأذن اذنًا بفتح الهمزه والذال استمع , وهو كناية عن رضا الله تعالى عنه وقبول عمله ومضاعفة الثواب له. وأما الاستماع الحقيقي الذي هو الإصغاء بالأذن فمحال عليه تعالى لأنه شأن من يختلف سماعه بكثره التوجه وقلته, وسماعه تعالى لا يختلف ولا يشغله

شأن عن شأن (قوله يتغنى بالقرآن) أي يحسن صوته بتلاوته, أو هو مصدر بمعنى القراءة أو اسم مفعول بمعنى المقروء. والمراد به الكتب المنزله بدليل تنكير نبي (قوله يجهر به) أي في صلاته أو في تلاوته أو حين تبليغ رسالته وهو مرادف للتغني. وهو يرد تفسير التغني بالاستغناء لأنه لا مناسبة بين الاستغناء بالقرآن وبين الجهر به, وظاهر سياق المصنف يدل على أن لفظ يجهر به من الحديث , وليس كذلك بل هو مدرج فيه من كلام أبي سلمة أو غيره لما أخرجه ابن أبي داود عن محمَّد بن يحيى الذهلي من طريق ابن شهاب عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بلفظ "ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن" قال ابن شهاب وأخبرني عبد الحميد بن عبد الرحمن عن أبي سلمة يتغنى بالقرآن يجهر به. وأخرج البخاري من طريق ابن شهاب قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال "لم يأذن الله لنبي ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن" وقال صاحب له يريد يجهر به: قال الحافظ الضمير في له لأبي سلمة والصاحب عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد (وفي الحديث) دلالة على الترغيب في تحسين الصوت بالقراءة وهو وإن كان وارد في الأنبياء إلا أن غيرهم ممن يعمل بذلك مثلهم فيه. (والحديث) أخرجه أيضًا الشيخان والنسائي وابن نصر والبيهقي (باب التشديد فيمن حفظ القرآن ثم نسيه) أي في بيان الوعيد الشديد الوارد فيمن حفظ القرآن ثم نسيه. وفي بعض النسخ "باب فيمن حفظ القرآن ثم نسيه" بدون لفظ التشديد وفي بعضها "التشديد فيمن حفظ القرآن ثم نسيه" بدون لفظ باب (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ نَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عِيسَى بْنِ فَائِدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَا مِنِ امْرِئٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ثُمَّ يَنْسَاهُ إِلاَّ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْذَمَ". (ش) (رجال الحديث) (ابن إدريس) هو عبد الله تقدم بالثاني صفحه 253. و (عيسى بن فائد) روى عن سعد بن عبادة أو عن رجل عن سعد أو عن عبادة بن الصامت. وعنه يزيد بن أبي زياد. قال ابن المديني مجهول لم يرو عنه غير يزيد بن أبي زياد, وقال ابن عبد البر عيسى بن فائد لم يسمع من سعد بن عبادة ولا أدركه (معنى الحديث) (قوله ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه) يعني يتركه ولا يعمل بما فيه, فلا يحل حلاله ولا يحرم حرامه. وهذا محمل قوله تعالى "كذلك أتتك آياتنا فنسيتها" ويحتمل

باب أنزل القرآن على سبعة أحرف

إبقاء النسيان على ظاهره من حفظ القرآن ثم نسيه له الوعيد المذكور, ويكون حجه للشافعيه القائلين إن نسيان القرآن كبيرة تكفر بالتوبة والرجوع لحفظه من عير تفرقة بين القليل والكثير وقالت المالكية القدر الواجب الذي تصح به الصلاة نسيانه حرام وما زاد فنسيانه مكروه (قوله إلا لقي الله يوم القيامة أجذم) أي مقطوع اليد. وقيل المراد يلقى الله خاليًا عن الخير. وقال ابن الأنباري لقي الله لا حجه له وقيل مقطوع الأعضاء. وقيل غير ذلك (وفي الحديث) دلالة على التحذير من نسيان القرآن وترك العمل بما فيه (والحديث) أخرجه أيضًا الدرامي وهو ضعيف لأن في سنده يزيد بن أبي زياد وفيه مقال. وفيه أيضًا عيسى بن فائد اختلف في سماعه من سعد بن عبادة وهو مجهول كما تقدم. وأخرجه الإمام أحمد من طريق خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد عن رجل عن سعد بن عبادة قال سمعته غير مرة ولا مرتين يقول قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "ما من أمير عشيرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولًا لا يفكه من ذلك الغل إلا العدل وما من رجل قرأ القرآن فنسيه إلا لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم" وتقدم تمام الكلام على ذلك في باب كنس المسجد من الجزء الرابع (باب أنزل القرآن على سبعة أحرف) (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَقْرَأَنِيهَا فَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "اقْرَأْ". فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "هَكَذَا أُنْزِلَتْ". ثُمَّ قَالَ لِي "اقْرَأْ". فَقَرَأْتُ فَقَالَ "هَكَذَا أُنْزِلَتْ". ثُمَّ قَالَ "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ".

اختلاف عمار وهشام بن حكيم في آية من الفرقان

(ش) (القاري) بتشديد الياء نسبة إلى القارة بطن من خزيمة بن مدركة (قوله سمعت هشام بن حكيم بن حزام) بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي أسلم هو وأبوه عام الفتح وكان فاضلًا مهيبًا (قوله على غير ما أقرؤها) أي يقرؤها على كيفية غير الكيفيه التي أقرأ بها, وفي رواية البخاري فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم, قال في الفتح لم أقف في شيء من طرق حديث عمر على تعيين الأحرف التي اختلف فيها عمر وهشام من سورة الفرقان وذكر ما للقراء في هذه السورة من القراءات المختلفة في كلماتها فليراجع (قوله اقرأنيها) أي علمني كيفية قراءتها (قوله فكدت أن أعجل عليه الخ) يعني قربت أن أسرع إليه وأقطع صلاته وقراءته ثم أخرته حتى فرغ من الصلاة. وفي رواية البخاري سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكدت أساوره "أي آخذ برأسه" في الصلاة فتبصرت حتى سلم (قوله ثم لببته بردائي) بفتح اللام وموحدتين الأولى منهما مشددة أي جعلت ثوبي عند لبته. وفي نسخه ثم لببته بردائه, وفعل ذلك باجتهاد منه لظنه أن هشامًا خالف الصواب ولهذا لم ينكر عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بل قال له أرسله ففي رواية البخاري فلببته بردائه فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ, قال أقرأنيها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت كذبت, فإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت, فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أرسله (قوله هكذا أنزلت الخ) أقر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلا من القراءتين إشارة إلى أنهما منزلتان (قوله إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف) قاله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تطمينًا لعمر لئلا ينكر تصويب الشيئين المختلفين. وقد أخرج الطبري من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن جده قال قرأ رجل فغير عليه عمر فاختصما عند النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال الرجل ألم تقرئني يا رسول الله قال بلى فوقع في صدر عمر شيء عرفه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في وجهه فضرب في صدره وقال أبعد شيطانًا قالها ثلاثًا, ثم قال يا عمر القرآن كله صواب ما لم تجعل رحمة عذابًا أو عذابًا رحمة. واختلف في المراد بالسبعة أحرف قال القاضي هو سعة وتسهيل ولم يقصد به الحصر, وذلك أن لفظ السبعة يطلق ويراد منه الكثير في الآحاد كما يطلق لفظ السبعين ويراد به الكثره في العشرات. وقال الأكثرون هو حصر للعدد في سبعة احرف. ثم قيل المراد بها سبع لغات وهو

اللغات التي نزل بها القرآن. المراد من السبعة الأحرف التي نزل بها

اختيار ابن عطية والزهري وأبي عبيد وآخرين. والمراد أفصح لغات العرب لا جميعها فان لغات العرب تزيد على ذلك. فقد جاء عن أبي صالح عن ابن عباس قال نزل القرآن على سبع لغات منها خمس بلغه العجز من هوازن. والعجز سعد بن بكر وجشم بن بكر ونصر بن معاوية وثقيف, ويقال لهم عليا هوزان ولهذا قال أبو عمرو بن العلاء أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم يعني بني دارم, والثنتان كعب قريش وكعب خزاعه. فقد أخرج أبو عبيد من وجه آخر عن ابن عباس قال: نزل القرآن بلغة الكعبين كعب قريش وكعب خزاعة. وليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبع لغات, قال ابن عبد البر هذا مجمع عليه بل هو غير ممكن بل لا يوجد في القرآن كلمه تقرأ على سبع أوجه إلا الشيء القليل مثل عبد الطاغوت اهـ بل اللغات السبع مفرقة فيه فبعضه بلغه قريش وبعضه بلغه هذيل وبعضه بلغه هوزان وبعضه بلغه اليمن وغيرهم, وبعض اللغات أسعد بها من بعض وأكثر نصيبًا. وجعل بعضهم السبع لغات من مضر وقال إنهم هذيل وكنانة وقيس وضبه وتيم الرباب وأسد بن خزيمة وقريش. قال في الفتح. ونقل أبو شامة عن بعض الشيوخ أنه قال أنزل القرآن أولًا بلسان قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء ثم أبيح للعرب أن يقرءوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالهم على اختلافهم في الألفاظ والإعراب ولم يكلف أحد منهم الانتقال من لغته إلى لغة أخرى للمشقة ولما كان فيهم من الحمية ولطلب تسهيل فهم المراد كل ذلك مع اتفاق المعنى. وعلى هذا يتنزل اختلافهم في القراءة وتصويب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلا منهم ومراده ان الاباحة المذكورة لم تقع بالتشهي أي أنه ليس لكل واحدٍ أن يغير الكلمة بمرادفها في لغته, بل المراعي في ذلك السماع من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويشير إلى ذلك قول كل من عمر وهشام في الحديث الباب أقرأني النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقيل المراد سبعة أوجه من المعاني المتفقه بألفاظ مختلفة نحو أقبل وتعال وأسرع وعجل وهلم, وبذلك قال سفيان بن عيينة وابن وهب ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء وقال الحافظ في الفتح أي على سبعة أوجه يجوز أن يقرأ بكل منها وليس المراد أن كل كلمة أو جملة منه تقرأ على سبعة أوجه, بل المراد أن غاية ما ينتهي إليه عدد القراءت في الكلمة الواحدة سبعة (فان قيل) فإنا نجد بعض الكلمات يقرأ على أكثر من سبعة أوجه (فالجواب) أن غالب ذلك إما لا يثبت الزيادة وإما أن يكون من قبيل الاختلاف في كيفية الأداء كما في المد والإمالة ونحوهما اهـ فالمراد بالسبعة القراءات السبع: قال بعض المفسرين وهو الصحيح الموافق للحديث لأن هذه السبعة ظهرت واستفاضت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وضبطه عنه الصحابة وأثبتها عثمان والجماعة في المصاحف وأخبروا بصحتها وأن هذه الأحرف تختلف معانيها تاره وألفاظها أخرى وليست متضادة ولا متباينة, وقيل المراد بالسبعة الأحرف الإمالة والترقيق والتفخيم

القراءات المكتوبة في المصحف. السبب في اختلافها

والإظهار والإدغام والمد والقصر لأن العرب كانت مختلفة اللغات في هذه الوجوه فيسر الله عليهم ليقرأ كل بما يسهل عليه. وقال أبو شامة اختلف السلف في الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن هل هي مجموعة في المصحف الذي بأيدي الناس اليوم أو ليس فيه إلا حرف واحد منها مال ابن الباقلاني إلى الأول, وصرح الطبري وجماعة بالثاني وهو المعتمد. والحق أن الذي جمع في المصحف هو المتفق على إنزاله المقطوع به المكتوب بأمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو بعض ما اختلف فيه الأحرف السبعة لا جميعها كما وقع في المصحف المكي تجرى من تحتها الأنهار في آخر براءة وفي غيره بحذف من. وكذا ما وقع من اختلاف مصاحف الأمصار من عدة واوات ثابته في بعضها دون بعض وعده هاءات وعده لامات ونحو ذلك وهو محمول على أنه نزل بالأمرين معًا وأمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شخصين بكتابته أو أعلم بذلك شخصًا واحدًا وأمره بإثباتهما على الوجهين, وما عدا ذلك من القراءات مما لا يوافق الرسم فهو مما كانت القراءة جوزت به توسعة على الناس وتسهيلًا فلما آل الحال إلى ما وقع من الاختلاف في زمن عثمان بن عفان وكفر بعضهم بعضًا اختاروا الاقتصار على اللفظ المأذون في كتابه وتركوا الباقي. وقال البغوي في شرح السنة: المصحف الذي استقر عليه الأمر هو آخر العرضات على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأمر عثمان بنسخه في المصاحف وجمع الناس عليه وأذهب ما سوى ذلك قطعًا لمادة الخلاف فصار ما يخالف خط المصحف في حكم المنسوخ والمرفوع كسائر ما نسخ ورفع فليس لأحد أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارج عن الرسم اهـ وقال ابن أبي هاشم إن السبب في اختلاف القراءات السبع وغيرها أن الجهات التي وجهت إليها المصاحف كان بها من الصحابة من حمل عنه أهل تلك الجهة وكانت المصاحف خالية من النقط والشكل فثبت أهل كل ناحية على ما كانوا تلقوه سماعًا عن الصحابة بشرط موافقة الخط وتركوا ما يخالف الخط امتثالًا لأمر عثمان الذي وافقه عليه الصحابة لما رأوا في ذلك من الاحتياط للقرآن. فمن ثم نشأ الاختلاف بين قراء الأمصار مع متمسكين بحرف واحد من السبعة اهـ: وقال مكي بن أبي طالب هذه القراءات التي يقرأ بها اليوم وصحت رواياتها عن الأئمة جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ثم ساق نحو ما تقدم. قال وأما من ظن أن قراءة هؤلاء القراء كنافع وعاصم هي الأحرف السبعة التي في الحديث فقد غلط غلطًا عظيمًا ويلزم من هذا أن ما خرج عن قراءة السبعة مما ثبت عن الأئمة غيرهم ووافق خط المصحف ألا يكون قرآنا وهذا غلط عظيم: فإن الذين صنفوا القراءات من الأئمة المتقدمين كأبي عبيد القاسم بن سلام وأبي حاتم السجستاني وأبي جعفر الطبري وإسماعيل بن إسحاق والقاضي قد ذكروا أضعاف هؤلاء اهـ من الفتح (قوله فاقرءوا ما تيسر منه) أي من المنزل من هذه الأحرف , لكن لا بد أن

ما وقع لبعض الصحابة من الاختلاف في القراءة

يكون موافقًا لخط المصحف وموافقًا للعربية وأن يصح سنده كما ذكره الأئمة, وهذه شروط لا بد من اعتبارها فمتى اختل شرط منها لم تكن تلك القراءة معتمدة. وقد قرر ذلك أبو شامة تقريرًا بليغًا وقال: لا يقطع بالقراءة بأنها منزله من عند الله إلا إذا اتفقت الطرق عن ذلك الإمام الذي قام بإمامه المصر بالقراءة وأجمع أهل عصره ومن بعدهم على إمامته في ذلك, أما إذا اختلفت الطرق عنه فلا. فلو اشتملت الآية الواحدة على قراءات مختلفة مع وجود الشرط المذكور جازت. وقد وقع نحو قصه عمر هذه لأبيّ بن كعب مع آخر من الصحابة كما رواه النسائي من طريق معقل بن عبيد الله عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبيّ ابن كعب قال: أقرأني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فبينا أنا في المسجد جالس إذ سمعت رجلًا يقرؤها تخالف قراءتي فقلت له من علمك هذه السورة فقال رسول الله فقلت لا تفارقني حتى نأتي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأتيته فقلت يا رسول الله: ان هذا خالف قراءتي في السورة التي علمتني, فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اقرأ يا أبيّ فقرأتها, فقال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحسنت, ثم قال للرجل أقرأ فقرأ فخالف قراءتي فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحسنت, ثم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا أبيّ إنه أنزل القرآن على سبعة أحرف كلهن شاف كاف, قال النسائي: معقل بن عبيد الله ليس بذلك القوي. ووقع نحوها أيضًا لعمرو ابن العاص كما أخرجه أحمد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو أن رجلًا قرأ آية من القرآن فقال له عمرو إنما هي كذا كذا. فذكرا ذلك للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فأي ذلك قرأتم أصبتم فلا تماروا فيه. ووقع مثله لابن مسعود كما رواه ابن حبان والحاكم عنه قال: أقرأني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من آل حم فرحت إلى المسجد فقلت لرجل اقرأها فإذا هو يقرأ حروفًا ما أقرأها فقال أقرأنيها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فانطلقا إلى رسول الله فأخبرناه فتغير وجهه وقال: إنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف ثم أسر إلى عليّ شيئًا فقال علي: إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما علم, قال فانطلقنا وكل رجل منا يقرأ حروفًا لا يقرؤها صاحبه (والحديث) أخرجه أيضًا الشيخان والنسائي والترمذي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ قَالَ قَالَ الزُّهْرِيُّ إِنَّمَا هَذِهِ الأَحْرُفُ فِي الأَمْرِ الْوَاحِدِ لَيْسَ يَخْتَلِفُ فِي حَلاَلٍ وَلاَ حَرَامٍ. (ش) (عبد الرازق) تقدم بالأول صفحه 106. وكذا (معمر) صفحه 107

كيفية نزول القرآن على سبعة أحرف

و (الزهري) محمَّد بن شهاب صفحه 48 (قوله إنما هذه الأحرف الخ) يعني أن الأحرف السبعة التي نزلت بها القرآن لا يختلف الحكم المأخوذ من القرآن باختلافها فلا يصير على بعض القراءات حلالًا وعلى الآخر حرامًا, بل الحكم واحد وإن اختلفت القراءة, وهذا لا ينافي أن القراءات قد تختلف وجه آخر كما قرأ الجمهور قوله تعالى "باعد بين أسفارنا" بصيغه الطلب والدعاء, وقرأ يعقوب باعد بصيغه الماضي, وكما في قوله تعالى "كيف ننشزها" بالزاى المعجمه "نحركها ونرفعها" وبالراء المهمله "نحييها" وهما قراءتان سبعيتان (وهذا الأثر) أخرجه أيضًا البيهقي والشيخان ضمن حديث عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس حدثه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده فيزيد حتى انتهى إلى سبعة أحرف, قال ابن شهاب بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحد لا يختلف في حلال ولا في حرام (ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ نَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ الْخُزَاعِيِّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "يَا أُبَيُّ إِنِّي أُقْرِئْتُ الْقُرْآنَ فَقِيلَ لِي عَلَى حَرْفٍ أَوْ حَرْفَيْنِ فَقَالَ الْمَلَكُ الَّذِي مَعِي قُلْ عَلَى حَرْفَيْنِ. قُلْتُ عَلَى حَرْفَيْنِ. فَقِيلَ لِي عَلَى حَرْفَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ. فَقَالَ الْمَلَكُ الَّذِي مَعِي قُلْ عَلَى ثَلاَثَةٍ. قُلْتُ عَلَى ثَلاَثَةٍ. حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ ثُمَّ قَالَ لَيْسَ مِنْهَا إِلاَّ شَافٍ كَافٍ إِنْ قُلْتَ سَمِيعًا عَلِيمًا عَزِيزًا حَكِيمًا مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ". (ش) (قوله أقرئت القرآن) بالبناء المجهول أي أقرأني جبريل القرآن (قوله فقيل لي حرف) لعل القائل هو الله تعالى أو ملك أي أتحب أن تقرأه على لغه أو لغتين؟ فهو تخير له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ذلك (قوله فقال الملك الذي معى) هو ميكائيل ففي رواية للنسائي قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف فقال ميكائيل استزده حتى بلغ سبعة أحرف (قوله ليس منها إلا شاف كاف) أي ليس حرف منها إلا وهو شاف لصدور المؤمنين في معرفه أحكام الدين, وكاف في الحجة

حكم جعل كلمة من القرآن موضع مناسبها

على صدق الرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإبطال شبه المعاندين, أو شاف في إثبات المطلوب للمؤمنين. كاف في الحجة على الكافرين. أو شاف لأمراض الجهل. كاف في الصلوات (قوله إن قلت سميعًا عليمًا الخ) يعني إن قلت سميعًا عليمًا موضع عزيز حكيم أو بالعكس جاز لما في رواية أحمد إن قلت غفورًا رحيمًا أو قلت سميعًا عليمًا أو عليمًا سميعًا فالله كذلك والمعنى أنك إن أبدلت صفة بصفة أخرى فلا مانع منه ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب بأن تكون آية رحمة فتختمها بقوله شديد العقاب, أو تكون آية عذاب فتختمها بقوله غفور رحيم. فلا يجوز, لأن ذلك يخل بنظم القرآن الكريم ويغير المعنى (قال العيني) هذا إنما كان قبل الإجماع على ترتيب القرآن في المصحف العثماني, أما بعد أن وقع الإجماع على ذلك فلم يجز لأحد أن يجعل موضع سميع عليم مثلًا عزيز حكيم قصدًا وعمدًا, ولكن إذا جرى على لسانه من غير قصد إلى التغيير فلا بأس بذلك حتى لو كان في الصلاة لم تبطل صلاته اهـ ببعض تصرف (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد, وكذا البيهقي من طريق عفان عن همام بسنده إلى أبيّ بن كعب قال: قرأت آية وقرأ ابن مسعود قراءة خلافها فأتينا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلت: ألم تقرئني آية كذا وكذا؟ قال بلى, قال ابن مسعود ألم تقرئنيها كذا وكذا؟ قال بلى قال كلاكما محسن مجمل, قلت ما كلانا أحسن ولا أجمل قال فضرب في صدري وقال يا أبيّ أقرئت القرآن فقيل لي على حرف أم على حرفين؟ فقال الملك الذي معي حرفين, فقلت على حرفين فقيل لي على حرفين أم ثلاثه؟ فقال الملك الذي معي على ثلاثه, فقلت ثلاثه حتى بلغ سبعة أحرف قال ليس فيها إلا شاف كاف, قلت غفور رحيم عليم حكيم سميع عليم عزيز حكيم نحو هذا ما لم يختم آية عذاب برحمة أو رحمة بعذاب (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ عِنْدَ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ عَلَى حَرْفٍ. قَالَ "أَسْأَلُ اللَّهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ إِنَّ أُمَّتِي لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ". ثُمَّ أَتَاهُ ثَانِيَةً فَذَكَرَ نَحْوَ هَذَا حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَ أُمَّتَكَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَأَيُّمَا حَرْفٍ قَرَءُوا عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَابُوا.

باب الدعاء

(ش) (الحكم) بن عتيبه تقدم بالثاني صفحه 125.و (مجاهد) بن جبر تقدم بالأول صفحه 58. و (ابن أبي ليلى) عبد الرحمن تقدم بالثاني صفحه 34 (قوله أضاة بني غفار) أضاة بوزن حصاة الغدير "مستنقع الماء" وجمعها أضى كحصى وآضاة كآكام, وقيل بالمد والهمز كإناء وهو موضع بالمدينة ينسب إلى بني غفار لأنهم نزلوا عنده (قوله أسأل الله معافاته ومغفرته الخ) يعني سله أن يتجاوز لنا عن القراءة بلغة واحدة وأن يوسع لنا الأمر ويغفر لنا ذنوبنا, فإن أمتي لا تطيق أن تقرأ على لغة واحدة لعدم ممارسة الناس كلهم لغة قريش فلو كلفوا بالقراءة بها لا غير لثقل عليهم الأمر حينئذ. فقد روى الترمذي عن أبيّ قال لقي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جبريل فقال: يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابًا قط, قال يا محمَّد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف (قوله ثم أتاه ثانيه الخ) وفي نسخه أتاه الثانية أي أتى جبريل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذكر له نحو ما تقدم. ولفظه في مسلم ثم أتاه الثانية فقال إن الله عَزَّ وَجَلَّ يأمرك أن تقرئ أمتك على حرفين, قال اسأل الله معافاته ومغفرته, وإن أمتي لا تطيق ذلك ثم جاءه الثالثه فقال إن الله عَزَّ وَجَلَّ يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثه أحرف فقال أسأل الله معافاته ومغفرته, وان أمتي لا تطيق ذلك, ثم جاءه في الرابعة فقال إن الله عَزَّ وَجَلَّ يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف, فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا (قوله فأيما حرف قرءوا عليه الخ) أي فأي حرف من الحروف السبعة قرءوا به فقد وافقوا الصواب (وفي الحديث) دلالة على مزيد رأفه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأمته, وعلى قبول الله شفاعته فيها حيث خفف عليهم في القراءة, فأجازها بأي لغة تتيسر لهم من هذه اللغات السبع (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبيهقي والنسائي وكذا مسلم بلفظ تقدم (باب الدعاء) أي في بيان فضله وآدابه (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ ذَرٍّ عَنْ يُسَيْعٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ (قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ". (ش) (رجال الحديث) (منصور) بن المعتمر تقدم بالأول صفحه 84. و (ذر)

بعض ما ورد في فضل الدعاء

ابن عبد الله الكوفي تقدم بالثالث صفحه 163. و (يسيع) بضم المثناه التحتية وفتح السين المهملة. ويقال أسيع بالهمزه (الحضرمي) الكوفي. روى عن النعمان بن بشير وعلى. وعنه ذر بن عبد الله وثقه النسائي وقال ابن المديني معروف, وذكره ابن حبان في الثقات روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في الأدب (معنى الحديث) (قوله الدعاء هو العبادة) الحصر فيه للمبالغة فإن الدعاء في الأصل التذلل والتضرع إلى الله تعالى في الحوائج كلها. والتذلل بين يدي الله تعالى هو أصل العبادة وخلاصتها لدلالته على الاقبال على الله تعالى والإعراض عما سواه لأن الداعي وقت دعائه لا يرجو إلا الله تعالى قائمًا بحقوق العبودية معترفًا بحق الربوبية (قوله قال ربكم ادعوني استجيب لكم) أي الخ الآية فان الاستدلال على كون الدعاء هو العبادة بقوله تعالى "إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" فقد اطلق لفظ العبادة على الدعاء. وفي رواية الترمذي ثم قرأ "وقال ربكم ادعوني استجيب لكم" أي اجبكم فيما دعوتم (فان قلت) قوله ادعوني أمر والأمر للوجوب وقوله سيدخلون جهنم داخرين وعيد يدل على وجوب الدعاء والإجماع على عدم وجوبه "اجيب" بأن مفهوم الدعاء يشمل جميع العبادات فرضها ونفلها. أو يقال الأمر للاستحباب والوعيد ليس على ترك الدعاء مطلقًا بل على تركه استكبارًا. وقال بعضهم المراد بالدعاء في الآية العبادة أي اعبدوني أثبكم على العبادة لكنه لا يناسب سياق الحديث (وفي الحديث) دلالة على مزيد فضل الدعاء وأنه من العبادة, وقد روى عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "الدعاء مخ العبادة" وروى ابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء" ورواه الترمذي: وقال حسن غريب. وروى أيضًا عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر" وروى أيضًا ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء". وروى أيضًا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "من لم يسأل الله يغضب عليه" (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي والحاكم والطبراني وابن شيبة (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ مِخْرَاقٍ عَنْ أَبِي نُعَامَةَ عَنِ ابْنٍ لِسَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا أَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَنَعِيمَهَا وَبَهْجَتَهَا وَكَذَا وَكَذَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَسَلاَسِلِهَا وَأَغْلاَلِهَا وَكَذَا وَكَذَا فَقَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ

ما به يكون الاعتداء في الدعاء

-صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ". فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ إِنْ أُعْطِيتَ الْجَنَّةَ أُعْطِيتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ وَإِنْ أُعِذْتَ مِنَ النَّارِ أُعِذْتَ مِنْهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الشَّرِّ. (ش) (رجال الحديث) (يحيى) القطان و (زياد بن مخراق) المزني مولاهم أبو الحارث البصري. روى عن ابن عمر ومعاوية بن قرة وغيرهم. وعنه شعبة ومالك وحماد ابن سلمة وابن عيينة, قال شعبة لا يكذب في الحديث, ووثقه النسائي وابن معين وقال ابن خراش صدوق. روى له البخاري في الأدب وأبو داود. و(أبو نعامة) قيس بن عباية تقدم بالأول صفحه 313. و (ابن سعد) لم يسم قال المنذري فإن كان عمر فلا يحتج به (وأبوه) سعد ابن أبي وقاص (معنى الحديث) (قوله وبهجتها) أي حسنها وزينتها (قوله وكذا وكذا) كناية عن أشياء كثيره من نعيم الجنة (قوله وأغلالها) جمع غل بضم الغين المعجمة, وهو طوق من حديد يجعل في العنق, وقوله كذا وكذا كناية عن أنواع العذاب في النار (قوله يعتدون في الدعاء) أي يتجازون الحد فيه, ولعل سعد أنكر على ابنه حيث سأل نعيم الجنة وبهجتها بعد سؤاله الجنة وحيث استعاذ من سلاسل النار وأغلالها بعد استعاذه من النار فهو من قبيل تحصيل الحاصل فيكون من العبثيات. ويكون الاعتداء في الدعاء أيضًا بطلب ما يستحيل شرعًا كطلب النبوة بعد خاتم النبيين نبينا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو طلب ادخال من مات على الكفر الجنة أو عادة كأن يسأل نزول السماء مكان الأرض أو صعود الأرض مكان السماء, وقد قال العلماء أنه لا يجوز أن يدعو الإنسان أنه يصعد إلى السماء أو يتحول الجبل الفلاني ذهبًا أو يحيى له الموتى وقيل إن الاعتداء في الدعاء تكلف السجع فيه, وقيل الصياح فيه (قوله فإياك أن تكون منهم الخ) أي احذر أن تكون من القوم المعتدين في الدعاء فإنك إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها وإن حفظت من النار حفظت منها وما فيها قال تعالى (فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز) (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد من طريق عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة عن زياد ابن مخراق قال: سمعت أبا عباية عن مولى لسعد أن سعدًا رضي الله عنه سمع ابنا له يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وإستبرقها ونحو من هذا: وأعوذ بك من النار وسلاسلها

من آداب الدعاء بدؤه بالثناء على الله تعالى والصلاة على الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

وأغلالها فقال: لقد سألت الله خيرًا كثيرًا وتعوذت بالله من شر كثير, وإني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: أنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء وقرأ هذه الآية (ادعوا ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين) وإن حسبك أن تقول: اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل. وسئل أحمد عنه فقال: لم يقم إسناده لأن في سنده زياد بن مخراق وقد سئل عنه فقال لا أدرى, لكن قد علمت أن النسائي وغيره قد وثقه وأخرج ابن ماجه نحوه عن عبد الله بن مغفل بلفظ: أنه سمع ابنه يقول اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها فقال: أي بنيّ سل الله الجنة وعذ به من النار, فإني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: سيكون قوم يعتدون في الدعاء (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ نَا حَيْوَةُ أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ حُمَيْدُ بْنُ هَانِئٍ أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلاَتِهِ لَمْ يُمَجِّدِ اللَّهَ تَعَالَى وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "عَجِلَ هَذَا". ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ". (ش) (رجال الحديث) (حميد بن هانئ) الخولاني المصري. روى عن عمر وابن حريث وعلي بن رباح وابي عبد الرحمن الحبلي وآخرين. وعنه حيوة بن شريح والليث بن سعد ونافع بن يزيد وجماعة, وثقه الدارقطني وابن عبد البر وقال النسائي لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات في التابعين. توفي سنه ثنتين وأربعين ومائه. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في الأدب. و (عمرو بن مالك) الهمداني المرادي المصري. روى عن أبي سعيد الخدري وفضالة بن عبيد وأبي ريحانة. وعند حميد ابن هانئ ومحمد بن شمير, وثقه ابن معين وابن حبان والدارقطني. روى له البخاري في الأدب والترمذي والنسائي وابن ماجه. و (فضالة بن عبيد) بن نافذ بن قيس بن صهيب الأنصاري

الترغيب في الدعاء بما يجمع خيري الدارين

أبو محمَّد: أسلم قديمًا وشهد أحدًا وما بعدها وشهد فتح مصر والشام ولاه معاوية قضاء دمشق. روى عن النبي صلى الله تعالى وعلى آله وسلم وعن أبي الدرداء وعمرو. وعنه ثمامة بن شفي وعبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن محيريز ومحمد بن كعب وجماعة. مات سنه ثلاث وخمسين روى له مسلم والترمذي والنسائي والبخاري في الأدب. (معنى الحديث) (قوله يدعو في صلاته) أي في آخر صلاته قبل السلام من غير أن يتشهد ويصلي على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم, ويحتمل أن المراد يدعو دبر صلاته بعد الفراغ منها, ويؤيده رواية الترمذي عن فضالة بن عبيد قال: بينما رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قاعد إذ دخل رجل يصلي فقال: اللهم اغفر لي وارحمنى فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: عجلت أيها المصلي إذ صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله ثم صل عليّ ثم ادعه قال: ثم صلى رجل آخر بعد ذلك فحمد الله وصلى على النبي فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيها المصلي ادع تجب (قوله عجل هذا) أي تعجل بالدعاء فلم يبدأ بآدابه من الثناء على الله تعالى والصلاة والسلام على رسول الله (قوله أو غيره) شك من بعض الرواة: خاطب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غير المصلي ليسمع هو فيعمل عليه (قوله إذا صلى أحدكم الخ) أي إذا فرغ من ركعات الصلاة وجلس للسلام فليبدأ بالتحيات ثم يصلي على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم يدعو بما شاء. ويحتمل أن المراد فرغ من صلاته وجلس بعد السلام للدعاء والتمجيد والتعظيم والتشريف, والثناء الذكر بخير, فعطفه على التمجيد من عطف العام على الخاص, وفي رواية الترمذي " ثم ليصل على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم ليدع" وفي بعض النسخ فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه وعليها فالعطف مرادف (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والترمذي وصححه (ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَحِبُّ الْجَوَامِعَ مِنَ الدُّعَاءِ وَيَدَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ. (ش) (رجال الحديث) (أبو نوفل) اسمه مسلم بن أبي عقرب. وقيل عمرو بن مسلم بن أبي عقرب. وقيل معاوية بن مسلم بن أبي عقرب البكري الكندي. روى عن عائشه وأسماء وعمرو بن العاص وابن مسعود وابن عباس. وعنه الأسود بن شيبان وابن جريج

النهي عن تعليق الدعاء بالمشيئة

وعبد الملك بن عمير وشعبة, وثقه ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات. روى له مسلم وأبو داود والنسائي والبخاري في الأدب (معنى الحديث) (قوله كان يستحب الجوامع من الدعاء) أي يحب الدعاء بالكلمات التي تجمع خيري الدنيا والآخرة وتجمع الأغراض الصالحة والمقاصد الصحيحة. وقيل هي ما كان لفظها قليلًا ومعناها كثيرًا مثل "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" واللهم اكفني بحلالك عن حرامك واغنني بفضلك عمن سواك. واللهم ارزقني الراحة في الدنيا والآخرة واللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل, وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل: واللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم (قوله ويدع ما سوى ذلك) أي يترك غير الجوامع من الدعاء (والحديث) أخرجه أيضًا الحاكم (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ لاَ مُكْرِهَ لَهُ". (ش) (أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (قوله لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت الخ) نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ذلك خشيه إيهام الإكراه لله, وهو منزه عن ذلك لأن التعليق بالمشيئه إنما يكون في حق من يتوجه عليه الإكراه أو خشيه إيهام استغناء السائل عن الله تعالى وعن المطلوب وهو باطل لاحتياج الخلق كلهم في جميع أمورهم إليه تعالى إذ لا تستعمل المشيئة إلا فيما لا يضطر إليه, أما ما يضطر إليه فإنه يجزم بحصوله له ولا يعلق على المشيئة أما في غير الدعاء فيعلق جميع ما يريد فعله على مشيئة الله تعالى لقوله تعالى "ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدًا إلا أن يشاء الله" (قوله ليعزم المسألة) يعني ليجزم في دعائه بأن الله يجيبه ولا يعلق على المشيئة. وفي رواية لمسلم ليعزم في الدعاء فإن الله صانع ما شاء (وفي الحديث) النهي عن التعليق بالمشيئة في الدعاء, وظاهر النهي التحريم, وبه قال ابن عبد البر وقال النووي هو للكراهية. وقال ابن بطال في الحديث أنه ينبغي للداعي أن يجتهد في الدعاء ويكون على رجاء الإجابة ولا يقنط من الرحمة فإنه يدعو كريمًا, وقد قال ابن عيينة لا يمنعن أحدًا الدعاء ما يعلم في نفسه (يعني من التقصير) فإن الله قد أجاب دعاء شر خلقه إبليس حين قال رب أنظرني إلى يوم يبعثون اهـ. (والحديث) أخرجه أيضًا مالك في الموطأ والبخاري ومسلم وابن ماجه والترمذي والنسائي في

النهي عن استعجال إجابة الدعاء وأنواع إجابته

عمل اليوم والليله, وأخرج مسلم نحوه عن أنس بلفظ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم " إذا دعا أحدكم فليعزم في الدعاء ولا يقل اللهم ان شئت فأعطني فإن الله لا مستكره له" وأخرجه أيضًا عن أبي هريرة إن رسول الله صلى الله تعالى وعلى آله وسلم قال: إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت, ولكن ليعزم المسأله وليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي". (ش) (رجال الحديث) (أبو عبيد) سعد بن عبيد الزهري مولى ابن أزهر. روى عن عمر وعثمان وعلي وأبي هريرة وعنه الزهري وسعيد بن خالد القارظي, وثقه الذهلي وابن البرقي وابن معين وابن سعد, وقال ابن حبان كان من فقهاء أهل المدينة. توفي سنه ثمان وتسعين. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله يستجاب لأحدكم ما لم يعجل) أي يجيب الله دعاء كل واحد منكم مدة عدم عجلته. وهذا شرط إجابة الدعاء (قوله قد دعوت فلم يستجب لي) بيان للعجله وفي رواية مسلم "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل: قيل يا رسول الله ما الاستعجال قال يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجب لي فيستحسر (أي ينقطع) عند ذلك ويدع الدعاء" والمراد إنه يمل من الدعاء فيتركه إما استبطاء أو إظهار يأس, وكلاهما مذموم أما الأول فلأنه يكون كالمنان بدعائه المبخل لربه. وأما اليأس فلأنه ربما جر إلى الكفر فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون قال ابن بطال المعنى أنه يسأم فيترك الدعاء فيكون كالمان بدعائه أو أنه أتى من دعاء ما يستحق به الإجابة فيصير كالمبخل للرب الكريم الذي لا يعجزه الإجابة ولا ينقصه العطاء (فان قلت) إن الحديث يقضي بأن من استعجل الدعاء لا يستجاب له وقوله تعالى (ادعوني استجيب لكم) وقوله (أجيب دعوة الداع إذا دعان) وعد بإجابه مطلق الدعاء (أجيب) بأن إطلاق الآية مقيد بما دل عليه الحديث, أو أن إجابة الدعاء على أنواع. منها الإجابة بعين المطلوب في الوقت المطلوب. ومنها تأخير الإجابة لوقت آخر لحكمة يعلمها الله تعالى اقتضت تأخيرها. ومنها دفع شر بدله الله له أو إعطاؤه أحسن مما طلب. ومنها ادخار الدعاء ليوم القيامة لكون الداعي أحوج إلى ثوابه فيه. قال ابن الجوزي إن دعاء المؤمن لا يرد غير أنه قد يكون الأولى تأخير الإجابة أو يعوض بما هو أولى له عاجلًا أو آجلًا, فينبغى للمؤمن ألا يترك الطلب

فائدة الدعاء وشروط إجابته

من ربه فإنه متعبد بالدعاء كما هو متعبد بالتسليم والتفويض وروى الترمذي والحاكم من حديث عبادة بن الصامت مرفوعًا "ما على الأرض مسلم يدعو بدعوة إلا أتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها" وفي حديث أبي هريرة عند أحمد إما أن يعجلها له وإما أن يدخرها له. وله من حديث أبي سعيد مرفوعًا "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة, وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها (فان قلت) إن الداعي لا يعرف ما قدر له: فدعاؤه إن كان على وفق المقدر فلا داعي له لحصول المقصود ألبتة, وإن كان على خلاف المقدر فلا فائده له لأن المقدر لا بد من حصوله (فالجواب) أن الدعاء عبادة لما فيه من الخضوع وإظهار الاحتياج لله تعالى. وفائده تحصيل الثواب بامتثال الأمر وقد روى الترمذي عن ابن عمر مرفوعًا (الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل. فعليكم عباد الله بالدعاء) أي لاحتمال أن يكون حصول المدعو به موقوفًا على الدعاء, قال القشيرى في الرسالة اختلف أي الأمرين أولى الدعاء أو السكوت والرضا: فقيل الدعاء وهو الذي ينبغي ترجيحه وتشهد له الأدلة لما فيه من إظاهر الخضوع والافتقار: وقيل السكوت والرضا أولى لما في التسليم من الفضل (وحديث الباب) يدل على أن إجابة الدعاء مشروطة بعدم استعجالها. وهناك شروط أخرى: منها ألا يدعو بحرام كأن يدعو بالشر على غير مستحقه: وألا يدعو بمحال ولو عادة فإنه تعالى أجرى الأمور على العادة, فالدعاء بخرقها تحكم على القدرة القاضية بدوامها واعتداء في الدعاء وأن يكون موقنًا بالإجابة مقبلًا بكليته على الله تعالى وقت الدعاء فقد روى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله تعالى لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه" وألا يكون فيما سأله غرض فاسد كمال وطول عمر للتفاخر وألا يشغل عن أداء فرض وألا يستعظم حاجته على الله تعالى وألا يكون مطعمه أو ملبسه من حرام وتقدم بعض هذه الشروط في باب "باب الدعاء في الركوع والسجود" من الجزء الخامس (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم وابن ماجه والترمذي (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيْمَنَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "لاَ تَسْتُرُوا الْجُدُرَ مَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ

النهي عن التفاخر بستائر الجدران وعن- النظر في كتاب الغير

إِذْنِهِ فَإِنَّمَا يَنْظُرُ فِي النَّارِ سَلُوا اللَّهَ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ وَلاَ تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا فَإِذَا فَرَغْتُمْ فَامْسَحُوا بِهَا وُجُوهَكُمْ". (ش) (قوله عمن حدثه) هو أبو المقدم هشام بن زياد قال في تهذيب التهذيب في المبهمات عبد الله بن يعقوب بن إسحاق عمن حدثه عن محمَّد بن كعب القرظي عن ابن عباس: الحديث مشهور برواية أبي المقدام هشام بن زياد عن محمَّد بن كعب, وقال في التقريب في المبهمات عبد الله بن يعقوب عمن حدثه عن محمَّد بن كعب يقال هو أبو المقدام هشام بن زياد, وقد تقدم هذا السند في "باب الصلاة إلى المتحدثين والنيام" من الجزء الخامس (قوله لا تستروا الجدر) جمع جدار أي لا تغطوها بالثياب ونهى صلى الله عليه واله وسلم عن ذلك لما فيه من الإسراف والتفاخر والعظمة, ومحل النهي إذا كان لغير مصلحة أما إذا كان لها كدفع برد أو حر فهو جائز ونقل النووي أن الستارة إذا كانت من حرير حرمت وإلا كرهت (قوله فإنما ينظر في النار) أي ينظر فيما يوجب عليه دخول النار وقال الخطابي هو تمثيل يقول كما يحذر النار فليحذر هذا الصنيع: إذ كان معلومًا أن النظر إلى النار والتحديق فيها يضر بالبصر والكتاب عام يشمل كتاب العلم وغيره وقال بعضهم أراد به الكتاب الذي فيه أمانة أو سر يكره صاحبه أن يطلع عليه أحد دون كتاب العلم, فإنه لا يحل منعه لأنه كتمان للعلم. وفيه نظر فإنه إنما يأثم بكتمان العلم الذي يسأل عنه ولا إثم في حبس كتابه عن غيره فإن كتب العلم من قبيل المال الذي يجب حفظه وإطلاق الأيدي عليها يؤدي إلى تلفها أو نقصان قيمتها, فلا يجب بذلها للغير إلا إذا تعينت طريقًا للعلم وعجز المحتاج للتعلم عن قيمتها. فالظاهر تعميم منع النظر في كتب الغير مطلقًا إلا بأذن صاحبها (قوله سلوا الله ببطون أكفكم) يعني سلوه مع بسط أكفكم إلى السماء فالباء فيه للمصاحبة وأمر صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك لأن هذه الهيئة تشعر بالتذلل والخضوع والاحتياج إلى الله تعالى (قوله ولا تسألوه بظهورها) نهى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ذلك لأن هذه الكيفية تشعر بعدم الرغبة فيما يسأله وعدم الاعتناء به (وظاهر الحديث) أن الداعي يدعو على هذه الحاله لا فرق بين أن يدعو لجلب خير أو دفع شر كما قال الطيبي: وحمل ابن حجر الحديث على ما إذا كان الدعاء بخير قال: لأن اللائق لطالب شيء يناله أن يمد كفه إلى المطلوب منه ويبسطها متضرعًا ليملأها من عطائه الكثير المؤذن به رفع اليدين جميعًا إليه أما إذا كان لدفع شر فالسنة أن يرفع إلى السماء ظهور كفيه اتباعًا له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وحكمته التفاؤل في الأول بحصول المأمول وفي الثاني بدفع المحذور ببعض تصرف من المرقاه (قوله فامسحوا بها وجوهكم) أي امسحوا ببطون الأكف وجوهكم بعد الفراغ من الدعاء

رفع اليدين حال الدعاء وبعض ما ورد فيه

لأن الرحمة تنزل وقت السؤال على الأكف فيمسح بها وجهه لتصل الرحمة أيضًا إلى الوجه الذي هو أشرف الأعضاء وأحقها بالتكريم (فقه الحديث) دل الحديث على النهي عن التفاخر بوضع الستور على الجدر. وعلى التحذير من النظر في كتاب الغير بدون إذنه. وعلى مشروعية رفع اليدين حالة الدعاء وعلى النهي عن جعل ظهورهما وقت الدعاء إلى السماء على ما تقدم بيانه. وعلى مشروعية مسح الوجه. بالكفين عقب الدعاء (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه من طريق صالح بن حسان عن محمَّد بن كعب القرظي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا دعوت الله فادع ببطون كفيك ولا تدع بظهورهما, فإذا فرغت فامسح بهما وجهك. وأخرجه الحاكم أيضًا من هذا الطريق. وصالح بن حسان ضعيف (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ كُلُّهَا وَاهِيَةٌ وَهَذَا الطَّرِيقُ أَمْثَلُهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا. (ش) غرض المصنف بهذا بيان أن هذا الحديث ضعيف وأنه من عده طرق منها ما تقدم عن ابن ماجه والحاكم, وقوله أمثلها أي أحسنها هذا الطريق, وفيه نظر فإن فيه مجهولًا وهو أبو المقدام وقد ضعفه غير واحد من الحفاظ حتى قال فيه ابن حبان أنه يروي الموضوعات عن الثقات لا يجوز الاحتجاج به, والحديث وإن كان ضعيفًا فله شواهد تقويه: منها ما أخرجه المصنف بعد من الأحاديث الدالة على رفع اليدين حال الدعاء ومسح الوجه بهما ومنها ما أخرجه الترمذي من طريق حماد بن عيسى الجهني عن حنظله بن أبي سفيان الجمحي عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه. وفي رواية له لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه. قال الترمذي هذا حديث صحيح غريب, لا نعرفه إلا من حديث حماد بن عيسى وقد تفرد به, وهو قليل الحديث وقد حدث عنه الناس: وحنظلة بن أبي سفيان ثقه, وثقه يحيى بن سعيد القطان "وأما حديث" أنس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه رواه المصنف في "باب رفع اليدين في الاستسقاء" من الجزء السابع "فقد تقدم" هناك الجمع بينه وبين أحاديث رفع اليدين في غير الاستسقاء (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْبَهْرَانِيُّ قَالَ قَرَأْتُهُ فِي أَصْلِ إِسْمَاعِيلَ -يَعْنِي ابْنَ

المطلوب رفع الكفين إلى السماء حال الدعاء

عَيَّاشٍ- حَدَّثَنِي ضَمْضَمٌ عَنْ شُرَيْحٍ نَا أَبُو ظَبْيَةَ أَنَّ أَبَا بَحْرِيَّةَ السَّكُونِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ يَسَارٍ السَّكُونِيِّ ثُمَّ الْعَوْفِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ وَلاَ تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا". قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ لَهُ عِنْدَنَا صُحْبَةٌ يَعْنِي مَالِكَ بْنَ يَسَارٍ. (ش) (رجال الحديث) (سليمان بن عبد الحميد) بن رافع أبو أيوب الحمصي. روى عن أبي اليماني وسعيد بن عمر وحيوة بن شريح وعلي بن عياش وغيرهم وعنه أبو داود وأبو عوانه ومحمد بن جرير وابن صاعد وجماعة, وثقه مسلمة بن قاسم وقال أبو حاتم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان ممن يحفظ الحديث, وقال في التقريب صدوق من الحادية عشرة, وقال النسائي كذاب ليس بثقه ولا مأمون. توفي سنه أربع وسبعين ومائتين و(البهراني) نسبه إلى بهران بوزن حمراء على غير قياس قبيلة من قضاعة والقياس بهراوي (قوله قرأته في أصل إسماعيل) يريد أنه روى الحديث من كتاب إسماعيل بن عياش ولم يسمعه منه. و(ضمضم) ابن زرعة تقدم بالثالث صفحه 32. وكذا (شريح) بن عبيد. و (أبو ظبيه) بفتح المعجمة وسكون الموحدة. وقيل أبو طيبة بالمهملة وتقديم التحتية على الباء السلفي الكلاعي الحمصي شهد خطبه عمر في الجابيه لا يعرف اسمه. روى عن عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص ومعاذ بن جبل والمقداد بن الأسود وأبي أمامة. وعنه ثابت البناني وشهر بن حوشب وشريح بن عبيد وغيلان بن معشر وبشر بن عطية, وثقه ابن معين, وقال الدارقطني ليس به بأس, وقال الأعمش كانوا لا يعدلون به رجلًا إلا رجلًا صحب محمَّدًا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم روى له داود والنسائي وابن ماجه والبخاري في الأدب و (أبو بحرية) بفتح فسكون وتشديد المثناه التحتية عبد الله بن قيس الكندي الحمصي. روى عن معاذ بن جبل وأبي هريرة وأبي عبيده بن الجراح وأبي الدرداء ومالك بن يسار وغيرهم, وعنه ابنه بحرية وخالد بن معدان ويزيد بن أبي زياد وعبد الملك بن مروان وجماعة, قال الواقدي كان ناسكًا فقيهًا يحمل عنه الحديث ووثقه ابن معين والعجلي وابن عبد البر. روى له أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه. و (السكوني) نسبه إلى سكون بفتح السين المهملة حى باليمن: قال موضع بالكوفه. و (العوفي) بفتح فسكون. وقد علم شرح الحديث مما قبله (قوله له عندنا صحبة) أي قال سليمان بن عبد الحميد شيخ المصنف (لمالك بن يسار عندنا صحبة) فعلى هذا يكون الحديث متصلًا. وفي بعض النسخ

كيفية رفع اليدين في دعاء الاستسقاء وغيره

"ما لمالك عند صحبة" بزيادة ما النافية فيكون الحديث منقطعًا, قال البغوي لا أعلم بهذا الإسناد غير هذا الحديث ولا أدرى له صحبه أم لا؟ (والحديث) أخرجه أيضًا البغوي وابن عاصم وابن السكن وابن قانع (ص) حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ نَا سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَبْهَانَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو هَكَذَا بِبَاطِنِ كَفَّيْهِ وَظَاهِرِهِمَا. (ش) (رجال الحديث) (سلم) بفتح السين وسكون اللام (بن قتيبة) الشعيري الخرساني نزيل البصرة. روى عن إسرائيل بن يونس وجرير بن حازم ويونس بن أبي إسحاق وشعبه وآخرين. وعنه عمرو بن علي الفلاس وعقبه بن مكرم ونصر بن علي والذهلي وآخرون وثقه أبو داود وأبو زرعة والدارقطني والحاكم, وقال أبو حاتم ليس به بأس كثير الوهم يكتب حديثه. وقال في التقريب صدوق. توفي سنة إحدى ومائتين. روى له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. و (عمر بن نبهان) بفتح النون وسكون الباء العبدي. روى عن الحسن البصري وقتاده وسلام بن عيسى وأبي راشد. وعنه سلم بن قتيبة وجعفر بن سليمان وبشر بن منصور, ضعفه أبو حاتم وابن معين ويعقوب بن سفيان, وقال ابن حبان يروي المناكير عن المشاهير كثيرًا فاستحق الترك وقال البخاري لا يتابع في حديثه وقال في التقريب ضعيف من السابعة, روى له أبو داود (معنى الحديث) (قوله يدعو هكذا الخ) أي مره يدعو جاعلًا باطن كفيه إلى السماء وهذا في غير الاستسقاء, وأخرى يجعل ظاهرهما إلى السماء وأشار أنس بيده إلى هيئه الدعاء بباطن الكفين وظاهرهما. وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدعو بظهور الكفين في الاستسقاء خاصة كما تقدم للمصنف في "باب رفع اليدين في الاستسقاء" صفحه 12 من الجزء السابع "عن أنس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يستسقي هكذا ومد يده وجعل بطونهما مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه" وقيل كان يدعو هكذا في دفع الشر مطلقًا لا في خصوص الاستسقاء. (ص) حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَرَّانِيُّ نَا عِيسَى -يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ- نَا جَعْفَرٌ -يَعْنِي ابْنَ مَيْمُونٍ صَاحِبَ الأَنْمَاطِ- حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى

آداب الدعاء والاستغفار والابتهال

عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا". (ش) (صاحب الأنماط) جمع نمط وهي ثوب من صوف ولون من الألوان أضيفت إليه لأنه كان يبيعها. و (أبو عثمان) بن عبد الرحمن النهدي تقدم بالرابع صفحه 249 و (سلمان) الفارسي (قوله إن ربكم حيي) بكسر المثناه التحتية الأولى وتشديد الثانية على وزن فعيل من الحياء لا من الحياة. وإطلاق الحياء على الله تعالى مجاز إذ هو تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب ويذم بسببه وهو محال على الله تعالى, والمراد هنا لازمه وهو الإحسان إلى السائل (قوله ان يردهما صفرًا) بكسر الصاد المهملة أي خاليتين فارغتين من الرحمة: يقال بيت ضر أي خال من المتاع ورجل صفر اليدين أي خال من الخير، والمراد أنه تعالى يعطيه ولا يرده خائبًا (وفي الحديث) الترغيب في رفع اليدين حال الدعاء لأنه أقرب إلى الإجابة (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه والبيهقي والترمذي والحاكم (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا وُهَيْبٌ -يَعْنِي ابْنَ خَالِدٍ- حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الْمَسْأَلَةُ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْكَ حَذْوَ مَنْكِبَيْكَ أَوْ نَحْوَهُمَا وَالاِسْتِغْفَارُ أَنْ تُشِيرَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ وَالاِبْتِهَالُ أَنْ تَمُدَّ يَدَيْكَ جَمِيعًا. (ش) (قوله المسأله أن ترفع يديك الخ) يعني أدب السؤال والدعاء أن ترفع يديك حال الدعاء مقابل المنكبين أو قريبًا منهما, وأدب الاستغفار الإشارة بإصبع واحد إشارة إلى أن الله واحد وتكون الإشارة بالسبابه إشارة إلى سب النفس الأمارة والشيطان اللذين هما سبب الوقوع في المخالفه (قوله والابتهال أن تمد يديك جميعًا) يعني أدب التضرع والتذلل إلى الله تعالى في دفع البلاء أن ترفع يديك جميعًا رفعًا مبالغًا فيه حتى يرى بياض إبطيك كما في الروايه الآتية (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ نَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ عَبَّاسٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فِيهِ وَالاِبْتِهَالُ هَكَذَا وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَجَعَلَ ظُهُورَهُمَا مِمَّا يَلِي وَجْهَهُ.

مشروعية مسح الوجه واليدين بعد الدعاء

(ش) (قوله ق الذيه الخ) أي قال ابن عباس في هذه الرواية والابتهال هكذا ورفع ابن عباس يديه جميعًا وجعل ظهورهما من الجهة التي تلي وجهه. وهذا تعليم فعليّ من ابن عباس بعد التعليم القولي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَخِيهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ. (ش) (رجال الحديث) (إبراهيم بن حمزة) بن محمَّد بن حمزة بن مصعب المدني أبو إسحاق. روى عن إبراهيم بن سعد وأبي حازم والدراوردي وأبي هريرة ضمرة. وعنه البخاري وأبو داود والذهلي وأبو زرعة وأبو حاتم وجماعة قال الحافظ وأبو حاتم صدوق وقال ابن سعد ثقه صدوق. مات ثلاثين ومائتين. روى له البخاري وأبو داود والنسائي (معنى الحديث) (قوله فذكر نحوه) أي ذكر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نحو الحديث المتقدم. والغرض من ذكر هذا تقوية الحديث السابق بأن فيه تعليمًا قوليًا. والحاصل أن هذا الحديث روي عن ابن عباس موقوفًا من طريقين ومرفوعًا من طريق (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا دَعَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ. (ش) (رجال الحديث) (حفص بن هاشم الخ) روى عن السائب بن يزيد. وعنه عبد الله بن لهيعة. روى له المصنف هذا الحديث فقط. قال في الميزان لا يدري من هو. وقال في تهذيب التهذيب ليس له ذكر في شيء من كتب التاريخ. ولا ذكر أحد أن لابن عتبة ابنا يسمى حفصًا. وقال رشدين بن سعد عن ابن لهيعة عن حفص عن خلاد بن السائب عن أبيه وتابعه يحيى بن إسحاق في الإسناد لكن قال عن حبان بن واسع بدل حفص بن هاشم وحفص مجهول. والغلط فيه من ابن لهيعة لأن يحيى بن إسحاق السليحني من قدماء أصحابه, وقد حفظ عنه حبان بن واسع اهـ بتصرف. و(أبو السائب) يزيد بن سعيد بن ثمامة بن الأسود بن عبد الله حايف بني أمية. استعمله عمر رضي الله عنه على بعض الأمور. روى عن النبي صلى الله تعالى

الترغيب في الدعاء بالاسم الأعظم

عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابنه السائب. روى له أبو داود والترمذي والبخاري في الأدب (معنى الحديث) (قوله كان إذا دعا فرفع يديه الخ) أي كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا رفع يديه في الدعاء مسح بهما وجهه, ومفهومه أنه إن لم يرفع يديه لم يمسح وجهه وهو مسلم. فقد كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يرفع يديه في الدعاء تارة, وتارة لا يرفع (والحديث) ضعيف لأن في سنده عبد الله بن لهيعة وحفص بن هشام (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. فَقَالَ "لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّهَ بِالاِسْمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ". (ش) (قوله سمع رجلًا) هو أبو موسى الأشعري كما في رواية أحمد الآتية (قوله أني أشهد) أي بأني أشهد. فهو على حذف باء الجر, وقد صرح بها في رواية أحمد والترمذي وهي ومجرورها متعلق بمحذوف حال, والمسئول محذوف, والتقدير اللهم إني أسألك الخير حالة كوني معترفًا بأنك أنت الله الخ (قوله الأحد الصمد) أي المنفرد في ذاته وصفاته وأفعاله المقصود في الحوائج وتقدم نحو هذا الدعاء في "باب ما يقول بعد التشهد" من الجزء السادس (قوله وإذا دعي به أجاب) من عطف العام على الخاص لأن السؤال طلب العطاء والدعاء أعم (وفي الحديث) الترغيب في الدعاء بهذه الكلمات لإخباره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأن الدعاء بها مجاب (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي والترمذي وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ الرَّقِّيُّ نَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ نَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فِيهِ "لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ". (ش) (رجال الحديث) (عبد الرحمن بن خالد) بن يزيد القطان أبو بكر (الرقيّ) روى عن زيد بن الحباب ووكيع ومعاوية بن هشام ويزيد بن هارون وغيرهم. وعنه أبو داود والنسائي وأبو حاتم وابن أبي عاصم وجنيد بن حكيم وجماعة. قال النسائي لا بأس به. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال التقريب صدوق. مات سنه إحدى وخمسين ومائتين (معنى الحديث) (قوله قال فيه الخ) أي قال زيد بن الحباب في الحديث: قال

صيغة الدعاء باسم الله العظيم

رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لقد سأل الله باسمه الأعظم. وفي هذا دلالة على أن الاسم الأعظم هو لفظ الجلالة. وفيه ردّ على من نفى أن الله اسمًا أعظم, وقال إن أسماء الله كلها عظيمة لا تفاضل بينها, وأول لفظ الأعظم الوارد في الأخبار بأنه بمعنى عظيم. لكن لا حاجه إلى صرف الأحاديث عن ظاهرها فإنه لا مانع من تفضيل بعض الأسماء على بعض لسر يعلمه الله كما تقدم نظيره في تفضيل بعض الآيات والسور على بعض (وهذه الرواية) أخرجها الإمام أحمد مطوله من طريق عثمان بن عمر عن مالك بن مغول عن ابن بريدة عن أبيه قال: خرج بريدة عشاء فلقيه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخذ بيده فأدخله المسجد, فإذا صوت رجل يقرأ, فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تراه مرائيًا فأسكته بريدة فإذا رجل يدعو فقال "اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد" فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "والذي نفسي بيده أو قال والذي نفس محمَّد بيده لقد سأل باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطي وإذا دعى به أجاب" قال فلما كان من القابلة خرج بريدة عشاء فلقيه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخذ بيده فأدخله المسجد فإذا صوت الرجل يقرأ فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتقوله مرائيًا؟ فقال بريده أتقوله مرائيًا يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا بل مؤمن منيب لا بل مؤمن منيب, فإذا الأشعري يقرأ بصوت له جانب المسجد فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن الأشعري أو إن عبد الله بن قيس أعطي مزمارًا من مزامير داود, فقلت ألا أخبره يا رسول الله؟ قال بلى أخبره فأخبرته فقال أنت لي صديق أخبرتني عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحديث (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَلَبِيُّ نَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ حَفْصٍ -يَعْنِي ابْنَ أَخِي أَنَسٍ- عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي ثُمَّ دَعَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى". (ش) (رجال الحديث) (عبد الرحمن بن عبيد الله) بن حكيم أبو محمَّد (الحلبي) الأسدي الكبير المعروف بابن أخي الإمام. روى عن أبي المليح وخلف بن خليفة وعيسى

ابن يونس والوليد بن مسلم وابن المبارك وآخرين. وعنه أبو داود والنسائي وبقي بن مخلد وأبو حاتم. وقال صدوق وقال النسائي لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ و(خلف بن خليفة) بن صاعد الأشجعي مولاهم أبو أحمد روى عن أبيه وأبي مالك الأشجعي وحميد بن عطاء ومالك بن أنس وجماعة. وعنه أبو بكر بن أبي شيبة والحسن بن عوف, قال ابن معين وأبو حاتم صدوق, وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به ولا أبرئه من أن يخطئ في بعض الأحيايين في بعض رواياته. وقال ابن سعد أصابه الفالج قبل موته حتى ضعف وتغير واختلط, ووثقه العجلي وعثمان بن أبي شيبة وقال لكنه خرف فاضطرب عليه حديثه, روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في الأدب واسشهد به مسلم, و (حفص بن أخي أنس) أبو عمر المدني, قيل هو ابن عبد الله أو ابن عبيد الله أو ابن عمر بن أبي طلحة. روى عن عمه, وعنه خلف بن خليفه وعكرمة بن عمار وأبو معشر وعامر بن يساف, وثقه الدارقطني وقال أبو حاتم صالح الحديث. روى له أبو داود وأحمد والنسائي والبخاري في الأدب. (معنى الحديث) (وقوله ورجل يصلي) هو أبو عياش الزرقي كما ذكره ابن عساكر في تاريخه (قوله ثم دعا) أي في آخر صلاته بعد التشهد كما تفيده رواية النسائي (قوله اللهم إني أسألك بأن لك الحمد) أي أسألك يا الله متوجهًا إليك بالثناء عليك بهذه الكلمات (قوله المنان) من السنن وهو كثرة العطاء, ويطلق السنن أيضًا على تعداد النعيم, وهو في جانب الله تعالى ممدوح وفي جانب الخلق مذموم وهو المنهي عنه في قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى" (قوله بديع السموات والأرض) أي خالقهما ومبدعهما لا على مثال سبق (قوله يا ذا الجلال والإكرام) أي يا صاحب العظمة والسلطان والهيبة والإحسان الذي لا يتناهى (قوله يا حي يا قيوم) أي يا دائم البقاء يا من هو قائم بتدبير خلقه على أبلغ وجه فلا يشغله شأن ولا تخفى عليه خافية أبدًا "سواء منكم من أسر القول ومن وجهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار" "ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة" فقوم السماء وبسط الأرض وجملها, وأعطى كل مخلوق ما قسم له من غير تعب يحصل له عَزَّ وَجَلَّ قال تعالى "ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب" (والحديث) أخرجه أيضًا الحاكم, وكذا النسائي عن أنس قال: كنت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جالسًا يعني ورجل قائم يصلي فلما ركع وسجد وتشهد دعا فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد, لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام, يا حي يا قيوم إني أسألك, فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأصحابه أتدرون بم دعا؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال: والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم

الأقوال في اسم الله الأعظم

الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "اسْمُ اللَّهِ الأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) وَفَاتِحَةُ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ (الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ). (ش) (رجال الحديث) (عبيد الله بن أبي زياد) القداح المكي أبو الحصين. روى عن أبي الطفيل والقاسم بن محمَّد وشهر بن حوشب وسعيد بن جبير وجماعة. وعنه الثوري وأبو حنيفة ووكيع ويحيى القطان, قال أبو حاتم ليس بالقوي ولا بالمتين وهو صالح الحديث يكتب حديثه, وقال أبو داود أحاديثه مناكير, وقال النسائي وأبو معين ليس به بأس, ووثقه العجلي وقال ابن عدي قد حدث عنه الثقات ولم أر في حديثه شيئًا منكرًا. روى له أبو داود والترمذي والنسائي. و(أسماء بنت يزيد) بن السكن بن رافع بن امرئ القيس بن عبد الأشهل الأنصارية الأشهلية أم سلمة. روت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنها محمود بن عمرو الأنصاري وشهر بن حوشب ومولاها مهاجر بن أبي مسلم. بايعت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وشهدت اليرموك (موضع بالشام) وقتلت يومئذ تسعة من الروم. روى لها مسلم وأبو داود والبخاري في الأدب. (معنى الحديث) (قوله اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين) لعله يريد به كلمه التوحيد وهي "لا إله إلا هو" المذكورة في الآيتين. وقيل الاسم الأعظم فيها "الرحمن الرحيم الحي القيوم" وفي الاسم الأعظم أقوال أخر: أنهاها بعضهم إلى أربعه عشر منها أنه "الله" لأنه لم يطلق على غيره تعالى ولأنه الأصل في الأسماء الحسنى ومنها أنه "الله الرحمن الرحيم" ومنها أنه "الحي القيوم" فقط لما أخرجه ابن ماجه والحاكم من حديث القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إن اسم الله الأعظم لفي ثلاث سور من القرآن: في سورة البقرة وآل عمران وطه, قال القاسم فالتمستها فوجدت في سورة البقرة آية الكرسي "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" وفي سورة آل عمران "الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم" وفي سورة طه "وعنت الوجوه للحي القيوم" وارتضاه الفخر الرازي لأنهما يدلان على صفات للربوبية لا يدل عليها غيرهما واختاره النووي, ومنها أنه "لا إله إلا هو الحي القيوم" ومنها أنه "رب" فقد أخرج الحاكم

الدعاء على الظالم يخفف عنه الإثم

من حديث ابن عباس وأبي الدرداء أنهما قالا اسم الله الأكبر "رب رب" ومنها أنه "الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد" كما تقدم عن بريدة. ومنها أنه "الحنان المنان بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام الحي القيوم" قال أبو جعفر الطبري اختلفت الآثار في تعيين الاسم الأعظم وعندي أن الأقوال كلها صحيحة إذ لم يرد في خبر منها أنه اسم أعظم ولا شيء أعظم منه فيرجع لمعنى عظيم (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه وأخرجه أحمد من طريق محمَّد بن بكر قال أنا عبيد الله ابن أبي زياد ثنا شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول في هاتين الآيتين "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" و"الم الله لا إله هو الحي القيوم" إن فيهما اسم الله الأعظم (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سُرِقَتْ مِلْحَفَةٌ لَهَا فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى مَنْ سَرَقَهَا فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "لاَ تُسَبِّخِي عَنْهُ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ لاَ تُسَبِّخِي أَىْ "لاَ تُخَفِّفِي عَنْهُ". (ش) (عطاء) بن أبي رباح (قوله ملحفة) بكسر الميم هي الملاءة التي تلتحف بها المرأة (قوله لا تسبخي عنه) أي لا تخففي عنه ما يستحقه من الإثم كما فسره المصنف, فان السب والسرقة يوزنان يوم القيامة, فإذا كان السب أقل من السرقة خفت جريمة السارق ورجع صاحب الحق بما بقي له, وإذا كانت السرقة أقل من السب عاد السارق على الساب بما بقى له من الحق وإذا تساويا لم يبق لأحدهما حق على الآخر, فأمرها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالكف عن السب انتقامًا من السارق خشية أن يضيع أجرها أو يزيد إثم السب على السرقة, بل قد يكون فيه إشارة إلى العفو لما فيه من عظيم الأجر, وهذا كما لا يخفى بالنسبة لحق المخلوق وأما حق الله تعالى فلا يسقط إلا بالتوبة أو بعفوه تعالى. ومن يستفاد من هذا أن دعاء المظلوم عن الظالم يخفف العذاب عنه (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الْعُمْرَةِ فَأَذِنَ

استحباب طلب الدعاء من الصالحين والتعميم فيه

لِي وَقَالَ "لاَ تَنْسَنَا يَا أُخَيَّ مِنْ دُعَائِكَ". فَقَالَ كَلِمَةً مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا قَالَ شُعْبَةُ ثُمَّ لَقِيتُ عَاصِمًا بَعْدُ بِالْمَدِينَةِ فَحَدَّثَنِيهِ وَقَالَ "أَشْرِكْنَا يَا أُخَيَّ فِي دُعَائِكَ". (ش) (شعبة) بن الحجاج (قوله استأذنت النبي في العمرة) أي في أداء عمرة كان نذرها في الجاهلية كما قاله ابن حجر (قوله لا تنسنا يا أخيّ) بالتصغير للتلطف والتعطف لا للتحقير ويروى بالتكبير (قوله فقال كلمة الخ) أي قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلمة ما يسرني أن تكون لي الدنيا بدلها فالباء للبدلية. والمراد بالكلمة قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تنسنا يا أخي من دعائك, ويحتمل أنها كلمة أخرى لم يذكرها عمر توقيًا عن التفاخر ونحوه من آفات النفس (قوله ثم لقيت عاصمًا الخ) أي لقيت عاصمًا بالمدينة بعد أن حدثني بالحديث أولًا فحدثنى به ثانيًا. وقال فيه قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لعمر أشركنا يا أخي في دعائك بدل قوله في الأولى لا تنسنا. ويحتمل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جمع بينهما ففي رواية ابن ماجه عن سفيان عن عاصم قال له يا أخي أشركنا في دعائك ولا تنسنا. ولعله تذكر في المرة الثانية فحدثه بها (فقه الحديث) دل الحديث على عظم شأن عمر رضي الله تعالى عنه. وعلى كمال تواضع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حيث التمس الدعاء من عمر وهو صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أفضل الخلق على الإطلاق. وعلى الترغيب في طلب الدعاء من الصالحين. وعلى أن الإنسان لا يخص نفسه بالدعاء بل يعم فيه ليكون أقرب إلى الإجابة ولا سيما في مظانها (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ نَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ مَرَّ عَلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا أَدْعُو بِأُصْبُعَيَّ فَقَالَ "أَحِّدْ أَحِّدْ". وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ. (ش) (أبو معاوية) محمَّد بن خازم الضرير. و (الأعمش) سليمان بن مهران و (أبو صالح) ذكران السمان (قوله وأنا ادعو بأصبعيّ) يعني أشير بأصبعيّ حال الدعاء ولعل هذا كان في التشهد في الصلاة كما يشعر بذلك سوق النسائي هذا الحديث في تراجم التشهد في الصلاة (قوله أحد أحد) يعني أشر بأصبع واحدة فإن الذي تدعوه واحد. وأصل أحد وحد بالواو قلبت الواو همزه (قوله وأشار بالسبابة) أي من اليمين. فعلمه التوحيد بالقول. وعين له

باب التسبيح بالحصى

الأصبع بالإشارة (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي, وأخرج نحوه عن أبي هريرة بلفظ أن رجلًا كان يدعو بأصبعيه فقال رسول الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحد أحد. وأخرجه الترمذي وقال حسن غريب (باب التسبيح بالحصى) (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي هِلاَلٍ حَدَّثَهُ عَنْ خُزَيْمَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهَا أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى أَوْ حَصًى تُسَبِّحُ بِهِ فَقَالَ "أُخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا أَوْ أَفْضَلُ". فَقَالَ "سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الأَرْضِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ وَاللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلُ ذَلِكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مِثْلُ ذَلِكَ. وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ مِثْلُ ذَلِكَ". (ش) (رجال الحديث) (عمرو) بن الحارث بن يعقوب. تقدم بالثاني صفحه 47 و (خزيمة) لم يعرف نسبه. روى عن عائشه بنت سعد. وعنه سعيد بن أبي هلال. قال في التقريب لا يعرف من السابعة وقال في الميزان لا يعرف تفرد عنه سعيد بن أبي هلال. وذكره ابن حبان في الثقات. و(عائشه بنت سعد بن أبي وقاص) الزهرية المدنية. روت عن أبيها وأم ذر. وعنها الحكم بن عتيبة ومالك بن أنس, وثقها العجلي وذكرها ابن حبان في الثقات. ماتت سنه سبع عشرة ومائه. روى لها البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي (معنى الحديث) (قوله دخل مع رسول الله على امرأة) لعلها كانت من محارم سعد أو إحدى أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو كان قبل نزول الحجاب. على أنه لا يلزم من الدخول الرؤيه (قوله نوى أو حصى) أو فيه للشك أو بمعنى الواو , فتكون جمعت بين النوى والحصى في تسبيحها (قوله أيسر عليك من هذا أو أفضل) أي أقل كلفه وأجزل ثوابًا, فأو بمعنى الواو وقيل للشك أو بمعنى بل, وإنما كان أفضل لما فيه من الإعتراف بالقصور وأنه لا يقدر أن يحصى ثناؤه, وما علمها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أفضل مما تقول كمّا

جواز عد التسبيح بالنوى والحصى. حكم اتخاذ السبحة

وكيفًا فإن ما علمها يزيد على ما تقول عددًا وفيه بيان صفة الخالقية (قوله عدد ما خلق في السماء) أي مقدار الذي خلقه في السماء أو مقدار خلقه الكائنين فيها, فما موصلة أو نكرة موصوفة وكذا يقال في البواقي (قوله عدد ما هو خالق) أي عدد مخلوقات الله تعالى من الأزل إلى الأبد فهو إجمال بعد تفصيل, واسم الفاعل وإن كان حقيقة في الحال لكن بالنسبة إلى الله تعالى معناه الدوام والاستمرار (قوله والله أكبر مثل ذلك) أي الله أكبر عدد ما خلق في السماء وعدد ما خلق في الأرض وعدد ما خلق بين ذلك وعدد ما هو خالق (وفيه دلالة) على جواز عد التسبيح بالنوى أو الحصى فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم ينه المرأة عن ذلك بل أرشدها إلى ما هو أيسر لها وأفضل. ولو كان غير جائز لبين لها ذلك. ومثل النوى فيما ذكر السبحة إذ لا تزيد السبحة على ما في هذا الحديث إلا بضم نحو النوى في خيط ومثل هذا لا يعد فارقًا. على أنه قد ورد ما يدل على الترغيب في اتخاذها فقد أخرج الديلمى في مسند الفردوس من طريق زينب بنت سليمان بن علي عن أم الحسن بنت جعفر عن أبيها عن جدها عن علي رضي الله تعالى عنه مرفوعًا نعم المذكر السبحة. وقد ساق السيوطي آثار في الجزء الذي سماه المنحه في السبحة, وقال في آخره: لم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من عد الذكر بالسبحة, بل كان أكثرهم يعدونه بها ولا يرون ذلك مكروهًا ومحل جواز اتخاذ السبحة للذكر ما لم يترتب عليه رياء أو سمعه وإلا منع كما يمنع وضعها في العنق كما يفعله بعض الجهلة ووضعها في اليد وإدارتها من غير ذكر. قال صاحب المدخل من البدع الشنيعة التي تصدر من متصوفة هذا الزمان ما يفعله بعضهم من تعليق السبحة في عنقه, وقريب من هذا ما يفعله بعض من ينتسب إلى العلم فيتخذ السبحة في يده كاتخاذ المرأة السوار في يدها ويلازمها وهو مع ذلك يتحدث مع الناس في مسائل العلم وغيرها ويرفع يده ويحركها في ذراعه وبعضهم يمسكها في يده ظاهرة للناس بنقلها واحدة واحدة كأنه يذكر عليها وهو يتكلم مع الناس في القيل والقال وما جرى لفلان وما جرى على فلان, ومعلوم أنه ليس له إلا لسان واحد فعده على السبحة على هذا باطل لما علمت أنه ليس له لسان آخر حتى يكون بهذا اللسان يذكر وباللسان الآخر يتكلم فيما يختار فلم يبق إلا أن يكون اتخاذها على هذه الصفة من الشهرة والرياء والبدعة وقد سئل العلامه شيخ المشايخ على العدوي عن اتخاذ السبح (فأجاب) بأن اتخاذ السبح الكبار من خشب أو عظم أو غير ذلك حرام يجب التباعد عنه باتخاذ سبحة من السبح المعتادة مما لا يحصل بها شهرة إلا أنه بعد اتخاذها على الوجه المذكور لا يكون واضعًا لها في رقبته أو نحو ذلك مما يقتضي أن حاملها من أولاد الفقراء فيؤول أمره إلى الرياء المحرم بالاجماع ويحذر أيضًا مما يفعله بعض الناس من كونه يتكلم مع الناس في اللهو واللعب ويدير السبحة من أولها إلى آخرها يوهم أنه

الحث على استعمال الأعضاء في الطاعة

يسبح في تلك الحالة. والحاصل أنه إذا تعاطى السبحة على الوجه المعتاد يتباعد عن الأمور المقتضية للشهرة والعجب والرياء لأن ذلك كله محبط للعمل. (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والترمذي وقال حسن غريب من حديث سعد (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ عَنْ هَانِئِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ حُمَيْضَةَ بِنْتِ يَاسِرٍ عَنْ يُسَيْرَةَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَهُنَّ أَنْ يُرَاعِينَ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّقْدِيسِ وَالتَّهْلِيلِ وَأَنْ يَعْقِدْنَ بِالأَنَامِلِ فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولاَتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ. (ش) (رجال الحديث) (هانئ بن عثمان) أبو عثمان الجهني الكوفي. روى عن أمه حميضة, وعنه عبد الله بن داود ومحمد بن بشر ومحمد بن ربيعة, ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبولة من الرابعة. و(يسيره) بضم المثناه التحتية مصغرة ويقال أسيرة بالهمزه بنت ياسر أم ياسر, كانت من المهاجرات كما ذكره ابن حبان. روى لها أبو داود والترمذي (معنى الحديث) (قوله أمرهن أن يراعين) من المراعاة وهي الملاحظة تعني أمرهن صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يلاحظن الذكر بالتكبير الخ أي بقولهن الله أكبر وسبحان الله أو سبوح قدوس ولا إله إلا الله فهو من باب النحت (قوله وأن يعقدن بالأنامل الخ) يعني يعددن التسبيح بالأنامل فإنهن يسألن يوم القيامة عما اكتسبن وفيم استعملن كسائر الأعضاء. ومستنطقات بفتح الطاء المهملة أي يطلب منهن النطق فينطقن ويشهدن لصاحبها أو عليه بما فعله قال الله تعالى "يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون" (وفي الحديث) الحث على الذكر والترغيب في عده على الأنامل لتشهد له يوم القيامة ولتعود بركة الذكر عليها. وأن العد عليها أولى من عده على نحو السبحة. والحث على استعمال الأعضاء فيما يرضي الله تعالى عما يغضبه (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والحاكم وكذا الترمذي مختصرًا بلفظ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "يا معشر النساء اعقدن بالأنامل فإنهن مسئولات مستنطقات" (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ -فِي آخَرِينَ- قَالُوا نَا عَثَّامٌ

الترغيب في التسبيح والتحميد

عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-يَعْقِدُ التَّسْبِيحَ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ- بِيَمِينِهِ. (ش) (رجال الحديث) (قوله عثام) بفتح العين المهملة وتشديد الثاء المثلثة ابن علي ابن هجير أبو علي الكوفي. روى عن الأعمش وهشام بن عروه والثوري وإسماعيل بن أبي خالد وغيرهم. وعنه مسدد ومحمد بن أبي بكر وعمرو بن حفص ومحمد بن هشام وغيرهم, وثقه أبو زرعة وابن حبان وابن سعد والحاكم وابن شاهين والبزار, وقال أبو حاتم صدوق وقال النسائي ليس به بأس. توفي سنه خمس وتسعين ومائة (المعنى) (قوله يعقد التسبيح) يعني يعد التسبيح على عقد أصابعه لما علمت من أنهن مسئولات مستنطقات (قوله قال ابن قدامة بيمينه) أي قال محمَّد ابن قدامة في روايته يعقد التسبيح بيمينه, أما غيره فلم يذكر قوله بيمينه (والحديث) أخرجه أيضًا الحاكم والترمذي وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث الأعمش عن عطاء بن السائب. وروى شعبة والثوري هذا الحديث عن عطاء بن السائب بطوله (ص) حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أُمَيَّةَ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى أَبِي طَلْحَةَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عِنْدِ جُوَيْرِيَةَ -وَكَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ فَحَوَّلَ اسْمَهَا- فَخَرَجَ وَهِيَ فِي مُصَلاَّهَا وَرَجَعَ وَهِيَ فِي مُصَلاَّهَا فَقَالَ "لَمْ تَزَالِي فِي مُصَلاَّكِ هَذَا". قَالَتْ نَعَمْ. قَالَ "قَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ لَوَزَنَتْهُنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ". (ش) ظاهر سياق المصنف أن الحديث من مسند ابن عباس وأنه شاهد القصة بنفسه, ولكن سياق الترمذي والنسائي يدل على أنه من مسند جويرية وأن ابن عباس روى القصة عنها ففي مسلم عن ابن عباس عن جويرية أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج من عندها بكرة (الحديث) وفي الترمذي والنسائي عن ابن عباس عن جويرية بنت الحارث أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مر عليها وهي تسبح. فعلى سياق المصنف يكون الحديث مرسل صحابي (رجال الحديث (محمَّد بن عبد الرحمن) بن عبيد القرشي التيمي (مولى أبي طلحة)

الكوفي. روى عن السائب بن يزيد وأبي سلمة وكريب مولى ابن عباس وآخرين. وعنه شعبة ومسعر وشريك والسفيانان وعدة, وثقه ابن معين والترمذي ويعقوب بن سفيان وقال أبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود صالح الحديث. وقال النسائي ليس به بأس, روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في الأدب. و(جويرية) بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية, سباها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في غزوة المريسيع وتزوجها وروت عنه. وروى عنها ابن عباس وعبيد بن السابق ومجاهد بن جبر وكريب وعبد الله بن شداد. روى ابن سعد في الطبقات من طريق أيوب عن أبي قلابة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبى جويرية فجاء أبوها فقال: إن ابنتى لا يسبى مثلها فخل سبيلها, فقال أرأيت إن خيرتها أليس قد أحسنت؟ قال بلى فأتاها أبوها فذكر لها فقالت قد اخترت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. توفيت سنه خمس وخمسين. روى لها الجماعة. (معنى الحديث) (قوله فخرج وهي في مصلاها الخ) وفي رواية النسائي أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مر عليها وهي في المسجد تدعو ثم مر بها قريبًا من نصف النهار فقال لها ما زلت على حالك؟ قالت نعم والمراد مسجد بيتها كما يؤخذ من رواية المصنف (قوله لم تزالي في مصلاك الخ) على تقدير الاستفهام, وقد صرح به في بعض النسخ. وأجابت بنعم لأن زال للنفي ونفي النفي إثبات (قوله قد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات) أي قد ذكرت بعد مفارقتي إياك أربع كلمات وكررتها ثلاث مرات. وفي رواية النسائي ألا أعلمك يعني كلمات تقوليهن؟ سبحان الله عدد خلقه سبحان الله عدد خلقه سبحان الله عدد خلقه سبحان الله رضا نفسه سبحان الله رضا نفسه سبحان الله رضا نفسه "الحديث" (قوله لو وزنت بما قلت لوزنتهن) يعني لو قوبل ثواب هذه الكلمات بثواب ما ذكرتيه من أول الصبح إلى هذا الوقت لعادله وساواه أو لترجحت تلك الكلمات على جميع أذكارك وزادت في الأجر والثواب (قوله سبحان الله وبحمده عدد خلقه الخ) أي وبحمده أحمده عدد جميع مخلوقاته الكائنات في الدنيا والآخرة وأسبحه وأحمده بمقدار رضا ذاته عمن رضي عنهم من النبيين والصدقيين والشهداء والصالحين, ورضاه عنهم لا ينقطع وأسبحه وأحمده بمقدار ثقل عرشه ومقدار مداد كلماته, والمداد بكسر الميم ما تمد به الدواة كالحبر, وكلمات الله لا تتناهى فكذلك ما كان بمقدار مدادها قال تعالى "ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله" (وفي الحديث) دلالة على الترغيب في الذكر بهذه الكلمات وأن الذكر يتضاعف ويتعدد بعدد ما أحال عليه الذاكر وإن لم يتكرر الذكر فيحصل لمن قال سبحان الله عدد كل شيء مثلًا مرة ما لا يحصل لمن كرر التسبيح بدون إحاله على عدد،

الترغيب في التسبيح ونحوه دبر الصلوات

(والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ نَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَلَهُمْ فُضُولُ أَمْوَالٍ يَتَصَدَّقُونَ بِهَا وَلَيْسَ لَنَا مَالٌ نَتَصَدَّقُ بِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "يَا أَبَا ذَرٍّ أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تُدْرِكُ بِهِنَّ مَنْ سَبَقَكَ وَلاَ يَلْحَقُكَ مَنْ خَلْفَكَ إِلاَّ مَنْ أَخَذَ بِمِثْلِ عَمَلِكَ". قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ "تُكَبِّرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَتَحْمَدُهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَتُسَبِّحُهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَتَخْتِمُهَا بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ". (ش) (قوله ذهب أصحاب الدثور بالأجور) الدثور جمع دثر بفتح فسكون المال الكثير. والأجور جمع أجر وهو ما يعود على الإنسان من ثواب عمله, والمراد أخذ أرباب الأموال الكثيره الثواب لتصدقهم بفضول أموالهم دوننا. وفي رواية مسلم ذهب أهل الدثور وبالدرجات العلا والنعيم المقيم (قوله ولهم فضول أموال يتصدقون بها) وفي نسخه فضل أموال أي لهم أموال فاضلة عن كفايتهم يتصدقون بها. وفي رواية للبخاري وأنفقوا من فضول أموالهم وليس لنا أموال وفي رواية لمسلم ويتصدقون ويعتقون ولا نعتق (قوله وليس لنا مال نتصدق به) أي وليس لنا مال زائد عن حاجتنا نتصدق به. وقالوا ذلك تحسرًا على ما فاتهم من الصدقة والبر مما لا يقدرون عليه وتعذر عليهم فعله لفرط حرصهم وقوة رغبتهم في العمل الصالح ظنًا منهم أن الصدقة لا تكون إلا بالمال, فأرشدهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى ما يدركون به من سبقهم (قوله إلا من أخذ بمثل عملك) يعني إلا من عمل عملًا مثل عملك, وقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك تشويقًا له فيما سيذكره وتنبيها على عظم شأن ما يلقيه عليه (قوله تكبر الله دبر كل صلاة الخ) أي تقول عقب كل صلاة الله أكبر ثلاثًا وثلاثين والحمد لله كذلك وسبحان الله كذلك وتختمها بقول لا إله إلا الله الخ (وفي هذه) الرواية تقديم التكبير وتأخير التسبيح. وأكثر الروايات عند مسلم وغيره تقديم التسبيح

بعض الأذكار الواردة بعد الصلاة وعند النوم

وتأخير التكبير, ولا منافاة بينهما لأن الكل جائز والعمل على تقديم التسبيح أولى على أن الواو لا تقتضي ترتيبًا (قوله غفرت له ذنوبه الخ) جواب لشرط محذوف أي من قال ذلك غفر الله له ذنوبه ولو بلغت في الكثرة مثل زبد البحر وهو ما يعلو على وجه الماء من الرغوة عند هيجانه (وفي هذا) دلالة على الترغيب في هذه الأذكار بالعدد المذكور عقب الصلوات المكتوبات وقد ورد في التسبيح والتحميد والتكبير رويات مختلفة. منها ما رواه النسائي عن كعب بن عجرة عن زيد بن ثابت أن التسبيح والتحميد كذلك ثلاث وثلاثون والتكبير أربع وثلاثون, ومنها ما رواه أيضًا عن عبد الله بن عمرة وقال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "خصلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة, وهما يسير ومن يعمل بهما قليل: يسبح الله أحدكم في دبر كل صلاة عشرًا, ويحمد عشرًا, ويكبر عشرًا, فهي خمسون ومائه في اللسان وألف وخمسمائه في الميزان فأنا رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعقدهن بيده, وإذا أوى أحدكم إلى فراشه أو مضجعه سبح ثلاثًا وثلاثين وحمد ثلاثًا وثلاثين وكبر أربعًا وثلاثين, فهي مائه على اللسان وألف في الميزان قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأيكم يعمل في كل يوم وليلة ألفين وخمسمائه سيئة, قيل يا رسول الله وكيف لا يحصيهما؟ فقال إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته فيقول أذكر كذا أذكر كذا ويأتي عند منامه فينيمه" يعني قبل أن يقولها ومنها ما أخرجه النسائي أيضًا من طريق عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر أن رجلًا رأى فيما يرى النائم: قيل له بأي شيء أمركم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم؟ قال أمرنا أن نسبح ثلاثًا وثلاثين ونحمد ثلاثًا وثلاثين ونكبر أربعًا وثلاثين فتلك مائه قال: سبحوا خمسًا وعشرين واحمدوا خمسًا وعشرين وكبروا خمسًا وعشرين وهللوا خمسًا وعشرين فتلك مائه, فلما أصبح ذكر ذلك للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم افعلوا كما قال الأنصاري وأخرج الترمذي نحوه وقال حسن صحيح ومنها ما رواه أيضًا عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "من سبح في دبر كل صلاة مكتوبة مائه وكبر مائه وهلل مائه وحمد مائه غفرت ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر" ومنها ما أخرجه الترمذي عن ابن عباس: قال جاء الفقراء إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالوا يا رسول الله إن الأغنياء يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم أموال يعتقون بها ويتصدقون فقال: إذا صليتم فقولوا سبحان الله ثلاثًا وثلاثين مرة والحمد لله ثلاثًا وثلاثين مرة والله أكبر أربعًا وثلاثين ولا إله إلا الله عشر مرات فإنكم تدركون به من سبقكم ولا يسبقكم من بعدكم. وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة من طريق سهيل "يسبح إحدى عشرة ويحمد ويكبر كذلك فجميع ذلك كله ثلاث وثلاثون" فعلم من هذه الروايات أن التسبيح

حكم الزيادة في المندوبات المحدودة شرعا

عقب الصلوات وارد على أعداد مختلفة فأي عدد منها عمل به الإنسان فقد وافق الوارد وأكثرها وأقواها رواية التسبيح ثلاثًا وثلاثين والتحميد والتكبير كذلك فالعمل بها أولى (وأخذ) من هذه الروايات أن مراعاة العدد المخصوص في الأذكار عقب الصلوات معتبرة, فلا يتعداها الذاكر وإلا حرم ثوابها. قال في الفتح وقد كان بعض العلماء يقول إن الأعداد الوارده في الذكر عقب الصلوات إذا رتب عليها ثواب مخصوص فزاد الآتي بها على العدد المذكور لا يحصل له ذلك الثواب المخصوص لاحتمال أن يكون لتلك الأعداد حكمة وخاصية تفوت بمجاوزه ذلك العدد. قال شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي "وفيه نظر" لأنه أتى بالمقدار الذي رتب الثواب على الإتيان به فحصل له الثواب بذلك فإذا زاد عليه من جنسه كيف تكون الزيادة مزيلة لذلك الثواب بعد حصوله اهـ. ويمكن أن يفترق الحال فيه بالنية فإن نوى عند الانتهاء إليه امتثال الأمر الوارد ثم أتى بالزيادة فالأمر كما قال شيخنا لا محاله, وإن زاد بغير نية بأن يكون الثواب رتب على عشرة مثلًا فرتبه هو على مائه فيتجه القول الماضي وقد بالغ القرافي في القواعد فقال: من البدع المكروهة الزيادة في المندوبات المحدودة شرعًا لأن شأن العظماء إذا حدوا شيئًا أن يوقف عنده ويعد الخارج عنه مسيئًا للأدب اهـ. وقد مثله بعض العلماء بالدواء يكون مثلًا فيه أوقية سكر فلو زيد فيه أوقية أخرى لتخلف الانتفاع به, فلو اقتصر على الأوقية في الدواء ثم استعمل من السكر بعد ذلك ما شاء لم يختلف الانتفاع. ويؤيده ذلك أن الأذكار المتغايرة إذا ورد لكل منها عدد مخصوص مع طلب الإتيان بجميعها متوالية لم تحسن الزيادة على العدد المخصوص لما في ذلك من قطع الموالاة لاحتمال أن يكون للموالاة في ذلك حكمة خاصة تفوت بفواتها اهـ كلام الفتح (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم بنحوه عن أبي هريرة قال: جاء الفقراء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالوا ذهب أهل الدثور الخ وأخرجه النسائي عن ابن عباس قال: جاء الفقراء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ. فالسائل في روايتهم الفقراء وفي رواية المصنف أبو ذر ولا تنافي لأن أبا ذر كان من الفقراء (باب ما يقول الرجل إذا سلم) أي ما يقول من الدعاء إذا سلم من الصلاة (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَيُّ شَيْءٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى

الله تَعَالى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ إِذَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلاَةِ فَأَمْلاَهَا الْمُغِيرَةُ عَلَيْهِ وَكَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ". (ش) (أبو معاوية) محمَّد بن خازم الضرير (قوله كتب معاوية إلى المغيرة) وكان المغيرة إذ ذاك أميرًا على الكوفة من قبل معاوية (قوله فأملاها المغيرة عليه) من كلام ورّاد وفيه وضع ضمير الغائب موضع ضمير المتكلم, وكان مقتضى الظاهر أن يقول فأملاها عليّ كما في رواية الشيخين فان ورّادًا كان كاتب المغيرة (قوله وله الحمد) زاد الطبراني من طريق أخرى يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير (قوله ولا ينفع ذا الجد منك الجد) الجد رواه الجمهور بفتح الجيم وهو الحظ والغنى والعظمة والسلطان أي لا ينفع صاحب الغنى والسلطان والعظمة من عذابك ما ذكر، إنما ينفعه فضلك وعمله الصالح , وقيل إن المراد بالجد أبو الأب أي لا ينفع ذا القرابة قرابتة وإنما ينفعه عمله فيكون على حد قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند مسلم من حديث أبي هريرة "ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه" قال السيوطي وحكى عن الشيباني كسر الجيم في الحرفين ومعناه الاجتهاد, أي لا ينفع ذا الاجتهاد منك اجتهاده بل ينفعه رحمتك. قال القرطبي وهذا خلاف ما عرفه أهل النقل ولا يعلم من قاله غيره (وفي الحديث) دلالة على مشروعية هذا الذكر بعد السلام من الصلاة وأنه مرة واحدة. وفي رواية أحمد والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة أنه كان يقوله ثلاث مرات (والحديث) أخرجه أيضًا الشيخان والنسائي والطبراني وعبد بن حميد في مسنده وزاد فيه قوله ولا رادّ لما قضيت وحذف قوله ولا معطي لما منعت (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى قَالَ نَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِذَا انْصَرَفَ مِنَ الصَّلاَةِ يَقُولُ "لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ أَهْلُ النِّعْمَةِ

باب ما يقول الرجل إذا سلم

وَالْفَضْلِ وَالثَّنَاءِ الْحَسَنِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ". (ش) (ابن عطية) إسماعيل بن إبراهيم تقدم بالثاني ص 264. و (أبو الزبير) محمَّد بن مسلم بن تدرس تقدم بالأول ص 24 (قوله إذا انصرف من الصلاة) يعني من الصلاة المكتوبة وفي رواية مسلم إذا سلم من الصلاة يقول بصوته الأعلى لا إله إلا الله الخ ولعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يرفع صوته تعليمًا للأمة (قوله مخلصين له الدين) أي مخلصين له العبادة لا نشرك فيها غيره شركًا أصغر ولا أكبر ولو كره الكافرون الإخلاص في العبادة له تعالى (قوله أهل النعمة) بنصب أهل على النداء أو بالرفع خبر لمبتدأ محذوف, أي أنت أهل النعمة وهي العطية من المال والعتق وغيرهما, وجمعها نعم وأنعم. وفي العرف الأمر المستلذ المحمود العاقبة (قوله والثناء الحسن) أي الذكر الجميل, والثناء يستعمل في الخير والشر على الراجح فيكون ذكر الحسن للتأسيس, وقيل إن الثناء مختص بالخير فيكون ذكر الحسن للتأكيد (والحديث) أخرجه أيضًا الشيخان والنسائي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِيُّ نَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يُهَلِّلُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ فَذَكَرَ نَحْوَ هَذَا الدُّعَاءِ زَادَ فِيهِ "وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ لاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ لَهُ النِّعْمَةُ". وَسَاقَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ. (ش) (عبده) بن سليمان تقدم بالثالث ص 102 (قوله فذكر نحو هذا الدعاء) يعني نحو الذكر المتقدم وفي رواية النسائي كان عبد الله بن الزبير يهلل في دبر الصلاة يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له الخ (قوله زاد فيه الخ) أي زاد هشام بن عروة في روايته عن ابن الزبير قوله ولا حول ولا قوه إلا بالله, لا إله إلا الله لا نعبد إلا إياه له النعمة (قوله وساق بقيه الحديث) (والحديث) ذكره مسلم بتمامه عن أبي الزبير قال: كان ابن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يسلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, لا حول ولا قوه إلا بالله, لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه, له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن, لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون, قال ابن الزبير كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ -وَهَذَا حَدِيثُ مُسَدَّدٍ- قَالاَ نَا الْمُعْتَمِرُ

الدعاء الوارد بعد الصلاة

قَالَ سَمِعْتُ دَاوُدَ الطُّفَاوِيَّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُسْلِمٍ الْبَجَلِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ سَمِعْتُ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ وَقَالَ سُلَيْمَانُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي دُبُرِ صَلاَتِهِ "اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ أَنَا شَهِيدٌ أَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ أَنَا شَهِيدٌ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ أَنَا شَهِيدٌ أَنَّ الْعِبَادَ كُلَّهُمْ إِخْوَةٌ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ اجْعَلْنِي مُخْلِصًا لَكَ وَأَهْلِي فِي كُلِّ سَاعَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ اسْمَعْ وَاسْتَجِبِ اللَّهُ أَكْبَرُ الأَكْبَرُ اللَّهُمَّ نُورَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ". قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ "رَبَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ". "اللَّهُ أَكْبَرُ الأَكْبَرُ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ اللَّهُ أَكْبَرُ الأَكْبَرُ". (ش) (رجال الحديث) (المعتمر) بن سليمان و (داود) بن راشد أبو بحر الكرماني البصري روى عن مسلم بن مسلم وأبي مسلم البجلي. وعنه المعتمر وجرير بن عبد الحميد وعمرو بن مرزوق وعبد الله بن يزيد قال ابن معين ليس بشيء وقال العقيلي حديثه باطل لا أصل له و(الطفاوي) بضم الطاء المهملة نسبة إلى طفاوة حة من قيس عيلان. روى له أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة, و(أبو مسلم البجلي) لم يعرف اسمه روى عن زيد بن أرقم وابن عمر. وعنه داود الطفاوي, قال في التقريب مقبول من الرابعة وذكره ابن حبان في الثقات, روى له أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة (معنى الحديث) (قوله أنا شهيد الخ) أي معترف بأنك أنت الله المربي لكل شيء حال كونك منفردًا بذلك لا شريك لك (قوله أن العباد كلهم إخوة) لأنهم كلهم من آدم وحواء قال تعالى {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} الآية (قوله وأهلي الخ) عطف على ياء المتكلم في اجعلنى أي اجعلني وأهلي مخلصين لك دائمًا في أمور الدنيا والآخرة بحيث لا توجد ساعة إلا أن نكون في طاعه مقرونة بالإخلاص (قوله اسمع واستجب) يعني سماع إجابة وقبول (قوله اللهم نور السموات والأرض) أي منورهما بالشمس والقمر والكواكب (قوله قال سليمان بن داود الخ) أي قال سليمان بن داود في روايته رب السموات والأرض بدل قوله نور السموات والأرض (قوله حسبي الله الخ) أي كافيني الله فيما احتاج إليه ونعم الوكيل أي المفوض إليه الأمر

(والحديث) أخرجه أيضًا النسائي والدارقطني. وهو ضعيف لأنه من طريق داود الطفاوي وفيه مقال (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ نَا أَبِي نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَمِّهِ الْمَاجِشُونَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلاَةِ قَالَ "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ". (ش) (أبو عبد الله) معاذ بن معاذ بن حسان العنبري. تقدم بالثاني صفحه 116 و (الماجشون) يعقوب بن أبي سلمة تقدم بالخامس صفحه 168 (قوله ما قدمت وما أخرت الخ) أي ما وقع مني من الخطأ في الماضي وما يقع في المستقبل وما أخفيت من الخطايا وما أظهرته وما جاوزت فيه الحد وما أنت أعلم به مني مما وقع من الذنوب التي لا أعلمها (قوله أنت المقدم والمؤخر) فتقدم من تشاء من خلقك فيتصف بصفات الكمال ويتحقق بحقائق العبودية بتوفيقك. وتؤخر من تشاء من عبادك عن الخير (والحديث) يدل على مشروعية الدعاء بعد السلام من الصلاة بهذا الدعاء, ووقع نظيره في رواية لمسلم وابن حبان. وفي رواية لمسلم عن علي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقول هذا الدعاء بين التشهد والسلام. ويجمع بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقوله تارة قبل السلام وتارة بعده (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والترمذي ضمن حديث طويل وكذا البخاري من حديث أبي موسى الأشعري وأخرجه أيضًا ابن حبان (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ طُلَيْقِ بْنِ قَيْسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو "رَبِّ أَعِنِّي وَلاَ تُعِنْ عَلَيَّ وَانْصُرْنِي وَلاَ تَنْصُرْ عَلَيَّ وَامْكُرْ لِي وَلاَ تَمْكُرْ عَلَيَّ وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ هُدَايَ إِلَيَّ وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي لَكَ شَاكِرًا لَكَ ذَاكِرًا لَكَ رَاهِبًا لَكَ

مِطْوَاعًا إِلَيْكَ مُخْبِتًا أَوْ مُنِيبًا رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي وَاغْسِلْ حَوْبَتِي وَأَجِبْ دَعْوَتِي وَثَبِّتْ حُجَّتِي وَاهْدِ قَلْبِي وَسَدِّدْ لِسَانِي وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي". (ش) (رجال الحديث) (سفيان) الثوري و (عبد الله بن الحارث) الزبيدي النجراني الكوفي روى عن ابن مسعود وجندب بن عبد الله وطليق بن قيس. وعنه حميد بن عطاء وعمرو بن مرة وضرار بن مرة والمغيره بن عبد الله وثقه النسائي وابن معين. روى له مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه والبخاري في الأدب و(طليق) بالتصغير كما يؤخذ من التقريب (بن قيس) الحنفي الكوفي. روى عن أبي ذر وأبي الدرداء وابن عباس وعنه أخوه عبد الرحمن وعبد الله بن الحارث, وثقه النسائي وأبو زرعة وذكره ابن حبان في الثقات روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله رب أعني الخ) أي على طاعتك وعلى أعدائي ولا تعن علي أحدًا منهم (قوله وامكر لي ولا تمكر علي) المراد ألحق عذابك بأعدائي لا بي. والمكر في الأصل الخداع وإظهار خلاف ما في الباطن وهو محال على الله تعالى, والمراد لازمه من العذاب والانتقام وقيل هو استدراج العبد بالطاعة فيتوهم أنها مقبوله وهي مردودة بما وقع فيها من الرياء والسمعة (قوله واهدني ويسر هداي إليّ) أي دلني على طرق الخير وسهل سلوكها إلي (قوله وانصرني على من بغى علي) أي تعدى علي, وذكره بعد قوله وانصرني ولا تنصر علي من ذكر الخاص بعد العام لمزيد الاعتناء بالانتصار على أهل العدوان (قوله اللهم اجعلني لك شاكرًا الخ) أي اجعلني معترفًا لك بنعمائك علي خائفًا عذابك خاصة كثير الطاعة خاشعًا متضرعًا إليك دون غيرك فمخبتًا من الإخبات وهو الخشوع وقيل من الخبت وهو الاطمئنان قال تعالى "واخبتوا إلى ربهم" أي اطمأنوا إلى ذكره وسكنت نفوسهم لأمره, وقوله أو منيبًا هكذا في نسخ أبي داود بالشك من الإنابة وهي الرجوع إلى طاعه الله تعالى وفي رواية ابن ماجه والترمذي "رب اجعلني لك شاكرًا لك ذاكرًا لك رهابًا لك مطيعًا إليك مخبتًا إليك أواهًا منيبًا" أي كثير التأوة والبكاء ومنه قوله تعالى لأواه حليم. فلعله كان هكذا في رواية المصنف فسقطت الألف والهاء من النساخ هذا وتقديم الجار والمجرور فيما ذكر على عامله للاهتمام وقصد التخصيص (قوله واغسل حوبتي الخ) أي أزل خطيئتي وإيماني فالحوبة الإثم وثبت حجتي أي قولي وإيماني في الدنيا وعند جواب الملكين (قوله وسدد لساني) أي أنطقه بصواب القول (قوله واسلل سخيمة قلبي) أي أخرج الحقد والحسد من قلبي, فالسخيمة بفتح المهملة وكسر المعجمة الحقد والحسد, وسلها إخراجها وتنقية القلب منها من سل السيف إذا أخرجه من الغمد

(والحديث) أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه والترمذي وقال حسن صحيح وابن حبان والحاكم وصححاه (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مُرَّةَ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ قَالَ "وَيَسِّرِ الْهُدَى إِلَيَّ". وَلَمْ يَقُلْ "هُدَايَ". (ش) (يحيى) بن سعيد القطان (قوله بإسناده ومعناه) أي بإسناد عمرو بن مرة للحديث السابق ومعناه (قوله قال ويسر الهدى إلي) أي قال يحيى ما ذكر بدل قول محمَّد بن كثير في الرواية السابقه ويسر هداي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ سَمِعَ سُفْيَانُ مِنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالُوا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيثًا. (ش) أي سمع سفيان الثوري من عمرو بن مرة ثمانية عشر حديثًا منها الحديث السابق والغرض من هذا بيان أن الحديث متصل. وأن العنعنة في الطريق الأول لا تضر (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ وَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا سَلَّمَ قَالَ "اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ". (ش) (الرجال) (عبد الله بن الحارث) الأنصاري أبو الوليد البصري نسيب ابن سيرين روى عن النبي مرسلًا وعن أبي هريرة وابن عباس وزيد بن أرقم وابن عمر وأنس وغيرهم. وعنه ابنه يوسف وعاصم الأحول وعبد الحميد صاحب الزيادي وأبو أيوب السختياني وجماعة. وثقه أبو زرعة والنسائي وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم يكتب حديثه. روى له الجماعة. وقد تقدم بالسادس صفحه 207 لكن لم يترجم (المعنى) (قوله اللهم أنت السلام) أي السالم مما يلحق الخلق من العيب والفناء والنقص وقيل المسلم على الأنبياء في الدنيا وعلى المؤمنين في الجنة (قوله ومنك السلام) أي السلامة من الآفات الدنيوية والأخروية وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول ذلك عقب السلام وهو مستقبل القبلة قبل أن يتحول كما يشير إليه حديث مسلم والترمذي عن عائشه كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول اللهم أنت السلام الخ (قوله تباركت يا ذا الجلال والإكرام) أي تكاثر خيرك وتزايد برك يا صاحب العظمة والإحسان

الاستغفار عقب الصلوات

(والحديث) أخرجه أيضًا النسائي بلفظ المصنف, وأخرجه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه بنحوه (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَنَا عِيسَى عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ "اللَّهُمَّ". فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها. (ش) (رجال الحديث) (عيسى) بن يونس و (الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو و (أبو عمار) شداد بن عبد الله القرشي الدمشقي, روى عن شداد بن أوس وواثلة وعمرو بن عبثة وأبي أسماء الرحبي وغيرهم. وعنه الأوزعي وعكرمة بن عمار وعوف الأعرابي وجماعة وثقه العجلي وأبو حاتم والدارقطني ويعقوب بن سفيان وقال ابن معين والنسائي ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات. روى له مسلم والأربعة. و (أبو أسماء) الرحبي بفتح الحاء الدمشقي عمرو بن مرثد أو ابن أسماء وقيل اسمه عبد الله. روى عن ثوبان وأبي ذر شداد بن أوس ومعاوية وأبي هريرة وغيرهم. وعنه أبو قلابة وشداد بن عمار ومكحول الشامي وربيعة بن يزيد وجماعة قال العجلي تابعي ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات. روى له مسلم والأربعة والبخاري في الأدب (معنى الحديث) (قوله إذا أراد أن ينصرف من صلاته) هو هكذا في رواية الترمذي والمراد أنه إذا أراد الدعاء بعد الانصراف مع موضع صلاته لما في رواية مسلم والنسائي وابن ماجه: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثًا, وهو الموافق لقول عائشه في الحديث السابق إذا سلم قال اللهم أنت السلام الخ (قوله استغفر الله ثلاث مرات) ظاهرة الإطلاق فيصدق على أي صيغة من صيغ الاستغفار وسئل الأوزاعي عن ذلك فقال: يقول استغفر الله فقد قال مسلم ثنا داود ابن رشيد قال ثنا الوليد عن الأوزاعي عن أبي عمار اسمه شداد بن عبد الله عن أبي أسماء عن ثوبان قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام, قال الوليد فقلت للأوزاعي كيف الاستغفار قال: يقول استغفر الله استغفر الله (وفي الحديث) دلالة على مشروعية الاستغفار ثلاث مرات بعد الصلاة والثناء على الله بهذا الذكر: اللهم أنت السلام الخ عقب السلام وقبل الانصراف من موضع الصلاة. وحكمه الاستغفار عقب الصلاة الإشارة إلى أنه

باب في الاستغفار

ينبغي للعبد أن لا يغتر بما أتي به من الطاعة ويتهم نفسه بالتقصير وعدم القيام بتمام ما كلف به وتكراره للمبالغة في اعتقاد النقص في عمله وذلك أقرب للقبول (والحديث) أخرجه أيضًا الترمذي والنسائي وابن ماجه (باب في الاستغفار) أي الترغيب في الاستغفار وهو طلب المغفرة من الله تعالى (ص) حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ نَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ نَا عُثْمَانُ بْنُ وَاقِدٍ الْعُمَرِيُّ عَنْ أَبِي نُصَيْرَةَ عَنْ مَوْلًى لأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً". (ش) (رجال الحديث) (النفيلي) عبد الله بن محمَّد و (عثمان بن واقد) بن محمَّد ابن يزيد. روى عن أبيه ونافع بن جبير ومسلم بن عبيد وجماعة. وعنه وكيع وأبو معاوية وزيد ابن الحباب وغيرهم. ضعّفه أبو داود وقال أحمد والدارقطني لا بأس به, ووثقه ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو اداود والترمذي و (أبو نصيرة) بالتصغير مسلم بن عبيد الواسطي روى عن أنس والحسن البصري وأبي رجاء العطاردي وميمون بن مهران وعنه أبو الصباح ومحمد بن يزيد بن هارون وأبو بكر بن شعيب. وثقه أحمد وابن حبان وقال كان يخطئ على قله روايته وقال ابن معين صالح وقال الأزدي ضعيف: وقال في التقريب ثقة من الخامسة. و (مولى لأبي بكر) قال البزار مجهول يعني لم يعرف اسمه ولا حاله. وقال الحافظ أنه أبو رجاء (معنى الحديث) (قوله ما أصر من استغفر الخ) أي ما دوام على الذنب من اتبعه بالاستغفار وإن تكرر منه. يقال أصر على الشيء إصرارًا إذا لزمه وثبت عليه وأكثر ما يستعمل في الشر ومحل كون المستغفر ليس مصر إذا تاب وعزم على عدم العود وندم على ما وقع منه (والغرض) من الحديث الترغيب في الاستغفار من الذنوب وإن كثرت والتوبة منها وإن وقع منه ذنوب كثيرة لا يقنط من رحمه الله. وليس المراد منه الترغيب في ارتكاب المخالفات والاستغفار بعدها فإن مثل هذا اجتراء على الله تعالى بارتكاب الذنوب وأمن من مكره وعاقبه. ونظير حديث الباب ما رواه الترمذي عن أبي أيوب قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم يقول لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقًا يذنبون ويغفر لهم. فإن المراد منه الترغيب في الاستغفار

الحث على إكثار الاستغفار

والتوبة لا الحث على ارتكاب الذنوب كما يزعم بعض المضلين (والحديث) أخرجه أيضًا الترمذي وقال حديث غريب إنما نعرفه من حديث أبي نصيرة (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ قَالاَ نَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنِ الأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ -قَالَ مُسَدَّدٌ فِي حَدِيثِهِ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ". (ش) (رجال الحديث) (حماد) بن سلمة و (ثابت) البناني و (أبو بردة) الحارث أو عامر بن عبد الله بن قيس الأشعري تقدم بالأول صفحه 117. و (الأغر المزني) ابن يسار روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أبي بكر وعنه أبو برده ومعاوية بن قرة روى له مسلم وأبو داود والنسائي والبخاري في الأدب (معنى الحديث) (قوله أنه ليغان على قلبي الخ) أي يغطى على قلبي يقال غينت السماء أي غطيت بالغين وهو السحاب الرقيق والمراد بالغين ما يغشاه من سهو لا يخلو عنه البشر لأن قلبه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان دائمًا مشغولًا بالله تعالى فان عرض ما يشغله من أمور الأمة ومصالحها عد ذلك ذنبًا بالنسبة لمقامه فيفزع إلى الاستغفار لإزاله هذا الغطاء وهذا له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين لأنه كان يرتقي من حال إلى حال فتصير الحالة الأولى بالنسبة إلى الثانية كالذنب فيستغفر لما يبدو له من عظمة الله تعالى وتلاشي الحالة الأولى وبما يتجدد من الحالة الثانية. وقال بعضهم هذا من المتشابه الذي لا يعلم معناه فالتفويض فيه أولى (وفي الحديث) دلالة على الحث على الإكثار من الاستغفار وروى مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: يا أيها الناس توبوا فإني أتوب إليه في اليوم مائه مرة (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ "رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ". (ش) (رجال الحديث) (أبو أسامة) جماد بن أسامة. و (محمَّد بن سوقة) بضم المهملة الغنوي أبو بكر الكوفي. روى عن أنس وسعيد بن جبير وأبي صالح السمان وعبد الله

التوبة تكفر الذنوب ولو كانت كبائر

ابن دينار وإبراهيم النخعي وكثيرين. وعنه السفيانان وابن المبارك ومالك بن مغول وأبو معاوية والنضر بن إسماعيل وعطاء بن مسلم وآخرون قال النسائي ثقة مرضي وقال الدارقطني فاضل ثقة وقال أبو حاتم صالح الحديث. وقال العجلي كان ثبتًا صاحب سنة وعبادة وخير كثير في عداد الشيوخ وليس بكثير الحديث. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله وتب عليّ الخ) أي اقبل توبتي فإنك كثير قبول التوبة ممن رجع إليك ويسمى العبد أيضًا توابًا لأنه كلما أذنب ندم واستغفر ولا يصر (وفي الحديث) الترغيب في كثرة الاستغفار بهذه الكلمات لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مع كونه معصومًا مغفورًا له كان يستغفر في المجلس الواحد مائه مرة فغيره ممن ليس بمعصوم أولى. وكان صلى الله تعالى عليه واله وسلم يكثر من الاستغفار تعليمًا لامته وامتثالًا لقول الله تعالى. واستغفره أنه كان توابًا (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه والترمذي وابن حبان (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الشَّنِّيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ هِلاَلَ بْنَ يَسَارِ بْنِ زَيْدٍ مَوْلَى النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُنِيهِ عَنْ جَدِّي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ". (ش) (رجال الحديث) (قوله حفص بن عمر) بن مرة البصري. روى عن أبيه وعنه موسى بن إسماعيل قال أبو داود ليس به بأس. ووثقه موسى بن إسماعيل. روى له أبو داود والترمذي هذا الحديث فقط و (الشني) بفتح الشين مشدده نسبه إلى شن بطن من عبد القيس و (عمر بن مرة) بدل من أبي الشني البصري. روى عن بلال بن يسار. وعنه ابنه حفص قال النسائي ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات روى له أبو داود والترمذي هذا الحديث فقط و(بلال بن يسار) بالموحدة كما في الترمذي وابن حبان وكتب الرجال وفي بعض نسخ المصنف هلال بالهاء. روى عن أبيه هذا الحديث وعنه عمر بن حفص ذكره ابن حبان في الثقات روى له أبو داود والترمذي هذا الحديث فقط. و (أبوه) يسار بن زيد روى عن أبيه. وعنه ابنه بلال له صحبه وذكره ابن حبان في الثقات. و(جد بلال) زيد بولا بالموحدة أو ابن زيد أبو يسار مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان نوبيًا, أصابه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في غزوة بني ثعلبة فأعتقه

الاستغفار يفرج الكرب ويجلب الرزق

(معنى الحديث) (قوله من قال استغفر الله الخ) ظاهره من قالها ولو مرة وفي رواية الترمذي من حديث أبي سعيد من قال استغفر الله الخ ثلاث مرات. وكذا رواية الحاكم من حديث ابن مسعود. رواية ابن أبي شيبة من حديث أبي سعيد. والحي القيوم بالنصب صفة للفظ الجلالة أو بالرفع بدل من هو (قوله وإن كان قد فر من الزحف) أي الجهاد ولقاء العدو في الحرب بغير ضرورة وفي نسخه فرّ بدون قد (وفي هذا) دلالة على أن التوبة تكفر الكبائر من الذنوب فإن الفرار من الزحف لغير ضرورة من الكبائر بلا خلاف كما يرشد إليه قوله تعالى "ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئه فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير" (والحديث) أخرجه أيضًا ابن حبان والترمذي وقال غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وأخرجه الترمذي أيضًا وابن أبي شيبة من حديث أبي سعيد الخدري. وأخرجه الحاكم والطبراني من حديث ابن مسعود (ص) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ نَا الْحَكَمُ بْنُ مُصْعَبٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ". (ش) (رجال الحديث) (الحكم بن مصعب) القرشي المخزومي الدمشقي روى عن محمَّد بن علي وعنه الوليد بن مسلم قال أبو حاتم مجهول ولا أعلم روى عنه غيره وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج بحديثه ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار وقال الأزدي لا يتابع على حديثه (معنى الحديث) (قوله من لزم الاستغفار الخ) أي من دوام عليه جعل الله له من كل سنده في الدنيا والآخرة طريقًا ينجو به منها ومن كل حزن خلاصًا ورزقه من حيث لا يحتسب أي من جهه لا يرجوها ولا تخطر بباله يشير بذلك إلى قوله تعالى "ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب, (وفي الحديث) الترغيب في المدوامة على الاستغفار ولا سيما عند ارتكاب المخالفات ووقوع البلايا (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي وهو ضعيف في إسناده الحكم بن مصعب وفيه مقال

بيان المراد من آية ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ ح وَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ نَا إِسْمَاعِيلُ -الْمَعْنَى- عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ سَأَلَ قَتَادَةُ أَنَسًا أَيُّ دَعْوَةٍ كَانَ يَدْعُو بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَكْثَرَ قَالَ كَانَ أَكْثَرُ دَعْوَةٍ يَدْعُو بِهَا "اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ". وَزَادَ زِيَادٌ وَكَانَ أَنَسٌ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بِدَعْوَةٍ دَعَا بِهَا وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بِدُعَاءٍ دَعَا بِهَا فِيهَا. (ش) وجه مناسبة هذا الحديث وما بعده للترجمة أن المراد بالاستغفار مطلق الدعاء (عبد الوارث) بن سعيد تقدم بالأول ص 29. و (إسماعيل) بن عليه تقدم بالثاني ص 264 (قوله آتنا في الدنيا حسنه الخ) حسنه الدنيا كل أمر يوافق الطبع ويعين على أعمال الآخرة كالعافية والزوجة الحسنة والمركب الهنيء والرزق الحلال الواسع والولد البار والعلم النافع وحسنه الآخرة دخول الجنة وما يسبقه من الأمن يوم الفزع الأكبر في العرصات وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة. وقال سفيان الثوري الحسنة في الدنيا الرزق الطيب والعلم وفي الآخرة الجنة وقال النووي حسنة الدنيا العلم والعبادة وحسنة الآخرة العفو والمغفرة. وأما الوقاية من النار فتكون بتيسير أسبابه في الدنيا من اجتناب المحارم وترك الشبهات أو بمحض العفو. وكان صلى الله عليه وآله وسلم يكثر الدعاء بهذه الآية لأنها تجمع معاني الدعاء كله من أمر الدنيا والآخرة (قوله وزاد زياد الخ) أي زاد زياد بن أيوب في روايته "وكان أنس بن مالك إذا اراد أن يدعو بدعوة واحدة دعا بهذه الدعوة, وإذا اراد أن يدعو بدعوات كثيرة دعا بهذه الدعوة فيها" وفي رواية مسلم دعا بها فيه (والحديث) أخرجه مسلم والترمذي والنسائي بنحوه (ص) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ الرَّمْلِيُّ نَا ابْنُ وَهْبٍ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ صَادِقًا بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ". (ش) (رجال الحديث) (عبد الرحمن بن شريح) بن عبد الله بن محمود المعافري أبو شريح. روى عن حميد بن هانئ وسهل بن أبي امامة ومحمد بن عبد الرحمن وأبي الزبير وغيرهم وعنه ابن المبارك وزيد بن الحباب وموسى بن داود والضبي وابن القاسم وهانئ بن المتوكل. وثقه

الوضوء والصلاة سببان لغفران الذنوب

العجلي وابن معين والنسائي وابن حبان وأحمد وقال أبو حاتم لا بأس به, وضعّفه ابن سعد وقال منكر الحديث ولكن قال في التقريب ثقة فاضل لم يصب ابن سعد في تضعيفه. توفي سنه سبع وستين مائه. روى له الجماعة (قوله عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف) تقدم بالثالث ص 205 وفي رواية مسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي حدثني عبد الرحمن بن شريح أن سهل بن أبي أمامة بن سهل ابن حنيف حدثه عن أبيه عن جده. ولعل ابن شريح رواه عن أبي أمامة بواسطة وبدون واسطة (معنى الحديث) (قوله من سأل الله الشهاده صادقًا الخ) وفي نسخه بصدق أي من طلب من الله بإخلاص أن يموت شهيدًا لا لمجرد الرغبة في فضل الشهداء من غير أن يرضى بالجهاد إن وقع بلغه الله منازل الشهداء أي أوصله الله إلى درجات المجاهدين في سبيل الله وإن مات على فراشه ولم يقتل في سبيل الله (وفي الحديث) دلالة على أن المرء يثاب على نيته العمل كما يثاب على الفعل. وهذا تفضل من الله ورحمة (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن شريح , وأخرج نحوه عن معاذ قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من سأل الله القتل في سبيل الله صادقًا من قلبه أعطاه الله أجر الشهاده (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الثَّقَفِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الأَسَدِيِّ عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كُنْتُ رَجُلًا إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي وَإِذَا حَدَّثَنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتَحْلَفْتُهُ فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ قَالَ وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلاَّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ". ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ. (ش) (رجال الحديث) (أبو عوانه) الوضاح بن عبد الله اليشكري تقدم بالأول ص 91 و (علي بن ربيعة) بن نضله الوالي (الأسدي) أبو المغيرة الكوفي. روى عن علي والمغيره بن شعبة وابن عمر وسمرة بن جندب وطائفة. وعنه الحكم بن عتيبة وأبو إسحاق السبيعي والمنهال بن عمرو

وسلمة بن كهيل وآخرون. وثقه النسائي وابن سعد والعجلي وابن نمير وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم صالح الحديث. روى له الجماعة. و (أسماء بن الحكم) الفزاري أبو حسان الكوفي روى عن علي هذا الحديث وحديثًا آخر لم يتابع عليه. وعنه علي بن ربيعة. وثقه العجلي وقال البزار مجهول وقال ابن حبان يخطئُ. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (معنى الحديث) (قوله بما شاء ان ينفعني) أي بالعمل به في أمر الدين والدنيا (قوله استحلفته) لزياده التوثيق واحتياطًا للدين وإلا فالصحابة كلهم عدول (قوله وصدق أبو بكر) يعني اعتقد صدقه فلم أستحلفه. وهذه جملة معترضة بين بها عليّ قدر أبي بكر في الصدق حتى لقبه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالصديق, وقد روى ابن جرير بسنده عن علي ابن أبي طالب قال ما حدثني أحد عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا سألته أن يقسم لي بالله لهو سمعه من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا أبا بكر فإنه كان لا يكذب ويحتمل أن عليًا كرم الله وجهه ترك استحلاف أبي بكر رضي الله عنه لأنه كان يلتزم الرواية باللفظ دون المعنى ولذا قلت روايته وتبعه أبو حنيفة على هذا. وقد أنكر البخاري استحلاف عليّ غير أبي بكر من الصحابة وتبعه العقيلي فقال قد سمع علي من عمر فلم يستحلفه وأيضًا فقد روى عن المقداد وعمار وفاطمة الزهراء ولم يستحلفهم (قوله فيحسن الطهور) بضم الطاء المهملة أي الوضوء. وفي الحديث دلالة على الترغيب في تحسين الوضوء وصلاة ركعتين والاستغفار عقب ارتكاب الذنب فإن من فعل ذلك غفر له (قوله ثم قرأ هذه الآية) أي قرأ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ما هو المتبادر فتكون هذه الجمله من كلام أبي بكر. ويحتمل أن القارئ أبو بكر فتكون من كلام علي (قوله والذين إذا فعلوا فاحشة) أي كبيرة (أو ظلموا أنفسهم) بارتكاب الصغائر وتمام الآية ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون, وفي رواية ابن جرير وقرأ إحدى هاتين الآيتين "ومن يعمل سوءًا يجز به" "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم الآية " ففي هذه الرواية الشك في المقروء أهو آية آل عمران كما في حديث الباب أم آية النساء؟ (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه وأخرجه ابن جرير من طريق شعبة قال سمعت عثمان مولى آل أبي عقيل الثقفي قال سمعت علي بن ربيعة يحدث عن رجل من فزارة يقال له أسماء أو ابن أسماء عن عليّ قال: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شيئًا نفعنى الله بما شاء أن ينفعني فحدثنى أبو بكر وصدق أبو بكر عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: ما من عبد قال

وصية النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لمعاذ بن جبل

شعبة وأحسبه قال مسلم يذنب ذنبًا ثم يتوضأ ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله لذلك الذنب "الحديث" (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ نَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيُّ عَنِ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ "يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ". فَقَالَ "أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ". وَأَوْصَى بِذَلِكَ مُعَاذٌ الصُّنَابِحِيَّ وَأَوْصَى بِهِ الصُّنَابِحِيُّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ. (ش) (رجال الحديث) (أبو عبد الرحمن) عبد الله بن يزيد (الحبليّ) تقدم بالثاني ص 100 و (الصنابحي) بضم الصاد المهملة نسبة إلى صنابج بطن من مراد واسمه عبد الرحمن بن عسيلة بالتصغير ابن زاهر أبو عبد الله: رحل إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فوجده قد مات قبل قدومه بخمس ليال أو ست. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرسلًا وعن أبي بكر وعمر وعليّ وبلال وسهل بن عبادة ومعاذ بن جبل وغيرهم. وعنه ربيعة بن يزيد الدمشقي وأبو عبد الرحمن الحبلي وعطاء بن يسار ومحمود بن لبيد وعبد الله بن سعد وجماعة. وثقه ابن سعد والعجلي وقال كان قليل الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وأثنى عليه عبادة بن الصامت: مات بين السبعين إلى الثمانين كما ذكره البخاري في التاريخ. روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله أخذ بيده) فيه إشارة إلى تمام المحبة بينهما (قوله والله إني لأحبك) وفي بعض النسخ تكرار والله إني لأحبك مرتين للتأكيد (قوله فقال أوصيك) أي آمرك وفي هذا مزيد اهتمامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمعاذ وترغيب له فيما يريد أن يلقيه عليه لأنه من جوامع الدعاء (قوله لا تدعن في دبر كل صلاة الخ) أي لا تتركن عقب كل صلاة مكتوبة قولك اللهم اعنى الخ (قوله وأوصى بذلك معاذ الخ) أشار به إلى أن الحديث مسلسل (فقه الحديث) دل الحديث على استحباب قول الرجل لمن يحبه إني أحبك. وعلى مشروعية الحلف على ذلك. وعلى استحباب الوصية بالخير. وعلى استحباب المواظبة على الدعاء المذكور عقب الصلوات (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد وابن حبان والنسائي: وكذا الحاكم عن معاذ قال: ان رسول

قراءة المعوذاتين والدعاء والاستغفار دبر كل صلاة

الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخذ بيدي يومًا ثم قال يا معاذ: والله إني لأحبك فقال معاذ بأبي وأمي يا رسول الله وأنا والله أحبك فقال: أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أنك تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ نَا ابْنُ وَهْبٍ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ حُنَيْنَ بْنَ أَبِي حَكِيمٍ حَدَّثَهُ عَنْ عُلَيِّ بْنِ رَبَاحٍ اللَّخْمِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَقْرَأَ بِالْمُعَوِّذَاتِ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ. (ش) (رجال الحديث) (حنين) بالتصغير (ابن أبي حكيم) الأموي مولاهم المصري روى عن مكحول وعلي بن رباح ونافع مولى ابن عمر. وعنه عمرو بن الحارث والليث وسعيد ابن أبي هلال وابن لهيعة قال في التقريب صدوق من الثالثة وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن عدي أحاديثه غير محفوظه, روى له أبو داود والنسائي (معنى الحديث) (قوله أن أقرأ بالمعوذات) بالكسر جمع معوذه أي محصنه ونسبة التحصين إليها مجاز وقد تفتح فتكون جمع معوذة على صيغة اسم المفعول أي معوذ بها. وأراد بها سورة قل أعوذ برب الفلق وقيل أعوذ برب الناس فالمراد بالجمع ما فوق الواحد أو جمعهما باعتبار أن ما يستعاذ منه كثير فيهما, وفي رواية الترمذي أمرني أن أقرأ بالمعوذتين. وفي هذا دلالة على استحباب قراءة هاتين السورتين بعد السلام من الصلاة (والحديث) أخرجه النسائي والترمذي وابن حبان وصححه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سُوَيْدٍ السَّدُوسِيُّ نَا أَبُو دَاوُدَ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَدْعُوَ ثَلاَثًا وَيَسْتَغْفِرَ ثَلاَثًا. (ش) (أبو داود) الطيالسي (اسراءيل) بن يونس تقدم بالأول ص 117 و (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قوله كان يعجبه أن يدعو ثلاثًا الخ) أي كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا دعا أحب ان يكرر الدعاء ثلاثًا وإذا استغفر استغفر ثلاثًا. وفيه دلالة على مشروعية تكرر الدعاء والاستغفار (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي

دعاء الكرب

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ عَنْ هِلاَلٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ ابْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "أَلاَ أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ أَوْ فِي الْكَرْبِ اللَّهُ اللَّهُ رَبِّي لاَ أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا". قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا هِلاَلٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَابْنُ جَعْفَرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ. (ش) (رجال الحديث) (عبد العزيز بن عمر) بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي أبو محمَّد المدني. روى عن أبيه وصالح بن كيسان ونافع مولى ابن عمر ومجاهد ومكحول وآخرين. وعنه شعبة ويونس بن أبي إسحاق وأبو نعيم وكثيرون. وثقه أبو داود وابن عمار وابن معين ويعقوب بن سفيان وقال أبو حاتم يكتب حديثه وقال أبو مسهر ضعيف. وقال أحمد ليس من أهل الحفظ والإتقان. روى له الجماعة. و(هلال) مولى عمر بن عبد العزيز. روى عن مولاه وابن عمر. وعنه عبد العزيز وعبد الرحمن بن يزيد وعبد الله بن لهيعة وثقه ابن عمار وقال في التقريب مقبول من الرابعة (معنى الحديث) (قوله عند الكرب) أي نزول الشدة والمحنة يعني إذا قلتيهن فرج الله عنك ما نزل بك (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه والطبري وزاد ثلاث مرات, وأخرجه ابن حبان من حديث عائشه بلفظ إن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جمع أهل بيته فقال: إذا أصاب أحدكم غم أو كرب فليقل الله الله لا أشرك به شيئًا. وأخرجه الطبراني في الكبير والأوسط من حديث ابن عباس بلفظ أخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعضادتي الباب ونحن في البيت فقال: يا بني عبد المطلب إذا نزل بكم كرب أو جهد أو لأواء فقولوا: الله الله ربي لا أشرك به شيئًا. وفي إسناده صالح بن عبد الله أبو يحيى ضعيف والجهد بالفتح المشقة واللأواء الشدة وضيق المعيشة (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ وَعَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ وَسَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ قَالَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ كَبَّرَ النَّاسُ وَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ

النهي عن رفع الصوت بالدعاء والترغيب في الإكثار من الحوقلة

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَعْنَاقِ رِكَابِكُمْ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "يَا أَبَا مُوسَى أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ". فَقُلْتُ وَمَا هُوَ قَالَ "لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ". (ش) (أبو عثمان النهدي) عبد الرحمن بن مل تقدم بالرابع صفحه 249 (قوله في سفر) وفي رواية للبخاري في غزاة. ولعلها غزوة خيبر (قوله كبر الناس الخ) أي قالوا: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله كما في رواية للبخاري والروايه بعد للمصنف (قوله إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا) تعليل لمحذوف أي لا ترفعوا أصواتكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا, وفي رواية للبخاري أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا ولكن تدعون سميعًا بصيرًا. وفي رواية سميعًا قريبًا وهو معكم ولعلهم بالغوا في الجهر بالذكر فنهاهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهي تيسير وإرشاد وإلا فأصل الجهر مشروع (قوله إن الذي تدعونه بينكم وبين أعناق ركابكم) كناية عن قربة تعالى قربًا معنويًا فيسمع قوله. فهو كقوله تعالى. ونحن أقرب إليه من حبل الوريد والركاب الإبل. وأراد بالدعاء في الحديث التكبير والثناء على الله تعالى (قوله إلا أدلك على كنز من كنوز الجنة) يعني على عمل يحصل ثوابًا عظيمًا يدخر لك في الجنة. وأصل الكنز المال المدفون تحت الأرض (قوله لا حول ولا قوة إلا بالله) خبر لمبتدا محذوف أي ذلك الكنز لا حول ولا قوة إلا بالله أي لا تحول عن معصية الله إلا بمعصمة الله وحفظه ولا قوة على طاعة الله إلا بمعونه الله. وكانت كنزًا لأنها تعد لقائلها وتدخر له من الثواب ما يقع في الجنة موقع الكنز في الدنيا, ولأنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى واعتراف بأنه لا صانع سواه ولا رادّ لأمره وأن العبد لا يملك لنفسه شيئًا وليس له حيلة في دفع شر ولا جلب خير إلا بإرادة الله تعالى قال ابن بطال كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم معلمًا لأمته فلا يراهم على حالة إلا أحب لهم الزيادة فأحب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للذيين رفعوا أصواتهم بكلمة الإخلاص والتكبير أن يضيفوا إليها التبرأ من الحول والقوة فيجمعوا بين التوحيد والإيمان بالقدر وفي هذا دلالة على مزيد قربة تعالى من خلقه. وعلى الترغيب في الذكر بقول لا حول ولا قوة إلا بالله (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري والترمذي وابن ماجه بنحوه مختصرًا ومطولًا وأخرجه النسائي وزاد فيه لا ملجأ من الله إلا إليه

طلب الرفق في الدعاء وغيره

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَهُمْ يَتَصَعَّدُونَ فِي ثَنِيَّةٍ فَجَعَلَ رَجُلٌ كُلَّمَا عَلاَ الثَّنِيَّةَ نَادَى لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّكُمْ لاَ تُنَادُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا". ثُمَّ قَالَ "يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ". فَذَكَرَ مَعْنَاهُ. (ش) (قوله يتصعدون في ثنية) أي يتكلفون الصعود في الثنية وهي كالعقبة في الجبل وقيل الطريق العالي في الجبل وقيل أعلى المسيل في رأس الجبل (قوله فذكر معناه) أي ذكر سليمان التيمي معنى الحديث الذي ذكره الجريري وصاحباه. ولفظه كما في مسلم يا عبد الله بن قيس ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة؟ قلت ما هي يا رسول الله قال: لا حول ولا قوة إلا بالله, وفي هذا الحديث إن الذي رفع صوته بالذكر رجل واحد بخلاف الحديث السابق فإنهم كانوا جماعة ولا منافاة بينهما لاحتمال أن أبا موسى خص الرجل في هذا الحديث بالذكر لكونه كان يبالغ في رفع صوته (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم (ص) حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي مُوسَى بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ فِيهِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أرْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ". (ش) (رجال الحديث) (أبو صالح) محبوب بن موسى وقد صرح به في بعض النسخ الأنطاكي الفراء. روى عن ابن المبارك وعون بن مسلم وشعيب بن حرب وطائفة وعنه أبو داود ومحمد بن هارون وعمرو بن يحيى وإبراهيم بن سعيد وآخرون, وقال العجلي ثقة صاحب سنة ووثقه أبو داود وقال ابن حبان متقن فاضل وقال الدارقطني صويلح وليس بالقوي مات سنه ثلاثين أو إحدى وثلاثين ومائتين. روى به أبو داود والنسائي. و(أبو إسحاق الفرازي) إبراهيم بن محمَّد تقدم بالخامس صفحه 9 و (عاصم) الأحوال (معنى الحديث) (قوله أربعوا على أنفسكم) بهمزة الوصل وفتح الموحدة أي ارفقوا بأنفسكم في الطلب ولا ترفعوا أصواتكم فإن رفع الصوت إنما يفعله الداعي لبعد من يدعوه

فضل الإقرار لله بالربوبية وللنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالرسالة

ليسمعه وأنتم تدعون الله وليس أصم ولا غائبًا بل هو سميع قريب وهو معكم بعلمه. وفي هذا إشارة إلى أن الحامل على عدم الجهر بالذكر التيسير والرفق لا لكون الجهر به غير مشروع فإنه إذا خفض صوته كان أبلغ في توقيره وتعظيمه فإن دعت حاجه إلى الرفع فلا يمنع (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم من طريق أبي معاوية عن عاصم عن أبي عثمان عن أبي موسى قال: كنا مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في سفر فجعل الناس يجهرون بالتكبير فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (أيها الناس أربعوا على أنفسكم إنكم ليس تدعون أصم ولا غائبًا إنكم تدعون سميعًا قريبًا وهو معكم) قال وأنا خلفه وأنا أقول لا حول ولا قوة إلا بالله فقال: يا عبد الله بن قيس ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ فقلت بلى يا رسول الله قال قل لا حول ولا قوه إلا بالله (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نَا أَبُو الْحُسَيْنِ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلاَنِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَلِيٍّ الْجَنْبِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "مَنْ قَالَ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ". (ش) (أبو هانئ) حميد بن هانئ تقدم بصفحة 146 وكذا (أبو على) عمرو بن مالك و (الجنبي) بفتح الجيم وسكون النون نسبة إلى الجنب حي باليمين (قوله رضيت بالله الخ) أي قنعت واكتفيت بطاعته ولا أعبد غيره ورضيت بالاسلام دينًا فلا أسلك غير طريق الإِسلام وآمنت بأن محمدًا مرسل إلى كافه العالمين. وانتصاب ربًا ودينًا ورسولًا على التمييز وقوله وجبت له الجنة أي ثبتت له واستحق دخولها. وقد مر الكلام على مثل هذا الحديث في "باب ما يقول إذا سمع المؤذن "من الجزء الرابع صفحه 197 (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والنسائي (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا".

الترغيب في الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(ش) (رجال الحديث) (العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب أبو شبل المدني روى عن ابن عمر وأنس وأبي السائب وسعد بن كعب وآخرين. وعنه ابن جريج ومالك وابن عجلان والسفيانان وجماعة وثقه أحمد الترمذي وقال ابن معين ليس حديثه بحجه ولم يزل الناس يتوقون حديثه وقال أبو حاتم صالح لكنه أنكر من حديثه أشياء وقال الخليلي مختلف فيه لأنه ينفرد بأحاديث لا يتابع عليها. روى له مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرًا) أي عشر صلوات والمعنى رحمه وضاعف له أجره والعشر أقل المضاعفة لقوله تعالى "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" وقال الطيبي يجوز أن تكون الصلاة على ظاهرها كلامًا يسمعه الملائكة تشريفًا للمصلي على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد جاء في الترغيب فيها أحاديث تقدم بعضها في "باب تفريع أبواب الجمعة" صفحه 186 من الجزء السادس (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والترمذي والنسائي (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ". قَالَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ قَالَ يَقُولُونَ بَلِيتَ. قَالَ "إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ". (ش) تقدم الكلام على هذا الحديث وافيًا في "باب تفريع أبواب الجمعة" (باب النهي أن يدعو الإنسان على أهله وماله) وفي بعض النسخ باب النهي عن دعاء الإنسان على أهله وماله (ص) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَيَحْيَى بْنُ الْفَضْلِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالُوا نَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا يَعْقُوبُ بْنُ مُجَاهِدٍ أَبُو حَزْرَةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لاَ تَدْعُوا عَلَى

باب الصلاة على غير النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

أَنْفُسِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لاَ تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثُ مُتَّصِلُ الإِسْنَادِ فَإِنَّ عُبَادَةَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ لَقِيَ جَابِرًا. (ش) (قوله لا تدعوا على أنفسكم الخ) أي لا تدعوا بالشر على من ذكر مخافة أن يصادف دعاؤكم ساعة أعطي فيها عطاء فيستجاب لكم فيصيبكم ما دعوتم به. والخدم جمع خادم يطلق على الذكر والأنثى (ولا توافقوا) أي لئلا توافقوا ويستجيب لكم بالنصب في جواب النهي (الحديث) أخرجه أيضًا مسلم ضمن حديث طويل (باب الصلاة على غير النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) أي استقلالًا أيجوز أم لا؟ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ نُبَيْحٍ الْعَنَزِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلِّ عَلَيَّ وَعَلَى زَوْجِي. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى زَوْجِكِ". (ش) (رجال الحديث) (نبيح) بمهمله مصغرًا بن عبد الله الكوفي أبو عمرو. روى عن ابن عباس وابن عمرو وجابر وأبي سعيد وعنه الأسود بن قيس وأبو خالد الدالاني وثقه أبو زرعة والعجلي وابن حبان وذكره ابن المديني في جملة المجهولين الذين يروي عنهم الأسود ابن قيس وصحيح الترمذي وابن خزيمة والحاكم حديثه. و (العنزى) نسبه إلى عنز بن وائل أبي قبيلة بالكوفة (معنى الحديث) (قوله أن امرأة) لم نقف على اسمها (قوله صلّ عليّ وعلى زوجي) تعنى ادع لي ولزوجي فعلى بمعنى اللام (قوله صلى الله عليك وعلى زوجك) أي رحمك الله ورحم زوجك. وفي هذا دلالة على مزيد مكارم أخلاقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وحسن ملاطفته لأصحابه. وعلى مشروعية الصلاة على غير الأنبياء استقلالًا وبه قال أحمد وجماعة أخذًا بظاهر هذا الحديث وبقوله تعالى (وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) وبقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اللهم صلى على آل أبي أوفى وسيأتي للمصنف في كتاب

الزكاة في "باب دعاء المصدق لأهل الصدقة" وقال الجمهور لا تجوز الصلاة علي غير الأنبياء استقلالًا وتجوز عليهم تبعًا للأنبياء لأن الصلاة تعظيم لمن يصلي عليه وتعزيز له وهما مختصان بالأنبياء عند ذكرهم. وأجابوا عن حديث الباب وأشباهه بأن صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على من صلى عليه من غير الأنبياء محمولة علي الدعاء فقط وليس فيهما معنى التعظيم الذي اختص به الأنبياء قال الله تعالى. (لا تجعلوا دعاء الرسول كدعاء بعضكم بعضًا). فكذلك يجب أن يكون الدعاء له مخالفًا لدعاء الناس بعضهم لبعض. قال القاضي عياض في الشفاء الذي ذهب إليه المحققون وأميل إليه ما قاله مالك وسفيان عن ابن عباس واختاره غير واحد من الفقهاء والمتكلمين أنه لا يصلى على غير الأنبياء عند ذكرهم بل هو شيء يختص به الأنبياء توقيرًا لهم وتعزيزًا كما يختص الله تعالى عند ذكره بالتنزيه والتقديس والتعظيم لا يشاركه فيه غيره. كذلك يجب تخصيص سائر الأنبياء بالصلاة والتسليم ولا يشاركهم في ذلك غيرهم كما أمر الله المؤمنين بقوله صلوا عليه وسلمو تسليمًا. ويذكر من سواهم من الأئمة المجتهدين من الصحابة والتابعين وغيرهم بالغفران والرضا كما قال تعالى (يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) وقال تعالى (والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه) وأيضًا فإن الصلاة والسلام علي غير الأنبياء استقلالًا أمر لم يكن معروفًا في الصدر الأول, وإنما أحدثته الرافضة والمتشيعة في بعض الأئمة, فيقولون مثلًا علي عليه الصلاة والسلام وساووهم بالنبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ذلك, وأيضًا التشبه بأهل البدع منهي عنه فتجب مخالفتهم فيما التزموه من ذلك اهـ وروي البيهقي في شعب الإيمان وسعيد بن منصور في سننه عن ابن عباس أنه قال لا تجوز الصلاة والسلام علي غير نبينا صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم من الأنبياء. قال عليّ القاري ولعله رضي الله عنه أخذ ذلك من قوله تعالى في حق الأنبياء: سلام على نوح في العالمين, سلام على إبراهيم, سلام على موسى وهارون, وسلام على المرسلين, ومن مفهوم قوله تعالى يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا. حيث يستفاد منه أن الجمع بين الصلاة والسلام من خصوصيته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقيل يكره وإن أراد بها مطلق الرحمة, وقيل يحرم وقيل خلاف الأولى, وقيل يسن, وقيل يباح إن أراد بالصلاة مطلق الرحمة, ويكره إن أتي بها مقرونة بالتعظيم اهـ ببعض تصرف (والحديث) أخرجه الترمذي والنسائي والبيهقي

باب الدعاء بظهر الغيب

(باب الدعاء بظهر الغيب) أي الترغيب في دعاء المسلم لأخيه حال غيبته ظهر زائدة لتحسين اللفظ (ص) حَدَّثَنَا رَجَاءُ بْنُ الْمُرَجَّى نَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ أَنَا مُوسَى بْنُ ثَرْوَانَ حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ حَدَّثَتْنِي أُمُّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ حَدَّثَنِي سَيِّدِي أَبُو الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "إِذَا دَعَا الرَّجُلُ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ". (ش) (رجال الحديث) (النضر بن شميل) بالتصغير ابن خرشة بن زيد بن كلثوم أبو الحسن المازني البصري. روى عن حميد الطويل وهشام بن عروة وهشام بن حسان وابن جريج وجماعة. وعنه إسحاق راهويه وابن معين وابن المديني وأبو قدامة وكثيرون. وثقه النسائي وابن معين وأبو حاتم, قال في تهذيب التهذيب قال العباس كان النضر إمامًا في العربية والحديث وهو أول من أظهر السنة بمرو وجميع خراسان. روى له الجماعة. مات سنة أربع ومائتين و(موسي بن ثروان) بالثاء المثلثة ويقال سروان بالسين المهملة ويقال فروان بالفاء. روي عن طلحة بن عبيد الله وأبي المتوكل وبديل بن ميسرة ومورق العجلي. وعنه ابن المبارك وشعبة وهلال بن فياض ووكيع , وثقه ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات, وسئل عنه الدارقطني فقال إسناده محمول. روى له مسلم وأبو داود والنسائي. و(طلحة بن عبيد الله بن كريز) بفتح الكاف ابن جابر الخزاعي الكعبي. روي عن ابن عمر وأبي الدرداء وأم الدرداء وعائشة. وعنه عاصم الأحول وحميد الطويل وفضيل بن غزوان وحماد بن سلمة وطائفة. وثقه أحمد والنسائي وذكره ابن حبان في الثقات, وقال ابن سعد كان قليل الحديث. روى له مسلم وأبو داود. و(أم الدرداء) أي الصغري زوج أبي الدرداء اسمها هجيمة وقيل جهيمة الدمشقية. روت عن زوجها وسلمان الفارسي وأبو هريرة وعنها جبير بن نفير ومهدي بن عبد الرحمن وسالم بن أبي الجعد وشهر بن حوشب وكثيرون, ذكرها ابن سميع في الطبقة الثانية من تابعي أهل الشام. ماتت سنة إحدي وثمانين وكانت من العابدات, وتريد بقولها سيدي زوجها (معنى الحديث) (قوله إذا دعا لأخيه بظهر الغيب) أي إذا دعا لأخيه المسلم في غيبة المدعو له عن مجلس الداعي أو في السر إذا كان حاضرًا استجيب دعاؤه لأنه مقرون بالإخلاص وخال من الرياء والسمعة. وروي الطبراني بمكارم الأخلاق عن يوسف بن أسباط قال

الدعوات المستجابة

مكثت دهرًا وأنا أظن أن هذا الحديث دال على من غاب شخصه فقط فنظرت فيه فإذا هو لو كان علي المائدة ولا يسمع كان غائبًا اهـ (قوله قالت الملائكة آمين) أي استجب يا الله وفي رواية لمسلم دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة, عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل آمين (قوله ولك يمثل) أي ولك مثل ما دعوت له به, فالباء زائدة. ومثل بكسر الميم وسكون المثلثة غير منون لحذف المضاف إليه ونية لفظه: ويروى مثله بفتحهما ومثيله بزيادة الياء (وفي الحديث) دلالة علي الترغيب في دعاء المؤمنين بعضهم لبعض حال الغيبة فإنه مستجاب, فقد روى البزار عن عمران بن حصين مرفوعًا. دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب لا يرد, قال النووي ولو دعا لجماعة من المسلمين حصلت هذه الفضيلة, ولو دعا لجميع المسلمين فالظاهر حصولها أيضًا وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه دعا لأخيه المسلم بتلك الدعوة لأنها تستجاب ويحصل له مثلها اهـ (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والنسائي بنحوه (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ نَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "إِنَّ أَسْرَعَ الدُّعَاءِ إِجَابَةً دَعْوَةُ غَائِبٍ لِغَائِبٍ". (ش) (أبو عبد الرحمن) عبد الله بن يزيد الحبلي تقدم بالثاني صفحة 100 (قوله إن أسرع الدعاء إجابة إلخ) أي أقربه لأنه أبلغ في الإخلاص وأبعد عن الرياء والسمعة (والحديث) وإن كان ضعيفًا لأنه من طريق عبد الرحمن بن زياد وفيه مقال إلا أنه تقوى بالروايات الآخر في إجابة الدعاء بظهر الغيب (والحديث) أخرجه أيضًا الترمذي وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه اهـ (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لاَ شَكَّ فِيهِنَّ دَعْوَةُ الْوَالِدِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ". (ش) (هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي. و (أبو جعفر) الأنصاري المؤذن تقدم بالخامس صفحة 23 (قوله ثلاث دعوات مستجابات الخ) ثلاث مبتدأ ومستجابات خبر ولا شك فيهن خبر ثان أو تأكيد, ويحتمل أن مستجابات بالجر صفة لدعوات, وجملة

باب ما يقول الرجل إذا خاف قوما

لا شك فيهن خبر, وأكد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إجابة دعاء هؤلاء الثلاثة لشدة التجائهم إلى الله تعالى مع رقة القلب وصدق الطلب. ولا مفهوم للعدد بل مثل هذه الثلاثة دعوة الإِمام العادل والصائم حين يفطر لما رواه الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ثلاث لا ترد دعوتهم الصائم حين يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء, ويقول الرب وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين" (قوله دعوة الوالد) أي لولده بالخير أو عليه بالشر. ولم يذكر الأم لأن دعوتها مستجابة بالطريق الأولى لأن ما تقاسيه فوق ما يقاسيه الوالد كما يشعر بذلك قوله تعالى "ووصينا الإنسان بوالديه: حملته أمه وهنًا على وهن الآية" فهي لذلك أشفق أو لأن دعاءها عليه بالشر غير مستجاب, فهي لشدة رحمتها به وشفقتها عليه لا تريد بدعائها عليه وقوعه (قوله ودعوة المسافر) أي بالخير لمن أحسن إليه أو بالشر على من أساء إليه, وأجيبت دعوته لأن شأنه الذل والتواضع والعجز (قوله ودعوة المظلوم) أي بالخير لمن يعينه وينصره أو بالشر على من ظلمه. لكمال عجزه وذله. روى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعث معاذًا إلى اليمن فقال "اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب" ودعوته مستجابة ولو كان فاجرًا أو كافرًا كما يدل له ما أخرجه أبو داود الطيالسي من حديث أبي هريرة مرفوعًا "دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرًا ففجوره علي نفسه" وفي رواية البزار وابن حبان وأحمد ولو كان كافرًا (والحديث) أخرجه أيضًا البزار والترمذي وحسنه, وأخرجه أحمد والطبراني من حديث عقبة بن عامر مرفوعًا "ثلاثة تستجاب دعوتهم الوالد والمسافر والمظلوم" (باب ما يقول الرجل إذا خاف قومًا) أي ما يقوله للتعوذ والحفظ ممن خافه (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا خَافَ قَوْمًا قَالَ "اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ". (ش) (قوله أن أباه) هو عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري (قوله اللهم إنا نجعلك في نحورهم) أي نسألك يا ألله أن تجعل بطشك وهزيمتك فيهم, فهو خبر بمعني الإنشاء, وخص

باب الاستخارة

النحور بالذكر لأن العدو يستقبل بها عند المناهضة للقتال (قوله ونعوذ بك من شرورهم) أي نلتجئ إليك لتدفع عنا شرورهم وضررهم وتكفينا أمورهم وتحول بيننا وبينهم "فإن قيل" إنه صلى الله تعالى عليه وعلي آله محفوظ من شر الإنس والجن فكيف يخاف أحدًا من أعداء الله تعالى "أجيب" بأن هذا يحتمل أنه كان منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحسب الطبيعة البشرية التي من خواصها الخوف أو أن خوفه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان علي أصحابه أو أن ذلك كان تعليمًا لأمته (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي (باب الاستخارة) أي طلب الخير من الله تعالى فيما يقصد من الأمور (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُقَاتِلٍ خَالُ الْقَعْنَبِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى - الْمَعْنَى وَاحِدٌ- قَالُوا نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ لَنَا "إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ وَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ -يُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ الَّذِي يُرِيدُ- خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَمَعَادِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي وَبَارِكْ لِي فِيهِ اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُهُ شَرًّا لِي "مِثْلَ الأَوَّلِ" فَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ". أَوْ قَالَ "فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ". قَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ وَابْنُ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ. (ش) (رجال الحديث) (عبد الرحمن بن مقاتل) أبو سهل التستري. روي عن عبد الرحمن بن أبي الموال وإبراهيم بن سعد وعبد الملك بن قدامة وعلي بن عابس. وعنه أبو داود وعمرو بن علي ومعاذ بن المثني وعمران بن عبد الرحيم وغيرهم. قال أبو حاتم صدوق وذكره ابن

ما يستخار فيه وما لا يستخار. ما يقرأ في صلاة الاستخارة

حبان في الثقات وقال مستقيم الحديث. و (عبد الرحمن بن أبي الموال) زيد وقيل أبو الموال جده فهو عبد الرحمن بن زيد بن أبي الموال أبو محمَّد مولى آل علي: روى عن محمَّد بن كعب القرظي والزهري ومحمد بن المنكدر وجماعة. وعنه الثوري وابن وهب والقعنبي وقتيبة وكثيرون وثقه الترمذي والنسائي وأبو داود وقال أبو زرعة وابن خراش صدوق وقال ابن عدي مستقيم الحديث وقال ابن حبان يخطئ , وقال أحمد كان يروي حديثًا منكرًا عن ابن المنكدر عن جابر في الاستخارة ليس أحد يرويه غيره. ولكن قال ابن عدي هو مستقيم الحديث وقال في التقريب صدوق ربما أخطأ. توفي سنة ثلاث وسبعين ومائة روى له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (معنى الحديث) (قوله يعلمنا الاستخارة) أي يعلمنا كيفيتها ودعاءها في الأمور المباحة وفي الواجب والمستحب المخير فيهما، وكذا ما كان زمنه موسعًا منهما بخلاف الواجب والمندوب اللذين لم يكونا كذلك فلا يستخار في فعلهما, وكذا المحرم والمكروه لا يستخار في تركهما لأن الاستخارة طلب الخير من الشيئيين والأحسن منهما. وفي رواية البخاري كان يعلمنا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الاستخارة في الأمور كلها. وليس العموم فيها مرادًا بالمراد ما ذكر فهو من قبيل العام المخصوص (قوله كما يعلمنا السورة من القرآن) المراد أنه كان يهتم بتعليمنا الاستخارة لعموم الحاجة إليها كعموم الحاجة إلى القراءة في الصلاة (قوله إذا همّ أحدكم بالأمر) أي أراده, ثم الوارد علي القلب مراتب: الهاجس وهو ما لاح وذهب بسرعة, والخاطر وهو ما لاح ومكث برهة من الزمن, وحديث النفس وهو تزيينها الأمور وتحسينها وهذه لا تكتب خيرًا كانت أو شرًا, والهم وهو ترجيح الفعل وهو يكتب إن كان خيرًا لا شرًا, وأما العزم وهو التصميم علي الفعل فيكتب خيره وشره. فقوله إذا هم يشير إلى أنه أول ما يرد في القلب يستخير فيظهر له ببركة الصلاة والدعاء ما هو الخير بخلاف ما إذا تمكن الأمر عنده وقويت فيه عزيمته فإنه يصير محبوبًا له فيخشى أن يخفى عليه وجه الصواب بغلبة ميله إليه. ويحتمل أن يراد بالهم العزم لأن الخاطر لا يثبت فلا يستخير إلا على ما صمم على فعله وإلا لو استخار في كل خاطر لاستخار فيما لا يعبأ به يضيع فيه أوقاته. وفي حديث ابن مسعود إذا أراد أحدكم أمرًا أي عزم علي القدوم على أمر هام كالسفر والتجارة والزواج لا ما يتكرر وقوعه في اليوم مرات كالأكل والشرب (قوله فليركع ركعتين من غير الفريضة) بنية الاستخارة. ومفهومه أنه لا يزيد علي الركعتين ولا يقتصر علي ركعة خلافًا لمن قال لو صلى أكثر من ركعتين أجزأه. وظاهره إجزاء ركعتين من غير الفريضة لو كانت راتبة, لكن محله إن صحبته نية الاستخارة كما استظهره النووي وقال يقرأ في الأولى بعد الفاتحة قل يأيها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد اهـ وقيل يقرأ في الأولى قوله تعالى "وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالي عما يشركون, وربك

يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون" وفي الثانية " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالًا مبينًا" قال في الفتح والأكمل أن يقرأ في كل منهما السورة والآية: الأوليين في الأولى: والأخريين في الثانية اهـ (وظاهر الحديث) عدم التقييد بشيء مما ذكر فله أن يقرأ فيهما ما شاء وقال بعضهم لا يجزئ في صلاة الاستخارة النوافل الراتبة ونحوها والحكمة في تقديم الصلاة على الدعاء أن المراد من الاستخارة حصول الجمع بين خيري الدنيا والآخرة فيحتاج إلى قرع باب الملك ولا شيء لهذا أنجع من الصلاة لما فيها من تعظيم الله تعالى والثناء عليه وإظهار الافتقار إليه حالًا ومآلًا. هذا ولم يعين لها في الحديث وقت فذهب بعضهم إلى جوازها في كل الأوقات والجمهور علي أنها تؤدى في غير أوقات النهي (قوله وليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك) أي أطلب منك الإرشاد إلى أصلح الأمرين بسبب أنك تعلم ما فيه المصلحة وأنا أجهله, فالباء فيه للسببية, ويحتمل أنها للاستعطاف أي أسألك بحق علمك الشامل, ونظيره قوله تعالى "رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرًا للمجرمين "وفي رواية البخاري والنسائي ثم يقول وفيه إشارة إلى أن الدعاء بعد الصلاة فلو دعا في أثناء الصلاة لا يجزئ ويحتمل الإجزاء علي رواية المصنف (قوله وأستقدرك بقدرتك) أي أطلب منك القدرة على ما هو الأحسن حال كوني مستعينًا بقدرتك فالسين والتاء للطلب والباء للاستعانة ويحتمل أن يكون المعنى أطلب منك أن تقدره وتيسره لي بسبب أنك قادر عليه, فيكون أستقدرك من التقدير, والباء في قوله بقدرتك للسببية (قوله وأسألك من فضلك العظيم) فيه إشارة إلى أن إعطاء الله بفضله وليس لأحد حق عليه (قوله فإنك تقدر الخ) أي على كل شيء من الممكنات تعلقت به إرادتك ولا أقدر على شيء منها إلا ما أقدرتني عليه, وتعلم جميع الأشياء خيرها وشرها بعلمك المحيط ولا أعلم شيئًا إلا ما أعلمتني به. وفي هذا إشارة إلى أن العلم والقدرة الكاملين لله وحده وليس للعبد شيء إلا ما قدره الله له (قوله وأنت علام الغيوب) أي كثير العلم بما يغيب عن سواك فإنك تعلم السر وأخفى, وذكر هذه الجملة بعد ما تقدم من باب المبالغة في الثناء وفي الكلام اكتفاء أي وأنت علام الغيوب وأنت على كل شيء قدير, وقدم العلم أولًا للإشارة إلى عمومه لجميع الأشياء. وقدم القدرة ثانيًا إشارة أنها الأنسب بالمطلوب الذي هو الإقدار علي خير الأمرين (قوله اللهم فإن كنت تعلم الخ) هكذا بالفاء في رواية للبخاري وفي رواية له أخري وللنسائي باسقاطها وهي للتفريغ علي ما تقدم, فكأنه قال أطلب منك الإرشاد إلى أحسن الأمرين لإحاطة علمك بجميع الأشياء ولتعلق قدرتك بجميع الممكنات فإن كنت تعلم الخ. ويحتمل أنه مفرع على محذوف أي يا الله قد أشكل عليّ هذا الأمر فإن كنت تعلم الخ أي إن كان في علمك أن هذا الأمر الذي أريده خير لي الخ , فالشك في متعلق العلم لا في أصل

ثمرة الاستخارة. تكريرها ثلاثا أو سبعا إذا لم تظهر ثمرتها

العلم, فسقط ما قيل إن الإتيان بصيغة الشك يؤدي إلى الشك في علم الله (قوله يسميه) أي يسمي المستخير ذلك الأمر الذي قصده بعينه (قوله خير لي في ديني) يعني يرجع إليّ في ديني, وخير بالرفع خبر أن, وفي نسخة خيرًا بالنصب خبر يكون المحذوفة أي إن كنت تعلم أن هذا الأمر يكون خيرًا لي الخ (قوله ومعاشي) أي حياتي. ويحتمل أن يراد بالمعاش المعيشة التي يعيش بها الإنسان من نحو تجارة, ويؤيده ما في رواية ابن مسعود في بعض طرقه عند الطبراني في الأوسط في ديني ودنياي. وفي حديث أبي أيوب في دنياي وآخرتي (قوله ومعادي) أي ما يعود إليه يوم القيامة من جزاء الأعمال (قوله وعاقبة أمري) المراد به الآخرة فهو تأكيد لما قبله (قوله فاقدره لي الخ) يروى بضم الدال وكسرها أي اقض لي به أو اجعله مقدورًا لي وهيئه له وأكثر الخير والبركة فيما أقدرتني عليه ويسرته لي (قوله وإن كنت تعلمه شرًا لي الخ) ذكره وإن كان معلومًا مما قبله لأن الدعاء مقام إطناب (قوله مثل الأول) أي قال فيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثل قوله الأول, وقد صرح به في رواية البخاري والنسائي, ففيهما "وإن كنت تعلم أن هذا خاطري عنه ولا تجعلني مشغولًا به وحل يبني وبينه ولا تيسره لي (قوله ثم رضي به) أي اجعلني راضيًا به, وفي بعض النسخ ثم ارضني به. وفي رواية الطبراني من حديث ابن مسعود ورضني بقضائك (قوله أو قال في عاجل أمري وآجله) شك من الراوي أي قالها بدل قوله في ديني ومعاشي ومعادي وعاقبة أمري وقيل أو في الموضعين للتخيير, أي إن شئت قلت معاشي وعاقبة أمري أو قلت عاجل أمري وآجله وعاجل الأمر يشمل الديني والدنيوي والآجل يشملهما والعاقبة ولم يذكر في الحديث ما يفعله المستخير بعد الصلاة والدعاء (قال النووي) ينبغي أن يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له صدره بها فلا يعتمد علي انشراح كان له قبل الاستخارة بل ينبغي للمستخير ترك اختياره رأسًا وإلا فلا يكون مستخير الله بل يكون مستخيرًا لهواه اهـ فإن لم ينشرح لشيء فقيل يكرر ذلك ثلاثًا أخذًا من أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال "إذا هممت بأمر فاستخر ربك في سبع مرات ثم انظر إلى الذي يسبق إلى قلبك فإن الخير فيه" وهو ضعيف لأن في سنده إبراهيم بن البراء بن النضر بن أنس بن مالك: قد ضعفه ابن عدي والأزدي والعقيلي وقال: كان يحدث عن الثقات بالأحاديث الباطلة. وقال ابن حبان كان يحدث عن الثقات بالموضوعات لا يجوز ذكره إلا علي سبيل القدح فيه (قوله قال ابن مسلمة الخ) غرضه بهذا أن عبد الله مسلمة ومحمد بن عيسي قالا في روايتهما عن محمَّد بن المنكدر عن جابر بالعنعنة بخلاف عبد الرحمن ابن مقاتل فإنه قال في روايته حدثني محمَّد بن المنكدر أنه سمع جابرًا

باب الاستعاذة

(فقة الحديث) دل الحديث علي شفقته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علي أمته وتعليمهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم. وعلي مشروعية الاستخارة في الأمور العظيمة. وقد روى الحاكم عن سعد بن أبي وقاص مرفوعًا "من سعادة ابن آدم كثرة استخارة الله ورضاه بما قضي الله, ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله وسخطه بما قضى الله " قال الترمذي حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث محمَّد ابن أبي حميد, وليس بالقوي عند أهل الحديث اهـ. ودل الحديث علي أن العبد ينبغي له أن يفوض إلى الله جميع أموره ويبرأ من حوله وقوته (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري والنسائي والببيهقي وابن ماجه والترمذي وقال حسن صحيح غريب لا يرفع إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي الموال وهو شيخ مدني ثقة روى عنه غير واحد من الأئمة اهـ وكذا صححه أبو حاتم, وضعفه أحمد لأن فيه عبد الرحمن بن أبي الموال وحديثه منكر في الاستخارة. لكن قد علمت أن غير واحد وثقه ولذا صحح الترمذي وأبو حاتم الحديث وقال ابن أبي عدي روي حديث الاستخارة غير واحد من الصحابة كما رواه ابن أبي الموال وقد جاء في رواية أبي أيوب وأبي سعيد وأبي هريرة وابن مسود وغيرهم وليس في حديث واحد منهم ذكر الصلاة إلا في حديث أبي أيوب ولم يقيد بركعتين ولا بقوله من غير الفريضة اهـ (باب في الاستعاذة) أي التحصن مما يضر في الدنيا والآخرة (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ نَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَتَعَوَّذُ مِنْ خَمْسٍ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَسُوءِ الْعُمْرِ وَفِتْنَةِ الصَّدْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ. (ش) (وكيع) بن الجراح. و (إسراءيل) بن يونس و (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي تقدم بالثاني صفحة 34 (وقوله يتعوذ من خمس) اسم العدد لا مفهوم له فلا ينافي أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يتعوذ من أشياء أخر كما سيأتي في الأحاديث (قوله من الجبن والبخل) الجبن بضم الجيم وسكون الموحدة ضعف القلب ومهابة الأشياء وهو مصدر جبن من باب قرب. والبخل بضم الموحدة وسكون الخاء المعجمة مصدر بخل من باب قرب, ويكون أيضًا بفتح الباء قرب. والبخل بضم الموحدة وسكون الخاء المعجمة مصدر بخل من باب قرب, ويكون أيضًا بفتح الباء والخاء مصدر بخل من باب تعب, وهو في العرف منع الواجب من الأموال وعند العرب منع السائل

الاستعاذة من العجز والكسل والجبن والبخل وغيرها

مما يفضل عنده. واستعاذ صلي الله عليه وآله وسلم من الجبن والبخل لما فيهما من التقصير عن القيام بحقوق الله وإزالة المنكر والإغلاظ علي العصاة, فإن الجبان لا يقدم علي فريضة القيام بالحقوق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وبشجاعة النفس وقوتها تتم العبادات وينصر المظلوم, وبالسلامة من البخل يقوم الإنسان بحقوق المال وينبعث للإنفاق والجود ومكارم الأخلاق ولا يطمع فيما ليس له (وقوله وسوء العمر) كناية عن الهرم والضعف إلى حد يكون الإنسان معه كالطفل في قلة الفهم وضعف القوة (قوله وفتنة الصدر) يعني القلب: والمراد بفتنته ما يحصل فيه من الوساوس الشيطانية والهم إلى المعاصي واكتساب الآثام وما ينطوي عليه من القساوة والحقد والحسد والعقائد الباطلة والأخلاق السيئة. وقال ابن الجوزي فتنة الصدر موت صاحبه غير تائب. وقال الطيبي هو الضيق المشار إليه بقوله (ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا) وسببه التعلق بحطام الدنيا. والإعراض عن عمل الآخرة, واستعاذ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من فتنة القلب لأن بفساده يفسد الجسد كله كما أنه بصلاحه يصلح الجسد كله ومن ثم قيل: إن القلب كالملك والجسد والأعضاء كالرعية, والرعية تصلح بصلاح الملك وتفسد بفساده, وأيضًا هو كالأرض وحركات الجسد كالنبات, فإذا طابت الأرض طاب نباتها وإذا خبثت خبث نباتها قال الله تعالى "والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا" (قوله وعذاب القبر) تقدم الكلام عليه مستوفى في "باب الدعاء في الصلاة" (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ". (ش) المعتمر بن سليمان. و (أبوه) سليمان بن طرخان التيمي (قوله من العجز والكسل عدم انبعاث النفس إلى الخير وقلة الرغبة فيه. والجبن عد الإقدام على مخالفة النفس والشيطان والتقاعس عن قتال الأعداء. والهرم بفتح الهاء والراء مصدر هرم من باب تعب كبر السنّ والضعف حتى لا يقدر على فعل الخير (قوله وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) أي الحياة والموت. وهو من ذكر العام بعد الخاص. وفتنة الممات قيل هي فتنة القبر وقيل الفتنة عند الاحتضار وتقدم الكلام عليهما في "باب الدعاء في الصلاة" من الجزء الخامس

الاستعاذة من الهم والحزن وغلبة العدو وشماتته

(والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي (ص) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالاَ نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -قَالَ سَعِيدٌ الزُّهْرِيُّ - عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنْتُ أَخْدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ كَثِيرًا يَقُولُ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَضَلْعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ". وَذَكَرَ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ التَّيْمِيُّ. (ش) (قوله قال سعيد الزهري) أي قال سعيد بن منصور في روايته حدثنا يعقوب ابن عبد الرحمن الزهري بزيادة لفظ الزهري (قوله من الهم والحزن) الهم الخوف مما يتوقع حصوله في المستقبل, والحزن بفتح الحاء والزاي أو بضم الحاء وسكون الزاي الأسف على ما فات من خيري الدنيا والآخرة (قوله وضلع الدين) يعني ثقله, والضلع بفتحتين مصدر ضلع من باب تعب الاعوجاج , ويكون أيضًا بفتح الضاد ويكون اللام مصدر ضلع من باب نفع والمراد به ثقل الدين وشدته. وفي بعض النسخ وظلع بالظاء المعجمة وسكون اللام وهو في الأصل العرج. وسمي ثقل الدين ضلعًا لأنه يميل بصاحبه عن طريق الاستواء, وهذا يكون عند العجز عن الوفاة وإلحاح رب الدين في الطلب (قوله وغلبة الرجال) يعني الأعداء وهو من الإضافة إلى الفاعل أو المفعول, ففيه الإشارة إلى التعوذ من أن يكون ظالمًا أو مظلومًا والتعوذ من الجاه المفرط والذل المهين, قال الكرماني هذا الدعاء من جوامع الكلم لأن أنواع الرذائل نفسية وبدنية وخارجية بحسب القوى العقلية والغضبية والشهوية, فالهم والحزن متعلقان بالعقلية, والجبن بالغضبية, والبخل بالشهوية, والعجز والكسل بالبدنية, والضلع والغلبة بالخارجية, فالأول مالي والثاني جاهي. وفي رواية للنسائي عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلي الله عليه وعلى آله وسلم كان يدعو بهؤلاء الكلمات "اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو وشماتة الأعداء" (قوله وذكر بعض ما ذكره التيمي) يعني ذكر يعقوب بن عبد الرحمن في حديثه هذا بعض ما ذكره سليمان بن طرخان التيمي في حديثه السابق (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري والنسائي والترمذي (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ

الاستعاذة من عذاب جهنم والقبر وفتنة المسيح وغيرها

السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ". (ش) هذا الحديث تقدم في "باب ما يقول بعد التشهد " بالسادس. و (أبو الزبير) محمَّد بن مسلم بن تدرس (قوله وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) أي من امتحانه واختباره, وسمي مسيحًا لأنه ممسوح العين, والدجال مبالغة من الدجل, وهو الخلط والتغطية, واستعاذ صلى الله عليه وسلم منه لينشر خبره فيحذره الناس وتقدم تمام الكلام علي مثل هذا الدعاء بالخامس في "باب الدعاء في الصلاة" (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ أَنَا عِيسَى نَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَدْعُو بِهَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ وَمِنْ شَرِّ الْغِنَى وَالْفَقْرِ". (ش) (عيسي) بن يونس. و (هشام) بن عروة (قوله من فتنة النار) يعني من الأعمال السيئة التي تكون سبب الدخول للنار (قوله ومن شر الغنى) كإنفاق المال في غير وجهه والبخل به ومنع الحقوق الواجبة فيه والتفاخر به (قوله والفقر) أي ومن شر فتنة الفقر كالسخط وعدم الرضا به وقلة الصبر والوقع في الحرام. وللفقر معان قلة المال وهو المعني بقوله تعالى "إنما الصدقات للفقراء" وفقر النفس وهو شرهها وطمعها وهو المعني بقولهم "من عدم القناعة لم يفده المال غنى" وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم في شأن المال "ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع" رواه البخاري عن حكيم بن حزام وهما المرادان في الحديث. والثالث الفقر إلى الله تعالى وهذا عام في جميع الخلق وهو المشار إليه بقوله تعالى (يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله) الآية (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه مطولًا بلفظ إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الدعوات: اللهم فإني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار وفتنة القبر وعذاب القبر ومن شر فتنة الغنى ومن شر فتنة الفقر, وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال, اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب, اللهم فإني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ

الاستعاذة من الفقر والذلة وزوال النعمة وغيرها

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ". (ش) (حماد) بن سلمة (قوله أعوذ بك من الفقر) أي من قلة المال يقال فقر من باب تعب إذا قل ماله, ويحتمل أن يراد به فقر النفس وهو عدم القناعة (قوله والقلة) تفسير للفقر إن أريد به فقر المال، وإن أريد به فقر النفس كان مغايرًا له, وإنما يستعاذ من الفقر إذا لم يصحبه رضا به أما إن صحبه رضا فممدوح. وقد ورد في فضله أحاديث كثيرة, وهو ما كانت الأنبياء عليه الصلاة والسلام تفتخر به ثم من بعدهم من الصالحين (قوله والذلة) بكسر الذال أي المذلة والمسكنة لغير الله تعالى (قوله وأعوذ بك من أن أظلم أو اُظلم) أي من أن أظلم غيري أو يظلمني أحد. فالفعل الأول مبني للفاعل والثاني مبني للمفعول. والظلم لغة وضع الشيء في غير موضعه. وشرعًا مجاوزة الحد أو التصرف في ملك الغير بدون حق (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي من طريق حماد. وأخرجه أيضًا هو وابن ماجه من طريق جعفر بن عياض عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه تعالى وعلى آله وسلم قال: تعوذوا بالله من الفقر والقلة والذلة وأن تظلم أو تظلم (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْفٍ نَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ نَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحْوِيلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ". (ش) (رجال الحديث) (ابن عوف) محمَّد الطائي تقدم بالأول صفحة 173 و (عبد الغفار بن داود) بن مهران بن زياد بن رواد البكري أبو صالح الحراني. روي عن يعقوب بن عبد الرحمن وعيسي بن يونس ونوح بن قيس وإسماعيل بن عياش وغيرهم. وعنه البخاري وأبو زرعة وحرملة بن يحيى وعثمان الدارمي وابن معين وآخرون, قال أبو حاتم صدوق لا بأس به ووثقه ابن حبان وقال ابن يونس كان ثقة ثبتًا حسن الحديث. مات سنة ثمان وعشرين ومائتين. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله من زوال نعمتك) أي الدينية والدنيوية النافعة في الأمور

الاستعاذة من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق

الأخروية (قوله وتحويل عافيتك) وفي نسخة وتحول بتشديد الواو المضمومة أي تبدل ما رزقتني من الصحة إلى الأمراض والأسقام. والفرق بين الزوال والتحول أن الزوال يقال في شيء قائم بغيره ثم فارقه من غير بدل. والتحول تغير الشيء وانفصاله عن غيره مع البدل فزوال النعمة ذهابها من غير بدل, وتحول العافية إبدال الصحة بالمرض (قوله وفجأة نقمتك) أي بغتتها وفجأة بفتح الفاء وسكون الجيم, وروي فجاءة بضم الفاء والمد يقال فاجأة مفاجأة إذا بغته من غير تقدم سبب. والنقمة بكسر النون وفتحها مع سكون القاف فيهما العقوبة, ومنه قوله تعالى "فينتقم الله منه" أي يعاقبه. واستعاذ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من فجأة النقمة لا من النقمة مطلقًا لأن فجأتها أشد من نزولها تدريجيًا (قوله وجميع سخطك) أي وجميع أسباب غضبك. والسخط بفتحتين مصدر سخط من باب تعب, والسخط بالضم اسم منه الغضب وهو من ذكر العام بعد الخاص (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ نَا بَقِيَّةُ نَا ضُبَارَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّلِيكِ عَنْ دُوَيْدِ بْنِ نَافِعٍ نَا أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَدْعُو يَقُولُ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الأَخْلاَقِ". (ش) (رجال الحديث) (بقية) بن الوليد تقدم بالثاني صفحة 173. و (ضبارة) بضم ففتح (ابن عبد الله) بن مالك (بن أبي السليك) بفتح السين وبالكاف. وفي بعض النسخ السليل باللام الحضرمي أبو شريح الحمصي. روى عن دويد بن نافع وأبي الصلت. وعنه ابنه محمَّد وبقية بن الوليد وإسماعيل بن عياش. قال ابن القطان مجهول وقال ابن حبان يعتبر حديثه من رواية الثقات عنه. روي له النسائي وابن ماجه وأبو داود والبخاري في الأدب و (دويد بن نافع) الأموي مولاهم أبو عيسي الدمشقي. روى عن أبي صالح السمان وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والزهري. وعنه ابنه عبد الله وضبارة بن عبد الله والليث وثقه الذهلي والعجلي وقال ابن حبان مستقيم الحديث إذا كان دونه ثقة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله أعوذ بك من الشقاق والنفاق) أي من الخلاف والعداوة ومجانبة طريق الحق ومن أن أضمر الكفر وأظهر الإِسلام ومن أن أرائي في أعمالي. فالنفاق يعم الاعتقاديّ والعملي (قوله وسوء الأخلاق) عطف عام علي خاص من إضافة الصفة إلى الموصوف أي الأخلاق السيئة. والأخلاق جمع خلق وهو ملكة راسخة في النفس

الاستعاذة من الجوع والخيانة ومن علم لا ينفع وغيرها

تصدر عنها الأفعال بسهولة, فإن صدر عنها المحمود عقلًا وشرعًا فهي الخلق الحسن والإ فالخلق السيئ (وفي الحديث) دليل على أن الشقاق والنفاق أقبح الأخلاق السيئة لأن ضررهما يتعدي إلى الغير (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ عَنِ ابْنِ إِدْرِيسَ عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ". (ش) (ابن إدريس) عبد الله. و (ابن عجلان) محمَّد. و (المقبري) سعيد بن أبي سعيد تقدم بالثالث ص 25 (قوله أعوذ بك من الجوع) أي من ألم الجوع الحاصل من منع الطعام وخلو المعدة من الغذاء. واستعاذ صلى الله عليه وعلى آله وسلم منه لظهور أثره في قوى الإنسان الظاهرة والباطنة ومنعه الطاعات (قوله فإنه بئس الضجيع) أي المضاجع , والضجيع ما يلازم صاحبه في المضجع. وأطلق علي الجوع ضجيعًا للزومه للإنسان ليلًا ونهارًا في النوم واليقظة وفي ذمه إشارة إلى أن المراد الجوع الذي يضر الإنسان ويضعفه عن العبادة (قوله وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة) وفي نسخة بئس البطانة, والخيانة ضد الأمانة. وقال الطيبي هي مخالفة الحق بنقض العهد في السر, والعهد شامل لجميع التكاليف الشرعية, والبطانة في الأصل ضد الظهارة في الثوب. والمراد بها هنا ما يبطنه الإنسان من الشر, وتطلق أيضًا على صاحب سر الرجل وداخله أمره الذي يشاوره في أحواله, ويصح إرادته هنا ويكون المعنى أعوذ بك من الخيانة فإنها بئست الصاحب (والحديث) أخرجه النسائي. وأخرجه الحاكم ضمن حديث ابن مسعود (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَخِيهِ عَبَّادِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الأَرْبَعِ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ وَمِنْ دُعَاءٍ لاَ يُسْمَعُ". (ش) (رجال الحديث) (عباد بن أبي سعيد) المقبري. روى عن أبيه وأبي هريرة. وعنه أخوه سعيد. روي له أبو داود والنسائي وابن ماجه هذا الحديث فقط. وثقه محمَّد بن عبد الرحيم

بعض ما ورد في التنفير من القول بلا عمل

وذكره ابن خلفون في الثقات (معنى الحديث) (قوله من علم لا ينفع) أي لا ينفع صاحبه لا في الدنيا بالعمل به ولا في الآخرة بالثواب عليه. واستعاذ صلى الله عليه وآله وسلم منه لأنه يكون حسرة على صاحبه ويلقى به في النار فقد روى الشيخان أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه "أمعاؤه" فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع عليه أهل النار فيقولون يا فلان ما شأنك ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه, وأنهاكم عن الشر وآتيه. ورويا أيضًا أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: مررت ليلة أسري بي بأقوام تقرض شفاههم بمقاريض من نار قلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون. وروى الطبراني بإسناد جيد عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: مثل العالم الذي يعلم الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضئ للناس ويحرق نفسه. وروى الطبراني في الصغير والأوسط من رواية الحارث الأعور عن علي أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إني لا أتخوف على أمتي مؤمنًا ولا مشركًا: فأما المؤمن فيحجزه إيمانه وأما المشرك فيقمعه كفره, ولكن أتخوف عليكم منافقًا عالم اللسان يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون. ويدخل في قوله تعالى. كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. وقوله " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم" الآية وأيضًا فإن مقصود من يأمر غيره بالخير إرشاده إلى ما فيه فلاحه شفقة عليه وليس من الحزم أن يشفق الإنسان علي غيره ويدع نفسه. وأيضًا كل واعظ يرغب في أن يكون وعظه نافعًا في القلوب مؤثرًا فيها وبإقدامه على المعصية تنفر القلوب عن قبول وعظه ففعله يقلب عليه غرضه. وأيضًا فإن من وعظ الناس ولم يتعظ يكون سببًا لرغبة الناس في المعصية لأنهم يقولون إنه مع علمه فعل كذا فلولا أنه مطلع على رخصة فيه لما أقدم عليه بعد نهيه عنه, فيصير بذلك داعيًا إلى التهاون بالدين والجرأة علي المعصية وعدم المبالاة بها. قال علي رضي الله تعالى عنه "قصم ظهري رجلان عالم متهتك وجاهل متنسك" أي لأن كلا من هذين فتنة في الدين, فالعالم المتهتك الذي لا يعمل بعلمه يفتن الناس بفعله لأن اقتداءهم بفعل العالم ربما يكون أكثر من اقتدائهم بقوله. والجاهل المتنسك المنقطع للعبادة علي جهل يفتن الناس بجهله فإنه لتنسكه تميل الناس إليه ويقتدون به فيعم جهله كل من اقتدى به. وروى ابن مردويه أن رجلًا قال يا ابن عباس إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فقال أبلغت ذلك؟ قال أرجو , قال إن لم تخش أن تفتضح بثلاث آيات من كتاب الله فافعل, قال وما هن قال قوله تعالى "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم" أحكمت هذه؟ فقال لا, قال فالحرف الثاني قال قوله تعالى "لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" أحكمت هذه؟ قال لا, قال

الاستعاذة من عدم قبول الدعاء والصلاة ومن الشر

فالحرف الثالث, قال قول العبد الصالح شعيب عليه السلام "وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد الإ الإصلاح ما استطعت" أحكمت هذه؟ قال لا قال فابدأ بنفسك (قوله ومن قلب لا يخشع) أي وأعوذ بك من قلب لا يخضع عند ذكر الله ولا ينقاد للأحكام الشرعية وقد حذر الله تعالى من قساوة القلوب وعدم خشوعها بنحو قوله تعالى "فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين" (قوله ومن نفس لا تشبع) أي نفس حريصة على الدنيا لا تشبع منها ولا ترضى بما قسم الله لها (قوله ومن دعاء لا يسمع) يعني لا يستجاب فكأنه لعدم إجابته غير مسموح حيث لم يترتب عليه الفائدة المقصودة منه (وفي الحديث) جواز السجع في الدعاء, وما قيل من أنه مذموم فيه فمحمول على ما إذا كان بتكلف لأنه يذهب الخشوع ويلهي عن الإخلاص وفراغ القلب بخلاف ما إذا كان بلا تكلف ولا إعمال فكر (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه, وأخرج مسلم من حديث زيد بن أرقم أتم منه وأخرج الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وقال حديث صحيح غريب من هذا الوجه (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ نَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ قَالَ أَبُو الْمُعْتَمِرِ أُرَى أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ نَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ صَلاَةٍ لاَ تَنْفَعُ". وَذَكَرَ دُعَاءً آخَرَ. (ش) (المعتمر) بن سليمان. و (أبو المعتمر) سليمان بن طرخان (قوله أرى أن أنس ابن مالك) أي أظن أن أنس بن مالك الخ فأرى بضم الهمزة مبني للمفعول (قوله أعوذ بك من صلاة لا تنفع) أي لا تقبل ولا يكون لي فيها ثواب (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلاَلِ بْنِ يِسَافٍ عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو بِهِ قَالَتْ كَانَ يَقُولُ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ وَمِنْ شَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ". (ش) (رجال الحديث) (جرير) بن عبد الحميد. و (فروة ابن نوفل) الأشجعي الكوفي. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرسلًا

الاستعاذة من شر الحواس والقلب

وعن أبيه وعائشة وعلي بن أبي طالب. وعنه هلال بن يساف وأبو إسحاق السبيعي ونصر بن عاصم وشريك بن طارق. ذكره ابن حبان في ثقات التابعين. روى له مسلم وأبو داود النسائي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله من شر ما عملت) أي من شر ما اكتسبته مما يقتضي العقوبة في الدنيا والآخرة (قوله ومن شر ما لم أعمل) أي أتحصن بك من أن أعمل في المستقبل ما لا يرضاه الله تعالى. واستعاذ من هذا تعليمًا للأمة ولبيان أنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون. وقيل استعاذ من أن يصيبه شر عمل غيره قال تعالى. واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم وابن ماجه والنسائي (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنِ حَنْبَلٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ح وَنَا أَحْمَدُ نَا وَكِيعٌ -الْمَعْنَى- عَنْ سَعْدِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ بِلاَلٍ الْعَبْسِيِّ عَنْ شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ عَنْ أَبِيهِ فِي حَدِيثِ أَبِي أَحْمَدَ شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ - قَالَ- قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي دُعَاءً قَالَ "قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي". (ش) (رجال الحديث) (قوله المعنى) أي معنى حديث محمَّد بن عبد الله ووكيع واحد و(سعد بن أوس) أبو محمَّد العبسي الكوفي. روى عن الشعبي وبلال بن يحيى وعنه محمَّد ابن عبد الله بن الزبير ووكيع وأبو نعيم وعبيد الله بن موسى. ضعفه الأزدي وقال ابن معين لا بأس به ووثقه العجلي وقال في التقريب ثقة لم يصب الأزدي في تضعيفه. روى له أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه. و(بلال العبسي) بن يحيى الكوفي. روى عن علي وحذيفة وأبي بكر بن حفص وشتير بن شكل, وعنه سعد بن أوس والليث بن أبي سليم وحبيب بن سليم قال ابن معين لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب صدوق الثالثة. روى له أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه. و(شتير) بالتصغير (بن شكل) بفتحتين ابن حميد العبسي أبو عيسي الكوفي. روى عن أبيه وأمه وعلي وابن مسعود وحفصة وعنه بلال بن يحيى والشعبي وأبو الضحى وعبد الله بن قيس. وثقه النسائي والعجلي وابن سعد وقال قليل الحديث وذكره ابن حبان في الثقات. روي له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه و(أبوه) شكل بن حميد العبسي. روي عن النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابنه شتير لا غير. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في الأدب (قوله قال في حديث أبي أحمد إلخ) أي قال أحمد بن حنبل في روايته عن أبي أحمد "محمَّد بن عبد الله"

الاستعاذة من التردي والغرق والحرق وغيرها

عن أبيه "شكل بن حميد" بزيادة شكل بن حميد بعد لفظ أبيه ولم يذكره وكيع في حديثه (معنى الحديث) (قوله من شر سمعي) أي بأن لا أسمع حقًا كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبأن أسمع الزور والبهتان وسائر أسباب العصيان (قوله ومن شر بصري) أي بأن انظر إلى ما لا يحل النظر إليه, ومن النظر علي وجه الاحتقار لا أحد, أو أهمل النظر فيما يطلب النظر إليه (قوله ومن شر لساني) أي بأن أتكلم فيما لا يجوز أو فيما لا يعنيني (قوله ومن شر قلبي) بأن أشغله بغير الله أو بما نهى عنه من حقد وحسد وعجب ونحو ذلك من الآفات (قوله ومن شر منيي) أي بأن أوقعه في غير محله المشروع له أو يوقعني في مقدمات الزنا من النظر واللمس ويحتمل أن يراد بالمني الفرج الذي هو محله (والحديث) أخرجه النسائي والترمذي وقال حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ نَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ صَيْفِيٍّ مَوْلَى أَفْلَحَ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الْيَسَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَدْعُو "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَدْمِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْغَرَقِ وَالْحَرَقِ وَالْهَرَمِ وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِرًا وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغًا". (ش) (رجال الحديث) (صيفي) بن زياد الأنصاري (مولي أفلح) ويقال مولى أبي السائب. روى عن أبي السائب وأبي سعيد الخدري وأبي اليسر. وعنه ابن عجلان وسعيد المقبري ومالك وسعيد بن أبي هلال وابن أبي ذئب. وثقه النسائي وقال في التقريب ثقة من الرابعة روى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي, وفرق النسائي بين مولى أفلح ومولي أبي السائب فجعل أحدهما كبيرًا والآخر صغيرًا فالكبير روي عن أبي اليسر. وعنه محمَّد بن عجلان فهو المراد هنا والصغير روى عن أبي السائب. وعنه مالك وصوب الذهبي هذه التفرقة. و(أبو اليسر) بفتح التحتية والسين المهملة كعب بن عمرو بن عباد عن عمرو بن غزية الأنصاري السلمي. روى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابن عمار وموسى بن طلحة وعبادة بن الوليد وحنظلة بن قيس شهد العقبة وبدرًا. توفي سنة خمس وخمسين. قيل إنه آخر من مات من أهل بدر. روى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبخاري في الأدب

الاستعاذة من شر الشيطان والفرار من صف القتال ومن اللدغ

(معنى الحديث) (قوله من الهدم) أي من أن يسقط عليّ بناء وهو بفتح الهاء وسكون الدال المهملة مصدر هدم من باب ضرب يقال: هدمت البناء أسقطته, والهدم بفتحتين ما تعدم (قوله ومن التردي) أي السقوط من مكان مرتفع نحو جبل أو السقوط في نحو بئر (قوله ومن الحرق) بفتحتين وقد تسكن الراء من الإحراق يطلق علي النار أو لهبها (قوله وأعوذ بك من أن يتخبطني الشيطان الخ) أي يفسد عليّ ديني وعقلي عند الموت بأن يستولي عليه الشيطان عند مفارقة الدنيا فيضله ويحول بينه وبين التوبة ويعوقه عن إصلاح شأنه والخروج من مظلمة تكون قبله أو يؤيسه من رحمة الله تعالى أو يكره الموت ويتأسف علي حياة الدنيا فلا يرضى بما قضاه الله عليه من الفناء والنقلة إلى الدار الآخرة فيختم له بالسوء ويلقى الله وهو ساخط عليه. قال الخطابي قد روي أن الشيطان لا يكون في حال أشد على ابن آدم منه في حال الموت: يقول لإخوانه دونكم هذا فإنه إن فاتكم اليوم اليوم لم تلحقوه اهـ (قوله وأعوذ بك من أن أموت في سبيلك مدبرًا) أي فارًّا من صف القتال غير محتال على العدو أو غير متحيز إلى جماعة من المسلمين, أو مدبرًا عن ذكرك ومقبلًا علي غيرك (قوله وأعوذ بك من أن أموت لديغًا) أي ملدوغًا, فلديغ فعيل بمعني مفعول وهو ما لدغه عقرب أو حية أو غيرهما من ذوات السموم. واستعاذته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أن يموت لديغًا لا تنافي حصول لدغ لا يموت به. فقد روى ابن أبي شيبة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لدغته عقرب وهو يصلي فقال لعن الله العقرب لا تدع نبيًا ولا غيره ثم دعا بماء وملح فجعل يمسح عليها "أي على موضع لدغها" ويقرأ قل يأيها الكافرون وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس. وبه عرف ما يداوى به لدغ العقرب. وأن من لدغ يتسلى به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. واستعاذ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الهدم والتردي والغرق والحرق واللدغ وإن كان من مات بها يموت شهيدًا لأنها لقوة وقعها لا يكاد الإنسان يصبر عليها فربما ينتهز الشيطان هذه الفرصة فيضره في دينه (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ أَنَا عِيسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي مَوْلًى لأَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الْيَسَرِ زَادَ فِيهِ "وَالْغَمِّ". (ش) (عيسى) بن يونس. و (مولى أبي أيوب) هو صيفي مولى أفلح. وأفلح مولى لأبي أيوب كما تقدم فوصف صيفي بأنه مولى لأبي أيوب باعتبار كونه مولى لمولاه (قوله وزاد الخ) أي زاد الرازي في روايته على عبيد الله بن عمر قوله وأعوذ بك من الغم

الاستعاذة من البرص والجنون والجذام

أي الكرب يقال غمه فاغتم إذا أحزنه (ولم نقف) على من أخرج هذا الحديث من هذا الطريق وأخرجه أحمد من طريق أبي ضمرة قال حدثني عبد الله بن سعيد عن جده أبي هند صيفي عن أبي اليسر: فزاد عن جده أبي هند (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ أَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ". (ش) (حماد) بن سلمة و (قتادة) بن دعامة (قوله من البرص) بالتحريك مصدر برص من باب فرح, وهو بياض يظهر في ظاهر البدن يكون من فساد المزاج (قوله والجنون) أي زوال العقل الذي هو منشأ الخيرات العلمية والعملية (قوله والجذام) بوزن غراب علة تحدث من انتشار السوداء في البدن فيفسد مزاج الأعضاء وهيئتها, وربما انتهي إلى سقوط الأعضاء (قوله ومن سيئ الأسقام) أي الأسقام السيئة التي تكون سببًا لخلل في عقل الإنسان وبدنه كالسل والاستسقاء والأمراض المزمنة. فهو من ذكر العام بعد الخاص: واستعاذ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من هذه الأشياء لأنها عاهات يظهر بها الشين وتنتهي بصاحبها إلى حد يفر منه الصديق ويقل معه المؤانس والمداوي فليست كسائر الأمراض والعاهات. قال الطيبي وإنما لم يتعوذ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الأسقام مطلقًا لأن بعضها تخف مؤنته وتكثر مثوبته عند الصبر عليها مع عدم إزمانها كالحمى والصداع والرمد (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْغُدَانِيُّ أَنَا غَسَّانُ بْنُ عَوْفٍ أَنَا الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ "يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ". قَالَ هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ "أَفَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلاَمًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ". قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ "قُلْ إِذَا

أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ". قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي. (ش) (رجال الحديث) (أحمد بن عبيد الله) ويقال عبد الله مكبرًا ابن سهيل ابن صخر أبو عبد الله البصري. روى عن أبيه وأبي أسامة والوليد بن مسلم وأبو بحر البكراوي وغيرهم. وعنه البخاري وأبو داود وأبو زرعة ويعقوب ابن شيبة وأبو حاتم وقال صدوق. قيل مات سنة أربع أو سبع وعشرين ومائتين و(الغداني) بضم الغين المعجمة وتخفيف الدال نسبة إلى غدانة حي من يربوع. و(غسان بن عوف) المازني البصري. روى عن سعيد الجريري. وعنه أحمد بن عبيد الله الغداني ومحمد بن جامع العطار. روى له أبو داود وقال هو شيخ بصري وضعفه الساجي والأزدي وقال العقيلي لا يتابع على كثير من حديثه وفي التقريب لين الحديث من الثالثة و(الجريري) سعيد بن إياس تقدم بأول ص 313 و (أبو نضرة) المنذر بن مالك تقدم بالثالث ص 272 و(أبو أمامة) إياس بن ثعلبة البلوي ويقال عبد الله بن ثعلبة بن عبد الله حليف بني حارثة. روى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من بدر من أجل أمه, فلما رجع وجدعا ماتت فصلى عليها (معنى الحديث) (قوله هموم لزمتني) أي سبب جلوسي في المسجد الآن غموم وديون لزمتني فالتجأت إلى الله في بيته. وتقدم شرح باقي الألفاظ ضمن الأحاديث السابقة, واستعاذ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من هذه الأمور كلها إظهارًا للعبودية وتعليما للأمة (وفي هذه الأحاديث) دلالة علي مشروعية الدعاء والتعوذ , وإلى هذا ذهب جماهير العلماء وأهل الفتوي في جميع الأمصار والأعصار. وذهبت طائفة إلى أن يترك الدعاء والاستسلام للقضاء أفضل, واستدلوا بما أخرجه النسائي وابن ماجه والترمذي والحاكم وصححاه. وتقدم للصنف في "باب الدعاء" عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الدعاء هو العبادة ثم قرأ: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي (الآية) وقالوا إن المراد بالدعاء في الآية العبادة لقوله تعالى إن الذين يستكبرون علي عبادتي. وأجاب الجمهور عنه بأن المراد منه المبالغة في الدعاء بأنه من أعظم العبادة فهو على حد قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. الحج عرفة. والدين النصيحة ويؤيده ما أخرجه الترمذي من حديث أنس مرفوعًا. الدعاء مع العبادة.

كتاب الجنائز

(كتاب الجنائز) جمع جنازة بالكسر والفتح اسم للميت أو بالكسر اسم للميت, وبالفتح اسم للنعش, أو عكسه أو بالكسر اسم للسرير مع الميت أفاده في القاموس, وهي من جنز يجنز من باب ضرب إذا ستر. وفي أكثر النسخ تأخير الجنائز عن كتاب الخراج , وهي رواية اللؤلؤي. وفي نسخة العيني والخطابي ذكرها عقب الصلاة وهي رواية غير اللؤلؤي, وهي الأولى لأن الذي يفعل بالميت أهمه الصلاة عليه فكان ذكرها عقب الصلاة أنسب وصنيع البخاري وكتب الفقه على ذلك (باب الأمراض المكفرة للذنوب) أي يبان أن الله تعالى جعل الأمراض مكفرة لذنوب المؤمن إذا صبر عليها ولم يظهر الجزع. وظاهره أنها تكفر الذنوب كلها ولو كبائر (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ أَبُو مَنْظُورٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي عَنْ عَامِرٍ الرَّامِ أَخِي الْخَضِرِ قَالَ النُّفَيْلِيُّ هُوَ الْخُضْرُ "وَلَكِنْ كَذَا قَالَ" قَالَ إِنِّي لَبِبِلاَدِنَا إِذْ رُفِعَتْ لَنَا رَايَاتٌ وَأَلْوِيَةٌ فَقُلْتُ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا لِوَاءُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ تَحْتَ شَجَرَةٍ قَدْ بُسِطَ لَهُ كِسَاءٌ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَيْهِ وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِمْ فَذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- الأَسْقَامَ فَقَالَ "إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَصَابَهُ السَّقَمُ ثُمَّ أَعْفَاهُ اللَّهُ مِنْهُ كَانَ كَفَّارَةً لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ وَمَوْعِظَةً لَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ وَإِنَّ الْمُنَافِقَ إِذَا مَرِضَ ثُمَّ أُعْفِيَ كَانَ كَالْبَعِيرِ عَقَلَهُ أَهْلُهُ ثُمَّ أَرْسَلُوهُ فَلَمْ يَدْرِ لِمَ عَقَلُوهُ وَلَمْ يَدْرِ لِمَ أَرْسَلُوهُ". فَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ حَوْلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الأَسْقَامُ وَاللَّهِ مَا مَرِضْتُ قَطُّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "قُمْ عَنَّا فَلَسْتَ مِنَّا". فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ عَلَيْهِ كِسَاءٌ وَفِي يَدِهِ شَيْءٌ قَدِ الْتَفَّ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُكَ أَقْبَلْتُ إِلَيْكَ فَمَرَرْتُ

بِغَيْضَةِ شَجَرٍ فَسَمِعْتُ فِيهَا أَصْوَاتَ فِرَاخِ طَائِرٍ فَأَخَذْتُهُنَّ فَوَضَعْتُهُنَّ فِي كِسَائِي فَجَاءَتْ أُمُّهُنَّ فَاسْتَدَارَتْ عَلَى رَأْسِي فَكَشَفْتُ لَهَا عَنْهُنَّ فَوَقَعَتْ عَلَيْهِنَّ مَعَهُنَّ فَلَفَفْتُهُنَّ بِكِسَائِي فَهُنَّ أُولاَءِ مَعِي. قَالَ "ضَعْهُنَّ عَنْكَ". فَوَضَعْتُهُنَّ وَأَبَتْ أُمُّهُنَّ إِلاَّ لُزُومَهُنَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لأَصْحَابِهِ "أَتَعْجَبُونَ لِرُحْمِ أُمِّ الأَفْرَاخِ فِرَاخَهَا". قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ "فَوَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ أُمِّ الأَفْرَاخِ بِفِرَاخِهَا ارْجِعْ بِهِنَّ حَتَّى تَضَعَهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُنَّ وَأُمُّهُنَّ مَعَهُنَّ". فَرَجَعَ بِهِنَّ. (ش) (رجال الحديث) (أبو منظور) روى عن عمه عن عامر الرام. وعنه محمَّد ابن إسحاق قال في التقريب مجهول من السادسة. و (عمه) مجهول لم نقف له على ترجمة في كتب الرجال (قوله قال حدثني عمي) أي قال أبو منظور حدثني عمي بيانًا لقوله عن عمه, فليس بين أبي منظور وعامر الرام إلا عم أبي منظور. قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة عامر الرّام روى عن النبي صلى الله عليه تعالى وعلى آله وسلم "إن المؤمن إذا ابتلي ثم عافاه الله" الحديث قاله محمَّد بن إسحاق عن رجل من أهل الشام يقال له أبو منظور عن عمه عن عامر اهـ وليس كذلك. و (عامر الرام) بن محارب. روى عن النبي صلي الله عليه تعالى وعلى آله وسلم. وروى له أبو داود. ولقب بالرام بحذف الياء وإثباتها لأنه كان يحسن الرمي, والخضر بضم الخاء وسكون الضاد المعجمتين من ولد مالك بن مطرف ابن خلف بن محارب. كان يقال لولد مالك الخضر لأنه كان شديد الأدمة (أي السمرة) (قوله قال النفيل الخ) أي قال عبد الله بن محمَّد النفيلي هو الخضر بضم الخاء وسكون الضاد المعجمة وهو غير صحيح أو غير مشهور (معنى الحديث) (قوله إني لببلادنا الخ) أي قال عامر إني كنت في بلادنا ففاجأني ظهور رايات وألوية. فاللام زائدة للتأكيد, والباء بمعنى في. وإذ للمفاجأة. والرايات جمع راية. والألوية جمع لواء وهي الأعلام إلا أن اللواء أقل من الراية (قوله وقد اجتمع عليه) وفي نسخة إليه (قوله فذكر رسول الله الأسقام) أي الأمراض وثوابها, والأسقام جمع سقم بفتحتين وقد تضم السين

المرض نعمة للمؤمن دون المنافق. بعض ما ورد في ذلك

وتسكن القاف (قوله فقال إن المؤمن الخ) بيان لما ذكره صلى الله عليه تعالى وعلى آله وسلم في الأسقام (قوله ثم أعفاه الله منه) أي أبرأه من المرض ودفعه عنه. وعافاه الله وأعفاه بمعنى والاسم العافية (قوله كان كفارة لما مضى من ذنوبه الخ) أي كان المرض كفارة لما وقع منه من الذنوب حيث صبر على قضاء الله تعالى وثاب إلى رشده وتاب من ذنبه, فيكون المرض مكفرًا للكبائر أيضًا وموعظة وتحذيرًا له من الوقوع في المخالفات في المستقبل, لأن المؤمن إذا مرض تذكر الموت ولقاء الله تعالى وأنه سيحاسبه على ما وقع منه من المعاصي فيعزم على عدم العدو إليها (قوله وإن المنافق إذا مرض الخ) أي إذا أصابه المرض دام في غفلته لا يتذكر الموت ولا لقاء الله تعالى فلا يتوب من المخالفات ولا يصبر على قضاء الله تعالى بل يكون حاله السخط والضجر فلا يفيده المرض فيما مضى ولا في المستقبل شيئًا بل يزداد وبالًا لأن قلب مشغول بحب الدنيا ولذاتها (قوله كان كالبعير الخ) أي أنه في غفلته وعدم اتعاظه بالمواعظ كالأنعام لا يتدبر عواقب الأمور (قوله والله ما مرضت قط) مرتب علي محذوف جواب الاستفهام فكأنه صلى الله عليه تعالى وعلى آله وسلم الرجل والتغليظ عليه أن يأخد في أسباب رقة القلب ويجتهد في طاعة الله تعالى (قوله قد التف عليه) أي لف الكساء علي الشيء (قوله فمررت بغيضة شجر) بفتح الغين أي بأشجار كثيرة ملتفة (قوله فوقعت عليهن معهن) أي نزلت أم الأفراخ علي فراخها وتثبتت معهن (قوله أتعجبون لرحم أم الأفراخ فراخها الخ) أي لرحمتها, فرحم بضم الراء وسكون المهملة أو بضمها الرحمة. وأمره رسول الله صلي الله عليه تعالى عليه وعلى آله وسلم بإرجاع الأفراخ حتى يضعهن حيث أخذهن رحمة منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الخلق وشقفة لئلا تضيع الأفراخ وتتألم أمهن (وفي الحديث) دلالة على فضل مرض المؤمن. وهو وإن كان ضعيفًا لأن فيه مجهولين قد تقوى بما ورد من الأحاديث في فضل مرض المؤمن: منها ما أخرجه البخاري من طريق عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه تعالى وعلى آله وسلم قال "مثل المؤمن كمثل خامة الزرع يفيء ورقه من حيث أتتها الريح تكفئها فإذا سكنت اعتدلت فكذلك المؤمن يكفأ بالبلاء, ومثل الكافر كمثل الأرزة صماء معتدلة حتى يقصمها الله إذا شاء" والخامة الزرع أول ما ينبت على ساق واحد. والأرزة بفتح الهمزة وكسرها وسكون الزاي شجر طويل غليظ معتدل صلب لا يحركه هبوب الريح. وقوله تكفئها أي تميلها وقوله يكفأ بالبلاء أي يصيبه. ومنها ما أخرجه الطبراني في الكبير عن أبي أمامة مرفوعًا "إن الله

باب إذا كان الرجل يعمل صالحا فشغله عنه مرض أو سفر

عَزَّ وَجَلَّ ليقول للملائكة انطلقوا إلى عبدي فصبوا عليه البلاء صبًا فيحمد الله فيرجعون فيقولون يا ربنا صببنا عليه البلاء صبًا كما أمرتنا, فيقول ارجعوا فإني أحب أن أسمع صوته" ومنها ما رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسم قال "ما يصيب المؤمن من نصب (تعب) ولا وصب (مرض) ولا همّ ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" ومنها ما رواه ابن ماجه وابن أبي الدنيا والترمذي وقال حديث حسن صحيح عن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاءً قال (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبلى الرجل علي حسب دينه فإن كان دينه صلبًا اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلاه الله علي حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) ومنها ما رواه البزار وابن حبان عن أبي هريرة قال جاءت امرأة بها لمم إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت يا رسول الله ادع الله لي: فقال إن شئت دعوت الله فشفاك, وإن شئت صبرت ولا حساب عليك, قالت بل أصبر ولا حساب عليّ, واللمم طرف من الجنون. ومنها ما رواه أحمد وأبو يعلي والطبراني في الكبير والأوسط عن محمَّد بن خالد عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول. إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمل ابتلاه الله في جسده أو ماله أو في ولده ثم صبره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله عَزَّ وَجَلَّ. وهذا الحديث ثابت في بعض نسخ المصنف من رواية ابن داسة (باب إذا كان الرجل يعمل صالحًا فشغله عنه مرض أو سفر) أي أيكتب له أجر ما كان يعمله أم لا, وفي بعض النسخ فيشغله بالياء. وفي بعضها إسقاط الترجمة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَمُسَدَّدٌ -الْمَعْنَى- قَالاَ نَا هُشَيْمٌ عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّكْسَكِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- غَيْرَ مَرَّةٍ وَلاَ مَرَّتَيْنِ يَقُولُ "إِذَا كَانَ الْعَبْدُ يَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا فَشَغَلَهُ عَنْهُ مَرَضٌ أَوْ سَفَرٌ كُتِبَ لَهُ كَصَالِحِ مَا كَانَ يَعْمَلُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ". (ش) (هشيم) بالتصغير ابن بشير بأول صفحة 201 (قوله غير مرة أو مرتين) المراد أن أبا موسى سمع هذا الحديث من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله

باب عيادة النساء

وسلم كثيرًا (قوله إذا كان العبد يعمل صالحًا الخ) أي كان في حال صحته يعمل أعمالًا صالحة كصلاة وصيام فمنعه عن ذلك مرض أوسفر مباح كتب له مثل ثواب العمل الذي كان يعمله صحيحًا مقيمًا (وفيه دلالة) علي أن المريض والمسافر إذا شغلا بذلك عن الطاعة كتب لها أجر ما كان يعملانه صحيحين مقيمين (وقد ورد في ذلك روايات) منها ما رواه النسائي عن عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعًا "ما من امرئ تكون له صلاة من الليل يغلبه عليه نوم أو وجع إلا كتب له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة" ومنها ما رواه أحمد عن أنس مرفوعًا "إذا ابتلي الله العبد المسلم ببلاء في جسده قال الله اكتب له صالح عمله الذي كان يعمله فإن شفاه غسله وطهره وإن قبضه غفر له ورحمه" ومنها ما رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الأوسط البزار عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (عجب للمؤمن وجزعه من السقم ولوكان يعلم ما له من السقم أحب أن يكون سقيمًا الدهر, ثم إن رسول الله صلى الله عليه تعالى وعلى آله وسلم رفع رأسه إلى السماء فضحك فقيل يا رسول الله مم رفعت رأسك إلى السماء فضحكت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه تعالى وعلى آله وسلم عجبت للملكين كانا يلتمسان عبدًا في مصلى كان يصلي فلم يجداه فرجعا فقالا: يا ربنا عبدك فلان كنا نكتب له في يومه وليلته عمله الذي كان يعمل فوجدناه حبسته في حبالك (أمرضته وأقعدته عن العمل) قال الله تبارك وتعالي اكبتوا لعبدي عمله الذي كان يعمل في يومه وليلته ولا تنقصوا منه شيئًا وعلي أجره ما حبسته وله أجر ما كان يعمل) ومنها ما رواه الحاكم وصححه وأحمد واللفظ له عن عبد الله بن عمر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "ما من أحد من الناس يصاب ببلاء في جسده إلا أمر عَزَّ وَجَلَّ الملائكة الذين يحفظونه قال: اكتبوا لعبدي في كل يوم وليلة ما كان يعمل من خير ما كان يعمل في وثاقي" (وفي حديث الباب ونحوه) دلالة على أن من تأخر عن الجماعة والجهاد ونحوهما من مجامع الخير لعذر من الأعذار المرخصة لذلك يحصل له من الأجر مثل ما يحصل لمن حضرها وفيها أيضًا رد على من زعم أن تلك الأعذار مسقطة للكراهة والإثم من غير أن تكون محصلة للفضيلة (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري والبيهقي من طريق يزيد بن هارون عن العوام بن حوشب (باب عيادة النساء) أي بيان حكم عيادة الرجال النساء في مرضهن وفي بعض النسخ إسقاط هذه الترجمة (ص) حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أُمِّ الْعَلاَءِ

حكم عيادة الرجل للمرأة وما يطلب من العائد

قَالَتْ عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا مَرِيضَةٌ فَقَالَ "أَبْشِرِي يَا أُمَّ الْعَلاَءِ فَإِنَّ مَرَضَ الْمُسْلِمِ يُذْهِبُ اللَّهُ بِهِ خَطَايَاهُ كَمَا تُذْهِبُ النَّارُ خَبَثَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ". (رجال الحديث) (سهل بن بكار) بن بشر الدارمي البصري أبو بشر. روي عن جرير بن حازم ووهيب بن خالد وحماد بن سلمة وأبان بن يزيد وغيرهم. وعنه البخاري وأبو داود ويعقوب بن شيبة ويعقوب بن سفيان. وثقه الدارقطني وأبو حاتم وقال صدوق وقال ابن نمير كان ثقة ثبتًا وذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما وهم وأخطأ وقال العجلي تفسير حفظه قبل موته وقال أحمد مضطرب الحديث جدًا مع قلته. وعن ابن معين مخلط. مات سنة سبع أو ثمان وعشرين ومائتين. و(أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله الواسطي تقدم بالأول صفحة 91 و (أم العلاء) الأنصارية روت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا الحديث فقط وعنها ابن أخيها حكيم بن حزام الأنصاري وعبد الملك بن عمير (معنى الحديث) (قوله خبث الذهب والفضة) أي ما تلقيه النار من وسخ الذهب والفضة (وفي الحديث) دلالة علي مشروعية عيادة الرجل للمرأة المريضة, لكن محله إذا لم تؤد إلى خلوة بأجنبية. وعلي أنه ينبغي للعائد أن يبشر المريض بتكفير ذنوبه فإن في ذلك تسلية لقلبه. وعلى طلب التسليم للقدر. وعلى أن الأمراض تكفر الخطايا وتنقي صاحبها منها. وقد ورد في فضل المرض والصبر عليه أحاديث أخر. منها ما رواه أحمد عن شداد بن أوس والصنابحي أنهما دخلا على مريض يعودانه فقالا له كيف أصبحت؟ قال أصبحت بنعمة الله قال شداد, أبشر بكفارات السيئات وحط الخطايا, فإني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول إن الله عَزَّ وَجَلَّ يقول: أنا إذا ابتليت عبدًا من عبادي مؤمنًا فحمدني على ما ابتليته فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه مبرأ من الخطايا, ويقول الرب تبارك وتعالي: أنا قيدت عبدي وابتليته فأجروا له ما كنتم تجرون له وهو صحيح. ومنها ما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة قال: ذكرت الحمى عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسبها رجل فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لا تسبها فإنها تنقي الذنوب كما تنقي النار خبث الحديد. ومنها ما رواه أحمد والبيهقي وابن ماجه عن أبي هريرة قال إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عاد مريضًا فقال أبشر فإن الله تعالى يقول هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار يوم القيامة (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى ح وَنَا ابْنُ بَشَّارٍ نَا عُثْمَانُ بْنُ عَمْرٍو -قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا

الإنسان مجزى بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر

لَفْظُه- عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازِ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُ أَشَدَّ آيَةٍ فِي كِتَابِ الله عَزَّ وَجَلَّ قَالَ "أَيَّةُ آيَةٍ يَا عَائِشَةُ". قَالَتْ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) قَالَ "أَمَا عَلِمْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ تُصِيبُهُ النَّكْبَةُ أَوِ الشَّوْكَةُ فَيُكَافَأُ بِأَسْوَإِ عَمَلِهِ وَمَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ". قَالَتْ أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) قَالَ "ذَاكُمُ الْعَرْضُ يَا عَائِشَةُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ بَشَّارٍ قَالَ أَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ. (ش) هذا الحديث غير مناسب لباب عيادة النساء بل له مناسبة بباب الأمراض المكفرة للذنوب باعتبار قوله إن المسلم تصيبه النكبة الخ (رجال الحديث) (يحيي) القطان. و (عثمان ابن عمرو) بن ساج القرشي أبو ساج. روى عن الزهري مرسلًا ومحمد بن إسحاق وعمرو بن ثابت وإسماعيل بن أمية وجماعة. وعنه سعيد بن سالم والمعتمر بن سليمان ومحمد بن يزيد وغيرهم ذكره أبو عروبة في الطبقة الثالثة من التابعين، وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به وذكره ابن حبان في الثقات وقال العقيلي لا يتابع على حديثه وقال في التقريب فيه ضعف. روى له أبو داود والنسائي و (أبو عامر) صالح بن رستم تقدم بالخامس صفحة 44 و (ابن أبي مليكة) عبد الله ابن عبيد الله تقدم بالأول صفحة 153 (المعنى) (قوله إني لأعلم أشد آية الخ) أي أخوف آية في كتاب الله تعالى وردت في الوعيد: ولعلها علمت أنها أشد آية لأن من في الآية من صيغ العموم تعم المخالف مطلقًا مؤمنًا كان أو كافرًا. وسوءًا نكرة في سياق الشرط فتعم كل مخالفة صغيرة كانت أو كبيرة. وعلمت أن ما يصيب المؤمن في الدنيا من الأمراض والبلايا لا يكفر به شيء من ذنوبه (قوله أما علمت يا عائشة الخ) قاله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ردًا لما فهمته من أن الآية أشد آية في الوعيد. والنكبة ما يصيب الإنسان من البلايا وجمعها نكبات كسجدة وسجدات وقوله أو الشوكة معطوف على النكبة من عطف الخاص على العام. ونكتته التنبيه على أن أقل شيء من البلاء يصيب المؤمن فيصبر عليه يكفر به من ذنوبه (قوله فيكافأ بأسوء عمله) يعني فيكون ما أصابه من ابلاء مكافئًا ومقابلًا لأسوء عمله فلا يحاسب ولا يعاقب المسئ على إساءته في الآخرة فليست الآية كما فهمت عائشة من أن كل واحد يجازى على ما ارتكبه من السيئات بل تكفر ذنوبه بما يصيبه من المحن والأمراض. ويؤيد هذا ما رواه مسلم عن أبي هريرة قالت لما نزلت (من يعمل سوءًا يجز به) بلغت من المسلمين مبلغًا شديدًا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب

المؤمن يجزى بحسناته في الدنيا والآخرة والكافر يجزى بها في الدنيا فقط

به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها والشوكة يشاكها. وما رواه الترمذي عن أبي بكر قال كنت عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأنزلت هذه الآية (من يعمل سوءًا يجز به ولا يجد له من دون الله وليًا ولا نصيرًا) فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأبا بكر ألا أقرئك آية أنزلت عليّ؟ قلت بلى يا رسول الله قال فأقرأنيها فلا أعلم إلا أني قد كنت وجدت انقصامًا في ظهري فتمطأت لها فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما شأنك يا أبا بكر؟ قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي وأينا لم يعمل سوءًا وإنا لمجزيون بما عملنا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يا أبا بكر أما أنت والمؤمنون فتجزون بذلك في الدنيا (أي بما يصيبكم من النكبات والبلايا) حتى تلقوا الله وليس عليكم ذنوب، وأما الآخرون فيجتمع ذلك لهم حتى يجزوا به يوم القيامة. قال الترمذي حديث غريب في إسناده مقال. وما رواه مسلم عن أنس عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله تعالى يدخر له حسناته في الآخرة ويعقبه رزقًا في الدنيا على طاعته. وفي رواية له أيضًا إن الله لا يظلم مؤمنًا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة. وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل لله تعالى في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها. ولذا قال الحسن في تفسير الآية المذكورة هذا في حق الكفار خاصة لانهم يجازون بالعقاب على الصغير والكبير ولا يجزى المؤمن بسيء عمله يوم القيامة ولكن جزي بأحسن عمله ويتجاوز عن سيئاته اهـ ويدل لهذا بقية الآية (ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرًا) وهذا ظاهر في الكافر أما المؤمن فله ولي ونصير. وقال بعضهم هذه الآية عامة في حق كل من عمل سوءًا من مؤمن وكافر كما روى عن ابن عباس قال، لما نزلت هذه الآية شقت عى المسلمين مشقة شديدة وقالوا يا رسول وأينا لم يعمل سوءًا غيرك فكيف الجزاء؟ قال منه ما يكون في الدنيا فمن يعمل حسنه فله عشر حسنات ومن جوزي بالسيئه نقصت واحدة من عشر حسناته وبقيت له تسع حسنات, فويل لمن غلبت آحاده أعشاره وأما من كان جزاؤه في الآخرة فيقابل بين حسناته وسيئاته فيلقى مكان كل سيئة حسنه وينظر في الفضل فيعطى الجزاء في الجنة فيؤتى كل ذى فضل فضله (قوله ومن حوسب عذب) أي من حوسب حساب استقصاء على وجه التدقيق عذاب في النار جزاء على السيئات التي أظهرها حسابه وقال عياض قوله عذب له معنيان: أحدهما أن نفس مناقشة الحساب وعرض الذنوب والتوقيف على قبيح ما سلف والتوبيخ تعذيب. والثاني أنه يفضي إلى استحقاق العذاب إذ لا حسنة للعبد إلا من عند الله لإقداره عليها وتفضله عليه بها وهدايته لها ولأن الخالص لوجهه قليل اهـ قال النووي التأويل الثاني هو الصحيح لأن التقصير غالب على الناس فمن استقصى عليه ولم يسامح هلك اهـ

الجمع بين آية "فسوف يحاسب حسابا يسيرا" وحديث "من حوسب عذاب"

(قوله (ص) قالت أليس يقول الله فسوف يحاسب الخ) وفي نسخة قلت أليس الخ قالت ذلك لأن لفظ الحديث عام في تعذيب من حوسب، والآية تدل على أن من حوسب حسابًا يسيرًا لا يعذب كما يدل عليه قوله تعالى (وينقلب إلى أهله مسرورًا) فظاهر الآيه يعارض الحديث. فأجابها النبي صلى الله تعالى وعلى آله وسلم بأن المراد بالحساب في الآيه العرض وفي الحديث المناقشة والمطالبة بالصغيرة والكبيرة (قوله ذاكم العرض يا عائشة) خاطبها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بضمير جماعة المذكور إشارة إلى علو قدرها وأنها فطنت لما لم يفطن له فحول الرجال. أي أن الحساب اليسير في الآية أن تعرض على العبد أعماله فيعرف الطاعة والمعصية فيثاب على الطاعة ويتجاوز له عن المعصية. وكان حسابًا يسيرًا لأنه لا شدة فيه على صاحبه ولا مناقشة ولا يقال له لم فعلت هذا ولا يطالب بالحجه عليه كما جاء عند البزار والطبري من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير قال سمعت عائشة تقول سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الحساب اليسير قال الرجل تعرض عليه ذنوبه ثم يتجاوز له عنها. وما وقع عند ابن أبي حاتم والحاكم من حديث جابر مرفوعًا "من زادت حساناته على سيئاته فذاك الذي يدخل الجنة بغير حساب ومن استوت حسناته وسيئاته فذاك الذي يحاسب حسابًا يسيرًا ثم يدخل الجنة ومن زادت سيئاته على حسناته فذاك الذي أوبق نفسه وإنما الشفاعه في مثله" وما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع كنفه فيقرره بذنوبه فيقول أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا؟ فيقول رب أعرف قال فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم قال فيعطى حسناته (قوله من نوقش الحساب عذب) أي من استقصى أمره في المحاسبة والمطالبة بالجليل والحقير ولم يسامح عذب وتعب. يقال ناقشه في الحساب إذا عاسره فيه واستقصى فلم يترك قليلًا ولا كثيرًا (قوله قال أبو داود وهذا لفظ ابن بشار قال حدثنا ابن أبي مليكة) المراد أن ابن بشار روى بالتحديث عن ابن أبي مليكة بخلاف مسدد فإنه رواه عنه بالعنعنة وفي بعض النسخ إسقاط هذه العبارة. (باب في العيادة) أي في بيان مشروعية عيادة المريض. وفي بعض النسخ إسقاط هذة الترجمة. (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-

التبرك بآثار الصالحين

يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ عَرَفَ فِيهِ الْمَوْتَ قَالَ "قَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ حُبِّ يَهُودَ". قَالَ فَقَدْ أَبْغَضَهُمْ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ فَمَهْ؟ فَلَمَّا مَاتَ أَتَاهُ ابْنُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ قَدْ مَاتَ فَأَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ. فَنَزَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَمِيصَهُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ. (ش) (قوله خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعود عبد الله الخ) وذلك حين أرسل إليه ابنه عبد الله كما في رواية عبد الرزاق والطبري من حديث قتادة قال: أرسل عبد الله بن أبيّ إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلما دخل عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال له أهلكك حب يهود فقال يا رسول الله إنما أرسلت إليك لتستغفر لي ولم أرسل إليك لتوبخني ثم سأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه فأجابه. وهو مرسل لكن رجاله ثقات (قوله قد كنت أنهاك عن حب يهود الخ) أي وحبهم حملك على النفاق فتموت عليه ولا تنجو بالإِسلام اللساني من عذاب الله. ولعل غرضه صلى الله عليه وعلى آله وسلم استنهاضه للتوبة لا مجرد التوبيخ فلم يتب بل قال قد أبغض اليهود أسعد بن زرارة فما حصل له ببغضهم؟ وما أفاده شيئًا ولو أفاده لما مات. فمه اسم استفهام إنكاري بمعنى النفي حذفت ألفها، والهاء للسكت. وقال ذلك لقصور نظره حيث فهم أن الضرر في الموت والنفع في الخلاص منه. وخص أسعد لأنه أول من قدم المدينة مسلمًا وكان رضي الله تعالى عنه نقيبًا على قبيلته بني النجار، وأول من صلى الجمعة بالمدينة قبل مقدم رسول الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، ومن كانت هذه صفاته يكون أشد عداوة لليهود (قوله فلما مات الخ) أي لما مات ابن أبيّ أتى ابنه عبد الله النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكان اسمه الحباب فسماه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عبد الله. فقد روى الطبري من طريق الشعبي قال: لما احتضر عبد الله جاء ابنه عبد الله إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا نبي الله إن أبي قد احتضر فأحب أن تشهده وتصلي عليه قال ما اسمك؟ قال الحباب قال بل أنت عبد الله. الحباب اسم الشيطان. وكان من فضلاء الصحابة شهد بدرًا وما بعدها. وأخرج ابن منده من حديث أبي هريرة بإسناد حسن أنه بلغه بعض مقالات أبيه فجاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يستأذنه في قتله قال بل أحسن صحبته ولذا كان أبر الناس بأبيه حيًا وميتًا (قوله فأعطاه إياه) وأعطاه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قميصه مع علمه بنفاق أبيه إجراء له على ظاهر حكم الإِسلام وإكرامًا لولده الذي تحقق إيمانه وتأليفًا لقومه لرياسته

ما ورد في صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ابن أبي بن سلول

فيهم، وقد علم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن القميص لا ينفعه مع نفاقه. وقيل أعطاه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قميصه لأن ابن أبيّ كان أعطى العباس عمه صلى الله عليه وآله وسلم قميصه لما أسر يوم بدر ولم يكن على العباس ثياب فأراد أن يكافئه لئلا يكون لمنافق عليه يد لم يجازه عليها. وفي رواية للبخاري عن جابر قال: أتى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عبد الله بن أبيّ بعد ما دفن فأخرجه فنفث فيه من ريقه وألبسه قميصه. ولا منافاة بينهما لاحتمال أن معنى قوله في حديث الباب أعطاه قميصه وعد بإعطائه فأطلق على العدة اسم العطية مجازًا لتحقق وقوعها. ومعنى قوله في حديث جابر بعد ما دفن، أدلى في حفرته، وكان أهل عبد الله خشوا على النبي صلى الله تعالى وعلى آله وسلم المشقة في حضوره فبادروا بتجهيزه قبل وصوله صلى الله تعالى وعلى آله وسلم، فلما وصل وجدهم قد أدلوه في حفرته ولم يحثوا التراب عليه فأمر بإخراجه إنجازًا لوعده بتكفينه. (فقه الحديث) دل الحديث على عظيم مكارم أخلاق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعلى أن المنافق تجري عليه أحكام الإِسلام. وعلى مشروعية نعي الميت والإخبار بموته. وعلى مشروعية التبرك بآثار الصالحين (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وزادا فيه: ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ليصلي عليه فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما خيرني الله فقال "استغفر لهم أو لا تستغفر لهم سبعين مرة" وسأزيد على السبعين، قال إنه منافق فصلى عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأنزل الله تعالى (ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره) وفي رواية عن عمر رضي الله تعالى عنه قال: لما مات عبد الله بن أبيّ بن سلول دعي له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليصلي عليه فلما قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وثبت إليه فقلت يا رسول الله أتصلي على ابن أبيّ وقد قال يوم كذا كذا وكذا؟ قال أعدد عليه قوله، فتبسم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال أخر عني يا عمر، فلما أكثرت عليه قال: إني خيرت فاخترت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت، فصلى عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرًا حتى نزل الآيتان من براءة (ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا إلى قوله وهم فاسقون) قال فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وأشار بقوله في الحديث يوم كذا كذا وكذا إلى ما قاله عبد الله بن أبيّ بعد غزوة بني المصطلق وقد ازدحم

باب في عيادة الذمي

الناس على ماء من مياههم واقتتل رجلان مهاجريّ وأنصاريّ فصاح المهاجري بالمهاجرين والأنصاري بالأنصار فأعان المهاجري رجل من فقراء المهاجرين ولطم الأنصاري، فقال عبد الله بن أبيّ ما صحبنا محمدًا إلا للطم وجوهنا، والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل "سمن كلبك يأكلك" أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم قال لقومه ماذا فعلتم بأنفسكم؟ قد أنزلتموهم بلادكم وقاسمتموهم في أموالكم أما والله لو أمسكتم عنهم فضل الطعام لتحولوا من عندكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمَّد، فسمع ذلك زيد بن أرقم فبلغه لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. (باب في عيادة الذمي) أي في بيان حكم زيارة الذمي في مرضه. والذمي نسبة إلى الذمة بمعنى العهد، وسمى المعاهد ذميًا لدخوله في عهد المسلمين وأمانهم (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نَا حَمَّادٌ -يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ- عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ غُلاَمًا مِنَ الْيَهُودِ كَانَ مَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ "أَسْلِمْ". فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ. فَأَسْلَمَ فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُولُ "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنَ النَّارِ". (ش) (ثابت) البناني (قوله أن غلامًا من اليهود كان مرض) قيل اسمه عبد القدوس وكان خادمًا للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ففي رواية البخاري: كان غلامًا يهودي يخدم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعوده (الحديث) (قوله فنظر إلى أبيه) كأنه يستشيره فيما عرض عليه (قوله فأسلم) أي نطق بالشهادتين. وفي رواية النسائي فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمَّد رسول الله (فقه الحديث) دل الحديث على جواز عيادة أهل الذمة لأن فيه إظهار محاسن الإِسلام وتأليفهم ليرغبوا فيه. وعلى جواز استخدام المسلم الكافر. وعلى أن أهل الكتاب مكلفون بالشريعة المحمدية بدليل عرض الإِسلام على هذا الغلام وقول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار. وأطلق عليه غلام باعتبار ما كان. ويحتمل أنه كان دون البلوغ، فيكون في الحديث دلالة على جواز عرض الإِسلام على الصبي وصحته منه إذا كان مميزًا، وأن من مات من أولاد الكفار دون البلوغ مميزًا يكون في النار، وسيأتي تمام الكلام

باب المشي في العيادة

على أولاد المشركين في "باب ذرارى المشركين" من كتاب السنة إن شاء الله تعالى (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري والنسائي (باب المشي في العيادة) وفي بعض النسخ إسقاط هذه الترجمة والصواب إثباتها (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُنِي لَيْسَ بِرَاكِبِ بَغْلٍ وَلاَ بِرْذَوْنًا. (ش) (سفيان) الثوري أو ابن عيينة (قوله يعودني ليس براكب الخ) يعني كان يعوده ماشيًا، وفي بعض النسخ براكب بغل ولا برذون بإضافة راكب إلى ما بعده. والبرذون بكسر الباء وسكون الراء وفتح الذال في الأصل الدابة. وخصه العرف بالتركي من الخيل خلاف العراب يقع على الذكر والأنثى. وربما قالوا في الأنثى برذونة (وفي الحديث) دلالة على أفضليه المشي في عيادة المريض (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري والترمذي والحاكم (باب في فضل العيادة) وفي بعض النسخ باب في فضل العيادة على وضوء (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ نَا الرَّبِيعُ بْنُ رَوْحِ بْنِ خُلَيْدٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ نَا الْفَضْلُ بْنُ دَلْهَمٍ الْوَاسِطِيُّ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ وَعَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ مُحْتَسِبًا بُوعِدَ مِنْ جَهَنَّمَ مَسِيرَةَ سَبْعِينَ خَرِيفًا". قُلْتُ يَا أَبَا حَمْزَةَ وَمَا الْخَرِيفُ قَالَ الْعَامُ. (ش) (رجال الحديث) (الربيع بن روح بن خليد) الحضرمي أبو روح الحمصي. روى عن إسماعيل بن عياش ومحمد بن حرب ومحمد بن خالد والمغيرة بن عبد الرحمن وغيرهم. وعنه عمران بن بكار ومحمد بن عوف والذهلي وأبو حاتم وغيرهم، وثقة ابن حبان والدارقطني وقال في التقريب ثقة من التاسعة وقال أبو حاتم كان ثقة خيارًا، روى له أبو داود والنسائي. و (محمَّد ابن خالد) بن محمَّد ويقال ابن موسى الوهبي أبو يحيى الحمصي. روى عن إسماعيل بن أبي خالد

استحباب الوضوء للعيادة. استغفار الملائكة للعائد

وعبد العزيز بن عمر ومعروف بن واصل وابن جريج وأبي حنيفة وغيرهم. وعنه الربيع بن روح وهشام بن عمار ومحمد بن المصفى وكثير بن عبيد وآخرون، قال أبو داود لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق من التاسعة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجة و(الفضل بن دلهم) البصري القصاب. روى عن الحسن البصري وابن سيرين وقتادة وعوف الأعرابي. وعنه وكيع ومحمَّد بن خالد وابن المبارك ويزيد بن هارون وغيرهم، قال أبو داود ليس بالقوي ولا بالحافظ وقال علي بن جنيد في القلب من أحاديثه شيء وقال الأزدي ضعيف جدًا وقال في التقريب لين من السابعة ورمي بالاعتزال، وقال أبو حاتم صالح الحديث. ووثقه وكيع وقال أحمد ليس به بأس. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجة. و(الواسطي) نسبة إلى واسط الحجاج مدينة بين البصرة والكوفة (معنى الحديث) (قوله من توضأ الخ) فيه الترغيب في الوضوء عند إرادة عيادة المريض لأن العائد إن دعا للمريض طاهرًا كان أقرب إلى الإجابة (قوله محتسبًا) أي طالبًا بذلك وجه الله تعالى وثوابه لا رياء ولا سمعة. والاحتساب من الحسب كاعتداد من العد، وقيل لمن ينوي بعمله وجه الله احتسبه لأن له حينئذ أن يعتمد عمله فجعل في حالة مباشرة الفعل كأنه معتد به (قوله بوعد من جهنم مسيرة سبعين خريفًا) يعني سبعين عامًا، والخريف في الأصل فصل من فصول السنة بين الصيف والشتاء، وأطلق على السنة إطلاقًا لاسم الجزء على الكل. والمباعدة يحتمل أن تكون على حقيقتها وأن من فعل ذلك يكون يوم القيامة بينة وبين النار هذا المقدار فلا يصيبه حرها، ويحتمل أن تكون كناية عن استحقاقه الجنة وعدم دخوله النار. وفي بعض النسخ زيادة قوله "قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَالَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ الْبَصْرِيُّونَ مِنْهُ الْعِيَادَةُ وَهُوَ مُتَوَضِّئٌ" أي أن ذكر الوضوء في العيادة المريض تفرد به البصريون، وهم الفضل بن دلهم وثابت البناني وأنس (فقه الحديث) دلّ الحديث على استحباب الوضوء عند إرادة عيادة المريض، وعلى الترغيب في عيادة المريض المسلم، وعلى مزيد أجرها إذا كانت خالصة لله تعالى (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ مَا مِنْ رَجُلٍ يَعُودُ مَرِيضًا مُمْسِيًا إِلاَّ خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يُصْبِحَ وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ وَمَنْ أَتَاهُ مُصْبِحًا خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يُمْسِيَ وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ.

(ش) (رجال الحديث) (شعبة) بن الحجاج و (الحكم) بن عتيبة. و (عبد الله ابن نافع) الكوفي أبو جعفر مولى بني هاشم. روى عن مولاه الحسن بن علي وأبي موسى الأشعري، وعنه الحكم بن عتيبة، ذكره ابن حبان في الثقات وقال صدوق، وفي التقريب صدوق من الثالثة. روى أبو داود (معنى الحديث) (قوله ما من رجل يعود مريضًا ممسيًا الخ) أي لا يعوده في وقت المساء إلا صحبه في عيادته العدد الكثير من الملائكة يستغفرون له إلى الصباح ولا يعوده وقت الصباح إلا استغفروا له إلى المساء، وهو من الزوال إلى نصف الليل، والصباح من نصف الليل إلى الزوال (قوله وكان له خريف في الجنة) أي بستان فيها، ويحتمل أن المراد به الثمر المجني، قال في النهاية عائد المريض له خريف في الجنة أي مخروف من ثمرها فعيل بمعنى مفعول اهـ ومحل هذا كله في عيادة المريض المسلم وقصد الزائر وجه الله تعالى كما في الحديث السابق، أما إذا كانت لنحو رياء وسمعة كزيارة الأغنياء والأمراء لأجل غناهم وإمارتهم فليس للزائر فيها هذا الجزاء (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد موقوفًا عن عبد الله بن نافع قال: عاد أبو موسى الأشعري الحسن بن علي فقال له عليّ أعائد جئت أم زائرًا؟ قال بل جئت عائدًا قال: أما إنه ما من مسلم يعود مريضًا إلا خرج معه سبعون ألف ملك (الحديث) وأخرجه أيضًا عن ابن نافع عن عليّ مرفوعًا، وأخرجه الترمذي من طريق ثوير عن أبيه "سعيد بن علاقة" قال أخذ عليّ بيدي قال انطلق بنا إلى الحسن نعوده فوجدنا عنده أبا موسى فقال عليّ أعائدًا جئت يأبا موسى أم زائرًا؟ فقال لا بل عائدًا فقال عليّ سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول "ما من مسلم يعود مسلمًا غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وما عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان له خريف في الجنة" قال الترمذي هذا حديث حسن غريب وقد روى عن علي هذا الحديث من غير وجه منهم من وقفة ولم يرفعه اهـ (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ نَا الأَعْمَشُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِمَعْنَاهُ لَمْ يَذْكُرِ الْخَرِيفَ. (ش) (أبو معاوية) محمَّد بن خازم (قوله بمعناه ولم يذكر الخريف) أي روى الحكم عن ابن أبي ليلى الحديث بمعنى حديثه عن عبد الله بن نافع الموقوف، لكن اقتصر الحكم في روايته عن ابن أبي ليلى في المرفوع على ذكر خروج الملائكة معه ولم يذكر فيه "وكان

بعض ما ورد في فضل عيادة المريض

له خريف في الجنة" (وهذه الرواية) أخرجها أحمد والبيهقي من طريق الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال جاء أبو موسى إلى الحسن بن علي يعوده فقال له علي أعائدًا جئت أم شامتًا؟ قال لا بل عائدًا فقال له علي إن كنت جئت عائدًا فإني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول "إذا عاد الرجل أخاه المسلم مشى في خرافة الجنة حتى يجلس فإذا جلس غمرته الرحمة فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسى، وإن كان مساء عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح" وأخرجها ابن ماجه بسند المصنف عن علي قال سمعت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول "من أتى أخاه المسلم عائدًا مشى في خرافة الجنة حتى يجلس" الحديث وقوله في خرافة الجنة بكسر الخاء وفتحها أي في اجتناء ثمارها كما في النهاية. والمراد تشبيه ما يحصل عليه عائدًا المريض من الثواب بما يناله المجتبي من الثمر، وقيل إن المراد بالخرافة الطريق فيكون المعنى أنه يكون في طريق يوصله إلى الجنة (وأخرجها) الحاكم بسند المصنف وفيها ذكر الخريف ولفظه عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي قال: قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ما من رجل يعود مريضًا ممسيًا إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة, ومن أتاه مصبحًا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يمسي وكان له خريف في الجنة" وقال هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين (وأخرجها) الترمذي أيضًا بذكر الخرافة بسنده إلى الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عليّ قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول "من أتى أخاه المسلم عائدًا مشى في خرافة الجنة حتى يجلس" الحديث (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ مَنْصُورٌ عَنِ الْحَكَمِ أَبِي حَفْصٍ كَمَا رَوَاهُ شُعْبَةُ. (ش) أي روى الحديث السابق منصور بن المعتمر عن الحكم بن عتيبة موقوفًا كما رواه شعبة (وقد ذكر) سند هذه الرواية في بعض النسخ من الرواية أبي الحسن بن العبد وغيره من تلاميذ أبي داود إلا أبا القاسم اللؤلؤي ولفظه: حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال نا جرير عن منصور عن الحكم عن أبي جعفر عبد الله بن نافع قال "أي أبو جعفر" وكان نافع غلام الحسن بن علي قال جاء أبو موسى إلى الحسن بن علي يعوده وساق معنى حديث شعبة: قال أبو داود أسند هذا عن عليّ عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من غير وجه صحيح أي أن هذا الحديث روي عن علي مرفوعًا من عدة طرق لم ير المصنف صحتها. لكن هذا لا ينافي صحة رفعة عند غير المصنف فقد روي مرفوعًا من طرق كثيرة تقدم بعضها، وروى أحمد أيضًا من حديث شعبة عن الحكم عن عبد الله بن نافع قال عاد أبو موسى الأشعري الحسن بن علي له على أعائدًا جئت أم

باب في العيادة مرارا

زائرًا؟ فقال أبو موسي بل جئت عائدًا فقال علي رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: من عاد مريضًا (الحديث) وأخرج أيضًا من طريق مسلم بن أبي مريم عن رجل من الأنصار عن علي أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: من عاد مريضًا مشى في خراف الجنة وروى ابن حبان في صحيحه عن علي مرفوعًا "ما من مسلم يعود مسلمًا إلا يبعث الله إليه سبيعين ألف ملك يصلون عليه في أي ساعات النهار حتى يمسي وفي أي ساعات الليل حتى يصبح" ومما تقدم تعلم أن روايات رفع الحديث أكثر من روايات وقفه وأن الحاكم صحح إسناده روايات الرفع فلا وجه لقول المصنف فيما زاده غير اللؤلؤي "أُسْنِدَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ صَحِيحٍ." (باب في العيادة مرارًا) وفي بعض النسخ باب الرجل يعاد مرارًا (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا أُصِيبَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ رَمَاهُ رَجُلٌ فِي الأَكْحَلِ فَضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ فَيَعُودُهُ مِنْ قَرِيبٍ. (ش) (سعد بن معاذ) بن النعمان بن امرئ القيس بن يزيد الأنصاري أسلم علي يد مصعب بن عمير, وكان من أعظم الناس بركة في الإِسلام, وعاش بعد الرمية شهرًا حتى حكم في بني قريظة, ولما مات خمس من الهجرة وخرجت جنازته قال المنافقون ما أخفها فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن الملائكة حملته, وقال أيضًا اهتز عرش الرحمن لموت سعد رواه الشيخان (قوله رماه رجل في الأكحل) هو حبان بكسر الحاء وتشديد الموحدة بن قيس بن علقمة, ولما رماه قال خذها وأنا ابن العرقة, فقال عرق الله وجهك في النار, والعرقة أمه, والأكحل بفتح الهمزة بينهما كاف ساكنة عرق في الذراع إذا قطع لا يرقأ دمه حتى يموت صاحبه ولذا قال الخليل هو عرق الحياة, ويقال إن في كل عضو منه شعبة. فهو في اليد الأكحل وفي الظهر الأبهر وفي الفخذ النسا, ولما قطع أكحله حسمه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالنار فانتخفت يده ونزف الدم فحسمه أخرى فانتخفت يده, فلما رأى ذلك قال: اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة فاستمسك عرقة فما قطر قطرة حتى نزلوا على حكمه, فحكم فيهم أن تقتل رجالهم وتستحيي نساؤهم فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله

باب العيادة من الرمد

وسلم "أصبت حكم الله فيهم" وكانوا أربعائمة فلما فرغ من قتلهم أنفتق عرفه فمات رضي الله عنه أخرجه الترمذي وصححه عن جابر والحسم المكى (قوله فضرب عليه رسول الله خيمة الخ) فعل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك لتسهل عليه عيادته فيعوده كثيرًا (فقه الحديث) دل الحديث علي جواز تكرار عيادة المريض ولا سيما إذا كان المريض يحب ذلك لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نصب له الخيمة في المسجد ليسهل عليه عيادته كلما أراد, وعلى جواز تمريض المريض في المسجد ونصب الخيمة فيه لذلك, ولعل محله إذا لم يضق عن المصلين, ولم يتأذوا به (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم وكذا البخاري في غزوة الخندق مطولًا ولفظه عن عائشة قالت: أصيب سعد يوم الخندق: رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة وهو حبان بن قيس من بني معيص (بوزن أمير) ابن عامر بن لؤي: رماه في الأكحل فضرب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب, فلما رجع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الخندق وضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل عليه السلام وهو ينفض رأسه من الغبار فقال: قد وضعت السلاح , والله ما وضعته أخرج إليهم, قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأين؟ فأشار إلى بني قريظة فأتاهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنزلوا على حكمه فرد الحكم إلى سعد قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة وأن تسبى النساء والذرية وأن تقسم أموالهم, قال هشام فأخبرني أبي عن عائشة أن سعدًا قال: اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إليّ أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه, اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم, فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني له حتى أجاهدهم فيك وإن كنت وضعت الحرب فافجرها واجعل موتي فيها فانفجرت من ليلته, فلم يرعهم وفي المسجد خيمة من بني غفار إلا الدم يسيل إليهم, فقالو يأهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم فإذا سعد يغذ وجرحه دمًا فمات منها رضي الله عنه وقوله يغذ وجرحه يسيل (باب العيادة من الرمد) أي مرض العين (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ نَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِعَيْنَيَّ.

باب في الخروج من الطاعون

(ش) (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قوله عادني رسول الله الخ) فيه دلالة علي مشروعية العيادة لرمد العينين خلافًا لما زعمه بعضهم من أن العيادة في الرمد ووجع الضرس والدمل خلاف السنة. وما أخرجه البيهقي والطبراني مرفوعًا ثلاثة ليس لهم عيادة العين والدمل والضرس. لا يصلح للاحتجاج به لأن البيهقي صحح أنه موقوف على يحيى بن أبي كثير, وإن صح يحمل على أن المعنى ليس فيها عيادة مؤكدة. ويؤيد مشروعية العيادة في الرمد ما أخرجه الحاكم من حديث أنس قال: عاد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم زيد بن أرقم من رمد كان به (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبيهقي والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (باب في الخروج من الطاعون) أي من البلد الذي فيه الطاعون, وهو المرض العام والوباء الذي يفسد له الهواء فتفسد له الأمزجة والأبدان قاله في النهاية, وقال ابن سينا: الطاعون مادة سمية تحدث ورمًا قتالًا يحدث في المواضع الرخوة والمغابن من البدن, وأغلب ما يكون تحت الإبط أو خلف الأذن أو عند الأرنبة وسببه دم رديء مائل إلى العفونة والفساد يستحيل إلى جوهر سمي يفسد العضو ويغير ما يليه ويؤدي إلى القلب كيفية رديئة فيحدث القيء والغثيان والخفقان اهـ وقيل إن الطاعون من وخز الجن: قال في الفتح يؤيده وقوعه غالبًا في أعدل الفصول وفي أصح البلاد هواء وأطيبها ماء لأنه لو كان بسبب فساد الهواء لدام في الأرض لأن الهواء يفسد تارة ويصح أخرى وهذا يذهب أحيانًا ويجيء أحيانًا على غير قياس ولا تجربة, فربما جاء سنة على سنة وربما أبطأ سنتين ولأنه لو كان من فساد الهواء لعم الناس والحيون, والموجود بالمشاهدة أنه يصيب الكثير ولا يصيب من هم بجانبهم مما هو في مثل مزاجهم, ولو كان كذلك لعم جميع البدن وهذا يختص بموضع من الجسد ولا يتجاوزه, ولأن فساد الهواء يقتضي تغير الأخلاط وكثرة الأسقام, وهذا في الغالب يقتل بلا مرض فدل على أنه من طعن الجن كما ثبت في الأحاديث الواردة في ذلك. منها حديث أبي موسى مرفوعًا (فناء أمتي بالطعن والطاعون, قيل يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون؟ قال وخز أعدائكم من الجن وفي كل شهادة) أخرجه أحمد من رواية زياد بن علاقة وأخرجه البزار والطبراني من وجهين آخرين ثم قال الحافظ: فالحديث صحيح, وقد صححه ابن خزيمة والحاكم وأخرجاه وأحمد والطبراني من وجه آخر عن أبي بكر بن أبي موسي الأشعري قال سألت عنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال هو وخز أعدائكم من الجن وهو

حكمة النهي عن الدخول في بلد الطاعون وحكمه

لكم شهادة ورجاله رجال الصحيح إلا أبا بلح بفتح الموحدة وسكون اللام واسمه يحيى, وثقه ابن معين والنسائي وجماعة, وضعفه جماعة بسب التشيع وذلك لا يقدح في قبول روايته عند الجمهور اهـ ملخصًا (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تُقْدِمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ". يَعْنِي الطَّاعُونَ. (ش) (رجال الحديث) (عبد الله بن عبد الله الخ) أبو يحيى المدني. روى عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس وعبد الله بن حبان وعبد الله بن شداد. وعنه عبد الحميد ابن عبد الرحمن وعاصم بن عبيد الله والزهري, وثقه النسائي والعجلي وابن سعد وقال كان قليل الحديث وذكره وابن حبان في الثقات وفي التقريب ثقة من الثالثة. مات بالأبواء مع سليمان ابن عبد الملك سنة تسع وتسعين. روى له البخاري ومسلم وأبو داود (معنى الحديث) (قوله إذا سمعتم به) أي بالطاعون كما صرح به في رواية البخاري عن أسامة بن زيد, لا يقال إن في رواية المصنف إضمارًا قبل الذكر لجريان ذكره بين المتكلم والمخاطب والباء في قوله بأرض بمعنى في (قوله فلا تقدموا عليه) بضم التاء وكسر الدال من الإقدام ويجوز فتح التاء والدال من باب سمع, ونهيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الدخول في الأرض النبي بها الطاعون ليس من باب التطير والتشاؤم كما قد يتوهم, وإنما هو لما في ذلك من الإلقاء بالنفس إلى التهلكة كمن أراد دخول دار فرأى بها حريقًا تعذر إطفاؤه فعدل عن دخولها لئلا يصيبه, فقد أخرج الطحاوي بسند صحيح عن أنس أن عمر أتى الشام فاستقبله أبو طلحة وأبو عبيدة فقال يا أمير المؤمنين إن معك وجوه الصحابة وخيارهم وإنا تركنا من بعدنا مثل حريق النار "يعني الطاعون" فارجع العام, ويحتمل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى عن الدخول في بلد الطاعون سدًا للذريعة "لئلا يعتقد" من يدخل إلى الأرض التي وقع بها الطاعون أن لو دخلها وطعن "العدوى" المنهي عنها. وظاهر النهي التحريم وبه قال الجمهور. وزعم

أقوال العلماء في الخروج من بلد الطاعون

قوم أن النهي للتنزيه, وأنه يجوز الإقدام لمن قوي توكله وصح يقينه, وتمسكوا بما جاء عن عمر أنه ندم على رجوعه من "سرغ" بفتح فسكون فقد أخرج ابن أبي شيبة بسند جيد من رواية عروة بن رويم عن القاسم بن محمَّد عن ابن عمر قال جئت عمر حين قدم فوجدته قائلًا في خبائة فانتظرته في ظل الخباء فسمعته يقول حين تضوّر (التوي) اللهم اغفر لي رجوعي من سرغ, وأخرجه ابن راهويه في مسنده أيضًا. وأجاب القرطبي بأن هذا لا يصح عن عمر وقال كيف يندم على فعل ما أمر به النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويستغفر منه. وأجيب بأن سنده قوي والأخبار القوية لا ترد بمثل هذا مع إمكان الجمع يحمل النهي في الحديث علي التنزيه, وأن القدوم على مكان الطاعون جائز لمن غلب عليه التوكل, والانصراف عنه رخصة فيكون ندم عمر على الأخذ بالرخصة: يؤيده ما أخرجه ابن خزيمة بسند صحيح عن هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير بن العوام خرج غازيًا نحو مصر فكتب إليه أمراء مصر إن الطاعون قد وقع فقال إنما خرجنا للطعن والطاعون فدخلها فلقي طعنًا في جبهته ثم سلم. ويحتمل أن يكون سبب ندمه أنه خرج لأمر مهم من أمور المسلمين فلما وصل إلى قرب البلد المقصود له رجع مع أنه كان يمكنه أن يقيم بالقرب منها إلى أن يرتفع الطاعون فيدخل إليها ويقضي حاجة المسلمين, ويؤيد ذلك أن الطاعون ارتفع عنها عن قرب فلعله كان بلغه ذلك فندم علي رجوعه إلى المدينة قبل قضاء تلك المهمة لا على الرجوع خوفًا من الطاعون فرأى أنه لو انتظر لكان أولى لما في رجوعه من المشقة على العسكر الذين كانوا معه, والخبر لم يرد بالأمر بالرجوع وإنما ورد بالنهي عن القدوم (قوله فلا تخرجوا فرارًا منه) أي فارين من الطاعون لأن الفرار منه فرار من قضاء الله. وظاهر النهي عن تحريم الخروج فرارًا من الوباء وهو رأي الجمهور, ويؤيده ما رواه أحمد وابن خزيمة من حديث جابر مرفوعًا "الفار من الطاعون كالفار من الزحف والصبر فيه كالصابر في الزحف" وما روياه أيضًا عن عائشة قالت: يا رسول الله فما الطاعون؟ قال غدة كغدة الإبل المقيم فيها كالشهد والفار منها كالفار من الزحف, والغدة طاعون الإبل وقلما تسلم منه. وعن عائشة قالت سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الطاعون فأخبرني أنه غدًا يبعثه الله على من يشاء وأن الله عَزَّ وَجَلَّ جعله رحمة للمؤمنين ليس من أحد يقي الطاعون فيمكث في بلده صابرًا محتسبًا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له كان له مثل أجر الشهيد. أخرجه البخاري. ونقل القاضي عياض وغيره جواز الخروج من الأرض التي بها الطاعون عن جماعة من الصحابة منهم عمر بن الخطاب وأبو موسي الأشعري والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص وقال فروا عن هذا الرجز في الشعاب والأودية ورءوس الجبال. ومن التابعين الأسود بن هلال ومسروق. ولعل هؤلاء يرون النهي في الحديث لضعيف الإيمان الذي ربما ظن أن

حكمة النهي عن الخروج منها

هلاك القادم إنما حصل بقدومه وسلامة الفار كانت بفراره. أما قويه فيجوز له الدخول في بلد الطاعون والخروج منه لأنه لا يتسرب إليه ذلك الظن فهو نحو النهي عن الطيرة والقرب من المجذوم المذكورين في حديث البخاري, فإن الأمر بالفرار من المجذوم محمول على ضعيف الإيمان, والنهي المفهوم من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لا عدوي ولا طيرة الخ" محمول علي قويه. قال الخطابي أحد الأمرين "وهو النهي عن الدخول في بلد الطاعون" تأديب وتعلم والآخر "وهو النهي عن الخروج من بلد الطاعون" تفويض وتسلم, وقد جاء عن ابن مسعود قال: الطاعون فتنة على المقيم والفار, أما الفار فيقول فررت فنجوت, وأما المقيم فيقول أقمت فمت, وإنما فر من لم يأت أجله وأقام من حضر أجله, وعن أبي موسى الأشعري عند الطحاوي والبيهقي بسند حسن قال "إن هذا الطاعون قد وقع فمن أراد أن يتنزه عنه فليفعل واحذروا اثنتين أن يقول قائل خرج خارج فسلم وجلس جالس فأصيب, فلو كنت خرجت لسمت كما سلم فلان, أو لو كنت جلست أصبت كما أصيب فلان" أما إذا كان الخروج لغير الفرار من الطاعون وقع بها فاتفق وقوعه أثناء استعداده أو سيره إليها. وأما من عرضت له حاجة فأراد الخروج إليها وانضم إلى ذلك قصد الفرار من الطاعون ففيه خلاف: فمن منع نظر إلى صورة الفرار ومن أجاز نظر إلى حاجته الأخري (قال في الفتح) قد ذكر العلماء في النهي عن الخروج حكمًا منها أن الطاعون في الغالب يكون عامًا في البلد الذي يقع به فإذا وقع فالظاهر مداخلة سببه لمن بها فلا يفيده الفرار لأن المفسدة إذا تعينت حتى لا يقع الانفكاك عنها كان الفرار عبثًا لا يليق بالعاقل. ومنها أن الناس لو توافقوا على الخروج لصار من عجز عنه بالمرض في ذلك كسر قلوب الضعفاء, وقد قالوا إن حكمة الوعيد في الفرار من الزحف لما فيه من كسر قلب من لم يفر وإدخال الرعب عليه بخذلانه. ومنها ما ذكره بعض الأطباء أن المكان الذي يقع به الوباء تتكيف أمزجة أهله بهواء تلك البقعة وتألفها وتصير لهم كالأهوية الصحيحة لغيرهم فلو انتقلوا إلى الأماكن الصحيحة لم توافقهم بل ربما إذا استنشقوا هواءها اصطحب معه إلى القلب من الأبخرة الرديئة التي حصل تكيف بدنه بها فأفسدته فمنع من الخروج لهذه النكتة اهـ (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد ومسلم, وكذا البخاري من طريق عبد الله بن يوسف عن مالك بسنده إلى ابن عباس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام, قال ابن عباس قال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين فدعاهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء

باب الدعاء للمريض بالشفاء عند العيادة

قد وقع بالشام فاختلفوا فقال بعضهم: قد خرجنا لأمر ولا نرى أن ترجع عنه, وقال بعضهم معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء فقال ارتفعوا عني ثم قال: ادع لي الأنصار فدعوتهم فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم فقال ارتفعوا عني ثم قال ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فدعوتهم فلم يختلف منهم عليه رجلان فقالوا نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء فنادى عمر في الناس إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه, فقال أبو عبيدة بن الجراح: أفرارًا من قدر الله؟ فقال عمر لو غيرك قالها يا أبا عبيدة "يعني لعاقبته" نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله, أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديًا له عدوتان إحداهما خصيبة والأخري جدبة أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله, وان رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال فجاء عبد الرحمن ابن عوف وكان متغيبًا في بعض حاجته فقال: إن عندي في هذا علمًا سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه, وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه" قال فحمد الله عمر ثم انصرف. وأخرجه الشيخان عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "إن الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسراءيل أو على من كان قبلكم, فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا فرارًا منه" (باب الدعاء للمريض بالشفاء عند العيادة) (ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا الْجُعَيْدُ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ أَنَّ أَبَاهَا قَالَ اشْتَكَيْتُ بِمَكَّةَ فَجَاءَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُنِي وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِي ثُمَّ مَسَحَ صَدْرِي وَبَطْنِي ثُمَّ قَالَ "اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا وَأَتْمِمْ لَهُ هِجْرَتَهُ". (ش) (رجال الحديث) (الجعيد) بضم الجيم مصغرًا وقيل مكبرًا ابن عبد الرحمن ابن أوس أو أويس الكندي. روى عن السائب بن يزيد وعائشة بنت سعد ويزيد بن خصيفة وآخرين. وعنه سليمان بن بلال وحاتم بن إسماعيل ويحيى القطان وغيرهم. وثقه النسائي وابن معين وذكره ابن حبان في ثقات التابعين وفي التقريب ثقة من الخامسة. روى له الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي. مات سنة أربع وأربعين ومائة (معنى الحديث) (قوله اشتكيت) أي أصابني مرض (قوله ووضع يده على جبهتي)

استحباب وضع يد العائد على المريض ودعائه له

وفي نسخة علي جبيني, والجبهة ما بين الحاجبين إلى الناصية والجبين ما كان بجانب الجبهة, فالجبهة بين جبينين. ووضع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يده على جبهته تأنسيًا له وليعم مقدار مرضه (قوله وأتمم له هجرته) دعا له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بإتمام الهجرة لأنه كان مريضًا بمكة, وكره أن يموت في موضع هاجر منه لأنه نقص في الهجرة, وقد أجاب الله دعاء الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فشفاه ومات بالمدينة سنة خمس وخمسين بعد فتح العراق (فقه الحديث) دل الحديث على استحباب وضع يد العائد على جبهة المريض ومسح صدره وبطنه إذا كان العائد يحل له ذلك بالنسبة للمريض , وقد يكون العائد عارفًا بالعلاج فيعرف المرض ويصف له الدواء. وعلى استحباب الدعاء للمريض وتعيين اسمه في الدعاء. وقد ورد في وضع يد العائد على المريض أحاديث. منها حديث أبي أمامة "تمام عيادة المريض أن يضع يده على جبهته فيسأله كيف هو "أخرجه الترمذي بسند فيه لين, وفي رواية ابن السني فيقول كيف أصبحت أو كيف أمسيت. ومنها عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا عاد مريضًا يضع يده على المكان الذي يألم يقول يقول بسم الله, أخرجه أبو يعلي بسند حسن (والحديث) أخرجه البيهقي وكذا البخاري مطولًا عن عائشة بنت سعد أن أباها قال تشكيت بمكة شكوى شديدة فجاءني النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعودني فقلت يا نبي الله: إني أترك مالا وإني لم أترك إلا ابنة واحدة فأوصي بثلثي مالي وأترك الثلث فقال لا, فقلت فأوصي بالنصف وأترك النصف قال لا, قلت فأوصي بالثلث وأترك لهما الثلثين قال: الثلث والثلث كثير ثم وضع يده علي جبهته ثم مسح يده علي وجهي وبطني ثم قال: اللهم اشف سعدًا وأتمم له هجرته فما زلت أجد برده على كبدي فيما يخال إلى حتى الساعة. وفي رواية أخرى للبخاري ثم وضع يده علي جبهتي الخ وبها يظهر أن في قوله في الرواية الأولى ثم وضع يده علي جبهته وضع ضمير العيبة موضع ضمير المتكلم (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ كَثِيرٍ قَالَ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ وَفُكُّوا الْعَانِيَ". قَالَ سُفْيَانُ وَالْعَانِي الأَسِيرُ. (ش) هذا الحديث غير مناسب للترجمة فكان المناسب ذكره تحت ترجمة خاصة (كباب الأمر بعيادة المريض) كما صنع البيهقي, وفي بعض النسخ إسقاطه (ابن كثير) محمَّد

حكم العيادة وحكمتها. بعض الأدعية الواردة في العيادة

و (سفيان) الثوري أو ابن عيينة, فإن كلاهما من تلاميذ منصور بن المعتمر وشيوخ ابن كثير و (أبو وائل) شقيق بن سلمة (قوله وأطعموا الجائع) أي أعطوا المحتاج إلى الطعام والأمر في للندب ما لم يصل الجائع حدّ الاضطرار, وإلا كان إطعامه واجبًا كفائيًا إذا علم بحاله أكثر من واحد من الموسرين وعينيًا إذا لم يعلم إلا واحد (قوله وعودو المريض) أمر بعيادته لما فيها من التعاطف والتواد وإدخال السرور على المريض ومعاونته فيما يحتاجه. والأمر قيل للوجوب علي أنه فرض كفاية وقيل سنة مؤكدة وهو قول الجمهور وجزم الداودي بالأول, والمعول عليه ما عليه الجمهور وأنها قد تصل إلى الوجوب العيني إذا ترتب على تركها ضياع المريض وعدم القيام بمصالحه (قوله وفكوا لعاني) أمر من فك من باب قتل أي خلصوا الأسير المسلم من قهر العدو بمال أو غيره يقال: فككت الرهن فكًا إذا خلصته والاسم الفكاك بفتح الفاء وكسرها والأمر فيه للوجوب على وجه الكفاية وإليه ذهب الجمهور, وقيل تخليصه يكون من بيت المال ومثله في ذلك المحبوس ظلمًا فيجيب على من قدر على إنقاذه السعي في إطلاق سبيله بمال أو جاه (فقه الحديث) دل الحديث على الحث علي التحلي بأسباب التراحم والتعاطف والتواصل التي منها ما ذكر في الحديث (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري في كتاب الأطعمة ونحوه في الوليمة من كتاب النكاح وأخرجه النسائي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ يَحْيَى نَا شُعْبَةُ نَا يَزِيدُ أَبُو خَالِدٍ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ إِلاَّ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ". (ش) في بعض النسخ ذكر هذا الحديث وما بعده تحت ترجمة "باب الدعاء للمريض عند العيادة" والمناسب إسقاطها لأن فيهما الدعاء بالشفاء للمريض فهما داخلان تحت ترجمة "باب الدعاء للمريض بالشفاء عند العيادة" (رجال الحديث) (الربيع بن يحيى) بين مقسم أبو الفضل الأشناني بضم الهمزة وسكون المعجمة. روى عن الثوري وحماد بن سلمة ووهيب بن خالد وغيرهم. وعنه البخاري وأبو داود وأبو حاتم وجماعة, قال أبو حاتم ثقة ثبت وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن قانع ضعيف وقال الدارقطني ضعيف ليس بالقوي يخطئ كثيرًا, وفي

التقريب صدوق من كبار العاشرة له أوهام. توفي سنة أربع وعشرين ومائتين (معنى الحديث) (قوله لم يحضر أجله) أي لم يأت وقت انتهاء حياته, ومفهومه أن المريض الذي حضر أجله لا يفيده الدعاء في تأخير أجله, وهذا لا ينافي أن يفيده في شيء آخر كأن يهون عليه سكرات الموت والحساب وغير ذلك من أمور الآخرة (قوله أسأل الله العظيم الخ) أي العالي قدره المرتفع سلطانه القاهر عباده. ورب بالنصب صفة لله ويجوز رفعه على أنه خبر لمبتدأ محذوف. والعرش في اللغة السرير والمراد به هنا جسم عظيم نوراني فوق الكرسي وهو أعظم المخلوقات, فقد أخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبي ذر أنه سأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الكرسي فقال يا أبا ذر: ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة والأولى الإمساك عن القطع بتعيين حقيقته لعدم ثبوت ما يدل عليها (قوله إلا عافاه الله من ذلك المرض) أي لا يقول ذلك أحد عند واحد من المرضي إلا عافاه الله من مرضه, فأداة النفي مقدرة ليصح الكلام بدليل ما يأتي في رواية الترمذي. ويحتمل أن من في قوله من عاد للاستفهام الإنكاري بمعني النفي كقوله تعالى من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه (فقه الحديث) دل الحديث علي أن عيادة المريض مشروعة. وعلى أن من حضر أجله لا مفر من موته. وعلى أن العدد الوارد عن الشارع في العبادة له سر تترتب عليه ثمرته وعلى أن الدعاء ينفع (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي وابن حبان والبيهقي, وكذا الترمذي بلفظ ما من مسلم يعود مريضًا لم يحضر أجله فيقول سبع مرات أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عوفي. قال الترمذي حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث المنهال بن عمرو , وأخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين اهـ لكن في سنده يزيد أبو خالد الدالاني وفيه مقال (ص) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ الرَّمْلِيُّ نَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ حُيَيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا جَاءَ الرَّجُلُ يَعُودُ مَرِيضًا فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَكَ يَنْكَأُ لَكَ عَدُوًّا أَوْ يَمْشِي لَكَ إِلَى جَنَازَةٍ". (ش) (ابن وهب) عبد الله. و (الحبلي) بضم الحاء المهملة والموحدة وتشديد اللام هو عبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمن المعافري تقدم بالثاني ص 100 (قوله ينكأ لك عدوًا) بفتح المثناة التحتية وبالهمز آخره من باب منع أي يجرح لإرضائك عدوًا لدينك, والفعل مجزوم في

باب كراهية تمني الموت

جواب الأمر, ويصح رفعه على تقدير مبتدا أي فهو ينكأ, وفي نسخه ينكي يقال نكيت في العدو أنكي نكاية من باب ضرب إذا كثرت فيهم الجراحة والقتل فوهنوا لذلك وهذا هو المناسب هنا ولذا صوبه القاضي عياض لأن المهموز من نكأت القرحة إذا قشرتها قبل أن تبرأ وهو لا يناسب هنا إلا على سبيل المجاز قال السيوطي في تلخيص النهاية نكيت في العدو أنكي نكاية وقد يهمز أكثرت فيهم الجرح والقتل اهـ (قوله أو يمشي لك إلى جنازه) أي في تشييع جنازه امتثالًا لأمرك وابتغاء مرضاتك أو للصلاة عليها ويمشي بإثبات الياء جريًا على رفع ينكأ أما على جزمه فيمشي مستأنف خبر لمبتدأ محذوف. أي وهو يمشي على حد إنه من يتق ويصبر برفع يصبر. وجمع بين نكاية العدو والمشي إلى الجنازة لأن الحكمة في إنزال المرض بالإنسان إما تكفير الذنوب أو رفع الدرجات أو تذكر الموت والآخرة, وهذا يحصل للصحيح بجهاد العدو وتشييع الجنازة وقال الطيبي لعله جمع بين النكاية وتشييع الجنازة لأن الأول جهاد في إنزال العقاب على عدو الله والثاني سعى في إيصال الرحمة إلى ولي الله اهـ. (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية عياده المريض والدعاء له بالشفاء. وعلى فضل الجهاد والترغيب في تشييع الجنازة (والحديث) أخرجه أيضًا الحاكم وابن حبان وأحمد بلفظ أو يمشي لك إلى صلاة, وفي بعض النسخ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ ابْنُ السَّرْحِ "إِلَى صَلاَةٍ") أي يمشي لك إلى صلاة بدل قوله إلى جنازه. ولم نقف على من أخرج رواية ابن السرح (باب كراهية تمني الموت) (ص) حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ هِلاَلٍ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لاَ يَدْعُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِالْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ وَلَكِنْ لِيَقُلِ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي". (ش) (عبد الوارث) بن سعيد التميمي (قوله لا يدعون أحدكم الخ) بنون التوكيد الثقيلة والخطاب فيه للصحابة ومثلهم في ذلك من بعدهم من المسلمين إلى يوم القيامة (قوله لضر نزل به) بضم الضاد أي لنحو مرض أو فاقة أو محنة أصابته في الدنيا فإن ذلك يدل على الجزع من البلاء وعدم الرضا بالقضاء وفي رواية ابن حبان "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به في الدنيا" بخلاف تمني الموت لضر ديني فإنه جائز كما وقع من جماعة من الصحابة فقد روى مالك في الموطأ عن عمر

باب موت الفجاءة

اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتى فاقبضني غير مضيع ولا مفرط (قوله ولكن ليقل اللهم أحيني الخ) أي إن كان من نزل به الضر لا بد طالبًا الموت فلا يطلبه مطلقًا بل مقيدًا بالتفويض والتسليم لعلم الله تعالى كأن يقول اللهم أحيني الخ أي أبقني مدة كون الحياة خيرًا لي من الموت: كأن تكون الطاعة غالبة على المعصية والأزمنة خالية من الفتنة, وتوفني إذا كان الموت خير لي من الحياة كأن يكون الأمر على خلاف ما ذكر. ولما كانت الحياة حاصلة عبر في جانبها بما المصدرية الظرفية الدالة على حصول مدخولها واستمراره بخلاف الموت فإنه لما لم يكن واقعًا وقت الدعاء عبر في جانبه بالشرط الدال على التعليق (فقه الحديث) دل الحديث على كراهية الدعاء بالموت لضر دنيوي. وعلى أنه ينبغي للعبد أن يختار من الدعاء ما هو خير. وعلى طلب التفويض في ذلك لله تعالى (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والنسائي والترمذي بلفظ: لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد متمنيًا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خير لي وتوفني إذا كانت الوفاة خير لي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نَا أَبُو دَاوُدَ نَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ". فَذَكَرَ مِثْلَهُ. (ش) (أبو داود) الطيالسي كما صرح به في بعض النسخ. و (شعبة) بن الحجاج (قوله فذكر مثله) أي ذكر قتادة بن دعامة عن أنس مثل رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس, وأخرج البخاري ومسلم نحوه عن شعبة عن ثابت عن أنس بلفظ: لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه فإن كان لا بد فاعلًا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خير لي وتوفني إذا كانت الوفاة خير لي وأخرج نحوه النسائي من طريق يونس عن ثابت عن أنس (باب موت الفجاءة) بضم الفاء والمد وفي بعض النسخ "باب في موت الفجأة" بفتح وسكون بلا مد أي البغتة: يقال فجئت الرجل أفجأه من باب تعب إذا جئته بغته من غير تقدم سبب والاسم الفجأءة بضم الفاء والمد والفجأه بفتح فسكون بلا مد أيضًا, ويقال فجئه الأمر من باب تعب ونفع (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ أَوْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ خَالِدٍ السَّلَمِيِّ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ

باب في فضل من مات بالطاعون

مَرَّةً عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ مَرَّةً عَنْ عُبَيْدٍ قَالَ "مَوْتُ الْفَجْأَةِ أَخْذَةُ أَسَفٍ". (ش) (رجال الحديث) (يحيى) بن سعيد القطان. و (منصور) بن المعتمر و (عبيد ابن خالد السلمي) البهزي بفتح فسكون أبو عبد الله. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعنه تميم بن سلمة وسعد بن عبيدة وعبد الله بن ربيعة: شهد صفين مع علي. روى له أبو داود والنسائي (قوله قال مرة عن النبي الخ) أي قال مسدد أو غيره روى الحديث تميم بن سلمة أو سعد ابن عبيدة عن عبيد بن خالد مرة مرفوعًا ومرة موقوفًا على عبيد بن خالد (معنى الحديث) (قوله موت الفجأة أخذه أسف) بفتح السين مصدر أي غضب ويروى بكسرها اسم فاعل أي غضبان, والمراد أن موت الفجأة من آثار غضب الله تعالى حيث لم يمهل صاحبه للتوبة وإعداد زاد للآخرة ولم يمرضه ليكفر ذنوبه, ولذا استعاذ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من موت الفجأة كما جاء في كثير من الأحاديث ولعل هذا يكون للكافر وللمؤمن الذي ليس له عمل محمود, أما المؤمن الصالح فهو رحمة به لأنه استعد بعمله الصالح للموت فيريحه الله من نصب الدنيا. ويؤيده ما رواه البيهقي في شعب الإيمان مرفوعًا "موت الفجأة أخذه الأسف للكافر ورحمه للمؤمن" قال المنذري هذا الحديث رجال إسناده ثقات والوقف فيه لا يؤثر فإن مثله لا يؤخذ بالرأي, وكيف وقد أسنده مرة الراوي, وقد روى هذا الحديث من حديث عبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وأبي هريرة وعائشة وفي كل منها مقال بتصرف (والحديث) أخرجه البيهقي (باب في فضل من مات بالطاعون) (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ عَنْ عَتِيكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَتِيكٍ -وَهُوَ جَدُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو أُمِّهِ- أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمَّهُ جَابِرَ بْنَ عَتِيكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- جَاءَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَابِتٍ فَوَجَدَهُ قَدْ غُلِبَ فَصَاحَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يُجِبْهُ فَاسْتَرْجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ "غُلِبْنَا عَلَيْكَ يَا أَبَا الرَّبِيعِ".

حكم رفع الصوت بالبكاء قبل الموت وبعده

فَصَاحَ النِّسْوَةُ وَبَكَيْنَ فَجَعَلَ ابْنُ عَتِيكٍ يُسْكِتُهُنَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "دَعْهُنَّ فَإِذَا وَجَبَ فَلاَ تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ". قَالُوا وَمَا الْوُجُوبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ "الْمَوْتُ". قَالَتِ ابْنَتُهُ وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ تَكُونَ شَهِيدًا فَإِنَّكَ كُنْتَ قَدْ قَضَيْتَ جِهَازَكَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ وَمَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ". قَالُوا الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ". (ش) (الرجال) (القعنبي) عبد الله مسلمة و (عتيك بن الحارث بن عتيك) كأمير الأنصاري. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا الحديث. وعنه ابن ابنه عبد الله ذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائي (معنى الحديث) (قوله فوجده قد غلب الخ) يعني دنا من الموت وغلبته سكراته فغشي عليه (قوله فصاح به الخ) يعني ناداه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بصوت مرتفع فلم يجبه, فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "إنا لله وإنا إليه راجعون" (قوله غلبنا عليك يا أبا الربيع) أي غلبنا عليك قضاء الله وقدره وإن كانت حياتك محبوبة عندنا لجميل سعيك في الإِسلام والخير (قوله فصاح النسوة وبكين) يعني رفعن أصواتهن بالبكاء. ويؤخذ منه جواز رفع الصوت بالبكاء قرب الموت لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقرهن وقتئذ ومنعهن بعده: لكن لا نعلم أحدًا من العلماء قال بذلك. ويعارضه أحاديث النهي عن الناحيه مطلقًا ولا سيما ما سيأتي للمصنف في "باب النوح" من طريق يزيد بن أوس قال دخلت على أبي موسى وهو ثقيل فذهبت امرأته به فقال لها أبو موسى: أما سمعت ما قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم؟ قالت بلى قال فسكت "الحديث" وفيه قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ليس منا من حلق ومن سلق ومن خرق" والسلق بالسين المهملة ويورى بالصاد رفع الصوت بالبكاء. وما رواه البخاري

أسباب الشهادة الأخروية

ومسلم من طريق أبي برد, بن أبي موسى قال: وجع أبو موسى وجعًا فغشي عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله فصاحت فلم يستطيع ان يرد عليها شيئًا, فلما أفاق قال: إني برئ ممن برئ منه محمَّد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم برئ من الصالقة والحالقة والشاقة (قوله لأرجو أن تكون شهيدًا الخ) أي تموت شهيدًا في القتال فإنك أعددت أسباب الجهاد (قوله قد أوقع أجره على قدر نيته) يعني أثبت له أجره على حسب نيته (قوله وما تعدون الشهاده الخ) يعني ما تعدون أسباب الشهاده؟ قالوا نعدها القتل في سبيل الله فأعلمهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن الشهاده أعم من ذلك فقال الشهاده سبع الخ (قوله المطعون شهيد) أي من مات بالطاعون (قوله والغرق شهيد) بفتح الغين وكسر الراء أي الغريق كما في نسخه لكن محله ما لم يكن ألقى بنفسه إلى الغرق (قوله وصاحب ذات الجنب) أي القروح أو القرحة التي تصيب الإنسان داخل جنبه وفي النهاية هي الدمله الكبيره التي تظهر في باطن الجنب وتنفجر إلى داخل وقلما يسلم صاحبها. وعلامته حمى لازمه وسعال وضيق نفس ووجع ناخس وهو في النساء أكثر (قوله والمبطون شهيد) أي الذي يموت بمرض بطنه من نحو إسهال أو استسقاء (قوله والمرأة تموت بجمع) بتثليث الجيم والضم أشهر أي التي ماتت وفي بطنها ولدها, وقيل هي التي تموت بكرًا, وقيل التي تموت عند الولادة ولم يخرج ولدها, والجمع اسم بمعنى المجموع أي أنها ماتت مع شيء مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أو بكارة. وكان من مات بواحد من هذه الأشياء شهيدًا لمشاركتهم لشهيد المعركة في بعض ما يناله من الكرامة بسبب ما كابدوه من المشقة لا في جميع الأحكام والفضائل فإن شهيد المعركة لا يغسل ويصلى عليه ويدفن في ثيابه التي مات فيها عند الحنفية وعند غيرهم لا يصلى عليه أيضًا بخلاف هؤلاء. وسمى من مات بأحد هذه الأسباب شهيدًا لأن الله شهد له بالجنة, ولسان ملائكه الرحمة تشهد غسله ونقل روحه إلى الجنة, ولأنه يشهد ما أعد الله له من الكرامة في الجنة. والعدد المذكور في الأحاديث لا مفهوم له. فقد ورد ما يفيد الشهاده لغيرهم. منه ما رواه النسائي من حديث سويد بن مقرن مرفوعًا "من قتل دون مظلمته فهو شهيد" وما رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي من حديث سعيد بن زيد مرفوعًا "من قتل دون ماله فهو شهيد" وما رواه الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعًا "المرء يموت على فراشه في سبيل الله شهيد" ولابن حبان من حديث أبي هريرة "من مات مرابطًا مات شهيدًا" وصحح الدارقطني من حديث ابن عمر "موت الغريب شهاده" قال في الفتح لم يقصد الحصر في شيء من ذلك وقد اجتمع لنا من الطرق الجيده أكثر من عشرين خصله والذي يظهر أنهم ليسوا في المرتبه سواء مختصرًا. (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية عياده المريض. وعلى مشروعية الاسترجاع

باب المريض يؤخذ من أظفاره وعانته

عند اليأس من حياة المريض. وعلى مشروعية الثناء على من حضرته الوفاة وإظهار الرغبة في حياته. وعلى جواز رفع الصوت بالبكاء عند الاحتضار وقد علمت ما فيه "وعلى النهي عنه بعد الموت. وعلى أن الإنسان يثاب على نية فعل الخير وإن لم يعمله. وعلى فضل من مات بالطاعون أو بواحد مما ذكر معه (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه, وقال المنذر عن النمري رواه جماعة الرواة عن مالك فيما علمت لم يختلفوا في إسناده ومتنه وهو صحيح من مسند مالك (باب المريض يؤخذ من أظافره وعانته) وفي بعض النسخ "باب المريض يؤخذ من أظافره وعانته" (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَنَا ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ابْتَاعَ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ خُبَيْبًا -وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ- فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى أَجْمَعُوا لِقَتْلِهِ فَاسْتَعَارَ مِنَ ابْنَةِ الْحَارِثِ مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ فَدَرَجَ بُنَىٌّ لَهَا وَهِيَ غَافِلَةٌ حَتَّى أَتَتْهُ فَوَجَدَتْهُ مُخْلِيًا وَهُوَ عَلَى فَخِذِهِ وَالْمُوسَى بِيَدِهِ فَفَزِعَتْ فَزْعَةً عَرَفَهَا فِيهَا فَقَالَ أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَلِكَ. (ش) مناسبة الحديث للترجمة أن خبيبًا طلب الموسى للاستحداد بعد أن أجمعوا على قتله فهو في حكم المريض (رجال الحديث) (عمرو بن جاريه الثقفي) هكذا في نسخه بفتح العين وبالواو وفي أكثر النسخ عمر كزفر. والأولى صححها البخاري في التايخ ورجحها ابن السكن ودرج عليها الحافظ في التقريب, وفي التهذيب عمرو بن أبي سفيان بن اسيد بن جاريه المدني حليف بني زهرة وقال الحافظ في الفتح في غزوة بدر هو عمرو بن أسيد بن العلاء بن جارية وأبو سفيان كنية لأسيد فجارية جده الأعلى لا أبوه خلافًا لما يوهمه ظاهر العبارة. روى عن ابن عمرو وأبي موسى الأشعري. وعنه الزهري وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين وهشام بن سعد ذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب ثقة من الثالثة. روى له الشيخان وأبو داود والنسائي (معنى الحديث) (قوله ابتاع بنو الحارث خبيبًا) أي اشتروه, وخبيب بالتصغير ابن

حديث سرية خبيب بن عدي وقتله

عدي بن مالك بن عامر بن مخدعة الأوسي الأنصاري: وسبب شرائهم له ذكره البخاري حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني عمرو بن أبي سفيان أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهط سرية عينا, وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر بن الخطاب فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأه وهو بين عسفان ومكه ذكرو الحيّ من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا لهم قريبًا من مائتي رجل كلهم رام فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمرًا تزودوه من المدينة, فقالوا هذا تمر يثرب فاقتصروا آثارهم فلما رآهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد (موضع مرتفع) وأحاط بهم القوم فقالوا لهم انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحدًا, فقال عاصم بن ثابت أمير السرية: أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمه كافر اللهم أخبر عنا نبيك فرموهم بالنبل فقتلوا عاصمًا في سبعة, فنزل إليهم ثلاثه رهط بالعهد والميثاق منهم خبيب الأنصاري وابن دثنه ورجل آخر, فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم, فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن لي في هؤلاء لأسوة يريد القتل فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى, فقتلوه فانطلقوا بخبيب وابن دثنه حتى باعوهما بمكة بعد وقيعة بدر فابتاع خبيبًا بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف, وكان خبيب قتل الحارث بن عامر يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيرًا فأخبرني عبيد الله بن عياض أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا (لقتله) استعار منها موسى يستحد بها فأعارته فأخذ ابنًا لي وأنا غافلة حتى أتاه, قالت فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده ففزعت فزعه عرفها خبيب في وجهي فقال تخشين أن اقتله ما كنت لأفعل ذلك, والله ما رأيت أسيرًا قط خيرًا من خبيب, والله لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر وكانت تقول إنه لرزق من الله رزقه خبيبًا, فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب ذروني أركع ركعتين فتركوه فركع ركعتين, ثم قال لولا أن تظنوا أن ما بي جزع لطولتها اللهم أحصهم عددًا ولست أبالي حين أقتل مسلمًا *** على أي شق كان لله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ *** يبارك على أوصال شلو ممزع فقتله ابن الحارث. فكان خبيب هو سن الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبرًا فأستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب فأخبر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أصحابه خبرهم وما أصيبوا وبعث ناس من كفار قريش إلى عاصم حين حدثوه أنه قتل ليأتوا بشيء منه يعرف وكان قد قتل رجلًا من عظمائهم يوم بدر فبعث على عاصم مثل الظلة من الدبر (الزنابير) فحمته من رسولهم فلم يقدروا على أن يقطعوا من لحمه شيئًا والشلو بكسر فسكون الجسد. وممزع بضم ففتح وتشديد

باب ما يستحب من حسن الظن بالله عند الموت

الزاي مقطع مفرق (قوله قتل الحارث بن عامر) أي يوم (فجلس) وفي نسخه فلبث (قوله حتى أجمعوا) أي عزموا على قتله (قوله فاستعار من ابنه الحارث) هي زينب كما في الأطراف (قوله يستحد بها) أي يحلق عانته بالموسى (قوله فدرج بني لها الخ) أي مشى ابن صغير لها حتى دخل على خبيب حال غفلتها عنه فتنبهت بنت الحارث لذلك فدخلت على خبيب فوجدته منفردًا والولد على فخذه فقوله مخليًا أي منفردًا, والوالد هو أبو حسين ابن الحارث بن نوفل جد عبد الله ابن عبد الرحمن المكي المحدث من أقران الزهري أفاده الحافظ (قوله ما كنت لأفعل) وفي رواية بريدة بن سفيان كان لها ابن صغير فأقبل إليه الصبي فأخذه فأجلسه عنده فخشيت المرأة أن يقتله فناشدته فقال ما كنت لأغدر (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي في الجنائز, وأخرجه البخاري في الجهاد والتوحيد المغازي وأخرجه النسائي في السير (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَى هَذِهِ الْقِصَّةَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ أَنَّ ابْنَةَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا -يَعْنِي لِقَتْلِهِ- اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ. (ش) أي روى قصه خبيب شعيب المذكور, وروايته وصلها البخاري بلفظ تقدم و (عبيد الله بن عياض) بن عمر بن عبد القارئ. روى عن ابنه الحارث وعن أبيه وعائشة وأبي سعيد وجابر. وعنه الزهري وعمر بن عطاء وعمرو بن دينار. ذكره العجلي وابن حبان في الثقات وقال مالك تابعي ثقة. روى له البخاري (وفي هذا الأثر) دلالة على مشروعية حلق العانة عند ظن الموت, وهو وإن كان من فعل خبيب إلا أن خبره بلغ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ففي رواية بريدة بن سفيان عن سعيد بن منصور فقال خبيب: اللهم إني لا أجد من يبلغ رسولك مني السلام فبلغه فجاء جبريل إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخبره فأخبر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أصحابه بذلك. وفي رواية عن موسى بن عقبة فزعموا أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ذلك اليوم وهو جالس "وعليك السلام يا خبيب قتلته قريش" (باب ما يستحب من حسن الظن بالله عند الموت) (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ نَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ

باب ما يستحب من تطهير ثياب الميت عند الموت

عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَثٍ قَالَ "لاَ يَمُوتُ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ". (ش) (أبو سفيان) طلحة بن نافع تقدم بالرابع صفحه 329 (قوله لا يموت أحدكم الخ) أي ينبغي له أن لا يكون حال الموت إلا محسنًا الظن بالله أن يحسن إليه بالغفران والرحمة فالنفي بمعنى النهي, وهو وإن كان في الظاهر نهي عن الموت لكنه في الحقيقة نهي عن سوء الظن بالله في الحالة التي ينقطع عندها الرَّجاء. وقال النووي في شرح المهذب تحسين الظن بالله أن يظن أن الله يرحمه ويرجو ذلك بتدبر الآيات والأحاديث الواردة في كرم الله تعالى وعفوه وما وعد به أهل التوحيد وما سيبدلهم من الرحمة يوم القيامة كما قال سبحانه وتعالى في الحديث الصحيح "أنا عند ظن عبدي بي" هذا هو الصواب في معنى الحديث وهو الذي قاله جمهور العلماء, وشذ الخطابي فقال إن معناه أحسنوا أعمالكم حتى يحسن ظنكم بربكم فمن حسن عمله حسن ظنه ومن ساء عمله ساء ظنه, وهذا تأويل باطل نبهت عليه لئلا يغتربه اهـ وفي تخطئه الخطابي نظر: فإن الحديث لا يأبى ما قاله, فإن كثرة الأعمال الصالحة تزيد في إيمان الشخص وتنير قلبه وتضعف كيد الشيطان وعندئذ يحسن الظن بربه عند الموت فيحب لقاء الله وقال الرافعي يجوز أن يريد به الترغيب في التوبة والخروج من المظالم فإنه إذا فعل ذلك حسن ظنه ورجا الرحمة (فقه الحديث) دل الحديث على الترغيب في تحسين الظن بالله عند حلول الموت (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والبيهقي وابن ماجه وكذا ابن أبي الدنيا وزاد. فإن قومًا قد أرداهم سوء ظنهم بالله فقال الله في حقهم "وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرادكم فأصبحتم من الخاسرين" (باب ما يستحب من تطهير ثياب الميت عند الموت) وفي بعض النسخ "باب تطهير ثياب الميت" والمراد بالتطهير ما يعم التحسين. وبه يطابق الحديث الترجمة (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ فَلَبِسَهَا ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "إِنَّ الْمَيِّتَ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا".

باب ما يستحب أن يقال عند الميت من الكلام

(ش) (ابن الهاد) يزيد بن عبد الله بن أسامة تقدم بالثالث صفحه 174 و (أبو سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن (قوله دعا بثياب جدد الخ) بضمتين جمع جديد مثل سرر وسرير ودعا أبو سعيد بالثياب الجدد عملًا بظاهر الحديث من أن المراد أن البعث يكون بالثياب التي يموت فيها الشخص: ولا ينافيه ما ورد في الحديث الصحيح "ياأيها الناس إنكم محشورون إلى الله تعالى حفاة عراة غرلًا" رواه الشيخان, غرلًا أي غير مختونين لأن البعث غير الحشر لأن البعث إخراج الموتى من القبور والحشر جمعهم في عرصات القيامة وتأويل بعض العلماء الثياب في الحديث بالعمل يريد أن يبعث الإنسان على ما مات عليه من عمل صالح أو عمل سيئ للملابسة الرجل لها ملابسة الثياب والعرب تقول فلان طاهر الثياب إذا وصفوه بطهارة النفس والبراءة من العيب وتقول دنس الثياب إذا كان على خلاف ذلك, وذكر الخطابي أن المراد بالثياب خصوص الكفن: قال العيني ولا وجه له لأن السياق في الثياب التي يموت فيها الميت وهي غير الكفن (فقه الحديث) دل الحديث على الترغيب في لبس الثياب الحسنة عند حلول الموت ليكون على أحسن الحالات وأكمل الهيئات لأنه وقت قدومه على الله تعالى (والحديث) أخرجه البيهقي (باب ما يستحب أن يقال عند الميت من الكلام) وفي نسخه باب ما يقال عند الميت من الكلام (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا حَضَرْتُمُ الْمَيِّتَ فَقُولُوا خَيْرًا فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ". فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَقُولُ قَالَ "قُولِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَأَعْقِبْنَا عُقْبَى صَالِحَةً". قَالَتْ فَأَعْقَبَنِي اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مُحَمَّدًا -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. (ش) (سفيان) الثوري. و (أبو وائل) شقيق بن سلمة (قوله إذا حضرتم الميت) وفي رواية مسلم والترمذي إذا حضرتم المريض أو الميت, وفي رواية النسائي إذا حضرتم المريض ولا منافاة بين هذه الروايات, فإن قول الخير مرغب فيه عند المحتضر والميت (قوله فقولوا خيرًا) أي ادعوا له بالخير لقرينة قوله فإن الملائكة يؤمنون الخ, وتأمين الملائكة دليل على استجابه الدعاء, ويحتمل أن المراد قولوا خيرًا ولا تقولوا شرًا لحديث ابن عمر أن النبي

باب في التلقين

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم" وسيأتي للمصنف في "باب النهي عن سب الموتى" من كتاب الأدب, ويكون المراد بتأمين الملائكة إثبات ما يقولون ليجازى الميت بحسبه (قوله فلما مات أبو سلمة) هو عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله المخزومي: أمه بسرة عمة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ورضع معه من ثويبة مولاة أبي لهب, كان من السابقين إلى الإِسلام أسلم بعد عشرة أنفس روى ابن أبي عاصم من حديث ابن عباس أول من يعطى كتابه بيمينه أبو سلمة وكان أول من هاجر إلى الحبشه ثم إلى المدينة وشهد بدرًا. مات بالمدينة بعد أن رجع من أحد على الصحيح (قوله وأعقبنا عقبى صالحة) يعني أبدلنا وعوضنا منه بدلًا وعوضًا صالحًا (قوله فأعقبني الله تعالى محمدًا) أي عوضني الله وأخلفني بدل أبي سلمة محمدًا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقد تزوجها: فأعقب من الإعقاب وهو الإبدال ويقال أعقب الرجل إذا مات وترك عقبًا أي ولدًا (فقه الحديث) دل الحديث على أنه يطلب ممن حضر عند ميت أن يدعو له بالمغفرة ولأهله بحسن العاقبة. وعلى فضل أم سلمة وحسن يقينها بالله وكمال إيمانها بما جاء به النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ومما ورد فيما يقال عند المصيبة ما روته أم سلمة عن زوجها أبي سلمة قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول قولًا سررت به "لا يصاب أحدًا من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته ثم يقول اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها إلا فعل به" رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي وقال حسن غريب (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي والبيهقي (باب في التلقين) أي تذكير المحتضر أو الميت لا إله إلا الله بذكرها عنده (ص) حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمِسْمَعِيُّ نَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ نَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ أَبِي عَرِيبٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ". (ش) (رجال الحديث) (مالك بن عبد الواحد) أبو غسان البصري. روى عن عبد الأعلى والمعتمر بن سليمان وبشر بن المفضل. وعنه أبو داود ومسلم وجماعة وقال ابن قانع ثقة ثبت وذكره ابن حبان في الثقات وقال يغرب. مات سنه ثلاثين ومائتين

الأمر بتلقين المحتضر لا إله إلا الله

و (المسمعي) بكسر الميم الأولى وفتح الثانية بينهما سين ساكنة نسبة إلى مسمع بن شهاب ابن عمرو بن عباد بن ربيعة أبي قبيلة بالبصره. و (صالح بن أبي عريب) بفتح العين المهملة واسم أبي عريب قليب بالتصغير ابن حرمل الحضرمي. روى عن كثير بن مرة وخلاد بن السائب ومختار الحميري. وعنه الليث وحيوة بن شريح وابن لهيعة وغيرهم. ذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب مقبول من السادسة. روى أبو داود والنسائي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله من كان آخر كلامه الخ) أي من كان آخر كلامه في الدنيا "لا إله إلا الله دخل الجنة" أي استحق دخولها, وهذا, ويحتمل بقاء الحديث على ظاهرة من الاقتصار على كلمة التوحيد ويحتمل أن المراد بقول لا إله إلا الله الشهادتان إذ لا يكون مسلمًا إلا بهما (وفي هذا) دلالة على نجاة من كان آخر كلامه الشهادتين من النار. والحديث وإن كان فيه صالح بن أبي عريب وفيه مقال إلا أنه يقويه ما رواه مسلم من حديث عثمان مرفوعًا "من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة" وما رواه الطبراني عن أبي سعيد وأبي هريرة مرفوعًا "من قال عند موته لا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله لا تطعمه النار أبدًا" وأخرج مسلم عن أبي ذر مرفوعًا "ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة" وأخرج الحاكم مرفوعًا "إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقًا من قلبه فيموت على ذلك إلا حرم على النار: لا إله إلا الله" (فقه الحديث) دل الحديث على الترغيب في الإكثار من ذكر لا إله إلا الله, ولا سيما عند المحتضر فإن ذلك سبب للسعادة الأبدية (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والحاكم (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا بِشْرٌ نَا عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ نَا يَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ قَوْلَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ". (ش) (بشر) بن المفضل تقدم بالثاني ص 55 (قوله لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) أي ذكروا من حضره الموت منكم بكلمه التوحيد أو بالشهادتين ولا تأمروهم بذلك ولا تلحوا عليهم لأن الساعة ساعة ضيق وكرب. وربما كان ذلك سببًا في تغير حال الميت والعياذ بالله تعالى أو في زيادة الضيق عليهم, فالمراد بالميت المحتضر كما ذكره ابن حبان وغيره للأحاديث السابقة ولما رواه أبو حفص عمر شاهين عن ابن عمر مرفوعًا "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فإنه ليس مسلم يقولها عند الموت إلا أنجته من النار" وبهذا التلقين قالت الأئمة ومنهم المالكية في المشهور عنهم: قال النووي في شرح مسلم الأمر بهذا التلقين أمر ندب وأجمع العلماء على هذا التلقين,

المذاهب في التلقين بعد الدفن وأدلتها

وكرهوا الإكثار عليه والمولاة لئلا يضجر بضيق حاله وشدة كربه فيكره ذلك بقلبه أو يتكلم بما لا يليق, قالوا وإذا قالها مرة لا يكرر عليه إلا أن يتكلم بعده بكلام آخر فيعاد التعريض به ليكون آخر كلامه والجمهور على أن هذا التلقين مندوب وظاهر الحديث يقتضي وجوبه وذهب إليه جمع بل نقل بعض المالكية الاتفاق عليه قاله القاري, وأما التلقين بعد الدفن فذهبت الشافعية إلى جوازه أيضًا أخذًا بظاهر حديث الباب, قالوا يجلس عند رأسه ويقول: يا فلان ابن فلان ويا عبد الله بن أمة الله اذكر العهد الذي خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبد الله ورسوله, وأن الجنة حق, وأن النار حق, وأن البعث حق, وأن الساعة آتية لا ريب فيها, وأن الله يبعث من في القبور, وأنك رضيت بالله ربًا وبالاسلام دينًا وبمحمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نبيًا وبالقرآن إمامًا وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخوانًا, أفاده في شرح المهذب, وعند الحنفية خلاف قال في فتح القدير: أما التلقين بعد الموت وهو في القبر فقيل يفعل لحقيقه ما روينا "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" ونسب إلى أهل السنة والجماعة وخلافه إلى المعتزلة, وقيل لا يؤمر به ولا ينهى عنه ويقول: يا فلان يابن فلان اذكر دينك الذي كنت عليه في دار الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله, ولا شك أن اللفظ لا يجوز إخراجه عن حقيقته إلا بدليل اهـ. وذهب ابن الطلاع وابن الحاج والقرطبي وغيرهم من المالكية إلى ندب التلقين بعد الدفن, قال الأبيّ: لا يبعد حمل لقنوا موتاكم على التلقين بعد الدفن ووجه عدم البعد ما فيه من حمل لفظ الحديث على ظاهره والأصل عدم التأويل. وذهب جماعة من المالكية إلى عدم استحبابه, قال زروق في شرحه على الرسالة: قال التادلي وظاهر كلام الشيخ "يعني ابن عرفه" أنه لا يلقن بعد الموت وبه قال عز الدين وحمل قوله لقنوا موتاكم على من دنا موته, وهو بدعة إذ لم يصح فيه شيء وهذا هو الأولى لأن التلقين بعد الدفن لم يعرف لدى السلف بل هو أمر حادث, فلا يحمل عليه الحديث, مع أن التلقين اللغوي حقيقة في المختصر مجاز في الميت ولذا قال ابن حبان وغيره ان المراد في الحديث من حضره الموت, ويؤيده ما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله ولقنوهم عند الموت لا إله إلا الله" وإلى هذا ذهب أكثر الحنابلة: وأما حديث أبي أمامة قال: إذا أنا مت فأصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن نصنع. بموتانا قال "إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل يا فلان بن فلانة فإنه يسمع ولا يجيب, ثم يقول يا فلان ابن فلانة فإنه يستوى قاعدًا, ثم يقول يا فلان بن فلانة فإنه يقول ارشدنا يرحمك الله, ولكن لا تشعرون فليقل اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله

باب تغميض الميت

وأنك رضيت بالله ربًا وبالاسلام دينًا وبمحمد نبيًا وبالقران إمامًا, فإن منكرًا ونكيرًا يأخذ كل واحد بيد صاحبه ويقول: انطلق بنا ما يقعدنا عند من لقن حجته, فقال رجل يا رسول الله فإن لم يعرف أمه قال ينسبه إلى أمه حواء: يا فلان ابن حواء رواه الطبراني وابن شاهين: فقد قال في الهدى لا يصح رفعه. قال الأثرم قلت لأبي عبد الله "يعني الإمام أحمد" هذا الذي يصنعون إذا دفن الميت يقف الرجل ويقول: يا فلان بن فلانة اذكر ما فارقت عليه "شهادة أن لا إله إلا الله" فقال: ما رأيت أحدًا فعل هذا إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة جاء أتان فقال ذاك وكان أبو المغيرة يروي فيه عن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وروى مسلم نحوه عن أبي هريرة, وأخرجه ابن أبي الدنيا عن حذيفة بلفظ "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فإنها تهدم ما قبلها من الخطايا" (باب تغميض الميت) (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ أَبُو مَرْوَانَ نَا أَبُو إِسْحَاقَ -يَعْنِي الْفَزَارِيَّ- عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ فَصَيَّحَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ فَقَالَ "لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ بِخَيْرٍ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ". ثُمَّ قَالَ "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ رَبَّ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ افْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ". (ش) (رجال الحديث) (أبو إسحاق الفزاري) إبراهيم بن محمَّد بن الحارث تقدم بالخامس ص 9. و (خالد) الحذاء. و (أبو قلابة) عبد الله بن زيد تقدم بالثالث ص 42 و (قبيضه بن ذؤيب) بن طلحة بن عمرو بن كليب الخزاعي المدني أبو سعيد, روى عن بلال وعثمان وحذيفة وأبي هريرة وعائشة وكثيرين من الصحابة. وعنه الزهري ورجاء بن حيوة وعثمان بن إسحاق وآخرون: قال ابن سعد كان ثقة مأمونًا كثيرًا لحديث وقال مكحول ما رأيت أحدًا أعلم منه وقال العجلي تابعي ثقة. توفي سنة ست أو سبع وثمانين. روى له الجماعة

النهي عن الدعاء بالشر عند الموت وطلب الدعاء بالخير

(معنى الحديث) (قوله وقد شق بصره) بفتح الشين المعجمة ورفع بصره على الفاعلية أي أنه لما حضره الموت انفتحت عيناه وشخص بصره لا يرتد إليه طرفه. ويجوز نصب بصره على المفعولية. وقد بين في رواية مسلم سبب شق البصر عند الموت ففيها وقد شق بصره فأغمضه ثم قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "إن الروح إذا قبض تبعه البصر" (قوله فأغمضه) أي اطبق النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عيني أبي سلمة لئلا يقبح منظره لو ترك بلا تغميض (قوله فصيح ناس من أهله) بالمثناه التحتية المفتوحة المشددة والحاء المهملة أي رفعوا أصواتهم بالبكاء عاليا قال في اللسان صيح صوت بأقصى طاقته اهـ وفي بعض النسخ فصاح وفي رواية مسلم فضج ناس من أهله بالضاد المعجمة والجيم (قوله لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير الخ) أي فلا تدعوا بشر كالويل والهلاك على عاده الجاهلين وادعوا بالخير نحو "اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خير منها واغفر لنا ورضنا بقضائك وقدرك" فإن الملائكة تؤمن على دعائكم فيستجاب قال الطيبي ويحتمل أن يقال أنهم إذا تكلموا في حق الميت بما لا يرضاه الله تعالى حتى ترجع تبعته عليهم فكأنهم دعوا على أنفسهم بشر, ويكون المعنى كما في قوله تعالى "ولا تقتلوا أنفسكم" أي بعضكم بعضًا ويؤيده إبقاء الدعاء على ظاهرة قوله "فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون" (قوله في المهديين) أي اللذين هداهم الله وأنعم عليهم من النبيين والصدقين والشهداء والصالحين (قوله واخلفه في عقبة في الغابرين) أي كن له خليفه في إصلاح أحوال من يعقبه ويتأخر عنه من ذريته حال كونهم من جملة الباقين من الناس فالغابر الباقي (فقه الحديث) دلّ الحديث على استحباب تغميض الميت, وعلى أنه ينبغي أن يدعو له ولأهله من حضره بخيري الدنيا والآخرة ولا يدعو بما فيه شر (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والبيهقي, وأخرج أحمد وابن ماجه والحاكم نحوه عن قزعة ابن سويد عن حميد الأعرج عن محمود بن لبيد عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح وقولوا خيرًا فإن الملائكة تؤمن على دعاء أهل البيت" (باب في الاسترجاع) أي في قول إنا لله وإنا إليه راجعون عند المصيبة (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ أَنَا ثَابِتٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا أَصَابَتْ أَحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ

باب الميت يسجى

فَلْيَقُلْ (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) اللَّهُمَّ عِنْدَكَ أَحْتَسِبُ مُصِيبَتِي فَأْجُرْنِي فِيهَا وَأَبْدِلْ لِي خَيْرًا مِنْهَا". (ش) (حماد) بن سلمة. و (ثابت) البناني (قوله عمر بن أبي سلمة عن أبيه) وفي بعض النسخ عن أبي سلمة عن أبيه عبد الله بن عبد الأسد. وفي نسخه أخرى عن ابن عمر ابن أبي سلمة عن أبيه, وابن عمر اسمه محمَّد وعليها فالراوي عن أم سلمة ابنها عمر بخلاف النسختين الأوليين فالراوي عن أم سلمة زوجها (قوله إذا أصاب أحدكم مصيبه الخ) وفي بعض النسخ أصابت أي أصابه مصيبة من فقد مال أو ولد أو غير ذلك حقيره كانت تلك المصيبة أو عظيمة فليقل "إنا لله وأنا إليه راجعون" أي مملوكون لله ومخلوقون له يتصرف فينا على ما أراد وإنا راجعون إليه في الدار الآخرة فيجازي كلا بما عمل والأمر فيه للندب (قوله احتسب مصيبتي أي اطلب ثوابها وأدخره عندك (قوله فأجرني فيها الخ) أي أعطني الأجر عليها وعوضني خيرًا منها: وأجرني أمر من أجره الله أجرًا من بابي قتل وضرب أي أثابه, وآجره بالمد كذلك (وفي هذا) دلالة على الترغيب في الاسترجاع والدعاء بهذه الكلمات عند حصول المصيبة ومصداقه قوله تعالى "وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون" (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي في عمل اليوم والليلة كما ذكره المنذري (باب الميت يسجى) وفي بعض النسخ "باب في الميت يسجى" أي يغطى (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- سُجِّيَ فِي ثَوْبٍ حِبَرَةٍ. (ش) (عبد الرازق) بن همام. و (معمر) بن راشد. و (الزهري) محمَّد بن مسلم (قوله سجي في ثوب حبرة) بوزن عنبة وهي ثوب يماني من قطن أو كتان مخطط ويجمع على حبر وحبرات, ويقرأ بالوصف والإضافة يقال ثوب حبرة وثوب حبرة (والحديث) يدل على مشروعية تغطية الميت: قال النووي في شرح مسلم وهو مجمع عليه: وحكمته صيانته من الانكشاف وستر جسده المتغير بموته عن الأعين, قال أصحابنا ويلف طرف الثوب المسجى به تحت رأسه وطرفه الآخر تحت رجليه لئلا ينكشف عنه, وتكون التسجية بعد نزع ثيابه التي توفي فيها لئلا يتغير بدنه اهـ ببعض تصرف

باب في القراءة عند الميت

(والحديث) أخرجه مسلم والبيهقي وكذا البخاري مطولًا بسنده إلى أبي سلمة عن عائشة قالت: أقبل أبو بكر رضي الله عنه على فرسه من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة, فتيمم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو مسجى ببرد حبره فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله ثم بكى فقال: بأبي أنت وأمي يا نبي الله لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها قال أبو سلمة: فأخبرني ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال اجلس فأبي فقال اجلس فأبى فتشهد أبو بكر رضي الله عنه فمال إليه الناس وتركوا عمر فقال: أما بعد فمن كان منكم يعبد محمدًا فإن محمدًا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت قال الله تعالى "وما محمَّد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل. إلى الشاكرين" هو الله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها منه الناس فما يسمع بشر إلا يتلوها (باب القراءة عند الميت) (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيٍّ الْمَرْوَزِيُّ -الْمَعْنَى- قَالاَ نَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ -وَلَيْسَ بِالنَّهْدِيِّ- عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "اقْرَءُوا (يس) عَلَى مَوْتَاكُمْ". وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ الْعَلاَءِ. (ش) (رجال الحديث) (ومحمد بن مكي) بن عيسى أبو عبد الله. روى عن عمرو بن هارون وعبد الله بن المبارك والنضر بن محمَّد, وعنه أحمد بن يسار ويعقوب بن شيبة ومحمد بن أحمد بن أنس ومحمد بن عبد الوهاب العبدي. ذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب مقبول من العاشرة روى له أبو داود والنسائي. و (المروزي) نسبه إلى مرو على غير قياس مدينه بخراسان. و (أبو عثمان) ابن عثمان السكني قيل اسمه سعد. روى عن معقل بن يسار وأنس بن مالك وأنس بن جندل وعنه سليمان بن طرخان التيمي. قال ابن المديني لم يرو عنه غيره وهو مجهول. وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه (قوله وليس بالنهدي) أي أن أبا عثمان هذا غير أبي عثمان النهدي: فإن النهدي اسمه عبد الرحمن بن ملّ أسلم على عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يلقه وقد تقدم. و (أبوه) عثمان السكني قال المنذر أبو عثمان وأبوه ليسا بمشهورين. و (معقل بن يسار) بن عبد الله أبو علي البصري المزني الصحابي كان ممن بايع تحت الشجرة. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن النعمان بن مقرن

حكمة قراة يس عند المحتضر وبعض ما ورد في فضلها

وعنه عمران بن حصين ومعاوية بن قرة والحكم بن الأعرج والحسن البصري وجماعة روى له أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي. مات بالبصره في اخر خلافه معاوية وقيل في عهد يزيد بن معاوية (معنى الحديث) (قوله اقرءوا يس على موتاكم) أي من حضره الموت لما رواه ابن أبي الدنيا والديلمي عن أبي الدرداء مرفوعًا "ما من ميت تقرأ عليه يس إلا هون الله عليه" وعبر عن المحتضر بالميت لأنه صار في حكم الأموات: والحكمة في قرائتها عنده وقتئذ أنه يكون ضعيف القوة وقلبه مقبل على الله بكليته فإذا قرئت عليه قوي قلبه واشتد تصديقه بأصول الدين واستأنس بما فيها من ذكر أحوال القيامة (قال الطيبي) والسر في ذلك أن السورة الكريمة مشحونة بتقرير أمهات الأصول وجميع المسائل المعتبرة من كيفية الدعوة وأحوال الأمم وإثبات القدر وأن أفعال العبادة مستندة إلى الله تعالى وإثبات التوحيد ونفي التعدد وأمارات الساعة وبيان الإعادة والحشر وحضور العرصات والحساب والجزاء والمرجع اهـ وأخذ بعض المتأخرين بظاهر الحديث فقال تقرأ بعد الموت وقبل الدفن. وقال بعضهم تقرأ بعد الموت قبل الدفن وبعده مستدلًا بحديث "من زار قبر والديه أو أحدهما يوم الجمعة فقرأ عنده يس غفر له" أخرجه ابن عدي عن أبي بكر بإسناد ضعيف. وفي بعض النسخ بعد ذكر الحديث زيادة "وهذا لفظ ابن العلاء" أي لفظ هذا الحديث ما قاله محمَّد بن العلاء أحد شيخي المصنف وليس من لفظ محمَّد بن مكي "وهذه الزيادة" مستغنى عنها بقوله في السند "المعنى" ولذا لم تذكر في أكثر النسخ. وقد ورد في فضل يس أحاديث جميعها لا يخلو من مقال. منها حديث "إن لكل شيء قلبًا وقلب القرآن يس ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات دون يس" رواه الترمذي عن أنس وقال حديث غريب وقال السيوطي ضعيف. وروى نحوه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة وضعفه السيوطي أيضًا. ومنها من قرأ يس في ليله ابتغاء وجه الله تعالى غفر له: رواه مالك وابن السني وابن حبان في صحيحه عن جندب, ومنها "من قرأ يس ابتغاء وجه الله غفر له ما تقدم من ذنبه فاقرءوها عند موتاكم" أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن معقل بن يسار. وفي رواية للبيهقي عن أبي سعيد مرفوعًا "من قرأ يس مرة فكأنما قرأ القرآن مرتين" ولا تتنافى بين هذه الرواية والرواية التي فيها عشر مرات, لأن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان. ومنها "من قرأ يس كل ليله غفر له" رواه البيهقي عن أبي هريرة بإسناد ضعيف ومنها "من قرأ يس في ليله أصبح مغفورًا له" رواه أبو نعيم في الحليه عن ابن مسعود قال العزيزي ضعيف (فقه الحديث) دل الحديث على فضل قراءة سورة يس, وعلى طلب قراءتها عند المحتضر

انتفاع الميت بالدعاء والصدقة وأنواع الخير

أو الميت وأن الميت والمحتضر ينتفعان بالقراءة إذا قصد بها وجه الله تعالى على خلاف يأتي بيانه في "باب ما يقول إذا زار القبور أو مر بها" وكذا ينتفع بالدعاء والصدقه باتفاق. والأصل في ذلك أنه يجوز للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره حيًا أو ميتًا عند جمهور أهل السنة منهم أبو حنيفة وأحمد سواء أكان العمل صلاة أو صومًا أو حجًا أو صدقة أو قراءة قرآن أو غير ذلك ويصل الثواب للميت وينفعه من غير أن ينقص من أجر العامل شيء لحديث ابن عمر مرفوعًا "إذا تصدق أحدكم بصدقة تطوعًا فليجعلها عن أبويه فيكون لهما أجرهما ولا ينقص من أجره شيء" رواه الطبراني والبيهقي في الشعب. وعن أنس أنه قال. يا رسول الله إنا نتصدق عن موتانا ونحج عنهم وندعو لهم فهل يصل ذلك إليهم؟ فقال نعم: إنه ليصل إليهم ويفرحون به كما يفرح أحدكم بالطبق إذا أهدى إليه. رواه أبو حفص العكبري. وروى الدارقطني أن رجلًا سأل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: كان لي أبوان أبرهما حال حياتهما فكيف لي ببرهما بعد موتهما؟ فقال له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إن من البر بعد الموت أن تصلي لهما مع صلاتك وتصوم لهما مع صيامك. وعن أبي هريرة أن رجلًا قال للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن أبي مات ولم يوص أينفعه أن اتصدق عنه؟ قال نعم رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه. والأحاديث في ذلك كثيرة. وقد أمر الله تعالى بالدعاء للوالدين في قوله (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا) وأخبر باستغفار الملائكة للمؤمنين قال تعالى (والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض) وقال "الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون به للذين امنوا" الآية فهذه الأدلة تفيد القطع بحصول الانتفاع بعمل الغير. ولا ينافيه قوله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) لأن المؤمن إذا عمل خيرًا وقصد به أخاه المؤمن وصل إليه بسبب إيمانه فكأنه من عمله وأيضًا فإن الآية مخصوصة بغير ما دلت عليه الأدلة السابقة من أن الإنسان ينتفع بعمل غيره من دعاء وصلاة وصدقه وقراءة قرآن. وعن عكرمة أن الآية خاصة بقوم موسى وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام: أما هذه الأمة فالواحد منها ينتفع بعمل غيره لما تقدم ولحديث ابن عباس أن رجلًا قال للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن اختي نذرت أن تحج وأنها ماتت فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لو كان عليها دين أكنت قاضية عنها؟ قال نعم قال فاقض دين الله تعالى فهو أحق بالقضاء. رواه البخاري ومسلم, وحديث "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقه جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وقيل المراد بالإنسان الكافر أي ليس له من الخير إلا ما عمل هو فيثاب عليه في الدنيا بالتوسعة في رزقه والعافية في بدنه وليس له في الآخرة شيء

المذاهب في وصول ثواب القراءة للميت وما قيل في آية "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى"

ودعوى نسخ الآية غير مسلمة لأنها من الأخبار والنسخ لا يجري في الخبر وجعل اللام في للإنسان بمعنى على بعيد من ظاهر الآية وسياقها لأنها عظة لمن تولى وأعطى قليلًا وأكدى قال مجاهد وابن زيد نزلت في الوليد بن المغيرة: كان قد سمع قراءة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وجلس إليه ووعظه فقرب من الإِسلام وطمع فيه رسول الله صلى الله تعالى وعلى آله وسلم ثم إنه عاتبه رجل من المشركين وقال له أتترك ملة آبائك؟ ارجع إلى دينك واثبت عليه وأنا اتحمل عنك كل شيء تخافه في الآخرة لكن على أن تعطيني كذا وكذا من المال فوافقه الوليد على ذلك ورجع عما هم به من الإِسلام وضل ضلالًا بعيدًا وأعطى بعض المال لذلك الرجل ثم أمسك عنه وشح اهـ وقد اختلف في وصول ثواب القراءة للميت: فإن كانت بغير أجر. فذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد إلى أنه ينتفع بها إذا أديت بخشوع ووقار. قال العلامة الزيلعي في باب الحج عن الغير من شرح الكنز: إن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره عند أهل السنة والجماعة صلاة كان أو صومًا أو حجا أو صدقه أو قراءة قرآن أو أذكار إلى غير ذلك من جميع أنواع البر ويصل ذلك إلى الميت وينفعه. وقالت المعتزلة ليس له ذلك ولا يصل إليه ولا ينفعه لقوله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) اهـ وقد علمت أن الآية لا تنافي انتفاع الميت بعمل غيره فلا تصح دليلًا للمعتزلة. قال ابن القيم في كتاب الروح أفضل ما يهدى إلى الميت العتق والصدقة والاستغفار والدعاء له والحج عنه, وأما قراءة القرآن وإهداؤها له تطوعًا بغير أجره يصل إليه كما يصل ثواب الصوم والحج والمشهور عن مالك والشافعي أن ثوابها لا يصل إلى الميت أخذًا بعموم قوله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) قال ابن كثير: ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله تعالى ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمته ولا حثهم عليه ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولو كان خيرًا لسبقوا إليه, وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والأراء, فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما ومنصوص من الشارع عليهما "وأما الحديث" الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم" إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث من ولد صالح يدعو له أو صدقه جارية من بعده أو علم ينتفع به" "فهذه الثلاثه" في الحقيقة من سعيه وكده وعمله كما جاء في الحديث "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه" والصدقة الجارية كالوقف ونحوه من آثار عمله ووقفه وقد قال تعالى (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم) الآية والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده هو أيضًا

ما به يصل ثواب القراءة للميت باتفاق

من سعيه وعمله, وثبت في الصحيح من "دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا والحديث رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة, والمختار عند بعض أصحاب مالك والشافعي أنه يصل إذا جعلها من قبيل الدعاء كأن يقول بعد القراءة اللهم اجعل ثواب ما قراته لفلان: قال الإمام النووي في الأذكار: أجمع العلماء على أن الدعاء للأموات ينفعهم ويصلهم ثوابه واحتجوا بقول الله تعالى (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان) وغير ذلك من الآيات المشهوره بمعناها وبالأحاديث المشهورة كقوله صلى الله عليه وسلم "اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد" ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم (اللهم اغفر لحينا وميتنا) وغير ذلك. واختلف العلماء في وصول ثواب قراءة القرآن, فالمشهور من مذهب الشافعي وجماعة أنه لا يصل وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أنه يصل فالاختيار أن يقول القارئ بعد فراغه اللهم أوصل ثواب ما قراته إلى فلان اهـ وقال ابن أبي زيد في رسالته وشارحها العلامة النفراوي وأرخص أي استحب بعض العلماء وهو ابن حبيب في القراءة عند رأسه أو رجليه" أي المحتضر" (بسورة يس) لخبر "إذا قرئت عليه سورة يس بعث الله ملكًا لملك الموت أن هون على عبدي الموت" وحديث أبي الدرداء أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "ما من ميت تقرأ عند سورة يس إلا هون الله عليه" وقال أيضًا "اقرءوا على موتاكم يس" وقال ابن حبان أراد به بعض من حضره الموت لا أن الميت يقرأ عليه (ولم يكن ذلك) أي المذكور من القراءة عند المحتضر عند مالك "أمرًا معمولًا" به تكره عنده قراءة يس أو غيرها عند موته أو بعده أو على قبره. قال ابن عرفة وغيره من العلماء: ومحل الكراهة عند مالك في تلك الحالة إذا فعلت على وجه السنية, وأما لو فعلت على وجه التبرك بها ورجاء حصول بركة القرآن للميت فلا وأقول هذا هو الذي يقصده الناس بالقراءة فلا ينبغي كراهة ذلك في هذا الزمان, وتصح الإجارة عليها. قال القرافي والذي يظهر حصول بركه القرآن للأموات كحصولها بمجاورة الرجل "الصالح إلى أن قال" وذكر صاحب المدخل أن من أراد حصول بركة قراءته وثوابها للميت بلا خلاف فليجعل ذلك دعاء فيقول: اللهم أوصل ثواب ما أقرأه لفلان أو ما قرأته, وحينئذ يحصل للميت ثواب القراءة, وللقارئ ثواب الدعاء اهـ كلام النفراوي. أما القراءة بأجر ولو بلا شرط فذهبت الحنفية والحنابلة إلى أنه لا ثواب فيها, وأن الآخذ والمعطي آثمان لحديث عبد الرحمن ابن شبل أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "اقرءوا القرآن واعملوا به ولا تجفوا عنه ولا تغلو فيه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به" رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني والبيهقي في الشعب بسند رجاله ثقات. وذهبت الشافعية والمالكية إلى جواز أخذ الأجر على قراءة القرآن

باب الجلوس عند المصيبة

لإطلاق حديث ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله. أخرجه البخاري. وحمله الأولون على خصوص ما ورد فيه من الرقى جمعًا بين الأحاديث وسيأتي لهذا المبحث مزيد بيان في "باب التعزية" (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه والبيهقي وابن حبان والحاكم وقال: أوقفه يحيى بن سعيد وغيره عن سليمان التيمي, والقول فيه قول ابن المبارك إذ الزيادة من الثقة مقبولة, وأخرجه أحمد والنسائي بلفظ "قلب القرآن يس لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له اقرءوها على موتاكم" قال الدارقطني هذا الحديث "حديث الباب" ضعيف الإسناد مجهول المتن ولا يصح في الباب شيء اهـ وأعله ابن القطان بالاضطراب وبالوقف وبجهاله أبي عثمان وأبيه المذكورين في السند (باب الجلوس عند المصيبة) وفي بعض النسخ "باب الجلوس في المسجد وقت التعزية" والمراد بالمصيبة هنا الموت (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا قُتِلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْحُزْنُ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ. (ش (عمرة) بنت عبد الله الأنصارية تقدمت بالثالث ص 82 (قوله لما قتل زيد بن حارثه الخ) كان قتلهم في غزوة مؤته, و (جعفر) بن أبي طالب (قوله جلس رسول الله في المسجد) أي للتعزية ويحتمل أن جلوسه كان اتفاقيًا (قوله يعرف في وجهه الحزن) كأنه كظم الحزن فظهر منه صلى الله عليه وسلم ما لا بد من ظهوره حسب الجبلة البشرية (قوله وذكر القصة) أي ذكر يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قصة هؤلاء الجماعة. وتمامها كما في البخاري وأنا اطلع من شق الباب فأتاه رجل فقال أي رسول الله إن نساء جعفر وذكر بكاءهن فأمره بأن ينهاهن فذهب الرجل ثم أتى فقال قد نهيتهن وذكر أنه لم يطعنه فأمره الثانية أن ينهاهن فذهب ثم أتى فقال والله لقد غلبنني أو غلبننا" الشك من محمَّد بن عبد الله بن حوشب" فزعمت أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال فاحث في أفواههن التراب فقلت أرغم الله أنفك فوالله ما أنت بفاعل وما تركت رسول الله من العناء. وحاصل قصة قتل هؤلاء ما ذكره أهل السير أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدي أحد بني لهب بكتابه إلى الشام إلى ملك الروم أو بصري فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فأوثقه رباطًا ثم قدمه فضرب

غزوة مؤتة وقتل زيد بن حارثة ومن معه

عنقه ولم يقتل لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رسول غيره فاشتد ذلك عليه حين بلغه الخبر فبعث البعث واستعمل عليه زيد بن حارثه وقال: إن أصيب فجعفر بن أبي طالب على الناس فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة فتجهز الناس وهو ثلاثه آلاف حضر خروجهم ودع الناس أمراء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليهم فبكى عبد الله بن رواحة فقالوا ما يبكيك؟ فقال: أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم ولكني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتمًا مقضيًا) فلست أدرى كيف لي بالصدر بعد الورود فقال المسلمون صحبكم الله بالسلامة ودفع عنكم وردكم إلينا صالحين فقال عبد الله بن رواحة لكننى أسأل الرحمن مغفرة ... وضربه ذات قرع تقذف الزبدا أو طعنة بيدي حران مجهزة ... بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا حتى يقال إذا مروا على جدثي ... أرشده الله من غاز وقد رشدا ثم مضوا حتى نزلوا معان فبلغ الناس أن هرقل بالبلقاء في مائه ألف من الروم وانضم إليهم من لخم وجذام وبلقين وبهراء مائه ألف, فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين ينظرون في أمرهم وقالوا نكتب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنخبره بعد عدونا فإما أن يمدنا بالرجال وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له فشجع الناس عبد الله بن رواحة فقال يا قوم: والله الذي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة, وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا به الله فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظفر وإما شهادة فمضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم الجموع بقرية يقال لها مشارف فدنا العدو وانحاز المسلمون إلى مؤته فالتقى الناس عندها فصف المسلمون ثم اقتتلوا والراية في يد زيد بن حارثه فلم يزل يقاتل حتى شاط في رماح القوم وخر صريعًا, وأخذها جعفر فقاتل حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه فعقرها, فكان جعفر أول من عقر فرسه في الإِسلام عند القتال ثم قاتل فقطعت يمينه, فأخذ الراية بيساره فقطعت يساره فاحتضن الراية وقاتل حتى قتل وله ثلاث وثلاثون سنة, ثم أخذها عبد الله بن رواحة وتقدم بها وهو على فرسه فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد ثم نزل فأتاه ابن عم له بعرق من لحم فقال شد بها صلبك فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت فأخذه من يده فانتهس منه نهسه ثم سمع الحطمة في ناحية الناس فقال وأنت في الدنيا؟ ثم ألقاه من يده ثم أخذ سيفه وتقدم فقاتل حتى قتل ثم أخذ الراية ثابت بن قرم أخو بني عجلان فقال: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم قالوا أنت قال ما أنا بفاعل فاصطلح الناس على خالد بن الوليد فلما أخذ الراية دافع القوم وحاشر بهم

ثم انحاز بالمسلمين وانصرف بالناس (وقد ذكر) ابن سعد أن الهزيمه كانت على الروم والصحيح ما ذكره ابن إسحاق أن كل فئه انحازت عن الأخرى وأطلع الله سبحانه على ذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من يومهم ذلك فأخبر به أصحابه وقال: لقد رفعوا لي في الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازورارًا عن سرير صاحبيه فقلت عم هذا؟ فقيل لي مضيا وتردد عبد الله بعض التردد ثم مضى (وذكر عبد الرزاق) عن ابن عيينة عن ابن جدعان عن ابن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مثل لي جعفر وزيد وابن رواحة في خيمة من در كل واحد منهم على سرير فرأيت زيدًا وابن رواحة في أعناقهما صدود ورأيت جعفرًا مستقيمًا ليس فيه صدود قال فسألت أو قيل لي إنهما حين غشيهما الموت عرضًا أو كأنهما صدّا بوجههما وأما جعفر فإنه لم يفعل وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في جعفر: إن الله أبدله بيديه جناحان يطير بهما في الجنة حيث شاء (قال ابن عبد البر) وروينا عن ابن عمر أنه قال وجدنا ما بين صدر جعفر ومنكبيه وما أقبل من تسعين جراحه ما بين ضربه بالسيف وطعنه بالرمح (وقال) موسى بن عقبة قدم يعلى بن منبه على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بخبر أهل مؤته فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن شئت فأخبرتك: قال أخبرني يا رسول الله فأخبره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خبرهم كله ووصفهم له فقال: والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفًا واحدًا لم تذكره وإن أمرهم لكما ذكرت, فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إن الله رفع لي الأرض حتى رأيت معتركهم, واستشهد يومئذ وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة ومسعود بن الأوس. ووهب بن سعد بن أبي سرح وعباد بن قيس وحارثه بن النعمان وسراقة بن عمر بن عطية وأبو كليب وجابر ابنا عمرو بن زيد وعامر وعمرو ابنا سعيد ابن الحارث (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية الجلوس في المسجد عند المصيبة وعلى أنه ينبغي لمن أصيب بمصيبه أن يقتدي بالنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الاعتدال: فلا يبالغ في الحزن حتى يقع في المحظور من لطم الوجه وشق الثوب والصياح والدعاء بما لا ينبغى ولا يبالغ في التجلد مظهرًا الاستخفاف بالمصيبة بل يجلس خاشعًا تبدو عليه علامة الحزن وعلى جواز نظر النساء المحتجبات إلى الرجال الأجانب, ومحل ذلك ما لم يكن بشهوة وعلى جواز تأديب من نهى عن منكر ولم ينته (والحديث) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والبيهقي

باب التعزية

(باب التعزية) أي تسلية المصاب وحمله على الصبر كأن يقول له أعظم الله لك الأجر وألهمك الصبر حتى يكون ممن قال الله فيهم وبشر الصابرين الآية (ص) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ الْهَمْدَانِيُّ نَا الْمُفَضَّلُ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ الْمَعَافِرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ قَبَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-يَعْنِي مَيِّتًا- فَلَمَّا فَرَغْنَا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَانْصَرَفْنَا مَعَهُ فَلَمَّا حَاذَى بَابَهُ وَقَفَ فَإِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ مُقْبِلَةٍ -قَالَ أَظُنُّهُ عَرَفَهَا- فَلَمَّا ذَهَبَتْ إِذَا هِيَ فَاطِمَةُ -عَلَيْهَا السَّلاَمُ- فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَا أَخْرَجَكِ يَا فَاطِمَةُ مِنْ بَيْتِكِ". فَقَالَتْ أَتَيْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ فَرَحَّمْتُ إِلَيْهِمْ مَيِّتَهُمْ أَوْ عَزَّيْتُهُمْ بِهِ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "فَلَعَلَّكِ بَلَغْتِ مَعَهُمُ الْكُدَى". قَالَتْ مَعَاذَ اللَّهِ وَقَدْ سَمِعْتُكَ تَذْكُرُ فِيهَا مَا تَذْكُرُ. قَالَ "لَوْ بَلَغْتِ مَعَهُمُ الْكُدَى". فَذَكَرَ تَشْدِيدًا فِي ذَلِكَ فَسَأَلْتُ رَبِيعَةَ عَنِ الْكُدَى فَقَالَ الْقُبُورُ فِيمَا أَحْسِبُ. (ش) (رجال الحديث) (المفضل) بن فضالة و (ربيعة بن سيف) بن ماتع بكسر التاء الاسكندراني روى عن فضالة بن عبيد وعياض بن عقبة وآخرين. وعنه سعيد بن أبي هلال وسعيد ابن أبي أيوب والليث وجماعة. وثقه العجلي وقال البخاري روى أحاديث لا يتابع عليها وعنده مناكير وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئ كثيرًا وضعفه النسائي. توفي في عهد هشام بن عبد الملك روى له أبو داود والنسائي والترمذي. و (المعافري) نسبه إلى معافر قبيلة باليمن تنسب إليها الثياب المعافرية (معنى الحديث) (قوله قبرنا مع رسول الله الخ) أي دفنا معه ميتًا والعناية من أبي عبد الرحمن الحلبي يشير إلى ان عبد الله بن عمرو وشيخه لم يذكر مفعول قبرنا وأن المعنى عليه (قوله أظنه عرفها) أي قال عبد الله بن عمرو أظن أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عرف المرأة المقبلة (قوله فلما ذهبت إذا هي فاطمة الخ) يعني لما وصلت إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكادت أن تذهب عرف أنها فاطمة. وفي رواية النسائي بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه

بعض ما ورد في فضلها

وعلى آله وسلم إذ بصر بامرأة لا تظن أنه عرفها, فلما توسط الطريق وقف حتى انتهيت إليه فإذا هي فاطمة بنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله فرحمت إليهم ميتهم الخ) أي دعوت له بالرحمة وسيلت أهله بالصبر, فأوفى قوله أو عزيتهم بمعنى الواو كما في رواية النسائي (قوله فلعلك بلغت معهم الكدى) يعني القبور كما ذكر بعد والكدى بضم الكاف جمع كدية, وهي في الأصل القطعه الصلبة من الأرض سميت قبورهم بها لأنها كانت تحفر في المواضع الصلبة خشيه السقوط (قوله وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر) تعنى الوعيد الذي ذكره في زيارة النساء القبور كما سيأتي عن ابن عباس مرفوعًا (لعن رسول الله زائرات القبور) (قوله فذكر تشديدًا في ذلك) يعني في زيارة النساء القبور وقد صرح به عند النسائي ففيه فقال لو بلغتيها معهم ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك. والمعنى أنها لو ذهبت معهم إلى المقابر ما رأت الجنة أبدًا على حد قوله تعالى "ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط" وذهاب النساء إلى القبور ليس كفرًا بالاتفاق فالمراد التغليط والتشديد في ذلك, أو يقال أنها لو ذهبت إلى المقابر لأفضى بها ذلك إلى معصية أخرى وهكذا إلى أن يصل بها الأمر إلى الكفر فلا ترى الجنة أصلًا أعاذها الله من ذلك. وهذا بناء على القول بأن أهل الفترة غير ناجين, أما على القول بنجاتهم فيكون المعنى أن عبد المطلب لا يدخل الجنة مع السابقين بل يتقدم ذلك عذاب أو شدّة, فلو بلغت معهم المقابر لتأخرت عن رؤية الجنة ودخولها إلى أن يدخلها جد أبيها عبد المطلب (فقه الحديث) دل الحديث على استحباب الذهاب مع الميت إلى القبر والوقوف عنده إلى دفنه. وعلى جواز خروج المرأة إلى تعزية جيرانها وصواحباتها. وعلى عدم جواز ذهاب المرأة إلى القبر. وعلى مشروعية التعزية. وقد جاء في فضل التعزية والترغيب فيها أحاديث. منها ما أخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن محمَّد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عَزَّ وَجَلَّ من حلل الكرامة يوم القيامة" ومنها ما أخرجه هو والترمذي والحاكم عن الأسود عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "من عزى مصابًا فله مثل أجره" قال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن عاصم. ويذكر المعزي للمصاب ما يحمله على الصبر والرضا بالقضاء ولم يحد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ذلك حدًا وقد ورد عنه في ذلك ألفاظ. منها ما أخرجه البخاري ومسلم ويأتي للمصنف في "باب البكاء على الميت" من حديث أسامة بن زيد أن ابنة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أرسلت إليه وأنا معه وسعد وأحسب أبيًا أن ابني أو ابنتي قد حضر فاشهدنا الحديث. ومنها ما رواه الحاكم وابن مردويه عن معاذ بن جبل ان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كتب إليه يعزيه في ابن له

ألفاظها. المذاهب في وقتها

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من محمَّد رسول الله إلى معاذ بن جبل سلام عليكم فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو "أما بعد" فأعظم الله لك الأجر وألهمك الصبر ورزقنا وإياك الشكر فإن أنفسنا وأمولنا وأهلينا وأولادنا من مواهب الله عَزَّ وَجَلَّ الهنيئة وعواريه المستودعة متع بها إلى أجل معدود ويقبضها لوقت معلوم ثم افترض علينا الشكر إذا أعطى والصبر إذا ابتلى فكان ابنك من مواهب الله الهنيئة وعواريه المستودعه متعك به في غبطة وسرور وقبضه منك بأجر كثير الصلاة والرحمة والهدى إن احتسبت فاصبر ولا يحبط جزعك أجرك فتندم, واعلم أن الجزع لا يرد شيئًا ولا يدفع حزنًا وما هو نازل فكان والسلام. ومنها ما رواه الإمام أحمد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عزى رجلًا فقال له رحمك الله وآجرك: ومنها ما ورد في تعزية الملائكة للصحابة في النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. فقد روى الحاكم وحسنه من حديث جابر بن عبد الله قال: لما توفي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جاءتهم الملائكة يسمعون الحس ولا يرون الشخص قالت: السلام عليكم ورحمه الله إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفًا من كل فائت فبالله فثقوا وإياه فارجوا إنما المحروم من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمه الله. وروى الشافعي في مسنده نحوه. وروى الحاكم أيضًا من حديث أنس قال لما قبض رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحدق به أصحابه فبكوا حوله واجتمعوا فدخل رجل أصهب اللحية "فيها حمرة" جسيم صبيح فتخطى رقابهم فبكى ثم التفت إلى أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: إن في الله عزاء من كل مصيبة وعوضًا من كل فائت وخلفًا من كل هالك فإلى الله فأنيبوا وإليه فارغبوا ونظرة اليكم في البلاء فانظروا فإنما المصاب من لم يجبر وانصرف فقال بعضهم لبعض تعرفون الرجل؟ قال أبو بكر وعلي نعم هذا أخو رسول الله الخضر وقد ذكر الفقهاء في ذلك عبارات. منها آجركم الله في مصيبتكم وأعقبكم الله خيرًا منها إنا لله وإنا إليه راجعون. ومنها أعظم الله أجرك وجبر مصيبتك وأحسن عزاءك عنها وأعقبك عقبًا نافعًا لدنياك وآخرتك. ومنها أعظم الله أجرك وأحسن عقابك وغفر لمتوفاك. ومنها أعظم الله أجرك على مصيبتك وأحسن عزاءك عنها وعقباك منها غفر الله لميتك ورحمة وجعل ما خرج إليه خيرًا مما خرج منه. واختلفوا في وقت التعزية. فذهبت المالكية والحنفية وأحمد وجمهور الشافعية إلى استحبابها قبل الدفن وبعده بثلاث أيام وتكره بعدها لأن المقصود تسكين قلب المصاب والغالب سكونه بعد الثلاثة فلا يجدد له الحزن وقد جعل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الثلاثة نهاية الحزن حيث قال "لا يحل لامرأه تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثه أيام إلا على زوج أربعه أشهر وعشرًا" رواه البخاري. واستثنوا من ذلك ما إذا كان المعزي أو المعزى غائبًا فتبقى التعزية له إلى قدومه. قال الطبري والظاهر امتدادها بعد قدومه

حكم الجلوس لخصوص التعزية

ثلاثة أيام, ويلحق بالغيبة المرض وعدم العلم بالوفاة. وذهب بعض الشافعية إلى أنه لا حد لوقتها قال النووي في شرح المهذب: حكى إمام الحرمين وجهًا أنه لا أمد للتعزية بل تبقى بعد ثلاثة أيام وإن طال الزمان, لأن الغرض الدعاء والحمل على الصبر والنهي عن الجزع وذلك يحصل مع طول الزمان وبهذا الوجه قطع أبو العباس بن القاص. اهـ واختلفوا أيضًا في الجلوس لها بأن يجتمع أهل الميت في نحو بيت ويقصدهم من أراد التعزية. فقالت الشافعية والحنابلة بكراهته للرجال والنساء بل ينصرف أهل الميت إلى حوائجهم فمن صادفهم عزاهم لأن الجلوس لها محدث وبدعة "أما ما ثبت" عن عائشة من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جلس في المسجد لما جاءه قتل زيد بن حارثه وجعفر وابن رواحة "فلا نسلم" أن جلوسه كان لأجل أن يأتيه الناس للتعزية. قال الشافعي في الأم: أكره المآتم وهي الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء فإن ذلك يجدد الحزن ويكلف المؤنة وقال العلامة عبد الله بن قدامة الحنبلي في كتابه المغني قال أبو الخطاب: يكره الجلوس للتعزية, وقال ابن عقيل يكره الاجتماع بعد خروج الروح لأن فيه تهييجًا للحزن وقالت الحنفية يجوز الجلوس للتعزية ثلاثة أيام للرجال دون النساء في غير مسجد, وقال الزيلعي في شرح الكنز لا بأس بالجلوس للتعزية ثلاثة أيام من غير ارتكاب محذور من فرش البسط والأطعمة لأنها تتخذ عند السرور وذهب جماعة منهم إلى كراهته مطلقًا: قال العلامة ابن عابدين في حاشيته رد المحتار على الدر المختار: وفي الإمداد قال كثير من متأخري أئمتنا يكره الاجتماع عند صاحب البيت ويكره له الجلوس في بيته حتى يأتي إليه من يعزي بل إذا فرغ ورجع الناس من الدفن فليتفرقوا ويشتغل الناس بأمورهم وصاحب البيت بأمره. ونقل الحطاب من المالكية عن سند أنه يجوز الجلوس لها ولم نعثر فيه على مدة معينة. ومحل هذا الخلاف إذا خلا المجلس من المنكرات وإلا امتنع اتفاقًا كما يقع من غالب أهل زماننا, فإن جلوسهم للتعزية يشتمل على مخالفات (منها) أن أهل الميت يجلسون في مكان بقصد أن تعزيهم الناس ويحضرون أشخاصًا يقرءون القرآن بقصد إسماع الحاضرين في نظير أجر يأخذونه على قراءتهم, وغالب هذه المجالس في الأمصار تكون في الشوارع والطرقات المعدة للمرور ويكثر إذ ذاك شرب الدخان واللغط ويحيي بعضهم بعضًا بتحيات غير إسلامية نحو نهارك سعيد أو ليلتك سعيدة فيشوشون على القارئ برفع أصواتهم وينضم إلى ذلك اشتغالهم بشرب نحو القهوة والشاي مع رفع الأصوات ومن المعلوم أن هذه الأمور كلها منكرات مخالفة لما كان عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه والسلف الصالح مضادة للشريعة المطهرة ولا سيما قراءة القرآن في الطرق القذرة وحال شرب الدخان الذي تنفر منه الملائكة وكل من له طبع سليم من الآدميين. كيف يرتكب عاقل شيئًا مما ذكر, وقد ورد في الفرقان والتوراة أنه يلزم المستمع كلام الله تعالى أن يكون في غاية

ما يطلب من سامع القرآن

الأدب والخشوع متدبرًا ما يتلى عليه ليعلمه الله بالرحمة والإحسان قال الله تعالى "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون" وقال تعالى "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" وقال في التوراة "يا عبدي أما تستحي مني إذا يأتيك كتاب من بعض إخوانك وأنت في الطريق تمشي فتعدل على الطريق وتقعد لأجله وتقرأه وتتدبره حرفًا حرفًا حتى لا يفوتك منه شيء وهذا كتابي أنزلته إليك انظره كم فصلت لك فيه من القول وكم كررت فيه عليك لتتأمل طوله وعرضه ثم أنت معرض عنه أو كنت أهون عليك من بعض إخوانك؟ يا عبدي يقصد إليك بعض إخوانك فتقبل عليه بكل وجهك وتصغي إلى حديثه بكل قلبك فإن تكلم متكلم أو شغلك شاغل في حديثه أومأت إليه أن كف وها أنا مقبل عليك ومحدث لك وأنت معرض بقلبك عني أفجعلتني أهون عندك من بعض إخوانك؟ "اهـ وأيضًا فإن شرب الدخان في ذاته حرم فضلًا عن حرمة تعاطيه في مجلس القرآن. ووجه حرمته أنه مضر بالصحة بأخبار الأطباء, ولا خلاف بين العلماء في تحريم تعاطي المضر. وأيضًا هو مؤذ لمن يتعاطاه خصوصًا في مجامع الصلاة ونحوها ومؤذ للملائكة. وقد روى الشيخان في صحيحهما عن جابر مرفوعًا "من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزلنا وليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته" ومعلوم أن رائحة الدخان ليست أقل من رائحة الثوم والبصل وفي الصحيحين عن جابر أيضًا "إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس" وفي الطبراني في الأوسط عن أنس بإسناد حسن مرفوعًا "من آذى مسلمًا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تعالى" وفي شرب الدخان إسراف وتبذير إذ ليس فيه نفع مباح خال عن الضرر بل فيه الضرر بأخبار أهل المعرفه كما علمت وحرمة ما فيه الإسراف أو الضرر ثابتة عقلًا وشرعًا ولهذا أفتى كثيرًا من أكابر علماء المذاهب بتحريمه. فقد سئل عنه الشيخ مصطفى البولاقي المالكي بما نصه: ما قولكم دام فضلكم في فقيه دخل بيتنا فوجد فيه جماعة يقرءون القرآن ويشربون الدخان في مجلس القرآن فنهاهم عن شربه في هذه الحالة فامتثلوا وتابوا وحلفوا أن لا يعودوا لهذا الأمر فجاء رجل آخر يزعم أنه من علماء المالكية وسب الناهى واغتابه وكذبه وردهم جميعًا إلى شربه فهل الحق مع الأول؟ أفيدوا الجواب (فأجاب) بقوله الحمد لله الدخان المشروب لا نص فيه للمتقدمين لعدم وجوده في زمانهم وإنما حدث بعد الألف, وكان حدوثه في مصر في زمن اللقاني والأجهوري فأفتى اللقاني بتحريمه ونسب ذلك للشيخ سالم السنهوري وألف في تحريمه وتبعه الخرشي وجماعات وعلل بتعاليل منها إضاعة المال بحرقه من غير فائدة وأفتى الأجهوري بعدم التحريم وألف في ذلك ورد على من قال بالتحريم وتبعه جماعات (من المغرمين بشربه) وأدلة التحريم أقوى (ولا وجه للقول بالحل) وكل هذا في غير المساجد والمحافل, وأما فيها فلا شك في التحريم لأن له رائحة كريهة وإنكارها عناد وقد ذكر في المجموع في باب الجمعة أنه يحرم تعاطى ما له رائحة

كلام بعض السادة الحنفية في شرب الدخان

كريهة في المسجد والمحافل. ومعلوم أنه عند قراءة القرآن يشتد التحريم لما في ذلك من عدم التعظيم فمن أنكر مثل هذا لا يخاطب لجموده أو عناده وبالجمله فالمفتي الأول الذي نهى عن شرب الدخان في مجلس القرآن قد أصاب في نهيه أثابه الله الجنة والذي كذبه في ذلك هو الكاذب فهو ضال مضل إن لم يكن معذورًا لنحو سهو أو نسيان ونعوذ بالله من التساهل والله أعلم. ذكره العلامة الشيخ محمَّد عليش في كتابه فتح العلي المالك صفحه 131 جزء أول. وقال العلامة الفاضل العبجي الحلبي الحنفي في كتاب الأشربة من شرحه على الدر المختار شرح تنوير الأبصار بعد نقل الشارح تحريم الدخان عن شيخه النجم الغزي وقد أوضحنا تحريمه في رسالة لم تسبق بنظير أدخلنا تحريمه فيها تحت الأصول الأربعة الكتاب والسنة والإجماع والقياس ورددنا كل ما نلقاه من كلام الغير ردًا جامعًا مانعًا مؤيدًا بالحجج القاطعة والبراهين الساطعة (إلى أن قال) وهاك المقصود لنا من الرسالة السابقة الذكر (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الحمد لله الموفق للصواب والصلاة والسلام على من أوتي الحكمة وفصل الخطاب وعلى آله وأصحابه السادة الأنجاب. "أما بعد" فإن مما عمت به البلوى في سائر البلاد حتى شملت جميع أصناف الناس إلا من عصمه الله من العباد استعمال الدخان المعروف في هذه الأزمان فإنه بدعة منكرة في سائر الأديان بل نقل الإمام الحنفي عن بعض أشياخه العارفين أن شربه في مجلس القرآن يخشى منه سوء الخاتمة أعاذنا الله تعالى منها وكرمه إنه جواد كريم. وهو بنوعيه المعلومين أعني التوتون والتنباك من جملة المفترات على التحقيق ومن جملة المضرات بالصحه على القول الحقيق وكل ما كان كذلك لا شك في تحريمه وتأثيم متعاطيه لدى ذوي العرفان. ثم قال قال العلامة الشيخ محمَّد علاء الدين الحصكفي في كتاب الأشربة من كتاب الدر المختار شرح تنوير الأبصار نقلًا عن شيخه العلامة الفاضل الشهير بالنجم الغزي الشافعي في شرحه على منظومة والده الشهير بالبدر الغزي التي وضعها في بيان الكبائر والصغائر ما نصه مع الإيضاح والبيان. والتوتون الذي حدث وكان حدوثه بدمشق سنه خمس عشرة بعد الألف يدعي شاربه أنه لا يسكر وإن سلم له مدعاه بأنه لا يسكر فإنه مفتر وهو حرام (لحديث) أحمد المروي في مسنده الصحيح بسنده عن أم سلمة قالت (نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن كل مسكر ومفتر) قال أي الإمام النجم الغزي وليس من الكبائر تناوله المرة أو المرتين أي بل الإصرار عليه يكون كبيرة كسائر الصغائر. ويثبت الإصرار بتناوله ثلاث مرات. قال ومع نهى ولي الأمر عنه حرام قطعًا أي لوجوب الدخول تحت طاعته أمرًا ونهيًا. قال العلامة الطحاوي وفي حاشيته على الدر المختار وقواعدنا لا تأباه يعني أن قواعد أئمتنا الحنفية كالشافعية لا تأبى تحريم تناوله لنهي ولي الأمر عنه كما هو منصوص في كثير من المعتبرات الفقهية. وقد ألف في بيان أضراره كثير من الأطباء

بيان بعض المخالفات التي تنشأ عن الجلوس للتعزية

وفي بيان تحريمه كثير من العلماء. وعلى فرض أنه مكروه فلا يرتكبه إلا جاهل أو متساهل بدينه إذ اللائق بالعاقل أن يحتاط في أموره لا سيما الأحكام فيتباعد عن ارتكاب المكروه إذ ربما جره ارتكابه إلى ارتكاب الحرام. فقد قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه) رواه الشيخان من حديث النعمان بن بشير. وقال صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه , وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم) رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة. قال في المدخل فما وقع النهى عنه فلا يقرب لنص هذا الحديث. والنهى إذا ورد تناول المحرم والمكروه كما أن الأمر إذا ورد يتناول الواجب والمندوب قال وقالوا ارتكاب الكبائر أهون من استصغار الصغائر لأن مرتكب الكبيرة يرجع له أن يرجع إلى الله تعالى ومن تهاون بالصغائر قلّ أن يرجع عنها لأنها عنده ليست بشيء وقد قالوا لا كبيره مع الاستغفار ولا صغيره مع الإصرار. وكيف لا والمناسب لمن أراد سلوك سبيل الفلاح أن يستغفر من فعل الشهوات والمكروهات. قال الإمام الشعراني في متنه (اعلم) أن من جملة الاحتياط اجتناب المكروه كأنه حرام والاعتناء بالسنن كأنها واجبة تعظيمًا لأمر الله تعالى وسمعت سيدي عليًا الخواص رحمه الله تعالى يقول كلما ازداد العبد معرفه بالله تعالى كلما اعتنى بالتعظيم لأمره ونهيه وكلما بعد عن الله تعالى كلما تهاون بفعل ما أمر الله به واجتناب ما نهى الله عنه. وقال في متن التنوير وشرحه للحنفية كل مكروه حرام عند محمَّد ومثله البدعة. وعند أبي حنيفة وأبي يوسف إلى الحرام أقرب ومثله البدعة. ومن أراد زياده البيان فيما يتعلق بشرب الدخان فعليه بكتابنا "الرساله البديعة الرفيعة" ففيها ما أفتى به العلماء الأعلام على اختلاف مذاهبهم والله الموفق للصواب (ومن المخالفات) التي يرتكبونها من أجل الجلوس للتعزية ما يقع من كثير من الناس من صرفهم الأموال الكثيره من تركه الميت التي ربما آل أمرها إلى أيتام فيذبحون ذبائح ويجمعون الناس على الطعام ويغتنم من لا خلاق له الأكل من ذلك ويوقدون مصابيح كثيره ويؤجرون دككًا للجلوس عليها وخيمًا ونحو ذلك مما يصرف أجره من مال اليتيم أو الفقير الذي يحتاج إليه فيما لا بد منه ولم يحملهم على ذلك إلا حب المحمدة والرياء وربما أداهم ذلك إلى التداين بالربا الذي هو محرم بالكتاب والسنة والإجماع. فلو كان المكث ثلاثه أيام لمن مات واجبًا لسقط بعدم القدرة عليه فما بالك إذا كان مخالفًا للشريعة المحمدية. إذا علمت هذا تعلم فساد قول بعض الجهلة إن لم أفعل هذا عيرني الناس بقولهم فلان لم يقدر على القيام بالإنفاق على مأتم قريبه ثلاثه أيام كعادة الناس. ولذا صاروا يتفاخرون بذلك ليقال فلان فعل في مأتم أبيه مثلًا فعلا لا يقدر عليه غيره. ويقولون لا نقدر على ترك هذا العمل الذي جرت به العاده مع أنهم يتركون

كلام المذاهب في منكرات المآتم

ما أوجبه الله تعالى عليهم من صوم وصلاة وزكاة وحج ونحو ذلك فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وأذكر لك طرفًا مما قاله علماء المذاهب في هذا الشأن لتزداد يقينًا من فظاعة ما يرتكبه كثير من أهل زماننا. قال الشيخ الدردير المالكي في شرحه على متن خليل بعد كلام. وأما الاجتماع على طعام بيت الميت فبدعة مكروهة إن لم يكن في الورثة صغير وإلا فهو حرام. ومن الضلال الفظيع والمنكر والشماتة البينة والحماقة غير الهينة تعليق الثريات (النجف) وإدامة القهوات في بيوت الأموات والاجتماع فيها للحكايات وتضيع الأوقات في المنهيات مع المباهاة والمفاخرات ولا يفكرون فيمن دفنوه في التراب تحت الأقدام ووضوعه في بيت الظلام والهوام ولا في وحشته وضمته وهول السؤال ولا فيما انتهى إليه الحال من الروح والريحان والنعيم أو الضرب بمقاعد الحديد والاشتعال بنار الجحيم ولو نزل عليهم كتاب بانتهاء الموت وأنهم مخلدون بعده لقلنا إنما يفعلونه فرحًا بذلك ولكن الهوى أعماهم وأصمهم. وإن سئلوا عن ذلك أجابوا باتباع العادة والمباهاة وعمدة الناس والزيادة فهل في ذلك خير؟ كلا بل هو شر وخسران وضير. وقد سئل شيخ المشياخ ومفتي الأنام الشيخ محمَّد عليش الكبير المالكي بما نصه. ما قولكم فيما يقع عندنا من أكل شركاء اليتامى في الزرع وغير شركائهم من مالهم ضيافة ومن التصدق منها ومن استعمال دوابهم ومن أكل الضيوف والزائر منها إذا كانت عادة آبائهم وكان كل ذلك مع عدم وصي شرعي وهل إذا وقع ذلك يكون كبيرة أم كيف الحال؟ فأجاب بما نصه. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمَّد رسول الله لا يجوز لشركاء الأيتام ولا غيرهم الأكل من أموالهم ضيافة ولا التصدق بشيء منها ولا استعمال دوابهم ولا يجوز للضيوف ولا للزائر الأكل منها ولو كان عادة آبائهم وإذا وقع شيء من ذلك يكون كبيرة فتجب التوبة منها وغرم مثل المأكول أو المتصدق به أو قيمته إلا ما أكل في توسعة نفقة عيد وختن وعرس بالمعروف فهو جائز إذا كان لليتيم وصي دعاه إليه قال تعالى (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا) وقالت السادة الشافعية. يكره لأهل الميت صنع طعام يجمعون الناس عليه قبل الدفن أو بعده فلا تصح الوصي هبه. ومن البدع المنكره ما يفعله الناس مما يسمى بالكفارة والوحشة والجمع والأربعين ونحو ذلك بل كل ذلك حرام إن كان من مال محجور ولو من التركة أو من مال ميت عليه دين أو ترتب عليه ضرر أو نحو ذلك (وقالت) السادة الحنفية من الأمور المبتدعة الباطلة التي أكب الناس عليها على ظن أنها قرب مقصودة الوصية من الميت باتخاذ الطعام والضيافة يوم موته أو بعده وبإعطاء دراهم لمن يتلو القرآن لروحه أو يسبح أو يهلل له وكلها بدع ومنكرات باطلة والمأخوذ منها حرام للآخذ وهو عاص بالتلاوة والذكر لأجل الدنيا ولا معنى أيضًا لصلة القارئ لأن ذلك يشبه استئجاره على

باب الصبر عند المصيبة

قراءة القرآن وذلك باطل. ولذا لم يقع من أحد من الخلفاء, فما شرع في زماننا من قراءة الأجزاء لا يجوز لأن فيه الأمر بالقراءة وإعطاء الثواب للآمر, والقراءة لأجل المال لا ثواب فيها, فإذا لم يكن للقارئ ثواب لعدم النية الصحيحة فكيف يصل الثواب إلى المستأجر, ولولا الأجرة ما قرأ أحد لأحد في هذا الزمان بل جعلوا القرآن العظيم مكسبًا ووسيلة إلى جمع الدنيا إن لله وإنا إليه راجعون. والآخذ للأجرة على ذلك والمعطي آثمان, فقد ظهر لك بطلان ما أكب عليه أهل هذا العصر من الوصية بالختمات والتهليل زيادة على ما يحصل فيها من المنكرات التي لا ينكرها إلا من طمست بصيرته, أو غمر مكابر, أو جاهل لا يفهم كلام الأكابر اهـ من حواشي الدر المختار (وقالت) الحنابلة لا يصلح الطعام لمن يجتمعون عند أهل الميت بل يكره لأنه إعانة على مكروه وهو الاجتماع عندهم: قال أحمد هو من فعل الجاهلية وأنكره شديدًا. وكذا يكره فعل أهل الميت ذلك الطعام للناس يجتمعون عندهم. قال الموفق وغيره إلا لحاجة اهـ من المنتهى وشرحه. ومن المخالفات التي تقع من غالب أهل زماننا قراءة القرآن جماعة المسماة عندهم بالقراءة الليثية. قال ابن وهب قلت لمالك رحمه الله تعالى أرأيت القوم يجتمعون فيقرءون جميعًا سورة واحدة حتى يختموها فأنكر ذلك وعابه وقال ليس هكذا كان يصنع الناس إنما كان يقرأ الرجل على الآخر يعرضه اهـ ثم إن هذه البدعة السيئة جرت إلى محرم وهو تقطيع حروف القرآن والآيات لانقطاع نفس أحدهم فيجد أصحابه سبقوه فيترك بقية الآية أو الكلمة ويلحقهم فيما هم فيه فيقرأ القرآن على غير وجهه وترتيبه كما هو مشاهد وهو حرام بلا خلاف. ومن العجيب اعتقادهم أنهم في طاعة مع أنهم في معصية (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي والنسائي (باب الصبر عند المصيبة) وفي بعض النسخ "باب الصبر على المصيبة" وفي بعضها "باب الصبر عند الصدمة الأولى" والصبر في اللغة حبس النفس عن الضجر, وعند أهل التصرف خلق فاضل من أخلاق النفس يمنع من فعل ما لا يحسن ولا يجمل. فهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها وقوام أمرها وقال سعيد بن جبير: الصبر اعتراف العبد لله بأن ما أصابه منه تعالى واحتساب أجره عنده ورجاء ثوابه منه وينقسم إلى ثلاثة أقسام صبر على المصيبة وصبر على الطاعة وصبر عن المعصية (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ نَا شُعْبَةُ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ أَتَى نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى امْرَأَةٍ تَبْكِي عَلَى صَبِيٍّ لَهَا فَقَالَ لَهَا "اتَّقِي اللَّهَ

وَاصْبِرِي". فَقَالَتْ وَمَا تُبَالِي أَنْتَ بِمُصِيبَتِي فَقِيلَ لَهَا هَذَا النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. فَأَتَتْهُ فَلَمْ تَجِدْ عَلَى بَابِهِ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَعْرِفْكَ فَقَالَ "إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى". أَوْ "عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ". (ش) (عثمان بن عمر) بن فارس العبدي البصري تقدم بالخامس ص 28 و (شعبة) ابن الحجاج. و (ثابت) البناني (قوله أتى نبي الله على امرأة تبكي الخ) لم نقف على اسمها ولا على اسم ولدها الذي توفي. وكانت تلك المرأة عند القبر كما في رواية البخاري (قوله اتقي الله واصبري) لعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سمع في بكائها نوحًا ولهذا أمرها بالتقوى التي ذكرها توطئة لأمره لها بالصبر, ويؤيده ما في مرسل يحيى بن كثير فسمع ما يكره. والمعنى احذري غضب الله تعالى وعقابه واتركي النياحة ولا تجزعي ليحصل لك الأجر (قوله وما تبالي أنت بمصيبتي) تعني لا يهمك أمرها, وفي رواية البخاري إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي (قوله فقيل لها هذا النبي) القائل لها الفضل بن العباس كما في رواية الطبراني في الأوسط عن أنس وزاد مسلم في روايته فأخذها مثل الموت "أي من شدة الكرب" الذي أصابها لما عرفت أنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خجلًا منه ومهابة, ولم تعرفه لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان من شأنه أن لا يستتبع الخدم كما جرت به عادة الملوك والأكابر مع ما كانت فيه من شواغل الوجد والبكاء. ولم يعرفها بنفسه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في هذه الحال التي لا تملك فيها نفسها رحمة بها وشفقة منه عليها, إذ لو عرفها بنفسه حينئذ فربما لم تسمع فتهلك, ومعصيتها له وهي لا تعلم به أخف من معصيتها لو علمت (قوله فلم تجد على بابه بوابين) وفي رواية للبخاري بوابًا, فإنه كان لا يتخذ بوابًا مع قدرته على ذلك تواضعًا (قوله إنما الصبر عند الصدمة الأولى) أي لا يكون الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر الجزيل إلا عند أول المصيبة لكثرة المشقة فيه. والصدم في الأصل ضرب الشيء الصلب بمثله فاستعير لورود المصيبة على القلب, قال الخطابي: المعنى أن الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجاه المصيبة بخلاف ما كان بعد ذلك فإنه على الأيام يسلواهـ وقال الزين بن المنير فائدة جواب المرأة بذلك أنها لما جاءت طائعة لما أمرها به التقوى والصبر معتذرة عن قولها الصادر عن الحزن بين لها أن حق هذا الصبر أن يكون في أول الحال فهو الذي يترتب عليه الثواب اهـ "يعني الثواب الكامل" وجوابه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بهذا عن قولها لم أعرفك من قبيل الأسلوب الحكيم كأنه قال لها دعي الاعتذار فإني لا أغضب لغير الله تعالى وتحلي بما فيه سعادتك في الدارين

باب في البكاء على الميت

وإنما يكون ذلك بالصبر والرضا بالقضاء والقدر (فقه الحديث) دل الحديث على مزيد تواضعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ورفقه بالجاهل ومسامحته للمصاب وقبول اعتذاره, وعلى ملازمته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وعلى أن الرئيس ينبغي له أن لا يتخذ حاجبًا: وبه قال الشافعي وغيره, وقال جماعة يجوز عند الحاجه. واتفقوا على كراهة دوامه وقد يحرم لحديث من ولاه الله من أمر الناس شيئًا فاحتجب عن حاجتهم, احتجب الله على حاجته يوم القيامة رواه أبو داود والترمذي بسند جيد عن أبي مريم الأسدي. وعلى ذم الجزع وأنه منهي عنه لأمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المرأة بالتقوى مقرونًا بالصبر. وعلى أنه ينبغي تحمل الأذى عند بذل النصيحة, وعلى أن المتكلم إن خاطب غيره جاهلًا شخصه ولم يقصده بالخطاب لا يؤاخذ به, ولذا قال بعض العلماء إذا قال الرجل يا هند أنت طالق فكانت عمرة أن عمرة لا تطلق (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وأبو نعيم والطبراني والبيهقي (باب في البكاء على الميت) أي فيما يدل على جواز البكاء على الميت بلا نوح ولا ندب ولا شق حبيب, والبكاء بالمد والقصر بمعنى, وقيل بالقصر اسم لخروج الدموع بلا صوت وبالمد اسم له مع الصوت, وفي بعض النسخ "باب البكاء على الميت" (ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ نَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ ابْنَةً لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ وَأَنَا مَعَهُ وَسَعْدٌ وَأَحْسِبُ أُبَيًّا أَنَّ ابْنِي أَوْ بِنْتِي قَدْ حُضِرَ فَاشْهَدْنَا. فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلاَمَ فَقَالَ "قُلْ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَمَا أَعْطَى وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ إِلَى أَجَلٍ". فَأَرْسَلَتْ تُقْسِمُ عَلَيْهِ فَأَتَاهَا فَوُضِعَ الصَّبِيُّ فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ فَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ مَا هَذَا قَالَ "إِنَّهَا رَحْمَةٌ وَضَعَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ مَنْ يَشَاءُ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ".

(ش) (أبو عثمان) عبد الرحمن بن ملّ النهدي تقدم بالجزء الرابع صفحه 249 (قوله إن ابنة لرسول الله) هي زينب زوجة أبي العاص بن الربيع كما في رواية ابن أبي شيبة (قوله وأحسب أبيًا) أي أظن أن أبيًا كان مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أيضًا. وفي رواية الشيخين "ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ورجال" (قوله أن ابني الخ) أي أرسلت إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأن ابني أو ابنتي قد حضره الموت. والشك من أسامة أو ممن دونه, واستصوب في الفتح أنها أمامة بنت أبي العاص كما رواه الطبراني في الكبير من طريق الوليد بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده قال: استعز بأمامة بنت أبي العاص فبعثت زينب بنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إليه تقول له. فذكر نحو حديث أسامة. واستعز بضم المثناة الفوقية وكسر العين المهملة وتشديد الزاي أي اشتد بها المرض وأشرفت على الموت. وفي رواية للبخاري "إن ابنًا لي قد قبض" أي قارب أن يقبض فلا منافاة بين الروايتين (قوله لله ما أخذ وما أعطي) أي إن الذي أراد الله أن يأخذه هو الذي كان أعطاه فإن أخذه أخذ الذي كان له, فلا ينبغي الجزع لأن مستودع الأمانة لا يليق به أن يحزن إذا أخذها صاحبها منه فاصبري ولا تجزعي فإن من مات قد انقضى أجله فلا يتقدم عنه ولا يتأخر. وقدم في الحديث الأخذ على الإعطاء وإن كان الإعطاء في الواقع متقدمًا لحصول الأخذ وقت التكلم. ويحتمل أن المراد بالإعطاء إعطاء الحياة لمن بقي بعيد ذلك الميت أو إعطاء الثواب على الصبر عند المصيبة (قوله وكل شيء عنده إلى أجل) أي كل شيء من الأخذ والإعطاء أو كل شيء من الأنفس في علمه ينتهى إلى أجل معلوم لا يتعداه. والأجل يطلق على الوقت الأخير من الحياة. وعلى مجموع العمر والمراد هنا الأول (قوله فأرسلت تقسم عليه) لعلها ألحت عليه المسالة لأن الله تعالى ألهمها أن حضوره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عندها يدفع عنها ما هي فيه من الألم ببركة حضوره ودعائه (قوله فأتاها الخ) الظاهر أنه امتنع أولًا مبالغة في إظهار التسليم لربه أو ليبين أن من دعي لمثل ذلك لا تلزمه الإجابة بخلاف الدعوة إلى وليمة العرس مثلًا فإنها تجب عند انتفاء الموانع (قوله ونفسه تقعقع) بفتحتين وبحذف إحدى التاءين. أي تتحرك وتضرب ولا تثبت على حال بل كلما صار إلى حال لم يلبث أن ينتقل إلى أخرى تقربه من الموت. والقعقعة في الأصل حكاية حركة ما يسمع له صوت. ويحتمل أن تقعقع بضم ففتح فكسر مضارع قعقع أي تصوت كما يصوت المحتضر حالة الغرغرة (قوله ففاضت عينا رسول الله) أي بالدموع. وقد أكرم الله تعالى نبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما سلم لأمر ربه وصبر ابنته ولم يملك مع ذلك عينيه

استحباب حضور أهل الفضل عند المحتضر وتسلية أهله

من الرحمة والشفقة بأن عافى الله ابنه ابنته فخلصت من تلك الشدة وعاشت حتى تزوجها علي ابن أبي طالب بعد وفاة فاطمة ثم عاشت عند علي حتى قتل عنها (قوله ما هذا) وفي رواية أبي نعيم أتبكي وتنهى عن البكاء؟ وهذا تعجب من سعد واستغراب كأنه ظن أن كل أنواع البكاء حرام وأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد نسي فأخبره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن مجرد البكاء بلا صوت ولا نوح ليس بحرام (قوله إنها رحمة الخ) أي أن هذه الدموع أثر رحمة يجعلها الله تعالى في قلوب من يشاء من عبادة من غير تعمد منهم ولا استدعاء. وهذا ليس بمنهي عنه وإنما المنهي عنه الجزع وعدم الصبر (قوله وإنما يرحم الله من عبادة الرحماء) أي لا يرحم الله تعالى من عبادة إلا كثير الرحمة, فالرحماء جمع رحيم وهو من صيغ المبالغة ومقتضاه أن رحمة الله تعالى تختص بكثير الرحمة. ويشكل عليه ما رواه أبو داود وأحمد والنسائي والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو "الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" والراحمون جمع راحم وهو يصدق بقليل الرحمة وكثيرها. ويمكن الجواب بأن الرحماء في حديث الباب جمع رحيم بمعنى راحم لا خصوص كثير الرحمة قوله تعالى. وما ربك بظلام للعبيد. أي بظلام أو بأن لفظ الجلالة دل على العظمة, وقد عرف بالاستقراء أنه حيث ورد يكون الكلام مسوقًا للتعظيم, فلما ذكر هنا ناسب ذكر من كثرت رحمته وعظمته ليكون الكلام جاريًا على نسق التعظيم بخلاف حديث (الراحمون يرحمهم الرحمن) فإن لفظ الرحمن قال على العفو فناسب أن يذكر معه كل ذي رحمة وإن قلت (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية استحضار ذوي الفضل عند المحتضر لرجاء بركتهم ودعائهم وجواز القسم عليهم في ذلك واستحباب إبراره. وعلى مشروعية بدء الرسالة الشفوية بالسلام. وعلى مشروعية تسلية صاحب المصيبة قبل وقوع الموت ليقع وهو مستشعر بالرضا مقاوم للحزن بالصبر. وعلى مشروعية عياده المريض ولو صغيرًا. وعلى جواز البكاء من غير نوح. وعلى مشروعية استفهام التابع من متبوعه عما يشكل عليه مما يتعارض مع ظاهر الأدلة وعلى الترغيب في الشفقة على خلق الله تعالى والرحمة لهم والترهيب من قساوة القلب (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري ومسلم والبيهقي والنسائي وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "وُلِدَ لِيَ اللَّيْلَةَ غُلاَمٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ". فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ أَنَسٌ لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ

جواز البكاء بلا نوح وحزن القلب بلا سخط

-صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَدَمَعَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ "تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا إِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ". (ش) (رجال الحديث) (شيبان بن فروخ) الحبطي بفتح المهملة والموحدة أبو محمَّد الأبلي بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام. روى عن حماد بن سلمة وجرير بن حازم وأبان ابن يزيد العطار وأبي الأشهب العطاردي. وعنه مسلم وأبو داود وعبد الله بن أحمد بن حنبل وعبد الله ابن محمَّد البغوي وأبو يعلى الموصلي وغيرهم: وثقه أحمد ومسلمة بن قاسم وقال أبو زرعة صدوق وقال الساجي قدري إلا أنه كان صدوقًا وفي التقريب صدوق يهم. توفي سنة ست وأربعين ومائة (معنى الحديث) (قوله ولد لي الليلة غلام) كان مولده في ذى الحجة ثمان من الهجرة, وكانت قابلته سلمى مولاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فخرجت إلى أبي رافع فأخبرته فبشر به رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأعطاه مملوكًا, وكان الغلام من مارية القبطية ودفعه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى أم سيف امرأة أبي سيف قين بالمدينة لترضعه كما في رواية مسلم الآتية. وقيل دفعه إلى أم بردة بنت المنذر امرأة البراء بن أوس. وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يذهب إليها يزوره كما في رواية لمسلم من طريق عمرو بن سعد عن أنس: ما رأيت أحدًا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: كان إبراهيم مسترضعًا في عوالي المدينة. وكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخن وكان ظئره قينًا, والظئر المرضعة غير ولدها. ويطلق أيضًا على زوجها وهو المراد في رواية مسلم. والقين الحداد (قوله فسميته باسم أبي هريرة) إبراهيم عطف بيان أو بدل من أبي, وهو إبراهيم الخليل صلوات الله تعالى وسلامه عليه. وإنما سماه أبا له لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من ولد إسماعيل بن إبراهيم, وهو لفظ سرياني معناه أب رحيم (قوله فذكر الحديث) تمامه كما في رواية مسلم ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قين بالمدينة يقال له أبو سيف فانطلق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فاتبعته إلى أبي سيف وهو ينفخ بكيره وقد امتلا البيت دخانًا فأسرعت المشي من بين يدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت يا أبا سيف أمسك جاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله يكيد بنفسه) أي يجود بها ويخرجها يريد أنه كان في النزع (قوله فدمعت عينا رسول الله) وفي رواية البخاري فجعلت عينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تذرفان "أي يجري دمعهما" فقال عبد الرحمن بن عوف وأنت يا رسول الله؟ فقال يا بن عوف إنها رحمة أي أن الحالة التي شاهدتها مني ناشئة عن رقه في القلب على الولد لا علي

ما توهمت من الجزع. قال في الفتح ووقع في الحديث عبد الرحمن بن عوف نفسه فقلت يا رسول الله تبكي أو لم تنه عن البكاء؟ وزاد فيه إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنه شيطان. قال إنما هذا رحمة ومن لا يرحم لا يرحم. وعند عبد الرازق من مرسل مكحول إنما أنهى الناس عن النياحة. أن يندب الرجل بما ليس فيه (قوله ولا نقول إلا ما يرضي ربنا) بضم الياء التحتية وكسر المعجمة من أرضى ورب منصوب على التعظيم. ويحتمل أن يكون بفتح التحتية والمعجمة ورب فاعل أي لا نقول إلا ما يرضى به ربنا. قال في الفتح وفي حديث عبد الرحمن بن عوف ولا نقول ما يسخط الرب وزاد في آخره "لولا أنه أمر حق ووعد صدق وسبيل نأتيه وإن آخرنا سيلحق أولنا لحزنا عليك حزنًا هو أشد من هذا" ونحوه من حديث أسماء بنت يزيد ومرسل مكحول وزاد في آخره وفصل رضاعه في الجنة. وفي آخر حديث محمود بن لبيد وقال إن له مرضعًا في الجنة اهـ. روى البخاري بسنده إلى البراء قال: لما توفي إبراهيم عليه السلام قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن له مرضعًا في الجنة (قوله إنا بك الخ) أي إنا بفراقك لمحزونون يا إبراهيم: وكان حزنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحسب الطبيعة البشرية والشرع لا يمنع من ذلك. وخاطبه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مع أنه يكون يفهم الخطاب لصغره واحتضاره ليبين للحاضرين أن مثل هذا القول ليس داخلًا في النهي عن البكاء برفع الصوت. وكانت وفاته عليه السلام لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول سنه عشر كما جزم به الواقدي. وقال ابن حزم كانت وفاته قبل وفاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بثلاثه أشهر. وتوفى وهو ابن ثمانية عشر أو ستة عشر شهرًا ودفن بالبقيع (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية الحضور عند المحتضر. وعلى الرحمة بالصغير والشفقة عليه. وعلى مشروعية الأخبار عن الحزن وإظهاره. قال ابن بطال هذا الحديث يفسر البكاء المباح والحزن الجائز وهو ما كان بدمع العين ورقه القلب من غير سخط لأمر الله تعالى اهـ وفيه دليل على الترغيب في التحلي بالرحمة والتخلي على القساوة وأن من لم يحزن لفراق حبيبه فهو قاسي القلب ومن لم يدمع فهو قليل الرحمة وأن من العدل أن يعطي كل ذى حق حقه وليس منه الضحك عند موت الأولاد والأحباء (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والبيهقي, وكذا البخاري من طريق قريش بن حبان عن ثابت البناني عن أنس قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على أبي سيف القين وكان ظئرًا وإبراهيم فأخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إبراهيم فقبله

باب في النوح

وشمه ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف وأنت يا رسول الله؟ فقال يابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا بفراقك يا إبراهيم محزونون (باب في النوح) أي في النهي عنه والتنفير منه. والنوح بفتح فسكون رفع الصوت بالبكاء (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَهَانَا عَنِ النِّيَاحَةِ. (ش) (عبد الوارث) بن سعيد. و (أيوب) السختياني. و (حفصة) بنت سيرين (قوله نهانا عن النياحة) أي عن رفع الصوت بالبكاء. والنياحة اسم من ناحت المرأة تنوح نوحًا إذا بكت على الميت وعددت محاسنه. أو على ما فاتها من متاع الدنيا (والحديث) يدل على حرمه النياحة على الميت وعلى ما يفوت من متاع الدنيا, أما النياحة على المعصية فمن العبادة. وقد جاء في التحذير من النياحة أحاديث. منها ما أخرجه الإمام أحمد عن أنس قال أخذ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على النساء حين بايعهن أن لا ينحن فقلن يا رسول الله إن نساء أسعدننا في الجاهلية أفنسعدهن في الإِسلام؟ فقال لا إسعاد في الإِسلام. ومنها ما أخرجه مسلم عن أبي مالك الأشعري أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة, والنائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب. ومنها ما أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: النياحة على الميت من أمر الجاهلية, فان النائحة لم تتب قبل أن تموت فإنها تبعث يوم القيامة عليها سرابيل من قطران ثم يغلي عليها بدرع من لهب النار. وفي إسناده عمر بن راشد: ضعفه جماعة (الحديث) أخرجه أيضًا البخاري من طريق أيوب عن محمَّد عن أم عطية قالت: أخذ علينا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند البيعة أن لا ننوح فما وفت منا امرأة غير خمس نسوة: أم سليم وأم العلاء وابنه أبي سبره امرأة معاذ وامرأتين: وأخرجه مسلم والنسائي والبيهقي بنحوه: ولمسلم في رواية أخرى عن أم عطية أيضًا قالت: لما نزلت هذه الآية "يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئًا ولا يعصينك في معروف" قالت: كان منه النياحة, قالت فقلت يا رسول الله

النائحة والمستمعة شريكتان في الإثم

إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بد لي من أن أسعدهم فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا آل فلان. قال النووي في شرح مسلم هذا محمول على أن الترخيص لأم عطية في آل فلان خاصة ولا تحل النياحة لها ولا لغيرها في غير آل فلان كما هو ظاهر الحديث. وللشارع أن يخص من العموم من شاء بما شاء فهذا صواب الحكم في هذا الحديث (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ. (ش) (رجال الحديث) (محمَّد بن ربيعة) الكلابي الرؤاسي الكوفي أبو عبد الله روى عن هشام بن عروة والأعمش وابن جريج وكثيرين. وعنه أحمد بن حنبل وابن معين وبشر بن الحكم وعبد الرحمن بن الأسود وجماعة. وثقه ابن معين وأبو داود والدارقطني وقال أبو حاتم صالح الحديث. وفي التقريب صدوق من التاسعة, روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي. و(محمَّد بن الحسن) العوفي أبو سعد الكوفي. روى عن أبيه ومحمد بن عبد الرحمن. وعنه محمَّد بن ربيعة وعبد الله بن داود, قال أبو حاتم ضعيف, وقال البخاري لم يصح حديثه, وقال العقيلي مضطرب الحفظ وقال الذهبي ضعفوه ولم يترك ووثقه ابن معين وقال أبو زرعة لين الحديث وفي التقريب صدوق يخطئ روى له أبو داود. و (أبوه) الحسن بن عطية بن سعد العوفي بفتح فسكون. روى عن أبيه وجده وعنه أخواه عبد الله وعمرو وابناه محمَّد والحسين وسفيان الثوري وغيرهم. قال أبو حاتم ضعيف الحديث وقال ابن حبان في الثقات أحاديثه ليست بنقيه وفي الضعفاء منكر الحديث وقال البخاري ليس بذاك, وفي التقريب ضعيف من السادسة, روى له أبو داود هذا الحديث فقط, مات سنه إحدى وثمانين ومائة. و (جده) عطية بن سعد بن جناده العوفي تقدم بالرابع صفحه 52 (معنى الحديث) (قوله لعن رسول الله النائحة والمستمعة) أي دعا عليهما باللعن والطرد عن رحمه الله عَزَّ وَجَلَّ. والنائحة المرأة التي تندب الميت وتعدد محاسنه يقال: ناحت المرأة على الميت إذا بكت عليه وعددت محاسنه أو هي التي ترفع صوتها بالبكاء والمراد بالمستمعة التي تقصد السماع وترغب فيه فهي شريكة النائحة في الإثم كما أن المغتاب والمستمع شريكان في الوزر, وخص المرأة بالذكر لأن النوح والإصغاء إليه يكون من النساء غالبًا وإلا فالرجل

بيان كيف يعذب الميت ببكاء أهله عليه

كالمرأة في ذلك: ويحتمل أن تكون التاء للمبالغة فيكون المراد من يكثر منه ذلك ولو ذكرًا أما وقوع ذلك أحيانًا فلا يكون من الكبائر ولا من يقع منه ملعونًا, ويحمل اللعن في الحديث على التغليظ والزجر (فقه الحديث) دل الحديث على أن النياحة والاستماع لها من الكبائر لما يترتب عليهما من الطرد من رحمه الله عَزَّ وَجَلَّ (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبيهقي, وفي إسناده محمَّد ابن الحسن بن عطية عن أبيه عن جده والثلاثه ضعفاء (ص) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ عَبْدَةَ وَأَبِي مُعَاوِيَةَ -الْمَعْنَى- عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ". فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ وَهِلَ -تَعْنِي ابْنَ عُمَرَ- إِنَّمَا مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَبْرٍ فَقَالَ "إِنَّ صَاحِبَ هَذَا لَيُعَذَّبُ وَأَهْلُهُ يَبْكُونَ عَلَيْهِ". ثُمَّ قَرَأَتْ "وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" قَالَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَلَى قَبْرِ يَهُودِيٍّ. (ش) (عبده) بن سليمان الكلابي تقدم بالثالث صفحه 102 و (أبو معاوية) محمَّد خازم الضرير (قوله إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) ظاهره أنه يعذب بالبكاء مطلقًا وإلى ذلك ذهب جماعة من السلف منهم عمر وابنه. وذهب جمهور العلماء إلى تأويل حديث الباب ونحوه. واختلفوا في التأويل: فحمله إبراهيم الحربي والمزني وغيرهما من الشافعية على ما إذا أوصى الميت أهله بذلك فنفذت وصيته, قال أبو الليث السمرقندي أنه قول عامة أهل العلم, وحكاه النووي في شرح مسلم عن الجمهور وقال هو الصحيح قالوا لأن ذلك بسببه ومكسوب إليه. أما من بكى عليه أهله وناحوا من غير وصية فلا يعذب لقوله تعالى ولا تزر وازره وزر أخرى: وحمله داود طائفة من العلماء على ما إذا أهمل نهى أهله عن ذلك, قال في النيل قال ابن المرابط إذا علم المرء ما جاء في النهي عن النوح وعرف أن أهله من شأنهم أن يفعلوا ذلك ولم يعلمهم بتحريمه ولا زجرهم عن تعاطيه فإذا عذب على ذلك عذب بفعل نفسه لا بفعل غيره بمجرده اهـ وحمله ابن حزم وجماعة على أنه يعذب بسبب الأمور التي يبكيه أهله بها ويندبونه لها كرياسته التي جار فيها وشجاعته التي صرفها في معصية الله تعالى وجوده الذي لم يضعه في موضعه فهم يمدحونه بها وهو يعذب بصنعه. واستدل له بما رواه البخاري عن ابن عمر مرفوعًا فيه "إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار

تألم الميت بنياحة أهله، وأحوال الناس في ذلك

إلى لسانه أو يرحم" قال الإسماعيلي ومن أحسن ما حضرني وجه لم أرهم ذكروه, وهو أنهم كانوا في الجاهلية يغيرون ويسبون ويقتلون وكان أحدهم إذا مات بكته باكية بتلك الأفعال المحرمة فمعنى الخبر إن الميت يعذب بذلك الذي يبكي عليه أهله به لأن الميت يندب بأحسن أفعاله وكانت محاسن أفعالهم ما ذكر وهي زيادة ذنب في ذنوبه يستحق العذاب عليها اهـ وقال بعضهم إن المراد بالتعذيب توبيخ الملائكة الميت بما يندبه أهله به. ويؤيده ما رواه أحمد من حديث أبي موسى مرفوعًا الميت يعذب ببكاء الحي: إذا قالت النائحة واعضداه واناصراه واكاسياه جبذ الميت وقيل له أنت عضدها أنت ناصرها أنت كاسيها؟ " وما رواه الترمذي مرفوعًا "ما من ميت يموت فتقوم نادبته فتقول واجبلاه واسنداه أو شبه ذلك من القول إلا وكل به ملكان يلهزانه أهكذا كنت؟ "ويلهزانه أي يدفعانه ويضربانه, فاللهز الضرب بجمع الكف في الصدر: يقال لهزة بالرمح من باب قنع إذا طعنه به. وما رواه البخاري في المغازي عن النعمان بن بشير قال: أغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته عمرة تبكي وتقول واجبلاه واكذا واكذا فقال حين أفاق ما قلت شيئًا إلا قيل لي أنت كذلك؟ فلما مات لم تبك عليه. واختار أبو جعفر الطبري من المتقدمين وعياض ومن تبعه ونصره ابن تيمية وجماعة من المتأخرين: إن التعذيب محمول على تألم الميت بما يقع من أهله من النياحة. واستدلوا بما أخرجه ابن أبي شيبة والطبراني من حديث قيلة بنت مخرمة وفيه قلت يا رسول الله: قد ولدته فقاتل معك يوم الربذة ثم أصابته الحمى فمات ونزل عليّ البكاء فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "أيغلب أحدكم أن يصاحب صويحبه في الدنيا معروفًا وإذا مات استرجع؟ فوالذي نفس محمَّد بيده إن أحدكم ليبكي فيستعبر إليه صويحبه, فيا عباد الله لا تعذبوا موتاكم" وقوله فيستعبر إليه صويحبه يعني يتألم من بكائه. وبما رواه الطبري بإسناد صحيح عن أبي هريرة: إن أعمال العباد تعرض على أقربائهم من موتاهم. قال في الفتح ويحتمل أن يجمع بين هذه التوجيهات فينزل على اختلاف الأشخاص بأن يقال مثلًا: من كانت طريقته النوح فمشى على طريقته أو بالغ فأوصاهم بذلك عذب بصنعه, ومن كان ظالمًا فندب بأفعاله الجائرة عذب بما ندب به, ومن كان يعرف من أهله النياحة فأهمل نهيهم عنها فإن كان راضيًا بذلك التحق بالأول, وإن كان غير راض عذب بالتوبيخ كيف أهمل النهي, ومن سلم من ذلك كله واحتاط فنهى أهله عن المعصية ثم خالفوه وفعلوا ذلك كان تعذيبه تألمه بما يراه منهم من مخالفتهم أمره وإقدامهم على معصية ربهم اهـ (قوله فذكر ذلك الخ) أي ذكر قول ابن عمر لعائشة فقالت وهل ابن عمر أي ذهب وهمه إلى قوله ذلك. يقال وهل إلى الشيء بالفتح يهل بالكسر وهلًا بالسكون إذا ذهب وهمه إليه. ويجوز أن يكون بالكسر في الماضي من باب تعب بمعنى غلط: يقال وهل بالكسر يوهل وهلًا بالتحريك إذا غلط. وفي رواية مالك ومسلم والبيهقي "ذكر

مذاهب الصحابة وغيرهم في تعذيب الميت بالبكاء عليه وبعض ما ورد في ذلك

لعائشة أن ابن عمر يقول: إن الميت ليعذب ببكاء الحي, فقالت عائشة: يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما أنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ إنما مر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على يهودية يبكي عليها فقال إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها (قوله إنما مر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على قبر الخ) أي مر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في هذه الحادثة على قبر يعذب صاحبه حال بكاء أهله عليه. وهذا لفظ هناد عن عبده. أما روايته عن أبي معاوية فقال مر على قبر يهودي كما ذكر بعد (قوله ثم قرأت ولا تزر وازرة وزر أخرى) أي لا تحمل نفس مذنبة ذنوب نفس أخرى, وكذا غير المذنبة لا تحمل ذنب أخرى فلا مفهوم لقوله وازرة. وذكرت عائشة هذه الآية إنكارًا منها على ما قاله ابن عمر من أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه نظرًا لهذه الآية. ومقتضى هذا أنها تنكر تعذيب الميت ببكاء أهله عليه. وممن أنكره أيضًا أبو هريرة وأبو حامد وجماعة من الشافعية. وإنكار عائشة هذا وحكمها على ابن عمر بالتخطئة أو النسيان غير مسلم, لأنه روى نحو حديث الباب عن غير ابن عمر من الصحابة وهم جازمون به فلا وجه للنفي مع إمكان تأويله تاويلًا صحيحًا كما تقدم. فقد روى البخاري عن المغيرة قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول "إن كذبًا عليّ ليس ككذب على أحد, من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" سمعت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول "من نيح عليه يعذب بما نيح عليه" وروى البخاري أيضًا عن أبي بردة عن أبيه قال: لما أصيب عمر جعل صهيب يقول: واأخاه، فقال عمر أما علمت أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "إن الميت ليعذب ببكاء الحي؟ " قال ابن القيم إنكار عائشة رضي الله تعالى عنها لذلك بعد رواية الثقات لا يعوّل عليه, فإنهم قد يحضرون ما لا تحضره ويشهدون ما تغيب عنه واحتمال السهو والغلط بعيد جدًا اهـ ومن الثقات الذين أشار إليهم: عمر بن الخطاب وأبو موسى الأشعري والمغيره بن شعبة فقد ثبت عنهم الحديث كما ثبت عن ابن عمرو تقدم حديث المغيرة وعمر عند البخاري وكذا أخرج حديث أبي موسى (فقه الحديث) دل الحديث على تحريم رفع الصوت بالبكاء على الميت, وعلى أن الميت يعذب بسببه وقد علمت بيانه (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَوْسٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ ثَقِيلٌ فَذَهَبَتِ امْرَأَتُهُ لِتَبْكِي أَوْ تَهُمَّ بِهِ فَقَالَ لَهَا أَبُو مُوسَى أَمَا سَمِعْتِ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ بَلَى. قَالَ

بيان المراد من حديث "ليس منا من حلق ومن سلق ومن خرق"

فَسَكَتَتْ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو مُوسَى -قَالَ يَزِيدُ- لَقِيتُ الْمَرْأَةَ فَقُلْتُ لَهَا مَا قَوْلُ أَبِي مُوسَى لَكِ أَمَا سَمِعْتِ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ سَكَتِّ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ وَمَنْ سَلَقَ وَمَنْ خَرَقَ". (ش) (رجال الحديث) (جرير) بن عبد الحميد. و (منصور) بن المعتمر. و (إبراهيم) النخعي. و (يزيد بن أوس) الكوفي. روى عن أبي موسى الأشعري وامرأته وثابت بن قيس وعلقمه. وعنه إبراهيم النخعي. قال ابن المديني مجهول لا نعلم أحدًا روى عنه غير إبراهيم النخعي وذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب مقبول من الرابعة. روى له أبو داود والنسائي (قوله وهو ثقيل) يعني اشتد به المرض أشرف على الموت (قوله فذهبت امرأته الخ) أي شرعت في البكاء أو عزمت عليه شك يزيد. و (وهي) أم عبد الله بنت أبي دومة. روت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنها عياض الأشعري وقرثع الضبي وعبد الرحمن بن أبي ليلى وثابت بن قيس وعبد الأعلى النخعي. روى لها مسلم وأبو داود النسائي (معنى الحديث) (قوله فقلت ما قول أبي موسى الخ) أي أخبريني عن قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الذي أشار إليه أبو موسى عند النزع وسكت, فقالت: أذكرني قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم "ليس منا من حلق الخ" وفي بعض النسخ. و" فقلت لها قول أبي موسى" بالرفع خبر لمحذوف أي ما قول أبي موسى الخ أو بالنصب على نزع الخافض (قوله ليس منا الخ) أي ليس من أهل سنتنا وطريقتنا الكاملة من فعل ذلك. فالمراد به المبالغة في الردع والزجر عن الوقوع في مثل ذلك كما يقول الرجل لولده عند معاتبته لست منك ولست مني يعني ما أنت على طريقتي وليس المراد إخراجه عن الدين, ولكن محله ما لم يستحله مع العم بتحريمه أو يفعله سخطًا على ما وقع من القضاء وإلا كان مخرجًا عن الدين: وقال ابن المنير المراد أن الواقع في ذلك يكون قد تعرض لأن يهجر ويعرض عنه فلا يختلط بجماعة السنة تأديبًا له على استصحابه حالة الجاهلية التي قبحها الإِسلام اهـ وحكي عن سفيان أنه كان يكره الخوض في تأويله ويقول: ينبغي أن يمسك عن ذلك ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر قال في الفتح ويظهر لي أن النفي يفسره التبري في حديث أبي موسى وأصل البراءة الانفصال من الشيء وكأنه توعده بان لا يدخله في شفاعته مثلًا اهـ. وحديث أبي موسى الذي أشار إليه رواه البخاري ومسلم من طريق أبي بردة بن أبي موسى قال: وجع أبو موسى وجعًا فغشي عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله فصاحت فلم يستطع أن يرد عليها شيئًا فلما أفاق قال: إني برئ ممن برئ منه محمَّد صى الله تعالى عليه وعلى آله

أخذ العهد على النساء ألا يرتكبن ما يدل على السخط وعدم الرضاء بالقدر

وسلم: إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم برئ من الصالقة والحالقة والشاقة، (قوله من حلق) أي حلق شعره عند المصيبة, و (سلق) باسين المهملة, ويروى بالصاد المهملة من باب ضرب أي رفع صوته بالبكاء (وخرق) أي شق ثوبه وكان ذلك من صنيع الجاهلية (فقه الحديث) دل الحديث على تحريم هذه الأشياء والتنفير منها للوعيد المذكور ولما تضمنه من عدم الرضا بقضاء الله تعالى وقدره (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا حُمَيْدُ بْنُ الأَسْوَدِ نَا الْحَجَّاجُ- عَامِلٌ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى الرَّبَذَةِ حَدَّثَنِي أَسِيدُ بْنُ أَبِي أَسِيدٍ عَنِ امْرَأَةٍ مِنَ الْمُبَايِعَاتِ قَالَتْ كَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَعْرُوفِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ لاَ نَعْصِيَهُ فِيهِ أَنْ لاَ نَخْمِشَ وَجْهًا وَلاَ نَدْعُوَ وَيْلًا وَلاَ نَشُقَّ جَيْبًا وَأَنْ لاَ نَنْشُرَ شَعْرًا. (ش) (رجال الحديث) (الحجاج) بن صفوان بن أبي يزيد المدني, روى عن أبيه وأسيد بن أبي اسيد وإبراهيم بن عبد الله. وعنه القعنبي وأبو ضمرة, وثقه أحمد وأبو حاتم وقال صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وأثنى عليه القعنبي. وفي التقريب صدوق من السابعة وضعفه الأزدي. روى له أبو داود و(الربذة) بفتح الراء والباء الموحدة والذال المعجمة قرية من قرى المدينة. و(أسيد بن أبي أسيد) بفتح فكسر. روى عن امرأة من المبايعات. وعنه حجاج ابن صفوان, قال المزي أظنه غير البراد فان البراد ليس له شيء عن الصحابة. روى له أبو داود. و(امرأة من المبايعات) لم نقف على اسمها وجهالتها لا تضر لأنها صحابية. (معنى الحديث) (قوله كان فيما أخذ علينا الخ) أي كان في العهد الذي أخذه علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أننا لا نعصيه فيما عرف شرعًا فعل الطاعات وترك المخالفات, ومن هذا المعروف ما ذكر في الحديث (قوله أن لا نخمش وجهًا) أي لا نخدش وجوهنا بأظفارنا يقال خمشت المرأة وجهها بظفرها خمشًا من باب ضرب جرحت ظاهر البشرة (قوله ولا ندعو ويلًا) أي ولا ندعو بالويل والحزن والهلاك والمشقة. والدعاء به كأن يقول الشخص يا ويلى ويا هلاكي ويا عذابي لما حل من المصيبة والأمر المحزن (قوله ولا نشق جيبًا) الجيب ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس والمراد بشقه إكمال فتحه إلى الذيل أو نحو ذلك, وهومن علامات السخط وعدم الرضا (قوله ولا ننشر شعرًا) أي لا نفرقه، ونهاهن صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ذلك عند المصيبة لأنه كان من عادات الجاهلية

باب صنعة الطعام لأهل الميت

(فقه الحديث) دل الحديث على تحريم هذه الأشياء المذكورة في الحديث. وقد ورد التحذير منها في عده روايات سوى ما ذكره المصنف, منها ما أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية. ومنها ما رواه ابن ماجه عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لعن الخامشة ووجها والشاقة ثوبها والداعية بالويل والثبور. ومنها ما أخرجه مسلم عن عبيد بن عمير عن أم سلمة قالت: لما مات أبو سلمة قلت غريب وفي ارض غريبه لأبكينه بكاء يتحدث عنه فكنت قد تهأيت للبكاء عليه إذا أقبلت امرأة من الصعيد تريد أن تسعدني فاستقبلها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال أتريدين أن يدخل الشيطان بيتًا أخرجه الله منه مرتين فكففت عن البكاء فلم أبك (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي (باب صنعة الطعام لأهل الميت) (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَإِنَّهُ قَدْ أَتَاهُمْ أَمْرٌ شَغَلَهُمْ". (ش) (رجال الحديث) (سفيان) بن عيينة. و (جعفر بن خالد) بن سارة بتخفيف الراء أو شدها القرشي المخزومي. روى عن أبيه. وعنه ابن جريج وابن عيينة, وثقه أحمد وابن معين والترمذي والنسائي وابن حبان وابن حزم والبيهقي, وفي التقريب ثقة من السابعة. روى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. و(أبوه) خالد بن سارة, ويقال ابن عبيد بن سارة المكي. روى عن ابن عمرو وعبد الله بن جعفر. وعنه ابنه جعفر وعطاء بن أبي رباح , ذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب صدوق من الثالثة, روى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله اصنعوا لآل جعفر طعامًا) قال ذلك صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما نعى جعفر بن أبي طالب حين قتل مع عبد الله بن رواحة وزيده بن حارثه في غزوة مؤته سنه ثمان من الهجرة (وفي الحديث) دلالة على طلب صنع الطعام لأهل الميت لاشتغالهم بما نزل عن صنع طعامهم. قال ابن الهمام في فتح القدير يستحب لجيران أهل الميت والأقرباء الأباعد تهيئة طعام لهم يشبعهم يومهم وليلتهم لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "اصنعوا لآل جعفر طعامًا فإنه قد أتاهم ما يشغلهم" ويكره اتخاذ الضيافة من أهل الميت لأنه مشروع في

حرمة الاجتماع على طعام يعمل أهل الميت

السرور لا في الشرور بدعة مستقبحة اهـ. ويدل له ما رواه ابن ماجه وأحمد واللفظ له من حديث جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة. وما رواه سعيد بن منصور أن جريرًا وفد على عمر بن الخطاب فقال هل يناح على ميتكم؟ قال لا قال: فهل تجتمعون عند أهل الميت وتجعلون الطعام؟ قال نعم, قال ذلك النوح. وقالت المالكية وندب إهداء طعام لأهل الميت لكونهم نزل بهم ما شغلهم عن صنع طعام لأنفسهم ما لم يجتمعوا على البكاء برفع صوت أو قول قبيح فيحرم حينئذ الإهداء لهم لأنه يعينهم على الحرام. وقالت الحنابلة يسن أن يصلح لأهل الميت طعام يبعث إليهم ثلاث ليال مدة التعزية لحديث الباب ولا يصلح الطعام لمن يجتمع عند أهل الميت بل يكره لأنه إعانة على مكروه وهو الاجتماع عندهم. قال أحمد هو من فعل الجاهلية وأنكره شديدًا. وكذا يكره فعل أهل الميت الطعام للناس يجتمعون عندهم. وقالت الشافعية يستحب لجيران أهل الميت ولو أجانب وأقاربه ان يصنعوا لأهل الميت طعامًا يكفيهم يومهم وليلتهم ويلحون عليهم في الأكل, ويحرم صنع الطعام لمن ينوح لأنه إعانة على معصية, ويكره لأهل الميت صنع طعام يجتمعون عليه الناس. واستدلوا على الكراهة بحديث جرير بن عبد الله البجلي المتقدم, قال الشيخ زكريا الأنصاري وهو ظاهر في الحرمة فضلًا عن الكراهة والبدعة الصادقة بكل منهما اهـ ومحل عدم جواز صنع أهل الميت طعامًا أتى يعزيهم ما لم تدع الحاجه إليه كأن قدم من مكان بعيد واحتاج إلى المبيت عندهم, وإلا جاز بشرط أن لا يكون من مال الأيتام, فإن كان مال أهل الميت لأيتام كانت ضيافة أولئك المعزين على أهل القرية (فقه الحديث) دل الحديث على طلب مزيد من الرأفة على أهل الميت وصنع الطعام لهم (والحديث) أخرجه أيضًا الشافعي وأحمد والنسائي وابن ماجه والبيهقي والترمذي وحسنه وصححه ابن السكن, وأخرجه أيضًا أحمد والطبراني من حديث أسماء بنت عميس (باب في الشهيد يغسل) أي أيغسل أم لا, والشهيد فعيل بمعنى فاعل لأنه يشهد رحمه الله تعالى, أو بمعنى مفعول لأنه مشهود له بالجنة ولسان الملائكة يشهدون موته إكرامًا له كما تقدم, واختلف العلماء في الشهيد عرفًا فقالت الشافعية هو من مات بسبب قتال الكفار حال قيام القتال سواء أقتله كافر أو أصابه سلاح مسلم خطأ أو عاد إليه السلاح نفسه أو سقط عن فرسه أو "ضربته برجلها" دابة فمات أو وطئته دواب المسلمين أو غيرهم أو أصابه سهم لا يعرف هل رمى به مسلم أم كافر؟ أو وجد قتيلًا عند انكشاف الحرب ولم يعلم سبب موته سواء اكان عليه أثر دم أم لا وسواء مات في الحال أم بقي

باب في الشهيد يغسل

زمنًا ثم مات بذلك السبب قبل انقضاء الحرب, وسواء أكل وشرب ووصى أم لم يفعل شيئًا من ذلك, وسواء في ذلك الرجل والمرأه والعبد والصبي والصالح والفاسق, فإذا انقضت الحرب وليس فيه إلا حركه مذبوح فهو شهيد بلا خلاف, وإن انقضت وهو متوقع الحياة فليس بشهيد بلا خلاف, وبنحوه قالت المالكية. وكذا الحنابلة غير أنهم قالوا: إن من مات في دار الحرب حتف أنفه أو عاد إليه سيفه أو وجد ميتًا ولا أثر به أو حمل بعد جرحه فأكل أو شرب أو نام أو بال أو تكلم أو عطس أو طال بقاؤه عرفًا, غسل وصلي عليه وجوبًا, ومن قتل مظلومًا حتى من قتله الكفار صبرًا في غير الحرب الحق بشهيد المعركة فلا يغسل ولا يصلي عليه. وقالت الحنفية الشهيد هو مسلم مكلف طاهر قتله أهل الحرب مباشرة أو تسببًا أو قتله البغاة أو قطاع الطريق ولو بغير آله جارحة أو وجد ميتًا في المعركة وبه أثر جراحة ولو باطنًا كخروج الدم من موضع غير معتاد كالعين والأذن لا من الأنف أو الدبر ولم يرتفق بشيء من مرافق الحياة بعد الجرح كأكل وشرب ونوم وعلاج ونقله حيًا من المعركة لغير خوف عليه من وطء الأقدام أو قتل ظلمًا ولم يجب بقتله دية (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى ح وَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجُشَمِيُّ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ رُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فِي صَدْرِهِ أَوْ فِي حَلْقِهِ فَمَاتَ فَأُدْرِجَ فِي ثِيَابِهِ كَمَا هُوَ -قَالَ- وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. (ش) (أبو الزبير) محمَّد بن مسلم (قوله رمي رجل) لم نقف على اسمه ولا على أن ذلك كان في أي غزوة (قوله فأدرج في ثيابه كما هو) أي دفن مدرجًا في ثيابه التي مات فيها ولم يغسل (قوله ونحن مع رسول الله) أشار به إلى أن الحديث مرفوع إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والترمذي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ نَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمُ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ وَأَنْ يُدْفَنُوا بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ. (ش) (رجال الحديث) (علي بن عاصم) بن صهيب أبو الحسن الواسطي التيمي

شهيد المعركة لا يغسل ولا يصلى عليه والمذاهب في ذلك

مولاهم. روى عن عطاء بن السائب وسليمان التيمي وخالد الحذاء وحميد الطويل وغيرهم. وعنه يزيد بن زريع وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني وعبد بن حميد, قال وكيع ما زلنا نعرفه بالخير وقال أحمد كان يغلط ويخطئ ولم يكن متهمًا بالكذب وقال ابن المديني كان كثير الغلط وكان إذا غلط فرد عليه لم يرجع وقال صالح بن محمَّد ليس هو عندي ممن يكذب ولكن يهم وهو سيئ الحفظ كثير الوهم يغلط كثيرًا في أحاديث يرفعها ويقلبها وسائر حديثه صحيح مستقيم. وقال يعقوب ابن شيبة عن يحيى ليس بشيء ولا يحتج به فقيل له ما أنكرت منه؟ قال الخطأ والغلط ليس ممن يكتب حديثه وقال العجلي كان ثقة معروفًا بالحديث وقال البخاري ليس بالقوي عندهم. مات سنه إحدى ومائتين, روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقتلى أحد الخ) قتلى جمع قتيل فعيل بمعنى مفعول مثل جرحى وجريح. وأمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يدفنوا بدمائهم إبقاء لأثر الشهادة. ولما رواه أحمد عن جابر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال في قتلى أحد (لا تغسلوهم فإن كل جرح أو كل دم يفوح مسكًا يوم القيامة) (وفي الحديث) دلالة على أن الشهيد لا يغسل ولا ينزع عنه ثيابه بل ينزع عنه ما هومن غير جنس الكفن كالحديد والجلود (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه والبيهقي وفيه علي بن عاصم وقد تكلم فيه غير واحد كما علمت, وعطاء بن السائب وفيه مقال (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ ح وَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ -وَهَذَا لَفْظُهُ- أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ لَمْ يُغَسَّلُوا وَدُفِنُوا بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ. (ش) (ابن وهب) عبد الله. و (ابن شهاب) محمَّد بن مسلم الزهري (قوله حدثهم) أي حدث أنس ابن شهاب ومن كان معه (قوله لم يغسلوا الخ) فيه دلالة على أن شهيد المعركة لا يغسل ولوكان جنبًا ولا يصلي عليه, وإلى ذلك ذهبت المالكية وبه قال بعض الشافعية وعطاء والنخعي وسليمان بن موسى والليث ويحيى الأنصاري وابن المنذر وأبو ثور أخذًا بحديث الباب. وبما تقدم عند أحمد. وبما رواه البخاري عن جابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر في قتلى أحد بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا. وقالت الحنابلة لا يغسل الشهيد إلا إن كان جنبًا, وبه قال بعض الشافعية لما رواه ابن إسحاق في المغازي أن حنظلة بن الراهب قتل يوم أحد فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما شأن حنظلة؟

بعض ما ورد في صلاة النبي صلي الله عليه وسلم على قتلى أحد

فإني رأيت الملائكة تغسله, قالوا إنه جامع ثم سمع الهيعة فخرج إلى القتال. ولأنه غسل واجب لغير الموت فلا يسقط بالموت كغسل النجاسة, ولا يصلي عليه في أصح الروايتين عن أحمد. وفي رواية عنه يصلي عليه. واختارها الخلال. قال في المغني إلا أن كلام أحمد في هذه الرواية بشير إلى أن الصلاة عليه مستحبة غير واجبة. وقد صرح بذلك في رواية المروزي فقال الصلاة عليه أجود وإن لم يصلوا عليه أجزأه اهـ وقال ابن المسيب والحسن البصري يصلي علي الشعيد ويغسل لأن الغسل كرامة لبني آدم والشهيد مستحق للكرامة. لكن هذا معارض للنص فلا يعول عليه وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والمزني والحسن البصري وابن المسيب يصلي عليه ولا يغسل إلا إذا كان جنبًا أو صبيًا أو مجنونًا فيغسل عند أبي حنيفة. واستدل لهم بحديث أبي مالك الغفاري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى على قتلي أحد عشرة عشرة في كل عشرة حمزة حتى صلى عليه سبعين صلاة. أخرجه البيهقي وقال: هذا أصح ما في هذا الباب وهو مرسل أخرجه أبو داود في المراسيل بمعناه اهـ وقال في الخلافيات وأعله الشافعي بأنه متدافع لأن الشهداء كانوا سبعين؟ فإذا أتي بهم عشرة عشرة يكون قد صلى سبع صلوات فكيف تكون سبعين قال وإن أراد التكبير فيكون ثمانية وعشرين تكبيرة (ورده في الجوهر النقي) بأن الذي في مراسيل أبي داود عن أبي مالك أمر عليه السلام بحمزة فوضع وجيئ بتسعة صلى عليهم فرفعوا وترك حمزة ثم جيئ بتسعة فوضعوا فصلى عليهم سبع صلوات حتى صلى على سبعين وفيهم حمزة في كل صلاة "فصرح بأنه صلى سبع صلوات على سبعين رجلًا فزال بذلك ما استنكره الشافعي وظهر أن ما رواه أبو داود ليس بمعنى ما رواه البيهقي اهـ واستدلوا أيضًا بما رواه أحمد من طريق حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن الشعبي عن ابن مسعود قال كان النساء يوم أحد خلف المسلمين بجهزن علي جرحى المشركين (الحديث) وفيه فوضع صلى الله تعالى عليه وآله وسلم حمزة وجيئ برجل من الأنصار فوضع إلى جنبه فصلى عليه فرفع الأنصاري وترك حمزة, ثم جيئ بآخر فوضع إلى جنب حمزة فصلى عليه ثم رفع وترك حمزة فصلى عليه يومئذ سبعين صلاة. وعطاء متكلم فيه ووثقه غير واحد وقد تغير في آخر حياته. وبحديث ابن عباس قال لما انصرف المشركون عن قتلى أحد قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حمزة فكبر عليه عشرًا ثم يجاء بالرجل فيوضع وحمزة مكانه حتى صلى عليه سبعين صلاة, وكان القتلى يومئذ سبعين رواه الدارقطني والبيهقي من طريق يزيد بن أبي يزيد عن مقسم عن ابن عباس مثله وأتم منه, ويزيد فيه ضعف يسير اهـ وبحديث أبي سلام عن رجل من أصحابي النبي صلي الله عليه تعالى وعلى آله وسلم قال أغرنا على حي من جهينة فطلب رجل من

ما قيل في ذلك

المسلمين رجلًا منهم فأخطأه وأصاب نفسه, فقال رسول الله صلي الله عليه تعالى وعلى آله وسلم: أخوكم يا معشر المسلمين, فابتدره الناس فوجدوه قد مات فلفه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بثيابه ودمائه وصلى عليه ودفنه فقالوا يا رسول الله أشهيد هو؟ قال نعم وأنا له شهيد, أخرجه المصنف في "باب الرجل يموت بسلاحه" من "كتاب الجهاد" وسكت عليه هو والمنذري وبما رواه النسائي عن شداد بن الهاد أن رجلًا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فآمن به واتبعه وذكر الحديث, وفيه أنه استشهد فصلى عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فحفظ من دعائه: اللهم إن هذا عبدك خرج مهاجرًا في سبيلك فقتل في سبيلك. وحمله البيهقي على أنه لم يمت في المعركة على أن الحديث مرسل لأن شدادًا تابعي وعلى فرض اتصاله فيمكن حمل الصلاة فيه على الدعاء. وبما أخرجه البخاري من حديث عقبة بن عامر وفيه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج يومًا فصلى على أهل أحد صلاته على الميت. قال النووي إنه محمول على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دعا لهم كدعائه للموتى لا سيما وأنه قد صرح في الحديث نفسه في رواية ذكرها البخاري في المغازي من طريق حيوة بن شريح أن صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كانت بعد ثمان, وهذا التأويل لا بد منه وليس المراد صلاة الجنازة المعروفة بالإجماع لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعله عند موته بعد دفنهم بثمان سنين, ولوكانت صلاة الجنازة المعروفة لما أخرها ثمان سنين. ودليل آخر وهو أنه لا يجوز أن يكون المراد صلاة الجنازة بالإجماع لأنه عندنا لا يصلي على الشهيد. وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يصلى على القبر بعد ثلاثة أيام فوجب تأويل الحديث. ولأن أبا حنيفة لا يقبل خبر الواحد فيما تعم به البلوى وهذا منها قال الشافعي في الأم جاءت الأخبار كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يصل على قتلى أحد. وما روي من أنه صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصح قد كان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الأحاديث الصحيحة أن يستحيي على نفسه. وأما حديث عقبة بن عامر فقد وقع في نفس الحديث أن ذلك كان بعد ثمان سنين والمخالف يقول لا يصلي على القبر إذا طالت المدة. وكأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دعا لهم واستغفر لهم حين علم قرب أجله مودعًا لهم بذلك ولا يدل ذلك على نسخ الحكم الثابت اهـ ويعنى بالحكم الثاب ترك الصلاة على الشهيد والأحاديث التي احتج بها القائلون بالصلاة علي شهداء أحد اتفق أهل الحديث على ضعفها كلها والضعف فيها بين. اهـ من شرح المهذب. لكن قال الشوكاني في النيل أحاديث الصلاة قد شد من عضدها كونها مثبتة والإثبات مقدم على النفي وهذا مرجح معتبر ومن مرجحات الإثبات الخاصة بهذا المقام أنه لم يرو النفي إلا أنس

ترجيح القول بعدم الصلاة على الشهيد

وجابر, وأنس عند تلك الواقعة كان من صغار الصبيان وجابر قد روى أنه صلى الله تعالى عليه وعليه آله وسلم صلى على حمزة وكذلك أنس فقد وافقا غيرهما في وقوع مطلق الصلاة علي الشهيد في تلك الواقعة ويبعد كل البعد أن يخص النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بصلاته حمزة لمزية القرابة ويدع بقية الشهداء اهـ بحذف (وفيه) أن محل كون المثبت مقدم علي النافي إذا تساويا وما هنا ليس كذلك بل روايات النفي أرجح "وما قاله" من أن أنسًا عند تلك الواقعة كان من صغار الصبيان "ينافيه" ما في تهذيب التهذيب من رواية الزهري عن أنس قال قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة وأنا ابن عشر سنين اهـ فيكون سنه في تلك الواقعة ثلاث عشرة سنة. وعلى فرض أنه كان من صغار الصبيان كما قال, فلا يستلزم أنه حدث بهذا حال صغره بل الظاهر أنه حدث به حال كبره وتيقنه ما يحدث به, وبعيد أن يحدث عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى على حمزة "فيه أن" حديث أنس الذي أشار إليه هو الآتي للمصنف بعد حديث, وقد أعله البخاري والترمذي والدارقطني بأنه غلط فيه أسامة بن زيد, ورجحوا رواية الحديث من طريق الليث عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر وليس فيه ذكر الصلاة, وأن حديث جابر الذي أشار إليه هو ما رواه الحاكم من أن جابرًا قال: فقد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حمزة حين فاء الناس من القتال (الحديث) وفيه ثم جيئ بحمزة فصلى عليه ثم بالشهداء فيوضعون إلى جنب حمزة فيصلي عليهم ثم يرفعون ويترك حمزة حتى صلى على الشهداء كلهم. وفي إسناده أبو حماد الحنفي مفضل بن صدقة, وقد وثقه قوم وضعفه آخرون فلا يصلح للاحتجاج به (وقال) في الروضة الندية: وقد اختلفت الروايات في الصلاة علي الشهيد, وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يصل على شهداء أحد, وأخرجه أيضًا أهل السنن, وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم من حديث أنس: أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يصل عليهم (أقول) لا يشك من له أدنى إلمام بفن الحديث أن أحاديث الترك أصح إسنادًا وأقوى متنًا حتى قال بعض الأئمة إنه كان ينبغي لمن عارض أحاديث النفي بأحاديث الإثبات أن يستحي على نفسه, لكن الجهة التي جعلها المجوزون وجه ترجيح وهي الإثبات لا ريب أنها من المرجحات الأصولية, إنما الشأن في صلاحية أحاديث الإثبات لمعارضة أحاديث النفي فإن أحاديث النفي أرجح" لأن الترجيح فرع المعارضة. والحاصل أن أحاديث الإثبات مروية من طريق متعددة لكنها جميعًا متكلم فيها اهـ ببعض تصرف, فتحصل أن الأحاديث الدالة على عدم الصلاة على الشهيد أرجح

التمثيل بحمزة وحديث قتله

من الأحاديث الدالة علي إثباتها وإن كان فيها قوة لكثرتها, فالظاهر القول بعدم الصلاة على الشهيد, وقال ابن حزم إن صلى عليه فحسن وإن لم يصل عليه فحسن اهـ (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا زَيْدٌ -يَعْنِي ابْنَ الْحُبَابِ- ح وَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا أَبُو صَفْوَانَ -يَعْنِي الْمَرْوَانِيَّ- عَنْ أُسَامَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -الْمَعْنَى- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ عَلَى حَمْزَةَ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ فَقَالَ "لَوْلاَ أَنْ تَجِدَ صَفِيَّةُ فِي نَفْسِهَا لَتَرَكْتُهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الْعَافِيَةُ حَتَّى يُحْشَرَ مِنْ بُطُونِهَا". وَقَلَّتِ الثِّيَابُ وَكَثُرَتِ الْقَتْلَى فَكَانَ الرَّجُلُ وَالرَّجُلاَنِ وَالثَّلاَثَةُ يُكَفَّنُونَ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ -زَادَ قُتَيْبَةُ- ثُمَّ يُدْفَنُونَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلُ "أَيُّهُمْ أَكْثَرُهُمْ قُرْآنًا". فَيُقَدِّمُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ. (ش) (رجال الحديث) (أبو صفوان) عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان الأموي روى عن أبيه وابن جريج ويونس بن يزيد وأسامة بن زيد الليثي وغيرهم. وعنه أحمد والشافعي والحميدي وعلي بن المديني وقتيبة بن سعيد وجماعة. وثقه ابن معين والدارقطني وابن المديني وأبو مسلم عبد الرحمن بن يونس, وقال أبو زرعة لا بأس بيع صدوق وذكره ابن حبان في الثقات روى له الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه (قوله عن أنس ابن مالك المعنى) كان الأنسب ذكر لفظ المعنى قبل قوله عن أسامة فإن المراد أن زيد بن الحباب يروي عن أسامة معنى ما رواه أبو صفوان عنه, (معنى الحديث) (قوله مر علي حمزة) بن عبد المطلب بن هاشم عم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأخيه من الرضاع , أسلم في السنة الثالثة من البعثة ولازم نصر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم, وهاجر وشهد بدرًا وقتل طعيمة بن عدي وعقد له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لواء وأرسله في سرية فكان ذلك أول لواء عقد في الإِسلام واستشهد بأحد قتله وحشيّ سنة ثلاث من الهجرة. وحديث قتله أخرجه البخاري من طريق سليمان ابن يسار عن جعفر بن عمرو بن أمية قال: خرجت مع عبيد بن عدي بن الخيار فلما قدمنا حمص

قال لي عبيد الله بن عدي هل لك في وحشيّ نسأله عن قتل حمزة؟ قلت نعم وكان وحشيّ يسكن حمص فسألنا عنه فقيل لنا هو ذاك في ظل قصره كأنه حميت "بحاء مهملة علي وزن رغيف زق كبير وأكثر ما يقال ذلك إذا كان مملوءًا" قال فجئنا حتى وقفنا عليه بيسير فسلمنا فرد السلام قال وعبيد الله معتجر بعمامته ما يري وحشيّ إلا عينيه ورجليه فقال عبيد الله يا وحشي أتعرفني؟ قال فنظر إليه ثم قال لا والله: إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها أم قتال بنت أبي العيص فولدت له غلام بمكة فكنت أسترضع له فحملت ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه فكأني نظرت إلى قدميك قال فكشف عبيد الله عن وجهه ثم قال ألا تخبرنا بقتل حمزة؟ قال نعم إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر فقال لي مولاي جبير بن مطعم إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر قال فلما أن خرج الناس عام عينين (جبل بجبال أحد) بينه وبينه واد خرجت مع الناس إلى القتال فلما أن اصطفوا للقتال خرج سباع فقال هل من مبارز؟ قال فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال يا سباع يابن أم أنمار مقطعة البظور أتحاد الله ورسوله صلى الله عليه تعالى وعلى آله وسلم؟ قال ثم شد عليه فكان كأمس الذاهب قال وكنت لحمزة تحت صخرة فلما دنا مني رميته بحربتي فأضعها في ثنته (أي عانته) بضم فنون مشدة مفتوحة حتى خرجت من بين وركيه قال: فكان ذاك العهد به, فلما رجع الناس رجعت معهم فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإِسلام ثم خرجت إلى الطائف فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رسلًا فقيل لي إنه لا يهيج الرسل قال فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم, فلما رآني قال آنت وحشي؟ قلت نعم قال أنت قتلت حمزة؟ قلت قد كان من الأمر ما قد بلغك, قال فهل تستطيع أن تعيب وجهك عني؟ قال فخرجت فلما قبض رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فخرج مسليمة الكذاب قلت لأخرجن إلى مسيلمة لعلي أقتله فأكافئ به حمزة, قال فخرجت مع الناس فكان من أمره ما كان, فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس, قال فرميته بحربتي فوضعتها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه, قال ووثب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته, قال عبد الله بن الفضل فأخبرني سليمان بن يسار أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: فقالت جارية على ظهر بيت واأمير المؤمنين قتله العبد الأسود (قوله وقد مثل به) بضم فكسر مخففًا أي قطعت أطرافه وشوه به. يقال: مثلت بالقتيل مثلًا من بابي قتل وضرب إذا قطعت أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو شيئًا من أطرافه تنكيلًا به، والاسم المثلة وزان غرفة. ويقال مثل بالتشديد مبالغة. ومثلوا بحمزة فقطعوا أنفه وأذنيه وذكره وأنثييه وفجروا بطنه. وروي البزار والطبراني بإسناد فيه ضعف عن أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأى حمزة قد مثل به قال: رحمة الله عليك لقد كنت وصولًا للرحم فعولًا للخير, ولولا حزن من بعدك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أجواف شتى ثم حلف

جواز تكفين رجلين في ثوب واحد ودفن أكثر من واحد في قبر للضرورة

وهو بمكانه لأمثلن بسبعين منهم, قال فما برح حتى نزلت "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به, ولئن صبرتم لهو خير للصابرين" فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بل نصبر, وكفر عن يمينه قال ابن عبد البر وقال كثير بن زيد بن عبد المطلب بن حنطب: لما كان يوم أحد جعلت من هند بنت عتبة والنساء معها يجدعن أنف المسلمين ويبقرن بطونهم ويقطعن الآذان إلا حنظلة فإن أباه كان مع المشركين, وبقرت هند عن بطن حمزة فأخرجت كبده وجعلت تلوك كبده ثم لفظتها فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لو دخل بطنها لم تدخل النار" قال ولم يمثل بأحد ما مثل بحمزة اهـ (قوله لولا أن تجد صفية الخ) أي لولا أن تحزن صفية عليه لتركته بلا دفن حتى تأكله السباع والطير فيحشر من بطونها يقال: وجد بالكسر وجدًا إذا حزن (وصفية) أخت حمزة بنت عبد المطلب أسلمت وهاجرت وهي أم الزبير بن العوام توفيت في خلافة عمر رضي الله تعالى عنهما, والعافية السباع والطير التي تقع على الجيف فتأكلها, وفي رواية الحاكم والبيهقي لولا أن تجد صفية تركته حتى يحشره الله من بطون الطير والسباع، وهذا مشكل بما تقرر في الشريعة من وجوب دفن الميت وندب التعجيل بمواراته. إلا أن يقال إن هذا خصوصية لحمزة رضي الله عنه لمزية علمها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله فكان الرجل والرجلان والثلاثة يكفنون في الثوب الواحد) إما يجمعهم فيه أو تقطيعه بينهم لضرورة قلة الثياب وكثرت الموتى, ولا يلزم من جمعهم في ثوب واحد تلاقي بشرتهم لاحتمال أنه كان يفصل بينهم بنحو إذخر (قوله زاد قتيبة إلخ) أي زاد قتيبة في روايته أنهم كانوا يدفنون في قبر واحد وذلك للضرورة أيضًا, وأما في حالة السعة فلا يجوز تكفين الرجلين في ثوب واحد ولا دفنهما في قبر واحد وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقدم في اللحد إلى جهة القبلة أكثرهم حفظًا للقرآن إكرامًا له (فقه الحديث) دل الحديث علي جواز تكفين الجماعة في الثوب الواحد للضرورة وكذا دفن الجماعة في القبر الواحد وعلى مزيد شرف حامل القرآن (والحديث) أخرجه أيضًا الترمذي عن أنس قال: أتي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على حمزة يوم أحد فوقف عليه فرآه قد مثل به فقال: لولا أن تجد صفية في نفسها لتركته حتى تأكله العافية حتى يحشر يوم القيامة من بطونها ثم دعا بنمرة (أي كساء خلق) فكفنه فيها فكانت إذا مدت على رأسه بدت رجلاه, وإذا مدت على رجليه بدًا رأسه, فكثر القتلى وقلت الثياب, فكفن الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد, ثم يدفنون في قبر واحد, فجعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسأل عنهم أيهم أكثر قرآنًا؟ فيقدمه إلى القبلة فدفنهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يصل عليهم. قال الترمذي حديث

بيان ما في حديث أسامة الليثي من أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصل على أحد من الشهداء غير حمزة

أنس حسن غريب: لا نعرفه من حديث أنس إلا من هذا الوجه اهـ (ص) حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الْعَنْبَرِيُّ نَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ نَا أُسَامَةُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِحَمْزَةَ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الشُّهَدَاءِ غَيْرِهِ. (ش) (قوله ولم يصل علي أحد من الشهداء غيره) قد علمت مما تقدم أن هذا الحديث قد أعله البخاري والترمذي بأن أسامة غلط فيه. وقال الدارقطني قوله "ولم يصل علي أحد غيره" غير محفوظة (يعني عن أسامة) وعلى فرض صحته فتكون الصلاة خصوصية لحمزة, والحاصل أن المصنف ذكر لأسامة بن زيد عن الزهري ثلاث روايات: الأولى فيها نفي الصلاة عن الشهداء من غير استثناء. والثانية لم يتعرض لذكر الصلاة فيها. والثالثة فيها إثبات الصلاة على حمزة ونفيها عن غيره. وصوب في الفتح الرواية التي لم يتعرض فيها لذكر الصلاة, وهي الموافقة لرواية الليث الآتيه عن ابن شهاب (والحديث) أخرجه أيضًا الشافعي والحاكم والبيهقي من طريق روح بن عبادة قال: ثنا أسامة بن زيد عن الزهري عن أنس بن مالك قال: لما كان يوم أحد مر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وقد جدع ومثل به فقال: لولا أن تجد صفية تكرته حتى يحشره الله من بطون الطير والسباع فكفنه في نمرة إذا خمر رأسه بدت رجلاه وإذا خمر رجلاه بدًا رأسه, فخمر رأسه ولم يصل على أحد من الشهداء غيره, ثم قال: أنا شهيد عليكم اليوم، وكان يجمع الثلاثة والاثنين في قبر واحد ويسأل أيهم أكثر قرآنًا؟ فيقدمه في اللحد, وكفن الرجلين والثلاثة في الثوب الواحد "قال البيهقي" أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنبأ علي ابن عمر الحافظ "يعني الدارقطني" قال هذه اللفظة ولم يصل علي أحد من الشهداء غيره ليست محفوظة: قال أبو عيسى الترمذي في كتاب العلل: سألت محمدًا "يعني البخاري" عن هذا الحديث "يعني عن إسناده" فقال: حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله هو حديث حسن وحديث أسامة بن زيد هو غير محفوظ غلط فيه أسامة بن زيد اهـ (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَيَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ أَنَّ اللَّيْثَ حَدَّثَهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى

باب في ستر الميت عند غسله

الله عليه وسلم- كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ وَيَقُولُ "أَيُّهُمَا أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ". فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ "أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا. (ش) (الليث) بن سعد و (عبد الرحمن بن كعب) كذا قال الليث عن ابن شهاب بذكر عبد الرحمن بن كعب قال النسائي: لا نعلم أحدًا من ثقات أصحاب ابن شهاب تابع الليث على ذكر عبد الرحمن بن كعب, ثم ساق الحديث من طريق عبد الله بن المبارك عن معمر عن عبد الله بن ثعلبة. وأخرجه أحمد من طريق محمَّد بن إسحاق, والطبراني من طريق عبد الرحمن بن إسحاق وعمر وابن الحارث كلهم عن ابن شهاب عن عبد الله بن ثعلبة. ولا تنافي بين هذه الروايات: لأن ابن شهاب له في الحديث شيخان: أحدهما عبد الرحمن بن كعب والآخر عبد الله بن ثعلبة (قوله يجمع بين الرجلين) يعني في ثوب واحد كما صرح به في الرواية بعد (قوله وأنا شهيد على هؤلاء) يعني شهيد لهم يوم القيامة بأنهم بذلوا أرواحهم في سبيل الله تعالى وقاتلوا إعلاء كلمته (فقه الحديث) دل الحديث على علومنزلة الشهداء. وعلى أنهم لا يغسلون. وعلي مزيد فضل صاحب القرآن (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري وأحمد والنسائي والبيهقي والترمذي وقال: حسن صحيح وقد تقدم ترجيح البخاري والترمذي له علي حديث أسامة السابق وحكي ابن القطان عن الترمذي عن البخاري قال: حديث الليث أصح , يعني من حديث أسامة (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنِ اللَّيْثِ بِهَذَا الْحَدِيثِ بِمَعْنَاهُ قَالَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. (ش) (قوله بمعناه الخ) أي روي عبد الله بن وهب الحديث المتقدم بمعني رواية قتيبة سعيد ويزيد بن خالد الرملي عن الليث بن سعد وزاد في روايته قوله في ثوب واحد. ولم نقف علي من أخرج هذه الرواية (باب في ستر الميت عند غسله) وفي نسخة في سترة الميت (ص) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ نَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أُخْبِرْتُ عَنْ حَبِيبِ

النهي عن النظر إلى عورة الميت: كيفية غسل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "لاَ تُبْرِزْ فَخِذَكَ وَلاَ تَنْظُرَنَّ إِلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلاَ مَيِّتٍ". (ش) وجه مناسبة الحديث للترجمة أن النهي عن النظر إلى فخذ الميت يستلزم طلب ستره عند غسله (حجاج) بن محمَّد الأعور. و (ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قوله عن حبيب بن أبي ثابت) وفي نسخة عن ابن حبيب, والأولى هي الصواب الموافقة لرواية أحمد والبيهقي وابن ماجه والطحاوي (قوله لا تبرز فخذك) أي لا تظهره لأحد لا يحل له النظر إلى عورتك, أما من يحل له النظر إليها كالزوجة فيجوز إظهاره لها (قوله ولا تنظر إلى فخذ ولا ميت) يعني ممن لا يحل لك النظر إلى عورته (فقه الحديث) دل الحديث على أن الفخذ من العورة التي لا يجوز كشفها ولا النظر إليها وإلى ذلك ذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد. وذهب داود ومحمد بن جرير إلى أن العورة الفرجان فقط, فلا يحرم كشف الفخذ ولا النظر إليه. وعلى أنه يحرم النظر لفخذ الميت كما يحرم النظر إلى فخذ الحي (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والطحاوي وابن ماجه والبيهقي, وقال أبو داود هذا الحديث فيه نكارة, قاله العيني (ص) حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ لَمَّا أَرَادُوا غَسْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالُوا وَاللَّهِ مَا نَدْرِي أَنُجَرِّدُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا أَمْ نُغَسِّلُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّوْمَ حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلاَّ وَذَقْنُهُ فِي صَدْرِهِ ثُمَّ كَلَّمَهُمْ مُكَلِّمٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لاَ يَدْرُونَ مَنْ هُوَ أَنِ اغْسِلُوا النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ فَقَامُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَغَسَلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ يَصُبُّونَ الْمَاءَ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَيُدَلِّكُونَهُ بِالْقَمِيصِ دُونَ أَيْدِيهِمْ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ لَوِ اسْتَقْبَلْتُ

غسل النبي صلى الله عليه وسلم في قميصه حفظه من ظهور فضلات بعد الموت

مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَهُ إِلاَّ نِسَاؤُهُ. (ش) (رجال الحديث) (النفيلي) عبد الله بن محمَّد. و (يحيى بن عباد) بن عبد الله ابن الزبير بن العوام المدني القرشي. روى عن أبيه وجده وعمه حمزة وعبد الله بن عروة. وعنه هشام بن عروة وموسى بن عقبة وحفص بن عمر ويزيد بن عبد الله بن الهاد وآخرون: وثقه ابن معين والنسائي والدارقطني وابن سعد وقال كان كثير الحديث, وقال في التقريب ثقة من الخامسة روى له ابن ماجه والترمذي والنسائي وأبو داود. و(أبوه عباد) الأسدي المدني. روى عن أبيه وعائشة وجدته أسماء وزيد بن ثابت. وعنه ابنه يحيى وعبد الواحد بن حمزة وهشام بن عروة وابن أبي مليكة وجماعة. وثقه النسائي والعجي وابن سعد. وفي التقريب ثقة منا الثالثة روى له الجماعة (معنى الحديث) (قوله إلا وذقنه في صدره) تعني مالت رءوسهم علي صدورهم من أجل النوم (قوله من ناحية البيت) أي الذي كانوا فيه. وفي رواية ابن ماجه والحاكم والبيقهي قال لما أخذوا في غسل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ناداهم مناد من الداخل (قوله أن اغسلوا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثيابه) وفي نسخة أن غسلوا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وفي رواية لأن ماجه والحاكم والبيهقي: لا تنزعوا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قميصه. قال الدارقطني تفرد به عمرو بن يزيد عن علقمه اهـ وعمرو بن يزيد أبو بردة التميمي لا يحتج به. ولعل الصحابة رضي الله عنهم تذكروا بهذا الصوت ما كانوا يعرفونه من حفظ كرامة الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فغسلوه في قميصه لا أنهم اعتمدوا في ذلك علي مجرد سماع الصوت إذ مثل هذا لا ينبني علي حكم شرعي (قوله يدلكونه بالقميص دون أيديهم) أي حال كون القميص حائلًا بين جسد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وبين أيديهم. وروى البيهقي عن عبد الله بن الحارث أن عليًا رضي الله عنه غسل النبي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعلى النبي قميص وبيد عليّ خرقة يتبع بها تحت القميص. ولا منافاة بينها وبين حديث الباب لإمكان الجمع بينهما بأن عليًا لف خرقة على يده وأدخلها تحت القميص يتعهد بها السوأة كما يصنع بغيره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذهب يلتمس فيه ما يلتمس من الميت فلم يجده, فقال بأبي: الطيب طبت حيًا وطبت ميتًا. أي أن عليًا شرع يلتمس في السوأة من الموتي من الفضلات فلم يجد شيئًا, فقال أنت الطيب

من تولى غسله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم المذاهب في تغسيل الرجل امرأته وعكسه

طبت حيًا وميتًا. وغسل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثلاث مرات بماء وسدر لما رواه البيهقي من طريق عبد الملك بن جريج قال: سمعت محمَّد بن علي أبا جعفر قال: غسل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسم ثلاثًا بالسدر, وغسل وعليه قميص, وغسل من بئر يقال لها الغرس بقباء كانت لسعد بن خيثمة, وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يشرب منها, وولى سفلته علي, والفضل محتضنه, والعباس يصب الماء فجعل الفضل يقول: أرحني قطعت وتيني إني لأجد شيئًا يترطل عليّ. قال الحافظ هو مرسل جيد. ونحوه لابن ماجه. والغرس بضم العين المعجمة وقد تفتح. وسفلته أسافل بدنه. وتولى غسله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب والفضل ابنه. وفي رواية أحمد أن الذي تولى غسله من ذكر وأسامة ابن زيد وقثم وصالح مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ففيها "وكان العباس وفضل وقثم يقلبونه مع علي, وكان أسامة بن زيد صالح يصبان الماء, وجعل علي يغسله ولم ير من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شيئًا مما يراه من الميت, وهو يقول بأبي وأمي ما أطيبك حيًا وميتًا" وإنما باشر غسله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليّ كرم الله وجهه لما رواه البزار والبيهقي أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لعلي: لا يغسلني إلا أنت فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه. ولعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خص عليًا بذلك لعلمه بشدة تحرزه (قوله لو استقبلت من أمري الخ) كأنها فكرت في الأمر بعد أن مضى فقالت لو ظهر لي حين غسل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما ظهر لي الآن ما غسله إلا نساؤه. ولعلها علمت آخرًا أنه ما دامت العدة باقية فتعلق نكاح الزوج بالزوجة باق, أو أنها أخذته بطريق القياس من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لها "ما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك فغسلتك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك" رواه ابن ماجه. وفي هذا كله دلالة على جواز غسل المرأة زوجها إذا مات وعكسه. وقد اختلف العلماء في هذا فقال مالك والشافعي وأصحابهما يجوز لكل منهما تغسيل الآخر وهو المشهور عن أحمد. أما تغسيل الزوج الزوجة فلما رواه أحمد وابن ماجه والبيهقي عن عائشة قال رجع إليّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعًا في رأسي وأقول وارأساه فقال: بل أنا وارأساه ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك. وأما تغسيل المرأة زوجها فلقول عائشة في حديث الباب "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا نساؤه" وروى البيهقي والدارقطني عن أسماء بنت عميس أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أوصت أن يغسلها زوجها علي بن أبي طالب فغسلها هو وأسماء بنت عميس. وعن عائشة قالت توفي أبو بكر وأوصى أن تغسله أسماء بنت عميس امرأته وأنها ضعفت فاستعانت بعبد الرحمن

باب كيف غسل الميت

رواه البيهقي وقال وهذا الحديث الموصول وإن كان رواه محمَّد بن عمر الواقدي وليس بالقوي فله شواهد مراسيل عن ابن أبي مليكة وعن عطاء بن أبي رباح عن سعد بن إبراهيم أن أسماء بنت عميس غسلت زوجها أبا بكر رضي الله عنه اهـ وكذلك غسلت أبا موسى الأشعري زوجته أم عبد الله ولم ينكر عليهما أحد من الصحابة. وروي عن أحمد المنع مطلقًا كما حكاه ابن المنذر وروي عنه التفرقة فقال للزوجة أن تغسل زوجها وليس للزوج أن يغسل زوجته. وهو قول أبي حنيفة والثوري لأن الموت فرقة تبيح أختها وأربعًا سواها فحرم عليه لمسها والنظر إليها بخلاف تغسيلها إياه فجاز لبقائها في العدة. وأجابوا عن حديث عائشة "ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك" بأن معناه قمت بأسباب غسلك, أو أنه كان مخصوصًا بالنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأنه لا ينقطع نكاحه بالموت لحديث عمر مرفوعًا (كل سبب ونسب منقطع بالموت إلا سببي ونسبي) أخرجه الطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي (وأجابوا) عن تغسيل علي فاطمة بأن ابن مسعود أنكر عليه فقال علي أما علمت أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن فاطمة زوجتك في الدنيا والآخرة فدعواه الخصوصية دليل على أنه كان معروفًا بينهم أن الرجل لا يغسل زوجته كذا قالوا والمعول عليه أن الأصل عدم الخصوصية فقد ثبت أن المرأة تكون زوجة في الجنة لمن ماتت على ذمته (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي وابن حبان والحاكم وكذا ابن ماجه (باب كيف غسل الميت) (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ ح وَنَا مُسَدَّدٌ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ -الْمَعْنَى- عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حِينَ تُوُفِّيَتِ ابْنَتُهُ فَقَالَ "اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ -إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ- بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي". فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَعْطَانَا حَقْوَهُ فَقَالَ "أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ". قَالَ عَنْ مَالِكٍ يَعْنِي إِزَارَهُ وَلَمْ يَقُلْ مُسَدَّدٌ دَخَلَ عَلَيْنَا. (ش) (القعنبي) عبد الله بن مسلمة. و (أيوب) بن كيسان السختياني (قوله حين توفيت ابنته) وفي رواية للبخاري دخل علينا ونحن نغسل ابنته. وهي لا تنافي رواية الباب لاحتمال أن المراد دخل بعد وفاتها حين شرعن في غسلها. وابنته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هي زينب زوج أبي العاص بن الربيع والدة أمامة كما صرح به في رواية مسلم وكانت وفاتها سنة ثمان من الهجرة. وقيل إنها أم كلثوم كما في رواية ابن ماجه عن أم عطية

قالت دخل علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ونحن تغسل ابنته أم كلثوم (الحديث) ولا تنافي بين الروايتين لاحتمال أن أم عطية حضرت غسل زينب وأم كلثوم فقال لها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك. وجزم ابن عبد البر في ترجمة أم عطية بأنها كانت غاسلة الميتات. وكان مع أم عطية أسماء بنت عميس وصفية بنت عبد المطلب كما ذكره الدولابي في "الذرية الطاهرة"وليلى بنت قانف كما يأتي للمصنف في "باب كفن المرأة" وكان مجيئهن بأمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما رواه النسائي من حديث هشام قال حدثنا حفصة عن أم عطية قالت ماتت إحدى بنات النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأرسل إلينا فقال اغسلنها بماء وسدر (الحديث) (قوله فقال اغسلنها ثلاثًا الخ) وفي رواية البخاري عن هشام بن حسان عن حفصة اغسلنها وترًا ثلاثًا أو خمسًا. وأو للتونيع أو التخيير قال ابن العربي في قوله أو خمسًا إشارة إلى أن المشروع هو الإيثار لأنه نقلهن من الثلاث إلى الخمس وسكت عن الأربع اهـ. فلو حصل الانقاء بالأولى أو الثانية ندب التثليث وإن حصل بالرابعة ندب التخميس وهكذا. قال النووي المراد اغسلنها وترًا وليكن ثلاثًا، فإن احتجن إلى زيادة عليها للانقاء فليكن خمسًا، فإن احتجن إلى زيادة الانقاء فليكن سبعًا وهكذا أبدًا وحاصله أن الإيتار مأمور به, والثلاثة مأمور بها ندبًا فإن حصل إنقاء بثلاث لم تشرع الرابعة وإلا زيد حتني يحصل الإنقاء. ويندب كونها وترًا. وأصل غسل الميت فرض كفاية وكذا حمله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه كلها فروض كفاية, والواجب في الغسل مرة واحدة عامة للبدن اهـ (قوله أو أكثر من ذلك الخ) بكسر الكاف خطاب لأم عطية, فمعناه أن التفويض في الأكثرية إلى اجتهادهن بحسب الحاجة لا لمجرد التشهي مع مراعاة الإيتار في ذلك كما قاله ابن المنذر. قيل ويحتمل أن قوله إن رأيتن ذلك راجع إلى الثلاثة والخمسة وما زاد عليها, فيكون المدار علي الإنقاء وما زاد على ما به الإنقاء فأمره مفوض إليهم (قوله بماء وسد) متعلق بقوله اغسلنها, والسدر ورق النبق. وظاهره أن السدر يخلط بالماء في كل مرة من الغسلات. وإلى هذا ذهبت الحنابلة فقالوا يسن ضرب سدر ونحوه فيغسل برغوته رأس الميت ولحيته ويغسل بدنه بالتفل ثم يصب على جميع بدنه الماء القراح وتكون هذه غسلة واحدة وهكذا يفعل في كل مرة ثلاثًا أو خسمًا أوسبعًا إلا أنه يجعل مع السدر في الغسلة الأخيرة كافورًا. وهكذا قالت الحنفية. قال في فتح القدير الأولى كون الأوليين بالسدر والثالثة بالكافور. وقال شيخ الإِسلام الأولى بالماء القراح والثانية بالماء المغلي فيه سدر والثالثة بالماء الذي فيه الكافور اهـ كلام صاحب الفتح بتصرف. وذهب المالكية إلى أن الغسلة الأولى تكون بالماء القراح للتطهير والثانية يضاف عليه السدر للتنظيف أو الأولى بالسدر والثانية بالماء القراح والثالثة يضاف عليها الكافور

الحكمة في جعل الكافور في آخر غسله

للتطيب. وقالت الشافعية يستحب أن تكون الغسلة الأولى بالماء والسدر ثم يغسل بالماء القراح ويجعل في الغسلة الأخيرة شيء من الكافور. واختلفوا هل يسقط الفرض بالغسلة المتغيرة بالسدر أو الخطمى؟ الأصح أنه لا يسقط. والمشهور أن غسل الميت تعبدي يشترط فيه ما يشترط في بقية الأغسال الواجبة والمندوبة, وأن الواجب مرة واحدة تعم جميع البدن, وهو قول الأئمة الأربعة وكثيرين. وذهب الكوفيون وأهل الظاهر والمزني إلى إيجاب ثلاث غسلات وروي ذلك عن الحسن وقال ابن شعبان وابن الفرضي من المالكية غسل الميت للتنظيف فيجزئ بالماء المضاف كماء الورد ونحوه متمسكين بظاهر الحديث. وقال الزين بن المنير ظاهر الحديث أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل لأن قوله بماء وسدر متعلق بقولها اغسلنها وهو مشعر بأن غسل الميت للتنظيف لا للتطهير لأن الماء المضاف لا يتطهر به, وتعقبه الحافظ بمنع لزوم مصير الماء مضافًا بذلك لاحتمال أنه لا يغير السدر وصف الماء بأن يمعك جسد الميت بالسدر ثم يغسل بالماء في كل مرة فإن لفظ الخبر لا يأبي ذلك. ومثل السدر في التنظيف غيره من كل مزيل طاهر كالأشنان والصابون. والحكمة في جعل الكافور في الغسلة الأخيرة أنه يقوي الجسم ويرده ويطرد عنه الهوام وهو طيب الرائحة والملائكة تحضر الميت في هذا الوقت. فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن سلمان أنه استودع امرأته مسكًا فقال إذا مت فطيبوني فإنه يحضرني خلق من خلق الله تعالى لا ينالون من الطعام والشراب يجدون الريح (قوله فأعطناه حقوه) بفتح الحاء المهملة, ولعة هذيل كسرها, والمراد به الإزار كما سيذكره المصنف بعد. وأصل الحقو معقد الإزار أطلق على الإزار مجازًا للمجاورة وفي رواية للبخاري فنزع من حقوه إزاره (قوله اأشعرنها إياه) أي اجعلن هذا الحقو مباشرًا لجسدها تحت الأكفان. والحكمة في جعله شعارًا لها حصول بركة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لها. وأخر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى لا يكون بين انتقاله من جسده الشريف إلى جسدها فاصل (قوله قال عن مالك) أي قال القعنبي في روايته عن مالك فأعطانا حقوه تعني إزاره (قوله ولم يقل مسدد دخل علينا) أي لم يقل مسدد في روايته عن حماد دخل علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما قال القعنبي في روايته عن مالك (فقه الحديث) دل الحديث على وجوب غسل الميت. وعلى استحباب الإيتار في الغسل بناء على أن الأمر مستعمل في حقيقته ومجازه. وأما على طريقة من منع ذلك فيكون للاستحباب بقرينة ذكر الثلاثة والخمس, ويكون وجوب الغسل مستفادًا من دليل آخر. وعلى استحباب غسله بالسدر وكذا ما في معناه. وعلى استحباب جعل شيء من الكافور آخر الغسلات ومثل

المذاهب في تسريح شعر الميت

الكافور غيره مما له رائحة طيبة. وعلى مشروعية جعل شيء من آثار الصالحين على الميت للتبرك به (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ وَأَبُو كَامِلٍ -بِمَعْنَى الإِسْنَادِ- أَنَّ يَزِيدَ بْنَ زُرَيْعٍ حَدَّثَهُمْ نَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ حَفْصَةَ أُخْتِهِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ مَشَطْنَاهَا ثَلاَثَةَ قُرُونٍ. (ش) (أبو كامل) فضيل الجحدري (قوله مشطناها ثلاثة ثرون) تعني سرحنا بالمشط شعر رأس بنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وضفرناه ثلاث ضفائر. وفي رواية البخاري عن أم عطية أنهن جعلن رأس بنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثلاثة قرون: نقضنه ثم غسلنه ثم جعلنه ثلاثة قرون. وفائدة المشط تبيلغ الماء إلى البشرة وتنظيف الشعر (والأثر) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والبيهقي والترمذي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الأَعْلَى نَا هِشَامٌ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ وَضَفَّرْنَا رَأْسَهَا ثَلاَثَةَ قُرُونٍ ثُمَّ أَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا مُقَدَّمَ رَأْسِهَا وَقَرْنَيْهَا. (ش) (عبد الأعلى) بن عبد الأعلى. و (هشام) بن حسان (قوله وضفرنا رأسها ثلاثة قرون الخ) أي جعلنا قرنيها ضفيرتين وناصيتها ضغيرة, فقد بينت في هذه الرواية مواضع القرون بأن واحدًا في مقدم رأسها واثنين في جوانبها وأن الثلاثة طرحن خلفها في (وفي هذين الأثرين) دلالة على استحباب تسريح شعر المرأة الميتة وتضفيره ثلاثة قرون وطرحه خلفها وبهذا قالت الحنابلة والشافعية وهو معتمد مذهب المالكية. وقال الأوزاعي والحنفية لا يسرح ويجعل ضفيرتين علي صدرها فوق القميص. لما رواه عبد الزراق عن سفيان القوي عن حماد عن إبراهيم عن عائشة أنها رأت امرأة يكدون رأسها بمشط فقالت علام تنصون ميتكم, ورواه أبو حنيفة عن حماد بسنده إلى عائشة, و"تنصون" كتبكون من نصوت الرجل إذا مددت ناصيته, أرادت أن الميت لا يحتاج إلى تسريح لأنه من باب الزينة وقد استغنى عنها (وأجابوا) عن أثر أم عطية بأنها لم تستند فيه إلى أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلا يكون مرفوعًا بل هو شيء رأته ففعلته استحسانًا. قال القرطبي الأصل أن لا يفعل بالميت شيء من جنس القرب إلا بإذن من الشرع محقق ولم يرد ذلك مرفوعًا اهـ (والأثر) أخرجه البيهقي مطولًا نحو الأثر السابق وأخرجه سعيد بن منصور من رواية هشام عن حفصة عن أم عطية قال قال

المذاهب في المضمضة والاستنشاق في غسل الميت

لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اغسلنها وترًا واجعلن شعرها ضفائر. وزاد ابن حبان في صحيحه من طريق حماد عن أيوب قال قالت حفصة عن أم عطية اغلسنها ثلاثًا أو خمسًا أوسبعًا واجعلن لها ثلاثة قرون (ص) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ وَنَا إِسْمَاعِيلُ نَا خَالِدٌ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُنَّ فِي غُسْلِ ابْنَتِهِ "ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا". (ش) (إسماعيل) بن إبراهيم بن علية تقدم بالثاني صفحة 264. و (خالد) الحذاء (قوله ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها) أي ابدأن في غسلها بمواضع الوضوء منها وبالميامن من أعضائها, فالواو لمطلق الجمع لا تقتضي ترتيبًا ولا تعقيبًا. قال الحافظ قال ابن المنير ابدأن بميامنها أي في الغسلات التي لا وضوء فيها وبمواضع الوضوء في الغسلة المتصلة بالوضوء وكأن المصنف (أي البخاري) أشار بذلك إلى مخالفة أبي قلابة في قوله يبدأ بالرأس ثم باللحية قال والحكمة بالأمر بالوضوء تجديد أثر سمة المؤمنين في ظهور أثر الغرة والتحجيل اهـ "واستدل بهذا الحديث" على استحباب المضمضة والاستنشاق في غسل الميت. وبه قالت الشافعية والمالكية أخذًا بظاهر هذا الحديث وقياسًا على وضوء الحي, وقالو يستحب إمالة رأسه برفق للتمكن من غسل الفم ولئلا يدخل الماء في جوفه فيخشى منه تحريك النجاسة في جوفه. ويستحب تعهد أسنانه وأنفه بخرقة نظيفة, وقالت الحنفية والحنابلة لا يمضمض ولا ينشق لأن المراد أعضاء الوضوء التي في كتاب الله تعالى فلم تدخل المضمضة والاستنشاق ولتعذر إخراج الماء من فمه وأنفه، واستحب بعضهم أن يلف الغاسل أصبعه خرقة يمسح بها أسنان الميت وشفتيه ومنخريه, فتحصل مما تقدم أن الواجب في غسل الميت مرة تعم جميع الجسد, وأن السنة أن يكون وترًا ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو أكثر إن احتيج إليه ويجعل في الماء من السدر أو نحوه وفي الغسلة الأخيرة كافور, وأن يبدأ باستنجائه بأن يضع الغاسل على يده خرقة فيغسل قبله ودبره ثم يوضئه وضوءه للصلاة ثم يبدأ بميامن جسده (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ نَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ زَادَ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ بِنَحْوِ هَذَا وَزَادَتْ فِيهِ "أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ

استحباب الإيتار في غسل الميت إلى السبع: الخلاف في الزيادة عليها

ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ". (ش) (حماد) بن زيد. و (أيوب) السختياني و (محمَّد) بن سيرين (قوله بمعنى حديث مالك) يعني حديث مالك المذكور أول الباب وذكر هذا تمهيدًا لقوله "وزاد في حديث حفصة" وإلا كان تكرارًا مع ما تقدم أول الباب (قوله وزاد في حديث حفصة الخ) يعني ذكر أيوب في روايته عن حفصة نحو الذي ذكره عن محمَّد بن سيرين قوله من قوله اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا وزادت حفصة في الحديث الذي رواه عنها أيوب على أخيها محمد بن سيرين قوله أوسبعًا, وغرض المصنف بذكر هذه الرواية بيان الفرق بين حديث أيوب عن محمَّد بن سيرين عن أم عطية وبين حديث أيوب عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية بأن حديث أيوب عن محمَّد ابن سيرين فيه: اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك, فذكر الإكثار فيه بعد الخمس ولم يذكر السبع , وأما حديث أيوب عن حفصة فذكر فيه: اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أوسبعًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك, فذكر بعد الخمس سبعًا, وهاتان الروايتان أخرجهما النسائي: ثم قوي حديث حفصة بسند آخر قال: أخبرنا إسماعيل بن مسعود ثنا بشر عن سلمة ابن علقمة عن محمَّد عن بعض إخوته عن أم عطية قالت: توفيت ابنة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأمرنا بغسلها فقال: اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أوسبعًا أو أكثر من ذلك الحديث (وفي هذه الرواية) دلالة علي استحباب الإيتار بالسبع والزيادة عليها إذا ادعت الحاجة وقال المارودي الزيادة علي السبع سرف. وقال ابن المنذر بلغني أن جسد الميت يسترخي بالماء فلا أحب الزيادة على ذلك اهـ وقال ابن عبد البر لا أعلم أحدًا قال بمجاوزة السبع اهـ لكن حديث الباب يرد عليهم (ص) حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ نَا هَمَّامٌ نَا قَتَادَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْغُسْلَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ يَغْسِلُ بِالسِّدْرِ مَرَّتَيْنِ وَالثَّالِثَةَ بِالْمَاءِ وَالْكَافُورِ. (ش) (همام) بن يحيى. و (قتادة) بن دعامة وهذا الأثر يشهد لما قاله الحنفية من أن الغسلتين الأوليين بالسدر والثالثة بالكافور, وتقدم تمام الكلام علي ذلك أول الباب (والأثر) أخرجه أيضًا البيهقي (باب في الكفن) (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ خَطَبَ يَوْمًا فَذَكَرَ

حكم الدفن ليلا: طلب تحسين الكفن ومم يكون

رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِضَ فَكُفِّنَ فِي كَفَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ وَقُبِرَ لَيْلًا فَزَجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يُضْطَرَّ إِنْسَانٌ إِلَى ذَلِكَ وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ". (ش) (عبد الرزاق) بن همام. و (ابن جريج) عبد الملك. و (أبو الزبير) محمَّد بن مسلم المكي (قوله فكفن في كفن غير طائل) أي غير حسن أو غير كامل الستر (قوله فزجر النبي الخ) أي نهى أن يدفن الميت بالليل. وقد صرح بالنهي في رواية ابن ماجه من طريق وكيع عن إبراهيم بن يزيد المكي عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لا تدفنوا موتاكم بالليل إلا أن تضطروا" أي ليصلي عليه العدد الكثير من الناس. وهذا إنما يتيسر نهارًا بخلاف الصلاة عليه ليلًا فلا يحضره إلا العدد القليل. فالنهي إنما هو عن الدفن ليلًا لذلك لا مطلقًا. وليس المراد أن المنهي عنه الدفن قبل الصلاة, فإن هذا منهي عنه مطلقًا ليلًا كان أو نهارًا. وقيل نهى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الدفن ليلًا لأنهم كانوا يفعلون ذلك بالليل لرداءة الكفن فلا يظهر فيه. ويؤيده أول الحديث وآخره. قال القاضي عياض العلتان صحيحتان. والظاهر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قصدهما اهـ (قوله إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك) فيه دلالة على أنه لا بأس بالدفن ليلًا للضرورة. وإلى ظاهر الحديث ذهب الحسن البصري فقال يكره الدفن ليلًا إلا للضرورة, ويدل له أيضًا حديث ابن ماجه المذكور. وسيأتي تمام الكلام عليه في "باب الدفن بالليل" (قوله فليحسن كفنه) بفتح الفاء اسم لما يكفن به أو بسكونها على أنه مصدر كفن من باب ضرب أي تكفينه. قال في النهاية وهو الأعم لأنه يشتمل على الثوب وهيئته وعمله والمعروف فيه الفتح اهـ ومعناه فليختر من الثياب أنظفها وأتمها وأبيضها وكونها ساترة متوسطة وأن تكون من جنس اللباس الشرعي فيجوز أن تكون من قطن وصوف وكتان وشعر ووبر وغيرها مما يباح للحي. أما الحرير فيحرم تكفين الرجل فيه, وأما المرأة فقيل يكره تكفينها به وقيل يحرم، والظاهر الثاني لما فيه من السرف والمغالاة المنهي عنها. قال النووي ويعتبر في الكفن المباح حال الميت: فإن كان مكثرًا من المال فمن جياد ثيابه، وإن كان متوسطًا فمن أوسطها, وإن كان مقلًا فبحسب حالة اهـ ببعض تصرف. وليس المراد بالتحسين ما يفعله بعض الناس من السرف والمغالاة رياء وسمعة لما سيأتي عن علي في "باب كراهية المغالاة في الكفن" وقد ورد في تحسين الكفن أحاديث أخر (منها) ما رواه الديلمي عن أم سلمة أن النبي

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: أحسنوا الكفن ولا تؤذوا موتاكم بعويل ولا بتزكية ولا بتأخير وصية ولا بقطيعة وعجلوا بقضاء دينه واعدلوا عن جيران السوء, وإذا حفرتم فأعمقوا ووسعوا (ومنها) ما رواه أيضًا الديلمي عن جابر قال: قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحسنوا كفن موتاكم فإنهم يتباهون ويتزاورون بها في قبورهم (ومنها) ما رواه أحمد والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: البسوا من ثيابكم البياض فإنها خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم (فقة الحديث) دل الحديث علي كراهة دفن الميت ليلًا إلا للضرورة. وعلى الترغيب في الإكثار من المصلين على الجنازة. وعلي استحباب تحسين كفن الميت (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والنسائي والبيهقي, وأخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي قتادة مقتصرين علي قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه" (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ نَا الأَوْزَاعِيُّ نَا الزُّهْرِيُّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أُدْرِجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي ثَوْبٍ حِبَرَةٍ ثُمَّ أُخِّرَ عَنْهُ. (ش) (الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو. و (الزهري) محمَّد بن مسلم (قوله أدرج) يعني غطي جميع بدنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين مات. وفي رواية مسلم عن عائشة أيضًا سجي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين مات بثوب حبرة. وفي رواية له عنها قالت: أدرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حلة يمنية كانت لعبد الله بن أبي بكر ثم نزعت عنه وكفن في ثلاثة أثواب سحولية يمانية ليس فيها عمامة ولا قميص, فرفع عبد الله الحلة فقال أكفن فيها, ثم قال لم يكفن فيها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأكفن فيها فتصدق بها (قوله في ثوب حبرة) بالإضافة أو بتنوين ثوب وحِبَرَة كعِنَبَة صفته. وهي نوع من البرود اليمنية مخطط من قطن أو كتان. وحكمة تغطيته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بهذا الثوب صيانته عن الانكشاف وستره عن الأعين (قوله ثم أخر عنه) أي أخر الثوب عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ونزع عنه ولم يجعلوه في كفنه كما في حديث عائشة الآتي. ولعل الحكمة في ذلك أنهم لم يروه مناسبًا لأن يكفن فيه, وقال العيني يمكن أن يكون إدراجهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الثوب الحبرة ثم تأخيرهم إياه عنه لأجل التنشيف بعد الغسل فكان ذلك كالمنشفة فلما نشفوه به أخروه عنه ثم كفونه في ثلاثة أثواب بيض اهـ

المبالغة في ستر الميت: كفن الضرورة ثوب يعم جميع البدن

(فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية تغطية الميت إلى أن يؤخذ للغسل. وعلى المبالغة في ستره عن الأعين لتغير حالة بعد خروجه روحه بحيث يلف طرف الثوب المسجى به الميت تحت رأسه وطرفه الآخر تحت رجليه لئلا ينكشف عنه, وتكون التسجية بعد نزع ثيابه التي توفي فيها لئلا يتغير بدنه بسببها كما تقدم (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ نَا إِسْمَاعِيلُ -يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْكَرِيمِ- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَقِيلِ بْنِ مَعْقِلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَهْبٍ -يَعْنِي ابْنَ مُنَبِّهٍ- عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "إِذَا تُوُفِّيَ أَحَدُكُمْ فَوَجَدَ شَيْئًا فَلْيُكَفَّنْ فِي ثَوْبٍ حِبَرَةٍ". (ش) (رجال الحديث) (الحسن) بن الصباح أبو علي الواسطي البغدادي. روى عن ابن عيينة ووكيع والوليد بن مسلم وروح بن عبادة وغيرهم. وعنه البخاري وأبو داود والترمذي والبغوي وجماعة. وثقه أحمد وقال أبو حاتم صدوق وقال النسائي صالح ليس بالقوي وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة تسع وأربعين ومائتين. و(إسماعيل بن عبد الكريم) بن معقل ابن منبه أبو هشام الصنعاني. روى عن ابن عمه إبراهيم بن عقيل وعمه عبد الصمد بن معقل وعبد الملك بن عبد الرحمن وعلي بن الحسين وغيرهم, وعنه أحمد بن حنبل والذهلي وإسحاق وذكره ابن حبان في الثقات, وفي التقريب صدوق من التاسعة, رورى له أبو داود وابن ماجه في التفسير. توفي سنة عشر ومائتين. و(إبراهيم بن عقيل بن معقل) بفتح فسكون فكسر ابن منبه بن كامل الصنعاني. روى عن وهب بن منبه, وعنه أحمد بن حنبل وزيد بن المبارك وثقه العجلي وابن معين وذكره ابن حبان في الثقات. وفي التقريب صدوق من الثامنة روى له أبو داود. و(أبوه) عقيل بن معقل بن منبه اليماني. روى عن عميه همام ووهب. وعنه ابنه إبراهيم وابن أخيه يوسف بن عبد الصمد وغوث بن جابر بن غيلان، وثقه العجلي وابن معين وأحمد عبد الصمد, وذكره ابن حبان في الثقات, وفي التقريب صدوق من السابعة روي له أبو داود (معنى الحديث) (قوله فوجد شيئًا الخ) أي وجد أهله شيئًا قليلًا, وهو محمول على حالة الضرورة, فإن الثوب الواحد كاف حينئذ فالتنوين في قوله شيئًا للتقليل. أما في حالة اليسار فسيأتي بيان ما يكفن به الرجل والمرأة (والحديث) يدل على أنه يكفي في حالة الضرورة تكفين الميت في ثوب واحد يعم جميع البدن (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي

كفن السنة: المذاهب في جعل القميص والعمامة من الكفن

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ قَالَتْ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ بِيضٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ. (ش) (هشام) بن عروة بن الزبير (قوله يمانية) بتخفيف الياء نسبة إلى اليمين والأصل يمنية بتشديد الياء فحذفت إحدى ياءي النسب وعوض عنها الألف, وكفن في بياض لما رواه الحاكم والبيهقي والترمذي وصححه من حديث ابن عباس مرفوعًا "البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم" وما رواه البيهقي عن أبي الملهب عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: عليكم بالبياض: فليلبسه أحياؤكم وكفنوا فيه موتاكم فإنه من خير لباسكم. وما رواه عن ميمون بن أبي شبيب عن سمرة أيضًا مرفوعًا "البسوا الثياب البيض فإنها أطيب وأطهر وكفنوا فيها موتاكم" (قوله ليس فيها قميص ولا عمامة) أي ليس من جملتها أوليس معها قميص ولا عمامة. فهو حجة للشافعية القائلين يسن أن يكفن الرجل في ثلاث لفائف تعم جميع البدن سوى رأس المحرم, والأفضل أن لا يكون فيها قميص ولا عمامة فإن زاد على ذلك قميصًا وعمامة لم يكره: لما رواه البخاري أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أعطى عبد الله بن أبيّ بن أبي سلول قميصًا ليجعله في كفن أبيه. ولما روى البيهقي عن ابن عمر أنه كان يكفن أهله في خمسة أثواب فيها قميص وعمامة ولأن أكمل ثياب الحي خمسة قميصان وسراويل وعمامة ورداء, ويكره الزيادة على ذلك لأنه سرف. وقالت الحنابلة يستحب تكفين الرجل في ثلاث لفائف أخذًا بظاهر حديث الباب وتكره الزيادة عليها كما يكره تعميمه, وإن كفن في قميص بكمين وإزار ولفافة جاز من غير كراهة ولو لم تتعذر اللفائف لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أعطى عبد الله بن أبي بن سلول قميصه لما مات. وقالت المالكية يندب إزار وقميص ولفافتان وعمامة فيها عذبه نحو الذراع ترسل على وجهه. يدل لهم ما تقدم عن ابن عمر, وما روى عنه أنه كان يعمم الميت ويجعل العذبة على وجهه. وقالت الحنفية يسن إزار وقميص ولفافة والقميص من المنكبين إلى القدمين ولا يوسع أسفله بخلاف قميص الحي, ولا تكف أطرافه وليس له كمان وكل واحد من اللفافة والإزار من القرن إلى القدم. وتكره الزيادة على الثلاث, وقيل لا بأس بالزيادة على الثلاثة إلى خمسه أخذًا من حديث ابن عمر: أنه كفن ابنه واقدًا في خمسه أثواب قميص وعمامة وثلاث لفائف وأدار العمامة إلى تحت حنكه, رواه سعيد بن منصور في سننه (وأجاب) القائلون باستحباب

تكفين النبي - صلى الله عليه وسلم - في قميصه الذي مات فيه

القميص والعمامة عن حديث الباب بأن المراد بقولها ليس فيها قميص ولا عمامة أنهما زائدان على الثلاثة لا أنهما من جملتها، لكنه وإن كان هذا محتملًا إلا أنه خلاف الظاهر. قال النووي معناه لم يكفن في قميص ولا عمامة, وإنما كفن في ثلاثة أثواب غيرهما, ولم يكن مع الثلاثة شيء آخر هكذا فسره الشافعي وجمهور العلماء وهو الصواب الذي يقتضيه ظاهر الحديث اهـ. والظاهر أنهما ليسا من جملة الكفن أصلًا (فقه الحديث) دل الحديث على استحباب التكفين في الأبيض من الثياب قال النووي وهو مجمع عليه ويكره بالمصبغات ونحوها من ثياب الزينه اهـ (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري من طريق يحيى بن هشام, وأخرجه أيضًا عن سفيان عن هشام (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا حَفْصٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ زَادَ مِنْ كُرْسُفٍ. قَالَ فَذُكِرَ لِعَائِشَةَ قَوْلُهُمْ فِي ثَوْبَيْنِ وَبُرْدِ حِبَرَةٍ فَقَالَتْ قَدْ أُتِيَ بِالْبُرْدِ وَلَكِنَّهُمْ رَدُّوهُ وَلَمْ يُكَفِّنُوهُ فِيهِ. (ش) (حفص) بن غياث الكوفي تقدم بالثاني صفحه 145 (قوله زاد فيه الخ) أي زاد حفص بن غياث في روايته عن هشام قوله من كرسف أي ثلاثة أثواب بيض من كرسف بضم الكاف وهو القطن (قوله فذكر لعائشة الخ) أي ذكروا لها أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كفن في ثوبين وبرد حبرة فقالت: إنه أتى له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالبرد فردته الصحابة ولم يجعلوه في كفنه: تعنى وأتوا بدله بثوب آخر أبيض فصارت الجملة ثلاثة (وهذه الرواية) أخرجها أيضًا أحمد والبخاري والنسائي والبيهقي وابن الترمذي وقال حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالاَ نَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ يَزِيدَ -يَعْنِي ابْنَ أَبِي زِيَادٍ- عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ نَجْرَانِيَّةٍ الْحُلَّةُ ثَوْبَانِ وَقَمِيصُهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ عُثْمَانُ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ حُلَّةٍ حَمْرَاءَ وَقَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ.

باب كراهية المغالاة في الكفن

(ش) (ابن إدريس) عبد الله الأودي. تقدم بالثاني صفحه 253. (مقسم) ابن بحرة مولى عبد الله بن الحارث تقدم بالثالث صفحه 45 (قوله نجرانية) نسبة إلى نجران بلدة باليمن (قوله الحلة ثوبان) أي منها الحلة وهي ثوبان فثوبان خبر لمبتدأ محذوف (قوله وقميصه الذي مات فيه) هومن أدلة من قال باستحباب القميص في الكفن وهم الحنفية والمالكية وزيد بن علي والمؤيد بالله. وأجاب القائلون بعدم استحبابه في الكفن بأن الحديث ضعيف لأن فيه يزيد بن أبي زياد وفيه مقال. على أن التكفين في القميص الذي مات وغسل فيه بعيد عادة كما لا يخفى. وذكر الحلة في كفنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غلط. ففي مسلم من رواية عائشة قالت: كفن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة. أما الحلة فإنما شبه على الناس فيها أنها اشتريت له ليكفن فيها فتركت الحلة, وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية فأخذها عبد الله بن أبي بكر, فقال لأحبسنها حتى أكفن فيها نفسي ثم قال لو رضيها الله عَزَّ وَجَلَّ لنبيه لكفنه فيها فباعها وتصدق بثمنها. قال الترمذي حديث عائشة أصح الأحاديث التي رويت في كفن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم, والعمل على حديث عائشة عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وغيرهم اهـ قال النووي في شرح مسلم: حديث ابن عباس حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به لأن يزيد بن أبي زياد أحد رواته مجمع على ضعفه لا سيما وقد خالف بروايته الثقات اهـ. (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبيهقي وابن ماجه (باب كراهية المغالاة في الكفن) أي الزيادة فيه على الحد الشرعي. يقال غاليت في الشيء وغلوت فيه إذا جاوزت فيه الحد (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ نَا عَمْرُو بْنُ هَاشِمٍ أَبُو مَالِكٍ الْجَنْبِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ الله وَجْهَهُ قَالَ لاَ تَغَالِ لِي فِي كَفَنٍ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "لاَ تَغَالَوْا فِي الْكَفَنِ فَإِنَّهُ يُسْلَبُهُ سَلْبًا سَرِيعًا". (ش) (رجال الحديث) (عمرو بن هاشم) الكوفيّ روى عن إسماعيل بن أبي خالد وهشام ابن عروة ويحيى بن سعيد وحجاج بن أرطاة. وعنه ابنه عمار وعبد الرحمن بن صالح ويحيى بن

معين وآخرون قال أحمد صدوق ولم يكن صاحب حديث وقال النسائي والحاكم ليس بالقوي وقال ابن سعد كان صدوقًا لكن كان يخطئ كثيرًا وضعفه مسلم وقال ابن حبان كان يقلب الأسانيد ويروى عن الثقاب ما لا يشبه حديث الأثبات لا يجوز الاحتجاج بخبره وقال في التقريب لين الحديث روى له أبو داود والنسائي والبخاري في الأدب. و (عامر) الشعبي (معنى الحديث) (قوله لا تغالي في الكفن) مصدر تغالى وفي نسخه لا يغالي بالياء مبنيًا للمجهول. وفي نسخه لا تغال بالتاء مبنيًا للفاعل (قوله لا تغالوا في الكفن الخ) بحذف إحدى التاءين أي لا تبالغوا في ثمنه ولا تجاوزوا الحد الشرعي فيه, فإن الكفن يبلى عن الميت سريعًا فلا ينتفع به، ففي المغالاة فيه إضاعة للمال, وإطلاق السلب على البلى مجاز, ويسلبه بالضمير المنصوب العائد على الكفن ونائب الفاعل عائد على الميت, وفي بعض النسخ يسلب بدون ضمير فنائب الفاعل عائد على الكفن. يؤيده ما أخرجه البيهقي عن عائشة قالت لما اشتد مرض أبي بكر الصديق بكيت فأغمى عليه فقلت: من لا يزال دمعه مقنعًا ... فإنه في مرة مدفوق قالت: فأفاق أبو بكر فقال ليس كما قلت يا بنية, ولكن "جاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد" ثم قال أي يوم توفي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم؟ قالت فقلت يوم الاثنين. فقال فأي يوم هذا؟ قلت يوم الاثنين قال فإني أرجومن الله ما بيني وبين الليل, قالت فمات ليله الثلاثاء فدفن قبل أن يصبح قالت وقال: في كم كفنتم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم؟ قلت كفناه في ثلاثة أثواب سحولية جدد بيض ليس فيها قميص ولا عمامة, فقال لي اغسلوا ثوبي هذا وبه ردع زعفران أو مشق واجعلوا معه ثوبين جديدين فقلت إنه خلق فقال لها الحيّ أحوج إلى الجديد من الميت إنما هو للمهلة. وأخرجه البخاري بمعناه دون ما في صدره من بكاء عائشة وقولها المذكور ودون قراءة أبي بكر الآية. وقوله ردع بفتح فسكون أي أثر من زعفران لم يعم الثوب كله. والمهمله بضم الميم وكسرها وفتحها القيح الذي يسيل من الجسد "ولا يعارض" هذا ما تقدم للمصنف (إذا كفن أحدكم أخاه أخاه فليحسن كفنه). وما تقدم أيضًا عند الديلمي من حديث جابر مرفوعًا (أحسنوا كفن موتاكم فإنهن يتباهون ويتزاورون) "فإن المراد" من تحسينه نظافته ونقاؤه وتوسطه وكونه من جنس ملبوسه في الدنيا لا أفخر منه ولا أحقر عنه, وهو يحصل بدون تجاوز الحد فيه (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي وهو ضعيف لأنه من طريق عمرو بن هشام وفيه مقال وفيه أيضًا انقطاع لأن الشعبي لم يسمع من على سوى حديث واحد وليس هو هذا الحديث كما قاله الدارقطني. (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ خَبَّابٍ قَالَ إِنَّ

مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِلاَّ نَمِرَةٌ كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْئًا مِنَ الإِذْخِرِ". (ش) (سفيان) الثوري. و (سليمان) الأعمش (وأبو وائل) شقيق بن سلمة (وخباب) بن الأرت (قوله مصعب بن عمير) بن هاشم بن عبد مناف العبدري أحد السابقين إلى الإِسلام, أسلم قديمًا والنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في دار الأرقم وكتم إسلامه خوفًا من أمه وقومه فعلمه عثمان بن طلحة فأعلم أهله فأوثقوه فلم يزل محبوسًا إلى أن هرب مع من هاجر إلى الحبشة ثم رجع إلى مكة فهاجر إلى المدينة وشهد بدرًا ثم شهد أحدًا ومعه اللواء فاستشهد قتله عمرو بن قمأه الليثي (قوله ولم يكن له إلا نمرة) أي كساء مخطط قصير من صوف أو غيره وكأنها أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض (قوله كنا إذا غطينا بها رأسه الخ) ذلك لقصرها وعدم سترها جميع البدن (قوله من الإذخر) بكسر الهمزة والخاء نبت زكي الرائحة معروف بالحجاز إذا جف أبيض. (والحديث) يدل على أنه إذا ضاق الكفن عن ستر جميع البدن ولم يوجد غيره جعل مما يلي الراس وجعل النقص مما يلي الرجلين ويستر رأسه إن أمكن ويجعل على رجليه نحو إذخر. قال النووي فإن ضاق عن ذلك سترت العورة فإن فضل شيء جعل فوقها فإن ضاق عن العورة سترت السوأتان لأنهما أهم: وقد يستدل بهذا الحديث على أن الواجب في الكفن ستر العورة فقط ولا يجب استعياب البدن عند التمكن. فان قيل لم يكونوا متمكنين من ستر جميع البدن لقوله في الحديث لم يكن له إلا نمرة. فجوابه أن معناه لم يوجد مما يملكه الميت إلا نمرة ولوكان ستر جميع البدن واجبًا لوجب على المسلمين الحاضرين تتميمه. فإن قيل كانوا عاجزين عن ذلك لأن موته كان يوم أحد وقد كثرت القتلى من المسلمين واشتغلوا بهم وبالخوف من العدو وغير ذلك. فجوابه أنه يبعد من حال الحاضرين المتولين دفنه أن لا يكون مع واحد منهم ما يكمل به كفنه اهـ. ببعض تصرف. لكن قد يقال إنهم لم يتركوا شيئًا من بدنه بدون ستر حيث ستروا ما بقي مكشوفًا بالإذخر (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والترمذي والنسائي والبيهقي مطولًا عن خباب قال هاجرنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في سبيل الله نبتغى وجه الله فوجب أجرنا على الله فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئًا: منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه وإذا وضعناها على

بيان معنى حديث خير الكفن الحلة

رجليه خرج رأسه فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: ضعوها مما يلي رأسه واجعلوا على رجليه من الإذخر, قال ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهد بها (أي يجتنيها) (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "خَيْرُ الْكَفَنِ الْحُلَّةُ وَخَيْرُ الأُضْحِيَةِ الْكَبْشُ الأَقْرَنُ". (ش) (رجال الحديث) (ابن وهب) عبد الله. و (حاتم بن أبي نصر) القنسريني بكسر أوله وتشديد النون المفتوحة وسكون المهملة وكسر الراء نسبة إلى قنسرين بلد قرب حلب. روى عن عبادة ابن نسي. وعنه هشام بن سعد. ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن القطان والحافظ في التقريب مجهول روى له أبو داود وابن ماجه هذا الحديث فقط. و(أبو عبادة) نسيّ بالتصغير الكندي الشامي روى عن عبادة بن الصامت. وعنه ابنه عبادة. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مجهول من الثالثة. روى له أبو داود وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله خير الكفن الحلة) أي من خير الكفن الحلة وهي برود من اليمن ولا تسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد أفضل من الثوب الواحد, فالخيرية بالنسبة لما دونها وإلا فالثلاثة أفضل منها: ولعل الغرض منه أنه لا ينبغي الاقتصار في الكفن على الثوب الواحد إلا عند الضرورة. وقال بعضهم إن الكفن في برود اليمن أفضل لهذا الحديث لكن قد علمت مما تقدم أن الأفضل البيض. ولعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ذلك في الحلة لأنها كانت يومئذ ميسورة لهم (قوله وخير الأضحية الكبش الأقرن) لعله لكثرة لحمه في الغالب وكمال خلقته وكونه مرغوبًا فيه (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي وأخرجه ابن ماجه في الجنائز مختصرًا على الجزء الأول, وأخرجه بتمامه في الأضحية, وكذا الترمذي عن أبي أمامة (باب في كفن المرأة) (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي نُوحُ بْنُ حَكِيمٍ الثَّقَفِيُّ -وَكَانَ قَارِئًا لِلْقُرْآنِ- عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ يُقَالُ لَهُ دَاوُدُ قَدْ وَلَّدَتْهُ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ زَوْجُ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-

المذاهب فيه

أَنَّ لَيْلَى بِنْتِ قَانِفٍ الثَّقَفِيَّةِ قَالَتْ كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ وَفَاتِهَا فَكَانَ أَوَّلُ مَا أَعْطَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- الْحِقَاءَ ثُمَّ الدِّرْعَ ثُمَّ الْخِمَارَ ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ ثُمَّ أُدْرِجَتْ بَعْدُ فِي الثَّوْبِ الآخِرِ قَالَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- جَالِسٌ عِنْدَ الْبَابِ مَعَهُ كَفَنُهَا يُنَاوِلُنَاهَا ثَوْبًا ثَوْبًا. (ش) (رجال الحديث) (أبو يعقوب) إبراهيم بن سعد و (ابن إسحاق) محمَّد و (نوح بن حكيم الثقفي) المقرئ. روى عن داود بن أبي عاصم. وعنه محمَّد بن إسحاق ذكره ابن حبان في الثقات وقال في الميزان لا يعرف وفي التقريب مجهول من الثالثة. روى له أبو داود والترمذي و(داود) بن أبي عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي ويقال داود بن عاصم روى عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وأبي سلمة وعثمان بن أبي العاص. وعنه ابن جريج وحجاج بن أرطاة وقتادة ويعقوب بن عطاء وغيرهم. وثقه أبو زرعة وأبو داود والنسائي وذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب ثقة من الثالثة وقال الدارقطني يحتج به. روى له أبو داود والنسائي والبخاري في التاريخ (قوله ولدته أم حبيبه) بتشديد اللام يعني كانت قابله له حين الولادة, أو أن المعنى ربته يقال ولدت أهل الدار أي كانت قابله لهم, ويقال أيضًا ولدتك أي ربتك, وقيل إن ولد بتخفيف اللام فيفيد أن داود المذكور ولد أم حبيبة. ويشكل عليه ما جزم به ابن حبان من ان داود هو ابن عاصم وما قاله في الإصابة من أن زوج أم حبيبة هو عبيد الله بن جحش و(ليلى بنت قانف) بالنون المكسورة والفاء الثقفية لها صحبة. روت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنها داود بن أبي عاصم بن عروة. روى لها أبو داود (معنى الحديث) (قوله الحقاء) أي كان أول ما أعطانا من الكفن الحقاء تعنى الإزار. والحقاء جمع حقو مثل سهم وسهام وفي القاموس والحقو الكشح والإزار ويكسر أو معقده كالحقوة والحقاء جمع أحق وأحقاء. اهـ وفي بعض النسخ الحقا بالقصر قيل هو لغة في الحقو (قوله ثم الدرع الخ) أي القميص. والخمار ما تغطي به المرأة رأسها. والملحفة بكسر الميم الملاءة التي تلتحف بها المرأة (قوله أدرجت بعد في الثوب الآخر) أي الأخير. والحديث يدل على أن المستحب في كفن المرأة خمسه أثواب: إزار وقميص وخمار ولفافتان المعبر عنهما بملحفه ودرج. وبهذا قالت الشافعية والحنابلة. وكذا الحنفية غير أنهم يبدلون إحدى اللفافتين بخرقه يربط بها ثديها. وقالت المالكية المستحب في كفن المرأة سبعة أثواب إزار وقميص وخمار

فائدة جليلة تتعلق بغسل المرأة وكفنها

وأربع لفائف, وكأنهم لم يروا في العدد المذكور في الأحاديث مفهومًا فاباحوا الزيادة عليه, ورأوا أن الأمر في ذلك واسع. ولكن الراجح ما ذهب إليه الأولون لقوه أدلته ولأن الأصل في فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم التشريع. والحاصل أنه لا ريب في مشروعية الكفن للميت ولا نعلم خلافًا في عدم وجوب الزيادة على الثوب الواحد الذي يعم جميع البدن ويستحب للرجل ثلاث أو خمس وللمرأة خمس أوسبع على الخلاف في ذلك وما زاد على ذلك فهو إسراف. ويستحب تحسينه وأن يكون من البيض وتكره المغالاة فيه. قال النووي ويجب أن يكون الكفن من مال الميت, فإن لم يكن له مال فعلى من عليه نفقته, فإن لم يكن ففي بيت المال فإن لم يكن وجب على المسلمين يوزعه الإمام على من يراه من أهل اليسار اهـ ببعض تصرف, وبما ذكر تقول الحنفية غير ان أبا يوسف يقول كفن المرأة على زوجها وإن كانت ذات مال (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد (فائدة جليلة تتعلق بغسل المرأة وكفنها) روى البيهقي بسنده عن أم سليم أم أنس بن مالك قالت: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إذا توفيت المرأة فأرادوا ان يغسلوها فليبدأ ببطنها. وفي نسخة (فليبدءوا ببطنها) فليمسح بطنها مسحًا رقيقًا إن لم تكن حبلى فإن كانت حبلى فلا تحركيها وفي نسخة (فلا يحركنها) فإذا أردت غسلها فابدئي بأسفلها فألقي على عورتها ثوبًا ستيرًا ثم خذي كرسفًا (قطنا) فاغسليها فأحسني غسلها ثم أدخلي يدك من تحت الثوب فامسحيها بكرسف ثلاث مرات فأحسني مسحها قبل أن توضئيها, ثم وضئيها بماء فيه سدر, ولتفرغ الماء امرأة وهي قائمة لا تلي شيئًا غيره, وليل غسلها أولى الناس بها وإلا فامرأة ورعة, فإن كانت صغيرة أو ضعيفة فلتغسلها امرأة أخرى مسلمة ورعة, فإذا فرغت من غسل سفلتها غسلًا نقيًا بماء وسدر فهذا بيان وضوئها ثم اغسليها بعد ذلك ثلاث مرات بماء وسدر وابدئي برأسها قبل كل شيء وأنقي كل غسلة من السدر بالماء ولا تسرحي رأسها بمشط, فإن حدث منها حدث بعد الغسلات الثلاث فاجعليها خمسًا, وإن حدث بعد الخمس فاجعليها سبعًا, وكل ذلك فليكم وترًا بماء وسدر حتى لا يريبك شيء, فإذا كان في آخر غسله في الثالثة أو غيرها فاجعلي شيئًا من كافور وشيئًا من سدر, ثم اجعلي ذلك في جرة جديده ثم أقعديها فأفرغي عليها وابدئي برأسها حتى تبلغي رجليها, فإذا فرغت منها فألقي عليها ثوبًا نظيفًا ثم أدخلي يدك من وراء الثوب فانزعيها عنها. هذا بيان الغسل, ثم احشي سفلتها كرسفًا ما استطعت ثم امسحي كرسفها من طيبها ثم خذي سبنية (نوع من ثياب الكتان) طويلة مغسولة فاربطيها على عجزها كما يربط النطاق ثم اعقديها بين فخذيها وضمي فخذيها ثم ألقي طرف السبنية من عند عجزها إلى قريب من ركبتها, فهذا بيان سفلتها ثم طيبيها وكفنيها واضفري شعرها ثلاثة

باب في المسك للميت

قرون قصة وقرنين, ولا تشبهيها بالرجال, وليكن كفنها خمسه أثواب إحداهن الذي تلف بها فخذاها, ولا تنقصي من شعرها شيئًا يعني بنورة ولا غيرها وما سقط من شعرها فاغسليه ثم أعيديه في شعر رأسها أوقال اغرزيه وطيبي شعر رأسها وأحسني تطيبيه إن شئت واجعلي كل شيء منها وترًا ولا تنسى ذلك, فإن بدًا لك أن تجمريها في نعشها فاجعليه نبذه واحدة حتى يكون وترًا. هذا بيان كفنها. ورأسها وإن كانت مجدورة أو مخضوبة أو أشباه ذلك فخذي خرقة واسعة فاغسليها في الماء. وفي رواية فاغمسيها في الماء, وزاد في رواية أخرى واجعلي تتبعى كل شيء منها ولا تحركيها فإني أخشى أن ينفجر منها شيء لا يستطاع رده (قال البيهقي) رواه أبو عيسى الترمذي عن محمود بن غيلان فزاد عند قوله وأحسني تطييبه ولا تغسليه بماء سخن وأجمريها بعد ما تكفنيها بسبع إن شئت اهـ. (باب في المسك للميت) وفي بعض النسخ باب المسك للميت أي يجعل في كفنه أو على بدنه (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا الْمُسْتَمِرُّ بْنُ الرَّيَّانِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "أَطْيَبُ طِيبِكُمُ الْمِسْكُ". (ش) (أبو نضرة) المنذر بن مالك تقدم بالثالث ص 272 (قوله أطيب طيبكم المسك) لعل الصحابة رضي الله عنهم لما علموا ان السنة أن يطيب الميت سألوه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أي طيب أحسن؟ فقال أطيب طيبكم المسك كما في رواية للنسائي "من خير طيبكم المسك" يعني فطيبوه به, فيكون الحديث مطابقًا للترجمة. ويطيب الميت بالمسك لما تقدم من أن الملائكة تحضره كما في رواية عبد الرازق في مصنفه عن سلمان أنه استودع امرأته مسكًا فقال إذا مت فطيبوني به, فإنه يحضرني خلق من خلق الله لا ينالون من الطعام والشراب يجدون الريح. وما في رواية أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله عن حميد عن أنس أنه جعل في حنوطه صرة من مسك أوسك فيه شعر من شعر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. والحنوط وزان رسول ما يخلط من الطيب لأكفان الموتى وأحسامهم خاصة. والسك الجراب. وما في رواية أيضًا عن ابن سيرين قال. سئل ابن عمر عن المسك يجعل في الحنوط قال أوليس أطيب طيبكم المسك؟ (فقه الحديث) دل الحديث على أن المسك من أفضل الطيب وأطيبه. وعلى أنه طاهر يجوز استعماله في البدن والثوب وهو مجمع عليه. وما نقل عن الشيعه من أنه غير طاهر فمردود بإجماع المسلمين وبالأحاديث الصحيحة الواردة في استعماله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

باب تعجيل الجنازة

وأصحابه له, فهو مستثنى من قاعدة, إن ما أبين من حي فهو ميت, فهوفي حكم الجنين والبيض واللبن (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي وأخرجه مسلم في كتاب الطب والبيهقي في الجنائز أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذكر امرأة حشت خاتمها مسكًا والمسك أطيب الطيب (باب تعجيل الجنازة) وفي بعض النسخ التعجيل بالجنازة. وفي بعضها تعجيل الجنازة وكراهيه حبسها (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُطَرِّفٍ الرُّؤَاسِيُّ أَبُو سُفْيَانَ وَأَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ قَالاَ نَا عِيسَى -قَالَ أَبُو دَاوُدَ هُوَ ابْنُ يُونُسَ- عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ الْبَلَوِيِّ عَنْ عَزْرَةَ -قَالَ عَبْدُ الرَّحِيمِ عُرْوَةُ بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ- عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ وَحْوَحٍ أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ الْبَرَاءِ مَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُهُ فَقَالَ "إِنِّي لاَ أَرَى طَلْحَةَ إِلاَّ قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ فَآذِنُونِي بِهِ وَعَجِّلُوا فَإِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ". (ش) (رجال الحديث) (عبد الرحيم بن مطرف) بن أنيس الكوفي. روى عن أبيه ووكيع ويزيد بن زريع وعيسى بن يونس وآخرين. وعنه ابن أبي عاصم وابن أبي خيثمة وابن أبي الدنيا وأبو حاتم وقال ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائي. و (الرواسي) بضم الراء. و(أحمد بن جناب) بفتح الجيم وتخفيف النون ابن المغيرة أبو الوليد المصيصي روى عن عيسى بن يونس والحكم بن ظهير. وعنه يعقوب بن شيبة وأبو زرعة والدراوردي وآخرون. قال أبو حاتم صدوق ووثقه الحاكم وذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب صدوق من العاشرة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي و(سعيد بن عثمان البلوى) المدني. روى عن عاصم بن أبي البداح وأنيسة بنت عدي. وعنه عيسى بن يونس ذكره ابن حبان في الثقات روى له أبو داود هذا الحديث فقط. و (البلوى) بفتحتين نسبه إلى بلى بن عمر بن إلحاف بن قضاعة و(عزره) بفتح العين المهملة وسكون الزاي المعجمة هكذا رواية أحمد بن جناب أحد شيخى المصنف, وقال عبد الرحيم بن مطرف شيخه الآخر عروة بن سعيد الأنصاري كما ذكره المصنف والحاصل أن عبد الرحمن بن مطرف وأحمد بن جناب شيخي المصنف اختلفا في شيخ سعيد بن عثمان, فقال أحمد عزره بالزاى والراء, وقال عبد الرحيم عروة بالراء والواو , روى عن أبيه وعنه سعيد بن عثمان البلوى. روى له أبو داود هذا الحديث فقط, قال في التقريب مجهول من

طلب الإعلام بالموت

السادسة. و (أبوه) سعيد الأنصاري. روى عن حصين بن وحوح. وعنه ابنه عزره أو عروة قال في التقريب مجهول من الثالثة. روى له أبو داود. و (الحصين) بالتصغير (بن وحوح) بواوين مفتوحتين وحاءين مهملتين أولاهما ساكنة الأنصاري الأوسي المدني صحابي له هذا الحديث فقط, قتل هو وأخوه محصن في واقعة القادسية (معنى الحديث) (قوله إني لا أرى طلحة الخ) أي لا أظن طلحة في حال من الأحوال إلا في حالة ظهور أمارات الموت عليه. فأرى بضم الهمزة, والاستثناء من عموم الأحوال (قوله فآذنوني به) أي إذا مات فأعلموني, فآذن بالمد من الإيذان وهو الإعلام (قوله وعجلوا الخ) أي أسرعوا بتجهيزه وتكفينه فإنه لا ينبغي لمؤمن أن يؤخر جثة أخيه بين أهله بعد موته لأن المؤمن مكرم, فإذا استحال جيفه استقذرته النفوس ونفرت منه الطباع فيحط ذلك من كرامته فينبغي أن يعجل به, وأصل الجيفة من الدواب والمواشي إذا أنتنت. وعبر بها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تنفيرًا من بقاء الميت حتى يصير إليها, وليس في التعبير بها دلالة على نجاسة الميت. وقوله بين ظهراني أهله أي بينهم فالألف والنون المفتوحة زائدتان للتأكيد ولفظه ظهر مقحمة (فقه الحديث) دل الحديث على استحباب عياده المريض. وعلى استحباب الأعلام بموت الشخص ليحضر الناس الصلاة عليه ويشيعوه: وعلى استحباب الإسراع بتجهيزه وتكفينه ودفنه. وعلى أنه ينبغي المحافظة على كرامة الآدمي. قال البغوي: ولا أعلم من روى هذا الحديث غير سعيد بن عثمان البلوي وهو غريب (باب في الغسل من غسل الميت) (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ نَا زَكَرِيَّا نَا مُصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ الْعَنَزِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ أَرْبَعٍ مِنَ الْجَنَابَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمِنَ الْحِجَامَةِ وَغُسْلِ الْمَيِّتِ. (ش) تقدم هذا الحديث "في باب الغسل يوم الجمعة" من كتاب الطهارة ص 212 ج 3 و (زكريا) ابن أبي زائدة (قوله ومن الحجامة) أي كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يغتسل من الحجامة فهو يدل على أن الغسل من الحجامة مشروع. وبذلك قالت الهادوية أخذًا بظاهر الحديث, وقالوا باستحبابه ولا نعلم أحدًا قال باستحبابه سواهم. وأخرج الدارقطني من حديث أنس قال احتجم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصلى ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه

باب في الغسل من غسل الميت

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "مَنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ". (ش) (رجال الحديث) (ابن أبي فديك) بالتصغير هو محمَّد بن إسماعيل و (ابن أبي ذئب) محمَّد بن عبد الرحمن و (القاسم بن عباس) بن محمَّد بن معتب الهامشي أبو عباس المدني. روى عن نافع بن جبير وعبد الله بن عمير وعبد الله بن دينار وعبد الله بن رافع. وعنه بكير بن الأشج وابن أبي ذئب, وثقه ابن معين وقال أبو حاتم لا بأس به. توفي سنه إحدى وثلاثين ومائة روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي. و (عمرو بن عمير) الحجازي روى عن أبي هريرة هذا الحديث: وعنه القاسم بن عباس, قال ابن القطان مجهول الحال. روى له أبو داود (معنى الحديث) (قوله من غسل الميت فليغتسل الخ) يدل بظاهرة على وجوب الغسل من غسل الميت ووجوب الوضوء على من حمله. روى ذلك عن علي وأبي هريرة وهو أحد قولي الناصر والإمامية. وذهب مالك وأحمد والشافعية وأكثر العترة إلى أنه يستحب وحملوا الأمر في حديث الباب على الاستحباب. لما أخرجه الدارقطني والحاكم من حديث عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ليس عليكم في ميتكم غسل إذا غسلتموه وإن ميتكم ليس بنجس حسبكم أن تغسلوا أيديكم" وأخرج البيهقي نحوه وحسنه ابن حجر, ولما أخرجه الخطيب من حديث ابن عمر قال "كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل" قال الحافظ في التلخيص إسناده صحيح ولما رواه مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر بن عمر بن حزم ان أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر الصديق غسلت أبا بكر حين توفي ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت: إن هذا يوم شديد البرد وأنا صائمة فهل على من غسل؟ قالوا لا. ويبعد أن يجهل أهل هذا الجمع الذين هم أعيان المهاجرين والأنصار واجبًا من الواجبات لأن موت أبي بكر حادث عظيم, ولا يظن بأحد من الصحابة الموجودين في المدينة أن يتخلف, وهو وقتئذ لم يتفرقوا بعد. وقال الخطابي لا أعلم أحدًا من الفقهاء يوجب الاغتسال من غسل الميت ولا الوضوء من حمله, ويشبه أن يكون الأمر في ذلك على الاستحباب وقد يحتمل أن يكون المعنى أن غاسل الميت لا يكاد يأمن أن يصيبه نضح من رشاش الغسل وربما كان على بدن الميت نجاسة، فإذا أصابه نضحه وهو لا يعلم مكانه كان عليه غسل جميع بدنه ليكون الماء قد أتى على الموضع الذي أصابه النجس من بدنه. وقد قيل في معنى قوله فليتوضأ.

كلام أئمة الحديث في حديث الأمر بالغسل من غسل الميت

أي ليكن على وضوء ليتهيأ للصلاة على الميت. وقوله "ولا أعلم أحدًا قال بوجوبه" قد علمت من قال بوجوبه. وقال الليث وأبو حنيفة وأصحابه لا يجب ولا يستحب, والمراد بالغسل في الأحاديث الواردة به, وغسل الأيدي وتقدم الكلام على هذا في "باب في الغسل يوم الجمعة" ص 213 ج 3. (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي وقال: عمرو بن عمير إنما يعرف بهذا الحديث وليس بالمشهور وأخرجه أيضًا من طريق أبي داود الطيالسي عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمه عن أبي هريرة وقال: هذا المشهور من حديث ابن أبي ذئب, وصالح مولى التوأمه ليس بالقوي اهـ. (ص) حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ إِسْحَاقَ مَوْلَى زَائِدَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِمَعْنَاهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا مَنْسُوخٌ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَسُئِلَ عَنِ الْغُسْلِ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ فَقَالَ يُجْزِيهِ الْوُضُوءُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ أَدْخَلَ أَبُو صَالِحٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ -يَعْنِي إِسْحَاقَ مَوْلَى زَائِدَةَ- قَالَ وَحَدِيثُ مُصْعَبٍ ضَعِيفٌ فِيهِ خِصَالٌ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ. (ش) (الرجال) (سفيان) بن عيينة. و (أبو صالح) ذكران السمان. و (إسحاق مولى زائدة) ويقال إسحاق بن عبد الله المدني. روى عن أبي هريرة وأبي سعيد وسعد بن أبي وقاص وعنه أبو صالح السمان والعلاء بن عبد الرحمن ويحيى بن أبي كثير وغيرهم. وثقه ابن معين والعجلي وفي التقريب ثقة من الثالثة, وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن أبي حاتم مجهول. روى له مسلم وأبو داود والنسائي والبخاري في جزء القراءة خلف الإمام (المعنى) (قوله بمعناه) أي روى إسحاق مولى زائدة الحديث عن أبي هريرة بمعنى حديث عمرو بن عمير المذكور (قوله قال أبو داود هذا منسوخ الخ) أي أن حديث أبي هريرة هذا منسوخ وليس العمل عليه. وذكر أبو داود قول أحمد هذا استئناسًا لما ذكره من النسخ (قوله ادخل أبو صالح) أي زاد أبو صالح في هذه الرواية بينه وبين أبي هريرة إسحاق مولى زائدة. وروايه ابن ماجه والترمذي وبعض طرق البيهقي ليس فيها إسحاق. ولعل غرض المصنف من ذلك بيان ضعف الحديث (قوله وحديث مصعب الخ) أراد به دفع ما يتوهم من أن حديث مصعب بن شيبة المذكور أول الباب الذي رواه عن عائشة يقوى حديث أبي هريرة لأن حديث مصعب فيه خصال لم يتفق أهل العلم على العمل بها وهي الغسل من الحجامة والغسل من غسل الميت. وفي رواية ابن داسة حديث مصعب ضعيف, وقال علي بن المديني وأحمد لا يصح في هذا الباب شيء. وقال الحاكم في تاريخه ليس

بيان أنه لكثرة طرقه ارتقى إلى درجة الحسن

فيمن غسل ميتًا فليغتسل حديث صحيح, وقال الذهلي لا أعلم فيه حديثًا ثابتًا, ولو ثبت للزمنا استعامله. وقال ابن المنذر ليس في الباب حديث يثبت, لكن قال الحافظ قد حسنه الترمذي وصححه ابن حبان ورواه الدارقطني بسند رواته موثقون. وقد صححه أيضًا ابن حزم قال الشافعي في الأم إنما منعني من إيجاب الغسل من غسل الميت أن في إسناده رجلًا لم أقع من معرفه ثبت حديثهُ إلى يومي على ما يقنعني, فإن وجدت من يقنعني من معرفه ثبت حديثه أوجبته وأوجبت الوضوء من مسّ الميت مفضيًا إليه فإنهما في حديث واحد اهـ ومع هذا فإن الحديث لكثرة طرقه يرتقي إلى درجه الحسن، فإنكار النووي على الترمذي تحسينه غير مسلم. وقال الذهبي هو أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء, وذكر الماوردي أن بعض أصحاب الحديث خرج لهذا الحديث مائه وعشرين طريقًا اهـ. إذا علمت هذا عرفت أن الظاهر القول باستحباب الغسل لما فيه من الجمع بين الأدلة. قال في النيل بعد أن ذكر الأحاديث الدالة على عدم الغسل من غسل الميت: هذه لا تقصر عن صرف الأمر في حديث أبي هريرة عن معناه الحقيقي هو الوجوب إلى معناه المجازي أعني الاستحباب فيكون القول بذلك هو الحق لما فيه من الجمع بين الأدلة بوجه مستحسن. وأما قول بعضهم الجمع حاصل بغسل الأيدي فهو غير ظاهر لأن الأمر بالاغتسال لا يتم معناه الحقيقي إلا بغسل جميع البدن. وما وقع من إطلاقه على الضوء في بعض الأحاديث فمجاز لا ينبغي حمل المتنازع فيه عليه. بل الواجب حمله على المعنى الحقيقي الذي هو الأعم الأغلب ولكنه يمكن تأييد هذا القول بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: فحسبكم أن تغتسلوا أيديكم اهـ (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه مقتصرًا على غسل الميت, وأخرجه أحمد والبزار وابن حبان والترمذي وقال: حديث وقد روي عن أبي هريرة موقوفًا وقال أبو حاتم لا يرفعه الثقات انما هو موقوف وقال البخاري الأشبه أنه موقوف, وأخرجه البيهقي من عدة طرق موقوفًا ومرفوعًا عن أبي هريرة وغيره من الصحابة وقال: الروايات المرفوعة في هذا الباب عن أبي هريرة غير قوية لجهالة بعض رواتها وضعف بعضهم. والصحيح عن أبي هريرة من قوله موقوفًا غير مرفوع (باب في تقبيل الميت) (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُقَبِّلُ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ مَيِّتٌ حَتَّى رَأَيْتُ الدُّمُوعَ تَسِيلُ.

فضل عثمان بن مظعون

(ش) (سفيان) الثوري. و (القاسم) بن محمَّد بن أبي بكر الصديق. و (عثمان بن مظعون) بالظاء المعجمة ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحيّ, قال ابن إسحاق أسلم بعد ثلاثة عشر رجلًا وهاجر إلى الحبشة هو وابنه السائب الهجرة الأولى في جماعة, فلما بلغهم أن قريشًا أسلمت رجعوا فدخل عثمان في جوار الوليد بن المغيرة ثم رد على الوليد جواره. وفي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص قال: رد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم التبتل على عثمان بن مظعون, ولو أذن له لاختصينا, وروى ابن شاهين والبيهقي من طريق عائشة بنت قدامة عن أبيها عن عمها قال: قلت يا رسول الله إني رجل تشق عليّ العزبة في المغازي فتأذن لي في الخصي فأختصي؟ فقال لا ولكن عليك يابن مظعون بالصوم. وكان أخًا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم, توفي بعد شهوده بدرًا في السنة الثانية من الهجرة. وهو أول من مات بالمدينة من المهاجرين في شعبان بعد ثلاثين شهرًا من الهجرة, وأول من دفن بالبقيع منهم (قوله قد رأيت الدموع تسيل) كناية عن بكائه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على عثمان كثيرًا (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية تقبيل الميت. وعلى جواز البكاء عليه من غير صوت (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن صحيح وأخرجه البيهقي بلفظ: أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخل على عثمان بن مظعون وهو ميت فكشف عن وجه ثم أكب عليه فقبله وبكى حتى رأيت الدموع تسيل على وجنته (باب في الدفن بالليل) (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ نَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -أَوْ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ- قَالَ رَأَى نَاسٌ نَارًا فِي الْمَقْبَرَةِ فَأَتَوْهَا فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الْقَبْرِ وَإِذَا هُوَ يَقُولُ "نَاوِلُونِي صَاحِبَكُمْ". فَإِذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ. (ش) (الرجال) (أبو نعيم) الفضل بن دكين تقدم بالثاني صفحه 31. و (محمَّد بن مسلم) ابن سوسن وقيل سويس وقيل سنين الطائفي. روى عن ابن جريج وإبراهيم بن ميسرة وعمرو بن دينار وعبد الله بن طاوس وجماعة. وعنه ابن المبارك وعبد الرحمن بن مهدي وزيد بن الحباب وأبو نعيم وكثيرون, وثقه أبو داود والعجلي ويعقوب بن سفيان, وقال الساجي صدوق يهم في الحديث, وقال ابن عدي له أحاديث حسان غرائب صالح لا بأس به ولم أر له حديثًا منكرًا

باب في الميت يحمل من أرض إلى أرض

وقال ابن معين ثقة وكان إذا حدث من حفظه يخطئ , وإذا حدث من كتابه فليس به بأس. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في التعاليق (معنى الحديث) (قوله رأى ناس نارًا في المقبره) يعني رأوا سراجًا منيرًا فيها ليلًا (قوله فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر) لعل المراد بالذكر القرآن كما تشعر به رواية الترمذي عن ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخل قبرًا ليلًا فاسرج له بسراج فأخذه من قبل القبلة وقال: رحمك الله إن كنت لأواها تلاء للقرآن. قال أبو نعيم الأصفهاني إن الرجل المقبور كان عبد الله ذا البجادين اهـ والبجادان تثنيه بجاد وهو كساء مخطط (وفي الحديث) دلالة على جواز الدفن ليلًا وبه قال الجمهور من السلف والخلف أخذًا بهذا الحديث, وبما رواه البخاري عن عائشة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دفن ليلًا. وبما رواه البخاري وابن ماجه عن ابن عباس قال. مات إنسان كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعوده فمات بالليل فدفنوه ليلًا, فلما أصبح أخبروه فقال ما منعكم أن تعلموني؟ قالوا كان الليل وكانت ظلمة فكرهنا أن نشق عليك, فأتى قبره فصلى عليه. فلو لم يكن الدفن ليلًا جائزًا لما أقرهم عليه النبيّ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وإنما أنكر عليهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عدم إعلامهم إياه بموت ذلك الشخص. وبما رواه البخاري أيضًا من أن أبا بكر دفن ليلًا ولم يثبت أن أحدًا من الصحابة أنكره فهو كالاجماع منهم على ذلك. وقال الحسن البصري وسعيد بن المسيب يكره الدفن ليلًا. وقال ابن حزم لا يجوز إلا لضرورة. واستدلوا بحديث جابر المتقدم في باب الكفن وفيه "فزجر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلي عليه إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك" فجعلوا سبب الزجر الدفن ليلًا. وأجاب الجمهور بأن زجر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يحتمل أن يكون لتركه الصلاة على ذلك الشخص وهو الأقرب أو لقلة المصلين أو لرداءة الكفن أو لمجموعها. والحديث محتمل لما قاله الفريقان فلا يصح دليلًا للحسن البصري ومن معه. فالظاهر ما ذهب إليه الجمهور لقوة أدلتهم ودل الحديث على تواضعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (والحديث) أخرجه أيضًا الحاكم والبيهقي (باب في الميت يحمل من أرض إلى أرض) وفي بعض النسخ زيادة وكراهيه ذلك (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ نُبَيْحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا حَمَلْنَا الْقَتْلَى يَوْمَ أُحُدٍ لِنَدْفِنَهُمْ فَجَاءَ مُنَادِي النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-

المذاهب في نقل الميت إلى بلد آخر

فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَدْفِنُوا الْقَتْلَى فِي مَضَاجِعِهِمْ فَرَدَدْنَاهُمْ. (ش) (سفيان) الثوري (نبيح) بالتصغير ابن عبد الله العنزي تقدم بصفحة 192 (قوله كنا حملنا القتلى الخ) يعني نريد نقلهم إلى المدينة ندفنهم فيها كما في رواية النسائي (قوله في مضاجعهم) جمع مضجع بفتح الميم والجيم يعني أمكنتهم التي قتلوا فيها (والحديث) يدل على أن الشهداء يدفنون في مصارعهم ولا يجوز نقلهم إلى مكان آخر, وعليه العلماء, وحمل الأمر بدفنهم في مضاجعهم على الوجوب لأن نقل الميت من موضع يغلب فيه التغير حرام, والظاهر أن هذا خاص بالشهداء وكان في ابتداء أحد, أما بعده فلا, فقد روى أن جابرًا نقل أباه عبد الله وقد قتل في أحد إلى البقيع بعد سته أشهر ودفنه بها, قال الطيبي والظاهر أنه إن دعت الضرورة إلى نقل نقل وإلا فلا اهـ أما نقل غير الشهيد من بيته الذي مات فيه إلى المقبره فأمر مجمع عليه, وأما نقله من بلد إلى أخرى. فذهبت المالكية إلى جوازه قبل الدفن وبعده إذا كان لمصلحة كأن يخاف عليه أن يأكله البحر أو السبع أو لرجاء بركته للمكان المنقول إليه أو زيادة أهله أو لدفنه بين أهله ما لم تنتهك حرمته بانفجاره أو نتانته, لما رواه مالك في موطئه من أنه سمع غير واحد يقول: إن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد ماتا بالعقيق فحملا إلى المدينة ودفنا بها, قالوا ومن انتهاك الحرمة تكسير عظامه بعد يبسه في قبره. وقالت الحنفية لا بأس بنقله قبل دفنه قيل مطلقًا وقيل إلى ما دون مسافة القصر, وقيد محمَّد الجواز بقدر ميل أو ميلين لأن مقابر البلد ربما بلغت هذه المسافة, فيكره فيما زاد, قال في النهر عن عقد الفرائد وهو الظاهر أما نقله بعد دفنه فلا يجوز مطلقًا. قال ابن الهمام ولا ينبش بعد إهالة التراب لمده طويلة ولا قصيرة إلا لعذر كأن يظهر أن الأرض مغصوبة أو يأخذها شفيع أو يسقط في اللحد مال أو ثوب أو درهم لأحد. واتفقت كلمة المشياخ في امرأة دفن ابنها وهي غائبة في غير بلدها فلم تصبر وأردات نقله أنه لا يسعها "أي لا يسوغ لها" ذلك فتجويز شواذ بعض المتأخرين لا يلتفت إليه, ولم يعلم خلاف بين المشياخ في أنه لا ينبش وقد دفن بلا غسل أو بلا صلاة, فلم يبيحوه لتدارك فرض لحقه يتمكن منه به, أما إذا أرادوا نقله قبل الدفن أو تسوية اللبن فلا بأس بنقله نحو ميل أو ميلين لأن المسافة إلى المقابر قد تبلغ هذا المقدار اهـ. وقالت الشافعية يحرم نقله قبل الدفن من بلد إلى أخرى وإن لم يتغير لما فيه من تأخير دفنه ومن التعريض لهتك حرمته. وقيل يكره إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس وقالوا لو مات سنيّ في بلد المبتدعة "يعنون الكفار" نقل إن لم يمكن إخفاء قبره, وكذا لو مات أمير الجيش ونحوه بدار الحرب.

باب في الصفوف على الجنازة

أما نقله بعد الدفن فحرام. وقالت الحنابلة لا بأس بنقله قبل الدفن وبعده إلى مكان آخر لغرض صحيح كبقعة شريفة وإفراده في قبر ومجاورة صالح مع أمن التغير لما تقدم عن مالك إلا الشهيد فإنه يدفن بمكانه لحديث الباب (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه (باب في الصفوف على الجنازة) وفي نسخه باب الصف على الجنازة. وفي نسخة باب في الصف على الجنازة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ نَا حَمَّادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مَرْثَدٍ الْيَزَنِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ صُفُوفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ أَوْجَبَ". قَالَ فَكَانَ مَالِكٌ إِذَا اسْتَقَلَّ أَهْلَ الْجَنَازَةِ جَزَّأَهُمْ ثَلاَثَةَ صُفُوفٍ لِلْحَدِيثِ. (رجال الحديث) (حماد) بن زيد. و (مالك بن هبيرة) بالتصغير ابن خالد بن مسلم ابن الحارث الكندي ويقال السكوني أبو سعيد. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه مرثد بن عبد الله اليزني وكثيرون من أهل حمص, قال ابن يونس ولى حمص لمعاوية, وذكره ابن حبان ومحمد بن الربيع في الصحابة. وقال البخاري في التاريخ له صحبه. توفي في أيام مروان بن الحكم, روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله إلا أوجب) أي أوجب اصطفافهم المغفرة له أو الجنة, والتعبير بالإيجاب لكون وعد الله لا يخلف وزيادة في التطميع في حسن الرَّجاء, فلا ينافي أنه يجب علينا أن نعتقد أنه لا يجب على الله شيء وفي رواية إلا غفر الله له (قوله قال فكان مالك الخ) أي قال مرثد بن عبد الله كان مالك بن هبيرة إذا رأى من حضر لصلاة الجنازة قليلين جعلهم ثلاثة صفوف, وأقل الصف اثنان ولا حد لأكثرة (فقه الحديث) دل الحديث على الترغيب في كثرة المصلين على الجنازة, وعلى أنه يستحب أن لا تقل الصفوف عن ثلاثة. وعلى أن من صلى عليه هذا العدد من الصفوف غفر له (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبيهقي والترمذي, وكذا عن مالك بن هبيرة الشامي قال: وكان إذا أتى بجنازة فتقالّ (أي استقل) من تبعها جزأهم ثلاثة صفوف ثم صلى عليها وقال إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: ما صف صفوف ثلاثة من المسلمين

باب اتباع النساء الجنائز

على ميت إلا أوجب. قال الترمذي من حديث مالك حسن, وهكذا رواه غير واحد عن محمَّد بن إسحاق وروى إبراهيم بن سعد عن محمَّد بن إسحاق هذا الحديث وأدخل بين مرثد ومالك بن هبيرة رجلًا ورواية هؤلاء أصح عندنا اهـ. (باب اتباع النساء الجنائز) وفي نسخة الجنازة (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ نُهِينَا أَنْ نَتَّبِعَ الْجَنَائِزَ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا. (ش) (حماد) بن زيد. و (حفصة) بنت سيرين (قوله نهينا الخ) بالبناء للمجهول أي نهانا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ان نسير مع الجنازة وهذا النهي يحتمل أن يكون منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى النساء مباشرة. ويحتمل أن يكون بواسطة أحد الصحابة: يؤيد الثاني ما رواه الطبراني من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية عن جدته أم عطية قالت: لما دخل علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة, جمع النساء في بيت ثم بعث إلينا عمر فقال: إني رسول الله إليكن بعثني إليكن لأبايعكن. إلى أن قال. وأمرنا أن نخرج في العيد العواتق ونهانا أن نخرج في جنازة, وتقدم نحوه للمصنف ولأحمد في "باب خروج النساء إلى العيد" من السادس (قوله ولم يعزم علينا) بالبناء للمفعول أي لم يؤكد علينا في هذا النهي كما أكد علينا في غيره من المنهيات فهو نهي تنزيه, ولعلها فهمت ذلك من قرينه وإلا فأصل النهي التحريم, قال القرطبي ظاهر سياق حديث أم عطية أن النهي نهي تنزيه, ويؤيده ما رواه النسائي وابن ماجه وابن أبي شيبة من طريق محمَّد بن عمرو بن عطاء عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان في جنازة فرأى عمر امرأة فصاح بها فقال دعها يا عمر (الحديث) قال الحافظ وروى هذا الحديث من طريق أخرى عن محمَّد بن عمرو بن عطاء عن سلمة بن الأزرق عن أبي هريرة ورجاله ثقات اهـ وهذا هو الظاهر من الحديث. وقال الداودي: قولها نهينا عن اتباع الجنائز أي نهينا عن السير خلفها إلى القبور, وقولها ولم يعزم علينا أي أن لا نأتي أهل الميت فنعزيهم ونترحم على ميتهم من غير أن نتبع جنازته اهـ ومراده أن النهي باق على أصله وهو التحريم في اتباعهن الجنازة إلى المقبره, ولم يشدد عليهم في عدم التعزية وهو خلاف ظاهر سياق الحديث إلا أنه قد يشهد لما قاله ما تقدم للمصنف في "باب التعزية" وأخرجه أحمد والحاكم من حديث عبد الله بن عمر وبن العاص قال: قبرنا مع رسول الله صلى

المذاهب في حكم خروج النساء معها

الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعني ميتًا, فلما فرغنا انصرف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وانصرفنا معه فلما حاذى بابه وقف فإذا نحن بامرأة مقبلة قال: أظنه عرفها فلما ذهبت إذا هي فاطمة عليها السلام فقال لها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: ما أخرجك يا فاطمة من بيتك؟ فقال أتيت يا رسول الله أهل هذا البيت فرحمت إليهم ميتهم أو عزيتهم به, فقال لها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلعلك بلغت معهم الكدى؟ قالت معاذ الله لقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر قال: لو بلغت معهم الكدى فذكر تشديدًا في ذلك. وتقدم أن الكدى هي القبور. وقال المحب الطبري يحتمل أن يكون المراد بقولها: ولم يعزم علينا كما عزم على الرجال بترغيبهم في اتباعها بحصول القيراط ونحو ذلك فالنهي باق على حقيقة (والحديث) يدل على كراهة اتباع النساء الجنازة وإلى هذا. ذهبت الشافعية. وحكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وابن عمر وأبي أمامة وعائشة ومسروق والحسن والنخعي والأوزعي وأحمد وإسحاق والثوري ومال ابن حزم وأبو الدرداء والزهري وربيعة إلى جواز خروج النساء خلف الجنازة, وكذا قالت المالكية في المرأة الكبيرة التي لا أرب للرجال فيها, وكذا الشابة غير مخشية الفتنة فيمن عظمت مصيبته عليها كأب وأم وزوج وابن وبنت وأخ, أما مخشية الفتنة فيحرم خروجها خلف الجنازة مطلقًا, وذهبت الحنفية إلى أنه يكره تحريمًا خروجهن خلف الجنازة لما رواه البيهقي وابن ماجه واللفظ له عن ابن الحنفية عن علي قال: خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم, فإذا نسوة جلوس فقال ما يجلسكن؟ قلن ننتظر الجنازة قال هل تغسلن؟ قلن لا قال هل تحملن؟ قلن لا, قال هل تدلين فيمن يدلي؟ قلن لا, قال فارجعن مأزورات غير مأجورات. قال ابن عابدين رواه ابن ماجه بسند ضعيف لكن يعضده المعنى الحادث باختلاف الزمان الذي أشارت إليه عائشة بقولها: لو أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأى ما أحدث النساء بعده لمنعهن "يعني الخروج إلى المساجد" كما منعت نساء بني إسرائيل وهذا في نساء زمانها فما ظنك بنساء زماننا؟ وأما ما في الصحيحين عن أم عطية نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا أي أنه نهي تنزيه. فينبغي أن يختص بذلك الزمن حيث كان يباح لهن الخروج للمساجد والأعياد اهـ وقال النووي قال القاضي: قال جمهور العلماء بمنعهن من اتباعها اهـ ومحل الخلاف المذكور إذا كانت النساء تخرجن متسترات غير متبرجات ولا رافعات أصواتهن بالنياحة والبكاء وإلا فلا خلاف في منعهن كما يقع من كثير من نساء زماننا, فإنهن يخرجن رافعات أصواتهن بالنياحة والبكاء كاشفات الصدور والأعناق والساق واضعات في وجوههن ما لا يليق إلى غير ذلك من القبائح فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (قال) ابن الحجاج في المدخل: وينبغي منعهن من الخروج إلى القبور وإن كان لهن ميت لأن السنة قد حكمت بعدم خروجهن, وذكر نحو حديث ابن ماجه المتقدم, وحديث

باب فضل الصلاة على الجنازة

السيده فاطمة الذي تقدم للمصنف وفيه لو بلغت معهم الكدى وذكر وعيدًا شديدًا, يعني لو بلغت معهم القبور ما دخلت الجنة, وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج, وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي. وقد رأى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه نساء في جنازة فطردهن وقال: لأرجع إن لم ترجعن وحصبهن بالحجارة (فعلى هذا) ليس للنساء نصيب في حضور الجنازة. وذكر خلاف العلماء في ذلك ثم قال: واعلم أن الخلاف المذكور بين الأئمة إنما هو في نساء ذلك الزمان "أي زمان الصحابة والسلف الصالح" وكنّ على ما يعلم من عادتهن في الاتباع. وأما خروجهن في هذا الزمان "يعني زمانه الذي هو آخر القرن السابع وأول الثامن" فمعاذ الله أن يقول أحد من العلماء أو من له مروءة أو غيرة في الدين بجواز ذلك, فإن وقعت ضرورة للخروج فليكن ذلك على ما يعلم في الشرع من الستر لا على ما يعلم من عادتهن الذميمة في هذا والله تعالى أعلم بتصرف (والحديث) أخرجه أيضًا الشيخان وابن ماجه والبيهقي (باب في فضل الصلاة على الجنازة) وفي نسخه باب فضل الصلاة على الجنائز وتشييعها (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا سُفْيَانُ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْوِيهِ قَالَ مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ وَمَنْ تَبِعَهَا حَتَّى يُفْرَغَ مِنْهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ أَوْ أَحَدُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ. (ش) (سفيان) الثوري. و (سمي) أبو عبد الله القرشي المخزومي المدني تقدم بالثالث صفحة 39 (أبو صالح) ذكران السمان (قوله يرويه) أي يرفعه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم (قوله من تبع جنازة الخ) أي مشى خلفها أو يراد صاحبها وهو أعم من الأول فيصدق بالمشي خلفها وأمامها وعن يمينها وشمالها. ويؤيده ما ذكره البخاري تعليقًا ووصله عبد الوهاب بن عطاء الخفاف في كتاب الجنائز عن حميد عن أنس بن مالك أنه سئل عن المشي في الجنازة فقال: أمامها وخلفها وعن يمينها وشمالها إنما أنتم مشيعون. وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة نحوه عن أبي بكر ابن عياش عن حميد, وكذا عبد الرازق عن أبي جعفر الرازي عن حميد, وفي رواية للبخاري من شيع. وفي أخرى له من شهد. والفاء في قوله فصلى لا تفيد ترتيبًا ولا تعليقًا, فإن القيراط يحصل لمن صلى على الجنازة وتبعها تقدمت الصلاة أم تأخرت وظاهر ما ذكر أن الأجر المذكور يحصل لمن شيع الجنازة وصلى عليها سواء تبعها من بيت أهلها أم لا. لكن ما يأتي

بيان متى ينال الأجر كاملا لمن شيع الجنازة وصلى عليها

للمصنف بعد, ظاهر في أن الأجر المذكور يحصل لمن خرج مع الجنازة من بيتها, قال الحافظ على حديث البخاري "من شهد الجنازة حتى يصلي فله قيراط" الحديث: لم يبين في هذه الرواية ابتداء الحضور, وقد تقدم بيانه رواية أبي سعيد المقبري حيث قال من أهلها وفي رواية خباب عند مسلم من خرج مع جنازة من بيتها, ولأحمد في حديث أبي سعيد الخدري فمشى معها من أهلها ومقتضاه أن القيراط يختص بمن حضر من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة, وبذلك صرح المحب الطبري وغيره, والذي يظهر لي أن القيراط يحصل لمن صلى فقط لأن كل ما قبل الصلاة وسيلة إليها, لكن يكون قيراط من صلى فقط دون قيراط من شيع وصلى, ولما رواه مسلم: من صلى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط, وما رواه أحمد عن أبي هريرة من صلى ولم يتبع فله قيراط فدل على أن الصلاة تحصل القيراط وإن لم يقع اتباع اهـ بتصرف (قوله ومن تبعها حتى يفرغ منها الخ) أي يفرغ من دفنها. وظاهرة أن هذين القيراطين غير قيراط الصلاة وبذلك جزم بعض المتقدمين. وحكاه ابن التين عن القاضي أبي الوليد. ولكن روى الشيخان عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: من اتبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا وكان معه حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أحد, ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط. وهذه صريحة في أن الحاصل من الصلاة والدفن قيراطان فقط. ويمكن الجمع بين هذه وبين قول المصنف "ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان أي بقيراط الصلاة" ونظيره قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل, ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله" أي بانضمام صلاة العشاء وظاهر المصنف أيضًا أن حصول قيراط الدفن متوقف على الفراغ منه. ويؤيده ما رواه مسلم عن أبي هريرة من طريق الزهري وفيه "من اتبعها حتى تدفن فله قيراطان" وكذا ما رواه الترمذي, وفيه حتى يقضى دفنها وما رواه أبو عوانه وفيه حتى يسوى عليها أي التراب. وهي أصرح الروايات في ذلك وقيل يحصل القيراط بمجرد الوضع في اللحد. يدل له ما رواه مسلم من حديث عبد الرازق عن أبي هريرة وفيه حتى توضع في اللحد. وفي رواية له عنه من طريق أبي حازم حتى توضع في اللحد. وفي رواية له عنه من طريق أبي حازم حتى توضع في القبر. ويمكن حمل هذه الروايات المطلقة عن التقييد بالفراغ من الدفن وتسوية التراب على المقيدة بهما. قال في النيل وهو الظاهر ومحل حصول هذا الأجر لمن فعل ذلك إذا قصد بهذا العمل وجه الله تعالى أخذًا من حديث أبي هريرة المذكور, بخلاف من فعل ذلك رياء أو مكافأه فإنه لا يستحق الأجر المذكور (قوله فله قيراطان) تثنية قيراط بالتشديد لأنه يجمع على قراريط, فأبدل من إحدى الراءين ياء للتخفيف, وهو نصف دانق, والدانق سدس الدرهم, فالدرهم ستة

فضل جبل أحد. لكل عمل من أعمال تجهيز الميت ثواب خاص

دوانق واثنا عشر قيراطًا, والدرهم الإِسلامي سته عشر خرنوبة, فيكون القيراط حبه خرنوب وثلثا. والحساب يقسمون الشيء أربعة وعشرين قيراطًا ولعل هذا هو المراد هنا. ولما كان القيراط المتعارف حقيرًا مثله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للعيان بأعظم الجبال خلقًا وأكثرها إلى النفوس المؤمنة حبًا لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال فيه "إن أحدًا جبل يحبنا ونحبه" رواه مالك والشيخان والترمذي عن أنس. ولأنه أيضًا قريب من المخاطبين فخاطبهم بما يعرفون تقريبًا لعقولهم وإلا فالثواب معنى لا يدرك بالحس. أو أن الله تعالى يجعل الثواب في صورة عظيمة مشابهة لجبل أحد وأشار صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذا المقدار إلى الأجر المتعلق بالميت في تجهيزه وغسله وجميع ما يتعلق به, فلمن صلى عليه قيراط من ذلك, ولمن شهد الدفن قيراط, ولمن غسله قيراط وهكذا كل عمل من الأعمال المتعلقة بالميت لما رواه البزار عن أبي هريرة مرفوعًا "من أتى جنازة في أهلها فله قيراط فإن تبعها فله قيراط فإن صلى عليها فله قيراط, فإن انتظرها حتى تدفن فله قيراط "فهو يدل على أن لكل عمل من أعمال الجنازة قيراطًا وإن اختلفت مقادير القراريط بالنسبة لمشقة العمل وسهولته. وخص صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قيراطى الصلاة والدفن بالذكر لكونهما المقصودين بخلاف باقي الأعمال المتعلقة بالميت فانها وسائل (قوله أو أحدهما مثل أحد) شك من الراوي. وفي رواية للنسائي كل واحد منهما أعظم من أحد وفي رواية ابن ماجه القيراط أعظم من أحد. وعند ابن عدي من طريق واثله "كتب له قيراطان من أجر أخفهما في ميزانه يوم القيامة أثقل من جبل أحد" فأفادت هذه الرواية بيان وجه التمثيل بجبل أحد وأن المراد به زنة الثواب المترتب على ذلك العمل (فقه الحديث) دلّ الحديث على تعظيم شأن الميت المسلم وتكريمه بتكثير الثواب لمن يتولى أمره بعد موته. وعلى الترغيب في شهود جنازته والقيام بأمره والحث على الاجتماع له والصلاة عليه وعلى مصاحبته حتى يدفن. وعلى مزيد فضل الله تعالى على الميت وتكريمه إياه حيث أجزل المثوبة لمن أحسن إليه بعد موته (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والشيخان والنسائي والترمذي وابن ماجه (ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُسَيْنٍ الْهَرَوِيُّ قَالاَ نَا الْمُقْرِئُ نَا حَيْوَةُ حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ -وَهُوَ حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ- أَنَّ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ حَدَّثَهُ أَنَّ دَاوُدَ بْنَ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِذْ طَلَعَ خَبَّابٌ صَاحِبُ الْمَقْصُورَةِ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَلاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ

إِنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "مَنْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا". فَذَكَرَ مَعْنَى حَدِيثِ سُفْيَانَ فَأَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ صَدَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ. (ش) (رجال الحديث) (عبد الرحمن بن حسين) الحنفي أبو الحسين (الهروي) روى عن ابن عيينة وأبي عبد الرحمن المقرئ وكنانه والعلاء بن عبد الجبار. وعنه أبو داود هذا الحديث فقط, وابنه الحسين وأبو بكر بن أبي داود ومحمد بن المنذر بن سعيد وغيرهم. ذكره ابن حبان في الثقات, وقال في التقريب مقبول, مات سنه ست وخمسين ومائتين. و(المقرئ) عبد الله ابن يزيد. و (حيوة) بن شريح. و (داود بن عامر الخ) القرشي الزهري المدني روى عن أبيه وعنه يزيد بن أبي حبيب وابن إسحاق وعبد الحميد بن جعفر. ذكره ابن حبان في الثقات وقال العجلي ثقة وفي التقريب ثقة من السادسة. روى له مسلم والترمذي وأبو داود و(خباب) ابن المدني مولى فاطمة بنت عتبة بن ربيعة أبو مسلم. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبي هريرة وعائشة. وعنه عامر بن سعد بن أبي وقاص أدرك الجاهلية, واختلف في صحبته روى له مسلم وأبو داود. و(المقصورة) الدار الواسعة المحصنة بالحيطان أو هي أصغر من الدار كالقصارة بالضم وهي المقصورة من الدار لا يدخلها إلا صاحبها من تاج العروس (معنى الحديث) (قوله إلا تسمع الخ) هو استغراب من خباب لما سمعه من أبي هريرة واستغرابه واستفسار ابن عمر من عائشة للتثبيت لا لأنهما اتهما أبا هريرة بالكذب لأن مقام ابن عمر وخباب يجل عن أن يتهما أبا هريرة بذلك. وإنما كان ذلك منهما مخلفة أن يكون قد اشتبه الأمر على أبي هريرة في ذلك واختلط عليه حديث بحديث لكثرة رواياته (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم بأتم منه من طريق عبد الله بن يزيد قال: أخبرني حيوة أخبرني أبو صخر عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أنه حدثه أن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص حدثه عن أبيه أنه كان قاعدًا عند عبد الله بن عمر إذ طلع خباب صاحب المقصورة فقال يا عبد الله بن عمر ألا تسمع ما يقول أبو هريرة؟ أنه سمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر كل قيراط مثل أحد, ومن صلى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد فأرسل ابن عمر خبابًا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره ما قالت, وأخذ ابن عمر قبضة من حصباء المسجد يقلبها في يده حتى رجع إليه الرسول فقال: قالت عائشة صدق أبو هريرة فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض ثم قال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة, وأخرج البيهقي نحوه

الترغيب في كثرة المصلين على الميت

(ص) حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ السَّكُونِيُّ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لاَ يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ شُفِّعُوا فِيهِ". (ش) (رجال الحديث) (الوليد بن شجاع) بن الوليد بن قيس أبو همام الكوفي الكندي روى عن ابن عيينة والوليد بن مسلم وعلي بن مسهر وغيرهم. وعنه مسلم والترمذي وابن ماجه وأبو داود والبغوي وجماعة. قال أبو حاتم شيخ صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به وقال العجلي ومسلمة بن قاسم وابن معين لا بأس به زاد ابن معين ليس هو ممن يكذب. روى له مسلم وأبو داود والترمذي و (السكوني) بفتح المهملة نسبه إلى سكون قبيلة و (كريب) مولى ابن عباس (معنى الحديث) (قوله فيقوم على جنازته أربعون رجلًا الخ) يعني لا يصلون عليه حال كونهم مسلمين مخلصين له في الدعاء إلا شفعوا فيه أي قبل الله شفاعتهم (وفي الحديث) دلالة على أنه يستحب أن لا يقل عدد المصلين على الجنازة عن أربعين. ولا ينافيه ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائه كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه. ولا ما تقدم للمصنف عن مالك بن هبيرة: ما من ميت يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب وتقدم أن أقل الصف اثنان. لأن اسم العدد لا مفهوم له فذكر الأربعين لا ينافيه ما فوقه ولا ما دونه وقال القاضي عياض: هذه الأحاديث خرجت أجوبه لسائلين سألوا عن ذلك, فأجاب صلى الله عليه وعلى آله وسلم كل واحد منهم عن سؤاله وقال النووي في شرح مسلم يحتمل أن يكون صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبر بقبول شفاعة مائه فأخبر به ثم أخبر بقبول شفاعة أربعين ثم بثلاثة صفوف وإن قل عددهم فأخبره به اهـ (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد ومسلم والبيهقي (باب في النار يتبع بها الميت) وفي نسخه باب في اتباع الميت بالنار أي أيجوز أم لا؟ (ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَا عَبْدُ الصَّمَدِ ح وَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى نَا أَبُو دَاوُدَ قَالاَ نَا حَرْبٌ -يَعْنِي ابْنَ شَدَّادٍ- نَا يَحْيَى حَدَّثَنِي بَابُ بْنُ عُمَيْرٍ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ أَبِيهِ

النهي عن اتباع الجنازة بصوت أو نار

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "لاَ تُتْبَعُ الْجَنَازَةُ بِصَوْتٍ وَلاَ نَارٍ". زَادَ هَارُونُ "وَلاَ يُمْشَى بَيْنَ يَدَيْهَا". (ش) (رجال الحديث) (عبد الصمد) بن عبد الوراث و (ابن المثنى) محمَّد و (أبو داود) الطيالسي. و (حرب بن شداد) اليشكري البصري أبو الخطاب العطار ويقال القطان ويقال القصاب. روى عن يحيى بن أبي كثير وحصين بن عبد الرحمن وقتادة والحسن. وعنه ابن مهدي وجعفر بن سليمان وأبو داود الطيالسي وعمرو بن مرزوق وغيرهم وثقه عبد الصمد وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن معين وأبو حاتم صالح وقال أحمد ثبت في كل المشايخ توفي سنه إحدى وستين ومائة. روى له البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وأبو داود و (باب) بموحدتين بينهما ألف (بن عمير) الحنفي الشامي. روى عن نافع وربيعة وعنه الأوزعي ويحيى بن أبي كثير وحرب بن شداد ذكره ابن حبان في الثقات وقال الدارقطني لا أدرى من هو وقال في التقريب مقبول من السابعة, روى له أبو داود هذا الحديث فقط (قوله حدثني رجل الخ) هو وأبوه مجهولان (معنى الحديث) (قوله لا تتبع الجنازة الخ) يعني لا تصحب برفع صوت مطلقًا ولا بنار إلى القبر, ومنها المجامر (قال في البدائع) روي أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج في جنازة فرأى امرأة في يدها مجمر فصاح عليها أو طردها حتى توارت بالآكام وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: لا تحملوا معي مجمرًا ولسان هذا فعل أهل الكتاب فيكره التشبه بهم بحذف, ويدخل في النهي عن رفع الصوت النوح وتقدم بيانه ورفع الصوت بقراءة قرآن أو ذكر وكذا صوت الطبل والبوق. فقد روى الطبراني في الكبير عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "إن الله يحب الصمت عند ثلاث عند تلاوة القرآن وعند الزحف وعند الجنازة" وروى ابن ماجه عن أبي بردة قال: أوصى أبو موسى حين حضره الموت فقال: لا تتبعوني بمجمر, قالوا أو سمعت فيه شيئًا؟ قال نعم من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وأخرجه البيهقي بأتم منه. وقال وفي وصية عائشة وعبادة بن الصامت وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم أن لا تتبعوني بنار (وفي هذه الأحاديث) دلالة على عدم مشروعية اتباع الجنازة بنار لأنه من فعل عبده الأصنام وعلى عدم مشروعية رفع الصوت معها أو قرآن. وبهذا قالت الأئمة من السلف والخلف واتفقت عليه المذاهب الأربعة قال في الدر المختار شرح تنوير الأبصار للسادة الحنفية: وكره في الجنازة رفع الصوت بذكر أو قرآن قال محشيه ابن عابدين قوله كره الخ قيل تحريمًا وقيل

أقوال العلماء في رفع الصوت بالذكر أمامها

تنزيها كما في البحر عن الغايه. وفيه عنها: وينبغي لمن تبع الجنازة أن يطيل الصمت. وفيه عن الظهيره: وإن أراد أن يذكر الله تعالى يذكره في نفسه وعن إبراهيم أنه كان يكره أن يقول الرجل وهو يمشي مع الجنازة استغفروا له غفر الله لكم قلت وإذا كان هذا في الدعاء والذكر فما ظنك بالغناء الحادث في هذا الزمان اهـ كلام ابن عابدين وقال النووي في الأذكار: إن الصواب والمختار ما كان عليه السلف رضي الله تعالى عنهم من السكوت في حال السير مع الجنازة فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك. والحكمة فيه أنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة وهو المطلوب في هذا الحال, فهذا هو الحق ولا تعتبر بكثرة من يخالفه فقد قال أبو علي الفضيل بن عياض رضي الله عنه ما معناه: الزم طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين. وقد روينا في سنن البيهقي ما يقتضي ما قلته: وأما ما يفعله الجهلة من القراء على الجنازة بدمشق وغيرها من القراءة بالتمطيط وإخراج الكلام عن موضوعه فحرام بإجماع العلماء, وقد أوضحت قبحه وغلظ تحريمه وفسق من تمكن من إنكاره فلم ينكره في كتاب آداب القراء والله المستعان وكلام النووي ونحوه في حواشي المنهج عن الرملي والبرماوي وغيرهما من أكابر السادة الشافعية قالوا: المختار والصواب ما كان عليه السلف من السكوت حال السير مع الجنازة فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر ولا غيرهما بل يشتغل بالتفكر في الموت وما بعده وفناء الدنيا وأن هذا آخرها, ومن أراد الاشتغال بالقراءة والذكر فليكن سرًا, وما يفعله جهله القراء من القراءة بالتمطيط وإخراج الكلام عن موضعه فحرام يجب إنكاره والمنع منه ومن تمكن من منعه ولم يمنعه فسق وقال العلامة ابن الحاج المالكي في المدخل: وليحذر من هذه البدعة التي يفعلها أكثرهم وهي أنهم يأتون بجماعة من الناس يسمونهم بالفقراء الذاكرين يذكرون أمام الجنازة جماعة على صوت واحد يتصنعون في ذكرهم ويتكلفون فيه على طرق مختلفة, وكل طائفة لها طريق في الذكر وعادة تختص بها فيقولون هذه طريقة المسلمية وهذه طريقة كذا كما جرت عادتهم في اختلافهم في الأحزاب التي يقرءونها فيقولون: هذا حزب الزاوية الفلانية وهذا حزب الزاوية الفلانية وهكذا كل واحد لا يشبه الآخر غالبًا ثم العجب من أهل الميت كيف يأتون بالفقراء للذكر على الجنازة للتبرك بهم وهم عنه بمعزل لأنهم يبدلون لفظ الذكر بكونهم يجعلون موضع الهمزة ياء وبعضهم ينقطع نفسه عند آخر قوله لا إله ثم يجد أصحابه قد سبقوه بالايجاب فيعيد النفي معهم في المرة الثانية, وذلك ليس بذكر: يؤدب فاعله ويزجر على ما أتى به من التغيير للذكر الشرعي وإذا كان كذلك فأين البركة التي حصلت بحضورهم؟ على أنهم لو أتوا بالذكر على وجهه لمنع فعله للحديث في الدين, أي لأنه لم يفعله رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا أصحابه

التنفير من البدعة والترغيب في السنة

ولا السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم أجمعين (إلى أن قال) وهذا وما شاكله ضد ما كانت عليه جنائز السلف رضي الله عنهم لأن جنائزهم كانت على التزام الأدب والسكون والخشوع والتضرع, حتى إن صاحب المصيبة لا يعرف من بينهم لكثرة حزن الجميع وما أخذهم من القلق والانزعاج بسبب الفكر فيما هم إليه صائرون وعليه قادمون حتى لقد كان بعضهم يريد أن يلقى صاحبه لضرورات تقع عنده فيلقاه في الجنازة فلا يزيد على السلام الشرعي شيئًا لشغل كل منهما بما تقدم ذكره, حتى إن بعضهم لا يقدر أن يأخذ الغذاء تلك الليلة لشدة ما أصابه من الجزع كما قال الحسن البصري رضي الله عنه: ميت غد يشيع ميت اليوم, وانظر رحمنا الله تعالى وإياك قول عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه لمن قال في الجنازة استغفروا لأخيكم فقال لا غفر الله لك, فإذا كان هذا حالهم في تحفظهم من رفع الصوت بمثل هذا اللفظ فما بالك بما يفعلونه مما تقدم ذكره, فأين الحال من الحال؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون. فعلى هذا ينبغي بل يتعين على من له عقل ألا ينظر إلى أفعال أكثر أهل الوقت ولا لعوائدهم. لأنه إن فعل ذلك تعذر عليه الاقتداء بأفعال السلف وأحوالهم فالسعيد السعيد من شد يده على اتباعهم فهم القوم لا يشقى من جالسهم ولا من أحبهم إن المحب لمن يحب مطيع اهـ كلام المحقق صاحب المدخل رحمة الله تعالى. وقالت الحنابلة, ويكره رفع الصوت والضجة عند رفع الجنازة ورفع الصوت معها ولو بقراءة قرآن أو ذكر وكذا يكره أن تتبع بنار لأنه من شعار الجاهلية, وقول القائل مع الجنازة استغفروا له بدعة عند أحمد وكرهه وحرمه أبو حفص إذا علمت هذا علمت أن الواقع في هذا الزمان من رفع الأصوات بالقراءة والذكر ونحوهما مع الجنازة وضرب الطبل ونحوه حدث في الدين مردود على فاعله لما رواه الشيخان عن عائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد. وفي رواية من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد وسيأتي للمصنف في "باب لزوم السنة" من كتاب السنة. وما رواه الطبراني بإسناد حسن عن أنس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته. وما رواه مسلم عن أنس مرفوعًا: من رغب عن سنتي فليس مني. وما رواه ابن ماجه وابن أبي عاصم عن ابن عباس مرفوعًا "أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته" (قوله زاد هارون الخ) أي زاد هارون بن عبد الله في روايته بسنده قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ولا يمشي بين يديها" أي أمامها. وبهذه الزيادة تمسكت الحنفية فقالوا: يكره المشي أمام الجنازة, ويأتي تمام الكلام عليه في "باب المشي أمام الجنازة" إن شاء الله تعالى (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والدارقطني في العلل والبيهقي تم الجزء الثامن ويليه الجزء التاسع وأوله (باب القيام للجنازة)

المنهل العذب المورود «شرح سنن الإمام أبي داود» تأليف الإمام الجليل المحقق، والعارف الرباني المدقق، محيي السنة وقامع البدعة صاحب الفضيلة والإرشاد الشيخ/ محمود محمد خطاب السبكي المتوفى في الرابع عشر من شهر ربيع الأول سنة 1352 هـ عمه الله بالرحمة والرضوان وأسكنه عالي الجنان عني بتنقيحه وتصحيحه نجل الشيخ الأستاذ الإمام السيد/ أمين محمود محمد خطاب من العلماء الأعلام والمدرس بالأزهر المعمور [الجزء التاسع]

باب القيام للجنازة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (باب القيام للجنازة) أيجوز أم لا (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا رَأَيْتُمُ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ". (ش) (سفيان) الثوري و (الزهري) محمد بن مسلم و (سالم) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (قوله إذا رأيتم الجنازة الخ) أي رأيتموها حالة كونها مارة عليكم فقوموا لأجلها حتى تترككم وراءها أو توضع عن أعناق الرجال من قبل أن تخلفكم. بضم التاء وفتح الخاء وتشديد اللام المكسورة. ونسبة ذلك إليها مجاز لأن المراد حاملها ويؤيد هذا الحديث ما رواه البخاري عن نافع عن ابن عمر عن عامر بن ربيعة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إذا رأى أحدكم جنازة فإن لم يكن ماشيًا معها فليقم حتى يخلفها أو تخلفه أو توضع من قبل أن تخلفه. وما رواه مسلم من طريق ابن جريج عن نافع عن ابن عمر عن عامر بن ربيعة مرفوعًا: إذا رأى أحدكم الجنازة فليقم حين يراها حتى تخلفه إذا كان غير متبعها. وما رواه الطحاوي عن أبي هريرة مرفوعًا "إذا صلى أحدكم على جنازة ولم يمش معها فليقم حتى تغيب عنه، وإن مشى معها فلا يقعد حتى توضع، (وفي هذا دلالة) على مشروعية القيام لمن مرت عليه جنازة وهو جالس، وذلك لهول الموت لا لتعظيم الميت. وبه قال ابن عمر وابن مسعود وأبو موسى الأشعري وأبو مسعود البدرى وقيس بن سعد وسهل بن حنيف والمسور بن مخرمة والحسن بن عليّ وقتادة وابن سيرين والنخعي والشعبي وسالم بن عبد الله، وكذا ابن حبيب وابن الماجشون من المالكية مستدلين بهذه الأحاديث، وبحديث جابر الآتي. وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي إن القيام للجنازة منسوخ.

رد القول بنسخه

واستدلوا بحديث عليّ وحديث عبادة بن الصامت الآتيين. لكنهما لا يصلحان للدلالة على النسخ لأن حديث عليّ من فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وهو لا ينسخ القول الخاص بالأمة، وما ورد في رواية أحمد من زيادة قوله وأمرنا بالجلوس، فإن صحت هذه الزيادة صلح الحديث للنسخ، لكن لم يخرجها مسلم ولا الترمذي ولا المصنف بل اقتصروا على قوله ثم جلس بعد. ولأن حديث عبادة ابن الصامت ضعيف كما يأتي بيانه، فلا يصلح دليلًا على نسخ تلك السنة الثابتة بالأحاديث الصحيحة وعلى فرض صحتهما فلا نسخ أيضًا لأنه لا يصلح إليه إلا إذا تعذر الجمع وهو هنا ممكن بحمل الأمر في أحاديث القيام على الندب، وفي أحاديث القعود على بيان الجواز، فالظاهر القول بمشروعية القيام للجنازة عند مرورها، واقتصار جمهور المخرجين لحديث عليّ وحفاظهم على مجرد القعود بدون زيادة الأمر بالجلوس مما يوجب عدم الاطمئنان إلى تلك الزيادة والتمسك بها في النسخ للأحاديث التي بلغت من الصحة الغاية، لا سيما بعد أن شد من عضدها عمل جماعة من الصحابة بها بعد عصر النبوة. ويبعد أن يخفى على مثلهم الناسخ. ولذا اختار النووي في شرح المهذب عدم النسخ وقال: قد صحت الأحاديث بالأمر بالقيام ولم يثبت في القعود شيء إلا حديث علي، وهو ليس صريحًا في النسخ بل ليس فيه نسخ لأنه يحتمل أن يكون القعود لبيان الجواز اهـ وقال ابن عبد البر جاءت آثار صحاح ثابتة توجب القيام للجنازة وقال بها جماعة من السلف والخلف ورأوها غير منسوخة اهـ وقال ابن حزم نستحب القيام للجنازة إذا رآها المرء وإن كانت جنازة كافر حتى توضع أو تخلفه فإن لم يقم فلا حرج (إلى أن قال) فإن قعوده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعني في حديث عليّ بعد أمره بالقيام مبينًا أنه أمر ندب وليس يجوز أن يكون هذا نسخًا لأنه لا يجوز ترك سنة متيقنة إلا بيقين نسخ، والنسخ لا يكون إلا بالنهي أو بترك معه نهي قال وممن كان يجلس ابن عباس وأبو هريرة وابن المسيب اهـ وقال أحمد إن شاء قام وإن شاء لم يقم واحتج بأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قام ثم قعد. وهكذا قال إسحاق (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والبيهقي والترمذي وقال حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا زُهَيْرٌ نَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا تَبِعْتُمُ الْجَنَازَةَ فَلاَ تَجْلِسُوا حَتَّى تُوضَعَ". (ش) مناسبة الحديث للترجمة أن القيام للجنازة مطلوب ممن رآها وهو جالس في طريقها

المذاهب في قيام المشيع لها حتى توضع عن الأعناق

وممن كان سائرًا معها، ففي رواية البخاري والنسائي والترمذي من حديث أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يجلس حتى توضع. و (زهير) بن حرب. و (ابن أبي سعيد) عبد الرحمن بن سعد بن مالك بن سنان تقدم بالثالث صفحة 207 (وفي الحديث) دلالة على أن من يشيع الجنازة إذا وصل إلى القبر لا يجلس حتى توضع عن أعناق الرجال على الأرض أو في اللحد. وبه قال ابن عمر وأبو هريرة وابن الزبير وأبو سعيد الخدري وأبو موسى الأشعري والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق. ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة قال: ثنا يحيى بن آدم عن زهير عن مغيرة عن إبراهيم والشعبي قالا: كانوا يكرهون أن يجلسوا حق توضع الجنازة عن مناكب الرجال. وما رواه النسائي عن أبي سعيد وأبي هريرة أنهما قالا: ما رأينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شهد جنازة قط فجلس حتى توضع. وما تقدم عن أبي سلمة عن أبي سعيد مرفوعًا. وروى أحمد نحوه عن أبي هريرة. وحكمة النهي عن القعود قبل أن توضع الجنازة أن المشيع إنما جاء اعتناء بشأنها وليس من الاعتناء أن يجلس قبل وضعها. وذهب جماعة منهم عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب والأسود ومالك والشافعي إلى أن من يشيع الجنازة يجوز له الجلوس قبل أن توضع "وقالوا" إن أحاديث الأمر بالقيام والنهي عن الجلوس حتى توضع "منسوخة" بحديث علي وعبادة بن الصامت. وقد علمت أن هذين الحديثين لا يصلحان للنسخ (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والبيهقي، وأخرجه البخاري والنسائي والترمذي من حديث أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري بلفظ تقدم (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الثَّوْرِيُّ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ فِيهِ حَتَّى تُوضَعَ بِالأَرْضِ وَرَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ سُهَيْلٍ قَالَ حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَسُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ. (ش) رواية سفيان وصلها البيهقي من طريق قاسم بن يزيد الجرمي قال: حدثنا الثوري عن سهيل عن أبيه عن أبي هريوة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "إذا تبع أحدكم جنازة فلا يجلس حق توضع في الأرض" ولم نقف على من وصل رواية أبي معاوية. وغرض المصنف بسوق هذين التعليقين بيان مكان الوضع المطلق في رواية زهير: ففي رواية سفيان الثوري عن سهيل بن أبي صالح أن مكان الوضع الأرض. وفي رواية أبي معاوية محمَّد بن خازم أن مكان الوضع اللحد. وأشار المصنف إلى ترجيح رواية سفيان بقوله

حكمة القيام لها ولو كان الميت غير مسلم

وسفيان أحفظ. قال الحافظ رجح البخاري أن المراد الوضع على الأرض بفعل أبي صالح لأنه راوي الخبر وهو أعرف بالمراد منه، ورواية أبي معاوية مرجوحة اهـ ويعني بفعل أبي صالح قول سهيل رأيت أبا صالح لا يجلس حتى توضع عن مناكب الرجال رواه البيهقي. ويؤيد رواية سفيان أيضًا ما رواه أبو عوانة من حديث البراء قال: كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في جنازة فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس وجلسنا حوله (ص) حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَرَّانِيُّ نَا الْوَلِيدُ نَا أَبُو عَمْرٍو عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ حَدَّثَنِي جَابِرٌ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِذْ مَرَّتْ بِنَا جَنَازَةٌ فَقَامَ لَهَا فَلَمَّا ذَهَبْنَا لِنَحْمِلَ إِذَا هِيَ جَنَازَةُ يَهُودِيٍّ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هِيَ جَنَازَةُ يَهُودِيٍّ. فَقَالَ "إِنَّ الْمَوْتَ فَزَعٌ فَإِذَا رَأَيْتُمْ جَنَازَةً فَقُومُوا". (ش) (الوليد) بن مسلم. و (أبو عمرو) عبد الرحمن الأوزاعي. و (جابر) بن عبد الله (قوله فقام لها) يعني وقمنا معه، ففي رواية البخاري مر بنا جنازة فقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقمنا (قوله إذ هي جنازة يهودي) يعني فلم نحمل فيها، وإذ للمفاجأة وفي نسخة إذا (قوله فقلنا يا رسول الله الخ) اعتذار منهم للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن عدم حملهم فيها وأنها لا تستحق أن يقام لها فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إن الموت فزع. أي مفزع ومخوف. فأطلق المصدر على الوصف مبالغة أو هو على تقدير مضاف أي ذو فزع. وعلل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم القيام للجنازة في هذه الرواية بأن الموت مفزع. ومقتضاه أن يقام لكل جنازة ولو كانت غير مسلمة. والحكمة أن الإنسان يتذكر الموت ولا يبقى على غفلته ومن ثم استوى فيه موتى المسلمين وغيرها. وفي رواية البخاري عن سهل بن حنيف وقيس بن سعد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرت به جنازة فقام فقيل له إنها جنازة يهودي فقال أليست نفسًا؟ وفي رواية لأحمد والحاكم وأبي حبان من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا "إنما تقومون إعظامًا للذى يقبض النفوس" وفي رواية ابن حبان إعظامًا لله الذي يقبض الأرواح. وفي رواية الحاكم عن أنس بن مالك أن جنازة مرت برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقام فقالوا يا رسول الله إنها جنازة يهودي فقال إنما قمت للملائكة. وفي رواية الطحاوي عن ابن سخبرة قال كنا قعودًا مع علي بن أبي طالب ننتظر جنازة فمر بجنازة أخرى فقمنا فقال ما هذا القيام؟ فقلت ما تأتونا به يا أصحاب محمَّد صلى الله تعالى عليه

الجمع بين ما ورد في حكمة القيام لها

وعلى آله وسلم؟ قال أبو موسى قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "إذا رأيتم جنازة مسلم أو يهودي أو نصراني فقوموا فإنكم لستم لها تقومون إنما تقومون لمن معها من الملائكة" ولا تنافي بين هذه الروايات، فإن القيام للفزع من الموت فيه تعظيم لأمر الله تعالى وتعظيم الملائكة القائمين بأمره في ذلك "أما ما رواه" أحمد من حديث الحسن بن علي قال: إنما قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تأذيًا بريح اليهوديّ: وفي رواية الطبري والبيهقي عن كراهية أن تعلو رأسه "فإنه" لا يعارض الروايات الأولى لأن سند هاتين لا يقاوم تلك في الصحة. ولأن التعليل بما ذكر فيهما راجع إلى ما فهمه الراوي، والتعليل في تلك من لفظ النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم. كأن الراوي لم يسمع التعليل من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعلل باجتهاده (فقه الحديث) دل الحديث على أن الموت مذكر للآخرة ومخوف من عذاب الله تعالى وعلى طلب القيام للجنازة فهو من أدلة القائلين بمشروعة القيام لها. وعلى تعظيم شأن الآدمي (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي والبيهقي، وأخرجه الطحاوي أيضًا من عدة طرق والحاكم من طريق أنس بلفظ تقدم (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَامَ فِي الْجَنَائِزِ ثُمَّ قَعَدَ بَعْدُ. (ش) (رجال الحديث) (واقد بن عمرو الخ) أبو عبد الله الأشهلي. روى عن أنس وجابر وأفلح ونافع بن جبير. وعنه يحيى بن سعيد وسعيد بن إسحاق: داود بن الحصين، وثقه أبو زرعة وابن سعد وقال له أحاديث. وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة عشرين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. و(مسعود بن الحكم) بن الربيع بن عامر بن خالد الزرقي الأنصاري أبو هارون، روى عن عمر وعثمان وعلي. وعنه أولاده إسماعيل وقيس وعيسى ويوسف وسليمان بن يسار ونافع بن جبير. قال الواقدي كان ثبتًا مأمونًا ثقة. وقال ابن عبد البر كان له قدر وهو من أجلة التابعين وكبارهم. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (معنى الحديث) (قوله قام في الجنازة الخ) أي قام لأجلها ثم ترك القيام بعد. ففي للتعليل على حد قوله تعالى (فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) أي لأجله. وتمسك بهذا الحديث من قال إن القيام للجنازة منسوخ وقد علمت ما فيه (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه وابن أبي شيبة والبيهقي والترمذي

حجة من قال بالنسخ

وقال حديث حسن صحيح، وفيه رواية أربعة من التابعين بعضهم عن بعض اهـ وأخرجه الطحاوي بسنده إلى مسعود بن الحكم عن علي قال: قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مع الجنازة حتى توضع وقام الناس معه ثم قعد بعد ذلك وأمرهم بالقعود وقال الشافعي وهذا أصح شيء في هذا الباب وهذا الحديث ناسخ للحديث الأول (وهو) إذا رأيتم الجنازة فقوموا ومعنى قول علي قام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الجنازة ثم قعد يقول: كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقوم إذا رأى الجنازة ثم ترك ذلك بعد فكان لا يقوم إذا رأى الجنازة اهـ وقد علمت تحقيق المقام (ص) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ بَهْرَامَ الْمَدَائِنِيُّ نَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا أَبُو الأَسْبَاطِ الْحَارِثِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُومُ فِي الْجَنَازَةِ حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ فَمَرَّ بِهِ حَبْرٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ هَكَذَا نَفْعَلُ. فَجَلَسَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ "اجْلِسُوا خَالِفُوهُمْ". (ش) (رجال الحديث) (هشام بن بهرام المدائني) أبو محمَّد. روى عن مالك وحماد ابن زيد وابن عيينة وحاتم بن إسماعيل وغيرهم. وعنه إبراهيم بن هشام وابن إسحاق وعيسى ابن عبد الله الطيالسي وآخرون. وثقه الخطيب. وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان مستقيم الحديث. روى له أبو داود والنسائي. و(أبو الأساط) بشر بن رافع تقدم بالسادس صفحة 37 و(عبد الله بن سليمان الخ) روى عن أبيه هذا الحديث. وعنه أبو الأسباط. قال البخاري فيه نظر لا يتابع على حديثه وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه. و(أبوه) سليمان بن جنادة بن أبي أمية الأزدي الدوسي. روى عن أبيه هذا الحديث. وعنه ابنه. قال البخاري وأبو حاتم منكر الحديث، قال ابن عدي لم ينكر عليه البخاري غير هذا الحديث. روى له الترمذي وأبو داود وابن ماجه. و(جده) جنادة بن أبي أمية الأزدي. الدوسي أبو عبد الله. روى عن عمر وعليّ ومعاذ وأبي الدرداء وغيرها. وعنه ابنه سليمان وعمير بن هانئ وعبادة بن نسيّ وجماعة. قال ابن يونس كان من الصحابة يشهد فتح مصر وولى البحرين لمعاوية وذكره ابن حبان في ثقات التابعين وقال إن له صحبة وليس ذلك بصحيح اهـ وقال العجليّ تابعي ثقة من كبار التابعين وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام. روى له الجماعة

باب الركوب في الجنازة

(معنى الحديث) (قوله فمر به حبر من اليهود الخ) بكسر الحاء وفتحها أي عالم منهم، وقوله هكذا نفعل أي إذا شيعنا الجنازة لا نجلس حتى توضع في اللحد فجلس صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد ذلك وأمر أصحابة بالجلوس وبمخالفة اليهود (والحديث) من أدلة من قال بنسخ القيام للجنازة حتى توضع في اللحد، لكنه ضعيف لأنه من طريق أبي الأسباط، وقد ضعفه غير واحد وليس بالقوي في الحديث. وفيه أيضًا عبد الله بن سيمان وأبوه سليمان وفيهما مقال كما علمت (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه والبزار والبيهقي والطحاوي والترمذي وقال حديث غريب (باب الركوب في الجنازة) أيجوز أم لا (ص) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى الْبَلْخِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِدَابَّةٍ وَهُوَ مَعَ الْجَنَازَةِ فَأَبَى أَنْ يَرْكَبَ فَلَمَّا انْصَرَفَ أُتِيَ بِدَابَّةٍ فَرَكِبَ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ "إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ كَانَتْ تَمْشِي فَلَمْ أَكُنْ لأَرْكَبَ وَهُمْ يَمْشُونَ فَلَمَّا ذَهَبُوا رَكِبْتُ". (ش) (عبد الرزاق) بن همام. و (معمر) بن راشد (قوله فلما انصرف أتي بدابة الخ) أي لما فرغ من دفنها أتي بدابة فركبها فسأله بعض الصحابة عن سبب ترك الركوب حال السير مع الجنازة وعن الركوب بعد دفنها فبين لهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقوله إن الملائكة كانت تمشي في الجنازة فلما دفنت وذهبت الملائكة ركبت. وفي رواية ابن ماجه والترمذي عن ثوبان قال: خرجنا مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في جنازة فرأى ناسًا ركبانًا فقال ألا تستحيون إن ملائكة الله على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ نَا أَبِي نَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ابْنِ الدَّحْدَاحِ وَنَحْنُ شُهُودٌ ثُمَّ أُتِيَ بِفَرَسٍ فَعُقِلَ حَتَّى رَكِبَهُ فَجَعَلَ يَتَوَقَّصُ بِهِ وَنَحْنُ نَسْعَى حَوْلَهُ.

المذاهب في حكمه

(ش) (أبو عبيد الله) معاذ بن معاذ التميمي. (شعبة) بن الحجاج. و (سماك) ابن حرب (قوله صلى رسول الله على بن الدحداح الخ) بدالين مهملات. ويقال الدحداحة الأنصاري حليف لهم لا يعرف اسمه (قوله ثم أتي بفرس الخ) أي ليركبه حال السير مع الجنازة فامتنع صلى الله عليه وآله وسلم من الركوب فعقل الفرس أي أمسك وحبس للركوب فلما فرغ من الدفن ركب وهو راجع. يدل ذلك على ما في رواية الترمذي عن حابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اتبع جنازة ابن الدحداح ماشيًا ورجع على فرس. وما في رواية مسلم عن مالك بن مغول عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: أتي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بفرس معروري فركبه حين انصرف من جنازة ابن الدحداح. ومعروري بضم الميم وسكون المهملة وفتح الراء أي عريانًا ليس عليه شيء (قوله فجعل يتوقص بها) أي يعدو عدوًا متوسطًا ويقارب الخطأ. قال في القاموس توقص بين العنق والخبب اهـ وكل من العنق والخبب نوع من السير السريع (وأخرجه مسلم) رواية شعبة هذه عن سماك عن جابر قال: صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ابن الدحداح, ثم أتي بفرس عري فعقله رجل فركبه فجعل يتوقص به ونحن نتبعه نسعى خلفه, فقال رجل من القوم إن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: كم من عذق معلق أو مدلى في الجنة لابن الدحداح أو قال شعبة لأبي الدحداح. وبين في رواية البغوي والحاكم وأحمد السبب في قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك فيحق ابن الدحداح من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلًا قال يا رسول الله إن لفلان نخلة وأنا أقيم حائطي بها فأمره أن يعطيني حتى أقيم حائطي بها فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أعطه إياها بنخلة في الجنة فأبى, فأتاه أبا الدحداح فقال بعني نخلتك بحائطي ففعل, فأتى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله ابتعت النخلة بحائطي فاجعلها له فقد أعطيتكها فقال: كم من عذق رداح لأبي الدحداح في الجنة قالها مرارًا, فأتى امرأته فقال يا أم الدحداح أخرجي من الحائط فإني قد بعته بنخلة في الجنة فقالت ربح البيع أو بكلمة تشبهها (والحائط البستان) قال النووي وكانت هذه النخلة لأبي لبابة وكان الطالب لها يتيمًا (فقه الحديث) دل الحديث على استحباب المشي وكراهية الركوب حال تشييع الجنازة وبه قالت المالكية والشافعية والحنابلة إلا بعذر. وقالت الحنيفية يكره الركوب أمامها ولا بأس به خلفها. لما يأتي في حديث المغيرة من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الراكب يسير خلف الجنازة. فإنه يفيد الإذن بالركوب حال تشييع الجنازة. وأجابوا عن حديث الباب بأن تركه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للركوب وإنكاره على من ركب إنما كان

باب المشي أمام الجنازة

لأجل مشي الملائكة مع الجنازة التي كان معها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. أو أن مشي الملائكة كان خصوصية لجنازة أبي الدحداح فلا يستلزم وجودهم مع كل جنازة. وأجاب الجمهور عن حديث المغيرة بأن إذنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالركوب لمن يسير خلفها إذن في مقابلة التحريم فلا. ينافي الكراهة المستفادة من إنكاره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على من ركب مع الجنازة ومن تركه الركوب حال تشييعها. ودل الحديث علي جواز الركوب حال الرجوع (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد ومسلم والنسائي والترمذي والبيهقي (باب المشي أمام الجنازة) (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجَنَازَةِ. (ش) الحديث يدل على أنه يستحب للماشي مع الجنازة أن يكون أمامها. وإلى ذلك ذهب ابن عمر والحسن بن علي وأبو قتادة وأبو هريرة وابن الزبير والقاسم بن محمَّد وسالم وابن أبي ليلى والزهري والشافعي ومالك وأحمد لحديث الباب. ولأن المشيع شفيع والشفيع يتقدم على المشفوع له: وذهب أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي وإسحاق وحكاه في البحر عن العترة إلى أن المشي خلفها أفضل. واستدلوا بما تقدم للمصنف في "باب اتباع الميت بالنار" عن أبي هريرة وفيه "ولا يمشي بين يديها" وبها رواه الحاكم عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مشى خلف جنازة ابنه إبراهيم خافتًا. ولأنها متبوعة كما في رواية البخاري عن البراء أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم باتباع الجنازة. والاتباع لا يمنع إلا على السائر خلفها ولا يسمى المتقدم على الجنازة تابعًا بل هو متبوع. وعن علي أن فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل الصلاة المكتوبة على النافلة وأجابوا عن حديث الباب بأنه محمول على بيان الجواز والتسهيل على الناس فقد روى الطحاوي والبيهقي واللفظ له من طريق شعبة عن أبي فروة الجهني قال سمعت زائدة يحدث عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يمشيان أمام الجنازة، وكان علي رضي الله عنه يمشي خلفها فقيل لعلي رضي الله عنه إنهما يمشيان أمامها فقال: إنهما يعلمان أن المشي خلفها أفضل من المشي أمامها كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته فذًا ولكنهما سهلان يسهلان للناس اهـ ومراده أن الناس يتحرزون عن المشي أمامها فلو اختارا المشي خلفها لضاق الطريق على مشيعيها وعن علي قدمها بين يديك واجعلها نصب عينيك فإنما هي موعظة وتذكرة وعبرة (والحديث) أخرجه

كيف يسير الراكب والماشي معها

أيضًا أحمد وابن ماجه والدارقطني وابن حبان والبيهقي والحاكم والنسائي وقال وصله خطأ والصواب مرسل: وأخرجه الترمذي مرسلًا وموصولًا وقال: هكذا حديث ابن عمر رواه ابن جريج وزياد بن سعد وغير واحد عن الزهري عن سالم عن أبيه نحو حديث ابن عيينة. وروى معمر. ويونس بن يزيد ومالك وغير واحد من الحفاظ عن الزهري أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "كان يمشي أمام الجنازة" قال الزهري وأخبرني سالم أن أباه كان يمشي أمام الجنازة وأهل الحديث كأنهم يرون أن الحديث المرسل في ذلك أصح اهـ (ص) حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَأَحْسَبُ أَنَّ أَهْلَ زِيَادٍ أَخْبَرُونِي أَنَّهُ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "الرَّاكِبُ يَسِيرُ خَلْفَ الْجَنَازَةِ وَالْمَاشِي يَمْشِي خَلْفَهَا وَأَمَامَهَا وَعَنْ يَمِينِهَا وَعَنْ يَسَارِهَا قَرِيبًا مِنْهَا وَالسِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ". (ش) (رجال الحديث) (خالد) بن عبد الله الواسطي. و (يونس) بن عبيد بن دينار و (أبو زياد) جبير بن حية بالمثناة التحتية ابن مسعود بن معتب بن مالكٍ الثقفي البصري. روى عن عمر والنعمان بن مقرن والمغيرة بن شعبة. وعنه ابنه زياد وبكر بن عبد الله المزني، ذكره ابن حبان في ثقات التابعين وفي التقريب ثقة جليل من الثالثة. روى له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (قوله قال وأحسب الخ) أي قال يونس بن عبيد أظن أن أهل زياد أخبروني أن المغيرة بن شعبة رفعه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وظاهره أن يونس رواه عن زياد موقوفًا فأخبره أهل زياد برفعه (معنى الحديث) (قوله الراكب يسير خلف الجنازة) فيه دلالة على جواز الركوب حال تشييع الجنازة، لكن محله إذا دعت الحاجة إليه فلا ينافي ما تقدم في "باب الركوب في الجنازة" من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم امتنع من الركوب حال تشييع الجنازة ولام على من ركب. وعلى أن الأفضل للراكب أن يسير خلف الجنازة. وبه قالت المالكية والحنفية والحنابلة وجمهور العلماء، قال الخطابي لا أعلمهم اختلفوا في أن الراكب يكون خلفها اهـ. وقالت الشافعية الأفضل للراكب أن يسير أمامها كالماشي. لكن ظاهر الحديث يرد عليهم (قوله والماشي يمشي خلفها الخ) بظاهر أخذ الثوري فقال الماشي يسير مع الجنازة حيث شاء فتحصل مما تقدم في هذا الباب والذي قبله أن الركوب خلف الجنازة مكروه إلا لحاجة, وإن

المذاهب في الصلاة على السقط

الخلاف في السير أمامها أو خلفها إنما هو في الأفضل وإلا فالكل جائز والأمر فيه سعة، وقد أرشد إلى ذلك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما في الحديث. وقال ابن حزم حكم تشيع الجنازة أن يكون الركبان خلفها وأن يكون الماشي حيث شاء عن يمينها وشمالها وأمامها وخلفها وأحب ذلك إلينا خلفها (قوله قريبًا منها) بالنصب حال من فاعل يمشي وفي نسخة قريب بالرفع بتقدير مبتدأ أي وهو قريب (قوله والسقط يصلي عليه الخ) السقط مثلث السين، والكسر أشهر وهو الولد الذي يسقط من بطن أمه قبل تمام مدة حمله. وفي هذا دلالة على مشروعية الصلاة على السقط مطلقًا استهل أم لا. وبه قال أحمد وداود وهو المروي عن ابن عمر وابن المسيب وابن سيرين. وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك والأوزاعي والنسائي يصلى عليه إذا استهل أما إذا لم يستهل فلا. لما رواه الترمذي من طريق إسماعيل بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "الطفل لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث حتى يستهل" والاستهلال رفع الصبي صوته، والمراد به هنا ما يدل على تحقيق حياته بعد النزول كالصياح أو العطاس أو حركة يعلم بها حياته، وفي إسناده إسماعيل بن مسلم المكي وفيه مقال، لكنه روى من طرق أخرى تقوية. فقد رواه النسائي وابن حبان والحاكم من طريق إسحاق الأزرق عن سفيان الثوري عن أبي الزبير. ورواه الحاكم أيضًا من طريق المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير ورواه ابن ماجه عن الربيع بن بدر عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا بلفظ "إذا استهل الصبيّ صلى عليه وورث" فرواية الباب مطلقة تقيد بما في هذه الروايات من الاستهلال. ومحل الخلاف في السقط الذي بلغ أربعة أشهر فأكثر ولم يستهل، أما الذي لم يبلغ أربعة أشهر فلا يصلى عليه ولا نعلم فيه خلافًا إلا ما روي عن ابن سيرين من أنه يصلى عليه إذا علم أنه نفخ فيه الروح، وما حكي عن ابن أبي موسى أنه يصلى عليه إذا استبان فيه بعض خلق الإنسان (فقه الحديث) دل الحديث على أن الأفضل للراكب مع الجنازة أن يسير خلفها وعلى أن الماشي يسير معها حيث شاء. وعلى أن السقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم وصححاه والبيهقي والترمذي وقال حسن صحيح (باب الإسراع بالجنازة) (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "أَسْرِعُوا بِالْجَنَازَةِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ

باب الإسراع بالجنازة

تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ". (ش) (سفيان) بن عيينة (قوله أي أسرعوا بالجنارة) أي بالسير بها حال حملها إلى القبر والمراد بالإسراع ما فوق المشي المعتاد ولا يبلغ به حدًا ينشأ عنه حدوث مفسدة بالميت أو حصول مشقة على الحامل أو المشيع. ففي رواية النسائي عن أبي بكرة قال: لقد رأيتنا ونحن مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإنا لنكاد نرمل بها رملًا. وقال بعضهم المراد الإسراع بتجهيزها إذا تحقق موتها. والأولى إرادة ما هو أعم من التجهيز والسير كما يشعر بذلك ما أخرجه الطبراني لإسناد حسن من حديث ابن عمر مرفوعًا "إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره" وتحقق الموت يختلف باختلاف الأشخاص: فمنهم من يتحقق موته بعد زمن يسير، ومنهم من لا يتحقق موته إلا بعد مضي نحو يوم وليلة كالمبطون والمفلوج (قوله فإن تك صالحة الخ) أي إن تكن الجنازة صالحة فأمامها خير تقدمونها إليه وهو ثواب عملها الصالح، وإن تك غير صالحة فهي شر تضعونه عن أعناقكم لأنها بعيدة عن الرحمة فلا خير لكم في مصاحبتها، فالمراد بالجنازة الميت. وقوله فشر تضعونه الإخبار عن الجنازة غير الصالحة بالشر مبالغة أو الكلام على تقدير مضاف أي فهي ذات شر. وفي الإتيان بضمير المذكور فيه قوله تضعونه عن رقابكم دليل على أن حمل الجنازة يختص بالرجال لأنهم الأحق بذلك (فقه الحديث) دل الحديث على استحباب الإسراع بالجنازة حال السير معها والمبادرة بدفنها: ونقل ابن قدامة أن الأمر للاستحباب بلا خلاف بين العلماء. وشذ ابن حزم فقال بوجوبه ولا ينافي هذا ما أخرجه البخاري ومسلم عن عطاء قال: حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة بسرف فقال ابن عباس هذه ميمونة إذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوا ولا تزلزلوا. وما جاء عن بعض السلف أنهم كرهوا الإسراع بالجنازة لأنه محمول على الإسراع المفرط الذي يخاف منه انفجارها أو خروج شيء. أو إضرار من يسير معها. وعلى الحث على مصاحبة الصالحين وترك مصاحبة المخالفين (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي وابن ماجه والترمذي (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا شُعْبَةُ عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ فِي جَنَازَةِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَكُنَّا نَمْشِي مَشْيًا خَفِيفًا فَلَحِقَنَا أَبُو بَكْرَةَ فَرَفَعَ سَوْطَهُ فَقَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَرْمُلُ رَمَلًا.

(ش) (رجال الحديث) (عيينة بن عبد الرحمن) بن جوشن الغطاني أبو مالك البصري روى عن نافع وأيوب بن موسى وعلي بن زيد. وعنه شعبة بن الحجاج وابن المبارك وعيسى بن يونس ويزيد بن زريع وأبو عاصم وآخرون. قال أبو حاتم ثقة صدوق ووثقه النسائي وقال أحمد ابن معين صالح ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات، وفي التقريب صدوق من السابعة. روى له البخاري في الأدب والأربعة. و(أبوه) عبد الرحمن، بن جوشن الغطفاني البصري. روى عن ربيعة بن جوشن وأبي بكرة وابن عباس وابن عمر وجماعة وعنه ابنه عيينة. وثقه أبو زرعة وابن سعد والعجليّ وقال أحمد ليس بالمشهور وذكره ابن حبان في الثقات. وفي التقريب ثقة من الثالثة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي. و(أبو بكرة) نفيع بن الحارث الثقفي الصحابي. وإنما رفع سوطه يهددهم على ترك الإسراع في السير (معنى الحديث) (قوله اقد رأيتنا) أي لقد رأيت نفسي وغيري من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مسرعين بالجنازة مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله نرمل رملًا) من باب طلب يعني يسيرون سيرًا فوق المعتاد ودون الهرولة. وأصل الرمل الإسراع في المشي حتى يهز منكبيه. وقد أخرج ابن أبي شيبة من حديث عبد الله بن عمرو أن أباه أوصاه قال إذا أنت حملتني على السرير فامش مشيًا بين المشيين وكن خلف الجنازة فإن مقدمها للملائكة وخلفها لبني آدم (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبيهقي، وكذا النسائي مطولًا ومختصرًا من طريق هشيم، وكذا الحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال النووي إسناده صحيح (ص) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ نَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ ح وَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى نَا عِيسَى -يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ- عَنْ عُيَيْنَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالاَ فِي جَنَازَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ وَقَالَ فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ بَغْلَتَهُ وَأَهْوَى بِالسَّوْطِ. (ش) ذكر المصنف هذه الرواية لبيان أنه قد اختلف على عيينة بن عبد الرحمن في رواية الحديث فروى عنه شعبة أن أباه كان في جنازة عثمان بن أبي العاص، وروى عنه خالد بن الحارث وعيسى ابن يونس أنه كان في جنازة عبد الرحمن بن سمرة ووافقهما إسماعيل بن إبراهيم ويحيى بن سعيد ووكيع كما ذكره البيهقي (قوله قالا في جنازة عبد الرحمن بن سمرة) أي قال خالد بن الحارث وعيسى بن يونس في روايتهما عن عيينة عن أبيه أنه كان في جنازة عبد الرحمن بن سمرة بدل قوله في رواية شعبة عن عيينة أن أباه كان في جنازة عثمان بن أبي العاص (قوله وقال فحمل عليهم بغلته) أي قال عيينة فحمل عليهم أبو بكرة بغلته يعني أسرع إليهم بدل قوله في الرواية السابقة فلحقنا

(قوله (ص) وأهوى بالسوط) أي مدة نحوهم وأماله إليهم تهديدًا لهم على ترك السنة في السير مع الجنازة يقال أهوى يده وبيده إلى الشيء مدها إليه ليأخذها (وهذه الرواية) أخرجها البيهقي والنسائي واللفظ له قال: أخبرنا محمَّد بن عبد الأعلى حدثنا خالد أنبأنا عيينة بن عبد الرحمن بن سمرة وخرج زياد يمشي بين يدي السرير فجعل رجال من أهل عبد الرحمن ومواليهم يستقبلون السرير ويمشون على أعقابهم ويقولون رويدًا رويدًا بارك الله فيكم فكانوا يدبون دبيبًا حتى إذا كنا ببعض طريق المربد لحقنا أبو بكرة على بغلة فلما رأى الذي يصنعون حمل عليهم ببغلته أهوى إليهم بالسوط وقال خلوا فوالذي أكرم وجه أبي القاسم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنا لنكاد نرمل بها رملًا فانبسط القوم (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ يَحْيَى الْمُجَبِّرِ -قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهُوَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ- عَنْ أَبِي مَاجِدَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ سَأَلْنَا نَبِيَّنَا -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْمَشْيِ مَعَ الْجَنَازَةِ فَقَالَ "مَا دُونَ الْخَبَبِ إِنْ يَكُنْ خَيْرًا تَعَجَّلْ إِلَيْهِ وَإِنْ يَكُنْ غَيْرَ ذَلِكَ فَبُعْدًا لأَهْلِ النَّارِ وَالْجَنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ وَلاَ تُتْبَعُ لَيْسَ مَعَهَا مَنْ تَقَدَّمَهَا". (ش) (الرجال) (أبو عوانة) وضاح بن عبد الله الواسطي. و (ويحيى) بن عبد الله بن الحارث (المجبر) وقيل الجابر بالجيم والموحدة لقب بذلك لأنه كان يجبر الأعضاء. روى عن سالم بن أبي الجعد وعبيد الله بن مسلم الحضرمي أبي ماجدة وغيرهم. قال أحمد ليس به بأس وقال بن معين ضعيف الحديث ليس بشئ وقال أبو حاتم والنسائي ضعيف وقال الجوزجاني غير محمود وقال العجلي يكتب حديثه وليس بالقوي وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به. روى له الترمذي وأبو داود وابن ماجه. و(أبو ماجدة) ويقال أبو ماجد الحنفي العجلي هو عائذ بن فضالة كما قال أبو حاتم. روى عن ابن مسعود. وعنه يحيى بن عبد الله قال ابن المديني لا نعلم أحدًا روى عنه غيره. وفي التقريب مجهول من الثانية وقال النسائي وابن عيينة منكر الحديث وقال الترمذي والدراقطني والساجي مجهول. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله ما دون الخبب) بفتح المعجمة والموحدة ضرب من العدو كما تقدم والمراد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين لهم أن السير مع الجنازة يكون فوق المشي المعتاد ودون الجري (قوله إن يكن خيرًا آلخ) أي إن يكن عمل الميت صالحًا يعجل

الجنازة متبوعة لا تابعة فالمشي خلفها أفضل

به إلى ثوابه وجزائه فإن قبره يكون حينئذ روضة من رياض الجنة، وإن يكن عمله غير صالح فأسرعوا به لتبعدوا أهل النار عن أعناقكم، والقبر حينئذ حفرة من حفر النار. ويحتمل أن يكون قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فبعدًا دعاء منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على أهل النار كقوله تعالى (وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (قوله والجنازة متبوعة) أي يتبعها من يشيعها بمشيه خلفها (ولا تتبع) بفتح المثناة الفوقية والموحدة وسكون المهملة وبرفعها على النفي أي لا ينبغي لمن يسير مع الجنازة أن يتقدمها وهو تأكيد لما قبله (قوله ليس معها من تقدمها) وفي نسخة ليس معها ما يقدمها أي أن من تقدم أمام الجنازة من المشيعين لا يكون مشيعًا لها فلا يستحق ثواب التشييع على الوجه الأكمل. وهذا الحديث من أدلة القائلين إن المشي خلف الجنازة أفضل، لكنه ضعيف لأنه من طريق يحيى بن عبد الله المجبر عن أبي ماجدة وهما ضعيفان كما تقدم. وفي بعض النسخ زيادة قوله "قال أبو داود هو ضعيف. يحيى بن عبد الله وهو يحيى الجابر. قال أبو داود وهذا كوفي وأبو ماجدة بصري. قال أبو داود أبو ماجدة هذا لا يعرف" قال ابن حجر في التلخيص ضعفه البخاري وابن عدي والترمذي والنسائي والبيهقي وغيرهم (فقه الحديث) دل الحديث على أن من جهل شيئًا ينبغي له أن يسأل عنه أهل العلم. وعلى أنه ينبغي لمن سار مع الجنازة أن يسير معها سيرًا وسطًا. وعلى أن الأفضل للمشيع ألا يكون أمامها، وعلى الترغيب في مصاحبة الأخيار والتنفير ما مصاجة الأشرار (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه والترمذي وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وأخرجه البيهقي وقال أبو ماجد مجهول ويحيى الجابر ضعفه جماعة من أهل النقل (باب الإِمام يصلي على من قتل نفسه) هو على تقدير الاستفهام أي أيصلي؟ وفي بعض النسخ "باب الإِمام لا يصلي على من قتل نفسه" (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ نُفَيْلٍ نَا زُهَيْرٌ نَا سِمَاكٌ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ قَالَ مَرِضَ رَجُلٌ فَصِيحَ عَلَيْهِ فَجَاءَ جَارُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ إِنَّهُ قَدْ مَاتَ. قَالَ "وَمَا يُدْرِيكَ". قَالَ أَنَا رَأَيْتُهُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ". قَالَ فَرَجَعَ فَصِيحَ عَلَيْهِ فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ مَاتَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ". فَرَجَعَ فَصِيحَ

الخلاف في الصلاة على من قتل نفسه

عَلَيْهِ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ انْطَلِقْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبِرْهُ. فَقَالَ الرَّجُلُ اللَّهُمَّ الْعَنْهُ. قَالَ ثُمَّ انْطَلَقَ الرَّجُلُ فَرَآهُ قَدْ نَحَرَ نَفْسَهُ بِمِشْقَصٍ مَعَهُ فَانْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ فَقَالَ "مَا يُدْرِيكَ". قَالَ رَأَيْتُهُ يَنْحَرُ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ مَعَهُ. قَالَ "أَنْتَ رَأَيْتَهُ". قَالَ نَعَمْ. قَالَ "إِذًا لاَ أُصَلِّي عَلَيْهِ". (ش) (ابن نفيل) عبد الله بن محمَّد. و (زهير) بن معاوية. و (سماك) بن حرب (قوله مرض رجل آلخ) لم نقف على اسمه ولا على اسم جاره (قوله إنه قد مات) لعله -صلى الله عليه وسلم- كان عالمًا بذلك المريض حتى إنه أضمر له بقوله إنه قد مات وأخبر الرجل بموته اعتمادًا على ما سمعه من الصراخ (قوله وأنا رأيته) أي علمته (قوله قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنه لم يمت) فيه معجزة له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لإخباره بذلك وانكشاف الأمر كما قال (قوله فقال الرجل اللهم العنه) لعل المرأة أحبرت الرجل بأنه قد شرع في نحو نفسه فلعنه (قوله قد نحر نفسمه بمشقص معه) يعني شرع في ذلك. والمشقص بكسر الميم نصل السهم إذا كان طويلًا غير عريض (قوله رأيته ينحر نفسه) سبب ذلك ما جاء في رواية ابن ماجه عن جابر بن سمرة "أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جرح فآذته الجراحة فدب إلى مشاقص فذبح نفسه فلم يصل عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم" (قوله قال إذا لا أصلي عليه) فيه دلالة على أن من قتل نفسه لا يصلى عليه، وبه أخذ عمر بن عبد العزيز والأوزاعي والعترة. وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وجمهور العلماء إنه يصلى عليه. وقال أحمد لا يصلي الإِمام على قاتل النفس ويصلي عليه غير الإمام. وإنما ترك صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة على الرجل عقوبة له وزجرًا للناس من الوقوع في مثل ذنبه، ونظيره تركه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة على المدين كما في رواية للنسائي فإن ذلك كان زجرًا لغيره عن التساهل وإهمال الوفاء بالدين، ولم يمنع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الصلاة عليه كما يشعر بذلك ما في رواية النسائي من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أما أنا فلا أصلي عليه. وكذا يصلى على كل فاسق لحديث، صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وصلوا على من قال لا إله إلا الله رواه الدارقطني من عدة طرق وفيها مقال. واستثى أبو حنيفة البغاة وقطاع الطريق فقال لا يصلى عليهم

باب الصلاة على من قتلته الحدود

(فقه الحديث) دل الحديث على أن من قتل نفسه لا يصلى عليه وقد علمت بيانه. وعلى جواز لعن من قتل نفسه لأن الظاهر أن لعن المخبر بلغ النبي محمَّد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يثبت أنه أنكر عليه (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي والبيهقي (باب الصلاة على من قتلته نفسه) يعني أيصلى على من قتله الإِمام بسبب ارتكابه حدًا من الحدود؟ (ص) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ حَدَّثَنِي نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يُصَلِّ عَلَى مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ وَلَمْ يَنْهَ عَنِ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ. (ش) (أبو كامل) فضيل بن حسين الجحدري. و (أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله. و (أبو بشر) جعفر بن أبي وحشية تقدم بالثالث صفحة 74. وكذا (أبو برزة) نضلة بن عبيد صفحة 306 (قوله لم يصل على ماعز بن مالك آلخ) أي لما أقرّ بالزنا أمام النبي صلى الله تعالى وعلى آله وسلم فأعرض عنه. ففي رواية لمسلم عن أبي هريرة قال: أتى رجل من المسلمبن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو في المسجد فناداه فقال يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه، فتنحى تلقاء وجه فقال: يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه حتى ثنى ذلك عليه أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: أبك جنون؟ قال لا قال فهل أحصنت؟ قال نعم فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اذهبوا به فارجموه. وفي رواية للبخاري فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟ قال لا يا رسول الله فقال أنكتها؟ (وحديث الباب) صريح في أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل على ماعز. وفي رواية للبخاري أنه صلى عليه، فقد أخرج عن محمود بن غيلان قال: ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر أن رجلًا من أسلم جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فاعترف بالزنا فأعرض عنه (الحديث) وفيه فرجم حتى مات فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خيرًا وصلى عليه. قال الحافظ هكذا وقع هنا عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق، وخالفه محمَّد بن يحيى الذهلي وجماعة عن عبد الرزاق فقالوا في آخره ولم يصل عليه. قال المنذري في حاشية السنن رواه ثمان أنفس عن عبد الرزاق فلم يذكروا قوله وصلى عليه. وقد أخرجه أحمد في مسنده عن عبد الرزاق ومسلم عن

أقوال العلماء في الصلاة على من قتل حدا

إسحاق بن راهويه "إلى أن قال" فهؤلاء أكثر من عشرة أنفس خالفوا محمودًا: منهم من سكت عن الزيادة، ومنهم من صرح بنفيها اهـ وقال البيهقي ورواه البخاري عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق إلا أنه قال فصلى عليه وهو خطأ لإجماع أصحاب عبد الرزاق على خلافه ثم إجماع أصحاب الزهري علي خلافه اهـ. وعلى هذا فتكون زيادة فصلى عليه شاذة. لكن قد تقرر في الأصول أن زيادة الثقة مقبولة إذا وقعت غير منافية وهي هنا كذلك بالنسبة لمن روى أصل الحديث وسكت عن الزيادة، أما بالنسبة لمن صرح بنفي الصلاة فيمكن الجمع بينها وبين الرواية المثبتة للصلاة بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يصل عليه يوم الرجم وصلى عليه في الغد. فقد روى عبد الرزاق عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في قصة ماعز قال فقيل يا رسول الله أتصلي عليه؟ قال لا، فلما كان من الغد قال صلوا على صاحبكم فصلى عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والناس. وعلى فرض عدم إمكان الجمع فترجح رواية الإثبات لأنها رواية الصحيح ورواية المصنف التي فيها النفي في إسنادها مجاهيل. ويؤيده صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علي الزانية كما رواه مسلم، وسيأتي للمصنف من حديث عمران بن حصين في قصة الجهنية التي زنت ورجمت "أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى عليها فقال له عمر أتصلى عليها وقد زنت؟ فقال لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وقال الإِمام أحمد ما نعلم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترك الصلاة على أحد إلا على الغال وقاتل نفسه اهـ. واختلف العلماء في الصلاة على من قتل حدًا. فقال مالك وأحمد يكره للإمام وأهل الفضل الصلاة عليه زجرًا للناس لئلا يجترئوا على مثل فعله لحديث الباب ويصلي عليه غيرهم وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي يغسل المرجوم ويصلى عليه وهو قول الجمهور بل قال القاضي مذهب العلماء كافة الصلاة على كل مسلم ومحدود ومرجوم وقاتل نفسه اهـ وحجتهم ما تقدم لمسلم من حديث الجهنية. وقال الزهري لا يصلى على المرجوم لكن الأحاديث ترده (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي (باب الصلاة على الطفل) (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ نَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا فَلَمْ يُصَلِّ

باب الصلاة على الطفل

عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. (ش) (ابن إسحاق) محمَّد (قوله فلم يصل عليه رسول الله) لعل المراد لم يصل عليه في جماعة، فلا ينافي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى عليه وحده، أو أنه لم يصل عليه بنفسه لما قيل من أنه كان مشغولًا بصلاة الكسوف وصلى عليه غيره. فقد تقدم أن الشمس قد كسفت يوم وفاة إبراهيم. وقال الخطابي كان بعض أهل العلم يتأوله على أنه إنما ترك الصلاة عليه لأنه قد استغنى ببنوة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن قربة الصلاة عليه كما استغنى الشهداء بقربة الشهادة عن الصلاة عليهم اهـ. وسيأتي للمصنف عن عطاء مرسلًا أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى على ابنه إبراهيم. وهذا أولى الأمرين وإن كان حديث الباب أحسن اتصالًا. ولكن يقوي رواية عطاء عموم مشروعية الصلاة على الأطفال والأحاديث الآتية في الباب (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبزار وأبو يعلي (ص) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ دَاوُدَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَهِيَّ قَالَ لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَقَاعِدِ. (ش) (رجال الحديث) (وائل بن داود) أبو بكر التيمي الكوفي. روى عن عكرمة ومسلم بن يسار وإبراهيم النخعي وعبد الرحمن بن حبيب وغيرها. وعنه السفيانان وشعبة ويحيى القطان وشريك وجماعة. وثقه أحمد والخليلي وقال البزار وابن أبي حاتم صالح الحديث وقال في التقريب ثقة من السادسة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي و (البهي) عبد الله بن بشار (معنى الحديث) (قوله صلى عليه رسول الله في المقاعد) جمع مقعد وهو موضع قعود الناس في الأسواق وغيرها. والمراد هنا مقاعد عند دار عثمان أو موضع بقرب المسجد اتخذ للقعود فيه والوضوء. والمراد صلى عليه وحده أو أمر أن يصلى عليه غيره كما تقدم فلا تنافي بين الروايتين. وعلى فرض عدم إمكان الجمع بينهما فترجح رواية الإثبات على رواية النفي لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ والمثبت مقدم على النافي. ورواية الإثبات وإن كانت مرسلة فقد ورد ما يقويها. من ذلك ما رواه ابن ماجه في سننه من طريق مقسم عن ابن عباس قال: لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى

باب الصلاة على الجنازة في المسجد

عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه، على آله وسلم وقال إن له مرضعًا في الجنة (الحديث) ومنها ما رواه الإِمام أحمد في مسنده عن البراء قال: صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ابنه إبراهيم. ومات وهو ابن ستة عشر شهرًا. ورواه البيهقي وقال: قد أثبتوا صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ابنه إبراهيم، وذلك أولى من رواية من روى أنه لم يصل عليه وساق آثارًا في صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ابنه إبراهيم وقال: فهذه الآثار وإن كانت مراسيل فهي تشد الموصول وبعضها يشد بعضًا اهـ. وروى ابن أبي شيبة في مصنفه قال ثنا وكيع عن سفيان عن جابر الجعفي عن الشعبي أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى على ابنه إبراهيم ولم يذكر البراء فيه. وكذلك رواه عبد الرزاق في مصنفه مرسلًا. ومنها ما رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده عن أنس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلي عل ابنه إبراهيم وكبر عليه أربعًا. ورواه ابن سعد في الطبقات أيضًا عن أنس. ومنها ما رواه البزار في مسنده عن أبي سعيد الخدري بلفظ أبي يعلى الموصلي (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية الصلاة على الطفل. وعلى أن الصلاة على الجنازة تكون خارج المسجد (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبيهقي والبزار وأبو يعلى (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَرَأْتُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ يَعْقُوبَ الطَّالْقَانِيِّ قِيلَ لَهُ حَدَّثَكُمُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى عَلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ لَيْلَةً. (ش) (قوله حدثكم ابن المبارك) أي أحدثكم؟ وفي بعض النسخ قيل له حدثكم وجواب الاستفهام محذوف أي قال نعم (قوله وهو ابن سبعين ليلة) ينافي هذا ما تقدم عن عائشة من أنه مات وهو ابن ثمانية عشر شهرًا، ورواية عائشة أرجح لاتصالها وقد صححها ابن حزم (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي (باب الصلاة على الجنازة في المسجد) أتجوز أم لا (ص) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ عَجْلاَنَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ وَاللَّهِ مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ

صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على ابني بيضاء في المسجد

-صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى سُهَيْلِ ابْنِ الْبَيْضَاءِ إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ. (ش) (رجال الحديث) (صالح بن عجلان) حجازي. روى عن عباد بنا عبد الله وعنه فليح بن سليمان وسليمان بن بلال. ذكره ابن حبان في الثقات. وقال في التقريب مقبول من السابعة. روى له أبو داود وابن ماجه. و(محمَّد بن عبد الله بن عباد) ويقال محمَّد بن عباد بن عبد الله بن الزبير قال الحافظ وهو الأشبه. روى عن حسين بن عبد الرحمن وعباد ابن عبد الله، وعنه فليح بن سليمان. قال أبو حاتم مجهول وقال في التقريب مجهول من السادسة روى له أبو داود (معنى الحديث) (قوله والله ما صلى رسول الله الخ) ذكرت هذا وأقسمت عليه لما أنكر الصحابة عليها إدخال سعد بن أبي وقاص المسجد ففي رواية مسلم عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة أنها أمرت أن يمر بجنازة سعد في المسجد فتصلي عليه فأنكر الناس ذلك عليها فقالت: ما أسرع ما نسي الناس، ما صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على سهيل ابن البيضاء إلا في المسجد. وفي رواية له أيضًا عنها لما توفي سعد بن أبي وقاص أرسل أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يمروا بجنازته في المسجد فيصلين عليه ففعلوا فوقف به على حجرهن يصلين عليه ثم أخرج به من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد فبلغهن أن الناس عابوا ذلك وقالوا: ما كانت الجنائز يدخل بها المسجد فبلغ ذلك عائشة فقالت: ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به عابوا علينا أن يمر بجنازة في المسجد، وما صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على سهيل ابن بيضاء إلا في جوف المسجد. و(سهيل ابن البيضاء) أبوه وهب بن ربيعة وأمه دعد والبيضاء وصف لها وكان من السابقين إلى الإِسلام وهاجر إلى الحبشة ثم عاد إلى مكة ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدرًا وغيرها. توفي سنة تسع من الهجرة (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والنسائي وابن ماجه والبيهقي والترمذي (ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنِ الضَّحَّاكِ -يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ- عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ وَاللَّهِ لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ سُهَيْلٍ وَأَخِيهِ. (ش) (ابن أبي فديك) محمَّد بن إسماعيل: تقدم بالثالث ص 17 و (أبو النضر) سالم بن أبي أمية

الخلاف في الصلاة على الميت في المسجد

و (أبو سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف (قوله صلى رسول الله على ابني بيضاء سهيل وأخيه) صفوان كما قاله أبو نعيم (وفي هذا الحديث والذي قبله) دلالة على جواز الصلاة على الميت في المسجد وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وابن حبيب من المالكية. وهو رواية عن مالك وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وعمر. وهو مذهب عائشة وسائر أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكثير من الفقهاء. مستدلين بحديثي الباب. وبما رواه سعيد بن منصور في سننه أنه صلى على أبي بكر في المسجد. وعن ابن عمر أنه صلى على عمر في المسجد. وبما رواه ابن أبي شيبة أن عمر صلى على أبي بكر في المسجد وأن صهيبًا صلى على عمر في المسجد وقال أبو حنيفة ومالك في المشهور عنه وابن أبي ذئب تكره الصلاة على الميت في المسجد واحتجوا بما في بعض نسخ المصنف من حديث أبي هريرة الآتي "من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له" وبأن المسجد بني لأداء المكتوبات وتوابعها من النوافل والذكر وتدريس العلم ولأنه يحتمل أنه إذا أدخل الميت المسجد أن يخرج منه ما يلوثه. وأجابوا عن حديث عائشة بأن صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ابني بيضاء في المسجد كانت واقعة حال لا عموم لها لجواز أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان وقتئذ معتكفًا في المسجد، ويحتمل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل ذلك لبيان الجواز فلا ينافي الكراهة، ولو كان ذلك سنة في كل ميت لكان مستقرًا عند الصحابة فلم ينكروا على عائشة أمرها بإدخال جنازة سعد بن أبي وقاص المسجد ولقالت في الحديث كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي على الجنائر في المسجد. وما كانت تخصص ابني بيضاء بالذكر. وأجابوا عما روي من أنه صلي على أبي بكر وعمر في المسجد، بأنه لس صريحًا في أنهما كانا داخل المسجد لاحتمال أنهما كانا خارج المسجد وأن المصلين كانوا داخله. وعلى أنهما كانا داخل المسجد فيجوز أنهما أدخلا فيه ليصلى عليهما أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما أدخل سعد لذلك. والظاهر من الأدلة إباحة الصلاة على الجنازة في المسجد من غير كراهة لما علمته من صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ابني بيضاء في المسجد وصلاة الصحابة على أبي بكر وعمر كذلك، وأنها في غير المسجد أفضل لما تقدم من إنكار الصحابة رضي الله تعالى عنهم على عائشة أمرها بالصلاة على جنازة سعد في المسجد فلو كانت الصلاة على الجنازة فيه مشهورة لما أنكروا عليها فإنكارهم دليل على ندرة ذلك (قال ابن رشد) إنكار الصحابة على عائشة يدل على أن المشتهر بينهم الصلاة على الجنازة خارج المسجد ويشهد لذلك بروزه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للمصلى لصلاته على النجاشي اهـ ببعض تصرف. (وقال في الهدى) كان من هديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الإسراع بتجهيز الميت إلى الله وتطهيره وتنظيفه وتطييبه وتكفينه في الثياب البيض ثم يؤتى

بيان روايات وحال حديث "من صلى على جنازة في المسجد لا شيء له"

به إليه فيصلي عليه بعد أن كان يدعى إلى الميت عند احتضاره فيقيم عنده حتى يقضى ثم يحضر تجهيزه ثم يصلي عليه ويشيعه إلى قبره، ثم رأى الصحابة أن ذلك يشق عليه فكانوا إذا قضى الميت دعوة فحضر تجهيزه وغسله وتكفينه، ثم رأوا أن ذلك يشق عليه فكانوا يجهزون ميتهم ويحملونه إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على سريره فيصلي عليه خارج المسجد ولم يكن من هديه الراتب الصلاة عليه في المسجد، وإنما كان يصلي على الجنازة خارج المسجد وربما كان يصلي أحيانًا على الميت في المسجد كما صلى على سهيل ابن بيضاء وأخيه في المسجد ولكن لم يكن ذلك سنته وعادته (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنِي صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلاَ شَيْءَ لَهُ". (شَ) (يحيى) بن سعيد القطان. و (ابن أبي ذئب) محمَّد بن عبد الرحمن بن المغيرة (قوله فلا شيء له) هكذا في أكثر النسخ قال الخطيب وهو المحفوظ اهـ أي فلا شيء له من الثواب. ورواه ابن ماجه بلفظ فليس له شيء. ورواه ابن أبي شيبة بلفظ فلا صلاة له. وعليه فيكون الحديث من أدلة القائلين بكراهة الصلاة على الجنازة في المسجد. وفي بعض النسخ فلا شيء عليه أي من الإثم قال النووي الذي في النسخ المشهورة المحققة المسموعة من سنن أبي داود "من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه" اهـ وعليه فالحديث من أدلة القائلين بمشروعية صلاة الجنازة في المسجد، والظاهر أن اللام في الروايات الأولى بمعنى على جمعًا بين الأحاديث (والحديث) فيه مقال لأن في إسناده صالحًا مولى التوأمة وقد تكلم فيه غير واحد. قال أحمد بن حنبل هذا حديث ضعيف تفرد به صالح مولى التوأمة وهو ضعيف وقال العيني ورواه ابن عدي في الكامل بلفظ أبي داود، وعده من منكرات صالح ثم أسند إلى شعبة أنه كان لا يروي عنه وينهى عنه. وأسند إلى مالك أنه قال لا تأخذوا عنه شيئًا فإنه ليس بثقة. وأسند إلى النسائي أنه قال فيه ضعيف وقال ابن حبان في كتاب الضعفاء اختلط في آخر عمره ولم تتميز الأحاديث التي رويت عنه قبل الاختلاط عن الأحاديث التي رويت عنه بعده فاستحق الترك ثم ذكر له هذا الحديث وقال إنه باطل اهـ كلام العيني ببعض تصرف (وفي أحاديث الباب) دلالة على مشروعية الصلاة على الجنازة في المسجد، وهذا لا ينافي أن الصلاة عليها خارج المسجد أفضل خروجًا عن القول بكراهتها فيه (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي بلفظ فلا شيء له وأخرجه ابن ماجه وابن أبي شيبة بلفظ تقدم

باب الدفن عند طلوع الشمس وعند غروبها الخلاف في الصلاة على الجنازة في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها

(باب الدفن عند طلوع الشمس وعند غروبها) أهو جائز أم لا (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ نَا مُوسَى بْنُ عُلَيِّ بْنِ رَبَاحٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ قَالَ ثَلاَثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ أَوْ كَمَا قَالَ. (ش) (وكيع) بن الجراح. و (موسى بن علي) بضم العين المهملة تقدم بالثامن صفحة 102 (قوله أو تفسير الخ) أي ندفن من بابي نصر وضرب يقال قبرته إذا دفنته وأقبرته إذا جعلت له قبرًا يوارى فيه. وهو باق على ظاهره عند الأكثر: وقال ابن المبارك والحنفية والشافعية معنى أن نقبر فيهن موتانا الصلاة على الجنازة لحديث عقبة قال: نهانا النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم أن نصلي على موتانا عند طلوع الشمس الحديث رواه ابن دقيق العيد (قوله بازغة) أي طالعة ظاهرة فهي حال مؤكدة (قوله حتى ترتفع) أي إلى أن ترتفع كرمح في رأى العين كما صرح به في حديث عمرو بن عبسة في (باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة) صفحة 172 من السابع (قوله حين يقوم قائم الظهيرة الخ) أي حين لا يبقى للقائم ظل وقت الزوال في المشرق ولا في المغرب. قال في النهاية قائم الظهيرة قيام الشمس وقت الزوال من قولهم قامت به دابته أي وقفت. والمعنى أن الشمس إذا بلغت وسط السماء أبطأت حركة الظل إلى أن تزول فيحسب الناظر المتأمل أنها قد وقفت وهي سائرة لكن سيرًا لا يظهر له أثر سريع فيقال لذلك الوقوف المشاهد قائم الظهيرة اهـ ببعض تصرف. وقال ابن الملك وقت الظهر تكون الشمس واقفة عن السير وتثبت في كبد السماء لحظة ثم تسير اهـ. والظاهر ما أفاده في النهاية من أنها لا تقف. وقوله حتى تميل أي عن وسط السماء إلى جهة المغرب. وميلها هو الزوال (قوله حين تضيف الخ) أي تتضيف ففيه حذف إحدى التاءين، وقد صرح بها في بعض النسخ. والمعنى حتى تميل وتجنح للغروب يقال ضاف الشيء مال (والحديث) يدل على النهي عن الصلاة والدفن في هذه الأوقات. واختلف العلماء في ذلك. فذهب أحمد وإسحاق والثوري وعطاء والنخعي والأوزاعي إلى كراهة الصلاة على الجنازة في هذه الأوقات مستدلين بهذا الحديث وأمثاله وحملوا النهي فيها على الكراهة. وروى ذلك عن ابن عمر قالت الحنفية، إلا إذا

الخلاف في الدفن فيها

حضرت الجنازة في هذه الأوقات فتجوز الصلاة عليها حينئذ بلا كراهة، وقالت المالكية تحرم الصلاة على الجنازة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها ووقت خطبة الجمعة وتجوز بعد صلاة الصبح إلى الإسفار وتكره منه إلى طلوع الشمس وبعد الطلوع إلى أن ترتفع قدر رمح وبعد صلاة العصر إلى الاصفرار، وتكره منه إلى أن تأخذ الشمس في الغروب. وذهبت الشافعية إلى جواز الصلاة على الجنازة في هذه الأوقات بلا كراهة إلا أن يتحرى إيقاعها فيها فتكره وقالوا إن النهي في هذا الحديث على من تعمد تأخيرها إلى هذه الأوقات. وقال ابن حزم لا تكره صلاة الجنازة في هذه الأوقات، والنهي عن الصلاة فيها إنما هو عن صلاة التطوع المتعمد ابتداؤها في هذه الأوقات لا كل صلاة مأمور بها اهـ بتصرف. واختلفوا أيضًا في هذه الأوقات فذهب ابن حزم إلى حرمته فيها عملًا بظاهر النهي. وذهبت الجنابلة إلى الكراهة. وقالت الحنفية والشافعية لا يكره الدفن في هذه الأوقات إلا أن يتحرى ذلك فيها فيكره. ومحل الخلاف ما لم يخش تغير الميت وإلا فلا نعلم خلافًا في الجواز. وتقدم تمام الكلام على الصلاة في الأوقات المكروهة في (باب من رخص فيهما "يعني الركعتين بعد العصر" إذا كانت الشمس مرتفعة) (قوله أو كما قال) هذه كلمة تقال لتحري الصدق عند عدم الجزم بالألفاظ التي سمعت. (فقه الحديث) دل الحديث على النهي عن الصلاة والدفن في هذه الأوقات المذكورة. (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي (باب إذا حضر جنائز رجال ونساء من يقدم) أي أيها يقدم إلى جهة الإِمام؟ (ص) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيُّ نَا ابْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ صُبَيْحٍ حَدَّثَنِي عَمَّارٌ مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ أَنَّهُ شَهِدَ جَنَازَةَ أُمِّ كُلْثُومٍ وَابْنِهَا فَجُعِلَ الْغُلاَمُ مِمَّا يَلِي الإِمَامَ فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ وَفِي الْقَوْمِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَأَبُو قَتَادَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالُوا هَذِهِ السُّنَّةُ. (ش) (رجال الحديث) (يحيى بن صبيح) بفتح الصاد المهملة أبو عبد الرحمن الخراساني ويقال أبو بكر المقري. روى عن قتادة وعمرو بن دينار وعبيد الله بن أبي بن يزيد ويحيى ابن سعيد الأنصاري. وعنه إبراهيم بن طهمان وابن عيينة والقطان. وثقه أبو داود والحاكم وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم لا بأس به وقال في التقريب صدوق من كبار السابعة

الخلاف فيمن يلي الإمام ممن ذكر

توفي بمكة. روى له مسلم والترمذي. و (عمار مولى الحارث) بن نوفل ويقال مولى بني هاشم أبو عمر. روى عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وأبي قتادة وغيرهم. وعنه نافع وعطاء بن أبي رباح وشعبة ومعمر وآخرون. وثقه أحمد وأبو داود وأبو زرعة وأبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان يخطئ وفي التقريب صدوق من الثالثة ربما أخطأ روى له مسلم والأربعة (معنى الحديث) (قوله أم كلثوم) هي بنت علي بن أبي طالب زوج عمر بن الخطاب و (ابنها) زيد الأكبر ابن عمر: مات هو وأمه في وقت واحد ولم يدر أيهما مات أولًا فلم يتوارثا (قوله فجعل الغلام) بالبناء للمجهول. وفي رواية النسائي حضرت جنازة صبي وامرأة فقدم الصبي مما يلي القوم ووضعت المرأة وراءه (قوله فأنكرت ذلك وفي القوم الخ) أي قال عمار فأنكرت وضع الغلام جهة الإِمام والمرأة جهة القبلة. وفي رواية البيهقي وفي القوم الحسن والحسين وابن عمر وأبو هريرة ونحو من ثمانين نفسًا من أصحاب النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "وفي الحديث" دلالة على أنه إذا وجد جنازة صبيّ وامرأة وضع الصبي مما يلي الإِمام والمرأة جهة القبلة وكذلك إذا اجتمع رجل وصبي وخنثى وامرأة فيجعل الرجل جهة الإِمام ويليه الصبي ثم الخنثى ثم المرأة جهة القبلة. وإلى ذلك ذهب الشعبي وسعيد ابن المسيب وعطاء والنخعي والزهري ويحي الأنصاري ومالك والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق والحنفية وبه قال من الصحابة عثمان بن عفان وعلي وابن عمرو وابن عباس والحسن والحسين وزيد بن ثابت وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري مستدلين بحديث الباب. وقال الحسن والقاسم ابن محمَّد وسالم بن عبد الله يجعل النساء مما يلي الإِمام والرجال مما يلي القبلة ليلى القبلة الأفضل وهذا استدلال عقلي والراجح الأول لقول الصحابة هذه السنة. (أي هذه الكيفية هي السنة) (فقه الحديث) دل الحديث على جواز جمع جنازتين في صلاة واحدة. وعلى أنه يجعل الذكر مما يلي الإِمام ثم الأنثى جهة القبلة (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي من طريق عطاء بن أبي رباح عن عمار وأخرج نحوه مطولًا من حديث ابن جريج قال سمعت نافعًا يزعم أن ابن عمر صلى على تسع جنائز جميعًا فجعل الرجال يلون الإِمام والنساء يلين القبلة فصفهن صفًا واحدًا ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي امرأة عمر بن الخطاب وابن لها يقال له زيد وضعا جميعًا والإمام (أي الأمير) يومئذ سعيد بن العاص وفي الناس ابن عمر وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة فوضع الغلام مما يلي الإِمام فقال رجل فأنكرت ذلك فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة فقلت ما هذا؟ قالوا هي السنة

باب أين يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه

(باب أين يقوم الإِمام من الميت إذا صلى عليه) (ص) حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ مُعَاذٍ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ نَافِعٍ أَبِي غَالِبٍ قَالَ كُنْتُ فِي سِكَّةِ الْمِرْبَدِ فَمَرَّتْ جَنَازَةٌ مَعَهَا نَاسٌ كَثِيرٌ قَالُوا جَنَازَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ فَتَبِعْتُهَا فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ عَلَيْهِ كِسَاءٌ رَقِيقٌ عَلَى بُرَيْذِينَةٍ وَعَلَى رَأْسِهِ خِرْقَةٌ تَقِيهِ مِنَ الشَّمْسِ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا الدِّهْقَانُ؟ قَالُوا هَذَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. فَلَمَّا وُضِعَتِ الْجَنَازَةُ قَامَ أَنَسٌ فَصَلَّى عَلَيْهَا وَأَنَا خَلْفَهُ لاَ يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ لَمْ يُطِلْ وَلَمْ يُسْرِعْ ثُمَّ ذَهَبَ يَقْعُدُ فَقَالُوا يَا أَبَا حَمْزَةَ الْمَرْأَةُ الأَنْصَارِيَّةُ فَقَرَّبُوهَا وَعَلَيْهَا نَعْشٌ أَخْضَرُ فَقَامَ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا نَحْوَ صَلاَتِهِ عَلَى الرَّجُلِ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ الْعَلاَءُ بْنُ زِيَادٍ يَا أَبَا حَمْزَةَ هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي عَلَى الْجَنَازَةِ كَصَلاَتِكَ يُكَبِّرُ عَلَيْهَا أَرْبَعًا وَيَقُومُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَعَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ قَالَ نَعَمْ. قَالَ يَا أَبَا حَمْزَةَ غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ نَعَمْ غَزَوْتُ مَعَهُ حُنَيْنًا فَخَرَجَ الْمُشْرِكُونَ فَحَمَلُوا عَلَيْنَا حَتَّى رَأَيْنَا خَيْلَنَا وَرَاءَ ظُهُورِنَا وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ يَحْمِلُ عَلَيْنَا فَيَدُقُّنَا وَيَحْطِمُنَا فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ وَجَعَلَ يُجَاءُ بِهِمْ فَيُبَايِعُونَهُ عَلَى الإِسْلاَمِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِنَّ عَلَيَّ نَذْرًا إِنْ جَاءَ اللَّهُ بِالرَّجُلِ الَّذِي كَانَ مُنْذُ الْيَوْمِ يَحْطِمُنَا لأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ. فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَجِيءَ بِالرَّجُلِ فَلَمَّا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُبْتُ إِلَى اللَّهِ. فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لاَ يُبَايِعُهُ لِيَفِيَ الآخَرُ بِنَذْرِهِ. قَالَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ

يَتَصَدَّى لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لِيَأْمُرَهُ بِقَتْلِهِ وَجَعَلَ يَهَابُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَقْتُلَهُ فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ لاَ يَصْنَعُ شَيْئًا بَايَعَهُ فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَذْرِي. فَقَالَ "إِنِّي لَمْ أُمْسِكْ عَنْهُ مُنْذُ الْيَوْمِ إِلاَّ لِتُوفِيَ بِنَذْرِكَ". فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ أَوْمَضْتَ إِلَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُومِضَ". قَالَ أَبُو غَالِبٍ فَسَأَلْتُ عَنْ صَنِيعِ أَنَسٍ فِي قِيَامِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا فَحَدَّثُونِي أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ لأَنَّهُ لَمْ تَكُنِ النُّعُوشُ فَكَانَ الإِمَامُ يَقُومُ حِيَالَ عَجِيزَتِهَا يَسْتُرُهَا مِنَ الْقَوْمِ. (ش) (رجال الحديث) (داود بن معاذ) العتكي أبو سليمان البصري. روى عن مخلد ابن الحسين وعبد الوارث بن سعيد وحماد بن زيد وغيرهم. وعنه أبو داود وعثمان بن خرزاذ وجعفر الفريابي ويوسف بن سعيد بن مسلم وغيرهم. وثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات وقال محمَّد بن هارون المصيصي إنه كان من أفضل خلق الله ولم يتوسد الفراش ولم يأكل الأدم ولم يرفع رأسه إلى السماء أربعين سنة وصبر أيام المحنة وقام لها قيامًا لم يقمه أحد روى له أبو داود والنسائي. و(نافع أبو غالب) يقال اسمه رافع الباهلي مولاهم الخياط البصري. روى عن أنس ابن مالك والعلاء بن زياد العدوي. وعنه همام بن يحيى وعبد الوارث بن سعيد وعبد الرحمن أبى الصهباء وثقه ابن معين وأبو حاتم وموسى بن هارون الحمال وذكره ابن حبان في الثقات وقال لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد، روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله في سكة المربد) السكة الطريقة المصطفة من النخل ومنها قيل للأزقة السكة لاصطفاف الدور فيها. والمربد بكسر الميم وسكون الراء وفتح الموحدة الموضع الذي تحبس فيه الإبل والغنم وبه سمي مربد المدينة والبصرة (قوله عبد الله بن عمير) مصغرًا وفي بعض النسخ عبد الله بن عمر. وليس هذا عبد الله بن عمر بن الخطاب فان أنس بن مالك كان مقيمًا بالبصرة أما ابن عمر فتوفي بمكة ودفن بذي طوى كما ذكره الحاكم (وابن عمير) هذا لعله أبو محمد مولى أم الفضل أو ابنها عبد الله بن عباس. قال ابن سعد توفي سنة سبع عشرة ومائة وكان ثقة قليل الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن المنذر لا يعرف إلا في حديث عاشورا. (قوله

كيف كان نعش السيدة فاطمة الزهراء؟

على بريذينة) وفي بعض النسخ بريذينته تصغير برذون، والبرذون يقع على الذكر والأنثى وهو التركي من الخيل وربما قالوا في الأنثى برذونة (قوله الدهقان) بكسر الدال المهملة وضمها يطلق على رئيس القرية ومقدم الناس وعلى من له مال وعقار ويجمع على دهاقين، المراد هنا الأول (قوله لا يحول بيني وبينه شيء) غرضه بهذا بيان أنه متثبت مما حدث به (قول يا أبا حمزة) كنية أنس بن مالك (قوله المرأة الأنصارية) بالرفع خبر لمبتدأ محذوف أي هذه جنازتها فصل عليها. ويحتمل أن تكون بالنصب مفعولًا لمحذوف أي احضر المرأة الأنصارية فصل عليها وفي رواية الترمذي ثم جاءوا بجنازة امرأة من قريش فقالوا يا أبا حمزة صل عليها. ولا منافاة بينهما لاحتمال أن المرأة كانت قرشية باعتبار أصلها ونسبت إلى الأنصار لتزوجها فيهم (قوله وعليها نعش أخضر) النعش في الأصل الذي يحمل عليه الميت، وإذا لم يكن عليه ميت فهو سرير والمراد هنا ثوب يوضع على أعواد من جريد أو قصب أو خشب تجعل كالقبة فرق سرير المرأة ليسترها. قال ابن عبد البر أول من صنع له ذلك فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم اهـ فقد روى البيهقي من طريق قتيبة بن سعيد قال ثنا محمَّد بن موسى عن عون بن محمَّد بن علي ابن أبي طالب عن أمه أم جعفر بنت محمَّد بن جعفر وعن عمارة بن مهاجر عن أم جعفر أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت: يا أسماء إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء: إنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها فقالت أسماء يا بنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا أريك شيئًا رأيته بأرض الحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبًا فقالت فاطمة رضي الله عنها ما أحسن هذا وأجمله يعرف به الرجل من المرأة، فإذا أنا مت فاغسليني أنت وعلي رضي الله عنه ولا تدخلي على أحدًا فلما توفيت رضي الله عنها جاءت عائشة رضي الله عنها تدخل فقالت أسماء لا تدخلي فشكت لأبي بكر فقالت إن هذه الخثعمية تحول بيني وبين ابنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد جعلت لها مثل هودج العروس، فجاء أبو بكر رضي الله عنه فوقف على الباب وقال يا أسماء ما حملك أن منعت أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وجعلت لها مثل هودج العروس؟ فقالت أمرتني ألا تدخلي عليّ أحدًا وأريتها هذا الذي صنعت وهي حية فأمرتني أن أصنع ذلك لها. فقال أبو بكر رضي الله عنه فاصنعي ما أمرتك. ثم انصرف وغسلها علي وأسماء رضي الله عنهما (قوله فقام عند عجيزتها الخ) أي مؤخرها وعجز الشيء مؤخره (قوله فقال العلاء بن زياد الخ) قال ذلك حينما رأى اختلاف قيام أنس علي الرجل والمرأة، وقوله هكذا بتقدير همزة الاستفهام أي أهكذا كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي على الجنازة مثل صلاتك؟ وكذا قوله غزوت على تقدير همزة الاستفهام. و"العلاء بن زياد" بن مطر البصري العابد المشهور

الخلاف في موقف الإمام حال صلاة الجنازة

التابعي الثقة (قوله فحملوا علينا الخ)، يعني صالوا علينا ففررنا أمامهم فقوله حتى رأينا خيلنا وراء ظهورنا أي تنهزم وراءنا (قوله فيدقنا ويحطمنا) أي يكسرنا، ويدق بضم الدال المهملة من باب قتل يقال دققت الشيء أدقه دقًا طحنته. ويحطم بكسر الطاء المهملة من باب ضرب يقال حطمت الشيء إذ كسرته وحطمته بالتشديد مبالغة فيه أما حطم يحطم من باب تعب إذا تكسر فليس مرادًا هنا (قوله فهزمهم الله وجعل يجاء بهم الخ) أي هزم الله أولئك الأعداء وصارت الصحابة تأتي بهم إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليعاهدوه على الإِسلام فنذر صحابي لم نقف على اسمه أن يقتل الرجل الذي كان يحمل على المسلمين (قوله فجعل الرجل الخ) أي شرع الصحابي الذي نذر أن يضرب عنق الرجل الذي كان يحمل على المسلمين يترقب إشارة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليأمره بقتله فيفي بنذره (قوله أنه لا يصنع) أي لما رأى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن الرجل الناذر لم يف بنذره فيقتل ذلك الرجل قبل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توبة ذلك الرجل وعاهده (قوله قال يا رسول الله نذري الخ) يعني قال نذري ما أوفيت به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لم أمسك عن مبايعته إلا لتفى بنذرك: لا يقال كيف يرضى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقتل المشرك الذي جاء تائبًا وفاء بنذر ذلك الصحابي مع أنه متى أسلم الكافر لا يجوز قتله بحال. لأنا نقول ذلك المشرك لم يتحقق إسلامه بعد حيث لم يثبت نطقه بالشهادتين ولم يقبل منه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، أو أن الوفاء بالنذر بقتل الكافر كان مقدمًا على إسلامه في ذلك الحين ثم نسخ بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله (الحديث) كما هو ثابت في آخر هذا الحديث في بعض نسخ "المصنف" (قوله ألا أومضت إليّ؟ ) أي هلا أشرت إليّ إشارة خفية لأقتله: يقال أومض البرق إذا لمع لمعانًا خفيًا (قوله ليس لنبيّ أن يومض) يعني أنه لا يجوز لنبي أن يضمر شيئًا ويظهر خلافه لأن الله عَزَّ وَجَلَّ إنما بعثه لإظهار الدين وإعلان الحق، فلو أمن صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك الرجل ظاهرًا وأشار خفية إلى قتله لكان خداعًا وهو لا يجوز في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (قوله فسألت عن صنيع أنس الخ) أي سألت أهل العلم عن الحكمة في قيام أنس عند عجيزة المرأة هل هي مجرد اتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أوله فائدة أخرى؟ فأجابوه بأنه لم يكن في الزمن السالف قباب توضع على سرير المرأة لتسترها عن أعين الناس فكان يقوم الإِمام حيال عجيزتها ليسترها عن أعين القوم، وأما الآن فقد اتخذت القباب على جنازة المرأة فوقوف الإِمام الآن حذاء عجيزتها إنما يقصد به مجروإلاتباع "وفي الحديث" دلالة على أن الإِمام في صلاة الجنازة يقف عند رأس الرجل وإزاء عجيزة المرأة. وإلى ذلك ذهبت الشافعية وداود وابن حزم وأصحاب

الأفضل وقوفه عند رأس الرجل وعند وسط المرأة

الحديث. وقالت الحنابلة يقف عند صدر الرجل ووسط المرأة وهو قول للشافعي قريب من الأول فإن المسألة تقريبية. وقالت الحنفية يقف عند صدر الرجل والمرأة جميعًا، وفي رواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف يقف من الرجل عند رأسه ومن المرأة عند وسطها واختاره الطحاوي حيث قال وهذا أحب إلينا فقد قوته الآثار التي قد رويناها عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ بتصرف والآثار التي أشار هي حديثًا الباب. وقالت المالكية يقف عند وسط الذكر وحذو منكبي غيره من أنثى أو خنثى لئلا يتذكر ما ينافي الصلاة إذا وقف عند وسط غير الذكر قالوا وقوفه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وسط المرأة لعصمته من تذكر ما ينافي الصلاة. ويجعل الإِمام رأس الميت عن يمينه إلا في الروضة الشريفة فيجعل رأسه عن يساره تجاه رأس النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وقال الهادي يقف حذاء رأس الرجل وثدي المرأة واستدل بفعل علي عليه السلام. قال أبو طالب وهو رأى أهل البيت لا يختلفون فيه. وقال القاسم يستقبل صدر المرأة ويقف بين الصدر والسرّة من الرجل. وقال الحسن يقف حيث شاء منهما. والظاهر الذي تشهد له الأدلة ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة قال في النيل بعد حكايته المذاهب المذكورة قد عرفت أن الأدلة دلت على ما ذهب إليه الشافعي وأن ما عداه لا مستند له من المرفوع بل مجرد التعويل على محض الرأي أو ترجيح ما فعله الصحابي على ما فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل اهـ بتصرف (وقال) قى الروضة الندية بعد أن ساق حديثى الباب والخلاف في المسألة: والثابت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان يقف مقابلًا لرأس الرجل ولم يثبت عنه غير ذلك، وأما المرأة فروي أنه كان يقوم مقابلًا لوسطها، وروي أنه كان يقوم مقابلًا لعجيزتها ولا منافاة بين الروايتين فالعجيزة يصدق عليها أنها وسط "وإيثار" ما ثبت عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند أئمة الفن الذين هم المرجع لغيرهم "واجب" ولم يقل أحد من أهل العلم بترجيح قول أحد من الصحابة أو من غيرهم على قول رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفعله وهذا مما لا ينبغي أن يخفى اهـ والخلاف المذكور إنما هو في الأولى والأكمل فلو استقبل الإِمام أي جزء من الرجل أو المرأة صحت صلاته. وفي بعض النسخ في آخر هذا الحديث زيادة قوله "قال أبو داود قول النبي صلى الله تعالى عليه وصلى آله وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولا لا إله إلا الله نسخ من هذا الحديث الوفاء بالنذر في قتله بقوله إني قد تبت" (فقه الحديث) دل الحديث زيادة علي ما تقدم على استحباب التوسط في صلاة الجنازة. وعلى أن تكبيراتها أربع. وعلى أن من أسر من الكفار البالغين فالإمام مخير بين قتلهم وحقن دمائهم ما لم يسلموا، فمن أسلم حقن دمه. وعلى مشروعية النذر والوفاء به. وعلى أنه لا يجوز على

باب التكبير على الجنازة

الرسول أن يظهر خلاف ما يبطن (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد وابن ماجه وكذا الطحاوي والترمذي مختصرًا وحسنه والبيهقي مطولًا (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ عَلَيْهَا لِلصَّلاَةِ وَسَطَهَا. (ش) (مسدد) بن مسرهد (قوله صليت وراء النبي على امرأة) هي أم كعب كما في رواية النسائي (قوله وسطها) بفتح السين المهملة وتسكين يعني إزاء عجيزتها. وقال بعضهم من الوسط الصدر ولا يخفى بعده (وفي الحديث) دلالة على مشروعية الصلاة على النفساء وإن كانت من الشهداء فإن الشهيد الذي وقع الخلاف في الصلاة عليه إنما هو شهيد المعركة. وعلى أن الإِمام يقف تجاه وسط المرأة (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والبيهقي والترمذي وقال حديث حسن صحيح (باب التكبير إلى الجنازة) أي في بيان عدد التكبير في صلاة الجنازة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ قَالَ نَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِقَبْرٍ رَطْبٍ فَصَفُّوا عَلَيْهِ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا. فَقُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ مَنْ حَدَّثَكَ قَالَ الثِّقَةُ مَنْ شَهِدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ. (ش) هذا الحديث من رواية أبي بكر بن داسة لا من رواية اللؤلؤي، ولذا لم يذكره المنذري في سننه (ابن إدريس) عبد الله و (أبو إسحاق) سليمان بن فيروز الشيباني و (الشعبي) عامر بن شرحبيل (قوله مر بقبر رطب) أي لم يجف ترابه لقرب الدفن فيه (قوله فصفوا عليه الخ) يعني فصلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو وأصحابه على ذلك القبر صلاة الجنازة "ففيه دلالة" علي مشروعية صلاة الجنازة على القبر إذا كان الميت حديث عهد بالدفن. وسيأتي الكلام عليه "في باب الصلاة على القبر" وعلى أن التكبير في صلاة الجنازة أربع. وإلى ذلك ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والثوري وابن المبارك وإسحاق

الخلاف في عدد التكبير في صلاة الجنازة

وابن أبي أوفى وعطاء ومحمد بن الحنفية والأوزاعي، وقال به من الصحابة عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وزيد بن ثابت والحسن بن علي والبراء بن عازب وأبو هريرة. قال الترمذي العمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وغيرهم واستدلوا بحديث الباب، والذي قبله، وبما رواه البخاري ومسلم عن جابر وأبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى على النجاشي وكبر عليه أربعًا. وسيأتي للمصنف في (باب الصلاة على المسلم يموت في بلاد الشرك) وبما رواه الشافعي في الأم والحاكم والبيهقي عن إبراهيم بن محمَّد شيخ الشافعي عن عبد بن محمَّد بن عقيل عن جابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كبر على الميت أربعًا وإبراهيم وإن كان فيه مقال فحديثه يقوي الأحاديث الآخر. قال البيهقي: وممن روى الأربع عقبة بن عامر والبراء بن عازب وزيد بن ثابت وابن مسعود اهـ وذهب زيد بن أرقم وحذيفه بن اليمان والشيعة إلى أن التكبير على الجنازة خمس. واستدلوا بما رواه أحمد عن حذيفة أنه صلى على جنازة فكبر خمسًا ثم التفت فقال: ما نسيت ولا وهمت ولكن كبرت كما كبر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، صلى على جنازة فكبر خمسًا. وروي عن ابن مسعود أنه قال: التكبير تسع وسبع وخمس وأربع وكبر ما كبر الإِمام. وقال ابن عباس وأنس وجابر بن زيد يكبر ثلاثًا وبه قال ابن سيرين. وقال بكر بن عبد الله المزني لا ينقص عن ثلاث تكبيرات ولا يزاد على سبع. وروي عن أحمد أنه قال: لا ينقص عن أربع ولا يزاد على سبع. وقال علي يكبر ستًا. وروي عنه أنه كبر على أهل بدر ستًا، وعلى غيرهم من الصحابة خمسًا، وعلى سائر الناس أربعًا. والراجح ما ذهب إليه الأولون لما تقدم عند البخاري ومسلم. ولما رواه البيهقي عن أبي وائل قال: كانوا يكبرون على عهد رسول الله النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبعًا وخمسًا وستًا أو قال أربعًا، فجمع عمر أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخبر كل رجل بما رأى فجمعهم عمر على أربع تكبيرات كأطول الصلاة. ولما رواه أيضًا من طريق إبراهيم النخعي أنه قال اجتمع أصحاب رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بيت أبي مسعود فاجتمعوا على أن التكبير على الجنازة أربع. وروى أيضًا أن علي بن الجعد قال ثنا شعبة عن عمرو في مرة سمعت سعيد بن المسيب يقول إن عمر قال: كل ذلك قد كان أربعًا وخمسًا فاجتمعنا على أربع الحديث. ولما رواه الحاكم والدارقطني من طريق مبارك في فضالة عن الحسن عن أنس قال: كبرت الملائكة على آدم أربعًا، وكبر أبو بكر على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربعًا، وكبر عمر على أبي بكر أربعًا، وكبر صهيب على عمر أربعًا، وكبر الحسن على عليّ أربعًا، وكبر الحسين على الحسن أربعًا: قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. والمبارك بن فضالة من أهل الزهد والعلم مجيث لا يجرح مثله إلا أن الشيخين لم يخرجا له لسوء

الاتفاق على الاقتصار فيها على أربع تكبيرات

حفظه اهـ. وأخرج الحاكم أيضًا من طريق الفرات بن السائب الجزري عن ميمون بن مهران عن عبد الله بن عباس قال: آخر ما كبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الجنائز أربعًا، وكبر عمر أبي بكر أربعًا، وكبر عبد الله بن عمر على عمر أربعًا، وكبر الحسن بن عليّ على عليّ أربعًا، وكبر الحسين بن عليّ على الحسن أربعًا، وكبرت الملائكة على آدم أربعًا. قال الحاكم لست ممن يخفى عليه أن الفرات بن السائب ليس من شرط هذا الكتاب وإنما أخرجته شاهدًا اهـ. ولما أخرجه ابن عبد البر في الاستذكار من طريق أبي بكر بن سليمان ابن أبي حثمة عن أبيه: كان النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يكبر على الجنائز أربعًا وخمسا وستًا وسبعًا وثمانية حتى جاء موت النجاشي فخرج فكبر أربعًا تم ثبت صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على أربع حتى توفاه الله عَزَّ وَجَلَّ. ولما رواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان بسنده إلى ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يكبر على أهل بدر سبع تكبيرات، وعلي بني هاشم خمس تكبيرات، ثم كان آخر صلاته أربع تكبيرات إلى أن خرج من الدنيا. ولما رواه الدارقطني في سننه عن يحيى بن أبي أنيسة عن جابر عن الشعبي عن مسروق قال: صلى عمر على بعض أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسمعته يقول لأصلينّ عليها مثل آخر صلاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على مثلها، فكبر عليها أربعًا. ويحيى ابن أبي أنيسة وجابر الجعفي ضعيفان. ولما رواه محمَّد بن الحسن في كتاب الآثار أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي أن الناس كانوا يصلون على الجنائز خمسًا وستًا وأربعًا حتى قبض النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، ثم كبروا كذلك في ولاية أبي بكر الصديق، ثم ولي عمر بن الخطاب ففعلوا ذلك. فقال لهم عمر: إنكم معشر أصحاب محمَّد متى تختلفون تختلف الناس بعدكم والناس حديثو عهد بالجاهلية فأجمعوا على شيء يجمع عليه من بعدكم وترفضون ما سواه فوجدوا آخر جنازة كبر عليها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربعًا. قال العيني وفيه انقطاع بين إبراهيم وعمر رضي الله تعالى عنه. وقال ابن عبد البر انعقد الإجماع على أربع اهـ وقال القاضي عياض أجمع الفقهاء وأهل الفتوى بالأمصار على أربع لما جاء في الأحاديث الصحاح وما سوى ذاك عندهم شذوذ لا يلتفت إليه ولا نعلم أحدًا من فقهاء الأمصار يخمس إلا ابن أبي ليلى اهـ فلو زاد الإمام على أربع لا يتابعه المأموم عند الثوري وأبي حنيفة والشافعي، قالوا ولكن لا يسلم حتى يسلم الإِمام. وهو رواية عن أحمد، وروي عنه أيضًا أنه يتابعه إلى سبع، وقال زفر يتابعه لأنه مجتهد فيه فيتابع فيه المقتدي إمامه كما في تكبيرات العيدين. ورد بأن ما زاد على أربع منسوخ فلا يتابع فيه الإِمام لخطئه ق الذي المغني للحنابلة لا يختلف المذهب أنه لا تجوز الزيادة على سبع تكبيرات ولا النقص عن أربع والأولى ألا يزاد على أربع فإن كبر الإِمام خمسًا تابعه المأموم في ظاهر المذهب ولا يتابعه فما زاد عليها

المذاهب في رفع اليدين عند التكبير في صلاة الجنازة

وقالت المالكية إن زاد الإِمام على أربع عمدًا لم ينتظر سواء رآه مذهبًا أم لا، ويكره انتظاره بل يسلمون وصلاتهم صحيحة، كما أن صلاته كذلك، لأن التكبير في صلاة الجنازة ليس بمنزلة الركعات من كل وجه، فإن انتظروه فينبغى عدم البطلان، فإن زاد سهوًا أو جهلًا فيجب انتظاره علي المعتمد، فإن لم ينتظروه فينبغي الصحة، فإن شكوا هل زاد عمدًا أو سهوًا انتظروه على الظاهر فإن لم ينتظروه فالصلاة صحيحة. واختلف في مشروعية رفع اليدين عند كل تكبيرة. قال ابن المنذر: أجمعوا على أنه يرفع في أول تكبيرة اهـ. أما باقي التكبيرات فذهب ابن عمر وعمر بن عبد العزيز وعطاء والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر إلى أنه يرفع يديه في كل تكبيرة. واحتجوا بما رواه البيهقي عن ابن عمر بسند صحيح كما قال الحافظ وعلقه البخاري ووصله في جزء رفع اليدين في جميع تكبيرات الجنازة. ورواه الطبراني في الأوسط مرفوعًا وقال لم يروه عن نافع إلا عبد الله بن محرر. وتفرد به عباد بن صهيب وهما ضعيفان. ورواه الدارقطني من طريق بن يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن نافع عنه مرفوعًا، لكن قال في العلل تفرد برفعه عمر بن شبة عن يزيد بن هارون اهـ قال الشوكاني رواه الجماعة عن يزيد موقوفًا وهو الصواب. وقال أبو حنيفة والثوري وسالم والزهري وقيس بن أبي حازم لا يرفع إلا في الأولى. واستدلوا بما رواه الدارقطني من طريق معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يرفع يديه على الجنازة أول تكبيرة ثم لا يعود. لكنه ضعيف لا يصلح للاحتجاج به لأنه من طريق عبد الله بن نصير وقد ضعفه غير واحد. وقال ابن حبان يخطئ ويهم. وقال أبو داود تركوا حديثه. وعن مالك روايتان الرفع عند كل تكبيرة. وعدمه فما عدا الأولى وهو مشهور المذهب (قوله حدثني الثقة الخ) أي قال الشعبي حدثني بهذا الحديث الإِمام الثقة الذي شهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم يصلي على ذلك القبر وهو عبد الله بن عباس، فعبد الله خبر لمبتدأ محذوف أو بدل من الثقة (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي (ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ نَا شُعْبَةُ ح وَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ كَانَ زَيْدٌ -يَعْنِي ابْنَ أَرْقَمَ- يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا وَإِنَّهُ كَبَّرَ عَلَى جَنَازَةٍ خَمْسًا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُكَبِّرُهَا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَأَنَا لِحَدِيثِ ابْنِ الْمُثَنَّى أَتْقَنُ.

باب ما يقرأ على الجنازة

(ش) (أبو الوليد) هشام بن عبد الملك. و (شعبة) بن الحجاج. و (ابن أبي ليلى) عبد الرحمن (والحديث) يدل على أن الشائع والكثير عندهم أنهم كانوا يكبرون على الجنائر أربعًا، وأن التكبير خمسًا كان نادرًا. ولذا وقع السؤال عنه. وأخذ داود الظاهرى بهذا الحديث فقال يكبر أربعًا أو خمسًا (وأجاب) الجمهور بأن معنى قوله: كان يكبرها أي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كبر في الأول خمسًا ثم اقتصر على الأربع وثبت الأمر على هذا (قوله وأنا لحديث ابن المثنى أتقن) أي أحفظ له من حديث أبي الوليد الطيالسي. وأشار المصنف به إلى قوة الحديث. وفي بعض النسخ وأنا لحديث أبي موسى أتقن وهي كنية محمَّد في المثنى (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والنسائي وابن ماجه والبيهقي والترمذي وقال حسن صحيح باب ما يقرأ على الجنازة يعني ما يقرأ في الصلاة عليها (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جَنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَقَالَ إِنَّهَا مِنَ السُّنَّةِ. (ش) (رجال الحديث) (طلحة بن عبد الله بن عوف) الزهري المدني أبو عبد الله ويقال أبو محمَّد ولي قضاء المدينة. روى عن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وابن عباس وأبي هريرة وعائشة وغيرهم. وعنه الزهري وسعد بن إبراهيم ومحمد بن زيد بن المهاجر وآخرون. وثقه ابن معين والعجلي وأبو زرعة والنسائي وابن سعد وقال كان كثير الحديث. توفي بالمدينة سنة سبع وتسعين وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. روى له البخاري والأربعة (معنى الحديث) (قوله فقرأ بفاتحة الكتاب) أي بعد التكبيرة الأولى ففي رواية الحاكم عن جابر قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يكبر علي جنائزنا أربعًا ويقرأ بفاتحة الكتاب في التكبيرة الأولى. وفي رواية الشافعي عن أبي أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن السنة في الصلاة علي الجنازة أن يكبر الإِمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرًا في نفسه، ثم يصلي على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات ولا يقرأ في شيء منهن، ثم يسلم سرًّا في نفسه. وفي إسناده مطرف وفيه مقال. قال في التلخيص: لكنه قواه البيهقي بما رواه في المعرفة من طريق عبد الله بن أبي زياد الرصافي عن الزهري بمعنى رواية مطرف اهـ (ففي هذه الأحاديث) دلالة على مشروعية قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة. وإلى ذلك ذهب المسور بن مخرمة

المذاهب في قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة

والهادي والقاسم والمؤيد بالله أخذًا بهذه الأحاديث. وبما رواه البخاري في تاريخه عن فضالة ابن أبي أمية قال: قرأ الذي صلى على أبي بكر وعمر بفاتحة الكتاب. وما رواه ابن ماجه عن أم شريك الأنصارية قالت أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب. وما رواه النسائي والحاكم والشافعي وأبو يعلى عن جابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قرأ فيها بأم القرآن وفي سند رواية الشافعي والحاكم إبراهيم بن محمَّد وعبد الله بن محمَّد بن عقيل وهما ضعيفان. وممن قال بقراءة فاتحة الكتاب في صلاة الجنازة الشافعية وقالوا بوجوبها والأفضل أن تكون بعد التكبيرة الأولى، وبعد التكبيرة الثانية يصلي على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وجوبًا، وبعد التكبيرة الثالثة يدعو للميت وجوبًا وبعد الرابعة يدعو ويسلم: وبمثله قالت الحنابلة إلا أنهم قالوا بوجوب قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى. قال الشافعي يقول بعد الرابعة اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده. وقال أبو علي ابن أبي هريرة الشافعي: كان المتقدمون يقولون في الرابعة اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وقال الهادي والقاسم يقول بعد الرابعة: سبحان من سبحت له السموات والأرضون، سبحان ربنا الأعلى، سبحانه وتعالى، اللهم هذا عبدك وابن عبديك، وقد صار إليك، وقد أتيناك مستشفعين له سائلين له المغفرة فاغفر له ذنوبه وتجاوز عن سيئاته وألحقه بنبيه محمَّد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، اللهم وسع عليه قبره وأفسح له أمره وأذقه عفوك ورحمتك يا أكرم الأكرمين اللهم ارزقنا حسن الاستعداد لمثل يومه، ولا تفتنا بعده واجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاك. وممن قال بوجوب قراءة الفاتحة أيضًا إسحاق وداود. وحكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وابن الزبير وعبيد بن عمير. واستدلوا على الوجوب بحديث الباب. وبحديث أم شريك المتقدم. فإن قول الصحابي "من السنة كذا" في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. فقول ابن عباس إنها من السنة أي مأمور بها. وبما تقدم للمصنف في "باب من ترك القراءة في صلاته" من قوله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) وصلاة الجنازة صلاة، فالحديث شامل لها، وبأنها صلاة يجب فيها القيام فوجب فيها القراءة كسائر الصلوات. وعن أبي هريرة وأبي الدرداء وابن مسعود وأنس أنهم كانوا يقرءون بأم القرآن ويدعون ويستغفرون بعد كل تكبيرة من الثلاث ثم يكبرون وينصرفون ولا يقرءون. وذهب طاوس وعطاء وابن سيرين وابن جبير والشعبي ومجاهد وحماد والثوري إلى عدم قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة. وروي ذلك عن ابن عمر: وهو مذهب الحنفية قالوا هن أربع تكبيرات يثني على الله بعد الأولى، ويصلي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد الثانية، ويدعو بعد الثالثة، ويسلم تسليمتين بعد الرابعة، ولا يقرأ الفاتحة إلا إن قرأها بنية الثناء

حكم قراءة السورة بعد الفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة

وقالت المالكية تكره قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة وإنما يثني المصلي على الله تعالى ويصلي استحبابًا على نبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويدعو وجوبًا بعد كل تكبيرة (وفي الطراز) لا تكون الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والتحميد في كل تكبيرة؛ بل في الأولى ويدعو في غيرها. واستدلوا على كراهة القراءة بما رواه مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يقرأ في الصلاة على الجنازة. ومحل الكراهة ما لم يقصد المصلي بالإتيان بها الخروج من الخلاف، وإلا فيندب الإتيان بها بعد شيء من الدعاء فإن العبادة المتفق عليها خير من المختلف فيها. والراجح القول بمشروعية قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى لقوة أدلته واختاره ابن حزم فقال: إذا كبر الأولى قرأ أم القرآن ولا بد وصلى على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإن دعا للمسلمين فحس ثم يدعو للميت في باقي الصلاة وساق نحو ما تقدم ذكره من الأحاديث دليلًا على ما ذكره. وقال واحتج من منع من قراءة القرآن فيها بما روي عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "أخلصوا له الدعاء". قال هذا حديث ساقط ما روي قط من طريق يشتغل بها أي يعتنى بها. ثم لو صح لما منع من القراءة لأنه ليس في إخلاص الدعاء للميت نهي عن القراءة ونحن نخلص له الدعاء ونقرأ كما أمرنا اهـ. وتقرأ الفاتحة سرًا وهو قول أكثر أهل العلم كما تقدم في رواية الشافعي وكما يشعر به ما رواه الحاكم من طريق ابن عجلان أنه سمع سعيد بن أبي سعيد يقول: صلى ابن عباس على جنازة فجهر بالحمد ثم قال إن ما جهرت لتعلموا أنها سنة. فإنه يشعر بأن القراءة تكون سرًا. وإن ما جهر ليعلم القوم أن قراءة الفاتحة سنة. وقال بعض الشافعية إن صلى ليلًا جهر، وإلا أسر. ولا وجه لهم في ذلك. وتجوز قراءة سورة بعد الفاتحة لما في رواية النسائي عن طلحة بن عوف قال: صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة وجهر حتى أسمعنا فلما فرغ أخذت بيده فسألته فقال سنة وحق. أما الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في صلاة الجنازة فثابتة أيضًا لما تقدم في رواية الشافعي عن أبي أمامة: ولما رواه إسماعيل القاضي في كتاب الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وابن الجارود في المنتقى عن أبي أمامة أيضًا أنه قال: إن السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب ويصلي على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، ثم يخلص الدعاء للميت حتى يفرغ ولا يقرأ إلا مرة ثم يسلم. قال الحافظ ورجاله مخرج لهم في الصحيحين. قال في النيل لم يرد ما يدل على تعيين موضعها والظاهر أنها تفعل بعد القراءة ثم يكبر بقية التكبيرات ويستكثر من الدعاء بينهن للميت ويسلم بعد الرابعة، وهو مجمع عليه اهـ. (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري والترمذي وصححه وابن حبان والحاكم والبيهقي

باب الدعاء للميت

(باب الدعاء للميت) أي حال الصلاة عليه (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ -يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ". (ش) أي اجعلوا له الدعاء خالصًا مقصودًا به وجه الله تعالى سواءكان الميت محسنًا أم مسيئًا فان العاصي أحوج الناس إلى دعاء إخوانه المسلمين وأفقرهم إلى شفاعتهم. ولذا قدم بين أيديهم للشفاعة له. ولا يكون الإخلاص إلا بصفاء الخاطر عن الشواغل الدنيوية وبالخضوع بالقلب والجوارح: ويحتمل أن المعنى خصوا الميت بالدعاء. وبه قال جمهور الشافعية. وأكثر الفقهاء على جواز تعميم الدعاء لورود الأحاديث به كما في المصنف بعد وهو الراجح. وحديث الباب ليس نصًا فيما قاله الشافعية كما علمت فلا يتم الاحتجاج به على ما ذهبوا إليه (فقه الحديث) دلّ الحديث على طلب الدعاء للميت. وعلى طلب الإخلاص فيه (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه والبيهقي وكذا ابن حبّان وصححه مصرحًا فيه بسماع ابن إسحاق (ص) حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو نَا عَبْدُ الْوَارِثِ نَا أَبُو الْجُلاَسِ عُقْبَةُ بْنُ سَيَّارٍ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ شَمَّاخٍ قَالَ شَهِدْتُ مَرْوَانَ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي عَلَى الْجَنَازَةِ قَالَ أَمَعَ الَّذِي قُلْتَ قَالَ نَعَمْ. قَالَ كَلاَمٌ كَانَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ "اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبُّهَا وَأَنْتَ خَلَقْتَهَا وَأَنْتَ هَدَيْتَهَا لِلإِسْلاَمِ وَأَنْتَ قَبَضْتَ رُوحَهَا وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِسِرِّهَا وَعَلاَنِيَتِهَا جِئْنَاكَ شُفَعَاءَ فَاغْفِرْ لَهُ". (ش) (رجال الحديث) (عبد الوارث) بن سعيد (أبو الجلاس) بضم الجيم وتحفيف اللام (عقبة بن سيار) ويقال ابن سنان الشامي نزيل البصرة. روى عن علي بن شماخ. وعنه إبراهيم بن

دعاء مأثور في صلاة الجنازة

أبي عبله وعبد الوارث بن سعيد وشعبة وغيرهم. قال أحمد أرجو أن يكون ثقة وقال ابن معين ثقة وذكره ابن حبّان في الثقات. روى له أبو داود والنسائي. و(علي بن شماخ) بالمعجمة وتشديد الميم ويقال ابن شماس السلمي. روى عن أبي هريرة. وعنه عقبة بن سيار، ذكره ابن حبّان في الثقات، وقال في التقريب مقبول من الثالثة. روى له أبو داود والنسائي (معنى الحديث) (قوله يصلي على الجنازة) يعني يدعو في صلاة الجنازة فالمراد بالصلاة الدعاء بقرينة الجواب (قوله قال أمع الذي قلت الخ) أي أتسألني عن صلاته صلى الله عليه وآله وسلم على الجنازة بعد أن وقع منك لي ما وقع؟ وقال أبو هريرة ذلك لمنازعة جرت بينه وابن مروان قبل السؤال، فالتاء في قلت للخطاب، ويحتمل أنها للمتكلم أي أتسألني عن هذه المسألة بعد أن بينتها لك؟ (قوله قال أبو هريرة الخ) أي قال يصلي عل الجنازة بهذا الدعاء. اللهم أنت ربها الخ وفيه المبالغة في الخضوع والتذلل والثناء على الله تعالى ليقبل شفاعتهم فيه فيعفر له. وقوله فاغفر له هكذا بضمير المذكر في أكثر النسخ، وفي نسخة فاغفر لها بتأنيث الضمير لاعتبار النفس أو النسمة (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي. وكذا النسائي في "عمل اليوم والليلة" وفي بعض النسخ زيادة "قَالَ أَبُو دَاوُدَ أَخْطَأَ شُعْبَةُ فِي اسْمِ عَلِيِّ بْنِ شَمَّاخٍ قَالَ فِيهِ عُثْمَانُ بْنُ شَمَّاسٍ" ورواية شعبة هذه أخرجها البيهقي من طريق يعقوب بن سفيان قال حدثنا أبو الوليد قال ثنا شعبة عن جلاس قال سمعت عثمان بن شماس قال بعثنى سعيد بن العاص إلى المدينة وكنت مع مروان فمر أبو هريرة فقال بعض حديثك يا أبا هريرة فمضى ثم أقبل فقلنا الآن يقع به، فقال كيف سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي على الجنازة؟ فقال أنت خلقتها أو خلقته فذكر مثله إلا أنه قال تعلم سرها وعلانية (قال البيهقي) والصحيح رواية عبد الوارث بن سعيد والله تعالى أعلم اهـ وزيد أيضًا في بعض النسخ "وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيَّ يُحَدِّثُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قَالَ مَا أَعْلَمُ أَنِّي جَلَسْتُ مِنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ مَجْلِسًا إِلاَّ نَهَى فِيهِ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ وَجَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ" وأشار المصنف بهذه الزيادة إلى ضعف الحديث، لكن عبد الوارث وثقه غير واحد. ولعل نهي حماد بن زيد عن عبد الوارث لكونه كان قدريًا (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَرْوَانَ الرَّقِّيُّ نَا شُعَيْبٌ -يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ- عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى جَنَازَةٍ فَقَالَ "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا وَشَاهِدِنَا

الجهر والإسرار بالدعاء فيها

وَغَائِبِنَا اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِسْلاَمِ اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلاَ تُضِلَّنَا بَعْدَهُ". (ش) (الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو. و (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قوله وصغيرنا وكبيرنا) المراد بالصغير الشاب وبالكبير الشيخ، فلا يقال إن الصغير لا ذنب عليه حتى يدعى له بالمغفرة. ويحتمل أنه صلى الله عليه وآله وسلم دعا للصغير بالمغفرة لرفع درجاته (قوله وشاهدنا وغائبنا) أي من حضر الجنازة ومن غاب عنها. والغرض من هذ كله المبالغة في الدعاء والتعميم فيه (قوله اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان الخ) هكذا في رواية المصنف بتقديم الإيمان على الإِسلام، والمراد الإِسلام والإيمان الكاملان فهما متلازمان. وفي رواية الترمذي وغيره اللهم من أحييته منا فأحيه على الإِسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان: وهي الرواية المشهورة المناسبة لأنّ الإِسلام العمل الظاهري، ولا يكون إلا حال الحياة، والإيمان التصديق بالقلب وهو المقصود عند الوفاة. أما رواية المصنف فلعل فيها تصرفًا من بعض الرواة (قوله اللهم لا تحرمنا أجره) أي أجر الصبر على مصيبته وأجر القيام بمئونته. يقول هذا من صلى على الجنارة ولو كان غير قريب للميت لأنّ المؤمن أخ المؤمن فمصيبة أحدهما مصيبة للآخر. وتحرم بفتح التاء على الصحيح من باب ضرب وقد تضم من باب أكرم (قوله ولا تضلنا بعده) أي لا تجعلنا ضالين عن طريق الحق بعد موته وثبتنا على الإيمان (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية الدعاء في صلاة الجنازة، وعلي جواز التعميم فيه، وعلى جواز الجهر بالدعاء في صلاة لجنازة لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لو لم يجهر بالدعاء لما سمعه أبو هريرة. والجمهور علي استحباب الإسرار به لما أخرجه أحمد عن جابر قال ما باح لنا في دعاء الجنازة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا أبو بكر ولا عمر وقوله باح يعني جهر. وأجابوا عن حديث الباب ونحوه بأنّه إن ما جهر أحيانًا لقصد التعليم (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه وأحمد والحاكم وابن حبّان، وكذا النسائي من طريق أبي إبراهيم الأنصاري مختصرًا (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ نَا الْوَلِيدُ ح وَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ أَنَا الْوَلِيدُ -وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَتَمُّ- نَا مَرْوَانُ بْنُ جُنَاحٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ

حديث سؤال القدر وعذابه

وَسَلَّمَ- عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ "اللَّهُمَّ إِنَّ فُلاَنَ بْنَ فُلاَنٍ فِي ذِمَّتِكَ فَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ". قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ "فِي ذِمَّتِكَ وَحَبْلِ جِوَارِكَ فَقِهِ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ وَأَنْتَ أَهْلُ الْوَفَاءِ وَالْحَمْدِ اللَّهُمَّ فَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ جُنَاحٍ. (ش) (رجال الحديث) (الوليد) بن مسلم. و (مروان بن جناح) الأموي الدمشقي روى عن الأعمش ويونس بن ميسرة وعمر بن عبد العزيز. وهشام بن عروة وكثيرين. وعنه الوليد بن سليمان والوليد بن مسلم وصدقة بن خالد وجماعة، وثقه أبو داود ودحيم والنيسابوري وقال الدارقطني لا بأس به وقال أبو حاتم شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به وذكره ابن حبّان في الثقات. روى له أبو داود وابن ماجه. و(يونس بن ميسرة بن حلبس) بفتح فسكون بوزن جعفر الدمشقي. روى عن واثلة بن الأسقع وابن عمر ومعاوية وآخرين. وعنه عمرو ابن واقد وخالد بن يزيد وسعيد بن عبد العزيز وسليمان بن عتبة والأوزاعي وكثيرون، وثقه أبو داود والدارقطني وابن عمار والعجلي والبزار. توفي سنة ثنتين وثلاثين ومائة. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله في ذمتك) أي أمانك وحفظك لأنه مؤمن بك (قوله وحبل جوارك) المراد بالحبل القرآن الحديث "القرآن حبل الله المتين" رواه الحاكم وصححه. والجوار بالكسر الأمان، يعني أنه متمسك بكتابك الذي يورث من تمسك به الأمن والإيمان والسلامة والإِسلام وغير ذلك من مراتب "الإحسان ومنازل الجنان. وقيل الحبل مستعار للعهد لما فيه من التوثق وعقد القول بالأيمان المؤكدة، وأضيف إلى الجوار مبالغة، والأصل إن فلانًا في عهدك وعليه فهو عطف تصير لقوله في ذمتك. قال في النهاية كان من عادة العرب أن يخيف بعضهم بعضًا فكان الرجل إذا أراد سفرًا أخذ عهدًا من سيد كل قبيلة فيأمن به ما دام في حدودها حتى ينتهي إلى الأخرى فيأخذ مثل ذلك فهذا حبل الجوار اهـ (قوله فقه من فتنة القبر) أي أحفظه من محنة السؤال فيه وعذابه كالضغطة والظلمة، فقه أمر من الوقاية. وفي حديث البخاري عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم قال: العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل محمَّد صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم؟ فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال انظر إلى مقعدك

جملة أدعية مأثورة في صلاة الجنازة

من النار أبدلك الله به مقعدًا من الجنة، قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيراهما جميعًا قال، وأما الكافر أو المنافق فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال لا دريت ولا تليت ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين: وقوله لا دريت ولا تليت. أي لا علمت ولا تبعت من يعلم (قوله وأنت أهل الوفاء) أي بالوعد فإنك لا تخلف الميعاد. وهو تجريد لاستعارة الحبل للعهد على الأحتمال الثاني (قوله والحق) أي وأنت أهل لإحقاق الحق وإثباته ونصرته، وفي نسخة والحمد بدل الحق أي وأنت أهل الثناء (قوله إنك أنت الغفور الرحيم) أي كثير التجاوز عن السيئات للتائبين وكثير الرحمة بقبول الطاعات والتفضل بتضاعف الحسنات (قوله قال عبد الرحمن الخ) أي قال عبد الرحمن بن إبراهيم في روايته حدثنا الوليد عن مروان بالعنعنة. أما إبراهيم بن موسى فقال في روايته أنبأنا الوليد حدثنا مروان (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز الجهر بالدعاء في صلاة الجنازة للتعليم. وعلى استحباب تسمية الميت باسمه واسم أبيه في الصلاة ذكرًا كان أو أنثى، ومحله إذا كان معروفًا وإلا قال: اللهم إنه عبدك وابن عبدك إن كان ذكرًا، وإن كان أنثى قال: اللهم إنها أمتك وبنت أمتك، وإن ذكرها على إرادة الشخص كأن يقول اللهم إن هذا عبدك وابن عبدك جاز (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه. وقد ورد في الدعاء للميت في صلاة الجنازة روايات أخر. منها ما أخرجه البيهقي ومسلم عن عوف بن مالك قال: صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارًا خيرًا من داره وأهلًا خيرًا من أهله وزوجا خيرًا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار قال حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت. ومنها ما أخرجه مالك عن أبي هريرة وقد سئل كيف تصلي علي الجنازة؟ فقال أنا لعمر الله أخبرك بزيادة عن سؤالك. أتبعها من أهلها فإذا وضعت كبرت وحمدت الله وصليت على نبيه. اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدًا عبدك ورسولك وأنت أعلم به. اللهم إن كان محسنًا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئًا فتجاوز عن سيئاته. اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده. ومنها ما رواه أبو قتادة وذكره الشافعي اللهم هذا عبدك وابن عبديك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه وأحباؤه فيها إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدًا عبدك ورسولك وأنت أعلم به. اللهم إنه نزل بك وأنت خير منزول به وأصبح فقيرًا إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له اللهم إن كان محسنًا فزد في إحسانه وإن كان مسيئًا فتجاوز عنه ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا ارحم الراحمين

ليس للدعاء للميت محل خاص في الصلاة عليه

وهذه الأدعية بالنسبة إلى الكبير، وأما الطفل فيقال في الدعاء في الصلاة عليه ما رواه البيهقي من حديث أبي هريرة اللهم اجعله لنا سلفًا وفرطًا وأجرًا. وأخرج البخاري في باب قراءة الفاتحة على الجنازة عن الحسن أنه قال يقرأ على الطفل بفاتحة الكتاب ويقول: اللهم اجعله لنا فرطًا وسلفًا وأجرًا. وقال النووي في شرح المهذب وإن كان صبيًا أو صبية اقتصر على حديث اللهم اغفر لحينا وميتنا وضم إليه اللهم اجعله فرطًا لأبويه وسلفًا وذخرًا وعظة واعتبارًا وشفيعًا وثقل به موازينهما وأفرغ الصبر على قلوبهما ولا تفتنهما بعده ولا تحرمهما أجره اهـ وأحاديث الدعاء في الصلاة على الميت "ليس" فيها ما يدل على تعيين مكان الدعاء. قال في النيل لم يرد تعيين موضع هذه الأدعية فإن شاء المصلي جاء بما يختار منها دفعة إما بعد فراغه من التكبير أو بعد التكبيرة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو يفرقه بين كل تكبيرتين أو يدعو بين كل تكبيرتين بواحد من هذه الأدعية ليكون مؤديًا لجميع ما روى عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وأما حديث عبد الله بن أبي أوفى فليس فيه أنه لم يدع إلا بعد التكبيرة الرابعة إنما فيه أنه دعا بعدها وذلك لا يدل على أن الدعاء مختص بذلك الموضع اهـ "وحديث عبد الله بن أبي أوفى" الذي أشار له "ما رواه أحمد والبيهقي" في السنن الكبرى عن عبد الله بن أبي أوفى أنه ماتت ابنة له فكبر عليها أربعًا تم قام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يدعو ثم قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم يصنع في الجنازة هكذا. وتقدم حكايته خلاف المذاهب في محلّ الدعاء (باب الصلاة على القبر) أي أتجوز أم لا؟ (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ قَالاَ نَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ أَوْ رَجُلًا كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَ عَنْهُ فَقِيلَ مَاتَ. فَقَالَ "أَلاَّ آذَنْتُمُونِي بِهِ؟ ". قَالَ "دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ". فَدَلُّوهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ. (ش) (حماد) بن زيد. و (ثابت) البناني. و (أبو رافع) إبراهيم أو أسلم مولى النبي صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم (قوله أن امرأة سوداء أو رجلًا) أي أسود كما في رواية البخاري. والشك فيه من ثابت أو من أبي رافع. وفي رواية للبخاري عن حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة أن امرأة أو رجلًا كان يقم المسجد قال حماد ولا أراه إلا امرأة. ورواه

باب الصلاة على القبر

البيهقي بإسناد حسن من حديث بريدة عن أبيه فسماها أم محجن. وذكر ابن منده في الصحابة أن خرقاء اسم امرأة سوداء كانت تقم المسجد. فيمكن أن يكون اسمها خرقاء وأن تكون كنيتها أم محجن (قوله كان يقم المسجد) بضم القاف من باب قتل أي مجمع القمامة وهي الكناسة ويخرجها منه (قوله ففقده النبي) يعني غاب ذلك الشخص عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله فقيل مات) القائل أبو بكر في رواية البيهقي (قوله ألا آذيتموني به) بالمد أي هلا أعلمتموني بموته. زاد مسلم في روايته فكأنهم صغروا أمرها أو أمره. وفي رواية للبخاري فحقروا شأنه. وزاد ابن خزيمة من طريق العلاء قالوا مات من الليل فكرهنا أن نوقظك (قوله فصلى عليه) زاد مسلم وابن حبّان ثم قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله ينورها عليهم بصلاتي عليهم. وأخرج هذه الزيادة أيضًا أبو داود الطيالسي وزاد بعدها "فقال رجل من الأنصار إن أبي أو أخي مات أو دفن فصل عليه فانطلق معه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم" وروى ابن حبان من طريق خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه زيد بن ثابت قال خرجنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلم وردنا البقيع إذا هو بقبر فسأل عنه فقالوا فلانة فرفعها فقال ألا آذنتموني بها؟ قالوا كنت قائلًا صائمًا قال فلا تفعلوا: ما مات منكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا ناديتموني به فإن صلاتي عليه رحمة ثم أتى القبر فصففنا خلفه فكبر عليه أربعًا (وفي هذا كله) دلالة على مشروعية الصلاة على القبر لمن لم يكن صلى على تلك الجنازة. وبهذا قال ابن سيرين والشافعية واختلفوا إلى أي وقت تجوز الصلاة على القبر. فقيل إلى شهر لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى على أم سعد بن عبادة بعد ما دفنت بشهر كامل رواه الترمذي. وبهذا قالت الحنابلة أيضًا. وقيل ما لم يبل لأنه إذا بلي لم يبق ما يصلى عليه. وقيل يصلى عليه أبدًا لأن القصد من الصلاة الدعاء للميت وهو يجوز في كل وقت. وقال إسحاق يصلي الغائب على القبر إلى شهر ويصلي عليه الحاضر إلى ثلاث. وقالت الحنفية إن دفن بغير صلاة صلى عليه إن غلب على الظن أنه لم يتفسخ وإلا لم يصل عليه. وعن أبي يوسف يصلي عليه إلى ثلاثة أيام وهو قول للشافعية ومن صلى عليه لا يصلي على قبره إلا لولي تقدم عليه من ليس له حق المتقدم ولم يتابعه. وقالت المالكية من دفن بلا صلاة عليه أخرج وصلي عليه إن لم يخف تغيره وإلا صلي على قبره وجوبًا ما لم يظن فناؤه أما من صلي عليه فتكره الصلاة علي قبره. وقال النخعي لا يصلى على قبر. وهي رواية عن مالك. وأجابوا عن حديث الباب ونحوه بأن ذاك من خصوصياته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مستدلين بما تقدم في رواية مسلم وابن حبّان من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم"

رد القول بأنها خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم

ورد بأنّه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم ينكر على من صلى معه على القبر كما تقدم ولو كان خاصًا به لأنكر عليهم. ولا يقال إن الذي يقع بالتبعية لا يصلح دليلًا على الفعل أصالة لأن كون الله ينور القبور بصلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليها لا ينفي مشروعية الصلاة من غيره تأسيًا به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا سيما وقد قال "صلوا كما رأيتموني أصلي" فهو بعمومه يشتمل صلاة الجنازة. وأيضًا فهذه الزيادة مدرجة في هذا الحديث كما بين ذلك جماعة من أصحاب حماد بن زيد (قال الحافظ) وقد أوضحت ذلك بدلائه في كتاب بيان المدرج. أفاده في النيل. وقال البيهقي يغلب على الظن أن هذه الزيادة من مراسيل ثابت كما قال أحمد بن عبده اهـ ويؤيد عدم الخصوصية ما تقدم للمصنف في "باب التكبير على الجنازة" عن الشعبي أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مر على قبر رطب فصفوا عليه وكبر عليه أربعًا. وما رواه ابن حزم عن ابن أبي مليكة قال مات عبد الرحمن بن أبي بكر على ستة أميال من مكة فحملناه فجئا به مكة فدفناه فقدمت علينا عائشة فقالت أين قبر أخي؟ فدللناها عليه فوضعت في هودجها عند قبره فصلت عليه. وما رواه أيضًا عن نافع عن ابن عمر أنه قدم وقد مات أخوه عاصم فقال أين قبر أخي؟ فدلّ عليه فصلى عليه ودعا له. وما روى عن علي بن أبي طالب أنه أمر قرظة بن كعب الأنصاري أن يصلي على قبر سهل بن حنيف بقوم جاءوا بعد ما دفن وصلي عليه، وما رواه البيهقي من طريق الأوزاعي قال أخبرني ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبره أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يعود مرضى مساكين المسلمين وضعفائهم ويتبع جنائزهم ولا يصلي عليهم أحد غيره وإن امرأة مسكينة من أهل العوالي طال سقمها فإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسأل عنها من حضرها من جيرانها وأمرهم ألا يدفنوها إن حدث بها حدث حتى يصلي عليها فتوفيت تلك المرأة ليلًا واحتملوها فأتوا بها مع الجنائز أو قال موضع الجنائز عند مسجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليصلي عليها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما أمرهم فوجدوه قد نام بعد صلاة العشاء فكرهوا أن يهجدوا "يوقظوا" رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من نومه فصلوا عليها ثم انطلقوا بها، فلما أصبح رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سأل عنها من حضره من جيرانها فأخبروه خبرها وأنهم كرهوا أن يهجدوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لها فقال لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم فعلتم؟ انطلقوا فانطلقوا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى قاموا على قبرها فصفوا وراء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما يصف للصلاة على الجنائز فصلى عليها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكبر أربعًا كما يكبر على الجنائز اهـ

بيان المراد من حديث "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها"

(وعلى الجملة) فالأدلة ثابتة في صلاة الجنازة على القبر ثبوتًا لا يقابله أهل العلم إلا بالقبول سواء في ذلك من صلى عليه ومن لم يصل عليه. وليس للمانعين من الصلاة على القبر دليل ناهض. ولا ينافي ما ذكر حديث لا تجسلوا على القبور ولا تصلوا إليها رواه مسلم والترمذي والبيهقي عن أبي مرثد الغنوي وسيأتي في (باب في كراهية القعود على القبر) فإن المراد منه الصلاة ذات الركوع والسجود بخلاف هذه فليست منهيًا عنها لفعله صلى الله عليه وآله وسلم إياها وإقراره الصحابة على فعلها معه صلى الله عليه وآله وسلم. قال في إعلام الموقعين: ردت هذه السنن المحكمة بالمتشابه من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها" وهذا حديث صحيح، والذي قاله هو الذي صلى على القبر فهذا قوله وهذا فعله ولا يناقض أحدهما الآخر فإن الصلاة المنهي عنها إلى القبر غير الصلاة التي على القبر فهذه صلاة الجنازة على الميت التي لا تختص بمكان بل فعلها في غير المسجد أفضل من فعلها فيه، فالصلاة عليه على قبره من جنس الصلاة عليه على نعشه فإنه المقصود بالصلاة في الموضعين ولا فرق بين كونه على النعش وعلى الأرض وبين كونه في بطنها بخلاف سائر الصلوات فإنها لم تشرع في القبور ولا إليها لأنها ذريعة إلى اتخاذها مساجد، وقد لعن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من فعل ذلك "فأين" ما لعن فاعله وحذر منه وأخبر أن أهله شرار الخلق كما قال إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد "إلى ما فعله" مرارًا متكررة وبالله تعالى التوفيق اهـ وقال ابن حزم الصلاة جائزة على القبر وإن كان قد صلى علي المدفون فيه وساق الأدلة الدالة على الجواز ورد على من ادعى الخصوصية بنحو ما تقدم وعلى من حدد مدة جواز الصلاة بشهر أو ثلاثة أيام بقوله أما تحديد الصلاة بشهر أو ثلاثة أيام فخطأ لأنه تحديد بلا دليل اهـ. أقول ولا فرق بين من حدد بهذا أو غيره أيضًا (وقال في الهدى) كان من هديه صلى الله عليه وآله وسلم إذا فاتته الصلاة على الجنازة صلى على القبر فصلى مرة على قبر بعد ليلة ومرة بعد ثلاث ومرة بعد شهر ولم يوقت في ذلك وقتًا اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على كمال تواضعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعلى الرفق بأمته وتفقد أحوالهم والقيام بحقوقهم والاهتمام بمصالحهم في دنياهم وأخراهم. وعلى الاعتناء بشأن المساجد وتنظيفها. وعلى الحث على شهود جنائز أهل الخير. وعلى مشروعية الإعلام بالموت. وعلى مشروعية الصلاة على القبر لمن لم يصل على الميت قبل الدفن وتقدم بيانه (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي

باب الصلاة على المسلم يموت في بلاد الشرك

(باب الصلاة على المسلم في بلاد الشرك) وفي بعض النسخ باب الصلاة على المسلم يليه أهل الشرك في بلد أخرى (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ. (ش) (القعنبي) عبد الله بن مسلمة (قوله نعى للناس النجاشي) أي أخبرهم بموته. ونعى من باب نفع، والنجاشي بفتح النون وتخفيف الجيم وياء ثقيلة كياء النسب. وقيل بتخفيف الياء لقب ملك الحبشة، واسمه أصحمة بن أبحر، ومعناه بالعربية عطية كان صالحًا ذكيا عادلًا عارفًا (قوله في اليوم الذي مات فيه) قال ابن جرير وجماعة كان ذلك في رجب سنة تسع، وقيل كان قبل الفتح (قوله وخرج بهم إلى المصلى) أي مصلى العيدين ببطحان "ولا ينافيه" ما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إن النجاشي قد مات فخرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه إلى البقيع الحديث "لأنّ المراد" بالبقيع بقيع بطحان. ويحتمل أن المراد بالمصلى مصلى الجنائز ببقيع الغرقد. (قوله فصف بهم وكبر أربع تكبيرات) يعني صلى بهم صلاة الجنازة على النجاشي (وفي الحديث) دلالة على جواز الصلاة على الميت الغائب وبه قال الشافعي وأحمد وجمهور السلف قالوا سواء أصلي عليه في البلد التي مات فيها أم لا وسواء أكانت البلد التي مات فيها جهة القبلة أم لا. وقال ابن حزم قد صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على النجاشي وقد مات بأرض الحبشة وصلى معه أصحابه عليه صفوفًا، وهذا إجماع منهم لا يجوز تعديه. وقال ابن حبّان يصلي على الميت الغائب إذا كانت البلد التي هو فيها جهة القبله وإلا فلا يصلى عليه. وقال الخطابي: النجاشي رجل مسلم قد آمن برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وصدقه على نبوته إلا أنه كان يكتم إيمانه، والمسلم إذا مات وجب على المسلمين أن يصلوا عليه إلا أنه كان بين ظهراني أهل الكفر ولم يكن بحضرته من يقوم بحقه في الصلاة عليه، فلزم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يفعل ذلك إذ هو نبيه ووليه وأحق الناس به، فهذا والله أعلم هو السبب الذي دعاه إلى الصلاة عليه بظهر الغيب. فِعلى هذا إذا مات المسلم ببلد من البلدان وقد قضى حقه من الصلاة عليه فإنه لا يصلي عليه من كان ببلد آخر غائبًا عنه، فإن علم أنه لم يصل عليه لعائق أو مانع أو عذر كانت السنة أن يصلي عليه ولا يترك ذلك لبعد المسافة فإذا صلوا عليه استقبلوا القبلة ولم يتوجهوا إلى بلد الميت إن كان في غير

جواب من لم ير الصلاة على الغائب عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي

جهة القبلة اهـ. وقال تقي الدين الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يصل عليه فيه صلى عليه صلاة الغائب كما صلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على النجاشي لأنه مات بين الكفار ولم يصل عليه، وإن صلى عليه حيث مات لم يصل عليه صلاة الغائب لأن الفرض قد سقط بصلاة المسلمين عليه. والنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى على الغائب وتركه، وفعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتركه سنة، وهذا له موضع وهذا له موضع اهـ. وفيما قالاه نظر فإن النجاشي ذكر عنه أهل السير أنه أرسل من قبله إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفدا نحو الستين شخصًا وفيهم ابنه أزهى وغرقوا في البحر قبل وصولهم إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيبعد كل البعد أن يرسل هذا العدد من قبله ولا يبقى عنده من المسلمين أحد. فما قالاه من أنه يصلي على الغائب إذا علم أنه لم يصل عليه تخصيص بلا مخصص. وذهبت المالكية والحنفية إلى أنه لم تشرع الصلاة على الغائب مطلقًا وحكاه في البحر عن العنزة. ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء (وأجابوا) عن حديث الباب بأنه خصوصية له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأن الجنازة أحضرت بين يديه فصلى عليها. أو أن الأرض رفعته ورآه ونعاه لأصحابه فأمهم في الصلاة عليه قبل أن يوارى كما كشف له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن بيت المقدس حين سألته قريش عن صفته. فصلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على النجاشي صلاة على حاضر فهي كصلاة على حاضر يراه الإِمام ولا يراه المأموم. ويؤيد هذا ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن أخاكم النجاشي توفي فقدموا فصلوا عليه فقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وصفوا خلفه فكبر أربعًا وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه، وأخرج البيهقي نحوه. أو أن هذا خاص بالنجاشي لإشاعة أنه قد مات مسلمًا. أو فعل هذا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم استئلافًا لقلوب الملوك الذين أسلموا في حياته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: ومما يدل على الخصوصية أنه لم يثبث عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه صلى على غائب سوى النجاشي "وما روي" أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى على معاوية بن معاوية الليثي وهو غائب "لا يصح" فإن في إسناده العلاء بن زيد قال فيه علي بن المديني: كان يضع الحديث وقال البخاري منكر الحديث وقال أبو حاتم منكر الحديث متروك الحديث حديثه ليس بالقائم، وأيضًا لم يثبت عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنه صلى على غائب ولا صلى أحد منهم ممن كان غائبًا عن المدينة وقت وفاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة الغائب مع أن في الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أعظم رغبة. وردّ بأن هذا كله لا يفيد القطع بالخصوصية وأنه لا تجوز الصلاة على غائب سوى النجاشي، وقد ذكر بعض أهل السير أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله سلم صلى

صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قواد غزوة مؤتة. النعي المشروع وغيره

على غائب سوى النجاشي، فقد أخرح الواقدي في المغازي قال حدثني محمَّد بن صالح عن عاصم ابن عمر بن قتادة وحدثنى عبد الجبار بن عمار عن عبد الله بن أبي بكر قالا لما التقي الناس بمؤتة جلس رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المنبر وكشف له ما بينه وبين الشام فهو ينظر إلى معتركهم فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: أخذ الراية زيد بن حارثة فمضى حتى استشهد وصلى عليه ودعا له وقال استغفروا له وقد دخل الجنة وهو يسعى. ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فمضى حتى استشهد فصلى عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ودعا له وقال استغفروا له وقد دخل الجنة فهو يطير فيها حيث شاء. قال النووي لو فتح باب هذا الخصوص لانسد كثير من ظواهر الشرع مع أنه لو كان شيء مما ذكروه لتوفرت الدواعي على نقله اهـ. وقال ابن العربي قالت المالكية ليست الصلاة على الغائب إلا لمحمد: قلنا وما عمل به محمَّد تعمل به أمته "يعني لأن الأصل عدم الخصوصية" قالوا طويت له الأرض وأحضرت الجنازة بين يديه. قلنا إن ربنا عليه لقادر وإن نبينا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأهل ذلك، ولكن لا تقولوا إلا ما رويتم ولا تخترعوا حديثًا من عند أنفسكم ولا تحدثوا إلا بالثابتات ودعوا الضعاف فإنها سبيل إتلاف إلى ما ليس له تلاف اهـ. إذا علمت هذا تعلم أن الراجح مشروعية الصلاة على الميت الغائب لثبوته بالأحاديث الصحيحة (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية الإخبار بموت الميت لكن محله إذا كان للصلاة عليه وتجهيزه ودفنه والدعاء له والاستغفار وتنفيذ وصاياه وما يترتب على ذلك من الأحكام. "أما النعى" المنهي عنه فيما رواه الترمذي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إياكم والنعي فإن النعي عمل الجاهلية. وما رواه أحمد وابن ماجه عن حذيفة أنه قال إذا مت فلا تؤذنوا بي أحدًا إني أخاف أن يكون نعيًا إني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينهى عن النعي "فهو محمول" على ما كان مشتملًا على المفاخر والرياء مما يشبه نعي الجاهلية: كانوا يرسلون رجلًا على أبواب الدور وفي الأسواق يعلن موت فلان، وكانوا أيضًا إذا توفي رجل ركب أحدهم الدابة ثم صاح في الناس أنعى فلانًا ويخرج إلى القبائل ينعاه إليهم ويقول هلك فلان أو هلكت العرب بموت فلان. ومن هذا ما يقع في كثير من البلدان في زماننا إذا مات عظيم وقفوا على المنارات والأمكنة المرتفعة يخبرون بموته أو يرفعون أصواتهم. بالبكاء والنياحة أو يضربون بطبل أو يرسلون شخصًا إلى البلاد الأخرى يخبر أهلها بموته. قال ابن العربي يؤخذ من مجموع الأحاديث (يعني حديث الباب وأشباهه) ثلاث حالات الأولى إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح فهذه سنة. الثانية دعوى الجمع الكثير للمفاخرة فهذه تكره. الثالثة إعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك فهذا يحرم اهـ. وكأنه أخذ سنية الأولى

حديث إسلام النجاشي والأمر بالهجرة إليه

من أنه لا بد من جماعة يقومون بالغسل والصلاة والدفن: يدل له قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الحديث السابق ألا آذنتموني (قال في النيل) إن الإعلام للغسل والتكفين والصلاة والحمل والدفن مخصوص من عموم النهي لأن إعلام من لا تتم هذه الأمور إلا به مما وقع الإجماع على فعله في زمن النبوة وما بعده وما جاوز هذا المقدار فهو داخل تحت عموم النهي اهـ. ودل الحديث أيضًا على معجزة عظيمة من معجزاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حيث أعلم القوم بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه مع البعد الكثير بين المدينة وأرض الحبشة. وعلى أن التكبير في صلاة الجنازة أربع. وعلى مشروعية الصلاة على الغائب. وعلى مزيد شرف النجاشي (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي، وأخرج البيهقي نحوه (ص) حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى نَا إِسْمَاعِيلُ -يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ- عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَنْطَلِقَ إِلَى أَرْضِ النَّجَاشِيِّ فَذَكَرَ حَدِيثَهُ قَالَ النَّجَاشِيُّ أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَّهُ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَلَوْلاَ مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الْمُلْكِ لأَتَيْتُهُ حَتَّى أَحْمِلَ نَعْلَيْهِ. (ش) ساق هذا الحديث لبيان أن النجاشي أسلم ولذا صلى عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (إسرائيل) بن يونس. و (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي و (أبو بردة) قيل اسمه عامر بن أبي موسى الأشعري (قوله أمرنا رسول الله أن ننطلق إلى أرض النجاشي) وذلك أنه لما اشتد أذى المشركين على المسلمين بمكة أمرهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالخروج منها إلى النجاشي بأرض الحبشة وقال: إن بها رجلًا صالحًا لا يظلم ولا يظلم عنده أحد فأخرجوا إليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجًا (قوله فذكر حديثه) أي ذكر أبو موسى حديث النجاشي وإسلامه وإكرامه للصحابة لما نزلوا عنده (وقد روى الإِمام أحمد) نحوه من حديث ابن مسعود قال: بعثنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى النجاشي ونحن نحو من ثمانين رجلًا فيهم عبد الله بن مسعود وجعفر وعبد الله بن عرفطة وعثمان بن مظعون وأبو موسى فأتوا النجاشي وبعثت قريش عمرو ابن العاصي وعمارة بن الوليد بهدية فلما دخلا على النجاشي سجدا له ثم ابتدراه عن يمينه وشماله

باب في جمع الموتى في قبر والقبر يعلم

ثم قالا له إن نفرًا من بني عمنا نزلوا أرضك ورغبوا عنا وعن ملتنا قال فأين هم؟ قالا هم في أرضك فابعث إليهم فبعث إليهم فقال جعفر: أنا خطيبكم اليوم فاتبعوه فسلم ولم يسجد فقالوا له مالك لا تسجد للملك؟ قال إنا لا نسجد إلا لله عَزَّ وَجَلَّ قال وما ذاك؟ قال إن الله عَزَّ وَجَلَّ بعث إلينا رسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأمرنا ألا نسجد لأحد إلا لله عَزَّ وَجَلَّ، وأمرنا بالصلاة والزكاة، قال عمرو بن العاصي فإنهم يخالفونك في عيسى ابن مريم قال ما تقولون في عيسى ابن مريم وأمه؟ قالوا نقول كما قال الله عَزَّ وَجَلَّ هو كلمة الله وروحه ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها بشر ولم يفترضها ولد "أي لم يؤثر فيها يعني قبل المسيح" قال فرفع عودًا من الأرض ثم قال يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان والله ما يزيدون على الذي نقول فيه ما يسوى "بضم فسكون أي ما ينسى" هذا مرحبًا بكم وبمن جئتم من عنده أشهد أنه رسول الله فإنه الذي نجد في الإنجيل وإنه الرسول الذي بشر به عيسى ابن مريم انزلوا حيث شئتم والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أكون أنا أحمل نعليه وأوضئه، وأمر بهدية الآخرين فردت إليهما ثم تعجل عبد الله بن مسعود حتى أدرك بدرًا وزعم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم استغفر له حين بلغه موته (باب في جمع الموتى في قبر والقبر يعلم) أي يحعل له علامة (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ نَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ ح وَنَا يَحْيَى بْنُ الْفَضْلِ السِّجِسْتَانِيُّ نَا حَاتِمٌ -يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ- بِمَعْنَاهُ عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ الْمَدَنِيِّ عَنِ الْمُطَّلِبِ قَالَ لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أُخْرِجَ بِجَنَازَتِهِ فَدُفِنَ أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا أَنْ يَأْتِيَهُ بِحَجَرٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَمْلَهُ فَقَامَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ- قَالَ كَثِيرٌ قَالَ الْمُطَّلِبُ قَالَ الَّذِي يُخْبِرُنِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ- كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ ذِرَاعَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حِينَ حَسَرَ عَنْهُمَا ثُمَّ حَمَلَهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَقَالَ "أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي وَأَدْفِنُ إِلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي".

فضل عثمان بن مظعون

(ش) (رجال الحديث) (سعيد بن سالم) القداح أبو عثمان المكي. روى عن ابن عمر وأيمن بن نابل وإسراءيل بن يونس والثوري وطائفة. وعنه ابن عيينة ويحيى بن آدم وأسد ابن موسى والشافعي وآخرون، وثقه ابن معين وقال أبو حاتم محله الصدق وقال ابن عدي حسن الحديث وأحاديثه مستقيمة وهو عندي صدوق لا بأس به وقال العجلي كان يرى الإرجاء وليس بحجة. وقال ابن حبان كان يرى الإرجاء ويهم في الأخبار حتى يجئ بها مقلوبة حتى خرج عن حد الاحتجاج به. روى له أبو داود والنسائي. و (كثير بن زيد) الأسلمي ثم السهمى مولاهم أبو محمَّد. روى عن سالم بن عبد الله والوليد بن كثير وعبد الرحمن بن كعب وعمر بن عبد العزيز وجماعة. وعنه مالك بن أنس وسلمان بن بلال وحماد بن زيد وحاتم بن إسماعيل وآخرون ضعفه النسائي ويعقوب بن شيبة، وقال أبو زرعة صدوق فيه لين وقال أبو حاتم صالح ليس بالقوي يكتب حديثه. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه. و (المطلب) بن عبد الله بن حنطب تابعي تقدم بالرابع ص 69 (معنى الحديث) (قوله لما مات عثمان بن مظعون الخ) هو أول من مات بالمدينة من المهاجرين وأول من دفن بالبقيع. لما رواه الحاكم عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يرتاد لأصحابه مقبرة يدفنون فيها فكان قد طلب نواحي المدينة وأطرافها ثم قال أمرت بهذا الموضع يعني البقيع. وكان يقال بقيع الخبخبة، وكان أكثر نباته الغرقد وكان أول من قبر هناك عثمان بن مظعون فوضع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حجرًا عند رأسه، وقال هذا قبر فرطنا وكان إذا مات أحد من المهاجرين بعده قيل يا رسول الله أين ندفنه؟ فيقول عند فرطنا عثمان في مظعون. ومن صفاته التي امتاز بها أنه لم يشرب الخمر قط لا في الجاهلية ولا بعد الإِسلام وكان يقول لا أشرب ما يضحك بي من دونى (وقوله فقام إليه الخ) أي إلى الحجر وفي نسخة فقام إليها (قوله قال المطلب قال الذي يخبرني ذلك الخ) يدل على أن الحديث مرسل وأن الصحابي الذي أخبر المطلب متأكد من الحديث (قوله ثم حملها فوضعها عند رأسه) أي وضعها على القبر محاذية لرأس ابن مظعون. وأنث الضمير العائد على الحجر باعتبار أنه صخرة (قوله أتعلم بها قبر أخي الخ) وفي نسخة أعلم أي أجعلها علامة على قبره لأعرفه بها وأدفن إلى جانب قبره من مات من أهلي بعده وليس المراد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدفن من مات من أهله مع عثمان في قبر واحد لأن القبر بمجرد الدفن فيه صار حبسًا على صاحبه لا يجوز الدفن فيه حتى يبلى الميت ولا نعلم في ذلك خلافًا إلا للضرورة ككثرة الموتى وعسر دفن كل واحد في قبر فيجوز حينئذ دفن الاثنين والثلاثة والأكثر في قبر كما تقدم في قتلى أحد. وسماه صلى الله تعالى عليه

باب في الحفار يجد العظم هل يتنكب المكان النهي عن إهانة الميت

وعلى آله وسلم أخا تشريفًا له أو لأنه كان أخاه من الرضاع. وأول من مات من أهله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولحق بعثمان ابنه إبراهيم، ولما مات قال له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الحق بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون. وقال نحو ذلك لما ماتت ابنته زينب كما في رواية الحاكم عن ابن عباس وفيه فلما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ألحقوها بسلفنا الخير عثمان بن مظعون (فقه الحديث) دل الحديث على استحباب إتخاذ علامة على القبر بنحو حجر ليعرف لكن ليس على الهيئة التي اعتادهاكثير من أهل زماننا من المبالغة في تسويته ونقشه ورفعه ورسم عمامة أو قلنسوة أعلاه. وعلى استحباب جمع الموتى الأقارب في مكان واحد بأن يقارب بين قبورهم وذلك لأنه أيسر لزيارتهم وأبعد عن اندراس قبورهم (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي وابن أبي شيبة وأخرجه ابن ماجه عن كثير بن زيد عن زينب بنت نبيط عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أعلم قبر عثمان بن مظعون بصخرة. قال المنذري وفي سنده كثير بن زيد وقد تكلم فيه غير واحد (باب في الحفار يجد العظم هل يتنكب ذلك المكان؟ ) أي في بيان أن من يحفر القبر ويجد عظام الميت هل يتباعد عن مكان العظام؟ (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَعْدٍ -يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ- عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا". (ش) الغرض منه بيان أن الميت يتأذى مما يتأذى منه حال حياته فلا يهان ميتًا كما لا يهان حيًا. فقد أخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: أذى المؤمن في موته كأذاه في حياته قال ابن حجر ومن لوازمه أنه يستلذ بما يستلذ به الحي اهـ أو أن المراد كما يحرم كسر عظم الحيّ يحرم كسر عظم الميت. وذكر السيوطي في "درجات الصعود حاشية أبي داود" سبب هذا الحديث عن جابر قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في جنازة فجلس النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على شفير القبر وجلسنا معه فأخرج الحفار عظما ساقًا أو عضدًا فذهب ليكسره فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تكسره فإن كسرك إياه ميتا ككسرك إياه حيًا ولكن دسه بجانب القبر.

باب في اللحد

(فقه الحديث) دل على أنه ينبغي للحفار المحافظة على عظام الموتى التي تكون في القبر حال حفره ويسترها ولا يكسرها. والذمي في هذا كالمسلم، وعلى طلب تكريم الآدمي حيًا وميتًا. وعلى أن الميت يتأذى مما يتأذى به الحي (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد وابن ماجه والبيهقي مرفوعًا، وأخرجه مالك في الموطإ موقوفًا على عائشة بلفظ "كسر عظام المسلم ميتا ككسره وهو حيّ" (باب في اللحد) وفي نسخة باب اللحد (ص) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا". (ش) (رجال الحديث) (حكام) بفتح الحاء المهملة وتشديد الكاف (بن سلم) بفتح فسكون أبو عبد الرحمن الكناني الرازي. روى عن عنبسة بن سعيد وسعيد بن سابق وحميد الطويل والثوري وجماعة. وعنه علي بن بحر ويحيى بن معين وأبو كريب وغيرها، وثقه ابن معين وابن سعد وأبو حاتم ويعقوب بن سفيان ويعقوب بن شيبة والعجلي والدارقطني، وفي التقريب ثقة له غرائب من الثامنة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في التعاليق، مات سنة تسعين ومائة (معنى الحديث) (قوله اللحد لنا والشق لغيرنا) أي اللحد لأمواتنا معشر المسلمين، والشق لغيرنا من أهل الكتاب كما صرح به في رواية لأحمد. وروى أبو نعيم في الحلية مرفوعًا: الحدوا ولا تشقوا فإن اللحد لنا والشق لغيرنا. قال ابن تيمية فيه تنبيه على مخالفتنا لأهل الكتاب في كل ما هو شعارهم حتى في وضع الميت في أسفل القبر اهـ. وقيل معناه اللحد لأمة محمَّد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والشق لغيرنا من الأمم السابقة أو اللحد لنا معشر الأنبياء والشق لغيرنا. واللحد بفتح اللام وقد تضم الشق الذي يعمل في جانب القبر بقدر ما يسع الميت فيوضع فيه ثم ينصب عليه اللبن. وأصل اللحد الميل يقال: لحدت إلى كذا إذا ملت إليه وبابه نفع وألحد من باب أكرم أمال. وسمي الشق في جانب القبر لحدًا لأنه أميل به عن وسط القبر. والشق حفرة مستطيلة في وسط القبر تبنى جوانها باللبن أو غيره يوضع فيه الميت ويسقف عليه باللبن أو الخشب

اللحد أفضل أم الشق؟

أو غيرهما وبرفع السقف قليلًا بحيث لا يمس الميت (والحديث) يدل على أن اللحد أفضل من الشق وليس المراد أن اللحد متعين، فقد روى أحمد وابن ماجه واللفظ له من طريق حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: لما توفي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان بالمدينة رجل يلحد وأخر يضرح (أي يشق) فقالوا نستخير ربنا ونبعث إليهما أيهما سبق تركناه فأرسل إليهما فسبق صاحب اللحد فلحدوا للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "فتقريره" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للرجلين حال حياته هذا يلحد وهذا يشق "دليل" على أن كلا من اللحد والشق جائز. قال النووي في شرح المهذب أجمع العلماء على أن الدفن في اللحد والشق جائز اهـ. لكن محل أفضلية اللحد إن كانت الأرض صلبة لا ينهار ترابها وإلا فالشق أفضل، وهو قول أكثر الفقهاء. وقال الدهلوي إن كان المراد بضمير الجمع في لنا المسلمين وبضمير غيرنا اليهود والنصارى فلا شك أنه يدل على أفضلية اللحد بل على كراهية غيره، وإن كان المراد بغيرنا الأمم السابقة ففيه إشعار بالأفضلية. وعلي كل تقدير ليس اللحد واجبًا والشق منهيًا عنه اهـ (فقه الحديث) دل الحديث على الترغيب في الدفن في اللحد وأفضليته على الشق. وعلى التنفير من موافقة أهل الكتاب والتشبه بهم. وعلى جواز الدفن في الشق لا سيما إذا كانت الأرض رخوة إذ ليس في الحديث نهي عن الدفن فيه (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي والترمذي وقال حسن غريب (باب كم يدخل القبر) أي كم شخصًا يدخل القبر ليدفنوا الميت؟ (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا زُهَيْرٌ نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ قَالَ غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَهُمْ أَدْخَلُوهُ قَبْرَهُ قَالَ وَحَدَّثَنِي مُرَحَّبٌ أَوِ ابْنُ أَبِي مُرَحَّبٍ أَنَّهُمْ أَدْخَلُوا مَعَهُمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَلَمَّا فَرَغَ عَلِيٌّ قَالَ إِنَّمَا يَلِي الرَّجُلَ أَهْلُهُ. (ش) (رجال الحديث) (زهير) بن معاوية. و (عامر) الشعبي (قوله قال وحدثني مرحب الخ) أي قال عامر الشعبي حدثني مرحب أو ابن أبي مرحب. ومرحب بضم الميم وفتح الراء وتشديد الحاء المفتوحة من باب التفعيل ويقال سويد بن قيس، قال في التقريب مختلف في صحبته وقال ابن عبد البر ثقة في الكوفيين (أي في عدادهم) روى عنه الشعبي: روى له أبو داود

باب كم يدخل القبر

هذا الحديث فقط. وغرض المصنف بهذا بيان أن عامرًا الشعبي روى الحديث أولًا غير متصل ورواه من طريق مرحب ثانيًا متصلًا بناه على ثبوت صحبة مرحب وعلى عدم صحبته فهو يفيد قوة الحديث لقلة الساقط (معنى الحديث) (قوله أنهم أدخلوا معهم عبد الرحمن بن عوف) قال ابن عبد البر لا يوجد أن ابن عوف كان مع الذين دخلوا قبر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا من هذا الوجه اهـ (قوله إنما يلي الرجل أهله) يعني أن الأحق بتجهيز الميت ودفنه أهله وأقاربه، وقال ذلك اعتذارا منه للصحابة حيث تولى أمر غسل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ودفنه هو ومن معه من أقاربه (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ أَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي مُرَحَّبٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ نَزَلَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ أَرْبَعَةً. (ش) (ابن أبي خالد) إسماعيل البجلي تقدم بالرابع صفحة 7 (قوله كأني أنظر إليهم أربعة) منصوب على الحال أي كأني انظر إلى من نزل قبره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حال كونهم معدودين بهذا العدد. والغرض منه أنه متحقق مما أخبر به، ودل هذا على أنه دخل قبر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لدفنه أربعة، والأمر في ذلك واسع فإنه يجوز أن يدخل القبر من يحتاج إليه في أمر الدفن ثلاثة أو أكثر شفعًا أو وترًا. فقد روى أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن حماد عن إبراهيم النخعي قال أدخل القبر كم شئت. وروى عن وكيع عن الحسن البصري قال. لا يضرك شفع أو وتر: ودل أيضًا على أنه يستحب أن يتولى أمر الميت أقاربه، وإن كان الميت امرأة فينبغي أن يباشر دفنها محارمها من النسب أو المصاهرة أو الرضاع (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي، وأخرج ابن ماجه نحوه مطولًا من حديث ابن عباس قال: لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم بعثوا إلى أبي عبيدة ابن الجراح وكان يضرح كضريح أهل مكة، وبعثوا إلى أبي طلحة وكان هو الذي يحفر لأهل المدينة وكان يلحد فبعثوا إليهما رسولين فقالوا اللهم خر لرسولك فوجدوا أبا طلحة فجئ به ولم يوجد أبو عبيدة فلحد لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: فلما فرغوا من جهازه يوم الثلاثاء وضع على سريره في بيته ثم دخل الناس على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أرسالًا يصلون عليه حتى إذا فرغوا أدخلوا النساء حتى إذا فرغوا أدخلوا الصبيان، ولم يؤم الناس

من تولى دفن النبي - صلى الله عليه وسلم -

على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحد: وقد اختلف المسلمون في المكان الذي يحفر له، فقال قائلون يدفن في مسجده، وقال قائلون يدفن مع أصحابه، فقال أبو بكر إني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض، قال فرفعوا فراش رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الذي توفي عليه فحفروا له، ثم دفن صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وسط الليل من ليلة الأربعاء، ونزل في حفرته علي بن أبي طالب والفضل ابن العباس وقثم أخوه وشقران مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وقال أوس ابن خولى وهو أبو ليلى لعلىّ بن أبي طالب أنشدك الله وحظنا من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال له علي انزل، وكان شقران مولاه أخذ قطيفة كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يلبسها فدفنها في القبر وقال والله لا يلبسها أحد بعدك أبدًا فدفنت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ "وقوله يضرح" يعني يشق من ضرح الميت كمنع حفر له، والضريح القبر أو الشق وهذا هو المراد "وقوله أنشدك الله وحظنا" أي أسألك أن تراعي الله فينا وأن تعطينا حظنا فتأذن لي في نزول القبر "وقوله فدفنت معه" أي القطيفة وهي نوع من الكساء له خمل وقد فعل ذلك شقران اجتهادًا منه كراهة أن يلبسها أحد بعد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يعلم به أحد من الصحابة ولم يوافقه عليه: على أنه نقل عن ابن عبد البر أنها أخرجت من القبر لما فرغوا من وضع اللبنات. وقد روى النسائي بسنده إلى شعبة عن أبي جمرة عن ابن عباس قال: جعل تحت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين دفن قطيفة حمراء اهـ قال السيوطي في زهر الربى زاد ابن سعد في طبقاته قال وكيع هذا للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خاصة. وله عن الحسين أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بسط تحته شمل قطيفة حمراء كان يلبسها, قال وكانت أرض ندية. وله من طريق آخر عن الحسن أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال افرشوا لي قطيفتي في لحدي فإن الأرض لم تسلط على أجساد الأنبياء اهـ وفي إسناده الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس الهاشمي. تركه أحمد بن حنبل وعلي بن المديني والنسائي وقال البخاري كان يتهم بالزندقة وقواه ابن عدي وباقي رجاله ثقات (باب كيف يدخل الميت قبره) وفي بعض النسخ "باب في الميت يدخل من قبل رجليه" أي رجلي القبر (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ نَا أَبِي نَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ أَوْصَى الْحَارِثُ

باب كيف يدخل الميت قبره

أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْقَبْرَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيِ الْقَبْرِ وَقَالَ هَذَا مِنَ السُّنَّةِ. (ش) (عبيد الله بن معاذ) بن معاذ العنبري. و (شعبة) بن الحجاج. و (أبوإسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قوله أوصى الحارث) الأعور بن عبيد (قوله من قبل رجلي القبر) قبل بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة الموضع الذي تكون فيه رجلًا الميت بعد أن يوضع في القبر. وبه استدل مالك والشافعي وأحمد وغيرهم على أن السنة في إدخال الميت القبر أن يكون من رأسه بأن يوضع السرير في مؤخر القبر بحيث يكون رأس الميت بإزاء. وضع قدميه من القبر ثم يسل من قبل رأسه. ومن أدلتهم أيضًا ما رواه البيهقي وكذا الشافعي في مسنده قال: أخبرنا الثقة عن عمرو بن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس قال: سلّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من قبل رأسه وقال أيضًا أخبرنا بعض أصحابنا عن أبي الزناد وربيعة وأبي النضر لا اختلاف بينهم في ذلك أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من قبل رأسه وكذا أبو بكر. وفي المسألة أقوال. الأول ما ذكر وهو مروي عن ابن عمر وأنس وعبد الله بن يزيد والنخعي والشعبي وغيرهم. الثاني أن يسل الميت من قبل رجليه وهو مروي عن أنس وابن عمر. لما رواه أبو حفص عمرو بن شاهين في كتاب الجنائز بسنده إلى أنس قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدخل الميت من قبل رجليه ويسلّ سلًا. وروى ابن أبي شيبة في مصنفه بسنده إلى ابن سيرين قال: كنت مع أنس في جنازة فأمر بالميت فأدخل من قبل رجليه. وفيه عن جابر عن ابن عمر أنه أدخل ميتًا من قبل رجليه. الثالث أن يؤخذ من جهة القبلة معترضًا. وبه قال أبو حنيقة وهو مروي عن علي وابنه محمَّد وإسحاق بن راهوية. واحتجوا بما رواه ابن ماجه بسنده إلى عطية العوفي عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخذ من قبل القبلة واستقبل استقبالًا. وعطية العوفي ضعفه غير واحد. وبما رواه أبو داود في المراسيل عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أدخل القبر من قبل القبلة ولم يسلّ سلًا. وبما أخرجه ابن أبي شيبة أن عليًا كبر على يزيد بن المكفكف أربعًا وأدخله من قبل القبلة. وما أخرجه أيضًا عن ابن الحنفية أنه ولي ابن عباس فكبر عليه أربعًا وأدخله من قبل القلبة. وبما رواه البيهقي من حديث ابن عباس وابن مسعود وبريدة أنهم أدخلوا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من جهة القبلة. وهي روايات كلها ضعيفة بين ضعفها البيهقي. على أنه لا يتصور إدخاله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من جهة القبلة لأن قبره عن يمين داخل البيت لاصقًا بالجدار الذي في جهة القبلة فهو مانع من إدخاله

تغطية باب القبر عند إدخال الميت فيه

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من جهة القبلة كما ذكره الشافعي في الأم وأطنب في التشنيع على من يقول ذلك. ومن أدلتهم أيضًا ما رواه الترمذي من طريق الحجاج بن أرطأة عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخل قبرًا ليلًا فأسرج له بسراج فأخذه من قبل القبلة وقال رحمك الله إن كنت لأواها تلاء للقرآن وكبر عليه أربعًا. قال أبو عيسى حديث ابن عباس حديث حسن. لكن قال النووي في شرح المهذب لا يقبل قول الترمذي إنه حسن لأنه رواه هو وغيره من رواية الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف باتفاق المحدثين اهـ. ولعل وجه تحسين الترمذي له أنه ورد معناه من عدة طرق فارتفع إلى درجة الحسن. والخلاف إنما هو في الأفضل وإلا فالكل جائز. والراجح الأول لقوة أدلته والعمل اليوم عليه أيسر. قال ابن حزم يدخل الميت القبر كيف أمكن إما من جهة القبلة أو من مقابلها أو من قبل رأسه أو قبل رجليه إذ لا نص في شيء من ذلك اهـ. (فائدة) اختلف العلماء في نشر نحو ثوب على فم القبر عند إدخال الميت فيه. فذهبت الشافعية إلى استحبابه في الرجل والمرأة لما رواه البيهقي من حديث ابن عباس قال جلل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبر سعد بثوبه. قال البيهقي لا أحفظه إلا من حديث يحيى بن عقبة بن أبي العيزار وهو ضعيف اهـ ولما رواه عبد الرازق عن الشعبي عن رجل أن سعد بن مالك قال أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فستر على القبر حتى دفن سعد بن معاذ فيه فكنت ممن أمسك الثوب وفيه مبهم. قالوا إذا كان هذا في الرجل فالمرأة أولى. وذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد إلى أن ذلك في حق المرأة دون الرجل. لما رواه ابن أبي شيبة من طريق الثوري عن أبي إسحاق السبيعي قال شهدت جنازة الحارث فمدوا على قبره ثوبًا فجذبه عبد الله بن يزيد وقال إنما هو رجل. وروى الطبراني عن أبي إسحاق أيضًا أن عبد الله بن يزيد صلى على الحارث الأعور وفيه ثم لم يدعهم يمدون ثوبًا على القبر وقال هكذا السنة. وروى نحوه سعيد بن منصور في سننه وزاد فيه أنشطوا الثوب فإنما يصنع هذا بالنساء. وهذا هو الأولى. وما استدل به الشافعية ضعيف كما علمت. وعلى فرض صحته فيحتمل أنه مخصوص بسعد لأنه كان مجروحًا وكان جرحه قد تغير فستره رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لمنع الرائحة عن الحاضرين (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي وسعيد بن منصور في سننه وقال البيهقي إسناده صحيح (باب كيف يجلس عند القبر) وفي بعض النسخ باب الجلوس عند القبر (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ

باب في الدعاء للميت إذا وضع في قبره

زَاذَانَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي جَنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمْ يُلْحَدْ بَعْدُ فَجَلَسَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَجَلَسْنَا مَعَهُ. (ش) (جرير) بن عبد الحيد. و (الأعمش) سليمان بن مهران (وزاذان) أبو عبد الله الكندي تقدم بالثالث صفحة 23 (قوله في جنازة رجل من الأنصار) لم نقف على اسم هذا الرجل (قوله ولم يلحد بعد) بالبناء للمفعول يعني لم ينته حفر اللحد بعد وصولنا إلى القبر (قوله فجلس رسول الله الخ) وفي رواية النسائي وابن ماجه فجلس وجلسنا حوله كأن على وءوسنا الطير، وهو كناية عن سكونهم وتأدبهم في مجلس رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وفي الحديث) دلالة على مشروعية الجلوس عند القبر قبل دفن الميت واستحباب استقبال القبلة في الجلوس، وهو محل الترجمة (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه وسنده صحيح (باب في الدعاء للميت إذا وضع في قبره) (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ أَنَا ح وَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا وَضَعَ الْمَيِّتَ فِي الْقَبْرِ قَالَ "بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-". هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ. (ش) (قوله أنا ح وحدثنا مسلم بن إبراهيم نا همام) أشار به إلى أن محمَّد بن كثير ومسلم ابن إبراهيم رويا الحديث عن همام بن يحيي، إلا أن ابن كثير رواه بالإخبار، ومسلم بن إبراهيم رواه بالتحديث وفي بعض النسخ "حدثنا محمَّد بن كثير أنا سفيان ح وحدثنا مسلم بن إبراهيم نا همام" وهذه أوضح. و (همام) بن يبيح العوذي. و (قتادة) بن دعامة. و (أبو الصديق) بكر بن عمرو الناجي تقدم بالخامس صفحة 227 (قوله كان إذا وضع الميت) بالبناء للمعلوم أو المجهول والثاني أغلب، فإن وضعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الميت بنفسه كان نادرًا (قوله قال باسم الله الخ) أي قال صلى الله عليه وآله وسلم باسم الله وضعناك وعلى طريقة رسول الله وملته سلمناك (وفي الحديث) دلالة على استحباب هذا الذكر عند وضع الميت في قبره: ليكون اسم الله وسنة رسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كالحصن والعدة التي يتقى بها الفتن والأهوال.

باب الرجل يموت له قرابة مشرك

(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبيهقي وغيرهما من عدة طرق مختلفة العبارة. منها ما رواه ابن ماجه من طريق الليث بن أبي سليم والحجاج بن أرطأة عن نافع عن ابن عمر قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أدخل الميت القبر قال باسم الله وعلى ملة رسول الله. وفي رواية له باسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله. وفي رواية الترمذي باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله. وروى الطبراني وابن حبان في صحيحه والحاكم عن ابن عمر أنه قال: إذا وضعتم موتاكم في قبورهم فقولوا باسم الله وعلى ملة رسول الله. قال الحاكم حديث صحيح على شرط الشيخين. وروى الطبراني من طريق عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه قال قال أبي اللجلاج أبو خالد: يا بنيّ إذا أنا مت فألحدني فإذا وضعتني في لحدي فقل باسم الله وعلى ملة رسول الله ثم شن على التراب شنًا ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها فإني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول ذلك. وشن بضم الشين المعجمة أي رش على التراب الماء رشًا مترفقًا وبالسين المهملة أي رشًا متواليًا (باب الرجل يموت له قرابة مشرك) بتنوين قرابة على تقدير مضاف ومشرك صفة أي ذو قرابة مشرك أيباشر تجهيزه أم لا؟ وفي نسخة "باب الرجل يموت له والد مشرك" (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ. قَالَ "اذْهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ ثُمَّ لاَ تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي". فَذَهَبْتُ فَوَارَيْتُهُ وَجِئْتُهُ فَأَمَرَنِي فَاغْتَسَلْتُ وَدَعَا لِي. (ش) (رجال الحديث) يحيى القطان. و (سفيان) الثوري. و (إسحاق)، السبيعي. و (ناجية بن كعب) ويقال ابن خفاف الأسدي العنزي أبو خفاف الكوفي. روى عن ابن مسعود وابن عمار عليّ. وعنه أبو إسحاق وأبو حسان الأعرج ووائل بن داود. قال العجلي ثقة وقال ابن المديني مجهول وقال الجوزجاني مذموم وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والترمذي والنسائي (معنى الحديث) (قوله إن عمك الشيخ الضال) هو أبو طالب وأسمه عبد مناف اشتهر بكنيته عم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وشقيق أبيه، ولد قبل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بخمس وثلاثين سنة، ولما مات عبد المطلب جد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله

زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بخديجة. كفالة عمه أبي طالب له

وسلم في السنة الثامنة من عمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كفله أبو طالب بوصية من عبد المطلب وأحسن كفالته، فإن لأبي طالب في كفالته اليمن والبركة له ولولده ولأهل بيته ودافع عنه حين هم القوم بعداوته. ولما رغبت خديجة في التزوج منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذكر ذلك لأعمامه وخرج معه حمزة وكلم أباها فقبل وحضر رؤساء قريش وخطب أبو طالب فقال: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضئ معدّ وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته وسوّاس حرمه وجعل لنا بيتًا محجوجًا وحرمًا آمنًا وجعلنا الحكام على الناس ثم إن ابن أخي هذا محمَّد بن عبد الله لا يوزن به أحد إلا رجح، فإن كان في المال قل فالمال ظل زائل وأمر حائل ومحمد من قد عرفتم قرابته وقد خطب خديجة بنت خويلد وقد بذل لها من الصداق ما عاجله وآجله من مالي كذا وكذا "روي أنه أصدقها اثنتى عشرة أوقية من ذهب" وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطب جليل اهـ والقل بفم القاف القلة، والضئضئ والعنصر الأصل: ولما بعث صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قام بنصرته أبو طالب وذب عنه من عاداه ودافع عنه بنفسه ولسانه وأهل بيته. ولما اجتمعت قريش في السنة السابعة من البعثة وتعاهدوا علي مقاطعة بني هاشم وبني المطلب في البيع والشراء والنكاح وغيرها لنصرتهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في جوف الكعبة انحاز بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبي طالب ودخلوا معه في شعبة ولما رأى أبو طالب ما أجمعوا عليه قال ألا بلغا عني على ذات بيننا ... لؤيا وخصا من لؤي بني كعب ألم تعلموا أنا وجدنا محمَّدًا ... نبيًا كموسى خط في اللوح والكتب وأن عليه في العباد محبة ... ولا خير فيمن خصه الله بالخب (أي الخداع) (إلى أن قال) فلسنا ورب البيت نسلم أحمدًا ... لعزاء من عض الزمان ولا كرب "وعزاء" بفتح العين وضمها وتشديد الزاي الممدودة "الداهية العظيمة" وقد اشتهرت الأخبار بمدافعته وذبه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتحمل الضرر لأجله وما أحسن قوله في ذلك والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتى أوسد في التراب دفينا فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة ... وابشر وقر بذاك منك عيونًا ودعوتني وعرفت أنك ناصحي ... ولقد صدقت وكنت ثم أمينًا وعرضت دينًا قد عرفت بأنه ... من خير أديان البرية دينًا لولا الملامة أو حذار مسبة ... لوجدتنى سمحًا بذاك مبينًا

ثناؤه عليه ووصيته باتباعه هل شيع النبي صلى الله عليه وسلم جنازته؟

وما أحسن قوله في قصيدته الكبرى كذبتم وبيت الله نبزا محمدًا ... ولما نطاعن حوله ونناضل ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد ... وإخوته دأب المحب المواصل فمن مثله في الناس أي مؤمل ... إذا قاسه الحكام عند التفاضل حليم رشيد عادل غير طائش ... يوالي إلهًا ليس عنه بغافل فوالله لولا أن أجيء بسبة ... تجر على أشياخنا في المحافل لكنا اتبعناه على كل حالة ... من الدهر جدا غير قول التهاذل لقد علموا أن ابننا لا مكذب ... لدينا ولا يعبأ بقول الأباطل فأصبح فينا أحمد في أرومة ... تقصر عنها سورة المتطاول حدبت بنفسي دونه وحميته ... ودافعت عنه بالذرى والكلاكل وقوله نبزا بضم فسكون أي نغلب ونقهر. وكلفت بالبناء للمفعول تعلقت به تعلقًا شديدًا وقوله وإخوته يعني بهم أولاد نفسه. وأرومة بفتح الهمزة الأصل. والسورة تطلق على الغضبة والحدة والبطش: وحديث عطفت وملت. والذرى جمع ذروة وهي أعلى الشيء. والكلاكل جمع كلكل وهي عظم الصدور: وقد وصى قريشًا عند موته باتباعه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكان مما قال: والله لا يسلك أحد سبيله إلا رشد. ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد. ولو كان بنفسي مدة ولأجلي تأخير لكففت عنه الهزاهز " أي البلايا والحروب" ولدافعت عنه الدواهي. وفي السنة العاشرة من البعثة مات أبو طالب فاشتد حزن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ونالت قريش من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع فيه في حياة أبي طالب (قوله فوار أباك) أي استره بالدفن. فوار أمر من المواراة, وهي الستر. وقد جاء أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمره أيضًا بغسله وتكفينه. فقد روى ابن سعد في الطبقات بسنده إلى على قال: لما أخبرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بموت أبي طالب بكى ثم قال لي اذهب فاغسله ثم كفنه وواره. ففعلت ثم أتيته فقال لي اذهب فاغتسل, وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستغفر له أيامًا ولا يخرج من بيته حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين الآية". وروى ابن أبي شيبة في مصنفه بسنده إلى عليّ قال عمك الشيخ قد مات فما ترى فيه, قال أرى أن تغسله وتسجيه وأمره بالغسل (وظاهر الحديث) أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يشيع جنازة أبي طالب, لكن قال البيهقي: روى أبو داود في المراسيل عن عمرو بن عثمان عن بقية وعن محمَّد بن عوف عن أبي المغيرة كلاهما عن صفوان

المذاهب في تجهيز المسلم قريبه الكافر ما مات عليه أبو طالب

عن أبي اليمان الهوزني قال: لما توفي أبو طالب خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعارض جنازته. قال ابن عوف فجعل يمشي مجانبًا لها وهو يقول: برتك رحم وجزيت خيرًا ولم يقم على قبره. وفي نسخة رحمة بدل رحم (¬1) , أي "الإحسان إليك بالسير في جنازتك من صلة الرحم (قوله فأمرني فأغتسلت) أمره بالغسل لكونه غسل أبا طالب ومن غسل ميتًا ينبغي أن يغتسل, أو لكون أبي طالب مشركًا وهو نجس لقوله تعالى "إنما المشركون نجس" والظاهر الأول لعموم حديث من غسل ميتًا فليغتسل كما تقدم (فقه الحديث) دل الحديث على أن المسلم إذا مات له قريب كافر يقوم بدفنه, وكذا بغسله وتكفينه كما في الروايات الآخر. وإليه ذهبت الحنفية والشافعية. وقالت المالكية والحنابلة إن المسلم لا يغسل قريبه الكافر ولا يكفنه ولا يدفنه إلا أن يخاف عليه الضياع فيواريه وجوبًا مكفنًا في شيء لقوله تعالى "يأيها الذين آمنوا لا تتولوا قومًا غضب الله عليهم" وغسلهم ونحوه تول لهم ولأنه تعظيم لهم وتطهير فأشبه الصلاة عليهم. وعلى مشروعية الغسل لمن باشر تغسيل الميت ولا سيما إذا كان كافرًا. وعلى أن أبا طالب مات كافرًا, ولهذا لم يصل عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يأمر عليًا بالصلاة عليه. ويدل لهذا أيضًا ما رواه مسلم والبخاري واللفظ له من طريق ابن المسيب عن أبيه أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعنده أبو جهل فقال: أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله, فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب ترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به على ملة عبد المطلب, فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنه. فنزلت "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم" ونزلت "إنك لا تهدى من أحببت" ويؤيده أيضًا ما رواه الشيخان من طريق عبد الله بن الحارث قال: حدثنا العباس بن عبد المطلب قال للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما أغنيت عن عمك؟ فوالله كان يحوطك ويغضب لك قال هو في ضحضاح من نار, ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار. والضحضاح بفتح المعجمتين بينهما حاء مهملة الماء يبلغ الكعب فاستعير للنار. وفي حديث ابن عباس عند مسلم إن أهون أهل النار عذابا أبو طالب له نعلان يغلي منهما دماغه. وللبزار من حديث جابر قيل للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هل نفعت أبا طالب؟ قال أخرجته من النار إلى ضحضاح منها. ولهذا الأحاديث ونحوها قال أكثر أهل العلم إن أبا طالب مات كافرًا. وبه تعلم بطلان ما ذهب إليه بعض الشيعة من أنه مات مسلمًا مستدلين بأحاديث لا يثبت منها شيء. ¬

_ (¬1) وبرة اسم علم بمعنى البر

رد دعوى إسلامه

منها ما أخرجه ابن إسحاق من حديث ابن عباس أن أبا طالب لما تقارب منه الموت بعد أن عرض عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يقول لا إله إلا الله، فأبى قال فنظر العباس إليه وهو يحرك شفتيه فأصغى إليه فقال يا ابن أخي والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها. وهو حديث ضعيف في سنده من لم يسم. ويدل على ضعفه أيضًا سؤال العباس عن حال أبي طالب. وعلي فرض ثبوته فقد عارضه ما هو أصح منه مما تقدم في الصحيحين وغيرهما. وما ذكره أهل السير من أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما خرج من الكعبة وجلس في المسجد والناس حوله خرج أبو بكر وجاء بأبيه رضي الله عنهما يقوده وقد كف بصره فلما رآه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه؟ وفي لفظ لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه "تكرمة لأبي بكر" فقال أبو بكر يا رسول الله: هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه، فأجلسه بين يدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فمسح رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صدره وقال أسلم تسلم، فأسلم رضي الله عنه وهنأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أبا بكر بإسلام أبيه رضي الله عنهما، وعند ذلك قال أبو بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والذي بعثك بالحق لإسلام أبي طالب كان أقر لعيني من إسلامه. فهذا ظاهر في أن أبا طالب مات كافرًا فإن إسلام أبي قحافة كان في السنة الثامنة من الهجرة عام الفتح، وتقدم أن أبا طالب توفي قبل الهجرة بثلاث سنوات "وما قاله" من الشعر والنثر مما يدل على تصديقه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واعترافه بأن ما جاء به حق "فالجواب عنه" أنه نظير ما حكى الله عن كفار قريش من قوله (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًا). فقد كان كفرهم عنادًا وكبرًا. وإلى ذلك أشار أبو طالب فقال لولا أن تعيرني قريش يقولون إنما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينيك رواه مسلم (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي والبزار وابن أبي شيبة وابن راهويه والشافعي وأبو يعلى وأبو داود الطيالسي، وأخرج البيهقي نحوه من طريق الفضل بن دكين عن سفيان وزاد في آخره ثم دعا لي بدعوات ما يسرني ما على الأرض بهن من شيء (باب في تعميق القبر) (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ الْمُغِيرَةِ حَدَّثَهُمْ عَنْ حُمَيْدٍ -يَعْنِي ابْنَ هِلاَلٍ- عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ جَاءَتِ الأَنْصَارُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ

وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالُوا أَصَابَنَا قَرْحٌ وَجَهْدٌ فَكَيْفَ تَأْمُرُنَا قَالَ "احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وَاجْعَلُوا الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ فِي الْقَبْرِ". قِيلَ فَأَيُّهُمْ يُقَدَّمُ قَالَ "أَكْثَرُهُمْ قُرْآنًا". قَالَ أُصِيبَ أَبِي يَوْمَئِذٍ عَامِرٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ قَالَ وَاحِدٌ. (ش) وجه مطابقة الحديث للترجمة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما أمرهم بحفر القبر الذي يسع الرجلين والثلاثة، أفاد أنه لا بد من تعميقه (قوله عبد الله بن مسلمة القعنبي) هكذا في أكثر النسخ وفي بعضها حدثنا القعنبي وفي البعض الآخر حدثنا عبد الله بن مسلمة (قوله أصابنا قرح وجهد) أي قتل وجراحات وهزيمة، وأصل القرح بالفتح والضم الجرح، وقيل هو بالضم الاسم وبالفتح المصدر. والجهد بالفتح المشقة وبالضم الوسع والطاقة، والمراد هنا الأول (قوله احفروا) أمر من حفر من باب ضرب (قوله واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر) هذا إنما كان للضرورة، وأما في حال السعة فيتعين جعل كل واحد في قبر على حدة كما تقدم (قوله فأيهم يقدم) أي في اللحد إلى جهة القبلة ليكون أقرب إلى الكعبة (قوله قال أصيب أبي يومئذ الخ) أي قال هشام قتل أبي عامر يوم أحد ودفن بين اثنين أو دفن معه واحد. فقوله ببن اثنين متعلق بفعل محذوف لا بأصيب كما قد يتوهم (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي بسنده إلى هشام بن عامر قال لما كان يوم أحد أصاب الناس جهد شديد فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: احفروا وأوسعوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر. فقالوا يا رسول الله فمن تقدم؟ قال قدموا أكثرهم قرآنًا (ص) حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ -يَعْنِي الأَنْطَاكِيَّ- أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ -يَعْنِي الْفَزَارِيَّ- عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ زَادَ فِيهِ "وَأَعْمِقُوا". (ش) (أبو صالح) عبد الغفار بن داود البكري تقدم بالثامن ص 205. و (أبو إسحاق) إبراهيم بن محمَّد تقدم بالخامس ص 9 (قوله وأعمقوا) أي بالغوا في حفره إلى أسفل. واختلف في قدر الإعماق. فقالت المالكية أقله ما يمنع رائحة الميت ويحفظه من أكل السباع ولا حد لأكثره. وبه قال بعض الحنابلة. وقالت الشافعية وأكثر الحنابلة حد الإعماق قدر قامة وبسطة وهي مد يديه قائمة إلى رءوس الأصابع وهو مروي عن عمر بن الخطاب. واختلفت الحنفية. فقال بعضهم قدر نصف القامة. وقال آخرون إلى الصدر وإن زاد فحسن. وطوله على قدر طول الميت. وعرضه على قدر نصف طوله. وقال عمر بن عبد العزيز والنخعي حده إلى السرة. وقال

المذاهب في حد تعميق القبر

الإِمام يحيي إلى الثدي. وأقله ما يواري الميت ويمنع السبع. والمقام محتمل لكل ما ذكر لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم بيين حد الإعماق (فقه الحديث) دل الحديث على جواز جمع الموتى في قبر واحد للضرورة. وعلى مزيد فضل صاحب القرآن (وهذه الرواية) أخرجها أيضًا البيهقي وكذا النسائي بسنده إلى هشام بن عامر قال شكونا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم أحد فقلنا يا رسول الله الحفر علينا لكل إنسان شديد, فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم احفروا وأعمقوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد قالوا فمن تقدم يا رسول الله؟ قال قدموا أكثرهم قرآنًا, قال فكان أبي ثالث ثلاثة في قبر واحد (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا جَرِيرٌ نَا حُمَيْدٌ -يَعْنِي ابْنَ هِلاَلٍ- عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ. (ش) (جرير) بن حازم (قوله بهذا) هكذا في أكثر النسخ وفي بعضها بهذا الحديث (وهذه الرواية) أخرجها النسائي قال أخبرنا محمَّد بن معمر ثنا وهب بن جرير ثنا أبي قال سمعت حميد بن هلال عن سعد بن هشام بن عامر عن أبيه قال: لما كان يوم أحد أصيب من أصيب من المسلمين وأصاب الناس جراحات، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم احفروا وأوسعوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر وقدموا أكثرهم قرآنًا (باب تسوية القبر) (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ نَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي هَيَّاجٍ الأَسَدِيِّ قَالَ بَعَثَنِي عَلِيٌّ قَالَ لِي أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ لاَ أَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتُهُ وَلاَ تِمْثَالًا إِلاَّ طَمَسْتُهُ. (ش) (رجال الحديث) (سفيان) الثوري. و (أبو وائل) شقيق بن سلمة و (أبو هياج الأسدي) بفتح الهاء وتشديد المثناة التحتية اسمه حيان بن حصين الكوفي. روى عن علي وعمار. وعنه ابناه جرير ومنصور والشعبي وأبو وائل. قال العجلي تابعي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له مسلم والبيهقي والنسائي والترمذي وكذا أبو داود حديثًا واحدًا (معنى الحديث) (قوله أبعثك الخ) يعني أرسلك إلى مثل ما أرسلني إليه رسول الله صلى

النهي عن رفع القبور. ما يترتب عليه من المفاسد والمنكرات

الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله أن لا أدع قبرًا مشرفًا الخ) بيان لما بعث به النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عليًا. وفي بعض النسخ أن لا تدع بتاء الخطاب فيكون بيانًا لما بعث به عليّ أبا الهياج. وأن تفسيرية ولا ناهية. ويحتمل أن كون أن مصدرية: لا نافية خبر لمبتدأ محذوف أي هو عدم تركي قبرًا. ومشرفًا بكسر الراء أي مرتفعًا عن الأرض ارتفاعًا كثيرًا. أما ارتفاعه نحو شبر فمأذون فيه لما أخرجه سعيد بن منصور في سننه والبيهقي من حديث جعفر بن محمَّد عن أبيه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رش على قبر ابنه إبراهيم ووضع عليه حصباء ورفعه شبرًا. واتفق العلماء على استحباب رفع القبر نحو شبر ليعلم أنه قبر فيتوقى ويترحم على صاحبه إلا أن يكون مسلمًا دفن في دار الحرب فيخفى قبره مخافة أن يتعرض له الكفار بالأذى. أما الارتفاع الزائد على القدر المشروع فهو المأمور بهدمه جعله مساويًا بالسطح الأرض بحيث لا يكون مرتفعًا عنها إلا بالقدر المأذون فيه كما علمت. فما يفعله أهل زماننا من تشييد القبور ورفعها كثيرًا منكرات الشريعة التي يجب على المسلم إنكارها وتسويتها من غير فرق بين نبي وغيره وصالح وطالح، فقد مات جماعة من كبار الصحابة في عصر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم ترفع قبورهم ومات صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يرفع أصحابه قبره، فما أحق الصلحاء والعلماء أن يكون شعارهم هو الشعار الذي أرشد إليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وتخصيصهم بهذه البدعة المنهي عنها تخصيص لهم بما لا يناسب العلم والفضل فإنهم لو تكلموا في قبورهم لضجوا من اتخاذ الأبنية عليها وزخرفتها لأنهم لا يرضون حينئذ أن يكون لهم شعار من مبتدعات الدين ومنهياته. فما أقبح ما ابتدعه جهلة المسلمين من زخرفة القبور وتشييدها، وما أسرع ما خالفوا هدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه في قبورهم. وقد صرّح بتحريم رفع القبر أصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك والقول بأنه غير ممنوع لوقوعه من السلف والخلف بلا نكير لا يصح لأن غاية ما فيه أنهم سكتوا عن ذلك، والسكوت لا يكون دليلًا إذا كان في الأمور الظنية وتحريم رفع القبور ظني. قال الشوكاني في شرح حديث الباب: ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث دخولًا أوليًا القبب والمشاهد المعمورة على القبور، وأيضًا هو من اتخاذ القبور مساجد وقد لعن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فاعل ذلك، وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من فاسد يبكي لها الإِسلام. منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر فجعلوها مقصدًا لطلب قضاه الحوائج وملجأ لنجاح المطالب وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم وشدوا إليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا. وبالجملة إنهم لم يدعوا شيئًا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه. فإنا لله وإنا إليه راجعون. ومع هذه المنكر

الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف لا عالمًا ولا متعلمًا ولا أميرًا ولا وزيرًا ولا ملكًا. وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيرًا من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه من جهة خصمه حلف باللهِ فاجرًا فإذا قيل له بعد ذلك احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق، وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي رزء للإسلام أشد من الكفر؟ وأي بلاءً لهذا الدين أضر عليه من غير الله؟ وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة؟ وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبًا؟ لقد أسمعت لو نادت حيًا ... ولكن لا حياة لمن تنادي ولو نارًا نفخت بها آضاءت ... ولكن أنت تنفخ في رماد. اهـ (قوله ولا تمثالًا إلا صمسته) أي وأن لا أدع صورة إلا محوتها وأزلتها، فالتمثال بكسر التاء اسم لصورة ذي روح من مثلت الشيء بالتشديد والتخفيف إذا جعلت له صورة (فقه الحديث)، دل الحديث على طلب هدم ما ارتفع من القبور فوق شبر. وعلى حرمة تصوير ذي الروح. وعلى وجوب محو ما صور من ذلك. وتقدم بيان المقام وافيًا في (باب الجنب يؤخر الغسل) ص 296 من الجزء الثاني ويأتي إن شاء الله تعالى مزيد له في باب الصور (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد ومسلّم والنسائي والترمذي وقال حديث حسن والعمل على هذا عند بعض أهل العم يكرهون أن يرفع القبر فوق الأرض. قال الشافعي أكره أن يرفع إلا بقدر ما يعرف أنه قبر لكيلا يوطأ ولا يجلس عيه اهـ (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِوبْنِ السَّرْحِ نَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الْهَمْدَانِيَّ حَدَّثَهُ قَالَ كُنَّا مَعَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِرُودِسَ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ فَتُوُفِّيَ صَاحِبٌ لَنَا فَأَمَرَ فَضَالَةُ بِقَبْرِهِ فَسُوِّيَ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِهَا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ رُودِسُ جَزِيرَةٌ فِي الْبَحْرِ. (ش) (رجال الحديث) (ابن وهب) عبد الله. و (أبو على الهمدان) ثمامة بن شفى تقدم بالرابع صفحة 293. و (فضالة بن عبيد) بن ناقذ بقاف وذال معجمة ابن قيس بن صهيب بن الأصرم الأوسي أبو محمد. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن

كيفية قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه

أبي الدرداء. وعنه حبيش بن عبد الله الصنعاني وعلي بن رباح ومحمد بن كعب القرظي وغيرهم. أسلم قديمًا ويشهد أحدًا وما بعدها وشهد فتح. مصر والشام ولاه معاوية قضاء الشام بعد أبي الرداء. وكان ممن بايع تحت الشجرة. قيل مات في حلافة معاوية وكان معاوية ممن حمل سريره (معنى الحديث) (قوله برودس) براء مضمومة ودال مهملة مكسورة ثم سين مهملة على ما في أكثر النسخ وفي بعضها بالذال المعجمة وهي جزيرة في البحر الأبيض المتوسط (بحر الروم) مقابل الإسكندرية على ليلة منها، فتحت. سنة ثلاث وخمسين من الهجرة في عهد معاوية وقام بها جماعة من المسلمين كانوا أشداء الكفار يعترضونهم في البحر ويقطعون سبيلهم، كان معاوية يدرّ عليهم الأرزاق والعطايا. ولما تولى ابنه اليزيد أخرجهم منها، ولم تزل تتقلب عليها الأيدي حتى استولى عليها السلطان سليم الثاني سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة هجرية وهي الآن تابعة لإيطاليا (والحديث) يدل على مشروعية تسوية القبر لكن مع ارتفاع قليل كما تقدم (الحديث) أخرجه أيضًا مسلم والنسائي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ هَانِئٍ عَنِ الْقَاسِمِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ يَا أُمَّهْ اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَصَاحِبَيْهِ رضي الله عنهما فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلاَثَةِ قُبُورٍ لاَ مُشْرِفَةٍ وَلاَ لاَطِئَةٍ مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ يُقَالُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مُقَدَّمٌ وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ وَعُمَرُ عِنْدَ رِجْلَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. (ش) (ابن أبي فديك) محمَّد بن إسماعيل بن أبي فديك تقدم بالثالث صفحة 17. و (القاسم) بن محمَّد (قوله يا أمه) أصله يا أمي حذفت ياء المتكلم وعوض عنها هاء التأنيث. وفي رواية الحاكم يا أماه بالألف المنقلبة عن ياء المتكلم وهاء السكت. وخاطبها بهذا مع أنها عمته لأنها بمنزله أمه أو لكونها أم المؤمنين (قوله لا مشرفة ولا لاطئه) أي لا مرتفعة كثيرًا ولا مساوية للأرض بل مرتفعة نحو شبر. ولاطئة بالهمز أو بالياء أي لازقة يقال لطئ يلطأ مثل لصق وزنًا ومعنى (قوله مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء) أي مفروشة بحصباء الموضع المعروف بالعرصة الحمراء والبطحاء في الأصل مسيل واسع فيه دقاق الحصا. والمراد به هنا الحصا لإضافته إلى العرصة، وهي

هل تسنيم القبر أفضل أم تسطيحه؟

كل موضع واسع لا بناء فيه (قوله قال أبو علي) هو الهمداني المتقدم في الحديث السابق ويحتمل أن يراد به اللؤلؤي أحد تلاميذ المصنف (قوله يقال الخ) أي يروي بالسند السابق فقد روى البيهقي والحاكم من حديث ابن أبي فديك عن عمرو بن عثمان عن القاسم قال: رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مقدمًا وأبا بكر رأسه بين كتفي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعمر رأسه عند رجلي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وهاك هيئة قبورهم قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ___ قبر أبي بكر رضي الله تعالى عنه ______ قبر عمر رضي الله تعالى عنه واستدل الشافعي وبعض أصحابه والمؤيد بالله والقاسم بهذا الحديث على أن تسطيح القبور أفضل من تسنيمها لأن قوله مبطوحة يشعر بذلك. واستدلوا أيضًا بحديث علي وحديث فضالة المذكور فيهما الأمر بتسوية القبر. وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك وأحمد والمزني وبعض الشافعية إن التسنيم أفضل. لما رواه البخاري عن سفيان التمار أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسنمًا. وروى ابن أبي شيبة عن سفيان أيضًا قال دخلت البيت الذي فيه قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فرأيت قبره وقبر أبي بكر وعمر مسنمة. وأجابوا عن أحاديث التسوية بأنها ليست نصًا في التسطيح بل هي محتمله له ولإزالة ما ارتفع عن القدر المشروع وهو لا ينافي التسنيم. وعن حديث القاسم بأنه محتمل أيضًا لما قالوه ولفرشه بالحصباء ذكر، والفرش يكون خالي التسطيح والتسنيم. وجمع البيهقي بين حديث القاسم وحديث التمار بأن قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أولًا مسطحًا ثم لما سقط الجدار في زمن الوليد بن عبد الملك أصلح فجعل مسنمًا. وقد علمت أن الخلاف إنما هو في الأفضل والكل جائز (والحديث) أخرجه أيضًا الحاكم والبيهقي (باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف) وفي بعض النسخ باب الاستغفار عند القبر للميت (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ نَا هِشَامٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَحِيرٍ عَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ "اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ بَحِيرُ بْنُ رَيْسَانَ.

التنفير من المشي على القبر وقضاء الحاجة فيه. سؤال القبر

(ش) (رجال الحديث) (هشام) بن يوسف الصنعاني أبو عبد الرحمن. روى عن معمر وابن جريج والثوري والقاسم بن فياض وطائفة. وعنه زكريا بن يحيى والشافعي وابن المديني وابن معين وإسحاق بن راهويه وجماعة، قال الحاكم ثقة مأمون وقال الخليلي. ثقة متفق عليه ووثقه أبو حاتم والعجلي وأبو زرعة. توفي سنة سبع وتسعين ومائة. روى له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي. و(عبد الله بن بحير) بالحاء المهملة مكبر ابن ريسان بفتح فسكون المرادي أبو وائل اليماني الصنعاني. روى عن عبد الرحمن بن يزيد وعروة بن محمَّد وهانئ مولى عثمان. وعنه إبراهيم بن خالد وعبد الرزاق وهشام بن يوسف. وثقه ابن معين وقال ابن المديني كان يتقن ما سمع وذكره ابن حبان في الثقات. وقال النسائي ليس به بأس. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه. و(هانئ) مولى عثمان أبو سعيد البربري الدمشقي. روى عن مولاه وجدي بن الحارث مولى عمر. وعنه عبد الله بن بحير وسليمان بن يثربي. قال النسائي ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله وقف عليه) وفي رواية الطبراني عن أبي أمامة قال أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره (الحديث) والمراد أنه يقف قريبًا من رأس القبر لا أنه يقف على القبر نفسه لما رواه ابن ماجه بإسناد جيد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لأن أمشى على جمرة أو سيف أو أخصف نعلي برجلي أحب إلى من أن أمشي عل قبر مسلم وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق، وقوله "أو أخصف نعلي برجلي" كناية عن تحمل أعظم مشقة في سبيل ترك المشي على القبر فإن خصف النعل بالرجل إن أمكن كان بتعب شديد، وقوله "وما أبالي أوسط القبور، يعني أن قضاء الحاجة في القبور قبيح كقضائها وسط السوق. ولما رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن عن عبد الله بن مسعود لأن أطأ علي جمرة أحب إليّ من أن أطأ على قبر مسلم (قوله وسلوا له التثبيت الخ) أصله اسألوا حذفت الهمزة الأولى استغناء عنها بعد نقل حركة الهمزة الثانية إلى السين ثم حذفت الهمزة الثانية تخفيفًا. وفي بعض النسخ اسألوا له بالتثبيت بإثبات الهمزتين في اسألوا على الأصل وبالباء الزائدة، أي اطلبوا له التثبيت على القول الحق والنطق بالصواب عند السؤال فإنه الآن يسأل عن ربه ودينه ونبيه. فقد جاء في رواية البخاري عن أنس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل؟ لمحمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له

الطاعات تقي صاحبها عذاب القبر

انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنة فيراهما جميعًا. وأما المنافق والكافر فيقال ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول لا أدري كنت أقول ما يقوله الناس فيقال لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين. وقد جاء أن الأعمال تكون سببًا في نجاة المؤمن ففي رواية الطبراني الأوسط وابن حبان في صحيحه واللفظ له عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون مدبرين، فإن كان مؤمنًا كانت الصلاة عند رأسه وكان الصيام عن يمينه وكانت الزكاة عن شماله وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من قبل رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس ما قبلي مدخل، فيقال له اجلس فيجلس قد مثلت له الشمس وقد أدنت للغروب فيقال له أرأيتك هذا الذي كان قبلكم ما تقول فيه وماذا تشهد عليه؟ فيقول دعوني حتى أصلي فيقولون إنك ستفعل أخبرنا عما نسألك عنه أرأيتك هذا الرجل الذي كان قبلكم ماذا تقول فيه وماذا تشهد عليه؟ قال فيقول محمَّد أشهد أنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنه جاء بالحق من عند الله، فيقال له على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء الله، ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها، فيزداد غبطة وسرورًا ثم يفتح له باب من أبواب النار فيقال له هذا مقعدك وما أعد الله لك فيها لو عصيته، فيزداد غبطة وسرورًا ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعًا وينور له فيه ويعاد الجسد لما بدئ منه فتجعل نسمته في النسم الطيب وهي طير تعلق في شجرة الجنة فذلك قوله تعالى (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) الآية، وإن الكافر إذا أتى من قبل رأسه لم يوجد شيء ثم أتى عن يمينه فلا يوجد شيء ثم أتى عن شماله فلا يوجد شيء ثم أتى من قبل رجليه فلا يوجد شيء فيقال له اجلس فيجلس مرعوبًا خائفًا فيقال أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ماذا تقول فيه وماذا تشهد عليه؟ فيقول أي رجل ولا يهتدى لاسمه؟ فيقال له محمد فيقول لا أدري سمعت الناس قالوا قولًا فقلت كما قال الناس فيقال له على ذلك حييت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله ثم يفتح له باب من أبواب النار فيقال له هذا مقعدك من النار وما أعد الله لك فيها فيزداد حسرة وثبورًا ثم يفتح له باب من الجنة فيقال له هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها لو أطعته فيزداد حسرة وثبورًا، ثم يضيق عليه قبره حق تختلف فيه أضلاعه فتلك المعيشة الضنكة التي قال الله "فإن له معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى" (النسمة) بفتح النون والسين الروح وقوله (تعلق)

باب كراهية الذبح عند القبر

بضم اللام أي تأكل، وسيأتي مزيد لذلك في "باب المسألة في القبر وعذاب القبر" من كتاب السنة إن شاء الله تعالى (فقه الحديث) دل الحديث علي طلب الاستغفار للميت عقب الدفن. وعلى طلب التثبيت له. وعلي أن الميت ينتفع بدعاء الحي له. ويؤيد ذلك ما رواه ابن أبي شيبة: حدثنا إسماعيل بن علية عن عبد الله بن أبي بكر قال كان أنس بن مالك إذا سوى علي الميت قبره قام عليه فقال اللهم عبدك رد إليك فارأف به وارحمه اللهم جاف الأرض عن جنبه وافتح أبواب السماء لروحه وتقبله منك بقبول حسن، اللهم إن كان محسنًا فضاعف له في إحسانه أو قال فزد في إحسانه وإن كان مسيئًا فتجاوز عنه. ودل علي أن الميت تحله الحياة في القبر. وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر. وعلى ثبوت سؤال الميت فيه. وعلي أن السؤال يكون عقب الدفن (والحديث) أخرجد الحاكم أيضًا وصححه وأخرجه البزار وقال لا يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا من هذا الوجه اهـ وأخرجه البيهقي أيضًا من حديث علي بن عبد الله بن جعفر قال: ثنا هشام بن يوسف عن عبد الله بن بحير عن هانئ مولى عثمان بن عفان قال كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف علي قبر بكى حتى يبل لحيته قال فيقال له تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا؟ قال فقال إني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول "إن القبر أول منازل الآخرة فمن نجا منه فما بعده أيسر منه ومن لم ينج منه فما بعده أشد منه" قال وقال عثمان ما رأيت منظرًا قط إلا والقبر أفظع منه: قال عثمان رضي الله عنه وكان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا فرغ من دفن الميت قال استغفروا لميتكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل (باب كراهية الذبح عند القبر) (ص) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى الْبَلْخِيُّ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لاَ عَقْرَ فِي الإِسْلاَمِ". قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ كَانُوا يَعْقِرُونَ عِنْدَ الْقَبْرِ بَقَرَةً أَوْ بِشَيءٍ. (ش) (عبد الرزاق) بن همام. و (معمر) بن راشد. و (ثابت) البناني (قوله لا عقر في الإِسلام) أي ليس ذبح الذبائح عند القبور أو تحت السرير عند خروج الميت معروفًا في الإِسلام والنفي فيه بمعنى النهي. وأصل العقر ضرب قوائم البعير بالسيف وهو قائم ثم استعمل في الذبح. ونهى عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأنهم كانوا يعملونه في الجاهلية

باب الميت يصلي على قبره بعد حين

كانوا يعقرون الإبل أو البقر علي قبر الرجل الجواد ويقولون نكافئه علي فعله فإنه كان يطعم الضيفان في حياته فنعقرها بعد وفاته لتأكلها الطير والسباع ليكون جوادًا بعد وفاته كما كان حال حياته. ومن كان من الجاهلية يقر بالبعث بعد الموت يقول من عقرت له راحلته حشر يوم القيامة راكبًا ومن لم يعقر له حشر راجلًا أفاده الخطابي: ومنه تعلم أن ما يفعله كثير من أهل زماننا من ذلك ليس له أصل في الدين وإنما هو بدعة مذمومة. قال في المدخل وليحذر من هذه البدعة التي يفعلها بعضهم وهي أنهم يحملون أمام الجنازة مع الحاملين في الأقفاص الخرفان والخبز ويسمون ذلك بعشاء القبر فإذا أتوا إلى القبر ذبحوا ما أتوا به بعد الدفن وفرقوه مع الخبز ويقع بسبب ذلك مزاحمة وضرب، ويأخذ ذلك من لا يستحقه ويحرمه المستحق في الغالب وذلك مخالف للسنة من وجوه (الأول) أن ذلك من فعل الجاهلية لما رواه أبو داود عن أنس عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه قال "لا عقر في الإِسلام" والعقر الذبح عند القبر (الثاني) ما فيه من الرياء والسمعة والمباهاة والفخر لأن السنة في أفعال القرب الإسرار بها دون الجهر فهو أسلم. والمشي بذلك أمام الجنازة جمع بين إظهار الصدقة والرياء والسمعة والمباهاة والفخر ولو تصدق بذلك في البيت سرًا لكان عملًا صالحًا لو سلم من البدعة أعنى أن يتخذ ذلك سنة أو عادة لأنه لم يكن من فعل من مضى والخير كله في اتباعهم رضي الله تعالى عنهم اهـ بحذف (قوله يعني ببقرة أو بشيء) هكذا في أكثر النسخ، وفي بعضها يعني بقرة أو شيئًا وهي رواية البيهقي، وفي بعضها بقرة أو شاء، وفي بعضها شاة، والفرق بينها أن المراد بالشيء ما يذبح من الحيوانات غير البقر فهو أعم من الشاة والشاء والفرق بين الأخيرين أن الأول اسم للواحد من الشياه والثاني اسم لمجمع منها. (والحديث) يدل على تحريم الذبح عند القبر: وعلى ذم التشبه بالجاهلية (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي (باب الميت يصلي على قبره بعد حين) وفي نسخة "باب الصلاة على القبر بعد حين" (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ. (ش) (أبو الخير) مرثد بن عبد الله المصري تقدم بالثالث صفحة 341 (قوله صلى على أهل أحد الخ) وكانت صلاته صلى الله عليه وآله ومحمَّد لم عليهم بعد وفاتهم بثمان سنين كما في الرواية

بعد: وقوله صلاته على الميت أي كصلاته علي الجنازة (وهو بظاهره) يدل على أن النبي صل الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى على أهل أحد صلاة الجنازة بعد هذه المدة، فيكون الحديث من أدلة من قال بجواز الصلاة على الشهداء وحجة لمن قال بجواز الصلاة على القبر، ويحتمل أنه أراد بالصلاة الدعاء الشبيه بدعاء صلاة الجنازة (قال ابن حبان) في صحيحه المراد بالصلاة في هذا الحديث الدعاء إذ لو كان المراد حقيقة الصلاة للزم من يقول بها أن تجوز الصلاة على الميت بعد دفنه بسنين، فإن وقعة أحد كانت في سنة ثلاث من الهجرة وهذه الصلاة كانت حين خروجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الدنيا بعد وقعة أحد بسبع سنين وهو لا يقول بذلك اهـ وعلى هذا فلا يكون الحديث حجة لمن ذكر وتقدم بسط الكلام على هذا في "باب الشهيد يغسل" (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم عن قتيبة، وأخرجه البخاري والبيهقي من طريق سعيد بن شرحبيل عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يومًا فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال: إني فرطكم وأنا شهيد عليكم إني والله لأنظر الآن إلى حوضي وإني قد أعطيت خزائن مفاتيح الأرض أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ نَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ. (ش) (ابن المبارك) عبد الله (قوله بهذا الحديث) أي حدث حيوة بن شريح عن يزيد بن أبي حبيب بحديث الليث بن سعد عنه وزاد ابن شريح في روايته قوله بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات، وفي بعض النسخ بعد ثماني سنين بإثبات الياء. وقد بين ما يشعر بتوديعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في رواية البيهقي من طريق زكريا بن عدي قال أنبأنا ابن المبارك عن حيوة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة هو ابن عامر قال صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع على المنبر فقال إني بين أيديكم فرط وأنا عليكم شهيد وموعدكم الحوض وإني لأنظر إليه من مقامي هذا وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها قال فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى

باب البناء على القبر المذاهب في ذلك

آله وسلم "يعني يخطب الناس على المنبر" (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية الصلاة علي الشهيد في قبره بعد حين، وقد علمت ما فيه. وعلي مزيد فضل قتلى أحد. وعلى أنه ينبغي للرءيس إذا استشعر بدنو أجله أن ينصح المرءوسين بما فيه سعادتهم (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري في غزوة أحد. ومسلم في فضائل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. والبيهقي بلفظ تقدم (باب البناء على القبر) وفي بعض النسخ باب في البناء على القبر (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَهَى أَنْ يُقْعَدَ عَلَى الْقَبْرِ وَأَنْ يُقَصَّصَ وَيُبْنَى عَلَيْهِ. (ش) (عبد الرزاق) بن همام. و (ابن جريح) عبد الملك بن عبد العزيز. و (أبو الزبير) محمَّد ابن مسلم بن تدرس (قوله نهى أن يقعد على القبر) بالبناء للمفعول، ويأتي الكلام على القعود على القبر في الباب الآتي (قوله وأن يقصص) بقاف وصادين مهملتين أي يطلى بالقصة بفتح القاف تشديد المهملة أي الجص وهو المعروف بالجير. وظاهر النهي التحريم فيكون تجصيص القبور حرامًا. وبه قال ابن حزم. وقالت الحنفية والمالكية والشافعية وأحمد وداود وكثيرون إنه مكروه حملا للنهي على الكراهة. لكن لم نقف لهم على صارف للنهي عن التحريم. ولعل حكمة النهي أن القبر للبلى لا للبقاء أو أن ذلك من زينة الدنيا ولا حاجة للميت إليها. أما تطيينه فقال الحسن البصري والشافعي وأحمد لا بأس به لئلا ينطمس وحكي هذا في البحر عن الهادي والقاسم. وقال مالك يكره ما لم يتوقف منع الرائحة علي تطيينه وإلا جاز. وعند أبي حنيفة وأصحابه لا يكره على المختار (قوله ويبنى عليه) أي نهى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن البناء على القبر. قال التوربشتي البناء يحتمل وجهين البناء على القبر بالحجارة أو ما يجري مجراها والآخر أن يضرب عليها خباء ونحوه وكلاهما منهي عنه اهـ. وفيه دلالة على تحريم البناء على القبور على ظاهر النهي. وبه جزم ابن حزم. وفصل الشافعي وأصحابه وكذا الحنابلة في الأصح عندهم فقالوا إن كان البناء في ملك الباني فمكروه وإن كان في مقبرة مسبلة فحرام. قال النووي قال أصحابنا ويهدم هذا البناء بلا خلاف. وقالت الحنفية يحرم إن كان للزينة ويكره إن كان للإحكام. وقال في الأزهار النهي عن البناء للكراهة إن كان في ملكه وللحرمة في المقبرة المسبلة ويجب الهدم

اتفاق العلماء على وجوب هدم ما في قرافة مصر من المباني. حكم إعداد القبر

وإن كان مسجدًا اهـ. وقالت المالكية يكره البناء على القبر نفسه أو تحويز عليه ولو بلا قبة إن كان بأرض مباحة بملك للميت أو ملك غيره بإذنه أو أرض موات إذا لم يكن مباهي به فإن كان بأرض غير مباحة بأن كانت موقوفة للدفن مثل قرافة مصر أو فعل ذلك للمباهاة لكونه كان كبيرًا حرم لما فيه من التحجير على ما هو حق لعموم المسلمين ولأنه من الإعجاب والكبر المنهي عنهما، وكذا يحرم البناء والتحويز إذا كان ذريعة لإيواء أهل الفساد قالوا ومن الضلال المجمع عليه أن كثيرًا من الأغنياء يبنون أسبلة ومدارس ومساجد وينبشون الأموات ويجعلون محلها الأكنفة ويزعمون أنهم فعلوا الخيرات كلا. ما فعلوا إلا المهلكات. قال الحطاب الموقوف كالقرافة التي بمصر لا يجوز فيها البناء مطلقًا، ويجب على ولي الأمر أن يأمر بهدمها اهـ وقال في المدخل البناء في القبور غير منهي عنه إذا كان في ملك الإنسان لنفسه، وأما إذا كانت مرصدة فلا يحل البناء فيها. ثم ذكر أنا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه جعل القرافة بمصر لدفن موتى المسلمين واستقر الأمر على ذلك وأن البناء بها ممنوع، وذكر عن بعض الثقات أنه أخبره أن السلطان الظاهر أمر باستفتاء العلماء في زمنه في هدم ما بها من البناء فاتفقوا على لسان واحد أنه يجب على وليّ الأمر أن يهدم ذلك كله ويجب عليه أن يكلف أصحابها رمي ترابها في الكيمان ولم يختلف في ذلك أحد منهم اهـ قالوا واختلف هل يجوز إعداد قبر في الأرض الموقوفة حال الحياة؟ قال خليل في توضيحه وانظر هل يجوز حفر قبر للحي ابتداء؟ والأقرب عدم جوازه لأنه لا يدري هل يموتُ هنا أم لا وقد يموت بغيره ويحسب غيره أن في هذا القبر أحدًا فيكون غاصبًا لذلك. وقد ورد من غصب شبرًا من أرض طوقه الله من سبع أرضين اهـ قال في المدخل وليس له أن يحفر قبرًا ليدفن فيه إذا مات لأنه تحجير على غيره ومن سبق كان أولى بالموضع منه ويجوز له ذلك في ملكه لأنه لا غصب في ذلك وفيه تذكرة لمن حفر له اهـ من الخطاب. وقال الأمير "وحرم بموقوفة" كإعداده القبر حال الحياة وسمعت. شيخنا "يقول" ترب مصر كالملك فيجوز إعداده "أي القبر". قال محشيه حجازي "قوله وحرم بموقوفه" إلا أن يكون يسيرًا كما في الحطاب ومثل الموقوفة المسجد عند جواز الدفن فيه، قال الفاكهاني على الرسالة لأن في ذلك تضييقًا على الناس، قال الشافعى وقد رأيت من الولاة من يهدم بمكة ما بني بها ولم أر الفقهاء يغيرون عليه، وقد أفتى من تقدم من جملة العلماء على ما أخبرني به من أثق به بهدم ما بني بقرافة مصر وإلزام البانين فيها حمل النقض وإخراجه عنها إلى موضع غيرها، وقد كان هذا قبل أن يتغالوا فيها بالبناء والتفنن فيه ونبش القبور لذلك وتصويب المراحيض على أموات المسلمين من الأشراف والعلماء والصالحين وغيرهم فكيف في هذا الزمان وقد تضاعف ذلك جدًا حتى كأنهم لم يجدوا من البناء فيها بدًا وجاء في ذلك أشياء إذا فتحت على ولي الأمر أرشده الله لأمر بهدمها وتخريبها حتى يعود طولها

النهي عن الكتابة على القبر والزيادة فيه

عرضًا وسماؤها أرضًا. ولو لم يكن في البناء فيها مفسدة إلا الضيق على الناس لكان كافيًا في وجوب الهدم فكيف وقد انضاف لذلك هتك الحريم واختلاط البريء بالسقيم فإنهم استباحوا التكشف فيها واتخذوه ديدنًا لا يستحون من الله تعالى ولا من الناس وخالفوا في ذلك الكتاب والسنة والإجماع والقياس ربما أضافوا لذلك آلات الباطل من الدفوف والشبابات "الغاب" واقتحموا في ليالي الجمع وغيرها تعاطي هذه المحرمات واستهانوا بحرمة القبور وارتكبوا بين ظهرانيها الفجور، وربما أكلوا الحشيش وشربوا الخمور، وهذا مع أنها مواطن الاعتبار وتذكر الموت وخوف عقوبة الجبار فناهيك بها معصية ما أفظعها وشناعة ما أشنعها ولم أسمع بذلك في بلد من بلاد المسلين ولا غيرهم اهـ (فقه الحديث) دل الحديث على النهي عن القعود على القبر ويأتي تمام الكلام عليه. ودل على النهي عن تجصيص القبور. وعلى النهي عن البناء على القبور (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد ومسلم والنسائي وكذا البيهقي من طريق حجاج بن محمَّد عن ابن جريج (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالاَ نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ عُثْمَانُ أَوْ يُزَادَ عَلَيْهِ وَزَادَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى أَوْ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُسَدَّدٌ فِي حَدِيثِهِ أَوْ يُزَادَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ خَفِيَ عَلَيَّ مِنْ حَدِيثِ مُسَدَّدٍ حَرْفُ وَأَنْ. (ش) (قوله بهذا الحديث) أي بنحو الحديث المتقدم المروي من طريق عبد الرزاق، ولفظه كما في النسائي من طريق حفص بن غياث بسنده إلى جابر قال: نهى رسول الله كل الله عليه وسلم أن يبنى على القبر أو يزاد عليه أو يجصص زاد سلمان بن موسى أو يكتب عليه (قوله قال عثمان الخ) أي قال عثمان بن أبي شيبة في روايته أو يزاد عليه. أي نهى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يزاد على القبر وذلك بأن يزاد في بنائه زيادة تؤدي إلى ارتفاعه عن نحو الشبر أو يزاد على التراب الذي خرج منه كما هو ظاهر تبويب البيهقي بقوله "باب لا يزاد في القبر أكثر من ترابه لئلا يرتفع" وقيل المراد بالزيادة عليه أن يزاد طولًا أو عرضًا عن قدر جسد الميت أو أن يجعل قبر على قبر آخر (قوله وزاد سليمان الخ) ظاهر المصنف أن سليمان بن موسى انفرد بزيادة الكتابة في الحديث. لكن جاء في رواية الحاكم من طريق حفص بن غياث عن ابن جريج عن أبي الزبير عن

الخلاف في حكم الكتابة على القبور

جابر قال: نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يبني على القبر أو يجصص أو يقعد عليه ونهى أن يكتب عليه. وفي رواية له عن أبي معاوية عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن تجصيص القبور والكتاب فيها والبناء عليها والجلوس عليها (قوله قال أبو داود خفي علي من حديث مسدد حرف وأن) يعني كلمة وأن فيما زاده سليمان فلم أدر أعبر بها أو بأو كما في رواية النسائي المتقدمة. وفي بعض النسخ خفي علي من حديث مسدد حرف (يعني كلمة أن) وفي هذه الرواية النهي عن الكتابة على القبر لا فرق بين كتابة اسم الميت أو تاريخ موته أو كتابة شيء من القرآن أو كتابة أسماء الله تعالى ونحو ذلك. وإلى ذلك ذهبت الأئمة في الأربعة وغيرهم لأن ذلك من البدع التي أحدثها أهل الفخر والمباهاة والسمعة. ولاحتمال أن يسقط على الأرض فيعرض للإهانة. وقال بعض الحنفية لا بأس بكتابة الاسم لا على وجه الزخرفة بل ليعلم به القبر قياسًا على وضعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حجرًا على قبر عثمان بن مظعون كما تقدم، وهو من تخصيص النص بالقياس. والظاهر الأول. وبه قال الجمهور "وما ذكره" الحاكم من قوله ليس العمل على أحاديث النهي عن الكتابة على القبر فإن أئمة المسلمين من الشرق إلى الغرب مكتوب على قبورهم وهو عمل أخذ به الخلف عن السلف (تعقبه) الذهبي بأنه محدث، ولعل من كتب على القبور في عهدهم لم يبلغهم النهي، أما دعوى أن ذلك مما أخذه الخلف عن السلف فغير مسلمة فإنه لم يثبت عن أحد من الصحابة والتابعين أنه فعل ذلك أو أقره (وهذه الرواية) أخرجها أيضًا النسائي والبيهقي والحاكم، وكذا الترمذي من طريق محمَّد بن ربيعة عن ابن جريج وقال هذا حديث حسن صحيح قد روى من غير وجه عن جابر اهـ وأخرجه أيضًا ابن ماجه مختصرًا من طريق سليمان بن موسى عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يكتب على القبر شيء. وما قيل من أن رواية الكتابة منقطعة لأن سليمان بن موسى لم يسمع من جابر غير مسلم لما علمته من أن أبا الزبير رواها عن جابر في رواية الحاكم فهي متصلة (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ". (ش) مناسبة الحديث للترجمة أن من اتخاذ المساجد على القبور بناءها عليها (قوله قاتل الله اليهود)

منع الصلاة إلى قبور الأنبياء والأولياء واتخاذها مساجد

زاد مسلم والنصارى أي قتلهم وأهلكهم، فقاتل بمعنى قتل كسارع بمعنى أسرع، أو المعنى لعنهم الله وأبعدهم عن رحمته كما في رواية البخاري عن عائشة لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. وهذا دعاء منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو خبر بمعنى الإنشاء (قوله اتخذوا الخ) جملة مستأنفة لبيان سبب دعائه صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليهم. ومعني اتخاذها مساجد أنهم جعلوها قبلة يصلون إليها فلعنهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما فيه من التشبه بعبادة الأصنام أو أنهم بنوا عليها مساجد يصلون فيها كما تقدم. وفي مسلم أن النبي صلى الله عليه وعلي آله وسلم قال ذلك قبل أن يموت بخمس ليال وزاد فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك (وفي الحديث) دلالة على منع الصلاة إلى قبور الأنبياء واتخاذها مساجد لأنه قد يفضي إلى عبادة نفس القبر، وكذا قبور الأولياء والصالحين. ولذا لما احتاجت الصحابة والتابعون إلى زيادة مسجده صلى الله عليه وعلى آله وسلم وامتدت الزيادة إلى حجر أمهات المؤمنين ومنها حجرة السيدة عائشة مدفن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصاحبيه رضي الله تعالى عنهما بنوا حول القبر الشريف حيطانًا مرتفعة مستديرة لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام، ثم بنوا جدارين كهيئة مثلث قاعدته الحائط الشمالي للقبر حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر وهاك رسم ذلك وقد زعم بعضهم أن النهي عن الصلاة إلى القبر إنما كان في الزمن السالف لقرب العهد بعبادة الأوثان، أما الآن فلا كراهة فيها وهو مردود لتطابق المسلمين علي خلافه ولعموم النهي في قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في رواية مسلم فلا تتخذوا القبور مساجد (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي والبيهقي (باب في كراهية القعود على القبر) (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا خَالِدٌ نَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيَابَهُ حَتَّى تَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ". (ش) (خالد) بن عبد الله الواسطي. و (سهيل) بن أبي صالح ذكوان السمان (قوله لأن يجلس) بفتح اللام الموطئة للقسم، وأن مصدرية أولت ما بعدها بمصدر مبتدأ خبره خير. والمراد بالجلوس القعود عليه ولو لغير قضاء الحاجة. والحكمة في التنفير منه ما يترتب عليه من

الخلاف في حكم الجلوس على القبر

الاستخفاف بحق المسلم وإيذائه. فقد أخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود أنه سئل عن وطء القبر قال كما أكره أذى المؤمن في حياته فإني أكره أذاه بعد موته. وقيل المراد به القعود للإحداد والحزن بأن يلازمه ولا يرجع عنه (قوله خير له من أن يجلس على قبر) نكر القبر ليعم قبر المسلم وغيره من أهل الذمة. ولا ينافيه ما في رواية ابن ماجه من قوله صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إلى من أن أطأ علي قبر مسلم لأن التقييد فيه بقبر المسلم لشرفه ولأنه الأصل في الاحترام (وظاهر الحديث) يدل على حرمة الجلوس علي القبر. وبه قال ابن حزم. وحمل جمهور الفقهاء الوعيد في الحديث على الكراهة وكذلك النهي في حديث جابر في الباب السابق، وفي حديث أبى مرثد الغنوي الآتي ومحل القول بالكراهة إن لم يكن القعود لقضاء الحاجة من بول أو غائط وإلا حرم اتفاقًا. قالوا ومثل الجلوس علي القبر المشي والاستناد والاتكاء عليه لحديث ابن ماجه المتقدم آنفًا ولما رواه أحمد بإسناد صحيح عن عمرو بن حزم قال رآني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم متكئًا على قبر فقال "لا تؤذ صاحب هذا القبر" ومحل الكراهة إذا لم تدع الضرورة إليه وإلا جاز لما ذكره ابن حزم عن ابن مسعود لأن أطأ علي جمرة حتى تبرد أحب إليّ من أن أتعمد وطء قبر لي عنه مندوحة. وقالت المالكية يجوز القعود بلا كراهة لما رواه مالك في الموطأ أن عليّ بن أبي طالب كان يتوسد القبور ويضطجع عليها: وأخرجه الطحاوي بإسناد رجاله ثقات، ولما في البخاري من قول نافع "كان ابن عمر يجلس على القبور" ولما رواه الطحاوي بسنده أن محمَّد بن كعب القرظي أخبرهم قال: إنما قال أبو هريرة قال رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من جلس على قبر يبول عليه أو يتغوط فكأنما جلس على جمرة. ولما رواه أيضًا عن أبي أمامة أن زيد بن ثابت قال: هلم يا ابن أخي أخبرك إنما نهى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الجلوس علي القبور لحدث غائط أو بول. قال الطحاوي فبين زيد في هذا الحديث الجلوس المنهي عنه. هذا مفاد كلام الموطإ ومن كتب عليه كالباجي والزرقاني ولكن مشهور المذهب أنه يكره القعود والمشي علي القبر إذا كان مسنمًا أو مسطحًا والطريق دونه وظن بقاء شيء من عظام الميت والإجاز بلا كراهة "وحمل" حديث الباب على الجلوس لقضاء الحاجة "مردود" بأن هذا على فرض ثبوته لا يخصص عموم النهي عن القعود الوارد عن رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ومن ذلك ما رواه أحمد عن عمرو بن حزم قال: رآني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم متكئًا على قبر فقال: لا تؤذ صاحب هذا القبر. قال الحافظ إسناده صحيح. وما رواه ابن حزم عن ابن عمر قال: لأن أطأ على رضف أحب إليّ من أن أطأ على قبر. والرضف بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة الحجارة التي حميت

باب المشي بين القبور بالنعل

بالنار أو الشمس (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ أَنَا عِيسَى نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي ابْنَ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ- عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لاَ تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلاَ تُصَلُّوا إِلَيْهَا". (ش) (رجال الحديث) (عيسى) بن يونس السبيعي. و (بسر بن عبيد الله) بالتصغير الحضرمي الشامي. روى عن عمرو بن عبسة ورويفع بن ثابت وأبي إدريس الخولاني وآخرين. وعنه عبد الله بن العلاء وزيد بن واقد وعبد الرحمن بن يزيد، وثقه النسائي والعجلي ومروان بن محمَّد. روى له الجماعة. و(أبو مرثد الغنوي) كناز بن الحصين بن يربوع بن عمرو بن يربوع حليف حمزة بن عبد المطلب شهد بدرًا. وآخى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بينه وبين عبادة بن الصامت. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حديث الباب. وعنه واثلة بن الأسقع. روى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. مات سنة اثنتي عشرة (معنى الحديث) (قوله لاتجلسوا على القبور الخ) أي لا تؤذوا الميت بالجلوس على قبره ولا تعظموا أهل القبور بالصلاة إليها لما فيه من التعظيم الذي لا يستحقه إلا الله تعالى. وهو حرام إن لم يقصد المصلي بصلاته تعظيم صاحب القبر وإلا كان كفرًا (وفي الحديث) النهى عن الجلوس علي القبر والصلاة إليه وقد مر الكلام في هذا مستوفى في "باب المواضع التي لا تجوز الصلاة فيها" من الرابع (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والترمذي والبيهقي (باب المشي بين القبور بالنعل) وفي بعض النسخ باب المشي في الحذاء بين القبور (ص) حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ نَا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ عَنْ خَالِدِ بْنِ سُمَيْرٍ السَّدُوسِيِّ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ بَشِيرٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ اسْمُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ زَحْمُ بْنُ مَعْبَدٍ فَهَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ "مَا اسْمُكَ". قَالَ زَحْمٌ. قَالَ "بَلْ أَنْتَ بَشِيرٌ". قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أُمَاشِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ "لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلاَءِ خَيْرًا كَثِيرًا". ثَلاَثًا ثُمَّ مَرَّ بِقُبُورِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ

"لَقَدْ أَدْرَكَ هَؤُلاَءِ خَيْرًا كَثِيرًا". ثُمَّ حَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَظْرَةٌ فَإِذَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي الْقُبُورِ عَلَيْهِ نَعْلاَنِ فَقَالَ "يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ وَيْحَكَ أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْكَ". فَنَظَرَ الرَّجُلُ فَلَمَّا عَرَفَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- خَلَعَهُمَا فَرَمَى بِهِمَا. (ش) (الرجال) (خالد بن شمير) بالشين المعجمة وبالسين المهملة مصغرًا تقدم بالجزء الرابع ص 32 و(بشير مولى رسول الله الخ) ابن معبد أو ابن زيد بن معبد بن ضباب السدوسي المشهور بابن الخصاصية وهي والدة جده الأعلى ضباب ولم نر لغير المصنف أنه مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وكان اسمه في الجاهلية (زحما) بفتح الزاي وسكون الحاء المهملة غير اسمه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما شعر به من الشدة والمضايقة روى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وعنه بشير بن نهيك وجرى بن كليب وامرأته ليلى المعروفة بالجهدمة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والبخاري في الأدب. وفرق أبو حاتم والبخاري وابن حبان وابن أبي خيثمة وابن سعد ويعقوب بن سفيان وغيرهم بين ابن الخصاصية السدوسي وبين بشير بن معبد الأسلمي. وقال أبو حاتم في هذا روى عنه ابنه بشير (المعنى) (قوله أماشي رسول الله الخ) أي أسير معه من المماشاة وهي المشاركة في السير وفي رواية ابن ماجه بينما أنا أمشي مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا ابن الخصاصية ما تنقم على الله؟ أصبحت تماشي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت يا رسول الله ما أنقم على الله شيئًا كل خير قد آتانيه الله (قوله لقد سبق هؤلاء خيرًا كثيرًا ثلاثًا) أي تقدموا وحادوا عنه حتى جعلوه خلف ظهورهم ولم يعلموا به، والتكرار للتأكيد والتنفير من التخلق بما كانوا عليه (قوله لقد أدرك هؤلاء الخ) أي تحصلوا على كثير من الخير وفي رواية النسائي لقد سبق هؤلاء شرًا كثيرًا أي تقدموا الشر وجعلوه وراء ظهورهم ووصلوا إلى الخير بعكس الكفار (قوله وحانت من رسول الله نظرة) أي حصلت منه نظرة. وفي رواية ابن ماجه فالتفت (قوله فإذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان) يعني يمشي بين القبور في نعليه كما في رواية النسائي وابن ماجه (قوله يا صاحب السبتيتين الخ) بكسر السين المهملة وسكون الموحدة نسبة إلى السبت وهو جلد البقر المدبوغ بالقرظ يتخذ منها النعال. سميت بذلك لأن شعرها قد سبت أي أزيل عنها أو لأنها انسبتت أي لانت بالدباغ. يعني يا صاحب النعلين

الخلاف في حكمه - الراجح إباحته

المتخذين من السبت، وويحك كلمة ترحم وإشفاق عكس ويلك، وإنما أمره النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالخلع احترامًا للمقابر. ولذا قال الإِمام أحمد وصاحب الحاوي من الشافعية يكره المشي في المقابر بالنعل مطلقًا ويسن خلعه إذا دخلها إلا لضرورة كخوف نجاسة أو شوك أو حرارة أرض: وقال الجمهور لا يكره لحديث أنس الآتي "وأجابوا" عن حديث الباب بأنه إنما أمره بالخلع لاحتمال أنه كان بهما قذر أو لاختياله بهما لأن النعال السبتية إنما يلبسها أهل الترفه والتنعم فأحب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يكون دخول المقابر على زي التواضع. وقال ابن حزم لا يحل لأحد أن يمشي بين القبور بنعلين سبتيتين وساق حديث الباب عن بشير بن الخصاصية قال: بينا أنا أمشي بين المقابر وعليّ نعلان إذ ناداني رسول الله صلى الله تعالى عيه وعلى آله وسلم يا صاحب السبتيتين يا صاحب السبتيتين إذا كنت في مثل هذا المكان فاخلع نعليك قال فخلعتهما "قال فإن قيل" هلا منعتم من كل نعل؟ لعموم قوله عليه السلام فاخلع نعليك "قلنا" منع من ذلك وجهان أحدهما أنه عليه السلام إنما دعا صاحب السبتيتين بنص كلامه ثم أمره بخلع نعليه. والثاني ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمَّد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني ثنا يونس بن محمَّد ثنا شيبان عن قتادة ثنا أنس بن مالك قال قال نبى الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم. وذكر الحديث" قال فهذا إخبار منه عليه السلام بما يكون بعده وأن الناس من المسلمين سيلبسون النع الذي مدافن الموتى إلى يوم القيامة ولم ينه عنه. والأخبار لا تنسخ أصلًا فصح إباحة لباس النعال في المقابر ووجب استثناء السبتية منها لنصه عليه السلام عليها اهـ. وما ذكره هو الأولى لما فيه من الجمع بين الحديثين ولا وجه لمن غلطه بقوله إن سماع الميت لخفق النعال لا يستلزم أن يكون المشي على قبر أو بين القبور لأن الغالب فيمن دفن الميت أن يمشي بين القبور والأحكام إنما ينظر فيها إلى الغالب وهو ظاهر حديث خفق النعال ولو كان لبسها في المقبرة منهيًا عنه مطلقًا لانتشر بين الصحابة وما خفي على أحد منهم فإنه مما تعم به البلوى وعليه فالراجح من جهة الدليل ما ذهب إليه الجمهور وما قيل من أن النهي عن النعال السبتية لما فيها من الخيلاء مردود بأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يلبسها وكذلك ابن عمر كما ذكره الحافظ في الفتح. (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه ورجال إسناده ثقات وهذا أخرجه البيهقي من طريق أبي عاصم قال ثنا الأسود بن شيبان حدثني خالد بن شمير حدثني بشير بن نهيك حدثني بشير مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكان اسمه في الجاهلية زحم بن معبد فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما اسمك قال زحم ابن معبد قال أنت بشير مكان اسمه قال بينا أنا أماشي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله

شعور الميت بما يقع من الأحياء

وسلم فقال يابن الخصاصية ما أصبحت تنقم على الله تماشي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت ما أنقم علي الله شيئًا كل خير فعل بي الله فأتى علي قبور المشركين فقال لقد سبق هؤلاء بخير كثير ثلاث مرار ثم أتى على قبور المسلمين فقال لقد أدرك هؤلاء خيرًا كثيرًا ثلاث مرار فبينما هو يمشي إذ حانت منه نظرة فإذا رجل يمشي بين القبور عليه نعلان فقال يا صاحب السبتيتين ويحك ألق سبتيتيك فنظر فلما عرف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خلع نعليه فرمى بهما، قال البيهقي هذا حديث قد رواه جماعة عن الأسود بن شيبان وهو لا يعرف إلا بهذا الإسناد (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِيُّ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ -يَعْنِي ابْنَ عَطَاءٍ- عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ". (ش) (سعيد) بن أبي عروبة. و (قتادة) بن دعامة (قوله وتولى عنه أصحابه) يعني ذهب عنه من كان يشيع جنازته (قوله ليسمع قرع نعالهم) أي صوت المشي بالنعال (والحديث) من أدلة الجهور القائلين بجواز المشي بالنعال في المقابر. قال الخطابي خبر أنس يدل علي جواز لبس النعل لزائر القبور وللماشي بحضرتها وبين ظهرانيها. فأما خبر السبتيتين فيشبه أن يكون إنما كره ذلك لما فيها من الخيلاء وذلك أن النعال السبتية من لباس أهل الترفه والتنعم فأحب صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم أن يكون دخول المقابر علي زي أهل التواضع ولباس أهل الخشوع اهـ وقد علمت ما في هذا (فقه الحديث) دل الحديث علي أن الميت ترد إليه الروح بعد الدفن. وعلي أنه يحس ويشعر بما يقع من الأحياء (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي مختصرًا والبيهقي، وأخرجه مسلم والبخاري مطولًا واللفظ له عن أنس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم قال إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل لمحمد صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم؟ فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبذلك الله به مقعدًا من الجنة فيراهما جميعًا، وأما المنافق والكافر فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول لا أدري كنت أقول ما يقوله الناس فيقال لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين

باب تحويل الميت من موضعه للأمر يحدث

(باب تحويل الميت من موضعه للأمر يحدث) أيجوز أم لا؟ وفي بعض النسخ باب في تحويل الميت الخ. وفي بعضها باب في الميت يحول من موضعه للأمر يحدث أي يقتضي نقله (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ أَبِي مَسْلَمَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ دُفِنَ مَعَ أَبِي رَجُلٌ فَكَانَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ حَاجَةٌ فَأَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَمَا أَنْكَرْتُ مِنْهُ شَيْئًا إِلاَّ شُعَيْرَاتٍ كُنَّ فِي لِحْيَتِهِ مِمَّا يَلِي الأَرْضَ. (ش) (رجال الحديث) (سعيد بن يزيد أبو مسلمة) ويقال ابن سلمة البصري. روى عن أنس وأبي نضرة ويزيد بن عبد الله والحسن البصري وآخرين، وعنه شعبة وحماد بن زيد وبشر ابن المفضل وعباد بن العوام وجماعة، وثقه النسائي وابن معين وابن سعد والعجلي والبزار. روى له الجماعة. و(أبو نضرة) المنذر بن مالك تقدم بالثالث صفحة 272 (المعنى) (قوله دفن مع أبي رجل) هو عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام الأنصاري، وكان صديق عبد الله والد جابر وزوج أخته هند ودفن معه بأمره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كما ذكره ابن إسحاق في المغازي قال حدثني أبي عن رجال من بني سلمة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال حين أصيب عبد الله بن عمرو وعمرو بن الجموح اجمعوا بينهما فإنهما كانا متصادقين في الدنيا (قوله فكان في نفسي من ذلك حاجة) أي قلق واضطراب من دفن أبيه مع آخر في قبر واحد وفي رواية البخاري ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر. ونحوه للنسائي. وهذا لا ينافي ما تقدم من رواية ابن إسحاق من أن الجمع بينهما كان بأمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، لأنه كان لضرورة كثرة القتلى وما أصاب القائمين بتجهيزهم من كثرة الجروح، ولما زالت الضرورة نقله فلا يكون نقله مخالفًا لأمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله فأخرجته بعد ستة أشهر) أي أخرجته من القبر الذي دفن فيه مع عمرو بن الجموح ووضعته في قبر على حدة بعد ستة أشهر من يوم دفنه. ولا يعارض هذا ما في رواية الموطإ عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين السلميين كانا قد حفر السيل قبرهما وكان قبرهما مما يلي السيل وكانا في قبر واحد وهما ممن استشهد يوم أحد فحفر عنهما ليغير مكانهما فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس الحديث، وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة. لأن الذي بلغ عبد الرحمن بن أبي صعصعة بذلك مجهول فلا يقاوم المروي عن جابر. وعلى

باب في الثناء على الميت

فرض تساوى الحديثين فيمكن الجمع بأن المراد بكونهما في قبر واحد أنهما كانا متجاورين، أو أن السيل خرق أحد القبرين فصارا كقبر واحدة (قوله فما أنكرت منه شيئًا الخ) يعني وجدته لم يتغير عن هيئته التي دفنته عليها إلا بعض شعرات سقطت من لحيته من الجانب الذي يلي الأرض. وقوله شعيرات جمع شعيرة تصغير شعرة والتصغير للتقليل (الفقه) دل الأثر علي الإرشاد إلى بر الأبناء بالآباء. وعلى أن الأرض لا تأكل أجساد الشهداء وقد علمت ما فيه. وعلى جواز دفن الاثنين في قبر واحد، لكن محله إذا دعت الضرورة إلى ذلك كما تقدم. وعلى جواز نقل الميت من قبر إلى آخر إذا دعت الحاجة إلى ذلك (والأثر) أخرجه أيضًا البيهقي، وأخرج النسائي نحوه، وأخرجه البخاري عن جابر بن عبد الله قال: لما حضر أحد دعاني أبي من الليل فقال ما أراني إلا مقتولًا في أول من يقتل من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإني لا أترك بعدي أعز عليّ منك غير رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وإن عليّ دينًا فاقض واستوص بأخواتك خيرًا فأصبحنا فكان أول قتيل ودفن معه آخر في قبر، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته غير هنية في أذنه. والهنية تصغير هنة الشيء اليسير يعني غير أثر يسير غيرته الأرض من أذنه (باب في الثناء على الميت) الثناء في الأصل الذكر بالخير والمراد به هنا مطلق ذكر صفة الميت (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا شُعْبَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ مَرُّوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ "وَجَبَتْ". ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ "وَجَبَتْ". ثُمَّ قَالَ "إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ شَهِيد". (ش) (رجال الحديث) (شعبة) بن الحجاج. و (إبراهيم بن عامر) بن مسعود بن أمية بن خلف القرشيّ الكوفي. روى عن سعيد بن المسيب وعامر بن سعد. وعنه شعبة والثوري وإسراءيل ومسعر. وثقه النسائي وابن معين وقال أبو حاتم صدوق لا بأس بة. روى له أبو داود والنسائي (معنى الحديث) (قوله فأثنوا عليها خيرًا) قد بين هذا الخير في رواية الحاكم عن أنس قال كنت قاعدًا عند النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فمرّ بجنازة فقال ما هذه الجنازة؟ قالوا

الجمع بين حديث ذكر الميت بالشر وحديث الأمر بالكف عن مساويه

جنازة فلان الفلاني كان يحب الله ورسوله ويعمل بطاعة الله ويسعى فيها (قوله وجبت) أي ثبتت له الجنة أو المغفرة فالمراد بالوجوب الثبوت لا التحتم لأن الله تعالى لا يجب عليه شيء بل الثواب بمحض فضله تعالى والعقاب بمحض عدله (قوله فأثنوا شرًا) وفي نسخة فأثنوا عليها شرًا أي ذكروها بشر. وقد بين الشر في رواية للحاكم عن أنس قال ومر بجنازة أخرى قالوا جنازة فلان الفلاني يبغض الله ورسوله ويعمل بمعصية الله ويسعى فيها. وذكر الثناء في جانب الشر مشاكلة وإلا فالثناء لا يستعمل إلا في الخير على اللغة الفصحى "فإن قيل كيف" مكنهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من ذكر مساوى الميت وقد قال (اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم) رواه الترمذي عن ابن عمرو. وسيأتي للمصنف في "باب النهي عن سب الموتى" من كتاب الأدب: وفيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (إذا مات صاحبكم فدعوه ولا تقعوا فيه). وأخرج عنها البخاري والنسائي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا وروى النسائي عنها لا تذكروا هلكاكم إلا بخير. "أجيب" بأن النهي عن ذكر مساوي الأموات في غير المنافق والكافر والمجاهر بالفسق والبدعة أما هؤلاء فيجوز ذكر مساويهم ليتحرز من طريقتهم فحديث الباب مخصص لأحاديث النهي المذكورة. وأل في الأموات وكذا الإضافة في قوله اذكروا محاسن موتا كم وكفوا عن مساويهم للعهد والمعهود المسلمون المخلصون. وقيل إن الأمر بالكف عن مساوي الميت خاص بغير الكافر والمنافق فإن المؤمن الفاسق وإن جاز ذكر مساويه حال حياته ليبتعد عنها ويحذره الناس لا يجوز ذكرها بعد وفاته إذ لا فائدة فيه حينئذ خصوصًا مع احتمال أنه مات تائبًا, ولذا قال الجمهور لا يجوز لعن يزيد بن معاوية والحجاج الثقفي. والميت الذي ذكروه بالشر بحضرة النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان من المنافقين لما تقدم في رواية الحاكم أنه كان يبغض الله ورسوله. وقال القرطبي يحتمل أن يكون النهي عن سب الموتى متأخرًا عن حديث الباب وأشباهه فيكون ناسخًا له ولا يخفى بعده لأنه لا يصار إلى النسخ إلا عند عدم إمكان الجمع وقد أمكن كما علمت (قوله وجبت) أي ثبتت له النار واستحق دخولها أو العقوبة وفي رواية البخاري والبيهقي عن أنس قال مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرًا فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وجبت ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرًا فقال وجبت فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ما وجبت؟ قال هذا أثنيتم عليه خيرًا فوجبت له الجنة وهذا أثنيتم عليه شرًا فوجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض (قوله إن بعضكم على بعض شهيد) وفي نسخة شهداء وعند الشيخين أنتم شهداء الله في الأرض وفي رواية المؤمنون شهداء الله في الأرض يعني أن الله يقبل شهادة المؤمنين بعضهم على بعض ويحكم بمقتضاها

شهادة الأحياء للأموات. قولهم بعد الصلاة على الميت ما تشهدون فيه بدعة

ويحتمل أن هذا خاص بالصحابة رضي الله عنهم لأنهم كانوا ينطقون بالصدق والحكمة لعدالتهم ومثلهم من كان على صفتهم من المؤمنين الأتقياء، فالمعول عليه في ذلك شهادة أهل الفضل والصلاح والصدق والأمانة بخلاف الفسقة لأنهم قد يذكرون أهل الفسق بالخير وأهل الفضل والصلاح بالشر فليسوا داخلين في هذا الحديث. ومصداق هذا الحديث قوله تعالى "وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون، الرسول عليكم شهيدًا" أي جعلناكم عدولًا خيارًا تشهدون علي غيركم من الأمم ويكون الرسول مزكيًا لكم مبينًا عدالتكم (وفي الحديث) تزكية من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأمته وإظهار عدالتهم وأن لشهادة المؤمنين مدخلًا في نفع المشهود له وضرر المشهود عليه "فإن" قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجبت بعد الثناء "حكم" عقب وصف مناسب مشعر بالعلية. ويؤيده ما رواه البخاري عن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال، "أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة فقلنا وثلاثة قال وثلاثة فقلنا واثنان فقال واثنان ثم لم نسأله عن الواحد" وما روى صاحب المرقاة من أنه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم قال حين أثنوا على جنازة جاء جبريل وقال يا محمد إن صاحبكم ليس كما يقولون إنه كان يعلن كذا ويسر كذا ولكن الله صدقهم فيما يقولون وغفرله ما لا يعلمون. قال والأظهر أن هذا أمر أغلبي فإن الثناء علامة مطابقة للواقع غالبًا, وليس المراد أن من خلق للجنة يصير من أهل النار بقولهم ولا عكسه إذ قد يذكر بالخير أو الشر وهو في الواقع على خلاف ذلك اهـ بتصرف. وقال النووي في شرح مسلم والصحيح المختار أنه على عمومه وإطلاقه وأن كل مسلم مات فألهم الله تعالى الناس أو معظمهم الثناء عليه كان ذلك دليلًا على أنه من أهل الجنة سواء أكانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا لأنه وإن لم تكن أفعاله تقتضيه فلا تتحتم عليه العقوبة بل هو تحت المشيئة فإذا ألهم الله الناس الثناء عليه استدللنا بذلك على أنه تعالى قد شاء المغفرة له وبهذا تظهر فائدة الثناء اهـ. قال الحافظ في الفتح وهذا في جانب الخير واضح ويؤيده ما رواه أحمد وابن حبان والحاكم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعًا "ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة من جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيرًا إلا قال الله تعالى قد قبلت قولكم وغفرت له ما لا تعلمون". وأما جانب الشر فظاهر الأحاديث أنه كذلك لكن إنما يقع ذلك في حق من غلب شره على خيره اهـ. ويؤيده ما أخرجه الحاكم من طريق النضر بن أنس عن أنس وفيه يا أبا بكر إن لله ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر (فقه الحديث) دل الحديث على جواز ذكر الميت بما فيه من خير أو شر. وعلى نجاة من شهد له الصالحون بالخير. ومحله إذا شهدوا بما يعلمون منه بحسب ظاهر حاله "فما يفعله" كثير من أهل زماننا من قول بعضهم بعد الصلاة على الميت ما تشهدون فيه ويريد بذلك الثناء عليه بخير ولو كان

باب في زيارة القبور

من الفاسقين فيقولون هو من أهل الخير والصلاح ولو لم يكن الميت كذلك وربما أوقعت كثيرًا من الناس في شهادة الزور "بدعة" مخالفة لهديه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ودل الحديث على مظنة تعذيب من ذكره الصالحون بشر على حسب علمهم ولا يكون ذلك من الغيبة المحرمة بل يباح ذلك للتحذير من سلوك طريق أهل الفساد والاقتداء بهم والتخلق بأخلاقهم (الحديث) أخرجه أيضًا البخاري والبيهقي بلفظ تقدم ومسلم وابن ماجه من حديث أنس وكذا الحاكم مطولًا (باب في زيارة القبور) (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي تَعَالَى عَلَى أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَاسْتَأْذَنْتُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ بِالْمَوْتِ". (ش) (أبو حازم) سليمان الأشجعي تقدم بالسادس ص 27 (قوله أتى رسول الله قبر أمه) آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة توفيت بالأبواء موضع بين مكة والمدينة في السنة السادسة من عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكانت قد قدمت المدينة به على أخواله بني عدي ابن النجار تزورهم فماتت حال رجوعها (قوله فبكى وأبكى من حوله) يعني بكى لتذكر الآخرة وعدم إدراك أمه أيامه وتسبب في بكاء من حوله. قال القاضي عياض بكاؤه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليس لتعذيبها وإنما هو أسف على ما فاتها من إدراك أيامه والإيمان به اهـ (قوله استأذنت ربي تعالى على أن أستغفر لها فلم يأذن لي) بالبناء للفاعل. وفي نسخة بالبناء للفعول. ولعله لم يؤذن له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الاستغفار لأنه فرع المؤاخذة على الذنب ومن لم تبلغه الدعوة لا يؤاخذ على ذنبه فلا حاجة إلى الاستغفار لهما. ولأن عدم الإذن بالاستغفار لا يستلزم أن تكون كافرة لجواز أن يكون الله تعالى منعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الاستغفار لها لمعنى آخر كما كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ممنوعًا في أول الإِسلام من الصلاة على من عليه دين لم يترك له وفاء ومن الاستغفار له مع أنه من

ما يدل على نجاة والدي النبي - صلى الله عليه وسلم -

المسلمين وعلل ذلك بأن استغفاره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مجاب على الفور فمن استغفر له وصل ثواب. دعائه إلى منزله في الجنة وانتفع به فورًا والمدين محبوس عن مقامه الكريم حتى يقضي دينه "فيقول" من قال إن عدم الإذن في الاستغفار لكفرها والاستغفار للكافر لا يجوز "غير سديد" وقد ذكر الجلال السيوطي أدلة كثيرة على إثبات أن أبوي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ناجيان (منها) حديث البخاري عن أبي هريرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال بعثت من خير قرون بني آدم قرنًا فقرنًا حتى كنت من القرن الذي كنت منه: ومن معاني القرن السيد: وآباء الرجل. ومنها ما أخرجه الترمذي وصححه عن واثلة بن الأسقع قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشًا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم. "وأما ما رواه مسلم" من حديث أنس أن رجلًا قال يا رسول الله أين أبي فقال في النار فلما ولى الرجل دعاه فقال إن أبي وأباك في النار "فهو" من رواية حماد بن سلمة عن ثابت وقد خالفه معمر بن راشد عن ثابت فلم يذكر إن أبي وأباك الخ لكن قال إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار. ولا دلالة في هذا اللفظ على حال والده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو أصح فإن معمرًا أثبت من حماد لأن حمادًا تكلم في حفظه وفي أحاديثه مناكير ولم يخرج له البخاري ومسلم في الأصول إلا من روايته عن ثابت. أما معمر فلم يتكلم في حفظه ولا استنكر شيء من حديثه واتفق الشيخان على التخريج له. وقد روى الحديث البزار والطبراني والبيهقي من حديث سعد بن أبي وقاص بمثل لفظ معمر عن ثابت عن أنس. وأخرجه ابن ماجه من طريق الزهري عن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله إن أبي كان يصل الرحم وكان وكان فأين هو قال في النار فكأنه وجد من ذلك فقال يا رسول الله فأين أبوك فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار. فلعل رواية حماد من تصرف الراوي بالمعنى على حسب فهمه. على أنها لو صحت يحمل قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم إن أبي على أبي طالب على حد قوله تعالى (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر). وقد كان عمه على المشهور أو يراد بالنار النار التي يؤمر بدخولها أهل الفترة ومن كان على شاكلتهم ممن لم تبلغه الدعوة فمن دخلهاكانت عليه بردًا وسلامًا. فقد قال الحافظ في الإصابة في ترجمة أبي طالب ورد من عدة طرق في حق الشيخ الهرم ومن مات في الفترة ومن ولد أعمى أصم ومن ولد مجنونًا أو طرأ عليه الجنون قبل أن يبلغ ونحن ذلك أن كلا منهم يدلي بحجة ويقول، لو عقلت أو ذكرت لآمنت فترفع لهم نار ويقال لهم ادخلوها فن دخلها كانت عليه بردًا وسلامًا ومن امتنع أدخلها كرها هذا معنى ما ورد من ذلك وقد جمعت طرقه في جزء مفرد. ونحن نرجو

ما ورد في احتجاج أهل الفترة واختبارهم يوم القيامة

أن يدخل عبد المطلب وآل بيته في جملة من يدخلها طائعًا فينجو. لكن ورد في أبي طالب ما يدفع ذلك وهو ما تقدم من آية براءة وما ورد في الصحيح عن العباس بن عبد المطلب أنه قال للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما أغنيت عن عمك أبي طالب فإنه كان يحوطك ويغضب لك فقال هو في ضحضاح من النار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل ما النار اهـ. والأحاديث الواردة في أن أهل الفترة يختبرون يوم القيامة فمن أطاع منهم دخل الجنة ومن عصى دخل النار كثيرة ومعانيها متقاربة ذكر ابن كثير بعضها في تفسيره. منها ما أخرجه أحمد قال حدثنا علي بن عبد الله حدثنا معاذ بن هشام حدثنا أبي عن قتادة عن الأحنف بن قيس عن الأسود بن سريع أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: أربعة يحتجون يوم القيامة، رجل أصم لا يسمع شيئًا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة. فأما الأصم فيقول رب قد جاء. الإِسلام وما أسمع شيئًا وأما الأحمق فيقول رب قد جاء الإِسلام والصبيان يحذفونني بالبعر وأما الهرم فيقول رب لقد جاء الإِسلام وما أعقل شيئًا وأما الذي مات في الفترة فيقول رب ما أتاني لك رسول فيأخذ مواثيقهم لَيُطيعُنَّه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار فوالذي نفس محمَّد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردًا وسلامًا. وأخرج أيضًا بالإسناد عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة مثله غير أنه قال في آخره فمن دخلها كانت عليه بردًا وسلامًا ومن لم يدخلها يسحب إليها. وكذا رواه إسحاق بن راهويه عن معاذ بن هشام. ورواه البيهقي في كتاب الاعتقاد من حديث أحمد بن إسحاق عن علي بن عبد الله المديني به. وقال هذا إسناد صحيح. ومنها ما أخرجه أبو يعلى قال حدثنا أبو خيثمة حدثنا جرير عن ليث عن عبد الوارث عن أنس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يؤتى بأربعة يوم القيامة بالمولود والمعتوه ومن مات في الفترة والشيخ الفاني الهم "بكسر الهاء الكبير" كلهم يتكلم بحجته فيقول الرب تبارك وتعالى لعنق من النار ابرز ويقول لهم إني كنت أبعث إلى عبادي رسلًا من أنفسهم وإني رسول نفسي إليكم ادخلوا هذه قال فيقول من كتب عليه الشقاء يا رب أنَّى ندخلها ومنها كنا نفر قال ومن كتبت عليه السعادة يمضي فيقتحم فيها مسرعًا قال فيقول الله تعالى "يعني" للأولين أنتم لرسلي أشد تكذيبًا ومعصية فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار. ومنها ما أخرجه البزار في مسنده قال حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا ريحان بن سعيد حدثنا عباد بن منصور عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان أن النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عظم شأن المسألة قال إذا كان يوم القيامة جاء أهل الجاهلية يحملون أوزارهم على ظهورهم فيسألهم ربهم فيقولون ربنا لم ترسل إلينا رسولًا ولم يأتنا لك أمر ولو أرسلت إلينا رسولًا لكنا أطوع عبادك فيقول لهم ربهم أرأيتم إن أمرتكم بأمر تطيعوني فيقولون نعم فيأمرهم أن يعمدوا إلى جهنم

ما يدل على إيمان والدته صلى الله عليه وسلم

فيدخلوها فينطلقون حتى إذا دنوا منها وجدوا لها تغيظًا وزفيرًا فرجعوا إلى ربهم فيقولون ربنا أخرجنا أوأجرنا منها فيقول لهم ألم تزعموا أني إن أمرتكم بأمر تطيعوني فيأخذ علي ذلك مواثيقهم فيقول اعمدوا إليها فادخلوها فينطلقون حتى إذا رأوها فرقوا منها فرجعوا وقالوا ربنا فرقنا منها ولا نستطيع أن ندخلها فيقول ادخلوها داخرين فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لو دخلوها أول مرة كانت عليهم بردًا وسلامًا. ثم قال البزار ومتن هذا الحديث غير معروف إلا من هذا الوجه لم يروه عن أيوب إلا عباد ولا عن عباد إلا ريحان بن سعيد قال ابن كثير وقد ذكره ابن حبّان في ثقاته وقال يحيى بن معين والنسائي لا بأس به ولم يرضه أبو داود وقال أبو حاتم شيخ لا بأس به يكتب حديثه ولا يحتج به وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي. ومنها ما أخرجه الإِمام محمد بن يحيى الذهلي قال حدثنا سعيد بن سليمان عن فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الهالك في الفترة والمعتوه والمولود يقول الهالك في الفترة لم يأتني كتاب ويقول المعتوه رب لم تجعل لي عقلًا أعقل به خيرًا ولا شرًا ويقول المولود رب لم أدرك العقل فترفع لهم نار فيقال لهم رِدُوها قال فيردها من كان في علم الله سعيدًا لو أدرك العمل ويمسك عنها من كان في علم الله شقيًا لو أدرك العمل فيقول إياي عصيتم فكيف لو أن رسلي أتتكم اهـ. قال الحافظ ابن حجر الظن بآبائه صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلهم الذين ماتوا في الفترة أن يطيعوا عند الامتحان لتقر بهم عينه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم اهـ. وقد ورد ما هو صريح في إيمان أبويه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واعترافهما بدين إبراهيم وبعثة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهذا هو الإيمان بعينه. فقد روى أبو نعيم (في دلائل النبوة بسند ضعيف) من طريق الزهري عن أسماء بنت رهم عن أمها قالت شهدت آمنة أم النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في علتها التي ماتت بها ومحمد عليه الصلاة والسلام غلام يفع (أي مرتفع) له خمس سنين عند رأسها فنظرت أمه إلى وجهه ثم قالت بارك فيك الله من غلام ... يا بن الذي من حومة الحمام نجا بعون الملك العلام ... فودي غداة الضرب بالسهام بمائة من إبل سوام ... إن صح ما أبصرت في المنام فأنت مبعوث إلى الأنام ... تبعث في الحل وفي الحرام تبعث في التحقيق والإِسلام ... دين أبيك البر إبراهام فالله أنهاك عن الأصنام ... ألَّا تواليها مع الأقوام ثم قالت كل حي ميت وكل جديد بال وكل كبير يفنى. وأنا ميتة وذكري باق وقد تركت خيرًا

ما به يتحقق التوحيد. شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبويه

وولدت طهرًا. قال الزرقاني في شرح المواهب نقلًا عن الجلال السيوطي بعد ذكر هذه الأبيات وهذا القول منها صريح في أنها موحدة إذ ذكرت دين إبراهيم وبعث ابنها صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم بالإِسلام من عند الله ونهيه عن الأصنام وموالاتها وهل التوحيد شيء غير هذا؟ فإن التوحيد هو الاعتراف بالله وإلهيته وأنه لا شريك له والبراءة من عبادة الأصنام ونحوها وهذا القدر كاف في التبري من الكفر وثبوت صفة التوحيد في الجاهلية قبل البعثة، وإنما يشترط قدر زائد على هذا بعد البعثة، ولا يظن بكل من كان في الجاهلية أنه كان كافرًا على العموم، فقد تحنف فيها جماعة فلا بدع أن تكون أمه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم منهم. كيف وأكثر من تحنف منهم إنما كان سبب تحنفه ما سمعه من أهل الكتاب والكهان قرب زمنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أنه قرب بعث نبي من الحرم صفته كذا. وأمه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سمعت من ذلك أكثر مما سمعه غيرها وشاهدت في حمله وولادته من آياته الباهرة ما يحمل علي التحنف ضرورة ورأت النور الذي خرج منها أضاء لها قصور الشام حتى رأتها وقالت لحليمة حين جاءت به وقد شق صدره أخشيتما عليه الشيطان؟ كلا والله ما للشيطان عليه سبيل وإنه لكائن لابني هذا شأن اهـ بحذف. أما ما رواه ابن شاهين والحاكم عن ابن مسعود قال جاء ابنا مليكة فقالا يا رسول الله إن أمنا كانت تكرم الضيف وقد وأدت في الجاهلية فأين أمنا؟ فقال أمكما في النار فقاما وقد شق عليهما فدعاهما صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال إن أمي مع أمكما فقال منافق ما يغني هذا عن أمه إلا ما يغني ابنا مليكة عن أمهما فقال شاب من الأنصار أرأيت أبويك في النار؟ فقال صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم ما سألتهما ربي فيعطيني فيهما وإني لقائم يومئذ المقام المحمود فقد قال السيوطي هذا الحديث يشعر بأنّه يرتجى لهما الخير عند قيامه المقام المحمود بأن يشفع لهما فيوفقا للطاعة إذا امتحنا حينئذ كما يمتحن أهل الفترة. والمراد بالمعية في الحديث كونهما معها في دار البرزخ. وعبر بذلك صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تورية وتطييبًا لقلوبهما كما أجاب من سأله عن أبيه فقال له إن أبي وأباك في النار. فإنه كان من عاداته صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا سأله أعرابي ممن هو مظنة الفتنة والردة وخاف من إفصاح الجواب له فتنته واضطراب قلبه أجابه بجواب فيه تورية وإيهام. فهو صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، لما كره أن يفصح للأعرابي الجواب بمخالفة أبيه لأبيه في المحل الذي هو فيه خشية البعد عن الإِسلام لما جبلت عليه النفوس من كراهة الاستئثار عليها. ولما كانت عليه العرب من الجفاء والغلظة أورد له جوابًا موهمًا تطمينًا لقلبه. وقد جاء في رواية أن هذا الأعرابي أسلم بعد وقد تقدم بيان ما في الحديث وافيًا. وأما أبوه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقد نقل عنه كلمات تدل على توحيده وإيمانه بالشرائع القديمة كقوله حين عرضت امرأة نفسها عليه

أما الحرام فالممات دونه ... والحل لا حل فأستبينه يحمي الكريم عرضه ودينه ... فكيف بالأمر الذي تبغينه هذا مع ما كان عليه من كمال العفة فقد افتتن به النساء ولم ينلن شيئًا. قال القسطلاني وقد تمسك القائل بنجاة أبويه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأنهما ماتا قبل البعثة في زمن الفترة ولا تعذيب قبلها لقول الله تعالى "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا" وقد أطبقت الأئمة الأشاعرة من أهل الأصول والشافعية من الفقهاء على أن من مات ولم تبلغه الدعوة يموت ناجيًا اهـ. قال السيوطي هذا مذهب لا خلاف فيه بين الشافعية في الفقه والأشاعرة في الأصول اهـ. وأما جده عبد المطلب فكان على الحنيفية والتوحيد وصدق بالنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبل بعثته لما رآه من الأدلة الدالة على رسالته. قال السهيلي إن عبد المطلب لم تبلغه الدعوة وجاءت أدلة كثيرة تشهد بأن عبد المطلب كان على الحنيفية والتوحيد اهـ. ويؤيده ما ذكر في السيرة الحلبية عن ابن عباس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال يبعث جده عبد المطلب في زي الملوك وأبهة الأشراف. ويؤيده أيضًا أنه كان يأمر بنيه بمكارم الأخلاق وكان يتحنث بغار حراء ويطعم المساكين حتى كان يرفع للطير والوحوش في رءوس الجبال من مائدته وكان يقطع يد السارق ويفي بالنذر ويحرم الخمر على نفسه ويمنع من الزنا ومن نكاح المحارم وقتل الموءودة ومن الطواف بالبيت عريانًا، وكان يقول والله إن وراء هذه الدار دارًا يجزى فيها المحسن بإحسانه ويعاقب فيها المسيء بإساءته. وروي عنه أخبار كثيرة تقتضي أنه عرف بها نبوة النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. فمن ذلك أن قومًا من بني مدلج وهم القافة العارفون بالآثار والعلامات قالوا له في حقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم احتفظ به فإنا لم نر قدمًا أشبه بالقدم الذي في المقام منه "يعنون قدم إبراهيم عليه السلام" ومن ذلك أن عبد المطلب كان يومًا في الحجر وكان معه عالم منا نصارى نجران فحدثه إنا نجد صفة نبي تقي من ولد إسماعيل وهذا البلد مولده ومن صفاته كذا وكذا فأتى برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنظر إليه وإلى عينيه وإلى ظهره وقدميه فقال هو هو ما هذا منك؟ قال هذا ابني قال ما نجد أباه حيًا قال هو ابن ابني وقد مات أبوه وأمه حبلى به قال صدقت. قال عبد المطلب لبنيه تحفظوا بابن أخيكم ألا تسمعون ما يقال فيه. ومنها ما ذكره ابن الجوزي من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أصابه رمد شديد سنة سبع من مولده فعولج في مكة فلم يفد العلاج فقيل لعبد المطلب إن في ناحية عكاظ راهبًا يعالج الأعين فركب إليه فناداه وديره مغلق فلم يجبه فتزلزل ديره حتى خاف أن يسقط عليه فخرج مبادرًا فقال يا عبد المطلب إن هذا الغلام نبي هذه الأمة ولو لم أخرج إليك لخرب على ديري فارجع به واحفظه لا يقتله بعض أهل الكتاب فعالجه وأعطاه ما يعالج به. وفي رواية أنّ الراهب

وصف الرهبان للنبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة. أقسام أهل الفترة

أخرج صحيفة وجعل ينظر إليها وإلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم قال هو والله خاتم النبيين ثم قال يا عبد المطلب هذا رمد قال نعم قال إن دواءه معه خذ من ريقه وضعه على عينيه فأخذ عبد المطلب من ريقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ووضعه على عينيه فبرئ لوقته. ثم قال الراهب يا عبد المطلب وتالله هذا الذي أقسم على الله به فأبرئ المرضى وأشفي الأعين من الرمد. ومنها ما رواه أبو نعيم في الحلية والبيهقي أن سيف بن ذي يزن الحميري لما ولي على الحبشة بعد مولد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم بسنتين أتاه وفود العرب للتهنئة وكان من جملتهم وفد قريش وفيهم عبد المطلب فقام خطيبًا بين يدي الملك فقال الملك من أنت أيها المتكلم؟ قال عبد المطلب بن هاشم قال ابن أختنا ومرحبا وأهلًا ولكم الكرامة والعطاء وأقامهم عنده شهرًا. ثم أرسل إلى عبد المطلب وقال له يا عبد المطلب إني مفض إليك من سرّ علم لو غيرك يكون لم نبح له به، ولكن رأيتك معدنه فأطلعتلك طلعة "أي عليه" فليكن عندك مخبأ حتى يأذن الله عَزَّ وَجَلَّ فيه: إني أجد في الكتاب المكنون والعلم المخزون الذي ادّخرناه لأنفسنا واحتجبناه دون غيرنا خيرًا عظيمًا وخطرًا جسيما فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة للناس عامة ولرهطك كافة ولك خاصة فقال له عبد المطلب مثلك أيها الملك سرّ وبرّ فما هو؟ فداك أهل الوبر زمرًا بعد زمر. قال إذا ولد غلام بتهامة بين كتفيه شامة كانت له الإمامة ولكم به الزعامة إلى يوم القيامة. فقال له عبد المطلب أيها الملك أبت بخير آب بمثله وافد قوم ولولا هيبة الملك وإعظامه لسألته مما أزداد به سرورًا. فقال له الملك هذا حينه الذي يولد فيه أو قد ولد اسمه محمَّد يموت أبوه وأمه ويكفله جده وعمه. قد وجدناه مرارًا، والله باعثه جهارًا، وجاعل له منا أنصارًا يعزّ بهم أولياءه. ويذل بهم أعداءه، ويضرب بهم الناس جميعًا. ويستفتح بهم كرائم الأرض يعبد الرحمن، ويدحض الشيطان ويخمد النيران ويكسر الأوثان قوله فصل وحكمه عدل يأمر بالمعروف ويفعله وينهى عن المنكر ويبطله اهـ (إذا علمت هذا) تعلم أن آباءه صلى الله عليه وآله وسلم ناجون إما لأنهم كانوا على الملة القديمة ملة إبراهيم عليه السلام وإما لأنهم من أهل الفترة الذين لم يغيروا ولم يبدلوا. فإن أهل الفترة أقسام ثلاثة. الأول من عرف الله ببصيرته وعقله فوحده بعبادته ولم يعبد الأوثان. الثاني من لم يشرك ولم يوحد ولا دخل في شريعة نبي من الأنبياء ولا ابتكر لنفسه شريعة ولا اخترع دينًا بل بقي مدة عمره على غفلته وهذان القسمان غير معذبين. الثالث من غير وبدل وأشرك وشرع لنفسه وحرم وحلل وهذا هو المعذب في النار. وهو محمل ما ورد من الأحاديث الدالة على تعذيب بعض أهل الفترة كحديث البخاريُّ ومسلم عن أبي هريرة رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار "أي أمعاءه" وكحديث مسلم رأيت صاحب المحجن في النار وصاحب المحجن هو الذي كان يسرق الحاج بمحجنه فإذا رآه أحد قال إنما تعلق بمحجني وإن

رد القول بكفر أبويه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ما يدل على إيمان آبائه

غفل عنه ذهب به. وعلى فرض عدم التفرقة بين أهل الفترة فيجاب عن هذه الأحاديث بأنها أخبار آحاد تفيد الظن فلا تعارض القطعي المفيد أنهم غير معذبين كقوله تعالى "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا" أو بأن التعذيب المذكور في الأحاديث خاص بهؤلاء المذكورين اتباعًا للوارد فلا يقاس عليهم غيرهم والله أعلم بالسبب الموقع لهم في العذاب وإن كنا لا نعلمه فالظن بآبائه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يكونوا من القسم الأوّل خصوصًا مع ما علمته من الأدلة الدالة على نجاتهما. وعلى الجملة فالأولى ما ذكره بعض المحققين من أنه لا ينبغي ذكر هذه المسألة إلا مع مزيد الأدب وليست من المسائل التي يضر جهلها أو يسأل عنها في القبر أو في الموقف فحفظ اللسان عن التكلم فيها إلا بخير أولى وأسلم (قال الحلوانى في المواكب) القول بكفر أبويه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم زلة عاقل نعوذ بالله من ذلك. فمن تفوه به فقد تعرض للكفر بإيذائه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. فقد جاء أن عكرمة بن أبي جهل اشتكي إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن الناس يسبون أباه فقال لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات رواه الطبراني ولا شك أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حيّ يرزق في قبره تعرض عليه أعمالنا وإذا روعي عكرمة رضي الله عنه في أبيه بالنهي عما يتأذى به من سبه فسيد الخلق أولى وأوجب، كيف وقد جاء أن سبيعة وكأنها المعروفة بدرة بنت أبي لهب جاءت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت إن الناس يصيحون بي يقولون إني ابنة حطب النار فقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو مغضب شديد الغضب فقال: ما بال أقوام يؤذونني في نسبي وذوي رحمي ألا ومن آذي نسبي وذوي رحمي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله عَزَّ وَجَلَّ (وقد) سئل الإِمام أبو بكر بن العربي المالكي عن رجل قال إن أباه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في النار فأجاب بأنّه ملعون لآية "إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة" ولا أذي أعظم من أن يقال إن أباه في النار اهـ (ولذا) غضب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه غضبا شديدًا على كاتب له قال ذلك وهو يسمعه وعزله من دواوينه كلها كما ذكره أبو نعيم في الحلية (وأما) ما قيل إن قوله تعالى "ولا تسأل عن أصحاب الجحيم" نزل في أبويه صلى الله تعالى وعلى آله وسلم فأثر ضعيف الإسناد فلا يعول عليه والمقطوع به أن الآية في كفار أهل الكتاب كسابقها ولاحقها (ومما يؤيده) قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في آية "ولسوف يعطيك ربك فترضى" من رضا محمَّد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ألا يدخل أحد من أهل بيته النار أخرجه ابن جرير. وخبر سألت ربي ألا يدخل النار أحد من أهل بيتى فأعطاني ذلك أخرجه ابن سعد. بل لو ورد دون ما قدمناه لكان فيه مقنع لمن منح أدنى توفيق فيجب اعتقاد ذلك. بل قال العلامة السحيمي في شرحه على عبد السلام إنه يجب اعتقاد أن جميع

حكمة نهيه صلى الله عليه وسلم أولا عن زيارة القبور

آباء الأنبياء وأمهاتهم مؤمنون وأنهم في الجنة مخلدون. وهذا هو الذي نعتقده ونلقى الله إن شاء الله تعالى عليه والحمد لله رب العالمين اهـ (قوله فإنها تذكر بالموت) أي فإن القبور أو زيارتها تذكركم الموت فتزهدون في الدنيا وترغبون في الآخرة (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية زيارة القبور ولو كانوا من أهل الفترة ولا سيما الأقارب لما فيها من صلة الرحم والاعتبار. وعلى جواز البكاء حال الزيارة بلا صوت ولا نوح وعلى مزيد شفقته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على والديه وقيامه بحقوقهما حق القيام (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه واليبهقي والحاكم وصححه هو والحازمي والثوري (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا مُعَرِّفُ بْنُ وَاصِلٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّ فِي زِيَارَتِهَا تَذْكِرَةً". (ش) رجال الحديث) (معرف) كمحمد (ابن واصل) السعدي الكوفي. روى عن أبي وائل وإبراهيم النخعي والشعبي والأعمش وجماعة. وعنه محمَّد بن مطرف ووكيع وابن مهدي وعبد الله بن صالح وطائفة. وثقه أحمد وابن معين والنسائيُّ وقال ابن عدي هو ممن يكتب حديثه ولم يذكر فيه جرحًا. روى له مسلم وأبو داود (وابن بريدة) سليمان بن بريدة بن الخصيب (معنى الحديث) (قوله نهيتكم) كذا في رواية مسلم. وفي رواية للترمذى قد كنت نهيتكم ونهاهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أولًا لقرب عهدهم بالجاهلية فربما يتكلمون بما اعتادته الجاهلية من فحش القول فلما استقرت قواعد الإِسلام وتمهدت أحكامه واشتهرت معالمه أمرهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالزيارة مع مراعاة الآداب الشرعية حيث قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في رواية النسائي فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجرًا. بضم الهاء وسكون الجيم أي قولًا سوءًا (قوله فزوروها) الأمر فيه للندب وعليه الجمهور للتعليل بعده. وادعى ابن حزم أنه للوجوب فقال بوجوب الزيارة وله مرة في العمر (قوله فإن في زيارتها تذكرة) أي عظة وتذكرًا للموت واعتبارًا بما آل إليه أهل القبور. وفي رواية ابن ماجه من حديث ابن مسعود "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة" وفي رواية الحاكم من حديث أنس فزوروها فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة ولا تقولوا هجرًا. وفي رواية الطبراني من حديث أم سلمة فزوروها فإن لكم فيها عبرة. (وفي هذه)

باب في زيارة النساء القبور

الأحاديث دلالة علي مشروعية زيارة القبور والترغيب فيها. وقد أجمع العلماء على أن زيارتها سنة للرجال. وفي زيارة النساء خلاف يأتي بيانه في الباب الآتي إن شاء الله تعالى (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم وابن حبّان والترمذي والحاكم والبيهقي (باب في زيارة النساء القبور) (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- زَائِرَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ. (ش) (رجال الحديث) (أبو صالح) باذان بالنون أو باذام بالميم. روى عن علي وابن عباس وأبي هريرة وأم هانئ. وعنه الأعمش وسماك بن حرب وأبو قلابة والثوري وغيرهم. وثقه العجلي وقال الجوزجاني متروك ونقل ابن الجوزي عن الأزدي أنه قال كذاب وقال ليس بالقويّ عندهم، وقال ابن عدي عامة ما يرويه تفسير وما أقل ما له من المسند وفي ذلك التفسير ما لم يتابعه عليه أهل التفسير ولم أعلم أحدًا من المتقدمين رضيه، وقال النسائي ليس بثقة وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (معنى الحديث) (قوله لعن رسول الله الخ) أي دعا على من ذكر بالطرد عن رحمة الله تعالى. أما زائرات القبور فلما يقع منهن حال الزيارة من الجزع وشق الجيوب ولطم الخدود وتضييع حق الزوج والتبرج، وأما المتخذون عليها المساجد فلا يقع منهم من تعظيم القبور والتشبه بعباد الأوثان. وأما المتخذون عليها السرج جمع سراج وهو المصباح فلما فيه من تضييع المال بلا منفعة ومن المبالغة في تعظيم القبوركاتخاذها مساجد (وفي الحديث) دلالة على تحريم زيارة النساء للقبور. وبه قال بعض الشافعية والمالكية والحنفية. واحتج به أكثر الشافعية وبعض الحنفية على الكراهة. وهو مشهور مذهب الحنابلة قالوا وصرفه عن التحريم ما تقدم للمصنف عن أم عطية قالت نهينا عن اتباع الجنازة ولم يعزم علينا. وقال أكثر الحنفية. بجوازها وهو قول للمالكية ورواية عن أحمد. قالوا إن منعهن من الزيارة كان قبل الترخيص فلما رخص فيها عمت الرخصة الرجال والنساء. واستدلوا بدخولهن تحت قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فزوروها. وعبر بضمير المذكر تغليبًا. ولأن النساء شقائق الرجال. ويؤيده ما رواه ابن عبد البر في التمهيد من طريق عبد الله بن أبي مليكة أن عائشة أقبلت يومًا من المقابر فقلت لها يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت من قبر أخي

أدلة من قال بجواز زيارتهن القبور. الجمع بينها وبين أدلة المنع

عبد الرحمن فقلت أليس كان رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينهى عن زيارة القبور؟ قالت نعم كان ينهى عن زيارتها ثم أمر بزيارتها. ومن أدلة القائلين بالجواز حديث مسلم عن عائشة قالت كيف أقول يا رسول الله إذا زرت القبور؟ قال قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين. فتعليمها هذا القول إذن مه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لها في الزيارة. ومنها ما تقدم من أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مر بامرأة تبكي عند قبر فقال لها اتقي الله واصبري. ولم ينكر عليها الزيارة. ومنها ما رواه الحاكم من حديث الحسين أن فاطمة بنت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده وقال هذا الحديث رواته عن آخرهم ثقات، ويمكن الجمع بين الأدلة: بأن الإذن في الزيارة لمن خرجت متسترة خاشعة متذكرة أمر الآخرة معتبرة بما صار إليه أهل القبور تاركة النياحة وضرب الخدود وشق الجيوب وسوء القول. وبأن المنع لمن فعلت شيئًا مما ذكر كما يقع من كثير من نساء زماننا ولا سيما نساء مصر: قال النووي في شرح المهذب قال صاحب المستظهر وعندي إن كانت زيارتهن لتجديد الحزن والتعديد والبكاء والنوح على ما جرت به عادتهن حرم قال وعليه يحمل الحديث "لعن الله زوارات القبور" وإن كانت زيارتهن للاعتبار من غير تعديد ولا نياحة كره إلا أن تكون عجوزًا لا تشتهى فلا يكره كحضور الجماعة في المساجد. وهذا الذي قاله حسن، ومع هذا فالاحتياط للعجوز ترك الزيارة لظاهر الحديث اهـ. وقال صاحب المدخل المالكي قد اختلف العلماء في خروجهن على ثلاثة أقوال بالمنع والجواز على ما يعلم في الشرع من الستر والتحفظ عكس ما يفعل اليوم، والثالث يفرق بين الشابة والمتجالة "أي العجوز" وأعلم أن الخلاف في نساء ذلك الزمان أما خروجهن في هذا الزمان فمعاذ الله أن يقول أحد من العلماء أو من له مروءة أو غيرة في الدين بجوازه اهـ. وتقدم تمام الكلام على هذا في "باب اتباع النساء الجنائز" من الجزء الثامن (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي والحاكم وكذا ابن ماجه مختصرًا. ورواه أحمد وابن ماجه والترمذي وابن حبّان والبيهقي عن أبي هريرة مختصرًا (باب ما يقول إذا زار القبور أو مر بها) (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ إِلَى الْمَقْبَرَةِ فَقَالَ "السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ"

بعض ما ورد في ما يقوله زائر القبور

(ش) (القعنبي) عبد الله بن مسلمة. و (أبو العلاء) عبد الرحمن بن يعقوب (قوله السلام عليكم) وفي رواية أحمد سلام عليكم. وفيه دلالة على أن السلام على الموتى يقدم فيه المبتدأ على الخبركالسلام على الأحياء ويقدم الدعاء على المدعوّ له فإن السلام متضمن للدعاء ونظيره قوله تعالى "رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت" ولا ينافيه ما سيأتي للمصنف في "باب كراهية أن يقول عليك السلام" من كتاب الأدب عن أبي جريّ الهجيمي "بالتصغير فيهما" قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقلت عليك السلام يا رسول الله فقال لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الموتى. لأنّ معناه أن هذه الصيغة تختص بالموتى، وأما السلام عليكم فمشترك "وما قاله" بعض العلماء من لزوم تقديم المبتدإ على الخبر في السلام على الأحياء والأموات وإجابته عن حديث أبي جريّ بأنه إخبار عن عادة أهل الجاهلية من تقديم الخبر على المبتدإ في تحية الموتى كما قال شاعرهم عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما "بعيد" لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما كان يقر أحدًا على ما يخالف الشريعة. فتحصل أن السنة في السلام على الأحياء والأموات تقديم المبتدإ على الخبر وأنه يجوز في تحية الأموات تقديم الخبر (قوله دار قوم مؤمنين) بالنصب على النداء، والكلام على حذف مضاف أي يأهل دار قوم مؤمنين. وسميت القبور دارًا تشبيهًا لها بمساكن الأحياء لأنهم يجتمعون في القبوركما يجتمع الأحياء (قوله وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) ذكر المشيئة للتبرك كما في قوله تعالى "لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين" أو ذكرت لتحسين الكلام وتزيينه وليست لتعليق الموت على المشيئة لتحققه وعدم الشك فيه. ويحتمل أنها للتعليق بالنسبة للموت على الإيمان. أو أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخل المقابر ومعه قوم مخلصون في الإيمان وآخرون منافقون. فكان الاستثناء تنويها بشأنهم (وفي هذا الحديث) دلالة على مشروعية ذكر هذه الكلمات عند زيارة القبور: وقد ورد في ذلك أحاديث أخر. منها ما رواه مسلم عن بريدة قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية، ومنها ما رواه الترمذي وحسنه عن ابن عباس قال مر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال: السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر. ومنها ما رواه مسلم عن عائشة أنها قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلما كانت ليلتها من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: السلام عليكم دار قوم

صفة زيارة القبور. ما يلزم الزائر اجتنابه

مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غدًا مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد. وقوله أتاكم ما توعدون الخ. أي جاءكم ما وعدكم الله تعالى من الثواب مجملًا وأنتم مؤجلون باعتبار حصوله يوم القيامة مفصلًا: ومنها ما رواه مسلم عنها أيضًا قالت: ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم؟ قلنا بلى. قالت: لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيها عندي انقلب فرضع رداءه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدًا، وانتعل رويدًا، وفتح الباب رويدًا، فخرج ثم أجافه رويدًا، فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري، ثم انطلقت على أثره حتى جاء البقيع فأقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعت فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت "من الإحضار وهو العدو" فسبقته فدخلت. فليس إلا أن اضطجعت فدخل فقال مالك يا عائش حشيا "نفسك متتابع" رابية "مرتفعة البطن" قلت لا بي شيء. قال لتخبرنّي أو ليخبرني اللطيف الخبير، قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي فأخبرته، قال فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟ قلت نعم، فلهدني "دفعني" في صدري لهدة أوجعتنى ثم قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت مهما يكتم الناس يعلمه الله. نعم، قال فإن جبريل عليه السلام أتاني حين رأيت فناداني فأخفاه منك، فأجبته فأخفيته منك، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك، وظننت أن قد رقدت، فكرهت أن أوقظك وخشيت أن تستوحشي، فقال إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم، قالت قلت كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون. ومنها ما أخرجه ابن ماجه عنها أيضًا قالت: فقدته تعني النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإذا هو بالبقيع. فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم لنا فرط وإنا بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم. وعن الحسن البصري قال: من دخل المقابر فقال: اللهم رب الأجسام البالية والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة، أدخل عليها روحا "بفتح فسكون رحمة" منك وسلامًا مني، استغفر له كل مؤمن مات منذ خلق الله آدم. رواه ابن أبي شيبة. وصفة الزيارة المشروعة كما أفاده النووي أن يخرج الشخص متواضعًا مراقبًا لله تعالى معتبرًا بمن تقدمه من الموتى قاصدًا وجه الله تعالى ونفع الميت بالسلام عليه والدعاء له، فإذا وصل القبر استقبل الميت واستدبر القبلة وسلم ودعا بما شاء مما تقدم من الأحاديث قائمًا كما كان يفعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند الخروج إلى البقيع. ولا بأس بالجلوس إذا كان لضرورة. وليحذر مما اعتاده بعض الجهلة من التمسح بالقبر وتقبيله والطواف حوله ودعاء صاحب القبر

بطلان النذر للأولياء. مضاره ومفاسده

وطلب ما يحتاجه منه فإن ذلك من عادة المشركين. وفي الحديث الصحيح إذا سألت فأسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله رواه الترمذي. وقد يفضي ذلك إلى ما كانت عليه الأمم السابقة من عبادة الأوثان. وفي المنع من ذلك بالكلية قطع لهذه الذريعة المؤدية إلى فساد العقيدة، وهو المناسب لحكمة مشروعية الأحكام من جلب المصالح ودرء المفاسد. وليحذر أيضًا مما يقع من بعض من لا خلاق لهم من اعتقادهم في قبور الصالحين والأولياء وبعض الأشجار والأبواب أنها تنفع أو تضر أو تقرب إلى الله تعالى أو تقضي الحوائج بمجرد التشفع بها إلى الله تعالى، فإن من فعل ذلك فقد أشرك بالله تعالى واعتقد ما لا يحل اعتقاده كما اعتقد المشركون في الأوثان فإنهم يعاملونها معاملة المشركين للأصنام، ويطوفون بها طواف الحجاج بيت الله الحرام ويخاطبون الميت بالكلمات المكفرة كقولهم "اقصم ظهره يا سيد وخذ عمره وتصرف فيه يا إمام" ويهتفون بأسمائهم عند الشدائد، ولكل جهة رجل ينادونه، فأهل مصر يدعون الشافعي والرفاعي والبدوي والبيومي. وأهل العراق والهند والشام يدعون عبد القادر الجيلي، وأهل مكة والطائف يدعون ابن عباس، وينذرون لهم النذور ويذبحون لهم الذبائح، ويوقدون لهم السرج ويضعون الدراهم في صناديقهم، ولا ريب أن هذا من أعمال الجاهلية ومخالف لدين الله تعالى ورسوله وما كان عليه سلفنا الصالح رضي الله تعالى عنهم. ولو عرف الناذر بطلان ذلك ما أخرج درهمًا فإن الأموال عزيزة عند أهلها قال تعالى "وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ" فالواجب على كل عاقل تحذير من يفعل ذلك لأنه إضاعة للمال ولا ينفعه ما يخرجه ولا يدفع عنه ضررًا، بل فيه المخالفة والمحاربة لله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، ويجب رد المال إلى من أخرجه، وقبضه حرام لأنه أكل مال الناذر بالباطل، وقد قال تعالى "وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ" وفيه تقرير للناذر علي قبح اعتقاده وشنيع مخالفته فهو كحلوان الكاهن ومهر البغيّ، ولأنه تدليس من هؤلاء القوم وإيهام له أن الولى ينفعه ويضره فأي تقرير لمنكر أشد من قبض النذر علي الميت وأي تدليس أعظم من هذا؟ قال الإِمام محمَّد ابن إسماعيل الصنعاني صاحب سبل السلام في رسالته "تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد" بعد كلام جليل طويل في هذا الموضوع "فإن قلت" هذا أمر عم البلاد واجتمعت عليه سكان الأغوار والأنجاد، وطبق الأرض شرقًا وغربًا، ويمنًا وشامًا وجنوبًا وشمالًا، بحيث لا بلدة من بلاد الإِسلام ولا قرية من قراه إلا وفيها قبور ومشاهد، وأحياء يعتقدون فيها ويعظمونها وينذرون لها ويهتفون بأسمائها، ويحلفون بها ويطوفون بفناء القبور ويسرجونها ويلقون عليها الورد والرياحين ويلبسونها الثياب. ويصنعون كل أمر يقدرون عليه من العبادة لها وما في معناها من التعظيم والخشوع والتذلل والافتقار إليها، بل هذه مساجد المسلمين غالبًا لا تخلو عن قبر

سكوت العالم على المنكر لا يبيح ارتكابه

أو مشهد يقصده المصلون في أوقات الصلاة يصنعون فيه ما ذكر أو بعضه، ولا يسع عقل عاقل أن منكرًا يبلغ إلى ما ذكرت من الشناعة والقباحة ويسكت عليه علماء الإِسلام الذين ثبتت لهم الوطأة في جميع جهات الدنيا "قلت" إن أردت الإنصاف، وتركت متابعة الأسلاف، وعرفت أن الحق ما قام عليه الدليل لا ما اتفق عليه العوالم جيلًا بعد جيل وقبيلًا بعد قبيل، فاعلم أن هذه الأمور التي ندندن حول إنكارها، ونسعى في هدم منارها، صادرة عن العامة الذين إسلامهم تقليد الآباء بلا دليل، ومتابعتهم لهم من غير فرق بين دنيّ ومثيل: ينشأ الواحد فيهم فيجد أهل قريته وأصحاب بلدته يلقنونه في الطفولية أن يهتف باسم من يعتقدون فيه ويراهم ينذرون له ويعظمونه ويرحلون به إلى محل قبره ويلطخونه بترابه ويطوفون به على قبره فينشأ وقد قر في قلبه عظمة ما يعظمونه، وقد صار أعظم الأشياء عنده من يعتقدونه، فنشأ على هذا الصغير وشاخ عليه الكبير، ولا يسمعون من أحد إنكارًا عليهم، بل ترى من يتسم بالعلم ويدعي الفضل وبنتصب للقضاء أو الفتيا أو التدريس أو الولاية والمعرفة أو الإمارة والحكومة معظمًا لما يعظمونه، مكرمًا لما يكرمونه، قابضًا للنذور، آكلًا ما ينحر على القبور، فيظن أن هذا دين الإِسلام، وأنه رأس الدين والسنام، ولا يخفى على أحد يتأهل للنظر ويعرف بارقة من علم الكتاب والسنة والأثر، أن سكوت العالم أو العالم على وقوع منكر ليس دليلًا على جواز ذلك المنكر. ولنضرب لك مثلًا من ذلك، وهي هذه المكوس المسماة بالمجابي المعلوم من ضرورة الدين تحريمها قد ملأت الديار والبقاع وصارت أمرًا مأنوسًا لا يلج إنكارها إلى سمع من الأسماع، وقد امتدت أيدى المكاسين في أشرف البقاع في مكة أم القرى، يقبضونها من القاصدين لأداء فريضة الإِسلام ويرتكبون في البلد الحرام كل فعل حرام، وسكانها من فضلاء الأنام، والعلماء والحكام ساكتون عن الإنكار معرضون عن بيان أنها ظلم وعدوان، أفيكون السكوت من العلماء بل من العالم دليلًا على جوازها وأخذها؟ هذا لا يقوله من له أدنى إدراك. بل أضرب لك مثلًا آخر: هذا حرم الله الذي هو أفضل بقاع الدنيا باتفاق وإجماع العلماء. أحدث فيه بعض ملوك الشراكسة الجهلة الضلال هذه المقامات الأربعة التي فرقت عبادة العباد، واشتملت على ما لا يحصيه إلا الله عَزَّ وَجَلَّ من الفساد، وفرقت عبادات المسلمين وصيرتهم كالملل المختلفة في الدين. بدعة قرت بها عين إبليس اللعين، وصيرت المسلمين ضحكة للشياطين، وقد سكت الناس عليها ووفد الآفاق والأقطار إليها، وشاهدها كل ذى عينين، وسمع بها كل ذي أذنين. أفهذا السكوت دليل على جوازها؟ هذا لا يقوله من له إلمام بشيء من المعارف. وكذلك سكوتهم على هذه الأشياء الصادرة من القبوريين (فإن قلت) يلزم من هذا أن الأمة قد اجتمعت على ضلالة حيث سكتت عن إنكارها لأعظم جهالة (قلت) الإجماع حقيقته اتفاق مجتهدي أمة محمَّد صلى الله تعالى عليه

المذاهب في حكم قراءة القرآن عند القبر

وعلى آله وسلم على أمر بعد عصره، وفقهاء المذاهب الأربعة يحيلون الاجتهاد من بعد الأئمة الأربعة، وإن كان هذا قولًا باطلًا، وكلامًا لا يقوله إلا من كان للحقائق جاهلًا، فعلى زعمهم لا إجماع أبدًا من بعد الأئمة الأربعة، فلا يرد السؤال: فإن هذا الابتداع والفتنة بالقبور لم يكن علي عهد أئمة المذاهب الأربعة. وعلى ما نحققه فالإجماع وقوعه محال، فإن الأمة المحمدية قد ملأت الآفاق وصارت في كل أرض وتحت كل نجم، فعلماؤها المحققون لا ينحصرون ولا يتم لأحد معرفة أحوالهم، فمن ادعى الإجماع بعد انتشار الدين وكثرة علماء المسلمين فإنها دعوى كاذبة كما قاله أئمة التحقيق اهـ. أما قراءة الزائر القرآن عند القبر فقال أبو حنيفة: تكره لأنه لم يصح فيها شيء عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وقال محمَّد تستحب لورود الآثار وهو المذهب المختار كما صرحوا به في كتاب الاستحسان. قال في الدر المختار: ويقرأ عند زيارة القبر يس اهـ قال محشيه ابن عابدين "قوله ويقرأ يس" لما ورد "من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات" وفي شرح اللباب ويقرأ من القرآن ما تيسر له من الفاتحة وأول البقرة إلى المفلحون وآية الكرسي وآمن الرسول ويس وتبارك الملك وسورة التكاثر والإخلاص اثنتى عشرة مرة أو إحدى عشرة مرة أوسبعًا أو ثلاثًا ثم يقول: اللهم أوصل ثواب ما قرأناه إلى فلان أو إليهم اهـ. وقالت الشافعية: يستحب للزائر أن يقرأ ما تيسر من القرآن. قال النووي في المجموع: ويستحب للزائر أن يسلم على المقابر ويدعو لمن يزوره ولجميع أهل المقبرة، ويستحب أن يقرأ من القرآن ما تيسر ويدعو لهم عقبها نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب، وقالت الحنابلة لا بأس بالقراءة عند القبر. قال في المغني قد روي عن أحمد أنه قال: إذا دخلتم المقابر فاقرءوا آية الكرسي ثلاث مرار وقل هو الله أحد ثم قل: اللهم إن فضله لأهل المقابر. وروي عنه أنه قال القراءة عند القبر بدعة، وروي ذلك عن هشيم، قال أبو بكر نقل ذلك عنه جماعة ثم رجع عنه: فروى جماعة أنه نهى ضريرًا أن يقرأ عند القبر وقال له إن القراءة عند القبر بدعة، فقال له محمَّد بن قدامة ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال ثقة قال فأخبرني مبشر عن أبيه أنه أوصى إذا دفن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها. وقال سمعت ابن عمر يوصي بذلك قال أحمد فارجع فقل للرجل يقرأ. وقال الخلال: حدثني أبو على الحسن بن الهيثم البزار شيخنا الثقة المأمون قال: رأيت أحمد بن حنبل يصلي خلف ضرير يقرأ على القبور وقد روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه قال "من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف عنهم يومئذ، وكان له بعدد من فيها حسنات" وروي عنه عليه السلام "من زار قبر والديه فقرأ عنده أو عندهما يس غفر له" وأي قربة فعلت وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك إن شاء الله: أما الدعاء والاستغفار والصدقة وأداء الواجبات فلا أعلم فيها خلافًا إذا كانت الواجبات

باب كيف يصنع للمحرم إذا مات؟

مما تدخلها النيابة "كالحج والصيام" وقال أحمد الميت يصل إليه كل شيء من الخير للنصوص الواردة فيه. ولأن المسلمين يجتمعون في كل مصر ويقرءون ويهدون لموتاهم من غير نكير فكان إجماعًا اهـ بتصرف. وقالت المالكية: تكره القراءة على القبر لأنه ليس من عمل السلف. بل كان عملهم التصدق والدعاء لا القراءة. وقال بعضهم لا بأس بقراءة القرآن وجعل ثوابه للميت ويحصل له الأجر إن شاء الله، قال ابن هلال: الذي أفتى به ابن رشد في نوازله وذهب إليه غير واحد من أئمتنا الأندلسيين أن الميت ينتفع بقراءة القرآن الكريم ويصل إليه نفعه ويحصل له أجره إذا وهب القارئ ثوابه له، وبه جرى عمل المسلمين شرقًا وغربًا، ووقفوا على ذلك أوقافًا واستمر عليه الأمر منذ أزمنة سالفة اهـ والراجح أن قراءة القرآن عند القبر لم يثبت فيها حديث مرفوع صحيح. وما تقدم للمصنف بالجزء الثامن في "باب القراءة عند الميت" من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اقرءوا يس على موتاكم "ففيه مقال" وعلى فرض صحته فهو محمول على المحتضر كما علمت هناك "وما رواه الدارقطني" عن عليّ أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: من مر على المقابر فقرأ قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة ثم وهب أجرها للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات "فقد"، قال فيه ابن الجوزي في التذكرة هو مأخوذ من نسخة عبد الله بن أحمد في الموضوعات اهـ "وما ذكر" من قراءة الفاتحة وآية الكرسي وتبارك الملك وسورة التكاثر عند زيارة القبور "فلا نعلم" فيه رواية صحيحة ولا ضعيفة. والله الموفق للصواب (والحديث) أخرج مسلم والنسائي وابن ماجه نحوه عن بريدة وعائشة (باب كيف يصنع بالمحرم إذا مات؟ ) وفي بعض النسخ باب المحرم يموت كيف يصنع به؟ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِرَجُلٍ وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ فَمَاتَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ "كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ وَاغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلَبِّي". (ش) (سفيان) بن سعيد الثوري (قوله وقصته راحلته) يعني صرعته فكسرت عنقه وأصل الوقص الدق والكسر يقال: وقصت الناقة راكبها وقصًا من باب وعد رمته فدقت

أقوال الأئمة في المحرم إذا مات كيف يجهز؟

عنقه. وفي رواية للبخاري: بينا رجل واقف مع رسول الله صلي الله عليه وعلى آله وسلم بعرفة إذ وقع من راحلته فأوقصته. أي قتلته وهشمته (قوله كفنوه في ثوبيه) يعني بهما الإزار والرداء لأن المحرم لا يلبس الثياب المخيطة، وفي رواية للبخاري والرواية الآتية وكفنوه في ثوبين. قال القاضي عياض. وأكثر الروايات في ثوبين (قوله ولا تخمروا رأسه الخ) أي ولا تستروه لأن الله يبعثه يوم القيامة علي الهيئة التي مات عليها من الإحرام والتلبية، كالشهيد يأتي يوم القيامة وجرحه يشخب دمًا (وفي الحديث) دلالة على أن المحرم إذا مات لا يكفن في الخيط ولا تغطى رأسه لبقاء حكم إحرامه كما هو ظاهر التعليل. وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق أخذًا بظاهر الحديث، وهو قول عثمان وعليّ وابن عباس وعطاء والثوري وإسحاق. وقال أبو حنيفة ومالك وطاوس والأوزاعي إذا مات المحرم انقطع إحرامه فيلبس المخيط وتغطى رأسه ويطيب، وهو مروي عن عائشة وابن عمر, فقد مات ابنه واقد وهو محرم فكفنه وخمر وجهه ورأسه وقال: لولا أنا محرمون لخطناك يا واقد رواه مالك في الموطأ, وروى عبد الرزاق في مصنفه بأسانيد جياد عن عطاه وقد سئل عن المحرم يغطى رأسه إذا مات فقال: غطى ابن عمر وكشف غيره. وقال طاوس يغيب رأس المحرم إذا مات. وقال الحسن إذا مات المحرم فهو حلال. وفي حديث مجاهد عن عامر الشعبي إذا مات المحرم ذهب إحرامه. وفي حديث إبراهيم عن عائشة إذا مات المحرم ذهب إحرام صاحبكم وحكى ابن حزم أنه صح عن عائشة تحنيط الميت المحرم إذا مات وتطييبه وتخمير رأسه، قالوا لأن الإحرام عبادة تبطل بالموت كالصلاة والصوم. وأجابوا عن حديث الباب بأنه خصوصية لهذا الرجل لأن إخباره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأنه يبعث ملبيًا شهادة منه بأن حجه قد قبل وذلك غير محقق لغيره، وبأن عمله قد انقطع بموته لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم والبخاري في الأدب، وليس هذا منها وفي الحديث اغسلوه بسدر. والمحرم لا يجوز غسله بالسدر. لكن يقال عليه إن الأصل عدم الخصوصية وأن قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: يبعث ملبيًا. لا ينحصر فيما قالوا، بل هو ظاهر في بقاء حكم الإحرام فإن التلبية شعار المحرم فالحكم عام لكل محرم. يؤيده ما رواه النسائي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، اغسلوا المحرم في ثوبيه اللذين أحرم فيهما واغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة محرمًا" فظاهره يعم كل محرم، وكونه جاء في رسول مخصوص لا يقدح لأن العبرة بعموم اللفظ "وتمسكهم" بقوله تعالى "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث "ليس على ما ينبغي" لأن ما يصنع به بعد

موته من الغسل والتكفين وغيرهما من عمل الحي لا من عمله "وما قيل" لو كان إحرامه باقيًا لوجب أن يكمل به أعمال الحج ولا قائل به "مدفوع" بأن هذا ورد على خلاف الأصل فيقتصر فيه على مورد النص، ولا سيما وأن الحكمة في ذلك استبقاء شعار الإحرام ولو تممت به أعمال الحج ما بقيت له هذه الحكمة، وما أحسن ما اعتذر به الداودي عن مالك حيث قال: إنه لم يبلغه الحديث (فقه الحديث) دل الحديث بمفهومه على أنه يباح للمحرم الحيّ أن يغتسل بالماء والسدر، وبه قال الشافعي وعطاء وابن المنذر ومجاهد وطاوس، وكرهه أبو حنيفة ومالك وآخرون. وعلى أن الكفن من رأس مال الميت لأمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بتكفينه في ثوبه ولم يستفصل أعليه دين يستغرق ماله أم لا. وعلى أن المحرم يكفن في ثياب إحرامه: وعلى أن الوتر في الكفن ليس شرطًا في صحته بل هو الأفضل كما تقدم. وعلى أن من مات محرمًا يبقى حكم إحرامه، فلا يكفن في المخيط ولا يغطى رأسه إن كان رجلًا (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي والبيهقي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ خَمْسُ سُنَنٍ "كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ". أَىْ يُكَفَّنُ الْمَيِّتُ فِي ثَوْبَيْنِ "وَاغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ". أَيْ إِنَّ فِي الْغَسَلاَتِ كُلِّهَا سِدْرًا "وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ". وَلاَ تُقَرِّبُوهُ طِيبًا وَكَانَ الْكَفَنُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. (ش) غرض المصنف بهذا بيان الأحكام التي تؤخذ من الحديث صراحة وضمنا (قوله في هذا الحديث خمس سنن الخ) أما الثلاثة الأول فمأخوذة من الحديث صراحة والآخران ضمنا لأن: قوله لا تقربوه طيبًا مأخوذ من معاملته معاملة المحرم، وقوله كان الكفن من جميع المال، أي من رأسه لأنه ضروري، أخذ من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الحديث كفنوه في ثوبيه. ولم يستفسر أعليه دين أم لا؟ كما تقدم (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ -الْمَعْنَى- قَالاَ نَا حَمَّادٌ عَنْ عَمْرٍو وَأَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ قَالَ "وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ سُلَيْمَانُ قَالَ أَيُّوبُ "ثَوْبَيْهِ". وَقَالَ عَمْرٌو "ثَوْبَيْنِ". وَقَالَ ابْنُ عُبَيْدٍ قَالَ أَيُّوبُ "فِي ثَوْبَيْنِ". وَقَالَ عَمْرٌو "فِي ثَوْبَيْهِ". زَادَ سُلَيْمَانُ وَحْدَهُ "وَلاَ تُحَنِّطُوهُ".

روايات أخر لحديث المحرم الذي وقصته دابته

(ش) (قوله نحوه) أي روى حماد في زيد عن عمرو في دينار وأيوب السختياني نحو رواية سفيان الثوري عن عمرو المذكور (قوله قال وكفنوه في ثوبين الخ) أي قال حماد في روايته وكفنوه في ثوبين بالتنكير، وهذا مجمل فصله بقوله: قال سليمان الخ وحاصله أن سليمان ابن حرب روى عن أيوب وثوبيه بالإضافة وعن عمرو ثوبين بالتنكير، وروى محمَّد بن عبيد عنهما عكس ما رواه سليمان، فنكر في الأول وعرف في الثاني. وزاد سليمان في روايته عن محمَّد بن عبيد قوله: ولا تحنطوه أي لا تجعلوا في كفنه حنوطًا. وهو أنواع من الطيب تجمع وتجعل في أكفان الموتى وأجسامهم خاصة (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ بِمَعْنَى سُلَيْمَانَ "فِي ثَوْبَيْنِ". (ش) يعني أن مسددًا روى الحديث عن حماد بن زيد نحو ما رواه عنه سليمان في حرب إلا أن مسددًا قال في روايته عن حماد وكفنوه في ثوبين بالتنكير، فوافق محمَّد بن عبيد في روايته عن أيوب السختيانيّ، والفرق بين رواية التعريف والتنكير أن رواية التعريف تفيد الاقتصار على ثوبيه اللذين كانا عليه بخلاف رواية التنكير فإنها تصدق بهما وبغيرهما (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَقَصَتْ بِرَجُلٍ مُحْرِمٍ نَاقَتُهُ فَقَتَلَتْهُ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ "اغْسِلُوهُ وَكَفِّنُوهُ وَلاَ تُغَطُّوا رَأْسَهُ وَلاَ تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُهِلُّ". (ش) (جرير) بن عبد الحميد و (منصور) بن المعتمر. و (الحكم) بن عتيبة (قوله ولا تقربوه طيبًا) هو حجة لمن قال إن الميت المحرم لا يطيب لبقاء حكم إحرامه كما أشار له بقوله فإنه يبعث يهل "يعني يلبي" وقال أبو حنيفة ومالك يطيب لانقطاع إحرامه (والحديث) حجة عليهم وأخرح مسلم هذه الرواية عن إسراءيل عن منصور عن سعيد. قال القاضي عياض هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال: إنما سمعه منصور من التيمم، وكذا أخرجه البخاري عن منصور عن التيمم عن سعيد وهو الصواب اهـ

كتاب الزكاة

(كتاب الزكاة) ذكرت عقب الصلاة لقرنها بها في الكتاب والسنة قال الله تعالى "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" وقال صلى الله عليه وآله وسلم" بني الإِسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة الحديث" والزكاة لغة تطلق على الطهارة والثناء والبركة: قال الله تعالى "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" ويقال زكا الزرع إذا نما وزاد. وفي عرف الشرع اسم للقدر المخرج من المال حقًا لله تعالى. سمي بذلك، لأنه مطهر للمال بإخراج حق الغير منه، ومطهر للشخص المزكى من دنس البخل والآثام وبه يبارك في المال ويخلف على المتصدق قال تعالى "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه" أو تمليك جزء مصدر من مال لواحد أو أكثر من الأصناف الثمانية المذكورة في قوله تعالى "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها، الآية وذلك على وجه مخصوص يأتي بيانه. وهي فرض ثابت بالكتاب والسنة والإجماع من جحد فرضيتها كفر. فرضت في السنة الثانية من الهجرة بعد زكاة الفطر، وقيل فرضت بمكة إجمالًا وبينت بالمدينة تفصيلًا، جمعًا بين الآيات الدالة على فرضيتها بمكة كقوله تعالى "وآتوا حقه يوم حصاده" في سورة الإنعام، وقوله "وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم" في سورة الذاريات، فإنهما, مكيتان والآيات الدالة على فرضيتها بالمدينة كقوله تعالى، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، في سورة البقرة، وقوله تعالى "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها، في سورة التوبة فإنهما مدنيتان. وسبب وجوبها ملك النصاب وتمام الحول في غير الزرع. وحكمة مشروعيتها التطهير من أدناس الذنوب والبخل. والإحسان إلى المحتاجين والرفق بهم وارتفاع الدرجات بفعل القربات لله تعالى، وأيضًا فإن المال محبوب بالطبع، فإذا استغرق القلب في حبه اشتغل به عن حب الله وعن الطاعة المقربة إليه تعالى، فاقتضت الحكمة إيجاب الزكاة في ذلك المال ليصير سببًا للقرب منه تعالى. وأيضًا فإن إخراج المال سياق على النفر فأوجب الله الزكاة لامتحان أرباب الأموال ليتميز بذلك المطيع المخرج لها عن طيب نفس من مال العاصي المانع لها، وفيها أيضًا تطييب قلوب الفقراء واطمئنان نفوسهم بما يأخذونه من مال الأغنياء، فلا يطمعون في الاستيلاء عليها بوجه غير مشروع. وشروط افتراضها الإِسلام والحرية وكمال النصاب وعلم فرضيتها لمن أسلم بعيدًا عن دار الإِسلام. وشروط صحة أدائها نية مقارنة للأداء أو لعزل القدر الواجب. ثم إن الزكاة تكون في الإبل والبقر والغنم، وفي الذهب والفضة والزروع والثمار وعروض التجارة على التفصيل الذي سيمر بك بعد إن شاء الله تعالى

وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - واستخلاف أبي بكر

(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ نَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَاسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لأَبِي بَكْرٍ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ -قَالَ- فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ. (ش) (الليث) بن سعد. و (عقيل) بالَتصغير ابَنَ خالَد (قوله لما توفي رسول الله) كان ذلك ضحوة يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، ودفن يوم الثلاثاء، وقيل ليلة الأربعاء (قوله واستخلف أبو بكر) أي تولى الخلافة بعد وفاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وذلك أن الأنصار المهاجرين اجتمعوا في ثقيفة بني ساعدة "ناديهم" فبعد مشادة بين الفريقين بايع عمر أبا بكر، ثم تتابع الناس يبايعونه، وتم له الأصل يوم الثلاثاء الثالث عشر من الشهر المذكور، فقد أخرج البخاري من طريق عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مات وأبو بكر بالسنح "بضم السين وسكون النون وقيل بضمهما" تعني بالعالية فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله كل الله عليه وعلى آله وسلم قالت: وقال عمر والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك "أي عدم موته" وليبعثنه الله فليقطعن أيدى رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله صلى الله، عليه وعلى آله وسلم فقبله وقال: بأبي أنت وأمي. طبت حيًا وميتًا، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدًا. ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك. فلما تكلم أبو بكر جلس عمر. فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال: ألا من كان يعبد محمدًا فإن محمَّد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. وقال "إنك ميت وإنهم

حكمة تعجيل مبايعة أبي بكر قبل استشارة علي رضي الله عنهما

ميتون". وقال "وما محمَّد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئًا وسيجزى الله الشاكرين" فنشج (¬1) الناس يبكون قال واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في ثقيفة بني ساعدة. فقالوا منا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر. وكان عمر يقول والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلامًا قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر. ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء فقال حباب بن المنذر: لا والله لا نفعل: منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر: لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء. هم " يعني قريشًا، أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابًا (¬2)، فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة ابن الجراح. فقال عمر: بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، فأخذ عمر رضي الله عنه بيده فبايعه وبايعه الناس. فقال قائل قتلتم سعد بن عبادة (¬3). فقال عمر: قتله الله وفي رواية للبخاري أيضًا عن عائشة: فما كان خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها: لقد خوف عمر الناس، وإن فيهم لنفاقًا فردهم الله تعالى بذلك. تم لقد بَصَّرَ أبو بكر الناس الهدى وعرفهم الحق الذي عليهم وخرجوا به يتلون "وما محمَّد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل إلى قوله الشاكرين" اهـ وتأخر الإِمام علي وجماعة منهم الزبير فلم يبايعوا أبا بكر إلا بعد ستة أشهر لما ماتت فاطمة رضي الله عنها. ولم يكن تأخره لقدح في بيعة أبي بكر، إنما كان يرى أنه لا ينبغى إبرام أمر إلا بمشورته وحضوره، ولكن كان أبو بكر وعمر وسائر الصحابة معذورين في عدم انتظار استثشارته، لأنهم رأوا المبادرة بالبيعة من أعظم المصالح وخافوا من تأخرها خلافًا يترتب عليه مفاسد عظيمة. فقد أخرج الشيخان من حديث ابن عباس الطويل وفيه فقال: عمر والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمرنا أقوى من مبايعة أبي بكر رضي الله عنه: خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلًا منهم "أي من الأنصار" بعدنا، فإما بايعناهم على ما لا نرضى، وإما أن نخالفهم فيكون فسادا اهـ. ولذا أخروا تجهيز النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى عقدت البيعة كي لا يقع نزاع في تجهيزه وليس لهم حاكم يفصل في الأمر، وروى مسلم قصة بيعة عليّ من حديث عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أنها أخبرته أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله تعالى وعلي آله وسلم أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مما أفاء الله عليه ¬

_ (¬1) قوله فنشج الناس بفتح النون والشين المعجمة والجيم أي بكوا بغير انتحاب (¬2) أي أشبه العرب أفعالًا (¬3) يعني خذلتموه وأعرضتم عنه، وقوله قتله الله يريد به الدعاء عليه حقيقة لما في حديث مالك فقلت وأنا مغضب: قتل الله سعدًا فإنه صاحب شر وفتنة

مبايعة علي لأبي بكر رضي الله عنهما

بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمَّد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في هذا المال، وإني والله لا أغير شيئًا من صدقة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئًا فَوَجدَت فاطمة على أبي بكر في ذلك، قال فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها عليّ بن أبي طالب ليلًا، ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها عليّ وكان لعليّ من الناس وجهة حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر عليّ وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن بايع تلك الأشهر فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا معك أحد كراهية محضر عمر بن الخطاب، فقال عمر لأبي بكر: والله لا تدخل عليهم وحدك فقال أبو بكر: وما عساهم أن يفعلوا بي، والله لآتينهم فدخل عليهم أبو بكر فتشهد علي بن أبي طالب ثم قال: إنا قد عرفنا يا أبا بكر فضيلتك وما أعطاك الله ولم نَنْفس عليك خيرًا ساقه الله إليك، ولكن استبددت علينا بالأمر، وكنا نحن نرى لنا حقًا لقرابتنا من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلم يزل يكلم أبا بكر حتى فاضت عينا أبي بكر، فلما تكلم أبو بكر قال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحب إليّ أن أصل من قرابتى، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فإني لم آل فيها عن الحق، ولم أترك أمرًا رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصنعه فيها إلا صنعته، فقال علي لأبي بكر موعدك العشية للبيعة فلما صلى أبو بكر صلاة الظهر رقى على المنبر فتشهد وذكر شأن عليّ وتخلفه عن البيعة، وعذره بالذى اعتذر إليه ثم استغفر، وتشهد علي بن أبي طالب فعظم حق أبي بكر وأنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر ولا إنكار للذي فضله الله به، ولكنا كنا نرى لنا في الأمر نصيبًا فاستبد علينا به فوجدنا في أنفسنا، فسر بذلك المسلون، وقالوا أصبت وكان المسلون إلى عليّ قريبًا حتى راجع الأمر المعروف اهـ. "والنفاسة" الحسد وروي أيضًا من طريق معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر، فقال لهما أبو بكر إني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وساق الحديث بمثل معنى حديث عقيل عن الزهري، غير أنه قال: ثم قام علي فعظم من حق أبي بكر وذكر فضيلته وسابقته، ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه فأقبل الناس إلى علي فقالوا أصبت وأحسنت فكان الناس قريبًا إلى علي حين قارب الأمر المعروف ومما تقدم من الأحاديث تعلم ما في قول البدر العيني: وبايعه يعني أبا بكر جميع الصحابة حتى عليّ

قتال من ارتد ومن تنبأ بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -

ابن أبي طالب والزبير بن العوام. وما قيل من أن عليًا بايعه بعد موت فاطمة وقد ماتت بعد أبيها بستة أشهر، فذاك محمول على أنه بيعة ثانية أزالت ما كان قد وقع من وحشته بسبب الكلام في الميراث اهـ. فإن الأحاديث الصحيحة صريحة في أنه لم يبايع مع السابقين، وبهذا تم إجماع الصحابة على بيعة أبي بكر. وأدى الطاعة إليه وإلى الخلفاء من بعده عليّ رضي الله عنه إلى أن انتهت الخلافة إليه، فقام بها على أحسن وجه وأكمل حال. وقد تحزب قوم للبيعة لعلي وادعوا أنه أحق بالخلافة من غيره، وأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أوصى إليه بها، وتعاموا عن الدلائل الكثيرة الصحيحة الصريحة في خلافة أبي بكر: أقواها بعد الإجماع إنابته صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم أبا بكر إمامًا في الصلاة. وقد قال عليّ رضي الله عنه رضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لديننا (قوله وكفر من كفر من العرب) أي ارتد عن الدين من أراد الله كفره، فأنكروا الشرائع وتركوا الصلاة ومنعوا الزكاة وعادوا إلى ما كانوا عليه في الجاهلية. وممن ارتد أسد وغطفان وبنو حنيفة باليمامة وأهل البحرين وأزد عمان ومن قاربهم من قضاعة وعامة بني تميم وبعض بني سليم. وثبت على الإِسلام أهل المدينة: ثبتهم الله بأبي بكر. وأهل مكة: ثبتهم الله بسهيل بن عمرو، فإنه قد خطبهم بمثل ما خطب أبو بكر يوم وفاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وقد أخبر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بذلك يوم بدر، فقد قال لعمر حين أراد نزع ثنية سهيل المذكور: دعه يا عمر فعسى أن يقوم مقامًا تحمده عليه ولا تذمه. وثبتت ثقيف بالطائف: ثبتهم الله بعثمان بن أبي العاص فقد قام فيهم بمثل ما قام به سهيل. وممن ثبت على الإِسلام أسلم وغفار وجهينة ومزينة وأشجع وهوازن وجشم وأهل صنعاء وغيرها. وظهر بادعاء النبوة مسيلمة الكذاب من بني حنيفة وطليحة الأسدي وسجاح بنت الحارث وأسود العنسي باليمن. وأقر قوم بالصلاة ومنعوا الزكاة إما لشبهة لهم في المنع، فقد روى أنهم قالوا إنما كنا نؤدى زكاتنا لمن كانت صلاته سكنًا لنا لآية "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم" وقد توفي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالوا: لا نؤديها لغيره فهم مسلمون أهل بغي، وعليه فإطلاق الكفر عليهم تغليظ، وإما منكرين وجوبها. ومنهم من لم يمنع الزكاة إلا أن رؤساءهم صدوهم عن دفعها وقبضوا على أيديهم كبني يربوع، فقد جمعوا صدقاتهم وأرادوا إرسالها إلى أبي بكر فمنعهم مالك بن نويرة من ذلك وفرقها فيهم، فعظم الأمر على المسلمين واشرأبت أعناق المشركين، فأسرع أبو بكر رضي الله عنه في تلافي الأمر وأمر بعقد أحد عشر لواء لأحد عشر قائدًا: منهم خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل وعمرو بن العاص، فقاتلوا أهل الردة حتى رجعوا إلى الإِسلام. وقاتلوا المتنبئين حتى قتل مسيلمة باليمامة والأسود العنسي بصنعاء وهرب طليحة

الأسدي وسجاح وأسلما بعد ذلك. وكان لطليحة شأن في نصرة الإِسلام زمن عمر بن الخطّاب وقاتلوا مانعي الزكاة حتى أدوها، وقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين (قوله قال عمر الخ) أي لما أراد أبو بكر قتال مانعي الزكاة مع إقرارهم بالوحدانية اشتبه عمر في ذلك، وراجع أبا بكر واحتج عليه بقول النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: أمرت أن أقاتل الناس الخ تعلقًا من عمر بأول الكلام وغير ناظر لقول النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في آخره إلا بحقه، فقال له أبو بكر: إن الزكاة حق المال فلا بد من قتالهم حتى يؤدوه (وفي ذلك) دليل على أن قتال الممتنع من الصلاة كان مجمعًا عليه من الصحابة. وفيه الاحتجاج من عمر بالعموم ومن أبي بكر بالقياس. فدلّ ذلك على أن العموم يخص بالقياس. وأيضًا روى البخاري عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإِسلام وحسابهم على الله. فلو كان عمر رضي الله عنه ذاكرًا لهذا الحديث لما عارض أبا بكر، ولو كان أبو بكر ذاكرًا له لأجاب به عمر، ولم يحتج إلى قياس الزكاة على الصلاة (قوله عصم مني ماله ونفسه) أي حفظهما فلا أستبيح واحدًا منهما (وفي هذا) دلالة على أنه أراد بلا إله إلا الله، النطق بالشهادتين بدليل حديث ابن عمر المتقدم، ففيه إطلاق الجزء على الكل. قال القاضي عياض اختصاص عصمة المال والنفس بمن قال لا إله إلا الله تعبير عن الإجابة إلى الإيمان وأن المراد بهذا مشركو العرب وأهل الأوثان ومن لا يوحد، وهم كانوا أول من دعي إلى الإِسلام وقوتل عليه. وأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد فلا يكتفي في عصمته بقوله لا إله إلا الله إذا كان يقولها في كفره وهي من اعتقاده، فلذلك جاء في الحديث الآخر وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة اهـ. وقال النووي ولا بد مع هذا من الإيمان بجميع ما جاء به رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما جاء في الرواية الأخرى لأبي هريرة وهي مذكورة في الكتاب "يعني صحيح مسلم" حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به اهـ والرواية التي أشار إليها رواها مسلم في كتاب الإيمان بسنده إلى أبي هريرة عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله الله ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله (قوله إلا بحقه) أي حق الإِسلام المأخوذ من المقام، وقد صرح به في رواية البخاريّ. وهو استثناء من عام محذوف أي فلا يجوز استباحة شيء من أموالهم ودمائهم بسبب من الأسباب إلا بحق الإِسلام كقتل النفس المحرمة والزنا ومنع الزكاة (قوله وحسابه على الله) أي فيما يسره من الكفر والمعاصى، والمراد أن من نطق بكلمة التوحيد يحكم عليهم بالإيمان نظرًا لظاهر

حالهم فلا نتعرض لقتالهم ولا لأموالهم إلا بحق الإِسلام، وندع أمر بواطنهم إلى الله تعالى، فهو يثيب المخلص ويعاقب المنافق. وأفرد الضمير نظرًا للفظ من، وفي رواية البخاريّ وحسابهم على الله بالجمع نظرًا لمعناها (قوله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة) فرق بالتشديد والتخفيف أي أقام الصلاة ومنع الزكاة أو جحدها. وعزم أبو بكر رضي الله عنه على قتال من منع الزكاة لأنها أحد أركان الإِسلام مثل الصلاة، وخص الصلاة بالذكر لأنه قرن بينهما في اثنتين وثمانين آية، ولأنهما أصل العبادات البدنية والمالية، ولذا كانت الصلاة عماد الدين، والزكاة قنطرة الإِسلام (قوله فإن الزكاة حق المال) أي أن الزكاة هي الفرض الذي فرضه الله في المال كما أن الصلاة حق النفس، فكما أن العصمة لا تتناول من لم يؤد الصلاة فكذلك لا تتناول من لم يؤد الزكاة. وعليه فهم داخلون في عموم أمرت أن أقاتل الناس (وفي هذا) بيان أن الحق في قوله صلى الله عليه وآله وسلم إلا بحقه، يتناول حق المال وغيره، وكأن عمر فهم أنه لا يشمل الزكاة فأجاب أبو بكر بأنّه شامل لها أيضًا، ويحتمل أن يكون عمر ظن أن أبا بكر أراد مقاتلتهم لكفرهم فاستشهد بالحديث فأجابه الصديق بأنّه إنما يقاتلهم لمنعهم الزكاة (قوله لو منعوني عقالًا) بكسر العين الحبل الذي يعقل به البعير وهو محكي عن مالك وابن أبي ذئب وغيرهما من المحققين، وهو مأخوذ مع الفريضة لأنّ علي صاحبها التسليم، وإنما يقع قبضها برباطها. والصحيح أن المراد به ما يساوي عقالًا من حقوق الصدقة لأنّ الكلام وارد على وجه المبالغة. وقال النضر بن شميل إذا بلغت الإبل خمسًا وعشرين وجبت فيها بنت مخاض من جنس الإبل فهو العقال. وقال أبو سعيد الضرير كل ما أخذ من الأموال والأصناف في الصدقة من الإبل والغنم والثمار من العشر ونصف العشر فهذا كله في صنفه عقال، لأنّ المؤدي عقل به عنه طلبة السلطان وعقل عنه الإثم الذي يطلبه الله تعالى به اهـ. قال العيني وذهب جماعة من العلماء إلى أن المراد بالعقال زكاة عام، وهو معروف في اللغة بذلك، واختاره أبو عبيد والمبرد والكسائي وغيرهم من أهل اللغة. وهو قول جماعة من الفقهاء، واحتجوا في ذلك بقول عمرو بن العلاء. سعى عقالًا فلم يترك لنا سبدا ... فكيف لو قد سعى عمرو عقالين أراد مدة عقال. وعمرو هذا هو ابن عتبة بن أبي سفيان الساعي، ولاه عمه معاوية بن أبي سفيان صدقات كلب فقال فيه قائلهم ذلك. والسبد بفتحتين القليل من الشعر، والمراد هنا لم يترك قليلًا من المال (قوله لقاتلتهم على منعه) أي على ترك أدائه للإمام وهو ظاهر في أنه قاتلهم على ترك تأدية الزكاة للإمام لا على إنكار فرضيتها (قوله فوالله ما هو إلا أن رأيت الخ) أي الحال والشأن أني علمت أن الله شرح صدر أبي بكر وفتح قلبه بالإلهام للقتال غيرة على أحكام الإِسلام فعلمت من الأدلة التي ذكرها والحجج التي أقامها أن رأيه هو الحق. ولعل النص الذي اعتمد عليه

ما يجب نحو تارك الزكاة. الزنديق. الخلاف في قبول توبته

أبو بكر وعمل عليه ما رواه الحاكم في الإكليل من حديث فاطمة بنت خشاف عن عبد الرحمن الظفري وكانت له صحبة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى رجل من أشجع لتؤخذ صدقته، فرده فرجع فأخبر النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: ارجع فأخبره أنك رسول رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فجاء إلى الأشجعي فرده، فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اذهب إليه الثالثة فإن لم يعط صدقته فاضرب عنقه. قال عبد الرحمن بن عبد العزيز "أحد رواة الحديث" قلت لحكيم بن عباد بن حنيف "أحد رواة الحديث أيضًا" ما أرى أبا بكر الصديق قاتل أهل الردة إلا لهذا الحديث. قال أجل اهـ من العيني شرح البخاريُّ ببعض تصرف (فقه الحديث) دلّ الحديث على فضل أبي بكر رضي الله عنه وما كان عليه من اليقين بالله والتمسك بأوامر الدين وتنفيذها. وعلى مشروعية القياس والعمل به. وعلى جواز الحلف عند الداعية. وعلى جواز المناظرة بين أهل العلم. وعلى ما كان عليه سيدنا عمر رضي الله عنه من التمسك بما يراه حقًا والرجوع إلى الحق عند ظهوره. وعلى أنه يطلب من الإِمام مقاتلة قوم ذوي منعة امتنعوا من تأدية الزكاة، وبالأولى من امتنع من تأدية الصلاة. أما التارك للزكاة بلا منعة فإن كان منكرًا وجوبها فإنه يقتل كفرًا لإنكاره أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة، وإن كان تركها بخلا مع اعتقاد وجوبها عزر وأخذت منه قهرًا. ولا يؤخذ أزيد منها عند مالك وأبي حنيفة والشافعي في الجديد. وعند أحمد والشافعي في القديم يؤخذ منه أيضًا نصف ماله عقوبة له لحديث بهز بن حكيم قال حدثني أبي عن جدي قال: سمعت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون لا يفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجرًا فله أجرها، ومن أبى فأنا آخذها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا لا يحل لآل محمَّد فيها شيء. رواه النسائي. وسيأتي للمصنف في "باب زكاة السائمة" وأجاب الجمهور عنه بأن الحديث لم يثبت. فقد روى البيهقي عن الشافعي أنه قال: هذا الحديث لا يثبته أهل العلم بالحديث، وقال أبو حاتم بهز يكتب حديثه ولا يحتج به "ودعوى" أنه منسوخ بحديث "ليس في المال حق سوى الزكاة" رواه ابن ماجه بسند ضعيف "غير مسلمة" لعدم العلم بالتاريخ. على أنه إنما يعمل بالناسخ إذا كان ثابتًا ودل الحديث على أن من أظهر الإِسلام يقبل إسلامه وإن أسر الكفر. وهو المسمى بالزنديق وعليه أكثر العلماء. واختلفت الشافعية في قبول توبة الزنديق على أقوال. أحدها أنها تقبل مطلقًا للأحاديث الصحيحة المطلقة وهو أصح الأقوال. ثانيها عدم قبولها ويتحتم قتله لكنه إن صدق في توبته نفعه ذلك في الدار الآخرة وكان من أهل الجنة. ثالثها أنه إن تاب مرة واحدة قبلت توبته فان تكرر ذلك منه لم تقبل. رابعها إن أسلم ابتداء من غير طلب قبل منه، وإن كانت وهو تحت

روايات في قول أبي بكر والله لو منعوني عقالا

السيف فلا تقبل. خامسها إن كان داعيًا إلى الضلال لم تقبل منه وإلا قبلت. وذهبت المالكية إلى أن الزنديق إن جاء تائبًا قبل الاطلاع عليه قبلت توبته ولا يقتل، وإن تاب بعد الاطلاع عليه قبلت أيضًا إلا أنه يقتل حدًا. وقال العيني عن بعض أصحابنا من الحنفية لا تقبل توبته وهو محكي عن أحمد. ودل الحديث أيضًا على أن الردة لا تسقط الزكاة عن المرتد إذا وجبت في ماله (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والترمذي والنسائيُّ وأحمد والبيهقي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ رَبَاحُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ عِقَالًا. (ش) (قوله رواه رباح بن زيد عن معمر الخ) وفي بعض النسخ رواه رباح بن زيد وعبد الرزاق عن معمر. يعني ابن راشد. وقوله بإسناده أي بإسناد الزهري المذكور في رواية عقيل السابقة و(رباح بن زيد) القرشي مولاهم الصنعاني. روى عن معمر وعبد الله بن بحير وعمر بن حبيب وآخرين. وعنه إبراهيم بن خالد وعبد الله بن المبارك وزيد بن المبارك وجماعة. وثقه العجلي والبزار ومسلم والنسائيُّ وأبو حاتم. توفي سنة سبع وثمانين ومائة. روى له أبو داود والنسائيُّ (وروايته) أخرجها الإِمام أحمد في مسنده من طريق إبراهيم بن خالد قال: حدثنا رباح عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكفر من كفر الحديث: وفيه والله لو منعوني عناقًا. (قوله قال بعضهم عقالًا) أشار به إلى أن الرواة عن الزهري اختلفوا في الرواية عنه. فقال بعضهم عقالًا كما في رواية قتيبة عن الليث عن عقيل عن الزهري السابقة. وقال بعضهم عناقًا كما في رواية رباح عن معمر وكما في قوله (ص) وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ قَالَ عَنَاقًا. (ش) أي روى هذا الحديث عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري وقال في روايته عناقًا بفتح العين والنون. وهي الأنثى التي لم تبلغ سنة من ولد المعز. ورواية ابن وهب هذه لم نقف على من أخرجها. والغرض من ذكر العناق المبالغة في التشديد على من منع شيئًا من الزكاة ولو قليلًا. أو المراد منه حقيقة العناق بناء أن حول النتاج حول الأمهات فهو مما يؤخذ في الزكاة علي ما يأتي بيانه (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ وَمَعْمَرٌ وَالزُّبَيْدِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا.

تخريج روايات أخر لحديث قتال مانعي الزكاة

(ش) (الزبيدي) بالتصغير محمَّد بن الوليد بن عامر (قوله قال أبو داود قال شعيب بن أبى حمزة الخ) وفي بعض النسخ وقال بإثبات الواو. وفي بعضها قال لو منعوني عناقًا. وفي بعضها قالوا لو منعوني عناقًا. والفرق بين هاتين الأخيرتين أن فاعل قال بالإفراد عائد على الزهري، وفاعل قالوا عائد على شعيب ومن ذكر معه (ورواية شعيب) أخرجها النسائي في الجهاد من طريقين: الأول عن شعيب قال حدثني الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآلة وسلم وكان أبو بكر بعده. وكفر من كفر من العرب. قال عمر يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله؟ قال أبو بكر رضي الله عنه لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لقاتلتهم على منعهم الحديث. الثاني عن شعيب بن أبي حمزة وسفيان بن عيينة. وآخر عن الزهري عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة، وأخرجها البخاريُّ أيضًا في الزكاة (ورواية معمر) أخرجها الدارقطني والنسائي عن عمران القطان عن معمر عن الزهري عن أنس قال: لما توفي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ارتدت العرب قال عمر يا أبا بكر كيف تقاتل العرب؟ فقال أبو بكر إنما قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة: والله لو منعوني عناقًا مما كانو يعطون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم عليه الحديث. قال أبو عبد الرحمن "يعني النسائي" عمران القطان ليس بالقوي. وهذا الحديث خطأ والذي قبله الصواب: حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة اهـ وخطأه الترمذي أيضًا. لكن صححه الذهبي في تلخيصه والحاكم قال: هذا حديث صحيح الإسناد غير أن الشيخين لم يرخاجا لعمران القطان. وليس لهما حجة في تركه فإنه يستقيم الحديث اهـ ونحوه للذهبي (ورواية الزبيدي) أخرجها النسائي في الجهاد أيضًا من طريق محمَّد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واستخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله؟ قال أبو بكر رضي الله عنه والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لقاتلتهم على منعها الحديث

باب ما تجب فيه الزكاة

(ص) وَرَوَى عَنْبَسَةُ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ عَنَاقًا. (ش) وفي بعض النسخ ورواه عنبسة، وفي بعضها رواه عنبسة بدون واو. أي روى هذا الحديث عنبسة بن خالد يزيد عن يونس بن يزيد وقال فيه عناقًا، ولم نقف على من أخرج هذه الرواية (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ السَّرْحِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ قَالاَ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّ حَقَّهُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ وَقَالَ عِقَالًا. (ش) (ابن السرح) أحمد بن عمرو. و (ابن وهب) عبد الله (قوله قال قال) أي قال الزهري قال أبو بكر إن حق الإِسلام أي من حقه أداء الزكاة (وفيه) إسقاط الواسطة بين الزهري وأبي بكر الصديق. فإن الزهري لم يدرك أبا بكر، فالحديث معضل، وفي بعض النسخ أخبرني يونس عن الزهري هذا الحديث قال قال الخ (والحاصل) أن هذا الحديث رواه الزهري عن عبيد الله بن عبد الله وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، ورواه عن أنس. وغلط هذه الرواية النسائي وقد علمت ما فيه. ورواه عن الزهري عقيل ومعمر وشعيب والزبيدي ويونس فقال عقيل عقالًا فيما رواه المصنف. وقال معمر شعيب بن أبي حمزة والزبيدي عناقًا. واختلفت الرواة عن يونس. فروى عنه عنبسة عناقًا، وروى عنه ابن وهب مرة عقالًا، ومرة عناقًا. فأكثر الروايات على ذكر العناق، وكل صحيح، ولا تنافي بينهما، فإنه محمول على أن أبا بكر رضي الله عنه قال مرة عناقًا، ومرة عقالًا، ورجح البخاري رواية العناق قال في صحيحه قالا ابن بكير وعبد الله عن الليث عن عقيل عناقًا وهو أصح اهـ. (باب ما تجب فيه الزكاة) أي في بيان المقادير التي تجب فيها الزكاة (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ". (ش) (أبو عمرو) يحيى بن عمارة المازني (قوله ليس فيما دون خمس ذود صدقة)

الأوقية الحجازية. الدرهم الشرعي لا بد أن يكون معلوما. وزن الدرهم المتعارف

بإضافة خمس إلى ذود. وحذفت التاء من اسم العدد لأنّ الذود مؤنث على ما قاله أبو عبيد وغيره من أهل اللغة. وإن كان المراد به في الحديث ما يعم المذكر وغيره، وروي بتنوين خمس فيكون ذود بدلًا منه، والذود بفتح الذال المعجمة وسكون الواو بعدها دال مهملة من الثلاثة إلى العشرة من الإبل، ولا واحد له من لفظه كالقوم والرهط وهو قول الأكثر، وقيل من الثنتين إلى التسع وقيل غير ذلك. والمراد خمس من الذود لا خمس أذواد لما سيأتي للمصنف في "باب زكاة السائمة" عن ابن عمر أن في كتاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: في خمس من الإبل شاة، وفي عشر شاتان الحديث. والصدقة اسم لما يعطيه الإنسان لغيره مريدًا به الثواب من الله تعالى. والمراد بها هنا الزكاة الواجبة (قوله وليس فيما دون خمس أواق صدقة) أواق بالتنوين وحذف الياء وكذا في رواية البخاريُّ. وفي رواية لمسلم بإثبات الياء مشددة، وكلاهما جمع أوقية بضم الهمزة وتشديد الياء. قال ابن السكيت: كل ما كان من هذا النوع واحدة مشددًا جاز في جمعه التشديد والتخفيف. وحكي وقية بحذف الهمزة وفتح الواو ويجمع على وقايا مثل ضحية وضحايا. واتفقوا على أن مقدارها أربعون درهمًا وهي أوقية الحجاز فتكون الأواقي الخمس مائتي درهم. وهو نصاب الفضة بدرهم الوزن المتعارف الذي يبلغ به الرطل المصري مائة وأربعًا وأربعين درهمًا، وهذا هو الدرهم الذي قدر به نصاب الزكاة والديات وغيرها (وفي الحديث) دلالة على أن الأوقية كانت معلومة لمن خاطبهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإلا لبينها لهم ولم يكلهم إلى شيء مجهول، وكذا الدرهم كان معلومًا لهم. قال القاضي عياض: لا يصح أن تكون الأوقية والدراهم مجهولة في زمن النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم وهو يوجب الزكاة في أعداد منها، ويقع بها البياعات والأنكحة كما ثبت في الأحاديث الصحيحة. وبهذا يتبين بطلان قول من زعم أن الدراهم كانت مجهولة إلى زمن عبد الملك بن مروان وأنه جمعها برأي العلماء وجعل كل عشرة وزن سبعة مثاقيل، ووزن الدرهم ستة دوانق، وإنما معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن منها شيء من ضرب الإِسلام وعلى صفة لا تختلف بل كانت مجموعات من ضرب فارس والروم صغارًا وكبارًا وقطع فضة غير مضروبة ولا منقوشة ويمنية ومغربية فرأوا صرفها إلى ضرب الإِسلام ونقشه وتعييرها وزنا واحدًا لا يختلف وأعيانًا يستغنى بها عن الموازين فجمعوا أكبرها وأصغرها وضربوها علي وزنهما ولا شك أن الدراهم كانت حينئذ معلومة وإلا فكيف كانت تتعلّق بها حدود الله تعالى والزكاة وغيرها وحقوق العباد اهـ ومنه يعلم أن الدرهم المعتبر في الزكاة وغيرها هو درهم الوزن المتعارف الآن وأنه لا اختلاف فيه. أما الدرهم الذي اختلف في زمن ضربه في الإِسلام فهو درهم المعاملة وهو مختلف في الجودة والرداءة. ثم إن الدرهم المتعارف يزن 3.12 ثلاث جرامات واثني

وزن الدرهم الشرعي والمثقال. خلاف العلماء فيهما. سببه

عشر جزءًا من مائة من الجرام، فتكون المائتا درهم 624 ستمائة وأربعة وعشرين جرامًا والدرهم ستة عشر قيراطًا. والقيراط أربع قمحات، والمثقال أربعة وعشرون قيراطًا، فيكون الدرهم ثلثيه، أما الدرهم الشرعي فقد اتفقوا على أنه سبعة أعشار المثقال: قال الماوردي في الأحكام السلطانية: أما وزن الدرهم فقد استقر في الإِسلام على أنه ستة دوانيق وزن كل عشرة منها سبعة مثاقيل، وقيل سبب ذلك أن الدراهم كانت في أيام الفرس ثلاثة أوزان: درهم على وزن المثقال عشرون قيراطًا، ودرهم وزنه اثنا عشر قيراطًا. ودرهم وزنه عشرة. فلما احتيج في الإِسلام إلى تقديره في الزكاة أخذ الوسط من مجموع الأوزان الثلاثة وهو اثنان وأربعون قيراطًا، فكان الوسط أربعة عشر قيراطًا وهي سبعة أعشار المثقال اهـ بتصرف (وقد اختلفوا) في تقديره بالقيراط والحبة: فذهبت الحنفية إلى أنه أربعة عشر قيراطًا. والقيراط خمس شعيرات من الشعير المتوسط. وعليه فالمثقال عشرون قيراطًا، فيكون الدرهم الشرعي سبعين شعيرة، والمتعارف أربع وستون قمحة. والمثقال الشرعي مائة شعيرة، والمتعارف ستة وتسعون قمحة: ولعل هذا الفرق إنما نشأ من ثقل حب القمح وخفة الشعير، وعليه فلا فرق في الواقع بين الدرهم الشرعي والمتعارف، ولذا قدر بعض الحنفية النصاب في الفضة والذهب على هذا. قال في الدر يفتى في كل بلد بوزنهم. وكتب عليه ابن عابدين ما نصه: وجزم به في الولوالجية وعزاه في الخلاصة إلى ابن الفضل. وبه أخذ السرخسي. واختاره في المجتبى وجمع النوازل والعيون والمعراج والخانية والفتح اهـ وقال في أحسن الغايات وتساوي المائتا درهم من الفضة بالريال المصري اثنين وعشرين ريالًا وربع ريال اهـ وذلك أن زنة الريال المصري تسعة دراهم، فإذا قسمت المائتا درهم على تسعة نتج نحو ما ذكره. وذهبت المالكية والشافعية والحنابلة إلى تقدير الدرهم الشرعي بخمسين شعيرة متوسطة وخمسي شعيرة، وتقدير المثقال باثنتين وسبعيها شعيرة وهذا هو المشهور عندهم، ومنهم من قدر الدرهم بسبع وخمسين شعيرة وثلاثة أخماس شعيرة، والمثقال باثنتين وثمانين شعيرة وثلائة أعشار الشعيرة. ومنشأ هذا الخلاف اختلاف حب الشعير وعدم انضباطه صغرًا وكبرًا وخفة ورزانة، فقد تكون الخمسون شعيرة من الشعير الممتلئ تساوي في الوزن سبعين وثمانين وأكثر من الشعير الخفيف، كما أن المعتدل من الشعير لا ينضبط، فمن أنعم النظر في ذلك لم يحصل منه على طائل ولم يجزم بشيء في تقدير الدرهم، ومقتضى نص الشارع على وجوب الزكاة في خمس أواق من الفضة وتقديرها بمائتي درهم أن للدرهم مقدارًا معلومًا عند من خاطبهم الشارع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإلا لبينه ولم يكلهم إلى شيء مجهول، فالذي يقتضيه النظر، يقبله العقل أن الدرهم كان مشتركًا بين الصنجة التي يوزن بها والقطعة المتعامل بها في البيوع والإجارات والصدقات وغيرها، فالدرهم في حديث وجوب الزكاة فما بلغ من الفضة

الدرهم المعتبر في الزكاة وغيرها هو درهم الوزن المتعارف

مائتي درهم يحمل على درهم الوزن وهو الصنجة التي يوزن بها ويتركب منها المقادير التي فوقها كالأوقية والرطل والأقة، وبهذا تنضبط الأحكام فلا يمكن أن يدخلها اختلاف وإلا اضطربت وتناقضت، فدرهم الإِسلام الذي تقرر وأصبح غير مختلف فيه إنما هو درهم الوزن: ويؤيده أن تقدير الشرع لنصاب الزكاة جاء بخمس أواق والأوقية اسم لصنجة الوزن لا لشيء من المسكوكات التي يتعامل بها، أما الدرهم الذي اختلف في زمن ضربه في الإِسلام وتقديره فهو درهم المعاملة. وهو قد يختلف جودة ورداءة كما تقدم. وبهذا العمل يتأتى الجمع بين الروايات المخلفة في مقدار الدرهم وزمن ضربه إذ لا ضرر في اختلاف وزن درهم المعاملة ولا في غشه وجودته بخلاف وزن الصنجة من الفضة فإنه لا يختلف باختلاف ضربها. فدرهم الوزن ومثقاله هما اللذان تقررت الأحكام على التقدير بهما سواء أوافقهما درهم المعاملة ومثقالها أم لا، ويؤيد ذلك أن الدرهم يطلق في جميع بلاد الإِسلام مرادًا به درهم الوزن. فيقال أعطني خمسين درهمًا لحمًا ومائة درهم خبزًا. وهو إطلاق سائغ شائع في اللغة والعرف. إذا علمت ذلك يتبين لك أن الدرهم الذي قدر به نصاب الزكاة والديات والمهور وغيرها، هو درهم الوزن لا درهم المعاملة، لأنه فضلًا عن عدم تعلق الأحكام به من حيث هو ليس مشهورًا اليوم. وأن تقدير بعض الفقهاء للدرهم بما قدروا به لا يمكن التعويل عليه إذ لم نصل به إلى الحقيقة لعدم ما قدروا به من جهة، وعدم اتفاقهم على تقديره من جهة أخرى مع اتفاقهم أن الدرهم واحد لا يختلف باختلاف المجتهدين. قال النووي في شرح مسلم: والصحيح الذي يتعين اعتماده واعتقاده أن الدراهم المطلقة في زمن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كانت معلومة الوزن وهي السابقة إلى الأفهام عند الإطلاق وبها تتعلق الزكاة وغيرها من الحقوق والمقادير الشرعية. ولا يمنع من هذا كونه كان هناك دراهم أخرى أقل وأكثر من هذا القدر، فإطلاقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم محمول علي المفهوم وهو كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل: وأجمع أهل العصر الأول فمن بعدهم عليه إلى يومنا هذا، ولا يجوز أن يجمعوا على خلاف ما كان في زمن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وخلفائه الراشدين اهـ فيلزم أن يكون المراد بالدرهم الشرعي درهم الوزن المتعارف، قال العلامة الشيخ مصطفى الذهبي في رسالته التي حرر فيها الدرهم والمثقال: وأما الدرهم المتداول فدرهم شرعي كما امتحن بحب الخردل وبدرهم الملك قايتباي المختوم بختمه، ومنه يركب الرطل. وهو بالبغدادي مائة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم، وبالمصري مائة وأربعة وأربعون درهمًا. فيزيد عن البغدادي ثلاثة أخماس خمسه. فالقلتان بالبغدادى خمسمائة رطل، وبالمصرى أربعمائة وستة وأربعون رطلًا وثلاثة أسباع رطل اهـ ويؤيده أن النووي حرر الرطل البغدادي مائة وثمانية وعشرين درهمًا وأربعة أسباع درهم، وكان تحريره بدرهم زمانه، ولم ينقل أن الدرهم تغير بعد

وزن الدرهم. أنواع العملة الذهبية والفضية. قدر النصاب بها

زمن النووي بوزن آخر. فلا نزال نعتبر أن درهم النووي هو عين الدرهم الحالي ما لم يثبث خلافه وهو لم يثبت. فيبقى الدرهم على أصله. والأصل عدم التغير، ويؤيده أيضًا قول صاحب لسان العرب وزنة المثقال هذا المتعامل به الآن درهم واحد وثلاثة أسباع درهم على التحرير. يوزن به ما اختير وزنه به. وهو بالنسبة إلى رطل مصر الذي يوزن به عشر عشر رطل اهـ فيؤخذ منه أن الرطل المصري يبلغ مائة مثقال. ومائة المثقال تبلغ مائة وثلاثة وأربعين درهمًا إلا سبعًا بناء على أن الدرهم سبعة أعشار المثقال. فينتج أن الرطل المصري يبلغ من الدراهم ذلك العدد. وهو يعين أن الدرهم الحالي المستعمل هو بعينه الدرهم القديم. ولا يضر اعتبار الرطل المصري مائة وأربعة وأربعين درهمًا، فإن الفرق بين الاعتبارين قليل يمكن حمله على أن تحديد الرطل بمائة مثقال على التقريب حيث كان الفرق دون مثقال واحد: أما ما قاله المالكية من أن المائتي درهم الشرعية مائة وخمسة وثمانون درهمًا وخمسة أثمان درهم بالدرهم المصري لكبره، فمبني علي تقدير الدرهم الشرعي بحب الشعير. وقد علمت أنه لا ينضبط فلا يصح التقدير به. ومع ذلك فهو غير محرر كما سيأتي. هذا (واعلم) أن الدرهم العرفي يزن 3.12 جرامات أو 16 قيراطًا. والريال المصري يزن 9 دراهم أو 28 جرامًا أو 144 قيراطًا. وعياره (الخالص فيه من الفضة) 4/ 5. والريال المجيدي يساوي (1/ 4 17) ويزن 13/ 16 7 دراهم أو 3/ 8 24 جرامًا أو 125 قيراطًا. وفيه من الغش 7/ 8 18 قيراطًا والشلن يساوي 7/ 8 4. ويزن 1.81 درهمًا أو 5.65 جرامات أو 28.96 قيراطًا. وفيه من الغش نحو 1/ 10 والفرنك = 3.8575 ويزن 1.6 درهمًا أو 5 جرامات. وفيه من الغش نحو 1/ 5 الجنيه المصري = 100 ويزن 2.72 درهمين أو 1/ 2 8 جرامات أو 43.6 قيراطًا. وثمنه غش الجنيه المجيدي = 87.75 ويزن 1/ 2 2 درهمين أو 1/ 5 7 جرامات أو 37 قيراطًا. وبه 1/ 2 2 قيراطان خليط الجنيه الإنجليزى = 97.5 ويزن 2.56 درهمين أو 7.988 جرامات أو 40.96 قيراطًا. وغشه 1/ 12 الجنيه الفرنسى = 77.15 ويزن 2.06 درهمين أو 6.452 جرامات أو 32.96 قيراطًا. وغشه 1/ 10 وعليه فهاك بيان نصاب كل من الفضة والذهب بالدرهم ونحوه وبالعملة

مقدار نصاب الذهب والفضة على التحقيق، وعلى ما قاله المالكية

1 - نصاب الفضة درهم ــ جرام ــ قيراط ــ ريالًا مصريًا ــ ريالًا مجيديًا ــ شلنًا ــ فرنكًا 200 ــ 624 ــ 3300 ــ 2/ 9 22 ــ 3/ 5 25 ــ 1/ 2 110 ــ 4/ 5 124 2 - نصاب الذهب مثقالًا ــ درهمًا ــ جرامًا ــ قيراطًا ــ جنيها مصريًا ــ مجيديًا ــ انجليزيًا ــ فرنسيًا 20 ــ 30 ــ 93.6 ــ 480 ــ 11 ــ 13 ــ 3/ 4 11 ــ 1/ 2 124 هذا على التحقيق من أنه لا تفاوت بين الدرهم الشرعي والعرفي. وأما على ما قاله غير الحنفية من أن الدرهم الشرعي على الصحيح عندهم خمسون حبَّة وخمسا حبَّة من متوسط الشعير وأن المثقال الشرعي 72 حبة، فينبغى تحويل الدراهم الشرعية إلى دراهم عرفية. وكذا المثاقيل بضرب عدد الدراهم (200 في 2/ 5 50) حبة من الشعير وهو مقدار الدرهم وقسمة الحاصل على مقدار الدرهم العرفي (64 حبة) ينتج (1/ 2 157) درهم عرفي (¬1) وبضرب عدد المثاقيل الشرعية (20) في مقدار المثقال (72 حبة) وقسمة الحاصل على مقدار المثقال العرفي (96 حبة) ينتج 15 مثقالًا عرفيًا فعلى ما ذهبت إليه المالكية من أن المغشوش يعتبر كالخالص إن راج رواجه يكون تقدير النصاب كالآتي 1 - نصاب الفضة درهم شرعي ــ عرفي ــ جرام ــ قيراط ــ ريالًا مصريًا ــ مجيديًا ــ شلنًا ــ فرنكًا 200 ــ 157.5 ــ 491.4 ــ 2520 ــ 17.5 ــ 20.16 ــ 86.97 ــ 98.28 2 - نصاب الذهب مثقالًا شرعيًا ــ عرفيًا ــ درهمًا ــ جرامًا ــ قيراط ــ جنيه مصري ــ مجيدي ــ انجليزي ــ فرنسي 20 ــ 15 ــ 22.5 ــ 70.2 ــ 360 ــ 8.25 ــ 9.75 ــ 8.78 ــ 10.92 وعلى مذهب الشافعية والحنبلية من أنه لا زكاة في المغشوش حتى يبلغ خالصه نصابًا يكون تقدير النصاب كالآتي ¬

_ (¬1) ومنه تعلم أن ما ذكره العلامة الدردير في شرحه الصغير من أن نصاب الفضة بالدرهم العرفي (5/ 8 185) درهم غير محرر حتى على القول بأن الدرهم عندهم (3/ 5 57) شعيرة فإن نصاب الفضة عليه بالدرهم العرفي (180) درهم بضرب 3/ 5 57 شعيرة في 200 درهم. وقسمة الحاصل على 64 حبة

مقدار نصاب الذهب والفضة عند الشافعية والحنابلة. الخلاف في اشتراط النصاب في زكاة الزرع

1 - نصاب الفضة درهم شرعي ــ عرفي ــ جرام ــ قيراط ــ ريالًا مصريًا ــ مجيديًا ــ شلنًا ــ فرنكًا 200 ــ 157.5 ــ 491.4 ــ 2520 ــ 21.87 ــ 23.76 ــ 96.63 ــ 122.85 2 - نصاب الذهب مثقالًا شرعيًا ــ عرفيًا ــ درهمًا ــ جرام ــ قيراطًا ــ جنيه مصري ــ مجيدي ــ انجليزي ــ فرنسي 20 ــ 15 ــ 22.5 ــ 360 ــ 70.29 ــ 9.43 ــ 10.434 ــ 9.58 ــ 12.13 (قوله وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) أي ليس في أقل من خمسة أوسق من التمر والحب زكاة لما في رواية مسلم: ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر ولا حب صدقة. وأوسق جمع وسق بفتح الواو ويجوز كسرها ويجمع على أوساق مثل حمل وأحمال. والوسق في الأصل الحمل كما في النهاية وهو ستون صاعًا كما ذكره المصنف بعد (فقه الحديث) دل الحديث على عدم وجوب الزكاة في أقل من خمس من الإبل. وعلى وجوبها في الخمس فما فوقها. وعلى عدم وجوبها في أقل من مائتي درهم ووجوبها فيها فما فوقها ويأتي مزيد إيضاح لهذا. وعلى عدم وجوب الزكاة في أقل من خمسة أوسق ووجوبها في الخمسة فما زاد. وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد وجمهور العلماء. وقال ابن عباس وزيد بن علي والنخعي وأبو حنيفة لا يشترط النصاب بل تجب الزكاة في القليل والكثير مستدلين بعموم قوله تعالى "وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ" وقوله "أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ" وبما رواه أحمد ومسلم والنسائي عن جابر مرفوعًا "فيما سقت الأنهار والغيم العشر وفيما سقي بالسانية نصف العشر" وسيأتي للمصنف في "باب صدقة الزرع" وبما رواه البخاري والنسائي وسيأتي للمصنف عن ابن عمر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًا العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر" والعثري بفتح العين المهملة والثاء المثلثة هو الذي يشرب بعروقه من غير سقي كالنخيل. وقيل ما يسقى سيحًا. والأول أشهر (وأجابوا) عن حديث الباب بأنه محمول على زكاة التجارة لأنهم كانوا يتبايعون بالأوساق. وقيمة الوسق أربعون درهمًا. أو بأنه إذا ورد عام وخاص وجهل التاريخ كما هنا قدم العام على الخاص احتياطًا. لكن حملهم الحديث على زكاة التجارة وصرف له عن ظاهره بدون دليل. والراجح عند الجمهور أن الخاص مقدم على العام وأن العام يبني على الخاص مطلقًا تقدم أو تأخر أو قارن أو جهل التاريخ (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح، وقد

مقدار الوسق والمد

روى من غير وجه (ص) حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقِّيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ نَا إِدْرِيسُ بْنُ يَزِيدَ الأَوْدِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجَمَلِيِّ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ زَكَاةٌ". وَالْوَسْقُ سِتُّونَ مَخْتُومًا. (ش) (إدريس بن يزيد) بن عبد الرحمن الزعافري. روى عن أبيه وأبي إسحاق السبيعي وطلحة بن مصرف وسماك بن حرب وطائفة. وعنه ابنه عبد الله والثوري ووكيع وأبو أسامة وجماعة. وثقه النسائي وابن معين وأبو داود. روى له الجماعة و(الأودي) نسبة إلى أود بفتح الهمزة وسكون الواو خطة من محال الكوفة سميت باسم أود بن سعد العشيرة. و(أبو البختري) بفتح الباء وسكون الخاء وفح التاء سعيد بن فيروز بن أبي عمران الكوفي (الطائي) روى عن ابن عباس وابن عمر وحذيفة وكثيرين. وعنه عبد الأعلي بن عامر وعطاء بن السائب وسلمة بن كهيل ويونس بن خباب وطائفة. وثقه ابن معين وأبي نمير وأبو زرعة وأبو حاتم وقال صدوق. وقال هلال بن خباب كان من أفاضل أهل الكوفة وقال العجلي تابعي ثقة فيه تشيع. توفي سنة ثلاث وثمانين. روى له الجماعة (قوله والوسق ستون مختومًا) أي ستون صاعًا معلمًا بخاتم في أعلاه. ووصف بكونه مختومًا لأن الأمراء ختمته لئلا يزاد عليه أو ينقص منه (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه والدارقطني (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ. (ش) أشار المصنف بهذا إلى أن الحديث منقطع (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ أَعْيُنٍ نَا جَرِيرٌ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ الْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا مَخْتُومًا بِالْحَجَّاجِيِّ. (ش) (جرير) بن عبد الحميد. و (المغيرة) بن مقسم تقدم بالثالث ص 120. وغرض المصنف بهذا بيان أن إبراهيم النخعي قدر الوسق ستين صاعًا مختومًا بالحجاجي أي بالصاع الحجاجي نسبة إلى الحجاج بن يوسف. وتقدم أنه أربعة أمداد. والمد رطل وثلث بالعراقى، وقيل رطلان وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن وكيع عن علي بن صالح عن أبي إسحاق عن موسى بن طلحة قال الصاع الحجاجي صاع عمر بن الخطاب رضي الله عنه

بيان أن في السنة تفصيل ما أجمل في القرآن

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ نَا صُرَدُ بْنُ أَبِي الْمَنَازِلِ قَالَ سَمِعْتُ حَبِيبًا الْمَالِكِيَّ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ يَا أَبَا نُجَيْدٍ إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُونَنَا بِأَحَادِيثَ مَا نَجِدُ لَهَا أَصْلًا فِي الْقُرْآنِ. فَغَضِبَ عِمْرَانُ وَقَالَ لِلرَّجُلِ أَوَجَدْتُمْ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ وَمِنْ كُلِّ كَذَا وَكَذَا شَاةً شَاةٌ وَمِنْ كُلِّ كَذَا وَكَذَا بَعِيرًا كَذَا وَكَذَا أَوَجَدْتُمْ هَذَا فِي الْقُرْآنِ قَالَ لاَ. قَالَ فَعَنْ مَنْ أَخَذْتُمْ هَذَا؟ أَخَذْتُمُوهُ عَنَّا وَأَخَذْنَاهُ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرَ أَشْيَاءَ نَحْوَ هَذَا. (ش) (الرجال) (ورد) كعمر (بن أبي المنازل) البصري. روى عن حبيب المالكي. وعنه محمَّد بن عبد الله الأنصاري. ذكره ابن حبان في الثقات. وفي التقريب مقبول من السابعة. روى له أبو داود و(حبيب المالكي) وفي نسخة المكي. ولعلها تصحيف لأن الموجود في أكثر النسخ وكتب الرجال المالكي. وهو ابن أبي فضلان، ويقال ابن أبي فضالة البصري، روى عن عمران بن حصين وأنس. وعنه زياد بن أبي مسلم وسلام بن مسكين وورد ابن أبي المنازل. قال ابن معين مشهور وذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب مقبول من الثالثة روى له أبو داود (المعنى) (قوله قال رجل الخ) لم يعرف اسم هذا الرجل. وأبو نجيد كنية عمران بن حصين (قوله إنكم لتحدثوننا) وفي بعض النسخ لتحدثنا بتشديد النون. وفي بعضها لتحدثونا بإثبات الواو والنون المشددة، وهي غلط لأن الواو تحذف في مثل هذا للتقاء الساكنين ولوجود الضمة التي تدل عليها قبلها (قوله ما نجد لها أصلًا في القرآن الخ) يعني وما لا أصل له في القرآن كيف يعول عليه؟ فغضب عمران من قول الرجل لما يترتب عليه من طرح كثير من الأحكام التي لم تبين صراحة في القرآن، وإهمال آية "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا"، وقال للرجل أوجدتم الخ يعني أوجدتم في القرآن حكم الزكاة مفصلًا بأنه في كل أربعين درهمًا درهم، وفي كل أربعين شاة شاة. وقوله ومن كذا وكذا بعيرًا أي من كل خمسة وعشرين بعيرًا بنت مخاض مثلًا (قوله في كل أربعين درهمًا درهم) بنصب درهم الأول على التمييز ورفع الثاني على أنه مبتدأ مؤخر والجملة في محل نصب مفعول وجد. وفي بعض النسخ بنصب درهم الثاني فيكون مفعولًا لوجد وهي الأولى. وقوله كذا وكذا الأولى كناية عن العدد الذي تجب فيه

باب العروض إذا كانت للتجارة هل فيها زكاة؟ المذاهب في ذلك

الزكاة، وكذا الثانية كناية عن القدر المخرج من ذلك العدد (قوله أخذتموه عنا الخ) أفاد به أن بعض الأحكام لا توجد في القرآن صريحًا وأن الأحكام كما تثبت بالقرآن تثبت بالسنة وأنه ليس للرأي في التشريع مجال. وقوله عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعني الذي يوحى إليه "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى" وقوله تفصيل لما أجمل في القرآن كما قال الله تعالى "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ" وذلك كالصلاة والزكاة ذكرهما الله تعالى في القرآن مجملتين. وأما تفاصيل فروعهما فلم يعرف إلا ببيان الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله وذكر أشياء نحو هذا) أي ذكر عمران للرسول نحو ما ذكره في الزكاة من الأشياء التي لم تؤخذ من القرآن صراحة (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي في البعث مطولًا من طريق أبي الأزهر عن الأنصاري لكن وقع في سنده شبيب بدل حبيب وكأنه تصحيف (باب العروض إذا كانت للتجارة هل فيها زكاة؟ ) العروض بضم العين جمع عرض وهو المتاع وكل شيء سوى النقدين كما في القاموس. وفي المصباح: الدراهم والدنانير عين وما سواهما عرض والجمع عروض مثل فلس وفلوس (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُفْيَانَ نَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى أَبُو دَاوُدَ نَا جَعْفَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ. (ش) (أبو خبيب) بالتصغير سليمان بن سمرة تقدم بالرابع صفحة 63 (قوله كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع) أي نخرج الزكاة من المال الذي نهيئه للبيع للتجارة يعني إذا حال عليه الحول. وظاهره يعم كل ما يتجر فيه سواء أكان في عينه زكاة كالإبل والبقر أم لا كالعقار والخيل والحمير. وبظاهر الحديث أخذ جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء. وقال ابن المنذر أجمع عامة أهل العلم على وجوب زكاة التجارة واتفقوا على وجوبها في قيمتها لا في عينها وعلى أنها تجب فيها الزكاة إذا حال عليها الحول إلا أن الحنفية والشافعية والحنابلة قالوا تجب بمضي كل حول ووافقتهم المالكية فيما إذا كان التاجر مديرًا وهو الذي يبيع كيفما اتفق ولا ينتظر ارتفاع الأسعار كأرباب الحوانيت. بخلاف ما إذا كان محتكرًا وهو الذي ينتظر بالسلع ارتفاع الأسعار فإنه يزكيها إذا باعها عن عام

المذاهب في اشتراط تمام النصاب أثناء الحول في زكاة التجارة

واحد ولو مكثت عنده أعوامًا. قال مالك في الموطأ الأمر عندنا فيما يدار من العروض للتجارات أن الرجل إذا صدق ماله "دفع زكاته" ثم اشترى به عرضًا بزًا أو رقيقًا أو ما أشبه ذلك ثم باعه قبل أن يحول عليه الحول من يوم أخرج زكاته فإنه لا يؤدي من ذلك المال زكاة حتى يحول عليه الحول من يوم صدقه. وأنه إن لم يبع ذلك العرض سنين لم تجب عليه في شيء من ذلك العرض زكاة وإن طال زمانه فإذا باعه فليس عليه إلا زكاة واحدة اهـ. قال الزرقاني وحاصله أن إدارة التجارة ضربان. أحدها التقلب فيها وارتصاد الأسواق. بالعروض فلا زكاة وإن قام أعوامًا حتى يبيع فيزكي لعام واحد. والثاني البيع في كل وقت بلا انتطار سوق كفعل أرباب الحوانيت فيزكي كل عام بشروط إلى أن قال: والحجة لهم ما نقله مالك من عمل أهل المدينة اهـ واستدلوا أيضًا بما رواه الحاكم والدارقطني والبيهقي عن أبي ذر مرفوعًا "في الإبل صدقتها وفي البقر صدقتها وفي البر صدقته" والبز بفتح الموحدة وبالزاي الشيء الذي جعل للتجارة. وبما رواه الشافعي وسعيد بن منصور في سننه عن حماس قال: قال عمر يا حماس أد زكاة مالك فقلت ما لي مال إنما أبيع الأدم فقال قومِّه وأد زكاته ففعلت. والأدم الجلد. وبما رواه البيهقي عن ابن عمر قال: ليس في العروض زكاة إلا ما كان للتجارة. وبما رواه مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن زريق بن حيان وكان على جواز مصر "موضع أخذ الزكاة" في زمن عمر بن عبد العزيز فذكر أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه أن انظر من مر بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون من التجارات من كل عشرين دينارًا دينارًا، فما نقص فبحساب ذلك حى تبلغ عشرين دينارًا، فإن انتقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئًا. ومن مر بك من أهل الذمة فخذ مما يديرون من التجارات من كل عشرين دينارًا دينارًا فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرة دنانير، فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئًا واكتب لهم بما تأخذ منهم كتابًا إلى مثله من الحول. قال الزرقاني قال أبو عمر سلك عمر بن عبد العزيز طريق عمر بن الخطاب فإنه كتب إلى عامل أيلة: خذ من المسلمين من كل أربعين درهمًا درهمًا. ثم اكتب له براءة إلى السنة وخذ من التاجر المعاهد من كل عشرين درهمًا درهمًا ومن لا ذمة له من كل عشر دراهم درهم اهـ وقالت المالكية والشافعية لا يشترط في المال المتجر به أن يكون نصابًا أولًا بل المدار على نهاية الحول فإن تم النصاب فيه زكي وإلا فلا. فمن ملك دون نصاب وتاجر فيه فبلغ النصاب في نهاية الحول وجبت فيه الزكاة. وقالت الحنفية يشترط النصاب في بداية الحول ونهايته ولا يضر نقصانه أثناء الحول. وقالت الحنابلة يشترط النصاب كل الحول. وقالت الظاهرية لا زكاة في مال التجارة لما رواه البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم، ليس علي المسلم صدقة في فرسه ولا عبده، وسيأتي للمصنف نحوه. وأجابوا عن حديث

باب الكنز ما هو؟ وزكاة الحلي

الباب بأنه ضعيف لأنه من طريق جعفر بن سعد عن خبيب وفيهما مقال. وكذا حديث أبي ذر السابق ضعف الحافظ جميع طرقه. لكن الأحاديث وإن كانت ضعيفة تتقوى بالإجماع من الصحابة وغيرهم، وبعموم الأدلة الدالة على إيجاب الزكاة في الأموال مطلقًا. ويقوى هذا الإطلاق ما رواه الترمذي والدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "من ولى يتيمًا له مال فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة" فأرشد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من ولى أمر اليتيم إلى التجارة بمال الصبي لينمو فيخرج زكاته خشية أن يذهب بدون استثمار. ولا يعقل أن المال إذا كان نقدًا لا يثمر تخرج زكاته وإذا كان تجارة يثمر فلا تخرج زكاته. وحديث عمرو وإن كان ضعيفًا فله شاهد عند الشافعي بلفظ ابتغوا في أموال الأيتام لا تأكلها الزكاة. وحديث "عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق" محمول على ما كان منهما للقنية لا للتجارة (والحديث) أخرجه أيضًا الطبراني والدارقطني عن سمرة قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من سمرة بن جندب إلى بنيه. سلام عليكم. أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يأمرنا برقيق الرجل أو المرأة الذين هم تلاد له "أي مملوكون له" وهم عملة لا يريد بيعهم فكان يأمرنا أن لا نخرج عنهم من الصدقة شيئًا. وكانا يأمرنا أن نخرج من الرقيق الذي يعد للبيع (باب الكنز ما هو؟ وزكاة الحلي) هكذا بجمع الأمرين في ترجمة وذكر الأحاديث كلها فيها. وفي بعض النسخ باب الكنز ما هو؟ وفيه حديث عمرو بن العاص وحديث عائشة. وباب زكاة الحلي وذكر فيه حديث أم سلمة هذا والكنز لغة الادخار، والمراد المال الذي وجبت فيه الزكاة ولم تؤد. والحلي بفتح الحاء ما يتزين به من مصوغ المعدن والحجارة وجمعه حُليّ بالضم وشد الياء كثدى وثديّ. وقد تكسر الحاء (ص) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ وَحُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ -الْمَعْنَى- أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ نَا حُسَيْنٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهَا "أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا". قَالَتْ لاَ. قَالَ "أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ". قَالَ فَخَلَعَتْهُمَا فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَتْ هُمَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ.

المذاهب في زكاة الحلي

(ش) (أبو كامل) فضيل الجحدري. و (حسين) بن ذكران المعلم تقدم بالثالث ص 106 (قوله إن امرأة أتت رسول الله الخ) قيل هي أسماء بنت يزيد بن السكن (قوله وفي يد ابنتها مسكتان الخ) تثنية مسكة بفتح الميم والسين المهملة هي في الأصل سوار من جلد السلحفاة البحرية أو من عاج أو من قرون الأوعال. والمراد بهما سواران من ذهب (قوله أيسرك أن يسورك الله الخ) أي يلبسك بسببهما يوم القيامة سوارين من نار لعدم زكاتهما (وفي هذا الحديث) دلالة علي وجوب الزكاة في الحلي الذي للزينة. به قال أبو حنيفة وأصحابه وميمون ابن مهران ومجاهد والزهري وهو المروي عن عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس ورواية عن ابن عمر. وبه قال سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعطاء ومحمد بن سيرين ومجاهد والزهري وطاوس وغيرهم. وقالوا بالزكاة في آنية الذهب والفضة أيضًا. واستدلوا بأحاديث الباب وبقوله تعالى "والذين يكنزون الذهب والفضة" فإن عموم الآية يتناول الحلي فلا يجوز إخراجه بالرأي. وبما رواه الدارقطني من طريق أبي بكر الهذلي قال ثنا شعيب بن الحجاب عن الشعبي قال: سمعت فاطمة بنت قيس تقول أتيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم بطوق فيه سبعون مثقالًا من الذهب فقلت يا رسول الله خذ منه الفريضة فأخذ منه مثقالًا وثلاثة أرباع مثقال. قال الدارقطني أبو بكر الهذلي متروك ولم يأت به غيره اهـ وما رواه أحمد عن علي بن عاصم عن عبد الله بن عثمان عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت: دخلت أنا وخالتي على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعلينا أسورة من ذهب فقال لنا أتعطيان زكاته؟ فقلنا لا قال أما تخافان أن يسوركما الله أسورة من نار أد زكاته. وقال مالك والشافعي والقاسم والشعبي وقتادة ومحمد بن علي وأبو عبيد وإسحاق وأبو ثور لا زكاة في الحلي المتخذ للاستعمال وهو المروي عن ابن عمر وجابر وأنس وعائشة وأسماء. واستدلوا بما رواه الدارقطني عن جابر مرفوعًا "ليس في الحلي زكاة" وهو مروي من عدة طرق فيها مقال. وبما رواه مالك في الموطأ عبد الرحمن ابن القاسم عن أبيه أن عائشة زوج النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن العلي فلا تخرج من حليهن الزكاة. وبما رواه أيضًا عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يحلي بناته وجواريه الذهب ثم لا يخرج من حليهن الزكاة. وأخرج البيهقي من طريق عرو بن دينار سمعت ابن خالد يسأل جابر بن عبد الله عن الحلي أفيه زكاة؟ قال جابر لا فقال وإن كان يبلغ ألف دينار فقال جابر أكثر. وأخرج الدارقطني عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبى بكر أنها كانت تحلي بناتها الذهب ولا تزكيه نحوًا من خمسين ألفًا. وقال جماعة زكاة الحلي عاريته. وقال بعضهم تجب زكاته في العمر مرة وهو رواية عن أنس. وأظهر الأقوال الأول لقوة أدلته وهو الأحوط. قال الخطابي الظاهر من الكتاب يشهد لقول من أوجبها. والأثر يؤيده ومن أسقطها ذهب إلى النظر ومعه طرف من الأثر والاحتياط أداؤها اهـ

تفسير الكنز المتواعد عليه في القرآن

(والحديث) أخرجه أيضًا النسائي والدارقطني قال ابن القطان إسناده صحيح. وأخرجه الترمذي من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب وقال هذا حديث قد رواه المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب نحو هذا. والمثنى بن الصباح وابن لهيعة يضعفان في الحديث. لا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شيء اهـ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى نَا عَتَّابٌ -يَعْنِي ابْنَ بَشِيرٍ- عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ فَقَالَ "مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ". (ش) (الرجال) (عتاب بن بشير) الجزري أبو الحسن الحراني. روى عن الأوزاعي وخصيف وإسحاق بن راشد وآخرين. وعنه روح بن عبادة والعلاء بن هلال وإسحاق بن راهويه وأبو نعيم وكثيرون. وثقه الدارقطني وابن معين وقال أحمد أرجو ألا يكون به بأس. روى بآخره أحاديث منكرة وما أرى أنها إلا من في قبل خصيف. وقال النسائي ليس بالقوي وقال الساجي عنده مناكير وفي التقريب صدوق يخطئ، مات سنة ثمان وثمانين أو سنة تسعين روى له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. و(ثابت بن عجلان) الأنصاري السلمي. روى عن أبي أمامة وأنس وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ومجاهد وطاوس وجماعة، وعنه إسماعيل بن عياش والليث بن أبي سليم ومسكين بن حمير وعدة. وثقه أحمد وابن معين وقال دحيم والنسائي وأبو حاتم لا بأس به زاد أبو حاتم صالح الحديث. روى له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه (المعنى) (قوله كنت ألبس أوضاحًا من ذهب) جمع وضح. بفتحتين وهو نوع من حلي الفضة سمي بذلك لبياضه. ولكنه هنا مستعمل فيما عمل من الذهب وقيل إنه الخلاخل (قوله أكنز هو) تعني فيدخل تحت آية "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم" فيكون متوعدًا عليه (قوله ما بلغ أن تؤدي زكاته الخ) يعني أن الحلي الذي بلغ النصاب الذي تؤى فيه الزكاة وزكى فليس بكنز. ومفهومه أن ما بلغ النصاب ولم تؤد زكاته فهو كنز متوعد عليه. وهذا الحديث من أدلة القائلين بوجوب الزكاة في الحلي إذا بلغ نصابًا وفي سنده عتاب بن بشير وفيه مقال كما علمت (والحديث) أخرجه أيضًا الدارقطني والبيهقي وقال تفرد به ثابت بن عجلان اهـ وهذا لا يضر لما علمت من أنه وثقه غير واحد. وأخرجه الحاكم وصححه بلفظ إذا أديت زكاته فليس بكنز"

هل في الحلي زكاة إذا لم يبلغ النصاب؟

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ نَا عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ نَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَرَأَى فِي يَدِي فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ فَقَالَ "مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ". فَقُلْتُ صَنَعْتُهُنَّ أَتَزَيَّنُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ "أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ". قُلْتُ لاَ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ. قَالَ "هُوَ حَسْبُكِ مِنَ النَّارِ". (ش) (الرجال) (محمَّد بن إدريس) بن المنذر بن داود الحنظلي أبو حاتم الرازي أحد الأئمة الحفاظ. روى عن محمَّد بن عبد الله الأنصاري وصفان بن مسلم والربيع بن نافع ويحيى بن صالح وعمرو بن حفص وكثيرين، وعنه أبو داود والنسائي وعبدة بن سليمان ويونس ابن عبد الأعلى والقاسم بن زكريا وجماعة. قال أبو نعيم إمام في الحفظ وقال الّلالكائي كان إمامًا عالمًا بالحديث حافظًا متقنًا ثبتًا. وقال الخطيب كان أحد الأئمة الحفاظ الأثبان مشهورًا بالعلم مذكورًا بالفضل ووثقه النسائي. وقال ابن خراش كان من أهل الأمانة والمعرفة. توفي سنة سبع وسبعين ومائتين. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه (المعنى) (قوله فرأى في يديّ فتخات من ورق) أي خواتيم من فضة. وفتخات جمع فتخة بسكون التاء وفتحها وهي خاتم كبير أو حلقة من فضة تلبس في الأيدي وربما وضعت في أصابع الأرجل، وقيل خاتم لا فص له كانت نساء الجاهلية يتخذنها في أصابعهن العشر. والورق بفتح الواو وكسر الراء أو سكونها. وبكسر الواو وسكون الراء الفضة (قوله قلت لا أو ما شاء الله) أي قلت كلمة شاء الله أن أقولها في الجواب (قوله هو حسبك من النار) يعني لو لم تعذبي في النار إلا من أجل هذا لكفاك وهو وعيد شديد لمن لم يؤد زكاة الحلي (وفي الحديث) حجة للقائلين بوجوب زكاة الحلي. وظاهره أنه يزكى ولو لم يبلغ النصاب إذ يبعد أن تكون خواتيم عائشة وزن مائتي درهم، أو أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرها بزكاة الخواتيم مضمومة إلى غيرها من الحلي كما يأتي للمصنف بعد عن سفيان الثوري (والحديث) أخرجه أيضًا الدارقطني عن محمَّد بن عطاء فنسبه إلى جده دون أبيه ثم قال محمد بن عطاء مجهول. قال البيهقي في المعرفة هو محمَّد بن عمرو بن عطاء لكنه لما نسب إلى جده ظن الدارقطني أنه مجهول وليس ذلك اهـ وتبع الدارقطني في تجهيل محمد بن عطاء عبد الحق

كيف يزكي الحلي إذا لم يبلغ نصابا؟

في أحكامه قال ابن القطان: إنه لما نسب في سند الدارقطني إلى جده خفي على الدارقطني أمره فجعله مجهولًا. وتبعه عبد الحق في ذلك، وإنما هو محمد بن عمرو بن عطاء أحد الثقات اهـ. وأخرجه الحاكم في المستدرك عن محمَّد بن عمرو بن عطاء عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال. دخلنا على عائشة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فرأى في يدىّ سخابا من ورق فقال ما هذا يا عائشة؟ فقلت صنعتن أتزين لك بهن يا رسول الله. فقال أتؤدين زكاتهن؟ فقلت لا أو ما شاء الله من ذلك. قال هي حسبك من النار قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. والسخاب ككتاب خيط ينظم فيه خرز ويلبنسه الصبيان والجواري. وقيل قلادة تتخذ من قرنفل ومحلب وسك "بالضم نوع من الطيب" والمراد هنا فإنه الدراهم والدنانير المضروبة (ص) حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ نَا سُفْيَانُ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَعْلَى فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَ حَدِيثِ الْخَاتَمِ. قِيلَ لِسُفْيَانَ كَيْفَ تُزَكِّيهِ قَالَ تَضُمُّهُ إِلَى غَيْرِهِ. (ش) هذا الحديث ساقط من بعض النسخ (رجال الحديث) (صفوان بن صالح) بن صفوان بن دينار الثقفي مولاهم أبو عبد الملك الدمشقي. روى عن سفيان بن عيينة ومروان بن محمَّد والوليد بن مسلم وغيرهم. وعنه الترمذي والنسائي وإبراهيم بن يعقوب وزكريا بن يحيى وأبو زرعة وحماعة. قال أبو داود حجة. ووثقه مسلمة بن قاسم وأبو على الجبائي والترمذي. وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان ينتحل مذهب أهل الرأي. وقال أبو زرعة كان يدلس تدليس التسوية روى له أبو داود والترمذي والنسائي. و(عمر بن يعلى) وفي نسخة عمرو بن يعلى. والأولى هي الصواب. وهو عمر بن عبد الله بن يعلي بن مرة الثقفي. روى عن أبيه وأنس وسعيد بن جبير والمنهال بن عمرو. وعنه إلى ورى وجرير بن عبد الحميد وإسراءيل بن يونس. قال أحمد وابن معين والنسائي وأبو حاتم والساجي منكر الحديث وقال الدارقطني متروك الحديث. وقال البخاري يتكلمون فيه وذكره العقيلي في الضعفاء. روى له أبو داود والنسائي (المعنى) (قوله فذكر الحديث نحو حديث الخاتم) أي ذكر عمر بن يعلي حديثه) نحو حديث عائشة المتقدم في وجوب الزكاة في الخاتم والوعيد على عدم زكاته بقوله هو حسبك من النار (قوله قيل لسفيان الخ) أي قيل لسفيان الثوري كيف تزكي المرأة الخاتم وهو لم يبلغ النصاب؟ فقال تضمه لغيره من الحلي أو النقدين (وهذا الأثر) أخرجه أيضًا البيهقي في السنن الكبرى مرفوعًا: قال أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا عبيد بن شريك ثنا صفوان ثنا الوليد ثنا سفيان الثوري عن عمر بن يعلى الطائفي الثقفي عن أبيه عن جده قال: أتيت رسول الله صلي الله

باب في زكاة السائمة

تعالى عليه وعلى آله رسلم وفي أصبعي خاتم من ذهب فقال تؤدي زكاة هذا؟ قلت يا رسول الله وهل في ذا زكاة؟ قال نعم جمرة عظيمة. قال الوليدي فقلت لسفيان كيف تؤدي زكاة خاتم وإنما قدره مثقال؟ قال تضيفه إلى ما تملك فيما يجب في وزنه الزكاة ثم تزكيه اهـ. ولعل هذا قبل تحريم لبس الذهب على الرجال. وأخرجه البيهقي أيضًا من طريق آخر قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني علي بن محمَّد بن سختويه ثنا يزيد بن الهيثم ثنا إبراهيم بن أبي الليث ثنا الأشجعي ثنا سفيان بن سعيد عن عمر بن يعلى بن مرة الثقفي عن أبيه عن جده قال: أتى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رجل عليه خاتم من ذهب عظيم فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتزكي هذا؟ فقال يا رسول الله وما زكاة هذا؟ قال فلما أدبر الرجل قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جمرة عظيمة اهـ. يعني إن لم تؤد زكاته. وهذا وعيد شديد منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ذلك. وأخرجه أحمد أيضًا من هذا الطريق وكذا ابن الجارود من طريق حفص ابن عبد الرحمن عن سفيان بن سعيد (باب في زكاة السائمة) وهي الماشية المرسلة في مرعاها (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ قَالَ أَخَذْتُ مِنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ كِتَابًا زَعَمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَهُ لأَنَسٍ وَعَلَيْهِ خَاتَمُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حِينَ بَعَثَهُ مُصَدِّقًا وَكَتَبَهُ لَهُ فَإِذَا فِيهِ "هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا نَبِيَّهُ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلاَ يُعْطِهِ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ. فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسًا وَثَلاَثِينَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلاَثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ إِلَى سِتِّينَ فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَسِتِّينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ

فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ إِلَى تِسْعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ فَإِذَا تَبَايَنَ أَسْنَانُ الإِبِلِ فِي فَرَائِضِ الصَّدَقَاتِ فَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَأَنْ يَجْعَلَ مَعَهَا شَاتَيْنِ - إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ - أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ حِقَّةٌ وَعِنْدَهُ جَذَعَةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ حِقَّةٌ وَعِنْدَهُ ابْنَةُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ هَا هُنَا لَمْ أَضْبِطْهُ عَنْ مُوسَى كَمَا أُحِبُّ "وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ -إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ- أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ بِنْتِ لَبُونٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ إِلاَّ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ إِلَى هَا هُنَا ثُمَّ أَتْقَنْتُهُ "وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ ابْنَةِ لَبُونٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ إِلاَّ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَشَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ ابْنَةِ مَخَاضٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ إِلاَّ ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ مَعَهُ شَىْءٌ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلاَّ أَرْبَعٌ فَلَيْسَ فِيهَا شَىْءٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاةٌ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا شَاتَانِ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ ثَلاَثَمِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلاَثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلاَ ذَاتُ عَوَارٍ مِنَ الْغَنَمِ وَلاَ تَيْسُ الْغَنَمِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ الْمُصَّدِّقُ وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ أَرْبَعِينَ فَلَيْسَ فِيهَا شَىْءٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا

لا يجاب العامل على الزكاة إذا طلب غير الواجب

وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَالُ إِلاَّ تِسْعِينَ وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا". (ش) (الرجال) (حماد) بن سلمة. و (ثمامة بن عبد الله بن أنس) بن مالك الأنصاري البصري. روى عن جده أنس والبراء بن عازب وأبي هريرة. وعنه حميد الطويل وعبد الله بن عون ومعمر وأبو عوانة وجماعة. وثقه أحمد والنسائي والعجلي وقال ابن سعد كان قليل الحديث وفي التقريب صدوق من الرابعة. روى له الجماعة (المعنى) (قوله زعم أن أبا بكر كتبه لأنس الخ) يعني قال ثمامة إن أبا بكر كتب هذا الكتاب لأنس حين وجهه إلى البحرين لجمع الصدقة وكان هذا الكتاب مطبوعًا عليه بخاتم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله وكتبه له فإذا فيه هذه فريضة الصدقة الخ) أي هذه نسخة بيان فريضة الصدقة. وفي رواية للبخاري حدثني ثمامة بن عبد الله بن أنس أن أنسًا حدثه أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله على المسلمين أي التي أوجبها عليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأمر الله له بها. فالإيجاب من الله تعالى في الحقيقة وأضيف إليه صلى الله تعالى عليه وفي آله وسلم لأنه المبلغ له، وقد فرض الله تعالى طاعته على الخلق فلذا سمي أمره صلى تعالى عليه وعلى آله وسلم وتبليغه عن الله تعالى فرضًا. ويحتمل أن المراد بالفرض التقدير فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين مقاديرها وقد قال تعالى "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم، هذا. ويرد الفرض بمعنى البيان كقوله "فرض الله لكم تحلة أيمانكم" وبمعنى الإنزال قال تعالى "إن الذي فرض عليك القرآن" وبمعنى الحل قال تعالى "ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له" وكل ذلك لا يخرج عن معنى التقدير. قال الراغب كل ما ورد في القرآن بلفظ فرض على فلان فهو بمعنى الإلزام وما ورد بلفظ فرض له فهو بمعنى لم يحرمه عليه اهـ (قوله فمن سئلها من المسلمين الخ) أي إذا سأل أحد العمال الزكاة على وجهها المذكور في الحديث وجب على أرباب الأموال دفعها له، ومن سألها على غير ذلك بأن سأل زائدًا على المطلوب في سن أو عدد فلا يعطه رب المال الزائد أو لا يعطه شيئًا من الزكاة لأنه بذلك يكون خائنًا فتسقط طاعته ويتولى رب المال تفرقتها بنفسه أو يعطيها لعامل آخر (وفي هذا) دليل على أن العامل لا يجاب طلبه المؤدي إلى ظلم المزكي. ولا ينافيه ما رواه جرير بن عبد الله قال جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا: إن ناسًا من المصدقين يأتوننا فيظلموننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى وآله وسلم أرضوا مصدقيكم رواه مسلم والنسائي وسيأتي للمصنف وفيه زيادة: أرضوا مصدقكيم وإن ظلمتم. فإن هذا ونحوه محمول على أن المراد وإن ظلمتم في زعمكم، فإن العامل أعلم بما يجزئ في الزكاة وربما تظلم المالك من القدر المجزئ

الخلاف في تعين الغنم في زكاة الإبل إذا لم تبلغ 25 وفي تعين ابن اللبون عند فقد بنت المحاض

فإن النفوس مجبولة على حب المال، أو محمول على ما إذا ترتب على عدم إجابة طلب الساعي فتنة (قوله فما دون خمس وعشرين الخ) الجار والمجرور خبر مقدم والغنم مبتدأ مؤخر أي أن الغنم يجب إخراجها زكاة فيما هو أهل من خمس وعشرين من الإبل. وهذا مجمل فصله بقوله: في كل خمس ذود شاة أي في كل خمس من الإبل شاة وفي العشر شاتان وفي الخمس عشرة ثلاث شياه وفي عشرين أربع شياه. وبدأ في الحديث بالإبل لأنها كانت جل أموالهم وأنفسها حينئذ. وبهذا احتج مالك وأحمد على تعين إخراج الغنم في أقل من خمس وعشرين من الإبل، فلو أخرج المالك بعيرًا عن أربع وعشرين من الإبل لم يجزه عندهما. وذهب الجمهور إلى الإجزاء لأنه يجزئ عن خمس وعشرين فما دونها أولى، لأن الأصل وجوب الزكاة من جنس المال. وإنما عدل عنه هنا رفقًا بالمالك. فإذا رجع باختياره إلى الأصل أجزأه هكذا قالوا. والحديث ظاهر فيما ذهب إليه مالك وأحمد (قوله ففيها بنت مخاض) وهي ما أوفت سنة ودخلت في الثانية. والمخاض بفتح الميم النوق الحوامل لا واحد لها من لفظها بل من معناها وهو خلفة. وأضيفت إلى المخاض وهو اسم للنوق لمجاورة أمها له وإلا فهي بنت ناقة واحدة. وسميت بذلك لأن أمها تصير في الغالب ذات مخاض أي حمل بأخرى. فإن العرب كانت تحمل الفحول عل الإبل بعد وضعها بسنه. فإذا حملت في السنة الثانية تمخض جنينها في بطنها فإذا سعى ولدها خلفها والحاله هذه سمي ابن مخاض. وهذا بالنظر للشأن والغالب وإلا فهو يسمى ابن مخاض وإن لم تحمل أمه بالفعل. وهذا مذهب الجمهور وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي رضي الله عنه أن في الخمس والعشرين خمس شياه فإذا صارت ستًا وعشرين كان فيها بنت مخاض. روي عنه هذا مرفوعًا وموقوفًا، وإسناد المرفوع ضعيف: قال سفيان الثوري. وهذا غلط وقع من رجال علي رضي الله عنه فإنه كان أفقه من أن يقول هكذا لأن فيه موالاة بين الواجبين بلا وقص بينهما وهو خلاف أصول الزكاة (قوله فابن لبون ذكر) ما أوفى سنتين ودخل في الثالثة. سمي بذاك لأن أمه تكون ذات لبن ترضع به آخر (وعلم منه) أن المصدق إذا لزمه بنت مخاض ولم توجد عنده يدفع للساعي ابن لبون جعلا لزيادة السن مقابلًا بزيادة الأنوثة. وهذا متعين عند مالك والشافعي وهو رواية عن أبي يوسف أخذًا بظاهر الحديث. وذهب أبو حنيفة ومحمد إلى أنه لا يتعين أخذ ابن لبون عند فقد بنت المخاض بل العبرة بالقيمة. قال في فتح القدير كان ابن اللبون يعدل بنت المخاض إذ ذاك جعلا لزيادة السن مقابلًا بزيادة الأنوثة فإذا تغير تغير اهـ فلو عينا أخذ ابن اللبون من غير اعتبار القيمة لأدى إلى الإضرار بالفقراء أو الإجحاف بأرباب الأموال (قوله ففيها حقة طروقة الفحل) الحقة بكسر الحاء ما أوفت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة جمعها حقق مثل سدرة وسدر وجمع الذكر حقاق. سميت بذلك لاستحقاقها طرق الفحل. فقوله طروقة الفحل أي مطروقته وصف كاشف

المذاهب فيما يجب في زكاة الإبل زادت على عشرين ومائة

(قوله (ص) ففيها جذعة) بفتح الجيم والذال وهي ما أوفت أربع سنين ودخلت في الخامسة من الجذع وهو السقوط. سميت بذلك لسقوط أسنانها (قوله فإذا زادت على عشرين ومائة الخ) أي إذا زادت بواحدة ففيها ثلاث بنات لبون كما سيأتي للمصنف بعد في كتاب عمر من قوله "فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون" وفي مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وفي مائة وخمسين ثلاث حقق. وهكذا في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة. وهذا مذهب الشافعي وإسحاق بن راهويه والأوزاعي وأبى ثور وداود وابن القاسم من المالكية ورواية عن أحمد. وعن مالك أن المراد بالزيادة عشرة ففي مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون وهكذا يتغير الواجب بكل عشر. أما في مائة وإحدى وعشرين إلى تسع وعشرين فيخير الساعي بين أخذ حقتين أو ثلاث بنات لبون لأن فيها أكثر من خمسينين وأكثر من ثلاث أربعينات. وقال محمَّد بن إسحاق وأبو عبيد لا يتغير الواجب وهو حقتان إلى ثلاثين ومائة فيكون فيها حقة وبنتا لبون وهو رواية عن أحمد. قالوا لأن الفرض لا يتغير بزيادة الواحدة وردّ بأنه إنما تغير الفرض بها مع ما قبلها فأشبهت الواحدة الزائدة عن التسعين والستين. وذهب علي وابن مسعود وأبو حنيفة وأصحابه وإبراهيم النخعي والثوري إلى أن الفريضة تستأنف بعد المائة والعشرين فيجب في كل خمس شاة مع الحقتين إلى خمس وأربعين ومائة ففيها حقتان وبنت مخاض وفي مائة وخمسين ثلاث حقق. ثم تستأنف الفريضة فيجب في كل خمس شاة مع ثلاث حقق إلى خمس وسبعين ومائة ففيها بنت مخاض مع ثلاث حقق. وفي ست وثمانين ومائة بنت لبون مع ثلاث حقق. وفي ست وتسعين ومائة إلى مائتين أربع حقق أو خمس بنات لبون. ثم تستأنف الفريضة كما استؤنفت في الخمسين التي بعد المائة والخمسين واستدلوا بما رواه أبو داود في المراسيل وإسحاق بن راهويه في مسنده والطحاوي في مشكل الآثار عن حماد بن سلمة قال: قلت لقيس بن سعد خذ لي كتاب محمَّد بن عمرو بن حزم فأعطاني كتابًا أخبر أنه أخذه من أبي بكر بن محمَّد عمرو بن حزم وأخبر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كتبه لجده فقرأته فكان فيه ذكر ما يخرج من فرائض الإبل. فقص الحديث إلى أن بلغ عشرين ومائة، فإذا كانت أكثر من عشرين ومائة فإنها تعاد إلى أول فريضة الإبل. وفي رواية عن قيس بن سعد لأبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم فأخرج لي كتابًا في ورقة وفيه: إذا زادت الإبل على مائة وعشرين استؤنفت الفريضة. فما كان أقل من خمس وعشرين ففيها الغنم. في كل خمس ذود شاة. وروى من طريق شاذ: إذا زادت الإبل على مائة وعشرين فليس في الزيادة شيء حتى تكون خمسًا فإذا كانت مائة وخمسًا وعشرين ففيها حقتان وشاة قالوا وجوب الحقتين في مائة وعشرين باتفاق الآثار وإجماع

الكلام على حديث عمرو بن حزم وحديث أنس بن مالك في زكاة الإبل

الأمة فلا يجوز إسقاطه إلا بمثله. وبعد مائة وعشرين اختلفت الآثار فلا يجوز إسقاط ذلك الواجب عند اختلافها بل يؤخذ بحديث عمرو بن حزم. ولا تعارض بينه وبين حديث الباب لأن ما يثبته هذا الحديث من التنصيص على عود الفريضة لا يتعرض حديث الباب لنفيه حتى يتعارضا. إنما فيه إذا زاد على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة وهم يقولون به لأن الواجب في الأربعين هو الواجب في ست وثلاثين والواجب في الخمسين هو الواجب في ست وأربعين. ولم يتعرض حديث الباب لنفي الواجب عما دون الأربعين ويوجبه حديث عمرو ابن حزم. وتحمل الزيادة في حديث الباب على الكثيرة جمعًا بين الأحاديث. على أن حديث الباب متكلم فيه بما يدفع الاحتجاج به. فإن الدارقطني ذكر في كتاب التتبع على الصحيحين أن ثمامة لم يسمعه من أنس. وفي الأطراف للمقدسي قيل لابن معين حديث ثمامة عن أنس في الصدقات قال لا يصح وليس بشيء. رواه البيهقي من طريق عبد الله بن المثنى. قال الساجي ضعيف منكر الحديث وقال أبو داود لا أخرّج حديثه وذكره ابن الجوزى في الضعفاء. وقال أبو سلمة كان ضعيفًا في الحديث أفاده العيني وغيره. لكن قولهم إن حديث الباب متكلم فيه بما يدفع الاحتجاج به مدفوع بأن البخاري والنسائي روياه. وقد صححه غير واحد. قال ابن حزم هذا كتاب "يعني حديث أنس" في نهاية الصحة وعمل به الصديق بحضرة العلماء ولم يخالفه أحد اهـ. وقال في النيل صححه ابن حبان وغيره اهـ. وقال النووي: والصواب ما ذهب إليه الشافعي وموافقوه وعمدتهم حديث أنس السابق وهو صحيح صريح. وما خالفه ضعيف أو دونه اهـ وأما حديث قيس بن سعد الذي استدلوا به. فقد قال البيهقي إنه حديث منقطع بين أبي بكر بن حزم إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وقيس بن سعد أخذه عن كتاب لا عن سماع وكذلك حماد بن سلمة. وقيس بن سعد وحماد بن سلمة وإن كانا من الثقات فروايتهما هذه تخالف رواية الحفاظ عن كتاب عمرو بن حزم وغيره. وحماد بن سلمة ساء حفظه في آخر عمره. فالحفاظ لا يحتجون بما يخالف فيه ويجتنبون ما يتفرد به وخاصة عن قيس بن سعد وأمثاله اهـ. لكن قال في الجوهر النقى؛ لم أر أحدًا من أئمة هذا الشأن ذكره "يعني حماد بن سلمة" بشيء من ذلك. والأخذ من الكتاب حجة. وقد صرح البيهقي في كتاب المدخل أن الحجة تقوم بالكتاب وإن كان السماع أولى منه بالقبول. ثم إن حديث ثمامة تقدم أنه منقطع وأن حماد بن سلمة أخذه أيضًا من كتاب ومع ذلك نقل البيهقي عن الشافعي أنه أثنى عليه. ونقل عن الدارقطني أنه صحيح الإسناد. ثم ذكر عن صالح بن أحمد عن القطان أنه قال حماد بن سلمة وقيس بن سعد ليس بذاك. قلت صالح ابن أحمد قيل عنه دجال. وزياد بن حسان الأعلم وثقه جماعة. وقال ابن حنبل ثقة ثقة. وقيس ابن سعد وثقه كثيرون وأخرج له مسلم اهـ بتصرف. وفي تهذيب التهذيب في ترجمة حماد:

المذاهب فيما يؤخذ في الزكاة إذا لم يوجد السن المطلوب

أورد له ابن عديّ في الكامل عدة أحاديث مما ينفرد به متنًا وإسنادًا قال: وحماد من أجلة المسلمين وقد حدث عنه من هو أكبر منه سنًا وله أحاديث كثيرة ومشايخ وهو كما قال ابن المدنيى من تكلم في حماد بن سلمة فاتهموه في الدين. وقال الساجي كان حافظًا ثقة مأمونًا. وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وربما حدّث بالحديث المنكر. وقال العجلي ثقة رجل صالح حسن الحديث عنده ألف حديث حسن ليس عند غيره. سئل عنه النسائي فقال ثقة. قال الحاكم بن مسعدة فكلمته فيه فقال ومن يجترئ يتكلم فيه اهـ (قوله فإذا تباين أسنان الإبل الخ) أي اختلفت أعمارها فيما فرض على أرباب الأموال من الصدقات. بأن يكون المفروض سنًا والموجود عند رب المال سنًا آخر كما ذكره بقوله. فمن بلغت عنده صدقة الجذعة الخ (قوله وأن يجعل معها شاتين الخ) أي يجعل مع الحقة شاتين إن وجدتا أو عشرين درهمًا جبرًا النقصان الحقة بالنسبة إلى الجذعة (وبما ذكر في الحديث) أخذ الشافعي وإبراهيم النخعي وأحمد وأبو ثور وداود. وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن من لزمه من ولم يوجد عنده يدفع أدنى والفرق بين السنين بالغًا ما بلغ، أو يدفع أعلى من السنن الواجب ويأخذ الفرق بين السنين من الساعي إن شاء، لأنه في حكم البيع وهو مبني على التراضي، أو يدفع قيمة السن المطلوب مستدلين بحديث الباب، وقالوا تقدير الفرق فيه بالشاتين أو العشرين درهمًا بناء على أن ذلك كان قيمة التفاوت في زمنهم لا أنه تقدير لازم. فقد روى عن علي رضي الله عنه أنه قدر الجبران ما بين السنين بشاة أو عشرة دراهم: وهو كان مصدق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وما كان يخفى عليه مثل هذا ولا يظن به مخالفة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وقال حماد بن أبي سليمان يأخذ الساعي السن الموجود عند المالك مع وجوب أخذ الفرق إن دفع المالك الأقل أو دفع الساعي الفرق له إن أخد الأعلى سنًا. وعن مكحول والأوزاعي أنه يجب على المالك دفع قيمة السن الواجب. وقال مالك يلزم رب المال بإحضار السن الواجب وإن بشراء. والراجح أقول الأول عملًا بظاهرالحديث "وما قيل" من أن التقدير في الحديث بالشاتين أو العشرين درهمًا مبني على أن ذلك كان قيمة التفاوت في زمانهم لا أنه تقدير لازم "غير مسلم" إذ لو كان مرادًا له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لرده إلى القيمة بالغة ما بلغت ولم يحدده بما ذكر. قال الخطابي يشبه أن يكون النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما جعل الشاتين أو عشرين درهمًا تقديرًا في جبران الزيادة والنقصان، ولم يكل الأمر في ذلك إلى اجتهاد الساعي وغيره لأن الساعي إنما يأخذ منهم الزكاة عند المياه غالبًا وليس هناك حاكم ولا مقوم يفصل بينهما إذا اختلفا فضبطت بقيمة شرعية كالصاع في المصراة والغرة في الجنين ومائة من الإبل في قتل النفس قطعًا للنزاع اهـ ويرده ما تقدم عن علي أنه قدر الجبران بين السنين بشاة أو عشرة دراهم ومثل هذا لا يقوله إلا عن توقيف (قوله قال أبو داود من ها هنا لم أضبطه عن موسى الخ)

المذاهب في اشتراط السوم في زكاة الماشية

غرض المصنف بهذا أنه لم يضبط هذا القدر عن شيخه موسى بن إسماعيل. وهو من قوله: ويجعل معها شاتين إلى قوله إلا حقة فإنها تقبل منه، وأنه أتقن ما عدا هذا القدر من الحديث. وهذا يدل على قوة تحرى أبي داود (قوله وليس معه شيء) أي ليس على المالك دفع شيء مع ابن اللبون لقيام زيادة السن مقام ذوات فضيلة الأنوثة. وهذا على الإطلاق عند الجمهور. وذهبت الحنفية إلى أن ابن اللبون يجزئ عن بنت المخاض إذا بلغت قيمته قيمتها فإن نقصت فلا يجزئ لأنه يضر بالفقراء. وإن زادت لا يلزم رب المال بدفعه لأنه يؤدي إلى الإجحاف به. وظاهر الحديث عدم الاشتراط. فالراجح ما ذهب إليه الجمهور (قوله ومن لم يكن عنده إلا أربع الخ) أي من لم يوجد عنده إلا أربع من الإبل فليس فيها شيء واجب لأنها دون النصاب لكن لو شاء صاجها أن يتصدق بشيء تبرعًا فله ذلك (قوله وفي سائمة الغنم الخ) أي تجب الزكاة في سائمة الغنم إذا بلغت أربعين شاة. وقوله ففيها شاة بيان للقدر الذي يجب إخراجه في الأربعين إلى العشرين ومائة فإذا زادت ففيها شاتان إلى مائين، فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى ثلثمائة، فإذا زادت ففي كل مائة شاة. وظاهره أن الشاة الرابعة لا تجب حتى تستكمل أربعائة وهو قول الجمهور. وعن الحسن ابن صالح والشعبي والنخعي إذا زادت على الثلثمائة واحدة وجبت الشاة الرابعة، وفي أربعمائة خمس شياه وهو رواية عن أحمد. وهو مخالف لظاهر الحديث والآثار: والتقييد بالسائمة وصف لازم عند أكثر الأئمة منهم أبو حنيفة والشافعي وأحمد قالوا: يشترط في الماشية التي تزكى أن تكون سائمة حتى لو علفت نصف الحول لا تحب فيها الزكاة. بل قال الشافعي لو علفها زمنًا لا تعيش مثله بدون علف أو تعيش لكن يلحقها الضرر البين أو قصد بعلفها ذلك الزمن قطع السوم لا زكاة فيها. وقال مالك والليث وربيعة تجب الزكاة في الماشية مطلقًا معلوفة أم لا عاملة أم لا متى بلغت النصاب. واستدلوا بالأحاديث المطلقة كقوله في الحديث المتقدم "ليس فيما دون خمس ذود صدقة" وفي الحديث الآتي "أمر معاذًا لما وجهه إلى اليمن أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعًا ومن كل أربعين مسنة" (وأجابوا) عن حديث الباب بأن التقييد بالسائمة فيه خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له على حد قوله تعالى "وربائبكم اللآتي في حجوركم" فإن الربيبة تحرم ولو لم تكن في الحجر. وقال الباجيّ يحتمل أن يكون ذكر السائمة لأنها كانت عامة الغنم وقتئذ ولا تكاد أن تكون فيها غير سائمة، ولذا ذكر السائمة في الغنم ولم يذكرها في الإبل والبقر. ويحتمل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نص على السائمة ليكلف المجتهد الاجتهاد في إلحاق المعلوفة بها فيحصل له أجر المجتهدين اهـ (وأجاب) الجهور عن هذا بأن الأصل في القيود في كلام الشارع اعتبارها، فلا يترك ظاهرها والعمل بمفهومها إلا لدليل. ولا دليل يقضي بعدم اعتبار القيد. قال في الروض النضير لشرف الدين الحسين بن أحمد الصنعاني الزيدي (ويجاب) بأن ذكر السوم لا بد له

العيب الذي لا يجزيء في الزكاة

من فائدة يعتد بها صيانة لكلام الشارع عن اللغو. والمتبادر منه أن للمذكور حكمًا يخالف المسكوت عنه. قال الخطابي لأن الشيء إذا كان يعتوره وصفان لازمان فعلق الحكم بأحد وصفيه كان ما عداه بخلافه وكذلك هذا في عوامل البقر والإبل اهـ. والعمدة فيه الظهور ولا ينافيه احتمال كونه خارجًا مخرج الغالب. وقد ثبت عن أئمة اللغة العمل بفهوم الصفة كما نقلة له أهل الأصول. فيفيد أن التخصيص به مقصود للبلغاء في كلامهم. فكلام الله ورسوله به أجدر لو سلم عدم التخصيص به "لكان" المأخوذ من العموم في قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (صدقة الغنم في سائمتها) ونحوه "وجوب" الزكاة في المعلوفة والسائمة، ولم يقل به أحد لأنهم بين قائل بدلالة هذا اللفظ على انتفاء الحكم فيما عدا السائمة وهم أصحاب المفاهيم، وقائل بأنه مسكوت عنه وهم المنكرون. أما القول بأنه داخل فخارق للإجماع. وعلى القول بأنه مسكوِت عنه ففي حديث الأصل ما يصلح للاستدلال به على نفي الزكاة في غير السائمة وهو مفهوم الحصر في قوله "وإنما الصدقة في الراعية" وفي قوله "ليس في البقر العوامل صدقة وليس في الإبل العوامل والحوامل صدقة" إذ الغالب على العاملة أنها غير سائمة اهـ. ويعنى بحديث الأصل ما ذكره مصنفه من قوله حدثني زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام قال: ليس في البقر العوامل صدقة وإنما الصدقة في الراعية اهـ قال شارحه وقد روي مرفوعًا وموقوفًا وتقدم أن الموقوف على عليّ عليه السلام في هذا الباب له حكم الرفع. وبهذا يظهر أن ما ورد من الأحاديث في زكاة المواشي مطلقة عن ذكر السوم غير باقية على العموم لوجود ما يخصصها أصلًا أو قياسًا اهـ. والراجح ما ذهب إليه الجمهور. قال ابن عبد البر لا أعلم أحدًا قال بقول مالك والليث من فقهاء الأمصار اهـ. واختلف القائلون باشتراط السوم. فقال أبو حنيفة وأحمد متى كانت سائمة أكثر الحول وجبت فيها الزكاة ولا عبرة بعلفها أقل الزمن لأن اليسير منه لا يمكن الاحتراز عنه إذ لا توجد المرعى في كل السنة. والصحيح عند الشافعية أنها إن علفت قدرًا تعيش بدونه وجبت الزكاة وإن علفت قدرًا لا يبقى الحيوان بدونه لم تجب. قالوا والماشية تصبر اليومين ولا تصبر الثلاثة (قوله ولا يؤخذ في الصدقة هرمة الخ) بفتح الهاء وكسرالراء أي كبيرة السنن القياسقطت أسنانها، ولا تؤخذ صاحبة عوار بفتح العين وقد تضم أي عيب ونقص: واختلف في العيب المانع من الإجزاء في الزكاة فالأكثر على أنه ما يثبت به الرد في البيع وهو ما يوجب نقصان الثمن عند التجار. وقيل ما يمنع الإجزاء في الأضحية: ومحل عدم إجزاء المعيبة إذا كان المال سليمًا، فإن كان فيه سليم ومعيب أخذ سليم وسط قيمته بين المعيب والسليم: وإن كان كله معيبًا أخذ المصدق واحدة من أوسطه وهو ما ذهب إليه أبو حنيفة والشافعي وأحمد ورواية عن مالك، وفي أخرى له يكلف رب المال الإتيان بصحيحة أخذًا بظاهر الحديث وهو مشهور المذهب. وقوله من الغنم قيد لا مفهوم له

بيان الجمع في الزكاة بين المفترق وعكسه

فإن عدم أخذ المعيب عام في جميع المواشي وليس هذه القيد في رواية البخاري (قوله ولا تيس الغنم) بفتح التاء وسكون الياء أي لا يؤخذ فحل الغنم إذا كانت كلها أو بعضها إناثًا لقلة الرغبة فيه لعدم سمنه أو لأن المالك يتضرر بأخذه لأنه أعده للنزو على الإناث. أما إذا كانت كل الغنم ذكورًا فيؤخذ التيس. وقيد بالغنم لأن الذكر من غيرها قد يؤخذ. فإن التبيع يؤخذ في البقر اتفاقًا، وكذا المسن عند الحنفية. وابن اللبون يؤخذ عن خمس وعشرين من الإبل عند عدم بنت المخاض (قوله إلا أن يشاء المصدق) بفتح الصاد والدال المشددتين على ما اختاره أبو عبيد وضبطه أبو موسى بكسر الدال وهو رب الماشية. فالاستثناء فيه راجع إلى قوله ولا تيس الغنم أي لا يؤخذ تيس الغنم إلا أن يشاء المالك إعطاءه لأن أخذه بغير اختياره يضر بمصلحته وضبطه جمهور المحدثين بكسر الدال مع تخفيف الصاد وهو الساعي. فيكون الاستثناء راجعًا إلى الجميع أي لا تؤخذ الهرمة ولا ذات العيب ولا تيس الغنم إلا أن يشاء الساعي أخذ واحد مما ذكر بأن يرى أنه أنفع للفقراء. ويكون هذا تفويضًا منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للساعي في اجتهاده لقيامه مقام الإِمام (قوله ولا يجمع بين مفترق الخ) ببناء الفعل للمفعول وتقديم الفاء على التاء المخففة من الافتراق. وفي رواية متفرق بتقديم التاء على الفاء وتشديد الراء. وقوله ولا يفرق بتخفيف الراء وتشديدها، وقوله خشية الصدقة منصوب على التعليل راجع إلى الجملتين قبله أي لا يجوز لأرباب المواشي الجمع بين متفرق أموالهم ولا تفريق المجتمع منها مخافة وجوب الصدقة عليهم أو كثرتها. وذلك كأن يكون لشخص أربعون شاة ولآخر أربعون ولثالث أربعون فيجمعونها ليكون فيها شاة واحدة بدل ثلاث شياه وهذا جمع المتفرق. أما تفريق المجتمع فصورته أن يكون خليطان لكل واحد مائة شاة وشاة فيكون الواجب عليهما ثلاث شياه فيفترقان عند طلب الساعي الزكاة، فيكون على كل واحد منهما شاة واحدة. ونهوا عن ذلك لأنه هروب عن الحق الواجب وإجحاف بالفقير. ولا يجوز أيضًا للساعي أن يفرق المجتمع لكثرة الصدقة أو يجمع بين المفترق لتحققها أو زيادتها. وذلك كأن يكون لكل من الخليطين أربعون فيفرق بينهما ليأخذ من كل واحد شاة بعد أن كان عليهما شاة واحدة، أو يكون لواحد عشرون ولآخر كذلك فيأمر بجمعها ليأخذ الصدقة منهما، أو يكون لشخص مائة شاة وشاة ولآخر مثله فيأمر الساعي بجمعها ليأخذ ثلاث شياه بدل شاتين. فقوله خشية الصدقة راجع لأرباب المواشي والساعى كما علمت. ومحل النهى عن الجمع والتفريق خشية الزكاة في الجنس الواحد. ومن الجنس الواحد الضأن والمعز، والبقر والجاموس، والبخت والعراب من الإبل. والبخت هو المتولد بين عربي وعجمي فلا يدخل في ما اختلف جنسه فمن كان عنده دون نصاب من البقر ودون نصاب من الغنم مثلًا لا يضم بعضه إلى بعض اتفاقًا كى يصير نصابًا تجب فيه الزكاة. ومحل النهي

المذاهب في أنه هل للخلطة أثر في وجوب الزكاة؟

المذكور أيضًا إذا تعدد المالك. وأما إذا اتحد المالك وكان له ماشية ببلد لا تبلغ نصابًا وله بأخرى ما يكمله من جنس تلك الماشية فإنه يضم بعضها إلى بعض. وكذا من كان له نصاب في جهة وآخر في جهة أخرى فإنه يضم بعضه إلى بعض أيضًا ولا يضر اختلاف الأمكنة. وقد ذهب إلى ذلك الجمهور ووافقهم أحمد فيما إذا كانت ماشية الرجل المتفرقة دون مسافة القصر وأما إذا كانت بينهما مسافة القصر فما فوق فلا يجمع بينها وينزل كل منها منزلة مال مستقل فما بلغ منها نصابًا زكى وإلا فلا قال ابن المنذر لا أعلم هذا القول عن غير أحمد. ويؤخذ من عموم النهي في الحديث أن من كان عنده دون النصاب من الفضة ودون النصاب من الذهب لا يضم بعضه إلى بعض وعلى ذلك أكثر العلماء: وقالت الحنفية والمالكية يضم بعضه إلى بعض ليصير نصابًا كاملًا فتجب فيه الزكاة. وحملوا النهي في الحديث على الماشية وسيأتي مزيد بيان لذلك في موضعه إن شاء الله تعالى (قوله وما كان من خليطين الخ) المراد بالخليطين عند الحنفية الشريكان اللذان اختلط مالهما بلا تمييز. قالوا ولا أثر للخلطة في إيجاب الزكاة فلا تجب في نصاب مشترك كان يكون بلوغه نصابًا بضم أحد المالين إلى الآخر لا فرق في ذلك بين السائمة وغيرها مستدلين بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ليس فيما دون خمس ذود صدقة".وقوله في حديث الباب. فان لم تبلغ سائمة الرجل أربعين "يعني من الغنم" فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها وكذا جميع النصوص الواردة في نصب الزكاة تدل على عدم الوجوب فيما دونها. وقالوا المراد بتراجع الخليطين بالسوية تراجعهما بمقضى الحصص كأن يكون لشريكين مائة وثلاث وعشرون شاة لأحدهما الثلثان وللآخر الثلث، فأخذ الساعي من كل شاة فإنه يرجع صاحب الثلث على صاحب الثلثين بالثلثين من الشاة التي دفعها ويرجع صاحب الثلثين على صاحب الثلث بالثلث من الشاة التي دفعها فيقابل الثلث المطالب به صاحب الثلث بثلث من الثلثين المطالب بهما صاحب الثلثين ويبقى عليه ثلث. أما لو تساويا فلا رجوع لأحدهما على الآخر كما لو كان المال المشترك مائة وعشرين شاة لكل منها ستون فأخذ الساعي منها شاتين ومنه يعلم أنه لا أثر للخلطة في مقدار الواجب وإن كان لها تأثير في تقليل المطلوب من أحد الشريكين وتكثير المطلوب من الآخر عند اختلاف ماليها. وقالت المالكية خلطاء الماشية كمالك واحد في الزكاة، ولا أثر للخلطة إلا إذا كان كل من الخليطين يملك نصابًا بشرط اتحاد الراعي والفحل والمراح ونية الخلطة. وأن يكون مال كل متمايزًا عن الآخر وإلا كانا شريكين وأن يكون كل منهما أهلًا للزكاة، فلو كان أحدهما عبدًا أو كافر فلا تصح خلافًا لابن الماجشون ولا يشترط اتحاد المبيت ولا كون الخلطة في جميع الحول، فلو اختلطا قبل الحول بنحو شهرين فهما خليطان ولا يكفي الشهر خلافًا لابن حبيب، ولا تؤثر الخلطة إلا في المواشي. وبه قال

بيان زكاة الخلطة عند الشافعية والحنابلة

الأوزاعي وأبو الحسن بن المفلس من الظاهرية، وما يؤخذ عن المالين يوزع على الشريكين بنسبة ما لكل ولو كان لأحدهما مال غير مخلوط اعتبر كله مخلوطًا. ففي المدونة سألنا مالكًا فقلنا له ما تقول في رجل له أربعون شاة مع خليط له ولخليطه أيضًا أربعون شاة وله في بلد أخرى أربعون شاة ليس له فيها خليط؟ فقال تضم غنمه التي ليس له فيها خليط إلى غنمه التي له فيها خليط فيصير في جميع غنمه خليطًا. يصير عليه ثلثا شاة في الثمانين ويصير على صاحبه ثلث شاة في الأربعين وهكذا يتراجعان في هذا الوجه كله اهـ وذهبت الشافعية إلى أن الخلطة سواء أكانت خلطة شيوع أم اشتراك في الأعيان أم خلطة أوصاف وجوار في المكان تؤثر في إيجاب الزكاة في المواشي والزروع والثمار والنقدين بشروط تسعة: أن يكون الشركاء من أهل وجوب الزكاة. وأن يبلغ المال بعد خلطه نصابًا. وأن يمضي عليه بعد الخلط حول كامل. وأن لا يتميز أحدهما عن الآخر في المراح "مكان المبيت" والمسرح والمشرب والراعى والمحلب "مكان الحلب" ولا يشترط خلط اللبن في إناء واحد. وأن يتحد الفحل إذا كانت الماشية من نوع واحد فإذا كان بين شخصين فأكثر من أهل الزكاة نصاب مشترك في الأعيان أو في الأوصاف ومضى بعد الخلط حول كامل ففيه زكاة المال الواحد. وإلى هذا ذهب أحمد غير أنه خص تأثير الخلطة بالمواشي فقط. ثم إن الخلطة عندهما تؤثر في إيجاب الزكاة وفي تكثيرها وتقليلها: فلو ملك شخصان فأكثر أربعين شاة وتوفرت شروط الخلطة وجبت فيها الزكاة. واستدلوا بحديث الباب وبأن المالين صارا كمال الواحد في المؤن فلزم فيه زكاة المال الواحد "وأجاب" بعضهم عما تمسك به الحنفية والمالكية من حديث "ليس فيما دون حمس ذود صدقة" ونحوه بأنها محمولة على انفراد المالك وعدم الخلطة جمعًا بين الأحاديث "ورد" بأنه لا دليل على هذا العمل ولا داعى إليه. ويمكن الجمع بين الأحاديث يحمل أحاديث الخلطة على ما إذا كان لكل من الشريكين نصاب بدليل عموم السلب في حديث "ليس فيما دون خمس ذود صدقة" قال الزرقاني في شرح الموطأ. قال أبو عمر "يعني ابن عبد البر" أجمعوا على أن المنفرد لا يلزمه زكاة في أقل من نصاب. واختلفوا في الخليطين ولا يجوز نقض أصل مجمع عليه برأي مختلف فيه. وقال الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث إذا بلغت ماشيتهما النصاب وجبت وإن لم يكن لكل نصاب، وليس ذلك برأي بل لأنه لم يفرق لي حديثي الذود والغنم بين المجتمعين بالخلطة لمالكين أو لمالك واحد وغيرهم. وقد اتفقوا في ثلاثة خلطاء لهم مائة وعشرون شاة لكل أربعون أن عليهم شاة واحدة فنقصوا المساكين شاتين للخلطة فقياسه لو كانت أربعون بين ثلاثة وجبت علهيم شاة لخلطتهم اهـ ملخصًا. لكن الاتفاق على هذا إنما هو بين القائلين بتأثير الخلطة فلا يعادل القياس على المجمع عليه. وكونه لم ينص في الحديثين على الفرق بين المجتمعين بالخلطة لمالكين أو لواحد لا يستلزم ذلك لعوده

نصاب الفضة لا زكاة فيما نقص عن النصاب

على الدليل بالإبطال إذ يلزم عليه أنه وجب على مالك أقل من نصاب الزكاة وذلك خلاف عموم السلب في قول "ليس فيما دون خمس ذود صدقة" وخلاف الشرط في حديث الغنم. فقول مالك أرجح واستدلاله أوضح اهـ. وقال العيني على البخاري: رأوا في خمسة أنفس لكل واحد بنت مخاض تجب على كل منهم خمس شاة، وفي عشرة بينهم خمس من الإبل لكل واحد نصف بعير تجب على كل واحد منهم عشر شاة مع قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ليس في أربع من الإبل شيء" فهذه زكاة ما أوجبها الله تعالى قط وحكم بخلاف حكم الله تعالى وحكم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وجعلوا لمال أحدهما حكمًا في مال الآخر وهذا باطل وخلاف القرآن والسنة. واشتراط الشروط التسعة المذكورة وغيرهما تحكم بلا دليل أصلًا لا من قرآن ولا ما سنة ولا من قول صاحب ولا من قياس ولا من وجه معقول وليت شعرى ما جعل الخلطة مقصورة على الوجوه التي ذكروها دون أن يريد بها الخلطة في المنزل أو في الصناعة أو في الشركة أو في المغنم كما قال طاوس وعطاء؟ ولو وجبت بالاختلاط في المرعى لوجبت في كل ماشية في الأرض لأن المراعي متصلة في أكثر الدنيا إلا أن يقطع بينها بحر أو نهر أو عمارة وأما تقدير المالكية الاختلاط بالشهر والشهرين فتحكم. وقول ظاهر الإحالة جدًا لأنه خص بها المواشي فقط دون الخلطة في الثمار والزروع والنقدين وليس ذلك في الخبر "فإن قلت" روى الدارقطني والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: الخليطان ما اجتمعا على الحوض والراعي والفحل "قلت" في سنده عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف فلا يجوز التمسك به كذا ذكره عبد الحق في الأحكام الكبرى اهـ (قوله وفي الرقة ربع العشر) يعني إذا بلغت الفضة نصابًا وهو مائتا درهم فأكثر ففيها ربع العشر أي جزء من أربعين، ففي المائتين خمسة دراهم، وفي مائتين وأربعين ستة دراهم، وفي مائتين وثمانين سبعة دراهم وهكذا. والرقة بكسر الراء وتخفيف القاف الفضة مضروبة أو غير مضروبة أصله ورق بكسر الواو وسكون الراء حذفت الواو وعوض عنها التاء كوعد وعدة (قوله فإن لم يكن المال إلا تسعين ومائة الخ) أي إن لم يوجد من الدراهم إلا تسعون ومائة درهم فلا يجب فيها شيء إجماعًا لعدم كمال النصاب. والمراد أنه لا صدقة واجبة في أقل من مائتي درهم لما تقدم في حديث أبي سعيد الخدري من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ليس فيما دون خمس أواق صدقة" ولما في حديث عليّ الآتي للمصنف في الباب من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "وليس في تسعين ومائة شيء فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم" وهو صريح في أن ما زاد على مائة وتسعين لا شيء فيه إلا أن يبلغ المائتين. وإنما اقصر في حديث الباب على ذكر التسعين لأنه آخر فصل من فصول المائة. والحساب إذا جارز الآحاد كان تركيبه بالعقود كالعشرات

القول في تكليف الكافر وعدمه

والمئات والألوف فنبه بذكر التسعين على أنه لا صدقة فيما نقص عن مائتين (فقه الحديث) دل قوله فيه "هذه فريضة الصدقة التي فرضها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المسلمين" على أن الكافر غير مخاطب بالزكاة. لكن ظاهر قوله تعالى في شأن الكفار "ولم نك نطعم المسكين" أنهم مخاطبون بها. وهو من أدلة من قال إنهم مخاطبون بفروع الشريعة وأجاب الأولون بأن المعنى لم نكن نعتقد وجوبها. وجملة القول في تكليف الكفار وعدمه أنه لا خلاف في أنهم مخاطبون "بالإيمان" لقوله تعالى "قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا الذي له ملك السموات والأرض، لا إله إلا هو يحيي ويميت، فآمنوا بالله ورسوله" "وبالمشروع" من الحدود "وبالمعاملات" "وبالشرائع" كالصلاة والزكاة والصوم من حيث المؤاخذة في الآخرة على ترك اعتقاد وجوبها. وأما وجوب أدائها في الدنيا فهم مخاطبون به عند العراقيين وعلى الصحيح عند المالكية. فيعذبون على تركها زيادة على عذاب الكفر، والصحيح عند الحنفية أنهم غير مخاطبين بأدائها وهو مذهب الشافعية والحنابلة لأنهم لا يقدرون على أدائها حال الكفر لعدم شرطه وهو الإيمان. ولا يجوز أمرهم بالأداء بشرط تقديم الإيمان لأنه أصل فلا يكون تبعًا. ودل على أن زكاة المواشي ونحوها من الأموال الظاهرة تدفع للإمام. وعلى أنه لا طاعة للإمام فيما خالف الشرع. وعلى أن ما بين كل نصابين من أنصب الماشية غفو لا زكاة فيه وهو المعروف عند الفقهاء بالوقص. وعلى أن الزكاة تتعلق به وبالنصاب وإليه ذهب محمَّد وزفر من الحنفية وهو معتمد مذهب المالكية وقول للشافعي. وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف وأحمد إلى أن الزكاة لا تتعلق بالعفو وهو مشهور مذهب المالكية، الأصح عند الشافعية مستدلين بما رواه أبو يعلى وأبو إسحاق الشيرازي "في خمس من الإبل السائمة شاة وليس في الزيادة شيء حتى تبلغ عشرًا" وبما رواه الدارقطني عن ابن عباس قال: لما بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم معاذًا إلى اليمن قيل له بم أمرت؟ قال أمرت أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعًا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة قيل له أمرت في الأوقاص بشيء؟ قال لا وسأسأل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسأله فقال لا. لكن الحديث الأوّل لم يثبت من طريق صحيح. وإذا ثبت لا يقوى قوة حديث أبي بكر الصديق. والحديث الثاني في سنده الحسن بن عمارة عن الحكم وهو ضعيف جدًا. فالقول الأول أقوى من جهة الدليل. وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا كان له تسع من الإبل أو مائة وعشرون من الغنم فهلك بعد الحول من الإبل أربع ومن الغنم ثمانون القول الأول يلزم صاحبها بنسبة ما بقي من الإبل والغنم وهو خمسة أتساع في الأول وثلث شاة في الثاني، وعلى القول الثاني لا يسقط شيء من الواجب فعليه شاة فيهما لبقاء النصاب. ودل الحديث على أن السوم شرط في وجوب زكاة الغنم وهو مذهب الجمهور كما تقدم، وكذك يشترط في زكاة الإبل

كتاب النبي صلى الله عليه وسلم في الزكاة المروي عن ابن عمر

لحديث بهز بن حكيم الآتي. وعلى أن الواجب في زكاة الفضة إذا بلغت نصابًا فأكثر ربع العشر وأن ما لم يبلغ نصابًا من الفضة وغيرها لا زكاة فيه. (والحديث) أخرجه أيضًا مالك في الموطأ والشافعي وأحمد والنسائي. وكذا البخاري وابن ماجه من حديث عبد الله بن المثنى عن عمه ثمامة. والدارقطني من حديث النضر بن شميل عن حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله. وقال إسناده صحيح ورواته كلهم ثقات. وأخرجه البيهقي في المعرفة، وقال حديث صحيح موصول. وأخرجه الحاكم وصححه ابن حبان. وقال ابن حزم هذا حديث في نهاية الصحة عمل به الصديق في حضرة العلماء ولم يخالفه أحد. (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ نَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كِتَابَ الصَّدَقَةِ فَلَمْ يُخْرِجْهُ إِلَى عُمَّالِهِ حَتَّى قُبِضَ فَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ فَعَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ ثُمَّ عَمِلَ بِهِ عُمَرُ حَتَّى قُبِضَ فَكَانَ فِيهِ "فِي خَمْسٍ مِنَ الإِبِلِ شَاةٌ وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ وَفِي خَمْسَ عَشَرَةَ ثَلاَثُ شِيَاهٍ وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ابْنَةُ مَخَاضٍ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ابْنَةُ لَبُونٍ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّةٌ إِلَى سِتِّينَ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا جَذَعَةٌ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ إِلَى تِسْعِينَ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِنْ كَانَتِ الإِبِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ وَفِي الْغَنَمِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَشَاتَانِ إِلَى مِائَتَيْنِ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَفِيهَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ إِلَى ثَلاَثِمِائَةٍ فَإِنْ كَانَتِ الْغَنَمُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ الْمِائَةَ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ

مَخَافَةَ الصَّدَقَةِ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَلاَ يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلاَ ذَاتُ عَيْبٍ". (ش) رجال الحديث) (عباد بن العوام) بن عمر بن عبد الله بن المنذر أبو سهل الواسطي مولى أسلم بن زرعة الكلابي. روى عن حميد الطويل وأبي إسحاق السبيعي وإسماعيل ابن أبي خالد وعبد الله بن عون وسعيد بن أبي عروبة وغيرها. وعنه أحمد بن حنبل وابنا أبي شيبة وسعيد بن سليمان الواسطي وأحمد بن منيع وغيرهم، وثقه ابن معين والعجلي وأبو داود والنسائي وأبو حاتم وابن حبان والبزار وابن سعد. وقال ابن خراش صدوق. وقال ابن سهل كان يتشيع فحبسه هارون. وقال أحمد مضطرب الحديث عن سعيد بن أبي عروبة. توفي ببغداد سنة خمس أو ست أو سبع وثمانين ومائة. روى له الجماعة. و(سفيان بن حسين) بن الحسن أبو محمَّد أو أبو الحسن مولى عبد الله بن خازم الواسطي. روى عن إياس بن معاوية والحسن البصري والحكم بن عتيبة ومحمد بن سيرين والزهري وغيرهم. وعنه شعبة وعمرو بن علي المقدمي ويزيد ابن هارون ومحمد بن يزيد الواسطي وغيرها. قال يعقوب بن شيبة صدوق ثقة وفي حديثه ضعف وقال النسائي ليس به بأس إلا في الزهري. وقال عثمان بن أبي شيبة كان ثقة إلا أنه كان مضطربًا في الحديث قليلًا. وقال العجلي ثقة. وقال ابن سعد ثقة يخطئ في حديثه كثيرًا. وقال ابن عدي هو في غير الزهري صالح الحديث وفي الزهري يروي أشياء خالف فيها الناس. وقال ابن خراش لين الحديث. وقال ابن حبان هو ثقة في غير الزهري وقال في الضعفاء يروي عن الزهري المقلوبات. مات بالري في خلافة المهدي أو الرشيد. روى له الجماعة إلا البخاري لكنه استشهد به في الكسوف (المعنى) (قوله كتب رسول الله كتاب الصدقة الخ) أي أمر بكتابته للرجوع إليه بعد وفاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ووضعه في المكان الذي وضع فيه سيفه ولم يخرجه إلى العمال الذين عينهم لجمع الزكاة استغناء بما كان يشافههم به من بيان الأحكام، فلما توفي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخرجه أبو بكر رضي الله عنه وعمل به أيام خلافته، ثم عمل به عمر من بعده وباقى شرح الحديث وفقهه يعلم مما تقدم (الحديث) أخرجه أيضًا أحمد وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن والعمل على هذا الحديث عند عامة الفقهاء. وقد روى يونس بن يزيد وغير واحد عن الزهري عن سالم هذا الحديث: ولم يرفعوه وإنما رفعه سفيان بن حسين. وقال في كتاب العلل سألت محمَّد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال أرجو أن يكون محفوظًا وسفيان بن حسين صدوق اهـ. وقد علمت

ما قيل في سفيان. وقال البيهقي تابع سفيان بن حسين على وصله سليمان بن كثير وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه. وأخرجه أيضًا الدارقطني والبيهقي والحاكم في مستدركه وقال سفيان بن حسين وثقه يحيى بن معين وهو من أئمة الحديث إلا أن الشيخين لم يخرجا له وله شاهد صحيح وإن كان فيه إرسال اهـ. وقال المنذري سفيان بن حسين أخرج له مسلم واستشهد به البخاري إلا أن حديثه عن الزهري فيه مقال (ص) قَالَ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ إِذَا جَاءَ الْمُصَدِّقُ قُسِمَتِ الشَّاءُ أَثْلاَثًا ثُلُثًا شِرَارًا وَثُلُثًا خِيَارًا وَثُلُثًا وَسَطًا فَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنَ الْوَسَطِ وَلَمْ يَذْكُرِ الزُّهْرِيُّ الْبَقَرَ. (ش) أي قال سفيان بن حسين وقال محمَّد بن مسلم الزهري إذا حضر الساعي لأخذ الزكاة قسمت الغنم ثلاثة أقسام: قسم جيد وقسم متوسط وقسم رديء فيأخذ الساعي من المتوسط ولا يجور له أن يأخذ من الجيد كما لا يجوز له أن يأخذ من الرديء للنهي عن أخذ كرائم الأموال كما سيأتي للمصنف. ومحل هذا ما لم يتبرع بها ربها (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ قَالَ "فَإِنْ لَمْ تَكُنِ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ". وَلَمْ يَذْكُرْ كَلاَمَ الزُّهْرِيِّ. (ش) (الواسطي) نسبة إلى واسط وهي مواطن كثيرة ولعل المراد منها واسط الحجاج قرية بين الكوفة والبصرة (قوله بإسناده ومعناه الخ أي روى محمَّد بن يزيد الواسطي عن سفيان بن حسين الحديث بإسناد حديث عباد بن العوام ومعناه غير أن محمَّد بن يزيد ذكر في حديثه "فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون" وفي بعض النسخ فإن لم تكن بنت مخاض، وهذه الجملة لم تذكر في حديث عباد. ولم يذكر محمَّد بن يزيد في حديثه كلام الزهري في تقسيم الشياه إلى جياد وهزال ووسط (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ أَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي كَتَبَهُ فِي الصَّدَقَةِ وَهِيَ عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ أَقْرَأَنِيهَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَوَعَيْتُهَا عَلَى

تتابع الخلفاء على العمل بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم في الزكاة

وَجْهِهَا وَهِيَ الَّتِي انْتَسَخَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ "فَإِذَا كَانَتْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلاَثُ بَنَاتِ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ ثَلاَثِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَلاَثِينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتُ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ خَمْسِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلاَثُ حِقَاقٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَخَمْسِينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ سِتِّينَ وَمِائَةً فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسِتِّينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ سَبْعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلاَثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسَبْعِينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ ثَمَانِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَابْنَتَا لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَمَانِينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ تِسْعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلاَثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ أَيُّ السِّنَّيْنِ وُجِدَتْ أُخِذَتْ وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ". فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ وَفِيهِ "وَلاَ يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلاَ ذَاتُ عَوَارٍ مِنَ الْغَنَمِ وَلاَ تَيْسُ الْغَنَمِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ الْمُصَّدِّقُ". (ش) (قوله قال هذه نسخة كتاب رسول الخ) أي قال الزهري هذه صورة الكتاب الذي أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بكتابته في بيان أحكام الزكاة. وقد سمعها ابن شهاب من سالم بن عبد فحفظها. وقد أمر عمر بن عبد العزيز حين أمر على المدينة بنقلها من كتاب عبد الله وسالم ابني عبد الله بن عمر بن الخطاب فنسخت. ثم أمر عماله بالعمل بها وكتب بها إلى الوليد في عبد الملك فأمر الوليد عماله بالعمل بها. ثم لم يزل الخلفاء يأمرون بذلك بعده. ثم أمر بها هشام بن هانئ فنسخها إلى كل عامل من المسلمين وأمرهم بالعمل بما فيها ولا يتعدونها. كذا في رواية الدارقطني والحاكم (قوله فذكر الحديث) أي ذكر الزهري الحديث عن سالم كما

تفسير مالك قول عمر "ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع" حديث علي كرم الله وجهه في الزكاة

رواه سالم عن أبيه وهو في الحاكم والدارقطني، وهذا كتاب يفسره: لا يؤخذ في شيء من الإبل صدقة حتى تبلغ خمس ذود. فإذا بلغت خمسًا ففيها شاة حتى تبلغ عشرًا، فإذا بلغت عشرًا ففيها شاتان إلى قوله فإذا كانت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الجمل حتى تبلغ عشرين ومائة (قوله فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون الخ) هذا تفصيل وبيان لما أجمل في حديث أنس السابق من قوله فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وكل خمسين حقة وبه أخذ الجمهور كما تقدم (قوله أي السنين وجدت أخذت) أي ما وجدت من الحقائق وبنات اللبون فلك أيها الساعي أخذه. وعلى هذا فالتخيير فيما ذكر للساعي وإليه ذهب الجمهور. ويحتمل أن المعنى أيّ السنين وجد أخذ من المالك فالخيار له. وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه حتى قالوا للمالك أن يؤدي القيمة مع وجود السن المطلوب ويجبر الساعي على قبول ذلك منه لأن الشارع اعتبر التيسير على أرباب الأموال كما قدم في كتاب الصديق، وإنما يتحقق ذلك إذا كان الخيار لصاحب المال (قوله فذكر نحو حديث سفيان) أي ذكر يونس بن يزيد في روايته عن ابن شهاب نحو ما ذكره عنه سفيان بن حسين في الحديث السابق في زكاة الغنم. ولفظه كما في الحاكم والدارقطني: ولا يؤخذ من الغنم صدقة حتى تبلغ أربعين شاة. فإذا بلغت أربعين شاة ففيها شاة حتى تبلغ عشرين ومائة. فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها شاتان حتى تبلغ مائتين. فإذا كانت شاة ومائتين ففيها ثلاث شياه حتى تبلغ ثلثمائة. فإذا زادت على ثلثمائة فليس فيها إلا ثلاث شياه حق تبلع أربعمائة شاة ففيها أربع شياه الخ. ومضمونه أن في كل مائة بعد ذلك شاة (والحديث) أخرجه أيضًا الحاكم والدارقطني (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ قَالَ مَالِكٌ وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْهُ لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ. هُوَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ رَجُلٍ أَرْبَعُونَ شَاةً فَإِذَا أَظَلَّهُمُ الْمُصَدِّقُ جَمَعُوهَا لِئَلاَّ يَكُونَ فِيهَا إِلاَّ شَاةٌ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ. أَنَّ الْخَلِيطَيْنِ إِذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةُ شَاةٍ وَشَاةٌ فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا فِيهَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ فَإِذَا أَظَلَّهُمَا الْمُصَدِّقُ فَرَّقَا غَنَمَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلاَّ شَاةٌ فَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ. (ش) (قوله هو أن يكون الخ) أي معنى قول عمر لا يجمع بين متفرق أَن يكون لكل اثنين فأكثر أربعون شاة وقد وجبت على كل واحد منهما الصدقة في غنمه فيجمعونها إذا قرب مجيء الساعي ليكون فيها شاة واحدة بدلًا من ثلاث. فقوله أظلهم الساعي أي قرب

مجيئه إليهم يقال أظل الشيء إذا قرب أو أقبل أو أشرف (قوله ولا يفرق بين مجتمع أن الخليطين الخ) أي وتفسير لا يفرق بين مجتمع أن الخليطين يكون لكل واحد شهما مائة شاة وشاة فيكون عليهما ثلاث شياه. فإذا قرب مجيء الساعي فرقًا غنمهما ليكون على كل واحد منهما شاة واحدة. قال مالك فهذا التفسير الذى سمعته. وبهذا التفسير فسر سفيان الثوري وقد ذكرناه فيما تقدم. وقدمنا أيضًا أنه ليس للساعي أن يفرق المجتمع لكثرة الصدقة ولا أن يجمع بين المفترق لتخفيفها أو زيادتها. وعليه فالنهي في الحديث لرب المال من جهة وللساعي من جهة. وليس حمله عل أحدهما بأولى من الآخر وإن قال الحافظ في الفتح حمله على المالك أظهر (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ نَا زُهَيْرٌ نَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ وَعَنِ الْحَارِثِ الأَعْوَرِ عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ الله عَنْهُ- قَالَ زُهَيْرٌ أَحْسَبُهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ "هَاتُوا رُبْعَ الْعُشُورِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ حَتَّى تَتِمَّ مِائَتَىْ دِرْهَمٍ فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَىْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَمَا زَادَ فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ وَفِي الْغَنَمِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ تِسْعًا وَثَلاَثِينَ فَلَيْسَ عَلَيْكَ فِيهَا شَيْءٌ". وَسَاقَ صَدَقَةَ الْغَنَمِ مِثْلَ الزُّهْرِيِّ قَالَ "وَفِي الْبَقَرِ فِي كُلِّ ثَلاَثِينَ تَبِيعٌ وَفِي الأَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ وَلَيْسَ عَلَى الْعَوَامِلِ شَيْءٌ وَفِي الإِبِلِ". فَذَكَرَ صَدَقَتَهَا كَمَا ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ قَالَ "وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسَةٌ مِنَ الْغَنَمِ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ إِلَى سِتِّينَ". ثُمَّ سَاقَ مِثْلَ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ قَالَ "فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً - يَعْنِي وَاحِدَةً وَتِسْعِينَ - فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِنْ كَانَتِ الإِبِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَلاَ تُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلاَ ذَاتُ عَوَارٍ وَلاَ تَيْسٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ

الخلاف في زكاة المغشوش. وهل في زكاة النقد عفو؟

الْمُصَّدِّقُ وَفِي النَّبَاتِ مَا سَقَتْهُ الأَنْهَارُ أَوْ سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَمَا سَقَى الْغَرْبُ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ". وَفِي حَدِيثِ عَاصِمٍ وَالْحَارِثِ "الصَّدَقَةُ فِي كُلِّ عَامٍ". قَالَ زُهَيْرٌ أَحْسَبُهُ قَالَ "مَرَّةً". وَفِي حَدِيثِ عَاصِمٍ "إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الإِبِلِ ابْنَةُ مَخَاضٍ وَلاَ ابْنُ لَبُونٍ فَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ شَاتَانِ". (ش) (قوله قال زهير أحسبه عن النبي الخ) أي قال زهير بن معاوية أظن أن أبا إسحاق السبيعي قال في حديثه بعد قوله عن علي عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهذا شك منه في رفع الحديث. وقد روى الدارقطني طرفًا منه من طريق زهير جازمًا برفعه وليس فيه قال زهير الخ (قوله هاتوا ربع العشور) أي أعطوا ربع العشور في صدقة الفضة وقد بينه بقوله: من كل أربعين درهمًا درهم ودرهمًا الأول منصوب على التمييز والثاني مرفوع على الابتداء. وفي نسخة من كل أربعين درهمًا درهمًا بنصب درهمًا الثاني على البدلية من ربع العشور (قوله فإذا كانت مائتي درهم الخ) أي فإذا كانت الفضة وزن مائتي درهم مضروبة كانت أو غير مضروبة وجب فيها خمسة دراهم. واختلف العلماء أيشترط في وجوب الزكاة فيها أن تكون خالصة من الغش أم لا؟ فذهب الشافعي وأحمد وأصحابهما إلى اشتراط ذلك وقالوا لا زكاة في المغشوشة حتى يبلغ الخالص منها مائتي درهم. وذهبت الحنفية إلى عدم اشتراط خلوصها. قالوا فتجب الزكاة في المغشوش إذا غلبت فضته وكذا إذا استوت الفضة وغيرها مراعاة لحال الفقير. وما غلب غشه يقوّم كعروض التجارة فإذا بلغت قيمته نصابًا زكى إن نوى فيه التجارة وإلا فلا. وقالت المالكية تجب الزكاة في المغشوش والناقص في الوزن إن راج كل منهما رواج الكاملة في المعاملات فإن لم ترج أصلًا أو راجت دون رواج الكاملة حسب الخالص في المغشوش. فإن بلغ نصابًا زكى وإلا فلا واعتبر كمال الناقص بزيادة ما يكمله فلو كانت المائتا درهم لنقصها تروج رواج مائة وتسعين لم تجب الزكاة فيها إلا بزيادة ما يكملها. وبقولهم في الناقصة قال أحمد (قوله فما زاد فعلى حساب ذلك) أي ما زاد على مائتي درهم يكون بحسابه قل أو كثر فلا وقص فيها. وهو قول الجمهور منهم علي وابن عمر والنخعي ومالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد والثوري وابن أبي ليلى وابن المنذر مستدلين بحديث الباب: وبأن الزكاة وجبت شكرًا لنعمة المال. واشتراط النصاب في الابتداء لتحقق الغنى ولا معنى لاشتراطه بعد ذلك فيما لا ضرر في تجزئته كالدراهم وقال أبو حنيفة وسعيد بن المسيب وطاوس والحسن البصري والشعبي ومكحول والزهري لا شيء في الزيادة على المائتين حتى تبلغ أربعين درهمًا. فإذا بلغتها ففيها درهم. واستدلوا بما رواه الدارقطني من طريق المنهال بن الجراح عن حبيب بن نجيح عن عبادة بن نسى عن معاذ أن

الراجح أن لا عفو فيها

رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمره حين وجهه إلى اليمن ألا تأخذ من الكسر شيئًا إذا كانت الورق مائتي درهم فخذ منها خمسة دراهم ولا تأخذ مما زاد شيئًا حتى يبلغ أربعين درهمًا وإذا بلغ أربعين درهمًا فخذ منه درهمًا. قال الدارقطني المنهال بن الجراح متروك الحديث وعبادة بن نسى لم يسمع من معاذ. وبما في كتاب عمرو بن حزم من قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفي كل خمس أواق من الورق خمسة دراهم وما زاد ففي كل أربعين درهمًا درهم. ويأتي للمصنف وصححه الحاكم وابن حبان والبيهقي. لكن حديث معاذ مرسل وفيه متروك كما علمت: وقال ابن حزم فيه المنهال وهو كذاب وضاع يروي الحديث عن مجهول. وقال ابن حبّان كان يكذب. وأجيب عما في كتاب عمرو بن حزم بأن في سنده سلمان بن داود الجزري قال فيه ابن حزم ساقط مطرح. وعلى مرض صحته فهو بمفهومه يفيد نفي الزكاة عما دون الأربعين بعد المائتين وحديث الباب يفيد بمنطوقه وجوب الزكاة فيما دون الأربعين وكذلك حديث في الرقة ربع العشر. وإذا تعارض منطوق ومفهوم قدم المنطوق. وأطال ابن حزم في الرد عليهم. وقال فبقيت الرواية عن علي وابن عمر رضي الله عنهما بمثل قولنا. ولا يصح عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلاف ذلك ثم ساق حديث أنس السابق في أول الباب. وقال فيه وفي الرقة ربع العشر. فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها. فأوجب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصدقة في الرقة ربع العشر عمومًا لم يخص من ذلك شيئًا إلا ما كان أقل من خمس أواق فبقي ما زاد على ذلك على وجوب الزكاة فيه فلا يجوز تخصيص شيء منه أصلًا اهـ "يعني إلا بمخصص ولا مخصص". إذا علمت هذا تعلم أن الراجح قول الجمهور لقوة أدلته (قوله فأن لم يكن إلا تسع وثلاثون الخ) أي إن لم يوجد من الغنم إلا تسع وثلاثون فلا زكاة فيها لعدم كمال النصاب. وفي نسخة فإن لم تكن إلا تسعًا وثلاثين بالنصب أي إن لم تكن الغنم إلا تسعًا وثلاثين (قوله وساق صدقة الغنم الخ) أي ساق أبو إسحاق. بسنده إلى عي مرفوعًا بيان زكاة الغنم مثل ما في حديث الزهري المتقدم عن سالم عن أبيه (قوله وفي البقر في كل ثلاثين تبيع الخ) أي تجب الزكاة في البقر في كل ثلاثين منها تبيع وهو ما له سنة عند الجمهور. وقالت المالكية ما له سنتان ودخل في الثالثة والأول هو الموافق للغة. وسمي بذلك لأنه يتبع أمه. والأنثى والذكر هنا سواء عند الأكثر لما رواه الترمذي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة وقالت المالكية الأنثى أفضل. ويجب في كل أربعين مسنة وهي ما لها سنتان عند الجمهور. وقالت المالكية ما لها ثلاث سنين والأول هو الموافق للغة. سميت بذلك لطلوع أسنانها. وفي النهاية قال الأزهري البقرة والشاة يقع عليهما اسم المسن إذا أثنيا "أي ظهرت ثناياهما" ويثنيان في

بيان ما يجب في البقر إذا زاد على أربعين

السنة الثالثة، وليس معنى إسنانها كبرها كالرجل المسن، ولكن معناه طلوع سنها في السنة الثالثة وتقدم أنه لا تتعين الأنوثة في الغنم اتفاقًا، وكذا في كل أنواع البقر عند الحنفية لحديث الباب ولما رواه الطبراني عن ابن عباس مرفوعًا وفيه: وفي كل أربعين مسنة أو مسن. وذهب الجمهور إلى أنه لا بد من الأنوثة فيما وجب فيه مسنة. ولم يبين في الحديث تفصيل ما زاد على الأربعين وقد بين في رواية أحمد من طريق يحيى بن الحكم عن معاذ قال. بعثني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصدق أهل اليمن "أي أجمع منهم الزكاة" وأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعًا ومن كل أربعين مسنة فعرضوا عليّ أن آخذ ما بين الأربعين والخمسين وما بين الستين والسبعين وما بين الثمانين والتسعين فأبيت ذلك وقلت لهم حتى أسأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ذلك فقدمت فأخبرت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين تبيعًا. ومن كل أربعين مسنة، ومن الستين تبيعين، ومن السبعين مسنة وتبيعًا، ومن الثمانين مسنتين، ومن التسعين ثلاثة أتباع، ومن المائة مسنة وتبيعين، ومن العشرة ومائة مسنتين وتبيعًا، ومن العشرين ومائة ثلاث مسنات أو أربعة أتباع. وأمرني ألا آخذ فيما بين ذلك شيئًا. وزعم أن الأوقاص لا فريضة فيها. ورواه أيضًا البزار. والحديث ضعيف لأنّ في سنده الحسن بن عمارة وهو ضعيف ويدل على ضعفه أيضًا ذكر قدوم معاذ على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من اليمن ولم يقدم إلا بعد موته صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فقد روى الإِمام مالك في الموطأ من طريق طاوس اليماني أن معاذ بن جبل أخذ من ثلاثين بقرة تبيعًا، ومن أربعين بقرة مسنة، وأتي بما دون ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئًا وقال: لم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وعلي آله وسلم فيه شيئًا حتى ألقاه فأسأله فتوفى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل أن يقدم معاذ اهـ قال البيهقي طاوس وإن لم يلق معاذًا إلا أنه يماني وسيرة معاذ بينهم مشهورة اهـ من التلخيص. وفي الزرقاني على الموطأ قال عمرو بن شعيب: لم يزل معاذ بالجند منذ بعثه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى اليمن حتى توفي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبو بكر، ثم قدم على عمر فرده على ما كان عليه. قال أبو عمر توفي معاذ في طاعون عمواس سنة سبع عشرة. و"الجند" بليدة باليمن منها طاوس و"عمواس" بفتح أوله وثانيه أو بكسر الأوّل وسكون الثاني بلدة بفلسطين قرب القدس. ومع هذا فقد قال ابن عبد البر في الاستذكار: لا خلاف بين العلماء أن السنة في زكاة البقر على ما في حديث معاذ وأنه النصاب المجمع عليه فيها "وأما قول" ابن جرير الطبري صح الإجماع المقطوع به أن في كل خمسين بقرة بقرة، فوجب الأخذ بهذا وما دون ذلك فمختلف ولا نص في إيجابه اهـ "فمردود" بحديث عمرو بن حزم فإن فيه: في كل ثلاثين باقورة تبيع جذع أو جذعة، وفي كل أربعين باقورة بقرة. وبحديث معاذ الآتي. وبغيره من الأحاديث، وإن كان في بعضها مقال، لكنها

الخلاف في وجوب الزكاة في الماشية العاملة

لكثرتها يقوي بعضها بعضًا. فالحق ما في حديث الباب ونحوه من أن في كل ثلاثين تبيعًا. وفي أربعين مسنة، وفي الستين تبيعين، وفي السبعين مسنة وتبيع وهكذا. ولا شيء في الأوقاص عند الجمهور. وروى عن أبي حنيفة في المشهور عنه أنه لا وقص بين الأربعين والستين فما زاد على الأربعين فبحسابه. ففي الواحدة ربع عشر مسنة، وفي اثنتين نصف عشر مسنة، وفي الأربعة عشر مسنة وهكذا إلى ستين. ورى الحسن عنه أنه لا شيء في الزيادة حتى تبلغ خمسين ففيها مسنة وربع مسنة أو ثلث تبيع. وروى أسد بن عمرو عنه أنه لا شيء. في الزيادة إلى ستين وهو قوله صاحبيه وهو أعدل الأقوال والمختار وعليه الفتوى (قوله وليس على العوامل شيء) أي لا يجب علي صاحب الماشية التي أعدت للعمل من حمل أو حرث وغيرهما زكاة، فعلى باقية علي حالها ويحتمل أنها بمعنى في أي لا تجب فيها زكاة. وعلى هذا أكثر العلماء. خلافًا لمالك القائل بوجوب الزكاة فيها أخذًا بمطلق الأحاديث، فإن المطلق يحمل على المقيد كما هو مقرر. ومن أدلة الجمهور ما أخرجه الدارقطني من طريق طاوس عن ابن عباس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: ليس في البقر العوامل صدقة. قال الإِمام أحمد ليس في العوامل زكاة. وأهل المدينة يرون فيها الزكاة وليس عندهم في هذا أصل اهـ (قوله وفي الإبل فذكر صدقتها كما ذكر الزهري الخ) أي وتجب الزكاة في الإبل وذكر أبو إسحاق بسنده إلى عليّ ما يجب في زكاة الإبل كما ذكر الزهري عن سالم عن أبيه في الحديث المتقدم وفيه: فكان فيه أي في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الصدقات. في خمس من الإبل شاة، وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه "ولما" كان في حديث عليّ ما يخالف بعض ما في حديث الزهري المروي عن ابن عمر. "نبه هنا" على موضع المخالفة بقوله قال: وفي خمس وعشرين خمسة من الغنم الخ فإن المتقدم في حديث ابن عمر: وفي خمس وعشرين ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين. وحديث ابن عمر هو الحجة وعليه عمل العلماء كافة ولم نعلم له مخالفًا إلا ما روى عن علي من أن في خمس وعشرين خمس شياه وهو ضعيف. فإن في سنده عاصم بن ضمرة والحارث الأعور، وفي كل مقال حتى قال الشعبي حدثني الحارث الأعور وكان كذابا. وقال أبو إسحاق زعم الحارث الأعور وكان كذابا "وما أخرجه" الدارقطني من طريق سليمان بن أرقم عن الزهري عن سالم عن أبيه وفيه: وفي خمس وعشرين خمس شياه "ضعيف" لأن سليمان بن أرقم ضعيف الحديث متروك كما قال الدارقطني وقال الخطابي هذا "يعني قوله في خمس وعشرين خمسة من الغنم" متروك بالإجماع غير مأخوذ به عند أحد من العلماء اهـ (قوله ثم ساق مثل حديث الزهري) وهو فإذا زادت "أي الإبل علي الستين" واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين (قوله وفي النبات ما سقت الأنهار الخ) أي ويجب فيما أخرجته الأرض مما يقصد به استغلالها العشر إن

دفع بنت اللبون بدل بنت المخاض وأخذ الفرق

سقي بماء النهر أو المطر أو العيون ونصف العشر إن سقي بالآلة كالساقية والشادوف. "والغرب" بفتح فسكون الدلو العظيمة. وبعموم الحديث أخذ أبو حنيفة فقال تفترض الزكاة فيما يخرج من الأرض مما يقصد به استغلالها بلا شرط نصاب ولا بقاء. فتجب في البقول والورد والرياحين والخضروات والفواكه وكل ما يقصد بالزراعة ولا تجب في نحو حطب وحشيش مما لا يقصد بالزراعة. وسيأتي بيان المذاهب في ذلك في باب "صدقة الزرع" إن شاء الله تعالى (قوله وفي حديث عاصم والحارث الخ) أي ذكر أبو إسحاق في حديثه عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور أن الصدقة فيما ذكر تجب في كل عام. وقال زهير ظننت أبا إسحاق قال تجب في كل عام مرة. وفي بعض النسخ "قال أبو داود، وفي حديث عاصم الخ (قوله وفي حديث عاصم إذا لم يكن في الإبل الخ) أي ذكر أبو إسحاق في روايته عن عاصم بن ضمرة أن من كان عنده من الإبل ما يجب فيه ابنة مخاض فلم توجد عنده هي ولا ابن اللبون دفع للساعي بنت لبون وأخذ منه الفضل وهو عشرة دراهم أو شاتين. وهو مذهب علي وعمر والثوري وقول لإسحاق وذهب زيد بن علي إلى أن الفضل بين كل سنين شاة أو عشرة دراهم. وتقدم بيان ذلك وأن الثابت في كتاب أبي بكر تقدير الفضل بشاتين أو عشرين درهمًا. وهو أصح من حديث على وفي بعض النسخ: قال أبو داود وفي حديث عاصم إذا لم يكن في الإبل الخ (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن أقل نصاب تجب فيه الزكاة من الفضة مائتا درهم. وعلى أنه لا وقص فيها. وعلى أنه لا زكاة في أقل من ثلاثين من البقر، وأن الثلاثين فيها تبيع وفي الأربعين مسنة وما بينهما عفو. وأنه لا زكاة في العوامل منها ومثلها الإبل في هذا. وفيه أن في خمس وعشرين من الإبل خمسة من الغنم. وأن بنت المخاض لا تؤخذ فيما دون ست وعشرين من الإبل. وتقدم أنه متروك بالإجماع. ودل على أن فيما أنبتته الأرض العشر إن سقي بغير آله ونصف العشر إن سقي بآله. وعلى أن من لزمته بنت مخاض ولم تكن عنده هي ولا ابن اللبون وعنده بنت اللبون دفعها إلى الساعي وأخذ منه الفضل عشرة دراهم أو شاتين. وتقدم ما فيه (والحديث) أخرجه أيضًا الدارقطني وابن أبي شيبة من طريق أبى إسحاق إلى علي مرفوعًا بلا شك. قال ابن القطان إسناده صحيح. لكن علمت أن في إسناده عاصمًا والحارث الأعور وهما ضعيفان. قال المنذري الحارث وعاصم ليسا بحجة (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَسَمَّى آخَرَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ وَالْحَارِثِ الأَعْوَرِ عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ الله عَنْهُ- عَنِ

النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِبَعْضِ أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ "فَإِذَا كَانَتْ لَكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ -يَعْنِي فِي الذَّهَبِ- حَتَّى يَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا فَإِذَا كَانَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ". قَالَ فَلاَ أَدْرِي أَعَلِيٌّ يَقُولُ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ. أَوْ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "وَلَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ". إِلاَّ أَنَّ جَرِيرًا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ". (ش) (قوله وسمى آخر) هذا من كلام سليمان أي ذكر عبد الله بن وهب أنه روى الحديث عن شيخ آخر مع جرير لم أحفظه. وهو الحارث بن نبهان. لكنهما لم يسمعا الحديث من أبي إسحاق فالحديث معلول بإسقاط رجل من سنده. ففي التلخيص نبه ابن المواق على علة خفية فيه، وهي أن جرير بن حازم لم يسمعه من أبي إسحاق، وقد رواه الحفاظ من أصحاب ابن وهب "سحنون وحرملة ويونس وبحر بن نصر وغيرهم" عن ابن وهب عن جرير بن حازم والحارث بن نبهان عن الحسن بن عمارة عن أبي إسحاق. فالوهم في إسقاط الواسطة بين جرير وأبي إسحاق من شيخ المصنف سليمان بن داود اهـ بتصرف (قوله ببعض أول الحديث) وفي بعض النسخ ببعض أول هذا الحديث. أي حدث عليّ عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ببعض أول الحديث السابق. وقد بينه جرير بقوله قال أي أبو إسحاق: فإذا كانت لك مائتا درهم ففيها خمسة دراهم يعني ربع العشر (وفيه دليل) على أن أول نصاب الفضة مائتا درهم، وأن الواجب فيها ربع العشر وهو مجمع عليه. وتقدم بيان الكلام في الدرهم ومقدار نصاب الزكاة من الفضة بالعملة المصرية وغيرها (قوله يعني في الذهب) تفسير من سيدنا على رضي الله تعالى عنه. وفاعل يعنى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله حتى يكون لك عشرون دينارًا) أي مثقالًا والمثقال لغة كل ما يوزن به قليلًا أو كثيرًا. وشرعا قدر مخصوص يزن أربعة وعشرين قيراطًا بالمتعارف ولو غير مضروب. وتقدم بيان المذاهب فيه، والعشرون مثقالًا وزنها بالدرهم المتعارف ثلاثون درهمًا وبالجرام ثلاثة وتسعون جرامًا وثلاثة أخماس جرام. ولا بد أن تكون خالصة

الخلاف في زكاة المغشوش. اشتراط الحول في زكاة النقدين

عند الشافعي وأحمد فلا زكاة في المغشوش حتى يبلغ خالصه نصابًا. وفي شرح الدميرى على المنهاج إذا كان الغش يماثل أجرة الضرب والتخليص تسومح فيه وعليه عمل الناس لا فرق في ذلك بين الذهب والفضة. وذهبت المالكية والحنفية إلى عدم اشتراط خلوصها من الغش كما تقدم في الكلام على نصاب الفضة. وفيه دليل على أن الذهب فيه زكاة. وعلى أن نصابه عشرون دينارًا. وإليه ذهب الجمهور وهو رواية عن الحسن البصري. وروي عنه أيضًا أن نصابه أربعون دينارًا. وعلى أن الواجب فيها ربع العشر. وهو مجمع عليه لحديث الباب وحديث عمرو بن حزم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أرسله بكتاب إلى أهل اليمن وفيه: وفي كل أربعين دينارًا دينار رواه النسائي في الديات وابن حبان والحاكم. ولما أخرجه الدارقطني بسنده إلى ابن عمر وعائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يأخذ من كل عشرين دينارًا نصف دينار ومن أربعين دينارًا دينار. وفي الباب عدة أحاديث يقوي بعضها بعضًا. وبهذا تعلم رد قول ابن عبد البر لم يثبت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الذهب شيء من جهة نقل الآحاد الثقات اهـ ويرده أيضًا قوله تعالى "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم" فإن المراد بالكنز فيها ما لم تؤد زكاته لما تقدم للمصنف في "باب الكنز ما هو؟ " من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز. ولما أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد (الحديث) (قوله وحال عليها الحول) فيه دليل اشتراط الحول في زكاة الذهب والفضة لأن نماءها لا يظهر إلا بمضي الحول غالبًا. وإليه ذهب الجمهور. وعن ابن عباس وابن مسعود أنه لا يشترط فيهما الحول وإليه ذهب داود وقال: من استفاد نصابًا لزمه أن يزكيه في الحال تمسكا بما دل على مطلق الوجوب من غير تقييد بالحول كحديث وفي الرقة ربع العشر ورد بأن المطلق محمول على المقيد وإلا لزم إهمال القيد (قوله قال فلا أدري الخ) أي قال الراوي عن عليّ لا أعلم أن قوله فما زاد فبحساب ذلك من كلام علي أم من كلام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم؟ . وفيه دلالة على أن الذهب والفضة لا وقص فيهما حتى على أنه من كلام علي لأنه مرفوعًا حكمًا (قوله وليس في مال زكاة الخ) المراد بالمال النامي كالمواشي والنقود لأن نماءها يظهر بمضي حول عليها. أما الزرع والثمار فقد أجمعوا على أنه لا يشترط فيها الحول بل تجب فيها الزكاة بمجرد إدراكها أو حصادها على الخلاف في ذلك لقوله تعالى "وآتوا حقه يوم حصاده" وظاهر الحديث يعم كل مال فيشمل الفوائد والأرباح الناتجة من النصاب وما استفاده

حكم الناتج من النصاب والمستفاد أثناء الحول

بنحو هبة أو إرث من جنس النصاب أثناء الحول. أما الأول فقد اتفقوا على أن الناتج من النصاب يتبعه في حوله. وأما الثاني فقد اختلف فيه فذهب الشافعي وأحمد وعطاء وإبراهيم النخعي إلى أنه يتبع الأصل في النصاب لا في الحول، بل يستقبل به حول جديد سواء أكان الأصل نعما أم غيرها. فمن كان عنده ثلاثون من البقر ومضى عليها نصف حول ثم استفاد بغير نتاج عشرة، فإذا تم حول الثلاثين لزم فيها تبيع وإذا تم حول الفائدة وجب فيها ربع مسنة أو ثلث تبيع. وهذا هو المروي عن أبي بكر وعليّ وابن عمر وعائشة. ومن كان عنده مائتا درهم مضى عليها تسعة أشهر ثم استفاد مائة أخرى زكى كلا عند تمام حوله. وقال الحسن البصري وأبو حنيفة وأصحابه يضم المستفاد من جنس نصاب إليه ويكون تابعًا له في الحول والنصاب سواء أكانت الفائدة حاصلة بهبة أو ميراث أو شراء أو نتاج أو غير ذلك فتزكى الفائدة مع الأصل لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أوجب في خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين من الإبل بنت مخاض، فإذا زارت واحدة ففيها بنت لبون من غير تفصيل بين الزيادة في أول الحول أو في أثنائه، ولأن المستفاد يضم إلى جنسه في النصاب اتفاقًا، فوجب ضمه إليه في الحول كالنتاج ولأنه إذا ضم المستفاد من النصاب وهو سبب فضمه إلى الأصل في الحول الذي هو شرط أولى. وذلك أنه لو كان عنده مائتا درهم مضى عليها نصف حول ثم وهب له مائة أخرى فإن الزكاة تجب في هذه المائة إذا تم حولها اتفاقًا ولولا المائتان ما وجبت الزكاة في المائة. فإذا ضمت إلى المائتين في أصل الوجوب فكذلك في وقته ولأن إفراد المستفاد بالحول يفضى إلى تجزئة الواجب في النعم وإلى اختلاف أوقات وجوب الزكاة وإلى وجوب القدر اليسير الذي لا يتمكن من إخراجه ثم يتكرر ذلك في كل حول وهذا حرج مرفوع بقوله تعالى "ما جعل عليكم في الدين من حرج" وقد اعتبر الشارع دفع الحرج بإيجابه غير الجنس فيما دون خمس وعشرين من الإبل فجعل فيها الغنم، وبشرع الوقص في السائمة وضم الأرباح والنتاج إلى حول الأصل فدل ذلك على أن العلة دفع الحرج فيجب أن تتعدى إلى محل النزاع. ووافق مالك أبا حنيفة في النعم فقال: يضم المستفاد منها إلى جنسه إذا كان الأصل نصابًا ويزكي معه في حوله دفعًا لتجزئة الواجب، ووافق الشافعي وأحمد في الذهب والفضة فقال: إن المستفاد منهما يضم إلى الأصل في النصاب لا في الحول. بل يستقبل به حول جديد. ومما تقدم يعلم أنهم اتفقوا على أن الربح والنتاج يضمان إلى الأصل إذا كان نصابًا ولا يستأنف له حول لتعذر تميزه وضبط أوقات وجوده فجعل تبعًا للأصل إلا المالكية فإنهم قالوا يضم النتاج إلى الأصل وإن لم يبلغ نصابًا (قوله إلا أن جريرا قال ابن وهب الخ) في الكلام تقديم وتأخير والأصل قال ابن وهب إلا أن جريرًا الخ، فجرير اسم أن وجملة يزيد خبرها، وقال ابن وهب معترض بين اسم أن وخبرها. وغرض المصنف بهذا بيان أن قوله وليس في مال

المذاهب في زكاة الخيل

زكاة الخ انفرد جرير عن ابن إسحاق برفعه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وقد ثبت اشتراط الحول في غير حديث جرير. فقد روى الدارقطني من طريق هشام بن عبد الملك ثنا بقية عن أسماعيل عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لا زكاة في مال امرئ حتى يحول عليه الحول. ورواه أيضًا عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: ليس في المال زكاة حتى يحول عليه الحول. ورراه عن أنس قال: إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول. ورواه أيضًا من عدة طرق مرفوعًا وموقوفًا (فقه الحديث) دل الحديث على أن نصاب الففة مائتا درهم. وعلى أن نصاب الذهب عشرون مثقالًا. وعلى أن الواجب فيهما ربع العشر خمسة دراهم في الفضة ونصف دينار في الذهب. والمعتبر في كل الوزن لا القيمة على قول الجمهور خلافًا لما زعمه طاوس من أنه يعتبر في نصاب الذهب التقويم بالفضة فما بلغ منه ما يقوم بمائتي درهم وجبت فيه الزكاة وإلا فلا لأن الحديث يرده. ودل أيضًا على أن شرط وجوب الزكاة حولان الحول. وهذا في غير الزروع والثمار كما تقدم. وعلى أنه لا وقص في الذهب والفضة (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "قَدْ عَفَوْتُ عَنِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ وَلَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ شَيْءٌ فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ". (ش) (أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله الواسطي. و (أبو إسحاق) السبيعي (قوله قد عفوت عن الخيل والرقيق) أي تجاوزت لكم عن الزكاة فيهما. وفي رواية ابن ماجه تجوزت لكم عن صدقة الخيل والرقيق. والحديث يدل على عدم وجوب الزكاة في الخيل والرقيق مطلقًا. فإن أن في كل من الخيل والرقيق للجنس. وإلى ذلك ذهب مالك وأصحابه والشافعي والحنابلة وأبو يوسف ومحمد. وهو قول علي وابن عمر والشعبي وعطاء والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وكثيرين واستدلوا أيضًا بما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة "ليس على المسلم صدقة في عبده ولا فرسه" وبما سيأتي للمصنف في "باب صدقة الرقيق" ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر في الرقيق. وفي رواية عند مسلم ليس للعبد صدقة إلا صدقة الفطر. وقال أبو حنيفة وزفر

الواجب في الخيل عند من قال فيها زكاة

وحماد بن أبي سلمان وزيد بن ثابت تجب الزكاة في الخيل إذا كانت ذكورًا وإناثًا سائمة وصاحبها بالخيار إن شاء أعطى عن كل فرس دينارًا وإن شاء قومها وأعطى ربع العشر عن كل مائتي درهم خمسة دراهم وعن كل عشرين دينارًا نصف دينار. ولا نصاب فيها عند أبي حنيفة في المشهور عنه وقيل نصابها ثلاثة أو خمسة. وأما المذكور الخلص والإناث الخلص ففيهما روايتان عن أبي حنيفة والراجح عدم وجوبها في المذكور ووجوبها في الإناث. واستدلوا بما أخرجه الدارقطني والبيهقي في السنن عن الليث بن حماد والاصطخري ثنا أبو يوسف عن غورك بن الخضرم أبي عبد الله عن جعفر ابن محمَّد عن أبيه عن جابر قال. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: في الخيل السائمة في كل فرس دينار. قال الدارقطني تفرد به غورك وهو ضعيف جدًا ومن دونه ضعفاء اهـ قال البيهقي لو كان هذا الحديث صحيحًا عند أبي يوسف لم يخالفه. وبما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر الخيل فقال "ورجل ربطها تغنيًا وتعففًا ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي لذلك ستر" لكنه ليس نصًا في الزكاة بل محتمل للزكاة وللجهاد عليها في سبيل الله وإعارتها وحمال المنقطعين عليها فلا يصلح دليلًا لهم. واستدلوا أيضًا بما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جرج أخبرني عمرو بن دينار أن جبير بن يعلى أخبره أنه سمع يعلى بن أمية يقول: ابتاع عبد الرحمن بن أمية أخو يعلي بن أمية من رجل من أهل اليمن فرسًا أنثى بمائة قلوص فندم البائع فلحق بعمر فقال غصبني يعلى وأخوه فرسًا لي فكتب إلى يعلى أن الحق بي فأتاه فأخبره الخبر فقال: إن الخيل ليبلغ هذا عندكم ما علمت أن فرسًا يبلغ هذا. فنأخذ من كل أربعين شاة، ولا نأخذ من الخيل شيئًا. خذ من كل فرس دينارًا فقرر على كل فرس دينارًا. لكن ذلك اجتهاد من عمر فلا يكون حجة. على أنه قد روي عن عمر رضي الله عنه أنه خير أهل الشام في دفع زكاة خيلهم. فقد روى مالك عن الزهري عن سليمان بن يسار أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة بن الجراح خذ من خيلنا ورقيقنا صدقة فأبى ثم كتب إلى عمر فأبى عمر، ثم كلموه أيضًا فكتب إلى عمر فكتب إليه عمر إن أحبوا فخذها منهم وارددها عليهم وارزق رقيقهم. ففي امتناع أبي عبيدة وعمر أولًا من أخذ الزكاة من أهل الشام في خيلهم ورقيقهم دليل واضح على أنه لا زكاة فيهما وإلا فما كان ينبغي أن يمتنع مما أوجب الله أخذه. ومحل الخلاف إذا لم تكن الخيل للركوب والعبد للخدمة ولا للتجارة فإن كانت الخيل للركوب والعبد للخدمة فلا زكاة فيها اتفاقًا. وإن كانت للتجارة ففيها الزكاة عند عامة العلماء إلا الظاهرية فلا زكاة فيها مطلقًا عندهم: ولا زكاة في الحمير إذا لم تكن للتجارة لما رواه أحمد عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الحمير فيها زكاة؟ فقال ما جاءني فيها شيء إلا هذه الآية الفاذة "الجامعة" "فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره"

روايات أخر لحديث علي رضي الله عنه في عدم الزكاة في الخيل والرقيق

(فقه الحديث) دل الحديث زيادة على ما تقدم على عدم وجوب الزكاة في الخيل والرقيق (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي من طريق سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: قد عفوت عن الخيل والرقيق فأدوا زكاة أموالكم من كل مائتين خمسة. وأخرجه ابن ماجه بلفظ تقدم. وأخرجه الطحاوي من عدة طرق (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ كَمَا قَالَ أَبُو عَوَانَةَ (ش) أي روى الحديث المذكور سليمان الأعمش عن أَبي إسحاق السبيعي عن عاصم مرفوعًا إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما رواه أبو عوانة الوضاح (وحديث الأعمش) قد وصله الدارقطني قال: ثنا محمَّد بن قاسم بن زكريا ثنا أبو كريب قال عبد الله بن نمير عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. عفوت لكم عن الخيل والرقيق وليس فيما دون المائتين "من الفضة" زكاة (ص) وَرَوَاهُ شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ. (ش) أي روى هذا الحديث مرفوعًا أيضًا شيبان بن عبد الرحمن أبو معاوية النحوي وإبراهيم بن طهمان كلاهما عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور: ورواية إبراهيم ابن طهمان أخرجها الطحاوي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَى حَدِيثَ النُّفَيْلِيِّ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ لَمْ يَرْفَعُوهُ أَوْقَفُوهُ عَلَى عَلِيٍّ. (ش) أي روى حديث عبد الله بن محمَّد النفيلي الذي تقدم عن زهير مرفوعًا شعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وغيرهما من طريق الحارث الأعور فقط موقوفًا على عليّ. وفي بعض النسخ "قال أبو داود" وروى حديث النفيلي الخ. والحاصل أن حديث النفيلي السابق رواه أبو إسحاق عن عاصم مرفوعًا وموقوفًا، ورواه عن الحارث مرفوعًا فقط. وكان الأولى ذكر هذه العبارة عقب حديث النفيلي. ولعل ذكرها هنا سهو من النساخ (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ أَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ ح وَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ

أقوال العلماء في العقوبة بالمال

أَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "فِي كُلِّ سَائِمَةِ إِبِلٍ فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَلاَ يُفَرَّقُ إِبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا". قَالَ ابْنُ الْعَلاَءِ "مُؤْتَجِرًا بِهَا". "فَلَهُ أَجْرُهَا وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ لآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ". (ش) (الرجال) (حماد) بن سلمة. و (أبو أسامة) حماد بن أسامة. و (أبو بهز) حكيم بن معاوية بن حيدة بفتح الحاء المهملة وسكون الياء المثناة القشيري. روى عن أبيه. وعنه بنوه بهز وسعيد ومهران وسعيد بن أبي إياس. وثقه العجليّ وقال النسائي لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق من الثالثة. و(جد بهز) معاوية بن حيدة بن معاوية بن قشير القشيري. روى عن النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابن حكيم وعروة بن رويم اللخمي وحميد اليزني. قال ابن سعد وفد على النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم وصحبه وسأله عن أشياء وروى عنه أحاديث. وقال محمَّد بن السائب الكلبي أخبرنا أبي أنه أدركه بخراسان وقد غزا خراسان ومات بها. روى له أبو داود والترمذي والنسائي (المعنى) (قوله في كل سائمة إبل) أي في كل أربعين من الإبل السائمة بنت لبون. وهو محمول عند الجمهور على ما إذا زادت الإبل على مائة وعشرين وعند الحنفية على ما بعد مائة وخمسين. فلا ينافي ما تقدم من أن بنت اللبون تكون في ست وثلاثين إلى خمس وأربعين. فإن ذاك محمول على مبدأ العدد أو أن اسم العدد لا مفهوم له. فقول المصنف في كل أربعين بدل من قوله في كل سائمة (قوله لا يفرق إبل عن حسابها) أي لا يفرق أحد الخليطين إبله عن إبل صاحبه فرارًا من الصدقة. فقوله عن حسابها أي عن مقدارها وعددها الذي تجب فيه الزكاة كما إذا كان لأحد الخليطين ثلاث من الإبل وللآخر اثنان فإن في مجموعها شاة ولو فرقاها لا يجب عليهما شيء (قوله من أعطاها مؤتجرا الخ) أي من أدى الزكاة طيبة بها نفسه طالبًا أجرها من الله تعالى أعطاه ثوابها. وزاد ابن العلاء في روايته لفظ بها فقال: من أعطاها مؤتجرا بها (قوله ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله) أي من منع الزكاة أخذت منه وأخذ نصف ماله عقوبة له على منع الزكاة. وشطر بالنصب عطف على الضمير في آخذوها باعتبار محله. (وإلى جواز) العقوبة بالمال ذهب الإِمام يحيى والشافعي في القديم والهادوية وأحمد وإسحاق وقد قيل لا خلاف في ذلك بين أهل البيت أخذًا بظاهر هذا الحديث. وبحديث عمر مرفوعًا: إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه. أخرجه المصنف في "باب عقوبة الغال" من كتاب الجهاد

الجواب عن أدلة من قال بمشروعية العقوبة المالية

وبحديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبا بكر وعمر أحرقوا متاع الغال وضربوه. أخرجه الحاكم والبيهقي والمصنف في الباب المذكور وبحديث سعد ابن أبي وقاص قال سمعت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: من وجدتموه يصيد فيه "يعني في حرم المدينة" فخذوا سلبه. أخرجه مسلم. وبحديث ابن عمرو أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سئل عن الثمر المعلق فقال: من أصاب بفيه من ذى حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه. ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة. ومن سرق منه شيئًا بعد أن يؤديه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع. أخرجه المصنف في "باب ما لا قطع فيه" من كتاب الحدود. والخبنة بضم المعجمة وسكون الموحدة معطف الإزار وطرف الثوب: أي لا يأخذ معه في ثوبه. وذهب الجمهور إلى أن العقوبة بالمال غير مشروعة لا فرق في ذلك بين مانع الزكاة والغال في الصدقة والغنيمة وغيرهما. وأجابوا عن حديث بهز بأنه لم يثبت: فقد قال الشافعي ليس بهز حجة، وهذا الحديث لا يثبته أهل العم بالحديث ولو ثبت لقلنا به اهـ وسئل عنه أحمد فقال لا أدري ما وجهه اهـ ودعوى أنه منسوخ غير مسلمة. قال الحافظ في التلخيص قال البيهقي وغيره حديث بهز هذا منسوخ. وتعقبه النووي بأن الذي ادعوه من كون العقوبة كانت بالأموال في الأموال أول الإِسلام ليس بثابت ولا معروف. ودعوى النسخ غير مقبولة مع الجهل بالتاريخ اهـ "وأما" قول الحربي وابن حجر إنه لا دليل في حديث بهز على جواز العقوبة بالمال لأن الرواية وشطر ماله بالبناء للمجهول أي جعل ماله شطرين ويخير الساعي فيأخذ الصدقة من خير الشطرين عقوبة لمنعه الزكاة ولا يلزمه مال فوق الواجب "فقد" رده النووي وغيره بأن الأخذ من خير الشطرين عقوبة مالية لأن الواجب الوسط بلا خيار. وأجابوا عن حديث عمر بأنه لا يصلح للاحتجاج به، فإن في سنده صالح بن محمَّد بن زائدة المدينيّ. قال فيه البخاري منكر الحديث. وقال أبو داود والنسائي ليس بالقوي وضعفه غير واحد. وقال الحافظ في تهذيب التهذيب بعد ذكر الحديث في ترجمة صالح المذكور لا يتابع عليه. وقال الدارقطني أنكروه على صالح ولا أصل له. ومثله حديث ابن عمرو الأول فإن في سنده زهير بن محمَّد وهو مجهول. (وأجابوا) عن حديث سعد بن أبي وقاص بأنه من باب الفدية كما تجب على من يصيد صيد مكة فهو وارد علي سبب خاص الذي هو التعدي على صيد حرم المدينة فلا يتجاوزه إلى غيره. وكذا قوله في حديث ابن عمر والأخير "ومن خرج بشيء منه" أي من الثمر (فعليه غرامة مثليه) وارد علي سبب خاص فلا يتعداه إلى غيره فهو مما ورد علي خلاف القياس فيقتصر فيه على محل الورود. وإلا فقد دل الكتاب والسنة على تحريم مال الغير قال الله تعالى (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ) وفي حديث حجة الوداع "إنما دماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام" وفي حديث لمسلم كل

من له ولاية قبض الزكاة. زكاة البقر

المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه. وحديث الباب لو صح يكون كغيره فلا يدل إلا على عقوبة مانع الزكاة بخصوصه لا غير. ولا يلحق بالزكاة غيرها لأنه قياس في مقابلة النص القاطع الدال على حرمة مال المسلم ودمه. وقد خالف هذه الأدلة القطعية أكثر أولى الأمر في هذا العصر واسترسلوا في العقوبة بالأموال استرسالًا ينكره العقل والشرع، وأكثرهم جهال لا يعرفون شيئًا من أمر الدين. لا همّ لهم إلا قبض المال من كل من لهم عليه ولاية، ويدعون إنه من باب التأديب ولايصرفونه إلا في حاجاتهم. وكل هذا حرام معلوم حرمته من الدين بالضرورة فإنه من أكل أموال الناس بالباطل. وقد شب عليه الصغير وشاب عليه الكبير واستحكم الأمر ولا منكر ولا مزيل لهذا الشر فلا حول ولا قوة إلا باللهِ (قوله عزمة من عزمات ربنا) عزمة منصوب على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف أي عزم الله علينا ذلك عزمة. ويجوز رفعه على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي ذلك عزمة. والعزمة في اللغة الجد في الأمر. والمراد بها هنا الحق الواجب. وعزمات الله حقوقه وواجباته (قوله ليس لآل محمَّد منها شيء) أي أن الزكاة حق من حقوق الله تعالى ليس لآل محمَّد فيها نصيب (فقه الحديث) دل الحديث على أنه لا زكاة في المعلوفة. وعلى نهي الخليطين عن تفريق الإبل رغبة في عدم الصدقة أو قلتها. وعلى الترغيب في إخلاص النية في إعطائها ابتغاء مرضاة الله تعالى. وعلى أنه يجوز للإمام أن يأخذ الزكاة قهرًا إذا امتنع من أدائها رب المال. وحينئذ يكتفي بنية الإِمام أو نائبه وتجزئ من هي عليه وإن فاته الأجر. وعلى أن ولاية قبض الزكاة إلى الإِمام أو نائبه. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي. وعلى أنه يجوز للإمام أن يعاقب بأخذ المال وتقدم ما فيه. وعلي أن الزكاة لا تحل لآل النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي والحاكم والبيهقي وفي سنده بهز بن حكيم وهو متكلم فيه كما تقدم (ص) حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْبَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلاَثِينَ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ -يَعْنِي مُحْتَلِمًا- دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مِنَ الْمَعَافِرِ ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ. (ش) (النفيلي) عبد الله بن محمَّد. و (أبو معاوية) محمَّد بن حازم الضرير

الخلاف في استواء المسن والمسنة في زكاة البقر

و (الأعمش) سليمان بن مهران. و (أبو وائل) شقيق بن سلمة (قوله لما وجهه إلى اليمين) أي أرسله إليها عاملًا على الزكاة وغيرها (قوله أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعًا أو تبيعة) تقدم أن التبيع ما له سنة ودخل في الثانية. ولا فرق هنا بين الذكر والأنثى. قال الخطابي يشبه أن يكون ذلك لقلة هذا النصاب وانحطاط هذا النوع من الحيوان فيسوغ لهم إخراج الذكر منه ما دام قليلًا إلى أن يبلغ كمال النصاب وهو الأربعون اهـ يعني فتتعين الأنثى وهي المسنة. وتقدم أن هذا عند غير الحنفية. أما الحنفية فسووا بين الذكر والأنثى في جميع أنصبة البقر لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال في كل ثلاثين في البقر تبيع أو تبيعة وفي كل أربعين مسنة أو مسن رواه الطبراني. والحكمة في ذلك التقارب بين الذكر والأناث في الغنم والبقر وتباين ما بينهما في الإبل (قوله من كل حالم الخ) أي بالغ بالسن أو غيره وهو المراد بقوله يعني محتلمًا. والمعنى أمره أن يأخذ من كل بالغ ذكر من أهل الذمة دينارًا جزية. وفيه دلالة على أنه لا جزية إلا على الرجال البالغين من أهل الذمة. ولم يصرح في الحديث به لكونه معلومًا. ويأتي تمام الكلام على ذلك في "باب الجزية" إن شاء الله تعالى (قوله أو عدله من المعافر) وفي بعض النسخ من المعافري وفي بعضها زيادة قوله والمعافر ثياب الخ أي ما يعادل قيمة الدينار من ثياب باليمن وعدل بفتح العين المهملة وكسرها المثل. وقيل بالفتح ما عادل الشيء من غير جنسه وبالكسر ما عادله من جنسه وقيل العكس. ومعافر بوزن مساجد موضع باليمن أو حيّ من همدان باليمن تنسب إليها الثياب (فقه الحديث) دل الحديث على أن زكاة البقر لا تجب في أقل من الثلاثين وهو مذهب الجمهور. وقال سعيد بن المسيب والزهري "يجب في كل خمس شاة قياسًا على الإبل. ورد بأن النصاب لا يثبت بالقياس وأنه لا قياس مع النص. ففي رواية النسائي من حديث معاذ. قال أمرني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين بعثني إلى اليمن أن لا آخذ من البقر شيئًا حتى تبلغ ثلاثين (الحديث) وعلى أن الجزية إنما تؤخذ من الذكر البالغ دينارًا أو قيمته، (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والترمذي وقال حديث حسن (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالنُّفَيْلِيُّ وَابْنُ الْمُثَنَّى قَالُوا أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ نَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ. (ش) (ابن المثنى (محمَّد. و (إبراهيم) بن ييزيد النخعي. و (مسروق) بن الأجدع (قوله مثله) أي مثل الحديث المتقدم ولفظه كما في النسائي عن معاذ قال: لما بعثه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى اليمن أمره أن يأخذ من ثلاثين من البقر تبيعًا أو تبيعة ومن أربعين

مسنة ومن كل حالم دينارًا أو عدله معافر اهـ. وأعلّ ابن حزم هذه الرواية بأن، مسروقًا لم يسمع من معاذ ثم رجع وقال ابن القطان ينبغي أن يحكم على حديثه بالاتصال على رأي الجمهور اهـ لأن مسروقًا كان في أيام معاذ باليمن فاللقاء ممكن بينهما. وقال ابن عبد البر في التمهيد وإسناده متصل صحيح ثابت اهـ ومنه تعلم وهم عبد الحق في نقله عن ابن عبد البر أنه قال إن مسروقًا لم يلق معاذًا (ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ نَا أَبِي عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْيَمَنِ فَذَكَرَ مِثْلَهُ لَمْ يَذْكُرْ ثِيَابًا تَكُونُ بِالْيَمَنِ. وَلاَ ذَكَرَ يَعْنِي مُحْتَلِمًا. (ش) ساق المصنف هذه الرواية لبيان أن حديث معاذ كما رواه أَبو وائل عن معاذ بلا واسطة رواه مسروق عنه بواسطة والظاهر أن أبا وائل سمع الحديث منهما جميعًا. و (سفيان) الثوري (قوله فذكر مثله) أي ذكر مثل حديث أبي وائل عن معاذ غير أنه لم يذكر فيه تفسير معافر وهو ثياب تكون باليمن ولا تفسير حالم بقوله يعني محتلمًا: ولفظه كما في الترمذي والدارقطني والحاكم قال: بعثه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعًا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة ومن كل حالم دينارًا أو عدله معافر. قال الترمذي حديث حسن. ورواه بعضهم عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعث معاذًا إلى اليمن فأمره أن يأخذ وهذا أصح اهـ أي أن روايته مرسلًا أصح من روايته متصلًا لما قيل من أن مسروقًا لم يلق معاذًا. وتقدم أنه كان في أيام معاذ فاللقاء ممكن بينهما ولذا حكم الجمهور باتصاله. وكأن الترمذي يرى رأي البخاري من أنه لا بد من تحقيق اللقاء فلذا رجح الإرسال (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ جَرِيرٌ وَيَعْلَى وَمَعْمَرٌ وَشُعْبَةُ وَأَبُو عَوَانَةَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ -قَالَ يَعْلَى وَمَعْمَرٌ- عَنْ مُعَاذٍ مِثْلَهُ. (ش) (يعلي) بن عبيد تقدم بالرابع ص 320. و (معمر) بن راشد. و (شعبة) بن الحجاج و (أبو عوانة) الوضاح (قوله قال يعلى ومعمر الحب الخ) يعني أنهما رويا الحديث عن الأعمش متصلًا بذكر معاذ أما الباقون فرووه مرسلًا (ورواية يعلى) أخرجها النسائي بسنده إلى معاذ قال بعثنى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأمرني أن آخذ من كل أربعين بقرة ثنية. ومن كل ثلاثين تبيعًا ومن كل حالم دينارًا أو عدله معافر (ورواية معمر) أخرجها الدارقطني ولم نقف على من

وصل بقية التعاليق. والحاصل أن هذا الحديث روي عن الأعمش من عدة طرق متصلًا ومرسلًا وصحح الترمذي إرساله وقد علمت ما فيه (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ هِلاَلِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ مَيْسَرَةَ أَبِي صَالِحٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ سِرْتُ أَوْ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ سَارَ مَعَ مُصَدِّقِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "أَنْ لاَ تَأْخُذْ مِنْ رَاضِعِ لَبَنٍ وَلاَ تَجْمَعْ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلاَ تُفَرِّقْ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ". وَكَانَ إِنَّمَا يَأْتِي الْمِيَاهَ حِينَ تَرِدُ الْغَنَمُ فَيَقُولُ أَدُّوا صَدَقَاتِ أَمْوَالِكُمْ. قَالَ فَعَمَدَ رَجُلٌ مِنْهُمْ إِلَى نَاقَةٍ كَوْمَاءَ -قَالَ- قُلْتُ يَا أَبَا صَالِحٍ مَا الْكَوْمَاءُ قَالَ عَظِيمَةُ السَّنَامِ -قَالَ- فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا قَالَ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَأْخُذَ خَيْرَ إِبِلِي. قَالَ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا قَالَ فَخَطَمَ لَهُ أُخْرَى دُونَهَا فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا ثُمَّ خَطَمَ لَهُ أُخْرَى دُونَهَا فَقَبِلَهَا وَقَالَ إِنِّي آخِذُهَا وَأَخَافُ أَنْ يَجِدَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ لِي عَمَدْتَ إِلَى رَجُلٍ فَتَخَيَّرْتَ عَلَيْهِ إِبِلَهُ. (ش) (رجال الحديث) (ميسرة أبي صالح) الكوفي. روى عن علي بن أبي طالب وسويد بن غفلة. وعنه عطاء بن السائب وسلمة بن كهيل وهلال بن خباب. ذكره ابن حبان في الثقات. وقال في التقريب مقبول من الثالثة. و(سويد بن غفلة) بفتح الغين المعجمة والفاء ابن عوسجة بن عامر أبو أمية الجعفي الكوفي. ذكره ابن قانع في الصحابة. قال الحافظ في تهذيب التهذيب قيل إنه صلى مع النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا يصح. وقدم المدينة حين نفضت الأيدي من دفن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهذا أصح اهـ روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وغيرهم من الصحابة. وعنه إبراهيم. النخعي والشعبي وسلمة بن كهيل وإبراهم بن عبد الأعلى وجماعة. وثقه ابن معين والعجليّ. توفي سنة ثمانين أو اثنتين وثمانين. روى له الجماعة (المعنى) (قوله قال سرت أو قال أخبرني الخ) بالشك من ميسرة والأول أرجح. وقوله فإذا في عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعني في كتابه ويؤيده الرواية الآتية عن سويد. قال أتانا مصدق النبي على الله تعالى

لا يؤخذ صغير النعم ولا خيارها في الزكاة الخلاف في زكاة الصغار منها

عليه وعلى آله وسلم فأخذت بيده وقرأت في عهده أي كتابه. فأفادت أن الذي سار مع المصدق سويد وأن المراد بالعهد الكتاب خلافًا لما قاله بعضهم من أن المراد به زمانه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله ألا تأخذ من راضع لبن) أي لا تأخذ صغيرًا يرضع اللبن. ونهاه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن أخذ الصغير لأنه يضر بمصلحة الفقراء فإن حقهم في الأوساط، ويحتمل أن الكلام على حذف مضاف أي لا تأخذ ذات راضع لبن والمراد ذات الدر لأنها من خيار المال. ومن زائدة على الاحتمالين. ويحتمل أن المراد لا تعد الصغار في نصاب الزكاة. وعليه يكون الحديث حجة لأبي حنيفة ومحمد في أن الصغار من الإبل والغنم والبقر لا زكاة فيها استقلالًا فلو ملك خمسًا وعشرين من الإبل وقد وضعت خمسًا وعشرين فصيلًا ومات الكبار كلها قبل تمام الحول وتم على الصغار فلا زكاة فيها. أما لو بقي من الكبار ولو واحدة فإنها تزكى تبعًا للأصل لا قصدًا وعند أبي يوسف يجب في الصغار واحدة منها إذا تم لها حول (قوله وكان إنما يأتي المياه حين ترد الغنم) وكذا غيرها من المواشي أي وكان العامل يأتي موارد المياه لما فيه من السهولة عليه في جمع الصدقة (وقوله فحطم له أخرى دونها) أي قاد له ناقة بخطامها أقل من الأولى. والخطام الحبل الذي تقاد به الناقة (قوله وأخاف أن يجد على رسول الله الخ) أي يغضب عليّ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أخذها قائلًا قصدت إلى رجل فتخيرت عليه أي أخذت خير إبله. ولعل التي أخذها كانت فوق الوسط المأمور بأخذه في الزكاة (فقه الحديث) دل الحديث على أن الصغير من النعم والخيار منها لا يؤخذان في الزكاة. وعلى النهي عن جمع المفترق أو تفريق المجتمع خشية الصدقة على ما تقدم بيانه (والحديث) أخرجه أيضًا الدارقطني من طريق عباد بن العوام (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ هُشَيْمٌ عَنْ هِلاَلِ بْنِ خَبَّابٍ نَحْوَهُ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ "لاَ يُفَرِّقْ". (ش) أي روى الحديث هشيم بن. بشير عن هلال عن ميسرة بنحو رواية أبي عوانة عن هلال إلا أن هشيمًا قال في روايته لا يفرق بين مجتمع بياء الغائب. وفي رواية أبي عوانة لا تفرق بتاء الخطاب. فعلى رواية أبي عوانة يكون الخطاب والنهي للمصدق. وعلى رواية هشيم يكون النهي لرب المال عن تفريق المجتمع (وهذا التعليق) وصله الدارقطني قال حدثنا الحسين بن إسماعيل ثنا أبو حميد الجلاب أحمد بن أبي إدريس ثنا هشيم عن هلال بن خباب عن أبي صالح ميسرة عن سويد ابن غفلة قال: أتانا مصدق النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقعدت إليه فقلت إيش في كتابك؟ فقال ألا أفرق بين مجتمع ولا أجمع بين متفرق فأتاه رجل بناقة كوماء فأبى أن يقبلها. وأخرجه النسائي بنحوه إلا أنه أتى بنون الجمع في الأفعال الثلاثة

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ نَا شَرِيكٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي لَيْلَى الْكِنْدِيِّ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ أَتَانَا مُصَدِّقُ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَقَرَأْتُ فِي عَهْدِهِ "لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ". وَلَمْ يَذْكُرْ "رَاضِعَ لَبَنٍ". (ش) (الرجال) (شريك) بن عبد الله النخعي. و (عثمان بن أبي زرعة) هو عثمان ابن المغيرة تقدم بالسادس ص 219. و(أبو ليلى الكندي) سلمة بن معاوية. وقيل معاوية ابن سلمة الكوفي. روى عن سلمان الفارسي وعثمان وأم سلمة وخباب بن الأرت وغيرهم وعنه أبو إسحاق السبيعي وعثمان بن أبي زرعة وأبو جعفر الفراء وعبد الملك بن سليمان. قال ابن معين ثقة مشهور ووثقه العجلي وفي التقريب ثقة من الثانية. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه (المعنى) (قوله قرأت في عهده) أي في كتابه كما صرح به في رواية الدارقطني (قوله ولم يذكر راضع لبن) أي لم يذكر أبو ليلى الكندي في روايته النهى عن أخذ راضع اللبن (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه بلفظ: جاءنا مصدق النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخذت بيده وقرأت في عهده: لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة فأتاه رجل بناقة عظيمة ململة فأبى أن يأخذها، فأتاه بأخرى دونها فأخذها وقال: أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد أخذت خيار إبل رجل مسلم؟ وقوله ململمة أي مستديرة سمنا من اللحم. ورواه الدارقطني أيضًا وفيه: فأتاه رجل بناقة عظيمة حسناء ململمة فأبى أن يأخذها. وقال ما عذري عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أخذت هذه من مال رجلٍ مسلم؟ (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا وَكِيعٌ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ الْمَكِّيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيِّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ ثَفِنَةَ الْيَشْكُرِيِّ -قَالَ الْحَسَنُ رَوْحٌ يَقُولُ مُسْلِمُ بْنُ شُعْبَةَ- قَالَ اسْتَعْمَلَ نَافِعُ بْنُ عَلْقَمَةَ أَبِي عَلَى عِرَافَةِ قَوْمِهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُمْ قَالَ فَبَعَثَنِي أَبِي فِي طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَأَتَيْتُ شَيْخًا كَبِيرًا يُقَالُ لَهُ سَعْرُ بْنُ دَيْسَمٍ فَقُلْتُ إِنَّ أَبِي بَعَثَنِي إِلَيْكَ -يَعْنِي لأُصَدِّقَكَ- قَالَ ابْنَ

رغبة السلف في التصدق بأحب مالهم

أَخِي وَأَيَّ نَحْوٍ تَأْخُذُونَ قُلْتُ نَخْتَارُ حَتَّى إِنَّا نَتَبَيَّنُ ضُرُوعَ الْغَنَمِ. قَالَ ابْنَ أَخِي فَإِنِّي أُحَدِّثُكَ أَنِّي كُنْتُ فِي شِعْبٍ مِنْ هَذِهِ الشِّعَابِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي غَنَمٍ لِي فَجَاءَنِي رَجُلاَنِ عَلَى بَعِيرٍ فَقَالاَ لِي إِنَّا رَسُولاَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْكَ لِتُؤَدِّيَ صَدَقَةَ غَنَمِكَ. فَقُلْتُ مَا عَلَيَّ فِيهَا فَقَالاَ شَاةٌ. فَأَعْمِدُ إِلَى شَاةٍ قَدْ عَرَفْتُ مَكَانَهَا مُمْتَلِئَةً مَحْضًا وَشَحْمًا فَأَخْرَجْتُهَا إِلَيْهِمَا. فَقَالاَ هَذِهِ شَاةُ الشَّافِعِ وَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَأْخُذَ شَافِعًا. قُلْتُ فَأَيَّ شَيْءٍ تَأْخُذَانِ قَالاَ عَنَاقًا جَذَعَةً أَوْ ثَنِيَّةً. قَالَ فَأَعْمِدُ إِلَى عَنَاقٍ مُعْتَاطٍ. وَالْمُعْتَاطُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ وَلَدًا وَقَدْ حَانَ وِلاَدُهَا فَأَخْرَجْتُهَا إِلَيْهِمَا فَقَالاَ نَاوِلْنَاهَا. فَجَعَلاَهَا مَعَهُمَا عَلَى بَعِيرِهِمَا ثُمَّ انْطَلَقَا. (ش) (رجال الحديث) (وكيع) بن الجراح. و (عمرو بن أبي سفيان) بن عبد الرحمن بن صفوان. روى عن عبد الله بن الزبير وجابر بن سعد وأمية بن صفوان. وعنه ابن جريج والثوري وابن المبارك: وزكريا بن إسحاق. وثقه ابن معين والنسائي وقال أبو حاتم مستقيم الحديث. روى له أبو داود والنسائي والترمذي. و(الجمحي) بضم الجيم وفتح الميم نسبة إلى جمح بن عمرو. و(مسلم بن ثفنة) بفتح الثاء المثلثة وكسر الفاء. وقيل بفتحها. روى عن سعر الدؤلي. وعنه عمرو بن أبي سفيان الجمحي. قال الذهبي لا يعرف وذكره ابن حبان في الثقات. وقال أحمد وغيره كان عريف قومه ولفضله استعمله نافع في علقمة على عراقة قومه ليصدقهم. وقال في التقريب حجازي مقبول من الثالثة. روى له أبو داود والنسائي (قوله قال الحسن الخ) أي قال الحسن بن علي الخلال شيخ المصنف: روح بن عبادة أحد شيوخ الحسن يقول: مسلم بن شعبة وحاصله أن الحسن بن علي قال في روايته عن وكيع بن الجراح مسلم بن ثفنة. وقال في روايته عن روح ابن عبادة مسلم بن شعبة، وهذا هو الصواب. فالتصحيف وقع فيه من وكيع. قال في تهذيب التهذيب قال روح بن عبادة وغير واحد عن زكريا عن عمرو عن سلم بن شعبة. قال أحمد بن حنبل أخطأ فيه وكيع. وقال النسائي لا أعلم أحد تابع وكيعًا على قوله ابن ثفنة. وقال الدارقطني وهم وكيع والصواب مسلم بن شعبة اهـ. وقال البخاري قال وكيع مسلم بن ثفنة ولا يصح اهـ

الجذع والثني

ورواية روح التي أشار إليها هي الآتية بعد (قوله استعمل نافع بن علقمة أبي علي عراقه قومه) أي قال مسلم بن شعبة جعل نافع بن علقمة أبي رءيسًا على قومه ليتولى مصالحهم ويدبر أمورهم ويجمع صدقاتهم. فنافع فاعل استعمل. والعرافة على التعريف من تدبير أمور القوم وسياستهم والعريف القائم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يتولى أمورهم ويتبين الأمير منه أحوالهم يقال عرفت على القوم أعرف من باب قتل عراقة بكسر العين فأنا عارف (قوله قال فبعثني أبي الخ) أي قال مسلم بن شعبة فأرسلني أبي إلى طائفة منهم. ففي بمعنى إلى. و(سعر) بفتح السين وسكون العين المهملتين آخره راء مهملة كما في تهذيب التهذيب. وضبطه بعض الشراح بكسر السين وسكون العين المهملتين ابن سوادة. ويقال ابن ديسم كما صرح به في بعض النسخ العامري الكناني ويقال الدؤلي. قدم الشام تاجرًا في الجاهلية وأسلم. روى عن مصدقين للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابنه جابر ومسلم بن شعبة. قال الدارقطني له صحبة وذكره ابن حبان في الصحابة (المعنى) (قوله قال ابن أخي) أي يابن أخي فهو على تقدير حرف النداء (قوله وأي نحو تأخذون الخ) يعني أي صنف تأخذون؟ فقال لي مسلم نأخذ الخيار بعد أن نتبين ونختبر ضروعها ونعرف جيدها من رديئها. وفي بعض النسخ حتى إنا نشبر ضروع الغنم أي نقيسها بالشبر ليتبين حالها من شبرت الشيء من باب قتل قسته بالشبر. وفي بعض النسخ نسبر بالسين المهملة وضم الباء الموحدة أي نختبر ونتعرف فهو من باب قتل يقال سبرت الشيء تعرفته (قوله كنت في شعب الخ) بكسر الشين المعجمة أي طريق من هذه الطرق في الجبل (قوله فعمدت إلى شاة الخ) أي قصدت إلى شاة عرفت مكانها وجودتها. وبين ذلك بقوله ممتلئة محضًا أي لبنًا خالصًا وشحمًا. فالمحض بالحاء المهملة والضاد المعجمة اللبن الخالص. وفي بعض النسخ فأعمد بصيغة المضارع من باب ضرب وعبر به استحضارًا للصورة الماضية (قوله هذه شاة الشافع) يعني التي معها ولدها. سميت بالشافع لأن ولدها قد شفعها فصارت معه زوجًا. وقيل هي الحامل التي يتبعها ولد آخر (قوله عناقًا جذعة) أي نأخذ عناقًا موصوفًا بكونه جذعة. والعناق بفتح العين المهملة الأنثى من ولد المعز لم يتم له سنة. والجذع بفتحتين ما ألقى مقدم أسنانه، وقد يكون ذلك لسنة أو دونها. قال في المصباح فالعناق تجذع لسنة وربما أجذعت قبل تمامها للخصب فتسمن فيسرع إجذاعها فهي جذعة. ومن الضأن إذا كان من شابين يجذع لستة أشهر إلى سبعة. وإذا كان من هرمين "بفتح وكسر" أجذع من ثمانية إلى عشرة أشهر اهـ وفي النهاية وأصل الجذع من أسنان الدواب وهو ما كان منها شابًا فتيًا: فهو من الإبل ما دخل في السنة الخامسة. ومن البقر والمعز ما دخل في السنة الثانية. وقيل من البقر ما دخل في الثالثة ومن الضأن ما تمت له سنة. وقيل أقل منها. ومنهم من خالف بعض هذا في التقدير اهـ (قوله أو ثنية) عطف على عناق. والثني من الضأن والمعز ما له

سنة ومن البقر والجاموس ما له سنتان ومن الإبل ما له خمس. وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد ووافقهما مالك في الضأن والمعز والإبل. وقال الثني من البقر والجاموس ما دخل في السنة الرابعة. ووافقهما الشافعي في البقر والإبل. وقال الثني من الضأن والمعز ما دخل في الثالثة كالبقر. قال في النهاية الثنية من الغنم ما دخلت في السنة الثالثة ومن البقر كذلك ومن الإبل في السادسة والذكر ثني. وعلى مذهب أحمد ما دخل من المعز في الثانية ومن البقر في الثالثة اهـ أقول خلاف الأئمة في ذلك دليل على أنه مختلف فيه لغة فقال كل بما ترجح عنده (قوله والمعتاط التي لم تلد ولدًا الخ) يعني لم تحمل وقد حان أوان حملها. وفي النهاية المعتاط من الغنم التي امتنعت عن الحمل لسمنها وكثرة شحمها اهـ وقال: والذي جاء في سياق الحديث أن المعتاط التي لم تلد وقد حان ولادها. وذلك من حيث معرفة سنها وإنها قد قاربت السنن التي يحمل مثلها فيها فسمي الحمل بالولادة اهـ. وغرض سعر من ذكر هذه القصة بيان أن الخيار لا يجب دفعها في الزكاة (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ قَالَ أَيْضًا مُسْلِمُ بْنُ شُعْبَةَ. كَمَا قَالَ رَوْحٌ. (ش) غرض المصنف بهذا بيان أن أبا عاصم الضحاك بن مخلد. روى هذا الحديث عن زكريا بن إسحاق في إسناده مسلم بن شعبة كما قال روح بن عبادة عن زكريا بن إسحاق كما سيصرح به في الحديث الآتي. وتضعيف ما قاله وكيع من أنه مسلم بن ثفنة. وفي بعض النسخ قال أبو داود أبو عاصم رواه عن زكريا (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ النَّسَائِيُّ نَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ مُسْلِمُ بْنُ شُعْبَةَ. قَالَ فِيهِ وَالشَّافِعُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا الْوَلَدُ. (ش) ساق المصنف هذا لبيان حديث روح بن عبادة لكن من غير طريق الحسن بن عليّ (قوله بإسناده بهذا الحديث الخ) أي بسنده وهو عن عمرو بن أبي سفيان وذكر الحديث وفسر في روايته الشافع بأنها التي في بطنها ولد. (ورواية روح) أخرجها النسائي قال أخبرنا هارون بن عبد الله قال حدثنا روح قال حدثنا زكريا بن إسحاق قال حدثني عمرو بن أبي سفيان قال حدثني مسلم بن شعبة أن ابن علقمة استعمل أباه على صدقة قومه وساق الحديث اهـ (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ بِحِمْصَ عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ

الترغيب في إخراج الزكاة عن طيب نفس

الْحَارِثِ الْحِمْصِيِّ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ قَالَ وَأَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِيِّ -مِنْ غَاضِرَةِ قَيْسٍ- قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "ثَلاَثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعِمَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ رَافِدَةً عَلَيْهِ كُلَّ عَامٍ وَلاَ يُعْطِي الْهَرِمَةَ وَلاَ الدَّرِنَةَ وَلاَ الْمَرِيضَةَ وَلاَ الشَّرَطَ اللَّئِيمَةَ وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْأَلْكُمْ خَيْرَهُ وَلَمْ يَأْمُرْكُمْ بِشَرِّهِ". (ش) (رجال الحديث) (قوله قرأت في كتاب عبد الله بن سالم) أشار به إلى أنه وجده في كتابه ولم يسمعه منه فهو معاق. و (الزبيدى) بالتصغير محمد بن الوليد (قوله قال وأخبرني الخ) أي قال عبد الله بن سالم وأخبرني يحيى بن جابر عن جبير بن نفير هكذا هو في نسخ المصنف، لكن قال الحافظ في الإصابة في ترجمة عبد الله بن معاوية الغاضري روى حديثه أبو داود والطبراني من طريق يحيى بن جابر عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عبد الله بن معاوية الغاضري وذكر الحديث ثم قال: وأخرح البخاري في تاريخه من طريق يحيى بن جابر أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه أن أباه حدثه أن عبد الله بن معاوية الغاضري حدثهم قال قيل للنبي صلى الله تعالى عليه عليه وعلى آله وسلم ما تزكية المرء نفسه؟ قال يعلم أن الله معه حيث كان اهـ ومنه يتبين أن في سند المصنف انقطاعًا حيث سقط منه عبد الرحمن ابن جبير شيخ يحيى بن جابر. و(يحيى بن جابر) بن حسان بن عمرو بن ثعلبة الطائي أبو عمرو الحمصي. روى عن صالح بن نفير وعبد الرحمن بن جبير ويزيد بن شريح وغيرهم. وعنه الترمذي وحبيب بن صالح وعبد الرحمن بن يزيد ومعاوية بن صالح وجماعة. وثقه ابن معين والعجلي وقال أبو حاتم صالح الحديث وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة ست وعشرين ومائة روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي. و(عبد الله بن معاوية الخ) روى عن النبي صلى الله تعالى عليه عليه وعلى آله وسلم هذا الحديث فقط. وروى عنه جبير بن نفير. وغاضرة قيس قبيلة وأضافها إلى قيس للتمييز لأن في بني أسد غاضرة وفي بني صعصعة غاضرة (المعنى) (قوله ثلاث من فعلهن الخ) أي ثلاث خصال من فعلهن فقد ذاق حلاوة الإيمان وطعم من باب تعب (قوله من عبد الله وحده الخ) أي أول الخصال أن يعبد الشخص الله وحده ولا يشرك به شيئًا ويعتقد أنه لا إله إلا الله. فهو في محل نصب مفعول لمحذوف وأتى به لزيادة التأكيد (قوله وأعطى زكاة ماله الخ) أي وثاني الخصال إعطاء زكاة

ماله حال كونه طيبة بها نفسه أي راضية ومخلصة لله تعالى ومعينة على إعطائها في كل عام. فرافدة فاعلة من الرفد وهو الإعانة يقال رفدته أرفده من باب ضرب إذا أعنته (قوله ولا يعطي الهرمة الخ) أي وثالث الخصال عدم إعطاء الهرمة أي الكبيرة في السنن الضعيفة ولا الدرنة يعني الجرباء وأصل الدرن الوسخ، ولا الشرط اللئيمة بفتح الشين المعجمة والراء رذائل المال وقيل صغاره. وشراره وهو أعم مما قبله لأنه يشمله وغيره كالشارد والناطح (قوله ولكن من وسط أموالكم الخ) أي لكن تعطون الزكاة من وسط أموالكم لأن الله تعالى لم يكلفكم بالخيار رحمة بكم ولا يأمركم بالشرار مراعاة لحقوق الفقراء (فقه الحديث) دل الحديث علي الترغيب في الإخلاص في العبادة. وعلى الترغيب في إعطاء الزكاة عن طيب نفس. وعلى أنه يؤخذ في الصدقة الوسط بن الأموال فلا يؤخذ الخيار ولا الدنيء (والحديث) أخرجه أيضًا البزار والطبراني والبغوي موصولًا (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ بَعَثَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مُصَدِّقًا فَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ فَلَمَّا جَمَعَ لِي مَالَهُ لَمْ أَجِدْ عَلَيْهِ فِيهِ إِلاَّ ابْنَةَ مَخَاضٍ فَقُلْتُ لَهُ أَدِّ ابْنَةَ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا صَدَقَتُكَ. فَقَالَ ذَاكَ مَا لاَ لَبَنَ فِيهِ وَلاَ ظَهْرَ وَلَكِنْ هَذِهِ نَاقَةٌ فَتِيَّةٌ عَظِيمَةٌ سَمِينَةٌ فَخُذْهَا. فَقُلْتُ لَهُ مَا أَنَا بِآخِذٍ مَا لَمْ أُومَرْ بِهِ وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِنْكَ قَرِيبٌ فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَأْتِيَهُ فَتَعْرِضَ عَلَيْهِ مَا عَرَضْتَ عَلَيَّ فَافْعَلْ فَإِنْ قَبِلَهُ مِنْكَ قَبِلْتُهُ وَإِنْ رَدَّهُ عَلَيْكَ رَدَدْتُهُ. قَالَ فَإِنِّي فَاعِلٌ فَخَرَجَ مَعِي وَخَرَجَ بِالنَّاقَةِ الَّتِي عَرَضَ عَلَيَّ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتَانِي رَسُولُكَ لِيَأْخُذَ مِنِّي صَدَقَةَ مَالِي وَايْمُ اللَّهِ مَا قَامَ فِي مَالِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ رَسُولُهُ قَطُّ قَبْلَهُ فَجَمَعْتُ لَهُ مَالِي فَزَعَمَ أَنَّ مَا عَلَيَّ فِيهِ ابْنَةُ مَخَاضٍ وَذَلِكَ مَا لاَ لَبَنَ فِيهِ وَلاَ ظَهْرَ وَقَدْ

للمالك دفع أعلى من الواجب عليه في الزكاة

عَرَضْتُ عَلَيْهِ نَاقَةً فَتِيَّةً عَظِيمَةً لِيَأْخُذَهَا فَأَبَى عَلَيَّ وَهَا هِيَ ذِهِ قَدْ جِئْتُكَ بِهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. خُذْهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "ذَاكَ الَّذِي عَلَيْكَ فَإِنْ تَطَوَّعْتَ بِخَيْرٍ آجَرَكَ اللَّهُ فِيهِ وَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ". قَالَ فَهَا هِيَ ذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ جِئْتُكَ بِهَا فَخُذْهَا. قَالَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِقَبْضِهَا وَدَعَا لَهُ فِي مَالِهِ بِالْبَرَكَةِ. (ش) (رجال الحديث) (أبو يعقوب) إبراهيم بن سعد. و (ابن إسحاق) محمد ابن إسحاق بن يسار. و(يحيي بن عبد الله الخ) الأنصاري البخاري. روى عن زيد بن ثابت وأبى هريرة وسودة بنت زمعة وأم هشام بنت الحارث بن النعمان. وعنه إبراهيم بن محمد وصالح ابن إبراهيم ويحيى بن سعيد الأنصاري. وثقه العجلي وقال تابعي وذكره ابن حبان في الثقات روى له مسلم وأبو داود. و(عمارة بن عمرو بن حزم) بن زيد بن لوذان بن عمرو الأنصاري البخاري. روى عن أبي بن كعب وعبد الله بن عمر. وعنه سلمة بن دينار وعمر بن كثير. وثقه العجلي وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود وابن ماجه (معنى الحديث) (قوله فمررت برجل) لم نقف على اسمه (قوله لم أجد عليه فيه الخ) أي لم أجد واجبًا عليه في ماله إلا ابنة مخاض (قوله فقال ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر) وفي بعض النسخ ذلك ما لا لبن فيه الخ يعني أن بنت المخاض التي تريد أخذها لا منفعة فيها بلبن ولا ركوب وذكر اسم الإشارة العائد علي بنت المخاض باعتبار لفظ ما (قوله وايم الله الخ) أي أيمن الله قسمي ما طلب أحد مني زكاة قبل هذا الوقت. فأيم اسم وضع للقسم (قوله ذاك الذي عليك الخ) أي ما طلبه الساعي من بنت المخاض هو الواجب عليك فإن تبرعت بأجود منها أثابك الله عليه. قال في المصباح أجره الله أجرًا من باب قتل ومن باب ضرب لغة في كعب وآجره بالمد لغة ثالثة إذا أثابه (فقه الحديث) دل الحديث على فضل ذلك الرجل ورغبته في الخير. وعلى جواز أخذ ما هو أعلى من الواجب في الزكاة برضا المالك ولا خلاف في ذلك. وعلي الترغيب في الدعاء بالبركة ونحوها لمن رغب في الخير وعمل به (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد عن أبي بن كعب قال بعثني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مصدقًا فمررت برجل فلم أجد عليه في ماله إلا ابنة مخاض فأخبرته أنها صدقته فقال ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر وما كنت لأقرض الله ما لا لبن فيه ولا ظهر ولكن هذه ناقة سمينة فخذها (الحديث) وصححه الحاكم. ولا ينافيه أن في إسناده محمد بن إسحاق وفي الاحتجاج

به خلاف لأن محله إذا عنعن وهو هنا قد صرح بالتحديث (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا وَكِيعٌ نَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ الْمَكِّيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيِّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ "إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ". (ش) (رجال الحديث) (يحيى بن عبد الله) بن محمد بن يحيي (بن صيفى) المكي مولى بني مخذوم. روى عن عكرمة بن عبد الرحمن وأبي معبد وأبي سلمة بن سفيان وسعيد بن جبير. وعنه ابن جريج وإسماعيل بن أمية وعبد الله بن أبي نجيح وجماعة. وثقه النسائي وابن معين وابن سعد وذكره ابن حبان في الثقات روى له الجماعة. و (أبو معبد) نافذ مولى ابن عباس (المعنى) (قوله بعث معاذًا إلى اليمن) وكان ذلك سنة عشر قبل حج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما ذكره البخاري في آخر المغازى. وقيل كان سنة تسع عند منصرفه من تبوك كما ذكره الواقدى. وقيل سنة ثمان عام الفتح (قوله إنك تأتي قومًا أهل كتاب) ذكره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توطئة لوصيته التى سيلقيها عليه ليستجمع معاذ همته عليها لكون أهل الكتاب أهل علم فلا يكون في مخاطبتهم كمخاطبة الجهلة من عباد الأوثان. وخص أهل الكتاب بالذكر دون غيرهم تفضيلًا لهم أو تغليبًا على غيرهم (قوله فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله الخ) بدأ بالشهادتين لأنهما أصل الدين فلا يصح شيء من أعماله إلا بهما. واستدل الجمهور بحديث الباب على أنه لا يكفي في الدخول في الإِسلام النطق بإحدى الشهادتين بل لا بد من النطق بهما وقالوا لا يشترط التبرى من كل دين يخالف دين الإِسلام خلافًا لمن زعم ذلك لأن اعتقاد أن المعبود واحد وأن محمدًا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رسوله يستلزم بطلان اعتقاد كل دين يخالف دين الإسلام (قوله فإن هم أطاعوك لذلك الخ) أي فإن أطاعوك

الخلاف في أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة

بالنطق بالشهادتين فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة. وفي هذا دلالة لمن قال إن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر معاذًا أن يأمرهم أوّلًا بالإيمان فقط ثم بفروعه ورتب العمل بها على الإيمان بالفاء. وأيضا الشرط في قوله إن أطاعوك فأعلمهم الخ يفهم منه أنه لو لم يطيعوه لا يجب عليهم شيء من الصلوات (وقال) جماعة إنهم مخاطبون بفروع الشريعة ولا تصح منهم إلا بالاسلام (وأجابوا) عن هذا الحديث بأن الترتيب في الدعوة لا يستلزم الترتيب في الوجوب. ألا ترى أنه رتب في الحديث الزكاة على الصلاة بالفاء مع أنه لا ترتيب بينما في الوجوب. فلا يلزم من عدم الاتيان بالصلاة إسقاط الزكاة. وبأن مفهوم الشرط مختلف في الاحتجاج به وتقدم تمام ذك: بـ ص 153 (قوله فإن هم أطاعوك لذلك) أي في الأمر بالصلاة وصلوا فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم الزكاة في أموالهم إذا توفرت شروطها (قوله وتردّ في فقرائهم) أي إلى فقرائهم. واحتج به من قال إنه يكفي إعطاء الزكاة لصنف واحد من الأصناف الثمانية المذكورة في قول الله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ... الآية) ولا يلزم تعميم جميعهم بالإعطاء. ولكنه غير مسلم لاحتمال أن يكون ذكر الفقراء لكونهم أكثر من غيرهم (قوله فإياك وكرائم أموالهم) أي أحذرك من أخذ النفيس من أموالهم. فالكرائم جمع كريمة وهي النفيسة. وقيل هي ما يؤثر صاحب المال نفسه بها. وقال في المطالع هي جامعة الكمال الممكن في حقها من غزارة لبن وجمال صورة وكثرة لحم. وحذره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من ذلك لأن الزكاة شرعت لمواساة الفقراء فلا يناسب فيها الإجحاف بمال الأغنياء إلا أن يعطوا ذلك عن طيب نفس فيجوز كما تقدم (قوله واتق دعوة المظلوم) أي اجتنب الظلم فلا تأخذ ما لا حق لك في أخذه ولا تفعل مع أحد ما يضره لئلا يدعو عليك. ودعاؤه سريع الإجابة والقبول حيث إنه مظلوم. وذكره عقب المنع من أخذ أنفس الأموال إشارة إلى أن أخذها بغير رضا صاحب المال ظلم. وفيه تنبيه أيضًا على المنع من جميع أنواع الظلم فهو تذييل سيق للتنفير من مطلق الظلم الشامل لأخذ النفيس وغيره (قوله فإنها ليس بينها وبين الله حجاب) تعليل للاتقاء. والمراد أنها مقبولة وليس لها مانع يمنعها من القبول. وإن كان الداعي عاصيًا فعصيانه على نفسه كما جاء في حديث أحمد عن أبي هريرة مرفوعًا "دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرًا ففجوره على نفسه" قال الحافظ في الفتح إسناده حسن. وليس المراد أن لله تعالى حجابًا يحجبه عن الناس لأنه من صفات الحوادث وهي مستحيلة عليه تعالى (فقه الحديث) دل الحديث على أن أصل الدين الإقرار لله تعالى بالوحدانية وللنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالرسالة. وعلى أن الصلوات الخمس فرض في كل يوم وليلة. وعلى أن الوتر والعيدين ليس بفرض وهو مجمع عليه. والقول بوجوب ما ذكر له دليل آخر تقدم بيانه

تحذير الساعي من ظلم المالك بأخذ زائد على الواجب

وعلى أن الزكاة من واجبًات الدين وأن الإِمام هو الذي يتولى أخذها إما بنفسه أو بنائبه. وعلى أنها تدفع لفقراء المسلمين دون أغنيائهم. قال عياض والطيبي وغيرهما إن فيه دليلًا على أن الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون لعموم قوله تؤخذ من أغنيائهم. قال الحافظ في الفتح وفيه بحث اهـ ووجهه أن الضمير في قوله تؤخذ من أغنيائهم راجع إلى المكلفين لقوله قبله فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم والصبي والمجنون ليسا من أهل الافتراض. وعلى أنه ينبغي للإمام أن يأمر ولاته بتقوى الله تعالى ويحذرهم من الظلم ويبين لهم قبحه. وعلي أنه يحرم على الساعي أخذ كرائم الأموال بلا رضا أربابها بل يأخذ الوسط كما تقدم. وعلى أن دعوة المظلوم مستجابة (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري ومسلم وابن ماجه والترمذي والدارقطني (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "الْمُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ كَمَانِعِهَا". (ش) (رجال الحديث) (الليث) بن سعد. و (وسعد بن سنان) ويقال سنان بن سعد الكندي المصري. وصحح البخاري أنه سنان بن سعد: روى عن أنس بن مالك. وعنه يزيد بن أبي حبيب. وثقه ابن معين وذكر ابن حبان في الثقات. وقال الجوزجاني سعد بن سنان أحاديثه واهية. وقال ابن سعد والنسائي منكر الحديث. وقال في التقريب صدوق له أفراد من الخامسة روى له أبو داود وابن ماجه والترمذي (المعنى) (قوله المعتدي في الصدقة كمانعها) وفي بعض النسخ المعتدي في الصدقة الخ أي أن الساعي المتجاوز في أخذ الزكاة عن القدر الواجب كمانعها أصالة في الوزر لأنه لو أخذ زائدًا في سنة ربما منعها صاحب المال في السنة الأخرى فيكون سببًا للمنع. وقيل المراد أن المالك المتعدي بكتمان بعض المال أو كتمان وصفه عن الساعي كالمانع منها أصالة في الإثم لأن الساعي حينئذ يأخذ ما لا يجزئ أو يترك بعض الواجب. ولا يقال إن هذا مانع الزكاة حقيقة فكيف يشبه بالمانع الأن هذا المخادع لما دفع شيئًا لم يطلق عليه أنه مانع عرفًا. فحسن التشبيه ليعلم قبح ما هو عليه. وقيل المعتدي من يعطيها لغير من يستحقها وقيل هو الذى يعطي ويمن ويؤذي. فالإعطاء مع المن والأذى كالمنع من أداء ما وجب. وقيل المعتدي هو الذي يجاوز الحد في الصدقة بحيث لا يبقى لعياله شيئًا. وفي هذا دلالة على تحذير المالك والساعي وتنفيرهما من الظلم في الزكاة (والحديث) أخرجه ابن ماجه والترمذي وقال حديث غريب من هذا الوجه اهـ

باب رضا المصدق

(باب رضا المصدق) أي رضا الساعي الذى يجمع الصدقة. والمصدق بضم الميم وفتح الصاد المهملة وكسر الدال المهملة المشددة (ص) حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ حَفْصٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ -الْمَعْنَى- قَالاَ نَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ دَيْسَمٌ -وَقَالَ ابْنُ عُبَيْدٍ مِنْ بَنِي سَدُوسٍ- عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ -قَالَ ابْنُ عُبَيْدٍ فِي حَدِيثِهِ وَمَا كَانَ اسْمُهُ بَشِيرًا- وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- سَمَّاهُ بَشِيرًا قَالَ قُلْنَا إِنَّ أَهْلَ الصَّدَقَةِ يَعْتَدُونَ عَلَيْنَا أَفَنَكْتُمْ مِنْ أَمْوَالِنَا بِقَدْرِ مَا يَعْتَدُونَ عَلَيْنَا فَقَالَ "لاَ". (ش) (رجال الحديث) (مهدي بن حفص) البغدادي أبو أحمد. روى عن حماد بن زيد وعيسى بن يونس وإسماعيل بن عياش وابن المبارك وغيرها. وعنه أبو داود وعباس بن أبي طالب وإبراهيم الحربي وآخرون. وثقه الخطيب ومسلمة بن قاسم وذكره ابن حبان في الثقات وهذا على ما في أكثر النسخ. وفي بعضها محمد بن مهدي بن حفص. و (حماد) بن زيد و (ديسم) بفتح الدال والسين المهملتين بينهما ياء تحتية ساكنة من بني سدوس. روى عن بشير بن الخصاصة. وعنه أيوب السختياني ذكره ابن حبان في الثقات. قال في الميزان ديسم رجل من سدوس لا يدري من هو. يعرف بحديثه عن بشير بن الخصاصية "إن أهل الصدقة يعتدون" تفرد عنه أيوب السختياني. روى له أبو داود هذا الحديث فقط (قوله وما كان اسمه بشيرًا الخ) أي بل كان اسمه زحم بن معبد كما تقدم في "باب المشي بين القبور بالنعل" من كتاب الجنائز (معنى الحديث) (قوله إن أهل الصدقه يعتدون علينا الخ) أي إن العمال الذين يجمعون الصدقات يظلموننا فيأخذون من أموالنا زيادة على الواجب علينا أفتأذن لنا يا رسول الله أن نستر على العامل من المال بمقدار ما يتعدى به علينا؟ فمنعهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ذلك ولم يرخص لهم فيه لأن كتمان بعض المال خيانة ولأنه لو رخص فقد يكتم بعضهم على عامل غير ظالم. وكأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم أنهم لحبهم المال يرون الحق اعتداء، لأنه يبعد حصول الاعتداء من عماله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ولذا وصف صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عامليه بأنهم مبغضون كما سيذكره المصنف في هذا الباب. وإلا فلا يخفى أنه لا يجب إعطاء الزائد للعاملين لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومن سئل فوقها لم يعط كما تقدم

وقيل نهاهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ذلك من أجل أن للعامل أن يستحلف رب المال إذا اتهمه فلو كتموه شيئًا منها واتهمهم العامل لم يجز لهم أن يحلفوا على ذلك فقيل احتملوا لهم الضيم ولا تكذبوهم ولا تكتموهم المال درءًا للفتنة (والحديث) يدل عل أن السائل بشير ابن الخصاصية "ولا ينافيه" ما رواه أحمد في مسنده من طريق حماد بن زيد قال: ثنا أيوب عن رجل من بني سدوس يقال له ديسم قال: قلنا لبشير بن الخصاصية (الحديث) فإنه صريح في أن السائل ديسم والمسئول ابن الخصاصية "لاحتمال" تعدد الواقعة فأفتى ابن الخصاصية بما أفتاه به رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (فقه الحديث) دل الحديث على الحث على طاعة السلطان وعدم الخروج عليه وإن ظلمهم دفعا للفتنة (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَيَحْيَى بْنُ مُوسَى قَالاَ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَصْحَابَ الصَّدَقَةِ يَعْتَدُونَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَفَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ. (ش) (عبد الرزاق) بن همام. و (معمر) بن راشد (قوله بإسناده ومعناه) أي سند حديث حماد عن أيوب وهو عن رجل يقال له ديسم عن بشير إلا أن معمرًا قال في روايته قال بشير قلنا يا رسول الله الخ فهو مرفوع كما ذكره المصنف بقوله. قال أبو داود رفعه عبد الرزاق عن معمر بخلاف رواية حماد فإن بشيرًا لم يذكر من قيل له هذا القول. فحديثه محتمل لأن يكون المسئول الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيكون مرفوعًا أو أن المسئول أحد الخلفاء فيكون موقوفًا. ويعين الأول حديث معمر وفي هذه الرواية التعبير بأصحاب الصدقة بدل أهل الصدقة في الرواية الأولى. وفي بعض النسخ زيادة لفظة يعتدون بعد قوله إن أصحاب الصدقة (ورواية عبد الرزاق) أخرجها أيضًا البيهقي (ص) حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالاَ نَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِي الْغُصْنِ عَنْ صَخْرِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "سَيَأْتِيكُمْ رَكْبٌ مُبَغَّضُونَ فَإِذَا جَاءُوكُمْ فَرَحِّبُوا بِهِمْ وَخَلُّوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَبْتَغُونَ فَإِنْ عَدَلُوا فَلأَنْفُسِهِمْ وَإِنْ ظَلَمُوا فَعَلَيْهَا وَأَرْضُوهُمْ فَإِنَّ تَمَامَ زَكَاتِكُمْ

ينبغي لأرباب الأموال تحسين الظن بالسعاة

رِضَاهُمْ وَلْيَدْعُوا لَكُمْ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ أَبُو الْغُصْنِ هُوَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ غُصْنٍ. (ش) (ورجال الحديث) (أبو الغصن) ثابت بن قيس الغفاري مولاهم المدني. روى عن أنس ونافع بن جبير وسعيد المقبري وخارجة بن زيد وجماعة. وعنه عبد الله ابن مسلمة وابن مهدي وزيد بن الحباب وخالد بن مخلد وآخرون. وثقه أحمد وقال ابن معين والنسائي لا بأس به. وقال ابن سعد كان قليل الحديث. وقال الحاكم ليس بحافظ ولا ضابط وقال ابن حبان كان قليل الحديث كثير الوهم فيما يرويه لا يحتج بخبره إذا لم يتابعه عليه غيره. روى له أبو داود والنسائي والبخاري في جزء رفع اليدين. و (صخر بن إسحاق) مولى بني غفار الحجازي. روى عن عبد الرحمن بن جابر. وعنه ثابت بن قيس. روى له أبو داود هذا الحديث فقط قال في التقريب لين من السادسة. و(عبد الرحمن بن جابر بن عتيك) الأنصاري المدني. روى عن أبيه وجابر بن عبد الله. وعنه صخر بن إسحاق. قال ابن القطان مجهول. وفي التقريب مجهول من الثالثة. روى له أبو داود حديثًا واحدًا. و(أبوه) جابر بن عتيك بن قيس بن الأسود الأنصاري صحابي جليل شهد ما بعد بدر. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابناه أبو سفيان وعبد الرحمن. وعتيك بن الحارث توفي سنة إحدى وستين. روى له أبو داود والنسائي مات سنة إحدى وستين وعمره إحدى وتسعون (المعنى) (قوله سيأتيكم ركب الخ) يعنى سعاة وعمالًا يطلبون صدقات أموالكم فتبغضونهم بطبعكم وتزعمون أنهم ظالمون لحبكم المال وليسوا كذلك. وركب اسم جمع لراكب وهو في الأصل اسم للعشرة فما فوقها من أصحاب الإبل في السفر ثم توسع باستعماله في كل راكب دابة. وفي بعض النسخ ركيب تصغير راكب. ومبغضون بفتح الموحدة والغين المعجمة المشددة اسم مفعول من بغض بتشديد الغين المعجمة. أو بسكون الموحدة، وتخفيف الغين المفتوحة اسم مفعول من أبغض أي تبغضونهم طبعًا لا شرعًا لأنهم يأخذون المال محبوب القلوب وقد يكون بغض بعضهم لسوء خلقه والأول أوجه (قوله فرحبوا بهم) أي قولوا لهم مرحبًا وأهلًا وسهلًا وأظهروا لهم الفرح والسرور عند قدومهم وعظموهم (قوله وخلوا بينهم وبين ما يبتغون) أي لا تحولوا بينهم وبين ما يطلبون من الزكاة ولا تمنعوهم وإن ظلموا بحسب ما يظهر لكم لأن مخالفتهم مخالفة للسلطان ومخالفته تؤدي إلى الفتنة (قوله فإن عدلوا فلأ نفسهم الخ) أي إن عدلوا فيما يأخذون فثواب عدلهم لأنفسهم. وإن ظلموا بأخذ أكثر مما وجب عليكم فإثم ظلمهم على أنفسهم ولا يضركم ظلمهم بل لكم الثواب على ذلك لتحمل أذاهم زيادة على ثواب أداء الواجب (قوله وأرضوهم الخ) أي اجتهدوا في إرضائهم بإعطاء الواجب في الزكاة من غير محاورة لهم لأن

إرضاءهم به تمام ثواب الزكاة (قوله وليدعوا لكم) بلام الأمر ندب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم آخذ الزكاة ساعيًا أو مستحقًا أن يدعولرب المال. ويحتمل أن تكون اللام للتعليل أي أرضوهم لتمام زكاتكم ولأجل دعائهم لكم (فقه الحديث) دل الحديث على أنه يطلب من الرءيس أن يشجع عماله على القيام بأعمالهم وعلى حث أرباب الأموال على تحسين الظن بالعمال وحسن معاملتهم والسعي في إرضائهم فإن ذلك سبب سعادتهم في الدارين. وعلى أنه ينبغي للعمال أن يدعوا لأرباب الأموال إن أحسنوا معاملتهم لما يترتب على ذلك من التآلف والتحابب (والحديث) في سنده أبو الغصن ثابت بن قيس وفيه مقال كما علمت (ص) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ ح وَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ -وَهَذَا حَدِيثُ أَبِي كَامِلٍ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هِلاَلٍ الْعَبْسِيُّ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ جَاءَ نَاسٌ -يَعْنِي مِنَ الأَعْرَابِ- إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا إِنَّ نَاسًا مِنَ الْمُصَدِّقِينَ يَأْتُونَا فَيَظْلِمُونَا. قَالَ فَقَالَ "أَرْضُوا مُصَدِّقِيكُمْ". قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ ظَلَمُونَا قَالَ "أَرْضُوا مُصَدِّقِيكُمْ". زَادَ عُثْمَانُ "وَإِنْ ظُلِمْتُمْ". قَالَ أَبُو كَامِلٍ فِي حَدِيثِهِ قَالَ جَرِيرٌ مَا صَدَرَ عَنِّي مُصَدِّقٌ بَعْدَ مَا سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ وَهُوَ عَنِّي رَاضٍ. (ش) (الرجال) (أبو كامل) فضيل بن حسين الجحدري (قوله عن محمد بن أبي إسماعيل أي أن عبد الواحد بن زياد وعبد الرحيم بن سليمان يرويان عن محمد بن أبي إسماعيل. و(عبد الرحمن بن هلال العبسي) الكوفي. روى عن جرير. وعنه، تميم بن سلمة وموسى بن عبد الله وأبو الضحى وغيرها. وثقة النسائي والعجلي وذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب ثقة من الثالثة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه (المعنى) (قوله يعني من الأعراب) تفسير من عبد الرحمن بن هلال الراوي عن جرير (قوله إن ناسًا من المصدقين) بتخفيف الصاد وكسر الدال المشددة المهملتين أي العاملين الذين يجمعون الزكاة كما تقدم (قوله يأتونا فيظلونا) بحذف نون الرفع فيهما بلا ناصب ولا جازم وهي لغة قوم. وفي نسخة يأتوننا فيظلموننا

باب دعاء المصدق لأهل الصدقة

وهي الموافقة الأصل وهي رواية مسلم (قوله زاد عثمان وإن ظلمتم) أي زاد عثمان بن أبي شيبة في روايته قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإن ظلمتم يعني على زعمكم. وليس المراد أنهم مظلومون في الواقع لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يقر على ظلم. ولو كان ظلمًا حقيقة لفسق الساعي به فيجب عزله ولا تدفع له الزكاة (وقوله وقال أبو كامل في حديثه الخ) أي قال أبو كامل شيخ المصنف في روايته دون عثمان بن أبي شيبه "قال جرير ما صدر عني مصدق الخ" أي ما رجع من عندى عامل بعد سماعي هذا الحديث منه صلى الله تعالى عيله وعلى آله وسلم إلا ويكون راضيًا عني لإعطائي اياه ما طلب (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والنسائي (باب دعاء المصدق لأهل الصدقة) أي دعاء آخذ الصدقة لأرباب الأموال (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرِيُّ وَأَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ -الْمَعْنَى- قَالاَ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِوبْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ كَانَ أَبِي مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلاَنٍ". قَالَ فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى". (ش) (أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (قوله كان أبي من أصحاب الشجرة) أي كان أبي أبو أوفى علقمة بن خالد من الذين بايعوا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بيعة الرضوان تحت الشجرة سنة ست من الهجرة (قوله اللهم صل على آل أبي أوفى) يعني علي أبي أوفى فلفظة آل زائدة لأن الآل يطلق على ذات الشيء. ونظيره قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأبي موسى الأشعري لما سمع صوته لقد أوتي مزمارًا من مزامير آل داود يعني من مزامير داود نفسه (وفي الحديث) دلالة على استجاب دعاء آخذ الزكاة لأرباب الأموال وبه قال أكثر أهل العلم. وأوجبه بعض أهل الظاهر أخذًا بظاهر قوله تعالى (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) لكن هذه الآية مختصة به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لكون صلاته سكنًا لهم بخلاف صلاة غيره. ولو كان الدعاء واجبًا لأمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم به السعاة. وليس الدعاء واجبًا فيما يأخذه الإِمام من الكفارات والديون وغيرهما من الواجبًات اتفاقًا فكذلك لا يجب في الزكاة. وفيه دلالة أيضًا علي جواز الصلاة علي غير الأنبياء وتقدم

باب تفسير أسنان الإبل

بيان الخلاف في ذلك في "باب الصلاة على غير النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم" ص 192 من الجزء الثامن (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم وابن ماجه (باب تفسير أسنان الإبل) أي بيان أعمار وأسماء الإبل في أزمنة حياتها (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ سَمِعْتُهُ مِنَ الرِّيَاشِيِّ وَأَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرِهِمَا وَمِنْ كِتَابِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ وَمِنْ كِتَابِ أَبِي عُبَيْدٍ وَرُبَّمَا ذَكَرَ أَحَدُهُمُ الْكَلِمَةَ قَالُوا يُسَمَّى الْحُوَارَ ثُمَّ الْفَصِيلَ إِذَا فَصَلَ ثُمَّ تَكُونُ بِنْتَ مَخَاضٍ لِسَنَةٍ إِلَى تَمَامِ سَنَتَيْنِ فَإِذَا دَخَلَتْ فِي الثَّالِثَةِ فَهِيَ ابْنَةُ لَبُونٍ فَإِذَا تَمَّتْ لَهُ ثَلاَثُ سِنِينَ فَهُوَ حِقٌّ وَحِقَّةٌ إِلَى تَمَامِ أَرْبَعِ سِنِينَ لأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ أَنْ تُرْكَبَ وَيُحْمَلَ عَلَيْهَا الْفَحْلُ وَهِيَ تَلْقَحُ وَلاَ يُلْقِحُ الذَّكَرُ حَتَّى يُثَنِّيَ وَيُقَالُ لِلْحِقَّةِ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ لأَنَّ الْفَحْلَ يَطْرُقُهَا إِلَى تَمَامِ أَرْبَعِ سِنِينَ فَإِذَا طَعَنَتْ فِي الْخَامِسَةِ فَهِيَ جَذَعَةٌ حَتَّى يَتِمَّ لَهَا خَمْسُ سِنِينَ فَإِذَا دَخَلَتْ فِي السَّادِسَةِ وَأَلْقَى ثَنِيَّتَهُ فَهُوَ حِينَئِذٍ ثَنِيٌّ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ سِتًّا فَإِذَا طَعَنَ فِي السَّابِعَةِ سُمِّيَ الذَّكَرُ رَبَاعِيًّا وَالأُنْثَى رَبَاعِيَّةً إِلَى تَمَامِ السَّابِعَةِ فَإِذَا دَخَلَ فِي الثَّامِنَةِ وَأَلْقَى السِّنَّ السَّدِيسَ الَّذِي بَعْدَ الرَّبَاعِيَةِ فَهُوَ سَدِيسٌ وَسَدَسٌ إِلَى تَمَامِ الثَّامِنَةِ فَإِذَا دَخَلَ فِي التِّسْعِ وَطَلَعَ نَابُهُ فَهُوَ بَازِلٌ أَىْ بَزَلَ نَابُهُ -يَعْنِي طَلَعَ- حَتَّى يَدْخُلَ فِي الْعَاشِرَةِ فَهُوَ حِينَئِذٍ مُخْلِفٌ ثُمَّ لَيْسَ لَهُ اسْمٌ وَلَكِنْ يُقَالُ بَازِلُ عَامٍ وَبَازِلُ عَامَيْنِ وَمُخْلِفُ عَامٍ وَمُخْلِفُ عَامَيْنِ وَمُخْلِفُ ثَلاَثَةِ أَعْوَامٍ إِلَى خَمْسِ سِنِينَ وَالْخَلِفَةُ الْحَامِلُ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَالْجَذُوعَةُ وَقْتٌ مِنَ الزَّمَنِ لَيْسَ بِسِنٍّ وَفُصُولُ الأَسْنَانِ عِنْدَ طُلُوعِ سُهَيْلٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ أَنْشَدَنَا الرِّيَاشِيُّ شِعْرًا إِذَا سُهَيْلٌ أَوَّلَ اللَّيْلِ طَلَعْ ... فَابْنُ اللَّبُونِ الْحِقُّ وَالْحِقُّ جَذَعْ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَسْنَانِهَا غَيْرُ الْهُبَعْ ... وَالْهُبَعُ الَّذِي يُولَدُ فِي غَيْرِ حِينِهِ.

(ش) (الرجال) (قوله سمعته من الرياشي) بكسر الراء. هو عباس بن الفرج أبو الفضل البصري النحوي. روى عن الأصمعي وأبي داود الطيالسي وأبي عاصم والعلاء بن الفضل وجماعة، وعنه عبد الله بن مسلم وعلي بن إسحاق وأبو عروبة وغيرها. ذكره ابن حبان في الثقات وقال مستقيم الحديث. ووثقه ابن السمعاني ومسلمة بن قاسم والخطيب. روى له أبو داود هذا التفسير فقط و (أبو حاتم) سهيل بن محمد بن عثمان السجستاني النحوي المقري. روى عن أبي عبيدة ويعقوب بن إسحاق والأصمعي ووهب بن جرير وغيرها. وعنه النسائي وابن خزيمة وأبو بكر البزار وأبو بشر الدولابي وكثيرون. ذكره ابن حبان في الثقات وقال إني اعتبرت حديثه فرأيته مسقيم الحديث وإن كان فيه ما لا يتعرى عنه أهل الأدب. وقال البزار مشهور ولا بأس به. روى له أبو داود والنسائي (قوله ومن كتاب النضر بن شمل) أي وأخذت تفسير أسنان الإبل من كتاب النضر بن شميل بن خرشة بن زيد بن كلثوم بن غزة المازني النحوي البصري. روى عن ابن عون وحميد الطويل وهشاء بن عروة وهشام بن حسان وابن جريج وشعبة وكثيرين. وعنه إسحاق بن راهويه وابن معين وابن المديني وآخرون. وثقة النسائي وابن معين وابن المدني وأبو حاتم. قال أبو العباس كان إمامًا في العربية والحديث وهو أول من أظهر السنة بمرو وجميع خراسان وأخرج كتبًا كثيرة لم يسبقه إليها أحد. وقال ابن منجويه كان من فصحاء الناس وعلمائهم بالأدب. روى له الجماعة توفي سنة أربع ومائتين. و (أبو عبيد) القاسم بن سلام بالتشديد البغدادي الفقيه القاضي. روى عن هشيِم وإسماعيل بن عياش وجرير بن عبد الحميد ويحيى القطان وابن المبارك ووكيع وجماعة. وعنه سعيد بن أبي مريم المصري وعباس العنبري وابن أبي الدنيا وغيرهم قال أبو حاتم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان أحد أئمة الدنيا صاحب حديث وفقه ودين وورع ونعرفه بالأدب جمع وصنف وذب عن الحديث ونصره. وفي التقريب مقبول من الحادية عشرةِ؛ . وفي تهذيب التهذيب وجدت له رواية في الصحيح وذكره الترمذي في الجامع في غير موضع. توفي بمكة سنة أربع وعشرين ومائتين (المعنى) (قوله وربما ذكر أحدهم الكلمة) يعني أن الكلمات الآتية لم يتفق على ذكرها الرياشي وأبو حاتم والنضر وأبو عبيِد بل قد يذكر بعضهم الكلمة ولا يذكرها غيره وقد يتفق الجميع على ذكر بعض الكلمات (قوله قالوا يسمى الحوار) بضم المهملة وكسرها أي يسمى ولد الناقة حوارًا من حين ولادته إلى أن يفصل عن أمه. وفي بعض النسخ "قال أبو داود سمعت هذا من جماعة من عباس الرياشي وأبي حاتم وغيرهما. وبلغني عن أبي داود المصاحفي عن النضر بن شميل وعن أبي عبيدة عن الأصمعي وأبى زياد الكلابي وأبى زيد الأنصاري وكل واحد يذكر ما لا يذكر الآخر. دخل حديث بعضهم في بعض: إذا وضعت الناقة فمشى ولدها فهو حوار إلى سنة. فإذا بلغ سنة يفصل عن أمه. فإذا فصل ففطيم

بيان معاني أسماء الإبل

وفصيل والفصال هو الفطام وهو ابنة مخاض إلى تمام سنتين وهو ابن مخاض لتمام سنتين. فإذا دخلت في الثالثة الخ (قوله وهي تلقح) مضارع لقح من باب تعب يقال ولقحت الناقة تلقح لقحًا ولقاحًا إذا حملت (قوله ولا يلقح الذكر حتى يثنى) أي لا يصير الذكر صالحًا للضراب حتى يصير ثنيًا. ويلقح مضارع ألقح. يقال ألقح الفحل، الناقة إلقاحًا ولقاحًا مثل أعطى أعطاء وعطاء إذا. أولدها والثني الذى يلقي ثنيته ويكون ذلك في السنة السادسة (قوله فإذا دخلت في السادسة الخ) أي دخلت الناقة في السنة السادسة وألقت مقدم أسنانها فهي ثنية. والذكر ثني. وذكر في قوله ألقى باعتبار ما ذكر (قوله سمي الذكر رباعيًا الخ) بفتح الراء. وهو في الأصل السن الذى يكون بين الثني والناب ويجمع على ربع بضمتين مثل قذل وعلى ربعان مثل غزلان. والمراد به الجمل الذي يلقي رباعيته. قال في القاموس: والرباعية كثمانية السن التى بين الثني والناب جمعها رباعيات. ويقال للذى يلقيها رباع كثمان فإذا انصبت أتممت وقلت ركبت برذونًا رباعيًا. وجمل وفرس رباعٌ ورباعٍ ولا نظير لها سوى ثمان ويمان وشناح وجوار والجمع ربع بالضم بضمتين ورباع وربعان بكسرهما وربع كصرد وأربع ورباعيات اهـ (قوله وألقى السن السديس) أي السن الذى بعد الرباعية وقبل الناب (قوله فهو سديس وسدس) يجمع الأول على سدس بمضمتين مثل بريد وبرد: ويحمع الثاني على سدس بضم الأول وسكون الثاني مثل أسد وأسد (قوله فهو بازل) بوزن فاعل يجمع على بزل بضم الأول وسكون الثاني. وعلى بزّل بضم الأول وتشديد الزاي المفتوحة وعلى بوازل (قوله فهو حينئذ مخلف) بضم الميم وسكون المعجمة وكسر اللام هو الذى يكون بعد البازل (قوله والخلفة الحامل) أي الناقة الحامل يقال لها خلفة بفتح المعجية وكسر اللام وتجمع على خلائف وخلفات (قوله والجذوعة الخ) بفتح الجيم وقيل بضمها وضم الذال المعجمة بعدها واو اسم لوقت من الزمن بخلاف الجذعة بفحتين فإنها ما أوفت أربع سنين ودخلت في الخامسة كما تقدم (قوله وفصول الأسنان عند طلوع سهيل) أي أن حساب أعمار الإبل يكون عند ظهور سهيل وهو النجم الذي إذا ظهر تنضج الفواكه وينقضي زمن القيظ. فما كان ابن لبون يكون عند ظهوره حقًا ويكون الحقّ جذعًا والجذع ثنيًا والثني رباعيًا وهكذا. وقد ذكر الرياشي هذا الشعر تفسيرًا لهذه الجملة وجعلت فصول الإبل عند ظهور هذا النجم لما قيل إنه يطلع عند نتاج الإبل (قوله والهبع الذي يولد في غير حينه) أي أن الهبع من الإبل هو الذي يولد في وقت غير الوقت الذي يطلع فيه سهيل كأن يولد أول الصيف أو آخر الربيع

باب أين تصدق الأموال

(باب أين تصدق الأموال؟ ) أي في أي مكان تؤخذ زكاة المواشي؟ (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "لاَ جَلَبَ وَلاَ جَنَبَ وَلاَ تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ إِلاَّ فِي دُورِهِمْ". (ش) (ابن أبي عدي) محمد بن إبراهيم و (ابن إسحاق) محمد (قوله لا جلب) بفتح الجيم واللام. وهو في الزكاة أن يقدم الساعي على أهل الزكاة ويجلس في مكان ثم يرسل من يجلب إليه المواشى من أماكنها ليأخذ صدقتها. ونهى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ذلك لما فيه من المشقة على أرباب الأموال. وأمر أن يأتي أهل الأموال على مياههم أو في أماكنهم ليكون أيسر عليهم. ويستعمل أيضًا في السباق وهو أن يتبع الرجل فرسه فيزجره ويجلب عليه ويصيح حثًا له على الجري فنهوا عن ذلك لما يترتب عليه من الضرر (قوله ولا جنب) بفتح الجيم والنون هو أن يبعد رب المال بماله عن موضعه فيتكلف العامل اتباعه لأخذ الصدقة. وقيل هو أن ينزل العامل في أبعد مكان من أماكن أصحاب الصدقة ثم يأمر بإحضار الأموال إليه فنهوا عن ذلك لما فيه من المشقة. والأول أقرب لأن هذا نوع من الجلب. والجنب في السباق أن يركب فرسًا آخر غير الذى يسابق عليه فإذا فتر المركوب أو قارب الغاية تحول إلى المجنوب وهو قوي فيسبق صاحبه (قوله ولا تؤخذ صدقانهم إلا في دورهم) يعني في منازلهم ومياههم (فقه الحديث) دل الحديث على أنه لا يجوز لكل من العامل والمالك أن يفعل ما فيه مشقة على الآخر، وعلى أنه لا يجوز إلحاق الضرر بالدواب، وعلى أنه لا يجوز لأحد المتسابقين أن يفعل ما فيه غبن لصاحبه (والحديث) أخرجه أحمد وفي إسناده محمد بن إسحاق وهو يختلف في الاحتجاج به إذا عنعن. وأخرجه المصنف أيضًا في الجهاد والنسائي والترمذي وابن حبان وصححاه من طريق الحسن البصري عن عمران بن حصين وليس فيه ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ "لاَ جَلَبَ وَلاَ جَنَبَ". قَالَ أَنْ تُصَدَّقَ الْمَاشِيَةُ فِي مَوَاضِعِهَا وَلاَ تُجْلَبُ إِلَى

باب الرجال يبتاع صدقته

الْمُصَدِّقِ وَالْجَنَبُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَيْضًا لاَ يَجْنُبُ أَصْحَابُهَا يَقُولُ وَلاَ يَكُونُ الرَّجُلُ بِأَقْصَى مَوَاضِعِ أَصْحَابِ الصَّدَقَةِ فَتُجْنَبُ إِلَيْهِ وَلَكِنْ تُؤْخَذُ فِي مَوْضِعِهِ. (ش) غرض المصنف بهذا بيان ما فسر به ابن إسحاق الجلب والجنب (قوله سمعت أبي) هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري (قوله قال أن تصدق الماشية الخ) أي قال محمد بن إسحاق عدم الجلب أن تؤخذ صدقة الماشية في مواضعها من الدور والمياه ولا تنقل إلى الساعي لما فيه من المشقة علي أرباب الأموال كما تقدم. وكذا فسر عدم الجنب بهذا التفسير وهو المراد بقوله: والجنب علي هذه الطريقة. وفي نسخة والجنب عن هذه الفريضة أيضًا. وفي أخرى والجنب عن غير هذه الفريضة أيضًا. والأولى هي الصواب (قوله لا يجنب أصحابها) أي لا يبعد أصحاب الماشية بها. وما بعده تفسير آخر للجنب (قوله في موضعه) أي موضع رب المال (باب الرجل يبتاع صدقته) أي أيشتريها بعد إخراجها؟ (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَجَدَهُ يُبَاعُ فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ "لاَ تَبْتَعْهُ وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ". (ش) (قوله حمل علي فرس الخ) أَي تصدق به ووهبه لمن يقاتل عليه في سبيل الله تعالى ففي رواية البخاري تصدق بفرس في سبيل الله. والمراد أنه ملكه إياه فلذا ساغ له بيعه. وقيل إن عمركان قد وقفه. وإنما ساغ بيعه لهزال أصابه وضعف لحقه وانتهى به إلى حالة لا ينتفع به في الجهاد (قوله لا تبتعه) أي لا تشتره. وفي نسخة لاتبتاعه بإثبات الألف على خلاف القياس. ونهى عن ذلك لأن المتصدق عليه ربما يتسامح في الثمن بسبب تقدم إحسان المتصدق فيكون كالعائد في صدقته بذلك المقدار الذي سامح فيه. وظاهر النهي التحريم لقوله في رواية للبخاري "ولا تعد في صدقتك فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه" ولذا قال ابن المنذر ليس لأحد أن يتصدق بصدقة ثم يشتريها. ويلزم من ذلك فساد البيع إلا إن ثبت الإجماع علي جوازه اهـ وذهب الجمهور إلى أن النهي للتنزيه فلا يحرم على من تصدق بشيء أو أخرجه في زكاة أن يشتريه ممن دفعه إليه أو يستوهبه. واستدلوا بعموم قوله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لعامل عليها أو رجل اشتراها بماله. الحديث" أخرجه

باب صدقة الرقيق

مالك وأحمد والبزار عن أبي سعيد وسيأتي للمصنف في "باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني" وبما زاده البخاري في روايته من قوله، فبذلك كان ابن عمر لا يترك أن يبتاع شيئًا تصدق به إلا جعله صدقة" أي كان إذا اتفق له شراء ما تصدق به لا يتركه في ملكه بل يتصدق به ثانيًا فلوفهم ابن عمر من النهي التحريم ما أعاده إليه ثانيًا وتقرب بصدقته. ويلحق بالصدقة الكفارة والنذر وغيرهما من القربات. أما إذا ورثه فلا كراهة فيه اتفاقًا لما سيأتي للمصنف في "باب من تصدق بصدقة ثم ورثها" عن بريدة أن امراة أتت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت: كنت تصدقت على أمي بوليدة وإنها ماتت وتركت تلك الوليدة قال: قد وجب أجرك ورجعت إليك في الميراث. وكذا لواشترى صدقة غيره فلا كراهة (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية الصدقة في سبيل الله تعالى والإعانة على الجهاد وعلى أن من تصدق عليه بشيء جاز له بيعه. وعلى كراهة أخذ المتصدق صدقته ثانيًا ولو بشراء (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد ومسلم. وكذا النسائي عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال سمعت عمر يقول: حملت على فرس في سبيل الله عزّ وجلّ فأضاعه الذي كان عنده وأردت أن أبتاعه منه وظننت أنه بائعه برخص فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه (باب صدقة الرقيق) (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَيَّاضٍ قَالاَ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ نَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "لَيْسَ فِي الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ زَكَاةٌ إِلاَّ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ". (ش) (رجال الحديث) (محمد بن يحيى بن فياض) الحنفي أبو الفضل البصري روى عن أبيه وعبد الأعلي بن عبد الأعلى ويحيى القطان ووكيع وغيرهم. وعنه أبو داود والنسائي وابن صاعد وابن خزيمة. وثقه الدارقطني وذكره ابن حبان في الثقات. وفي التقريب ثقة من العاشرة. مات ست خمس وأربعين ومائتين. و(عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي. تقدم بالخامس ص 146. و (عبيد الله) بن عمر العمري. و (رجل) لم يسم ولعله إسماعيل بن أمية كما في رواية للنسائي. وقد تقدم بالخامس ص 79 (معنى الحديث) (قوله إلا زكاة الفظر في الرقيق) فتجب على سيده صدقة الفطر عنه على تفصيل يأتي في "باب زكاة الفطر" إن شاء الله تعالى. وفي هذا دلالة لمن قال بعدم وجوب

باب صدقة الزرع

الزكاة في الخيل والرقيق. وأجاب عنه من قال بوجوبها فيهما بأد المراد بالخيل في حديث الباب ونحوه خيل الغزو. قال أبو زيد الدبوسي في كتاب الأسرار. إن زيد بن ثابت لما بلغه حديث أبي هريرة قال: صدق رسول الله صل الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما أراد فرس الغازي. قال: ومثل هذا لا يعرف بالرأى فثبت أنه مرفوع. وروى أحمد بن زنجويه في كتاب الأموال: حدثنا علي بن الحسن حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال سألت ابن عباس عن الخيل فيها صدقة فقال: ليس على فرس الغازي في سبيل الله صدقة اهـ من العيني شرح أبي داود. وتقدم بيان المذاهب في ذلك مستوفى في "باب زكاة السائمة" ص 167 (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي وقال مكحول لم يسمعه من عراك اهـ وأخرجه الدارقطني من طريق جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: لا صدقة على الرجل في فرسه ولا في عبده إلا زكاة الفطر. وأخرجه أيضًا من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليس في الخيل والرقيق صدقة إلا أن في الرقيق صدقة الفطر. وأخرجه أحمد ومسلم والدارقطني من طريق مخرمة بن بكر عن أبيه عن عراك بن مالك قال سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر" (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ نَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلاَ فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ". (ش) الحديث بين (وقد) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (باب صدقة الزرع) (ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْهَيْثَمِ الأَيْلِيُّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالأَنْهَارُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ بَعْلًا الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي أَوِ النَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ".

قدر المفروض فيها. وجوبها في كل ما يقصد بالزرع وإن لم يبلغ نصابه

(ش) (الرجال) (هارون بن سعيد بن الهيثم) بن محمد بن الهيثم بن فيروز التميمي (الأيلي) أبو جعفر. روى عن ابن عيينة وابن وهب وبشر بن بكر وغيرهم. وعنه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأبو حاتم وجماعة. قال مسلمة بن قاسم كان مقدمًا في الحديث فاضلًا ووثقه النسائي وابن حبان وقال أبو عمر الكندي كان فقيهًا من أصحاب ابن وهب. توفي سنه ثلاثة وخمسين ومائتين (المعنى) (قوله فيما سقت السماء) يعني به المطر تسمية للحال باسم المحل لأنه ينزل منها قال تعالى (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) (قوله والأنهار) جمع نهر وهو الماء الجاري المتسع كالنيل والفرات (قوله والعيون)، جمع عين وهي الشق في الأرض أو في الجبل ينبع منه الماء (قوله أو كان بعلًا) بفتح الموحدة وسكون العين المهملة وهو ما يشرب بعروقه من الأرض من غير سقي سماء ولا غيرها كذا في النهاية. وفي القاموس البعل كل نخل وشجر وزرع لا يسقى أو ما سقته السماء اهـ (قوله العشر) بالرفع مبتدأ مؤخر خبره فيما سقت السماء (قوله بالسواني) جمع سانية وهي في الأصل الناقة التى يستقى عليها وقيل الدلو العظيمة وأداتها التي يستقى بها (وقوله أو النضح) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة في الأصل حمل البعير الماء من البئر ونحوه لسقي الزرع. والناضح البعير الذي يحمل الماء للسقي ثم استعمل في كل بعير وإن لم يحمل الماء. والمراد بهما هنا سقي الزرع بآله مطلقًا (والحديث) يدل على أنه يجب العشر في الزرع الذي سقي بغير آلة ونصف العشر فيما سقي بالنواضح ونحوها مما فيه مشقة. قال النووي وهو متفق عليه. وإن سقي الزرع بآلة تارة وبغير آلة تارة أخرى فإن كان ذلك متساويًا وجب ثلاثة أرباع العشر عند الجمهور. وهو قول للحنفية. والمشهور عنهم وجوب نصف العشر: وإن كان أحدهما أكثر من الآخر فقال أبو حنيفة والثوري وأحمد العبرة بالأكثر وهو أحد قولين مشهورين عند المالكية وأحد قولي الشافعي والآخر يؤخذ من كل بحسابه. وعن ابن القاسم العبرة بما تم به الزرع ولو كان أقل. وجعل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صدقة ما خفت مؤنته العشر توسعة على الفقراء وجعل صدقة ما ثقلت مؤنته نصف العشر رفقًا بأرباب الأموال (وظاهر الحديث) وجوب الزكاة في كل ما خرج من الأرض بلا شرط نصاب لا فرق بين الخضروات وغيرها وبه قال أبو حنيفة وزفر والقاسم والهادي وقيدوه بما يقصد بزراعته استغلال الأرض عادة. فلا زكاة عندهم في نحو حطب وحشيش وتبن وسعف وبذر بطيخ وقصب فارسي "المعروف بالبوص" لأنه لا يقصد بهذه الأشياء استغلال الأرض ونماؤها عادة بخلاف قصب السكر وبخلاف ما لو اتخذ أرضًا مشجرة أو مقصبة أو منبتًا للحشيش فتجب الزكاة في الخارج منها لأنه غلة وافرة. واستدلوا أيضًا بعموم قوله تعالى "خذ من أموالهم صدقة" وقوله (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا

المذاهب فيما تجب فيه زكاة الزرع

أخرجنا لكم من الأرض" وقوله (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) وذهب أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة إلى أن الزكاة إنما تجب فيما له ثمرة تبقى سنة بلا معالجة كثيرة سواء أكان مكيلًا كالتمر أم غير مكيل كالقطن والسكر. فإن كان مما يكال فلا بد أن يبلغ خمسة أوسق وإن كان مما لا يكال فعند أبي يوسف لا تجب فيه زكاة إلا إن بلغ قيمة نصاب من أدنى ما يكال فلا تجب في نحو القطن إلا إذا بلغت قيمته خمسة أوسق من نحو الشعير. وعند محمد لا زكاة فيه إلا إن بلغ خمسة أمثال من أعلى ما يقدر به نوعه. ففي نحو القطن لا تجب فيه إلا إن بلغ خمسة قناطير. وعلى هذا فلا زكاة في نحو الفواكه والخضروات كالفجل "بوزن قفل" والجرجير والخس بفتح أوله والنعناع "كصلصال" والمقدونس والثوم والبصل والكراث والقثاء والخيار والقرع "الدباء كرمان" والباذنجان والرجلة واللوبيا الخضراء والكرنب "كقنفذ" والقنبيط بضم وفتح مشدد وكسر والسلجم "كجعفر" وهو اللفت. واستدلا على عدم وجوب الزكاة فيها ذكر بحديث "ليس في الخضروات زكاة" رواه الدارقطني من عدة طرق عن موسى بن طلحة عن أبيه وعن أنس وفي كل مقال. ورواه ابن عدي في الكامل وأعله بالحارث بن نبهان في أحد طرقه وقال لا أعلم أحدًا يرويه عن عطاه غيره. وفي أحد طرقه محمد بن جابر قال فيه ابن معين ليس بشئ وقال الإِمام أحمد لا يحدث عنه إلا من هو شر منه. وبحديث عطاء بن السائب قال: أراد عبد الله بن المغيرة أن يأخذ من أرض موسى بن طلحة من الخضروات صدقة فقال له موسى بن طلحة ليس لك ذلك إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقول ليس في ذلك صدقة. رواه الأثرم في سننه مرسلًا. وكذا أخرجه الدارقطني والحاكم من حديث إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمه موسى بن طلحة عن معاذ. قال الحافظ وفيه ضعف وانقطاع. وبحديث معاذ أنه كتب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسأله عن الخضروات فقال: ليس فيها شيء رواه الترمذي وقال إسناده ليس بصحيح وليس يصح عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في هذا شيء والعمل على هذا عند أهل العلم أنه ليس في الخضروات صدقة اهـ يعني أكثر أهل العلم وإلا فقد تقدم أن أبا حنيفة وغيره يوجب فيها الزكاة. هذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة فقد رويت من عدة طرق يقوى بعضها بعضًا فتنهض لتخصيص العمومات. وذهب مالك والشافعي إلى أن الزكاة إنما تجب فيما تخرجه الأرض إذا بلغ نصابًا وكان مما يقتات ويدّخر من جنس ما يستنبته الآدميون كالقمح والشعير والسلت. وهو نوع من الشعير لا قشر له والدخن والذرة والأرز والعدس والحمص واللوبيا اليابسة والجلبان ونحوها. فلا زكاة فيما لا يقتات كالخضروات وحب الرشاد والكمون والكراوية والكسبرة والحلبة والفلفل وبزر

القول بأنها لا تجب إلا في القمح والشعير والتمر والزبيب والذرة

القطن وبزر الكتان وكذا الترمس والسمسم والزيتون وبزر الفجل مطلقًا والقرطم عند الشافعية وفيها الزكاة عند المالكية إلا حب الفجل الأبيض فليس فيه زكاة عندهم. وذهب أحمد إلى أن الزكاة إنما تجب فيما يكال ويبقى وييبس من جنس ما يستنبته الآدميون من الحبوب والثمار سواء أكان مقتاتًا كالقمح والشعير والسلت والذرة والأرز والدخن أم غير مقتات كالباقلا والفول والعدس والحمص. وكالكسبرة والكمون والسكراوية. وكبذر الكتان والقثاء والخيار وحب البقول كحب الرشاد وحب الفجل والقرطم والترمس والسمسم والحلبة وسائر الحبوب. وتجب أيضًا فيما جمع هذه الأوصاف من الثمار اليابسة كالتمر والزبيب والمشمش والتين واللوز والبندق والفستق. ولا زكاة في سائر الفواكه كلها كالخوخ والكثمرى والتفاح والمشمش والتين اللذين لا يجففان ولا في الخضروات كالقثاء والخيار والبطيخ والباذنجان واللفت والجزر. وذهب الحسن البصري والحسن بن صالح والثوري والشعبي إلى أن الزكاة لا تجب إلا في القمح والشعير والزبيب والتمر لحديث أبي موسى الأشعري ومعاذ حين بعثهما النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم فقال لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأربعة الشعير والحنطة والزبيب والتمر أخرجه الحاكم والدارقطني والطبراني والبيهقي وقال رواته ثقات وهو متصل. ولحديث محمد بن عبد الله العرزمي عن موسى بن طلحة أن عمر بن الخطاب قال: إنما سنّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الزكاة في هذه الأربعة الحنطة والشعير والزبيب والتمر، رواه الدارقطني. وأخرجه ابن ماجه من حديث محمد بن عبد الله العرزمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وزاد فيه الذرة. ومحمد بن عبد الله العرزمي قال أحمد ترك الناس حديثه وتكلم فيه غير واحد. وأخرج البيهقي من طريق مجاهد قال: لم تكن الصدقة في عهد النبي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا في خمسة. الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذرة. وأخرج أيضًا من طريق الحسن قال: لم يفرض الصدقة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا في عشرة فذكر الخمسة المذكورة والإبل والبقر والغنم والذهب والفضة. وأخرج من طريق الشعبيّ قال: كتب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى أهل اليمن إنما الصدقة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب. قال البيهقي هذه مراسيل طرقها مختلفة وهي يؤكد بعضها بعضًا، ومعها حديث أبي موسى وقول عمر وعلى وعائشة ليس في الخضروات زكاة اهـ وهذا هو الراجح لكثرة أدلته وهي وإن كان في بعضها ضعف يقوى بعضها بعضًا فتنتهض لتخصيص العمومات ولا يصح جعلها من باب التنصيص على بعض أفراد العام لما في ذلك من الحصر تارة والنفي لما عدا هذه الأشياء تارة أخرى. وقد جاءت هذه الروايات على هذا الطريق وكان ذلك هو البيان منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما أنزله الله تعالى فلا

تجب الزكاة في غير هذه الأشياء النباتات. والاحتجاج بثمل هذه العمومات مع عدم النظر إلى هذه الأدله الخاصة والإعراض عن وجوب بناء العام على الخاص محل نظر. قال في الروضة الندية إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد بين للناس ما نزل إليهم ففرض على الأمة فرائض في بعض أملاكهم ولم يفرض عليهم في البعض الآخر ومات على ذلك. وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما تقرر في الأصول. فمن زعم أن الزكاة تجب في غير ما بينه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم متمسكًا بالعمومات القرآنية كان محجوجًا بالأحاديث اهـ وقال في سبل السلام: الأصل المقطوع به حرمة مال المسلم ولا يخرج عنه إلا بدليل قاطع والعموميات لا ترفع ذلك الأصل وأيضًا فالأصل براءة الذمة وهذان الأصلان لم يرفعهما دليل يقاومهما فليس محل الاحتياط إلا ترك الأخذ من الذرة وغيرها مما لم يأت به إلا مجرد العموم الذي قد ثبت تخصيصه اهـ ولكن قد عملت من هذه الروايات المتقدمة أن الذرة مما وجبت فيها الزكاة وعلى ذلك الأئمة الأربعة وقال الرافعي قد ثبت أخذ الصدقة من الذرة بأمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ فأحاديث الذرة وإن كان في بعضها مقال يقوى بعضها بعضًا. وأيضا فالاحتياط لجانب الفقراء وجوب الزكاة في الذرة (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد: البخاري والنسائي وابن ماجه والدارقطني والترمذي وقال حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-: قَالَ "فِيمَا سَقَتِ الأَنْهَارُ وَالْعُيُونُ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ". (ش) (عمرو) بن الحارث. و (أبو الزببر) محمد بن مسلم بن تدرس. واستدل أبو حنيفة بعموم هذا الحديث والذي قبله على وجوب الزكاة في كل ما أخرجته الأرض قل أو كثر. والجمهور على أنهما لبيان ما يؤخذ فيه العشر ونصفه وهما مخصصان بحديث "ليس فما دون خمس أوسق صدقة، وباالأحاديث الدالة عل تخصيص وجوب الزكاة في القمح والشعير والتمر والزبيب (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد ومسلم والنسائي والدارقطني. قال المنذري قال النسائي ورواه ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر من قوله ولا نعلم أحدًا رفعه غير عمرو بن الحارث وحديث ابن جريج أولى بالصواب وإن كان عمرو أحفظ منه اهـ أقول رفعه زيادة من عمرو

دليل من قال إن القيمة لا تجزيء في الزكاة

ابن الحارث وزيادة الثقة مقبولة ولا سيما وأنه أحفظ (ص) حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ وَحُسَيْنُ بْنُ الأَسْوَدِ الْعِجْلِيُّ قَالاَ قَالَ وَكِيعٌ الْبَعْلُ الْكَبُوسُ الَّذِي يَنْبُتُ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ. قَالَ ابْنُ الأَسْوَدِ وَقَالَ يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ آدَمَ سَأَلْتُ أَبَا إِيَاسٍ الأَسَدِيَّ عَنِ الْبَعْلِ فَقَالَ الَّذِي يُسْقَى بِمَاءِ السَّمَاءِ. (ش) (الرجال) (حسين بن الأسود) وفي بعض النسخ إسقاط لفظ حسين وهو أبو عبد الله الكوفي. روى عن عبد الله بن نمير ووكيع ويونس بن بكير وأبي أسامة وطائفة وعنه أبو داود والترمذي وأبو حاتم وأبو يعلى وجماعة. قال ابن عدي يسرق الحديث وأحاديثه لا يتابع عليها. وقال الأزدي ضعيف. وقال أحمد لا أعرفه وذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ. توفي سنة أربع خمسين ومائتين (المعنى) (قوله البعل الكبوس الخ) أشار به إلى أحد تفسيري البعل فإنه تقدم أنه ما لا يسقى أصلًا أو ما يسقى بماء السماء والسكبوس ما يحفر لبزره في الأرض حتى يصل إلى الثرى ويغطى عليه بالتراب يقال كبس الرجل رأسه في ثوبه إذا أخفاه وقال الجوهري كبست النهر والبئر كبسًا طمستهما بالتراب اهـ. و (أبو إياس) معاوية بن قرة (ص) حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ نَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ -يَعْنِي ابْنَ بِلاَلٍ- عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ "خُذِ الْحَبَّ مِنَ الْحَبِّ وَالشَّاةَ مِنَ الْغَنَمِ وَالْبَعِيرَ مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرَةَ مِنَ الْبَقَرِ". (ش) (قوله خذ الحب من الحب الخ) يعنى إذا بلغ الحب خمسة أوسق، وخذ الشاة من الغنم إذا بلغت النصاب، وخذ البعير من الإبل إذا كان عددها خمسة وعشرين فأكثر لأن ما قبل ذلك يؤخذ فيه الشياه. خذ البقرة من البقر إذا بلغت النصاب (واستدل) بهذا الحديث من قال إن الزكاة تجب من عين الأموال ولا تجزئ القيمة إلا عند عدم الجنس المطلوب. ومنهم الشافعي وأصحابه والحنابلة إلا أن لهم في إخراج أحد النقدين عن الآخر قولين قول بالجواز وقول بالمنع واستدلوا أيضًا بما تقدم في حديث أبي بكر أول الباب من نصه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علي بنت المخاض وبنت اللبون والحقة والجذعة والتبيع والمسنة والشاة والشياه وغير

حجة من قال بإجزاء القيمة فيها

ذلك في أعداد مخصوصة فلا يجوز العدول عما نص عليه الشارع إلى غيره من غير ضرورة كما لا يجوز ذلك في الأضحية والكفارة. وبأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال في الحديث المذكور فيمن وجبت عليه جذعة وليست عنده وعنده حقة تقبل منه ويجعل معها شاتين إن تيسرتا له أو عشرين درهما. وهكذا بقية الجبرانات فلو كانت القيمة مجزئة لما قدره بما ذكر. وللمالكية في هذه المسألة أقوال جواز القيمة مطلقًا. وعدم الجواز مطلقًا. وجواز إخراج الذهب والفضة عن الحرث والماشية فقط مع الكراهة. وعدم الجواز فيما عدا ذلك. وقال أبو حنيفة والمؤيد بالله والناصر والمنصور باللهِ وزيد بن علي يجوز إخراج القيمة. واستدلوا بحديث طاوس قال معاذ لأهل اليمن ائتونى بعرض ثياب خميص أولبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالمدينة رواه البخاري معلقًا بصيغة الجزم الدالة على صحته عنده. والخبيص ثوب من خز له علمان. وبما في كتاب الصديق من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بفت مخاض أنثى. فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر. وقوله ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليس عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا لي أو عشرين درهما الخ وهذا نص في جواز دفع القيمة لما تقدم عنهم أن تقدير الفضل بالعشرين أو الشاتين لأنه كان قيمة التفاوت في زمانهم وابن اللبون يعدل بنت المخاض إذ ذاك. وقالوا إن الواجب أخذ الصدقة من المال لقوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) وتقييد الصدقة بأنها شاة ونحوها زيادة على كتاب الله تعالى وهو يجري مجرى النسخ وهو لا يجوز بخبر الواحد: وأما قوله في حديث الباب خذ الحب من الحب والشاة من الغنم الخ فلبيان ما هو أيسر على صاحب المال فلا ينافي جواز دفع القيمة "وقول" النووي إن المراد من أثر معاذ أخذ البدل عن الجزية لا عن الزكاة فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمره أن يأخذ في الزكاة عن الحب حبًا كما في حديث الباب وأن يأخذ في الجزية من كل حالم دينارًا أو عدله معافر. "يرده" تصريح معاذ بقوله في الصدقة كما في لفظ البخاري "وقولهم" إن أثر معاذ هذا فعل صحابي لا حجة فيه وفيه إرسال "فالجواب" أن معاذًا كان أعلم الناس بالحلال والحرام وقد بين له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما أرسله إلى اليمن ما يصنع، فلا يفعل مثل هذا من تلقاء نفسه. وأن المرسل حجة عند الحنفية ومن قال بقولهم "والجواب" عما في كتاب أبي بكر من أخذ ابن اللبون بدل بنت المخاض أن ابن اللبون منصوص عليه لا للقيمة لأنه لو كان قيمة ما أخذ بدلًا عن بنت المخاض إذا نقصت قيمته عنها مع أنه يؤخذ عنها مطلقًا ولأنه إنما يؤخذ عند عدم بنت المخاض ولو كان قيمة كما يقولو ن لجاز دفعه مع وجودها. وأجيب أيضًا عن أخذ الحقة والشاتين

باب زكاة العسل

أو عشرين درهما بدلًا عن الجذعة ونحو ذلك بأن ذلك معين وليس بقيمة إذ لو كان قيمة لكان تعينه عبثًا لأن القيمة تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة "وأجيب" عما قالوه من أن تقيد الصدقة بأنها شاة ونحوها زيادة على كتاب الله تعالى وهو يجري مجرى النسخ وهو لا يجوز بخبر الآحاد "بأن هذا" ليس بنسخ وإنما هو بيان للآية فإنها مجملة. إذا علمت هذا علمت أن الراجح أخذ الزكاة من عين المال لا يعدل عنه إلى القيمة إلا لحاجة كما تقدم (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ شَبَّرْتُ قِثَّاءَةً بِمِصْرَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ شِبْرًا وَرَأَيْتُ أُتْرُجَّةً عَلَى بَعِيرٍ بِقِطْعَتَيْنِ قُطِعَتْ وَصُيِّرَتْ عَلَى مِثْلِ عِدْلَيْنِ. (ش) وفي بعض النسخ "قال أبو علي سمعت أَبا داود يقول شبرت الخ" وذكر هذا إشارة إلى كثرة البركة في المال الذي تؤخذ زكاته وأنه ينمو نموًا عظيمًا، وإشارة إلى أنه دخل مصر وأنه كان من الرحالين الذين يجولون البلاد. والأترجة بضم الهمزة وسكون المثناة الفوقية وتشديد الجيم وقد تخفف واحدة الأترج نوع من الفاكهة كالليمونة استدارة ولونًا إلا أنها أكبر منها حجمًا وقشرها أغلظ وأذكى رائحة. أصل منبتها شمال الهند ثم نقلت إلى الجهات الدافئة كجنوب أوربا ومصر (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه والحاكم ومعه الدارقطني وفي إسناده عطاء عن معاذ قال البزار لا نعلم أن عطاء سمع من معاذ اهـ ولعله لما قيل من أنه ولد بعد موته بسنة (باب زكاة العسل) (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ نَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْمِصْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ جَاءَ هِلاَلٌ -أَحَدُ بَنِي مُتْعَانَ- إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِعُشُورِ نَحْلٍ لَهُ وَكَانَ سَأَلَهُ أَنْ يَحْمِيَ لَهُ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ سَلَبَةُ فَحَمَى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ الْوَادِي فَلَمَّا وُلِّيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- كَتَبَ سُفْيَانُ بْنُ وَهْبٍ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ عُمَرُ رضي الله عنه إِنْ أَدَّى إِلَيْكَ مَا كَانَ يُؤَدِّي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عُشُورِ نَحْلِهِ لَهُ فَاحْمِ لَهُ سَلَبَةَ وَإِلاَّ فَإِنَّمَا هُوَ ذُبَابُ غَيْثٍ يَأْكُلُهُ مَنْ يَشَاءُ.

(ش) (رجال الحديث) (موسى بن أعين) الجزري أبو سعيد (الحراني) روى عن مالك والأوزاعي وابن إسحاق ومعمر بن راشد وكثيرين وعنه سعيد بن أبي أيوب ونافع بن يزيد وعمرو بن عثمان وسعيد بن حفص وجماعة. وثقه أبو زرعة وأبو حاتم وابن معين والدارقطني. توفي سنة خمس أوسبع وسبعين ومائة. روى له الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه (المعنى) (قوله جاء هلال أحد بني متعان) هو خلاف هلال بن سعد كما استظهره الحافظ في الإصابة. وقيل هما واحد. وبنو متعان بضم الميم وسكون المثناة الفوقية قبيلة (قوله بعشور نحل له) أي بعشر عسله (قوله أن يحمى واديًا الخ) أي يحفظ له ذلك الوادي ويمنع غيره من الرعي فيه. وسلبة بفتح السين واللام وقد تسكن واد لبني متعان وفي بعض النسخ أن يحمي له واد بزيادة الجار والمجرور وإسقاط الياء من واد. والقياس إثباتها (قوله فلما ولي عمر) بفتح الواو وكسر اللام من باب ورث مبنيًا للفاعل أي تولى الخلافة. وبضم الواو وتشديد اللام المكسورة مبنيًا للمفعول أي جعل واليًا (قوله كتب سفيان بن وهب) هكذا في هذه الرواية وفي الرواية بعد "سفيان بن عبد الله" وهو الصواب كما سيأتي (قوله من عشور نحله) أي من نحل ذلك الوادي (قوله فإنما هو ذباب غيث الخ) أي وإن لم يؤد إليك ما كان يؤديه الى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلا تحفظ له ذلك الوادي ويكون عسله مباحًا لمن شاء. والمراد بالذباب النحل وأضافه إلى الغيث الذي هو المطر لأنه غرس الأزهار والأعشاب التي تنشأ عن المطر. وسمي ذبابًا لأنه يقع على الأزهار كما يقع الذباب على ذي الدسومة أو الحلوى (وبالحديث) استدل أبو حنيفة وأحمد وإسحاق على وجوب العشر في العسل وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم. وروي عن عمر وابن عباس وعمر بن عبد العزيز وأبي يوسف ومحمد. غير أن أبا حنيفة أوجب الزكاة فيه إذا كان في أرض عشرية قل أو كثر. وعند أبا يوسف لا زكاة فيه حتى يبلغ عشر قرب كل قربة خمسون رطلًا عراقيًا لحديث عمرو الآتي. وعنه أنه لا بد أن تبلغ قيمته خمسة أوسق من أقل ما يوسق كالشعير. وعند محمد لا زكاة فيه حتى يبلغ خمسة أفراق كل فرق ستة وثلاثون رطلًا عراقيًا. وعند أحمد والزهري لا زكاة فيه حتى يبلغ عشرة أفراق لما رواه الجوزجاني بسنده إلى عمر أن أناسًا سألوه فقالوا: إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قطع لنا واديًا باليمن فيه خلايا من نحل وإنا نجد ناسًا يسرقونها فقال عمر إن أديتم صدقتها من كل عشرة أفراق فرقًا حميناها لكم. ومثل هذا لا يكون إلا عن توقيف من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والفرق ستة عشر رطلًا. وقيل ستون رطلًا. وقال مالك والشافعي والحسن بن صالح وابن أبي ليلي وابن المنذر والثوري لا زكاة في العسل مطلقًا قل أو كثر خرج من أرض عشرية أم لا وهو المروي عن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز. وحكي عن عليّ وحكاه ابن عبد البر عن الجمهور

بيان حال الأحاديث الواردة في زكاته

قالوا لأنه مائع خارج من حيوان فأشبه اللبن. ولما رواه مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر ابن حزم قال جاء كتاب من عمر بن عبد العزيز إلى أبي وهو بمنى أن لا يأخذ من العسل ولا من الخيل صدقة. وما أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة بإسناد صحيح إلى نافع مولى ابن عمر. قال بعثني عمر بن عبد العزيز على اليمن فأردت أن آخذ من العسل العشر فقال المغيرة بن حكيم الصنعاني ليس فيه شيء فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز فقال صدق وهو عدل رضا ليس فيه شيء (وأجابوا) عن حديث هلال بأنه تطوع بما دفعه مكافأة على حماية ذلك الوادي له كما يدل عليه ما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج قال أخبرنا صالح بن دينار أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله في العسل فجمع أهل العسل فشهدوا أن هلال بن سعد جاء إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعسل فقال ما هذا؟ فقال صدقة فأمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم جاء مرة أخرى فقال ما هذا؟ فقال صدقة فأمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأخذها ورفعها ولم يذكر عند ذلك عشورًا ولا نصف عشور إلا أنه أخذها فكتب بذلك إلى عمر بن عبد العزيز. قال: فكنا نأخذ ما أعطونا من شيء ولا نسأل عشورًا ولا شيئًا فما أعطونا أخذنا. والأحاديث الدالة على أن العسل فيه زكاة في جميعها مقال، قال ابن المنذر ليس في وجوب الصدقة في العسل خبر يثبت ولا إجماع فلا زكاة فيه اهـ. وقال البخاري في تاريخه ليس في زكاة العسل شى يصح اهـ. وقال الترمذي لا يصح في هذا الباب شيء (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي وسكت عليه. وقال الدارقطني يروى عن عبد الرحمن ابن الحارث وابن لهيعة عن عمرو بن شعيب مسندًا. ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرو بن سعيد عن عمر مرسلًا اهـ وقال الحافظ عبد الرحمن وابن لهيعة ليسا من أهل الإتقان لكن تابعهما عمرو بن الحارث أحد الثقات، وتابعهما أسامة بن زيد عن عمرو بن سعيد عند ابن ماجه وغيره اهـ ولفظ حديث أسامة بن زيد عند ابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله ابن عمر وعن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه أخذ من العسل العشر. وأخرج ابن ماجه من طريق سليمان بن موسى عن أبي سيارة المتعى. قال قلت يا رسول الله إن لي نحلا قال أدّ العشر قلت يا رسول الله احمها لي فحماها لي. وهو منقطع لأن سليمان بن موسى لم يدرك أحدًا من الصحابة كما ذكره البخاري (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ نَا الْمُغِيرَةُ -وَنَسَبَهُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيِّ- قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ شَبَابَةَ -بَطْنٌ مِنْ فَهْمٍ-

فَذَكَرَ نَحْوَهُ قَالَ مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةٌ وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ قَالَ وَكَانَ يَحْمِي لَهُمْ وَادِيَيْنِ زَادَ فَأَدَّوْا إِلَيْهِ مَا كَانُوا يُؤَدُّونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَحَمَى لَهُمْ وَادِيَيْهِمْ. (ش) (رجال الحديث) (المغيرة) بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي أبو هاشم. روى عن أبيه وأمه سعدى بنت عوف وأرسل عن خالد بن الوليد. وعنه إسحاق بن يحيى وإسحاق بن يسار ومالك. قال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث وقال أبو حاتم صالح الحديث ثقة وذكره ابن حبان في الثقات (قوله ونسبه الخ) أي نسب أحمد بن عبدة المغيرة إلى أبيه فقال نا "المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث" وفي نسخة وأحسبه يعني ابن عبد الرحمن بدل قوله ونسبه إلى عبد الرحمن (المعنى) (قوله أن شبابة بطن من فهم) أي قبيلة صغيرة من قبيلة كبيرة. فاسم الصغيرة شبابة واسم الكبيرة فهم. وشبابة بفتح الشين المعجمة والموحدتين قوم من خثعم نزلوا الطائف أو السراة وكانوا يتخذون النحل حتى نسب إليهم العسل فكانوا يقولون عسل شبابى (قوله فذكر نحوه) أي ذكر عبد الرحمن بن الحارث عن عمرو بن شعيب نحو حديث عمرو بن الحارث عنه. لكن قال عبد الرحمن من كل عشر قرب قربة ولم يذكره عمرو (قوله وقال سفيان بن عبد الله الثقفي) أي قال عبد الرحمن بن الحارث في روايته فلما ولي عمر بن الخطاب كتب سفيان بن عبد الله الثقفي إلى عمر بن الخطاب الخ بدل سفيان بن وهب في رواية عمرو بن الحارث. والصواب قول عبد الرحمن: وسفيان بن عبد الله بن أبي ربيعة بن الحارث الثقفي له صحبة وكان عامل عمر على الطائف (قوله وكان يحمي لهم واديين الخ) أي قال عبد الرحمن بن الحارث في روايته وكان حمر بن الخطاب يحمي لشبابة واديين بالتثنية أما رواية عمرو بن الحارث فيفها واديًا بالإفراد. وزاد عبد الرحمن في روايته فأدوا إلى سفان بن عبد الله ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (ص) حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ بَطْنًا مِنْ فَهْمٍ بِمَعْنَى الْمُغِيرَةِ قَالَ مِنْ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةٌ. وَقَالَ وَادِيَيْنِ لَهُمْ. (ش) (قوله أن بطنا من فهم) شبابة المتقدمة في الرواية السابقة (قوله بمعنى

باب في خرص العنب

المغيرة الخ) أي ذكر أسامة بن زيد في روايته معنى حديث المغيرة بن عبد الرحمن السابق، غير أن أسامة قال في روايته. من عشر قرب قربة بإسقاط كل. وقال. وكان يحمي واديين لهم. بتأخير لفظ لهم (وهذه الرواية) أخرجها الطبراني من طريق أحمد بن صالح قال: حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن بني شبابة بطن من فهم كانوا "يؤدون" إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم عن نحل كان لهم "العشر" من كل عشر قرب قربة، وكان يحمي واديين لهم. فلما كان عمر استعمل على ما هناك سفيان بن عبد الله الثقفي، فأبوا أن يؤدوا إليه شيئًا وقالوا: إنما كنا نؤديه إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فكتب سفيان إلى عمر فكتب إليه عمر: إنما النحل ذباب غيث يسوقه الله عَزَّ وَجَلَّ رزقًا إلى من يشاء. فإن أدوا إليك ما كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فاحم لهم أوديتهم وإلا فخل بينه وبين الناس. فأدوا إليه ما كانوا يؤدون إلى رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وحمى لهم أوديتهم (وفي هذه الروايات) حجة لأبي يوسف القائل بوجوب الزكاة في العسل وأن نصابه عشر قرب وأن الواجب فيه العشر وقد علمت بيانه (باب في خرص العنب) أي تقدير ما على الكرم من العنب يقال خرصت العنب خرصًا من باب قتل قدرت ثمره والاسم الخرص بالكسر (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ السَّرِيِّ النَّاقِطُ نَا بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُخْرَصَ الْعِنَبُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ وَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤْخَذُ زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا. (ش) (رجال الحديث) (عبد العزيز بن السري) البصري. روى عن بشر بن منصور ومبشر بن إسماعيل وصالح المزي. وعنه إبراهيم بن سعيد الجوهري ويحيى بن موسى وعبيد الله بن جرير. وروى عنه أبو داود هذا الحديث فقط. قال في التقريب مقبول من العاشرة و(الناقط) نسبة لي نقط المصاحف. ويقال له النقاط والناقد بالدال المهملة نسبة إلى نقد الحديث ومعرفة صحيحة من سقيمه. و(عتاب بن أسيد) بفتح أوله ابن أبي العيص بكسر أوله ابن أمية بن عبد شمس أبو عبد الرحمن الأموي المكي. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه عطاء

زكاة ما يجف من الرطب والعنب

ابن أبي رباح وسعيد بن أبي عقرب. والمسيب بن سعيد. استعمله النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على مكة عام الفتح في خروجه إلى حنين ولم يزل .. عاملًا عليها حتى قبض رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأقره أبو بكر فلم يزل عليها إلى أن مات يوم مات أبو بكر روى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (المعنى) (قوله أمر رسول الله أن يخرص العنب الخ) بالمثناة التحتية مبنيًا للمفعول وفي بعض النسخ أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم أن نخرص بالنون مبنيًا للفاعل. وجعل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرص العنب كخرص النخل لأنه يخرص من التمر ما يحيط به البصر ظاهرًا ولا يحول دونه حائل ولا يخفى في ورق الشجر. والعنب فيه هذا المعنى فلذا شبه بالنخل بخلاف سائر الثمار فإن هذا المعنى معدوم فيها. أو لأن خيبر فتحت أولًا سنة سبع وبها نخل وبعث إليهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عبد الله بن رواحة فخرصها. فلما فتح الطائف وبها عنب كثير أمر بخرصه كخرص النخل المعروف عندهم. وحكمة الخرص أن الفقراء شركاء أرباب الأموال في الثمر فلو منع أرباب الأموال من الانتفاع بثمارهم إلى أن تبلغ غايتها في الصلاح لأضر ذلك بهم. ولو انبسطت أيديهم فيها لأخل ذلك بحق الفقراء منها. ولما كانت الأمانة غير متحققة عند كل واحد من أرباب الأموال وعمالهم وضعت الشريعة هذا الضابط ليتوصل به أرباب الأموال إلى الانتفاع بها ويحفظ للمساكين حقوقهم (قوله وتؤخذ زكاته الخ) أشار به إلى أن الزكاة لا تخرج عقب الخرص وإنما تخرج إذا صار الرطب تمرًا والعنب زبيبًا فهو محمول على ما من شأنه أن يجفف من العنب والرطب. أما ما لا يجفف منهما فتجب فيه الزكاة عند أبي حنيفة قل أو كثر كباقي الفواكه وتخرج من عينه أو قيمته. وذهب أبو يوسف ومحمد إلى أنه لا زكاة فيه بناء على أصلهما من أن الزكاة إنما تفرض فيما يبقى سنة بلا علاج كثير. وقالت المالكية يخرج من ثمنه إن بيع وإلا فمن قيمته يوم طيبه ولا يجزئ الإخرإج من عينه. وذهبت الشافعية والحنابلة إلى وجوب الزكاة فيه، ويخير الساعي بين أن يقاسم رب المال في الثمرة بالخرص قبل القطع ويعين نصيب الفقراء في نخلة أو نخلات ثم يفرق الثمرة بينهم أو يبيعها للمالك أو غيره ويعطى ثمنها للفقراء وبين أن يقطع الثمرة ويقاسم المالك بالكيل أو الوزن ويعطى الفقراء حقهم أو يبيعها ويعطيهم ثمنها: ولا يقال مقتضى الأصل أنه لا زكاة في هذا لأنه لا يدخر فهو كالخضروات لأن هذا يدخر في الجملة (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي والترمذي وابن ماجه والدارقطني. وفيه انقطاع قال ابن قانع سعيد بن المسيب لم يدرك عتابًا. وقَالَ أَبُو دَاوُدَ سَعِيدٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَتَّابٍ شَيْئًا. كما صرح به في بعض النسخ. وقال المنذري انقطاعه ظاهر لأن مولد سعيد في خلافة عمر ومات

باب في الخرص

عتاب يوم مات أبو بكر اهـ ونحوه لابن عبد البر. ورواه الدارقطني من طريق الواقدي عن عبد الرحمن بن عبد العزيز عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن المسور بن مخرمة عن عتاب ابن أسيد الخ لكن قال أبو حاتم: الصحيح عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر عتابًا مرسل اهـ على أن الواقدي ضعيف. وقال النووي هذا الحديث وإن كان مرسلًا لكن اعتضد يقول الأئمة اهـ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسَيَّبِيُّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ التَّمَّارِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ. (ش) (قوله بإسناده ومعناه) أي بإسناد حديث عبد الرحمن بن إسحاق السابق ومعناه. (ولفظه) عند الدارقطني أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال في زكاة الكرم إنها تخرص كما يخرص النخل ثم تؤدي زكاته زبيبًا كما تؤدى زكاة النخل تمرًا. ورواه أيضًا من عدة طرق (ولفظه) عند الترمذي وابن ماجه أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم (باب في الخرص) أي تقدير ما على النخل من الرطب تمرًا وما على الكرم من العنب زبيبًا (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا شُعْبَةُ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ جَاءَ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ إِلَى مَجْلِسِنَا قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "إِذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا أَوْ تَجِدُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ". (ش) (رجال الحديث) (عبد الرحمن بن مسعود) بن نيار الأنصاري. روى عن سهل بن أبي حثمة. وعنه خبيب بن عبد الرحمن. قال ابن القطان لا يعرف حاله. وذكره ابن حبان في الثقات وقال التقريب مقبول من الرابعة. وقال البزار معروف. روى له أبو داود والنسائي والترمذي هذا الحديث فقط (معنى الحديث) (قوله إذا خرصتم فجذوا) أي إذا قدر العامل الثمار وعرفتم حق الله فيها فاقطعوا منها ما شئتم. وهو أمر للإباحة يقال جذه يجذه من باب قتل إذا قطعه، ويحتمل أن جذوا فعل ماض معطوف على الشرط وجوابه محذوف أي إذا

التوسعة بترك بعض الثمرة بلا خرص

قدرتم الثمار ثم قطعها أربابها فخذوا زكاتها. وفي بعض النسخ فخذوا بالخاء والذال المعجمتين أي إذا قدرتم الثمار فقد أبيح لكم أخذ الزكاة. وفي بعضها فجدوا بالجيم والدال المهملة من الجد بمعنى الاجتهاد. يقال جد يجد من بابي قتل وضرب إذا اجتهد. والمعنى إذا قدرتم الثمار فاجتهدوا في التقدير خشية الإجحاف بالفقراء أو أرباب الأموال. وفي بعضها فحذوا بالحاء المهملة والذال المعجمة من الحذ وهو الجذ (قوله ودعوا الثلث) يحتمل أن يكون المراد اتركوا ثلث الزكاة ليتصدق به رب المال بنفسه على أقاربه وجيرانه فلا يغرم لهم من ماله شيئًا. ويحتمل أن يكون المراد اتركوا الثلث من نفس الثمرة فلا يؤخذ عليه زكاة رأفة بأرباب الأموال فإنه يكون منه الساقطة والهالكة وما يأكله الطير والناس فلو أخذت الزكاة على جميع المال أضر بربه. وكان عمر بن الخطاب يأمر الخرّاص بذلك. وبه قال أحمد. قال في المغني على الخارص أن يترك في الخرص الثلث أو الربع توسعة على أرباب الأموال لأنهم يحتاجون إلى الأكل وأضيافهم ويطعمون جيرانهم وأهلهم وأصدقاءهم وسؤالهم ويكون في الثمرة الساقطة وينتابها الطير وتأكل منه المارة. فلو استوفى العامل الكل منهم أضرّ بهم. وبهذا قال إسحاق والليث وأبو عبيد. والمرجع في تقدير المتروك إلى الساعي باجتهاده فإن رأى الأكلة كثيرًا ترك الثلث. وإن كانوا قليلًا ترك الربع: وذكر حديث الباب. وقال. وروى أبو عبيد بإسناده عن مكحول قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا بعث الخراص قال خففوا على الناس فإن في المال العرية والواطئة والأكلة اهـ والعرية نخلات يهبها رب المال لشخص يجنى ثمارها. والواطئة المارة في الطريق سموا بذلك لوطئهم بلاد الثمار مجتازين. والأكلة أرباب الثمار وأقاربهم وجيرانهم. وبترك الثلث من الثمرة قال مالك والشافعي في الجديد. وقال في القديم يدع لأهل الثمار نخلة أو نخلات يأكلها أهله ويختلف ذلك باختلاف حال الرجل في قلة عياله وكثرتهم. ولا نعلم له دليلًا على ذلك (قوله فإن لم تدعوا أو تجذوا الخ) أي إن لم يترك العمال الثلث أو إن لم يقطع أرباب الأموال من الثمر شيئًا فاتركوا الربع على ما ذكر، فالخطاب في قوله تدعوا للعمال. فالخيار لهم بين ترك الثلث أو الربع. والخطاب في قوله تجذوا لأرباب الأموال. وفي نسخة أو تجدوا بالدال المهملة أي إن لم تجدوا ترك الثلث مناسبًا فدعوا الربع فأو للشك من الراوي (وفي الحديث) دلالة على مشروعية الخرص وهو قول أكثر أهل العلم. قال الماوردي الدليل على جواز الخرص ورود السنة قولًا وفعلًا وامتثالًا أما القول فحديت عتاب، وأما الفعل لحديث البخاري. وأما الامتثال فما روى أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان له خراصون اهـ وحديث عتاب الحديث السابق: وحديث البخاري ما رواه بسنده إلى أبي حميد الساعدي قال: غزونا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غزوة تبوك فلما جاء وادي القوى إذ امرأة في حديقة لها فقال النبي صلى الله تعالى عليه

الخلاف في حكم الخرص وما يكون فيه

وعلى آله وسلم لأصحابه اخرصوا. وخرص رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عشرة أوسق (الحديث) واختلف في حكمه وفيم يكون: فذهب مالك وأصحابه إلى وجوبه في العنب والرطب فقط وهو قول شريح وأبي جعفر وبعض أهل الظاهر وقول للشافعي. وقالت الشافعية والحنابلة يسن فيهما لا في غيرهما. واستدل هؤلاء بحديث الباب والذي قبله. قال في النيل: قيل ويقاس علي الرطب والعنب غيرهما مما يمكن ضبطه بالخرص. واختلف في خرص الزرع فأجازه للمصلحة الإِمام يحيى اهـ ببعض تصرف: لكن الراجح قصر الخرص على العنب والتمر وقوفًا مع النص. وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز الخرص لأنه ظن وتخمين ولحديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الخرص وقال: أرأيتم إن هلك التمر أيحب أحدكم أن يأكل. مال أخيه بالباطل؟ رواه الطحاوي (وأجابوا) عن حديث الباب ونحوه بأنه كان قبل تحريم الربا ثم نسخ. ودعوى أن تحريم الربا متقدم على الخرص غير مسلم. فإن تحريم الربا إنما كان في حجة الوداع كما في حديث جابر الطويل الآتي للمصنف في "باب صفة حج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وعلى فرض عدم النسخ فالخرص إنما كان تخويفًا للأكرة لئلا يخونوا. فان فعل لذلك فلا بأس والأكرة بفتحات جميع أكار وهو من يزرع الأرض. وحكي عن الشعبي أن الخرص بدعة (وأجيب) بأن العمل بالخرص بقي طول حياته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعمل به أبو بكر وعمر في زمانهما. فقد روى الحاكم من طريق حماد عن زيد عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بعثه إلى خرص التمر وقال: إذا أتيت أرضًا فاخرصها ودع لهم قدر ما يأكلون. قال الخطابي وعامة الصحابة على تجويزه والعمل به ولم يذكر عن أحد منهم خلاف اهـ وقال الحافظ ابن القيم في إعلام الموقعين: المثال التاسع والعشرون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في خرص الثمار في الزكاة والعرايا وغيرها إذا بدا صلاحها. ثم ذكر أحاديث الخرص وقال: ادّعى جماعة رد هذه السنن كلها بقوله تعالى {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} قالوا والخرص من باب القمار والميسر فيكون تحريمه ناسخًا لهذه الآثار, وهذا من أبطل الباطل. فإن الفرق بين القمار والميسر والخرص المشروع كالفرق بين البيع والربا والميتة والمذكاة. وقد نزه الله رسوله وأصحابه عن تعاطي القمار وعن شرعه وإدخاله في الدين. ويالله العجب أكان المسلمون يقامرون إلى زمن خيبر؟ ثم استمروا على ذلك إلى عهد الخلفاء الراشدين ثم انقضى عصر الصحابة وعصر التابعين على القمار ولا يعرفون أن الخرص قمار حتى بينه بعض فقهاء الكوفة. هذا والله الباطل حقًا والله الموفق للصواب اهـ ببعض تصرف وقولهم إن الخرص كان تخويفًا للأكرة دعوى لا دليل عليها بل يردها حديث الباب السابق. ومن هذا تعلم أن الراجح. القول

باب متى يخرص التمر؟

بمشروعية الخرص في التمر والعنب أخذًا بظاهر الحديث وهو وإن كان في سنده عبد الرحمن بن مسعود. وفيه مقال: إلا أن الحاكم صحح إسناده وقال له شاهد بإسناد متفق على صحته إن عمر بن الخطاب أمر به. وساق حديثه السابق. ويقويه أيضًا حديث الباب السابق وعلى الصحابة والتابعين (فقه الحديث) دل الحديث على الحث على المحافظة على حقوق الفقراء. وعلى الرأفة بأرباب الأموال حيث أمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يترك لهم الثلث أو الربع (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي والترمذي وابن حبان والحاكم وصححه. وفي بعض النسخ زيادة (قَالَ أَبُو دَاوُدَ الْخَارِصُ يَدَعُ الثُّلُثَ لِلْخَرَفَةِ) بالخاء المعجة والراء المفتوحتين جمع خارف وهو الذي يخرف الثمرة أي يجتنيها ويقتطعها. والخرفة بالضم اسم لما يقتطع ويجتنى من الثمار حين بدوّ صلاحها. والمعنى أن الخارص يترك ثلث الثمار من غير تخريص لمن يجتنى الثمار ويقتطعها. وفي نسخة لِلْحِرْفَةِ بالحاء المهملة. يعني يترك الخارص ثلث الثمار من غير تخريص لأجل العاملين في إصلاحها. وفي بعض النسخ زيادة قوله "وكذا قال يحيى القطان" (باب متى يخرص التمر؟ ) أي في أي زمن يقع خرصه؟ (ص) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ نَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أُخْبِرْتُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ وَهِيَ تَذْكُرُ شَأْنَ خَيْبَرَ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ فَيَخْرِصُ النَّخْلَ حِينَ يَطِيبُ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ. (ش) (حجاج) بي محمد الأعور. و (ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قوله أخبرت عن ابن شهاب) لم تعرف الواسطة بين ابن جريج وابن شهاب (قوله وهي تذكر شأن خيبر) يعني ما وقع في فتحها (قوله يبعث عبد الله بن رواحة) بن ثعلبة بن امرئ القيس ابن عمرو الأنصاري المخزومي أبو محمد. كان من السابقين الأولين وكان أحد النقباء ليلة العقبة وشهد بدرًا وما بعدها وهو الذي جاه ببشارة وقعة بدر إلى المدينة وكان عظيم القدر في الجاهلية والإسلام. قتل بغزوة مؤتة سنة ثمان (قوله فيخرص النخل الخ) أرسله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لذلك لأنه قد ساقهم بعد فتح خيبر على أن يعملوا في نخيلهم ويكون لهم النصف من الثمار، وأمر صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم بخرص نخيلهم ليظهر نصيب اليهود من نصيبه وليعلم قدر الزكاة فيما يكون في نصيبه. فقد روى الدارقطني من طريق ابن جرير بسنده إلى عائشة أنها قالت وهي تذكر

باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة

شأن خيبر كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يبعث ابن رواحة إلى اليهود فيخرص النخل حين يطيب أول الثمرة قبل أن يؤكل منها ثم يخير اليهود يأخذونها بذلك الخرص أو يدفعونه إليهم بذلك الخرص. وأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالخرص لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفرق. (فقه الحديث) دل الحديث على أن أول وقت خرص التمر يكون عند بدو صلاحه. وعلى أنه يعمل بخبر الواحد في الخرص وبه قالت المالكية والحنابلة وجماعة من الشافعية إن كان عدلًا عارفًا، قال جماعة من الشافعية لا بد من اثنين. (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والدارقطني وفي إسناده رجل مجهول. ورواه عبد الرزاق والدارقطني بدون واسطة بين ابن جريج والزهري. (باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة) أي ما لا يحل إعطاؤه من الثمرة في الزكاة. وفي بعض النسخ من الثمر. وفي بعضها إسقاط هذه الترجمة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ نَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ نَا عَبَّادٌ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْجُعْرُورِ وَلَوْنِ الْحُبَيْقِ أَنْ يُؤْخَذَا فِي الصَّدَقَةِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ لَوْنَيْنِ مِنْ تَمْرِ الْمَدِينَةِ. (ش) (الرجال) (سعيد بن سليمان) تقدم بالسابع ص 184. و (عباد) بن العوام ابن عمر بن عبد الله أبو سهل الواسطي. روى عن حميد الطويل وعوف الأعرابي وحجاج بن أرطأة وسعيد بن أبي عروبة وغيرهم. وعنه أحمد بن حنبل وسعيد بن سليمان الواسطي وعمران ابن ميسرة ومحمد بن الصباح الدولابي وجماعة. وثقه ابن معين والعجلي وأبو داود والنسائي وأبو حاتم وقال ابن خراش صدوق وقال ابن سعد كان يتشيع وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الأثرم عن أحمد مضطرب الحديث عن سعيد بن أبي عروبة. مات سنة سبع وثمانين ومائة وله سبعون سنة. روى له الجماعة (وأبو أمامة) أسعد بن سهل بن حنيف تقدم بالثالث صفحة 205 (المعنى) (قوله نهى رسول الله عن الجعرور الخ) بضم الجيم وسكون العين الهملة بوزن عصفور نوع رديء من التمر لا خير فيه. ولون الحبيق بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة تمر صغير رديء أغبر فيه طول منسوب إلى ابن حبيق اسم رجل (قوله قال الزهري لونين من تمر المدينة)

أى قال الزهري يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجعرور والحبيق صنفين رديئين. فلونين مفعول لمحذوف أو بدل من الجعرور وما عطف عليه. وفي نهيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ذلك دلالة على أنه لا يجوز لرب المال أن يدفع في زكاة التمر الردئ بدلًا عن الجيد الذي وجبت فيه الزكاة. وهو نص في التمر وتقدم النهي عن أخذ الرديء في كل الأموال الذي "باب زكاة السائمة" (والحديث) أخرجه أيضًا الحاكم والدارقطني بأتم مما هنا عن سهل قال: أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بصدقة فجاء رجل من هذا السخل بكبائس. قال سفيان يعني الشيص فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من جاء بهذا؟ وكان لا يجيء أحد بشيء إلا نسب إلى الذي جاء به. فنزلت "ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون" قال: ونهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الجعرور ولون الحبيق أن يؤخذا في الصدقة. قال الزهري لونين من تمر المدينة. والسخل بضم السين المهملة وتشديد الخاء المعجمة المفتوحة الشيص ذكره سفيان. والكبائس جمع كباسة بكسر الكاف العذق وهو من التمر كالعنقود من العنب (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَأَسْنَدَهُ أَيْضًا أَبُو الْوَلِيدِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. (ش) (أبو الوليد) الطيالسي. وأشار به إلى طريق آخر للحديث متصل فهو ترجيح للرفع (وقد وصله) الدارقطني قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل ثنا يوسف بن موسى ثنا أبو الوليد ثنا سليمان بن كثير ثنا الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "نهى عن لونين من التمر الجعرور ولون الحبيق" وكان الناس يتيممون شر ثمارهم فيخرجونها في الصدقة فنهوا عن لونين من التمر ونزلت {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} وأخرج نحوه النسائي من طريق عبد الجليل بن حميد اليحصبي أن ابن شهاب حدثه قال حدثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف في الآية التي قال الله عَزَّ وَجَلَّ {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} قال هو الجعرور ولون الحبيق. فنهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يؤخذ من الصدقة الرذالة اهـ. والرذالة بضم الراء. وبالذال المعجمة الرديء (وأخرجه) مالك موقوفًا على ابن شهاب قال: لا يؤخذ في صدقة النخل الجعرور ولا مصران القارة "نوع رديء من التمر"، ولا عذق ابن حبيق قال ابن شهاب: وهو يعد على صاحب المال ولا يؤخذ منه في الصدقة. قال مالك: وانَّما مثل ذلك الغنم تعدّ على صاحبها بسخالها. والسخل لا يؤخذ منه في الصدقة وقد يكون في الأموال ثمار لا تؤخذ الصدقة منها من ذلك البردى "نوع جيد من التمر" وما أشبهه لا يؤخذ من أدناه كما لا يؤخذ من خياره وإنما تؤخذ الصدقة من أوساط المال (ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ الأَنْطَاكِيُّ نَا يَحْيَى -يَعْنِي الْقَطَّانَ- عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ

التنفير من إخراج الرديء في الزكاة

جَعْفَرٍ حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ أَبِي عَرِيبٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- الْمَسْجِدَ وَبِيَدِهِ عَصًا وَقَدْ عَلَّقَ رَجُلٌ مِنَّا قِنًا حَشَفًا فَطَعَنَ بِالْعَصَا فِي ذَلِكَ الْقِنْوِ وَقَالَ "لَوْ شَاءَ رَبُّ هَذِهِ الصَّدَقَةِ تَصَدَّقَ بِأَطْيَبَ مِنْهَا". وَقَالَ "إِنَّ رَبَّ هَذِهِ الصَّدَقَةِ يَأْكُلُ الْحَشَفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (ش) (رجال الحديث) (صالح بي أبى عريب) بفتح المهملة واسم أبى عريب قليب مصغرًا ابن حرمل بن كليب الحضرمي. روى عن كثير بن مرة وخلاد بن السائب. وعنه حيوة بن شريح والليث وعبد الحميد بن جعفر الأنصاري وغيرهم. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من الثالثة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه (المعنى) (قوله وقد علق رجل منا قنا حشفا) بفتح القاف وكسرها مقصورًا وهو مرادف للقنو وهو العذق بما فيه من الرطب قال في اللسان والقنو "الكسر والضم" والقنا "بالكسر والفتح" الكباسة والجمع أقناء وقنوان وقنيان قلبت الواو ياء اهـ بتصرف والحشف بفتحتين اليابس الرديء من التمر. وكانوا يعلقون مثل ذلك في المسجد ليأكل منه من يحتاج إليه كما في رواية ابن ماجه عن البراء بن عازب قال كانت الأنصار تخرج إذا كان جداد النخل من حيطانها أقناء البسر فيعلقونه على حبل بين أسطوانتين في مسجد رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيأكل منه فقراء المهاجرين فيعمد أحدهم فيدخل قنو الحشف يظن أنه جائز في كثرة ما يوضع من الأقناء فنزل فيمن فعل ذلك {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} يقول لا تعمدوا للحشف منه تنفقون {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} يقول لو أهدي لكم ما قبلتموه إلا على استحياء من صاحبه غيظًا. أنه بعث إليكم ما لم يكن لكم فيه حاجة واعلموا أن الله غني عن صدقاتكم اهـ وقوله يظن أنه جائز في كثيرة ما يوضع من الأقناء. يعني يظن واضع القنو الذي فيه الحشف أنه لا يعرف أحد صاحبه لكثرة ما يوضع من الأقناء (قوله فطعن بالعصا في ذلك القنو) يشير به إلى حقارة ذلك القنو وأن صاحبه لم يؤد ما طلب منه على الوجه الأكمل (قوله يأكل الحشف يوم القيامة) يعني يجازى على فعله السيئ. وأطلق الأكل على الجزاء مشاكلة. ويحتمل أن يكون جزاؤه أكل الحشف حقيقة بأن يخلق الله له شهوة أكله جزاء صنعه. وفي الحديث دلالة على ذم إخراج الرديء في الزكاة وتقدم بيانه (الحديث) أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه.

باب زكاة الفطر

(باب زكاة الفطر) أي في بيان الزكاة التي تجب بالفطر من رمضان. قال ابن قتيبة المراد بزكاة الفطر زكاة النفوس مأخوذ من الفطرة التي هي أصل الخلقة. وتسمية أول يوم من شوال بيوم الفطر تسمية شرعية لم تعرف قبل الإِسلام. وفرضت صدقة الفطر في السنة الثانية من الهجرة. وهي في الشرع اسم لما يعطى من المال لمن يستحق الزكاة على وجه مخصوص يأتي بيانه (ص) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْدِيُّ قَالاَ نَا مَرْوَانُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ نَا أَبُو يَزِيدَ الْخَوْلاَنِيُّ -وَكَانَ شَيْخَ صِدْقٍ وَكَانَ ابْنُ وَهْبٍ يَرْوِي عَنْهُ- نَا سَيَّارُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -قَالَ مَحْمُودٌ الصَّدَفِيُّ- عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ. (ش) (رجال الحديث) (عبد الله بن عبد الرَّحمن) بن الفضل بن بهرام التيمي أبو محمَّد. روى عن يزيد بن هارون وحبان بن هلال وأبي نعيم وآخرين. وعنه مسلم وأبو داود والترمذي والبخاري في غير الجامع والحسن بن الصباح. قال ابن حنبل إمام. وقال أبو حاتم إمام أهل زمانه. وقال أحمد بن سيار كان حسن المعرفة قد دون المسند والتفسير وقال محمَّد بن إبراهيم الشيرازي كان في يضرب به المثل في الدراية والحفظ وأظهر علم الحديث والآثار بسمرقند وذب عنها الكذب. مات سنة خمس وخمسين ومائتين يوم التروية ودفن يوم عرفة يوم الجمعة وهو وابن أربع وسبعين سنة. و(السمرقندي) نسبة إلى سمرقند بلدة. بالتركستان. و (مروان) ابن محمَّد بن حسان (قوله قال عبد الله الخ) أي قال عبد الله بن عبد الرحمن في روايته حدثنا "أبو يزيد الخولاني" بالتحديث وهي رواية ابن ماجه. ولعل رواية محمود بن خالد بالعنعنة و(أبو يزيد الخولاني) المصري لم يعرف اسمه وسماه الحاكم في روايته يزيد بن مسلم لكن قال في التقريب وهم الحاكم في هذا. روى عن سيار بن عبد الرحمن. وعنه عبد الله بن وهب ومروان بن محمَّد كان شيخًا صادقًا قال في التقريب صدوق من السابعة اهـ. روى له أبو داود وابن ماجه (قوله وكان

أقوال العلماء في حكمها

ابن وهب الخ) من كلام مروان: فقد أخرج الحاكم من طريق محمود بن خالد الدمشقي قال: ثنا مروان بن محمَّد الدمشقي ثنا يزيد بن مسلم الخولاني وكان شيخ صدق وكان عبد الله بن وهب يحدث عنه الخ. فلو كان من كلام عبد الله لم يذكر في رواية محمود بن خالد. فما قاله بعض الشراح من أنه من كلام عبد الله وهم. و(سيار) بتشديد الياء (بن عبد الرحمن) المصري. روى عن عكرمة وبكير بن الأشج وحنش الصنعاني وغيرهم. وعنه الليث وحيوة بن شريح وأبو يزيد الخولاني وطائفة. قال أبو زرعة لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من السادسة روى له أبو داود وابن ماجه. و (الصدفي) نسبة إلى صدفة قرية قرب قيراوان بتونس (المعنى) (قوله فرض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم زكاة الفطر) أي أوجبها وفي رواية للبخاري عن نافع عن ابن عمر قال: أمر نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بزكاة الفطر صاعًا من تمر ألخ. أصل الأمر للوجوب. والجمهور على أن الفرض والواجب بمعنى. وهو ما طلب فعله طلبًا جازمًا بدليل قطعي أو ظني. فزكاة الفطر عندهم من قبيل الفرض. وفرق بينهما الحنفية فقالوا الفرض ما ثبت بدليل قطعي الثبوت والدلالة. والواجب ما ثبت بدليل ظني الثبوت أو الدلالة وزكاة الفطر عندهم واجبة لثبوتها بدليل ظني وإن وردت في الحديث بلفظ فرض لأن معناه قدر. وذهب أشهب من المالكية وجماعة من الظاهرية وابن اللبان من الشافعية إلى أنها سنة وتأولوا فرض بمعنى قدر على أصله في اللغة. ورد بورود الأمر بها كما في راية البخاري المذكورة. وبما قاله ابن دقيق العيد من أن فرض نقل عن معناه الاَّصلي إلى الوجوب فالحمل عليه أولى اهـ وقال ابن علية وأبو بكر بن كيسان الأصم إنها كانت واجبة أولًا ثم نسخ وجوبها بزكاة المال لما رواه النسائي عن قيس بن سعد بن عبادة قال: أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله. لكن لا دليل فيه على النسخ لاحتمال الاكتفاء بالأمر الأول. ولأن نزول فرض لا يوجب سقوط فرض آخر. قال الخطابي حديث قيس بن سعد هذا لا يدل على زوال وجوبها لأن الزيادة في جنس العبادة لا توجب نسخ الأصل المزيد عليه غير أن محل سائر الزكوات الأموال ومحل زكاة الفطر الرقاب وقد عللت بأنها طهرة للصائم من الرفث واللغو فهي واجبة على كل صائم بعلة التطهير وكل الصائمين محتاجون إليها. فإذا اشتركوا في العلة اشتركوا في الوجوب اهـ ببعض تصرف (قوله طهرة للصيام) أي تطهيرًا له من اللغو والرفث الواقعين فيه. وفي بعض النسخ طهرة للصائم. واللغو مالًا فائدة فيه من القول أو الفعل تعود على الشخص في الدنيا أو الدين مكروهًا كان أو مباحًا كالهزل واللعب والتعمق في الشهوات وغير ذلك. والرفث الفحش من الكلام وهو المراد هنا. ويطلق على الجماع أيضًا. وكانت الزكاة طهرة للصائم مما ذكر لأن

هل تجب على الصغير

الحسنات يذهبن السيئات (قوله وطعمة للمساكين) أي ليكون قوتهم يوم العيد مهيًا لهم تسوية بين الفقير والغني في وجدان القوت ذلك اليوم. وطعمة بضم الطاء وسكون العين المهملتين الطعام الذي يؤكل. وروى الدارقطني وابن عدي من حديث ابن عمر مرفوعًا "أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم، وهو ضعيف لأن في سنده محمد بن عمر الواقدي (وتمسك بظاهر حديث الباب) الحسن البصري فقال: إنما تجب زكاة الفطر على من يجب عليه الصوم فقط لا على الصغير لأنه إذا لم يلزمه الصيام فلا تلزمه طهرته. وقال أكثر أهل العلم يجب إخراجها عن الصغير لأن علة الإيجاب مركبة من الطهرة والطعمة رعاية لجانب المساكين، ولحديث ابن عمر الآتي في "باب كم يؤدي في صدقة الفطر" فرض رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم زكاة الفطر صاعًا فذكر معنى مالك زاد والصغير والكبير (قوله من أدّاها قبل الصلاة الخ) أي قبل صلاة العيد فهي زكاة مقبولة يثاب عليها ثوابًا كاملًا، ومن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات المطلقة التي يتصدق بها في سائر الأوقات. فهي أقل ثوابًا من المؤدّاة قبل الصلاة (ولا دليل) في الحديث على أنها لا تقبل بل الذي فيه أن إخراجها قبل الصلاة أفضل لئلا يشتغل الفقير عن صلاة العيد بالسؤال. وعلى هذا أجمعت الأمة خلافًا لمن زعم أن ظاهر الحديث يدل على عدم إجزائها إذا أخرت عن الصلاة (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية زكاة الفطر وتقدم بيان حكمها. وعلى أنها تكفر السيئات. وعلى أنها شرعت رأفة بالمساكين. وعلى أن وقت إخراجها قبل الصلاة ويأتي تمام الكلام على وقتها في الباب بعده (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه والحاكم والدارقطني وقال ليس في رجاله مجروح (باب متى تؤدى؟ ) أي في أي وقت تؤدى زكاة الفطر؟ (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ نَا زُهَيْرٌ نَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ. قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُؤَدِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ. (ش) (زهير) بن معاوية (قوله تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) أي قبل صلاة العيد أول يوم من شوال. فدل الحديث على أن وقت إخراج الزكاة قبل

المذاهب في وقت وجوبها

صلاة العيد. والقبلية ظرف متسع. ولذا اختلفت الفقهاء في وقت الوجوب بعد اتفاقهم علي أن إخراجها قبل صلاة العيد هو الأفضل. فقال أبو حنيفة والليث والهادي والقاسم إنه من طلوع فجر يوم العيد. وهو رواية ابن القاسم عن مالك لأنه الوقت الذي يتعين به الفطر الحقيقي، ولأنها قربة تتعلق بالعيد فلا يتقدم وقت وجوبها على يومه. وقال الثوري وأحمد والشافعي وإسحاق إنه من غروب شمس آخر يوم من رمضان. وهو رواية أشهب عن مالك واستدلوا بقول ابن عباس في حديثه السابق: فرض رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم زكاة الفطر. والفطر من رمضان لا يكون إلا بغروب الشمس من آخر يوم منه. وتظهر ثمرة الخلاف فيمن ولد قبل طلوع الفجر وبعد غروب الشمس فتجب الزكاة عنه على القول الأول دون الثاني (قوله وكان ابن عمر يؤديها قبل ذلك الخ) وفي نسخة فكان ابن عمر بالفاء أي كان ابن عمر يخرج زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين. وكذا غيره من الصحابة كانوا يؤدونها قبل يوم الفطر. ففي البخاري بعد ذكر حديث ابن عمر: كان ابن عمر يعطيها للذين يقبلونها وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين. وهذا إشارة إلى جميعهم فهو إجماع. وفي رواية ابن خزيمة من طريق عبد الوارث عن أيوب قال: قلت لنافع متى كان ابن عمر يعطي؟ قال إذا قعد العامل قلت متى كان يقعد؟ قال قبل الفطر بيوم أو يومين. وروى مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاث: ولعلهم استندوا في فعلهم هذا إلى ما أخرجه البخاري من حديث أبى هريرة قال: وكلني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحفظ زكاة رمضان. الحديث. وفيه أن أبا هريرة أمسك الشيطان ثلاث ليال وهو يأخذ من طعام زكاة الفطر الذي جمع تحت يده ووكل إليه حفظه. فدل ذلك على أنهم كانوا يعجلونها قبل العيد بثلاث ليال زمن النبي صلى الله تعالى وعلى آله وسلم. وممن جوز تقديمها يوما أو يومين الكرخي ومالك وهو مشهور مذهب الحنابلة. وقالوا لا يجوز تعجيلها أكثر من ذلك وفي المغني لابن قدامة الحنبلي وقال بعض أصحابنا يجوز تعجيلها من بعد نصف الشهر كما يجوز تعجيل أذان الفجر والدفع من مزدلفة بعد نصف الليل. وأجاز الشافعي تقديمها من أول رمضان لأن سببها الصوم والفطر بعده فإذا وجد أحد السببين جاز تعجيلها كزكاة المال بعد ملك النصاب. وجوز الهادي والقاسم وأبو طالب والعباس تقديمها ولو إلى عامين. وقالت الحنفية يجوز تقديمها مطلقًا من غير تفصيل يين مدة ومدة على الصحيح لأن سبب الوجوب قد وجد وهو رأس يمونه ويلي عليه. يعنون به من تلزمه نفقته. فصار كإخراج الزكاة بعد وجود النصاب. وقال الزيلعي وعند خلف بن أيوب يجوز تعجيلها بعد دخول رمضان لا قبله لأنها صدقة الفطر ولا فطر قبل الشروع في الصوم. وقيل يجوز تعجيلها في النصف الأخير من رمضان. وقيل في العشر الأخير.

لا يجوز تأخيرها عن يوم العيد لزوم قضائها

وعند الحسن بن زياد لا يجوز تعجيلها أصلًا كالأضحية اهـ فإن أخرها عن صلاة العيد وأخرجها في يومه جاز له ذلك مع الكراهة كما يشعر بذلك قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" وإلى ذلك ذهبت الشافعية والحنابلة وعطاء وموسى بن وردان وإسحاق وهو قول للمالكية. والمعتمد عندهم أنه إذا أخرجها بعد صلاة العيد كان تاركًا للأفضل. وقال القاضي إذا أخرجها في بقية اليوم لم يكن فعل مكروهًا. وقالت الحنفية يجوز تأخيرها بدون كراهة. وقال ابن حزم يحرم تأخيرها عن صلاة العيد وتبقى في ذمته. وأما تأخيرها عن يوم العيد فهو حرام عند المالكية والشافعية والحنفية والحنابلة وأكثر العلماء لأنها زكاة واجبة فوجب أن يكون في تأخيرها إثم كما في تأخير الصلاة عن وقتها. ويجب قضاؤها ولا تسقط بالتأخير عن يوم العيد خلافًا للحسن بن زياد من الحنفية وداود الظاهري فإنهما قالا تسقط بمضي يوم الفطر لأنها قربة اختصت بيوم العيد فتسقط بمضيه كالأضحية فإنها تسقط بمضي أيام النحر. ورد بأن هناك فرقًا بين الأضحية والزكاة فإن الأضحية غير معقولة المعنى فلا تكون قربة إلا في وقتها. أما الزكاة فإنها قربة مالية معقولة المعنى فلا تسقط إلا بالأداء. وحكي عن ابن سيرين والنخعي الرخصة في تأخيرها عن يوم العيد. وحكاه ابن المنذر عن أحمد اهـ من المغني وقال واتباع السنة أولى. والراجح كراهة التأخير عن صلاة العيد وحرمته عن يومها مع لزوم القضاء (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وليس في حديثهم فعل ابن عمر. وأخرجه الدارقطني من عدة طرق (باب كم يؤدي في صدقة الفطر؟ ) أي في بيان مقدار ما يدفع فيها (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ نَا مَالِكٌ -وَقَرَاءَةً عَلَى مَالِكٍ أَيْضًا- عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا -قَالَ فِيهِ فِيمَا قَرَأَهُ عَلَيَّ مَالِكٌ- زَكَاةُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ. (ش) (قوله حدثنا مالك الخ) أي أن الإمام مالكًا حدّث عبد الله بن مسلمة بهذا الحديث مرتين مرة بالتحديث من حفظه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فرض زكاة

مقدار المد والصاع والقدح

الفطر صاعًا من تمر الخ. ومرة بقراءة عبد الله بن مسلمة على مالك قال فيه: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: زكاة الفطر من رمضان صاع من تمر الخ. وفي بعض النسخ وقرأه عليّ مالك بتشديد المثناة التحتية، والمعنى عليها أن مالكًا حدّث به عبد الله بن مسلمة مرة من حفظه ومرة قرأه عليه من كتابه (قوله صاعًا) بالنصب بدل من زكاة المنصوب على المفعولية. وتمام هذه الرواية محذوف دل عليه ما في الرواية الثانية، وفي بعض النسخ إسقاط لفظ صاعًا في هذه الرواية، والصاع مكيال يسع أربعة أمداد باتفاق (واختلف) العلماء في مقدار المد فقيل هو رطل وثلث بالعراقي وبه قال مالك والشافعي وأحمد وفقهاء الحجاز وأبو يوسف. وقيل رطلان وهو قول أبي حنيفة ومحمد وفقهاء العراق فيكون الصاع خمسة أرطال وثلثًا على الأول وثمانية أرطال على الثاني. والرطل العراقي عند الحنفية ثلاثون ومائة درهم بالدرهم المتعارف. وإليه ذهب الرافعي من الشافعية. ورجح النووي أنه ثمانية وعشرون ومائة درهم وأربعة أسباع درهم. وهذا مذهب الحنابلة. وقالت المالكية هو ثمانية وعشرون ومائة درهم وتقدم في "باب ما يجزئ من الماء في الوضوء" من الجزء الأول، أدلة كل. وأن الخلاف في ذلك لفظي فمن قال إن الصاع خمسة أرطال وثلث اعتبره من التمر والشعير. ومن قال إنه ثمانية أرطال اعتبره من الماء كما يؤخذ من أدلة كل. فلا خلاف في مقدار المد والصاع. والاشتباه إنما جاء من عدم التقييد باختلاف المكيل بهما رزانة وخفة. فإن الماء أثقل من العدس وهو أثقل من الحلبة والفول وهما أثقل من البر والحمص وهما أثقل من الذرة وهي أثقل من التمر والشعير. فإن المد منهما يزن ثلاثة وسبعين ومائة درهم وثلثًا. ومن الذرة الصيفي خمسة وتسعين ومائة درهم وثلثًا. ومن الذرة الشامي اثنين ومائتي درهم وثلثًا. ومن البر والحمص ستة عشر ومائتي درهم. ومن القول والحلبة أربعة وعشرين ومائتي درهم. ومن العدس سبعة وعشرين ومائتي درهم. ومن الماء العذب الصافي أو المعين ستين ومائتي درهم. وعليه فالصاع من التمر والشعير يزن ثلاثة وتسعين وستمائة درهم وثلثًا وهي خمسة أرطال وثلث بالعراقي. والصاع من الماء المذكور يزن أربعين وألف درهم وهي ثمانية أرطال بالعراقي. وقد وزن القدح المصري فوجد أنه يسع من القمح 470 سبعين وأربعمائة درهم ومن الذرة الشامي 454 ونصف درهم ومن الشعير 370 ونصف درهم. أي أنه يسع مدّين وثمن مد تقريبًا وهذا إذا وضع الحب بلا زلزلة ولا دك ولا جنذة "أبي تقبيب" باليد فزيادة ثمن المد تقابل ما في الحب من الطين والتراب. فالقدح بحالته يساوى نصف الصاع. وأما ما في كتب المالكية من أن الصاع بالكيل المصري قدح وثلث قدح، ففيه شيء من التسامح حتى لو تمشينا على ما اشتهر عنهم من أن الدرهم الشرعي أقل في الوزن من العرفي. فإن الصاع على ما قالوه يسع من متوسط الشعير بالدرهم الشرعي 682 بضرب خمسة أرطال وثلث بالعراقي في مقدار الرطل

وجوب الفطرة على العبد والمرأة، اشتراط الإسلام فيمن تجب عليه

عندهم وهو "128 درهم" وهي بالدرهم العرفي 537 تقريبًا بضرب دراهم الأصل وهي (682) في مقدار الدرهم الشرس وهو (50.4) حبة من الشعير. وقسمة الحاصل على مقدار الدرهم العرفي وهو (64 حبة) ينتج 537 درهما عرفيًا تقريبًا. وتقدم أن القدح المصري يسع من الشعير 370 درهمًا ونصف درهم. فإذا قسم مقدار الصاع على مقدار القدح كان الخارج 1.45 أي قدح ونصف قدح تقريبًا. وما اشتهر في كتب الحنفية من أن الصاع قدحان وثلثا قدح فبني على أن الصاع ثمانية أرطال بالعراقي وأن الخلاف في وزنه حقيقي. وقد علمت أنه لفظي وأنه لا خلاف في أن صاع الفطرة خمسة أرطال وثلث بالعراقي (قوله على كل حر أوعبد) ظاهره وجوب الزكاة على العبد نفسه وبه قال داود. وقال يجب على السيد تمكينه الكسب ليؤديها كما يجب عليه أن يمكنه من أداء بقية الفرائض. وقال الجمهور إن زكاة العبد على سيده تقدم للمصنف في "باب صدقة الرقيق" من حديث أبى هريرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق، وظاهر الحديث أيضًا وجوب الزكاة وإن كان العبد مكاتبًا أو مدبرًا وبه قالت المالكية. وقالت الحنفية والشافعية والحنابلة زكاة المكاتب على نفسه لعدم ولاية السيد عليه ولوجوب نفقته على نفسه (قوله ذكر أو أنثى) ظاهره وجوب الزكاة عل نفس المرأة وإن كان لها زوج، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وابن المنذر. وقال مالك والشافعي والليث وأحمد وإسحاق تجب على زوجها تبعًا لنفقتها (قوله من المسلمين) فيه دلالة على اشتراط الإِسلام فيمن تجب عليه زكاة الفطر. فلا تجب علي الكافر وهو متفق عليه، واختلف هل تجب على السفر في عبده المسلم؟ فقال أكثر أهل العلم لا تجب عليه. قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن لا صدقة على الذمي في عبده المسلم لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الحديث من المسلمين. ولأنه كافر فلا تجب عليه الفطرة كسائر الكفار لأن الفطرة زكاة فلا تجب علي الكافر كزكاة المال اهـ وحكي عن أحمد أن على الكافر إخراج صدقة الفطر عن عبده المسلم. وهي رواية للشافعية. ووجه بأن العبد من أهل الطهرة فوجب أن تؤدي عنه زكاة الفطر كما لو كان سنده مسلمًا. واختلف أيضًا هل تجب على المسلم عن عبده الكافر؟ فذهب الجهور إلى أنها لا تجب أخذًا بظاهر الحديث. وذهبت الحنفية إلى أنها تجب على سيده المسلم وهو قول عطاء والثوري وابن المبارك والنخعي وإسحاق لما رواه الدارقطني عن ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون: قال الدارقطني والصواب أنه موقوف اهـ وفي إسناده القاسم بن عبد الله وليس بالقوى. وسيأتي نحوه للمصنف. واستدلوا أيضًا بما تقدم للمصنف عن أبي هريرة من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليس على المسلم في عبده صدقة إلا صدقة الفطر. قالوا والعبد أعمّ من كونه مسلمًا أو كافرًا.

الأفضل تأديتها قبل صلاة العيد

ولأن وجوب الصدقة متعلق بالسيد، ولا يشترط فيه إسلام العبد، بل الشرط إسلامه فقط. ورد بأن عموم العبد في هذه الأحاديث يخصصه حديث الباب. وما رواه مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين حرّ أو عبد (الحديث) فهذا صريح في أن العبد لا بد فيه من الإسلام وإن كان المؤدي عنه سيده (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارقطني والترمذي وقال حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا فَذَكَرَ بِمَعْنَى مَالِكٍ زَادَ وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ. (ش) (رجال الحديث) (يحيي بن محمد بن السكن) بن حبيب أبو عبيد الله أو أبو عبيد البصري البزاز. روى عن معاذ بن هشام وحبان بن هلال وروح بن عبادة ومحمد ابن جهضم وغيرها. وعنه البخاري وأبو داود والنسائي والبزار وابن خزيمة وغيرها. وثقه النسائي وابن حبان. وقال صالح بن محمد لا بأس به. وقال مسلمة صدوق. روى له البخاري وأبو داود والنسائي. و(عمر بن نافع) العدوي المدني مولى ابن عمر. روى عن أبيه والقاسم بن محمد بن أبي بكر. وعنه مالك وعبيد الله بن عمر وعثمان بن عثمان الغطفاني وغيرهم وثقه أحمد والنسائي وابن حبان وقال ابن عدي وابن معين وأبو حاتم ليس به بأس. وقال ابن سعد كان ثبتًا قليل الحديث ولا يحتجون بحديثه. مات بالمدينة في خلافة أبي جعفر المنصور. روى له البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (المعنى) (قوله فذكر بمعنى مالك الخ) أي ذكر عمر بن نافع بسنده معنى حديث مالك السابق وزاد في روايته: والصغير والكبير الخ (وساق لفظه) البخاري والنسائي والدارقطني عن ابن عمر قال: فرض رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير علي الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين. وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة (قوله وأمر بها أن تؤدي الخ) أي أمر النبيّ صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم أن تؤدى زكاة الفطر قبل صلاة العيد لإغناء الفقير عن السؤال الذي ربما يشغله عن صلاة العيد. وهذا الأمر للاستحباب عند الجمهور وللوجوب عند ابن حزم

روايات لحديث ابن عمر في صدقة الفطر

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ بِإِسْنَادِهِ قَالَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ (ش) أي روى هذا الحديث عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر. وقال في روايته فرض رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم زكاة الفطر على كل مسلم (وهذه الرواية) أخرجها الدارقطني قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الفارسيّ ثنا يحيي بن أبى طالب ثنا عبد الوهاب ثنا عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر قال: فرض رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم صدقة الفطر على كل مسلم حر أو عبد ذكر أو أنثى صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير (ص) وَرَوَاهُ سَعِيدٌ الْجُمَحِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ فِيهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمَشْهُورُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ لَيْسَ فِيهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. (ش) أي روى الَحدَيث سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيد الله بن عمر بن نافع وقال في آخر روايته من المسلمين (وهذه الرواية) أخرجها الدارقطني والحاكم وصححها بسندهما إلى يحيى بن صبيح قال: حدثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم فرض زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من بر على كل حر أو عبد ذكر أو أنثي من المسلمين (قوله والمشهور عن عبيد الله الخ) أي الذي اشتهر من رواية عبيد الله المذكور أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فرض زكاة الفطر. الحديث. وليس فيه قوله من المسلمين (وممن رواه) عن عبيد الله بدون قوله "من المسلمين" عبد الله بن نمير وأبو أسامة كما في رواية لمسلم. وقد "ذكر" المصنف بعد "جماعة" ممن رووه عن عبيد الله بدون قوله من المسلمين (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ وَبِشْرَ بْنَ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَاهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ح وَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا أَبَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ زَادَ مُوسَى وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى. (ش) (قوله حدثاهم) أي حدثا مسددًا ومن معه من التلاميذ. و (أبان) بن يزيد العطار (قوله زاد موسى) أي زاد موسى بن إسماعيل في روايته قوله والذكر والأنثى (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ فِيهِ أَيُّوبُ وَعَبْدُ اللَّهِ -يَعْنِي الْعُمَرِيَّ- فِي حَدِيثِهِمَا عَنْ

رد دليل من قال: على السيد المسلم زكاة عبده الكافر

نَافِعٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى. أَيْضًا. (ش) أي زاد أيوب السختياني وعبد الله بن عمر العمري في حديثما أيضًا لفظ ذكر أو أنثى. وهو يفيد التعميم في فرض الصدقة (ورواية أيوب) أخرجها البخاري ومسلم والدارقطني بالسند إلى أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فرض على الذكر والأنثى والحر والعبد صدقة رمضان صاعًا من تمر أو صاعًا من طعام (ورواية العمري) أخرجها الدارقطني كما تقدم. والحاصل أن حديث ابن عمر هذا قد اشتهر من طريق مالك عن نافع بزيادة قوله من المسلمين حتى قال أبو قلابة: ليس أحد يقول من المسلمين غير مالك اهـ لكن تابع مالكًا على هذه الزيادة جماعة من الثقات. منهم من ذكرهم المصنف. ومنهم الضحاك بن عثمان كما في رواية لمسلم والدارقطني. ومنهم كثير بن فرقد كما في رواية للدارقطنى والحاكم. ومنهم المعلى بن إسماعيل كما في رواية ابن حبان. ومنهم يونس بن يزيد كما في رواية الطحاوي في مشكل الآثار (ومن هذا) تعلم أن الراجح ما ذهب إليه الجمهور من أن العبد الكافر المملوك لمسلم لا يجب على سيده زكاة فطره "وما رواه" الدارقطني من طريق سلام الطويل عن زيد العميّ عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: صدقة الفطر عن كل صغير وكبير ذكر وأنثى يهودى أو نصرانيّ. الحديث "فضعيف" لا يصلح للاحتجاج به لأن فيه سلامًا الطويل. قال الدارقطني متروك الحديث ولم يسنده غيره. ورواه ابن الجوزي في الموضوعات وقال: زيادة اليهوديّ والنصرانيّ فيه موضوعة تفرد بها سلام الطويل "وما رواه" الدارقطني أيضًا من طريق عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي عن نافع عن ابن عمر أنه كان يخرج صدقة الفطر عن كل حر وعبد صغير وكبير ذكر وأنثى كافر ومسلم حتى إن كان ليخرج عن مكاتبيه من غلمانه "فضعيف" أيضًا لأن عثمان بن عبد الرحمن متروك كما قاله الدارقطني. وكل ما جاء من الأحاديث الدالة على أن العبد الكافر المملوك لمسلم تجب عليه زكاة فطره لا يصلح منها شئ للاحتجاج به (ص) حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ نَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ سُلْتٍ أَوْ زَبِيبٍ. قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ رَحِمَهُ الله وَكَثُرَتِ الْحِنْطَةُ جَعَلَ عُمَرُ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ

دليل إجزاء نصف صاع من بر في الفطرة

مَكَانَ صَاعٍ مِنْ تِلْكَ الأَشْيَاءِ. (ش) (زائدة) بن قدامة (قوله أو سلت) بضم المهملة وسكون اللام نوع من الشعير ليس له قشر كأنه الحنطة. وقيل هو حب بين الحنطة والشعير فهو كالحنطة في ملاسته وكالشعير في طبعه وبرودته (فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية إخراج زكاة الفطر من الأصناف المذكورة وعلى أنها من هذه الأصناف صاع ومن البر نصف صاع. وسيأتي تمام الكلام على ذلك في الباب الآتي إن شاء الله تعالى (والحديث) أخرجه الدارقطني بتمامه. وأخرجه النسائي مختصرًا لم يذكر فيه ما حكي عن عمر. وفي إسناده عبد العزيز بن أبي رواد، وقد ضعفه قوم ووثقه آخرون، وهم أعرف ممن ضعفه وقد أخرج له البخاري استشهادًا. وقال الحافظ في تهذيب التهذيب قال يحيى بن القطان عبد العزيز ثقة في الحديث ليس ينبغي أن يترك حديثه لرأي أخطأ فيه (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ قَالاَ نَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَعَدَلَ النَّاسُ بَعْدُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُعْطِي التَّمْرَ فَأَعْوَزَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ التَّمْرُ عَامًا فَأَعْطَى الشَّعِيرَ. (ش) (حماد) بن زيد. و (أيوب) السختياني (قوله قال قال عبد الله الخ) أي قال نافع قال عبد الله بن عمر بعد قوله: فرض رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صدقة الفطر على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير فعدل الناس إلى إخراج نصف صاع من بر بعد أن كانوا يخرجون صاعًا من غيره، فقد أخرج النسائي والترمذي الحديث من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: فرض رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صدقة الفطر على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير قال: فعدل الناس إلى نصف صاع من بر (قوله فعدل الناس الخ) بالتخفيف أي "سوّى" الناس بعد ما جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من غيره "نصف" الصاع من القمح بالصاع من غيره لما رأوا من استوائهما في المنفعة والقيمة. ولعلهم قاسوا لعدم وقوفهم على نص من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الاكتفاء بنصف صاع من قمح وإلا لما احتاجوا إلى القياس. وسيأتي في الباب الآتي ما ثبت عن الرسول صلى الله تعالى عليه

اهتمام السلف بإخراج زكاة الفطر من أجود ما عندهم

وعلى آله وسلم في ذلك (قوله وكان عبد الله الخ) أي قال نافع كان عبد الله بن عمر يخرج صدقة الفطر صاعًا من تمر. وفي رواية مالك في الموطأ عن نافع كان ابن عمر لا يخرج إلا التمر في زكاة الفطر إلا مرة واحدة فإنه أخرج شعيرًا (قوله فأعوز أهل المدينة التمر) أي أعجزهم الحصول عليه. يقال أعوزني المطلوب مثل أعجزني لفظًا ومعنى. ويقال أعوزني الشيء إذا احتجت إليه فلم أقدر عليه. فأهل منصوب على المفعولية والتمر مرفوع على الفاعلية (وفيه دلالة) على أنهم كانوا يخرجون أجود الأصناف في الزكاة. وعلى أن التمر كان أجود الأصناف عندهم (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والنسائي. وأخرجه البخاري عن نافع عن ابن عمر قال. فرض النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صدقة الفطر على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير فعدل الناس به نصف صاع من بر. فكان ابن عمر يعطي التمر فأعوز أهل المدينة من التمر فأعطى شعيرًا. فكان ابن عمر يعطي على الصغير والكبير حتى إن كان يعطي عن بنيّ. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يعطيها للذين يقبلونها وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ نَا دَاوُدُ -يَعْنِي ابْنَ قَيْسٍ- عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ أَنْ قَالَ إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَمَّا أَنَا فَلاَ أَزَالُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشْتُ. (ش) (قوله إذ كان فينا رسول الله) فيه إشعار بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان عالمًا بما كانوا يخرجونه في الزكاة وأقرهم عليه فهو مرفوع حكمًا (قوله زكاة الفطر) وفي بعض النسخ صدقة الفطر (قوله صاعًا من طعام الخ) الطعام في الأصل عام في كل ما يقتات من الحنطة والتمر والشعير وغير ذلك كذا في النهاية. وعليه فعطف ما بعده عليه من عطف

الخلاف في إجزاء الأقط في زكاة الفطر

الخاص على العام. وقال الخطابي: زعم بعضهم أن الطعام اسم خاص للبر قال: ويدل على صحة ذلك أنه قد ذكر في الخبر الأقط والشعير والتمر والزبيب وهي أقواتهم التى كانوا يقتاتونها ولم يذكر الحنطة وكانت أغلاها وأفضلها، فلولا أنه أرادها بقوله صاعًا من طعام لذكرها عند التفصيل كما ذكر غيرها من الأقوات اهـ وقال في الفتح وقال هو (يعني الخطابي) وغيره وقد كانت لفظة الطعام تستعمل في الحنطة عند الإطلاق حتى إذا قيل اذهب إلى سوق الطعام فهم منه سوق القمح. وإذا غلب العرف نزّل اللفظ عليه لأن ما غلب استعمال اللفظ فيه كان خطوره عند الإطلاق أقرب اهـ وعليه فالطعام في الحديث خاص بالقمح. قال في الفتح وقد رده ابن المنذر فقال: ظن بعض أصحابنا أن قوله في حديث أبى سعيد صاعًا من طعام حجة لمن قال صاعًا من طعام حنطة وهذا غلط منه. فإن أبا سعيد أجمل الطعام ثم فسره بما أورده البخاري من طريق حفص بن ميسرة أن أبا سعيد قال: كنا نخرج في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الفطر صاعًا من طعام. وقال أبو سعيد وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر اهـ بتصرف. وقال في سبل السلام: والقول بأن أبا سعيد أراد بالطعام الحنطة في حديثه غير صحيح اهـ فالظاهر أن لفظ الطعام في الحديث أعم من الحنطة بل "قوله" في رواية أخرى للطحاوي وغيره فلما جاء معاوية وجاءت السمراء قال: أرى أن مدامن هذا يعدل مدّين "دليل" على أن الحنطة لم تكن لهم قوتًا قبل هذا: فكيف يتوهم أنهم أخرجوا ما لم يكن موجودًا؟ (قوله أو صاعًا من أقط) بفتح الهمزة وكسر القاف وقد تسكن مع فتح الههمزة وكسرها هو لبن مجفف يابس غير منزوع الزبد وهو "الكشك". وفي إجزائه في زكاة الفطرخلاف: فظاهر الحديث يدل على جوازه وبه قال مالك. وذهب الحنفيون إلى أنه لا يجزئ إلا باعتبار القيمة لأنه غير منصوص عليه في وجه يوثق به وجواز ما ليس بمنصوص عليه لا يكون إلا باعتبار القيمة. وقال الشافعي لا أحب أن يخرج الأقط فإن أخرج صاعًا من أقط لم يتبين لي أن عليه الإعادة (قوله حتى جاء معاوية الخ) وكان يومئذ خليفة كما في رواية ابن خزيمة (قوله إلى أرى أن مدّين من سمراء الشام الخ) يعني بها القمح. وهو اجتهاد من معاوية. وتمسك به من قال إن مقدار الزكاة من البر نصف صاع قال "ولا يقال" إنه قول صحابي وقد خالفه أبو سعيد وهو أطول صحبة منه وأعلم بحال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لأنه قد وافقه" على ذلك غيره من الصحابة كما أشار لذلك بقوله فأخذ الناس بذلك. والناس عام فكان إجماعًا، ولا تضر مخالفة أبي سعيد في ذلك لأنها حكاية عن فعله فلا تدل على الوجوب. على أن لفظ المروي عنه قال: كنت أخرج على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صاعًا من طعام صاعًا من تمر صاعًا من شعير. فيجعل قوله صاعًا من تمر صاعًا من شعير تفسيرًا لقوله صاعًا من طعام. وسيأتي تمام الكلام في الباب بعد (قوله

فأما أنا فلا أزال أخرجه الخ) أي لا أزال أخرج من القمح صاعًا كاملًا مدة حياتي. وفي واية لمسلم لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعنى به الصاع كاملًا (فقه الحديث) دل الحديث على جواز إخراج الزكاة من هذه الأصناف المذكورة في الحديث. وعلى ما كان عليه أبو سعيد من شدة الاتباع والتمسك بآثار النبي صلى الله تعالى عليه وعل آله وسلم وترك العدول إلى الاجتهاد مع وجود النص (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه والدارقطني وابن خزيمه والطحاوي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ ابْنُ عُلَيَّةَ وَعَبْدَةُ وَغَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَنْ عِيَاضٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِمَعْنَاهُ وَذَكَرَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فِيهِ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ أَوْ صَاعَ حِنْطَةٍ. وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ. (ش) (الرجال) (عبد الله بن عبد الله بن عثمان الخ) روى عن عياض بن عبد الله بن سعد وعمر بن عبد العزيز ومكحول. وعنه يزيد بن أبي حبيب ومحمد بن اسحاق وعبد الله بن عامر الأسلمي. روى له النسائي وأبو داود هذا الحديث فقط. قال في التقريب مقبول من السادسة و(عياض) بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح تقدم بالرابع صفحة 100 (المعنى) (قوله رواه ابن علية وعبدة الخ) أي روى الحديث المذكور إسماعيل بن علية وعبدة بن سلمان عن محمد ابن إسحاق الخ بمعنى حديث داود بن قيس السابق. وذكر رجل "هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي" في الحديث من رواية ابن علية قوله أو صاع حنطة. لكن ذكر الحنطة غير محفوظ كما قال ابن خزيمة: ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ ولا أدري ممن الوهم اهـ (ورواية ابن علية) أخرجها الدارقطني والحاكم من طريق يعقوب الدورقي قال: ثنا ابن علية عن محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح قال: قال أبو سعيد وذكروا عنده صدقة رمضان فقال: لا أخرج إلا ما كنت أخرجه على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صاعًا من تمر أو صاعًا من حنطة أو صاعًا من شعير أو صاعًا من أقط فقال له رجل من القوم: أو مدّين من قمح. فقال لا تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها اهـ وقول الرجل أو مدّين من قمح قال على أن ذكر الحنطة في الحديث خطأ إذ لو كان أبو سعيد أخبر أنهم كانوا يخرجون من الحنطة في عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله

بيان الوهم في حديث أي سعيد بذكر نصف صاع من بر

وسلم لما قال الرجل هذا القول (قوله أو صاع حنطة) وفي بعض النسخ أو صاعًا من حنطة (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا إِسْمَاعِيلُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْحِنْطَةِ. (ش) أي ليس في حديث مسدد عن إسماعيل بن علية ذكر الحنطة. وأشار المصنف بهذا إلى تضعيف ذكر الحنطة في الرواية المتقدمة. لأن ابن علية قد اختلف عليه فيه. فرواه عنه مسدد ولم يذكر فيه الحنطة. ورواه عنه يعقوب الدورقي وذكر فيه الحنطة وقد تقدم أن فيه ما يدل على أن ذكرها خطأ. ومسدد حافظ يعتمد على روايته (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَقَدْ ذَكَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ "نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ". وَهُوَ وَهَمٌ مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ أَوْ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْهُ. (ش) أي ذكر معاوية بن هشام في حديث أبي سعيد بسنده المذكور نصف صاع من بر بدل قوله صاعًا من طعام وهو غلط من معاوية أو ممن روى عنه (والمحفوظ عن الثوري) ما أخرجه الطحاوي قال: حدثنا علي بن شيبة ثنا قبيصة بن عقبة ثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نعطي زكاة الفطر من رمضان صاعًا من طعام أو صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير أو صاعًا من أقط. وأخرج الطحاوي أيضًا نحوه من طريق مالك عن زيد بن أسلم. وزاد فيه أو صاعًا من زبيب (ص) حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى أَنَا سُفْيَانُ ح وَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ سَمِعَ عِيَاضًا قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ لاَ أُخْرِجُ أَبَدًا إِلاَّ صَاعًا إِنَّا كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَاعَ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ أَقِطٍ أَوْ زَبِيبٍ. هَذَا حَدِيثُ يَحْيَى. زَادَ سُفْيَانُ أَوْ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ قَالَ حَامِدٌ فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ فَتَرَكَهُ سُفْيَانُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ وَهَمٌ مِنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. (ش) (سفيان) بن عيينة. و (يحيى) القطان. و (ابن عجلان) محمد (قوله لا أخرج أبدًا إلا صاعًا) يعني من بر أو غيره. وغرض أبي سعيد بذلك بيان أنه لا يوافق معاوية على

الخلاف في قدر الواجب إخراجه من القمح في صدقة الفطر

ما رآه من إجزاء نصف صاع من قمح. وكأنه قاس البر على غيره فلذا قال: إنا كنا نخرج على عهد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صاع تمر الخ. ولم يثبت لديه ما ورد في كفاية نصف صاع من بر الذي سيأتي في الباب بعد (قوله صاع تمر) وفى نسخة صاعًا من تمر (قوله زاد سفيان أو صاعًا من دقيق) أى زاد سفيان بن عيينة في روايته على ما ذكر من الأصناف أو صاعًا من دقيق (قوله قال حامد فأنكروا عليه الخ) وفى بعض النسخ فأنكروا عليه الدقيق. أى قال حامد ابن يحيى أحد شيخي المصنف: فأنكر المحدثون على سفيان زيادة الدقيق في الحديث، فتركه من حديثه. قال المصنف فزيادة الدقيق غلط من ابن عيينة: وقال البيهقى. رواه جماعة عن ابن عجلان منهم حاتم بن إسماعيل. ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم في الصحيح. ويحيى القطان وأبو خالد الأحمر وحماد بن مسعدة وغيرهم فلم يذكر أحد منهم الدقيق غير سفيان وقد أنكروا عليه فتركه اهـ لكن رواه الدارقطني بهذه الزيادة عن سفيان فقال: حدثنا إبراهيم بن حماد ثنا عباس بن يزيد ثنا سفيان بن عيينة ثنا ابن عجلان عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: ما أخرجنا على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا صاعًا من دقيق أو صاعًا من تمر أو صاعًا من سلت أو صاعًا من زبيب أو صاعًا من شعير أو صاعًا من أقط. قال أبو الفضل فقال له "أى لسفيان" عليّ بن المديني وهو معنا: يا أبا محمد أحد لا يذكر في هذا الدقيق، فقال بل هو فيه وأبو الفضل العباس بن يزيد. ورواه أيضًا ابن عيينة من طريق سعيد بن الأزهر وذكر فيه الدقيق. ورواه النسائى من طريق محمد بن منصور قال: حدثنا سفيان عن ابن عجلان قال سمعت عياض بن عبد الله يخبر عن أبى سعيد الخدري قال: لم نخرج على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير أو صاعًا من زييب أو صاعًا من دقيق أو صاعًا من أقط أو صاعًا من سلت ثم شك سفيان فقال دقيق أو سلت اهـ والظاهر أن سفيان كان يروي الدقيق في الأصناف التى تخرج منها زكاة الفطر فلما أنكر عليه تركه. (وروايات الباب) تدل على أن الواجب في صدقة الفطر من الأجناس المذكورة صاع لا فرق بين البر والزبيب وغيرهما. وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأصحابه وإسحاق والحسن البصرى والهادي والقاسم، وهو قول أبي سعيد وأبي العالية وجابر بن زيد. وقال أبو حنيفة وأصحابه وزيد بن على يجزئ فيها نصف صاع من بر وصاع من غيره. وهو قول أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي هريرة وجابر بن عبد الله وابن عباس وابن الزبير، واستدلوا بأحاديث الباب الآتي, وبما تقدم من جمع الناس على رأى معاوية. والناس إذ ذاك الصحابة والتابعون، فلو كان عندهم عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تقدير الحنطة بصاع لم يسكتوا ولم يعوّلوا على رأي معاوية إذ لا يعوّل على الرأي المعارض للنصّ. واستدلوا أيضًا بما رواه الدارقطني من حديث عمرو بن

المذاهب في إجزاء الأقط والدقيق والسويق فيها

شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر صارخًا بمكة إن صدقة الفطر حق واجب على كل مسلم صغير أو كبير ذكر أو أنثى حر أو مملوك حاضر أو باد مدّان من قمح أو صاع من شعير أو صاع من تمر. قالوا "والأحاديث" الدالة على إخراج صاع من بر "غير ثابتة". وعلى فرض ثبوتها فهي محمولة على أن الزائد على نصف الصاع كان تبرعًا لا على سبيل الإلزام جمعًا بين الأحاديث، لما رواه الطحاوي من طريق حماد عن يونس عن الحسن أن مروان بعث إلى أبي سعيد أن أبعث إليّ بزكاة رقيقك، فقال أبو سعيد للرسول إن مروان لا يعلم، إنما علينا أن نعطي لكل رأس عند كل فطر صاعًا من تمر أو نصف صاع من بر. قال الطحاوي: فهذا أبو سعيد قد أخبر في هذا بما عليه في زكاة الفطر عن عبيده. فدلّ على أن ما روي عنه مما زاد على ذلك كان اختيارًا منه ولم يكن فرضًا اهـ. وهذا هو الراجح لاتفاق الصحابة والتابعين في عهد معاوية عليه ولأنه لم يثبت التصريح بصاع من البر في حديث صحيح. وروى عن أبي حنيفة أنه قال: يكفي من الزبيب نصف صاع كالحنطة. لكنه مردود بأحاديث الباب ونحوها الدالة على أن الزبيب لا يكفي منه إلا صاع، ولذا اختاره أبو يوسف ومحمد وبه يفتي عندهم. وهو رواية عن أبي حنيفة أيضًا. وخالف الحسن البصري في الأقط فقال لا يجزئ إخراجه في الفطرة. وقال أبو حنيفة وأصحابه يعتبر فيه القيمه فلا يكفي منه في الفطرة إلا ما بلغت قيمته نصف صاع من بر أو صاعًا من تمر أو شعير. وظاهر الأحاديث يردّ عليهم. وزعم الماوردي من الشافعية أن الأقط يجزئ عن أهل البادية دون أهل الحاضرة. ولا دليل له على هذه التفرقة قال النووي في المجموع: وهذا الذي قاله شاذ فاسد مردود وحديث أبي سعيد صريح في إبطاله وإن كان قد تأوله على أنه كان في البادية وهذا تأويل باطل. ثم المذهب الذي قطع به الجماهير أنه لا فرق في إجزاء الأقط بين أهل البادية والحضر اهـ وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني وقال أبو الخطاب لا يجزئ إخراج الأقط مع القدرة على ما سواه في إحدى الروايتين. وظاهر الحديث يدل على خلافه اهـ وبظاهر الحديث أخذ مالك كما تقدم صفحة 230 (وأخذ) من رواية سفيان جواز إخراج الدقيق في الزكاة. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وأحمد. وهي وإن كان فيها مقال إلا أنها اعتضدت بروايات أخر. منها ما أخرجه الحاكم والدارقطني من طريق سليمان بن أرقم عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت قال: خطبنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال "من كان عنده طعام فليتصدق بصاع من بر أو صاع من شعير أو صاع من تمر أو صاع من دقيق أو صاع من زبيب أو صاع من سلت" قال الدارقطني سليمان ابن أرقم متروك الحديث. وقالوا أيضًا يجوز إخراج السويق لما رواه ابن خزيمة من حديث ابن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن تؤدي زكاة رمضان صاعًا من طعام عن الصغير والكبير والحر والمملوك. من أدى سلتا

الخلاف في جواز دفع القيمة فيها

قبل منه وأحسبه قال: من أدّى دقيقًا قبل منه. ومن أدى سويقًا قبل منه. واختلف هؤلاء في القدر المخرج من السويق والدقيق: فقال أبو حنيفة وأصحابه نصف صاع من دقيق القمح وسويقه وصاع من دقيق الشعير وسويقه. وقال أحمد صاع لا فرق بين دقيق القمح وغيره. وقال مالك وأصحابه والشافعية وأكثر العلماء لا يجوز إخراج الدقيق والسويق لأنهما لم يذكرا في الأحاديث الصحيحة والأحاديث التي فها ذكر الدقيق لا تصلح الاحتجاج بها. وظاهر الأحاديث أن الإخراج من الأصناف المذكورة على سبيل التخيير. فله أن يخرج من أيها شاء وإن لم يكن المخرج من غالب قوت البلد وهو قول الشافعي. واختاره القاضي أبو الطيب وهو ظاهر كلام الحنابلة إذا كانت كلها موجودة وإلا فيخرج مما هو مقتات من كل حبّ أو ثمر، وهو ظاهر كلام الحنفية أيضًا إلا أنهم جعلوا التخيير بين القمح والشعير والتمر والزبيب، وقالوا لا يخرج من غيرها إلا باعتبار القيمة. وقال أكثر الشافعية تخرج من غالب قوت البلد ولو كان من غير هذه الأصناف المذكورة وهو مذهب المالكية. وهل العبرة عندهم بغالب قوت البلد في رمضان أو في يوم الإخراج أو في كل السنة؟ خلاف. رجح الحطاب اعتبار غالب قوتهم في رمضان واستظهر الأمير اعتبار غالب قوتهم يوم الوجوب (فائدة) لم يجز أكثر العلماء إخراج القيمة في زكاة الفطر وأجازه أبو حنيفة، وكذا المالكية مع الكراهة (والحديث) أخرجه أيضًا الدارقطني بلفظ تقدم (باب من روى نصف صاع من قمح) أي في بيان ما ورد في كفاية نصف صاع من قمح في صدقة الفطر (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ قَالاَ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ -قَالَ مُسَدَّدٌ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ- عَنْ أَبِيهِ -وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَوْ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "صَاعٌ مِنْ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ عَلَى كُلِّ اثْنَيْنِ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَمَّا غَنِيُّكُمْ فَيُزَكِّيهِ اللَّهُ وَأَمَّا فَقِيرُكُمْ فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهُ". زَادَ سُلَيْمَانُ فِي حَدِيثِهِ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ.

المذاهب فيمن تلزمه صدقة الفطر

(ش) (رجال الحديث) (النعمان بن راشد) أبو إسحاق الجزري الرقي مولى بني أمية روى عن الزهري وعبد الله في مسلم وميمون بن مهران وعبد الملك بن أبي محذورة. وعنه وهيب بن خالد وابن جريج وحماد بن زيد وجرير بن حازم. ضعفه أبو داود ويحيى القطان وابن معين وقال مرة ثقة. وقال النسائي كثير الغلط أحاديثه مقلوبة وقال أيضًا صدوق فيه ضعف. وقال أحمد مضطرب الحديث روى أحاديث مناكير. وقال البخاري وأبو حاتم في حديثه وهم كثير وهو في الأصل صدوق وذكره ابن حبان في الثقات. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في التاريخ. و(ثعلبة بن أبي صعير) وفي نسخة ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير بمهملتين مصغرًا. وهذه رواية مسدد ووافقه سليمان بن ثعلبة بن عبد الله ابن أبي صعير في رواية. وفي أخرى له عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير. وصوّبه الدارقطني. وعليه فهو أبو محمَّد المدني الشاعر. مسح رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وجهه ورأسه زمن الفتح ودعا له. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أبيه ثعلبة وعمر وعليّ وسعد ابن أبي وقاص وجابر وأبي هريرة. وعنه الزهري وسعد بن إبراهيم وعبد الله بن مسلم وغيرهم. قال البخاري في التاريخ عبد الله بن ثعلبة بن صعير عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرسلًا إلا أن يكون عن أبيه فهو أشبه اهـ وقال في التقريب له رؤية ولم يثبت له سماع توفي سنة سبع أو تسع وثمانين. و(أبوه) ثعلبة بن أبي صعير بن عمرو بن زيد بن سنان العذري حليف بني زهرة. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا الحديث فقط. وعنه ابنه عبد الله (معنى الحديث) (قوله صاع من بر الخ) خبر مبتدأ محذوف أي صدقة الفطر صاع من بر أو قمح، شك حماد بن زيد كما صرّح به في رواية أحمد. ويحتمل أن يكون صاع مبتدأ خبره عن كل اثنين أي مجزئ عنهما (قوله أما غنيكم فيزكيه الله) أي يطهره من درن الآثام ويزيده بركة في ماله وعمله (قوله وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطاه) رغب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الفقير في إعطاء الزكاة ووعده. بإخلاف ما أعطاه كما قال تعالى (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) والمراد الفقير بالنسبة إلى عظيم الغنى، فلا ينافي أنه في ذاته غني، أو الفقير حقيقة وهو الذي ملك زكاة الفطر زيادة عن قوته وقوت من تلزمه نفقته يوم العيد وليلته. والحديث من أدلة من قال بإجزاء نصف صاع من بر في زكاة الفطر وتقدم بيانه (قوله زاد سليمان في حديثه غني أو فقير) أي زاد سليمان بن داود العتكي أحد شيخي المصنف في روايته لفظ غني أو فقير (وفيه دليل) على أن الفقير تلزمه صدقة الفطر ومحله إذا وجد ما يؤديه زيادة عن قوته وقوت من يمونه يوم العيد وليلته. وبه قال مالك والشافعي وأحمد وعطاء وإسحاق وأكثر أهل العلم

الخلاف في أنه هل على الزوج فطرة امرأته؟ وهل عن الصغير فطرة؟

وقال أبو حنيفة وأصحابه وزيد بن علي: إنما تجب على من يملك نصابًا من أنصبة الزكاة فاضلًا عن حوائجه الأصلية كمسكنه ومركبه وأثاث منزله. فلا فطرة عندهم على فقير لا يملك النصاب المذكور لحديث أبي هريرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: لا صدقة إلا عن ظهر غنى. رواه أحمد وذكره البخاري في كتاب الوصايا من صحيحه معلقًا ولا غنى مع الحاجة. (وأجابوا) عن حديث الباب بأنه ضعيف، لأنه من طريق النعمان بن راشد وقد ضعفه غير واحد وأكثر الروايات ليس فيها ذكر الفقير. وعلى فرض صحة الحديث فيحتمل أن يراد بالفقير فيه الفقير النسبي، وعليه فالحديث في الأغنياء فقط. (ورد) بأن حديث "لا صدقة إلا عن ظهر غنى" المشهور في لفظه خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى كما سيأتي للمصنف في "باب الرجل يخرج من ماله، فهو لا ينافي طلبها من الفقير. وعلى فرض وروده بلفظ الحصر فهو معارض بالروايات الدالة على ترغيب الفقير في الصدقة مثل حديث "أفضل الصدقة جهد المقلّ" أخرجه الحاكم عن أبي هريرة مرفوعًا، وسيأتي للمصنف في الباب المذكور. وحديث "أفضل الصدقة سرّ إلى فقير وجهد من مقلّ" أخرجه الطبراني عن أبي أمامة. وحديث "سبق درهم مائة ألف. قالوا يا رسول الله وكيف؟ قال رجل له درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به. ورجل له مال كثير فأخذ من عرض ماله مائة ألف فتصدق بها" رواه النسائي وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي هريرة مرفوعًا. فالظاهر ما ذهب إليه الجمهور من وجوب الصدقة على الفقير الذي يجد زائدًا على ما يكفيه هو ومن يمونه يوم العيد وليلته. قال الخطابي: وفيه بيان أنهما تلزم الفقير إذا وجد ما يؤديه. ألا تراه يقول: وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطاه فقد أوجب عليه أن يؤديها عن نفسه مع إجازته له أن يأخذ صدقة غيره. وفي قوله ذكر أو أنثى. دليل لمن أسقط صدقة الزوجة عن الزوج لأنه في الظاهر إيجاب على المرأة فلا يزول الفرض عنها إلا بدليل. وهو مذهب أصحاب الرأى وسفيان الثوري. وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق يخرج الزوج عن زوجته لأنه يمونها. وقد يروي فيه عن جعفر بن محمَّد عن أبيه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال عمن تمونون. قلت إن صح قوله عمن تمونون. وإلا فلا يلزمه ذلك عن زوجته اهـ وفي الحديث أيضًا دليل على أنها تجب عن الصغيركالكبير وهو قول الجمهور. وقال محمَّد بن الحسن لا تجب صدقة الفطر في مال الصغير ولو غير يتيم. وعن عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنها إنما تجب على من أطاق الصوم (والحديث) أخرجه أيضًا الطحاوي. وكذا أحمد بلفظ أدّوا صاعًا من قمح أو صاعًا من بر "شك حماد" عن كل اثنين صغير أو كبير. وأخرجه الدارقطني من طريق إسحاق بن أبي إسراءيل عن حماد بسنده مرفوعًا بلفظ "أدوا صدقة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير أو نصف صاع من بر عن كل صغير أو كبير ذكر أو أنثى حر أو عبد" وأخرجه عبد الرزاق والطبراني. وأخرجه

أيضًا من طريق يزيد بن هارون عن حماد بن زيد بسنده مرفرعًا، أدّوا عن كل إنسان صاعًا من بر عن الصغير والكبير" وأخرجه أيضًا من طريق سليمان بن حرب عن حماد بسنده إلى ثعلبة عن أبيه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: أدّوا صاعًا من قمح أو قال من بر عن الصغير والكبير الخ. وأخرجه أيضًا من طريق خالد بن خداش عن حماد بنحوه (ص) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدَّرَابَجِرْدِيُّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ نَا هَمَّامٌ نَا بَكْرٌ -هُوَ ابْنُ وَائِلٍ- عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ قَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ح وَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا هَمَّامٌ عَنْ بَكْرٍ الْكُوفِيِّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى هُوَ بَكْرُ بْنُ وَائِلِ بْنِ دَاوُدَ أَنَّ الزُّهْرِيَّ حَدَّثَهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- خَطِيبًا فَأَمَرَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعِ تَمْرٍ أَوْ صَاعِ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ زَادَ عَلِىٌّ فِي حَدِيثِهِ أَوْ صَاعِ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ -ثُمَّ اتَّفَقَا- عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ. (ش) (رجال الحديث) (علي بن الحسن) بن موسى الهلالي أبو الحسن بن أبي عيسى روى عن عبد الملك بن إبراهيم وعبد الله بن يزيد المقري وعلي بن الحسن بن شقيق وأبى نعيم وجماعة. وعنه أبو داود وإبراهيم بن أبي طالب والبخاري ومسلم في غير الجامع وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرها. ذكره ابن حبان في الثقات وقال محمَّد بن عبد الوهاب الفراء هو ثقة صدوق وقال مسلم بن الحجاج هو الطيب بن الطيب. توفي في رمضان سنة سبع وستين ومائتين و(الدرابجردي) بكسر الباء الموحدة والجيم وسكون الراء نسبة إلى درابجرد محلة متصلة بالصحراء بأعلى نيسابور. وفي نسخة درابجردي بدون أل. و(عبد الله بن يزيد) القرشي العدوي المقرئ و(همام) بن يحيى العوذي (معنى الحديث) (قوله صاع تمر) بالجر بدل من صدقة الفطر ويجوز رفعه على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي هي صاع تمر (قوله عن كل رأس) وفي بعض النسخ على كل رأس (قوله ثم اتفقا عن الصغير) وفي بعض النسخ على الصغير (قوله زاد عليّ الخ) أي زاد عليّ بن الحسن شيخ المصنف في الطريق الأول في روايته أو صاع بر أو قمح بين اثنين، أي يكفي عنهما ثم اتفق

عليّ ومحمد بن يحيى على ذكر الصغير والكبير الخ (والحديث) أخرجه أيضًا الدارقطني من طريق عمرو بن عاصم عن همام بسنده أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قام خطيبًا فأمر بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير عن كل واحد أو عن كل رأس أو صاع قمح اهـ. وأخرجه الحاكم من طريق همام بسنده أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قام خطيبًا وأمر بصدقة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير عن كل واحد أو عن كل رأس من الصغير والكبير أو مُدّين من قمح (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ قَالَ ابْنُ صَالِحٍ قَالَ الْعَدَوِيُّ وَإِنَّمَا هُوَ الْعُذْرِيُّ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- النَّاسَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ بِمَعْنَى حَدِيثِ الْمُقْرِئِ. (ش) (ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قوله قال ابن صالح الخ) أي قال أحمد بن صالح شيخ المصنف قال عبد الرزاق: عبد الله بن ثعلبة العدوي بفتح العين والدال المهملتين نسبة إلى عدي وهو خطأ. وإنما هو العدوي بضم العين المهملة وسكون المهملة الذال المعجمة نسبة إلى عذرة بن سعد أبي قبيلة (قوله بمعنى حديث المقرئ) أي حديث عبد الله بن يزيد المقرئ شيخ علي بن الحسن في الطريق السابق. ولفظه عند الدارقطني من طريق عبد الرزاق بسنده إلى عبد الله ابن ثعلبة قال: خطب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الناس قبل الفطر بيوم أو يومين فقال أدّوا صاعًا من بر أو قمح بين اثنين أو صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير عن كل حر وعبد وصغير وكبير. وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه والطبراني في معجمه بسند صحيح قويّ. واعلم أن هذا الحديث رواه الزهري عن عبد الله بن ثعلبة من عدة طرق: أحدها طريق النعمان بن راشد ثانيها طريق بكر بن وائل. ثالثهما طريق ابن جريج وهذه تقدمت للمصنف. رابعها أخرجه الداراقطنى من طريق يحيى بن جرجة عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خطب قبل العيد بيوم أو اثنين فقال "إن صدقة الفطر مدّان من بر عن كل إنسان أو صاع مما سواه من الطعام" قال الدارقطني يحيى بن جرجة ليس بالقوى. خامسها أخرجه الحاكم في كتاب الفضائل من طريق بحر بن كثير قال: حدثنا الزهري عن عبد الله بن ثعلبة عن أبيه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فرض صدقة الفطر عن الصغير والكبير صاعًا من تمر أو مدّين من قمح. وقد رواه أكثر أصحاب الزهري عنه عن عبد الله بن ثعلبة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يذكروا أباه اهـ وقد رواه الزهري أيضًا من طرق أخرى

منها ما أخرجه الدارقطني من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن ابن أبي صعير عن أبي هريرة أنه قال: زكاة الفطر على الغني والفقير. ومنها ما أخرجه الدارقطني أيضًا والحاكم من طريق بكر بن الأسود عن عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حضّ على صدقة رمضان على كل إنسان صاع من تمر أو صاع من شعير أو صاع من قمح. قال الدارقطني بكر بن الأسود ليس بالقوى. ومنها ما أخرجه الدارقطني أيضًا من طريق معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن الأعرج. عن أبي هريرة قال "زكاة" الفطر على كل حر وعبد ذكر وأنثى صغير وكبير فقير وغنى "صاع" من تمر أو نصف صاع من قمح قال: وبلغني أن الزهري كان يرفعه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وبما تقدم) تعلم أن الحديث مضطرب الإسناد والمتن فلا تقوم به حجة. وقد قيل لأحمد بن حنبل حديث ثعلبة ابن أبي صعير في صدقة الفطر نصف صاع من بر فقال: ليس بصحيح يرويه معمر وابن جريج عن الزهري مرسلًا. قيل من قبل من هذا؟ قال من قبل النعمان بن راشد، وليس بالقوى في الحديث. وسئل عن ابن أبي صعير أهو معروف؟ فقال أين يعرف ابن أبي صعير؟ ليس هو بمعروف وقال ابن عبد البر ليس دون الزهري من تقوم به الحجة. ولذا قال ابن المنذر لا نعلم في القمح خبرًا ثابتًا عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم يعتمد عليه. ولم يكن البر بالمدينة في ذلك الوقت إلا الشيء اليسير منه. فلما كثر في زمن الصحابة رأوا أن نصف صاع منه يقوم مقام صاع من الشعير. وهم الأئمة فغير جائز أن يعدل عن قولهم إلا إلى قول مثلهم اهـ ثم روي عن عثمان وعلي وأبي هريرة وجابر وابن عباس وابن الزبير وأسماء بنت أبي بكر بأسانيد صحيحة أنهم رأوا أن زكاة الفطر نصف صاع من قمح (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حُمَيْدٌ أَنَا عَنِ الْحَسَنِ قَالَ خَطَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي آخِرِ رَمَضَانَ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ فَقَالَ أَخْرِجُوا صَدَقَةَ صَوْمِكُمْ فَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا فَقَالَ مَنْ هَا هُنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قُومُوا إِلَى إِخْوَانِكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- هَذِهِ الصَّدَقَةَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ فَلَمَّا قَدِمَ عَلِىٌّ رَأَى رُخْصَ السِّعْرِ قَالَ قَدْ أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَلَوْ جَعَلْتُمُوهُ صَاعًا مِنْ كُلِّ

رد القول بأن زكاة الفطر إنما تجب على المكلفين

شَيْءٍ. قَالَ حُمَيْدٌ وَكَانَ الْحَسَنُ يَرَى صَدَقَةَ رَمَضَانَ عَلَى مَنْ صَامَ. (ش) (رجال الحديث) (سهل بن يوسف) أبو عبد الرحمن الأنماطي البصري روى عن حميد الطويل وابن عون وسعيد بن أبي عروبة وشعبة وجماعة. وعنه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وقتيبة ونصر بن عليّ وطائفة. وثقه النسائي وابن معين وإبراهيم بن أبي داود والدارقطني وذكره ابن حبان في الثقات. وقال أبو حاتم لا بأس به. روى له البخاري وأبو داود وابن ماجه والترمذي والنسائي (قوله قال حميد أخبرنا) أي قال سهل بن يوسف أخبرنا حميد الطويل عن الحسن. فأخبر مبني للفاعل وحميد فاعل خلافًا لمن زعم أنه مبني للمفعول. يؤيده لفظ النسائي أخبرنا علي بن حجر ثنا يزيد بن هارون حدثنا حميد عن الحسن (المعنى) (قوله فكأن الناس لم يعلموا) أي لم يعلم حكم زكاة الفطر من قبل. فقد جعل بعضهم ينظر إلى بعض كما في رواية النسائي (قوله رخص السعر) بضم الراء وسكون الخاء المعجمة مصدر رخص من باب قرب أي رأى عدم زيادة السعر (قوله فلو جعلتموه صاعًا من كل شيء) أي لو جعلتم صدقة الفطر صاعًا من البر وغيره لكان خيرًا. فجواب لو محذوف ويحتمل أن لو للتحضيض بمعنى هلا فلا جواب لها (قوله قال حميد وكان الحسن الخ) أي قال حميد وكان الحسن شيخه يرى أن زكاة الفطر إنما تجب على من يلزمه الصوم، فلا تجب عن الصبي والمجنون لأنها شرعت للتطهير من الآثام وهما ليسا محتاجين إلى التطهير لعدم التكليف. والأحاديث ترده فإنها صرحت بلزومها عن الصغير والكبير. وتقدم أن حكمة مشروعيتها مركبة من الطهرة والطعمة بالنسبة للمكلفين ومن الطعمة بالنسبة للصبيان والمجانين وغيرهم (فقه الحديث) دل الحديث على أنه ينبغي للرئيس أن يعلم الناس أحكام الدين. وعلى أنه يجزئ من الفطرة نصف صاع من البر (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي والدارقطني والترمذي وقال حسن غريب وقال النسائي وأحمد وعلى ابن المديني وأبو حاتم: الحسن لم يسمع من ابن عباس. وقال في التنقيح الحديث رواته مشهورون لكن فيه إرسال فإن الحسن لم يسمع من ابن عباس على ما قيل وقد جاء في مسند أبي يعلى في حديث عن الحسن قال أخبرني ابن عباس وهذا إن ثبت دلّ على سماعه منه وقد روى في هذا الباب عدة أحاديث وفي كل منها مقال

باب في تعجيل الزكاة

(باب في تعجيل الزكاة) أي تقديمها على وقت وجوبها (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ نَا شَبَابَةُ عَنْ وَرْقَاءَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَمَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالْعَبَّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلاَّ أَنْ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَأَمَّا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا فَقَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَمَّا الْعَبَّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا". ثُمَّ قَالَ "أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ الأَبِ". أَوْ "صِنْوُ أَبِيهِ". (ش) مناسبة الحديث للترجمة أن قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيه "فهي عليّ ومثلها" يفيد أنه أخذها من عمه العباس معجلة (شبابة) بن سوّار الفزاري تقدم بالرابع صفحة 219 و(ورقاء) بن عمر اليشكري تقدم بالسابع صفحة 154. و(أبو الزناد) عبد الله بن ذكران. و(الأعرج) عبد الرحمن (قوله بعث النبي عمر الخ) أي أرسله عاملًا يجمع الزكاة الواجبة لأن صدقة التطوع لا يبعث عليها "وقول" ابن القصار المالكي الأليق أنها صدقة التطوع لأنه لا يظن بهؤلاء الصحابة منع الفرض (مردود). بأنهم ما منعوا كلهم جحدًا ولا عنادًا. أما ابن جميل فقد قيل إنه كان منافقًا ثم تاب. وأما خالد فكان متأولًا بإجزاء ما وقفه عن الزكاة. وأما العباس فقد عجل الزكاة عامين كما أخرجه الدارقطني من طريق موسى بن طلحة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إنا كنا احتجنا فتعجلنا من العباس صدقة ماله سنتين. وهو مرسل. وقد رواه أيضًا موصولًا بذكر طلحة وإسناد المرسل أصح (قوله فمنع ابن جميل) أي منع الزكاة. وفي رواية البخاري والنسائي فقيل منع ابن جميل: وقائله عمر. وابن جميل بفتح فكسر ممن عرف بكنيته ولم يسم وقيل اسمه عبد الله أو حميد. و(خالد بن الوليد) بن المغيرة بن عبد الله بن عمر المخزومي أبو سليمان. أسلم سنة ست بعد صلح الحديبية. سماه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سيف الله وشهد خيبر والفتح. وحنينًا: توفي بحمص سنة إحدي وعشرين أو ثنتين وعشرين (قوله ما ينقم ابن جميل)

الاعتذار عن خالد بن الوليد والعباس رضي الله عنهما في عدم إعطائهما الزكاة

بكسر القاف وفتحها من بابي ضرب وعلم أي ما ينكر ويمنع الزكاة إلا لأنه كان فقيرًا فأغناه الله من فضله بما أفاء على رسوله وأباح لأمته من الغنائم ببركته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، فقد جعل نعمة الله سببًا لكفرها وهذا مما لا ينبغي أن يكون علة لكفران النعمة ومنع الزكاة. فالمراد به المبالغة في التنفير من المنع. وفي رواية البخاري فأغناه الله ورسوله فأسند الإغناء إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأنه كان سببًا لدخوله في الإِسلام وأخذه حظه من الغنائم. وقال ابن المهلب كان ابن جميل منافقًا فمنع الزكاة فاستتابه الله تعالى بقوله (وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا) فقال استتابني ربي فتاب وصلح حاله اهـ (قوله فإنكم تظلمون خالدًا الخ) يعني بنسبة المنع إليه وكيف يمنع الفرض وقد تطوع بتحبيس سلاحه وخيله. أو أنهم ظلموه بطلب زكاة خيله وسلاحه للذين جعلهما في سبيل الله إذ ليس عليه فيها زكاة. ولعل سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه طلب زكاتها من سيدنا خالد لظنه أنه أعدّها للتجارة. ويحتمل أن خالدًا قصد بإخراج ما جعله في سبيل الله زكاة ماله. وسبيل الله أحد الأصناف الثمانية التي تصرف فيها الزكاة. والأدراع جمع درع وهي الزردية التي تلبس في الحرب. والأعتد بضم المثناة الفوفية جمع عند بفتحتين مثل زمن وأزمن، وهو ما يعده الرجل من السلاح والدواب وآلة الحرب. وقيل هي الخيل خاصة. وفي نسخة قد احتبس أدراعه وأعتاده جمع عتاد ويجمع أيضًا علي أعتد وأعتدة مثل زمان وأزمن وأزمنة. وفي رواية وأعبده بضم الموحدة جمع عبد والأول هو المشهور (قوله وأما العباس الخ) أي وأما زكاة مال العباس فهي عليّ ومثلها لأني تسلفت منه زكاة عامين كما تقدم في رواية الدارقطني ولما أخرجه أبو داود الطيالسي من حديث أبي رافع أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لعمر إنا كنا تعجلنا صدقة مال العباس عام الأول. وأخرج الطبراني والدارقطني نحوه. قال الحافظ وإسناده ضعيف. وأخرج الدارقطني من حديث ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عمر ساعيًا فأتي العباس يطلب صدقة ماله فأغلظ له العباس فأخبر النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال: إن العباس قد أسلفنا زكاة ماله العام والعام المقبل. قال الحافظ وفي إسناده ضعف. ويحتمل أن يكون المراد فهذه الصدقة عليّ أؤديها عنه ومثلها لماله عليّ من حق العمومة التي هي كالأبوّة كما أشار لذلك بقوله: أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه. وفي رواية البخاري والنسائي فهي عليه صدقة ومثلها معها أي فهي صدقة ثابتة عليه سيتصدق بها ويضيف إليها مثلها كرمًا منه. وقيل معناه أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخر عن العباس الصدقة عامين لحاجة أصابت العباس فإنه يجوز للإمام أن يؤخرها لمصلحة ثم يأخذها بعد. وقيل إن على فيه بمعنى اللام كما صرح به في رواية ابن خزيمة لما قيل من أنه كان استدان ففادى نفسه وعقيلًا

كيف تؤخذ من مانعها؟

فصار من الغارمين فساغ له أخذ الزكاة. لكن قال البيهقي اللام في رواية ابن خزيمة بمعنى على لتتفق الروايات لأن المخرج واحد ومال إلى ذلك ابن حبان (قوله أما شعرت أن عم الرجل صنو الأب) أي شقيقه أو مثله. يريد أن أصله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصل العباس واحد وأصله أن يقال للنخلتين نبتتا من أصل واحد صنوان ولإحداهما صنو. والمعنى أما علمت أنه عمي وأبي فكيف تتهمه بما ينافي حاله فلعل له عذرًا وأنت تلوم (فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية بعث عمال أمناء عارفين بأحكام الزكاة لجمعها. وعلى أنه ينبغي تنبيه الغافل لما أنعم الله به عليه من الغنى بعد الفقر ليقوم بحق الله عليه. وعلى ذم من امتنع من أداء الواجب وجواز ذكره بذلك في غيبته. وعلى التنفير من كفر النعمة وعدم مقابلة الإحسان بالشكر. وعلى مشروعية الاعتذار عمن له عذر. وفي قصة ابن جميل دليل على أن مانع الزكاة إذا لم يكن ممتنعًا بقوة وسلاح فإنها تؤخذ منه بلا قتال. وأما قتال أبي بكر مانعي الزكاة فلكونهم امتنعوا من أدائها بقوة وسلاح. وبقصة خالد استدل على وجوب زكاة التجارة وبه قال الجمهور وتقدم الكلام في ذلك وافيًا في بابه. وعلى مشروعية الوقف. وعلى صحة وقف المنقول كالدواب والسلاح والثياب ونحوذلك وبه قال الجمهور. وروى عن أبي حنيفة عدم جواز وقف المنقول. وعلى جواز بقاء الموقوف تحت يد واقفه. وعلى جواز صرف الزكاة إلى صنف واحد من الأصناف الثمانية. وفي قصة العباس دليل على جواز تعجيل الزكاة لسنة فأكثر وإليه ذهب الجمهور وسيأتي تمام المذاهب فيه بعد. وفيه تعظيم شأن العمّ وأنه ينبغي تنزيله منزله الأب (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والدارقطني (ص) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ حُجَيَّةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ. (ش) (رجال الحديث) (الحجاج بن دينار) الأشجعي الواسطي. روى عن الحكم ابن عتيبة ومعاوية بن قرة وأبي بشر وآخرين. وعنه شعبة وإسماعيل بن زكريا وعيسى بن يونس ويعلي بن عبيد. وثقه أبو داود وابن عمار والعجلي ويعقوب بن شيبة والترمذي وقال مقارب الحديث. وقال أبو زرعة صالح صدوق مستقيم الحديث لا بأس به. روى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. و(حجية) بضم الحاء المهملة وفتح الجيم بوزن علية ابن عدي الكندي الكوفي. روى عن علي وجابر. وعنه سلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة وأبو إسحاق السبيعي قال

المذاهب في حكم تعجيل الزكاة

العجلي تابعي ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال أبو حاتم شيخ لا يحتج بحديثه شبيه بالمجهول. وقال ابن سعد كان معروفًا وليس بذاك. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (معنى الحديث) (قوله قبل أن تحل) أي قبل حلول وقتها وهو نهاية الحول (قوله فرخص له في ذلك) هكذا في بعض النسخ. وفي بعضها وقَالَ مَرَّةً فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ. وفي الحديث دلالة على جواز تعجيل الزكاة قبل تمام الحول. وإلى هذا ذهبت الحنفية والشافعية والحنابلة وقالوا: يشترط أن يكون إخراجها بعد ملك النصاب وألا ينقطع في أثناء الحول وأن يكمل في آخره. وبه قال الهادي والقاسم. قال في سبل السلام لكنه مخصوص جوازه بالمالك ولا يصح من المتصرف بالوصاية أو الولاية اهـ وذهب سفيان الثوري وداود وربيعة وأبو عبيد بن الحارث والحسن البصري والناصر إلى أنه لا يصح تعجيلها قبل تمام الحول لما رواه ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول. وفي سنده حارثة بن محمَّد وهو ضعيف. ولما تقدم للمصنف في باب زكاة السائمة عن علي رضي الله عنه مرفوعًا وفيه: وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول. وبنحوهما من الأحاديث الدالة على تعليق وجوب الزكاة بالحول وبالقياس على الصلاة. فمن زكى قبل تمام الحول كمن صلى قبل الوقت وبه قالت المالكية إلا أنهم جوزوا تقديمها شهرًا مع الكراهة على المعتمد. وأجاب الأولون بأن هذه الأحاديث في اشتراط الحول في الوجوب وهو محل اتفاق وإنما الخلاف في إجزاء الإخراج قبل تمامه وقد دلت عليه أحاديث الباب (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد وابن ماجه والحاكم والبيهقي والدارقطني والترمذي وقال روى هذا الحديث عن الحكم بن عتيبة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرسلًا اهـ وفي سنده حجية وفيه مقال كما تقدم (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنِ الْحَكَمِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَحَدِيثُ هُشَيْمٍ أَصَحُّ. (ش) (هشيم) بن بشير. و (منصور بن زاذان) الواسطي أبو المغيرة الثقفي مولاهم روى عن أنس وعطاء بن أبي رباح ومحمد بن سيرين وحميد بن هلال وكثيرين. وعنه مسلم ابن سعيد وجرير بن حازم وأبو عوانة وحبيب بن الشهيد وكثيرون. وثقه أحمد والنسائي وابن معين وأبو حاتم والعجلي. قيل مات سنة تسع وعشرين ومائة. روى له الجماعة (قوله وحديث هشيم أصح) يعني من حديث سعيد بن منصور السابق المتصل. وحديث هشيم. مرسل لأن الحسن بن مسلم لم يسمع من علي. وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه على الحكم بن عتيبة

باب الزكاة تحمل من بلد إلى بلد

فذكر أولًا رواية الحجاج بن دينار عن حجية وذكر ثانيًا رواية إسرائل عن الحجاج عن الحكم عن حجر العدوي. وذكر ثالثًا رواية الحسن بن عمارة عن الحكم عن موسى بن طلحة عن طلحة. ثم قال اختلفوا على الحكم في الحكم في إسناده والصحيح عن الحسن بن مسلم مرسل يشير إلى الطريق الثاني الذي ذكره المصنف. قال البيهقي قال الشافعي. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه تسلف صدقة مال العباس قبل أن تحلّ ولا أدري أثبت أم لا؟ ويعضده حديث أبي البحتري عن عليّ عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إنا كنا احتجنا فاستسلفنا العباس صدقة عامين. رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعًا. اهـ (باب الزكاة تحمل من بلد إلى بلد) وفي بعض النسخ باب في الزكاة تحمل الخ وفي بعضها باب في الزكاة هل تحمل من بلد إلى بلد؟ (ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَا أَبِي أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَطَاءٍ مَوْلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ زِيَادًا أَوْ بَعْضَ الأُمَرَاءِ بَعَثَ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ لِعِمْرَانَ أَيْنَ الْمَالُ قَالَ وَلِلْمَالِ أَرْسَلْتَنِي أَخَذْنَاهَا مِنْ حَيْثُ كُنَّا نَأْخُذُهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَوَضَعْنَاهَا حَيْثُ كُنَّا نَضَعُهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. (ش) (رجال الحديث) (أبو النصر) علي بن نصر بن علي. تقدم بالرابع صفحة 32 و(إبراهم بن عطاء الخ) ابن أبي ميمونة البصري. روى عن أبيه. وعنه أبو عتاب الدلال ويزيد بن هارون وأبو عاصم وغيرها. قال ابن معين صالح. وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود وابن ماجه (وأبو إبراهم) عطاء بن أبي ميمونة (معنى الحديث) (قوله أن زياد) بن أبي سفيان استلحقه معاوية وجعله واليًا على العراق (قوله قال لعمران أين المال) أي قال زياد أو بعض الأمراء لعمران أين المال الذي جمعته من الصدقة؟ وسأله عن المال زعمًا منه أن عمران كسائر العمال الذين يجمعون الأموال بحق وبغير حق ويحملونها إلى من ولاهم ليقتسموها بينهم ويصرفوها في مصالحهم الخاصة بهم فأنكرعليه عمران وبين له أنه إنما صنع بها ما كانوا يصنعونه على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من عدم نقل الزكاة من مكانها وصرفها في المكان الذي جمعت فيه لمستحقيها ففي حديث معاذ عند البخاري ومسلم

المذاهب في حكم نقل الزكاة

أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعثه إلى اليمن فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وتردّ في فقرائهم. فحديث الباب مجمل بينه حديث معاذ ففيه دلالة على مشروعية صرف زكاة كل بلد إلى فقراء أهلها. وهذا لا خلاف فيه بين العلماء. واختلفوا في نقلها فقالت الحنفية، يكره نقلها إلا لأحوج أو قريب. واستدلوا على الكراهة بما تقدم في حديث معاذ من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ ما أغنيائهم وترد في فقرائهم وفي رواية النسائي فتوضع في فقرائهم. قالوا ولم يحرم النقل لقوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) الآية. إلى غير ذلك من النصوص المطلقة من غير تقييد بالمكان. أما جواز نقلها إلى الأحوج فلما أخرجه النسائي من حديث عبد الله ابن هلال الثقفي قال جاء رجل إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال كدت أقتل بعدك في عناق أو شاة من الصدقة فقال لولا أنها تعطى فقراء المهاجرين ما أخذتها. ولما أخرجه البيهقي وعلقه البخاري عن طاوس أن معاذًا قال لأهل اليمن ائتوني بعرض ثياب خير أو لبيس في الصدقة مكان الشعير أو الذرة فإنه أهون عليكم وخير لأصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالمدينة. والخميس بالسين المهملة الثوب الذي طوله خمسة أذرع. وفي رواية البخاري خميص بالصاد المهملة كساء صغير مؤنثه خميصة. واللبيس الثوب الذي يلبس كثيرًا. وأما جواز نقلها إلى القريب فلما فيه من صلة الرحم. وقال مالك يجب تفريقها في موضع الوجوب أو قربه إلى ما دون مسافة القصر إن وجد فيه مستحق ولا يجوز نقلها لمسافة القصر فأكثر إلا أن يكون المنقول إليهم أحوج فيندب نقل أكثرها لهم وإن نقلت إلى مسافة القصر فأكثر إلى من هم أقل منهم في الاحتياج أجزأت مع الحرمة وإن نقلت إلى مثلهم أجزأت مع الكراهة وإن لم يوجد بمحل الوجوب أو قربه مستحق نقلت وجوبًا إلى محل فيه مستحق ولو كان على أزيد من مسافة القصر. وقالت الحنابلة يستحب تفرقتها في بلدها ثم الأقرب فالأقرب من القرى والبلدان فإن نقلها إلى البعيد لقرابة أولمن كان أشد حاجة جاز ما لم يبلغ مسافة القصر فإن بلغها فلا يجوز. وقالت الشافعية ينبغي تفريقها في بلد المال فلو نقلت إلى بلد آخر مع وجود المستحقين ففيه أربعة أقوال أصحها لا يجزئ النقل ولو لدون مسافة القصر ولا يجوز إلا إن فقد مستحقها في موضع الوجوب فيجوز النقل لما رواه أبو عبيد في كتاب الأموال بإسناده عن عمرو بن شعيب أن معاذ بن جبل لم يزل بالجند إذ بعثه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى مات النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم قدم على عمر فردّة على ما كان عليه فبعث إليه معاذ بثلث صدقة الناس فأنكر ذلك عمر وقال لم أبعثك جابيًا ولا آخذ جزية لكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد على فقرائهم فقال معاذ ما بعثت إليك

باب من يعطى من الصدقة، وحد الغنى

بشيء وأنا أجد أحدًا يأخذه مني فلما كان العام الثاني بعث إليه بصدقة فتراجعا بمثل ذلك فلما كان العام الثالث بعث إليه بها كلها فراجعه عمر بمثل ما راجعه فقال معاذ ما وجدت أحدًا يأخذ مني شيئًا. الثاني يجزئ ويجوز مطلقًا. الثالث لا يجزئ ولا يجوز مطلقًا. الرابع يجزئ ويجوز دون مسافة القصر ولا يجزئ ولا يجوز نقلها إليها. ومحل الخلاف عندهم فيما إذا فرق رب المال زكاته أما إذا فرقها الإِمام أو الساعي فقيل كذلك. والأشبه جواز النقل مطلقًا (فقه الحديث) دلّ الحديث زيادة على ما تقدم على ما كان عليه عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه من الشجاعة في الحق والعمل به ابتغاء مرضاة الله تعالى ولو كان في ذلك غضب الأمراء. (والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه وسنده صحيح (باب من يعطى من الصدقة وحدّ الغنى) أي من يجوز إعطاء الصدقة له وبيان حدّ الغنى الذي يمنع من أخذ الصدقة. والغنى بكسر المعجمة والقصر ضد الفقر وبالكسر والمد رفع الصوت. وفي بعض النسخ "باب من يعطى الصدقة" بإسقاط لفظ من (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ نَا سُفْيَانُ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُمُوشٌ -أَوْ خُدُوشٌ- أَوْ كُدُوحٌ- فِي وَجْهِهِ". فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْغِنَى قَالَ "خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ". (ش) (رجال الحديث) (حكيم بن جبير) الأسدي الثقفي مولى الحكم بن أبي العاص. روى عن أبي وائل وأبي الطفيل وإبراهيم النخعي وموسى بن طلحة وطائفة. وعنه الأعمش والسفيانان وزائدة وشعبة وشريك وجماعة. قال أحمد ضعيف منكر الحديث وكذا قال أبو حاتم وقال له رأي غير محمود غال في التشيع. وقال الدارقطني متروك الحديث. وقال الجوزجاني كذاب. وضعفه غير واحد. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي و(محمَّد ابن عبد الرحمن بن بن يزيد) بن قيس النخعي أبو جعفر الكوفي. روى عن أبيه وعمه الأسود وعلقمة. وعنه سلمة بن كهيل وأبو إسحاق السبيعي ومنصور والأعمش وغيرهم. وثقه ابن معين وابن سعد وقال كان قليل الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في الأدب

(معنى الحديث) (قوله وله ما يغنيه) أي ما يكفيه عن السؤال (قوله جاءت يوم القيامة الخ) وفي بعض النسخ جاء بدون تاء. أي جاءت المسألة المفهومة من قوله سأل يوم القيامة وهي خموش الخ ففي رواية الترمذي: من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح. بضم أولها. وفي رواية النسائي "من سأل وله ما يغنيه جاءت خموشًا أو كدوحًا في وجهه يوم القيامة، بنصب خموش وكدوح على أنهما حالان من الضمير في جاءت العائد على المسألة. والخموش مصدر خمش بمعنى خدش يقال: خمشت المرأة وجهها تخمشه خمشًا وخموشًا إذا خدشته بظفر أو حديدة. ويحتمل أن يكون الخموش جمع خمش مثل فلس وفلوس. والكدوح بمعنى الخموش. قال في النهاية: كل أثر من خدش أو عضّ فهو كدح ويجوز أن يكون الكدوح مصدرًا سمي به الأثر وأن يكون جمع كدح اهـ وقال القاري: أو هنا إما للشك من الراوي إذ الكل يعرب عن أثر ما يظهر على الجلد واللحم من ملاقاة الجسد ما يقشر أو يجرح. ولعل المراد بها آثار مستنكرة بوجهه حقيقة أو أمارات يعرف ويشهر بذلك بين أهل الموقف. أولتقسيم منازل السائل فإنه مقل أو مكثر أو مفرط في المسألة، فذكر الأقسام على حسب ذلك. والخمش أبلغ في معناه من الخدش وهو أبلغ من الكدح، إذ الخمش في الوجه والخدش في الجلد والكدح فوق الجلد. وقيل الخدش قشر الجلد بالعود والخمش قشره بالأظفار والكدح العض، وهي في أصلها مصادر لكنها لما جعلت أسماء للآثار جمعت اهـ (قوله وما الغنى) أي ما مقدار ما يصير به المرء غنيًا يحرم عليه معه السؤال؟ وفي رواية الترمذي: قيل يا رسول الله وما يغنيه؟ (وفي الحديث) دلالة على أن من ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب فهو غني يحرم عليه السؤال والأخذ من الزكاة. وإلى ذلك ذهب الثوري وابن المبارك وإسحاق وهو مذهب علي وابن مسعود ورواية عن أحمد. واستدلوا أيضًا بما أخرجه الدارقطني من طريق بكر بن خنيس عن أبي شيبة عبد الرحمن ابن إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال "لا تحل الصدقة لرجل له خمسون درهمًا" قال الدارقطني بكر بن خنيس وأبو شيبة ضعيفان اهـ وقالوا من ملك من الحبوب أو العروض أو العقار أو السائمة ما لا تحصل به كفايته في عام فليس بغنى فله الأخذ من الزكاة. وقال غيرهم من الأئمة: ليس في حديث الباب دلالة على حرمة أخذ الصدقة على من ملك خمسين درهما أو قيمتها. إنما يدل على حرمة السؤال على من ذكر لأن المسألة إنما تكون للضرورة ولا ضرورة لمن يملك ما ذكر. على أن الحديث ضعيف لا يحتج به كما سيأتي (وأجابوا) عن حديث الدارقطني بأنه ضعيف أيضًا: ولذا قال مالك والشافعي لا حدّ للغنى وإنما يعتبر حال الإنسان بوسعه وطاقته. فإن اكتفى بما عنده حرمت عليه الصدقة. وإذا احتاج حلت له. قال الشافعي قد يكون الرجل غنيًا بالدرهم مع الكسب ولا يغنيه الألف مع ضعفه في

حد الغنى الذي لا يحل معه السؤال

نفسه وكثرة عياله اهـ خطابي وقال أبو حنيفة وأصحابه: حد الغنى مائتا درهم وهو النصاب الذي يوجب على مالكه الزكاة بأن يكون ناميًا ولو حكمًا سالمًا من الدين. أما ما لا يوجبها وهو ما ليس أحدها، فإن كان مستغرقًا بحاجة مالكه حل له أخذ الزكاة وإلا فلا. أما السؤال فلا يحل لمن يملك ما يستر به جسده وقوت يومه. وقيل لا يحل لقادر على الكسب أو من يملك خمسين درهما وسيأتي لهذا مزيد بيان (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي وابن ماجه والدارمي والطحاوي والدارقطني. وكذا الترمذي من طريق شريك عن حكيم وحسنه وقال: قد تكلم شعبة في حكيم بن جبير من أجل هذا الحديث اهـ. (ص) قَالَ يَحْيَى فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ لِسُفْيَانَ حِفْظِي أَنَّ شُعْبَةَ لاَ يَرْوِى عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ سُفْيَانُ فَقَدْ حَدَّثَنَاهُ زُبَيْدٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ. (ش) أي قال يحيى بن آدم تلميذ الثوري في السَندَ السابق: قال عبد الله بن عثمان صاحب شعبة: إن شعبة لا يروي عن حكيم بن جبير يعني لضعفه، فقال سفيان قد حدثني بهذا الحديث أيضًا زييد "بالتصغير" ابن الحارث الكوفي عن محمَّد بن عبد الرحمن يعني وبه يقوى الحديث. وفي الترمذي حدثنا محمود بن غيلان نا يحيى بن آدم نا سيفان عن حكيم بن جبير بهذا الحديث فقال له عبد الله بن عثمان صاحب شعبة لو غير حكيم حدث بهذا. فقال سفيان وما لحكيم. لا يحدث عنه شعبة؟ قال نعم. قال سفيان سمعت زبيدًا يحدث بهذا عن محمَّد بن عبد الرحمن بن يزيد. وقال النسائي: لا أنعلم أحدًا قال في هذا الحديث زبيد غير يحيى بن آدم ولا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير وحكيم ضعيف، سئل شعبة عن حديثه فقال: أخاف النار يعني إن حدثت عنه. وقد كان روى عنه قديمًا. وسئل يحيى بن معين يرويه أحد غير حكيم؟ فقال نعم يرويه يحيى ابن آدم عن سفيان عن زبيد ولا أعلم أحدًا يرويه كذلك إلا يحيى بن آدم. وهذا وهم إذ لو كان كذلك لحدثت الناس به جميعًا عن سفيان ولكنه حديث منكر اهـ بتصرف. قال الخطابي: وضعفوا الحديث للعلة التي ذكرها يحيى بن آدم. قالوا وأما ما رواه سفيان فليس فيه بيان أنه أسنده وإنما قال فقد حدثنا زبيد عن بن عبد الرحمن بن يزيد حسب اهـ. وقال الحافظ في الفتح ونص أحمد في علل الخلال وغيرها على أن رواية زبيد موقوفة اهـ وهو يؤيد ما قاله الخطابي. لكن قد علمت رواية الترمذي أن سفيان صرح بإسناده حيث قال: سمعت زبيدًا يحدث بهذا عن محمَّد بن عبد الرحمن وقال المنذري: وحكى الإِمام أحمد عن يحيى بن آدم أن الثوري قال: قال أبو بسطام شعبة يحدث هذا الحديث عن حكيم بن جبير، فقيل لأحمد إنما قال سفيان حدثني زبيد عن محمَّد بن عبد الرحمن

التنفير من السؤال عند عدم الحاجة

ولم يزد عليه قال أحمد كأنه أرسله. ويمكن الجواب "بأن اقتصار" المصنف على ذكر زبيد بن الحارث بدل حكيم لتقوية الحديث "دليل" على أن محمَّد بن عبد الرحمن بن يزيد رواه من هذا الطريق عن أبيه عن عبد الله بن مسعود فاقتصر المصنف على ذكر محل النزاع خلافُ الما أشار إليه الخطابي من أن الحديث معضل. وحكى ابن عديّ أن الثوري قال: فأخبرنا به زبيد وهذا يدل على أن الثوري حدث به مرتين مرة صرح فيه بالإسناد ومرة لم يصرح (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَنَّهُ قَالَ نَزَلْتُ أَنَا وَأَهْلِي بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَقَالَ لِي أَهْلِي اذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَسَلْهُ لَنَا شَيْئًا نَأْكُلُهُ فَجَعَلُوا يَذْكُرُونَ مِنْ حَاجَتِهِمْ فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ رَجُلًا يَسْأَلُهُ وَرَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "لاَ أَجِدُ مَا أُعْطِيكَ". فَتَوَلَّى الرَّجُلُ عَنْهُ وَهُوَ مُغْضَبٌ وَهُوَ يَقُولُ لَعَمْرِى إِنَّكَ لَتُعْطِي مَنْ شِئْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "يَغْضَبُ عَلَيَّ أَنْ لاَ أَجِدَ مَا أُعْطِيهِ مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عَدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا". قَالَ الأَسَدِيُّ فَقُلْتُ لَلَقِحَةٌ لَنَا خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ وَالأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. قَالَ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَسْأَلْهُ فَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ ذَلِكَ شَعِيرٌ أَوْ زَبِيبٌ فَقَسَمَ لَنَا مِنْهُ -أَوْ كَمَا قَالَ- حَتَّى أَغْنَانَا الله. (ش) (قوله عن رجل) لم نقف على اسمه وذلك لا يضر لأنه صحابي. والصحابة كلهم عدول (قوله ببقيع الغرقد) هو مدفن أهل المدينة. والبقيع في الأصل المكان المتسع من الأرض وقيل هو خاص بما فيه شجر أو أصول شجر من ضروب شتى، والغرقد بفتح الغين المعجمة وسكوت الراء وفتح القاف شجر له شوك كالسدر. وكان في مدفن أهل المدينة ثم زال وبقي اسمه (قوله فتولى الرجل عنه وهو مغضب) أي أدبر والحال أنه غضبان. ومغضب اسم مفعول من أغضب إغضابًا (قوله لعمرى إنك لتعطي من شئت) أي لحياتى إنك لا تعطي من

يستحق بل تعطي حسب إرادتك. وعمري بفتح العين المهملة وسكون الميم كلمة تستعمل في القسم ولعل هذا الرجل كان حديث عهد بالإِسلام أو منافقًا (قوله من سأل وله أوقية الخ) أي من سأل الناس وهو يملك أوقية من الفضة أو ما يساويها من غيرها فقد تعدّى في السؤال وألح فيه إلحاحًا يقال: ألحف السائل إلحافا أي ألحّ في المسألة ولازم المسئول حتى يعطيه ففيه دلالة عل ذم من يسأل وعنده المقدار المذكور فيدخل فيه ذم من كان عنده أزيد بالطريق الأولى (قوله للقحة لنا) بفتح لام الابتداء وكسر اللام الثانية أو فتحها. الناقة القريبة العهد بالنتاج أو التي تحلب. وفي بعض النسخ لقحة لنا بدون لام الابتداء، وهي مبتدأ خبرها خير وجمعها لقح مثل سدرة وسدر وتجمع أيضًا على لقاح (قوله والأوقية أربعون درهما) تفسير من مالك كما صرح بذلك ابن الجارود في المنتقى. والأوقية بضم الهمزة وكسر القاف وتشديد المثناة التحتية وتخفيفها. وفي بعض النسخ والوقية بفتح الواو وهي لغة فيها (وبالحديث) استدل أبو عبيد القاسم بن سلام على أن من ملك أربعين درهما أو قيمتها يعدّ غنيًا لا يحل له الأخذ من الصدقة. وردّه الجمهور بأن المقصود من هذا الحديث ونحوه نهى من يملك هذا القدر ونحوه عن السؤال. وهو يدل عل أن ذكر الخمسين درهما في الحديث السابق ليس إلا لمجرد التمثيل لا للتحديد (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي والطحاوي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَكَذَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ كَمَا قَالَ مَالِكٌ. (ش) أي روى الحديث المذكور سفيان الثوري كما رواه مالك كلاهما عن زيد بن أسلم بسنده. والغرض من هذا تقوية الحديث بأنه روى من طريق الثوررى ومالك (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالاَ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ "مَنْ سَأَلَ وَلَهُ قِيمَةُ أُوقِيَّةٍ فَقَدْ أَلْحَفَ". فَقُلْتُ نَاقَتِي الْيَاقُوتَةُ هِيَ خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ. قَالَ هِشَامٌ خَيْرٌ مِنْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَرَجَعْتُ فَلَمْ أَسْأَلْهُ شَيْئًا زَادَ هِشَامٌ فِي حَدِيثِهِ وَكَانَتِ الأُوقِيَّةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا.

(ش) (قوله من سأل وله قيمة أوقية الخ) هو بعض حديث رواه النسائي مطولًا بسند المصنف إلى أبي سعيد قال: سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأتيتة وقعدت فاستقبلني وقال: من استغنى أغناه الله عَزَّ وَجَلَّ ومن استعف أعفه الله عَزَّ وَجَلَّ ومن استكفى كفاه الله عَزَّ وَجَلَّ ومن سأل وله قيمة أوقية الخ (قوله فقلت ناقتي الياقوتة) أي قال أبو سعيد في نفسه ناقتي المسماة بهذا الاسم الخ وفيه جواز تسمية البهائم. وقد سمى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دوابه بأسماء (قوله فلم أسأله) وفي نسخة ولم أسأله شيئًا (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي والدارقطني وكذا الطحاوي مختصرًا (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ نَا مِسْكِينٌ نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ نَا سَهْلُ ابْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ قَالَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَالأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَسَأَلاَهُ فَأَمَرَ لَهُمَا بِمَا سَأَلاَ وَأَمَرَ مُعَاوِيَةَ فَكَتَبَ لَهُمَا بِمَا سَأَلاَ فَأَمَّا الأَقْرَعُ فَأَخَذَ كِتَابَهُ فَلَفَّهُ فِي عِمَامَتِهِ وَانْطَلَقَ وَأَمَّا عُيَيْنَةُ فَأَخَذَ كِتَابَهُ وَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مَكَانَهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَتَرَانِي حَامِلًا إِلَى قَوْمِي كِتَابًا لاَ أَدْرِي مَا فِيهِ كَصَحِيفَةِ الْمُتَلَمِّسِ. فَأَخْبَرَ مُعَاوِيَةُ بِقَوْلِهِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنَ النَّارِ". وَقَالَ النُّفَيْلِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ "مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ". فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ وَقَالَ النُّفَيْلِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَمَا الْغِنَى الَّذِي لاَ تَنْبَغِي مَعَهُ الْمَسْأَلَةُ قَالَ "قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ". وَقَالَ النُّفَيْلِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ "أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبَعُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ". وَكَانَ حَدَّثَنَا بِهِ مُخْتَصِرًا عَلَى هَذِهِ الأَلْفَاظِ الَّتِي ذُكِرَتْ. (ش) (رجال الحديث) (مسكين) بن بكير الحراني تقدم بالرابع ص 64. و(محمَّد ابن المهاجر) بن دينار الأنصاري الشامي مولى أسماء. بنت يزيد. روى عن أبيه مهاجر وأخيه

عمرو والوليد بن عبد الرحمن ويونس بن ميسرة وكثيرين. وعنه ابن عيينة وإسماعيل بن عياش والوليد بن مسلم والربيع بن نافع وآخرون. وثقه أحمد وابن معين وأبو داود وأبو زرعة ويعقوب بن سفيان والعجلي. مات سنة سبعين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في الأدب. و(أبو كبشة السلولي) بفتح السين وتخفيف اللام الشامي اسمه البراء بن قيس. روى عن أبي الدرداء وثوبان وعبد الله بن عمر. وعنه أبو سلام الأسود وحسان بن عطية ويونس بن سيف. قال العجليّ تابعي ثقة ووثقه يعقوب بن سفيان. وقال في التقريب ثقة من الثانية. روى له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. و(سهل بن الحنظلية) هي أمه واسم أبيه الربيع أو عمرو. تقدم. بالسادس ص 11 (المعنى) (قوله عيينة بن حصن الخ) بن حذيفة الفزاري أبو مالك. كان من المؤلفة قلوبهم أسلم بعد الفتح وشهد حنينًا والطائف وارتد في عهد أبي بكر وبايع طليحة الأسدي ثم عاد إلى الإِسلام وصفه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالأحمق المطاع. و(الأقرع) لقب واسمه فراس قدم في أشراف بني تميم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد فتح مكة وكان من المؤلفة قلوبهم وقد حسن إسلامه، قتل باليرموك في عشرة من بيته (قوله فأمر لهما بما سألاه) يعني أمر كاتبه معاوية أن يكتب لعامل جهتهما أن يعطيهما ما سألاه كما يدل عليه السياق (قوله كصحيفة المتلبس) هو جرير بن عبد المك بن عبد المسيح الشاعر الجاهلي كان هجاه هو وطرفة بن العبد عمرو بن هند الملك فكتب لهما كتابين إلى عامله أوهمهما أنه أمر لهما بعطاء وقد كتب يأمر بقتلهما، فذهب طرفة بصحيفته إلى العامل فقتله. أما المتلبس فارتاب في الكتاب ففكه وقرئ له فلما علم ما فيه رماه ونجا فضربت بن العرب المثل بصحيفته بعد. وإنما أعطاهما رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من سهم المؤلفة قلوبهم فإنهما لم يكونا فقيرين بل كانا سيدي قومهما. وقيل إنه أعطى كل واحد مائة ناقة من غنائم حنين لا من الزكاة (قوله فأخبر معاوية الخ) أي بين معاوية له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قول عيينة. ولعله ظن أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يسمع قول عيينة فلذا أخبره (قوله فإنما يستكثر من النار) أي يطلب لنفسه ما يستحق به دخول النار من جمع أموال الناس وأخذها بلا ضرورة (قوله وقال النفيلي في موضع آخر من جمر جهنم الخ) أي أن عبد الله بن محمد النفيلي شيخ المصنف قد حدثه بالحديث مرتين، فمرة قال: من سأل وعنده ما يغنيه فإنما تستكثر من النار فقالوا وما يغنيه؟ فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قدر ما يغديه ويعشيه. ومرة قال: من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم، فقالوا وما الغنى الذي لاينبغى معه المسألة؟ فقال أن يكون له شبع يوم وليلة أوليلة ويوم بالشك من الراوي

(قوله (ص) قدر ما يغديه ويعشيه)، أي قدر ما يكفيه للغداء والعشاء من مال أو كسب لائق بحاله. فمن كان قادرًا على قوت هذين الوقتين لا يحل له السؤال من صدقة التطوع. أما الزكاة المفروضة فيجوز له أن يسأل منها قدر ما يصير به غنيًا على ما يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى (قوله أن يكون له شبع الخ) بكسر الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة وفتحها أي يكون عنده ما يشبعه من الطعام في اليوم كله. والشبع بكسر ففتح في الأصل ضد الجوع وكذا الشبع بفتح فسكون كما في القاموس (وظاهر الحديث) يدل على أن من وجد قوت يومه حرم عليه سؤال صدقة التطوع وكذا من قدر على اكتساب ذلك. وإلى هذا ذهب الجمهور. وأستدلوا أيضًا بحديث "ما أغناك الله فلا تسأل الناس شيئًا" رواه ابن عبد البر عن عطية السعدي. وقيل إن الحديث محمول على من وجد غداءه وعشاءه دائمًا، فمن كان عنده ما يكفيه لقوته المدة الطويلة حرمت عليه المسألة. وقيل إن هذا الحديث منسوخ بما تقدم من الأحاديث. ورد بأنه لا تعارض بين الأحاديث حتى يدعى النسخ وذلك أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يعلم ما يغني كل واحد فخاطبه بما يناسبه فإن الناس مختلفون في قدر كفايتهم. فمنهم من لا يكفيه أقل من خمسين درهما. ومنهم من لا يكفيه أقل من أربعين. ومنهم من يكون له كسب في كل يوم يقوم بكفايته أولًا فأولًا فيكون به غنيًا فلا يسأل (قوله وكان حدثنا به مختصرًا الخ) أي حدث النفيلي بهذا الحديث أبا داود مرتين مختصرًا في كل مرة على الألفاظ التي تقدم ذكرها في كل رواية علي حدتها (والحديث) أخرجه أيضًا الطحاوي مرفوعًا بلفظ "من سأل الناس عن ظهر غنى فإنما يستكثر من جمر جهنم قلت يا رسول الله ما ظهر غنى؟ قال أن يعلم أن عند أهله ما يغديهم أو ما يعشيهم". وأخرجه أحمد مطولًا وفيه فأما عيينة فقال ما فيه؟ "أي ما في الكتاب" قال فيه الذي أمرنا به فقبله وعقده في عمامته وكان أحكم الرجلين. وأما الأقرع فقال أحمل صحيفة لا أدري ما فيها كصحيفة المتلبس فأخبر معاوية رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقولهما وخرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم لحاجة فمر ببعير مناخ على باب المسجد من أول النهار ثم مر به أخر النهار وهو على حاله فقال أين صاحب هذا البعير؟ فابتغى فلم يوجد، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم: اتقوا الله في هذه البهائم ثم اركبوها صحاحًا واركبوها سمانًا إنه من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من نار جهنم. قالوا يا رسول الله وما يغنيه؟ قال ما يغديه أو يعشيه اهـ وأو في الروايتين بمعنى الواو (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ نَا عَبْدُ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ بْنِ غَانِمٍ- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ سَمِعَ زِيَادَ بْنَ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ قَالَ أَتَيْتُ

وفد بني صداء وإسلامهم

رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَبَايَعْتُهُ فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا قَالَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَعْطِنِي مِنَ الصَّدَقَةِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلاَ غَيْرِهِ في الصَّدَقَاتِ حَتَّى حَكَمَ فِيهَا هُوَ فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ حَقَّكَ". (ش) (قوله فبايعته) أي عاهدته على الدخول في الإِسلام والعمل بأحكامه والسمع والطاعة (قوله حديثًا طويلًا) أي ذكر زياد الصدائي رضي الله تعالى عنه حديثًا طويلًا وهو ما رواه المزّي بسنده عن زياد بن نعيم الحضرمي قال سمعت زياد بن الحارث الصدائي صاحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يحدّث قال: أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم فبايعته على الإِسلام وأخبرت أنه بعث جيشًا إلى قومي، فقلت يا رسول الله اردد الجيش وأنا لك بإسلام قومي، فقال لي اذهب فردهم فقلت يا رسول الله إن راحلتي قد كلت، فبعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رجلًا فردّهم، قال الصدائي: وكتبت إليهم كتابًا فقدم وفدهم بإسلامهم، فقال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم يا أخا صداء إنك لمطاع في قومك فقلت بل الله هو هداهم للإسلام. فقال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أفلا أؤمرك عليهم؟ فقلت بلى يا رسول الله قال فكتب لي كتابًا، فقلت يا رسول الله مر لي بشئ من صدقاتهم، قال نعم فكتب لي كتابًا آخر، قال الصدائي: وكان ذلك في بعض أسفاره فنزل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم منزلًا فأتاه أهل ذلك المنزل يشكون عاملهم ويقولون. أخذنا بشيء كان بيننا وبين قومه في الجاهلية، فقال نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو فعل؟ فقالوا نعم، فالتفت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى أصحابه وأنا فيهم فقال: لا خير في الإمارة لرجل مؤمن، قال الصدائي فدخل قوله في نفسي، ثم أتاه آخر فقال يا نبي الله أعطني، فقال نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم: من سأل الناس عن ظهر غنى فصداع في الرأس وداء في البطن، فقال السائل فأعطني من الصدقة، فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم: إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها فجزّأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك أو أعطيناك حقك، قال الصدائي فدخل ذلك في نفسي أني سألته من الصدقات وأنا غني، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعتشى "سار وقت العشاء" من أول الليل فلزمته وكنت قويًا وكان أصحابه ينقطعون

نبع الماء من أصابع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. الإجماع على صرف الزكاة للأصناف الثمانية إلا المؤلفة قلوبهم

عنه ويستأخرون حتى لم يبق معه أحد غيري، فلما كان أوان أذان الصبح أمرني فأذنت: فجعلت أقول أقيم يا رسول الله؟ فجعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم ينظر ناحية المشرق إلى الفجر فيقول لا حتى إذا طلع الفجر نزل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فتبرز. ثم انصرف إليّ وقد تلاحق أصحابه فقال هل من ماء يا أخا صداء؟ فقلت لا إلا شيء قليل لا يكفيك. فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم اجعله في إناء ثم ائتني به ففعلت فوضع كفه في الماء. قال الصدائي فرأيت بين كل أصبعين من أصابعه عينًا تفور. فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لولا أني أستحي من ربي لسقينا واستقينا. ناد في أصحابي من له حاجة في الماء؟ فناديت فيهم فأخذ من أراد منهم ثم قام صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأراد بلال أن يقيم، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إن أخا صداء أذن، ومن أذن فهو يقيم. قال الصدائي فأقمت الصلاة فلما قضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة أتيته بالكتابين فقلت يا رسول الله أعفني من هذين. فقال نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما بدًا لك؟ فقلت سمعتك يا نبي الله تقول لا خير في الإمارة لرجل مؤمن. وأنا أومن بالله ورسوله وسمعتك تقول للسائل من سأل الناس عن ظهر غنى فهو صداع في الرأس وداء في البطن. وسألتك وأنا غنى، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو ذاك فإن شئت فأقبل وإن شئت فدع فقلت أدع. فقال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم: فدلني على رجل أؤمره عليكم فدللته علي رجل من الوفد الذين قدموا عليه فأمره عليهم ثم قلنا يا نبي الله: إن لنا بئرًا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا، وإذا كان الصيف قلّ ماؤها وتفرقنا على مياه حولنا وقد أسلمنا وكل من حولنا عدو لنا فادع الله لنا في بئرنا أن يسعنا ماؤها فنجتمع عليها ولا نتفرق فدعا بسبع حصيات فعركهن في يده ودعا فيهن ثم قال اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيتم البئر فألقوها واحدة واحدة واذكروا اسم الله. قال الصدائي ففعلنا ما قال لنا فما استطعنا بعد أن ننظر إلى قعرها "يعني البئر" اهـ (قوله إن الله تعالى لم يرض بحكم نبي الخ) أي لم يجعل أمر تقسيم الصدقات إلى غيره بل بين ذلك في كتابه وأن مستحقيها ثمانية أصناف بقوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ) الآية. والحصر يدل علي أن الزكاة لا تصرف لغيرهم وهو مجمع عليه فيجوز صرفها للأصناف الثمانية إجماعًا إلا المؤلفة قلوبهم، فقد ذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى سقوطهم لإجماع الصحابة على ذلك في خلافة الصديق رضي الله تعالى عنه. قال في روح المعاني إن هذا الصنف "يعني المؤلفة قلوبهم" من الأصناف الثمانية قد سقط وانعقد إجماع الصحابة على ذلك في خلافة الصديق رضي الله تعالى عنه. روى أن عيينة بن حصن والأقرع جاءا يطلبان أرضًا من أبي بكر فكتب بذلك خطأ فمزقه عمر رضي الله تعالى عنه. وقال هذا شيء كان يعطيكموه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله

المذاهب في وجوب صرف الزكاة لكل صنف من الأصناف الثمانية

وسلم تأليفًا لكم، فأما اليوم فقد أعزّ الله تعالى الإِسلام وأغنى عنكم. فإن ثبتم على الإِسلام وإلا فبيننا وبينكم السيف. فرجعوا إلى أبي بكر فقالوا: أنت الخليفة أم عمر؟ بذلت لنا الخط ومزقه عمر فقال رضي الله تعالى عنه هو إن شاء. ووافقه ولم ينكر عليه أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم اهـ وسند الإجماع قوله تعالى (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) وروى ذلك عن الشعبي. وكانت المؤلفة صنفين صنف كفار كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعطيهم ترغيبًا لهم ولقومهم في الإِسلام. وصنف أسلموا علي ضعف كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتألفهم ليثبتوا على الإِسلام. والجمهور على بقاء سهم المؤلفة قلوبهم وإعطائهم عند الحاجة لا فرق بين مسلم وكافر، غير أن الشافعية قالوا لا يعطى من الزكاة كافر. واختلفت المالكية في المؤلف الكافر فقيل تدفع إليه ترغيبًا له في الإِسلام لإنقاذه من النار لا لإعانته للمسلمين فلا يسقط حقه بفشو الإِسلام. وقيل لا يعطى بناء علي أن العلة في إعطائه إعانته للمسلمين وقد استغنى عنه بعزة الإِسلام. أما المؤلف المسلم فلا خلاف في إعطائة عندهم. وأجاب الجمهور عن عدم إعطاء الخلفاء الراشدين المؤلفة قلوبهم من الزكاة بأن هذا لقوة الإِسلام حينئذ وعدم الحاجة إليهم لا لسقوط سهمهم (قوله فإن كنت من تلك الأجزاء الخ) أي الأصناف المذكورة في الآية السابقه أعطيتك نصيبك منها. قيل في هذا دليل على أنه لا بد من صرف الزكاة للأصناف الثمانية لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعطيتك حقك. وإلى هذا ذهب عكرمة عمر بن عبد العزيز والزهري وداود وهو قول للشافعى. وقال إبراهيم النخعي إذا كان مال الزكاة كثيرًا عممت الأصناف لزومًا. وإن كان قليلًا جاز أن يوضع في صنف واحد. وقال مالك يقدم الأحوج فالأحوج ولا يلزم التعميم. وقال أبو ثور إن قسمه الإمام لزم تعميم الأصناف وإن قسمه رب المال جاز صرفه في صنف واحد: والمعتمد عند الشافعية لزوم التعميم إن قسم الإِمام وكذا إن قسم المالك وكانوا محصورين. وذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد والنخعي وعطاء والثوري وأبو عبيد إلى استحباب تعميم الأصناف إن أمكن، وجواز صرفها إلى بعض ولو شخصًا واحدًا وهو قول عمر وعلي وابن عباس ومعاذ وحذيفة وكثيرين من الصحابة. ومن التابعين سعيد بن جيير والحسن والضحاك. واستدلوا بما روى الطبري في التفسير عن ابن عباس في قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ) الآية أنه قال: في أي صنف وضعته أجزأك: وروى نحوه ابن أبي شيبة عن عمر وحذيفة وسعيد في جبير وعطاء بن أبي رباح وأبي العالية وميمون بن مهران. والظاهر ما ذهب إليه أبو حنيفة ومالك ومن وافقهما لما رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتاه مال فجعله في صنف المؤلفة قلوبهم: الأقرع بن حابس، وعيينة ابن حصن، وعلقمة بن علاثة، وزيد الخيل. قسم فيهم الذهيبة التي بعث بها معاذ من اليمن. وإنما تؤخذ

الراجح أنه لا يلزم صرف الزكاة للكل

من أهل اليمن الصدقة. ثم أتاه مال آخر فجعله في صنف آخر وهم الغارمون فقال لقبيصة بن المخارق حين أتاه وقد تحمل حمالة يا قبيصة أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها. وقد أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر البياضي، ولو وجب صرفها إلى جميع الأصناف لما صرفها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى واحد اهـ من العيني ملخصًا. وفي القول بلزوم التعميم حرج ومشقة وقد قال الله تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ولم يثبت أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عمم في صدقة من الصدقات ولا أحدًا من خلفائه ولا أحدًا من الصحابة والتابعين، ولو كان هذا هو الواجب لما أغفلوه في الشريعة ولو فعلوه مع مشقته لنقل إلينا وما أهمل لتوفر الدواعي على نقله تواترًا. وليس في الآية ما يدل على لزوم الصرف إلى جميع الأصناف ومراعاة التسوية بيهم لأن المراد بها بيان أن الصدقة لا تخرج عنهم. والمراد من حديث الباب بيان أن الآية تكفلت ببيان الأصناف الذين يجوز الدفع إليهم ولذا اختار بعض محققي الشافعية قول الجمهور. قال البيضاوي في تفسير الآية بعد أن ذكر قول الجمهور واختاره بعض أصحابنا وبه كان يفتي شيخي ووالدي رحمهما الله تعالى على أن الآية لبيان أن الصدقة لا تخرج عنهم لا لإيجاب قسمها عليهم اهـ (فقه الحديث) دل الحديث على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حسن ملاطفته لأصحابه رضي الله تعالى عنهم، وعلى أن الأحكام الشرعية منها ما تكفل الكتاب ببيانه بحيث لا يحتاج إلى زيادة بيان من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا إلى رجوع إلى القواعد العامة. ومنها ما ذكر في الكتاب مجملًا فبينه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قولًا وفعلًا ومنها ما تركه على إجماله ليتنبه له الفقهاء ويستنبطوه من القواعد والأصول الواردة عن الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (والحديث) أخرجه أيضًا الطحاوي وفي سنده عبد الرحمن بن زياد الإفريقى وقد تكلم غير واحد. أخرجه الإِمام أحمد من حديث حبان بن بح الصدائي من طريق ابن لهيعة قال حدثنا بكر بن سوادة عن زياد بن نعيم عن حبان بن بح الصدائي صاحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه قال: إن قومي كفروا فأخبرت أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جهز إليهم جيشًا (الحديث) (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالاَ نَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لَيْسَ

المذاهب في معنى الفقير والمسكين

الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَالأُكْلَةُ وَالأُكْلَتَانِ وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لاَ يَسْأَلُ النَّاسَ شَيْئًا وَلاَ يَفْطِنُونَ بِهِ فَيُعْطُونَهُ". (ش) (جرير) بن عبد الحميد. و (الأعمش) سليمان بن مهران. و (أبو صالح) ذكران الزيات (قوله ليس المسكين) مأخوذ من السكون لسكونه إلى الناس. ويستوي فيه المذكر والمؤنث يقال رجل مسكين وامرأة مسكين ويقال مسكينة. والمراد به من لا مال له: وقد اختلف في المسكين والفقير شرعًا. فقال أبو حنيفة: الفقير من له أقلّ من النصاب، أو قدر نصاب غير نام أو مشغول بحاجته الأصليه كالملبس والمسكن. والمسكين من لا شيء له أصلًا فهو أسوأ حالًا من الفقير ولذا يحل له السؤال لقوته أو ما يواري جسده بخلاف الفقير. وكذا قال مالك في المسكين. وقال الفقير هو الذي يملك شيئًا لا يكفيه عامه وإن كان نصابًا. وقالت الشافعية الفقير من لا مال له أصلًا ولا كسب أوله مال فقط لا يكفيه هو ومن تلزمه نفقته العمر الغالب وهو ستون سنة ولا يقع موقعًا من كفايته بحيث لو وزع المال الذي نحده علي العمر الغالب لم يبلغ نصف كفايته كأن يحتاج إلى عشرة ولو وزع المال الذي عنده على العمر الغالب لخصّ كل يوم أربعة أو أقل، ولو كان يملك نصابًا أو أكثر فيعطى زكاته مع كونه يأخذ زكاة غيره أوله كسب فقط لا يقع موقعًا من كفايته كل يوم كمن يحتاج كل يوم إلى عشرة ويكتسب كل يوم أربعة فأقل أوله مال وكسب لا يقع مجموعها موقعًا من كفايته كذلك. والمسكين من له مال أو كسب يقع كل منهما أو مجموعهما موقعًا من كفايته ولا يكفيه بأن كان يحتاج كل يوم في كفايته إلى عشرة دراهم وعنده من الكسب أو المال أو مجموعهما ما يبلغ خمسة فأكثر. فالفقير عندهم أسوأ حالًا من المسكين. قالوا لأن الله ابتدأ في آية الزكاة بالفقراء والعرب تبدأ بالأهم فالأهمّ ولأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: اللهم أحيني وأمتني مسكينًا. رواه الترمذي والبيهقي وابن ماجه بأسانيد ضعيفة: وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتعوذ من الفقر كما هو ثابت عن عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعًا في الصحيحين وقال تعالى (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) فأخبر أن للمساكين سفينة يعملون فيها. وقالت الحنابلة في الفقير والمسكين بما قالت به الشافعية من أن الفقير أسوأ حالًا من المسكين وقالوا: متى كان الشخص لا يملك خمسين درهما ولا قيمتها من الذهب وليس عنده ما تحصل به كفايته على الدوام من كسب أو تجارة أو أجر أو عقار أو نحو ذلك فله الأخذ من الزكاة. واستدلوا بما تقدم أول الباب للمصنف عن عبد الله بن مسعود مرفوعًا: من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خموشًا أو خدوشًا أو كدوحًا في وجهه فقيل يا رسول الله ما الغنى؟ قال خمسون درهما أو قيمتها من الذهب.

مدح المسكين المتعفف عن السؤال وأنه أولى بأخذ الزكاة

وعن أحمد "أن من يستحق" الزكاة من الفقير والمسكين "هو" الذي لا يجد ما يكفيه وإن ملك نصابًا أو أكثر: وقال قتادة الفقير الذي به زمانة وله حاجة. والمسكين المحتاج الذي لا زمانة به وعليه فالفقير أحوج. وقال الحسن الفقير الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل وعليه فالمسكين أحوج وبه قال الزهري (قوله والأكلة والأكلتان) بضم الهمزة فيهما أي اللقمة واللقمتان: أَما الأكلة بفتح الهمزة فهي المرة من الأكل (قوله ولا يفطنون به) أي لا يعلمون بحاله لتعففه ويفطن بضم الطاء المهملة من باب كرم ونصر وبفتحها من باب فرح. وفي رواية للبخاري ولكن المسكين الذي ليس له غنى يغنيه. قال في الفتح وهذه صفة زائدة على اليسار المنفي إذ لا يلزم من حصول اليسار للمرء أن يغنى به بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر، وكأن المعنى نفي اليسار المقيد بأنه يغنيه مع وجود أصل اليسار وهذا كقوله تعالى (لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) اهـ وحاصل معنى الحديث ليس المسكين كامل المسكنة الذي هو أحق بالصدقة من يتردد على الناس فيعطى ولو القليل لقدرته على تحصيل قوته بالسؤال، ولكن المسكين كامل المسكنة الذي هو أولى بالصدقة من يتحرز عن سؤال الناس ولا يجد ما يزيل خصاصته فيظنه الجاهل بحاله غنيًا فلا يعطيه. (بالحديث) استدل أبو حنيفة وأصحابه ومالك على أن المسكين من لا شيء له. واستدلوا أيضًا بقوله تعالى (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) أي لاصقًا بالتراب من الجوع والعري. أما قوله تعالى (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) فلا ينافي ما ذكر لأنه إنما سماهم مساكين مجازًا ترحمًا وشفقة عليهم لأنهم كانوا مظلومين ضعفاء. فقد كان خمسة منهم لا يطيقون العمل. أعمى وأصم وأخرس ومقعد ومجنون، وخمسة يعملون مع جهد ومشقة فقد كان أحدهم مجذومًا والثاني أعور والثالث أعرج والرابع آدر والخامس محمومًا لا تنقطع عنه الحمى (فقه الحديث) دل الحديث على استحاب الحياء ومدح المحتاج الذي يترك السؤال حياء. وعلى الترغيب في إعطائه الصدقة وتقديمه علي الملحّ (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي من حديث عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو كَامِلٍ -الْمَعْنَى- قَالُوا نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ نَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ قَالَ "وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الْمُتَعَفِّفُ". زَادَ مُسَدَّدٌ فِي حَدِيثِهِ "لَيْسَ لَهُ مَا يَسْتَغْنِي بِهِ الَّذِي لاَ يَسْأَلُ وَلاَ يُعْلَمُ بِحَاجَتِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَذَاكَ الْمَحْرُومُ". وَلَمْ يَذْكُرْ مُسَدَّدٌ "الْمُتَعَفِّفُ الَّذِي لاَ يَسْأَلُ".

(ش) (عبيد الله بن عمر) بن حفص العمري. و (أبو كامل) فضيل الجحدري. و (معمر) بن راشد (قوله ولكن المسكين المتعفف) وفي بعض النسخ: وقال ولكن المسكين الخ أي قال أبو سلمة في روايته مثل الحديث السابق غير أنه قال ولكن المسكين المتعفف الذي لا يسأل ولا يعلم بحاجته فيتصدق عليه فذاك المحروم. ولم يذكر مسدد في روايته المتعفف الذي لا يسأل بل قال: لكن المسكين ليس له ما يستغني به. وقوله فذاك المحروم أي هذا المسكين الذي لا يسأل هو المحروم من الصدقة لأن الناس يظنونه غنيًا لتعففه فلا يتصدقون عليه (والحاصل) أن الرواة الثلاثة اتفقوا في الحديث إلى قوله ولكن المسكين ثم اختلفوا فقال عبيد الله وأبو كامل: ولكن المسكين المتعفف الذي لا يسأل الناس ولا يحلم بحاجته فيتصدق عليه فذاك المحروم. وقال مسدد: ولكن المسكين ليس له ما يستغنى به ولا يعلم بحاجته فيتصدق عليه فذاك المحروم (والحديث) أخرج النسائي نحوه عن عبد الأعلى عن معمر بلفظ "ليس المسكين الذي تردّه الأكلة والأكلتان والتمرة والتمرتان، قالوا فما المسكين يا رسول الله؟ قال الذي لا يجد غنى ولا يعلم الناس حاجته فيتصدق عليه" (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَى هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ جَعَلاَ الْمَحْرُومَ مِنْ كَلاَمِ الزُّهْرِيِّ وَهَذَا أَصَحُّ. (ش) أي روى الحديث المذكور محمَّد بن ثور وعبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد وجعلا قوله فذاك المحروم مدرجًا من كلام الزهري لا من كلام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وهو الأصح بخلاف رواية عبد الواحد بن زياد عن معمر. هذا. و(محمَّد بن ثور) الصنعاني. أبو عبد الله العابد. روى عن ابن جريج وعوف الأعرابي ويحيى بن العلاء ومعمر. وعنه فضيل ابن عياض وعبد الرزاق ومحمد بن عبيد وغيرهم. وثقه ابن معين والنسائي وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائي (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ نَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ قَالَ أَخْبَرَنِي رَجُلاَنِ أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يَقْسِمُ الصَّدَقَةَ فَسَأَلاَهُ مِنْهَا فَرَفَعَ فِينَا الْبَصَرَ وَخَفَضَهُ فَرَآنَا جَلْدَيْنِ

الخلاف في إعطاء القادر على الكسب منها

فَقَالَ "إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا وَلاَ حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلاَ لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ". (ش) (رجال الحديث) (عبيد الله بن عدي بن الخيار) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف المثناة التحتية ابن عدي بن نوفل النوفلي القرشي المدني. روى عن عمر وعمثان وعلي والمقداد بن الأسود وابن عباس وكثيرين. وعنه عطاء بن يزيد وعروة بن الزبير وحميد بن عبد الرحمن ويحيى بن يزيد الباهلي وغيرهم. قيل ولد في عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم وقال العجلي ثقة من كبار التابعين وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة. وقيل كان عام الفتح صغيرًا مميزا فعده بعضهم من الصحابة لذلك وكان ثقة قليل الحديث. روى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. و(الرجلان) لم يعرف اسمهما. وجهالة الصحابي لا تضر لأن الصحابهّ كلهم عدول (المعنى) (قوله فرآنا جلدين) تثنية جلد بفتح فسكون وهو القوي مأخوذ من الجلد بفتح الجيم واللام وهو القوة تقول منه جلد الرجل من. باب كرم جلدًا بفتح اللام فهو جلد بسكون اللام وجليد بين القوة (قوله إن شئتما أعطيتكما) أي من الزكاة ووكلت الأمر إلى ما تعلمانه من حالكما ويكون عليكما إثم الأخذ إن كنتما غنيين أو قادرين علي الكسب (قوله ولا حظ فيها الخ) أي في الصدقة أو في سؤالها لذى مال يعدبه غنيًا ولا لقادر عل كسب كفايته (فقه الحديث) دل الحديث علي أن الأصل فيمن لم يعلم له مال الفقر والاستحقاق من الصدقة. وعلى أن مجرد القوة لايقتضي عدم استحقاقها بل لا بد أن ينضم إليها الكسب. وعلي أن القادر علي كسب يكفيه لا يجوز له الأخذ من الصدقة المفروضة كالغني بالمال وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد وابن المنذر. وقال أبو حنيفة وأصحابه يجوز للقوي المكتسب الأخذ من الزكاة ما لم يملك نصابًا فاضلًا عن حوائجه الأصلية. وقال مالك وأصحابه يجوز دفع الزكاة لقادر علي الكسب إذا كان فقيرًا لا يملك قوت عامه ولو ترك التكسب اختيارًا قالوا ومن كانت له صنعة تكفيه وعياله لم يعط وإن لم تكفه أعطى تمام كفايته (وأجابوا) عن الحديث بأن المراد بقوله ولا لقوي مكتسب أنه لا يحل له أن يسألها مع قدرته علي اكتساب قوته لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: وإن شئتما أعطيتكما. فلوكان الأخذ محرمًا غير مسقط الزكاة لم يعلق الإعطاء على اختيارهما. أما إذا أعطى من غير سؤال فلا يحرم عليه أخذها لدخوله في الفقراء، وقد قال النبي صلى الله تعالى علي وعلى آله وسلم لمعاذ: أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم. كما تقدم بـ ص 184 فجعل الأغنياء من تجب عليهم الزكاة ومن يأخذها فقيرًا وإن كان قادرًا على الكسب. لكن هذا صرف للحديث عن ظاهره بدون مقتض فإنه صريح في

الخلاف في الغنى الذي يمنع الأخذ منها

تحريم الزكاة على القادر المكتسب سواء أسألها أم لم يسألها وقوله إن شئتما أعطيتكما، تفويض لهما في أنهما هل يستحقانها لفقرهما أم لا لاستغنائهما بمال أو كسب. وقال الطيبي معناه لا أعطيكما لأنها حرام على القوي المكتسب فإن رضيتما بأكل الحرام أعطيتكما قاله توبيخًا اهـ (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي والطحاوي والدارقطني. قال صاحب التنقيح حديث صحيح، وقال أحمد ما أجوده من حديث (ص) حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الأَنْبَارِيُّ الْخُتَّلِيُّ نَا إِبْرَاهِيمُ -يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ- قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ رَيْحَانَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلاَ لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ". (ش) (رجال الحديث) (الختلي) بضم الخاء وفتح المثناة الفوقية المشددة نسبة إلى ختل كورة خلف جيحون. و(ريحان بن يزيد) العامري البدوي. روى عن عبد الله بن عمرو. وعنه سعد بن إبراهيم. وقال كان صدوقًا ووثقه ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم شيخ مجهول. روى له أبو داود والترمذي (المعنى) (قوله لا تحل الصدقة لغني) أي لمن يملك ما يعد به غنيًا. وقد اختاف العلماء في الغنى المحرم للأخذ من الزكاة. فذهبت الحنفية إلى أنه ملك نصاب من أي مال من أموال الزكاة أو قيمته إذا كان فاضلًا عن الدين والحوائج الأصلية، فلا يخرجه عن الفقر ملك نصب كثيرة إذا كانت مستغرقة بالدين أو الحوائج الأصلية، ولذا يصح دفعها لعالم له كتب تساوى نصبًا كثيرة لكنه محتاج إليها ولو للمراجعة وهذا جميع آلات المحترفين. واستدلوا بما في حديث معاذ من قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم " تؤخذ من أغنيائهم وتردّ إلى فقرائهم" فقد دل على أن الغنيّ من تجب عليه الزكاة ولا تجب إلا بملك النصاب المذكور فلا يحل له الأخذ من الصدقة. قال المرقاة قال في المحيط الغنى على ثلاثة أنواع: غنى يوجب الزكاة وهو ملك نصاب حولًا تامًا. وغنى يحرم الأخذ من الصدقة ويوجب صدقة الفطر والأضحية وهو ملك ما يبلغ قيمة نصاب من الأموال الفاضلة عن حاجته الأصلية. وغنى يحرم السؤال دون الصدقة وهو أن يكون له قوت يومه وما يستر عورته اهـ وقالت المالكية إن الغنى الذي يمنع الأخذ من الزكاة ملك الشخص ما يكفيه هو ومن تلزمه نفقته عامًا أو اكتساب ما يكفيه هو ومن تلزمه نفقته فيجوز دفعها لمالك نصاب فأكثر لا يكفيه عامًا ولمن يكتسب أقل من الكفاية. وقالت الشافعية هو ملك ما يكفيه ومن تلزمه نفقته العمر الغالب على ما تقدم في بيان الفقير والمسكين. والمنقول عن أحمد في هذا روايتان إحداهما أن الغنى

ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب, أو وجود ما تحصل به الكفاية على الدوام من كسب أو عقار أو تجارة أو أجر أو نحوها. ولو ملك نصابًا من الحبوب أو العروض أو العقار أو السائمة لا تحصل به الكفاية لم يكن غنيًا. وإليه ذهب الثوري والنخعي وابن المبارك وإسحاق. ثانيتهما أن الغنى ما تحصل به الكفاية فإذا لم يكن محتاجًا حرمت عليه الزكاة وإن لم يملك شيئًا، وإن كان محتاجًا حلت له وإن ملك نصابًا. والأثمان وغيرها في هذا سواء: وهذا اختيار أبي الخطاب وابن شهاب العبكري. واستدل لهذه الرواية ولمذهب مالك والشافعي بما سيأتي في "باب ما تجوز فيه المسألة من قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم" يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه أصابت فلانًا الفاقة فحلت له المسألة فسأل حتى يصيب قوامًا من عيش أوسدادًا من عيش ثم يمسك" الحديث. فقد أباح له المسألة إلى إصابته ما يقوم بحاجته. والفاقة الفقر، فن كان فقيرًا حل له الأخذ من الصدقة، ومن استغنى دخل في عموم النصوص المحرمة كحديث الباب. وهناك مذاهب أخر تقدم بيانها أول الباب (قوله ولا لذى مرة سويّ) أي لا تحل الصدقة لصاحب القوة صحيح الأعضاء لقدرته على الكسب. فالمرة بكسر الميم القوة. والسوي صحيح الأعضاء. (وبالحديث) استدل الشافعي وأحمد على أن القوي القادر على الكسب لا تحل له الزكاة. وقالت الحنفية المراد نفي كمال الحل لا نفي أصل الحل لأنها تجوز لقوي لا يملك نصابًا زائدًا عن حاجاته الأصلية، أو المراد لا يحل له السؤال وإن جاز له الأخذ. وتقدم بيان الخلاف في ذلك في الحديث السابق (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والدارمي والدارقطني والطحاوي والترمذي وقال حديث حسن اهـ لكن في سنده ريحان بن يزيد وفيه مقال كما تقدم، ولذا قال بعضهم لم يصح هذا الحديث وإنما هو موقوف على عبد الله بن عمرو. وأخرجه أيضًا النسائي وابن حبان وابن ماجه والدارقطني من طريق سالم بن أبي الجعد عن أبي هريرة. قال في التنقيح رواته ثقات لكن قال أحمد سالم بن أبي الجعد لم يسمع من أبي هريرة. وأخرجه الحاكم من طريق أبي حازم عن أبي هريرة وقال صحيح على شرط الشيخين (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ (ش) أي روى الحديث سفيان الثوري عن سعد بن إبراهيم عن ريحان كرواية إبراهيم ابن سعد عن أبيه سعد بن إبراهم (وروايته) أخرجها الدارقطني والطحاوي والترمذي وقال حدثنا محمود بن غيلان حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن ريحان بن يزيد الخ (ص) وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ قَالَ "لِذِي مِرَّةٍ قَوِيٍّ".

أحكام السؤال والأخذ من الصدقة

(ش) أي روى الحديث شعبة بن الحجاج عن سعد بن إبراهيم بسنده. غير أنه قال فيه: لذي مرة قوي. بدل سويّ. وقد وقفه على ابن عمرو. فقد قال الترمذي: قد روى شعبة عن سعد ابن إبراهيم هذا الحديث بهذا الإسناد ولم يرفعه (ورواية شعبة) أخرجها الطحاوي موقوفة أيضًا قال: حدثنا أبو بكرة ثنا الحجاج بن المنهال ثنا شعبة أخبرني سعد بن إبراهيم قال سمعت ريحان ابن يزيد وكان أعرابيًا صدوقًا قال: قال عبد الله بن عمرو: لا تحل الصدقه، لغني ولا لذي مرة قوي (ص) وَالأَحَادِيثُ الأُخَرُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بَعْضُهَا "لِذِي مِرَّةٍ قَوِيٍّ". وَبَعْضُهَا "لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ". (ش) أي قال أبو داود كما صرح به في بعض النسخ: والأحاديث المروية في هذا الباب غير ما تقدم من حديث عبد الله بن عمرو وأبي هريرة وعدي بن الخيار وجابر وغيرهم، قد روى بعضها بلفظ لذي مرة قوي، وبعضها لذي مرة سوي، وبعضها بالجمع بينهما أخرجه الدارقطني والطبراني من طريق الوازع بن نافع عن أبي سلمة عن جابر قال: جاءت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صدقة فركبه الناس فقال: إنها لا تصلح لغني ولا لصحيح سويّ ولا لعامل قويّ. والوازع بن نافع قال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات غير متعمد بل لكثرة وهمه فبطل الاحتياج به اهـ ومن الجمع بينهما ما ذكره المصنف عن عطاء بقوله (ص) وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ زُهَيْرٍ إِنَّهُ لَقِيَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو فَقَالَ إِنَّ الصَّدَقَةَ لاَ تَحِلُّ لِقَوِيٍّ وَلاَ لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ. (ش) الجملة الثانية مرادفة للأولى. و (عطاء بن زهير) بن الأصبغ العامري. روى عن ابن عمرو. وعنه الأخضر بن عجلان ذكره ابن حبان في الثقات (هذا) واعلم أن مدار أحاديث الباب على كراهة المسألة عند عدم الحاجة، ومن لا حق له في الأخذ من الزكاة. ثم السؤال تعتريه أحكام خمسة: فيكون حرامًا لمن سأل وهو غني من الزكاة أو غيرها أو أظهر من الفقر فوق ما هو به. ويكون مكروهًا إن ألح المحتاج فيه. ومباحًا للمحتاج قال العاجز عن الكسب بغير إلحاح. وواجبًا للمضطر لإحياء النفس. ومندوبًا إن سأل الغير للمحتاج المتعفف. أما الأخذ من الصدقة فحرام ومباح وواجب. فالحرام للغني الطالب سواء أكان المأخوذ فرضًا أم تطوعًا. والمباح أخذ المحتاج غير المضطر من الواجب والتطوع ولو بطلب، وكذا أخذ غير المحتاج من التطوع بلا طلب ولا إشراف نفس, والواجب أخذ المحتاج المضطر لإحياء النفس

باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني

وأما مقدار ما يعطاه المحتاج من الزكاة فعند أبي حنيفة يعطى أقل من النصاب، إلا أن يكون مدينًا لا يفضل له بعد قضاء دينه نصاب، أو يكون ذا عيال إذا وزع المأخوذ على عياله لم يخص كلًا منهم نصاب. وقال مالك وأحمد يجوز أن يعطى كفاية سنة. وقال الشافعي يجوز أن يعطى كفاية العمر الغالب وهو ستون سنة كما تقدم. وقال الثوري لا يدفع له أكثر من خمسين درهما وهو رواية عن أحمد (باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني) (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلاَّ لِخَمْسَةٍ لِغَازٍ في سَبِيلِ اللهِ أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا أَوْ لِغَارِمٍ أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ أَوْ لِرَجُلٍ كَانَ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتُصُدِّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَاهَا الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ". (ش) (قوله لا تحل الصدقة لغني) أي لا يحل له أخذ الزكاة ولا تملكها لقوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ) (قوله إلا لخمسة) أي إلا لواحد منها فتحل له بوصف آخر غير الفقر (قوله لغاز في سبيل الله) أي مجاهد لإعلاء كلمة الدين فيعطى من الزكاة وإن كان غنيًا تشجيعًا له على الجهاد. وإلى ذلك مذهب مالك، وقال الشافعي وأحمد وإسحاق إنما يعطى الغني منها إذا كان متطوعًا بالجهاد ولا شيء له من الفيء. وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه لا يعطى منها إلا إذا كان فقيرًا. لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حديث معاذ المتقدم "وترد في فقرائهم" وآية (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ). وحديث لا تحل الصدقة لغني (وقالوا) إن قوله في حديث الباب: لا تحل الصدقة لغني إلا لغاز في سبيل لله "محمول" على من كان غنيًا حال إقامته ولكنه احتاج في سفره إلى سلاح ليستعمله في غزوة ومركب يغزو عليه وخادم يستعين به على ما لم يكن محتاجًا إليه حال إقامته، فإنه يجوز حينئذٍ أن يعطى من الزكاة ما يستعين به على حاجته التي حدثت له في سفره. وذلك لأن الغنيّ اسم لمن يستغني بما يملكة، وهذا كان كذلك قبل حدوث الحاجة وأما بعده فلا (وقال الأولون) إن الآية وحديث معاذ وحديث لا تحل الصدقة لغني عامة، وحديث الباب مخصص لعمومها صريح في حل الزكاة لهؤلاء الخمسة ولو أغنياء (قوله أو العامل عليها) أي على جمع الزكاة وهو الذي نصبه الإِمام لجباية الصدقات ويدخل فيه الساعي والكاتب والقاسم والحاشر الذي يجمع أرباب الأموال من أماكنهم إلى

شروط العامل على الزكاة: المذاهب في قدر ما يعطاه

الساعي والحافظ لها، فيعطى كل بقدر عمله لأنه فرغ نفسه لعمل من أعمال المسلمين فيستحق الأجركالغزاة والقضاة، ولذا جوزوا لطالب العلم أن يأخذ من الزكاة ولو كان غنيًا إذا فرغ نفسه لإفادة العلم واستفادته ولم يكن له مرتب يستحقه في بيت المال. ويشترط في العامل كما قال الفقهاء أن يكون ذكرًا حرًا بالغًا مسلمًا عدلًا غير هاشمي، أما اشتراط الذكورة والحرية والبلوغ والعقل فلأن ذلك ضرب من الولاية، والولاة يشترط فيهم ذلك. ولأن الخائن يذهب بمال الزكاة ويضيعه. وأما كونه مسلمًا فلأن فيها ولاية على المسلمين فاشترط لها الإِسلام كسائر الولايات، ولأن الكافر ليس بأمين، ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تأمنوهم وقد خونهم الله. وأنكر على أبي موسى تولية النصراني الكتابة، فالزكاة التي هي من أركان الإِسلام أولى. وأما كونه غير هاشمي فلأنه من آل البيت وقد منعهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أخذهم الزكاة. فقد روى أحمد ومسلم مختصرًا عن المطلب بن ربيعة بن الحارث ابن عبد المطلب أنه والفضل بن عباس انطلقا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم قال: ثم تكلم أحدنا فقال: يا رسول الله جئناك لتؤمرنا على هذه الصدقات فنصيب ما يصيب الناس من المنفعة ونؤدي إليك ما يؤدي الناس فقال: إن الصدقة لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمَّد، إنما هي أوساخ الناس. وسيأتي تمام الكلام على ذلك في "باب الصدقة على بني هاشم" إن شاء الله تعالى. وقال الخرقي من الجنابة لا يشترط إسلام العامل لأن ما يأخذه أجرة عمل فجاز أن يتولاه الكافر كجباية الخراج. وقال بعض الحنابلة لا يشترط أن يكون من غير أقاربه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأن ما يأخذه أجرة على عمل جائز للغنى فجازت لذوي القربى كأجرة النقال. لكن يرده حديث الفضل السابق فإنه ظاهر في تحريم أخذهم لها عمالة فلا تجوز مخالفته. وقد علمت أنها ولاية على المسلمين فلابد فيها من الإِسلام. واختلف فيما يعطاه العامل. فقال أبو حنيفه وأصحابه يعطيه الإِمام كفايته منها لأن ما يعطاه إنما يستحقه بطريق العمالة لا بطريق استحقاق الزكاة لأنه يعطى وإن كان غنيًا بالإجماع، ولو كان ذلك صدقة لما حلت له غنيًا، وهذا إن لم تستغرق كفايته الزكاة فإن استغرقها لا يزاد على نصفها. وقال الشافعي يعطيه الإِمام ثمن الصدقة لأن الله تعالى قسم الصدقات على الأصناف الثمانية ومنهم العامل فكان له الثمن. ورد بأنه لا قسمة في الآية بل فيها بيان مصارف الصدقات فقط. وقال مالك يعطى بقدر عمله وإن استغرق ما جمعه (قوله أو لغارم) المراد به من تحمل دينًا لا لنفسه في غير معصيه بل لإصلاح ذات البين فيعطى من الصدقه ما يؤدي به هذا الدين وإن كان غنيًا فلا يكلف بسداده من ماله. وقيل الغارم الذي عليه دين أكثر من ماله. وأما المدين الذي تداين لنفسه وليس عنده ما يفي بدينه فيعطى لفقره ولا يدخل في أكثر من ماله. وأما المدين الذي تداين لنفسه وليس عنده ما يفي بدينه فيعطى لفقره ولا يدخل في الحديث (قوله أو الرجل اشتراها بماله) أي اشترى الزكاة من المتصدق عليهم بماله. أما شراؤه

المذاهب في حكم شراء المتصدق صداقته. إرث الصدقة

منهم زكاة غيره فجائز اتفاقًا. وأما شراؤه زكاة نفسه فالجمهور على كراهته للنهي عنه في حديث زيد بن أسلم أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب وهو يقول: حملت على فرس عتيق في سبيل الله, وكان الرجل الذي هو عنده قد أضاعه فأردت أن أشتريه منه وظننت أنه بائعه برخص فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد، فإن العائد في صدقه كالكلب يعود في قيئه. رواه مالك والبخاري ومسلم. وحملوا النهي فإن في هذا الحديث على الكراهة لأن فعل الكلب لا يوصف بتحريم لعدم تكليفه فالتشبيه للتنفير خاصة لأن القيء مما يستقذر. ولعموم قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حديث الباب "أو رجل اشتراها بماله" فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يخص فيه المتصدق من غيره. وذهب أحمد والحسن وقتادة والباجي وجماعة من المالكية إلى تحريم شراء الشخص صدقة نفسه إبقاء للنهى في حديث عمر على ظاهره بدليل قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه" أي كما يقبح من الإنسان أن يقيء ثم يأكله، كذلك يقبح أن يتصدق بشيء ثم يجره إلى نفسه بوجه من الوجوه، فشبه بأخس الحيوان في أخس أحواله تصويرًا لاستقباح الرجوع في الصدقة وتنفيرًا منه. قال القرطبي والتحريم هو الظاهر من سياق الحديث. ويدل على التحريم ما ذكره في المغني عن جابر أنه قال: إذا جاء المصدق فادفع إليه صدقتك ولا تشترها، فإنهم كانوا يقولون ابتعها فأقول إنما هي لله. وعن ابن عمر أنه قال لا تشتر طهور مالك. ولأن في شرائه لها وسيلة إلى استرجاع شيء منها لأن الفقير يستحي منه فلا يراجعه في ثمنها وربما رخصها له طمعًا في أن يدفع إليه صدقة أخرى، وربما علم أو توهم أنه إن لم يبعه إياها استرجعها منه، وما هذا سبيله ينبغي أن يجتنب كما لو اشترط عليه أن يبيعه إياها. (وأجابوا) عن حديث الباب بأنه مرسل. وعلى فرض صحته فعمومه مخصوص بحديث عمر وهو صحيح فإن المراد منه شراء صدقة الغير لا صدقة نفسه فالعمل على حديث عمر أولى من كل وجه اهـ (ويمكن الجواب) بأن حديث الباب محمول على صدقة الفريضة، وحديث عمر محمول على صدقة التطوع فإن صدقة الفريضة لا يتصور الرجوع فيها بخلاف صدقة التطوع. ولا يفسخ البيع إن وقع مع أن النهي يقتضي الفساد للإجماع على ثبوت البيع كما قاله ابن المنذر. وقال ابن عبد البر يحتمل أن النهي في حديث عمر للتنزيه وسدّ الذريعة اهـ ويلحق بالصدقة الكفارة والنذر وغيرهما من القربات وبالشراء الهبة ونحوها مما به التملك اختيارًا. أما إرث الصدقة فلا حرمة فيه ولا كراهة لأنها رجعت إلى ملكه بغير اختياره، ولما رواه مسلم والنسائي والترمذي وسيأتي للمصنف في "باب من تصدق بصدقة ثم ورثها" عن بريدة أن امرأة أتت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت: كنت تصدقت على أمي بوليدة وإنها ماتت وتركت تلك

المذاهب فيما لو أخطأ المزكي في صرف زكاته بأن دفعها لمن بان أنه غني

الوليدة قال: وجب أجرك ورجعت إليك في الميراث. قال ابن عبد البر كل العلماء يقولون إذا رجعت إليه بالميراث طابت له إلا ابن عمر والحسن بن يحيى وليس البيع في معنى الميراث اهـ (قوله أولرجل كان له جار مسكين الخ) إنما جاز للغني أخذ الصدقة في هذه الصورة والتي قبلها لأنها خرجت عن كونها صدقة وصارت ملكًا للمتصدق عليه فله التصرف فيها بما شاء. والإهداء ليس بقيد لما سيأتي في حديث أبي سعيد من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "أو جار فقير يتصدق عليه فيهدى لك أو يدعوك" (فقه الحديث) دل الحديث على أن الصدقة المفروضة لا تحل لغني غير هؤلاء. الخمسة وهو مجمع عليه، فإن دفعها لغني غيرهم عالمًا بغناه لم تجزه بلا خلاف. وإن اعتقده فقيرًا فبان أنه غني أجزأه عند أبي حنيفة ومحمد والحسن والمختار عند أحمد. وقال أبو يوسف ومالك والشافعي لا تجزئه وهو رواية عن أحمد. وفي تضمين الآخذ لها تفصيل يعلم من الفروع. ودل على الحث على طلب الإصلاح بين الناس والترغيب فيه. وعلى جواز بيع الصدقة وشرائها من آخذها لأنه قد ملكها فتغيرت صفتها وزال عنها اسم الزكاة. وعلى جواز إهداء الفقير للغني وقبول الغني هدية الفقير (والحديث) أخرجه أيضًا مالك والحاكم مرسلًا كالمصنف وقال الحاكم هذا صحيح، فقد يرسل مالك الحديث ويصله أو يسنده ثقة والقول فيه قول الثقة الذي يصله ويسنده اهـ (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِمَعْنَاهُ. (ش) (عبد الرزاق) بن همام (قوله بمعناه) أي روى الحديث المذكور معمر بن راشد عن زيد بن أسلم بمعنى حديث مالك السابق. ولفظه عند ابن ماجه: لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لعامل عليها أولغاز في سبيل الله أولغني اشتراها بماله أو فقير تصدق عليه فأهداها لغني أو غارم وقوله أو فقير تصدق عليه الخ على تقدير مضاف أي صاحب فقير تصدق على هذا الفقير فأهداها لصاحبه الغني (وأخرج هذه الرواية) أيضًا أحمد والدارقطني والحاكم وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زَيْدٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ (ش) أي روى سفيان بن عيينة هذا الحديث عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار مرسلًا كما رواه مالك. ولم نقف على من وصل هذا التعليق

(ص) وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ زَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي الثَّبْتُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. (ش) أي روى الحديث سفيان الثوري عن زيد بن أسلم مسندًا (وهذه الرواية) أخرجها الدارقطني من طريق عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر والثوري جميعًا عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لا تحل المسألة لغني إلا لخمسة (الحديث) "والثبت" الثقة والحجة. والمراد عطاء بن يسار (وغرض المصنف بهذا) بيان أن هذا الحديث رواه مالك والسفيانان عن زيد بن أسلم واتفق مالك وابن عيينة على تسمية شيخه عطاء بن يسار، وأما الثوري فقال حدثني المثبت ولم يسمه عند المصنف. وقد سماه عند الدارقطني كما ترى (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ نَا الْفِرْيَابِيُّ نَا سُفْيَانُ عَنْ عِمْرَانَ الْبَارِقِيِّ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلاَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ابْنِ السَّبِيلِ أَوْ جَارٍ فَقِيرٍ يُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَيُهْدِي لَكَ أَوْ يَدْعُوكَ". (ش) (رجال الحديث) (الفريابي) بكسر الفاء وسكون الراء محمَّد بن يوسف بن واقد. تقدم بالرابع صفحة 185. و(سفيان) الثوري. و (عمران البارقي) روى عن عطية ابن سعد والحسن البصري. وعنه سفيان الثوري والأعمش. ذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب مقبول من السابعة. روى له أبو داود هذا الحديث لا غير. و(عطية) بن سعد العوفي تقدم بالرابع صفحة 52 (معنى الحديث) (قوله إلا في سبيل الله) أي إلا لغني يجاهد في سيل الله على ما تقدم بيانه (قوله أو ابن السبيل) المراد به المسافر الذي ليس له مال يوصله إلى مقصده وإن كان غنيًا ببلده فيعطى منها قدر حاجته. والأولى له أن يتسلف إن قدر، ويلحق به كل من تعذر عليه حصوله على ماله ولو في بلده. وقال مالك يلزمه أن يتسلف إن قدر واشترط هو والشافعي وأحمد أن يكون سفره في غير معصية (ولامنافاة) بين هذه الرواية والروايات السابقة؛ لأن ابن السبيل الغني ببلده يعطى حال احتياجه في سفره لأنه فقير حينئذ (قوله فيهدي لك أو يدعوك) أي يهدي لك من الزكاة أو يدعوك لتناول شيء منها وأنت غني. وفي هذا التفات من الغيبة إلى الخطاب، وكان ظاهر السياق أن يقول فيهدي له أو يدعوه بضمير الغيبة في رواية الطحاوي

باب كم يعطي الرجل الواحد من الزكاة؟

(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والطحاوي قال البيهقي: حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد أصح طريقًا وليس فيه ذكر ابن السبيل. فإن صح هذا فإنما أراد أن ابن السبيل غني في بلده محتاج في سفره اهـ (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ فِرَاسٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ. (ش) أي روى الحديث فراس بن يحيى ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى كلاهما عن عطية بن سعد عن أبي سعيد مثل حديث عمران البارقي (ورواية ابن أبي ليلى) وصلها الطحاوي قال: حدثنا عبد الرحمن بن الجارود ثنا عبيد الله بن موسى أنبأنا ابن أبي ليلى عن عطية عن أبي سعيد عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: لا تحل الصدقة الخ. والغرض من ذكر هذه الرواية تقوية رواية عمران البارقي، وأن ذكر ابن السبيل في الحديث لم ينفرد به عمران البارقي المذكور (باب كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة؟ ) وفي نسخة العيني تأخير هذه الترجمة "وتحتها حديث سهل بن أبي حثمة" بعد "باب ما تجوز فيه المسألة" وإدخال باقي أحاديث الباب في "باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني" (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ نَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّائِيُّ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ زَعَمَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَدَاهُ بِمِائَةٍ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ- يَعْنِي دِيَةَ الأَنْصَارِيِّ الَّذِي قُتِلَ بِخَيْبَرَ. (ش) (الرجال) (أبو نعيم) الفضل بن دكين. و (سعيد بن عبيد الطائي) الكوفي أبو الهذيل روى عن أخيه عقبة وعلي بن ربيعة وبشير بن يسار وسعيد بن جبير وغيرها. وعنه الثوري وابن المبارك ويحيى القطان ووكيع وعدّة. وثقه أحمد وابن معين والعجلي ويعقوب بن سفيان وابن نمير روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. و(بشير) بالتصغير (ابن يسار) الحارثي الأنصاري. روى عن أنس وجابر ورافع بن خديج وسويد بن النعمان وغيرهم. وعنه عقبة

قصة قتيل خيبر "عبد الله بن سهل" الذي وداه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم

ابن عبيد وسعيد بن عبيد وابن إسحاق ويحيى بن سعيد وآخرون. وثقه النسائي وابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن سعد كان شيخًا كبيرًا قد أدرك عامة أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكان قليل الحديث. روى له الجماعة (المعنى) (قوله أخبره أن النبي وداه الخ) أي أخبر سهل بن أبي حثمة بشيرًا أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أعطى قومه مائة من إبل الصدقة دية الذي قتل منهم بخيبر. فالكلام على حذف مضاف لأن سهل ابن أبي حثمة ليس قريبًا للمقتول وإنما هو من قومه، وقيل إن الضمير يرجع لعبد الرحمن بن سهل لأنه شقيق المقتول كما سيأتي. وفي رواية وداهم أي أعطى القوم دية المقتول. وفي رواية للبخاري "بمائة إبل من عنده" ولا منافاة بينهما لأن المراد بالعندية كونها تحت أمره وحكمه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، أو ذكر العندية للاحتراز من جعل ديته على اليهود. أو المراد بالعندية بيت المال المرصد للمصالح، وأطلق عليه في حديث الباب صدقة باعتبار الانتفاع به مجازًا لما في ذلك من قطع المنازعة وإصلاح ذات البين. وقال القرطبي رواية من عنده أصح من إبل الصدقة، ويمكن الجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسلف ذلك من إبل الصدقة ليدفعه من مال الفئ اهـ بتصرف. هذا. والذي قتل بخيبر (هو عبد الله بن سهل بن زيد) روى قصته البخاري ومسلم والنسائي وهذا ابن ماجه في القسامة من طريق أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن عن سهل بن أبي حثمة عن رجال من كبراء قومه أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجًا إلى خيبر من جهد أصابهم فأتى محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وألقى في قفير "بئر قريبة القعر واسعة الفم" أو عين بخيبر فأتى يهود فقال: أنتم والله قتلتموه. قالوا والله ما قتلناه، ثم أقبل حتى أتى على قومه فذكر ذلك لهم، ثم أقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل، فذهب محيصة يتكلم وهو الذي كان بخيبر فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لمحيصة كبر كبر يريد السنّ فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إما أن يدوا صاحكبم. وإما أن يؤذنوا بحرب. فكتب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ذلك فكتبوا: إنا والله ما قتلناه. فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن. تحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ قالوا لا. قال فتحلف لكم يهود قالوا ليسوا بمسلمين فوداه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من عنده، فبعث إليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار. قال سهل: فلقد ركضتني منها ناقة حمراء اهـ. وأعطى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ديته دفعًا للنزاع وإصلاحًا لذات البين وتطييبًا لنفوس أولياء القتيل. والظاهر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دفع ذلك إليهم من سهم الغارمين على معنى أنه تحمل دينًا في إصلاح ذات البين فسدده من

باب ما يجوز فيه المسألة

سهم الغارمين, إذ ليس الدفع في الدية من مصارف الزكاة, أو دفعه من سهم المؤلفة قلوبهم استئلافُ اواستجلابًا لليهود. وتقدم قريبًا بيان مذاهب العلماء فيما يعطاه الفقير من الصدقة. قيل وفي الحديث حجة لمن قال بجواز صرف الزكاة إلى صنف واحد من الأصناف الثمانية المذكورة في الآية. ورد بأنه يحتمل أن يكون اجتمع عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كثير من الصدقات فصرف بعضها في سهم الغارمين والباقي في أصناف أخر (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرًا ومطولًا (باب ما تجوز فيه المسألة) أي في بيان الأحوال التي يحل فيها السؤال يعني والتي لا يحل. وفي بعض النسخ إسقاط هذه الترجمة وإدخال حديث سمرة بن جندب وما بعده في "باب كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة" (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرِيُّ نَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عُقْبَةَ الْفَزَارِيِّ عَنْ سَمُرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "الْمَسَائِلُ كُدُوحٌ يَكْدَحُ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ فَمَنْ شَاءَ أَبْقَى عَلَى وَجْهِهِ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ إِلاَّ أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذَا سُلْطَانٍ أَوْ في أَمْرٍ لاَ يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا". (ش) (النمري) بفتحتين منسوب إلى نمر بن عثمان. و (شعبة) بن الحجاج. و (سمرة) ابن جندب (قوله المسائل الخ) جمع مسألة وهو مبتدأ خبره كدوح جمع كدح وهو كل أثر من خدش أو عض. ويحتمل أن يكون مصدرًا سمي به الأثر كما تقدم. والإخبار عن المسائل حينئذ باعتبار من قامت به آثاره أي أن سؤال الرجل الناس أموالهم من غير حاجة كخدوش يخدش بها وجه. والمراد أنه يريق بالسؤال ماء وجهه ويسعى في ذهاب كرامته فهي شين في العرض كالجراحة شين في الوجه, وهذا بالنسبة للدنيا وفي الآخرة يصيبه بسبب ذلك الذلّ والهوان (قوله فمن شاء أبقى على وجهه الخ) يعني من أراد إبقاء كرامته وحفظ ماء وجهه وعرضه ترك السؤال تعففًا, ومن أراد خلاف ذلك أضاع ماء وجه بالسؤال وعدم التعفف وفي رواية النسائي "فمن شاء كدح وجهه ومن شاء ترك" وليس المراد التخيير بل المراد التوبيخ والتهديد على حد قوله تعالى (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (قوله إلا أن يسأل ذا سلطان) أي إلا أن يسأل الرجل صاحب حكم وولاية حقه من بيت المال أو غيره فيباح السؤال حينئذ ولا منة للسلطان في ذلك لأنه متول بيت مال المسلمين ووكيل على حقوقهم فإذا سأله المحتاجون

حكم سؤال السلطان من خاصة ماله وإعطائه بلا سؤال

إنما يسألونه حقوقهم فهو كسؤال الإنسان وكيله أن يعطيه من ماله. وكذا يباح سؤال السلطان من ماله الخاص إن غلب عليه الحل وإلا حرم سؤاله والأخذ منه كما اختاره الغزالي. وقيل يكره. أما عطية السلطان بلا سؤال فيجوز قبولها إن غلب على ماله الحل وإلا فلا (قوله أو في أمر لا يجد منه بدًا) أي أو إلا أن يسأل شخصًا غير السلطان لأجل أمر لا يجد منه خلاصًا إلا بالسؤال فيباح له السؤال كما إذا تحمل دينًا لإصلاح ذات البين أو أصابته فاقة شديدة أو أصاب ماله جائحة كما سيذكر في حديث قبيصة بعد. وفي رواية النسائي: إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان أو شيئًا لا يجد منه بدًا. وظاهره أنه لا بأس بسؤال السلطان تكثرًا لأنه جعل سؤاله قسيمًا لسؤال غيره ما لا بد منه (فقه الحديث) دلّ الحديث على ذم المسألة عند عدم الحاجة وجوازها عند الضرورة وعلى جواز سؤال السلطان ولو عند عدم الحاجة على ما تقدم بيانه (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي والترمذي وقال حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هَارُونَ بْنِ رِيَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي كِنَانَةُ بْنُ نُعَيْمٍ الْعَدَوِيُّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلاَلِيِّ قَالَ تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ "أَقِمْ يَا قَبِيصَةُ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا". ثُمَّ قَالَ "يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَحِلُّ إِلاَّ لأَحَدِ ثَلاَثَةٍ رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ فَسَأَلَ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ فَسَأَلَ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ". أَوْ قَالَ "سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ". "وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُولَ ثَلاَثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ قَدْ أَصَابَتْ فُلاَنًا الْفَاقَةُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ فَسَأَلَ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ -أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ- ثُمَّ يُمْسِكُ وَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتٌ يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا". (ش) (رجال الحديث) (هارون بن رياب) بكسر الراء وفتح المثناة التحتية التميمي أبو بكر أو أبو حسن البصري. روى عن الأحنف بن قيس وقبيصة بن ذؤيب وسعيد بن المسيب وكنانة بن نعيم وغيرهم. وعنه أيوب السختياني والأوزاعي والحمادان وابن عيينة وغيرهم. وثقه النسائي وابن حبان وابن سعد ويعقوب بن سفيان. روى له مسلم وأبو داود والنسائي. و (كنانة

جواز السؤال لتسديد الدين ودفع الحاجة

ابن نعيم العدوي) البصري أبو بكر. روى عن قبيصة بن المخارق وأبي برزة الأسلمي. وعنه عبد العزيز بن صهيب وثابت البناني وعدي بن ثابت وهارون بن رياب. وثقه العجل وابن سعد وذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب ثقة من الرابعة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي (المعنى) (قوله تحمل حمالة) بفتح الحاء المهملة كسحابة وهي المال الذي يتحمله الإنسان فيستدينه ويدفعه لإصلاح ذات البين ودفع نزاع قائم بين فريقين فيأخذ من الصدقة ما يسد به ذلك الدين إن كان غنيًا. وفي ذلك ترغيب في مكارم الأخلاق. وكانت العرب إذا تحمل أحدهم حمالة بادروا إلى معونته ودفعوا إليه ما يسد به دينه وتبرأ به ذمته، وإذا سأل لذلك لم يكن نقصًا في قدره بل يعد من مفاخره (قوله فأتيت النبي) أي لأطلب منه الإعانة على تسديد ما تحملته، ففي رواية مسلم تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أسأله فيها (قوله حتى يصيبها ثم يمسك) أي يحل له السؤال إلى أن يصيب قدر ما تحمله واستدانه في غير معصية فإذا حصل على ذلك أمسك عن السؤال (قوله ورجل أصابته جائحة الخ) أي أصابت ماله آفه كالسيل والنار فأهلكته فيحل له السؤال ويجب إعطاؤه من صدقة الفرض وغيرها حتى يحصل على ما يقوم بحاجته ويستغني به ولا يتوقف إعطاؤه علي بينة يقيمها على ثبوت حاجته لأن هذه أشياء لا تخفى أثارها عند وقوعها. والقوام بكسر القاف والسداد بكسر السين المهملة ما يقوم بحاجة الإنسان ويسد به خلته، وأوللشك. وفي رواية النسائي "رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش أوسدادًا من عيش ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ففي روايته قلب في الغاية فان الغاية الثانية تناسب الأول والأولى تناسب الثاني كما في رواية المصنف ومسلم (قوله ورجل أصابته فاقة الخ) أي فقرشديد اشتهر به بين قومه بعد الغنى حتى يشهد ثلاثة من قومه من أرباب العقول الراجحة أنه قد أصابت فلانًا حاجة وفقر وصارت حالته تدعو إلى العطف. والحجى بكسرالحاء المهملة والقصر العقل. واعتبار العقل للتنبيه على أنه ينبغي في المخبر أن يكون متيقظًا عالمًا بما يقول، فإن من لم يكن كذلك لا يوثق بقوله. واعتبار الثلاثة للاحتياط والمبالغة في إثبات الفاقة وليكون قولهم أدل على براءة السائل من التهمة في ادعائه الحاجة وأدعى إلى سرعة إجابته. وخصوا بكونهم من قومه لأنهم هم العالمون بحاله وأخبر بباطن أمره، وهذا, من باب تبين الحال وتعرف الأمر لا من باب الشهادة لأنه لا مدخل لعدد الثلاثة من الرجال في شيء من الشهادات عند أحد من الأئمة. وقال إن الإعسار لا يثبت إلا بشهادة ثلاثة، وبه قال ابن خزيمة وبعض أصحاب الشافعي لظاهر الحديث. وقال الجمهور تقبل من عدلين كسائر الشهادات غير الزنا. وحملوا الحديث علي الاستحباب، وهذا محمول على من عرف له مال فلا يقبل قوله في تلفه وإعساره إلا ببينة. أما من لم يعرف له مال فالقول قوله في عدم

متى تتوقف دعوى الإفلاس على بينة ومتى لا تتوقف؟

المال لأنه الأصل (قوله وما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت) أي ما عدا هذه الأقسام الثلاثة من المسألة سحت بضم فسكون أي حرام لا يحل أكله، وسمي سحتًا لأنه يسحت البركة أي يذهبها وفي رواية مسلم (وما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتًا) بالنصب على أنه مفعول لمحذوف أي اعتقده سحتًا (وهذا الحديث) مخصص بما في الأحاديث الآخر من جواز السؤال لداع اخر غير ما ذكر كسؤال الرجل السلطان وسؤال المستحق في الزكاة حقه (فقه الحديث) دل الحديث على حرمة السؤال لغير من ذكر ونحوهم ممن يباح لهم سؤال لداعية. قال الخطابي: وفيه من العلم أن من ثبت عليه حق عند حاكم فطلب المحكوم له حبسه وادعى المحكوم عليه الإفلاس والفقر لا تسمع دعواه إلا ببية إن كان المحكوم عليه به لزمه بدل مال حصل في يده كثمن مبيع وقرض لثبوت غناه بحصول المبيع والقرض في يده. وتقبل دعواه الإفلاس فيما ليس بدل مال كبدل الغصب وضمان المتلفات ونفقة من يلزمه الإنفاق عليه فلا يحبس فيما ذكر إن ادعى الفقر لأن الأصل في الآدمي العسر إلا إذا برهن خصمه أن له مالًا فيحبس حسبما يراه القاضي، وهذا إذا لم يكن له مال ظاهر وإلا انتزع منه الحق إن كان من جنسه أو بيع عليه إن لم يكن من جنسه اهـ بتصرف. ودلّ الحديث أيضًا على جواز نقل الصدقة من بلد إلى أخرى وتقدم بيانه. وعلى أن الحدّ الذي ينتهى إليه العطاه من الصدقة ما به كفاية المعطى ويعتبر ذلك في كل إنسان بحسب حاله (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد ومسلم والنسائي وابن حبان والدارقطني وابن خزيمة (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الأَخْضَرِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلُهُ فَقَالَ "أَمَا فِي بَيْتِكَ شَىْءٌ". قَالَ بَلَى حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ. قَالَ "ائْتِنِي بِهِمَا". فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ وَقَالَ "مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ". قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ. قَالَ "مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ". مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ. فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الأَنْصَارِيَّ وَقَالَ "اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ وَاشْتَرِ بِالآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ".

بيان من يحل لهم السؤال

فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عُودًا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ "اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلاَ أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا". فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً في وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ لِثَلاَثَةٍ لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ". (ش) (رجال الحديث) (الأخضر بن عجلان) الشيباني البصري. روى عن ابن جريج وأبى بكر الحنفي، وعنه عيسى بن يونس وعبيد الله بن سبط وأبو عاصم ويحيى القطان. وثقه النسائي وقال أبو حاتم وابن معين يكتب حديثه وذكره ابن حبان وابن شاهين في الثقات وقال الأزدي ضعيف. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي. و(أبو بكر الحنفي) الكبير اسمه عبد الله بن عبد الله. روى عن أنس. وعنه الأخضر بن عجلان. قال في الميزان بصري لا يعرف (المعنى) (قوله فقال أما في بيتك شيء الخ) أي قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للرجل أليس في بيتك شيء؟ فالهمزة للاستفهام وما نافية، فقال الرجل "عندي حلس" بكسر الحاء المهملة وسكون اللام بساط يبسط في البيت ويطلق أيضًا علي كساء رقيق يلي ظهر البعير وجمعه أحلاس مثل حمل وأحمال و"قعب" بفتح القاف وسكون العين المهملة قدح من خشب جمعه قعاب مثل سهم وسهام. ومن في قوله من الماء زائدة (قوله فانبذه إلى أهلك) أي ادفعه إلى زوجك ومن يلزمك نفقته. وانبذ أمر من نبذ من باب ضرب (قوله واشتر بالآخر قدومًا) بفتح القاف وضم الدال المهملة المخففة أو المشددة، ومنع ابن السكيت التشديد آله النجارة، وجمعه قدم مثل رسول ورسل (وقوله فشد فيه رسول الله عودًا) أي جعل له مقبضًا ليسهل العمل به، وفعل ذلك صلى الله عليه وعلي آله وسلم بنفسه تواضعًا ورحمة بذلك الرجل (قوله لا أرينك خمسة عشر يومًا يعني لا تترك العمل وتركن إلى الكسل فأراك هنا (قوله هذا خير لك الخ) أي الكسب خير لك من السؤال الذي ينشأ عنه يوم القيامة أثر قبيح في وجهك. وأفعل التفضيل ليس على بابه فإنه لا خير في السؤال لما يترتب عليه من إراقة ماء الوجه وإهانة النفس (قوله لذي فقر مدقع) بضم الميم وسكون الدال المهملة أي شديد يفضي إلى الدقعاء "التراب" لعدم ما يقيه منه ومدقع اسم فاعل من أدقع أي التصق بالتراب ذلا (قوله لذي غرم مفظع) أي صاحب دين كثير مثقل، والغرم بضم فسكون الدين ومفظع اسم فاعل من أفظع الأمر اشتد. قال الخطابي الغرم المفظع هو أن تلزمه الديون الفظيعة

جواز بيع المزايدة والمعاطاة

الفادحة حتى تنقطع به الأسباب فتحل له الصدقة ويعطى سهم الغارمين (قوله أولذي دم موجع) بصيغة اسم الفاعل من أوجع وهو أن يتحمل دية عن قريبه أو صديقه القاتل وليس له ولا لأوليائه مال فيسعى فيها ويسأل حتى يؤديها إلى أولياء المقتول لقطع الخصومة، فإن لم يؤدها قتل المتحمل عنه فيوجعه قتله، قال الخطابي الدم الموجع أن يتحمل حمالة "يعني دينًا" في حقن الدماء وإصلاح ذات البين فتحل له المسألة فيها كما تقدم اهـ (فقه الحديث) دل الحديث على ما كان عليه النبي صلى الله وتعالى عليه وعلى آله وسلم من مكارم الأخلاق والتواضع وكما شفقته ورحمته بالفقراء حيث ساوم المبيع بيده الشريفة ليرغب فيه. وعلى مشروعية بيع المزايدة وهو ما كان قبل الرضا. أما السوم على سوم الغير المنهي عنه فيكون بعد الرضا والركون. وعلى جواز بيع المعاطاة. وعلى أنه ينبغي للرءيس إرشاد مرءوسيه إلى ما فيه سعادتهم وحثهم على ما فيه صلاحهم الدنيويّ والأخرويّ. وعلى حرمة السؤال مع القدرة على الكسب. وعلى ذم السؤال عند عدم الضرورة الشديدة لما يترتب عليه من الإهانة في الدنيا ونقص الثواب في الآخرة (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن، وأخرجه النسائي مختصرًا (باب كراهية المسألة) أي كراهة السؤال (ص) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ نَا الْوَلِيدُ نَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ رَبِيعَةَ -يَعْنِي ابْنَ يَزِيدَ- عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلاَنِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَبِيبُ الأَمِينُ أَمَّا هُوَ إِلَيَّ فَحَبِيبٌ وَأَمَّا هُوَ عِنْدِي فَأَمِينٌ (عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ) قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- سَبْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ تِسْعَةً فَقَالَ "أَلاَ تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-". وَكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ قُلْنَا قَدْ بَايَعْنَاكَ حَتَّى قَالَهَا ثَلاَثًا فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَعَلاَمَ نُبَايِعُكَ قَالَ "أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَتُصَلُّوا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَتَسْمَعُوا وَتُطِيعُوا". وَأَسَرَّ كَلِمَةً خُفْيَةً قَالَ "وَلاَ تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا". قَالَ فَلَقَدْ كَانَ بَعْضُ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُهُ فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا أَنْ يُنَاوِلَهُ إِيَّاهُ. قَالَ

حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على إرشاد أصحابه وأمته

أَبُو دَاوُدَ حَدِيثُ هِشَامٍ لَمْ يَرْوِهِ إِلاَّ سَعِيدٌ. (ش) (رجال الحديث) (الوليد) بن مسلم. و (أبو إدريس الخولاني) عائذ الله ابن عبد الله. و(أبو مسلم الخولاني) عبد الله بن ثوب بضم الثاء المثلثة أو فتحها وفتح الواو. روى عن عمر ومعاذ وعبادة بن الصامت وأبي ذر وغيرها. وعنه شرحبيل بن مسلم الخولاني وأبو إدريس الخولاني وعطاء بن أبي رباح ومكحول وجماعة. وثقه ابن معين وابن سعد والعجلي. وقال كان من كبار التابعين. وقال ابن عبد البر أدرك الجاهلية وأسلم قبل وفاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو معدود في كبار التابعين. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (المعنى) (قوله ألا تبايعون رسول الله) أي قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ألا تعاهدونني على ما سأذكره من الإيمان باللهِ تعالى وإقام الصلاة الخ، ففيه وضع الظاهر موضع المضمر. وسمى معاهدته على ما ذكر بيعًا لما فيه من مقابلة شيء وهو الإيمان وتوابعه بمقابلة شيء آخر وهو الجنة كما أن في البيع مقابلة الثمن بالمثمن (قوله حتى قالها ثلاثًا) أي كرر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قوله ألا تبايعون رسول الله ثلاثًا وهم يقولون قد بايعناك، فعلموا أنه لم ينس البيعة الأولى، وغرضه المبايعة مرة أخرى. وفي رواية مسلم "وكنا حديث عهد ببيعة فقلنا قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال ألا تبايعون رسول الله؟ فقلنا قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال ألا تبايعون رسول الله؟ قال فبسطنا أيدينا وقلنا قد بايعناك يا رسول الله الخ (قوله فبسطنا أيدينا فبايعناه) وفي نسخة وبسطنا بالواو بدل الفاء، أي مددنا أيدينا نريد مبايعته بدليل ما بعده. وفي رواية مسلم وابن ماجه: فبسطنا أيدينا فقال قائل الخ بإسقاط قوله فبايعناه. ولعل المبايعة السابقة كانت على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره أو على الهجرة من دار الكفر إلى دار الإِسلام أو غير ذلك كما جاء في الأحاديث (قوله وتسمعوا وتطيعوا) أي تسمعوا ما يتلى عليكم من تعاليم الدين سماع قبول فتذعنوا له وتعملوا به (قوله وأسر كلمة خفية) يعني قال كلمة خافضًا بها صوته لم يسمعها كل الحاضرين. وخفية بضم الخاء المعجمة وكسرها أي إسرارًا فهو مفعول مطلق. وبين ما أسره بقوله ولا تسألوا الناس شيئًا. والحكمة في إسرار النهي عن السؤال أن يخص به بعضهم دون بعض لأن من الناس من لا بد له من السؤال لحاجته. ومنهم الغني عنه بماله أو بالتعفف (قوله فما يسأل أحدًا أن يناوله إياه) حملا للنهي على عمومه وبعدًا عن ذل السؤال وذلك لشدة احتياطهم وفي نسخة فلا يسأل أحدًا الخ (فقه الحديث) دل الحديث على ما كان عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم من

الترغيب في ترك سؤال الناس شيئا

الحرص على نشر الدعوة وتبليغ الأحكام كلما وجد إلى ذلك سبيلًا. وعلى مشروعية التعاهد على البر والتقوى. وعلى التنفير من سؤال أي شيء ولو حقيرًا، وفي الحديث عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: دعاني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو يشترط عليّ أن لا تسأل الناس شيئًا، قلت نعم قال ولا سوطك إن سقط منك حتى تنزل فتأخذه. رواه أحمد (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والنسائي، وكذا ابن ماجه في باب البيعة. وأشار المصنف إلى كونه غريبًا بقوله "حديث هشام الخ" أي أن حديث هشام بن عمار شيخ المصنف قد تفرد سعيد بن عبد العزيز بروايته عن ربيعة بن يزيد ولم يروه عن ربيعة سواه. (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ نَا أَبِي نَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ وَكَانَ ثَوْبَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ تَكَفَّلَ لِي أَنْ لاَ يَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئًا وَأَتَكَفَّلَ لَهُ بِالْجَنَّةِ". فَقَالَ ثَوْبَانُ أَنَا. فَكَانَ لاَ يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا. (ش) (أبو معاذ) معاذ بن معاذ بن حسان. و (عاصم) بن سليمان الأحول. و (أبو العالية) رفيع الرياحي وهو القائل: وكان ثوبان الخ ففي رواية أحمد ثنا شعبة عن عاصم قال. قال لأبي العالية ما ثوبان؟ قال: مولى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (قوله من تكفل لي الخ) أي أي شخص التزم أن لا يسأل الناس شيئًا وأنا أضمن له الجنة بلا سابقة عذاب. فمن استفهامية. وعبر بالماضى حثًا للمخاطبين على التحلى بهذه الفضيلة وترغيبًا لهم فيها (قوله فأتكفل له الخ) وفي نسخة وأتكفل الخ. وفي أخرى أتكفل (وفي الحديث) بيان ما كان عليه ثوبان رضي الله تعالى عنه من علو المنزلة والرغبة في الخير ومجاهدة النفس، وأن من التزم ترك سؤال الناس استحق دخول الجنة مع السابقين (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي قال أخبرنا عمروبن عدي ثنا يحيى ثنا ابن أبي ذئب ثنى محمَّد بن قيس عن عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من يضمن لي واحدة وله الجنة. قال يحيى ها هنا كلمة معناها أن لا يسأل الناس شيئًا

باب الاستعفاف. جواز السؤال للحاجة وفضل التعفف والصبر

(باب الاستعفاف) وفي نسخة باب في الاستعفاف أي طلب العفة والكف عن السؤال والحرام. يقال عف عن الشيء يعف من باب ضرب عفا بفتح العين المهملة وعفة بكسرها وعفافًا امتنع عنه (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْطَاهُمْ ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا عِنْدَهُ قَالَ "مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَمَا أَعْطَى اللَّهُ أَحَدًا مِنْ عَطَاءٍ أَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ". (ش) (قوله حتى إذا نفد الخ) من باب تعب أي فرغ المال الذي عنده، وفي نسخة حتى نفد وهي رواية البخاري (قوله ما يكون عندي من خير الخ) ما موصولة متضمنة معنى الشرط ولذا قرن خبرها بالفاء (قوله فلن أدخره عنكم) أي لن أحبسه وأكفه عنكم (قوله ومن يستعفف الخ) أي من يطلب العفاف بترك السؤال وبالقناعة بما عنده يرزقه الله العفة والكف عن الحرام، ومن يظهر الغنى بالاستغناء عن أموال الناس يرزقه الله القناعة في قلبه والكفاية عن الناس، ففي حديث أبي هريرة مرفوعًا "ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس" رواه أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجة. ومن يتصبر على المكاره والبلايا أو عن السؤال والاستشراف إلى ما في أيدى الناس يرزقه الله الصبر الجميل (قوله وما أعطي أحد من عطاء الخ) وفي نسخة وما أعطى الله أحدًا من عطاء الخ أي ما أعطى الله أحدًا شيئًا من العطاء أكثر ولا أفضل من الصبر لأن مقامه أعلى المقامات فإنه جامع لمكارم الصفات والحالات، ولذا قدم على الصلاة في قوله تعالى "واستعينوا بالصبر والصلاة" وقد ورد الحث عليه في كثير من الآيات والأحاديث (فقه الحديث) دل الحديث على جواز إعطاء السائل غير مرة. وعلى مشروعية الاعتذار للسائل. وعلى جواز السؤال للحاجة وإن كان الأولى تركه والصبر حتى يأتيه رزقه من غير سؤال. وعلى ما كان عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من البشاشة والكرم وإيثار الغير على نفسه. وعلى الحض على التعفف والإستغناء عن الناس بالصبر وحسن التوكل على الله عَزَّ وَجَلَّ وعلي أن الصبر أفضل ما أعطيه المؤمن ولذا كان الجزاء عليه جليلًا قال تعالى (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ

الترغيب في سؤال الله تعالى

أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (والحديث) أخرجه أيضًا البخارى ومسلم والنسائي والترمذي (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ ح حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ أَبُو مَرْوَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ -وَهَذَا حَدِيثُهُ- عَنْ بَشِيرِ بْنِ سَلْمَانَ عَنْ سَيَّارٍ أَبِى حَمْزَةَ عَنْ طَارِقٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- "مَنْ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ وَمَنْ أَنْزَلَهَا بِاللَّهِ أَوْشَكَ اللَّهُ لَهُ بِالْغِنَى إِمَّا بِمَوْتٍ عَاجِلٍ أَوْ غِنًى عَاجِلٍ". (ش) (رجال الحديث) (عبد الملك بن حبيب أبو مروان) البزار المصيصي. روى عن عبد الله بن المبارك وأبي إسحاق الفزاري. وعنه أبو داود وسعيد بن عتاب ومحمد بن عوف الطائي ومحمد بن وضاح. قال في التقريب مقبول من العاشرة. روى له أبو داود. و(بشير بن سلمان) أبو إسماعيل الكوفي. روى عن عكرمة وأبي حازم الأشجعي ومجاهد بن جبر وغيرهم. وعنه ابنه الحكم ووكيع والسفيانان وابن المبارك وجماعة. وثقه أحمد والعجلي وابن حبان. وقال أبو حاتم صالح الحديث. وقال ابن سعد كان شيخًا قليل الحديث. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في الأدب. و(سيار أبو حمزة) الكوفي. روى عن طارق بن شهاب الصحابي وقيس بن أبي حازم. وعنه عبد الملك بن سعيد وإسماعيل بن أبي خالد وبشير ابن إسماعيل "وكان يقول فيه سيار أبو الحكم وهو وهم" قال في التقريب مقبول من الخامسة روى له أبو داود والترمذي والبخارى في الأدب (المعنى) (قوله من أصابته فاقة الخ) أي من نزل به فقر شديد وأظهره للناس شاكيًا لهم وطلب منهم سدادها معتمدًا عليهم في ذلك لم تقض حاجته بل كلما تسد حاجة أصابته أخرى لاعتماده على عاجز مثله (قوله ومن أنزلها بالله الخ) أي تضرع إليه تعالى طالبًا قضاءها منه مع حسن التوكل عليه عز وجل عجل له الغنى بكسر المعجمة والقصر أي اليسار. وفي نسخة الغناء بفتح الغين المعجمة والمد أي الكفاية إما بموت قريب له غني فيرثه، أو بموت الشخص نفسه فيستغني عن المال، أو بغنى ويسار يسوقه الله إليه من أي باب شاء فهو أعم مما قبله. ومصداقه قوله تعالى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} وقوله "أو غنى عاجل" هو هكذا في النسخ الموجودة بالعين، والذي في المشكاة أو غنى آجل بهمزة ممدودة قال الطيبي وهو أصح دراية لقوله تعالى {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} اهـ وفيه نظر

التنفير من سؤال الناس، جواز سؤال الصالحين عند الضرورة

(فقه الحديث) دل الحديث على التنفير من سؤال الخلق والاعتماد عليهم. وعلى الترغيب في سؤال الله تعالى وحسن التوكل عليه فإنه المعطي المانع "ومن يتوكل عليه فهو حسبه". وفي الحديث: إذا سألت فأسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك "الحديث" رواه الترمذي عن ابن عباس مرفوعًا وقال حسن صحيح. وقال الله تعالى (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ) (والحديث) أخرجه أيضًا الترمذي وقال حسن صحيح غريب (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ مَخْشِيٍّ عَنِ ابْنِ الْفِرَاسِيِّ أَنَّ الْفِرَاسِيَّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَسْأَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لاَ وَإِنْ كُنْتَ سَائِلًا لاَ بُدَّ فَاسْأَلِ الصَّالِحِينَ". (ش) (رجال الحديث) (مسلم بن مخشى) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة أبو معاوية المصري. روى عن ابن الفراسي. وعنه بكر بن سوادة. ذكره ابن حبان في الثقات. وفي التقريب مقبول من الثالثة. روى له مسلم وأبو داود وابن ماجه. و(ابن الفراسي) لم يعرف اسمه. روى عن أبيه. وعنه مسلم بن مخشى. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه. و(الفراسي) بكسر الفاء وتخفيف الراء وكسر السين المهملة وتشديد الياء التحتية، من بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة. روى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا الحديث وحديثًا آخر في ماء البحر "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" وعنه ابنه. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه (المعنى) (قوله أسأل يا رسول الله) بحذف همزة الاستفهام يعني أأسأل الناس ما أحتاجه بدليل الجواب وإلا فسؤال الله تعالى مطلوب (قوله فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا. وإن كنت سائلًا لابد الخ) وفي نسخة وإن كنت ولا بد سائلًا الخ أي لا تسأل الناس شيئًا بل سل الله تعالى وأحسن التوكل عليه، فإن سؤال الناس ذل، فإن لم تجد مفرًا من سؤال الناس ودعتك الضرورة إلى ذلك فسل الصالح منهم، القائم بحقوق الله عَزَّ وَجَلَّ وحقوق، العباد لأنه الكريم الرحيم الذي لا يمن إذا أعطى، ولا يرد السائل خائبًا وإن كان محتاجًا إلى ما يعطيه لغيره. قال الله تعالى (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) ولا يعطى إلا من حلال وإذا لم يجد ما يعطيه رد السائل بالحسنى داعيًا له ودعاؤه مستجاب

الترغيب في قبول عطية الإمام

وهذا إرشاد إلى ما هو الأولى وإلا فسؤال غير الصالحين جائز (وفي الحديث) دلالة على التنفير من السؤال مطلقًا. وعلى جوازه عند الحاجة الشديدة. وعلى فضل الصالحين بطلب سؤالهم عند الحاجة والتنفير من سؤال غيرهم (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي (ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ نَا اللَّيْثُ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ السَّاعِدِيِّ قَالَ اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ -رضي الله عنه- عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْهَا وَأَدَّيْتُهَا إِلَيْهِ أَمَرَ لِي بِعُمَالَةٍ فَقُلْتُ إِنَّمَا عَمِلْتُ لِلَّهِ وَأَجْرِي عَلَى اللَّهِ. قَالَ خُذْ مَا أُعْطِيتَ فَإِنِّي قَدْ عَمِلْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَعَمَّلَنِي فَقُلْتُ مِثْلَ قَوْلِكَ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا أُعْطِيتَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْأَلَهُ فَكُلْ وَتَصَدَّقْ". (ش) (الرجال) (أبو الوليد) هشام بن عبد الملك. و (ليث) بن سعد. و (ابن الساعدي) هكذا وقع للمصنف ولمسلم والنسائي في رواية عن ابن الساعدي المالكي. ومسلم عن بسر بن سعيد عن ابن السعدي وله أيضًا عن السائب بن يزيد عن عبد الله بن السعدي. وللنسائى في ثلاث طرق عن الزهري عن السائب بن يزيد عن حويطب بن عبد العزي. قال أخبرني عبد الله بن السعدي. قال النووي في شرح مسلم: قد رواه هكذا عن الزهري محمد بن الوليد والزبيدي وشعيب بن أبي حمزة وعقيل بن خالد ويونس بن يزيد وعمرو بن الحارث والحكم بن عبد الله الحمصي وكذا رواه البخاري من طريق شعيب اهـ ثم قال وقد وقع في مسلم من رواية قتيبة عن ابن الساعدي المالكي، فقوله المالكي صحيح منسوب إلى مالك بن حسل بن عامر. وأما قوله الساعدي فأنكروه وصوابه السعدي كما رواه الجمهور منسوب إلى بني سعد بن بكر اهـ قال المنذري. وأما الساعدي فنسبته إلى بني ساعدة من الأنصار لا وجه له هنا إلا أن يكون له نزول أو حلف أو خئولة أو غير ذلك اهـ (هذا) و (ابن السعدي) هو عبد الله بن عمرو. وقيل عبد الله بن قدامة أو ابن وقدان بن عبد شمس عرف بابن السعدي لأن أباه كان مسترضعًا في بني سعد بن بكر بن هوازن صاحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. روى عنه وعن عمر. وعنه حويطب بن عبد العزي وعبد الله بن محيريز وبسر بن سعيد وغيرها. وتوفى سنة سبع وخمسين. روى له النسائي عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن عمر (المعنى) (قوله أمر لي بعمالة) بضم العين المهملة ما يعطاه العامل نظير عمله أما بفتحها فهي نفس العمل (قوله فعملني)

المذاهب في قبول المعطى بلا سؤال

بتشديد الميم أي أعطاني أجرة عملي (قوله فقلت مثل قولك) هو كما في رواية للبخاري والنسائي من طريق عبد الله بن السعدي أنه قدم على عمر في خلافته فقال له عمر: ألم أحدث أنك تلي من أعمال الناس أعمالًا فإذا أعطيت العمالة كرهتها؟ فقلت بلى. فقال عمر ما تريد إلى ذلك؟ فقلت إن لي أفراسًا وأعبدًا وأنا بخير وأريد أن تكون عمالتي صدقة على المسلمين، قال عمر لا تفعل فإني كنت أردت الذي أردت وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعطيني العطاء فأقول أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالًا فقلت أعطه أفقر إليه مني. فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خذه فتموله وتصدق به فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك (قوله فكل وتصدق) أي اصنع ما شئت من الأكل والصدقة أو كل إن كنت فقيرًا وتصدق إن كنت غنيًا (فقه الحديث) دل الحديث على بيان فضل ابن السعدي وعمر رضي الله تعالى عنهما وزهدهما وإخلاصهما في العمل ابتغاء وجه الله عز وجل. وعلى جواز أخذ الأجرة في نظير القيام بعمل من أعمال المسلمين دينيًا أو دنيويًا ولو كان العامل غنيًا أو العمل فرضًا كالقضاء والتدريس بل يجب على الإمام كفاية هؤلاء ومن في معناهم من بيت المال. ولذا قال الطحاوي ليس معنى الحديث في الصدقات وإنما هو في الأموال التي يقسمها الإِمام على من يستحقها من الأغنياء والفقراء. ويدل عليه أنه لما قال عمر أعطه من هو أفقر إليه مني لم يرض بذلك لأنه إنما أعطاه لمعنى غير الفقر وهو العمل اهـ ويؤيده ما تقدم في رواية البخاري من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "خذه فتموّله" فإن الفقير إنما يأخذ ما يحتاجه لا ما يتخذه مالًا. ودل الحديث على أن ردّ عطية الإِمام ليس من الأدب ولا سيما من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (واختلف) فيمن جاءه مال من غير مسألة ولا إشراف نفس هل يجب قبوله؟ ذهب أحمد إلى وجوبه أخذًا بظاهر الحديث. وذهب الجمهور إلى أنه مستحب في غير عطية السلطان، أما عطيته فالصحيح أنه إن غلب الحرام فيما في يده حرم قبوله، وكذا إن أعطى من لا يستحق وإن لم يغلب الحرام فمباح إن لم يكن بالآخذ مانع يمنعه من استحقاق الأخذ. وقيل إن الأخذ من السلطان واجب لقوله تعالى "وما آتاكم الرسول فخذوه" فإذا لم يأخذه فكأنه لم يأتمر وقال الحافظ في الفتح: والتحقيق في المسألة أن من علم كون ماله حلالًا فلا تزد عطيته، ومن علم كون ماله حرامًا فتحرم عطيته، ومن شك فيه فالاحتياط رده وهو الورع. ومن أباحه أخذ بالأصل قال ابن المنذر: واحتج من رخص فيه بأن الله تعالى قال في اليهود (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) وقد رهن الشارع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم درعه عند يهودي مع علمه بذلك وكذلك أخذ الجزية منهم مع العلم بأن أكثر أموالهم من ثمن الخمر والخنزير والمعاملات الفاسدة اهـ

وقال العيني قال الطبري "في إباحة الله تعالى" أخد الجزية من أهل الكتاب مع علمه بأن أكثر أموالهم أثمان الخمور والخنازير وهم يتعاملون بالربا "دليل" بين على أن من كان من أهل الإِسلام بيده مال لا يدري أمن حرام كسبه أو من حلال؟ فإنه لا يحرم قبوله لمن أعطاه إياه ولو كان، ممن لا يبالي باكتسابه من غير حله إذا لم يعلم الآخذ أنه حرام بعينه. وبنحوذلك قالت الأئمة من الصحابة والتابعين اهـ ببعض تصرف (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والنسائي من طريق المصنف بلفظه. وأخرجه البخاري والنسائي من طريق الزهري عن ابن السعدي بلفظ تقدم (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَذْكُرُ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ مِنْهَا وَالْمَسْأَلَةَ "الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى وَالْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ وَالسُّفْلَى السَّائِلَةُ". (ش) (قوله وهو يذكر الصدقة والتعفف منها) أي من أخذ الصدقة، وفي رواية النسائي ومسلم والتعفف عن المسألة (قوله والمسألة) بالنصب مفعول لمحذوف أي ويذم المسألة. ويحتمل جره عطفًا على الضمير المجرور بمن. وفي رواية البخاري وذكر الصدقة والتعفف والمسألة. أي أنه كان يحث الغنيّ على دفع الصدقة والفقير على التعفف ويذم المسألة (قوله واليد العليا المنفقة الخ) كذا في رواية مسلم والنسائي. وفي رواية البخاري. فاليد العليا هي المنفقة واليد السفلى هي السائلة. وهو تفسير من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وليس مدرجًا في الحديث. للحديث الآتي عن أبي الأحوص، ولما رواه أحمد والطبراني من حديث أبي رمثة بلفظ "يد المعطى العليا" وما رواه البيهقي عن علي بن عاصم عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن ابن مسعود قال: قال: رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: الأيدي ثلاثة يد الله العليا ويد المعطي التي تليها. ويد السائل أسفل إلى يوم القيامة. قال البيهقي تابع عليًا إبراهيم بن طهمان عن الهجري على رفعه. وروى الطبراني من حديث على الجذامي نحوه، وما رواه النسائي من حديث طارق المحاربي قال: قدمنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول: يد المعطى العليا. وما رواه الطبراني بإسناد صحيح عن حكيم ابن حزام مرفوعًا: يد الله فوق يد المعطي ويد المعطي فوق يد المعطى ويد المعطى أسفل الأيدي قال الحافظ في الفتح: ادّعى أبو العباس الداني في أطراف الموطإ أن التفسير المذكور مدرج في الحديث ولم يذكر مستندًا لذلك، ثم وجدت في كتاب العسكريّ في الصحابة بإسناد له فيه انقطاع

بيان اختلاف الرواة في تفسير اليد العليا

عن ابن عمر أنه كتب إلى بشر بن مروان: إني سمعت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول "اليد العليا خير من اليد السفلى" ولا أحسب اليد السفلى إلا السائلة ولا العليا إلا المعطية. فهذا يشعر بأن التفسير من كلام ابن عمر. ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: كنا نتحدث أن العليا هي المنفقة اهـ لكن قد علمت أن الأحاديث الكثيرة الصحيحة صريحة في أن التفسير من كلامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وما قاله ابن عمر لا ينافيه لاحتمال أنه قاله قبل وقوفه على بيان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (فقه الحديث) دل الحديث على أنه يباح للخطيب أن يتكلم بما فيه مصلحه السامعين. وعلى الحث على الإنفاق في وجوه البر. وعلى فضل الغني الشاكر على الفقير الصابر وتقدم الخلاف فيه. وعلى كراهة السؤال والتنفير منه. ومحله إذا لم تدع إليه ضرورة. فقد روى الطبراني من حديث ابن عمر مرفوعًا بإسناد فيه مقال. ما المعطى من سعة بأفضل من الآخذ إذا كان محتاجًا (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ اخْتُلِفَ عَلَى أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ "الْيَدُ الْعُلْيَا الْمُتَعَفِّفَةُ". وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ "الْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ". وَقَالَ وَاحِدٌ عَنْ حَمَّادٍ "الْمُتَعَفِّفَةُ". (ش) أي اختلف الرواة عن أيوب السختياني في تفسير اليد العليا، فروى عبد الوارث ابن سعيد عن أيوب أن اليد العليا هي المتعففة بالعين المهملة وفاءين. وأكثر الرواة رووا عن حماد بن زيد عن أيوب أن اليد العليا هي المنفقة بالفاء من الإنفاق، كما رواه مالك عن نافع. وقال واحد من تلاميذ حماد وهو مسدد إنها المتعففة، كما قال عبد الوارث (وقد أخرج) رواية مسدد ابن عبد البر في التمهيد وتعقب قول المصنف "وقال واحد المتعففة" بأن أبا الربيع سليمان بن داود الزهراني رواه عن حماد أيضًا كمسدد: قال الحافظ في الفتح: وقد تابعه "يعني مسددًا" في الرواية عن حماد أبو الربيع الزهراني كما رويناه في كتاب الزكاة ليوسف ابن يعقوب القاضي. قال الحافظ: ورواية عبد الوارث لم أقف عليها موصولة. وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق سليمان بن حرب عن حماد بلفظ واليد العليا يد المعطي. وهذا يدل على أن من رواه عن نافع بلفظ المتعففة فقد صحف. قال ابن عبد البر: ورواه موسى بن عقبة عن نافع فاختلف عليه أيضًا. فقال حفص بن ميسرة عنه المنفقة كما قال مالك. قلت وكذلك قال فضيل بن سليمان، عنه أخرجه ابن حبان من طريقه قال: ورواه إبراهيم بن طهمان عن موسى المتعففة

الحث على الإعطاء والتنفير من السؤال

قال ابن عبد البر: رواية مالك أولى وأشبه بالأصول. ويؤيده حديث طارق المحاربي عند النسائي وفيه: يد المعطي العليا، وبعد أن ذكره ونحوه من الأحاديث التي قدمناها قال: فهذه الأحاديث متضافرة على أن اليد العليا هي المنفقة المعطية، وأن السفلى هي السائلة، وهذا هو المعتمد وهو قول الجمهور اهـ فتح ملخصًا وقال الخطابي: رواية من قال المتعففة أشبه وأصح في المعنى، وذلك أن ابن عمر ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال هذا وهو يذكر الصدقة والتعفف منها. فعطف الكلام على سببه الذي خرج عليه وعلي ما يطابقه في معناه أولى اهـ لكن قال النووي في شرح مسلم: والصحيح الرواية الأولى. ويحتمل صحة الروايتين. فالمنفقة أعلى من السائلة والمتعففة أعلى من السائلة اهـ إذا عرفت هذا علمت أن الراجح تفسير اليد العليا بالمنفقة لقوة أدلته وكثرة طرقه، ولا منافاة بينهما من حيث المعنى إذ كل من المنفقة والمتعففة أعلى من السائلة (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ التَّيْمِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو الزَّعْرَاءِ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ مَالِكِ بْنِ نَضْلَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "الأَيْدِي ثَلاَثَةٌ فَيَدُ اللَّهِ الْعُلْيَا وَيَدُ الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا وَيَدُ السَّائِلِ السُّفْلَى فَأَعْطِ الْفَضْلَ وَلاَ تَعْجِزْ عَنْ نَفْسِكَ". (ش) (رجال الحديث) (أبو الزعراء) عمروبن عمروبن عامر في مالك بن نضلة الجشمي الكوفي. روى عن أبي الأحوص وعكرمة وعبيد الله بن عبد الله. وعنه الثوري وابن عيينة وعبيدة بن حميد. وثقه أحمد والنسائي والعجلي وابن معين وقال ابن عبد البر أجمعوا على أنه ثقة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه. و(أبو الأحوص) عوف بن مالك الجشمي. تقدم بالرابع ص 238. و(مالك بن نضلة) بمعجمة ساكنة ويقال مالك بن عوف بن نضلة الجشمي بضم الجيم. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابنه أبو الأحوص صحابي قليل الحديث، روى له الأربعة (المعنى) (قوله الأيدى ثلاثة) أي بالنسبة للإعطاء والأخذ، وذلك أن المعطي قسمان: معط حقيقة لكونه مالك كل شيء وهو الله تعالى، ومعط ظاهرًا وهو من أجرى الله عَزَّ وَجَلَّ الإعطاء على يديه وجعلت يده والية يد الله تعالى لأنه سبحانه وتعالى جعله مظهرًا للخير (قوله فيد الله العليا) أي نعمته الكاملة وعطاؤه العام على ما ذهب إليه الخلف من تأويل المتشابه وبيان المراد منه لتنزهه تعالى عن الجارحة. وذهب السلف إلى إمراره على ظاهره وتفويض المراد منه إلى الله تعالى مع اعتقاد تنزيهه عن الجارحة (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (قوله ويد السائل السفلى) أي لما يترتب على السؤال من الذل والهوان وإراقة ماء

أنواع اليد من حيث الإعطاء والأخذ

الوجه. وهذا إذا سأل بلا ضرورة وإلا فيده لا تتصف بانحطاط الرتبة (قوله فأعط الفضل) أي ما يبقى من كفايتك ومن تلزمك نفقته. والأمر للندب (قوله ولا تعجز عن نفسك) بفتح المثناة الفوقية كسر الجيم من باب ضرب، وفي لغة قليلة من باب تعب، أي لا تعجز عن مقاومة نفسك الحريصة على المال فتبخل بإنفاق الفضل ويحتمل أن المراد لا تعط مالك كله فلا تتمكن بعد من الإنفاق على نفسك فتحتاج إلى السؤال (والحديث) من أدلة الجمهور القائلين أن اليد العليا هي المنفقة كما تقدم وإن السفلى هي السائلة. وقيل العليا الآخذة والسفلى المانعة. وقيل المراد هنا النعمة فكأن المعنى أن العطية الجزيلة خير من العطية القليلة (قال الحافظ) في الفتح نقلا عن ابن نباتة: وهذا حثّ على مكارم الأخلاق بأوجز لفظ، ويشهد له أحد التأويلين في قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيما رواه الطبراني عن ابن عباس "خير الصدقة ما أبقت غني" أي ما حصل به للسائل غنى عن سؤاله كمن أراد أن يتصدق بألف فلو أعطاها لمائة إنسان لم يظهر عليهم الغنى بخلاف ما لو أعطاها لواحد. قال وهو أولى من حمل اليد على الجارحة لأن ذلك لا يظهر فيمن يأخذ وهو خير عند الله ممن يعطى (قلت) التفاضل هنا يرجع إلى الإعطاء والأخذ، ولا يلزم منه أن يكون المعطي أفضل من الآخذ على الإطلاق. وقد روى إسحاق في مسنده أن حكيم بن حزام قال: يا رسول الله ما اليد العليا؟ قال: التى تعطي ولا تأخذ. فقوله ولا تأخذ صريح في أن الآخذة ليست بعليا اهـ ومنه تعلم بطلان ما قاله بعض المتصوفة من أن اليد الآخذة أفضل من المعطية مطلقًا. قال ابن قتيبة: ما أرى هؤلاء إلا قومًا استطابوا السؤال فهم يجنحون للدناءة (والحاصل) أن يد الله تعالى باعتار كونه مالك كل شيء تنسب إلى الإعطاء وباعتبار قبوله للصدقة وإثابته عليها تنسب إلى الأخذ وهي العليا على حال. أما يد الانسان فأربعة (أولاها) يدا المعطي وقد تضافرت الأخبار بأنها عليا (ثانيها) يد السائل وقد صرحت بأنها سفلى أخذت أم لا، وهذا موافق لكيفية الإعطاء والأخذ غالبًا (ثالثها) يد المتعفف عن الأخذ ولو بعد أن مدت إليه يد المعطي، وهذه عليا علوًا معنويًا (رابعها) يد الآخذ بلا سؤال، وقد اختلف فهل إنها سفلى بالنظر إلى الأمر المحسوس. وأما المعنوي فلا يطرد وقد تكون عليا في بعض الصور، فقد يكون الآخذ ما أبيح له، أفضل وأورع من المعطي. وعليه يحمل كلام من أطلق كونها عليا. ومحصل ما في الآثار أن أعلى الأيدي المنفقة ثم المتعففة عن الأخذ ثم الآخذة بلا سؤال وأسفل الأيدي السائلة والمانعة اهـ ملخصًا (فقه الحديث) دل الحديث على الحث على الصدقة. وعلى مجاهدة النفس. وعلى التنفير من سؤال الخلق. وعلى الحث على الرجوع إلى الله عَزَّ وَجَلَّ في جميع الأمور لأنه سبحانه وتعالى المالك المتصرف على الإطلاق (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والحاكم وابن خزيمة

باب الصدقة على بني هاشم

(باب الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ) أي من كان من نسل هاشم عبد مناف بن قصي. وهاشم الجد الثاني للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. والمراد ببني هاشم عند الحنفية آل العباس وآل عليّ بن أبي طالب وآل، جعفر وآل عقيل أخوي عليّ، وآل الحارث بن عبد المطلب، فلا يدخل فيهم بنو أبي لهب وعند المالكية كل من لهاشم عليه ولادة من ذكر أو أنثى بلا واسطة أو بواسطة غير أنثى، فلا يدخل فيم ولد بناته. وعند الشافعية والحنابلة كل من كان من ذرية هاشم ذكرًا أو أنثى بواسطة أو غيرها (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنِ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ رَجُلًا عَلَى الصَّدَقَةِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ فَقَالَ لأَبِي رَافِعٍ اصْحَبْنِي فَإِنَّكَ تُصِيبُ مِنْهَا. قَالَ حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَأَسْأَلَهُ فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ "مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَإِنَّا لاَ تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ". (ش) (شعبه) بن الحجاج. و (الحكم) بن عتية. و (ابن أبي رافع) عبيد الله. تقدم بالخامس صفحة 150. و(أبو رافع) مولي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، اسمه إبراهيم أو أسلم أو ثابت أو هرمز (قوله بعث رجلًا على الصدقة) أي أرسله عاملًا عليها. وهو الأرقم بن أبي أرقم القرشي. كان من المهاجرين الأولين، وهو الذى كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعبد الله ويدعو الى الإسلام خفية في داره بمكة أسفل الصفا حتى دخل في الإسلام أربعون رجلًا آخرهم عمر ثم أظهر الدعوة وعبد الله جهرة (قولة من بني مخزوم) هذا هو الأصح، وقيل إنه، زهري: قال الحافظ في الإصابة: روى الطبراني طريق الثوري بن الحكم عن مسقم عن ابن عباس قال: استعمل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الأرقم بن أبي الأرقم الزهري على السعاية، فاستتبع أبا رافع مولى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال النبي: يا أبا رافع إن الصدقة حرام على محمد وعلى آل محمد اهـ. فهذا يدل على أن للأرقم الزهري أيضًا صحبة لكن، رواه أبو داود وغيره من طريق شعبة عن الحكم عن مقسم فقال: استعمل رجلًا من بني مخزوم. وهذا الإسناد أصح (قوله إصحبني فإنك تصيب منها الخ) أي اذهب معي لتعطى من الزكاة، فقال أبو رافع: لا أذهب حتى أستأذن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، فاستأذنه فمنعه تنزيها له عن أوساخ الناس إلحاقا له بالنبي وآله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، كما أشار له بقوله "مولى القوم من أنفسهم أي حكم عتيق القوم كحكمهم. وكان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمونه فإن مستغنيًا بذلك عن

المذاهب في المراد بآل النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم الذين لا تحل لهم الصدقة

أن يطلب أوساخ الناس "وفي الحديث" الولاء لحمة كلحمة النسب. رواه الحاكم والبيهقي عن ابن عمر مرفوعًا (قوله وإنا لا تحل لنا الصدقة) أي إنا معشر بني هاشم لا تحل لنا الصدقة واجبة أو تطوعًا على الراجح اكتفاء بما كانوا يأخذونه من خمس الغنيمة وهو سهم ذوى القربى (وفي الحديث) دليل على حرمة الصدقة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وآله من بني هاشم ومواليهم ولو عمالًا على الزكاة. أما حرمة الزكاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم فبالإجماع كما حكاه الخطابي وغيره. وقد حكي عن الشافعي وأحمد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تحل له صدقة التطوع. لكن قال ابن قدامة ليس ما نقل من ذلك بواضح الدلاله اهو كذا تحرم الزكاة علي بني هاشم عند الجمهور سواء أكانت زكاة هاشمي أم لا، لحديث مسلم من طريق عبد المطلب بن ربيعة، "إن هذه الصدقات إنما أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد" (واختلف) في المراد بآل محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنهم الفرق الخمسة المتقدم بيانها في الترجمة من بني هاشم لأنهم الذين آووه ونصروه فاستحقوا الكرامة بخلاف بني أبي لهب فتحل لهم الزكاة وإن كانوا من بني هاشم لأنهم آذوا النبي صلى الله تعالي عليه وعلى آله وسلم فاستحقوا الإهانة. وذهب مالك وأحمد إلى أن آل النبي صلى الله تعالي عليه وعلى آله وسلم بنو هاشم مطلقًا حتى من أسلم من بني أبي لهب لعموم حديث (إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس) رواه مسلم. وقد أسلم عتبة ومعتب ابنا أبي لهب عام الفتح وسرّ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. بإسلامهما ودعا لهما وشهدا معه حنينًا والطائف وقد أعقبا. وذهب الشافعي وجماعة إلى أنهم بنو هاشم وبنو المطلب، وهو قول لبعض المالكية وأحمد لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أعطاهم من سهم ذوى القربى لم يعط أحدًا من قبائل قريش غيرهم، فإن ذلك بدل ما حرموه من الزكاة. لحديث جبير بن مطعم قال: لما كان يوم خيبر وضع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سهم ذوى القربي في بني هاشم وبني المطلب. وترك بني نوفل وبني شمس فأتيت أنا وعثمان ابن عفان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلنا يا رسول الله: هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للوضع الذي وضعك الله به منهم، فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا، وقرابتنا واحدة؟ فقال صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم: إنا وبني المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام، وإنما نحن شيء واحد وشبك بين أصابعه. رواه المصنف في "باب في بيان موضع قسم الخمس وسهم ذوى القربي" من "كتاب الخراج والفئ والإمارة" وأشار صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالتشبيك إلى نصرتهم إياه نصرة المؤانسة والموافقة حينما دخلوا في شعب أبي طالب لما تعاهدت قريش على مقاطعة بني هاشم في البيع والشراء والنكاح

المذاهب في حكم الصدقة على موالي آل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم

وغيرها فانجاز البطنان المذكوران إلى شعب أبي طالب وبقوا فيه محصورين نحوثلاث سنين إلا أبا لهب فلم يكن معهم (وأجاب الأولون) بأن بني المطلب إنما أعطوا من خمس الخمس لنصرتهم وموالاتهم بني هاشم لا لمجرد القرابة، بدليل أن بني عبد شمس وبني نوفل يساوونهم في القرابة ولم يعطوا شيئًا، والنصرة لا تقتضي منع الزكاة. فلهم الأخذ منها إذا توفر فيهم سبب الأخذ لدخولهم في عموم من يستحق الصدقة. وإنما خرج بنوهاشم لحديث "إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس، أخرجه مسلم من حديث عبد المطلب بن ربيعة. فوجب أن يختص المنع ببني هاشم ولا يصح قياس بني الطلب عليهم لأن بني هاشم أقرب إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأشرف وهم آله. قال ابن قدامة: لا نعلم خلافًا في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة وكذا حكى الإجماع ابن رسلان. "وأما ما قاله الطبري" من أنه روى عن أبي حنيفة جواز دفعها إليهم مطلقًا، وعن أبي يوسف أنها تحل من بعضهم لبعض لا من غيرهم "فهو مردود" بأن الطحاوي الذي هو أعلم الناس بمذهب أبي حنيفة وأقوال صاحبه نقل عن أبي يوسف أن صدقة التطوع تحرم علي بني هاشم، فصدقة الفرض أشد حرمة مطلقًا. وأما ما نسب إلى أبي حنيفة من جواز دفعها إليهم مطلقًا محمول على ما إذا حرموا حقهم من سهم ذوى القربي اهـ "وما رواه الحاكم" من أن العباس بن عبد المطلب قال: قلت يا رسول الله: إنك حرمت علينا صدقات الناس فهل تحل لنا صدقات بعضنا لبعض قال نعم "ضعيف" لا يصلح لتخصيص العمومات الصحيحة. قال في فتح القدير ولفظه "يعني الحديث" للطبرانى "لا يحل لكم أهل البيت من الصدقات شيء إنما هي غسالة أيدى الناس، وإن لكم في خمس الخمس ما يغنيكم" يوجب تحريم صدقة بعضهم على بعض وكذا ما رواه البخاري عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "نحن أهل البيت لا تحل لنا الصدقة" ثم لا يخفى أن هذه العمومات تشمل الصدقة النافلة والواجبة اهـ أما الواجبة كالزكاة والكفارات بأنواعها وجزاء الصيد وعشر الخارج من الأرض فلا خلاف عندهم في عدم جواز إعطائها لبني هاشم. وأما صدقة التطوع وغلة الوقف فالراجح عندهم أنها لا تدفع لهم إلا على وجه الهدية لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "كان إذا أتى بطعام سأل عنه فإن قيل هدية أكل، وإن قيل صدقة لم يأكل، وقال لأصحابه كلوا" رواه الشيخان. ولحديث أنس أول الباب الآتي في قصة لحم بريرة. قال الخطابي: وكأن المعنى في ذلك أن الهدية إنما يراد بها ثواب الدنيا فكان صلى الله عليه وعلي آله وسلم يقبلها ويثيب عليها فتزول المنة عنه والصدقة يراد بها ثواب الآخرة فلا ينبغي، أن تكون يد أعلى من يده صلى الله تعالى عليه وعلى أله وسلم في أمر الآخرة اهـ أما مواليهم فقد قال بحرمة الصدقة عليهم أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد والناصر والمؤيد بالله وابن الماجشون المالكي. وذهب مالك وبعض الشافعية إلى جواز دفع الزكاة إليهم لأنهم

إذا منع الآل من حقهم في سهم ذوي القربى هل يعطون من الزكاة؟

ليسوا بقرابة ولاحظ لهم في سهم ذوى القربي. فلا يحرمون من الصدقة كسائر الناس ولأن علة التحربم وهي الشرف مفقودة فيهم (وحديث الباب) حجة عليهم: لا قيام للعلة مع الدليل الصحيح الصريح. وهذا في صدقة الفرض، وكذا صدقة التطوع على الراجح عند الحنفية. والمعتمد عند المالكية والشافعية والحنابلة أنه يجوز للآل ومواليهم الأخذ من صدقة التطوع قياسًا علي الهدية والهبة والوقف. وإذا منعت الآل من حقهم في سهم ذوى القربى لم يعطوا من الزكاة عند أحمد وهو الصحيح من مذهب الشافعي لعموم الأدلة المانعة، ولأن منعهم من الزكاة لشرفهم لقرابة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو باق فبيقى المنع. وذهب مالك والاصطخري من الشافعية والطحاوي من الحنفية إلى جواز دفعها إليهم حينئذ (فقه الحديث) دل الحديث على تحريم الزكاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وآله ومواليهم على ما تقدم بيانه (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي والطحاوي وكذا ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححوه، والترمذي وقال حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ -الْمَعْنَى- قَالاَ نَا حَمَّادٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَمُرُّ بِالتَّمْرَةِ الْعَائِرَةِ فَمَا يَمْنَعُهُ مِنْ أَخْذِهَا إِلاَّ مَخَافَةُ أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً. (ش) و (حماد) بن سلمة كما في الطحاوي (قوله كان يمر بالتمرة العائرة الخ) بالهمزة أي الساقطة التي لا يعرف لها مالك. من عار الفرس يعير إذا انطلق من مربطه هائمًا (والحديث) أصل في الورع وفي أن كل مالًا يتببن الإنسان إباحته ينبغي اجتنابه. وعلى "أن التمرة" ونحوها من الطعام اليسير الذي يظن أن صاحبه لا يطلبه، إذا وجد في نحوطريق "لا يعد لقطة" فله أخذه وأكله إن لم يتورّع (والحديث) أخرجه أيضًا الطحاوي (ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَا أَبِي عَنْ خَالِدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَجَدَ تَمْرَةً فَقَالَ "لَوْلاَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً لأَكَلْتُهَا". (ش) (أبو نصر) على بن نصر تقدم بالرابع ص 32. و (قتادة) بن دعامة (قوله لأكلتها) يعني بلا توقف على تعريف (وفي هذا) دليل على أن المحقر من الطعام إذا وجد يباح أكله ولا يتوقف على تعريف؛ لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين أنه لم يمنعه من أكل التمرة إلا خشية كونها من الصدقة. وقد روى ابن أبي شيبة عن ميمونة زوج النبي صلى الله تعالى عليه

وعلى آله وسلم أنها وجدت تمرة فأكلتها وقالت: لا يحب الله الفساد "وترك" النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أكلها "تورعًا" وليس بواجب باتفاق، وذلك أن نحو التمرة صاحبها لا يطلبها عادة ولا يبقى له مطمع فيها. وفيه دليل أيضًا على تحريم الصدقة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولو تطوعًا لعموم لفظ الصدقة (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد وكذا البخاري ومسلم والطحاوي من طريق منصور عن طلحة بن مصرف عن أنس (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ هَكَذَا. (ش) أي روى الحديث المذكور هشام بن أبي عبد الله الدستوائي عن قتادة كما رواه عنه خالد بن قيس (ورواية هشام) أخرجها مسلم قال: حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا معاذ ابن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وجد تمرة الخ (والحاصل) أن الحديث رواه حماد بن سلمة وخالد وهشام عن قتادة: أما رواية حماد، ففيها حكاية ما وقع منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من عدم أخذ التمرة وأنه كان لخشية أن تكون من الصدقة ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ورواية خالد وهشام فيهما أن ذلك من قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بَعَثَنِي أَبِي إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي إِبِلٍ أَعْطَاهَا إِيَّاهُ مِنَ الصَّدَقَةِ. (ش) (قوله بعثنى أَبي في إبل أَعطاها إياه من الصدقة) أي أرسلني في شأن إبل كان أعطاها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للعباس من الصدقة قضاء عن سلف كان تسلفه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منه لأهل الصدقة، فلما جاءت إبل الصدقة، رد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منها ما تسلفه من العباس، فأراد العباس تبديلها من غير إبل الصدقة تورعًا وتنزها عن أن يصله شيء من الصدقات ولو باعتبار الأصل. يدل على هذا قوله في الرواية الآتية "يبدلها" وبه يظهر مطابقة الحديث للترجمة وأنه لا حاجة إلى قول البيهقي: هذا الحديث يحتمل أن يكون قبل تحريم الصدقة على بنى هاشم فصار منسوخًا اهـ (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي قاله المنذري

باب الفقير يهدي للغني من الصدقة

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالاَ نَا مُحَمَّدٌ -هُوَ ابْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ- عَنْ أَبِيهِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ زَادَ أَبِي يُبْدِلُهَا لَهُ. (ش) (أبو عبيدة) عبد الملك بن معن بن عبد الرحمن الكوفي. تقدم بالثامن ص 67 و (سالم) بن أبي الجعد (قوله نحوه الخ) أي روى سالم عن كريب نحو حديث حبيب بن أبي ثابت عن كريب، لكن زاد سالم في روايته "أبي يبدلها" أي قال ابن عباس. أبي العباس يريد إبدال الإبل التى أعطيت له من الصدقة بإبل من غيرها تورعًا عن أن يصله شيء من الصدقة ولو باعتبار الأصل كما تقدم، وفي نسخة "أي يبدلها" بأي التفسيرية بضم أوله مضارع بدل بتشديد الدال المهملة أو أبدل وفي بعض النسخ يبدلها له (باب الفقير يهدي للغني من الصدقة) بضم المثناة التحتية من الإهداء. يقال: أهديت للرجل كذا بعثت به إليه إكرامًا (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِلَحْمٍ قَالَ "مَا هَذَا". قَالُوا شَىْءٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَقَالَ "هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ". (ش) (قوله أتى بلحم) بالبناء للمفعول أي قدم إليه (قوله ما هذا الخ) يعني من أين لكم هذا بدليل الجواب. وبريرة بفتح فكسر. كانت أمة فأرادت عائشة شراءها لتعتقها فاشترط مالكوها أن يكون لهم الولاء، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال اشتريها وأعتقيها فإن الولاء لمن أعتق (قوله هو لها صدقة الخ) أي اللحم المتصدق به على بريرة صدقة بالنسبة لها وهدية بالنسبة لنا، فصدقة بالرفع خبر هو، ولها متعلق بمحذوف حال من صدقة، وسوغ مجيء الحال من النكرة تقدمها على صاحبها. ويصح جعل لها خبرً فتكون صدقة منصوبة على الحال من الضمير المستكن في متعلق الخبر (فقه الحديث) دل الحديث على أن الصدقة يزول عنها وصف الصدقة بقبض المتصدق عليه لها، ويحل إهداؤها لمن تحرم عليه الصدقة. وعلى إباحة الهدية للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولو كان المهدى ملكها بطريق الصدقة. والفرق بين الهدية والصدقة، أن الهدية ما يقصد بها ثواب الدنيا، والصدقة ما يقصد بها وجه الله تعالى وثواب الآخرة

باب من تصدق بصدقة قم ورثها

(والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم مطولًا عن عائشة قالت: كان في بريرة ثلاث سنن: إحدى السنن أعتقت فخيرت في زوجها، وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الولاء لمن أعتق، ودخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والبرمة تفور بلحم فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت, فقال: ألم أر البرمة فيها لحم؟ قالوا بلى ولكن ذلك لحم تصدق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة، فقال هو عليها صدقة ولنا هدية. وأخرجه النسائي، وفي سنده قتادة ابن دعامة وهو مدلس لا يحتج بحديثه إذا عنعن كما في رواية المصنف، لكنه صرح بسماعه من أنس في رواية البخاري ومسلم فانتفى التدليس (باب من تصدق بصدقة ثم ورثها) (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ نَا زُهَيْرٌ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ كُنْتُ تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِوَلِيدَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ وَتَرَكَتْ تِلْكَ الْوَلِيدَةَ. قَالَ "قَدْ وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَجَعَتْ إِلَيْكِ فِي الْمِيرَاثِ". (ش) (رجال الحديث) (زهير) بن معاوية. و (عبد الله بن عطاء) الطائفي المكي أبو عطاء مولى المطلب بن عبد الله بن قيس. روى عن عكرمة بن خالد ونافع مولى ابن عمر وأبي الطفيل وعقبة بن عامر وجماعة. وعنه أبو إسحاق السبيعي والثوري وابن أبي ليلى وشعبة وغيرهم. ضعفه النسائي ووثقه ابن معين والترمذي وذكره ابن حبان في الثقات. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (المعنى) (قوله تصدقت على أمي بوليدة) بفتح الواو وكسر اللام في الأصل الجارية الصغيرة، وقد تطلق على الكبيرة. قال في النهاية: قد تطلق الوليدة على الجارية والأمة وإن كانت كبيرة. ومنه الحديث تصدقت على أمي بوليدة يعنى جارية اهـ وفي الخطابيّ الصدقة في الوليدة معناها التمليك. وإذا ملكتها في حياتها بالإقباض ثم ماتت كانت كسائر أملاكها اهـ (قوله وتركت تلك الوليدة الخ) أي أفأملكها بالميراث؟ فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: قد ثبت لك أجر الصدقة وعادت الجارية ملكًا لك بالميراث (وفي الحديث) دليل على أن الصدقة إذا عادت للمتصدق بالإرث ملكها وحلّ له الانتفاع بها, ولا يعدّ هذا من باب الرجوع في الصدقة لأنه ليس أمرًا اختياريًا بخلاف رجوعها إليه بنحو الشراء والهبة كما تقدم، وعلى هذا أكثر العلماء

باب حقوق المال بيان الماعون

(والحديث) أخرجه أيضًا مسلم في الصيام والترمذي في الزكاة مطولًا ولفظه: عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه قال: بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذ أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت فقال: وجب أجرك وردها إليك الميراث، قالت: يارسول الله: إنه كان عليها صوم شهر. أفأصوم عنها؟ قال صومي عنها، قالت إنها لم تحج قط أفأحج عنها؟ قال حجي عنها. وكذا أخرجه أحمد مطولًا بسنده إلى سليمان بن بريدة عن أبيه أن امرأة أتت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت يا رسول الله: إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت ورجعت إليّ بالميراث، قال: قد آجرك الله وردّ عليك في الميراث، قالت: فإن أمي ماتت ولم تحج فيجزئها أن أحج عنها؟ قال نعم، قالت: فإن أمي كان عليها صوم شهر فيجزئها أن أصوم عنها؟ قال نعم (باب حقوق المال) وفي نسخة باب في حقوق المال، أي الحقوق المتعلقة بالمال التي منها الزكاة وغيرها (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا نَعُدُّ الْمَاعُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَارِيَةَ الدَّلْوِ وَالْقِدْرِ. (ش) وجه مناسبة الحديث للترجمة أن الماعون يراد به الزكاة كما روى عن علي وابن عمر وقتادة والحسن والضحاك، وذلك أن الماعون مشتق من المعن وهو الشيء القليل على وزن فاعول، والواجب من حق الزكاة قليل من كثير، وقد جاء الماعون بمعنى الزكاة، في قول الراعي قوم على الإسلام لما يمنعوا ... ماعونهم ويضيعوا التهليلا يريد الصلاة والزكاة. و (أبو عوانة) الوضاح. و (شقيق) بن سلمة. و (عبد الله) بن مسعود (قوله كنا نعد الماعون الخ) أي المذكور في قوله تعالى (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) وهو اسم جامع لمنافع البيت كالقدر والفأس وغيرهما مما جرت العادة بإعارته، ولذا فسر في الحديث بأنه عارية الدّلو كالقدر ونحوهما من آلات البيت كالقدوم والمنخل والغربال، وهو مروى عن ابن عباس أيضًا. وقال محمد بن كعب والكلبي: الماعون هو المعروف الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم. وقيل ما لا يحل منعه كالماء والملح والتنور. وعن عكرمة أن رأس الماعون زكاة المال وأدناه المنخل والدلو والإبرة اهـ قال في الكشاف: وقد يكون منع هذه الأشياء محظورًا في الشريعة إذا استعيرت عن ضرورة وقبيحًا في المروءة في غير حال الضرورة اهـ (وفي الحديث)

التنفير من منع الزكاة. بيان الكنز

الحث والترغيب في بذل ما به يكون التعاون والتآلف من هذه الأشياء القليلة والتنفير من البخل بها, ولذا قال العلماء يستحب أن يستكثر الرجل في بيته ما يحتاج إليه الجيران ليعيرهم منه ولا يقتصر على الواجب (والحديث) أخرجه أيضًا ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله من مسعود في قوله تعالى (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) قال: هو ما يتعاوره الناس بينهم من الفأس والقدر والدلو وأشباهه. وحسن المنذري حديث المصنف (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ إِلاَّ جَعَلَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جَبْهَتُهُ وَجَنْبُهُ وَظَهْرُهُ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ثُمَّ يُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ وَمَا مِنْ صَاحِبِ غَنَمٍ لاَ يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلاَّ جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ فَيُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ فَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلاَفِهَا لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلاَ جَلْحَاءُ كُلَّمَا مَضَتْ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولاَهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ثُمَّ يُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ وَمَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لاَ يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلاَّ جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ فَيُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ فَتَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا كُلَّمَا مَضَتْ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولاَهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ثُمَّ يُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ". (ش) (حماد) بن سلمة (قوله ما من صاحب كنز الخ) الكنز في الأصل المال المدفون تحت الأرض والمراد به هنا كل مال وجبت فيه الزكاة فلم تؤد زكاته، فأما ما أديت زكاته فليس بكنز لما تقدم

عقوبة مانع الزكاة. لم خصت جبهته وجنبه وظهره بالكي؟

للمصنف في "باب الكنز ما هو" من حديث أم سلمة مرفوعًا "ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكى فليس بكنز" وعلي هذا اتفقت الأئمة لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الحديث: لا يؤدي حقه ولقوله في حديث جابر عند مسلم "ولا صاحب كنز لا يفعل فيه حقه إلا جاء كنزه يوم القيامة شجاعًا أقرع يتبه فاتحًا فاه، فإذا أتاه فر منه فيناديه خذ كنزك الذي خبأته فأنا عنه غني الخ" (قوله إلا جعله الله الخ) أي على صاحب الكنز يوم القيامة يلقى على كنزه في جهنم فتكوى به جبهته وجنبه الخ فالضمير المنصوب في جعله يرجع إلى صاجب الكنز، وكذا نائب الفاعل في قوله يحمي، والضمير في عليها وبها يرجع إلى الكنز، وأنث باعتبار أنه أموال. ويحتمل أن يكون المعنى إلا جعل الله الكنز صفائح يوقد عليها في نار جهنم فتكوى بها جبهته الخ وهذا هو الأوفق، ويؤيده ما في رواية مسلم من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم فيجعل صفائح فيكوى بها جنباه وجبينه حتى يحكم الله بين عبادة الخ". وخصت هذه الأعضاء بالذكر لأن الغني الشحيح إذا طلب منه السائل بدت على جبهته آثار الكراهة والمنع، وإن كرر السائل الطلب نأى بجنبه ومال عنه، وإن ألح في السؤال ولاه ظهره وتوجه إلى جهة أخرى، وهي النهاية في الرد والغاية في المنع الدالة على كراهة الإعطاء والبذل، وهذا دأب مانع البر والإحسان وعادة البخلاء, وإلا فالكيّ بها يكون في جميع الجسد لا يوضع دينار ولا درهم فوق غيره ولكن يوسع الجلد حتى توضع كلها عليه ويستمر هكذا حتى يحكم الله بين عبادة في يوم الحساب الذي يكون مقداره خمسين ألف سنة على الكافرين وهو يوم القيامة ويطول على العاصين كل بقدر ذنبه، لقولى تعالى (يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) أما المؤمن كامل الإيمان فيكون عليه أخف من صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا. ففي الحديث عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "يوما كان مقداره خمسين ألف سنة" فقيل ما أطول هذا اليوم؟ فقال: والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة. رواه أحمد وابن حبان (قوله ثم يرى سبيله الخ) بضم أوله بالبناء للمفعول ورفع سبيله على أنه من الرؤية ونصبه مفعولًا ثانيًا على أنه من الإرادة. ويجوز فتح المثناة التحتية من رأى مبنيًا للفاعل، فيعين له أحد الطريقين أو يعلم هو مصيره، إما إلى الجنة إن كان ما ناله من العذاب كفَّر ما عليه من الذنوب أو عفا الله تعالى عنه، وإما إلى النار إن لم يكن كذلك، وهذا في غير مستحل منع الزكاة، أما هو فيسلك به إلى النار بادئ ذى بدءٍ ويخلد فيها. وفيه إشارة إلى أنه مسلوب الاختيار مقهور وقتئذ حتى يبين له أحد السبيلين (قوله أوفر ما كانت) أي جاءت أكثر عددًا وعلى أحسن ما كانت عليه في الدنيا من السمن والعظم والقوة ليقوى نطحها ووطؤها له (قوله فيبطح لها بقاع قرقر الخ) أي يلقى صاحب الغنم على

بعض ما ورد في عقاب مانع الزكاة

وجهه لأجلها بأرض واسعة مستوية فتنطحه وتطؤه بأرجلها، فالقاع الأرض الواسعة المستوية والقرقر بفتح القافين كذلك وذكر للتأكيد. وقول إن القاع البقعة من الأرض، والقرقر المستوي الأملس منها صفة له، وتنطح مضارع نطح من بابي ضرب ونفع. والأظلاف جمع ظلف وهو للبقر والغنم مثل القدم للإنسان غير أنه منشق (قوله ليس فيها عقصاء ولا جلحاء) عقصاء بفتح العين المهملة وسكون القاف ملتوية القرنين، والجلحاء بفتح الجيم وسكون اللام وبالحاء المهملة التى لا قرن لها، وكانت كذلك لتكون أمكن في النطح وأحرى أن تنكي المنطوح. وفي رواية لمسلم ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئًا ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها الخ. والعضباء مكسورة القرن (قوله كلما مضت أخراها ردت عليه أولاها) أي فيكون مرورها عليه بطريق الدائرة، والمراد به التتابع واستمرار العذاب. وفي رواية لمسلم عن زيد بن أسلم عن أبي صالح "كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها" قال النووي: هو هكذا في جميع الأصول هنا. وقال القاضي عياض هو تغيير وتصحيف وصوابه ما جاء بعده من رواية سهيل عن أبيه، وما جاء في الحديث عن معرور بن سويد عن أبي ذر كلما مر عليه أخراها رد عليه أولاها اهـ وقال القاري وتوجيه الرواية الأولى أن مرور الأولى على التتابع فاذا انتهى إلى الغاية ردت من هذه الغاية وتبعها ما كان يليها فما يليها إلى أولها فيحصل الغرض من الاستمرار والتتابع على طريق الطرد والعكس اهـ بتصرف (فقه الحديث) دل الحديث على وجوب الزكاة في الذهب والفضة والغنم والإبل، وكذا البقر لما تقدم في رواية مسلم: وعلى التنفير من منع الزكاة لما فيه من الوعيد الشديد لمن جمع المال ومنع الحقوق الواجبة فيه. وعلى أن تارك الزكاة لا يقطع له بالنار إن لم يستحل تركها كما تقدم (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم مطولًا، وأخرج نحوه البخاري والنسائي من طريق عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: تأتي الإبل على ربها على خير ما كانت إذا لم يعط فيها حقها تطؤه بأخفافها، وتأتي الغنم على ربها على خير ما كانت إذا لم يعط فيها تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها، قال ومن حقها أن تحلب على الماء (الحديث) وأخرج البخاري من طريق عباس الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: من آتاه الله مالًا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة تم يأخذ بلهزمتيه "بكسر فسكون فكسر يعنى شدقيه" ثم يقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ... الآية) وأخرج ابن ماجه من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: تأتى الإبل التى لم يعط الحق منها تطأ صاحبها بأخفافها

وتأتى البقر والغنم تطأ صاحبها بأظلافها وتنطحه بقرونها, ويأتي الكنز شجاعًا أقرع فيلقى صاحبه يوم القيامة فيفرّ منه صاحبه مرتين تم يستقبله فيفرّ فيقول مالي ولك؟ فيقول أنا كنزك أنا كنزك فيتقيه بيده فيلقمها (ص) حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ نَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ. قَالَ فِي قِصَّةِ الإِبِلِ بَعْدَ قَوْلِهِ "لاَ يُؤَدِّي حَقَّهَا". قَالَ "وَمِنْ حَقِّهَا حَلْبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا". (ش) (ابن أبي فديك) محمد بن إسماعيل. و (أبو صالح) ذكوان السمان (قوله نحوه) أي نحو حديث سهيل بن أبي صالح. ولفظه عند مسلم من طريق زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت "بتشديد الفاء" له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، قيل يا رسول الله فالإبل؟ قال ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها "ومن حقها حلبها يوم وردها" إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أو فر ما كانت لا يفقد منها فصيلًا واحدًا تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها. الحديث (قوله قال في قصة الإبل الخ) أي قال زيد بن أسلم في روايته في الكلام على منع زكاة الإبل بعد قوله لا يؤدي حقها "ومن حقها حلبها يوم وردها" قال النووي: حلبها بفتح اللام هو اللغة المشهورة وهو غريب ضعيف اهـ أي من حقها المندوب حلبها يوم ورودها على الماء ليسقي منها الفقراء والمارة الذين يجتمعون على الماء يوم ورودها. وذكر الحلب استطرادًا وحثا لمن له مروءة من أرباب الأموال على الكرم لا لكون التعذيب يترتب على تركه، فإن التعذيب لا يكون إلا على ترك واجب أو فعل محرم. ونظيره نهيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الجذاذ بالليل، فإن النهي فيه للكراهة. وأراد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن تقطع الثمرة بالنهار ليحضرها الفقراء فيأكلون منها، ويحتمل أن يكون هذا الحق واجبًا بأن يكون في موضع تتعين فيه المواساة أولدفع الضرر عن الإبل فإنها ترد الماء كل ثلاثة أيام فأكثر ولو حلبت في غير يوم الورود للحقها مشقة الحلب والعطش. وقال القاضي عياض لعل هذا كان قبل وجوب الزكاة اهـ أراد أنه لما فرضت الزكاة نسخ هذا

(ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي عُمَرَ الْغُدَانِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ فَقَالَ لَهُ -يَعْنِي لأَبِي هُرَيْرَةَ- فَمَا حَقُّ الإِبِلِ قَالَ تُعْطِي الْكَرِيمَةَ وَتَمْنَحُ الْغَزِيرَةَ وَتُفْقِرُ الظَّهْرَ وَتُطْرِقُ الْفَحْلَ وَتَسْقِي اللَّبَنَ. (ش) (رجال الحديث) (أبو عمر) وقيل أبو عمرو. روى عن أبي هريرة هذا الحديث. وعنه قتادة. ذكره ابن حبان في الثقات، وفي التقريب مقبول من الثالثة. ووهم من قال اسمه يحيى بن عبيد اهـ و(الغداني) بضم الغين المعجمة وتخفيف الدال المهملة نسبة إلى غدانة بطن من تميم. روى له أبو داود والنسائي (المعنى) (قوله نحو هذه القصة) أي ذكر أبوهريرة نحو القصة السابقة في التغليظ من منع الزكاة. وهو ما ذكره الحاكم من طريق يزيد بن هارون عن أبي هريرة أنه مر عليه رجل من بني عامر قيل له من أكثر الناس مالًا فدعاه أبوهريرة فسأله عن ذلك فقال نعم: لي مائة حمراء ولى مائة أدماء " أي شديدة البياض" ولى كذا وكذا من الغنم. فقال أبوهريرة: إياك وأخفاف الإبل إياك وأظلاف الغنم، إني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: ما من رجل يكون له إبل لا يؤدي حقها في نجدتها ورسلها "عسرها ويسرها" إلا برز له بقاع قرقر فجاءته كعدد ما تكون وأسره وأسمنه أو أعظمه "شك شعبة" فتطؤه بأخفافها وتنطحه بقرونها كلما جازت عليه أخراها أعيدت عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين الناس، فيرى سبيله، وما من عبد يكون له بقر لا يؤدي حقها في نجدتها ورسلها. قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: ونجدتها ورسلها "عسرها ويسرها" إلا برز له بقاع قرقر كأغذ ما تكون وأسره وأسمنه وأعظمه فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها كلما جازت عليه أولاها أعيدت عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى الله بين الناس، فيرى سبيله، فقال له العباس وما الإبل يا أبا هريرة؟ قال تعطى الكريمة (الحديث) والكريمة النفيسة (قوله فقال لأبي هريرة) القائل هو العباس كما في رواية الحاكم (قوله وتمنح الغزيرة) أي تعطي الفقير كثيرة اللبن لتحلب ثم ترد إليك. وتمنح مضارع منح من باب ضرب ونفع. والمنحة في الأصل الشاة أو الناقة يعطيها صاحبها لرجل يشرب لبنها ثم يردها إذا انقطع اللبن والإسم المنيحة اهـ مصباح. وهذا هو المراد هنا وتطلق أيضًا على أرض الزراعة ينتفع بها ثم ترد إلى صاحبها (قوله وتفقر الظهر) بضم المثناة الفوقية وكسر القاف أي تعيره المركوب، يقال أفقرت الرجل بعيري إذا أعرته له يركبه ويقضي

عليه مصلحته (قوله وتطرق الفحل) بضم أوله أيضًا، أي تعيره للضراب بلا أجر (وهذه الرواية) أخرجها النسائي أيضًا من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي عمر الغداني أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: أيما رجل كانت له إبل لا يعطى حقها في نجدتها ورسلها "قالوا يا رسول الله ما نجدتهها ورسلها؟ قال في عسرها ويسرها" فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأسمنه وأسره يبطح لها بقاع قرقر فتطؤه بأخفانها، وذكر نحوما تقدم في البقر والغنم، ولم يذكر قوله وما حق الإبل الخ وقوله كأغذ بغين وذال معجمتين أي أسرع وأنشط، وأسره بالسين المهملة وتشديد الراء أي أحسن ما كانت من السر وهو اللب. وقيل من السرور لأن الناظر يسر بها إذا سمنت. وفي رواية وآشره بمد الهمزة وشين معجمة وراء مخففة أي أبطره وأنشطه. وأخرجه الحاكم بلفظ تقدم وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأبو عمر الغداني يقال إنه يحيى بن عبيد البهراني فإن، كان كذلك فقد احتج به مسلم اهـ (ص) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ نَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ الإِبِلِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ زَادَ "وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا". (ش) (أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل. و (ابن جريج) عبد الملك. و (أبو الزبير) محمد ابن مسلم بن تدرس. و (عبيد بن عمير) بن قتادة من كبار التابعين (قوله فذكر نحوه الخ) أي ذكر نحوما تقدم والرواية الأخيرة عن أبي هريرة وزاد قوله "وإعارة دلوها" والمراد به الدلوالذي تسقى به فيعيره الغير ليسقي به إبله، وقيل المراد به الضرع فيكون المراد إعارتها ليسقي لبنها ثم ترد (وهذه الرواية) مرسلة أخرجها مسلم ولفظه: قال أبو الزبير سمعت عبيد بن عمير يقول: قال رجل يا رسول الله ما حق الابل؟ قال حلبها على الماء وإعارة دلوها وإعارة فحلها ومنيحتها وحمل عليها في سبيل الله اهـ ومنه تعلم خطأ ما قيل إنه "ليس فيما روى مسلم عن أبي الزبير عن عبيد بن عمير لفظ إعارة دلوها" وأخرج مسلم أيضًا من طريق ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت قط وقعد لها بقاع قرقر تستن عليه بقوائمها وأخفافها, ولا صاحب بقر لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت وقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتطؤه بقوائمها, ولا صاحب غنم لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت وقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها ليس فيها جماء ولا منكسر قرنها, ولا صاحب كنز لا يفعل فيه حقه إلا جاء كنزه شجاعًا أقرع يتبعه فاتحًا فاه، فإذا أتاه فر منه فيناديه خذ كنزك الذي خبأته فأنا عنه غنى، فاذا رأى أن لا بد منه سلك يده في فيه فيقضمها

الحث على صدقة التطوع والعطف على المساكين

قضم الفحل. قال أبو الزبير: سمعت عبيد بن عمير يقول هذا القول تم سألنا جابر بن عبد الله عن ذلك، فقال مثل قول عبيد بن عمير اهـ. والشجاع الحية الذكر والأقرع الذي تمعط شعره لكثرة سمه. ويقضمها بفتح الضاد يقال قضمت الدابة شعيرها من باب تعب إذا أكلته (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ مِنْ كُلِّ جَادِّ عَشَرَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ بِقِنْوٍ يُعَلَّقُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمَسَاكِينِ. (ش) (قوله أمر من كل جادّ عشرة أوسق الخ) أي أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من كل نخل يقطع من ثمره عشرة أوسق بعزق يعلق في المسجد ليأكل منه المساكين. والجاد بالجيم وتشديد الدال المهملة بمعنى المجدود أي المقطوع. وفي نسخة بالذال المعجمة بمعنى المجذوذ، وهو مضاف إلى عشرة المضافة إلى أوسق جمع وسق، قال الخطابي عن إبراهيم الحربي يريد قدرًا من النخل يجد منه عشرة أوسق اهـ وتقدم أن الوسق ستون صاعًا. ويحتمل أن يكون جادّ باقيًا على معناه فهو منون، ومن زائدة وعشرة مفعول له، أي أمر كل قاطع عشرة أوسق من التمر الخ. قال في المصباح جده جدًا من باب قتل قطعه فهو جديد فعيل بمعنى مفعول، وهذا زمن الجداد بفتح أوله وكسره وأجدّ النخل حان جداده وهو قطعه اهـ في النهاية. ومنه الحديث أنه أوصى بجادّ مائة وسق للأشعريين. الجاد بمعنى المجدود أي نخل يجد منه ما يبلغ مائة وسق اهـ (قوله بقنو) بكسر فسكون وهو العذق بما عليه من الرطب والبسر (فقه الحديث) دل الحديث على استحباب العطف على المساكين ببذل شيء من المال زيادة على الزكاة. فالأمر فيه للندب وعليه الجمهور. وذهب بعض الظاهرية إلى وجوب ما ذكر أخذًا بظاهر الأمر. وردّ بأنه ليس للوجوب لأن كتب الزكاة التي كتبها النبي وأصحابه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للعمال ليس فيها ذلك ولو كان واجبًا لبينه (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالاَ نَا أَبُو الأَشْهَبِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله تعالى عليه

الترغيب في التعاون على مساعدة المحتاج

وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ فَجَعَلَ يَصْرِفُهَا يَمِينًا وَشِمَالًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ". حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ لاَ حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِي الْفَضْلِ. (ش) (أبو الأشهب) جعفر بن حيان العطاردي. تقدم بالخامس صفحة 71. و(أبو نضرة) المنذر بن مالك العوفي (قوله فجعل يصرفها) أي يحولها من جهة إلى جهة، ولعله فعل ذلك لأنها قد أعجزها السير فأراد أن يبين للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حاجته إلى ناقة أخرى توصله إلى مقصده، وفي رواية مسلم فجعل يصرف بصره يمينًا وشمالًا (قوله من كان عنده فضل ظهر الخ) أْى من كان عنده مركوب فاضل عن الحاجة فليعد به من العود بمعنى الرجوع، أي فليرجع بالاحسان به على المحتاج إليه. قال في المصباح عاد بمعروفه عودًا من باب قال، أفضل اهـ يعني تفضل به على غيره. وقال النووي في شرح المهذّب: والعوود التى تعود على زوجها بعطف ومنفعة ومعروف وصلة (قوله حتى ظننا أنه لا حق لأحد منا في الفضل) مفرع على محذوف ذكره في رواية مسلم قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا الخ (وفي الحديث) بيان ما كان عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الاعتناء بمصالح أصحابه وفيه حث كبير القوم أتباعه على مكارم الأخلاق ومواساة المحتاجين. والأمر فيه للندب كسابقه إن لم تدع إليه ضرورة خلافًا لمن أخذ بظاهره، فأو جب التصدق بما يزيد على الحاجة وإن لم يكن المحتاج إليه مضطرًا (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْمُحَارِبِيُّ نَا أَبِي نَا غَيْلاَنُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) قَالَ كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ عُمَرُ أَنَا أُفَرِّجُ عَنْكُمْ. فَانْطَلَقَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّهُ كَبُرَ عَلَى أَصْحَابِكَ هَذِهِ الآيَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ الزَّكَاةَ إِلاَّ لِيُطَيِّبَ مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ وَإِنَّمَا فَرَضَ الْمَوَارِيثَ لِتَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ". فَكَبَّرَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ لَهُ "أَلاَ أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إِذَا نَظَرَ

مشروعية الزكاة والميراث دليل على إباحة جمع المال مع تأدية الزكاة

إِلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ". (ش) (رجال الحديث) (يحيى بن يعلى) بن الحارث بن حرب بن جرير أبو زكريا الكوفي. روى عن أبيه وزائدة بن قدامة. وعنها البخاري وأبو حاتم وعثمان بن أبي شيبة وأبو زرعة وغيرهم. وثقه أبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب ثقة من صغار التاسعة. روى له البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه. مات سنة ست عشرة ومائتين. و (غيلان) بن جامع بن أشعث المحاربي أبو عبد الله الكوفي. روى عن شقيق بن سلمة وأبى إسحاق السبيعي وعلقمة بن مرثد وغيرهم. وعنه يعلى بن الحارث وشعبة والنووي وشريك وغيرهم. وثقه ابن معين وابن المديني ويعقوب بن شيبة وأبو داود وابن حبان وابن سعيد. روى له مسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجه (المعنى) (قوله (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) أي يجمعون الأموال ولا يؤدون زكاتها (قوله كبر ذلك على المسلمين) أي صعب عليهم وشق ما فهموه من عموم الآية وما فيها من الوعيد الشديد على ادخار شيء من الذهب والفضة الذى لا يخلومنه شخص غالبًا (قوله أفرج عنكم) يعنى أكون سببًا في إزالة ما أصابكم من همّ، فإن مع العسر يسرًا، وما جعل عليكم في الدين من حرج، وإنما بعث صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالحنيفية السمحة والدين السهل (قوله فانطلق فقال) وفي نسخة فانطلقوا فقالوا (قوله إن الله لم يفرض الزكاة الخ) أي قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إن المراد بالكنز ما منعت زكاته، وإن الله لم يوجب الزكاة إلا لتزكية أموالكم وتطهيرها من حق الفقراء وتطهير صاحبها من إثم منع حق الله تعالى، وفي قوله تعالى (وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) إشارة إلى ذلك فإن المراد بالانفاق إعطاء الزكاة لا إنفاق المال كله ولم يشرع المواريث إلا لتكون الأموال مملوكة بالميراث لمن بعدكم. وإنما ذكر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المواريث بعد الزكاة، ليكون أدلّ على أنّ جمع الأموال مع تأدية الزكاة ليس ممنوعًا شرعًا، لأنه لو كان ممنوعًا لما شرع مع الميراث, لأنه لا يكون إلا في المال المخزون الباقي وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى والبيهقي عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) كبر ذلك على المسلمين وقالوا: ما يستطيع أحد منا لولده مالًا يبقى بعده، فقال عمر أنا أفرج عنم فانطلق عمر واتبعه ثوبان فأتى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا نبي الله: إنه قد كبر على أصحابك هذه الآية، فقال إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث من أموال تبقى بعدكم فكبر عمر (الحديث) وفي هذا دليل على أن الآية نزلت في حق من منع الزكاة من المسلمين, وهو قول الجمهور، وقيل إنها نزلت في أهل الكتاب والمسلمين الذين يمنعون الحق الواجب من زكاة وغيرها, لحديث زيد بن وهب

فضل المرأة الصالحة ومنافعها

قال مررت بالربذة فإذا بأبي ذر فقلت ما أنزلك منزلك هذا؟ قال كنت بالشام واختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) فقال معاوية نزلت في أهل الكتاب فقلت نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذلك "يعنى نزاعًا" وكتب إلى عثمان يشكوني فكتب إليّ عثمان أن أقدم المدينة فقدمتها فكثر الناس عليّ حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان، فقال لي إن شئت تنحيت فكنت قريبًا فذلك الذي أنزلني هذا المنزل ولو أمروا عليّ حبشيًا لسمعت وأطعت. رواه البخاري، والربذة بفتحات قرية دارسة شرق المدينة (قوله فكبر عمر) أي قال الله أكبر فرحًا وسرورًا بما أجابه به النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وزوال همّ المسلمين وحزنهم (قوله ثم قال له ألا أخبرك الخ) أي قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لعمر لما رأى فرحهم واستبشارهم ببيانه: إنه لا حرج عليهم في جمع المال ما داموا يؤدّون زكاته، ألا أعلمك بأحسن ما يقتنيه المرء؟ هو المرأة الصالحة الجميلة الخصال ظاهرًا وباطنًا، فإن الذهب إنما ينفع بذهابه وصرفه في الحوائج والملاذ، والمرأة الصالحة تنفع مع بقائها ينظر إليها زوجها فيسر بجمال صورتها وحسن سيرتها، ويقضي عند الحاجة شهوته منها، وإن أمرها بأمر شرعيّ أو عرفيّ امتثلت وقامت بخدمته وتربية أولاده تربية دينية خير قيام، وإذا غاب عنها زوجها حفظت حقوقه في نفسها وماله وأولاده (وعلى الجملة) فمنافع المرأة الصالحة كثيرة ولو لم يكن فيها إلا أنها تحفظ البذر وتربي الزرع "الولد" ويكون منها ولد يكون عونًا للرجل في حياته خليفة له بعد وفاته لكفاها شرفًا وفضلًا (فقه الحديث) دل الحديث على وجوب تأدية الزكاة. وعلى أنه يطلب ممن خفي عليه أمر أن يسأل عنه العالم به حتّى يزول الإشكال. وعلى إباحة جمع المال مع القيام بالحقوق الواجبة فيه لله -عَزَّ وَجَلَّ- ولعبادة. وعلى الترغيب في النكاح واختيار المرأة الصالحة، وأن اقتناءها خير من اقتناء المال (والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي وأبو يعلى وابن أبي شيبة بلفظ تقدم وأخرجه الحاكم (باب حق السائل) أي في بيان حق السائل على المسئول (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ نَا مُصْعَبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ حَدَّثَنِي يَعْلَى بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ حُسَيْنٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ".

مناقب سيدنا الحسين رضي الله تعالى عنه

(ش) (رجال الحديث) (سفيان) الثوري. و (يعلى بن أبي يحيى) الحجازي روى عن فاطمة بنت الحسين. وعنه مصعب بن محمد. قال أبو حاتم مجهول، وفي التقريب مجهول من السابعة، وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود. و(فاطمة بنت حسين) بن علي بن أبي طالب الهاشمية المدنية. روت عن أبيها وأخيها زين العابدين وابن عباس وأسماء بنت عميس وغيرهم وعنها أولادها عبد الله وإبراهيم وحسين، ومحمد بن عبد الله بن عمرو. ذكرها ابن حبان في الثقات وفي التقريب ثقة من الرابعة. روى لها أبو داود والترمذي وابن ماجه. و(حسين بن علي) بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله سبط رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وريحانته من الدنيا وأحد سيدي شباب أهل الجنة. ففي حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. رواه الترمذي وصححه، روى عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثمانية أحاديث، وروى عن أبيه وأمه وعمر بن الخطاب. وعنه أخوه الحسن وبنوه علي وزيد وسكينة وفاطمة، وابن أخيه زيد بن الحسن والشعبي وجماعة. وقد اختلف في سماعه من جده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. فقال أبو عبد الله محمد ابن يحيى بن الحذاء سمع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وقال أبو عليّ سعيد بن عثمان بن السكن قد روى من وجوه صحاح حضور حسين عند النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولعبه بين يديه وتقبيله إياه، فأما ما يرويه عنه فكله من المراسيل. وقال أبو القاسم البغويّ نحوه ولد لخمس ليال خلت من شعبان سنة أربع أو ثلاث من الهجرة ولم يكن بين الحمل بالحسين وولادة الحسن إلا طهر واحد. ومناقبه كثيرة، فقد أخرج الترمذي من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أبصر حسنًا وحسينًا فقال: اللهم إني أحبهما فأحبهما. وأخرج عن أنس قال: سئل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. أي أهل ببتك أحب إليك؟ قال الحسن والحسين وكان يضمهما ويشمهما. وأخرج عن يعلى بن مرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: حسين منّي وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينًا حسين سبط من الأسباط. وقال إبراهيم بن عليّ الرافعي عن أبيه عن جدته زينب بنت أبي رافع قالت: أتت فاطمة بابنيها إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في شكواه الذي توفي فيه فقالت لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: هذان ابناك فورثهما شيئًا. قال أما حسن فإن له هيبتي وسؤددي، وأما حسين فان له جرأتي وجودي. وقد أخبر جبريل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمقتل الحسين ففاضت عيناه. فقد روى عبد الله بن نجيّ عن أبيه أنه سافر مع علي بن أبي صالب فلما حاذوا نينوى "بلد بالموصل" وهو منطلق إلى صفين نادى عليّ صبرًا أبا عبد الله "كنية الحسين" صبرًا أبا عبد الله بشط الفرات. قلت من ذا أبا عبد الله؟ قال دخلت

علي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعيناه تفيضان، فقلت يا نبي الله أغضبك أحد؟ قال بل قام من عندي جبريل قبل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، فقال هل لك أن أشمك من تربته؟ قلت نعم، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عينيّ أن فاضتا. وروى نحوه عن أم سملة وغيرها من أمهات المؤمنين. وفيه قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: يا أم سلمة إذا تحوّلت هذه التربة دمًا فاعلمى أن ابني قد قتل، فجعلتها أم سلمة في قارورة ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول: إن يومًا تتحولين فيه دمًا ليوم عظيم. قتل رضي الله تعالى عنه بكربلاء من أرض العراق يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وهو ابن خمس وخمسين سنة أوست وخمسين "وحاصل" ذلك ما حدّث به عمار بن معاوية الدهني قال: قال لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين حدّثني بقتل الحسين قال: مات معاوية، والوليد بن عتبة ابن أبي سفيان واليًا على المدينة، فأرسل إلى الحسين بن عليّ ليأخذ بيعته فقال أخرني فأخره، فخرج إلى مكة فأتاه رسل أهل الكوفة وقالوا إنا قد حبسنا أنفسنا عليك ولسنا نحضر الجمعة مع الوالي فاقدم علينا "وكان النعمان بن بشير واليًا علي الكوفة" فبعث الحسين إليهم مسلم بن عقيل بن أبي طالب فقال له: سر إلى الكوفة فانظر ما كتبوا به إليّ فإن كان حقًا قدمت إليهم، فخرج مسلم حتى أتى المدينة فأخذ منها دليلين فمرا بالبرّية فأصابهم عطش حتى مات أحد الدليلين، وسار مسلم حتى قدم الكوفة، فلما علم أهلها بقدومه دبوا إليه فبايعه منهم اثنا عشر ألفًا، فقام رجل اسمه عبد الله بن مسلم ممن يحب يزيد بن معاوية إلى النعمان بن بشير فقال: إنك ضعيف قد فسد عليك البلد. فقال النعمان: لأن أكون ضعيفًا في طاعة الله أحب إليّ من أن أكون قويًا في معصيته، فكتب الرجل بذلك إلى يزيد بن معاوية، فدعا يزيد مولى له يقال له "سرحون" فاستشاره فقال له: ليس للكوفة إلا عبيد الله ابن زياد، وكان يزيد ساخطًا عليه قد همّ بعزله عن البصرة، فكتب إليه برضاه عنه، وأنه قد أضاف إليه الكوفة، وأمره أن يطلب مسلم بن عقيل ويقتله إن ظفر به، فأقبل عبيد الله بن زياد في وجوه أهل البصرة حتى قدم الكوفة متلثمًا فلا يمرّ علي مجلس فيسلم على أهله إلا قالوا: السلام عليك يابن رسول الله، يظنونه الحسين، فلما نزل عبيد الله قصر الإمارة، دعا مولى له ودفع إليه ثلاثة آلاف درهم وقال: اسأل عن الرجل الذي يبايعه أهل الكوفة وأعلمه أنك من حمص وادفع إليه المال وبايعه، فلم يزل المولى يتلطف حتى دلوه علي شيخ يتولى البيعة فذكر له أمره فقال: قد سرني إذ هداك الله وساءني أن أمرنا لم يستحكم بعد. تم أدخله على مسلم بن عقيل فبايعه ودفع إليه المال وخرج إلى عبيد الله بن زياد فأخبره، وقد تحول مسلم بن عقيل حين قدم عبيد الله بن زياد من الدار التي كان فيها إلى دار هانئ بن عروة المرادي، وكتب مسلم إلى الحسين يخبره ببيعة اثنى عشر ألفًا من الكوفة ويأمره بالقدوم، وقال ابن زياد لأهل الكوفة: ما بال هانئ بن عروة لم يأتني

قتل مسلم بن عقيل بالكوفة. قدوم الحسين كربلاء وقتله

فخرج إليه محمد بن الأشعث في أناس منهم فقالوا: إن الأمير قد ذكرك واستبطأك فانطلق إليه فركب معهم حتّى دخل علي ابن زياد وعنده شريح القاضي، فلما سلم على ابن زياد قال: يا هانئ أين مسلم بن عقيل؟ فقال لا أدري. فأخرج إليه المولى الذي دفع الدراهم إلى مسلم فلما رآه سقط في يده، قال: والله ما دعوته إلى منزلي، فقال ائتني به، فقال والله لو كان تحت قدمي ما رفعته عنه فاستدناه ابن زياد فأدني منه فضبه بالقضيب علي حاجبه فأهوى هانئ إلى سيف شرطيّ ليستله فدفع عنه، وأمر ابن زياد بحبسه فبلغ الخبر قومه واجتمعوا علي باب القصر فسمع ابن زياد جلبتهم، فقال لشريح أخرج إليهم فأعلمهم أني ما حبسته إلا لأسأله عن مسلم ولا بأس عليه مني فبلغهم، شريح ذلك فتفرقوا، ولما وصل مسلمًا الخبر نادى بشعاره فاجتمع إليه أربعون ألفًا من أهل الكوفة وهيأهم وسار بهم إلى ابن زياد، وقد بعث هذا إلى وجوه أهل الكوفة وجمعهم عنده في القصر، ولما انتهى مسلم بحيشه إلى باب القصر أمر ابن زياد كل واحد من الوجوه أن يشرف على عشيرته فيردهم فكلموهم فجعلوا يتسللون حتى أمسى مسلم في خمسمائة نفر، ولما اختلط الظلام ذهبوا، فلما بقي مسلم وحده تردد في الطرق ليلًا فأتى باب امرأة فقال لها اسقيني فسقته واستمر قائمًا، فقالت ياعبد الله إنك مرتاب فما شأنك؟ قال أنا مسلم بن عقيل، فهل عندك مأوى؟ قالت نعم ادخل فدخل وكان لها غلام مولى لمحمد بن الأشعث فانطلق إلى مولاه فأخبره فبعث ابن زياد صاحب شرطته ومعه ابن الأشعث فلم يعلم مسلم حتى أحيط بالدار فقام بسيفه يقاتلهم فأعطاه ابن الأشعث الأمان فاستسلم له فجاء به إلى ابن زياد فضرب عنقه وعنق هانئ بن عروة وأمر بصلبهما. ولم يبلغ الحسين حتى كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال، فلقيه الحرّ بن زيد التميمي فقال له ارجع فإني لم أدع لك خلفي خيرًا واخبره الخبر، فهم أن يرجع وكان معه إخوة مسلم فقالوا والله لا نرجع حتى نأخذ بثأرنا أو نقتل، فقال الحسين رضي الله عنه: لا خير في الحياة بعدكم، فساروا فلقيته أول خيل ابن زياد، فلما رأى ذلك عدل إلى كربلاء وكان معه خمسة وأربعون فارسًا ونحو مائة راجل، فأتاه جيش ابن زياد وعليه عمر بن سعد ابن أبي وقاص، فلما التقيا قال له الحسين رضي الله عنه: اختر منى واحدة من ثلاث. إما أن ألحق بثغر من الثغور، وإما أن أرجع إلى المدينة، وإما أن أذهب إلى يزيد بن معاوية، فكتب عمر بذلك إلى ابن زياد، فقال لا أقبل منه حتى يضع يده في يدى فامتنع الحسين رضي الله عنه فقاتلوه حتى قتل جميع أصحابه وفيهم سبعة عشر شابًا من أهل بيته، ثم قتل رضي الله تعالى عنه وأتي برأسه إلى ابن زياد فأرسله ومن بقي من أهل بيته إلى بن يزيد بن معاوية، فلما قدموا علي يزيد جهزهم إلى المدينة. قال خلف بن خليفة لما قتل الحسين رضي الله عنه اسودت السماء وظهرت الكواكب نهارًا. وقال الوليد بن عبد الملك وكان في مجلسه الزهري أيكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين رضي الله عنه؟

ما حدث لقتل الحسين: انتقام الله في الدنيا من قتلته: أين رأسه؟

فقال الزهري بلغني أنه لم يقلب حجر إلا وجد تحته دم عبيط "أي كثير شديد الحمرة". وقال يزيد بن أبي زياد قتل الحسين رضي الله عنه ولى أربع عشرة فصار الورس الذي في عسكرهم رمادًا "والورس نبت طيب الرائحة" واحمرت آفاق السماء. ونحروا ناقة في عسكرهم فكانوا يرون في لحمها النيران. وقال المغيرة إن مرجانة قالت لابنها عبيد الله بن زياد: يا خبيث قتلت ابن بنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا ترى والله الجنة أبدًا. وعن سلمة امرأة من الأنصار قالت: دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقلت ما يبكيك؟ قالت رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الآن في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب. فقلت مالك يا رسول الله؟ قال شهدت قتل الحسين آنفًا. أخرجه الترمذي (وفي هذه القصة) تصديق لقول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إن أهل بيتي سيلقون بعدي من أمته قتلًا وتشديدًا، وإن أشدّ قومنا لنا بغضًا بنو أمية وبنو مخزوم. رواه الحاكم. هذا وإن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، فقد قضى الله تعالى أن قتل عبيد الله بن زياد وأصحابه يوم عاشوراء سنة سبع وستين شر قتلة: جهز إليه المختار بن أبي عبيد جيشًا، فقتله إبراهيم بن الأشطر أمير الجيش ضربه بسيفه فقدّه نصفين، شرقت رجلاه وغربت يداه وقطع رأسه، وبعث به إلى المختار فبعث به المختار إلى ابن الزبير وبعثه الزبير إلى علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهم، فقد قال عمارة بن عمر لما جيء برأس عبيد الله ابن زياد وأصحابه فنضدت رءوسهم في رحبة المسجد "وضعت بعضها فوق بعض" فانتهيت إليهم وهم، يقولون قد جاءت قد جاءت، فإذا حية قد جاءت فجعلت تخلل الرءوس حتى دخلت في منخر عبيد الله بن زياد فمكثت هنيهة ثم خرجت فذهبت ثم عادت فدخلت فيه ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثًا. أخرجه الترمذي وصححه. وقد اختلفوا في مكان رأس الحسين بعد نقله إلى الشام، فقيل إنه وضع في خزائن السلاح حتى تولى سليمان بن عبد الملك فأمر بمجيء الرأس فطيب وكفن ودفن، وقيل إن زيد أمر أن يطاف بالرأس البلاد فطيف به حتى انتهى إلى عسقلان فدفنه أميرها بها، فلما تغلب الإفرنج علي عسقلان نقل الرأس الصالح طلائع وزير الفاطميين إلى مصر، ودفن بالمشهد الحسينى المعروف بالقاهرة سنة ثمان أو تسع وأربعين وخمسمائة. وذهبت الإمامية إلى أنه أعيد إلى الجثة ودفن بكربلاء بعد أربعين يومًا من المقتل. وذهب آخرون منهم الزبير بن بكار والعلاء الهمداني إلى أنه حمل إلى أهله فكفن ودفن بالبقيع عند قبر أمه وأخيه الحسن. واعتمد هذا القرطبي (قوله للسائل حق الخ) أي لطالب العطاء حق إعطائه وإن كان ظاهره الغنى تحسينًا للظن به حيث أهان نفسه بذلّ السؤال فلا يخيب بالتكذيب والحرمان مع إمكان صدقه في دعواه، فقد يكون الفرس عارية أو يكون ذا عيال لا يقدرون علي الكسب فيستعين بالفرس علي السعي عليهم، أو يكون مدينًا دينًا يبيح له أخذ الصدقة، أو يكون مسافرًا احتاج في الطريق، إلى غير

حال المحتاج في الزمن الغابر، وحال الشحاذين الآن

ذلك. وعليه فلا منافاة بين حديث الباب وبين ما تقدم في آخر "باب من يعطى من الصدقة وحد الغنى" من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لا تحل الصدقة لغني ولا لذى مرة سويّ (وفي الحديث) الحث علي تحسين الظن بالمسلمين ومساعدتهم والعطف علي السائل بإجابة ما أمكن من طلبه وعدم ردّه خائبًا، وهذا كان باعتبار حال القرون الأولى الذين كانوا لا يسأل الواحد منهم إلا للضرورة الشديدة عملًا بحديث "ما أغناك الله فلا تسأل الناس شيئًا، فإن اليد العليا المعطية واليد السفلى هي المعطاة" رواه ابن عبد البر عن عطية السعدي. وحديث "لا تحل الصدقة لغني ولا لذى مرة سويّ " رواه أحمد وغيره كما تقدم. أما في هذا الزمان فقد كثر الشحاذون كثرة مروّعة واعترضوا المارة في الطرق واتخذوا السؤال حرفة لهم وأكثرهم لا همّ لهم إلا جمع الأموال واتخاذ السؤال موردًا للكسب، لا تطيب نفس أحدهم بتركه، ولو كان ما في ثيابه أضعاف ما يملك المسئول، فهؤلاء يحرم عليهم السؤال، ويحرم علي الناس إعطاؤهم (والحديث) أخرجه أيضًا الإِمام أحمد، وفي سنده مصعب بن محمد، ووثقه ابن معين وغيره، وقال أبو حاتم صالح لا يحتج به. واختلف في يعلي بن أبي يحيى كما تقدم. وقد اختلف في إرسال الحديث ووصله على ما تقدم، وهذا لا يضر في الاحتجاج به، وقد روي من عدة طرق، فقد أخرجه السيوطي في الهاشميات بلفظ "للسائل حق ولو جاء على فرس فلا تردوا السائل" ورواه ابن عدي من حديث أبي هريرة مرفوعًا "أعطوا السائل وإن كان علي فرس. وقد رواه المصنف بعد من طريق آخر. فالحديث لا ينحط عن درجة الحسن. ومنه تعلم رد ما زعمه ابن الصلاح من أن الحديث موضوع حيث قال: بلغنا عن أحمد بن حنبل أنه قال: أربعة أحاديث تدور عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الأسواق ليس لها أصل: من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة: ومن أذى ذميًا فأنا خصمه يوم القيامة: ونحركم يوم صومكم: وللسائب حق وإن جاء علي فرس اهـ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ نَا زُهَيْرٌ عَنْ شَيْخٍ قَالَ رَأَيْتُ سُفْيَانَ عِنْدَهُ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِيهَا عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ. (ش) (زهير) بن معاوية. و (الشيخ) لم يسم، ولعله يعلي بن أبي يحيى المتقدم كما قاله السيوطي في درجات مرقاة الصعود، وهر أقرب من القول بأنه مصعب بن محمد بن شرحبيل فإن مصعبًا لم يرو عن فاطمة بنت الحسين (قوله قال رأيت سفيان عنده) أي قال زهير رأيت سفيان الثوري عند الشيخ. وغرضه بيان أن الشيخ حدثه بحضور الثوري وإقراره، ففيه تقوية الرواية وتوثيق لذلك الشيخ، فإن سفيان لم يرو إلا عن ثقة فلا يقر إلا ثقة (قوله مثله) أي روى زهير عن الشيخ الذي هو يعلى. الحديث. مثل ما رواه عنه مصعب بن محمد

رد دعوى وضع حديث "للسائل حق ولو جاء على فرس"

وغرض المصنف بسياق هذه الرواية تقوية الحديث ورد دعوى وضعه. قال السيوطى في الدرجات قد انتقد الحافظ القزويني علي المصابيح أحاديث زعم أنها موضوعة. منها هذا الحديث، ورد عليه الحافظ العلائي فقال: أما الطريق الأولى فإنها حسنة: مصعب بن محمد وثقه ابن معين وغيره وقال أبو حاتم صالح لا يحتج به. وتوثيق الأولين أولى بالاعتماد. ويعلى بن أبي يحيى قال أبو حاتم مجهول ووثقه ابن حبان، فعنده زيادة علم على من لم يعلم حاله. وقد أثبت محمد بن يحيى بن الحذاء سماع الحسين رضي الله عنه من جده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وقال ابن السكن وأبو القاسم البغوي وغيرهما كل رواياته مراسيل. فعلى هذا هو مرسل صحابي. والجمهور علي الاحتجاج بمرسل الصحابي: وأما الطريق الثانية فقد بين فيها أنه سمعه من أبيه عليّ عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وزهير بن معاوية متفق علي الاحتجاج به، لكن شيخه لم يسم. والظاهر أنه يعلي بن أبي يحيى: فعلى الجملة الحديث حسن ولا يصح نسبته إلى الوضع اهـ بتصرف (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدٍ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ بُجَيْدٍ "وَكَانَتْ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-" أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ إِنَّ الْمِسْكِينَ لَيَقُومُ عَلَى بَابِي فَمَا أَجِدُ لَهُ شَيْئًا أُعْطِيهِ إِيَّاهُ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنْ لَمْ تَجِدِي لَهُ شَيْئًا تُعْطِينَهُ إِيَّاهُ إِلاَّ ظِلْفًا مُحْرَقًا فَادْفَعِيهِ إِلَيْهِ فِي يَدِهِ". (ش) (رجال الحديث) (عبد الرحمن بن بجيد) بموحدة وجيم ودال مهملة مصغرًا ابن وهب الأنصاري. مختلف في صحبته. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن جدته أم بجيد. وعنه زيد بن أسلم ومحمد بن إبراهيم وسعيد المقبري. ذكره ابن حبان في ثقات التابعين. قال ويقال إن له صحبة. روى له أبو داود والترمذي. و(جدته أم بجيد) هي حواء بنت يزيد بن السكن الأنصارية. روى عنها عبد الرحمن بن بجيد، وكانت ممن بايعن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علي أن لا يشركن باللهِ شيئًا وعلي السمع والطاعة. روى لها أبو داود والترمذي والنسائي (المعنى) (قوله إلا ظلفًا محرقًا) بكسر الظاء المعجمة وسكون اللام، وهو للبقر والغنم كالقدم للإنسان كما في القاموس، أي إن لم تجدي إلا شيئًا يسيرًا تعطينه فأعطيه إياه، فهو مبالغة

باب الصدقة على أهل الذمة

في قلة ما يعطي للسائل. وقيل إن المراد حقيقة الظلف المحرق. فإنهم كانوا ينتفعون به ولا سيما عند الشدة (وفي الحديث) الحث على عدم رد السائل خائبًا (والحديث) أخرجه أيضًا الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وأخرجه مالك وأحمد والحاكم والنسائي مختصرًا بلفظ: ردوا السائل ولو بظلف محرق (باب الصدقة على أهل الذمة) أتجوز أم لا؟ والمراد بأهل الذمة من ليس بمسلم فيعم المشرك كما يشهد له الحديث (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ نَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ نَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي رَاغِبَةً فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَهِيَ رَاغِمَةٌ مُشْرِكَةٌ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وَهِيَ رَاغِمَةٌ مُشْرِكَةٌ أَفَأَصِلُهَا قَالَ "نَعَمْ فَصِلِي أُمَّكِ". (ش) (أسماء) بنت أبي بكر كما في رواية مسلم والبخارى (قوله قدمت عليّ أمي) قيل هي أمها من الرضاعة. وقيل من النسب وهو الأصح. لما رواه ابن سعد وأبو داود الطيالسي والحاكم من حديث عبد الله بن الزبير قال: قدمت قتيلة بنت عبد العزي على ابنتها أسماء بنت أبي بكر في المدينة "وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية" بهدايا زبيب وسمن وقرظ، فأبت أسماء أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها، فأرسلت إلى عائشة سلي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: لتدخلها وتقبل هديتها. وفي رواية فأنزل الله (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ... الآية) فأمرها أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها. واختلف في اسم هذه الأم، فالأكثر على أنها قتيلة بضم القاف وفتح المثناة الفوقية وسكون التحتية، وقيل اسمها قتلة بفتح القاف وسكون المثناة من فوق. وقيل قيلة بفتح القاف وسكون الياء التحتية. ذكرها المستغفري في جملة الصحابة وقال تأخر إسلامها. وليس في الأحاديث ما يدل له (قوله راغبة) بالباء الموحدة وبالنصب على الحالية، أو مرفوع على أنه خبر لمبتدإ محذوف. أي وهي راغبة في البر والصلة. وقيل راغبة عن الإِسلام. قال الحافظ ونقل المستغفري أن بعضهم أوله فقال وهي راغبة في الإسلام فذكرها لذلك في الصحابة، ورده أبو موسى بأنه لم يقع في شيء من الروايات ما يدل على إسلامها اهـ ويؤيد ما قاله أبو موسى أنها لو جاءت راغبة في الإسلام لم تحتج أسماء أن تستأذن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في صلتها لشيوع التآلف على الإسلام بينهم من فعل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله في عهد قريش) متعلق بقدمت أي كان قدومها في زمن معاهدة قريش النبي صلى الله تعالى

حكم دفع الزكاة للكافر والأصل

عليه وعلى آله وسلم زمن الحديبية، وفي رواية لمسلم قدمت على أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدهم "أي النبي" وفي رواية البخاري قدمت على أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وتقدم في رواية ابن سعد وغيره أنها قدمت بهدايا زبيب وسمن وقرظ فأبت أسماء أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها الخ (قوله وهي راغمة مشركة) أي كارهة للإسلام ساخطة عليّ فلم تقدم راغبة في الدين والإقامة بالمدينة كما كان يقدم المسلمون من مكة للهجرة والإقامة مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله فصِلِي أمك) زاد البخاري في رواية له عن طريق الحميدي عن ابن عيينة فأنزل الله فيها (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) قال الخطابي: وإنما أمر بصلتها لأجل الرحم. فأما دفع الزكاة الواجبة إليها فلا يجوز لأنها حق للمسلم لا تصرف لغيره، ولو كانت أمها مسلمة لا يجوز لها إعطاؤها من الزكاة لوجوب نفقتها عليها. إلا أن تكون مدينة فتعطى من سهم الغارمين. وكذلك إذا كان الوالد غازيًا فللولد أن يدفع إليه من سهم السبيل اهـ بتصرف (فقه الحديث) دل الحديث على فضل أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما حيث تحرت وامتنعت من صلة أمها حتى استأذنت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعلى جواز صلة القريب الكافر، ولا ينافي ذلك قوله تعالى (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ) الآية، فان الصلة والإحسان لا يستلزمان المودة المنهيّ عنها في الآية، فقد يصل ويحسن وهو كاره. وعلى وجوب نفقة الأصل الكافر الفقير على الفرع الموسر المسلم. وعلى جواز مصالحة أهل الحرب ومعاملتهم زمن الصلح (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري في الهبة والأدب، ومسلم في الزكاة وابن حبان والطبراني (باب ما لا يجوز منعه) أي ما لا يحل منعه عن الغير. ومناسبة هذا الباب لكتاب الزكاة أن ما ذكر في الحديث من الماء والملح مما تصدق الله به على عبادة فجعلهم شركاء فيه، فلا يحل منعه كالزكاة (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ نَا كَهْمَسٌ عَنْ سَيَّارِ بْنِ مَنْظُورٍ -رَجُلٍ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ- عَنْ أَبِيهِ عَنِ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا بُهَيْسَةُ عَنْ أَبِيهَا قَالَتِ اسْتَأْذَنَ أَبِي النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَمِيصِهِ فَجَعَلَ يُقَبِّلُ وَيَلْتَزِمُ ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ مَنْعُهُ قَالَ "الْمَاءُ". قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ مَنْعُهُ قَالَ "الْمِلْحُ". قَالَ

حكم بذل فضل الماء. شروط وجوب بذله. أقسام الماء

يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ مَنْعُهُ قَالَ "أَنْ تَفْعَلَ الْخَيْرَ خَيْرٌ لَكَ". (ش) (الرجال) (أبو عبيد الله) معاذ بن معاذ. و (كهمس) بن الحسن التيميمي تقدم بالرابع ص 228. و (سيار بن منظور) بن سيار البصري. روى عن أبيه. وعنه كهمس والنضر بن شميل ذكره ابن حبان في الثقات وقال عبد الحق الإشبيلي مجهول وفي التقريب مقبول من السادسة وفي التهذيب يروي عن أبيه المقاطيع. روى له أبو داود والنسائي. و(أبوه) منظور بن سيار الفزاري البصري. روى عن بهيسة هذا الحديث. وعنه ابنه سيار. قال ابن القطان مجهول. وفي التقريب مقبول من السادسة. روى له أبو داود والنسائي. و(بهيسة) بالتصغير وسين مهملة الفزارية روت عن أبيها هذا الحديث. وعنها منظور بن سيار. قال ابن القطان مجهولة. وفي التقريب لا تعرف من الثالثة، وقال ابن حبان لها صحبة. روى لها أبو داود والنسائي. و(أبوها) قيل اسمه عمير. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابنته بهيسة. وهو صحابي قليل الرواية. روى له أبو داود والنسائي (المعنى) (قوله استأذن أبي النبي الخ) أي طلب منه أن يأذن له في مباشرة جسده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بلا حائل، فأذن له فالتزمه وقبله، فالمراد بدخوله بينه وبين قميصه مباشرة جسده بلا حائل. وفي رواية أحمد عن بهيسة قالت: استأذن أبي النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم فجعل يدنو منه ويلتزمه. وفعل ذلك رغبة في نجاة جسده من النار (قوله قال الماء) يعني لا يحل منع الماء عند عدم حاجة صاحبه إليه. لما رواه أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعًا "لا يمنع فضل ماء بعد أن يستغني عنه" وهو محمول عند الجمهور على ماء الآبار والحياض والأنهار الصغيرة والعيون المملوكة لأصحابها أو المحفورة في الموات بقصد التملك. فيجب على من يليها بذل ما فضل عن حاجته وعياله وزرعه وماشيته. قال النووي وللوجوب شروط. أحدها أن لا يجد صاحب الماشية ماء مباحًا، الثاني أن يكون البذل لحاجة الماشية، الثالث أن يكون هناك مرعى وأن يكون الماء في مستقره اهـ وخص المالكية هذا الحكم بماء الموات. قالوا أما البئر التي في الملك فلا يجب على مالكها بذل ما فضل من مائها إلا إن خيف على نفس الهلاك أو ضرر شديد فيجب بذله من غير ثمن، أو خيف على زرع جار انهدمت بئره وشرع في إصلاحها، فيجب بذل ما فضل من ماء بئره بدون ثمن على معتمد المذهب، أو بالثمن على قول ابن يونس. وأما الماء المملوك بالإحراز في الأواني فلا يجب بذل فضله لغير المضطر اتفاقًا (هذا) وإن الماء ثلاثة أنواع (الأول) ما ليس بمملوك كمياه الأنهار والسيول، فهذا يحل الانتفاع به لكل شخص لنفسه ودوابه وزرعه ولو بآله أو بحفر جدول. فلمن له أرض بعيدة عن النهر أن يجرى منه جدولًا يسقى منه

كيفية انتفاع الشركاء في النهر بمائه الماء المحرز وغيره

أرضه إن لم يضر بالعامة ولم يكن في ملك أحد. قال في المغني: ويفرق بين ما إذا كان النهر كبيرًا لا يتضرر بالسقي منه أحد كالنيل والفرات، فهذا لكل أحد أن يسقي منه متى شاء وكيف شاء. وما إذا كان نهرًا صغيرًا يزدحم الناس فيه ويتشاحون في مائه أو سيلًا يتشاح فيه أهل الأرضين الشاربة منه، فيبدأ بمن في أول النهر فيسقي ويحبس الماء حتى يبلغ الكعب، ثم يرسل إلى الذي يليه فيصنع كذلك، وعلى هذا حتى تنتهى الأراضي كلها، فإن لم يفضل عن الأول شيء أو عن الثاني أو عمن يليهما فلا شيء للباقين لأنهم ليس لهم إلا ما فضل فهم كالعصبة في الميراث، وهذا قول فقهاء المدينة ومالك والشافعي ولا نعلم فيه مخالفًا، لما روى عبد الله ابن الزبير أن رجلًا من الأنصار خاصم الزبير "في شراج الحرة التى يسقون بها" إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: أسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك، فغضب الأنصاري فقال يا رسول الله، أن كان ابن عمتك فتلوّن وجه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم قال: يا زبير اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، فقال الزبير فوالله إني لأحسب هذه الآية نزلت فيه (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) متفق عليه. وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: نظرنا في قوله النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم احبس حتى يبلغ الجدر وكان ذلك إلى الكعبين. قال أبو عبيد: الشراج جمع شرج والشرج نهر صغير، والحرة أرض ملتبسة بحجارة سود، والجدر الجدار. وإنما أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الزبير أن يسقي ثم يرسل تسهيلًا على غيره، فلما قال الأنصاري ما قال، استوفى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للزبير حقه. وروى مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أنه بلغه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال في سبيل مهزوز ومذينيب: يمسك حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل. قال ابن عبد البر هذا حديث مدني مشهور عند أهل المدينة يعملون به عندهم. قال عبد الملك بن حبيب: مهزوز ومذينيب. واديان من أودية المدينة يسيلان بالمطر يتنافس أهل الحرائر في سيلهما اهـ (الثاني) مملوك بالإحراز في نحو الأواني ومنه ماء الأنابيب (المواسير) والمضخات (الطلمبات) التى في المنازل فهذا لا يحل تناوله إلا بإذن محرزه (الثالث) ماء الآبار والحياض والجداول والعيون والمضخات في غير المنازل الخاصة بأصحابها. وهذا مختلف فيه، فذهبت الحنفية إلى أنه مستحق غير محرز يحل لكل واحد أن يشرب منه ويسقي منه دوابه الحديث الباب، ولما سيأتي للمصنف في "باب منع الماء" من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "المسلمون شركاء في ثلاث في الكلأ والماء والنار" ورواه ابن ماجه من حديث ابن عباس، ومعنى الشركة في الكلأ رعي الحشيش غير المستنبت وأخذه ولو من أرض مملوكة غير أن لصاحب الأرض المنع من دخوله ولغيره أن يقول

معنى الشركة في النار والماء، الملح من الماعون الذي لا ينبغي منعه

إن لي في الأرض حقًا، فإما أن توصلني إليه أو تحشه لي فهو كثوب رجل وقع في دار رجل، إما أن يأذن له في الدخول ليأخذ الثوب، وإما أن يخرجه إليه. ومعنى الشركة في النار الاصطلاء بها وتجفيف الثياب عليها، لا أخذ الجمر إلا بإذن صاحبه، وفي الماء الشرب وسقي الدواب والاستسقاء من الآبار والحياض والأنهار المملوكة، ولأصحابها منع سقي الدواب إن ترتب عليه ضرر، وليس لغير الملاك سقي أراضيهم ولو بلا ضرر إلا برضا الملاك، وبه قال الشافعي وأبو العباس وأبو طالب وقال الإِمام أحمد والإمام يحيى والمؤيد باللهِ في أحد قوليه وبعض الشافعية إنه مملوك كالماء المحرز. وردّ بأنه بالسيول أشبه منه بالماء المحرز، وحديث الباب وشبهه عام يدل على أن جميع أنواع الماء في ذلك سواء بلا فرق بين المحرز وغيره، لكن المحرز قد أجمع العلماء على أنه مملوك ومن لازم الملك الاختصاص وعدم الاشتراك، وعليه فالعموم المذكور في الأحاديث مخصوص بغير المحرز (قوله قال الملح) أي لا ينبغي منع ما فضل منه بلا فرق بين ما كان في معدنه وما انفصل عنه لأنه من المعروف الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم. وتقدم أنه من الماعون الذي ذم الله تعالى مانعه. وقيل المراد به ما يكون في معدنه غير مملوك لأحد فإنه مشترك بين المسلمين لا يحل لأحد منعه. وأما المملوك بالحيازة فللمالك حق المنع. وقال الروياني ما محصله: إن وجد معدن الملح في ملك أو موات فهو كالماء فيما ذكر اهـ وكرر الصحابي السؤال رغبة في زيادة البيان واستلذاذًا بمخاطبة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله أن تفعل الخير خير لك) أن مصدرية أي فعلك أنواع الخير خير لا ينبغي ترك شيء منه، وهذا من ذكر العام بعد الخاص. وفائدته منع السائل من التمادي في السؤال. والمعنى أن جميع أنواع الخير من المعروف الذى لا يحل منعه فإذا فعلت ذلك يكون خيرًا لك (فقه الحديث) دل الحديث على الحث على فعل الخير. وعلى الترغيب في التعاون والتحابب ببذل ما اعتيد بذله (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي. وأعلّ بجهالة سيار بن منظور لكن له شواهد. منها حديث الماعون المتقدم عن ابن مسعود، وحديث قرة بن دعموص النميري أنهم وفدوا على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالوا: يا رسول الله ما تعهد إلينا؟ قال لا تمنعوا الماعون. قالوا يا رسول الله وما الماعون؟ قال الحجر والحديد والماء. قالوا فأيّ الحديد؟ قال قدوركم النحاس وحديد الفأس الذى تمتهنون به. قالوا وما الحجر؟ قال قدوركم الحجارة. أخرجه بن أبي حاتم وهو غريب. ولذا سكت عليه المصنف وأقره ابن المنذر فهو حسن صالح عنده

باب المسألة في المساجد

(باب المسألة في المساجد) أتجوز أم لا؟ (ص) حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ نَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَطْعَمَ الْيَوْمَ مِسْكِينًا". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه - دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا أَنَا بِسَائِلٍ يَسْأَلُ فَوَجَدْتُ كِسْرَةَ خُبْزٍ فِي يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأَخَذْتُهَا مِنْهُ فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ. (ش) (رجال الحديث) (بشر بن آدم) بن يزيد البصري الأصغر أبو عبد الرحمن. روى عن جده وزيد بن الحباب ومعاذ بن هشام وابن مهدي وجماعة. وعنه أبو زرعة وبقيّ بن مخلد والبزار وابن خزيمة. وفي التقريب صدوق فيه لين من العاشرة، وقال أبو حاتم والدارقطني ليس بقوي، وقال النسائي لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة أربع وخمسين ومائتين. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه. و(عبد الله بن بكر) بن حبيب الباهلي أبو وهب البصري. روى عن حميد الطويل وهشام بن حسان وهشام بن زياد وبهز بن حكيم وطائفة. وعنه أحمد بن حنبل وابن المديني وإسحاق بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة وكثيرون. وثقه أحمد وابن معين والعجلي وابن سعد والدارقطني وابن قانع، وفي التقريب ثقة حافظ من التاسعة. توفي سنة ثمان ومائتين. روى له الجماعة. و(السهمي) نسبة إلى بني سهم بطن من باهلة. و(مبارك بن فضالة) بفتح الفاء ابن أبي أمية أبو فضالة البصري مولى زيد بن الخطاب. روى عن الحسن البصري وهشام بن عروة وثابت البناني ووكيع وآخرين. وعنه عبد الله بن بكر ويزيد بن هارون وعفان بن مسلم وغيرهم. ضعفه النسائي وابن معين ووثقه مرة أخرى، وقال العجلي لا بأس به، وقال أبو زرعة يدلس كثيرًا فإذا قال حدثنا فهو ثقة، وقال ابن حبان كان يخطئ، وقال الساجي كان صدوقًا مسلمًا خيارًا وكان من النساك ولم يكن بالحافظ فيه ضعف، وقال الدارقطني لين كثير الخطأ يعتبر به توفي سنة خمس أوست وستين ومائة. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه والبخاري في التاريخ و(عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق أبو محمد أو أبو عبد الله أو أبو عثمان شقيق عائشة. أسلم قبل الفتح كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة أو عبد العزي فسماه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم.

المذاهب في حكم السؤال والإعطاء

عبد الرحمن. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أبيه. وعنه ابناه عبد الله وحفصة وابن أخيه القاسم بن محمد وأبو عثمان النهدي وغيرهم. توفى فجأة سنة ثلاث أو أربع وخمسين. روى له الجماعة (المعنى) (قوله كسرة خبز) بكسر فسكون أي قطعة صغيرة (فقه الحديث) دل الحديث على الترغيب في الصدقة. وعلى جواز السؤال في المسجد وجواز التصدق فيه. وعلى ما كان عليه أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عه من الحرص على فعل الخير والمبادرة إليه (ومن ذلك) ما رواه مسلم في فضل الصحابة من طريق أبي حازم الأشجعي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من أصبح منكم اليوم صائمًا؟ قال أبو بكر أنا. قال فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر أنا. قال فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟ قال أبو بكر أنا. قال فمن عاد منكم اليوم مريضًا، قال أبو بكر أنا. فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة اهـ والجمهور على جواز السؤال في المسجد وجواز إعطاء الصدقة فيه إلا إذا ألح السائل وتخطى الرقاب فيحرم السؤال والإعطاء. وذهب الحنفيون إلى حرمة السؤال في المسجد مطلقًا. وأنه يكره الإعطاء فيه مطلقًا، وقيل إن تخطى الرقاب. وهذا هو المختار وأصل ذلك ما تقدم للمصنف في "باب كراهية إنشاد الضالة في المسجد"، من حديث أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول "من سمع رجلًا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا أداها الله إليك، فإن المساجد لم تبن لهذا" (وأجابوا) عن حديث الباب بأن أبا بكر البزار قال فيه: لا نعلمه يروي عن عبد الرحمن بن أبي بكر إلا بهذا الإسناد وذكر أنه روى مرسلًا اهـ وغرضه أن الحديث ضعيف، لأن في سنده مبارك بن فضالة، وقد ضعفه غير واحد كما تقدم. وعلى فرض صحته فليس فيه تصريح بأن السائل سأل في المسجد، بل يحتمل أن يكون خارجه (والحديث) أخرجه البزار مطولًا بسنده إلى عبد الرحمن بن أبي بكر قال: صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة الصبح ثم أقبل علي أصحابه فقال: من أصبح منكم اليوم صائمًا؟ قال عمر لم أحدث نفسي بالصوم البارحة فأصبحت مفطرًا، فقال أبو بكر ولكن حدثت نفسي بالصوم البارحة فأصبحت صائمًا، فقال هل أحد منكم اليوم عاد مريضًا؟ فقال عمر يا رسول الله لم نبرح وكيف نعود المريض؟ وقال أبو بكر بلغني أن أخي عبد الرحمن بن عوف شاك فجعلت طريقي عليه لأنظر كيف أصبح؟ فقال هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينًا؟ فقال عمر صلينا ثم لم نبرح قال أبو بكر دخلت المسجد فإذا بسائل فوجدت كسرة من خبز الشعير في يد عبد الرحمن فأخذتها ودفعتها إليه، فقال أنت فأبشر بالجنة، ثم قال كلمة أرضى بها عمر. وعمر زعم أنه لم يرد خيرًا قط إلا سبقه إليه أبو بكر. ذكره السيوطى في تاريخ الخلفاء

باب عطية من سأل بالله عز وجل

(باب كراهة المسألة بوجه الله تعالى) (ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْقِلَّوْرِيُّ نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُعَاذٍ التَّيْمِيِّ نَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لاَ يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ إِلاَّ الْجَنَّةُ". (ش) (رجال الحديث) (وأبو العباس) العصفري البصري أسمه محمد بن عمرو بن العباس وعليه الأكثر، وقيل أحمد بن عمرو. بن عبيدة. وقيل غير ذلك. روى عن يعقوب بن إسحاق وسعيد بن عامر الضبعي وقرة بن حبيب وغيرهم. عنه أبو داود وأبو بكر البزار ومحمد بن الطبري وابن صاعد وكثيرون. قال في التقريب ثقة من الحادية عشرة. روى له أبو داود. و(القلوري) بكسر القاف وتشديد اللام المفتوحة وسكون الواو. وقال العيني بفتح القاف واللام والواو المشددة وكسر الراء نسبة إلى قلورية جزيرة شرقي صقلية. و(يعقوب بن إسحاق) بن زيد ابن عبد الله بن أبي إسحاق أبو محمد المقرئ النحويّ. روى عن سهيل بن مهران وزائدة بن قدامة وشعبة والأسود بن شيبان وغيرهم. وعنه عمرو بن علي الفلاس وأبو الربيع الزهراني وعقبة بن مكرم وابن قدامة السرخسي وجماعة. قال أحمد وأبو حاتم صدوق، وقال ابن سعد ليس بذاك المثبت حدّث عن رجال لقيهم وهو صغير وذكره ابن حبان في الثقات. مات في ذى الحجة سنة خمس ومائتين. روى له مسلم وأبو داود وابن ماجه والنسائي. و(الحضرمي) نسبة إلى حضر موت ناحية واسعة شرقي عدن قرب البحر. و(سليمان بن معاذ) نسبة إلى جده، فإنه سليمان ابنّ قرم بفتح القاف وسكون الراء ابن معاذ أبو داود النحويّ. روى عن أبي إسحاق السبيعيّ والأعمش وسماك بن حرب وابن المنكدر وغيرهم. وعنه سفيان الثوري ويعقوب بن إسحاق وأبو الأحوص وأبو داود الطيالسي. قال أحمد لا أرى به بأسًا لكنه كان شديد التشيع وضعفه النسائي وابن معين، وقال أبو زرعة ليس بذاك وقال أبو حاتم ليس بالمتين وقال ابن عديّ له أحاديث حسان أفراد، وقال ابن حبان كان رافضيًا غاليًا في الرفض ويلقب الأخبار. روى له أبو داود ومسلم والترمذي والنسائي. و(التميمي) نسبه إلى، تميم وفي نسخة التيمي وقد اقتصر عليها الحافظ في تهذيب التهذيب. و(ابن المنكدر) محمد (المعنى) (قوله لايسأل بوجه الله إلا الجنة)، بالبناء. للمفعول ولا نافية أو ناهية، فالجنة مرفوعة نائب فاعل. ويروى لا تسأل بتاء الخطاب مبنيًا للفاعل ولا ناهية. وعليه فالجنة منصوبة على المفعولية. والمراد بالوجه الذات على ما ذهب إليه

الخلف. والسلف يقولو ن له وجه لا يعلم حقيقته إلا هو سبحانه وتعالى مع اعتقادهم كمال التنزيه له عزّ وجلّ عن صفات المخلوقين: أي لا يسأل به تعالى إلا الجنة لأن ذاته تعالى عظيمة ولا يسأل بالعظيم إلا العظيم، والجنة أعظم مطلوب للمؤمن، فلا تسأل الله بوجهه متاع الدنيا بل رضاه والجنة. أو المعنى لا تسأل الناس شيئًا بوجه الله كأن تقول أسألك يا فلان بوجه الله أو باللهِ أن تعطيني كذا، فإن الله أعظم من أن يسأل به متاع الدنيا إنما يسأل به الجنة (والحديث) يدل على امتناع سؤال متاع الدنيا باللهِ تعالى، وهو محمول على ما إذا كان المسئول يتضجر بذلك ولا يجيب السائل، أما إذا كان المسئول ممن يتأثر بذكر الله تعالى فلا يردّ السائل خائبًا فيجوز سؤاله باللهِ تعالى. وبهذا يجمع بين حديث الباب الحديث الآتي (والحديث) أخرجه أيضًا الضياء المقدسي، وفي سنده سليمان بن قرم، وفيه مقال كما تقدم وقال ابن عدىّ لا أعرف هذا الحديث عن محمد بن المنكدر إلا من هذا الطريق اهـ (باب عطية من سأل باللهِ عَزَّ وَجَلَّ) من إضافة المصدر لمفعوله أي إباحة إعطاء الشخص من سأله متوسلًا باللهِ تعالى (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ". (ش) (جرير) بن عبد الحميد. و (الأعمش) سليمان بن مهران. و (مجاهد) بن جبر (قوله من استعاذ بالله فأعيذوه) أي من التجأ اليكم مستعينًا باللهِ تعالى من ضرورة نزلت به فأجيروه وخلصوه، فإن إغاثة الملهوف من واجبًات الإيمان (قوله ومن سأل باللهِ فأعطوه) وفي رواية النسائي من سألكم أي من طلب منكم شيئًا من خيري الدنيا والآخرة متوسلًا بالله تعالى فأعطوه ما سأله إن قدرتم إجلالًا لمن سألكم به. ومحله إذا كان السائل طائعًا فلا يعطى الطالح، وزاد لفظ الجلالة في الموضعين إشارة إلى أنه محق في استعاذته وطلبه. وزاد النسائي "ومن استجار باللهِ فأجيروه" (قوله ومن دعاكم فأجيبوه) أي من طلبكم لحضور وليمة عرس أو غيره أولمعونة فأجيبوا دعوته وجوبًا في وليمة العرس الخالية من منكر شرعًا وكذا المعونة المتعينة وندبًا في غيرها (قوله ومن صنع إليكم معروفًا فكافئوه) أي من فعل

الحث على مكافأة المحسن والدعاء له

معكم خيرًا قوليًا أو فعليًا فجازوه وأحسنوا إليه بمثل ما أحسن به إليكم أو خير منه. قال الله تعالى {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} أي لا ينبغي مقابلة الإحسان إلا بمثله. وعدى صنع بإلى لتضمنه معنى أحسن، وفي رواية الحاكم "ومن أهدى إليكم فكافئوه" (قوله فإن لم تجدوا ما تكافئونه الخ) بإثبات النون على الأصل. وفي نسخة ما تكافئوه بإسقاط نون الرفع بلا ناصب ولا جازم تخفيفًا ونظيره حديث "كما تكونوا يولي عليكم" رواه الديلمي. وفي بعض النسخ "فإن لم تجدوا ما تكافئوا به" أي إن لم تجدوا شيئًا تكافئون به من أحسن إليكم فبالغوا في الدعاء له حتى تظنوا أو تعلموا أنكم قد أديتم حقه. ومن المبالغة في الدعاء قوله جزاك الله خيرًا، لما في حديث أسامة بن زيد أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: من صنع إليه معروف فقال لفاعله جزاك الله خيرًا، فقد أبلغ في الثناء- رواه الترمذي والنسائي وابن حبان. ويؤخذ منه أن أصل الدعاء بنحو جزاك الله خيرًا يؤدي به حق المحسن مع المبالغة ويخرج به عن عهدة شكره حيث أظهر عجزه عن مجازاته وأحال مكافأته على ربه، ولذا كانت عائشة رضي الله تعالى عنها إذا دعا لها السائل تجيبه بمثل دعائه ثم تعطيه الصدقة، فقيل لها تعطين المال وتدعين؟ فقالت لو لم أدع له لكان حقه بالدعاء لي عليّ أكثر من حقي عليه بالصدقة، فأدعو له بمثل دعائه لي حتى أكافئ دعاءه وتخلص لي الصدقة (فقه الحديث) دل الحديث عل الترغيب في التحلي بمكارم الأخلاق ومحاسن الآداب (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم وقال حديث صحيح على شرط الشيخين (باب الرجل يخرج من ماله) يعني يتصدق بجميعه أيجوز ذلك أم لا؟ (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِمِثْلِ بَيْضَةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْتُ هَذِهِ مِنْ مَعْدِنٍ فَخُذْهَا فَهِيَ صَدَقَةٌ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا. فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الأَيْمَنِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ أَتَاهُ

التنفير من التصدق بكل المال ممن لم يبلغ درجة الصديق في اليقين

مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الأَيْسَرِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَحَذَفَهُ بِهَا فَلَوْ أَصَابَتْهُ لأَوْجَعَتْهُ أَوْ لَعَقَرَتْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "يَأْتِي أَحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُ فَيَقُولُ هَذِهِ صَدَقَةٌ ثُمَّ يَقْعُدُ يَسْتَكِفُّ النَّاسَ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى". (ش) (حماد) بن سلمة كما في رواية الحاكم (قوله إذ جاء رجل) وفي نسخة إذ جاءه رجل (قوله أصبت هذه من معدن) بفتح فسكون فكسر أي من مكانه الذي خلقه الله فيه وهو من عدن بالمكان عدنا وعدونا من بابي ضرب وقعد بمعنى أقام، ومعدن كل شيء حيث يكون أصله (قوله من قبل ركنه الأيمن الخ) أي أتاه من قبل جانبه الأيمن. وإنما أعرض عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، إشارة إلى أنه لا ينبغي لمن كان مثله في الحاجة وعدم كمال الصبر على الفقر أن يتصدق بكل ماله، بل ينبغي له أن يصرفه في مصالحه فإن وجد فضلًا بعد ذلك تصدق به وإلا فلا، فلما تمادى على مراده ولم يفهم بالإشارة أفهمه بالعبارة (قوله فخذفه بها) بالخاء والذال المعجمتين، أي رماه بها من الخذف وهو الرمي بالحصى. يقال خذفت الحصاة ونحوها خذفًا من باب ضرب رميتها بطرفي الإبهام والسبابة. وفي نسخة لحذفه بالحاء المهملة أي ضربه بها أو رماه. قال في النهاية: والحذف يستعمل في الرمي والضرب معًا اهـ (قوله لعقرته) أي جرحته أو قتلته. يقال عقره عقرًا من باب ضرب جرحه وعقر البعير نحوه (قوله يستكف الناس) وفي نسخة يتكفف الناس، أي يطلب الكفاف منهم ويتعرض للصدقة بأن يأخذها ببطن كفه. يقال تكفف الرجل واستكف مدّ كفه بالمسألة، أو أخذ الشيء بكفه، أو أخذ كفا من الطعام، أو ما يكف الجوع. ومنه قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لسعد بن أبي وقاص "إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" أخرجه مالك وأحمد والشيخان (قوله خير الصدقة الخ) أي أفضلها ما كان زائدًا قد فضل عن غنى يستعين به المتصدق بعدها علي حوائحه ومصالحه، فلفظ ظهر زائد للتقوية، فكأن صدقته مستندة إلى ظهر قوي من المال، ويحتمل أن إضافة ظهر إلى الغنى بيانية لبيان أن الصدقة "إذا كانت" بحيث يبقى الغنى النفسي بعدها لصاحبها لقوة قلبه وكمال يقينه كالصديق رضي الله تعالى عنه، أولبقاه شيء بعدها يستغنى به عما تصدق به، "فهى مطلوبة وخير" وإن كانت بحيث يحتاج صاحبها بعدها إلى مثل ما أعطى فهي مذمومة لأنه يندم غالبًا. وفي الحديث "خير الصدقة ما أبقت غنى" رواه الطبراني عن ابن عباس

الحث على الصدقة في المسجد، ما كان عليه الصحابة من المسارعة إلى الخير

(فقه الحديث) دل الحديث على ما كان عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الحكمة والرأفة بالأمة والحرص على مصلحتها وإرشادها إلى ما يبعدها عن أسباب المشقة الدينية والدنيوية. وعلى أنه ينبغي للإنسان أن يعدّ للأمور عدتها بلا إفراط ولا تفريط. وعلى أن الأفضل للمرء أن يستقبي لنفسه ما يحتاج إليه من ماله. وعلى أن للإمام أن يرد على المتصدق بكل ماله صدقته ولا يقبلها منه إذا علم من حاله أنه لا يصبر على شدة الفقر والجوع، وعلى كراهة التصدّق بكل المال لما يخشى على من فعل ذلك من فتنة الفقر وشدّة نزاع النفس إلى ما خرج من اليد فيندم فيذهب ماله ويضيع ثوابه ويصير كلا على الناس، وهذا في حق من لم يقو يقينه، أما من قوي يقينه كأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه فلا يكره له التصدق بكل ماله، ولذا لم ينكر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليه تصدقه بكل ماله لما علمه من صحة نيته وقوة يقينه (والحديث) أخرجه أيضًا الحاكم وقال صح على شرط مسلم. أقول لكن في إسناده محمد ابن اسحاق وهو لا يحتج به إذا عنعن كما هنا (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ زَادَ "خُذْ عَنَّا مَالَكَ لاَ حَاجَةَ لَنَا بِهِ". (ش) أي روى هذا الحديث عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق بإسناده ومعناه، وزاد فيه على حديث حماد قوله صلى الله تعالى عليه. على آله وسلم "خذ عنا مالك لا حاجة لنا له" (ص) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- النَّاسَ أَنْ يَطْرَحُوا ثِيَابًا فَطَرَحُوا فَأَمَرَ لَهُ مِنْهَا بِثَوْبَيْنِ ثُمَّ حَثَّ عَلَى الصَّدَقَةِ فَجَاءَ فَطَرَحَ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَصَاحَ بِهِ وَقَالَ "خُذْ ثَوْبَكَ". (ش) (سفيان) بن عيينة كما في الترمذي. و (ابن عجلان) محمد (قوله دخل رجل المسجد) لعله سليك بن عمرو الغطفان كما تقدم في "باب إذا دخل الرجل والإمام يخطب" من أبواب الجمعة (قوله فأمر النبي الناس أن يطرحوا ثيابًا" أي يضعوها صدقة ليعطى منها ذلك الرجل، ففي النسائي عن أبي سعيد أن رجلًا دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله تعالى وعليه وعلى آله وسلم يخطب فقال: صل ركعتين، ثم جاء الجمعة الثانية والنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله

الخلاف في نفقة الأولاد المكلفين

وسلم يخطب فقال: صل ركعتين، ثم جاء الجمعة الثالثه فقال: صل ركعتين، ثم قال تصدقوا فتصدقوا فأعطاه ثوبين، ثم قال تصدقوا فطرح أحد ثوبيه فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: " ألم تروا إلى هذا؟ أنه دخل المسجد بهيئة بذّة فرجوت أن تفطنوا له فتصدقوا عليه، فلم تفعلوا فقلت تصدقوا فتصدقتم فأعطيته ثوبين، ثم قلت تصدقوا فطرح أحد ثوبيه خذ ثويك وانتهره (قوله ثم حث على الصدقهّ) أي حرض عليها في الجمعة التالية للجمعة التي طرحوا فيها الثياب، ففي رواية للنسائى "فلما كانت الجمعة الثانية جاء ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب فحث الناس على الصدقة فألقى أحد ثوبيه" (وفي حديث الباب) دلالة على أنه يكره للشخص أن يتصدق بما هو محتاج إليه. وعلى أنه ينبغي للإمام إذا رأى من يتصدق بما يحتاج إليه أن يرده عليه (الحديث) أخرجه أيضًا الحاكم وصححه. وأخرجه النسائي بلفظ تقدم. وفي سنده محمد بن عجلان تكلم فيه بعضهم، وقال الترمذي: قال سفيان بن عيينة كان محمد بن جملان ثقة مأمونًا في الحديث (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّ خَيْرَ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ". (ش) (جرير) في عبد الحميد. و (الأعمش) سليمان بن مهران. و (أبو صالح) ذكوان السمان (قوله خير الصدقة الخ) أي أفضلها ما يبقى بعده للمتصدق ما يدفع حاجته ويكون به غنيًا. وكان هذا أفضل من التصدق، بكل المال لما تقدم من أن من تصدق بالجميع قد يندم إذا احتاج ويودّ أن لم يتصدق بخلاف، من بقي بعد صدقته مستغنيًا فإنه لا يندم عليها. ويحتمل أن يكون معناه أفضل الصدقة ما كان العطاء فيه كثيرًا بحيث يصير المتصدق عليه به غنيًا. والظاهر الأول، لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: وابدأ بمن تعول "وقوله فيما تقدم" خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وقول المصنف "أو تصدق به عن ظهر غنى" بضم المثناة الفوقية والصاد المهملة مبنيًا للمفعول وهو شك من أحد الرواة (قوله وابدأ بمن تعول) أي ابدأ بمن تجب عليك نفقته فلا تضيعهم وتتفضل على غيرهم. يقال عال الرجل أهله إذا قام بما يحتاجون إليه من قوت وكسوة (وفي الحديث) دلالة على كراهة التصدق بجميع المال. وعلى أنه يطلب تقديم الأهمّ على المهمّ في النفقات وغيرها من الأمور الشرعية، فيقدم نفسه ثم عياله على غيرهما لأن نفقتهم واجبة عليه بخلاف نفقة غيرهم. واختلف في نفقة من بلغ من الأولاد ولا مال له ولا كسب (فذهب) طائفة إلى وجوبها

باب الرخصة في ذلك أي في تصدق الرجل بكل ماله

على الوالد مطلقًا (وذهب) الجمهور إلى أن الواجب على الوالد الانفاق على أولاده حتى يبلغ الذكور وتنزوج الأنثى، ثم لا نفقة إلا لعاجز عن الكسب لزمانة أو مرض أو غيرهما (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري والنسائي بلفظ "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول" زاد النسائي "واليد العليا خير من اليد السفلى" وأخرجه البخاري ومسلم من حديث حزام بن حكيم (باب في الرخصة في ذلك) أي في خروج الرجل من جميع ماله والتصدق به كله (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَيَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيُّ قَالاَ نَا اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ "جَهْدُ الْمُقِلِّ وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ". (ش) مطابقة الحديث للترجمة في قوله "جهد المقل" (رجال الحديث) (الليث) بن سعد. و (أبو الزبير) محمد بن مسلم. و (يحيى بن جعدة) ابن هبيرة القرشيّ المخزومي. روى عن جدته أم هانئ وأبي الدرداء وزيد بن أرقم وأبي هريرة وطائفة وعنه عمرو بن دينار ومجاهد وأبو الزبير وحبيب بن أبي ثابت وغيرها. وثقه النسائي وأبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات، وفي التقريب ثقة من الثالثة. روى له أبو داود وابن ماجه والنسائي (معنى الحديث) (قوله أي الصدقة أفضل) أي أكثر ثوابًا وأعظم أجرًا (قوله جهد المقل) بضم الجيم وفتحها الوسع والطاقة، وقيل بالضم الوسع والطاقة، وبالفتح المشقة. والمقل الفقير قليل المال، والمعنى أفضل الصدقات صدقة الفقير بما في وسعه وطاقته. وهذا محمول على فقير رزق القناعة والرضا فصدقته ولو قليلة أكثر ثوابًا من صدقة الغني كثير المال ولو كثيرة كما جاء في حديث أبي هريرة مرفوعًا "سبق درهم مائة ألف درهم قالوا وكيف؟ قال لرجل درهمان تصدق بأحدهما وانطلق رجل إلى عرض ماله فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق به" أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم وصححه (فقه الحديث) دل الحديث على عدم كراهة التصدق بكل المال لمن رزق الصبر وحسن التوكل علي الله عَزَّ وَجَلَّ، أما من لم يكن كذلك فيكره في حقه التصدق بما لم يفضل عن حاجته وحاجة من تلزمه نفقته، وبهذا يجمع بين حديث الباب والذي قبله. وعلى أن صدقة الفقير الصابر ولو قليلة أفضل من صدقة الغني بالمال ولو كثيرة لأن الأول بذلهاخ شدة الحاجة إليها، فقد

شروط إباحة التصدق بكل المال

جاهد نفسه وهو اه وتحمل ما لم يتحمله الثاني (والحديث) أخرجه أيضًا الحاكم وصححه (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ -وَهَذَا حَدِيثُهُ- قَالاَ نَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ نَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يَقُولُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي فَقُلْتُ الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ". قُلْتُ مِثْلَهُ. قَالَ وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ". قَالَ أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قُلْتُ لاَ أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا. (ش) (الرجال) (أَبوزيد) أسلم العدوىّ مولى عمر، ويقال أبو خالد. أدرك زمن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وابن عمر ومعاذ بن جبل وعنه ابنه زيد والقاسم بن محمد ونافع مولى ابن عمر وغيرهم من كبار التابعين. وثقه العجليّ وأبو زرعة ويعقوب في أبي شيبة. روى له الجماعة. مات سنة ثمانين، وسنه أربع عشرة سنة ومائة (المعنى) (قوله فوافق ذاك الخ) أي صادف أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله سلم بالصدقة وجود مال عندي فحدثت نفسي بسبقي أبا بكر بالمبادرة وكثرة الصدقة، فإني ما سبقته إلى خير من قبل. فإن في قوله إن سبقته نافية، ويحتمل أن تكون شرطية جوابها محذوف، أي إن أمكن سبقي إياه يومًا فهذا يوم السبق (قوله فقلت مثله) وفي نسخة قلت مثله أي أبقيت نصف مالي (قوله فقال أبقيت لهم الله ورسوله) وفي نسخة قال أبقيت لهم الخ كناية عن كونه تصدق بكل ماله ولم يدخر لأهله منه شيئًا ابتغاء مرضاة الله تعالى ورسوله، ولم ينكر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الصديق التصدق بكل ماله لعلمه بقوة يقينه وجميل صبره وحسن توكله، فلم يخف عليه الفتنة ولا تكفف الناس كما خافها على غيره ممن ردّ عليهم الذهب والثياب كما تقدم في الباب السابق (والحديث) دليل على عدم كراهة التصدق بكل المال لمن كان صحح البدن كامل العقل غير مدين وكان صبورًا على الضيق ولا عيال له أوله عيال يصبرون، فإن فقد شيء من ذلك كره، وهذا هو المختار من حيث الجواز، أما من حيث الاستحاب فينبغي أن يكون ذلك من الثلث فقط جمعًا بين

باب فضل سقي الماء

قصة أبي بكر وحديث كعب بن مالك الآتي للمصنف في "باب من نذر أن يتصدق بماله" من (كتاب الأيمان والنذور) وفيه أنه قال: إن من توبتي أن أخرج من مالي كله إلى الله وإلى رسوله صدقة، قال لا، قلت فنصفه قال لا، قلت فثلثه قال نعم "الحديث" وإلى هذا ذهب جمهو ر العلماء. وقال مالك والأو زاعي لا يجوز التصدق إلا بالثلث ويردّ عليه الثلثان، وهو رواية عن مكحول، وعنه أيضًا يردّ ما زاد على النصف (ففه الحديث) دل الحديث على فضل الصدقة والحث عليها، وفي الترمذي عن أنس بن مالك مرفوعًا "إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء" وفي حديث آخر "بادروا بالصدقة فان البلاء لا يتخطاها" رواه أبو الحسن رزين بن معاوية العبدري. ودل أيضًا على مزيد فضل أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وحرصهما عل الخير ومبادرتهما إلى فعله (والحديث) أخرجه أيضًا الترمذي والحاكم وصححاه (باب في فضل سقي الماء) (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّ سَعْدًا أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْجَبُ إِلَيْكَ قَالَ "الْمَاءُ". (ش) (همام) بن يحيى العوذي. و (قتادة) في دعامة. و (سعد) بن عبادة. و (سعيد) ابن السيب (قوله أي الصدقة أعجب إليك الخ) أي أي أنواعها أحب إليك؟ فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: التصدق بالماء. وذلك لعموم نفعه وكثيرة الحاجة إليه خصوصًا في البلاد الحارة التي يقل فيها الماء. قال الله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ) والتصدق به أعم من أن يكون لشرب الآدمي أولسقي الدواب والزرع أوللطهارة أو غير ذلك من المنافع (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي في "فضل الصدقة على الميت" من "كتاب الوصايا" من طريق هشام عن قتادة بلفظ "أي الصدقة أفضل؟ قال سقي الماء" وأخرجه ابن ماجه في "باب فضل صدقة الماء" من "أبواب الأدب" وأخرجه الحاكم بسند المصنف وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين اهـ والحديث منقطع لأن سعيد بن المسيب لم يدرك سعد بن عبادة، لأنه ولد سنة خمس عشرة، وسعد توفي سنة خس عشرة أو أربع عشرة إحدى عشرة. وهو لا ينافي صحة الحديث لأن ابن المسيب لا يروي إلا عن عدل (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ

حرص سيدنا سعد بن عبادة على بر أمه حتى بعد موتها

عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ. (ش) (رجال الحديث) (محمد بن عبد الرحيم) البزاز البغدادي المعروف بصاعقة، تقدم بالسادس ص 102. و(محمد بن عرعرة) بن البرند بكسرتين فسكون أبو عبد الله البصري الناجي روى عن جرير بن حازم وشعبة وابن عون ومبارك بن فضالة وغيرهم. وعنه البخاري ونصر بن علي ويعقوب بن سفيان وآخرون. وثقه أبو حاتم وابن قانع والحاكم والنسائي وذكره ابن حبان في الثقات روى له البخاري ومسلم وأبو داود. توفى سنة ثلاث عشرة ومائتين (المعنى) (قوله نحوه) أي نحو حديث همام عن قتادة، ولفظه كما في الحاكم "أن سعد بن عبادة أتى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: أي الصدقة أعجب إليك؟ قال سقي الماء" (وهذه الرواية) أخرجها النسائي من طريق قتادة قال: سمعت الحسن بجدث عن سعد بن عبادة أن أمه ماتت فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال نعم، قال فأي الصدقة أفضل؟ قال سقي الماء، فتلك سقاية سعد بالمدينة اهـ وهو منقطع أيضًا، فإن الحسن البصري ولد سنة إحدى وعشرين، وتوفي سعد بن عبادة قبل ذلك كما تقدم. وهذا لا يقدح في صحة الحديث، فإن ابن المسيب والحسن البصري لا يرويان إلا عن عدل (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ "الْمَاءُ". قَالَ فَحَفَرَ بِئْرًا وَقَالَ هَذِهِ لأُمِّ سَعْدٍ. (ش) (إسراءيل) بن يونس. و (أبو إسحاق) الهمداني السبيعي. و (الرجل) لعله سعيد ابن المسيب كما في التقريب (قرله فحفر بئرًا الخ) أي حفر سعد بئرًا معينًا وجعل ماءها صدقة لأمه (وقد دلت) أحاديث الباب على فضل التصدق بالماء. وعلى أن الصدقة تنفع الميت ويصل ثوابها إليه. وعلى ما كان عليه سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه من الإحسان إلى أمه حتى بعد موتها (والحديث) أخرجه النسائي من طريق هشام عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن سعد بن عبادة قال: قلت يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال نعم، قلت فأى الصدقة أفضل؟ قال سقي الماء. اهـ وفي سنده انقطاع كما تقدم (ص) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنِ نَا أَبُو بَدْرٍ نَا أَبُو خَالِدٍ -الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ فِي بَنِي دَالاَنَ- عَنْ نُبَيْحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "أَيُّمَا مُسْلِمٍ كَسَا مُسْلِمًا

الحث على معاونة المحتاج والتحلي بأسباب التآلف والتحابب

ثَوْبًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ أَطْعَمَ مُسْلِمًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ سَقَى مُسْلِمًا عَلَى ظَمَإٍ سَقَاهُ اللَّهُ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ". (ش) (على بن حسين) بن إبراهيم بن أشكاب كما في بعض النسخ تقدم بالخامس ص 136 و(أبو بدر) شجاع بن الوليد الكوفي. تقدم بالرابع ص 67. و(أبو خالد) يزيد بن عبد الرحمن، وبنودالان بطن من همدان. و(نبيح) التصغير ابن عبد الله العنزي. تقدم بالثامن صفحة 192 (قوله أيما مسلم) برفع أي على الابتداء، وما زائدة، ومسلم مضاف إليه (قوله على عري) بضم فسكون مصدر عرى من باب تعب. يقال عرى الرجل من ثيابة يعرى عريًا وعرية، فهو عار وعريان. والمراد بالعري الحاجة إلى الثوب لدفع حر أو برد أولتجمل وإن لم يكن مكشوف العورة (قوله كساه الله من خضر الجنة) الجملة في محل رفع خبر أيُّ. وخضر بضم فسكون جمع أخضر مضاف لما بعده على حذف مضاف، من باب إقامة الصفة مقام الموصوف، أي من ثيابها الخضر، وهي أنفس ثيابها وأعلاها. وفي رواية الترمذي "وأيما مؤمن كسا مؤمنًا على عري كساه الله من خضر الجنة" والمراد أن من فعل ذلك ألبسه الله نوعًا مما ذكر أعلى من غيره أو كساه بذلك قبل غيره، وإلا فكل من دخل الجنة يكسى ثيابًا خضرًا. قال الله تعالى (وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) وخص الأخضر لأنه أحسن الألوان (قوله على ظمإ) بفتحتين مهموزًا مصدر ظمئ كعطش وزنًا ومعنى فهو ظمآن والأنثى ظمآى (قوله الرحيق الخنوم) أي من خمر الجنة المختوم بالمسك، والرحيق صفوة الخمر الذي لا غش فيه، والمختوم المصون الذي لم يبتذل ولم يصل إليه غير أصحابه لنفاسته وكرامته. وقيل المراد منه أنهم يجدون في آخر تناوله رائحة المسك، من قولهم ختمت الكتاب إذا انتهيت إلى آخره. وفيه إشارة إلى قوله تعالى (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ) (فقه الحديث) دل الحديث على الحض على التحلي بهذه المكارم. وعلى أن من فعل شيئًا يجازى بمثله يوم القيامة (جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا): (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ) (الحديث) أخرجه أيضًا أحمد وفي سنده أبو خالد وفيه مقال. وأخرجه الترمذي في أبواب صفة الجنة من طريق عطية العوفي عن أبي سعيد وقال حديث غريب. وقد روى هذا عن عطية عن أبي سعيد موقوفًا. وهو أصح عندنا وأشبه اهـ (باب في المنيحة) بفتح الميم. وفي نسخة المنحة بكسر الميم وسكون النون، وهي العطية ينتفع بها ثم ترد كأن يمنح الرجل دابة لشرب لبنها أو شجرة لأكل ثمرها أو أرضًا لزرعها أو نقودًا قرضًا. فهى

باب في المنيحة. الترغيب في التحلي بخصال هي سبب لدخول الجنة. وجه عدم ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - لها كلها

تكون في الحيوان والثمار وغيرهما، والمراد هنا منحة الحيوان. وهي أن يعطي الرجل غيره شاة مثلًا ينتفع بلبنها أو صوفها زمنًا ثم بردها إلى صاحبها كما تقدم، ومنه حديث "المنحة مردودة والناس على شروطهم ما وافق الحق" رواه االبزار عن أنس، فهو يدل على أنها تمليك منفعة لا رقبة (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَنَا إِسْرَائِيلُ ح وَنَا مُسَدَّدٌ نَا عِيسَى -وَهَذَا حَدِيثُ مُسَدَّدٍ وَهُوَ أَتَمُّ- عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرو يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "أَرْبَعُونَ خَصْلَةً أَعْلاَهُنَّ مَنِيحَةُ الْعَنْزِ مَا يَعْمَلُ رَجُلٌ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي حَدِيثِ مُسَدَّدٍ قَالَ حَسَّانُ فَعَدَدْنَا مَا دُونَ مَنِيحَةِ الْعَنْزِ مِنْ رَدِّ السَّلاَمِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَإِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً. (ش) (إسراءيل وعيسى) ابنا يونس (قوله وهو أتم) يعني من حديث إبراهيم بن موسى لاشتماله على زيادة حسان الآتية (قوله عن الأو زاعي) هكذا في كثير من النسخ بجعل الأو زاعي مجمع الطريقين، وفي بعضها "حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا وحدثنا مسددنا عيسى" ولعل فيها سقطًا من النساخ والأصل أخبرنا إسراءيل ح حدثنا مسدد. و(الأوزاعي) عبد الرحمن. و (أبو كبشة) البراء بن قيس. و (السلولي) نسبة إلى سلول قبيلة من هوازن. تقدم بـ ص 254 (قوله أربعون خصلة الخ) مبتدأ أول، وأعلاهن مبتدأ ثان، خبره منيحة العنز، والجملة خبر الأول، وخصلة بفتح الخاء المعجمة والعنز بفتح المهملة وسكون النون أنثى المعز، والمراد بها في الحديث ذات اللبن من المعز تعار ليؤخذ لبنها ثم تردّ على صاحبها ولم يذكر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الأربعين ترغيبًا في كل أعمال الخير، إذ لو عينها لوقف بعض الناس عندها وتركوا غيرها، ونظيره إخفاء ليلة القدر. ويقاس على منيحة العنز منيحة الإبل والبقر بالأولى إذ هي أكثر نفعًا وثوابًا (قوله ما يعمل رجل بخصلة الخ) وفي نسخة مايعمل عبد، وفي رواية البخاري ما من عامل يعمل بخصلة (قوله وتصديق موعودها الخ) منصوب على التعليل عطفًا على رجاء، أي لا يعمل واحد من أهل الإِسلام بخصلة منها راجيًا ثوابها ومصدقًا بما وعد به فاعلها من الثواب إلا كان ذلك

بيان بعض هذه الخصال

سببًا لدخوله الجنة مع السابقين، أولحصوله على الدرجات العلى فيها، أولرضاء الله تعالى عنه المقتضي دخول الجنة، وإلا فأصل دخول الجنة بمحض فضل الله عَزَّ وَجَلَّ (قوله قال أبو داود في حديث مسدد الخ) أي قال المصنف: في حديث مسدد زيادة على حديث إبراهيم بن موسى وهي "قال حسان فعددنا ما دون الخ" أي ما هو أدنى وأقل في الثواب من منيحة العنز كرد السلام الخ. ويحتمل أن المراد بما دون المنيحة، ما سواها. سواء أكان أقل في الثواب منها أم لا (قوله وتشميت العاطس) بالشين المعجمة الدعاء له بالخير والبركة. يقال شمت فلانًا وشمت عليه تشميتًا فهو مشمت متشق من الشوامت وهي القوائم، كأنه دعا للعاطس بالثبات على طاعة الله تعالى. وقيل معناه أبعدك الله عن الشماتة وجنبك ما يشمت به عليك اهـ من النهاية وورد التسميت بالسين المهملة من السمت وهو الهيئة الحسنة أي جعلك الله على سمت حسن (قوله وإماطة الأذى عن الطريق) أي إزالة ما يؤذي المارة من الشوك والحجر ونحوهما (قوله فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة الخ) وفي نسخة خمسة عشر، والصواب الأولى. وعدم استطاعة حسان ذلك لا يمنع استطاعة غيره، فقد أبلغها بعضهم أربعين فأكثر. منها إطعام الجائع، وسقي الظمآن، وبدأ السلام، وتعليم الصنعة، وإعطاء صلة الحبل، وإعطاء شسع النعل، وطلاقة الوجه، وإيناس الوحشان، وتفريج الهم، وإعانة المحتاج، وستر المسلم، والتفسح في المجالس، وإدخال السرور على المسلم، ونصر المظلوم، ومنع الظالم عن ظلمه والدلالة على على الخير، والإصلاح بين الناس، ورد السائل بالقول الجميل، والذب عن عرض المسلم، وغرس الشجر، والشفاعة، وعيادة المريض، والمصافحة، والتحابب في الله، والتزاور في الله والتباذل في الله، والمجالسة في الله، والبغض في الله، والنصح، والرحمة، والأمر بالمعروف. كذا قال ابن بطال (وقد ورد) فيما ذكر أحاديث صحيحة. وفي قوله نظر فإن منها ما ليس دون منيحة العنز بل أعلى منها أو مساو لها، ولذا قال ابن المنير: الأولى أن لا يعتني بعدها يعني للحكمة التي ذكرت لعدم عد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لها. قال الحافظ في الفتح ومع ذلك فأنا موافق لابن بطال في إمكان تتبع أربعين خصلة من خصال الخير أعلاها منيحة العنز، وموافق لابن المنير في ردّ كثير مما ذكره ابن بطال مما هو ظاهر أنه فوق المنيحة اهـ وقال الكرماني ردًا علي ابن بطال: هذا الكلام رجم بالغيب لاحتمال أن يكون المراد غير المذكورات من سائر أعمال الخير، ثم إنه من أين علم أن هذه أدنى من المنحة، لجواز أن تكون مثلها أو أعلى منها، ثم فيه تحكم حيث جعل بدء السلام منها دون رد السلام مع أنه صرح به في الحديث الذي نحن فيه، وكذا جعل الأمر بالمعروف منها دون النهي عن المنكر اهـ بتصرف (فقه الحديث) دل الحديث على الترغيب في عمل الخير قليله وكثيره ابتغاء مرضاة الله تعالى وتصديقًا بالثواب الذي وعد به فاعل الخير. وعلى أن ذلك سبب لدخول الجنة

باب أجر الخازن شرط استحقاقه ثواب تسليم الصدقة

مع السابقين والتنعم في أعلى درجاتها بما لم يخطر على قلب بشر من أنواع النعيم (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري من حديث مسدد بسنده في "باب فضل المنيحة" من "كتاب الهبة" وفيه زيادة قول حسان، ولعل الحاكم لم يقف على تخريج البخاري له فأخرجه في المستدرك (باب أجر الخازن) أي ثواب الحافظ للمال الذي يستحقه على تسليم الصدقة لمستحقها، فالخازن من وكل إليه حفظ المال من طعام وغيره (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ -الْمَعْنَى- قَالاَ نَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّ الْخَازِنَ الأَمِينَ -الَّذِي يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ حَتَّى يَدْفَعَهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ- أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ". (ش) (رجَال الحديث) (أبو أسامة) حماد بن أسامة. و (بريد بن عبد الله) بن عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي. روى عن جده أبي بردة والحسن البصري وعطاء بن أبي رباح وأبي أيوب. وعنه السفيانان وحفص بن غياث، ابن إدريس وعيرهم. وثقه ابن معين والعجليّ والترمذي وأبو داود، وقال أبو حاتم ليس بالمتين يكتب حديثه، وقال النسائي ليس به. بأس، وقال ابن عدي أحاديثه مستقيمة وهو صدوق، وقال أحمد يروي أحاديث منكرة وقال ابن حبان يخطئ .. روى له الجماعة و (أبو بردة) عامر أو الحارث بن أبي موسى (المعنى) (قوله إن الخازن الأمين الخ) وفي رواية البخاري الخازن المسلم الأمين الخ وهي شروط لاستحقاق الخازن ثوابًا كاملًا كثواب المتصدق صاحب المال. فخرج بالمسلم الكافر لأنه لا يصح منه نية التقرب. وبالأمين الخائن لأنه مأزور لا مأجور لخيانته، ومن الخيانة الإنقاص في الإعطاء عما أمر به (قوله كاملًا موفرًا) حالان من مفعول يعطي أي يعطي المحتاج ما أمر به المتصدق كاملًا وافرًا، أو صفة لمصدر محذوف، أي يعطى. عطاء كاملًا تامًا، فموفرًا اسم مفعول تأكيد لما قبله من وفر، ويصح جعله اسم فاعل بكسر الفاء أي مكملًا الخازن ما يعطيه (قوله طيبة به نفسه) قيد به ليخرج من أعطى كارها فإنه لا أجر له (قوله حتى يدفعه إلى الذي أمر له) أي الذي أمر المتصدق أن يدفع الصدقة إليه، فإن دفع الخازن إلى غيره كان غير أمين لمخالفته فلا ثواب له (قوله أحد المتصدقين) بالتثنية خبر إن في

باب المرأة تصدق من بيت زوجها

قوله إن الخازن، أي هو والمالك متصدقان ولكل واحد منهما أجر الصدقة، فاللمالك أجر ما نفق من ماله، وللخازن أجر إيصاله للمستحق. ويجوز أن يكون بكسر القاف جمعًا، أي هو متصدق من المتصدقين. والمراد المشاركة في أصل الثواب، ولا يلزم استواؤهما فيه، فقد يكون ثواب المالك أكثر كما إذا أعطى خازنه مائة درهم ليوصلها إلى مستحق على باب الدار ونحوه، وقد يكون ثواب الخازن أكثر كما إذا أعطاه المالك درهما ليوصله إلى محتاج بعيد، وقد يكون أجرهما سواء كما إذا كانت قيمة المتصدق به توازي عمل الخازن. وقد يحتمل أن يكون ثواب الخازن والمالك سواء مطلقًا، لأن الأجر فضل الله يؤتيه من يشاء لا يدرك بقياس ولا هو بحسب الأعمال، والمختار الأول (فقه الحديث) دل الحديث على الترغيب في الأمانة وحسن النية في الطاعة والتعاون في الخير، لما يترتب على ذلك من المشاركة في الأجر (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري ومسلم والنسائي (باب المرأة تصدق من بيت زوجها) بحذف إحدى التاءين، وفي بعض النسخ تتصدق بإثباتها أي هل يجوز لها ذلك؟ (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُ مَا أَنْفَقَتْ وَلِزَوْجِهَا أَجْرُ مَا اكْتَسَبَ وَلِخَازِنِهِ مِثْلُ ذَلِكَ لاَ يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ". (ش) (أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله. و (منصور) بن المعتمر. و (شقيق) بن سلمة و (مسروق) بن الأجدع (قوله إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها) أي بعد إذنه ولو دلالة، وفي رواية الترمذي إذا تصدقت. وفي رواية البخاري ومسلم "إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها" وقيد بالطعام لأنه الذي يسمح به عادة بخلاف الدراهم الدنانير، فإن إنفاق المرأة منها لا يكون إلا بالإذن الصريح (قوله غير مفسدة) أي غير قاصدة بالإعطاء إفساد بيت الزوج وغير معطية ما لم تجر العادة باعطائه (قوله كان لها أجر ما أنفقت) أي أجر إنفاقها، فما مصدرية (قوله ولخازنه مثل ذلك) أي مثل أجر المالك، لكن بالشروط المذكورة في الحديث السابق، والمراد التساوي في أصل الأجر، فلا ينافي أنه قد يحصل التفاوت كما تقدم (قوله لا ينقص بعضهم أجر بعض) أي لا يزاحم بعضهم بعضًا في

الخلاف في ذلك

الأجر بل كل يأخذ أجره موفورًا على حسب حاله. وفي رواية الترمذي والنسائي "ولا ينقص كل واحد منهما من أجر صاحبه شيئًا، الزوج بما كسب ولها بما أنفقت، والحديث محمول على ما إذا علمت المرأة والخادم رضا صاحب المال بالانفاق منه بإذن صريح أو مفهوم من العرف والعادة كإعطاء السائل ما جرت العادة بإعطائه له، وكان المالك كغالب الناس في الرضا بذلك، فإن اضطرب العرف وشك في رضاه أو كان يبخل بذلك وعلم من حاله ذلك أو شك فيه، لم يجز للمرأة ولا غيرها التصدق من ماله إلا باذن صريح، وكذا إذا كان المعطي زائدًا مما اعتيد إعطاؤه. قال الحافظ في الفتح: اختلف السلف فيما إذا تصدقت المرأة من بيت زوجهًا، فمنهم من أجازه في الشيء اليسير الذي لا يؤبه به. ومنهم من حمله على ما إذا أذن الزوج ولو بطريق الإجمال، وهو اختيار البخاري، ويحتمل أن يكون ذلك محمولًا على العادة. ومنهم من قال المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن النفقة على عيال صاحب المال وفي مصالحه. ومنهم من فرق بين الزوجة والخادم بأن الزوجة لها حق في مال الزوج ولها النظر في بيته فجاز لها أن تتصدق بما لا يكون إسرافًا بل بالمعتاد وما يعلم أنه لا يضر زوجها، وأما الخادم فليس له تصرف في متاع مولاه ولا حق فلا بدّ من الإذن الصريح في عطيته دون الزوجة اهـ بتصرف (فقه الحديث) دل الحديث على ترغيب المرأة والخادم في إكرام السائل وعدم رده خائبًا بإعطائه مطلوبه إذا لم يتجاوز العادة والعرف وعلم من حال المالك بالسماح بذلك، لما يترتب على ذلك من الأجر والثواب (والحديث) أخرجه أيضًا الشيخان والنسائي، وكذا الترمذي من طريق عمرو بن مرة. قال سمعت أبا وائل يحدّث عن عائشة الحديث، وقال حديث حسن، وأخرجه أيضًا من طريق منصور عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة، وقال هذا حديث حسن صحيح. وهذا أصح من حديث عمرو بن مرة عن أبي وائل لأنه لا يذكر في حديثه عن مسروق اهـ وأخرجه ابن ماجة في "باب ما للمرأة من مال زوجها" من "أبو اب التجارة" (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَّارٍ الْمِصْرِيُّ نَا عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ سَعْدٍ قَالَ لَمَّا بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- النِّسَاءَ قَامَتِ امْرَأَةٌ جَلِيلَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نِسَاءِ مُضَرَ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا كَلٌّ عَلَى آبَائِنَا وَأَبْنَائِنَا -قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَأُرَى فِيهِ وَأَزْوَاجِنَا- فَمَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَقَالَ "الرَّطْبُ تَأْكُلْنَهُ وَتُهْدِينَهُ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ الرَّطْبُ الْخُبْزُ وَالْبَقْلُ وَالرُّطَبُ. (ش) (رجال الحديث) (محمد بن سوار) بتشديد الواو ابن راشد الأزدي أبو جعفر

ما يجوز للوالد والولد التصدق به بلا إذن المالك

الكوفي نزيل مصر. روى عن وكيع وعبد السلام بن حرب وعبدة بن سليمان وأبي خالد الأحمر، وعنه أبو داود وأبو حاتم وعبد الحكم بن آدم الصدفي وغيرهم. قال أبو حاتم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان يغرب. وفي التقريب صدوق يغرب من صغار العاشرة توفي سنة ثمان وأربعين ومائتين. روى له أبو داود. و(زياد بن جبير) بالتصغير (بن ماجة) بمثناة تحتية مشددة بن مسعود الثقفي البصري. روى عن ابن عمر وسعد والمغيرة بن شعبة. وعنه ابن أخيه سعيد بن عبيد الله ويونس بن عبيد والمغيرة بن عبد الله وآخرون. وثقه أحمد والنسائي وابن معين أبو زرعة. وفي التقريب ثقة من الثالثة وكان يرسل. روى له الجماعة (المعنى) (قوله لما بايع رسول الله النساء الخ) أي لما عاهدهن على أن لا يشركن باللهِ شيئًا ولا يسرقن ولا يزنين الخ ما في الآية قامت امرأة جليلة أي عظيمة الجسم وقيل كبيرة السن، وقالت إنا كل الخ بفتح الكاف وتشديد اللام، أي ثقل وعالة على من ذكر، فإنا لا نكتسب ونعتمد على كسبهم (قوله وأرى فيه وأزواجنا) بضم الهمزة أي أظن أن في الحديث زيادة وأزواجنا (قوله فما يحل لنا من أموالهم) تعني ما يحل لنا تناوله والتصرف فيه بلا إذنهم (قوله الرطب تأكله وتهدينه) أي يحل لكن الرطب بفتح الراء وسكون الطاء المهملة في الأصل ضد اليابس، والمراد به ما لا يدّخر ولا يبقى بل يسرع إليه الفساد كالفواكه والمطبوخ، وفسره المصنف بأنه الخبز والبقل، وهو في الأصل ما بنت في بزره، والمراد به هنا ما يؤكل من الخضروات، والرطب بضم الراء وفتح الطاء أي رطب التمر، وكذا العنب وسائر الفواكه الرطبة دون اليابسة، وخص ما ذكر بجواز تصرف الوالد والولد والزوج بلا توقف على إذن المالك لأن الخطب فيه يسير والفساد إليه سريع، فإذا ترك ولم يؤكل فسد وطرح بخلاف اليابس فإنه يدخر ولا يسرع إليه الفساد، فشأنه أن لا يسمح مالكه في التصرف فيه بلا إذنه. قال الخطابي: قد جرت العادة بين الجيران والأقارب أن يتهادوا رطب الفاكهة والبقول، وأن يغرفوا لهم من الطبيخ، وأن يتحفوا الضيف والزائر بما يحضرهم منها، فوقعت المسامحة في هذا الباب بترك الاستئذان له جريًا على العادة المستحسنة في مثله, وإنما يكون هذا لمن بسطت يده مال المالك من الآباء والأبناء دون الأزواج والزوجات، فإن الحال بين الوالد والولد ألطف من أن يحتاج معها إلى زيادة استقصاء في الاستئذان المشركة النسبية بينهما والبعضية الموجودة فيهما. فأما نفقة الزوجة على الزوج فإنها معاوضة عن الاستمتاع: وهي مقدرة بكمية ومتناهية إلى غاية، فلا يقاس أحد الأمرين بالآخر، وليس لأحدهما أن يفعل شيئًا من ذلك إلا باذن صاحبه اهـ بتصرف أقول: وما ذكره من الفرق بين الآباء والأبناء وبين الأزواج والزوجات لعله مبني على ما وقع له من عدم ذكر الأزواج في الحديث، ويرده التصريح بالزوجة في الحديث السابق وغيره، وفي هذا الحديث أيضًا على ما هو في سائر النسخ من قوله: قال أبو داود: وأرى فيه وأزواجنا (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ يُونُسَ.

هل للمرأة أجر إذا تصدقت من مال زوجها بلا إذنه الصريح

(ش) أي روى سفيان الثوري الحديث عن يونس بن عبيد كما رواه عن يونس عبد السلام بن حرب والغرض منه تقوية الحديث بأنه روى من طريقين (فقه الحديث) دل الحديث على ما كان عليه نساء الصحابة من الحرص على تعلم أحكام الدين: والسؤال عما خفي عليهن, وعلى جواز تصرف الولد في مال الوالد وعكسه والزوجة في مال زوجها إذا كان مما لا يدخر تصرفًا معتادًا بلا إذن صريح (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَلَهَا نِصْفُ أَجْرِهِ". (ش) (عبد الرزاق) بن همام. و (معمر) بن راشد (قوله من غير أمره) أي من غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين مع وجود قرينة على الرضا، وإلا بأن شكت في الرضا كان عليها الوزر ولا أجر لها ويحتمل أن الحاديث محمول على ما إذا أنفقت من غير علمه مما أخذته لنفقتها فالأجر بينهما، أما الزوج فلكون المال من كسبه, وأما المرأة فلتصدقها من نفقتها، وبه يجمع بين هذا الحديث والحديث الآتي (قوله فلها نصف أجره) وفي رواية البخاري فله نصف أجره. يعني أنهما سواء في الثواب، وليس المراد أن ثواب الصدقة ينصف بينهما بل كل واحد منهما له أجر كامل على ما تقدم, لا بد من هذا التأويل لما تقدم من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لا ينقص بعضهم أجر بعض" ونظيره ما أخرجه مسلم من حديث عمير مولى أبي اللحم قال: كنت مملوكًا فسألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. أأتصدق من مال مواليّ بشيء؟ قال نعم والأجر بينكما نصفان، أي الأجر قسمان وإن كان أحدهما أكثر من الأجر كما تقدم. وقال الكرماني: إن ما تقدم من أنه لا ينقص بعضهم أجر بعض فيما إذا كان إنفاقها بأمر الزوج أما إذا لم يكن بأمره كما هنا بل تظن رضاه يكون لكل نصف الأجر إبقاء للحديث على ظاهره وجمعًا بين الأحاديث "وأما" ما أخرجه مسلم من طريق عمير المذكور قال "أمرني مولاي أن أقدد لحمًا فجاءني مسكين فأطعمته منه فعلم بذلك مولاي فضربني, فأتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذكرت ذلك له فدعاه فقال لم ضربته؟ فقال يعطي طعامي من غير أن آمره قال "الأجر بينكما" "فهو" محمول على أن عميرًا تصدق بشيء يظن أن مولاه يرضى به فظهر خلافه فلعمير أجر لأنه فعل ما يعتقده مشروعًا بنية الطاعة, ولمولاه أجر في نظير ماله. (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري, وكذا مسلم بلفظ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه, ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه, وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له" أي للزوج أجر المتصدق به

جملة الأحاديث الواردة في تصدق المرأة من مال زوجها والجمع بينها

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَّارٍ الْمِصْرِيُّ نَا عَبْدَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمَرْأَةِ تَصَدَّقُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا قَالَ لاَ إِلاَّ مِنْ قُوتِهَا وَالأَجْرُ بَيْنَهُمَا وَلاَ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَصَدَّقَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا إِلاَّ بِإِذْنِهِ. (ش) (عبدة) بن سليمان بن حاجب. (عبد الملك) بن عبد العزيز بن جريج. و (عطاء) ابن أبي رباح (قوله قال لا إلا من قوتها الخ) أي قال أبوهريرة لما سئل عن تصدق المرأة من بيت زوجها, لا تتصدق إلا من قوتها الخاص بها الذي أعطاه الزوج لها والثواب بينهما كما تقدم, وليس لها أن تتصدق من مال زوجها إلا بإذنه الصريح أو الضمني المعروف من القرائن كما علمت (تنبيه) قد وجد في نسخه بعد هذا الحديث ما نصه, قال أبو داود "هذا يضعف حديث همام" أي حديث عطاء عن أبي هريرة الموقوف عليه يضعف حديث همام بن منبه عن أبي هريرة المرفوع, ووجهه أن إفتاء أبي هريرة بما يخالفه ما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم, يدل على أن الحديث المرفوع عنده معلول, لكن تقدم أنه لا منافاة بين الحديثين حتى يحتاج إلى هذا, وعلى فرض المنافاة فحديث همام صحيح مرفوع أخرجه الشيخان ولا علة فيه, فلا يضعفه حديث عطاء عن أبي هريرة الموقوف, ولذا خلت سائر النسخ من هذه الزيادة (تذييل) قد ورد في هذا الباب عدة أحاديث في ظاهرها شيء من الاختلاف (فمنها) ما يدل على إباحة إنفاق المرأة من مال زوجها وإن لم يأمرها إذا كان على الوجه المعتاد بلا إفساد وهو أول حديث في الباب "حديث مسروق عن عائشة" (ومنها) ما قيد فيه إباحة إنفاقها بكون المتصدق به رطبًا وهو الحديث الثاني "حديث سعد بن أبي وقاص" (ومنها) ما يدل على إباحة إنفاقها من مال زوجها من غير أمره وهو حديث همام بن منبه عن أبي هريرة (ومنها) ما يدل على منعها من التصدق من مال زوجها إلا بإذنه وهو حديث عطاء عن أبي هريرة الموقوف. ومثله حديث أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع: لا تنفق المرأة شيئًا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها, قيل يا رسول الله ولا الطعام؟ قال من أفضل أموالنا. أخرجه بن ماجة في "باب ما للمرأة من مال زوجها" من "أبواب التجارات" والترمذي في الزكاة وقال حديث حسن (ومنها) ما قيد فيه إباحة إنفاقها بكونه بطيب نفس وبكونها غير مفسدة وهو حديث مسروق عن عائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: إذا أعطت المرأة من بيت زوجها بطيب نفس غير مفسدة كان لها مثل أجره لها ما نوت حسنًا وللخازن مثل ذلك. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وقد تقدم ما يفيد الجمع بين هذه الأحاديث (وحاصله) أن أمر الإنفاق يختلف باختلاف عادات البلاد وباختلاف حال الأزواج من المسامحة والرضا بذلك وعدمه وباختلاف المتصدق به, فقد يكون يسيرًا يتسامح فيه. وقد يكون كثيرًا لا يتسامح فيه وقد يكون رطبًا يخشى فساده فيتسامح في إنفاقه. وقد يكون يابسًا يدخر ولا يخشى فساده فلا يتسامح في إنفاقه تم الجزء التاسع من المنهل العذب المورود، ويليه الجزء العاشر وأوله (باب في صلة الرحم)

المنهل العذب المورود «شرح سنن الإمام أبي داود» تأليف الإمام الجليل المحقق، والعارف الرباني المدقق، محيي السنة وقامع البدعة صاحب الفضيلة والإرشاد الشيخ/ محمود محمد خطاب السبكي المتوفى في الرابع عشر من شهر ربيع الأول سنة 1352 هـ عمه الله بالرحمة والرضوان وأسكنه عالي الجنان عني بتنقيحه وتصحيحه نجل الشيخ الأستاذ الإمام السيد/ أمين محمود محمد خطاب من العلماء الأعلام والمدرس بالأزهر المعمور [الجزء العاشر]

باب في صلة الرحم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ باب في صلة الرحم أي الإحسان إلى الأقارب. يقال وصل رحمه يصلها وصلا وصلة "بحذف الواو وتعويض الهاء عنها" أحسن إلى أقاربه، فكأنه بالإحسان إليهم قد وصل ما بينه وبينهم من علاقة القرابة والرحم "بفتح فكسر ككتف، ويخفف بسكون المهملة مع فتح الراء وكسرها" في الأصل موضع تكوين الولد. سميت به القرابة لأنهم خرجوا من رحم واحدة، وقيل هو مشتق من الرحمة لأن الأقارب شأنهم التراحم وعطف بعضهم على بعض، وهو يؤنث، ويذكر والأكثر تذكيره إذا استعمل في القرابة. (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قَالَ أَبُو طَلْحَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَى رَبَّنَا يَسْأَلُنَا مِنْ أَمْوَالِنَا فَإِنِّى أُشْهِدُكَ أَنِّى قَدْ جَعَلْتُ أَرْضِى بِأَرِيحَاءَ لَهُ, فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلْهَا فِى قَرَابَتِكَ. فَقَسَمَهَا بَيْنَ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَأُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ. (ش) (حماد) بن سلمة كما في بعض النسخ. و (ثابت) البناني (قوله لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) أي لن تصيبوا الإحسان والثواب الكامل من الله تعالى حتى تنفقوا أحب أموالكم إليكم في سبيله ومرضاته. وقيل البر التقوى. وقيل الجنة. وأصل البر التوسع في الخير. يقال بر العبد ربه إذا توسع في طاعته، فالبر من الله تعالى الثواب، ومن العبد الطاعة. وقد يستعمل في الصدق وحسن الخلق لأنهما من الخير المتوسع فيه (قوله يسألنا من أموالنا) أي يرغبنا في التصدق ببعض أموالنا (قوله قد جعلت أرضي باريحاء له) أي تصدقت بها لله تعالى، وباريحاء بفتح الموحدة بعدها ألف وراء مكسورة ثم ياء ساكنة وحاء مهملة وألف ممدودة، وهو بدل أو عطف بيان مما قبله. وهو هكذا في جميع النسخ، ووهم من ضبطه بكسر الموحدة وفتح الهمزة، فإن أريحاء بأرض الشام. ويحتمل إن كان محفوظا أن يكون بستان أبي طلحة سمي باسمها. وفي مسلم والبخاري

أقوال العلماء في المراد بالأقارب

بيرحاء وهو المشهور، وقد اختلف في ضبطه فقيل بفتح الباء وكسرها وبفتح الراء وضمها وبالمد فيها وقيل بفتحهما والقصر وهو الأفصح، وقيل إنه مركب إضافي بحركات الإعراب على الراء والإضافة إلى حاء. قال القاضي عياض رواية المغاربة إعراب الراء والقصر في حاء، وخطأ هذا الصوريّ، وعلى هذا فهي مركبة من كلمتين بير كلمة وحاء كلمة ثم صارت كلمة واحدة، واختلف في حاء هل هي اسم رجل أو امرأة أو مكان أضيفت إليه البئر، وفي رواية لمسلم بريحاء بفتح الموحدة وكسر الراء بعدها ياء ساكنة ثم حاء مهملة، قال الباجي: أفصح هذه اللغات بيرحا بفتح الباء وسكون الياء وفتح الراء مقصورا. وجزم به الصاغاني. وقال إنه فيعلا من البراح، وهي الأرض الظاهرة المنكشفة. ومن ذكره بكسر الموحدة وظن أنها بئر من آبار المدينة فقد صحف اهـ وبيرحا بستان بالمدينة أمام المسجد، ففي رواية للشيخين عن أنس قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل وكان أحب أمواله إليه بيرحا، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، وفي رواية البخاري عن أنس وأن أحب أموالى إليّ بيرحاء، قال "أي أنس" وكانت حديقة كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدخلها ويستظل فيها ويشرب من مائها، وقيل موضع بقرب المسجد يعرف بقصر بني جديلة بفتح الجيم وكسر الدال المهملة (قوله اجعلها في قرابتك) أي اجعل الأرض في أقاربك والقرابة في الأصل مصدر يطلق على الواحدة وغيره يقال هو قرابتي وهم قرابتي، وقد اختلف في المراد بالأقارب، فقال أبو حنيفة القرابة كل ذي رحم محرم من قبل الأب والأم ما عدا الوالدين "الأب والجد والأم والجدة" والولد وولد الولد، فلا يسمون قرابة لأن الله تعالى عطف الأقربين على الوالدين في قوله "الوصية للوالدين والأقربين" والمعطوف غير المعطوف عليه. وقال أبو يوسف ومحمد القرابة كل من ينتسب إليه بواسطة أبيه أو أمه إلى أقصى أب له أدرك الإسلام ما عدا الوالدين والولد وولد الولد، وقالت الشافعية قرابة الرجل من اجتمع معه في النسب قرب أم بعد مسلمًا أو كافرًا ذكرًا أو أنثى غنيًا أو فقيرًا وارثًا أو غير وارث محرمًا أو غير محرم, ولهم في دخول الأصول والفروع في القرابة قولان، وقال أحمد في القرابة كالشافعية إلا أنه أخرج الكافر. وروى عنه أن قرابة الرجل كل من جمعه به الأب الرابع فمن دونه، وقال مالك القريب العاصب ولو غير وارث (قوله فقسمها بين حسان إلخ) أي قسم أبو طلحة أرضه بينهما بأمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، ففي رواية النسائي اجعلها في قرابتك في حسان بن ثابت وأبيّ بن كعب. وقد تمسك به من قال إن أقل من يعطي من الأقارب إذا لم يكونوا محصورين اثنان، وفيه نظر، فقد وقع في رواية البخاري التصريح بأنه جعلها فيهما وفي غيرهما، فقد روى من طريق عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن إسحاق

المذاهب فيما تملك به الصدقة: جواز أخذ الغنى من صدقة التطوع

ابن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس (الحديث) وفيه فتصدق به أبو طلحة علي ذوى رحمه، وكان منهم أبيّ وحسان، وقد بين في مرسل أبي بكر بن حزم من أعطوا منها مع حسان وأبيّ، قال: إن أبا طلحة تصدق بماله وكان موضعه قصر بنى جديلة فدفعه إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فردّه علي أقاربه أبىّ بن كعب وحسان بن ثابت وثبيط بن جابر وشداد بن أوس اهـ (فقه الحديث) دلّ الحديث على الترغيب في الإنفاق من أحب الأموال. وعل جواز إضافة المال إلى الشخص الفاضل العالم وأن يضيفه هو إلى نفسه ولا نقص يلحقه في ذلك. وعلي استحباب مشاورة أهل الفضل والعلم فيما يريد الإنسان عمله من الخير. وعلى أن الصدقة على الأقارب أفضل منها على غيرهم. وعل مشروعية الصدقة المطلقة وهي التى لم يعين مصرفها أولا وإنما يعين بعد. وعل جواز إعطاء الواحد من الصدقة فوق النصاب لأن هذا الحائط خص كل واحد من المتصدق عليهم منه أنصباء، فقد باع حسان حصته لمعاوية بمائة ألف درهم وهذا يدل على أن أبا طلحة ملكهم أرض باريحاء، إذ لو وقفها ما ساغ لحسان بيعها. وعلى جواز الأخذ بالعام والتمسك به، لأن أبا طلحة فهم من قوله تعالى {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} تناوله جميع أفراده فبادر إلى إنفاق ما يحبه وأقره النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ذلك. وفيه دليل لما ذهب إليه المالكية من أن الصدقة تخرج من ملك المتصدق بمجرد القول وإن لم يقبضها المتصدق عليه، فإن كانت لمعين طلب قبضها، وإن كانت لجهة خرجت من ملك المتصدق، وللإمام صرفها في سبيل الصدقة، وذهب غيرهم من الأئمة إلى أن الصدقة لا تملك إلا بالقبض لأنها من التبرعات، وعلى أن الصدقة على جهة عامة كسبيل الله لا تحتاج إلى قبول معين بل للإمام قبولها من المتصدق ووضعها فيما يراه ولو فى قرابة المتصدق. ودل الحديث على جواز أخذ الغني من صدقة التطوع إذا جاءت له بلا سؤال, فقد كان أبيّ بن كعب بن مياسير الأنصار ودلَّ علي فضل أبي طلحة ورغبته في الخير، حيث بادر إلى إنفاق أحب ماله إليه وأقره عليه النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأثنى عليه بقوله: بخ بخ ذلك مال رابح، ذلك مال رابح. رواه الشيخان. وعلى أنه لا يعتبر في القرابة أب معين كرابع أو غيره، لأن أبيا إنما يجتمع مع أبي طلحة في الأب السادس وعلى أنه لا يجب تقديم الأقرب علي القريب في الصدقة لأن حسانا أقرب إلى أبي طلحة من أبىّ (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد ومسلم، وكذا النسائي والدارقطني في الأحباس. وأخرجه البخارى ومسلم والنسائى من حديث مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء كانت مستقبلة المسجد، وكان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس فلما نزلت {لَنْ

بيان قرابة حسان بن ثابت وأبي بن كعب من أبي طلحة

تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قام أبو طلحة فقال: يا رسول الله إن الله يقول {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وإن أحب أموالى إلى بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها حيث أراك الله، فقال بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، وقال أبو طلحة أفعل ذلك يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبنى عمه. وأخرجه البخارى أيضًا في الوصايا من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة عن أنس. قال: لما نزلت {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} جاء أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله يقول الله فى كتابه {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وإن أحب أموالى إلىّ بيرحاء "وكانت حديقة كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدخلها ويستظل فيها ويشرب من مائها" فهى إلى الله وإلى رسوله أرجو بره وذخره، فضعها "أى رسول الله" حيث أراك الله، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بخ يا أبا طلحة ذلك مال رابح قبلناه منك ورددناه إليك فاجعله في الأقربين، فتصدق به أبو طلحة على ذوى رحمه، وكان منهم أبيّ وحسان وباع حسان حصته منه من معاوية، فقيل له تبيع صدقة أبي طلحة؟ فقال ألا أبيع صاعا من تمر بصاع من دراهم؟ وكانت تلك الحديقة موضع قصر بنى جديلة الذي بناه معاوية، وأخرجه الدارقطنى أيضا والطحاوى وأبو نعيم والبيهقي من طريق حميد عن أنس قال: لما نزلت {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} أو {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} قال أبو طلحة: يا رسول الله حائطى في مكان كذا وكذا صدقة لله تعالى، ولو استطعت أن أسره لم أعلنه, قال اجعله في فقراء أهل بيتك (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: بَلَغَنِى عَنِ الأَنْصَارِىِّ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِىِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامٍ يَجْتَمِعَانِ إِلَى حَرَامٍ وَهُوَ الأَبُ الثَّالِثُ, وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ, فَعَمْرٌو يَجْمَعُ حَسَّانَ وَأَبَا طَلْحَةَ وَأُبَيًّا. قَالَ الأَنْصَارِىُّ بَيْنَ أُبَىٍّ وَأَبِى طَلْحَةَ سِتَّةُ آبَاءٍ. (ش) غرض المصنف بذلك، بيان قرابة أبىّ وحسان من أبي طلحة (محمد بن عبد الله) ابن المثنى بن عبد الله بن أنس. و (زيد بن سهل) صحابى جليل شهد العقبة والمشاهد كلها أحد

نقباء الأنصار. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابنه عبد الله وأنس ابن مالك واين عباس وزيد بن خالد وغيرهم. عاش بعد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربعين سنة وكان لا يفطر إلا يوم أضحى أو فطر، و (عمرو بن زيد مناة ين عدى) هكذا هنا وفى البخارى وأسد الغابة والاستيعاب وطبقات ابن سعد وتهذيب التهذيب. والذى فى الإصابة ابن زيد مناة بن عمرو بن مالك بن عديّ بن عمرو بن مالك ابن النجار اهـ فزاد عمر بن مالك بعد زيد مناة، والنجار لقب تيم اللات بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج وإنما لقب بالنجار قيل لأنه أختتن بالقدوم وقيل ضرب وجه رجل بقدوم فنجره فقيل له النجار (قوله يجتمعان إلى حرام) أى يحتمع أبو طلحة وحسان فى الأب الثالث لهما وهو حرام. و (عتيك) بفتح العين وكسر المثناة الفوقية، هكذا فى أكثر نسخ المصنف وفى نسخة بن عبيد بن عتيك بن معاوية وهى خطأ أيضا، والصواب ابن عبيد بالتصغير ابن زيد كما فى الإصابة والبخارى وغيرهما (قوله فعمر ويجمع حسان الخ) أى أن نسب الثلاثة يجتمع فى عمرو بن مالك (قوله بين أبىّ وأبى طلحة ستة آباء) الذى فى البخارى "فهو يجامع حسان وأبا طلحة وأبيا إلى ستة آباء" ولفظ "هو" يرجع فى كلامه إلى عمرو بن مالك يعنى أنه جمع نسبهم كما تقدم. ويمكن حمل عبارة المصنف على هذا يعنى أن بين أبى وأبى طلحة وبين عمرو بن مالك الذى هو جمع نسبهما ستة آباء، وهذا ظاهر بالنسبة لأبى طلحة أما أبيّ فليس بينه وبين عمرو إلا خمسة آباء وفي العبارة شيء من التسامح (ص) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ عَنْ عَبْدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: كَانَتْ لِى جَارِيَةٌ فَأَعْتَقْتُهَا فَدَخَلَ عَلَىَّ النَّبِىُّ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: آجَرَكِ اللَّهُ أَمَا إِنَّكِ لَوْ كُنْتِ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكِ. (ش) مناسبة الحديث للترجمة في قوله أما أنك لو كنت أعطيتها أخوالك الخ (عبيدة) ابن سليمان (قوله كانت لي جارية الخ) وفي رواية البخاري من طريق كريب مولى ابن عباس أن ميمونة بنت الحارث رضى الله عنها أخبرته أنها أعتقت وليدة (أمة) ولم تستأذن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسم (قوله فأعتقتها) بالهمزة فى أكثر النسخ وهو الصواب. وفى بعضها فعتقتها بدون همز وهو تحريف لأن عتق الثلاثى لازم لا يتعدى بنفسه وإنما يتعدى بالهمزة، فيقال أعتقته ولا يقال عتقته كما فى المصباح (قوله فدخل علىّ النبيّ فأخبرته) أى بأنى أعتقتها رغبة فى الثواب. وفى رواية البخارى فلما كان يومها الذى يدور عليها فيه قالت: أشعرت

متى تكون الهبة لذى الرحم أفضل من العتق: تبرع المرأة من مالها بلا إذن زوجها

يا رسول الله إنى أعتقت وليدتى؟ قال أو فعلت؟ قالت نعم (قوله أجرك الله) أى أثابك الله على هذا العمل. وأجر بالقصر من بابي قتل وضرب ويقال آجر بالمد (قوله أما أنك) بفتح الهمزة وتخفيف الميم وهو هنا بمعني حقًا. وكلمة أن مفتوحة الهمزة بخلاف أما الاستفتاحية فهمزة إن تكسر بعدها كما تكسر بعد ألا الاستفتاحية (قوله لو كنت أعطيتها أخوالك) وفى بعض النسخ زيادة ياء مثناه بعد التاء قال عياض ولعلها للإشباع. وأخوالها كانوا من بني هلال. وفي رواية الأصيلي أخواتك يالتاء، قال عياض ولعله أصح من رواية أخوالك بدليل رواية مالك فى الموطإ فلو أعطيتها أختيك، وقال النووي الجميع ولا تعارض ويكون النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال ذلك كله (قوله كان أعظم لأجرك) أى لأن في إعطائها إياهم صدقة وصلة. وفيه دليل عل أن الهبة لذى الرحم أفضل من العتق. ويؤيده ما رواه الترمذى والنسائى وأحمد من حديث سلمان بن عامر الضبى مرفوعا "الصدقة على المسكين صدقة وعلي ذى الرحم صدقة وصلة" ورواه أيضًا ابن خزيمة وابن حبان وصححاه. ومحل كون الهبة الى ذى الرحم أفضل من العتق إذا كان ذو الرحم فقيرًا لا مطلقًا لما فى رواية النسائى قال: أفلا فديت بها بنت أخيك من رعاية الغنم؟ فبين صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الوجه فى الأولوية وهو احتياج قرابتها الى من يخدمهم. وإن لم يكن محتاجا كان العتق أفضل لما رواه ابن ماجه والترمذى عن أبى هريرة مرفوعا "من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله له بكل عضو منها عضوًا منه من النار حتى فرجه بفرجه، وقيل إن حديث الباب واقعة عين فلا يحتج به علي أن صلة الرحم أفضل من العتق. والحق أنه ليست واقعة عين لأن الأصل عدم الخصوصية، وأن ذلك يختلف باختلاف الأحوال كما علمت (فقه الحديث) دل الحديث على جواز تبرع المرأة من مالها من غير إذن زوجها "وأما" ما أخرجه النسائى وسيأتى للمصنف فى "باب عطية المرأة بغير إذن زوجها" من كتاب الهبة من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يجوز لامرأة هبة فى مالها إذا ملك زوجها عصمتها "فهو ضعيف" بعمرو بن شعيب فلا يقاوم حديث الباب، وعلى فرض صحته فهو محمول على الأدب وحسن العشرة. وقد نقل عن الشافعى أنه قال: الحديث ليس بثابت وكيف نقول به والقرآن يدلّ على خلافه ثم السنة ثم الأثر ثم المعقول اهـ وقال البيهقى إسناد هذا الحديث إلى عمرو بن شعيب صحيح. فمن أثبت عمرو بن شعيب لزمه إثبات هذا إلا أن الأحاديث المعارضة له أصح إسنادًا، وفيها وفى الآيات دلالة على نفوذ تصرّفها فى مالها بدون إذن الزوج، فيكون حديث عمرو بن شعيب محمولا على الأدب والاختيار اهـ ودلّ الحديث على فضيلة صلة الأرحام والإحسان إلى الأقارب. وعلى أنه أفضل من العتق، وقد علمت ما فيه. وعلى الاعتناء بأقارب الأم إكراما لحقها وزيادة فى برها

الترغيب في الصدقة بعد الكفاية

(والحديث) أخرجه أيضًا النسائى فى كتاب العتق من السنن الكبرى والحاكم وقال حديث صحيح على شرط مسلم. وكذا أخرجه مسلم فى كتاب الزكاة من طريق كريب مولى ابن عباس عن ميمونة بنحو لفظ المصنف. وأخرجه البخارى فى "باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها" من طريق بكير عن كريب بلفظ تقدم (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنِ الْمَقْبُرِىِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: أَمَرَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ, فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: عِنْدِى دِينَارٌ, قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ, قَالَ عِنْدِى آخَرُ, قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ, قَالَ عِنْدِى آخَرُ قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ أَوْ زَوْجِكَ, قَالَ عِنْدِى آخَرُ, قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ, قَالَ عِنْدِى آخَرُ, قَالَ أَنْتَ أَبْصَرُ. (ش) (سفيان) الثورى. و (المقبرى) سعيد بن أبى سعيد (قوله أمر النبى بالصدقة) أى بقوله تصدّقوا كما فى رواية النسائى (قوله قال تصدّق به على نفسك الخ) وفى نسخة فقال الخ أى أنفقه فى قضاء حوائجك وإنما قدّم النفس لأنها أعز محبوب للإنسان ولأن حقوقها مقدمة على غيرها. وثنى بالولد لشدة احتياجه إلى النفقة ولزيادة قربه من الأب بالنسبة لسائر الأقارب لكونه كبعضه وقرة عينه وفلذة كبده فإذا ضيعه هلك ولم يجد من ينوب عنه فى الإنفاق عليه. وأخر الزوجة عن الولد لأنه إذا لم يجد ما ينفق عليها أمكنه مفارقتها فينفق عليها قريب أو زوج آخر. وكذا الخادم فإنه يباع عليه إذا عجز عن نفقته فتكون على من يملكه (قوله أو زوجك) وفى نسخة أو قال زوجك (قوله أنت أبصر) أى أعلم بطريق صرفه بعد أن بينت لك أصول المصارف وأن الأقارب أحق بالصدقة من الأباعد بحسب تفاوت المراتب بينهم (فقه الحديث) دل الحديث على الترغيب فى الصدقة من فضل المال بعد كفاية النفس ومن تلزم المتصدق نفقته. وعلى أن نفقة الولد مقدمة على نفقة الزوجة وهي على الخادم لأن نفقة الولد إنما تجب لحق النسبية البعضية وهى لا تنقطع. أما نفقة الزوجة فواجبة بالإمساك والتمتع وهذا قد ينقطع بالفراق (والحديث) أخرجه أيضًا النسائى والحاكم وقال حديث صحيح على شرط مسلم لكن فى سنده محمد بن عجلان وفيه مقال كما تقدم

الحث على القيام بمصلحة الرعية وعلى صلة الرحم

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ نَا سُفْيَانُ نَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَابِرٍ الْخَيْوَانِىِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ. (ش) (رجال الحديث) (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعى. و (وهب بن جابر) الهمدانى الكوفى. روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص. وعنه أبو إسحاق السبيعى فقط. وثقه ابن معين والعجلي وذكره ابن حبان فى الثقات وقال النسائى وعلى بن المديني مجهول وقال فى التقريب مقبول من الرابعة. و (الخيواني) بفتح الخاء المعجمة وسكون التحتية آخر الحروف نسبة إلى خيوان مدينة باليمن. روى له أبو داود والنسائى (المعنى) (قوله كفى بالمرءِ إثمًا الخ) أى كفى المرء إثما تضييع من يقوته بترك النفقة عليه، فالمرء مفعول والباء زائدة وأن يضيع فى تأويل مصدر فاعل كفى. ويقوت مضارع قات من باب قال والاسم القوت بالضم وهو ما يقوم به بدن الإنسان من الطعام ومعنى من يقوت من تلزمه نفقته من الأهل والعيال والعبيد، فكأن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لمن يريد التصدق بما لا يزيد عن نفقة من تلزمه نفقته طالبًا الأجر لا تتصدق بهذا فينقلب إثما إذا ضيعت من تقوت، ويحتمل أن المراد كفى بالمرء إثما أن يحبس النفقة عمن تلزمه نفقته فيضيعون، ويؤيد هذا ما رواه مسلم من طريق خيثمة بن عبد الرحمن قال: كنا جلوسا مع عبد الله ابن عمرو إذ جاءَه قهرمان له فدخل فقال: أعطيت الرقيق قوتهم؟ قال لا قال فانطلق فأعطهم قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته" والقهرمان بفتح القاف وإسكان الهاء وفتح الراء الخازن القائم بحوائج الإنسان وهو بمعنى الوكيل. (فقه الحديث) دل الحديث على التنفير من تصدق الشخص بما لا يزيد عن نفقة من تلزمه نفقته. وعلى عظيم إثم من يفعل ذلك (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد فى مسنده والحاكم والبيهقي فى السنن والنسائى (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ وَهَذَا حَدِيثُهُ قَالاَ نَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ فِى رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ.

بيان المراد بالرحم التي توصل

(ش) (ابن وهب) عبد الله. و (يونس) بن عبيد. و (الزهرى) محمد بن مسلم (قوله من سره أن يبسط عليه فى رزقه) هكذا في أكثر النسخ وفي بعضها من سره أن يبسط الله عليه. وفى بعضها من سره أن يبسط له أى من أحب أن يوسع له فى رزقه. وفى رواية للشيخين من أحب أن يبسط له فى رزقه (قوله وينسأله فى أثره) بضم فسكون أى يؤخر له فى أجله يقال نسأ الله فى عمرك وأنسأ عمرك أخره. والأثر ههنا آخر العمر قال كعب بن زهير والمرء ما عاش ممدود له أمل ... لا ينتهى العين حتى ينتهى الأثر وسمى الأجل أثرا لأن أثر الشئ ما يدل عليه ويتبعه وهو يتبع العمر (قوله فليصل رحمه) يعنى فليحسن إلى قرابته ويتعطف عليهم ويرفق بهم ويراعي أحوالهم ويدفع عنهم الشر. وقد اختلف العلماء فى حدّ الرحم التى تجب صلتها فقيل هو القريب الذى يحرم نكاحه بحيث لو كان أحدهما أنثى لحرم نكاحه، وعليه فلا يدخل فيه أولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات، واستدل لهذا بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها فى النكاح لما قد يؤدى إليه الجمع بينهما من التقاطع. قالوا فلو كانت صلة من لا يحرم نكاحه من الأقارب كبنت العم وبنت الخال واجبة لحرم الجمع بينهما. وقيل المراد بالرحم القريب الوارث لحديث أبى هريرة أن رجلا قال يا رسول الله من أحق الناس بحق الصحبة؟ قال أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ثم أدناك أدناك. أخرجه مسلم. وقيل المراد به القريب ولو غير وارث لحديث عبد الله في عمر أن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: أبرّ البر أن يصل الرجل ودّ أبيه. أخرجه مسلم. وهذا هو الظاهر قال القرطبي الرحم التى توصل عامة وخاصة فالعامة قرابة الدين تجب صلتها بالتوادد والتناصح والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة والرحم الخاصة قرابة النسب وهى تزيد بالإحسان إلى القريب وتفقد حماله والتغافل عن زلته (وعلى الجملة) فالمعنى الجامع للصلة إيصال ما أمكن من الخير ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة. وهى درجات بعضها أرفع من بعض. أدناها ترك الخصام ويتحقق بالكلام ولو بالسلام وأعلاها القيام بالحقوق الواجبة والمستحبة. وهذا حق المؤمنين الصادقين وأما الكفار والفساق فتجب مقاطعتهم إذا لم تنفع فيهم النصيحة (والحديث) لا يعارض قوله تعالى {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} لأن النسأ فى الأجل كناية عن البركة فى العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة والبعد عن المعصية فيبقى بعده الذكر الجميل. ومنه علم ينتفع به بعده وصدقة جارية وولد صالح فكأنه لم يمت. وهذا هو المناسب لظاهر الحديث ورجحه الطيبى فإن الأثر ما يتبع الشئ فإذا أخر حسن أن يحمل على الذكر الحسن بعد الموت. ويؤيده ما أخرجه الطبرانى فى الصغير بسند ضعيف عن أبى الدرداء قال: ذكر عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من وصل رحمه أنسيء له في أجله فقال "إنه ليس زيادة فى عمره قال الله تعالى، فإذا جاء أجلهم

الترغيب في صلة الرحم والتنفير من قطعها

الآية ولكن الرجل تكون له الذرية الصالحة يدعون له من بعده، وأخرج فى الكبير من حديث أبي مشجعة الجهني مرفوعًا "إن الله لا يؤخر نفسا إذا جاه أجلها، وإنما زيادة العمر ذرية صالحة" الحديث، وجزم به ابن فورك فقال إن المراد بزيادة العمر نفي الآفات عن صاحب البر في فهمه وعقله ورزقه وغير ذلك، قال في السبل ولابن القيم في كتاب الداء والدواء كلام يقتضى أن مدة حياة العبد وعمره هى مهما كان قلبه مقبلا على الله ذاكرًا له مطيعا غير عاص فهذه هى عمره، ومتى أعرض القلب عن الله تعالى واشتغل بالمعاصى ضاعت عليه أيام حياة عمره فعلى هذا معنى أنه ينسأ له في أجله أى يعمر الله قلبه بذكره وأوقاته بطاعته اهـ ويحتمل أن التأخير في الأجل على حقيقته وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر، والذى في الآية منظور فيه إلى ما في علم الله كأن يقال للملك إن عمر فلان ثمانون مثلا إن وصل رحمه وإن قطعها فخمسون، وقد سبق في علمه تعالى أنه يصل أو يقطع، فالذى في علم الله تعالى لا يتقدم ولا يتأخر والذى في علم الملك هو الذى يمكن فيه الزيادة والنقص، وإليه الإشارة بقوله تعالى {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} فالمحو والإثبات بالنسبة لما في علم الملك. وما في أم الكتاب هو الذى في علم الله تعالى فلا محو فيه ألبتة ويقال له القضاء المبرم ويقال للأول القضاء المعلق. وقيل إن كل إنسان له أجلان أجل ينقضى بموته وأجل ينقضى ببعثه فابتداء أجل الموت من حين ولادته وابتداء أجل البعث من حين موته ومجموع الأجلين محدود لا يزيد ولا ينقص، فالطائع البار الواصل للرحم يزاد له في أجل الدنيا وينقص من أجل البرزخ الذي هو القبر، والعاصي القاطع الرحم يزاد له أجل البرزخ وينقص له من أجل الدنيا قيل وبه فسر قوله تعالى {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} (فقه الحديث) دلّ الحديث على الترغيب في صلة الرحم. وعلى أنها سبب لسعة الرزق والبركة في العمر (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والشيخان والنسائى وأخرجه البخارى عن أبي هريرة (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ قَالاَ نَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا الرَّحْمَنُ وَهِىَ الرَّحِمُ شَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِى مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ.

المراد من وعيد قاطع الرحم بعدم دخول الجنة

(ش) (أبو بكر ابن أبي شيبة) عبد الله بن محمد بن أبي شيبة. و (سفيان) بن عيينة و (أبو سلمة) قيل اسمه عبد الله وقيل اسمه كنيته وقيل إسماعيل بن عبد الرحمن بن عوف (قوله أنا الرحمن) مشتق من الرحمة وهى في الأصل رقة في القلب تقتضى التفضل والإحسان والمراد هنا لازمها لاستحالة المعنى الأصلى عليه تعالى أى أنا المتصف بهذه الصفة (قوله وهى الرحم) بكسر ففتح والمراد بها القرابة كما تقدم. وفي رواية الترمذى أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم، وهي واضحة بخلاف رواية المصنف فإن الضمير فيها لم يذكر مرجعه (قوله شققت لها الخ) أى جعلت لها اسما مأخوذا من اسمى الرحمن والمراد أنها أثر من آثار رحمة الرحمن (قوله من وصلها وصلته الخ) أى من أحسن إلى قرابته وتعطف عليهم وراعى حقوقهم رحمته وأحسنت إليه وأكرمته في الدارين ومن ترك الإحسان إلى أقاربه قطعته عن رحمتى وأبعدته عن إحسانى الخاص. والقطيعة تتحق بترك الإحسان وإن لم ينضم إليها إساءة لأن الأحاديث آمرة بالصلة ناهية عن القطيعة والصلة نوع من الإحسان والقطيعة ضدها ولا واسطة بينهما (فقه الحديث) دلّ الحديث على الترغيب في صلة الرحم لما يترتب عليها من رحمة الله تعالى للواصل وإكرامه له بأنواع الإحسان. وعلى التنفير من ترك الإحسان إلى القريب وهجره لما يترتب على ذلك من غضب الله تعالى على القاطع وتعذيبه عذابا شديدا. وعلى صحوة القول بالاشتقاق في الأسماء العربية والرد على من أنكر ذلك وادعى أن الأسماء كلها موضوعة. وعلى أن اسمه تعالى الرحمن عربي مأخوذ من الرحمة خلافا لمن زعم أنه عبري (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والبخارى في الأدب والحاكم والترمذي بلفظ أتم عن أبي سلمة قال: اشتكى أبو الرداد الليثي فعاده عبد الرحمن بن عوف فقال خيرهم وأوصلهم ما علمت أبا محمد فقال عبد الرحمن سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول قال الله تعالى أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمى الحديث. وقال حديث صحيح. وفي تصحيحه نظر فقد قال ابن المدينى وأحمد وابن معين وأبو حاتم ويعقوب بن شيبة وأبو داود حديث أبي سلمة عن أبيه (يعني عبد الرحمن بن عوف) مرسل قال أحمد مات أبوه وهو صغير. وقال أبو حاتم لا يصح عندى وصرح الباقون بكونه لم يسمع منه وقال ابن عبد البر لم يسمع من أبيه أفاده في تهذيب التهذيب، فالحديث منقطع لكن يقويه أنه روي من عدة طرق موصولا كما يأتى (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ الْعَسْقَلاَنِىُّ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ الرَّدَّادَ اللَّيْثِىَّ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ. (ش) (رجال الحديث) (عبد الرزاق) بن همام. و (معمر) بن راشد. و (الردّاد) الحجازى والمشهور أبو الرداد، روى عن عبد الرحمن بن عوف، وعنه أبو سلمة بن عبد الرحمن. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من الثانية. روى له البخارى في الأدب وأبو داود (قوله بمعناه) أى بمعنى حديث سفيان بن عيينة المتقدم. ولفظه كما نقله الحافظ في تهذيب التهذيب عن المصنف أن عبد الرحمن بن عوف سمع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول قال الله أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم الحديث، ولعل الحافظ اطلع على نسخة للمؤلف فيها لفظ الحديث، وهذه الرواية أشار إليها الترمذى بقوله وروى معمر هذا الحديث عن الزهرى عن أبي سلمة عن ردّاد الليثي عن عبد الرحمن بن عوف ومعمر كذا يقول قال محمد (يعني البخاري) وحديث معمر خطأ اهـ وكذا قال أبو حاتم الرازي إن المعروف أبو سلمة عن عبد الرحمن وأما أبو الردّاد الليثي فإن له في القصة ذكرا اهـ يعنى لا على أنه راو عن عبد الرحمن كما تقدم في رواية الترمذي، وقال ابن حبان رداد الليثي يروي عن ابن عوف وذكر الحديث من طريق معمر عن الزهرى عن أبي سلمة عن رداد عن عبد الرحمن قال وما أحسب معمرا حفظه روى هذا الخبر أصحاب الزهرى عن أبي سلمة عن ابن عوف اهـ أقول لكن يقوى رواية معمر ما رواه البخارى في الأدب المفرد من حديث محمد بن أبي عتيق عن الزهرى عن أبي سلمة عن أبي الردّاد الليثي الخ ذكره الحافظ في تهذيب التهذيب وقال تابعه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري كذلك وهو الصواب اهـ ويؤيد ذلك أيضا ما تقدم من أن أبا سلمة لم يسمع من أبيه فعلم من رواية معمر أن الواسطة ردّاد (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ (ش) (قوله يبلغ به النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) أي يرفع الحديث إليه (قوله لا يدخل الجنة قاطع) أي قاطع رحم كما صرح به في رواية البخارى في الأدب المفرد وفي رواية لمسلم من طريق مالك عن الزهرى، وأخرجه مسلم والترمذى من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري وقال سفيان يعني قاطع رحم فأدرج فيه التفسير، وهو محمول على من يستحل قطع الرحم بلا سبب ولا شبهة مع علمه بتحريم ذلك فإنه يكون كافرا حينئذ يخلد في النار والعياذ بالله تعالى وإلا فمرتكب الإثم لا يحرم من دخول الجنة، أو يحمل على أنه لا يدخلها مع السابقين

معنى حديث "ليس الواصل بالمكافئ"

فيعاقب بتأخيره القدر الذى يستحقه (فقه الحديث) دل الحديث على التحذير والترهيب من قطيعة الرحم. وعلى عظم عقوبة مرتكب ذلك (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والبخاري ومسلم والترمذي (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ وَالْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو وَفِطْرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ سُفْيَانُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ سُلَيْمَانُ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَرَفَعَهُ فِطْرٌ وَالْحَسَنُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ هُوَ الَّذِى إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا. (ش) (رجال الحديث) (ابن كثير) محمد. و (سفيان) الثوري. و (الحسن بن عمرو) التميمي الكوفي. روى عن مجاهد والحكم بن عتيبة وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وجماعة وعنه سفيان الثورى وابن المبارك وحفص بن غياث وعبد الواحد بن زياد وغيرهم. وثقه أحمد والنسائي وابن معين والعجلى وابن المدينى وقال في التقريب ثقة ثبت من السادسة. مات سنة اثنتين وأربعين ومائة، روي له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه. و (فطر) بن خليفة. و (مجاهد) بن جبر (قوله ولم يرفعه سليمان الخ) أى لم يرفع الحديث سليمان بن مهران الأعمش الذى هو أحد مشايخ سفيان ورفعه فطر والحسن شيخاه الآخران. قال في الفتح وهذا هو المحفوظ عن الثورى، وأخرجه الإسماعيلى من رواية محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان الثورى عن الحسن بن عمرو وحده مرفوعا، ومن رواية مؤمل بن إسماعيل عن الثورى وعن الحسن بن عمرو موقوفا وعن الأعمش مرفوعا، وتابعه أبو قرة موسى بن طارق عن الثورى على رفع رواية الأعمش، وخالفه عبد الرزاق عن الثورى فرفع رواية الحسن بن عمرو وهو المعتمد ولم يختلفوا في أن رواية فطر بن خليفة مرفوعة (المعنى) (قوله ليس الواصل بالمكافئ الخ) أى ليس الواصل للرحم الذى يعطى لقريبه نظير ما أخذه منه لكن الواصل لرحمه هو الذى إذا قطعته قرابته من إحسانها وصلها. وهذا على أن قطعت مبنى الفاعل كما هو أكثر الروايات. أما على أنه مبنى للمفعول كما في بعض الروايات فالمعنى عليه أن الواصل هو الذى يحسن إلى قريبه عند احتياجه وعجزه عن المكافأة. وقال عمر ليس الوصل أن تصل من وصلك ذلك القصاص لكن الوصل أن تصل من قطعك أخرجه

بعض ما ورد في الترغيب في صلة الرحم والتنفير من قطعها

عبد الرزاق موقوفا على عمر. والحديث محمول على الكمال في الوصل فلا ينافي أن المكافئ قد أتى بأصل الوصل، والقاطع من ترك الوصل فالناس في هذا ثلاث درجات واصل ومكافئ وقاطع، فالواصل من يتفضل على قرابته ولا يتفضلون عليه، والمكافئ الذى لا يزيد في الإعطاء على ما يأخذ، والقاطع الذى يتفضل عليه ولا يتفضل على غيره، وكما تقع المكافأة بالصلة من الجانبين تقع بالمقاطعة من الجانبين، فمن بدأ فهو القاطع ومن جازاه سمى مكافئا (فقه الحديث) دل الحديث على الترغيب في الإحسان إلى من أساء. وعلى أن المكافئ في الإحسان لم يبلغ درجة الكمال في صلة الرحم (والحديث) أخرجه أيضا البخاري والترمذي (وقد ورد) في صلة الرحم أحاديث أخر غير أحاديث الباب (منها) ما رواه البخارى ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه. الحديث (ومنها) ما رواه البزار والحاكم بإسناد جيد عن على بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: من سره أن يمدّ له في عمره ويوسع له في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه (ومنها) ما رواه أبو يعلى بإسناد جيد عن رجل من خثعم قال أتيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو في نفر من أصحابه فقلت أنت الذى تزعم أنك رسول الله؟ قال نعم قال قلت يا رسول الله أى الأعمال أحب إلى الله؟ قال الإيمان بالله، قال قلت يا رسول الله ثم مه؟ قال ثم صلة الرحم، قال قلت يا رسول الله ثم مه؟ قال ثم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، قال قلت يا رسول الله أى الأعمال أبغض إلى الله؟ قال الإشراك بالله، قال قلت يا رسول الله ثم مه؟ قال ثم قطيعة الرحم، قال قلت يا رسول الله ثم مه؟ قال ثم الأمر بالمنكر والنهى عن المعروف (ومنها) ما رواه البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: الرحم متعلقة بالعرش تقول من وصلنى وصله الله ومن قطعنى قطعه الله (ومنها) ما رواه الطبرانى في الأوسط عن الحارث الأعور عن على رضى الله عنه قال قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: ألا أدلك على أكرم أخلاق الدنيا والآخرة؟ أن تصل من قطعك وتعطى من حرمك وأن تعفو عمن ظلمك (ومنها) ما رواه ابن ماجه والترمذي وقال حديث صحيح والحاكم وقال صحيح الإسناد عن أبي بكرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغى وقطيعة الرحم (ومنها) ما رواه البيهقي والبزار واللفظ له عن ابن عمر رضى الله عنهما رفعه قال: الطابع معلق بقائمة العرش فإذا اشتكت الرحم وعمل بالمعاصى واجترئ على الله بعث الله الطابع فيطبع على قلبه فلا يعقل بعد ذلك شيئا (ومنها) ما رواه أحمد ورواته ثقات

باب في الشح

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى وآله وسلم قال إن أعال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم (ومنها) ما رواه ابن حبان عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن الخمر وقاطع الرحم ومصدق بالسحر (ومنها) ما رواه الطبرانى عن عبد الله بن أبي أوفى أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن الملائكة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم باب في الشح أي في ذم الشح. وفي تفسيره أقوال فقيل إنه أشد من البخل وأبلغ في المنع منه، وقيل هو البخل مع الحرص، وقيل البخل خاص بالمال والشح بالمال والمعروف وقيل البخل في بعض الأمور والشح عام فيها، وعرف بعضهم الشح بأنه صفة راسخة في النفس يصعب معها تعاطى المعروف ومكارم الأخلاق. وقال ابن عمر ليس الشح أن يمنع الرجل ماله إنما الشح أن تطمع عين الرجل فيما ليس له (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالشُّحِّ أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخَلُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا. (ش) (رجال الحديث) (أبو كثير) زهير بن الأقمر الكوفي وقيل هو عبد الله بن مالك روى عن على والحسن وابن عمر وابن عمرو. وعنه عبد الله بن الحارث. وثقه العجلى والنسائى وفى التقريب مقبول من الثالثة وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائى والترمذى (المعنى) (قوله إياكم والشح الخ) أي احذروا الشح واجتنبوه فإنما هلك من سبقكم من الأمم بسبب الشح وعدم بذل المال في وجوه الخير (قوله أمرهم بالبخل فبخلوا) يعني حملهم الشح على الحرص على الأموال فمنعوا منها حق الله تعالى ففعلوا خلاف ما أوجبه الله عليهم (قوله وأمرهم بالقطيعة فقطعوا) يعنى حملهم حب المال والحرص عليه على منع الإحسان إلى أقاربهم فأطاعوه (قوله وأمرهم بالفجور ففجروا) يعني حملهم على ارتكاب المعاصى لجلب الأموال بالسرقة والغصب والقتل والكذب ونحو ذلك مما فيه جلب الأموال ففجروا وعصوا الله تعالى، وهذا كله يدل على أن المراد بالهلاك الأخروى فإنه ينشأ عما اقترفوا

التحذير من البخل

من ارتكاب هذه الجرائم ونحوها، ويحتمل أن المراد به الهلاك الدنيوى كما يدل عليه رواية مسلم عن جابر مرفوعا "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم. حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم" فإن الحرص على جمع المال وخوفهم من ذهابه حملهم على ضم مال الغير إليهم، ولا يكون هذا غالبا إلا بالغضب والقتال والسرقة المؤدية إلى قتل النفس واستحلال المحارم، ويجوز إرادة الهلاك الدنيوى والأخروى وهو الأقرب (وفى الحديث) التحذير من البخل وعدم إنفاق المال في وجوه الخير. ويؤخذ منه الحث على السخاء وهو أن يؤدى الشخص ما أوجب الله عليه من الزكاة والنفقات الواجبة، ومن الواجب أيضا واجب المروءة والعادة الزائدة عما ذكر، فالسخى الذي لا يمنع واجب الشرع ولا واجب المروءة، فإن منع واحدا منها فهو البخيل، لكن الذى يمنع واجب الشرع أبخل. وسبب البخل حب المال وحب الشهوات التى لا يتوصل إليها إلا بالمال. ودواؤه القناعة باليسير والصبر على قضاء الله تعالى والإكثار من ذكر الموت ولا سيما موت الأقران، والنظر في تعبهم في جمع المال وتركهم إياه وعدم انتفاعهم إلا بما قدمته أيديهم (والحديث) أخرجه أيضا الحاكم وقال صحيح الإسناد. وقد ورد في ذم البخل آيات وأحاديث. أما الآيات فمنها قوله تعالى {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}. وقوله تعالى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ} الآية. وقوله تعالى في ذم المختالين {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} الآية. وأما الأحاديث (فمنها) ما أخرجه الطبرانى فى الأوسط مرفوعا "ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب كل ذى رأى برأيه، (ومنها) ما أخرجه البخاري في التاريخ وأبو داود عن أبي هريرة مرفوعا "شر ما فى الرجل شح هالع وجبن خالع" هالع أى محزن، والهلع في الأصل أشد الجزع، والخالع الشديد كأن الجبن يخلع فؤاده من شدة الخوف (ومنها) ما أخرجه النسائي وابن حبان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لا يجتمع غبار فى سبيل الله ودخان جهنم فى جوف عبد أبدًا، ولا يجتمع شح وإيمان في قلب عبد أبدا (ومنها) ما رواه الترمذي عن أبي بكر أنّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "لا يدخل الجنة خب ولا منان ولا بخيل" الخب بفتح المعجمة وقد تكسر الخداع الخبيث (ومنها) ما رواه الترمذي عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: السخى قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار، ولجاهل سخى أحب إلى الله من عابد بخيل. وروى الترمذى أيضا عن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: خصلتان لا يجتمعان فى مؤمن البخل وسوء الخلق

ما يباح للمرأة التصدق به من مال زوجها بلا إذنه

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا إِسْمَاعِيلُ أَنَا أَيُّوبُ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ حَدَّثَتْنِى أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِى بَكْرٍ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِى شَىْءٌ إِلاَّ مَا أَدْخَلَ عَلَىَّ الزُّبَيْرُ بَيْتَهُ أَفَأُعْطِى مِنْهُ؟ قَالَ أَعْطِى وَلاَ تُوكِى فَيُوكِىَ عَلَيْكِ. (ش) (إسماعيل) بن عليه. و (أيوب) السختيانى (قوله مالى شئ الخ) أي ليس لى شئ من المال إلا ما أدخله زوجى الزبير في بيته أفيجوز لي أن أتصدق منه؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أنفقى منه ولا تمسكى فيضيق الله عليك. وأصل الإيكاء شد فم القربة بالحبل، وقال الخطابي معناه أعطى من نصيبك منه ولا توكى أي لا تدخرى، والإيكاء شد رأس الوعاء بالوكاء وهو الرباط الذي يربط به. يقول لا تمنعى ما فى يدك فتنقطع مادة بركة الرزق عنك اهـ (والحديث) محمول على إعطاء ما جرى به العرف والعادة في إعطاء المرأة من بيت زوجها من غير إسراف ولا إفساد. ولعله صلى الله عليه وآله وسلم أمرها بالإنفاق ولم يوقف الأمر على إذن زوجها لعلمه بأن الزبير جواد تطيب نفسه بما تتصدق به، ولم يقيد ذلك بعدم إفسادها لعلمه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأن السيدة أسماء ذات دين تحسن التصرف. وقال الخطابي وفيه وجه آخر وهو أن صاحب البيت إذا أدخل الشئَ بيته كان ذلك العرف مفوضا إلى ربة المنزل فهى تنفق منه بقدر الحاجة في الوقت. وربما تدخر منه الشئ لغابر الزمان فكأنه قال إذا كان الشئ مفوضا إليك موكولا إلى تدبيرك فاقتصدى على قدر الحاجة في النفقة وتصدقى بالباقى ولا تدخرى اهـ وتقدم تمام الكلام في إعطاء المرأة من بيت زوجها وافيا (والحديث) أخرجه أيضا البخارى، وكذا مسلم والنسائى عن أسماء أنها جاءت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت: يا نبى الله ليس لي شئ إلا ما أدخل على الزبير فهل على جناح أن أرضخ مما يدخل على؟ فقال ارضخى ما استطعت ولا توعى فيوعى الله عليك. ولفظ النسائى ولا توكى فيوكى الله عزّ وجلّ عليك. وقوله ارضخى ما استطعت أي أعطى القليل الذى جرت العادة بإعطائه (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا إِسْمَاعِيلُ أَنَا أَيُّوبُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا ذَكَرَتْ عِدَّةً مِنْ مَسَاكِينَ "قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَالَ غَيْرُهُ أَوْ عِدَّةً مِنْ صَدَقَةٍ" فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَعْطِى وَلاَ تُحْصِى فَيُحْصِىَ عَلَيْكِ.

كتاب الصيام

(ش) (قوله أنها ذكرت عدة من مساكين) أى ذكرت للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه جاءها جماعة من المساكين يسألونها. فعدة بكسر العين وتشديد الدال المهملتين أي عدد. ويحتمل أن يكون بتخفيف الدال بوزن زنة، أي ذكرت لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعدها المساكين بأنها تعطيهم صدقة واستأذنته فى إعطائهم (قوله وقال غيره أو عدة من صدقة) أي قال غير عبد الله في أبي مليكة ممن روى عن عائشة، أو قال غير مسدد فى روايته: إن عائشة ذكرت عدة من الصدقات التي تصدقت بها (قوله ولا تحصى فيحصى عليك) بالنصب فى جواب النهي، أي لا تعدى ما تصدقت به من المال فيحصى الله عليك، أى يمنع عنك الرزق ويقتر عليك ويمسك فضله عنك حتى يصير ما يعطيه لك كالشئ المعدود، فالتعبير بالإحصاء فى جانب الله تعالى مشاكلة. وقيل المعنى لا تعدى ما أنفقتيه فتستكثريه فيكون ذلك سببا لانقطاع إنفاقك فيقطع الله عنك الرزق (وفي هذا الحديث) والذي قبله التنفير من البخل فإنه سبب في ضيق العيش. وفيه الحث على الجود والانفاق وأنهما موجبان لفتح أبواب الرزق (والحديث) أخرج النسائي نحوه مطولا عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: كنا يوما فى المسجد جلوسا ونفر من المهاجرين والأنصار فأرسلنا رجلا إلى عائشة ليستأذن فدخلنا عليها. قالت دخل علينا سائل مرة وعندى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأمرت له بشئ ثم دعوت به فنظرت إليه، فقال رسول الله صل الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: أما تريدين أن لا يدخل بيتك شئ ولا يخرج إلا بعلمك؟ قلت نعم. قال مهلا يا عائشة لا تحصى فيحصى الله عزّ وجلّ عليك. كتاب الصيام وفي بعض النسخ كتاب الصوم، وهما مصدران لصام. وهذا الكتاب مؤخر في أكثر النسخ عن كتاب الطلاق. وذكر فى نسخة الخطابى الخطية التي بدار الكتب المصرية بعد الزكاة. وهو المناسب لترتيب حديث بني الاسلام على خمس، وسلك مسلم والترمذي هذا الترتيب. وذكر النسائي وابن ماجه الصيام بعد الصلاة لأن كلا منهما عبادة بدنية. وأخره البخاري عن الحج لأن للحج اشتراكا مع الزكاة في العبادة المالية. والصوم لغة مطلق الإمساك. ومنه قوله تعالى {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} أى صمتا وسكوتا وقولهم خيل صائمة وخيل غير صائمة أى ممسكة عن السير وغير ممسكة عنه. وفي عرف الشرع الإمساك عن شهوتى البطن والفرج وعن الاستقاء يوما كاملا من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية مخصوصة. وفرض صوم رمضان في السنة الثانية من الهجرة يوم الإثنين لليلتين خلتا من شعبان. وهو ثابت بالكتاب والسنة

باب مبدأ فرض الصيام

والإجماع فمن جحد فرض صيامه فهو كافر. وحكمة مشروعيته كونه موجبا لسكون النفس وكسر سورتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح من العين واللسان والأذن والفرج. فبالصوم تضعف حركتها في محسوساتها، وكونه موجبا للرحمة والعطف على المساكين فإن الإنسان إذا ذاق ألم الجوع في وقت تذكر حال المساكين فى سائر الأوقات، فيسارع إلى الإحسان إليهم لدفع ألم الجوع عنهم, فينال بذلك حسن الجزاء من الله تعالى. قال الزرقانى شرع الصيام لفوائد. أعظمها كسر النفس وقهر الشيطان، فالشبع نهر فى النفس يرده الشيطان، والجوع نهر في الروح ترده الملائكة. ومنها أن الغنىّ يعرف قدر نعمة الله عليه بإقداره على ما منع منه كثير من الفقراء من فضول الطعام والشراب والنكاح، فإنه بامتناعه من ذلك في وقت مخصوص وحصول المشقة له بذلك يتذكر به منع ذلك علي الإطلاق فيوجب ذلك شكر نعمة الله عليه بالغنى ويدعوه إلى رحمة أخيه المحتاج ومواساته بما يمكن من ذلك اهـ باب مبدأ فرض الصيام أى فى بيان أول ما فرض منه. وقد اختلف العلماء هل فرض على الناس صيام قبل رمضان؟ فالمشهور عند الشافعية والجمهور أنه لم يفرض قط صوم قبل رمضان مستدلين بحديث معاوية ابن أبي سفيان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر. رواه البخارى. لكن قال في الفتح: قد استدل به على أنه لم يكن "يعنى صوم عاشوراء فرضا قط، ولا دلالة فيه لاحتمال أنه يريد ولم يكتب الله عليكم صيامه على الدوام كصيام رمضان. وغايته أنه عام خص بالأدلة الدالة على تقدم وجوبه اهـ وقال الحنفيون أول ما فرض صيام عاشوراء ثم ثلاثة أيام من كل شهر. من كل عشرة أيام يوما، ثم نسخ ذلك بصوم رمضان بحيث يمسك في كل يوم وليلة من العتمة إلى غروب الشمس، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} إلى قوله {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} فقد أخرج الطبرى بسنده إلى معاذ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قدم المدينة فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، ثم شرع الله عزّ وجلّ فرض شهر رمضان فأنزل {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} وأخرج عن ابن عباس فى قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} الآية وكان ثلاثة أيام من كل شهر, ثم نسخ ذلك بالذى أنزل الله من صيام رمضان، فهذا الصوم الأول من العتمة. وعن عروة بن الزبير عن عائشة قالت كان يوم عاشوراء تصومه قريش فى الجاهلية وكان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصومه

رد القول بأنه لم يفرض علينا صوم قبل رمضان

فى الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة وترك عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه. رواه البخارى وسيأتى للمصنف فى "باب فى صوم عاشوراء" وعن ابن عمر قال: صام النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عاشوراء وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك. رواه البخارى، وفى الدر المنثور عن قتادة علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم، وكان هذا قبل صوم رمضان، أمروا بصيام ثلاثة أيام من كل شهر من كل عشرة أيام يوما، وأمروا بركعتين غدوة وركعتين عشية، وكان هذا بدء الصلاة والصوم، فكانوا فى صومهم هذا وبعدما فرض الله عليهم رمضان إذا رقدوا لم يمسوا النساء والطعام إلى مثلها من القابلة، وكان أناس من المسلمين يصيبون من النساء، والطعام بعد رقادهم، وكانت تلك خيانة القوم أنفسهم، ثم أحل الله لهم ذلك الطعام والشراب وغشيان النساء إلى طلوع الفجر (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَبُّويَةَ حَدَّثَنِى عَلِىُّ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِىِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} فَكَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّوُا الْعَتَمَةَ حَرُمَ عَلَيْهِمُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالنِّسَاءُ وَصَامُوا إِلَى الْقَابِلَةِ, فَاخْتَانَ رَجُلٌ نَفْسَهُ فَجَامَعَ امْرَأَتَهُ وَقَدْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَلَمْ يُفْطِرْ, فَأَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ يُسْرًا لِمَنْ بَقِىَ وَرُخْصَةً وَمَنْفَعَةً فَقَالَ سُبْحَانَهُ {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ}. وَكَانَ هَذَا مِمَّا نَفَعَ اللَّهُ بِهِ النَّاسَ وَرَخَّصَ لَهُمْ وَيَسَّرَ. (ش) يشير المصنف بذكر هذا الحديث إلى ترجيح القول بأن مبدأ فرض الصيام رمضان بهذه الآية، وكذا أشار البخارى بها إلى ذلك، واستدل أيضا بحديث طلحة بن عبيد الله وفيه أن أعرابيا قال للنبى صلى الله عليه وآله وسلم: أخبرنى بما فرض الله عليّ من الصيام. ؤقال شهر رمضان إلا أن تطوع. لكنه لا يدل على أنه لم يفرض صيام قبل رمضان لما تقدم من الأدلة الدالة علي أن صوم عاشوراء كان فرضا ثم نسخ، ولحديث سلمة بن الأكوع قال أمر النبى صلى الله عليه وآله وسلم رجلا من أسلم أن أذن فى الناس أن من كان أكل فليصم بقية يومه. ومن لم يكن أكل فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء. رواه البخارى. ولذا قال فى الفتح: ويؤخذ من مجموع الأحاديث أنه كان واجبا

الصوم غير خاص بهذه الأمة، بيان التشبيه في آية {كتب عليكم الصيام}

لثبوت الأمر بصومه ثم تأكد الأمر بذلك ثم زيادة التأكيد بالنداء العام ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك ثم زيادته بأمر الأمهات ألا يرضعن فيه الأطفال، وبقول ابن مسعود الثابت فى مسلم "لما فرض رمضان ترك عاشوراء" مع العلم بأنه ما ترك استحبابه بل هو باق فدل على أن المتروك وجوبه، وأما قول بعضهم المتروك تأكد استحبابه والباقى مطلق استحبابه، فلا يخفى ضعفه بل تأكد استحبابه باق لاستمرار اهتمامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بصومه ولترغيبه فيه وأنه يكفر سنة، وأى تأكيد أبلغ من هذا اهـ قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} أى فرضه الله عليكم كما فرضه علي الأمم الذين من قبلكم من لدن آدم إلى عهدكم، فالصوم عبادة قديمة فرضها الله تعالى على جميع الأمم، وهو شاق على النفوس، والشاق إذا عم سهل. والتشبيه فى أصل الوجوب لا فى القدر والوقت والكيفية، فقد كان الصوم على آدم الأيام البيض، وعلى موسى عاشوراء. وقيل إن التشبيه فى القدر والوقت أيضا، فقد كان صوم رمضان واجبا على النصارى كما فرض علينا، وربما وقع فى الحر الشديد فكان يشق عليهم فى أسفارهم ومعاشهم فاجتمع رأى علمائهم عل أن يجعلوه فى فصل معتدل من السنة بين الصيف والشتاء، فجعلوه فى فصل الربيع، وزادوا عشرين يوما كفارة لما صنعوا فكانوا يصومون خمسين يوما، فقد أخرج الطبرى فى التفسير بسنده إلى الشعبي أنه قال: لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذى يشك فيه فيقال من شعبان ويقال من رمضان، وذلك أن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا فحولوه إلى الفصل "يعنى فصل الربيع" وذلك أنهم كانوا ربما صاموه فى القيظ يعدون ثلاثين يوما ثم جاء بعدهم قرن فأخذوا بالثقة من أنفسهم فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما، ثم لم يزل الآخر يستن سنة القرن الذى قبله حتى صارت إلى خمسين، فذلك قوله {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} وأخرج أيضا بسنده إلى السدى قال {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} أما الذين من قبلنا فالنصارى كتب عليهم رمضان وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ولا ينكحوا النساء شهر رمضان، فاشتد على النصارى صيام رمضان وجعل يقلب عليهم فى الشتاء والصيف، فلما رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا الصيام فى الفصل بين الشتاء والصيف، وقالوا نزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعنا فجعلوا صيامهم خمسين، فلم تزل المسلون على ذلك يصنعون كما تصنع النصارى حتى كان من أمر أبى قيس بن صرمة وعمر بن الخطاب ما كان، فأحل الله لهم الأكل والشرب والجماع (قوله فكان الناس على عهد النبى إذا صلوا العتمة الخ) وفى نسخة وكان الناس الخ أى كانوا على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى بدء الإسلام إذا صلوا العشاه الآخرة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء بقية الليل واليوم كله إلى غروب الشمس من الليلة القابلة، ثم

التشديد أولا في الصيام وسبب التخفيف فيه

يحل لهم ما ذكر إلى صلاة العشاء (قوله فاختان رجل نفسه الخ) أى خان نفسه وجامع امرأته بعد صلاة العشاء واستمر عل صومه ولم يفطر. وذلك الرجل هو عمر بن الخطاب رضى الله عنه كما جاء فى رواية ابن جرير وابن أبى حاتم من طريق عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه قال: كان الناس فى رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد، فرجع عمر من عند النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة وقد سمر عنده فأراد امرأته فقالت إنى قد نمت، قال ما نمت، فوقع عليها، وصنع كعب بن مالك مثل ذلك فغدا عمر إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخبره، فانزل الله تعالى {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} الآية، وقد تقدم للمصنف فى "باب الأذان" وفيه فجاء عمر فأراد امرأته فقالت إفى قد نمت فظن أنها تعتل فأتاها (الحديث) (قوله، فاراد الله عز وجل أن يجعل ذلك يسرا الخ) وفى نسخة فأراد الله سبحانه، أى جعل الله فعل ذلك الرجل سببا للتسهيل لمن بقى من الناس ومنفعة لهم فأنزل قوله تعالى {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} الآية أى تخونونها بالجماع فى الوقت الذي لا يحل لكم فيه الجماع من الليل وكان هذا الترخيص مما نفع الله به المسلمين (فقه الحديث) دل الحديث على أن الصيام من الشرائع القديمة. وعلى أنه فى بدء الإسلام كان من العتمة إلى الغروب ثم خفف الله عن الأمة وأكرمها بإباحة الطعام والشراب وإتيان النساء طول الليل إلى الفجر (ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىِّ بْنِ نَصْرٍ الْجَهْضَمِىُّ أَنَا أَبُو أَحْمَدَ أَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا صَامَ فَنَامَ لَمْ يَأْكُلْ إِلَى مِثْلِهَا, وَإِنَّ صِرْمَةَ بْنَ قَيْسٍ الأَنْصَارِىَّ أَتَى امْرَأَتَهُ وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ عِنْدَكِ شَىْءٌ؟ قَالَتْ لاَ لَعَلِّى أَذْهَبُ فَأَطْلُبُ لَكَ, فَذَهَبَتْ وَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَجَاءَتْ فَقَالَتْ خَيْبَةً لَكَ, فَلَمْ يَنْتَصِفِ النَّهَارُ حَتَّى غُشِىَ عَلَيْهِ وَكَانَ يَعْمَلُ يَوْمَهُ فِى أَرْضِهِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} قَرَأَ إِلَى قَوْلِهِ {مِنَ الْفَجْرِ}. (ش) (أبو أحمد) محمد بن عبد الله الزبيرى. و (إسراءيل) بن يونس. و (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعى (قوله كان الرجل إذا صام الخ) أى كان الشخص من أصحاب

بيان ما قيل في اسم صرمة بن قيس والصواب فيه

النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا صام رمضان وجاء وقت الإفطار حل له الطعام والشراب وإتيان النساء ما لم ينم، فإذا نام حرم عليه ذلك بقية ليله ويومه حتى تغرب الشمس، ففى رواية النسائى عن طريق زهير عن أبى إسحاق عن البراء أن أحدهم كان إذا نام قبل أن يتعشى لم يحل له أن يأكل شيئا ولا يشرب ليلته ويومه من الغد حتى تغرب الشمس. وفى رواية ابن حبان عن طريق زكريا بن أبى زائدة عن أبى إسحاق عن البراء قال: كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا لم يفعلوا شيئا من ذلك إلى مثلها. وفى رواية الطبرى من حديث معاذ قال: كانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا تركوا الطعام والشراب وإتيان النساء اهـ فدلت روايات حديث البراء ومعاذ على أن المنع من ذلك كان بالنوم سواءٌ أكان قبل العشاء أم بعدها، أما تقييده فى حديث ابن عباس السابق بصلاة العشاء فلا ينافى ذلك، لاحتمال أن يكون ذكر صلاة العشاء بالنظر للغالب من أن النوم يكون بعدها، والمعتبر فى المنع إنما هو النوم كما فى سائر الأحاديث (قوله وإن صرمة ابن قيس) بكسر الضاد المهملة وسكون الراء، وبفتح القاف وسكون المثناة التحتية هو هكذا فى رواية المصنف. ولأبى نعيم فى المعرفة من طريق الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس مثله قال: وكذا رواه أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس. وقال أبو نعيم فى كتاب الصحابة صرمة بن أبى أنس، وقيل ابن قيس الأنصارى يكنى أبا قيس كان شاعرا نزلت فيه {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ورواه حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان "بفتح الحاء المهملة" صرمة بن قيس اهـ وفى أسباب النزول للواحدى عن القاسم بن محمد أن عمر رضي الله عنه جاءَ إلى امرأته، فقالت قد نمت، فوقع عليها وأمسى صرمة بن قيس صائما فنام قبل أن يفطر الحديث، وما ذكر هو الصواب. قال ابن عبد البر صرمة ابن أبى أنس قيس بن مالك بن عدى البخارى، وقال بعضهم صرمة بن مالك نسبة إلى جده اهـ أما ما فى رواية البخارى والترمذى وغيرهما من أنه قيس بن صرمة فمقلوب. وما فى النسائى من أنه قيس بن عمر فغلط فى اسمه واسم أبيه. وما تقدم عن الطبرى من رواية السدى من أنه أبو قيس بن صرمة فهو صواب فى الكنية خطأ فى اسم أبيه، وكأنه أراد أن يقول أبو قيس صرمة فزاد فيه ابن. وما فى ابن الأثير من حديث قيس بن سعد عن عطاء عن أبى هريرة نام ضمرة بن أنس الأنصارى فهو تصحيف والصواب صرمة بن أبى أنس (قوله عندك شئ إلخ) بكسر الكاف وهو على تقدير همزة الاستفهام أى أعندك كما صرح به فى رواية البخارى. وظاهره أنه لم يحضر معه شيئا، لكن فى رواية الطبرى من حديث السدى أنه أتى أهله بتمر فقال لامرأته استبدلى بهذا التمر طحينا فاجعليه سخينا لعلى أن آكله فإن التمر قد أحرق جوفى. وروى

سبب نزول آية {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}

أيضا من طرق ابن أبى ليلى: أن صرمة بن مالك قال لأهله أطعمونى، فقالت حتى أجعل لك شيئا سخنا فغلبته عينه فنام. ولا تنافى بين هذه الروايات لإمكان الجمع بينها، فيحتمل أن يكون أحضر معه تمرا وطلب منها طعاما غيره، فلما أخبرته بأنه ليس عندها غيره أمرها أن تستبدل التمر بدقيق وتجعله سخينة (قوله فأطاب لك) وفى نسخة فأطلب لك شيئا (قوله فقالت خيبة لك) أى حرمانا لك يقال: خاب خيبة إذا لم يظفر بما طلبه، وهو منصوب على المفعولية المطلقة حذف عامله وجوبا (قوله فلم ينتصف النهار حتى غشى عليه) أى أغمى عليه فلم يستطع الحركة. وفى رواية البخارى والترمذى "فلما انتصف النهار غشى عليه" وفى رواية أحمد "فأصبح صائما فلما انتصف النهار غشى عليه" وفى رواية النسائى "فلم يطعم شيئا وبات وأصبح صائما حتى انتصف النهار فغشى عليه" (قوله وكان يعمل يومه فى أرضه) وفى رواية الطبرى، وكان يعمل فى حيطان المدينة بالأجر، ولا تنافى بينهما، لأن الإضافة فى قوله فى أرضه للاختصاص لا للملك، أو أن الإضافة فيه لأدنى ملابسة (قوله فذكر ذلك للنبي) وفى نسخة فذكرت ذلك للنبي قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} أى أبيح لكم الجماع فى ليلة الصيام من الغروب إلى طلوع الفجر وفى رواية البخارى فنزلت {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} ففرحوا بها فرحا شديدا، ونزلت {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} الخ. قال الحافظ كذا فى هذه الرواية، وشرح الكرمانى على ظاهرها. فقال: لما صار الرفث وهو الجماع هنا حلالا بعد أن كان حراما كان الأكل والشرب بطريق الأولى، فلذلك فرحوا بنزولها وفهموا منها الرخصة. هذا وجه مطابقة ذلك لقصة أبى قيس. قال ثم لما كان حلهما بطرق المفهوم، نزل به ذلك وكلوا واشربوا ليعلم بالمنطوق تسهيل الأمر عليهم صريحا. ثم قال أو المراد من الآية هى بتمامها (قلت) وهذا هو المعتمد وبه جزم السهيلى وقال: إن الآية بتمامها نزلت فى الأمرين معا وقدم ما يتعلق بعمر لفضله (قلت) وقد وقع فى رواية أبى داود فنزلت {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} الى قوله {مِنَ الْفَجْرِ} فهذا يبين أن محل قوله "ففرحوا بها" بعد قوله {الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} ووقع ذلك صريحا فى رواية زكريا بن أبى زائدة ولفظه: فنزلت {أُحِلَّ لَكُمْ} إلى قوله {مِنَ الْفَجْرِ} ففرح المسلمون بذلك اهـ (قوله قرأ إلى قوله {مِنَ الْفَجْرِ}) أى قال أبو إسحاق قرأ البراء بن عازب الآية إلى قوله {مِنَ الْفَجْرِ}، وظاهر هذه الرواية أن الآية بتمامها نزلت فى قصة صرمة فقط، لكنها نزلت فيه وفى غيره، ومنهم عمر لما واقع امرأته كما مرّ فى رواية ابن جرير الطبرى عن السدى، وفى رواية له عنه أيضا قال: كتب على النصارى رمضان وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ولا ينكحوا النساء شهر رمضان، فكتب على المؤمنين كما كتب عليهم فلم يزل المسلمون على ذلك يصنعون كما تصنع النصارى حتى أقبل رجل من الأنصار يقال له أبو قيس بن صرمة وكان يعمل فى حيطان المدينة

باب نسخ قوله تعالى {وعلى الذين يطيقونه فدية}

بالأجر فأتى أهله بتمر فقال لامرأته استبدلى بهذا التمر طحينا فاجعليه سخينة لعلى أن آكله فإن التمر قد أحرق جوفي، فانطلقت فاستبدلت له ثم صنعت فأبطأت عليه فنام فأيقظته، فكره أن يعصى الله ورسوله وأبى أن يأكل وأصبح صائما، فرآه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالعشى فقال مالك يا أبا قيس أمسيت طليحا؟ (أى مهزولا) فقص عليه القصة. وكان عمر بن الخطاب وقع على جارية له في ناس من المؤمنين لم يملكوا أنفسهم، فلما سمع عمر كلام أبي قيس رهب أن ينزل في أبي قيس شئ فتذكر هو فقام فاعتذر إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله إنى أعوذ بالله إنى وقعت على جاريتى ولم أملك نفسى البارحة. فلما تكلم عمر تكلم أولئك الناس، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما كنت جديرًا بذلك يابن الخطاب، فنسخ ذلك عنهم فقال {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} يقول إنكم تقعون عليهن خيانة {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} يقول جامعوهنّ، ورجع إلى أبي قيس فقال {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري والنسائي في الصيام والترمذي في التفسير وقال حديث حسن صحيح باب نسخ قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} أي في بيان رفع حكم هذه الآية يعنى بالآية التى بعدها: والنسخ لغة الإبطال والإزالة. وشرعا رفع حكم شرعيّ بدليل آخر، وجائز عقلا وواقع شرعا بالإجماع (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا بَكْرٌ يَعْنِى ابْنَ مُضَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى سَلَمَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كَانَ مَنْ أَرَادَ مِنَّا أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِىَ فَعَلَ حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِى بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا. (ش) (عمرو بنُ الحارث) بنُ يعقوب الأنصارى. و (بكير) مصغرا ابن عبد الله بن الأشج و (يزيد مولى سلمة) هو ابن أبي عبيد (قوله وعلى الذين يطيقونه فدية الخ) فدية مبتدأ مؤخر خبره الجار والمجرور قبله، وطعام بدل من فدية، أى ويجب على الذين يقدرون على الصوم ولا عذر لهم من سفر ونحوه إن أفطروا أن يطعموا عن كل يوم مسكينًا نصف صاع من برّ أو صاعا من غيره عند الحنفية، ومدًّا عند الجمهور، وذلك أنه لما شق عليهم صوم رمضان رخص لهم هذه الآية في الإفطار مع القدرة

بيان ناسخها

على الصوم، فكان من شاء صامه ومن شاء أفطر وافتدي حتى نسخ ذلك بقوله {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وهى المرادة بقول المصنف حتى نزلت الآية التى بعدها فنسختها، فقد أخرج الطبرى من حديث شعبة عن عمرو بن مرة قال حدثنا أصحابنا "وفي رواية قال سمعت ابن أبي ليلى" أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قدم عليهم "المدينة" أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا غير فريضة، ثم نزل صيام رمضان، وكانوا قومًا لم يتعودوا الصيام وكان يشتد عليهم الصوم، فكان من لم يصم أطعم مسكينًا، ثم نزلت هذه الآية {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فكانت الرخصة للمريض والمسافر وأمرنا بالصيام. وتقدم نحوه للمصنف في "باب الأذان" من حديث طويل عن معاذ. وقيل إن الناسخ قوله تعالى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} لما أخرجه البيهقى من حديث ابن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالوا أحيل الصوم على ثلاثة أحوال قدم الناس المدينة ولا عهد لهم بالصيام، فكانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر حتى نزل شهر رمضان فاستكثروا ذلك وشق عليهم، فكان من أطعم مسكينًا كل يوم ترك الصيام ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك ثم نسخه قوله تعالى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} فأمروا بالصيام اهـ وفيه نظر لأنه إذا تقرر أن الإفطار والإطعام كان رخصة لزم أن يكون الصيام واجبًا، وقوله "وأن تصوموا خير لكم" لا يدل على وجوبه بل على أنه خير من الافتداء، فهو يدل على جواز الافتداء فلا يصلح ناسخا له بل هو منسوخ أيضًا. والحديث قد اختلف في إسناده اختلافا كثيرا فلا يصلح للاحتجاج به، وأجاب الكرمانى بما حاصله أن المراد أن الصوم خير من التطوع بالفدية والتطوع بها كان سنة، والخير من السنة لا يكون إلا واجبا، ولا يخفى بعده وتكلفه، فإن الفدية ليس متطوعا بها وإنما هي من قبيل الواجب المخير فيه (فقه الحديث) دل الحديث على وقوع النسخ في القرآن. وعلى أن رمضان كان مخيرا فيه بين الصيام والافتداء. وعلى أن هذا نسخ بقوله تعالى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فصار الصيام متعينا على القادر المقيم. (والحديث) أخرجه أيضا مسلم والنسائي والحاكم والترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب وأخرجه البخارى معلقا في الصيام وموصولا في التفسير، وأخرجه ابن جرير الطبرى في تفسيره (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا عَلِىُّ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِىِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} فَكَانَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أَنْ يَفْتَدِىَ بِطَعَامِ مِسْكِينٍ افْتَدَى وَتَمَّ لَهُ صَوْمُهُ فَقَالَ {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا

هل ابن عباس يقول بنسخها؟

خَيْرٌ لَكُمْ} وَقَالَ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. (ش) (أبو علىّ) حسين بنُ واقد. تقدم بالسادس صفحة 273 (قوله وتم له صومه) أى أعطى أجر الصيام كاملا وإن كان مفطرا (قوله فقال فمن تطوع خيرا الخ) أى بأن أطعم مسكينين أو أكثر عن كل يوم أو أطعم المسكين أكثر من القدر الواجب أو صام مع الفدية فهذا التطوع أكثر ثوابا (قوله وأن تصوموا خير لكم) أى صومكم أيها المطيقون متحملين مشاق الصيام خير لك من الافطار والفدية، ويجوز أن يكون الخطاب شاملا للمريض والمسافر عند من يرى أن الصوم لهما أفضل، فقد رغبهم الله تعالى في الصوم ليعتادوه (قوله {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} الخ) أي من كان حاضرا مقيما غير مسافر وعلم بدخول الشهر فليصم، ومن كان مريضا مرضا يشق معه الصوم أو كان مسافرا سفر قصر فأفطر فعليه صوم عدَّة ما أفطر من أيام أخر غير أيام شهر رمضان (وفي الحديث) دلالة على أن الله تعالى لما فرض صيام رمضان على الأمة وشق عليهم لكونهم لم يعتادوه، خيرهم بين الفدية والصيام تسهيلا عليهم ثم رغبهم في الصيام بقوله "وأن تصوموا خير لكم" فلما اعتادوه وألفته نفوسهم أوجب الصيام على الصحيح المقيم بقوله "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" وبقى الترخيص في الفطر للمريض والمسافر. فمن أفطر منهما ثم صح أو أقام لزمه قضاء ما أفطر (وظاهر هذا الحديث) أن ابن عباس يقول بنسخ قوله تعالى "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين" ولكن ينافيه ما رواه البخارى عن عطاء سمع ابن عباس يقول: وعلى الذين يطوقونه "بضم المثناة التحتية وفتح الواو المشددة بالبناء للمفعول" فدية طعام مسكين قال ابن عباس: ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا اهـ ويمكن الجمع بين روايتى البخارى والمصنف بأن قوله في رواية المصنف يطيقونه "بضم المثناة التحتية وفتح الطاء المهملة وتشديد التحتية المفتوحة مبنيا للمفعول" من طيق "أصله طيوق" لا من أطاق يطيق: يدل عليه ما أخرجه السيوطى في الدرّ المنثور قال: أخرج ابن جرير وابن الأنبارى عن ابن عباس أنه قرأ وعلى الذين يطيقونه قال يكلفونه. أو أن المراد بقول ابن عباس في رواية البخارى ليست بمنسوخة يعنى في حق الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، فأما في حق غيرهم فهى منسوخة. يؤيده ما ذكره السيوطى في الدرّ المنثور: أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا ثم نزلت هذه الآية {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فنسخت الأولى إلا الفانى إن شاء أطعم عن كل يوم مسكينا وأفطر اهـ

باب من قال هى مثبتة للشيخ والحبلى

(وفي سند حديث المصنف) على بن الحسين وقد ضعفه بعضهم باب من قال هي مثبتة للشيخ والحبلى أى في بيان من قال إن آية {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} ثابتة في حق الشيخ الكبير والحبلى وليست منسوخة. (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا أَبَانُ نَا قَتَادَةُ أَنَّ عِكْرِمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ أُثْبِتَتْ لِلْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ. (ش) (أبان) بن يزيد العطار. و (قتادة) بن دعامة. (قوله أثبتت الحبلى والمرضع) يعنى بقيت آية {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} في حقهما ولم تنسخ، وذلك أنهما وإن كانا يطيقان الصوم، رخص لهما في الفطر إذا خافتا على ولدهما وعليهما الفدية بلا قضاء. وهو مذهب ابن عباس وعكرمة وقتادة وابن عمر، فقد أخرج ابن جرير الطبري من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إذا خافت الحامل على نفسها والمرضع على ولدها في رمضان يفطران ويطعمان مكان كل يوم مسكينا ولا يقضيان صومًا. وأخرج عن نافع عن ابن عمر مثل قول ابن عباس. وقال أبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور: يباح الفطر للحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما وعليهما القضاء عند القدرة، ولا فدية عليهما. لأنهما أفطرتا لعذر كالمريض وليس عليه إلا القضاء لقوله تعالى {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. ووافقهم مالك في الحامل. وقال في المرضع إذا خافت على ولدها أو نفسها ولم تجد أجرة ترضعه بها عليها الفطر والقضاء والفدية لكل يوم مد. وقال الشافعى وأحمد يباح لهما الفطر وعليهما القضاء فقط إن خافتا على أنفسهما فقط أو مع ولدهما. أما إن خافتا على الولد فقط فعليهما القضاء والفدية لكل يوم مدّ. أما وجوب القضاء فلأن حالهما لا ينقص عن حال المريض. وأما وجوب الفدية فلأنهما يطيقان الصوم وقد قال الله تعالى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}. (ص) حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى نَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَزْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قَالَ كَانَتْ رُخْصَةً لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ وَهُمَا يُطِيقَانِ الصَّوْمَ أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَالْحُبْلَى وَالْمُرْضِعُ إِذَا خَافَتَا "قَالَ أَبُو دَاوُدَ يَعْنِى عَلَى أَوْلاَدِهِمَا" أَفْطَرَتَا وَأَطْعَمَتَا.

(ش) (ابن المثنى) محمد. و (ابن أبي عدى) محمد بن إبراهيم. و (سعيد) بنُ أبي عروبة و (عزرة) بن عبد الرحمن بن زرارة (قوله قال كانت رخصة الخ) أي قال ابن عباس كانت آية {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} الخ رخصة للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة القادرين على الصوم رخص لهما أن يفطرا إن شاءا ويطعما لكل يوم مسكينا، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وثبتت في حق الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة العاجزين، وفي حق الحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما. ففي رواية المصنف حذف بدليل ما أخرجه الطبرى من طريق قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما يطيقان الصوم رخص لها أن يفطرا إن شاءا ويطعما لكل يوم مسكينا، ثم نسخ ذلك بعد ذلك {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وثبتت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان الصوم وللحبلى والمرضع إذا خافتا اهـ وبهذا يندفع ما قيل: إن قول ابن عباس "أى في رواية المصنف" بظاهره يخالف الآية. فإنها تدل على أن المطيقين للصيام إذا أفطروا فعليهم فدية طعام مسكين فلا يدخل فيهم الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة اهـ. أو يقال إن يطيقونه في الآية بضم المثناة التحتية وفتح الطاء المهملة وتشديد التحتية المفتوحة مبنيًا للمفعول من طيق لا من أطاق كما تقدم في رواية ابن جرير وابن الأنبارى عن ابن عباس أنه قرأ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} قال يكلفونه، وحينئذ "يلتئم" قوله كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام، أى بالجهد والمشقة "بالآية" وتقدم تمام الكلام في شرح حديث عكرمة آخر الباب السابق (قوله وهما يطيقان الصيام) هكذا في جميع النسخ بدون لا النافية، فلما أن يقال وهما يطيقان الصوم بالجهد والمشقة، أو إن حرف "لا" سقط من النساخ، أو مقدر كما قيل في الآية. يدل لذلك ما رواه السيوطى عن سعيد بنُ منصور وعبد بنُ حميد والبيهقي عن ابن عباس في الآية قال: كانت مرخصة للشيخ الكبير والمرأة العجوز وهما يطيقان الصوم أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا ثم نسخت بعد ذلك فقال الله تعالى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وأثبتت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان الصوم أن يفطرا ويطعما والحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا مكان كل يوم مسكينا، وما أخرجه الدارقطنى عن عمرو بنُ دينار عن عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} واحد {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} فزاد مسكينا آخر ليست بمنسوخة {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} فلا يرخص في هذا إلا للكبير الذى لا يطيق الصيام أو مريض يعلم أنه لا يشفى. قال الدارقطنى هذا الإسناد صحيح. وما أخرجه البخارى عن عطاء أنه سمع ابن عباس رضى الله عنهما يقرأ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قال

جملة ما قيل في آية {وعلى الذين يطيقونه فدية}

ابن عباس ليست منسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا اهـ (فتلخص) مما تقدم فى أحاديث هذا الباب والذى قبله أن الآية فيها قولان (أحدهما) أنها كانت رخصة مطلقا فى حق القادر على الصيام وغيره ثم نسخت فى حق من يطيق الصيام بقوله تعالى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وهو قول الجمهور. وقالوا حكم الإطعام باق فى حق من لم يطق الصيام. وقال جماعة منهم مالك وأبو ثور وداود: إن جميع الإطعام منسوخ وليس على الكبير إطعام إذا لم يطق الصوم (ثانيهما) أنها خاصة بالشيخ والمرأة الكبيرين اللذين كانا يطيقان الصيام والحامل والمرضع ثم نسخت فى حق الشيخ والمرأة الكبيرين اللذين يطيقان الصيام وبقيت فى الحامل والمرضع. وكذا الشيخ والمرأة اللذين لا يطيقان الصوم. وهو قول ابن عباس وعكرمة وقتادة. وقال ابن جرير: وقال آخرون لم ينسخ ذلك وهو حكم مثبت من لدن نزلت إلى قيام الساعة. وقالوا إنما تأويل ذلك {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} فى حال شبابهم وحداثتهم وفى حال صحتهم وقوتهم إذا مرضوا وكبروا فعجزوا عن الصوم {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} لا أن القوم كان رخص لهم فى الإفطار وهم على الصوم قادرون إذا افتدوا اهـ وقال مالك وزيد بن أسلم والزهرى: إن الآية محكمة نزلت فى المريض يفطر ثم يبرأ فلا يقضى حتى يدخل رمضان آخر فيلزمه صومه ثم يقضى ويطعم عن كل يوم مدا من حنطة, فإن اتصل مرضه برمضان الثانى فليس عليه إطعام بل عليه القضاء فقط (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يباح للحبلى والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما الفطر وعليهما القضاء باتفاق. وفى لزوم الفدية خلاف تقدم بيانه. وعلى أنه يباح للشيخ الكبير والمرأة العجوز إذا عجزا عن الصوم الفطر وإطعام مسكين عن كل يوم عند أبى حنيفة نصف صاع من بر أو دقيق أو سويق وصاعا من تمر أو شعير أو زبيب أو قيمته إن قدر عليه وإلا استغفر الله تعالى. وقال مالك لا تجب الفدية بل تستحب وهى عنده وعند الشافعى مدّ من طعام (والحديث) أخرجه أيضا ابن جرير. وكذا البزار وزاد فى آخره وكان ابن عباس يقول لأم ولد له حبلى: أنت بمنزلة الذى لا يطيقه فعليك الفداء ولا قضاء عليك وأخرجه البخارى بلفظ تقدم باب الشهر يكون تسعا وعشرين (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نَا شُعْبَةُ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو يَعْنِى ابْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ. الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَخَنَسَ سُلَيْمَانُ أُصْبَعَهُ

جواز الاستدلال بالإشارة والعمل بمقتضاها

فِى الثَّالِثَةِ يَعْنِى تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَثَلاَثِينَ. (ش) (رجال الحديث) (شعبة) بن الحجاج. و (سعيد بن عمرو) أبو عثمان الأموى. روى عن الحكم بن عتيبة وخالد بن سعيد وأبى هريرة وعائشة وغيرهم. وعنه أولاده خالد وإسحاق وشعبة والأسود بن قيس وجماعة. وثقه أبو زرعة والنسائي وقال أبو حاتم صدوق وقال الزبير كان من فقهاء الكوفة. روى له البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجه (المعنى) (قوله إنا أمة أمية الخ) أى إنا معشر العرب جماعة أمية. أراد أنهم على أصل ولادة أمهم لم يتعلموا الكتابة ولا الحساب فهم على جبلتهم الأولى. فالأمية نسبة إلى الأم، وقوله لا نكتب ولا نحسب بضم السين المهملة من باب قتل من الحسب بمعنى الإحصاء. يقال حسبت المال حسبا أحصيته عددا. وهاتان الجملتان بيان لكونهم أمية. وهذا بالنظر للغالب وإلا فقد كان فيهم من يكتب ويحسب. وقيل المراد بالحساب حساب النجوم وتسييرها, وهذا أيضًا لم يكونوا يعرفونه إلا النذر اليسير (قوله الشهر هكذا الخ) وأشار بأصابع يده كلها مرتين وفى الثالثة عقد واحدا منها وأشار بتسعة كما فى رواية لمسلم من طريق سعد بن عبيدة قال: سمع ابن عمر رجلًا يقول الليلة النصف فقال له وما يدريك أن الليلة النصف؟ سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: الشهر هكذا وهكذا وأشار بأصابعه العشر مرتين وهكذا فى الثالثة وأشار بأصابعه كلها وحبس أو خنس إبهامه (قوله وخنس سليمان أصبعه الخ) وفى نسخة وحبس. وهو من كلام أبى داود، أى قبض سليمان بن حرب أصبعه فى المرة الثالثة حين التحديث يعني بذلك أن الشهر قد يكون تسعًا وعشرين لا أنه يكون دائما كذلك (قوله وثلاثين) هكذا فى أكثر النسخ وهو تصريح من المصنف باللازم، وقد رواه مسلم والنسائي مرفوعًا عن ابن عمر عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب والشهر هكذا وهكذا وهكذا وعقد الإبهام فى الثالثة، والشهر هكذا وهكذا وهكذا تمام الثلاثين. ففي رواية المصنف اختصار. وفى نسخة الخطابى إسقاط قوله وثلاثين وهي الأولى. قال الخطابى: قوله الشهر هكذا الخ يريد أن الشهر قد يكون تسعًا وعشرين، وليس يريد أن كل شهر تسعة وعشرون، وإنما احتاج إلى بيان ما كان يتوهم أن يخفى عليهم, لأن الشهر فى العرف وغالب العادة ثلاثون فوجب أن يكون البيان فى الحديث. مصروفا إلى النادر دون المعروف منه اهـ (وفى الحديث) دلالة على أن الأحكام تؤخذ من إشارة المشرع لها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما تؤخذ من قوله صريحا قال الخطابى: وفى الحديث مستدل لمن رأى الحكم بالاشارة وإعمال دلالة الإيماء كمن قال امرأتى طالق وأشار بأصابعه الثلاث فإنه يلزمه ثلاث تطليقات على الظاهر من الحال اهـ

لزوم الصوم والإفطار لرؤية الهلال

(والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم والنسائي, وأخرج ابن ماجه نحوه عن محمد بن سعد بن أبى وقاص عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: الشهر هكذا وهكذا وهكذا وعقد تسعًا وعشرين فى الثالثة (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِىُّ نَا حَمَّادٌ نَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ, فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ, وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ. قَالَ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا كَانَ شَعْبَانُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ نُظِرَ لَهُ, فَإِنْ رُؤِىَ فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ يُرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلاَ قَتَرَةٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا, فَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرَةٌ أَصْبَحَ صَائِمًا. قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفْطِرُ مَعَ النَّاسِ وَلاَ يَأْخُذُ بِهَذَا الْحِسَابِ. (ش) (حماد) بن زيد. و (أيوب) السختيانى (قوله الشهر تسع وعشرون) أى قد يكون تسعا وعشرين، أو أقله تسع وعشرون، فلا ينافى أنه قد يكون ثلاثين. قال ابن العربى قوله الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا الخ معناه حصره من جهة أحد طرفيه، أى أنه يكون تسعًا وعشرين وهو أقله ويكون ثلاثين وهو أكثره، فلا تأخذوا أنفسكم بصوم الأكثر احتياطا ولا تقتصروا على الأقل تخفيفا ولكن اجعلوا عبادتكم مرتبطة ابتداء وانتهاء باستهلاله اهـ ويؤيده حديث أم سلمة وحديث أنس عند البخاري أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "إن الشهر يكون تسعة وعشرين يوما" وإنما اقتصر على هذا نظرا للأغلب لقول ابن مسعود رضي الله عنه: ما صمنا مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تسعًا وعشرين أكثر مما صمنا معه ثلاثين. رواه الترمذي. وسيأتى للمصنف فى الباب بعد (قوله فلا تصوموا حتى تروه الخ) أى لا تصوموا رمضان حتى تروا هلاله ولا تفطروا حتى تروا هلال شوال، وليس المراد تعليق الصوم والفطر بالرؤية فى حق كل واحد، بل المراد رؤية من يثبت برؤيته الهلال. وفيه خلاف يأتي بيانه فى "باب شهادة الواحد على هلال رمضان" إن شاء الله تعالى. وظاهر الحديث يدل على البخارى الصوم لرؤية هلال رمضان وإيجاب الفطر لرؤية هلال شوال متى ثبتت الرؤية ليلا، وكذا نهارا قبل الزوال أو بعده، لكن يكون لليوم المقبل، فإذا رؤى الهلال فى النهار لعارض يعرض فى الجو يقل به ضوء الشمس أو لقوة نظر الرائى فلا يجب صوم ذلك

الخلاف في لزوم إكمال شعبان إذا لم ير الهلال ليلة الثلاثين لمانع

اليوم أول الشهر ولا يباح فطره إن كان فى آخره، وبهذا قال جمهور العلماء, لما روى عن أبى وائل قال: جاءنا كتاب عمر ونحن بخانقين أن الأهلة بعضها أكبر من بعض، فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى تمسوا إلا أن يشهد رجلان مسلمان أنهما أهلاه بالأمس عشية. أخرجه الدارقطني بسند رجاله ثقات. وخانقين بخاء معجمة ونون وقاف مكسورتين بلد بالعراق قريب من بغداد. وقوله أهلاه يعني رأياه. وقال أبو يوسف إذا رؤى الهلال قبل زوال يوم الثلاثين لزم صومه إن كان فى أول الشهر وفطره إن كان فى آخره (قوله فإن غم عليكم فاقدروا له) وفى نسخة فإذا غم، أى إذا حال بينكم وبين رؤية الهلال ساتر من غيام أو غبار "فاقدروا له" بضم الدال وكسرها يقال قدرت الشئ إذا قدرته تقديرًا أى قدروا له عدد الشهر وأكملوا عدته ثلاثين يوما, لما أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين، ولحديث أبى هريرة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم الشهر فعدوا ثلاثين. وعن ابن عباس أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوما، رواهما الدارمى. ولما يأتي فى "باب إذا أغمى الشهر" وباب "من قال إذا أغمى عليكم فصوموا ثلاثين" وإلى هذا التفسير ذهب جمهور الفقهاء. منهم أبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي والأوزاعى والثورى وعامة أهل الحديث إلا أحمد فقال: معنى اقدروا له ضيقوا له وقدروا أن الهلال تحت السحاب، واحتج بأنه موافق لرأى الصحابي راوى الحديث فقد قال نافع: فكان ابن عمر إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر, فإن رؤى فذاك وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطرا, وإن حال أصبح صائما. رواه أحمد وذكر المصنف نحوه. ورد بأن العبرة برواية الراوى لا برأيه, فقد روى عبد الرزاق من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال فى هلال رمضان: إذا رأيتموه فصوموا, ثم إذا رأيتموه فأفطروا. فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين يوما اهـ وخير ما فسرت بالوارد. قال الخطابى، وقوله فاقدروا له معناه التقدير له بإكمال العدد ثلاثين وكان بعض أهل العلم يتأوله على التقدير له بحساب سير القمر فى المنازل والقول الأول أشبه ألا تراه يقول فى رواية أخرى: فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوما. وفى رواية فإن غم عليكم فعدوا له ثلاثين يوما. وعلى هذا قول عامة أهل العلم. ويؤكد ذلك نهيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن صوم يوم الشك. وكان أحمد يقول إذا لم ير الهلال لتسع وعشرين من شعبان لعلة فى السماء صام الناس. وإن كان صحوا لم يصوموا اتباعا لمذهب ابن عمر اهـ "وما نقل" عن

عدم التعويل في إثبات الشهور على حساب المنجمين

قوم منهم ابن سريج من الشافعية ومطرف بن عبد الله من التابعين وابن قتيبة من المحدثين: أن معناه قدروه بحساب منازل القمر وسيره، فإن ذلك يدل على أن الشهر تسعة وعشرون يوما أو ثلاثون "غير مسلم" قال ابن عبد البرّ لا يصح عن مطرّف، وأما ابن قتيبة فليس هو ممن يعرج عليه فى مثل هذا "وما حكاه" ابن سريج عن الشافعى أنه قال: من تبين له من جهة النجوم أن الهلال الليلة وغم عليه جاز له أن يعتقد الصوم ويبيته ويجزئه "رده" ابن عبد البر فقال والذى عندنا فى كتبه "يعنى الشافعى" أنه لا يصح اعتقاد رمضان إلا برؤية أو شهادة عادلة أو إكمال شعبان ثلاثين يوما، وهذا مذهب جمهور الفقهاء اهـ وقال ونقل ابن خويز منداد عن الشافعى مسألة ابن سريج, والمعروف عن الشافعى ما عليه الجمهور "وما نقل" عن ابن سريج: أن قوله فاقدروا له خطاب لمن خصه الله بهذا العلم، وأن قوله فأكملوا العدة خطاب للعامة "رده ابن العربى" قال فصار وجوب رمضان عنده مختلف الحال يجب على قوم بحساب الشمس والقمر وعلى آخرين بحساب العدد وهذا بعيد عن النبلاء اهـ أقول بل هو بعيد عن الصواب لأن الشارع إنما علق الصيام على الرؤية أو إكمال العدد، وقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" ولذا قال الرملى فى شرحه على المنهاج عند قول المصنف "يجب صوم رمضان بإكمال شعبان ثلاثين أو رؤية الهلال أو ثبوتها بعدل شهادة" شمل قول المصنف "أو ثبوتها بعدل شهادة" ما لو شهد عدل برؤية الهلال ودل كلام الحسّاب على عدم إمكان الرؤية فى تلك الليلة وانضم إلى قول الحساب أن القمر غاب الليلة الثالثة من الرؤية قبل دخول وقت العشاء "أى على خلاف العادة" لأن الشارع لم يعتمد الحساب بل ألغاه بالكلية وهو كذلك كما أفتى به الوالد اهـ وقال أيضا: وفهم من كلامه "أى المصنف" عدم وجوب الصوم يقول المنجم بل لا يجوز، نعم له أن يعمل بحسابه ويجزئه عن فرضه على المعتمد، وإن وقع فى المجموع عدم إجزائه عنه اهـ ويرد قوله: نعم له أن يعمل بحسابه الخ أن قواعد الشرع تأبى ذلك كما قال إمام الحرمين: اعتبار المطالع يحوج إلى حساب وتحكيم المنجمين وقواعد الشرع تأبى ذلك اهـ ولذا كتب الرشيدى عليه ما نصه "قوله نعم له أن يعمل بحسابه" أى الدال على وجود الشهر وإن دل على عدم إمكان الرؤية كما هو مصرح به فى كلام والده. وهو فى غاية الإشكال لأن الشارع إنما أوجب علينا الصوم بالرؤية لا بوجود الشهر، ويلزم عليه أنه إذا دخل الشهر فى أثناء النهار أنه يجب الإمساك من وقت دخوله، ولا أظن الأصحاب يوافقون على ذلك اهـ وقوله يجزئه عن فرضه على المعتمد. الذي اعتمده فى شرح الإرشاد عدم الإجزاء ونصه: ولا يجوز اعتماد قول منجم ولا حاسب وإن عملا بحساب أنفسهما لم يجزئهما عن فرضهما على المعتمد وإن صوب جمع خلافه اهـ وقد علمت النص عن الرملى بأن الشارع ألغى الحساب بالكلية وعزاه إلى والده. وإجماع المجتهدين على ذلك. فالحق ما فى المجموع

نصوص الفقهاء على ذلك

نحوه من عدم الإجزاء موافقة لقول وفعل وصاحب الشريعة صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه. وقال البرماوى عند قول المصنف "أو رؤية هلال" أى لا بواسطة نحو مرآة ولا عبرة برؤيا نائم له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قائلًا له: إن غدا من رمضان أو نحوه من سائر المرائى لأن النائم لا يضبط وإن كانت الرؤيا حقا. ويثبت أيضًا بالاجتهاد فى حق الأسير ونحوه لا مطلقا. ولا يجوز اعتماد قول منجم ولا حاسب، نعم لهما أن يعملا بحسابهما ويجزئهما عن فرضهما على المعتمد. ويجب علي غيرهما إذا اعتقد صدقهما اهـ وقد علمت ما فى قوله نعم لهما أن يعملا بحسابهما "أما قوله" ويجب على غيرهما إذا اعتقد صدقهما "فمردوده" بقوله فى أول كلامه "لا يثبت الشهر إذا رؤى الهلال بواسطة المرآة ونحوها" فإنه لا فرق بين التصديق المرتب على الحساب والتصديق المرتب على رؤية الهلال بواسطة نحو مرآة بل رؤية الهلال بذك أقوى. وكذلك إخبار النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شخصا فى النوم أن غدا من رمضان, فإنه يقع فى القلب صدق ما دلت عليه الرؤيا صدقًا أقوى وأتم من إخبار الحاسب. وروى ابن نافع عن مالك فى الإمام الذى يعتمد علي الحساب لا يقتدى به ولا يتبع اهـ وقال ابن دقيق العيد: الحساب لا يجوز الاعتماد عليه فى الصيام اهـ وقال النووى فى شرح مسلم قال المازرى: حمل جمهور الفقهاء قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "فاقدروا له" على أن المراد إكمال العدة ثلاثين كما فسره فى حديث آخر. قالوا ولا يجوز أن يكون المراد حساب المنجمين لأن الناس لو كلفوا به ضاق عليهم لأنه لا يعرفه إلا أفراد. والشرع إنما يعرف الناس بما يعرفه جماهيرهم اهـ وقال ابن المنذر فى الأشراف صوم يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال مع الصحو لا يجب بإجماع الأمة. وقد صح عن أكثر الصحابة والتابعين كراهيته اهـ فقد أطلق ولم يفصل بين حاسب وغيره فمن فرق بينهما كان محجوجًا بالاجماع قبله. وقال فى الدر المختار: ولا عبرة بقول الموقتين ولو عدولا علي المذهب اهـ وكتب عليه ابن عابدين ما نصه: قوله ولا عبرة بقول الموقتين. أى فى وجوب الصوم على الناس، بل فى المعراج لا يعتبر قولهم بالاجماع، ولا يجوز للمنجم أن يعمل بحساب نفسه. وفى النهر فلا يلزم بقول الموقتين إن الهلال يكون فى السماء ليلة كذا وإن كانوا عدولا فى الصحيح كما فى الايضاح اهـ (فتحصل) مما ذكر أنه لا يعول على حساب ولا تنجيم لا فى صيام ولا فى إفطار ولو بالنسبة إلى نفس الحاسب والمنجم، بل لا بد فى ذلك من الرؤية أو إكمال العدد ثلاثين يوما كما هو صريح قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لا تقدموا الشهر بيوم ولا بيومين إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ثم أفطروا. رواه أحمد والترمذى مرفوعًا من حديث أبى هريرة. ويأتى للمصنف مختصرًا في "باب فيمن يصل شعبان برمضان" خلافًا لمن زعم أن الحديث المذكور لا يدل على إناطة ثبوت صحة الصوم والإفطار برؤية الهلال وقال: المقصود العلم أو

المذاهب في صوم يوم الثلاثين من شعبان إذ لم ير الهلال

الظن بدخول الشهر وخروجه وغفل عن كون الشارع لم يجعل الحساب ولا التنجيم طريقا معولا عليه فى حصول العلم أو الظن بدخول الشهر أو خروجه حتى يصح الصيام أو الإفطار حينئذ ولو كان المقصود من الحديث العلم أو الظن بدخول الشهر أو خروجه كما زعم لقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: صوموا لعلمكم أو ظنكم بدخول الشهر أو خروجه مثلا. وحسبك فى إبطال العمل بالحساب والتنجيم قوله تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} وقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول , فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. رواه أحمد والحاكم. وقال فى روح البيان فى تفسير قوله تعالى {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} ما نصه: ومن أحاديث المصابيح من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر اهـ (قوله قال فكان ابن عمر الخ) أى قال نافع كان عبد الله بن عمر إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يوما بعث من ينظر الهلال , "فقد كف بصره أخيرًا", فإن ثبتت رؤيته أصبح صائما , وإن لم يثبت ولم يمنع من ذلك غيم ولا قترة "بفتحتين أى غبار" أصبح مفطرا , وإن منع من رؤية الهلال سحاب أو غبار أصبح صائما لاحتمال أن الهلال مستور تحت السحاب أو الغبار. ووافق ابن عمر على هذا أحمد فى رواية وطائفة. وقال ابو حنيفة وأصحابه ومالك والثوري والأوزاعي: لا يجوز صومه عن فرض رمضان ويجوز عن غيره, لقول مالك فى الموطأ: سمعت أهل العلم ينهون أن يصام اليوم الذي يشك فيه من شعبان إذا نوى به صيام رمضان, ولا يرون بصيامه تطوعا بأسًا. قال مالك وهذا الأمر عندنا والذى أدركت عليه أهل العلم ببلدنا اهـ فلعل ابن عمر كان يصومه تطوعا, ويبعد أن يصومه عن رمضان وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صومه كما سيأتى فى "باب كراهية صوم يوم الشك" وقال الشافعى لا يجوز صومه عن أداء رمضان ولا نفلا مطلقا, ويجوز صومه قضاء وكفارة ونذرا ونفلا يوافق عادة, وهو رواية عن أحمد. وقال الحسن البصرى وابن سيرين والشعبى الناس فيه تبع للإمام: إن صام صاموا وإن أفطر أفطروا, وهو رواية عن أحمد أيضا (قوله قال وكان ابن عمر يفطر مع الناس الخ) وفى نسخة قال فكان الخ. أى كان ابن عمر يصوم إذا لم ير الهلال لغيم ونحوه فى آخر شعبان احتياطا للصوم, ولا يأخذ بهذا فى آخر رمضان, فكان إذا لم ير الهلال بعد الثلاثين منه لنحو غيم يصبح صائما احتياطا ولا يفطر إلا مع الناس ولا يعمل على حساب نفسه ولو زاد صيامه على الثلاثين. ويكون الزائد تطوعا (فقه الحديث) دل الحديث على أن الشهر يكون تاما ويكون ناقصا. وعلى أن وجوب الصوم والإفطار إنما يتعلقان برؤية الهلال أو تمام العدد ثلاثين لا فرق بين حالة الصحو والغيم خلافا لابن عمر ومن تبعه الذين فرقوا بينهما لشبهة فى المراد من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى

آله وسلم "فإن غم عليكم فاقدروا له" لاحتمال أن يكون المراد منه التفرقة بين الصحو والغيم فيكون تعليق الصوم على الرؤية خاصا بالصحو, وأما الغيم فله حكم آخر. وإلى هذا ذهب أكثر الحنابلة. وقال الجمهور إنه مؤكد لما قبله وليس المراد منه التفرقة بين الصحو والغيم, ويرجحه الروايات المصرحة بإكمال العدة ثلاثين على ما تقدم بيانه. ودل أيضا على ما كان عليه ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من شدة الاحتياط فى أمر العبادة (والحديث) أخرجه أيضا احمد والدارقطنى بطوله, وأخرجه مالك والبخاري ومسلم والنسائي والدارمى بدون ذكر رأي ابن عمر (ص) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنِى أَيُّوبُ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. زَادَ وَإِنَّ أَحْسَنَ مَا يُقَدَّرُ لَهُ إِذَا رَأَيْنَا هِلاَلَ شَعْبَانَ لِكَذَا وَكَذَا فَالصَّوْمُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لِكَذَا وَكَذَا إِلاَّ أَنْ تَرَوُا الْهِلاَلَ قَبْلَ ذَلِكَ. (ش) (عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي. تقدم بالخامس صفحة 146. و (أيوب) السختيانى (قوله بلغنا عن رسول الله الخ) أى بلغنا أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال الشهر تسع وعشرون, وذكر نحو حديث ابن عمر السابق, وزاد عمر بن عبد العزيز على الحديث تفسير فاقدروا له فقال: إن أحسن ما يراد به إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما, فإذا رؤى هلال شعبان لمضى تسع وعشرين ليلة من رجب فصوم رمضان يكون بعد مضى ثلاثين يوما من تلك الرؤية إلا أن يرى هلاله قبل ذلك يعنى بعد غروب شمس التاسع والعشرين من شعبان, وهذا التفسير ما تفيده الروايات الكثيرة المشار إليها سابقا وما عليه الجمهور (قوله وإن أحسن ما يقدر له إذا رأينا الخ) وفى نسخة أنا إذا رأينا (قوله وكذا إلا أن تروا الهلال) وفى نسخة إلا أن يروا الهلال (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ عَنِ ابْنِ أَبِى زَائِدَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِى ضِرَارٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَا صُمْنَا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ

الغالب في رمضان أن يكون تسعة وعشرين يوما

وَسَلَّمَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرُ مِمَّا صُمْنَا مَعَهُ ثَلاَثِينَ. (ش) (رجال الحديث) (ابن أبى زائدة) يحيى بن زكريا بن أبى زائدة. و (عيسى ابن دينار) الخزاعى أبو على الكوفى. روى عن أبيه وجعفر وعبد الله ابنى على بن الحسين وآخرين وعنه وكيع وابن المبارك وأبو نعيم وابن قتيبة وغيرهم. قال أحمد لا بأس به ووثقه ابن معين وقال أبو حاتم صدوق عزيز الحديث وذكره ابن حبان فى الثقات. روى له أبو داود والترمذى والبخارى فى الأدب. و (أبوه) دينار الكوفى مولى عمرو بن الحارث. روى عن مولاه. وعنه ابنه عيسى ذكره ابن حبان فى الثقات وفى التقريب مقبول من الثالثة: روى له أبو داود والترمذى. و (عمرو ابن الحارث بن أبى ضرار) بكسر الضاد ابن حبيب المصطلقى أخو جويرية زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صحابى. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أبيه وابن مسعود. وعنه مولاه دينار وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود وأبو إسحاق السبيعى وغيرهم. وهو غير عمرو بن الحارث الثقفى على الراجح. روى له الجماعة (المعنى) (قوله لما صمنا مع النبي الخ) اللام واقعة فى جواب قسم مقدر وما مصدرية أو موصولة، أى والله لصومنا معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شهر رمضان تسعا وعشرين أكثر من صيامنا معه له ثلاثين يوما أو للذى صمناه مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ وفى رواية الترمذى إسقاط لام القسم. وفى هذا دلالة على أن الغالب فى شهر رمضان أن يكون تسعة وعشرين يوما (والحديث) أخرجه أيضا الترمذى بسند المصنف، والدارقطنى من طريق عبد الأعلى بن أبى المشاور عن حماد بن أبى سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود. وقال: عبد الأعلى بن أبى المشاور متروك. وأخرجه عن عائشة قالت: قيل لها يا أم المؤمنين أيكون شهر رمضان تسعا وعشرين؟ فقالت ما صمت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تسعا وعشرين أكثر مما صمت ثلاثين. وقال إسناده صحيح حسن. وأخرجه أحمد عن عائشة بإسناد جيد (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ زُرَيْعٍ حَدَّثَهُمْ نَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: شَهْرَا عِيدٍ لاَ يَنْقُصَانِ رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ. (ش) (قوله حدثهم) أى أن يزيد بن زريع حدّث مسددا وغيره من التلاميذ فقال حدثنا خالد الخ (قوله شهرا عيد لا ينقصان الخ) أى لا ينقص أحدهما عن الآخر فى الثواب

معنى حديث "شهرا عيد لا ينقصان"

والأجر وإن كانا ناقصين فى العدد. وقيل المراد منه تفضيل العمل فى ذى الحجة وبيان أنه لا ينقص فى الأجر والثواب عن شهر رمضان. وقيل معناه أنهما لا يكادان يوجدان فى سنة واحدة ناقصين بل إن كان أحدهما تسعا وعشرين كان الآخر ثلاثين, وهذا بالنظر للغالب وإلا فقد يجتمع نقصانهما فى سنة واحدة. هذا. ورمضان وذى الحجة بالرفع خبر لمبتدأ محذوف أى أحدهما رمضان والآخر ذو الحجة. أو بدل أو عطف بيان من قوله شهرا عيد. وأطلق على رمضان شهر عيد مع أن العيد فى شوال لقربه منه كما فى قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "المغرب وتر النهار" أخرجه الترمذى عن ابن عمر. فسميت المغرب وترا للنهار لقربها منه. وخص هذين الشهرين بالذكر لوقوع الصيام فى أحدهما والحج فى الآخر, وليس المراد أن ثواب الطاعة فى غيرهما يكون ناقصا , بل المراد أن كل ما ورد فيهما من الفضائل والأحكام يحصل ثوابه كاملا سواء أكان رمضان تاما أم ناقصا وسواء أصادف الوقوف بعرفة اليوم التاسع أم غيره, وهذا محله إذا لم يحصل تقصير فى طلب الهلال. والغرض من الحديث رفع ما يقع فى القلوب من توهم نقص فى الثواب لمن صام رمضان تسعة وعشرين يوما أو عدم إجزاء الوقوف بعرفة فى يوم غير يوم عرفة بأن غم هلال ذى الحجة ووقع الغلط فيه بزيادة يوم أو نقصانه فيقع وقوفهم بعرفة فى الثامن أو العاشر منه, فأجر من وقف حينئذ لا ينقص عن أجر من وقف بلا غلط والحج صحيح إذا لم يتبين خطؤهم, وكذا إن تبين أنهم وقفوا اليوم العاشر. أما إن تبين وقوفهم يوم الثامن فلا يجزئهم وعليهم إعادة الوقوف من الغد إن أمكنهم, وإلا فاتهم الحج كمن التبست عليه الشهور فصام شهر أظنه رمضان ثم تبين له أنه بعده فإنه يصح صومه عن رمضان ويكون قضاء وإن تبين أنه قبل رمضان فلا يجزئه. وكمن اجتهد وصلى ثم تبين أنه صلى قبل الوقت فلا تجزئه صلاته (فقه الحديث) دل الحديث على تساوى الشهر الكامل والناقص فى الثواب, فقولهم إن الجزاء على قدر المشقة أغلى (والحديث) أخرجه أيضا البخارى ومسلم وابن ماجه والطحاوى والبيهقى والترمذى وقال حديث حسن, وقد روي عن عبد الرحمن ابن أبى بكرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرسلا اهـ وأخرجه أحمد بلفظ شهران لا ينقصان فى كل واحد منهما عيد. رمضان وذو الحجة باب إذا أخطأ القوم الهلال أي إذا غم عليهم الهلال فلم يروه ليلة الثلاثين من شعبان أو رمضان فأصبحوا مفطرين فى الأول وصائمين فى الثانى ثم تبين أن الشهر تسعة وعشرون, فلا إثم عليهم فى ذلك وإن لزمهم قضاء يوم فى الصورة الأولى

العبرة في الصيام والفطر والأضحى بما عليه الناس

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ نَا حَمَّادٌ فِى حَدِيثِ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ ذَكَرَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِيهِ قَالَ: وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ, وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ, وَكُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ, وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ, وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ, وَكُلُّ جَمْعٍ مَوْقِفٌ. (ش) (قوله فى حديث أيوب) أى حدثنا حماد بن زيد ببعض حديث أيوب، فإن حديث أيوب أنم مما هنا. ولفظه كما فى الدارقطنى: حدثنا ابن مرداس ثنا أبو داود ثنا محمد بن عبيد ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إنما الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروه, ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأتموا العدة ثلاثين. فطركم يوم تفطرون (الحديث) (قوله ذكر النبي الخ) أى ذكر حماد بن زيد فى حديث أيوب أنه مرفوع إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وقد روى الدارقطنى الحديث أولا عن إسماعيل بن علية عن أيوب عن محمد بن المنكدر عن أبى هريرة موقوفا عليه. وكذا رواه عن عبد الوهاب عن أيوب عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة ثم قال رواه حماد بن زيد عن أيوب رفعه إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله وفطركم يوم تفطرون) معطوف على محذوف هو قوله فى رواية الدارقطنى، فإن غم عليكم الخ وهذا هو المقصود من الترجمة، وفى رواية الترمذى: الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون: والأضحى يوم تضحون. قال الترمذى فسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنما معنى هذا أن الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس اهـ وقيل المراد به الإشارة إلى أن يوم الشك لا يصام لأنه ليس يوم صيام الناس، وأن من رأى هلال شوال وردّت شهادته لسبب ما لا يفطر بناء علي رؤيته لأن الناس لم يفطروا فى هذا اليوم (قوله وأضحاكم يوم تضحون) أى ويوم عيد الأضحى هو اليوم الذى ينحر فيه الناس ضحاياهم, فمن رأى هلال ذى الحجة بعد غروب شمس التاسع والعشرين من ذى القعدة وردّ القاضى قوله فليس له أن يضحى قبل الناس بيوم بناء على رؤيته (قوله وكل عرفة موقف) أى كل موضع بها يكفي الوقوف به للحاج ولو لحظة من زوال شمس يوم تاسع ذى الحجة إلى فجر يوم النحر. ولا يختص ذلك بالمكان الذى وقف فيه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو قرب الصخرات الكبار عند جبل الرحمة. ويستثنى من ذلك بطن عرنة "بضم ففتح واد غرب عرفة" لحديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله تعال عليه وعلي آله وسلم قال: عرفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن عرنة، والمزدلفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن محسر. رواه مالك والطبرانى والحاكم (قوله وكل منى منحر) أى مكان صالح لنحر

باب إذا أغمى الشهر

الهدايا والضحايا المطلوبة من الحاج. ومنى بكسر ففتح مقصورا قرية من الحرم فى الشمال الشرقى من مكة على نحو ثلاثة أميال منها (قوله وكل فجاج مكة منحر) جمع فج كسهم وسهام وهو الطريق الواسع (قوله وكل جمع موقف) جمع بفتح فسكون المزدلفة. وهي موضع بين منى وعرفة. وسيأتى بيان ما يتعلق بذلك فى كتاب الحج إن شاء الله تعالى (فقه الحديث) دل الحديث على أنه لا وزر على من صام أو أفطر أو ضحى بعد تحرى الهلال ثم تبين خلافه ويجزئه ما فعل، لأنهم لو كلفوا الإعادة إذا أخطأوا العدد لم يأمنوا من الخطإ ثانيا فإن ما كان سبيله الاجتهاد فالخطأ فيه غير مأمون، وذلك تخفيف من الله ورحمة بعباده. قال تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وعلى أن عرفة كلها موقف، وكل أرض منى ومكة منحر لنحر الهدايا والضحايا وغيرها من الدماء المطلوبة، وكل مزدلفة موقف (والحديث) أخرجه أيضًا الدارقطنى مطولا بلفظ تقدم، وفى سنده محمد بن المنكدر. قال ابن معين وأبو بكر البزار لم يسمع من أبى هريرة، وقال أبو زرعة لم يلقه. ففى الحديث انقطاع. وأخرجه الترمذى من طريق آخر مختصرًا بلفظ تقدم وقال حسن غريب باب إذا أغمى الشهر أى حال بين رؤية هلاله غيم ونحوه: يقال أغمى وغم وغمى وغمى بضم الغين المعجمة وتشديد الميم وتخفيفها، دام الغيم فلم تر الشمس ولا الهلال. والمراد بالشهر رمضان كما يدل عليه الحديث (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ حَدَّثَنِى مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَتَحَفَّظُ مِنْ شَعْبَانَ مَا لاَ يَتَحَفَّظُ مِنْ غَيْرِهِ, ثُمَّ يَصُومُ لِرُؤْيَةِ رَمَضَانَ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ ثَلاَثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامَ. (ش) (قوله كان رسول الله يتحفظ من شعبان الخ) أى يتحرى فى معرفة هلاله وأيامه محافظة على صوم رمضان تحريا لا يتحراه فى غيره من الأشهر التى لا يتعلق بها أمر شرعي كالحج والأضحية، فإن رؤى هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان صام رمضان، وإن حال دون رؤيته غيم أكمل شعبان ثلاثين يوما ثم صام (والحديث) يدل على أنه إذا منع من رؤية الهلال بعد غروب شمس التاسع والعشرين من شعبان غيم أو نحوه، لا يصام الغد عن رمضان بل لا بد من تمام العدة ثلاثين يومًا خلافًا لابن عمر ومن تبعه فى رواية عنه كما تقدم

الخلاف في حكم صيام آخر شعبان

(والحديث) أخرجه أيضًا الحاكم والدارقطنى وقال إسناده حسن صحيح. وفى سنده معاوية ابن صالح. وثقه أحمد، وإن قال أبو حاتم لا يحتج به (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ نَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الضَّبِّىُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: لاَ تُقَدِّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ, ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ. (ش) (حذيفة) بن اليمان (قوله لا تقدموا الشهر الخ) أى لا تتقدموا بحذف إحدى التاءين أى لا تستقبلوا رمضان بصيام لقصد الاحتياط له، لما فيه من التشبه بالنصارى فيما زادوه على ما افترض عليم برأيهم، فلا تصوموا حتى تروا هلال رمضان أو تكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا، وإذا صمتم رمضان فلا تفطروا حتى تروا هلال شوال أو تكملوا رمضان ثلاثين. ويحتمل أن يكون "تقدموا" بضم التاء من التقديم، أى لا تحكموا بحلول الشهر قبل أوانه ولا تقدموه قبل وقته بل اصبروا حتى تروا هلال رمضان (وفى الحديث) النهي صيام آخر شعبان مطلقًا. وإليه ذهب داود الظاهرى. والجمهور على أن النهى فيه للكراهة إذا لم يوافق عادة له جمعًا بين الأحاديث (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي والدارقطني مسندًا ومرسلا وابن حبان. وقال النسائي لا أعلم أحدًا من أصحاب منصور قال فيه عن حذيفة غير جرير. وفى نسخة للمصنف. قال أبو داود "رواه سفيان وغيره عن منصور عن ربعي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يسم حذيفة"، أى روى الحديث سفيان الثورى وغيره كعبيدة بن حميد عن منصور الخ ولم يذكروا حذيفة "وقول" ابن الجوزى ضعفه أحمد "وهم منه" فإن أحمد إنما أراد أن تسمية حذيفة وهم من جرير، وأن الصحيح قول الثورى وعبيدة بن حميد وغيرهما عن منصور عن ربعى عن رجل من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وجهالة الصحابى غير قادحة فى صحة الحديث. قال فى التنقيح: وبالجملة فالحديث صحيح رواته ثقات محتج بهم اهـ باب من قال فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين وفى بعض النسخ فعدوا ثلاثين، أى إن ستر عليكم هلال شوال لنحو غيم فصوموا ثلاثين يومًا، وبهذا يظهر أن هذه الترجمة في إغماء هلال شوال، فى غير مكررة مع السابقة لأنها فى إغماء هلال رمضان

الحكمة في النهى عن الصوم قبيل رمضان

(ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ نَا حُسَيْنٌ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: لاَ تُقَدِّمُوا الشَّهْرَ بِصِيَامِ يَوْمٍ وَلاَ يَوْمَيْنِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ شَىْءٌ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ, وَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ, ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ, فَإِنْ حَالَ دُونَهُ غَمَامَةٌ فَأَتِمُّوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ ثُمَّ أَفْطِرُوا, وَالشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ. (ش) (حسين) بن واقد المروزى. تقدم بالسادس ص 273. و (زائدة) بن قدامة و (سماك) بن حرب (قوله لا تقدموا الشهر بصيام يوم ولا يومين) أى شهر رمضان. والحكمة فى هذا النهى ما تقدم من أن فى ذلك تشبها بالنصارى، ولأن الصوم علق بالرؤية أو كمال العدة، فمن تقدم بيوم أو يومين فقد حاول الطعن فى المنصوص. واقتصر على يوم أو يومين لأنه الغالب ممن يقصد ذلك وإلا فالصوم منهي عنه إذا انتصف شعبان على ما سيأتي في "باب كراهية وصل شعبان برمضان" (قوله إلا أن يكون شيء يصومه أحدكم) أى إلا أن يوجد صيام اعتاده أحدكم فوافق اليوم أو اليومين فله صومه لأنه اعتاده وألفه. وترك المألوف شديد. وليس ذلك من استقبال رمضان فى شيء. ويلحق بذلك القضاء والنذر والكفارة لوجوبها (قوله ولا تصوموا حتى تروه) أى لا تصوموا رمضان حتى تروا هلاله ثم صوموا حتى تروا هلال شوال أو تكملوا عدة رمضان (والحديث) يرد ما ذهب إليه داود من أنه لا يصح صوم آخر شعبان وإن وافق ذلك عادة له. ويدل، لما قاله الجمهور من كراهية الصوم قبل رمضان بيوم أو يومين نفلا مطلقا إلا أن يوافق عادة له. وقد روى ذلك عن عمر وعلى وعمار وحذيفة وابن مسعود من الصحابة. وعن سعيد ابن المسيب والشعبى والنخعى والحسن البصرى وابن سيرين من التابعين. وبظاهر الحديث أخذ أبو هريرة وابن عباس أيضا فكانا يأمران بالفصل بين التطوع ورمضان بفطر يوم أو يومين كما يستحب الفصل بين صلاة الفريضة والنافلة بكلام أو قيام أو تقدم أو تأخر (والحديث) أخرجه أيضا النسائي من طريق أبى يونس عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حال بينكم وبينه سحابة أو ظلمة فأكملوا العدة عدة شعبان، ولا تستقبلوا الشهر استقبالا ولا تصلوا رمضان بيوم من شعبان. وأخرجه الترمذى من طريق أبى الأحوص عن سماك بلفظ "لا تصوموا قبل رمضان، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حالت دونه غيابة فأكملوا ثلاثين يوما" وقال حديث ابن عباس حسن صحيح، وقد روى عنه من غير وجه اهـ وأخرجه

باب في التقدم

البخارى والدارمى من حديث أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صوما فليصم ذلك اليوم. وأخرج النسائى حديث ابن عباس من طريق أبى خالد عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لا تقدموا الشهر بصيام يوم أو يومين إلا أن يوافق ذلك يوما كان يصومه أحدكم" وقال: قال أبو عبد الرحمن "هذا خطأ" والإشارة إلى حديث أبى سلمة عن ابن عباس، فإن ذكر ابن عباس فى حديث أبى سلمة ليس إلا فى هذا الطريق. وأما حديث ابن عباس من غير هذا الطريق فصحيح. وأخرجه أيضا ابن حبان وابن خزيمة والحاكم (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ حَاتِمُ بْنُ أَبِى صَغِيرَةَ وَشُعْبَةُ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ سِمَاكٍ بِمَعْنَاهُ لَمْ يَقُولُوا ثُمَّ أَفْطِرُوا. (ش) أشار المصنف بهذا إلى أن الحديث أخرجه عن سماك أيضا "حاتم بن أبى صغيرة" بفتح الصاد المهملة وكسر الغين المعجمة "وشعبة" بن الحجاج "والحسن بن صالح" بمعنى حديث زائدة ولم يقولوا فى رواياتهم "ثم أفطروا" بعد "فاتموا العدة ثلاثين" (ورواية) حاتم بن أبى صغيرة أخرجها النسائى عن سماك بن حرب عن عكرمة قال: حدثنا ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة ولا تستقبلوا الشهر استقبالا (ورواية شعبة) أخرجها الحاكم عن سماك قال: دخلت علي عكرمة فى اليوم الذى يشك فيه من رمضان وهو يأكل فقال: ادن فكل. قلت إني صائم قال: والله لتدنون قلت فحدثنى قال: حدثنى ابن عباس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: لا تستقبلوا الشهر استقبالا صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبين منظره سحابة أو قترة فأكملوا العدة ثلاثين يوما. وقال هذا حديث صحيح الإسناد. وفى بعض النسخ زيادة "قال أبو داود: وهو حاتم بن مسلم بن أبى صغيرة وأبو صغيرة زوج أمه" باب فى التقدم وفى نسخة الخطابى "باب تقدم الشهر" أي جواز تقدم رمضان بصوم آخر شعبان (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ عَنْ "ثَابِتٍ" عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ "وَسَعِيدٍ" الْجُرَيْرِىِّ عَنْ أَبِى الْعَلاَءِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ

الجمع بين حديث "هل صمت من سرر شعبان" وأحاديث النهى عن صوم آخر شعبان

صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ: هَلْ صُمْتَ مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ شَيْئًا؟ قَالَ لاَ قَالَ فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمًا, وَقَالَ أَحَدُهُمَا يَوْمَيْنِ. (ش) (حماد) بن سلمة. و (ثابت) البنانى. و (مطرّف) بن عبد الله بن الشخير و (سعيد الجريرى) بالجر عطف على ثابت، أى روى حماد بن سلمة الحديث عن ثابت وسعيد بن إياس الجريرى. فسعيد شيخ لحماد وليس شيخا لأبى داود كما قد يتوهم من عبارة المصنف. فقد أخرج الطحاوى الحديث بالسندين طريق عبيد الله بن محمد التيمي قال: أخبرنا حماد عن ثابت عن مطرف. ثم قال: أخبرنا حماد عن الجريرى عن مطرف اهـ. و (الجريرى) بضم الجيم وفتح الراء الأولى وكسر الثانية بينهما مثناة تحتية ساكنة نسبة إلى جرير بن عباد بن ضبيعة. و (أبو العلاء) يزيد بن عبد الله الشخير (قوله قال لرجل) هكذا فى رواية مسلم من طريق أبى العلاء عن مطرف. وفى رواية له من طريق ثابت عن مطرف عن عمران أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له أو لآخر بالشك وفى رواية البخارى من طريق غيلان بن جرير عن مطرف عن عمران أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سأله أو سأل رجلا وعمران يسمع فقال يا أبا فلان الخ (قوله هل صمت من سرر شعبان) هكذا فى رواية لمسلم وفى رواية له أيضًا هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا؟ يعنى شعبان. وفى رواية البخارى من طريق أبى النعمان محمد بن الفضل السدوسى: أما صمت سرر هذا الشهر؟ قال أظنه قال يعنى رمضان. وهذا الظن من أبى النعمان. قال الحافظ قال الخطابى ذكر رمضان هنا وهم لأن رمضان يتعين صوم جميعه وكذا قال الداودى وابن الجوزى اهـ ولذا ذكر البخارى بعده ما نصه: قال أبو عبد الله وقال ثابت عن مطرف عن عمران عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من سرر شعبان اهـ قال العيني وأراد بالتعليق أن المراد من قوله أصمت سرر هذا الشهر هو سرر شعبان وليس هو رمضان كما ظنه أبو النعمان اهـ والسرر بفتح السين المهملة وكسرها مع فتح الراء ورجح الفراء فتح السين. وحكى القاضي ضم السين على أنه جمع سرة. ويقال سرار بفتح المهملة وكسرها. قال أبو عبيدة والجمهور: المراد بالسرر هنا آخر الشهر وهي ليلة ثمان وعشرين أو تسع وعشرين أو ثلاثين سميت بذلك لاستسرار القمر فيها أي استتاره. وعلى هذا "لا يقال" إن الحديث مخالف الذى قبله ونحوه من الأحاديث الصحيحة الواردة فى النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين "لأنا نقول" إن هذا الرجل كان اعتاد الصيام آخر الشهر أو نذره فلما سمع النهى عن تقدم رمضان بيوم ويومين ولم يسمع قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا أن يكون شئ يصومه أحدكم تركه، فبين له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن الصوم المعتاد أو المنذور لا يدخل فى النهى "وما قيل" من أن الاستفهام فى قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هل

مشروعية قضاء ما فسد من التطوع

صمت من سرر شعبان إنكارى "مردود" بقول المسئول لا يا رسول الله، فلو كان سؤال إنكار لكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد أنكر الصيام والفرض أنه لم يصم فكيف ينكر عليه فعل ما لم يفعله (قوله فإذا أفطرت فصم يوما الخ) أى إذا فرغت من صيام رمضان بحلول شوال فصم يوما بدل اليوم الذى كنت اعتدت صومه فى آخر شعبان، وهذه رواية حماد عن سعيد الجريرى. أما روايته عن ثابت ففيها فإذا أفطرت رمضان فصم يومين: ففى الطحاوى، حدثنا أحمد ابن داود ثنا عبيد الله بن محمد التيمى أنا حماد عن ثابت عن مطرف عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لرجل: هل صمت من سرر شعبان. قال لا؟ قال فإذا أفطرت رمضان فصم يومين. وقال حدثنا أحمد بن داود ثنا عبيد الله بن محمد التيمى ثنا حماد بن الجريرى عن أبى العلاء عن مطرف عن عمران عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مثله غير أنه قال صم يوما اهـ ومنه تعلم أن المراد بأحدهما فى قول المصنف "وقال أحدهما يومين" ثابت عن مطرف ويؤيده ما فى مسلم من رواية حماد عن ثابت "فإذا أفطرت فصم يومين" ويحتمل أن المراد بالأحد سعيد الجريرى. ففى رواية مسلم عن يزيد بن هارون عن الجريرى "فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين مكانه، وقد جاء الأمر بصيام يومين فى مسلم أيضا من طريق شعبة عن ابن أخى مطرف عن مطرف "إذا أفطرت رمضان فصم يوما أو يومين" شعبة الذى شك فيه قال: وأظنه قال يومين وفى رواية البخارى من طريق غيلان بن جرير عن مطرف فإذا أفطرت فصم يومين (فقه الحديث) دلّ الحديث على أن النهى عنه تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين إنما هو فى حق من لم يعتد ذلك. وعلى مشروعية قضاء التطوع. وعلى الحث على ملازمة ما اعتاده الإنسان من الطاعة والخير (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبخارى ومسلم والنسائي والطحاوى (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَلاَءِ الزُّبَيْدِىُّ مِنْ كِتَابِهِ نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلاَءِ عَنْ أَبِى الأَزْهَرِ الْمُغِيرَةِ بْنِ فَرْوَةَ قَالَ: قَامَ مُعَاوِيَةُ فِى النَّاسِ بِدَيْرِ مِسْحَلٍ الَّذِى عَلَى بَابِ حِمْصَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا قَدْ رَأَيْنَا الْهِلاَلَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا وَأَنَا مُتَقَدِّمٌ بِالصِّيَامِ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَفْعَلَهُ فَلْيَفْعَلْهُ, قَالَ فَقَامَ إِلَيْهِ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ السَّبَائِىُّ فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ أَشَىْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَمْ شَىْءٌ مِنْ رَأْيِكَ؟ قَالَ سَمِعْتُ

الاعتذار عن معاوية في صومه آخر شعبان مع النهى عنه

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: صُومُوا الشَّهْرَ وَسِرَّهُ. (ش) (رجال الحديث) (إبراهم بن العلاء) بن الضحاك بن المهاجر أبو إسحاق روى عن إسماعيل بن عياش وبقية بن الوليد والوليد بن مسلم وغيرهم، وعنه أبو داود وأبو حاتم وبقى بن مخلد وغيرهم. قال أبو حاتم صدوق وقال ابن عدى حديثه مستقيم وقال أبو داود ليس بشئ وذكر ابن حبان فى الثقات. توفى سنة خمس وثلاثين ومائتين. روى له أبو داود، و (الزبيدى) بضم الزاى مصغرا نسبة إلى زبيد اسم قبيلة، أو بفتح الزاى اسم موضع (المعنى) (قوله بدير مسحل الخ) الدير بفتح فسكون بيت يتعبد فيه الرهبان ويكون فى الصحارى والجبال غالبا. وهذا الدير بين حمص وبعلبك. ومسحل بكسر الميم وسكون السين وفتح الحاء، المهملتين اسم رجل قد بنى الدير وكان له عليه ولاية. وحمص بكسر فسكون بلد معروف بالشام قريب من دمشق (قوله رأينا الهلال) يعنى هلال شعبان (قوله وأنا متقدم بالصيام) أي متقدم رمضان بصيام آخر شعبان (قوله فقام إليه مالك بن هبيرة) بالتصغير ابن خالد بن مسلم. ذكر في الصحابة الذين نزلوا حمص وشهدوا فتح مصر و (السبائى) بفتحتين وهمزة مكسورة نسبة إلى سبإ عامر بن يشجب بن يعرب. وذكر الحافظ في الإصابة وتهذيب التهذيب أنه السكونى. ويقال الكندى. قيل ولم ينسبه إلى السبائى إلا المصنف (قوله صوموا الشهر وسره) بكسر السين المهملة وتشديد الراء أى آخره. والمراد بالشهر الهلال. قال الخطابي العرب تسمى الهلال الشهر تقول رأيت الشهر أى الهلال اهـ فيكون المعنى صوموا أول الشهر وآخره. وقد فهم معاوية أن المراد أى شهر كان فيشمل شعبان ولعله لم يقف على النهى عن صيام آخر شعبان لغير من اعتاده. ويحتمل أن يراد بالشهر شعبان وسره آخره وذكره تأكيدا لبيان أن آخره أولى بالصيام (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِىُّ فِى هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: قَالَ الْوَلِيدُ سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو يَعْنِى الأَوْزَاعِىَّ يَقُولُ سِرُّهُ أَوَّلُهُ. (ش) غرض المصنف بذكر هذا وما بعده تفسير السرفي حديث معاوية السابق (قوله سره أوله) هكذا نقل المصنف عن الأوزاعى، ونقل غيره عنه وعن أبي عبيدة وجمهور العلماء أن المراد بالسر الآخر. قال الخطابي: حدثنا أصحابنا عن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل نا محمد بن خالد الدمشقي عن الوليد عن الأوزاعى قال سرّه آخره، وهذا هو الصواب. وفيه لغات يقال سرّ الشهر وسرره وسراره اهـ وقال البيهقى في السنن الكبرى بعد أن روى الروايتين عن الأوزاعى والصحيح آخره اهـ

رد ما قيل إن سر الشهر أوله

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ نَا أَبُو مُسْهِرٍ قَالَ كَانَ سَعِيدٌ يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ سِرُّهُ أَوَّلُهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ سِرُّهُ وَسَطُهُ وَقَالُوا آخِرُهُ. (ش) (الرجال) (أحمد بن عبد الواحد) بن واقد التميمى الدمشقي المعروف بابن عبود. روى عن أبي مسهر عبد الأعلى ومحمد بن بلال وأبى صالح وغيرهم. وعنه أبو داود والنسائى وأبو بشر الدولابي وجماعة. وثقه حمد بن يحيى وابن أبي عاصم والعقيلى وقال النسائى صالح لا بأس به. وفي التقريب صدوق من الحادية عشرة. روى له أبو داود والنسائى. توفي سنة أربع وخمسين ومائتين. و (أبو مسهر) عبد الأعلى بن مسهر (المعنى) (قوله سره أوله) أنكر هذا غير واحد من أهل اللغة. قال الأزهرى: لا أعرف السر بهذا المعنى إنما يقال: سرار الشهر وسراره وهو آخر ليلة يستسر الهلال بنور الشمس اهـ من النهاية وقال الهروى. والذى يعرفه الناس أن سرره آخره، وقال الخطابي. أنا أنكر هذا التفسير وأراه خطأ في النقل ولا أعرف له وجها في اللغة، والصحيح أن سرّه آخره اهـ وقد يجاب "بأن التفسير" الذى حكاه المصنف عن الأوزاعى وسعيد بن عبد العزيز "محمول" على أن المراد بالشهر في حديث "صوموا الشهر وسره" رمضان وبأوله قبله، فالمعنى صوموا رمضان وقبله من شعبان وأطلق عليه كونه أول رمضان لقربه منه. وفيه تكلف لا يخفى (قوله قال أبو داود الخ) هو ساقط من بعض النسخ (قوله وقال بعضهم سرّه وسطه) وجه بأن السرر جمع سرّة. وسرّة الشئ وسطه. ويؤيده الندب إلى صيام الأيام البيض وهى وسط الشهر، وأنه لم يرد في صيام آخره ترغيب بل ورد نهى خاص عن صيام آخر شعبان احتياط لرمضان. قال النووى فى شرح مسلم: ويعضد من فسره بوسطه الرواية السابقة في الباب قبله "أصمت من سرّة هذا الشهر؟ " وسرارة الوادى وسطه وخياره، وقال ان السكيت سرار الأرض أكرمها ووسطها وسرار كل شئ وسطه وأفضله فقد يكون سرار الشهر من هذا. قال القاضى عياض والأشهر أن المراد آخر الشهر كما قاله أبو عبيدة والأكثرون اهـ والرواية التى أشار إليها هى "ما في مسلم من طريق غيلان بن جرير عن مطرف عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال له أو لرجل وهو يسمع: يا فلان أصمت من سرة هذا الشهر؟ قال لا. قال فإذا أفطرت فصم يومين، قال النووى وهذا تصريح من مسلم بأن هذه الرواية بالهاء وغيرها بالراء، ولذا فرق بينهما وأدخل الأولى مع حديث عائشة كالتفسير له فكأنه يقول يستحب أن تكون الأيام الثلاثة من سرة الشهر وهى وسطه اهـ وحديث عائشة الذى أشار إليه أخرجه مسلم من طريق معاذة العدوية أنها سألت عائشة "أكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت نعم. فقالت لها من أى أيام كان يصوم؟

باب إذا رؤى الهلال في بلد قبل الآخرين بليلة

قالت لم يكن يبالى من أى أيام الشهر يصوم" ومنه تعلم أن الحديث الذى فيه سرة هذا الشهر ورد في غير ما ورد فيه حديث سرر الشهر فلا يصح الاحتجاج به على أن المراد بالسرر الوسط وأما النهى عن صيام آخر شعبان فإنما هو لمن لم يعتده كما تقدم؟ باب إذا رؤى الهلال في بلد قبل الآخرين بليلة أى إذا رآه أهل بلد قبل رؤية أهل بلد أخرى بليلة هل تعتبر رؤية أهل ذلك البلد للآخرين؟ (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا إِسْمَاعِيلُ يَعْنِى ابْنَ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى حَرْمَلَةَ أَخْبَرَنِى كُرَيْبٌ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ ابْنَةَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ. قَالَ فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا فَاسْتُهِلَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْنَا الْهِلاَلَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِى آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِى ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلاَلَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ؟ قُلْتُ رَأَيْتُهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ قُلْتُ نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ. قَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلاَ نَزَالُ نَصُومُهُ حَتَّى نُكْمِلَ الثَّلاَثِينَ أَوْ نَرَاهُ. فَقُلْتُ أَفَلاَ تَكْتَفِى بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ قَالَ لاَ هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. (ش) (الرجال) (محمد بن أبي حرملة) أبو عبد الله القرشى المدنى مولى عبد الرحمن ابن أبي سفيان. روى عن سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار وعبد الرحمن ابن أبي ميسرة وغيرهم. وعنه مالك وموسى بن يعقوب وابن عيينة وإسماعيل بن جعفر. وثقه النسائى وقال ابن سعد كان كثير الحديث وذكره ابن حبان في الثقات. روى له البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى والترمذى. و (كريب) مولى عبد الله بن عباس. و (أم الفضل) لبابة بنت الحارث (المعنى) (قوله فقضيت حاجتها) أى بلغت رسالتها إلى معاوية (قوله فاستهل رمضان) بالبناء للمفعول أى رؤى هلاله، أو بالبناء الفاعل أى تبين هلاله وفي رواية مسلم "استهل علىّ رمضان" وفي رواية النسائى والترمذى "واستهل علىّ هلال رمضان" (قوله فرأينا الهلال) هكذا في رواية الترمذى بضمير الجمع المتكلم. وفي رواية لمسلم والنسائى والدارقطنى فرأيت الهلال بضمير الواحد المتكلم (قوله فسألنى ابن عباس الخ) يعنى سأله عن أمور تتعلق به وبسفره وعن حال أهل الشام وغير ذلك كما هو الشأن والعادة في مثل ذلك ثم انساق الكلام إلى هلال رمضان (قوله هكذا

المذاهب في أنه هل يعتبر اختلاف المطالع في رؤية الهلال؟

أمرنا رسول الله) أى أمرنا أن لا نعتمد على رؤية غيرنا ولا نكتفى بها بل لا نعتمد إلا على رؤية أهل بلدنا. وهذا ما تشير إليه ترجمة النسائى "اختلاف أهل الآفاق فى الرؤية" والترمذى "باب ما جاء لكل أهل بلد رؤيتهم" والنووى فى شرح مسلم "باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم" وهذا هو المتبادر: وإلى ظاهر الحديث ذهب ابن عباس والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وعكرمة وإسحاق بن راهوية واختاره الشافعية وصاحب التجريد وغيره من الحنفية. وقال الترمذى والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم أن لكل أهل بلد رؤيتهم اهـ وهو الأشبة لأن كل قوم يخاطبون برؤيتهم الهلال فلا يصوم المصرى برؤية المكى مثلا، ولا المغربى برؤية المصرى. وذهب قوم إلى أن اختلاف المطالع لا يعتبر فمتى رآه أهل بلد لزم أهل البلاد كلهم اعتبار تلك الرؤية والعمل على مقتضاها فيلزم أهل مصر برؤية اهل مكة وبالعكس, وهو ظاهر مذهب أبى حنيفة وأصحابه ومالك وأحمد والليث وحكى عن الشافعى مستدلين بعموم الخطاب فى قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" رواه الترمذى والنسائى والدارمى من حديث أبى هريرة، وبحديث "لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين" رواه الشيخان عن ابن عمر وتقدم نحوه للمصنف فى "باب الشهر يكون تسعة وعشرين" وهذا لا يختص بأهل ناحية بل هو خطاب لكل من يصلح له من المسلمين. فالاستدلال به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلاد أظهر من الاستدلال به علي عدم اللزوم لأنه إذا رآه أهل بلد فقد رآه المسلمون فيلزم غيرهم ما لزمهم. أفاده فى النيل. وقال أهل هذا المذهب إنما يلزم الصيام من لم يروا برؤية غيرهم إذا ثبت عندهم رؤية أولئك بطريق شرعى موجب للصيام كان يشهد اثنان فأكثر أن قاضى بلد كذا شهد عنده اثنان برؤية الهلال فى ليلة كذا وقضى بشهادتهما فلهذا القاضى أن يحكم بشهادتما لأن قضاء القاضى حجة وقد شهدوا به "أما لو أخبر" جماعة أن أهل بلد كذا رأوا هلال رمضان ليلة كذا فصاموا، وهذا يوم الثلاثين بحسابهم "لا يباح" لمن أخبروا بذلك فطر غد لأن أولئك الجماعة لم يشهدوا بالرؤية "وأجابوا" عن حديث الباب بأن الاشارة فى قوله هكذا يحتمل أن يراد بها أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمرنا أن لا نقبل شهادة الواحد فى حالة الإفطار، وبأنه خبر واحد ليس فيه لفظ الشهادة. وعلى فرض وجوده فهو واحد والشهادة لا تثبت بواحد. وأيضا فإن الحجة إنما هى فى المرفوع من رواية ابن عباس لا فى اجتهاده. والمشار إليه بقوله "هكذا أمرنا رسول الله" هو قوله فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين. والأمر الثابت عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم هو ما رواه عكرمة عن ابن عباس أن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: لا تصوموا حتى تروه ثم صوموا حتى تروه

باب كراهية صوم يوم الشك

فإن حال دونه غمامة فأتموا العدّة ثلاثين. أخرجه المصنف فى "باب من قال فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين" وهو كما تقدم خطاب لكل من يصلح له من المسلمين، وعدم عمل ابن عباس برؤية أهل الشام مع البعد الذى يمكن معه الاختلاف عمل بالاجتهاد وليس بحجة. ولذا قال فى النيل والذى ينبغى اعتماده هو ما ذهب إليه المالكية وجماعة من الزيدية واختاره المهدى منهم وحكاه القرطبى عن شيوخه أنه إذا رآه أهل بلد لزم أهل البلاد كلها "ولا يلتفت" الى ما قاله ابن عبد البر من أن هذا القول خلاف الإجماع قال: لأنهم قد أجمعوا على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلدان كخراسان والأندلس "وذلك" لأن الإجماع لا يتم والمخالف مثل هؤلاء الجماعة اهـ أى كأبى حنيفة ومالك وأحمد. وقال ابن الماجشون لا يلزم أهل بلد رؤية غيرهم إلا أن يثبت ذلك عند الإمام الأعظم فيلزم الناس كلهم لأن البلاد فى حقه كالبلد الواحد إذ حكمه نافذ فى الجميع اهـ وقال فى الفتح قال بعض الشافعية إن تقاربت البلاد كان الحكم واحدا وإن تباعدت فوجهان لا يجب عند الأكثر، واختار أبو الطيب وطائفة الوجوب، وحكاه البغوى عن الشافعى. وفى ضبط البعد أوجه (أحدها) اختلاف المطالع. قطع به العراقيون والصيدلانى وصححه النووى فى الروضة وشرح المهذّب (ثانيها) مسافة القصر. قطع به إمام الحرمين والبغوى وصححه الرافعى فى الصغير والنووى فى شرح مسلم (ثالثها) اختلاف الأقاليم اهـ (الفقه) دل الحديث زيادة على ما تقدم على أن من رأى هلال رمضان فى جهة ثم سافر إلى جهة أخرى قد رؤي فيها الهلال متأخرا ليلة عن الجهة الأولى فأتم ثلاثين من حين صومه لزمه الصوم مع أهل الجهة الثانية لأنه صار منهم وإن أفطر فعليه القضاء فقط، وإلى هذا ذهب من أخذ بظاهر الحديث. أما من قال إن الرؤية الأولى تعم كل البلاد فإنهم يقولون يلزم أهل البلد الثانى موافقته فى الفطر إن ثبت عندهم رؤية البلد الأولى بوجه شرعى وعليهم قضاء اليوم الأول، فإن لم يثبت عندهم لزمه وهو الفطر سرا (والحديث) أخرجه أيضا أحمد ومسلم والنسائى والترمذى وقال حسن صحيح غريب اهـ وأخرجه الدارقطنى وقال إسناد صحيح باب كراهية صوم يوم الشك وهو اليوم الذى يلي التاسع والعشرين من شعبان إذا تحدث الناس بالرؤية ولم تثبت (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ نَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ فِى الْيَوْمِ الَّذِى يُشَكُّ فِيهِ فَأُتِىَ بِشَاةٍ فَتَنَحَّى بَعْضُ

أقوال العلماء في حكم صيامه

الْقَوْمِ فَقَالَ عَمَّارٌ مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ (ش) (أبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان. و (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعى و (عمار) بن ياسر. و (صلة) بن زفر العبسى تقدم ص 365 ج 5 (قوله في اليوم الذى يشك فيه) أى فى أنه من رمضان أو شعبان بأن تحدث الناس فيه برؤية الهلال ولم تثبت رؤيته أو شهد برؤيته من ردّت شهادته لفسق ونحوه. وأتى بالوصول ولم يقل يوم الشك إشارة الى أن صوم يوم فيه أدنى شك منهىّ عنه فكيف بمن صام يوما الشك فيه ثابت (قوله فتنحى بعض القوم) أى تباعد عن الأكل منها معتذرا بأنه صائم كما فى رواية الترمذى والنسائى والدارمى والدارقطنى وفيها: فأتى بشاة مصلية فقال كلوا فتنحى بعض القوم فقال إنى صائم (قوله فقد عصى أبا القاسم الخ) أى خالف النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بارتكاب ما نهى عنه، فقد روى الدارقطنى والبزار من حديث أبى هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن صوم ستة: اليوم الذى يشك فيه من رمضان، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق وأخرج نحوه البيهقى. ومن أدلة النهى عن صيامه الأحاديث الواردة فى النهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين (وأبو القاسم) كنية للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وخصت بالذكر إشارة إلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو الذى يقسم بين عباد الله أحكامه بحسب طاقتهم واقتدارهم (وبظاهر هذا الأثر) استدل داود الظاهرى على تحريم صوم يوم الشك مطلقا ولو وافق عادة له لأن الصحابى لا يقول ذلك من قبل رأيه بل هو من قبيل المرفوع. قال ابن عبد البر هو مسند عندهم لا يختلفون فى ذلك اهـ وخالفهم الجوهرى المالكى فقال هو موقوف وقال عكرمة من صام يوم الشك فقد عصى الله ورسوله اهـ وقد تقدم أن قول داود بحرمة صومه ولو وافق عادة مردود بما جاء فى حديث ابن عباس السابق فى "باب من قال فإن غم عليم فصوموا ثلاثين، والحديث الآتى بعد. وفيه "لا تقدموا صوم رمضان بيوم ولا يومين إلا أن يكون صوم يصومه رجل فليصم ذلك الصوم" وذهب أبو حنيفة وأصحابه ومالك وإسحاق والأوزاعى والليث بن سعد إلى أنه يكره تحريما صومه عن رمضان ولا بأس بصومه تطوّعا أو عن واجب آخر حملا لأحاديث النهى على صومه عن رمضان "وحديث" عمران ابن حصين السابق فى (باب فى التقدم) ونحوه "محمول" على صومه تطوعا أو عن واجب آخر جمعا بين الأدلة. وقال الشافعى لا يصح صومه عن رمضان ولا تطوعا لم يوافق عادة له، ولا بأس بصومه عن واجب آخر أو تطوعا وافق عادة له، وحكاه ابن المنذر عن عمر وعلىّ وحذيفة وأنس وأبى هريرة وابن المسيب والشعبى والنخعى وابن جريج. وذهب ابن عمر إلى وجوب صومه

باب فيمن يصل شعبان برمضان

عن رمضان إذا حال دون رؤية الهلال سحاب أو قترة بخلاف ما إذا كانت السماء صحوا ولم يره الناس. وهو رواية عن أحمد، وعنه رواية كمذهب الشافعى، عنه أن الناس فيه تبع للإمام إن صام صاموا وإن أفطر أفطروا. وبه قال الحسن البصرى وابن سيرين والشعبى. وكانت عائشة وأسماء ابنتا أبى بكر يصومانه عن رمضان فكانت عائشة تقول "لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلىّ من أن أفطر يوما من رمضان، والذى دلت عليه الأحاديث أنه لا يصام عن رمضان ولا عن نفل غير معتاد ولا بأس بصومه عن غيرهما (والأثر) أخرجه أيضا النسائى وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والدارمى والترمذى وقال حديث حسن صحيح اهـ وأخرجه الدارقطنى وقال إسناد حسن صحيح ورواته كلهم ثقات اهـ وأخرجه الحاكم وقال صحيح على شرطهما وذكره البخارى تعليقا فى "باب إذا رأيتم الهلال فصوموا" باب فيمن يصل شعبان برمضان وفى نسخة "باب من صام شعبان ووصله برمضان، أى يصلهما بالصوم ولا يفصل بينهما بفطر (ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ تَقَدَّمُوا صَوْمَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ وَلاَ يَوْمَيْنِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ صَوْمًا يَصُومُهُ رَجُلٌ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الصَّوْمَ. (ش) (هشام) الدّستوائى. و (أبو سلمة) بن عبد الرحمن قيل اسمه عبد الله وقيل اسمه كنيته. تقدم نحو هذا الحديث من حديث ابن عباس مشروحا وافيا فى "باب من قال فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين" وقال الخطابى معناه أن يكون قد اعتاد صوم الاثنين والخميس فيوافق صوم اليوم المعتاد فيصومه ولا يتعمد صومه إن لم تكن له عادة اهـ والحكمة فى النهى عن تقدم رمضان بصوم آخر شعبان ما فيه من ترك الاستراحة الموجبة للنشاط فى صوم رمضان. وقيل اختلاط النفل بالفرض فقد يتوهم الناس أنه رأى هلال رمضان فصام فيوافقه بعضهم. والحكمة فى مراعاة ما اعتاده أن أفضل العبادة أدومها وأن ترك المألوف شديد على النفس (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والبخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه، والترمذى وقال حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان. وإن كان رجل يصوم صوما فوافق صيامه ذلك فلا بأس به عندهم اهـ وأخرجه الحاكم والبيهقى وابن حبان وابن خزيمة وصححاه والدارقطنى وقال إسناد صحيح ورواته كلهم ثقات

الجمع بين ما ورد في صيام شعبان

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نَا شُعْبَةُ عَنْ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِىِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنَ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إِلاَّ شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ. (ش) (توبة) بن كيسان (قوله لم يكن يصوم من السنة الخ) أى لم يكن يصوم تطوّعا شهرا كاملا إلا شعبان. وفى رواية الترمذى عن أم سلمة قالت: ما رأيت النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان. وفى ابن ماجه عن عائشة قالت كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصوم شعبان كله حتى يصله برمضان. وعند البخارى من حديث عائشة قالت: لم يكن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصوم شهرا أكثر من شعبان. وفى رواية النسائى من حديث عائشة لم يكن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى شهر من السنة أكثر صياما منه فى شعبان كان يصوم شعبان كله. وعند الترمذى من حديثها: ما رأيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى شهر أكثر صياما منه فى شعبان كان يصومه إلا قليلا. بل كان يصومه كله، ونحوه للنسائى أيضا. ويجمع بين هذه الروايات بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصوم شعبان كله تارة ويصوم أكثره أخرى لئلا يتوهم أنه واجب كله. ونقل الترمذى بعد رواية الحديثين عن ابن المبارك أنه قال: جائز فى كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال صام الشهر كله، ويقال قام فلان ليله أجمع ولعله تعشى واشتغل ببعض أمره كأن ابن المبارك قد رأى كلا الحديثين متفقين اهـ وقال الحافظ فى الفتح: حاصله أن المراد بالكل الأكثر وهو مجاز قليل الاستعمال واستبعده الطيبى لأن لفظ الكل تأكيد لإرادة الشمول ودفع التجوز فتفسيره بالبعض مناف له فيحمل عل أنه كان يصوم شعبان كله تارة ويصوم معظمه أخرى اهـ والحكمة فى إكثاره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من صوم شعبان ما جاء فى حديث أسامة بن زيد قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان قال ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحبّ أن يرفع عملى وأنا صائم. أخرجه النسائى وصححه ابن خزيمة (الفقه) دل الحديث على فضل الصيام فى شعبان. وعلى جواز صوم شعبان بتمامه ووصله برمضان (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والنسائى وابن ماجه والترمذى وقال حديث حسن

باب في كراهية ذلك أى وصل شعبان برمضان

باب في كراهية ذلك أي وصل صيام شعبان برمضان (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ قَدِمَ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ الْمَدِينَةَ فَمَالَ إِلَى مَجْلِسِ الْعَلاَءِ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلاَ تَصُومُوا. فَقَالَ الْعَلاَءُ: اللَّهُمَّ إِنَّ أَبِى حَدَّثَنِى عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ. (ش) (الرجال) (عباد بن كثير) الثقفي البصرى. روى عن أيوب السختياني وثابت البناني ويحيى بن أبي كثير وطائفة. وعنه أبو خيثمة وإسماعيل بن عياش وإبراهيم بن طهمان وشجاع ابن الوليد وجماعة. قال النسائي متروك الحديث وضعفه ابن معين والدارقطني وأبو حاتم وابن عمار وقال أحمد روى أحاديث كذبا لم يسمعها وقال شعبة احذروه وقال أبو زرعة كان لا يضبط الحديث وقال العقيلي ضعيف متروك الحديث. روى له ابن ماجه وأبو داود. و (العلاء) بن عبد الرحمن تقدم ص 191 ج 8 (قوله فمال إلى مجلس العلاء الخ) أي ذهب عباد بن كثير إلى مجلس العلاء فأخذ بيده فأقامه، ثم قال عباد: اللهم إن هذا يحدث عن أبيه عبد الرحمن بن يعقوب ولعله أقامه للتثبت والتيقن وليظهر من عنده نقل يوافقه أو يخالفه (قوله إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) أي إذا مضى نصفه الأول فلا تصوموا تطوّعا في النصف الثاني منه. وهو محمول على من يضعفه الإكثار من الصيام أو على من يصومه تحريا لرمضان (وبظاهر الحديث) أخذ كثير من الشافعية فقالوا يمنع صيام التطوّع في النصف الثاني من شعبان إلا صوما اعتاده أو وصله بصوم قبله في النصف الأول. وقال الروياني منهم يحرم التقدّم بصوم يوم أو يومين ويكره التقدّم من نصف شعبان جمعا بين حديث الباب وحديث النهي عن التقدم بصوم يوم أو يومين اهـ وقال الجمهور يباح التطوع بالصوم في النصف الثاني من شعبان ولو لمن لم يعتده ولم يصله بالنصف الأول منه ولا يكره إلا صوم يوم الشك. وقالوا إن حديث الباب ضعيف. قال أحمد وابن معين إنه منكر. وقال الخطابي هذا حديث كان ينكره عبد الرحمن بن مهدى من حديث العلاء وقال أحمد: العلاء ثقة لا ينكر من حديثه إلا هذا لأنه خلاف ما روى عن النبي صلى الله تعالى

الجمع بين النهى عن الصوم في النصف الثانى من شعبان والنهى عن تقدم رمضان بالصوم

عليه وعلى آله وسلم أنه كان يصل شعبان برمضان اهـ "وقد استدل" البيهقى بحديث لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين "على ضعف" حديث الباب فقال: الرخصة في ذلك بما هو أصح من حديث العلاء اهـ لكن الحديث قد صححه ابن حبان وابن حزم وابن عبد البر وقال الترمذي حديث حسن صحيح اهـ وقال القاري في شرح حديث "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا" أي بلا انضمام شئ من النصف الأول. أو بلا سبب من الأسباب المذكورة. وفي رواية فلا صيام حتى يكون رمضان. والنهى للتنزيه رحمة بالأمة أن يضعفوا عن حق القيام بصيام رمضان على وجه النشاط. وأما من صام شعبان كله فيتعود الصوم وتزول عنه الكلفة؛ ولذا قيده بالانتصاف، أو نهى عنه لأنه نوع من التقدم المتقدم. قال القاضى المقصود استجمام "أي طلب راحة" من لا يقوى على تتابع الصيام فاستحب الإفطار كما استحب إفطار عرفة ليقوى على الدعاء. فأمّا من قدر فلا نهى له، ولذلك جمع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين الشهرين في الصوم اهـ وفي شرح ابن حجر. قال بعض أئمتنا يجوز بلا كراهة الصوم بعد النصف مطلقا تمسكا بأن الحديث غير ثابت, أو محمول على من يخاف الضعف بالصوم. ورده المحققون بما تقرر أن الحديث ثابت، بل صحيح. وبأنه مظنة الضعف. وما نيط بالمظنة لا يشترط فيه تحققها اهـ وقد رواه غير واحد عن العلاء كما سيأتي. "وعليه فيجمع" بين هذا الحديث وحديث "لا تقدموا صوم رمضان بيوم ولا يومين" الدال بمفهومه أن صيام ما بعد النصف غير مكروه إلا فى آخر الشهر "بأنه" محمول على من يضعفه الصوم وحديث النهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين مخصوص بمن يصوم ذلك احتياطا لرمضان قال الترمذى بعد أن روى حديث الباب. ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن يكون الرجل مفطرا فإذا بقى من شعبان شيء أخذ في الصوم لحال شهر رمضان. وقد روى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما يشبه قوله "أي بعض أهل العلم" حيث قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لا تقدموا شهر رمضان بصيام إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم. وقد دل هذا الحديث على أن الكراهية إنما هي على من يتعمد الصيام لحال رمضان اهـ "ومما يدل" لما ذهب إليه الجمهور من أنه لا بأس بصوم النصف الثاني من شعبان وإن لم يصله بصوم قبله "ما أخرجه" الطحاوى من طرق صدقة بن موسى عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: أفضل الصيام بعد رمضان شعبان. وهو ضعيف لأن صدقة ضعفه النسائي وأبو داود وقال ابن معين ليس حديثه بشيء. وعن أدلة الجمهور حديث عمران السابق في "باب التقدم" أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لرجل: هل صمت من سرر شعبان شيئًا؟ قال لا. قال: فإذا أفطرت فصم يوما أو يومين (قوله فقال العلاء اللهم إن أبي الخ) غرضه بذلك الاعتراف بما ذكره عباد (والحديث) أخرجه الطحاوى وابن حبان بلفظ "لا صوم بعد النصف من شعبان حتى

رمضان، وأخرجه الترمذي بلفظ إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا. وأخرجه النسائي وفيه فكفوا عن الصوم. وأخرجه ابن عدى والدارمى وكذا البيهقي بلفظ: إذا مضى النصف من شعبان فأمسكوا عن الصوم حتى يدخل رمضان. وصححه ابن حبان وغيره كما تقدم (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ الثَّوْرِىُّ وَشِبْلُ بْنُ الْعَلاَءِ وَأَبُو عُمَيْسٍ وَزُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الْعَلاَءِ. (ش) أى روى الحديث السابق سفيان الثورى ومن ذكر معه عن العلاء، كما رواه عنه عبد العزيز بن محمد، وغرض المصنف بهذا بيان أن الحديث روى من عدة طرق. فهو صحيح وإن كان غريبا لتفرد العلاء بروايته، ولا يقال إنه ضعيف بعباد بن كثير؛ لأنّ عبد العزيز بن محمد والثورى وغيرهما إنما رووه عن العلاء مباشرة. وممن رواه أيضا عبد الرحمن بن إبراهيم الحنفى عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصوم. أخرجه الدارمي. ورواه أيضا روح بن عبادة وسفيان بن عيينة وموسى بن عبيدة الربذى. وكذا مسلم بن خالد قال: ثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى يجئ رمضان. أخرجه ابن ماجه. هذا و (شبل بن العلاء) بن عبد الرحمن روى عن أبيه عن جده. قال ابن عدى روى أحاديث مناكير. و (أبو عميس) عتبة بن عبد الله (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لاَ يُحَدِّثُ بِهِ قُلْتُ لأَحْمَدَ لِمَ؟ قَالَ لأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصِلُ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ, وَقَالَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ خِلاَفَهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَلَيْسَ هَذَا عِنْدِى خِلاَفَهُ وَلَمْ يَجِئْ بِهِ غَيْرُ الْعَلاَءِ عَنْ أَبِيهِ. (ش) غرض المصنف بهذا بيان ما قاله عبد الرحمن بن مهدى من تصنيف الحديث والرد عليه (والمعنى) أن عبد الرحمن بن مهدي كان لا يحدث بهذا الحديث فقال أبي داود لأحمد لم لا يحدث به؟ فقال لأنه كان يرى أنه مخالف لما روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أنه كان يصل شعبان برمضان، ووصل شعبان برمضان ينافى النهي عن صوم النصف الثاني من شعبان قال المصنف (وليس هذا عندى خلافه) أي ليس حديث الوصل مخالفا لحديث النهي عن صيام

باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال

النصف الثاني من شعبان لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصل الشهرين بصيام شعبان كله أو أكثره، وحديث النهى عن صيام النصف الثانى منه إنما هو في حق من لم يصم قبل النصف "وما قيل" من أنه يجمع بين الحديثين بأن وصله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من فعله، وأحاديث النهي من قوله، وقوله المتوجه لأمته لا يعارض فعله لاحتمال أن يكون خاصا به "يرده" ما تقدم حديث النسائي وابن خزيمة عن أسامة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال في شعبان (هو شهر يغفل الناس عن صومه) فإنه يدل علي أن صومهم شعبان ليس خاصا به بل صومه لغيره أفضل من إفطاره. ويحتمل أن يكون عبد الرحمن بن مهدى لم يحدث به لأن في سنده العلاء بن عبد الرحمن وفيه مقال كما تقدم، ولكن مع ذلك قد احتج به مسلم وابن حبان وحدث عنه الإِمام مالك وغيرهم ممن التزم الصحة. ووثقه النسائي وروى له البخارى أحاديث انفرد بها ولذا صحح حديثه غير واحد كما تقدم (قوله ولم يجئ به غير العلاء عن أبيه) أي أن الحديث قد انفرد بروايته العلاء عن أبيه عبد الرحمن فهو غريب وإن رواه عن العلاء جماعة كما تقدم. قال الترمذي حديث أبي هريرة حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ اهـ باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَبُو يَحْيَى الْبَزَّازُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ نَا عَبَّادٌ عَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْجَعِىِّ نَا حُسَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ الْجَدَلِىُّ مِنْ جَدِيلَةِ قَيْسٍ أَنَّ أَمِيرَ مَكَّةَ خَطَبَ ثُمَّ قَالَ: عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَنْسُكَ لِلرُّؤْيَةِ فَإِنْ لَمْ نَرَهُ وَشَهِدَ شَاهِدَا عَدْلٍ نَسَكْنَا بِشَهَادَتِهِمَا فَسَأَلْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ الْحَارِثِ مَنْ أَمِيرُ مَكَّةَ؟ فَقَالَ لاَ أَدْرِى ثُمَّ لَقِيَنِى بَعْدُ فَقَالَ هُوَ الْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ أَخُو مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ ثُمَّ قَالَ الأَمِيرُ إِنَّ فِيكُمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنِّى وَشَهِدَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى رَجُلٍ. قَالَ الْحُسَيْنُ فَقُلْتُ لِشَيْخٍ إِلَى جَنْبِى مَنْ هَذَا الَّذِى أَوْمَأَ إِلَيْهِ الأَمِيرُ؟ قَالَ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَصَدَقَ. كَانَ أَعْلَمَ بِاللَّهِ مِنْهُ فَقَالَ بِذَلِكَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

ما يثبت به هلال رمضان وشوال وغيرهما

(ش) مناسبة الحديث للترجمة أن النسك العبادة والتقرب إلى الله تعالى. ومنه الإفطار فى أول شوال فإنه طاعة مأمور بها (الرجال) (سعيد بن سليمان) بن كنانة. و (عباد) بن العوام ابن عمر تقدم ص 154 ج 9. و (أبو مالك الأشجعي) سعد بن طارق (قوله من جديلة قيس) بفتح الجيم وكسر الدال. وفي بعض النسخ إسقاط من. قال في المعجم والجديلة الناصية وجديلة اسم قبيلة من طي ومن الأنصار ومن قيس. و (أمير مكة) الحارث بن حاطب بن الحارث بن معمر القرشي الجمحي. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه يوسف بن سعد وحسين بن الحارث. استعمله ابن الزبير على مكة سنة ست وستين. وقيل استعله مروان على المساعى بالمدينة وعمل لابنه عبد الملك على مكة. له صحبة خرج صغيرا مع أبيه مهاجرا إلى الحبشة وقيل ولد بها "وذكر" ابن حبان له في ثقات التابعين "وهم" لقوله عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. روى له أبو داود والنسائي (المعنى) (قوله عهد إلينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أي أوصانا أن نتعبد بالصوم إذا رأينا هلال رمضان وبأعمال الحج والأضحية لرؤية هلال ذى الحجة. فإن لم نر الهلال وشهد برؤيته شاهدان عدلان من جهة أخرى تعبدنا بمقتضى شهادتهما. وننسك مضارع نسك من باب نصر أي نتقرّب إلى الله تعالى بالصوم في رمضان والافطار في أول شوال وبالأضحية وأعمال الحج في وقتها: فإن النسك في اللغة العبادة وكل حق لله تعالى كما في القاموس. وفي النهاية النسك الطاعة والعبادة وكل ما تقرّب به إلى الله تعالى والنسك ما أمرت به الشريعة اهـ (قوله فسألت الحسين بن الحارث) السائل أبو مالك الأشجعى (قوله من هو أعلم بالله ورسوله الخ) أي أعلم بأحكامهما مني فقد حضر أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالصيام والإفطار وغيرهما الرؤية أو شهادة الشاهدين وتلقاه من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله فقال بذلك أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) أي قال ابن عمر تصديقا، لما قاله الأمير أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالصوم والإفطار وغيرهما لرؤية الهلال أو شهادة شاهدين على رؤيته (الفقه) دل الحديث علي أنه ينبغى التحرى لأمر العبادة من الصوم وغيره، وعلى أنه يكفي في إثبات هلال رمضان وشوال وغيرهما شهادة عدلين بالرؤية وعليه الجمهور (والحديث) أخرجه الدارقطني وقال إسناده متصل صحيح اهـ ورجاله رجال الصحيح إلا الحسين بن الحارث وهو صدوق. وأخرج أحمد والنسائي نحوه من حديث ابن أبى زائدة عن حسين بن الحارث الجدلى عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب الناس في اليوم الذي يشك فيه فقال: ألا إنى جالست أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وساءلتهم وإنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته

الجمهور على أن هلال شوال لا يثبت خلافه إلا بشاهدين

وانسكوا لها، فإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا. وفي رواية أحمد فإن شهد شاهدان مسلمان (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْمُقْرِئُ قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِى آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَقَدِمَ أَعْرَابِيَّانِ فَشَهِدَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِاللَّهِ لأَهَلاَّ الْهِلاَلَ أَمْسِ عَشِيَّةً فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ أَنْ يُفْطِرُوا. زَادَ خَلَفٌ فِى حَدِيثِهِ: وَأَنْ يَغْدُوا إِلَى مُصَلاَّهُمْ. (ش) (أبو عوانة) الوضاح. و (منصور) بن المعتمر (قوله اختلف الناس في آخر يوم من رمضان) أى تردّدوا ليلة الثلاثين من رمضان في أن غدا منه أو من شوال لعدم تحقق رؤية هلال شوّال فأصبح النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صائما كما في رواية الدارقطنى فلما جاء الأعرابيان وشهدا عنده برؤية الهلال ليلة الثلاثين أمر الناس بالفطر. ولما كانت شهادتهما عند النبى صلى الله عليه وآله وسلم بعد الزوال أخر صلاة عيد الفطر إلى الغد لفوات وقتها من ذلك اليوم (قوله فشهدا بالله لأهلا الهلال الخ) أى أقسما بالله أنهما رأيا الهلال بالأمس بعد الزوال. يقال أهللت الهلال إذا أبصرته. والعشية ما بين الزوال والغروب (قوله وأن يغدوا إلى مصلاهم) يعنى من اليوم الثانى. ويؤيده ما تقدّم للمصنف في "باب إذا لم يخرج للعيد من يومه يخرج من الغد" عن أبي عمير أنس بن مالك عن عمومة له أن ركبا جاءوا إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم أن يفطروا، وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم. ورواه أحمد والنسائي. (وفي هذا) الحديث والذى قبله دلالة على أنه لا بد من شهادة شاهدين في هلال شوّال وبه قال الجمهور، وقال أبو ثور يكفي فيه شاهد واحد. قال النووى في شرح مسلم لا تجوز شهادة عدل واحد على هلال شوّال عند جميع العلماء إلا أبا ثور فجوّزه بعدل اهـ ولا وجه له فإنّ ظاهر الأحاديث لزوم شهادة اثنين في هلال شوّال والاحتياط في العبادة يقضى أن لا يخرج منها إلا يقين وخبر الواحد لا يفيده (الفقه) دلّ الحديث زيادة على ما تقدّم على أنه إذا فات وقت صلاة عيد الفطر أول يوم من شوّال صلى في اليوم الثانى قبل الزوال وتقدّم بيان ذلك وافيا في "باب إذا لم يخرج للعيد من يومه يخرج من الغد" (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والدارقطني وقال إسناده حسن ثابت

باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ الرَّيَّانِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ يَعْنِى ابْنَ أَبِى ثَوْرٍ ح وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ نَا الْحُسَيْنُ يَعْنِى الْجُعْفِىَّ عَنْ زَائِدَةَ الْمَعْنَى عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّى رَأَيْتُ الْهِلاَلَ. قَالَ الْحَسَنُ فِى حَدِيثِهِ يَعْنِى رَمَضَانَ. فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ نَعَمْ. قَالَ: يَا بِلاَلُ أَذِّنْ فِى النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا. (ش) (الرجال) (زائدة) بن قدامة، و (الوليد بن أبي ثور) هو ابن عبد الله بن أبي ثور الهمدانى المرهبى روى عن سماك بن حرب وزياد بن علاقة وعبد الملك بن عمير وغيرهم. وعنه يونس بن محمد وعباد بن يعقوب ومحمد بن الصباح ومحمد بن بكار وطائفة. قال العقيلى يحدّث عن سماك بمناكير لا يتابع عليها وقال أبو زرعة منكر الحديث يهم كثيرا وقال محمد بن عبد الله بن نمير كذاب توفي سنة اثنتين وسبعين ومائة. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه والبخارى في الأدب (المعنى) (قوله أتشهد أن لا إله إلا الله الخ) صريح في أنه لا يكفي شهادة الكافر في رؤية الهلال وأنه يكتفي بتحقق الإسلام في إثبات الرؤية "ولا يقال" لا يشترط العدالة فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يستفسر عن عدالة الرجل "لأن" الظاهر أنه قد أسلم وقتئذ والإسلام يجبّ ما قبله، فهو عدل بمجرّد الشهادتين وإن لم ينضم إليهما عمل في تلك الحالة. وعلى تسليم أنه كان مسلما من قبل فالصحابة كلهم عدول (قوله أذّن في الناس الخ) أي أعلمهم بدخول رمضان وأن يصوموا غدا (الفقه) دل الحديث على أنه يكفي في رؤية هلال رمضان خبر واحد عدل (والحديث) أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه والترمذي والدارقطني والحاكم والبيهقي والدارمي (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا حَمَّادٌ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُمْ شَكُّوا فِى هِلاَلِ رَمَضَانَ مَرَّةً فَأَرَادُوا أَنْ لاَ يَقُومُوا وَلاَ يَصُومُوا فَجَاءَ أَعْرَابِىٌّ مِنَ الْحَرَّةِ فَشَهِدَ أَنَّهُ رَأَى الْهِلاَلَ فَأُتِىَ بِهِ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ نَعَمْ وَشَهِدَ أَنَّهُ رَأَى الْهِلاَلَ فَأَمَرَ بِلاَلاً فَنَادَى فِى النَّاسِ أَنْ يَقُومُوا وَأَنْ يَصُومُوا.

باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان

(ش) (قوله فأرادوا أن لا يقوموا ولا يصوموا) أى لا يصلوا صلاة القيام ولا يصوموا صبيحة يوم الشك (قوله فجاء أعرابي من الحرة) موضع بين المدينة والعقيق فيه حجارة سود (وهذه الرواية) أخرجها البيهقي بسند المصنف والدارقطني مرسلة والحاكم مسندة (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلاً وَلَمْ يَذْكُرِ الْقِيَامَ أَحَدٌ إِلاَّ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. (ش) أي أن جماعة غير حماد رووا الحديث عن سماك عن عكرمة مرسلا لكنهم لم يذكروا أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر الناس بالقيام. وممن رواه عن سماك مرسلا سفيان الثوري كما أخرجه الدارقطني من طريق شعبة عن سفيان الثوري عن سماك عن عكرمة أن أعرابيا شهد عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه رأى الهلال فقال أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟ قال نعم. فأمر الناس أن يصوموا. وأخرجه النسائي من طريق عبد الله بن المبارك عن سفيان عن عكرمة مرسلا. وأخرجه البيهقي من طريق الفضل بن موسى قال: ثنا سفيان الثورى عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة هلال رمضان فقال يا رسول الله إني قد رأيت الهلال فقال أتشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله؟ قال نعم. قال فنادى أن صوموا قال الترمذي حديث ابن عباس فيه اختلاف: روى سفيان الثوري وغيره عن سماك عن عكرمة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرسلا. وأكثر أصحاب سماك رووه عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرسلا اهـ وقال الحافظ في التلخيص قال النسائى إنّ إرساله أولى بالصواب. وسماك إذا تفرد بأصل لم يكن حجة اهـ فتحصل أنّ الحديث مرسل لأن عكرمة لم يسمع من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ولم يروه موصولا إلا زائدة بن قدامة (ص) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْدِىُّ وَأَنَا لِحَدِيثِهِ أَتْقَنُ قَالاَ نَا مَرْوَانُ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلاَلَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنِّى رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ. (ش) (الرجال) (عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن بهرام. و (أبو بكر

المذاهب فيما يثبت به هلال رمضان وغيره

ابن نافع) العدوى المدنى مولى ابن عمر. وسماه ابن حبان عمر، وقال الحاكم أبو أحمد لم أقف على اسمه. روى عن أبيه وسالم بن عبد الله وأبي بكر بن محمد وصفية بنت أبي عبيد، وعنه جرير ابن حازم ومالك ويحيى بن عبد الله بن سالم وعباد بن صهيب، وثقه أحمد والحاكم وأبو داود وقال ابن معين وابن عدى لا بأس به. وذكره ابن حبان في الثقات. روى له مسلم وأبو داود والترمذى (المعنى) (قوله تراءى الناس الهلال) أى اجتمعوا لرؤية الهلال وأصل الترائي أن يرى بعض القوم بعضا (قوله فصام وأمر الناس بصيامه) اعتمادا على رؤية ابن عمر وحده (وأحاديث) الباب تدل على أنه يكتفي في هلال رمضان بشهادة الواحد (وقد اختلف) الفقهاء في ذلك. فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه إن كان بالسماء علة كغيم وغبار شديد يقبل في هلال رمضان خبر عدل واحد ولو عبدا أو أنثى لأنه أمر دينى، وخبر العدل مقبول في الديانات. ولا يشترط لفظ الشهادة لأحاديث الباب. ولا بد في هلال غير رمضان كشوال من شهادة حرّين أو حرّ وحرّتين بشرط العدالة ولفظ الشهادة لتعلق حق العباد بما ذكر بخلاف صوم رمضان فإنه حق الله تعالى. وإن لم يكن بالسماء علة فلا بد في رمضان وغيره من شهادة جمع يغلب على الظن صدقهم لأن خبر غيرهم في مثل هذا الحال ظاهر في الغلط فيتوقف في قبوله. وعن الإمام الاكتفاء بشهادة اثنين بالرؤية وإن لم يكن بالسماء علة. قال في البحر الرائق ولم أر من رجحها من المشايخ وينبغى العمل بها في زماننا لأن الناس تكاسلوا عن ترائى الأهلة فكان التفرد غير ظاهر في الغلط اهـ (وقال مالك) وأصحابه يثبت هلال رمضان وشوّال برؤية عدلين أو جماعة مستفيضة وأقلها خمسة وهذا في حق جهة يعتنى بأمر الهلال فيها، أما في حق من لم يعتن به فيثبت برؤية عدل واحد، ووافقه في اشتراط العدلين عطاء وعمر بن عبد العزيز والأوزاعى والليث وإسحاق ابن راهويه وداود (وقال الثوري) يكفي رجلان أو رجل وامرأتان لما تقدم في "باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال" (وقال الشافعى) وأحمد يكفي في هلال رمضان مطلقا رؤية عدل واحد. قال أحمد ولو عبدا أو امرأة، وهو قول للشافعي، ومعتمد مذهبه أنه لا بدّ أن يكون حرًّا ذكرا ولا يثبت هلال غيره كشوال إلا بشهادة عدلين حرّين قال النووى ومحل الخلاف ما لم يحكم بشهادة الواحد حاكم يراه وإلا وجب الصوم ولم ينقض الحكم إجماعا اهـ (والحديث) أخرجه الدارمى وابن حبان والبيهقي والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم باب في توكيد السحور بفتح السين المهملة بوزن رسول ما يتسحر به من طعام وشراب وبضمها الفعل وتوكيده طلبه طلبا أكيدا (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَىِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ

السحور خاص بهذه الأمة

أَبِى قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ فَصْلَ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ. (ش) (أبو قيس) عبد الرحمن بن ثابت (قوله إن فصل ما بين صيامنا الخ) أي "إن الفارق" بين صيام أمة محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وصيام الأمم السابقة من أهل الكتاب "السحور" فإنه من خصائص هذه الأمة. أما الأمم السابقة فكان يحرم عليهم الطعام والشراب بالنوم كما كان لهذه الأمة في بدء الإسلام كما تقدم، والفصل بمعنى الفاصل وما زائدة أو موصولة صفة لفصل (قوله أكلة السحر) وفي نسخة أكل السحر، وأكلة بفتح الهمزة المرة من الأكل وإن كثر المأكول كالغدوة والعشوة. وأما بضمها فهى اللقمة الواحدة. والسحر بفتحتين قبيل الصبح (وفي هذا) دلالة على مشروعية التسحر. وقد ورد الأمر به فيما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: تسحروا فإنّ في السحور بركة. والأمر فيه للندب عند العلماء. وقد نقل ابن المنذر الإجماع على أنه مندوب وليس بواجب لما ثبت عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه أنهم واصلوا (والحديث) أخرجه أيضا أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي وقال حسن صحيح باب من سمى السحور الغداء وفي نسخة غداء بدون أل. والغداء الطعام يؤكل أوّل النهار وسمى به السحور لأنه للصائم بمنزلة الغداء للمفطر (ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ سَيْفٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِى رُهْمٍ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: دَعَانِى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّحُورِ فِى رَمَضَانَ فَقَالَ: هَلُمَّ إِلَى الْغَدَاءِ الْمُبَارَكِ. (ش) (الرجال) (يونس بن سيف) القيسي الكلاعي البصري. روي عن الحارث بن زياد وأبي إدريس الخولاني وخصيف بن الحارث وغيرهم. وعنه ثور بن يزيد ومعاوية بن صالح ومحمد بن الوليد الزبيدي ومروان بن سالم وآخرون. وثقه الدارقطني وقال ابن

الترغيب في السحور

سعد كان معروفا وله أحاديث, وقال البزار صالح الحديث, وفى التقريب مقبول من الرابعة ووهم من سماه يوسف, وذكره ابن حبان فى الثقات. روى له أبو داود والنسائى. و (الحارث بن زياد) الشامى. روى عن أبى رهم السماعى. وعنه يونس بن سيف. قال ابن عبد البر مجهول وحديثه منكر وقال أبو حاتم مجهول, وفى التقريب لين الحديث من الرابعة, وأخطأ من زعم أنّ له صحبة وذكره ابن حبان فى ثقات التابعين. روى له أبو داود والنسائى هذا الحديث فقط. و (أبو رهم) كقفل أحزاب بن أسيد بفتح فكسر وقيل بضم ففتح السمعى بفتحتين أو السماعى مختلف فى صحبته. روى عن العرباض بن سارية وأبى أيوب الأنصارى. وعنه الحارث بن زياد وخالد ابن معدان. ذكره ابن حبان فى ثقات التابعين, وفى التقريب ثقة وقال البخارى تابعى. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه. و (العرباض بن سارية) أبو نجيح السلمى صحابى مشهور من أهل الصفة ومن السابقين إلى الإسلام وممن نزل فيهم قوله تعالى " {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} الآية" روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أبى عبيدة بن الجراح وعنه أبو أمامة الباهلى وجبير بن نفير وعبد الرحمن بن عائذ وسعيد بن هانئ وغيرهم. قيل توفى سنة خمس وسبعين, روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى (المعنى) (قوله هلم إلى الغداء المبارك) هلم اسم فعل بمعنى أقبل ويخاطب به الواحد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد قال تعالى {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ} وهى لغة أهل الحجاز. وبنو تميم تثنيه وتجمعه وتذكره وتؤنثه. وكان السحور مباركا لأنّ به يقوى الإنسان على الصوم وينشط له وتخف مشقته وإن كان خفيفا. فقد روى ابن ماجه والحاكم عن ابن عباس مرفوعا: استعينوا بطعام السحر على صيام النهار, وبقيلولة النهار على قيام الليل. وروى أحمد عن أبى سعيد مرفوعا "السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء, فإنَّ الله وملائكته يصلون على المتسحرين" وروى النسائى من طريق شعبة عن عبد الحميد صاحب الزيادى قال: سمعت عبد الله ابن الحارث يحدث عن رجل من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: دخلت على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو يتسحر فقال: إنها بركة أعطاكم الله إياها فلا تدعوه وروى أيضا عن المقدام بن معد يكرب أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "عليكم بغداء السحور فإنه هو الغداء المبارك" وفى هذه الأحاديث دلالة على الترغيب فى السحور وعظيم فائدته (والحديث) أخرجه أيضا النسائى وابن خزيمة وابن حبان. وفى بعض النسخ زيادة قوله "حدثنا أبو داود قال حدثنا عمر بن الحسن بن إبراهيم ثنا محمد بن الوزير أبو المطرّف ثنا محمد بن موسى عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: نعم سحور المؤمن التمرة" وهو من رواية أبى بكر بن داسة لا من رواية اللؤلؤى, وفيه الترغيب فى السحور بالتمر

باب وقت السحور

باب وقت السحور (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَادَةَ الْقُشَيْرِىِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَمْنَعَنَّ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ وَلاَ بَيَاضُ الأُفُقِ الَّذِى هَكَذَا حَتَّى يَسْتَطِيرَ. (ش) (الرجال) (عبد الله بن سوادة) بن حنظلة البصرى. روى عن أبيه وأنس بن مالك. وعنه وهيب بن خالد وحماد بن زيد وإسماعيل بن علية وعبد الوارث بن سعيد وثقه ابن معين والعجلى وقال النسائى لا بأس به. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى. و (القشيرى) نسبة إلى قشير بالتصغير ابن كعب بن ربيعة أبى قبيلة من هوازن و (أبوه) سوادة بن حنظلة البصرى. روى عن سمرة بن جندب هذا الحديث. وعنه ابنه عبد الله وشعبة, قال أبو حاتم شيخ وذكره ابن حبان فى الثقات, وفى التقريب صدوق من الثالثة روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى (المعنى) (قوله لا يمنعن من سحوركم الخ) أى لا يمنعكم من السحور أذان بلال فإنه يؤذن بليل ليرجع القائم وينتبه النائم, ولا يمنعنكم البياض الذى يظهر فى السماء من الشرق مستطيلا كذنب الذئب فإنه يكون بليل وهو المسمى بالفجر الكاذب. وكلوا واشربوا حتى ينتشر البياض معترضا فى جانب السماء, وقوله هكذا" إشارة منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى البياض المستطيل ويستطير أى ينتشر, وفى رواية مسلم عن حماد بن زيد بسنده إلى سمرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا وحكاه حماد بيديه يعنى معترضا" وروى النسائى عن محمود بن غيلان قال ثنا أبو داود ثنا شعبة أنبأنا سوادة بن حنظلة قال سمعت سمرة يقول: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض حتى ينفجر الفجر هكذا وهكذا يعنى معترضا" قال أبو داود وبسط بيديه يمينا وشمالا مادًّا يديه. والبياض المعترض هو الفجر الصادق الذى يحرم به الأكل ويدخل به وقت الصبح. فقد أخرج الدارقطنى من طريق الوليد بن مسلم عن الوليد بن سليمان قال سمعت ربيعة بن يزيد قال سمعت عبد الرحمن بن عائش صاحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول "الفجر فجران, فأما المستطيل فى السماء فلا يمنعن السحور, ولا تحل فيه الصلاة, وإذا اعترض فقد حرم الطعام فصلّ صلاة الغداة" قال الدارقطنى

إسناد صحيح، وأخرج أيضا من طريق الحارث بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أنه بلغه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "هما فجران فأما الذى كأنه ذنب السرحان فإنه لا يحل شيئا ولا يحرّمه، وأما المستطيل الذى عارض الأفق ففيه تحلّ الصلاة ويحرم الطعام" قال الدارقطنى هذا مرسل. وأخرج أيضا من طريق أبى أحمد الزبيرى قال ثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "الفجر فجران فجر تحرم فيه الصلاة ويحل فيه الطعام وفجر يحرم فيه الطعام وتحل فيه الصلاة، قال الدارقطنى لم يرفعه غير أبى أحمد الزبيرى عن الثورى. ووقفه الفريابى وغيره عن الثورى. ووقفه أصحاب ابن جريج عنه اهـ (والحديث) أخرجه أيضا أحمد ومسلم والنسائى والترمذى وقال حسن. وأخرجه الدارقطنى وقال إسناده صحيح (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ التَّيْمِىِّ ح وَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا زُهَيْرٌ نَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِىُّ عَنْ أَبِى عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ قَالَ يُنَادِى لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ وَيَنْتَبِهَ نَائِمُكُمْ. وَلَيْسَ الْفَجْرُ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا وَجَمَعَ يَحْيَى كَفَّيْهِ حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا وَمَدَّ يَحْيَى بِأُصْبَعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ. (ش) (أبو عثمان) النهدى (قوله ليرجع قائمكم) أى ليرجع القائم منكم فى الليل ليستريح فيقوى على صلاة الصبح ويتيقظ نائمكم ليتهجد ويتسحر ويتهيأ لصلاة الصبح، وفى نسخة وينتبه النائم (قوله وليس الفجر أن يقول هكذا) يعنى يظهر مستطيلا ففيه إطلاق القول على الفعل (قوله وجمع يحيى كفه الخ) وفى بعض النسخ قال مسدّد وجمع يحيى الخ هكذا فى أكثر النسخ بالإفراد، وفى نسخة كفيه بالتثنية، والغرض الإشارة إلى الفجر الكاذب الذى يخرج مستطيلا، وأما الفجر الصادق فلا يتحقق حتى يظهر النور منتشرا فى الأفق. وفى رواية مسلم إنّ الفجر ليس الذى يقول هكذا وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض ولكن الذى يقول هكذا ووضع المسبحة على المسبحة ومدّ يديه يعنى فرّقهما يمنة ويسرة إشارة إلى انتشار الضوء (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والبخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى نَا مُلاَزِمُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النُّعْمَانِ حَدَّثَنِى قَيْسُ بْنُ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ يَهِيدَنَّكُمُ السَّاطِعُ الْمُصْعِدُ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَعْتَرِضَ لَكُمُ الأَحْمَرُ. (ش) (الرجال) (عبد الله بن النعمان) السحيمى بالتصغير اليمامى. روى عن قيس بن طلق. وعنه عمر بن يونس وملازم بن عمرو. وثقه ابن معين والعجلى وذكره ابن حبان فى الثقات وقال ابن خزيمة لا أعرفه بعدالة ولا جرح، وفى التقريب مقبول من السادسة. روى له أبو داود والترمذى. و (أبو قيس) طلق بن علىّ (المعنى) (قوله ولا يهيدنكم) بفتح فكسر (الساطع المصعد) بضم الميم وكسر العين المهملة اسم فاعل، أى لا يزعجنكم ولا يمنعنكم من السحور الفجر الكاذب الذى يسطع ضوءه المستطيل من الأعلى إلى الأسفل، وأصل الهيد بالكسر الحركة والانزعاج يقال هدت الشئ أهيده هيدا إذا حركته وأزعجته (قوله فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر) أى حتى يظهر الفجر الصادق فإنه إذا تم طلوعه وظهر ضوءه جاءت معه أوائل الحمرة. فلا يقال إنَّ الحديث معارض للآية. قال الخطابى معنى الأحمر أن يستبطن البياض المعترض أوائل الحمرة. وذلك أنَّ البياض إذا تتام طلوعه ظهرت أوائل الحمرة، والعرب تشبه الصبح بالبلق فى الخيل لما فيه من بياض وحمرة اهـ وفى نسخة زيادة قوله "قال أبو داود وهذا مما تفرد به أهل اليمامة" (وفى أحاديث الباب) دلالة على مشروعية السحور، وأن وقته ممتدّ إلى ظهور الفجر الصادق، وأنَّ الفجر الكاذب لا يمنع من السحور (والحديث) أخرجه أيضا الترمذى وقال حسن غريب وأخرجه الدارقطنى عن عبد الله ابن النعمان السحيمى قال: أتانى قيس بن طلق فى رمضان فى آخر الليل بعدما رفعت يدى من السحور لخوف الصبح فطلب منى بعض الإدام فقلت أيا عماه: لو كان بقى عليك من الليل شئ لأدخلتك إلى طعام عندى وشراب. قال عندك؟ فدخل فقربت إليه ثريدا ولحما ونبيذا فأكل وشرب وأكرهنى فأكلت وشربت وإنى لوجل من الصبح ثم قال: حدثنى طلق بن علي أنّ نبى الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: كلوا واشربوا ولا يغرنكم الساطع المصعد، وكلوا واشربوا حتى يعرض لكم الأحمر وأشار بيده، قال الدارقطنى قيس بن طلق ليس بالقوى اهـ (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ ح وَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ نَا ابْنُ إِدْرِيسَ الْمَعْنَى عَنْ حُصَيْنٍ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ

الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ}. قَالَ أَخَذْتُ عِقَالاً أَبْيَضَ وَعِقَالاً أَسْوَدَ فَوَضَعْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِى فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَتَبَيَّنْ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ فَقَالَ: إِنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ طَوِيلٌ, إِنَّمَا هُوَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ, وقَالَ عُثْمَانُ إِنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ. (ش) (الرجال) (حصين بن نمير) مصغرا الواسطى أبو محصن الضرير. روى عن حصين بن عبد الرحمن وحسين بن قيس والثورى وابن أبى ليلى وغيرهم. وعنه على بن المدينى وحميد بن مسعدة ومسدد وعدّة. وثقه ابن معين وأبو زرعة والعجلى وقال أبو حاتم صالح ليس به بأس وذكره ابن حبان فى الثقات. وقال الحاكم ليس بالقوى، وفى التقريب لا بأس به رمى بالقدر من الثامنة. روى له البخارى وأبو داود والترمذى والنسائى. و (ابن إدريس) عبد الله كما فى مسلم. و (حصين) ابن عبد الرحمن السلمى. و (الشعبى) عامر (المعنى) (قوله حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) أى حتى يظهر لكم بياض النهار من سواد الليل. وسميا خيطين لأن كل واحد منهما يبدو فى الأفق ممتدّا كالخيط فهو تشبيه: شبه ما يبدو من البياض وما يمتدّ معه من ظلمة الليل بخيطين أبيض وأسود فى الامتداد. ونزلت هذه الآية كما تقدّم فى صرمة بن قيس الذى كان عاملا فى أرض له وهو صائم، فلما جاء المساء رجع إلى أهله فلم يجد طعاما فغلبته عيناه من التعب، فلما حضر الطعام واستيقظ كره أن يأكل خوفا من الله تعالى فبات طاويا وأصبح يعمل فما انتصف النهار حتى غشى عليه، فأخبر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنزلت هذه الآية (وظاهر الحديث) يدل على أنّ عدى بن حاتم كان مسلما وقت نزول الآية فيقتضى تقدم إسلامه أول الهجرة مع أنّ إسلامه كان فى السنة التاسعة أو العاشرة كما ذكره غير واحد من أهل المغازى، وقد يؤوّل قول عدى لما نزلت هذه الآية، بأنّ مراده لما نزلت ثم قدمت فأسلمت وتعلمت الشرائع وتليت على هذه الآية بعد إسلامى ويؤيده رواية أحمد من طريق مجالد عنه قال: علمنى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة والصيام فقال: صل كذا وصم كذا فإذا غابت الشمس فكل حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود فأخذت خيطين الخ (قوله فأخذت عقالا أبيض الخ) بكسر العين المهملة أى حبلا وأصله الحبل الذى يعقل به البعير ويجمع على عقل بضمتين وقد تسكن القاف. وفى رواية مجالد عند أحمد فأخذت خيطين من شعر، وحمل عدى الخيطين على حقيقتهما فصنع ما صنع، وحمل قوله من الفجر على السببية وظن أن الغاية تنتهى إلى أن يظهر تمييز أحد الخيطين من الآخر بسبب ضياء الفجر

المراد من قوله صلى الله عليه وسلم إن وسادك لعريض طويل

أو أنه نسى قوله من الفجر حتى ذكره النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في رواية ابن جرير عن عدى بن حاتم قال: أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعلمنى الإسلام ونعت لى الصلوات كيف أصلى كل صلاة لوقتها ثم قال: إذا جاء رمضان فكل واشرب حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ثم أتم الصيام إلى الليل، ولم أدر ما هو؟ ففتلت خيطين من أبيض وأسود فنظرت فيهما عند الفجر فرأيتهما سواء، فأتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت يا رسول الله كل شئ أوصيتنى قد حفظت غير الخيط الأبيض من الخيط الأسود. قال وما منعك يابن حاتم؟ وتبسم كأنه قد علم ما فعلت. قلت فتلت خيطين من أبيض وأسود فنظرت فيهما من الليل فوجدتهما سواء، فضحك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى رؤى نواجذه ثم قال: ألم أقل لك من الفجر؟ إنما هو ضوء النهار وظلمة الليل (وحديث عدى) هذا يقتضى أنّ قوله من الفجر نزل متصلا بقوله من الخيط الأسود "وما رواه" البخارى عن سهل بن سعد قال أنزلت "كلوا واشربوا حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود" ولم ينزل من الفجر فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله بعد من الفجر، فعلموا أنه إنما يعنى الليل والنهار "يقتضى" أنّ قوله من الفجر نزل بعد ذلك لرفع ما وقع لهم من الإشكال. والجمع بينهما أن حديث عدى بن حاتم متأخر عن حديث سهل بن سعد وكأنّ عديا لم يبلغه ما جرى فى حديث سهل، وإنما سمع الآية مجردة ففهمها على ما وقع. فبين له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنّ المراد بقوله من الفجر أن ينفصل أحد الخيطين عن الآخر، وأنّ قوله من الفجر متعلق بقوله يتبين. أفاده الحافظ في الفتح (قوله فقال إنّ وسادك إذا لعريض طويل) وفي نسخة لطويل عريض، أراد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه غفل عن المراد من الآية ولم يفطن له فكنى بعرض الوسادة وطولها عن غفلته فهو نظير قولهم إن فلانا عريض القفا إذا كان فيه غباوة وغفلة. هكذا حمله بعضهم على الذم لعدى. وكأنهم فهموا أنه نسبه إلى الجهل والجفاء وعدم الفقه، وعضدوا ذلك بما فى حديث أبى عوانة عن مطرّف فضحك وقال: لا يا عريض القفا. (قال القرطبى) وليس الأمر على ما قالوا لأنّ من حمل اللفظ على حقيقته اللسانية التى هى الأصل إن لم يتبين له دليل التجوز لم يستحق ذما ولا ينسب إلى جهل. وإنما عنى والله أعلم أنّ وسادك إن كان يغطى الخيطين اللذين أرادهما الله تعالى فهو إذا عريض واسع، ولهذا قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إثر ذلك "إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار" فكأنه قال فكيف يدخلان تحت وسادك، وقوله إنك لعريض القفا أى أنّ الوساد الذى يغطى الليل والنهار لا يرقد عليه إلا قفا عريض للمناسبة اهـ ويؤيد كلام القرطبى ذكر ابن حبان حديث عدى تحت ترجمة "ذكر

الخلاف في مبدء وقت تحريم الأكل على الصائم

البيان بأنّ العرب تتفاوت لغاتها، فإنه أشار بذلك إلى أن عديا لم يكن يعرف في لغته أنّ سواد الليل وبياض النهار يعبر عنهما بالخيط الأبيض والخيط الأسود. وقال الخطابي قوله إن وسادك إذا لعريض فيه قولان (أحدهما) يريد أن نومك إذا لكثير، وكنى بالوساد عن النوم إذ كان النائم يتوسده، أو يكون أراد أنّ ليلك إذا لطويل إذا كنت لا تمسك عن الأكل والشرب حتى يتبين لك سواد العقال من بياضه (والقول) الآخر أنه كنى بالوساد عن الموضع الذى يضعه من رأسه وعنقه على الوسادة إذا نام، والعرب تقول فلان عريض القفا إذا كانت فيه غباوة وغفلة، وقد روى هذا الحديث من طريق آخر أنه قال: إنك عريض القفا. والعرب تسمى بياض الصبح أول ما يبدو خيطا قال النابغة فلما تبدت لنا سدفة ... ولاح من الصبح خيط أنارا اهـ والسدفة عند قيس الضوء لكن قد علمت أن القرطبي رد القول الثانى (قوله إنما هو الليل والنهار الخ) هذه رواية مسدّد، وأما رواية عثمان بنُ أبي شيبة فقد ذكرها بقوله "إنما هو سواد الليل وبياض النهار" أي إنما المراد بالخيط الأبيض في الآية بياض النهار وبالخيط الأسود سواد الليل والفرق بين الروايتين أن مسددا لم يذكر لفظ السواد والبياض وذكرهما عثمان بن أبي شيبة (وقد استدل) بالآية وأحاديث الباب على أنه يباح الأكل والشرب ونحوهما ليلة الصيام إلى ظهور الفجر الصادق وتبينه وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة. قال ابن المنذر وبه قال عمر بنُ الخطاب وابن عبَّاس وعلماء الأمصار وبه نقول. وروينا عن علىّ ابن أبي طالب أنه قال حين صلى الفجر: الآن حين تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود وذهب معمر وسلمان الأعمش والحكم بين عتيبة وأبو مجلز إلى جواز الأكل ما لم تطلع الشمس واستدلوا بما رواه الطحاوي من طريق عاصم بن بهدلة عن زرّ بن حبيش قال: تسحرت ثم انطلقت إلى المسجد فمررت بمنزل حذيفة فدخلت عليه فأمر بلقحة فحلبت وبقدر فسخنت ثم قال كل، فقلت إنى أريد الصوم، قال وأنا أريد الصوم، قال فأكلنا ثم شربنا ثم أتينا المسجد فأقيمت الصلاة قال هكذا فعل بي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، أوصنعت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. قلت بعد الصبح؟ قال بعد الصبح غير أن الشمس لم تطلع وروى سعيد بنُ منصور عن أبي الأحوص عن عاصم عن زرّ عن حذيفة قال: تسحرنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو والله النهار غير أن الشمس لم تطلع (والراجح) ما ذهب إليه الجمهور لاتفاق الأئمة الأربعة عليه ولأنه الثابت في الأحاديث الصحيحة الكثيرة في الصحيحين وغيرهما. وما استدل به هؤلاء لا يقوى على معارضة الأحاديث الصحيحة. ولو شك هل طلع الفجر؟ يجوز له الأكل والشرب وغيرهما حتى يتحقق الفجر تمسكا بظاهر الآية والأحاديث

باب الرجل يسمع النداء والإناء على يده

ولما رواه البيهقى بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه قال: كل ما شككت حتى يتبين لك (يعنى الفجر) وفي رواية له عن حبيب بنُ أبي ثابت قال: أرسل ابن عبَّاس رجلين ينظران الفجر فقال أحدهما أصبحت وقال الآخر لا. قال اختلفتما أرنى شرابي. قال البيهقى وروى هذا عن أبي بكر الصديق وعمر وابن عمر. وقول ابن عباس أرنى شرابي جار على القاعدة إنه يحل الأكل والشرب حتى يتبين الفجر ولو كان قد تبين لما اختلف الرجلان اهـ وعلى جواز أكل الشاك في طلوع الفجر جماهير الأصحاب والتابعين وغيرهم من العلماء إلا مالك فإنه حرّمه وأوجب القضاء على من أكل وهو شاك في الفجر (والحديث) أخرجه أيضا البخاري ومسلم والطحاوي وابن خزيمة والترمذي وقال حسن صحيح. وأخرجه الدارمى عن عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله لقد جعلت تحت وسادتى خيطا أبيض وخيطا أسود فما تبين لى شئ. قال إنك لعريض الوسادة، وإنما ذلك الليل من النهار في قوله تعالى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} باب الرجل يسمع النداء والإناء على يده وفي نسخة والإناء في يده. أى أيمتنع من الشرب أم لا؟ (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ نَا حَمَّادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلاَ يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِىَ حَاجَتَهُ مِنْهُ. (ش) (عبد الأعلى بن حماد) بن نصر الباهلى. و (حماد) بن سلمة. و (محمد بن عمرو) ابن علقمة. و (أَبو سلمة) بن عبد الرحمن (قوله إذا سمع أحدكم النداء الخ) أى الأذان الأول للصبح وهو أذان بلال فإنه كان يؤذن قبل طلوع الفجر ليرجع القائم ويتنبه النائم كما تقدم. وعلى هذا فقوله (فلا يضعه حتى يقضى حاجته منه) ظاهر لأنّ الوقت الذى يحرم به الطعام والشراب لم يجئ. ويحتمل أن المراد بالنداء الأذان الثانى الذى يكون للصلاة فيكون قوله فلا يضعه الخ محمولا على ما إذا شك أو تيقن الآكل أو الشارب أن الفجر لم يطلع لوجود غيم في السماء. وحمله المناوى على أنّ المراد بالأذان أذان المغرب أى إذا سمع أحدكم نداء المغرب وكان الإناء في يده فليبادر بالأخذ منه تعجيلا للفطر رحمة بالصائم، لأنّ استدراك حاجته واستشراف نفسه وقوّة نهمته وتوجه شهوته مما يكاد يخاف عليه منه. وقيل إنَّ الحديث وارد على مطلق نداء للصلاة نظير قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدءوا بالعشاء رواه ابن ماجه والترمذي والنسائي. فإنهما سيقا على نسق واحد. والغرض منهما قطع بال المصلى

باب وقت فطر الصائم

عن الاشتغال بغير الصلاة (قوله والإناء على يده) وفى نسخة والإناء في يده (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والدارقطنى والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم باب وقت فطر الصائم (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا وَكِيعٌ نَا هِشَامٌ ح وَنَا مُسَدَّدٌ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ عَنْ هِشَامٍ الْمَعْنَى قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: إِذَا جَاءَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا وَذَهَبَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا زَادَ مُسَدَّدٌ وَغَابَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ. (ش) (وكيع) بن الجراح. و (عاصم بن عمر) بن الخطاب (قوله إذا جاء الليل من ها هنا الخ) أى من جهة المشرق كما في الحديث الآتى. وقوله وذهب النهار من ها هنا أى من جهة المغرب. والمراد بمجئ الليل وذهاب النهار وجود ظلمة الليل في الحس وذهاب ضوء النهار كذلك (قوله زاد مسدّد وغابت الشمس) وفي رواية البخارى وغربت الشمس. وزادها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للإشارة إلى أنه لا يتحقق وقت الإفطار إلا بغروب الشمس وإلا فمجرّد إقبال الظلمة من المشرق وذهاب الضوء من المغرب لا يكفي في تحقق دخول الوقت لاحتمال أن يكون ذلك لنحو غيم. قال النووى في شرح مسلم: كل واحد من هذه الثلاثة "يعنى إقبال الليل وإدبار النهار وغروب الشمس" يتضمن الآخرين ويلازمهما. وإنما جمع بينها لأنه قد يكون في واد ونحوه بحيث لا يشاهد غروب الشمس فيعتمد إقبال الظلام وإدبار الضياء اهـ (قوله فقد أفطر الصائم) أى دخل وقت إفطاره وإن لم يتناول مفطرا كما يقال أصبح الرجل إذا دخل في وقت الصبح. وقال ابن خزيمة معناه فليفطر الصائم فهو خبر بمعنى الأمر. ويؤيد الأوّل ما أخرجه البخارى من طريق شعبة وأبو عوانة من طريق الثورى عن سليمان الشيبانى وفيه. فقد حل الإفطار: ويؤيد الثاني ما أخرجه أحمد والطبرانى بسند صحيح إلى ليلى امرأة بشير بنُ الخصاصية قالت "أردت أن أصوم يومين مواصلة فمنعنى بشير وقال إنَّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منعنى عن هذا وقال يفعل ذلك النصارى، ولكن صوموا كما أمركم الله تعالى. أتموا الصيام إلى الليل، فإذا كان الليل فأفطروا" ولا منافاة بين هذا وما قبله لأنّ دخول وقت الإفطار لا ينافي الأمر به على وجه الندب أو الإباحة أو غيرهما على ما يأتى بيانه في "باب الوصال" إن شاء الله تعالى. وقيل معناه فقد صار مفطرا حكما لأن الليل ليس ظرفا للصيام

الشرعى. واستبعده ابن خزيمة وقال لو كان المراد "فقد صار مفطرا" كان فطر جميع الصوام واحدا ولم يكن للترغيب في تعجيل الإفطار معنى اهـ وقد يجاب بأن المراد تناول المفطر ليوافق الأمر الشرعى والأوّل أرجح (الفقه) دلّ الحديث على أن وقت الصوم ينتهى بغروب الشمس وبه يدخل وقت الإفطار وعليه الإجماع كما قاله اين عبد البر. وعلى أنه لا يجب إمساك جزء من الليل بل متى تحقق غروب الشمس حلّ الفطر. وعلى حرمة الوصال (والحديث) أخرجه أيضا البخاري ومسلم والترمذي وقال حسن صحيح. وأخرجه الدارمي بلفظ "إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغابت الشمس فقد أفطرت" (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ نَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِىُّ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِى أَوْفَى يَقُولُ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ: يَا بِلاَلُ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا. قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ. قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا. قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا. قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا. فَنَزَلَ فَجَدَحَ فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ. وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ. (ش) (عبد الواحد) بن زياد. و (سلمان) بن فيروز أبو إسحاق (الشيبانى) (قوله سرنا مع رسول الله وهو صائم) هذا السفر كان في رمضان عام الفتح كما رواه مسلم عن هشيم عن أبي إسحاق الشيبانى عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في سفر في شهر رمضان الخ وما سافر في رمضان إلا لغزوة بدر وغزوة الفتح. وابن أبي أوفى لم يشهد بدرا. فلم يكن ذلك إلا في غزوة الفتح (قوله فاجدح لنا) بالجيم الساكنة والحاء المهملة أمر من جدح من باب فتح، ومصدره الجدح وهو أن يخلط السويق بالماء ويحرّك بعود يقال له المجدح حتي يستوي. وكذا اللبن ونحوه (قوله لو أمسيت) أي ليتك تنتظر دخول الليل، فلو للتمنى أو شرطية جوابها محذوف أى لو أمسيت لكان حسنا (قوله إن عليك نهارا) لعل بلالا رأى أثر الضوء والحمرة بعد غروب الشمس فتوهم أنّ ذلك الضوء من النهار الذى يجب صومه ولا يحل الفطر إلا بعد ذهابه وظنّ أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يرها، فأراد

باب ما يستحب من تعجيل الفطر

تذكيره وإعلامه به. وأما قول ابن أبي أوفي "وغربت الشمس" فإخبار منه بما في نفس الأمر. وإلا فلو تحقق بلال أنّ الشمس قد غابت ما توقف وإلا كان معاندا حينئذ، وهو لا يليق بمثله وإنما توقف احتياطا واستكشافا عن حكم المسألة. قال الزين بن المنير يؤخذ من هذا جواز الاستفسار عن الظواهر لاحتمال أن لا يكون المراد إمرارها على ظاهرها اهـ وكأنه أخذ ذلك من تقريره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بلالا على ترك المبادرة إلى الامتثال (قوله إذا رأيتم الليل قد أقبل من ها هنا الخ) لم يذكر في هذه الرواية إدبار النهار بخلاف الرواية السابقة. ولا تنافي بينهما لاحتمال أن الأولى محمولة على حالة الغيم فلا يكفي فيها إقبال الليل من جهة المشرق بل لا بد من إدبار النهار من جهة المغرب. والرواية الثانية محمولة على حالة الصحو فيكتفي فيها بإقبال الليل من المشرق. ويؤخذ منه تعدد القصة "وما قيل" من أن القصة واحدة وأنّ أحد الرواة حفظ ما لم يحفظه الآخر "بعيد". (الفقه) دلّ الحديث على بيان نهاية وقت الصوم وأنّ غروب الشمس متى تحقق حلَّ الفطر, وعلى مشروعية الصوم في السفر. ويأتى تمام الكلام عليه إن شاء الله تعالى. وعلى تذكير العالم بما يخشى أن يكون قد نسيه، وعلى أنّ الجاهل بالشئ يسمح له بمراجعة العالم فيه إلى ثلاث مرات. وعلى أنّ دلالة الفعل أقوى من دلالة القول فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شرب ثم قال لهم: إذا رأيتم الليل قد أقبل الخ (والحديث) أخرجه أيضا البخارى ومسلم والنسائى باب ما يستحب من تعجيل الفطر وفي نسخة من تعجيل الإفطار (ص) حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ يَعْنِى ابْنَ عَمْرٍو عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ لأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ. (ش) (خالد) الحذاء. و (أبو سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن (قوله لا يزال الدّين ظاهرا الخ) أى لا يزال الدين الإسلامى غالبا على غيره من الأديان مدة تعجيل الناس فطرهم في الصيام امتثالًا للسنة ووقوفا عند حدودها غير مغالين فيها بعقولهم بإتيانهم بما يغير قوانينها الثابتة عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، فهم بخير ما داموا محافظين على هذه السنة. وإذا خالفوها كان ذلك علامة على فساد يقعون فيه. وفي رواية أحمد عن أبي ذر مرفوعا "لا تزال أمتى بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطر"

الحكمة في ذلك

وفي رواية له وللترمذى عن أبي هريرة أنّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: يقول الله عز وجل "إن أحب عبادى إليَّ أعجلهم فطرا" وعلل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خيرية ذلك بقوله "لأنّ اليهود والنصارى يؤخرون" ففيه مخالفة لأعداء الدين. وما دام الناس يراعون مخالفة أعداء الله، ينصرهم الله ويظهر دينهم. واليهود وغيرهم يؤخرون إلى ظهور النجوم كما يشعر بذلك ما رواه ابن حبان والحاكم من حديث سهل "لا تزال أمتى على سنتى ما لم تنتظر بفطرها النجوم" قال ابن دقيق العيد: في الحديث ردّ على الشيعة في تأخيرهم الفطر إلى ظهور النجوم لأنّ الذى يؤخره يدخل في فعل خلاف السنة اهـ (وفي الحديث) دلالة على استحباب تعجيل الفطر إذا تحقق غروب الشمس. والحكمة في ذلك أن لا يزاد في النهار من الليل ولأنه أرفق بالصائم وأقوى له على العبادة. قال الشافعى في الأم تعجيل الفطر مستحب ولا يكره تأخيره إلا لمن تعمد ذلك ورأى الفضل فيه اهـ ومقتضاه أن التأخير لا يكره مطلقا وهو كذلك إذ لا يلزم من كون الشئ مستحبا أن يكون نقيضه مكروها مطلقا. (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي وكذا الحاكم وابن ماجه بلفظ "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر فإنَّ اليهود يؤخرون" وأخرجه الدارمى والبخارى عن سهل بن سعيد قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر. (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِى عَطِيَّةَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَا وَمَسْرُوقٌ فَقُلْنَا يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَجُلاَنِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلاَةَ, وَالآخَرُ يُؤَخِّرُ الإِفْطَارَ وَيُؤَخِّرُ الصَّلاَةَ. قَالَتْ أَيُّهُمَا يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الصَّلاَةَ؟ قُلْنَا عَبْدُ اللَّهِ. قَالَتْ كَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. (ش) (أبو معاوية) حمد بن خازم الضرير. و (الأعمش) سليمان بن مهران و (أبو عطية) مالك بن عامر أو ابن أبي عامر. و (مسروق). بن الأجدع (قوله أحدهما يعجل الإفطار الخ) أى يختار أحدهما وهو ابن مسعود المبالغة في تعجيل الفطر وصلاة المغرب اتباعا للسنة. والآخر وهو أبو موسى كما في رواية مسلم والترمذي كان يختار عدم المبالغة فيهما لبيان الجواز وهو متفق عليه عند الكل. وسألاها ليعلما أيهما وافق الأفضل (قوله كذلك كان يصنع

باب ما يفطر عليه

رسول الله) أي كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعجل الفطر وصلاة المغرب. وصريح رواية المصنف أن التعجيل كان للإفطار وصلاة المغرب وهو كذلك في رواية مسلم ورواية للنسائى من طريق المصنف. وفي رواية له أيضا عن شعبة عن خيثمة عن أبي عطية قال: قلت لعائشة فينا رجلان أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحدهما يعجل الإفطار ويؤخر السحور، والآخر يؤخر الإفطار ويعجل السحور. قالت أيهما الذى يعجل الإفطار ويؤخر السحور؟ قلت عبد الله ابن مسعود. قالت هكذا كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصنع. وروى أيضا مثله عن سفيان عن الأعمش عن خيثمة عن أبي عطية. ففيه اختلاف على الأعمش، لكن ترجح رواية المصنف لكثرة رواتها ولأنها رواية مسلم وصححها الترمذى (وفي الحديث) دلالة على استحباب تعجيل الفطر وصلاة المغرب. وروى أبو يعلى من طريق زائدة عن حميد عن أنس قال: ما رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قط صلى صلاة المغرب حتى يفطر ولو كان على شربة من ماء. وقد وردت الأحاديث الكثيرة الصحيحة في طلب تعجيل الفطر وتأخير السحور قال الحافظ في الفتح قال ابن عبد البر: أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاح متواترة. وعند عبد الرزاق وغيره بإسناد صحيح عن عمرو بن ميمون الأموى قال: كان أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أسرع الناس إفطارا وأبطأهم سحورا اهـ ومنه تعلم أن "ما عليه" غالب أهل هذا الزمان من تعجيل السحور "مخالف" لهدى الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (والحديث) أخرجه أيضا مسلم والنسائي والترمذي باب ما يفطر عليه أي ما يستحب الفطر عليه من الصيام (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنِ الرَّبَابِ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ عَمِّهَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلْيُفْطِرْ عَلَى التَّمْرِ فَإِنْ لَمْ يَجِدِ التَّمْرَ فَعَلَى الْمَاءِ فَإِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ. (ش) (الرجال) (الرباب) بفتح الراء وتخفيف الموحدة بنت صليع مصغرا أم الرائح الضبية البصرية. روت عن عمها سلمان بن عامر. وعنها حفصة بنت سيرين. ذكرها ابن حبان في الثقات وفي التقريب مقبولة من الثالثة، روى لها الأربعة. و (سلمان بن عامر) بن أوس

الحكمة في الإفطار على التمر

ابن حجر بن عمرو الضبي وليس في الصحابة ضبي غيره كما قال مسلم بن حجاج. روى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وعنه الرباب ومحمد وحفصة ابنا سيرين وعبد العزيز بن بشر. قتل يوم الجمل وهو ابن مائة سنة. روى له البخارى والأربعة (المعنى) (قوله فليفطر على التمر) الأمر فيه للندب. والتمر اسم جنس فيصدق بالواحدة فيتحقق الأمر بأكل تمرة. وفي رواية للترمذى عن سفيان بن عيينة "إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة" أى ذو بركة وخير كثير. والحكمة فى الإفطار على التمر أنه حلو والحلو يقوى البصر الذى يضعف بالصوم، وفيه إيماء إلى حلاوة الإيمان وإشارة إلى زوال مرارة العصيان، فإنّ الصوم من أعظم الطاعات. والحسنات يذهبن السيئات. وقال ابن حجر المكي من خواص التمر أنه إذا وصل المعدة إن وجدها خالية حصل به الغذاء وإلا أخرج ما هناك من بقايا الطعام اهـ وقول الأطباء إنه يضعف البصر محمول على كثيره المضر دون قليله فإنه يقويه (قوله فإنّ الماء طهور) أى مطهر وبالغ الغاية في الطهارة فيبدأ به إن لم يوجد تمر تفاؤلا بطهارة الظاهر والباطن ولأنه يزيل العطش عن النفس (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والترمذي وابن ماجه والدارمي والحاكم وقال صحيح عل شرط البخاري (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ نَا ثَابِتٌ الْبُنَانِىُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّىَ, فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَعَلَى تَمَرَاتٍ, فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ. (ش) (عبد الرزاق) بن همام (قوله يفطر على رطبات) جمع رطبة وهو تمر النخل إذا أدرك ونضج قبل أن يكون تمرا. وأقل الجمع ثلاث وهو الأكمل الذى كان يعمله النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسل كما رواه أَبو يعلى عن إبراهيم بن الحجاج عن عبد الواحد بن ثابت عن ثابت عن أَنس قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يحب أن يفطر على ثلاث تمرات أو شيء لم تصبه النار. وفي سنده عبد الواحد بن ثابت. قال البخاري منكر الحديث (قوله حسا حسوات من ماء) بفتح السين المهملة وسكونها جمع حسوة بضم الحاء المهملة وهى الجرعة من الشراب. ويجمع أيضا على حسى مثل مدية ومدى أى شرب ثلاث جرعات. والحسوة بفتح الحاء المهملة مصدر بمعنى المرة (وفي الحديث) استحباب تعجيل الفطر قبل صلاة المغرب. "وأما ما ثبت" أن عمر وعثمان رضى الله عنهما كانا يصليان المغرب في رمضان حين ينظران إلى الليل الأسود ثم يفطران بعد الصلاة "فهو" لبيان جواز التأخير لئلا يظن وجوب التعجيل. "وفيه" استحباب فطر الصائم على واحد من هذه الأشياء على الترتيب. فإن ابتدأ بالماء

باب القول عند الإفطار

مع وجود التمر فاتته السنة، وكذا إن ابتدأ بالتمر مع وجود الرطب فقول بعضهم إن الترتيب لكمال السنة لا لأصلها غير مسلم (وقد) جاء في الفطر على التمر أحاديث أخر (منها) ما رواه الحاكم عن أَنس قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "من وجد تمرًا فليفطر عليه ومن لا فليفطر على الماء فإنه طهور" (ومنها) ما رواه الطبرانى في الأوسط من طريق مسكين ابن عبد الرحمن عن يحيى بن أيوب عن حميد عن أَنس قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا كان صائما لم يصلّ حتى يأتيه رطب وماء فيأكل ويشرب. وإذا لم يكن رطب لم يصلّ حتى يأتيه تمر وماء. قال الدارقطني تفرّد به مسكين بن عبد الرحمن عن يحيى بن أيوب (والحديث) أخرجه أيضا أحمد وابن ماجه والحاكم والترمذى وقال حسن غريب. وروى أنّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يفطر في الشتاء على تمرات وفي الصيف على الماء اهـ وأخرجه الدارقطني وقال إسناده صحيح. باب القول عند الإفطار وفي نسخة باب ما يقول إذا أفطر (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى نَا عَلِىُّ بْنُ الْحَسَنِ أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ نَا مَرْوَانُ يَعْنِى ابْنَ سَالِمٍ الْمُقَفَّعُ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَيَقْطَعُ مَا زَادَ عَلَى الْكَفِّ وَقَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. (ش) (الرجال) (عبد الله بن محمد بن يحيى) الطرسوسي أبو محمد كما صرح به في بعض النسخ المعروف بالضعيف لأنه كان كثير العبادة أو لضعف في جسده. روى عن يزيد بن هارون وسفيان بن عيينة وزيد بن الحباب ومعن بن عيسى وطائفة. وعنه أبو داود والنسائى وموسي بن هارون وعمر بن سعيد وغيرهم. وثقه النسائي ومسلمة بن قاسم والخليلى وقال أبو حاتم صدوق وفي التقريب ثقة من العاشرة. و (على بن الحسن) على الصواب وفي نسخة ابن الحسين وهو خطأ اين شقيق ابن دينار أبو عبد الرحمن المروزي العبدي مولاهم. روي عن ابن المبارك والحسين بن واقد وعبد الوارث بن سعيد وجماعة، وعنه البخارى وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو خيثمة وكثيرون. قال أحمد لم يكن به بأس إلا أنهم تكلموا فيه بالإرجاء

دعاء الإفطار من الصوم

وقد رجع عنه. وقال ابن معين لا أعلم قدم علينا من خراسان أفضل منه. وفى التقريب ثقة حافظ من كبار العاشرة: توفى سنة إحدى أو اثنتى عشرة ومائة. روى له الجماعة. و (مروان بن سالم المقفع) بتقديم القاف على الفاء وهى رواية الدارقطنى والحاكم. وفى أكثر النسخ المفقع بتقديم الفاء على القاف. ولعلها تصحيف من النساخ. والصواب الأولى كما ذكره الحافظ فى تهذيب التهذيب والتقريب. روى عن ابن عمر. وعنه الحسين بن واقد وعزرة بن ثابت. ذكره ابن حبان فى الثقات وفى التقريب مقبول من الرابعة. روى له أبو داود والنسائى (المعنى) (قوله يقبض على لحيته فيقطع ما زاد) وفى نسخة ما زادت. ولعل ذلك كان فى الحج أو العمرة كما قال البخارى: كان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه وتقدّم بيان المقام وافيا فى الوضوء فى حديث "عشر من الفطرة" والغرض من ذكر مروان هذه العبارة الإشارة إلى أنه تابعى لقى ابن عمر (قوله قال) أى بعد أن تناول مفطرا (ذهب الظمأ) بفتحتين مصدر ظمئ مثل عطش عطشا وزنا ومعنى (قوله وابتلت العروق) أى بما وصل إليها من الطعام والشراب فذهب عنها ما كان بها من الجفاف بالصوم (قوله وثبت الأجر إن شاء الله) ذكر المشيئة للتبرك أو للتعليق، فإنّ ثبوت الأجر لغيره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مفوّض لمشيئة الله تعالى فلا يدرى أقبل الله صومه أم ردّه؟ (وفى هذا دلالة) على مشروعية ذكر هذه الكلمات بعد الفطر من الصيام. ولعل ذلك لشكر النعمة التى هى زوال المشقة عنه والحصول على الثواب العظيم (والحديث) أخرجه أيضا النسائى والحاكم والبيهقى والدارقطنى وقال تفرد به الحسين بن واقد وإسناده حسن اهـ (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا هُشَيْمٌ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ. (ش) (الرجال) (هشيم) بن بشير. و (حصين) بن عبد الرحمن السلمى. و (معاذ بن زهرة) ويقال ابن زهيرة وقيل أبو زهرة الضبى. لم يعرف له شيخ وروى عنه حصين بن عبد الرحمن. قال فى التقريب مقبول من الثالثة وذكره ابن حبان فى ثقات التابعين وقال جعفر ابن يونس من قال إنّ له صحبة فقد غلط. روى له أبو داود (المعنى) (قوله أنه بلغه أنّ النبى) لم يعرف الواسطة بينه وبين النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وجهالة الصحابى لا تضر (قوله اللهم لك صمت الخ) أى صمت مخلصا لك وامتثالا لأمرك، وعلى رزقك أى على ما سقته لى من الرزق أفطرت، وقدم المعمول فى الجملتين لإفادة الحصر (وفى هذا) دلالة على مشروعية هذا القول بعد الفطر من الصيام (وقد) جاءت

باب الفطر قبل غروب الشمس

فيه روايات أخر: فقد أخرج الدارقطنى والطبرانى في الكبير عن ابن عباس قال كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أفطر قال: اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبل منا إنك أنت السميع العليم وفى سنده عبد الملك بن هارون. وهو ضعيف (وروى) ابن السنى عن معاذ بن زهرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقول: الحمد لله الذى أعاننى فصمت ورزقنى فأفطرت (وروى) من طريق ابن أبى مليكة قال سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: إنّ للصائم عند فطره دعوة. اللهم إنى أسألك برحمتك التى وسعت كل شئ أن تغفر لى ذنوبى (ورواه) ابن ماجه بلفظ. إنّ للصائم عند فطره لدعوة ما ترد "اللهم إنى أسألك برحمتك التى وسعت كل شئ أن تغفر لى" (والحديث) أخرجه البيهقى من طريق المصنف وأخرجه الطبرانى فى الأوسط عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أفطر قال: باسم الله اللهم لك صمت الخ وفى سنده داود بن الزبرقان وهو ضعيف باب الفطر قبل غروب الشمس أى لغيم ونحوه ثم تبين عدم الغروب أيجب فيه قضاء أم لا؟ (ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْمَعْنَى قَالاَ نَا أَبُو أُسَامَةَ نَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ قَالَتْ: أَفْطَرْنَا يَوْمًا فِى رَمَضَانَ فِى غَيْمٍ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ. قَالَ أَبُو أُسَامَةَ قُلْتُ لِهِشَامٍ أُمِرُوا بِالْقَضَاءِ؟ قَالَ وَبُدٌّ مِنْ ذَلِكَ (ش) (أبو أسامة) حماد بن أسامة (قوله أمروا بالقضاء) وفى رواية للبخارى فأمروا بالقضاء أى أأمرهم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقضاء ذلك اليوم؟ (قوله وبدّ من ذلك) بتقدير حرف استفهام إنكارى بمعنى النفى. أى قال هشام وهل بدّ من القضاء؟ أى لا مفر منه ففى رواية البخارى "قال لا بد من قضاء". (وفى الحديث) دلالة على "أنّ من أفطر" وهو يعتقد أنّ الشمس قد غربت فإذا هى لم تغرب "يجب عليه القضاء" ولا كفارة عليه. وبه قال ابن سيرين وسعيد بن جبير وأبو حنيفة والأوزاعى ومالك وأحمد والشافعى وصهيب، فقد روى البيهقى من طريق شعيب بن عمرو بن سليم الأنصارى قال: أفطرنا مع صهيب الخير أنا وأبى فى شهر رمضان فى يوم غيم وطش "أى مطر" فبينا نحن نتعشى إذ طلعت الشمس فقال صهيب: طعمة الله أتموا

الراجح وجوب القضاء على من ذكر وعلى من أكل بعد الفجر ظانل بقاء الليل فتبين خلافه

صيامكم إلى الليل واقضوا يوما مكانه. وهو المروى عن عمر فى أكثر الروايات الصحيحة. فقد روى الأثرم عنه أنه قال: من أكل فليقض يوما مكانه. وروى البيهقى عن على بن حنظلة عن أبيه قال كنت عند عمر فى رمضان فأفطر وأفطر الناس فصعد المؤذن ليؤذن فقال أيها الناس هذه الشمس لم تغرب فقال عمر: من كان أفطر فليصم يوما مكانه. وفى رواية له عنه. لا نبالى والله نقضى يوما مكانه. وروى من طريق الشافعى عن مالك عن زيد بن أسلم عن أخيه خالد بن أسلم أنّ عمر بن الخطاب أفطر فى رمضان فى يوم ذى غيم ورأى أنه قد أمسى وغابت الشمس فجاءه رجل فقال يا أمير المؤمنين قد طلعت الشمس فقال عمر: الخطب يسير وقد اجتهدنا. قال الشافعى ومالك معنى الخطب يسير قضاء يوم مكانه. وروى عن عمر عدم القضاء. فقد روى البيهقى من طريق يعقوب بن سفيان قال ثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن زيد بن وهب قال: بينما نحن جلوس فى مسجد المدينة فى رمضان والسماء متغيمة فرأينا أنّ الشمس قد غابت وأنا قد أمسينا فأخرجت لنا عساس من لبن من بيت حفصة فشرب عمر رضى الله عنه وشربنا فلم نلبث أن ذهب السحاب وبدت الشمس فجعل بعضنا يقول لبعض نقضى يومنا هذا، فسمع بذلك عمر فقال والله لا نقضيه وما تجانفنا الإثم اهـ. وعساس بكسر العين المهملة جمع عس بضمها هو القدح الكبير لكن غلطوا زيد بن وهب فى هذه الرواية لمخالفتها لبقية الروايات. قال المنذرى فى هذه الرواية إرسال. ويعقوب بن سفيان كان يحمل على زيد بهذه الرواية المخالفة لبقية الروايات. وزيد ثقة إلا أنّ الخطأ غير مأمون اهـ ونحوه للبيهقى وقال وفى تظاهر هذه الروايات عن عمر رضي الله عنه فى القضاء دليل على خطأ رواية زيد بن وهب فى ترك القضاء اهـ. وقال مجاهد وعطاء وعروة بن الزبير والحسن البصرى وداود وإسحاق لا قضاء عليه. واحتجوا بما رواه البيهقى عن ابن عباس مرفوعا: إنّ الله تجاوز عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه اهـ. لكنه محمول على رفع الإثم والمؤاخذة على ذلك. ورفع الإثم لا ينافى وجوب القضاء. والراجح ما ذهب إليه الجمهور من وجوب القضاء. فقد رجح البيهقى رواياته لورودها من طرق كثيرة ويرجحه أيضا أنه لو أغمى هلال رمضان فأصبحوا مفطرين ثم تبين أنّ ذلك اليوم من رمضان فالقضاء واجب بالاتفاق فكذلك هذا. وهذا الخلاف يجرى أيضا فيمن أكل بعد الفجر ظانا بقاء الليل ثم تبين خلافه. والراجح وجوب القضاء: فقد روى البيهقى أن ابن مسعود سئل عن رجل تسحر وهو يرى أنّ عليه ليلا وقد طلع الفجر فقال "من أكل من أوّل النهار فليأكل من آخره" ومعناه فقد أفطر. وقال: حدثنا سعيد ثنا هشيم أنبأ منصور عن ابن سيرين أنه قال مثل ذلك. وقال الحسن يتم صومه ولا شئ عليه. وروينا عن سعيد بن جبير مثل قول ابن سيرين، وعن مجاهد مثل قول الحسن وقول من قال يقضى أصح اهـ

باب في الوصال

(والحديث) أخرجه أيضًا البخارى وابن ماجه والبيهقى والدارقطنى وقال إسناده صحيح ثابت باب في الوصال أي وصل الصائم الليل بالنهار من غير أكل أو شرب بينهما، فالوصال تتابع الصيام أكثر من يوم بلا إفطار (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِىُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْوِصَالِ, قَالُوا فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنِّى لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّى أُطْعَمُ وَأُسْقَى. (ش) (قوله نهى عن الوصال) لعله أراد النهى الوارد فى حديث أبى سعيد الآتى. وفى حديث أنس عند البخارى بلفظ "لا تواصلوا". ونهى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الوصال رحمة بهم لئلا يشق عليهم ففى البخارى عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واصل فواصل الناس فشق عليهم فنهاهم الخ. وفى رواية له عن عائشة قالت: نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الوصال رحمة لهم الخ قال النووى: الحكمة فى نهيهم "درء" المفسدة المترتبة على الوصال وهى الملل من العبادة والتعرض للتقصير فى بعض وظائف الدين من إتمام الصلاة بخشوعها وأذكارها وآدابها وملازمة الأذكار وسائر الوظائف المشروعة فى نهاره وليله اهـ (قوله قالوا فإنك تواصل) هكذا بلفظ قالوا فى أكثر الأحاديث. وفى رواية للبخارى عن أبى هريرة فقال له رجل من المسلمين إنك تواصل. ولا تنافى بينهما لاحتمال أنّ القائل واحد ونسب إلى الجميع لرضاهم به. أو أن القصة متعدّدة فمرة سأل واحد وأخرى سأل جماعة (قوله إنى لست كهيئتكم الخ) أى ليست حالتى مثل حالتكم وصفتكم فإنّ الله تعالى يطعمنى ويسقينى أى يعطينى قوة الآكل والشارب ويفيض علىّ بما يسدّ مسدّ الطعام والشراب فأقوى على الطاعات من غير ضعف فى القوة ولا تعب فى الإحساس. ويحتمل أنّ المراد حقيقة الأكل والشرب وأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يؤتى بطعام وشراب من عند الله تعالى كرامة له فى ليالى صيامه لا يقطع وصاله خصوصية له. فكأنه قال لست كهيئتكم وصفتكم فى أن من أكل منكم أو شرب انقطع وصاله، بل أنا يطعمنى ربى ويسقينى ولا ينقطع وصالى فطعامكم وشرابكم غير طعامى وشرابى صورة ومعنى. "وما قيل" إن هذا الاحتمال يدفعه قوله "وأيكم مثلى" ويضعفه قولهم "إنك تواصل" فإن الوصال مع تناول الطعام والشراب من المحال "مردود" بأن ما يؤتى به النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على سبيل الكرامة من طعام

رد دعوى ابن حبان ضعف حديث "كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يشد على بطنه الحجر من الجوع"

وشراب لا تجرى عليه أحكام المكلفين كما غسل صدره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى طست من ذهب مع أنّ استعمال أوانى الذهب فى الدنيا حرام. وقال ابن المنير هو محمول على أنّ أكله وشربه فى تلك الحالة كحالة النائم الذى يحصل له الشبع والرى بالأكل والشرب ويستمر له ذلك حتى يستيقظ ولا يبطل بذلك صومه ولا ينقطع وصاله ولا ينقص أجره اهـ وقال فى الفتح يحتمل أن يكون المراد بقوله يطعمنى ويسقينى "أنه يشغلنى" بالتفكر فى عظمته والتملى بمشاهدته والتغذى بمعارفه وقرّة العين بمحبته والاستغراق فى مناجاته والإقبال عليه "عن الطعام" والشراب وإلى هذا جنح ابن القيم وقال قد يكون هذا الغذاء أعظم من غذاء الأجساد. ومن له أدنى ذوق وتجربة يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الجسمانى، ولا سيما الفرح المسرور بمطلوبه الذى قرّت عينه بمحبوبه. قال: وتمسك ابن حبان بظاهر الحال فاستدل بظاهر الحديث على تضعيف الأحاديث الواردة بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يجوع ويشدّ الحجر على بطنه من الجوع قال: لأنّ الله تعالى كان يطعم رسوله ويسقيه إذا واصل فكيف يتركه حتى يحتاج إلى شدّ الحجر على بطنه جائعا ثم قال: وماذا يغنى الحجر من الجوع؟ ثم ادّعى أنّ ذلك تصحيف ممن رواه، وإنما هى الحجز بالزاى جمع حجزة. وقد أكثر الناس من الردّ عليه فى جميع ذلك. وأبلغ ما يردّ عليه به أنه أخرج فى صحيحه من حديث ابن عباس قال: خرج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالهاجرة فرأى أبا بكر وعمر فقال ما أخرجكما؟ قالا ما أخرجنا إلا الجوع فقال: والذى نفسى بيده ما أخرجنى إلا الجوع. فهذا الحديث يردّ ما تمسك به "وأمّا قوله" وما يغنى الحجر من الجوع "فجوابه" أنه يقيم الصلب لأن البطن إذا خلا ربما ضعف صاحبه عن القيام لانثناء بطنه عليه فإذا ربط عليه الحجر اشتد وقوى صاحبه على القيام حتى قال بعض من وقع له ذلك: كنت أظن الرجلين يحملان البطن فإذا البطن يحمل الرجلين اهـ (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والبخارى ومسلم (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ بَكْرَ بْنَ مُضَرَ حَدَّثَهُمْ عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لاَ تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ. قَالُوا فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ إِنِّى لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ: إِنَّ لِى مُطْعِمًا يُطْعِمُنِى وَسَاقِيًا يَسْقِينِى. (ش) (الرجال) (ابن الهاد) يزيد بن عبد الله بن الهاد. وفى نسخة ابن الهادى بإثبات الياء.

المذاهب في حكم الوصال

و (عبد الله بن خباب) الأنصارى، روى عن أبى سعيد الخدرى. وعنه القاسم بن محمد وابن إسحاق وابن الهاد ويحيى بن سعيد الأنصارى وغيرهم. وثقه أبو حاتم والنسائى وقال ابن عدى صدوق حدث عنه أئمة الناس وذكره ابن حبان فى الثقات وفى التقريب ثقة من الثالثة. مات بعد المائة. روى له الجماعة (المعنى) (قوله فليواصل حتى السحر) أى فليكن وصاله إلى السحر. فأباح صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الوصال من أول الليل إلى وقت السحر لا غير. وفيه رد على من يمنع الإمساك بعد الغروب "ولا ينافيه" ما رواه ابن خزيمة من طريق عبيدة بن حميد عن الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يواصل إلى السحر ففعل بعض أصحابه ذلك فنهاه. فقال يا رسول الله إنك تفعل ذلك "لأنّ رواية" عبيدة ابن حميد شاذة فقد خالفه أبو معاوية وهو أضبط أصحاب الأعمش عند أحمد وغيره، وتابعه عبد الله ابن نمير عن الأعمش. وخالفه أيضا جميع الرواة عن أبى هريرة فلم يقيدوا النهى عن الوصال إلى السحر. وعلى تقدير أنّ رواية عبيدة محفوظة فتحمل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الوصال أوّلا مطلقا كل الليل أو بعضه. ويحمل حديث أبى سعيد على أنّ النهى عن الوصال خص بجميع الليل بعد ذلك وأبيح الوصال إلى السحر، أو يحمل حديث عبيدة على كراهة التنزيه والنهى عما زاد عن السحر فى حديث أبى سعيد على كراهة التحريم (قوله فإنك تواصل) قالوا له صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك بعد النهى لطلب بيان الحكم لهم أو بيان الحكمة فى نهيهم عن الوصال دونه, وليس ذلك اعتراضا منهم لأنهم أكثر الناس آدابا (وفى هذه الأحاديث) أنّ الوصال من خصائصه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنّ الأمة منهية عنه. وهل النهى للتحريم أو للكراهة؟ ذهب الجمهور إلى أنه للكراهة لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واصل بالصحابة كما رواه البخارى عن أبى هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الوصال فى الصوم فقال له رجل من المسلمين إنك تواصل يا رسول الله. قال وأيكم مثلى؟ إنى أبيت يطعمنى ربى ويسقينى فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال لو تأخر لزدتكم. ورواه مسلم عن أنس قال: واصل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى أول شهر رمضان فواصل ناس فبلغه ذلك فقال: لو مدّ لنا الشهر لواصلنا وصالا يدع المتعمقون تعمقهم إنكم لستم مثلى اهـ. قال النووى "قوله فى أول شهر رمضان" هكذا هو فى كل النسخ ببلادنا وكذا نقله القاضى عن أكثر النسخ قال: وهو وهم من الراوى وصوابه آخر شهر رمضان، وكذا رواه بعض رواة صحيح مسلم وهو الموافق للحديث الذى قبله ولباقى الأحاديث اهـ وفعل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك تنكيلا لهم لما أبوا أن ينتهوا. ولو كان حراما ما واصل بهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وروى البزار والطبرانى فى الكبير من حديث سمرة قال: نهى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى

باب الغيبة للصائم

آله وسلم عن الوصال وليس بالعزيمة. وسنده ضعيف وذهب أهل الظاهر وابن حزم إلى أن النهى للحرمة وصححه ابن العربى من المالكية أخذا بظاهر النهى. وبما رواه الطبرانى فى الأوسط عن عبد الملك عن أبى ذرّ أن جبريل قال للنبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إن الله قد قبل وصالك ولا يحل لأحد بعدك: ورد بأنّ إسناده غير صحيح فلا يصلح حجة كما فى الفتح. وقال فى مجمع الزوائد ولم أعرف عبد الملك اهـ. وبأنّ النهى مصروف عن التحريم بحديث أبى هريرة السابق عند البخارى وبما سيأتى للمصنف فى "باب الرخصة فى ذلك" أى فى الحجامة للصائم عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال حدثنى رجل من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنّ النبى صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الحجامة والمواصلة ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه "أى شفقة عليهم" وذهب جماعة منهم عبد الله ابن الزبير وابن وضاح من المالكية إلى إباحة الوصال وحكاه القاضى عياض عن ابن وهب وإسحاق وأحمد بن حنبل. واستدلوا بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واصل بأصحابه يومين حين أبوا أن ينتهوا كما تقدم فى حديث أبى هريرة. وبحديث عائشة عند البخارى: قلت نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الوصال رحمة لهم "وردّ" بأنّ حديث أبى هريرة لا يفيد الإباحة بل هو صارف للنهى من التحريم إلى الكراهة. وكذا قوله فى حديث عائشة رحمة لهم لا يدل على الإباحة لأنّ من رحمته صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهيهم عن الوصال (قوله إنّ لى مطعما الخ) وفى رواية البخارى "إنى أبيت لى مطعم يطعمنى وساق يسقينى" فإن حملناه على الحقيقة يكون كرامة له من الله تعالى وخصوصية، وإلا يكون المعنى أنّ الله يفيض عليه بما يسدّ مسدّ الطعام والشراب فلا يحس بالجوع والعطش وضعف الأعضاء ويقوى على الطاعة (والحديث) أخرجه أيضا البخارى باب الغيبة للصائم أى فى التشديد فى الغيبة تقع من الصائم وتحذيره منها (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ ثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِىِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ. (ش) مناسبة الحديث للترجمة فى قوله "من لم يدع قول الزور" من حيث إنّ المراد منه حفظ اللسان عن المحرّمات. ومنها الغيبة، ولذا ذكره ابن حبان فى صحيحه تحت ترجمة "ذكر الخبر الدال

معنى حديث "من لم يدع قول الزور والعمل به"

على أنّ الصيام إنما يتم باجتناب المحظورات لا بمجانبة الطعام والشراب والجماع فقط" وفى بعض روايات الحديث "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل" فيحتمل أن يراد بالجهل جميع المعاصى ومنها الغيبة وهذه اللفظة عند البخارى فى كتاب الأدب وعند النسائى والبيهقى وابن حبان وكذا ابن ماجه ولفظه "من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به" أى بما ذكر (ابن أبى ذئب) محمد ابن عبد الرحمن بن أبى ذئب و (المقبرى) سعيد بن كيسان (قوله عن أبيه) هكذا فى أكثر الروايات. وفى بعضها عن المقبرى عن أبى هريرة بإسقاط عن أبيه (قوله من لم يدع قول الزور والعمل به الخ) أى من لم يترك حال صيامه القول الباطل من الكذب وشهادة الزور والغيبة والبهتان والقذف والسب واللعن والميل عن الحق وغير ذلك مما يجب على الإنسان اجتنابه ويحرم عليه ارتكابه، فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه. وهو مجاز عن عدم القبول من إطلاق السبب وإرادة المسبب، لأنّ الصوم ليس المقصود منه نفس الجوع والعطش بل ما يتبعه من كسر الشهوات وخضوع النفس الأمّارة حتى تصير مطمئنة، قال ابن بطال ليس معناه أن يؤمر بأن يدع صيامه وإنما معناه التحذير من قول الزور وما معه. وأما قوله فليس لله حاجة فلا مفهوم له فإنّ الله تعالى لا يحتاج إلى شئ وإنما معناه فليس لله إرادة فى صيامه فوضع الحاجة موضع الإرادة اهـ وقال ابن المنير هو كناية عن عدم قبول الصوم كما يقول المغضب لمن ردّ عليه شيئا طلبه منه فلم يقم به لا حاجة لى به. فالمراد ردّ صوم المتلبس بالزور وقبول صوم السالم منه اهـ (الفقه) دل الحديث على تحذير الصائم من قول الباطل. فإن مضيع لثواب الصيام (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والبخارى وابن ماجه والترمذى والنسائى والبيهقى (ص) قَالَ أَحْمَدُ فَهِمْتُ إِسْنَادَهُ مِنَ ابْنِ أَبِى ذِئْبٍ وَأَفْهَمَنِى الْحَدِيثَ رَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ أُرَاهُ ابْنَ أَخِيهِ. (ش) أى قال أحمد بن يونس سمعت إسناد هذا الحديث من ابن أبى ذئب وحفظته ولكن وقع عندى اشتباه فى سماعى للمتن منه فأفهمنيه وثبتنى فيه رجل إلى جنبه أظنّ ذلك الرجل ابن أخى ابن أبى ذئب. وفى بعض النسخ ابن أخته. بدل أخيه. ولم نقف على اسم ذلك الرجل. والغرض من هذا بيان أن أحمد بن يونس متثبت من رواية الحديث فلا شبهة عنده فيه (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِىُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الصِّيَامُ جُنَّةٌ, فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ

المعول عليه عدم بطلان الصوم بالغيبة ونحوها

صَائِمًا فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ, فَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّى صَائِمٌ إِنِّى صَائِمٌ. (ش) مطابقة الحديث للترجمة فى قوله "ولا يجهل" على ما تقدّم بيانه (أبو الزناد) عبد الله ابن ذكوان. و (الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (قوله الصيام جنة) أى وقاية للصائم من الوقوع فى الخطأ والهذيان (قوله فلا يرفث) بضم الفاء وكسرها مضارع رفث بفتح الفاء وبالثاء المثلثة أى لا يتكلم بفحش. ويطلق الرفث أيضا على الجماع ومقدّماته (قوله ولا يجهل) أى ولا يفعل شيئا من أفعال الجهلة كالسفه والسخرية والغيبة واللغو وسائر المعاصى. وفى رواية سعيد بن منصور من طريق سهيل بن أبى صالح عن أبيه "فلا يرفث ولا يجادل" وليس المراد أنّ هذه الأشياء ممنوعة فى الصوم فقط مباحة فى غيره، بل المراد أنّ المنع منها يتأكد فى الصوم (قوله فإن امرؤ قاتله أو شاتمه) وفى رواية أحمد والترمذى "فإن جهل على أحدكم جاهل وهو صائم، وفى رواية للنسائى من حديث عائشة "وإن امرؤ جهل عليه فلا يشتمه ولا يسبه" وفى رواية ابن خزيمة عن أبى هريرة "فإن سابك أحد فقل إنى صائم وإن كنت قائما فاجلس" والمفاعلة ليست على بابها بل المراد أنه لا يعامله بمثل عمله بل يقتصر على قوله إنى صائم. ويؤيده رواية سهيل بن أبى صالح عن أبيه عند البخارى "وإن شتمه إنسان فلا يكلمه"، أو المراد بالمفاعلة التهيؤ لها. أى فلو شرع فى قتاله أو شتمه فليقل إنى صائم، فإن كف وإلا دفعه بالأخف فالأخف كالصائل (قوله إنى صائم إنى صائم) بالتكرار لتأكيد التحذير من الشر. وفى بعض النسخ بدون تكرار. واختلف هل "يقول ذلك" فى نفسه؟ وبه جزم المتولى ونقله الرافعى عن الأئمة، لما فى الجهر بها من الرياء واطلاع الناس على الصوم وهو من العمل الذى لا يظهر، ولذا يوفى الله الصائم أجره بغير حساب "أو يخاطب به" الذى يسبه ويريد قتاله تحذيرا وتهديدا بالوعيد المتوجه على من انتهك حرمة الصائم وتذرع إلى تنقيص أجره بإيقاعه فى المشاتمة. ورجحه النووى فى الأذكار، وقال فى شرح المهذب كل منهما حسن، والقول باللسان أقوى ولو جمعهما كان حسنا اهـ وقال الرويانى إن كان رمضان فليقل بلسانه وإن كان غيره فليقله فى نفسه اهـ ولعل وجهه خشية الرياء فى الثانى دون الأول. وقال ابن العربى موضع الخلاف صيام التطوع، أما فى الفرض فيقول بلسانه قطعا اهـ والحكمة فى قول الصائم ذلك زجره عن الشر أو زجر من يخاطبه عنه. (واستدل بحديثى الباب) على أن الكلام الفاحش ينقص ثواب الصائم، ومنه الغيبة (واختلف) فى الغيبة والكذب والنميمة هل تفسد الصوم؟ فالجمهور على أنها لا تفسده إنما تنقص ثوابه. وعن الثورى أن الغيبة تفسد الصوم. وروى ابن أبى شيبة عن محمد بن فضيل عن الليث عن مجاهد "خصلتان من حفظهما سلم له صومه، الغيبة والكذب" وذكر الغزالى فى الإحياء عن

باب السواك للصائم

مجاهد "خصلتان تفسدان الصوم الغيبة والكذب" وروى ابن أبى الدنيا عن أحمد بن إبراهيم عن يعلى بن عبيد عن الأعمش عن إبراهيم قال كانوا يقولون: إن الكذب يفطر الصائم. وروى أيضا عن يحيى بن سليم عن هشام عن ابن سيرين عن عبدة السلمانى قال "اتقوا المفطرين الكذب والغيبة" وقال الأوزاعى تفسد الصوم ويجب القضاء على مرتكبها. واحتج بحديث أبى هريرة المتقدم أول الباب، وبما رواه النسائى وابن ماجه والحاكم عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر: لكن هذا محمول على إكمال الصوم والتنفير من الوقوع فى مثل هذا، وإلا فلم يثبت أن هذه الأشياء تبطل الصيام حقيقة، وأن من فعلها أمر بالقضاء (والحديث) أخرجه أيضا مسلم والبيهقى. وأخرجه مالك فى الموطأ والترمذى ومسلم والبخارى مطولا عن أبى هريرة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: الصيام جنة، فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إنى صائم مرتين، والذى نفسى بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلى، الصيام لى وأنا أجزى به والحسنة بعشر أمثالها باب السواك للصائم أى أيجوز له استعماله أم لا؟ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ نَا شَرِيكٌ ح وَثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ. زَادَ مُسَدَّدٌ "مَا لاَ أَعُدُّ وَلاَ أُحْصِى". (ش) (شريك) بن عبد الله النخعى. و (يحيى) بن سعيد القطان. و (سفيان) الثورى. و (عاصم بن عبيد الله) بن عاصم بن عمر بن الخطاب تقدّم بالخامس صفحة 185 (قوله يستاك وهو صائم) فيه استحباب الاستياك للصائم مطلقا قبل الزوال وبعده رطبا كان السواك أم يابسا، وهو قول مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وإبراهيم النخعى ومحمد بن سيرين وأبى حنيفة ومحمد والثورى والأوزاعى وجماعة من الصحابة. منهم عمر وابن عباس وعلىّ وابن عمر: والحديث وإن كان ضعيفا لأنّ فى سنده عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف إلا أنّ له شواهد تعضده (منها) ما رواه ابن ماجه والبيهقى من طريق إبراهيم بن سليمان عن مجالد عن

رد القول بكراهته له بعد الزوال

الشعبى عن مسروق عن عائشة قالت. قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "من خير خصال الصائم السواك" ومجالد ضعفه قوم ووثقه آخرون (ومنها) ما رواه الدارقطنى والبيهقى من طريق أبى إسحاق الخوارزمى قال سألت عاصما الأحول فقلت أيستاك الصائم؟ فقال نعم. فقلت برطب السواك ويابسه؟ قال نعم. قلت أوّل النهار وآخره؟ قال نعم. قلت عمن؟ قال عن أنس بن مالك عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. قال الدارقطنى أبو إسحاق الخوارزمى ضعيف يبلغ عن عاصم الأحول بالمناكير لا يحتج به: وقال الشافعى وأصحابه يكره السواك للصائم بعد الزوال, ويستحب قبله لا فرق بين الرطب واليابس. وهو قول أبى ثور وحكاه ابن الصباغ عن الأوزاعى ومحمد بن الحسن: واستدلوا بما رواه البخارى ومسلم عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب (الحديث) وفيه "والذى نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" والخلوف بضم الخاء المعجمة رائحة الفم المتغيرة من أثر الجوع، ولا يكون ذك إلا بعد الزوال غالبا والسواك يزيله: وبما رواه الدارقطنى والطبرانى والبيهقى من طريق كيسان القصاب عن عمر ابن عبد الرحمن عن خباب عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشىّ, فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشىّ إلا كانتا نورا بين عينيه يوم القيامة" لكن حديث الخلوف ليس نصا فيما قالوه، لاحتمال أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مدح الخلوف نهيا للناس عن البعد عن مكالمة الصائمين بسبب الخلوف لا نهيا للصوّام عن السواك فالظاهر أنه لم يرد بالحديث استبقاء الرّائحة, وإنما أراد نهى الناس عن كراهة تلك الرّائحة. وحديث خباب ضعيف, لأنّ كيسان القصاب ليس بالقوى كما قال الدارقطنى. وضعفه ابن معين وغيره، ولذا نقل عن الشافعى وجماعة من أصحابه عدم كراهة السواك بعد الزوال, وقد قال الترمذى لم ير الشافعى بأسا بالسواك للصائم أوّل النهار ولا آخره اهـ واختاره جماعة من أصحابه منهم أبو شامة وابن عبد السلام والنووى قال فى شرح المهذب وهذا النقل غريب وإن كان قويا من حيث الدليل وبه قال المزنى وأكثر العلماء وهو المختار اهـ وقال الأذرعى من الشافعية: إنّ السواك لا يكره بعد الزوال كما اختاره شيخنا, وعمدتهم فى الكراهة حديث الخلوف ولا حجة فيه, لأنّ الخلوف من خلو المعدة والسواك لا يزيله, وإنما يزيل وسخ الأسنان اهـ وقال الحافظ فى التلخيص "استدلال" أصحابنا بحديث خلوف فم الصائم على كراهة الاستياك بعد الزوال لمن يكون صائما "فيه نظر" اهـ وقال مالك وأصحابه لا يكره السواك للصائم لا أوّل النهار ولا آخره إلا إذا كان السواك رطبا. وروى ذلك عن الشعبى وقتادة والحكم بن عتيبة وأبو ميسرة وزياد بن حدير وأبى يوسف من الحنفية. وقال أحمد وإسحاق بن راهويه يكره

باب الصائم يصب عليه الماء من العطش ويبالغ في الاستنشاق

بعد الزوال مطلقا وقبله إذا كان رطبا. وحكى عن القاضى حسين من الشافعية الكراهة فى الفرض دون النفل وحكاه المسعودى عن أحمد: ولا وجه لهذه التفرقة كلها حيث لا دليل عليها (قوله زاد مسدّد ما لا أعدّ ولا أحصى) أى زاد مسدّد فى روايته على محمد بن الصباح قول عامر بن ربيعة "ما لا أعدّ ولا أحصى" بعد قوله: رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعل آله وسلم يستاك وهو صائم. والغرض منه تأكيد الاستياك حال الصيام (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والبيهقى وابن خزيمة فى صحيحه والترمذى وقال حسن. وأخرجه البخارى تعليقا. وقال الحافظ إسناده حسن. لكن تقدّم أنّ فى سنده عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف باب الصائم يصب عليه الماء من العطش ويبالغ فى الاستنشاق أى فى بيان حكم صب الماء على الصائم من شدة العطش ومبالغته فى الاستنشاق (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِىُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِى بَكْرِ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ النَّاسَ فِى سَفَرِهِ عَامَ الْفَتْحِ بِالْفِطْرِ وَقَالَ تَقَوَّوْا لِعَدُوِّكُمْ, وَصَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ الَّذِى حَدَّثَنِى: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِالْعَرْجِ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ مِنَ الْعَطَشِ أَوْ مِنَ الْحَرِّ. (ش) هذا الحديث مناسب للجزء الأول من الترجمة (الرجال) (أبوبكر بن عبد الرحمن) بن الحارث بن هشام بن المغيرة القرشى المدنى قيل اسمه محمد والصحيح أنّ اسمه كنيته. روى عن أبى هريرة وعمار بن ياسر وعائشة وأمّ سلمة وغيرهم. وعنه أولاده "عبد الملك وعمر وعبد الله وسلمة" والقاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز والزّهرى وكثيرون: كان أحد الفقهاء السبعة, قال ابن سعد كان ثقة فقيها عالما شيخا كثير الحديث وقال ابن خراش أحد أئمة المسلمين. قيل توفى سنة ثلاث وتسعين: روى له الجماعة (المعنى) (قوله تقووا لعدوّكم) كالتعليل للأمر بالفطر فكأنه قال لهم أفطروا لأجل أن تقووا على عدوّكم (قوله وصام رسول الله) لأنه ليس كغيره لما ذكر فى الوصال من أنّ الله يطعمه ويسقيه، فلا يخشى عليه الضعف من الصوم بل يزيده قوّة ونشاطا، ولأن الصوم فى السفر

المذاهب في حكم تبرد الصائم بالماء وما لو وصل ماء المضمضة إلى جوفه خطأ

أفضل لقوله تعالى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} (قوله بالعرج) بفتح العين المهملة وسكون الراء قرية كبيرة على نحو ثلاث مراحل من المدينة (قوله يصب على رأسه الماء وهو صائم الخ) فيه دليل على أنه يجوز للصائم أن يدفع عن نفسه الحرّ أو العطش بصب الماء على رأسه ومثله صبه على بدنه كله، وهو قول الجمهور ومنهم أبو يوسف من الحنفية. قال فى الدر المختار: لا تكره حجامة وتلفف بثوب مبتل ومضمضة واستنشاق أو اغتسال للتبرّد عند الثانى وبه يفتى اهـ (وقال أبو حنيفة) يكره له ذلك تنزيها، لما فيه من إظهار الضجر من العبادة، ولنهيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن دخول الصائم الحمام. وحمل فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا على بيان الجواز رحمة بضعفاء الأمّة (ويجاب) بأنّ قوله لما فيه من إظهار الضجر تعليل فى مقابلة النص فلا يعوّل عليه. وبأنّ حديث نهيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن دخول الصائم الحمام "فى إسناده ضعف" كما قال الحافظ. وعلى فرض صحته فهو خارج عن محل النزاع, لأنّ سياق حديث الباب فى صب الماء لدفع الحر أو العطش ودخول الحمام يثير ذلك (والحديث) أخرجه أيضا مالك فى الموطأ والشافعى فى مسنده وأحمد والنسائى والحاكم والبيهقى وصححه ابن عبد البر. (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ عَنْ أَبِيهِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بَالِغْ فِى الاِسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا. (ش) هذا جزء حديث مطول تقدم للمصنف فى "باب الاستنثار" من الجزء الثانى. وهو مناسب للجزء الثانى من الترجمة "وفيه دليل" على استحباب المبالغة فى الاستنشاق إلا للصائم فإنه يكره له المبالغة فيه احتياطا للعبادة فإنه يخشى وصول شئ من الماء إلى الحلق. فلو بالغ ووصل إلى جوفه شئ من الماء خطأ, فقال أبو حنيفة ومالك والمزنى والشافعى فى أحد قوليه يفسد صومه وعليه القضاء. وقال أحمد والأوزاعى وإسحاق والناصر وأصحاب الشافعى لا يفسد صومه كالناسى وقال الحسن البصرى وإبراهيم النخعى يفسد الصوم إن لم يكن الاستنشاق فريضة. وقال زيد ابن علىّ يفسد بعد الثلاث أما فيها فلا. وقال الخطابى فيه من الفقه أن وصول الماء إلى موضع الدماغ يفطر الصائم إذا كان بفعله, وعلى قياس ذلك كل ما وصل إلى جوفه بفعله من حقنة وغيرها سواء كان ذلك فى موضع الطعام والغذاء أو فى غيره من حشو جوفه اهـ. وقوله إلى موضع الدماغ أى داخله (والحديث) أخرجه أيضا النسائى وابن ماجه فى الوضوء بلفظ "أسبغ الوضوء وبالغ فى الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا" وأخرجه الترمذى فى الصيام بلفظ "أسبغ الوضوء وخلل بين

باب في الصائم يحتجم

الأصابع، وبالغ فى الاستنشاق إلا أن تكون صائما" وقال حديث حسن صحيح. وقد كره أهل العلم السعوط للصائم ورأوا أن ذلك يفطر. وفى الحديث ما يقوى قولهم اهـ وللبيهقى نحو حديثه باب فى الصائم يحتجم أى أيجوز له الاحتجام أم لا؟ (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ ح وَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى نَا شَيْبَانُ جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ عَنْ أَبِى أَسْمَاءَ يَعْنِى الرَّحَبِىَّ عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ. قَالَ شَيْبَانُ فِي حَدِيثِه قَالَ أَخْبَرَنِى أَبُو قِلاَبَةَ أَنَّ أَبَا أَسْمَاءَ الرَّحَبِىَّ حَدَّثَهُ أَنَّ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. (ش) (الرجال) (يحيى بن سعيد) القطان. و (هشام) بن أبى عبد الله الدستوائى و (حسن بن موسى) الأشيب أبو على البغدادى قاضى طبرستان والموصل وحمص. روى عن شعبة وجرير بن حازم والحمادين وزهير بن معاوية وغيرهم. وعنه أحمد بن حنبل وأحمد بن منيع وهارون الحمال وبشر بن موسى وجماعة. وثقه ابن معين وابن المدينى وابن سعد وقال كان صدوقا فى الحديث وذكره ابن حبان فى الثقات. توفى سنة ثمانى أو تسع عشرة ومائتين روى له الجماعة و (شيبان) بن عبد الرحمن (قوله جميعا عن يحيى) أي حدث كل من هشام الدستوائى وشيبان عن يحيى بن أبى كثير. و (أبو قلابة) عبد الله بن زيد. و (أبو أسماء الرحبى) عمرو بن مرثد. تقدم بالثامن صفحة 177 (المعنى) (قوله أفطر الحاجم والمحجوم) أى تعرض كل منهما للإفطار. أمّا المحجوم فلخشية الضعف من نزول الدم منه. وأما الحاجم فلأنه لا يأمن أن يصل إلى جوفه شئ من الدم عند مص المحجم, وليس المراد أنهما أفطرا حقيقة هو نظير قولهم هلك فلان إذا تعرض للهلاك وإن كان سالما, وحديث من ولى القضاء فقد ذبح بغير سكين رواه الأربعة عن أبى هريرة أى أنه تعرض للذبح لا أنه ذبح حقيقة. ولذا قال الجمهور إن الحجامة لا تفسد الصوم غير أنها مكروهة للصائم عند مالك والشافعى والثورى. ولا تكره عند أبى حنيفة وأصحابه لما سيأتى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم احتجم وهو صائم. وحمله جماعة على ظاهره, فقالوا إن الحجامة تفطر الصائم حاجما كان أو محجوما: منهم على وأبو هريرة وعطاء والأوزاعى وأحمد وإسحاق وأبو ثور

تخريج حديث "أفطر الحاجم والمحجوم" وبيان حاله

وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان. واحتجوا بأحاديث الباب ونحوها. وشذ عطاء فأوجب الكفارة أيضا وسيأتى بيان الراجح وأدلته (قوله قال شيبان فى حديثه الخ) وفى بعض النسخ "قال شيبان قال أخبرنى الخ" وفى بعضها: قال شيبان أخبرنى الخ. وغرض المصنف بهذا بيان كيفية الأداء فى طريق شيبان بأنها بالإخبار والتحديث والسماع بخلاف طريق هشام فإنها بالعنعنة (والحديث) أخرجه أيضا أحمد وابن ماجه والنسائى وابن خزيمة وابن حبان والطحاوى وأخرجه الدارمى من طريق هشام عن يحيى عن أبى قلابة أن أبا أسماء الرحبى حدثه أن ثوبان حدثه قال: بينما رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يمشى بالبقيع إذا رجل يحتجم فقال أفطر الحاجم والمحجوم. وأخرجه الحاكم والبيهقى من طريق الأوزاعى قال: حدثنى يحيى بن أبى كثير حدثنى أبو قلابة حدّثنى أبو أسماء حدثنى ثوبان رضي الله عنه قال خرجت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لثمانى عشرة خلت من شهر رمضان فلما كان بالبقيع نظر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى رجل يحتجم فقال: أفطر الحاجم والمحجوم. وقال الحاكم: قد أقام الأوزاعى هذا الإسناد فجوده وبين سماع كل واحد من الرواة من صاحبه. وتابعه على ذلك شيبان ابن عبد الرحمن وهشام الدستوائى وكلهم ثقات. فالحديث صحيح على شرط الشيخين اهـ (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى نَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى حَدَّثَنِى أَبُو قِلاَبَةَ الْجَرْمِىُّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ بَيْنَمَا هُوَ يَمْشِى مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ. (ش) أى ذكر نحو حديث ثوبان المتقدّم. ولفظه عند ابن ماجه عن يحيى بن أبى كثير عن أبى قلابة أنه أخبره أن شدّاد بن أوس بينما هو يمشى مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالبقيع فمرّ على رجل يحتجم بعد ما مضى من الشهر ثمانية عشرة ليلة قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: أفطر الحاجم والمحجوم. و (الجرمىّ بكسر فسكون نسبة إلى جرم مدينة بالعراق. وفى سند المصنف وابن ماجه انقطاع بإسقاط أبى الأشعث بين أبى قلابة وشدّاد (فقد أخرج) هذه الرواية النسائى وابن حبان من طريق يحيى بن أبى كثير عن أبى قلابة عن أبى الأشعث عن شدّاد. وأخرجها أيضا الحاكم من طريق عاصم الأحول عن أبى قلابة عن أبى الأشعث الصنعانى عن شدّاد قال: مر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمعقل بن يسار صبيحة ثمانى عشرة من رمضان وهو يحتجم فقال: أفطر الحاجم والمحجوم وأخرج بسنده إلى على بن المديني قال حديث شداد بن أوس عن رسول الله صلى الله تعالى عليه

بيان طرقه

وعلى آله وسلم أنه رأى رجلا يجتجم فى رمضان رواه عاصم الأحول عن أبى قلابة عن أبى الأشعث ورواه يحيى بن أبى كثير عن أبى قلابة عن أبى أسماء عن ثوبان ولا أرى الحديثين إلا صحيحين فقد يمكن أن يكون سمعه منهما جميعا اهـ (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا وُهَيْبٌ نَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ عَنْ أَبِى الأَشْعَثِ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى رَجُلٍ بِالْبَقِيعِ وَهُوَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِى لِثَمَانَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ. (ش) (وهيب) بن خالد. و (أيوب) بن كيسان السختيانى. و (أبو الأشعث) شراحيل بن آدة. (قوله أتى على رجل بالبقيع) هو معقل بن يسار كما فى رواية الحاكم المذكورة سابقا. لكن فى رواية أحمد ما يفيد أنه شدّاد بن أوس. فقد روى من طرق داود بن أبى هند عن أبى قلابة عن أبى الأشعث عن أبى أسماء الرحبى عن شدّاد بن أوس قال: مر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليّ وأنا أحتجم فى ثمانى عشرة خلت من رمضان فقال: أفطر الحاجم والمحجوم ويمكن الجمع بينهما "باحتمال تعدّد القصة" فرّ أوّلا على شدّاد وهو يحتجم ومر ثانيا على معقل بن يسار وصحبته شداد (وهذه الرواية) أخرجها البيهقى وأخرجها الحاكم من طريق أيوب عن أبى الأشعث بإسقاط أبى قلابة: وأخرجها الدارمى والبيهقى من طرق عبد الله بن زيد "أبى قلابة" عن أبى الأشعث الصنعانى عن أبى أسماء الرحبي عن شداد بن أوس قال: مررت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى ثمانى عشرة خلت من رمضان فأبصر رجلا يحتجم فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: أفطر الحاجم والمحجوم (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ بِإِسْنَادِ أَيُّوبَ مِثْلَهُ. (ش) أى روى الحديث خالد الحذاء عن أبى قلابة كما رواه عنه أيوب السختيانى (وهذه الرواية) أخرجها أحمد والطحاوى قال: حدثنا ابن أبى داود ثنا عمرو بن عوف ثنا هشيم عن خالد ومنصور عن أبى قلابة عن أبى الأشعث الصنعانى عن شداد بن أوس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مر فى رمضان على رجل يحتجم فقال أفطر الحاجم والمحجوم (والحاصل) أن المصنف ذكر لهذا الحديث أربع طرق "الأوّل" عن يحيى بن أبى كثير عن أبى قلابة عن أبى أسماء عن ثوبان "الثانى" عن يحيى عن أبى قلابة عن شداد "الثالث" عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى الأشعث عن شدّاد "الرابع" عن

الجمع بينها وبيان حاله

خالد الحذاء عن أبى قلابة عن أبى الأشعث عن شداد. فمدار الحديث فى الكل على أبى قلابة. غير أنه رواه فى الأول عن أبى أسماء، وفى الثانى عن شداد، وفيه انقطاع كما تقدّم" وفى الثالث والرابع عن أبى الأشعث وهذا الاختلاف لا يقدح فى صحة الحديث خلافا لما زعمه بعضهم، لأنّ غاية ما فيه تعدّد طرقه وهو مما يزيده قوة. وأن أبا قلابة رواه مرة عن أبى أسماءَ وأخرى عن أبى الأشعث عن شداد وأخرى عن شداد بإسقاط أبى الأشعث. وكذا ما تقدم فى رواية أحمد من أن الذى كان يحتجم هو شداد ابن أوس، وفى رواية الحاكم من أنه معقل بن يسار "لا يضر" للجمع بينهما بتعدد القصة كما علمت: (والحديث) أخرجه عن رافع بن خديج، ابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين، والترمذى وقال حسن صحيح وذكر عن أحمد أنه قال أصح شئ فى هذا الباب حديث رافع بن خديج. وذكر عن على بن عبد الله "يعنى المدينى" أنه قال أصح شئ فى هذا الباب حديث ثوبان وشداد بن أوس لأن يحيى بن أبى كثير روى عن أبى قلابة الحديثين جميعا اهـ فانتفى الاضطراب وتعين الجمع بذلك. وقد صحح البخارى الطريقين كما تقدم. وكذا قال عثمان الدارمى صح حديث أفطر الحاجم والمحجوم من طريق ثوبان وشداد. وقال المروزى قلت لأحمد: إن يحيى بن معين قال ليس فيه شئ يثبت. فقال هذا مجازقة، وقد صحح الحديثين ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. أفاده فى الفتح (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ ح وَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ نَا إِسْمَاعِيلُ يَعْنِى ابْنَ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِى مَكْحُولٌ أَنَّ شَيْخًا مِنَ الْحَىِّ "قَالَ عُثْمَانُ فِى حَدِيثِهِ" مُصَدَّقًا أَخْبَرَهُ أَنَّ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ. (ش) (الرجال) (إسماعيل بن إبراهيم) الأحول أبو يحيى التيمى الكوفى. روى عن عطاء بن السائب والأعمش ويزيد بن أبى زياد وإبراهيم بن الفضل وغيرهم، وعنه الحسن بن حماد وأبو سعيد الأشج وعثمان بن أبى شيبة وأبو كريب وجماعة. ضعفه أبو حاتم وابن نمير والترمذى والنسائى وابن المدينى ومسلم والدارقطنى وقال ابن حبان يخطئ لا يحتج إذا انفرد وقال الحاكم أبو أحمد ليس بالقوى وقال ابن عدى وابن معين يكتب حديثه. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه. و (ابن جريج): عبد الملك بن عبد العزيز. و (مكحول) أبو عبد الله الدمشقى. و (الشيخ من الحى) لعله أبو أسماء الحى كما فى الرواية الآتية (المعنى) (قوله مصدقا) بالنصب صفة لشيخا، وفى نسخة مصدق خبر مبتدأ محذوف أى هو مصدق

باب الرخصة في ذلك أى في الحجامة للصائم

(ص) حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ نَا مَرْوَانُ نَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ نَا الْعَلاَءُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِى أَسْمَاءَ الرَّحَبِىِّ عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ (ش) (مروان) بن محمد. وتقدم شرح هذا الحديث أول الباب (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ ابْنُ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَكْحُولٍ مِثْلَهُ بِإِسْنَادِهِ. (ش) أى روى هذا الحديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه ثابت بن ثوبان عن مكحول مثل حديث العلاء بن الحارث عن مكحول. فقد نسب المصنف عبد الرحمن إلى جده. (والغرض) من هذا كله الإشارة إلى أن حديث ثوبان جاه من عدة طرق. هذا وقد روى حديث "أفطر الحاجم والمحجوم" عن جماعة من الصحابة غير شداد وثوبان مرفوعا إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: منهم أبو هريرة وعائشة وابن عباس وبلال وأبو موسى ومعقل بن يسار وعلىّ بن أبى طالب وأسامة بن زيد وأبو الدرداء. عند النسائى. ومنهم رافع بن خديج، عند الترمذى والحاكم والبزار فى زيادات المسند. ومنهم ابن عمر وأبو زيد الأنصارى عند ابن عدى وابن مسعود عند العقيلى فى الضعفاء. وجابر وسمرة عند البزار باب الرخصة فى ذلك وفى نسخة "باب فى الرخصة فى ذلك" أى فى جواز الاحتجام للصائم (ص) حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو نَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ. (ش) (عبد الوارث) بن سعيد. و (أيوب) بن كيسان. هذا (وفى أحاديث) الباب دليل على أن الحجامة لا تفطر الصائم. وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين. منهم أنس وأبو سعيد الخدرى وزيد بن أرقم وسعد بن أبى وقاص وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأمّ سلمة. والشعبى وعروة وعطاء بن يسار والقاسم بن محمد وزيد بن أسلم وعكرمة. وأبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعى وأصحابه إلا ابن المنذر منهم والبيهقى، مستدلين بأحاديث الباب (وأجابوا) عن حديث أفطر الحاجم والمحجوم، بأنه منسوخ بما رواه الدارقطنى عن أبى سعيد الخدرى قال:

بيان أن حديث "أفطر الحاجم والمحجوم" منسوخ

رخص رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى القبلة للصائم والحجامة. قال الدارقطنى رواته كلهم ثقات. وبما رواه أيضًا عن ثابت عن أنس بن مالك قال: أوّل ما كرهت الحجامة للصائم أنّ جعفر بن أبى طالب احتجم وهو صائم فمرّ به النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نقال. أفطر هذان "يعنى الحاجم والمحجوم" ثم رخص النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد فى الحجامة للصائم. وكان أنس يحتجم وهو صائم. قال الدارقطنى: رواته كلهم ثقات ولا أعلم له علة. قالوا ففيهما لفظ الترخيص وغالب ما يستعمل بعد النهى فيكون ناسخا له: ومنسوخ أيضا بحديث ابن عباس الآتى "احتجم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو صائم محرم، وذلك أنّ ابن عباس صحب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم محرما في حجة الوداع سنة عشر من الهجرة. ولم يصحبه محرما قبل ذلك، وحديث أفطر الحاجم، كان زمن الفتح كما جاء فى رواية الشافعى والبيهقى بإسناد صحيح شدّاد قال: كنا مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى وعلى آله وسلم زمان الفتح فرأى رجلا يحتجم لثمانى عشرة خلت من رمضان فقال وهو آخذ بيدى "أفطر الحاجم والمحجوم" وكان الفتح سنة ثمان "وما ذكره" ابن خزيمة فى حديث ابن عباس من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان صائما محرما، ولم يكن قط محرما مقيما ببلده، وإنما كان محرما وهو مسافر. وللمسافر إن كان ناويا الصيام فمضى عليه بعض النهار الأكل والشرب على الصحيح. فإذا جاز له ذلك جاز له أن يحتجم وهو مسافر. قال وليس فى خبر ابن عباس. ما يدل على إفطار المحجوم فضلا عن الحاجم "مدفوع" بأنّ المتبادر من قوله احتجم وهو صائم أن الحجامة لم تفسد صومه وإن استمر عليه، ولو كان المراد كما قال ابن خزيمة لقال أفطر بالحجامة كما يقال أفطر الصائم بشرب الماء وبأكل التمر ونحوهما ولا يقال شرب ماء وهو صائم ولا أكل تمرا وهو صائم. أفاده الخطابى "ومن أجوبة" الجمهور أيضا أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر على شخصين كانا يغتابان حال الحجامة كما ذكره الطحاوى من طريق يزيد بن ربيعة عن أبى الأشعث الصنعانى قال: إنما قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: أفطر الحاجم والمحجوم لأنهما كانا يغتابان قال الطحاوى: وهذا المعنى صحيح وليس إفطارهما ذلك كالإفطار بالأكل والشرب والجماع، لكن حبط أجرهما باغتيابهما. وهذا كما قيل "الكذب يفطر الصائم" ليس يراد به الفطر الذى يوجب القضاء إنما هو على حبوط الأجر بذلك اهـ (والحديث) أخرجه أيضا البخارى والطحاوى والبيهقى وكذا الترمذى بلفظ "احتجم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم محرم صائم" وقال حديث صحيح (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ أَيُّوبَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ, وَجَعْفَرُ بْنُ

بيان روايات حديث "احتجم وهو صائم"

رَبِيعَةَ وَهِشَامُ يَعْنِى ابْنُ حَسَّانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. (ش) أى روى الحديث وهيب بن خالد عن أيوب السختيانى عن عكرمة مثل رواية عبد الوارث عن أيوب. ورواه عن عكرمة أيضا بهذا اللفظ جعفر بن ربيعة وهشام بن حسان وأشار بهذا إلى أنّ حديث عكرمة أيضا ابن عباس روى من عدّة طرق (وحديث) وهيب وصله البخارى. قال: حدّثنا معلى بن أسد ثنا وهيب عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أنّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم (وحديث) جعفر بن ربيعة وصله الطحاوى. قال: حدثنا ربع الجيزى ثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار المرادى أنبأنا ابن لهيعة عن جعفر بن ربيعة عن عكرمة الخ "أما حديث" هشام بن حسان عن عكرمة فلم نقف على من وصله (ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى زِيَادٍ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ. (ش) (شعبة) بن الحجاج. و (مقسم) بن بجرة ويقال ابن نجدة (قوله احتجم وهو صائم محرم) زاد الشافعى وابن عبد البر وغيرهما أن ذلك كان فى حجة الوداع. واستشكل كونه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جمع بين الصيام والإحرام، لأنه لم يكن من شأنه التطوّع بالصيام فى السفر ولم يكن محرما إلا وهو مسافر، ولم يسافر فى رمضان إلى جهة الإحرام إلا فى غزوة الفتح ولم يكن حينئذ محرما. فالظاهر رواية البخارى "احتجم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو صائم، واحتجم وهو محرم" ويحمل على أنّ كل واحد منهما وقع فى حالة مستقلة، وهذا لا مانع منه. فقد صح أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم صام وهو مسافر كما فى الصحيحين بلفظ "وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعبد الله بن رواحة" وتقدّم للمصنف أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمرهم بالفطر ليقووا على العدوّ واستمر هو صائما. ويقوّى ذلك أنّ أكثر الأحاديث ورد فيه أحد الأمرين (والحاصل) أن حديث ابن عباس ورد على أربعة أوجه (الأول) احتجم وهو محرم أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن بحينة (الثانى) احتجم وهو صائم وهو المتقدّم أول الباب عن عكرمة (الثالث) حديث عكرمة "احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم، أخرجه أحمد والبخارى (الرابع) حديث مقسم "احتجم وهو صائم محرم" (وهذا أخرجه) أيضا ابن ماجه وكذا الطحاوى والبيهقى والترمذى عن ابن عباس قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين مكة والمدينة وهو محرم صائم. وقال الترمذى حديث حسن صحيح اهـ وأعله أحمد فقال: ليس فيه صائم إنما هو محرم عند أصحاب ابن عباس. طاوس وعطاء وسعيد بن جبير

حكمة نهي الصائم عن الحجامة، الآثار الواردة في هذا

قال: فهؤلاء أصحاب ابن عباس لا يذكرون صياما (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى حَدَّثَنِى رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْحِجَامَةِ وَالْمُوَاصَلَةِ وَلَمْ يُحَرِّمْهُمَا إِبْقَاءً عَلَى أَصْحَابِهِ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ إِلَى السَّحَرِ. فَقَالَ إِنِّى أُوَاصِلُ إِلَى السَّحَرِ وَرَبِّى يُطْعِمُنِى وَيَسْقِينِى. (ش) (سفيان) الثورى (والحديث) دليل على أن النهى عن الحجامة للصائم للكراهة رفقا بالأمة وشفقة عليها وهو مذهب الجمهور. وهو وما بعده من الأدلة الصارفة لأحاديث الباب السابق عن ظاهرها (والحديث) أخرجه أيضا أحمد وعبد الرزاق فى مصنفه وأخرجه البيهقى عن رجل من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن المواصلة والحجامة للصائم إبقاء على أصحابه ولم يحرمهما، فقيل له إنك تواصل، فقال: إنى أظل يطعمنى ربى ويسقينى (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ نَا سُلَيْمَانُ يَعْنِى ابْنَ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ مَا كُنَّا نَدَعُ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ إِلاَّ كَرَاهِيَةَ الْجَهْدِ. (ش) (ثابت) البنانى (قوله ما كنا ندع الحجامة للصائم الخ) أى ما كان أحد منا معشر الصحابة يترك الحجامة وهو صائم إلا مخافة حصول المشقة. فالجهد بفتح الجيم المشقة: وقد جاء نحو هذا الأثر عن جماعة من الصحابة: منهم أبو سعيد الخدرى كما أخرجه الطحاوى من طريق عبد الرحمن بن زياد قال: ثنا شعبة عن قتادة عن أبى المتوكل عن أبى سعيد الخدرى قال: إنما كرهنا الحجامة للصائم من أجل الضعف. وأخرجه البيهقى ومنهم ابن عباس كما أخرجه الطحاوى أيضا من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: إنما كرهت الحجامة للصائم مخافة الضعف. وروى أيضا من طريق عاصم الأحول أن أبا العالية قال: إنما كرهت مخافة أن يغشى عليه: قال فأخبرت بذلك أبا قلابة فقال لى. إن غشى عليه يسقى الماء. وقال مالك فى الموطأ: لا تكره الحجامة للصائم إلا خشية أن يضعف، ولولا ذلك لم تكره. ولو أن رجلا احتجم فى رمضان ثم سلم من أن يفطر لم أر عليه شيئا ولم آمره

باب في الصائم يحتلم نهارا في رمضان

بالقضاء لذلك اليوم الذى احتجم فيه، لأن الحجامة إنما تكره للصائم لموضع التغرير بالصيام اهـ (والحديث) أخرجه أيضا الطحاوى من طريق المصنف ولفظه. وأخرجه أيضا من طريق أخرى بنحوه. وأخرجه البخارى من طريق شعبة قال سمعت ثابتا البنانى قال: سئل انس بن مالك أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال لا إلا من أجل الضعف. والسائل هو ثابت البنانى فقد روى البيهقى من طريق إبراهيم بن الحسن قال ثنا آدم "يعنى ابن أبى إياس" ثنا شعبة عن حميد قال سمعت ثابتا البنانى وهو يسأل أنس بن مالك أكنتم تكرهون الخ "وما أشار" إليه البيهقى من إسقاط حميد بن شعبة وثابت فى رواية البخارى خطأ "مردود" بتصريح البخارى فى روايته بسماع شعبة من ثابت. فلا مانع من أنّ شعبة سمع الحديث من ثابت بلا واسطة كما سمعه بواسطة حميد باب فى الصائم يحتلم نهارا فى رمضان أيفطر أم لا؟ وفى نسخة "يحتلم نهارا فى شهر رمضان" وفى أخرى حذف لفظ باب. (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: لاَ يُفْطِرُ مَنْ قَاءَ وَلاَ مَنِ احْتَلَمَ وَلاَ مَنِ احْتَجَمَ. (ش) (سفيان) الثورى (قوله عن رجل من أصحابه الخ) لعله عطاء بن يسار. ولعل الصحابى أبو سعيد الخدرى (قوله لا يفطر من قاء) أى غلبه القئ بخلاف من تعمده كما سيأتى بيانه. قال الخطابى: هذا إن ثبت فمعناه من قاء غير عامد، ولكن فى إسناد رجل لا يعرف. وقد رواه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدرى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آل وسلم، إلا أنّ عبد الرحمن ضعفه أهل الحديث اهـ (قوله ولا من احتلم) يعنى ولو نزل منه المنى لأنه ليس باختياره. وتقدم الكلام على الحجامة (والحديث) أخرجه أيضا البيهقى والترمذى عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال. ثنا أبى عن عطاء عن أبى سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ثلاث لا يفطرن الصائم. القئ والحجامة والاحتلام. قال الترمذى هذا الحديث غير محفوظ، وقد روى عبد الله بن زيد بن أسلم وعبد العزيز بن محمد وغير واحد هذا الحديث عن زيد بن أسلم مرسلا ولم يذكروا فيه عن أبى سعيد وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم يضعف فى الحديث اهـ وقال البيهقى: كذا رواه عبد الرحمن بن زيد وليس بالقوى. والصحيح رواية سفيان الثورى وغيره عن زيد بن أسلم عن رجل من أصحابه

باب في الكحل عند النوم للصائم

عن رجل من أصحاب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: لا يفطر من قاء ولا من احتجم ولا من احتلم. وأخرجه الدارقطنى من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدرى مرفوعا "ثلاث لا يفطرن الصائم الحديث" فقد تابع عبد الرحمن بن زيد، هشام بن سعد، وهو إن تكلم فيه غير واحد فقد احتج به مسلم واستشهد به البخارى. ورواه ابن عدى فى الكامل ونقل تضعيف هشام بن سعد عن النسائى وأحمد وابن معين قال: ومع ضعفه يكتب حديثه. وقال عبد الحق يكتب حديثه ويحتج به ورجح أبو حاتم إرساله وكذا أبو زرعة وقال إنه أصح وأشبه بالصواب اهـ باب فى الكحل عند النوم للصائم بفتح الكاف وسكون الحاء اى الاكتحال (ص) حَدَّثَنَا النُّفَيْلِىُّ نَا عَلِىُّ بْنُ ثَابِتٍ حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ هَوْذَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ بِالإِثْمِدِ الْمُرَوَّحِ عِنْدَ النَّوْمِ وَقَالَ: لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ لِى يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هُوَ مُنْكَرٌ "يَعْنِى حَدِيثَ الْكَحْلِ". (ش) (الرجال) (النفيلى) هو عبد الله بن محمد. و (على بن ثابت) أبو أحمد الجزرى مولى العباس بن محمد. روى عن عكرمة بن عمار وعبد الرحمن بن ثابت وقيس بن الربيع وابن أبى ذئب وجماعة. وعنه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو خيثمة ومحمد بن حاتم والقاسم بن سلام وغيرهم. وثقه أحمد وأبو داود وابن نمير وأبو زرعة والعجلى وقال ابن معين ثقة إذا حدّث عن ثقة. وفى التقريب صدوق ربما أخطأ من التاسعة، وقد ضعفه الأزدى بلا حجة. روى له أبو داود والترمذى. و (عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة) بفتح فسكون فذال معجمة الأنصارى الكوفى أبو نعمان. روى عن أبيه وسعد بن إسحاق وحمد بن كليب. وعنه على بن ثابت وأبو نعيم وأبو أحمد الزبيرى. قال الدارقطنى متروك وقال ابن المدينى مجهول وضعفه ابن معين وقال أبو حاتم صدوق: فى التقريب صدوق فى السابعة ربما غلط. روى له أبو داود هذا الحديث فقط. و (أبوه) النعمان بن معبد الأنصارى. ورى عن أبيه. وعنه ابن عبد الرحمن. ذكره ابن حبان فى الثقات وقال فى التقريب مجهول من الرابعة. روى له أبو داود. و (جدّه) معبد بن هوذة بن قيس بن عبادة الأنصارى الأوسى. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حديث الباب. وروى عنه ابنه. وجعل ابن منده وجماعة الضمير فى قوله عن جدّه

فوائد الاكتحال: المذاهب في حكمه للصائم

النعمان فتكون الرواية والصحبة لهوذة. وهو وهم. والصواب أنّ الرواية والصحبة لمعبد كما فى الإصابة وقال البيهقى: ومعبد بن هوذة هو الذى له صحبة. روى له أبو داود (المعنى) (قوله أمر بالإثمد المروّح عند النوم) أى أمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالاكتحال به عند النوم. والإثمد بكسر الهمزة والميم حجر الكحل الأسود. والمروّح بصيغة اسم المفعول المطيب بالمسك كأنه جعل له رائحة تفوح بعد أن لم تكن. وأمر به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأنه ينفع العين ويقوّيها ويشدّ أعصابها ويحفظ صحتها ويذهب باللحم الزائد فى القروح وينقى أوساخها ويجلوها ويذهب الصداع إذا اكتحل به مع العسل الرقيق وإذا خلط بالشحوم اللينة ولطخ به حرق النار ينفعه وهو أجود الأكحال "ولا سيما لكبير السنّ ومن ضعف بصره" إذا جعل معه شئ من المسك. وفى الاكتحال مطلقا حفظ لصحة العين وتقوية للنور الباصر وتلطيف للمادة الرديئة واستخراج لها مع الزينة فى بعض أنواعه. وله عند النوم مزيد فضل لاشتمال العين عليه وسكونها عقيبه عن الحركة المضرة بها. ويؤتى به من أصبهان والمغرب. وأجوده سريع التفتيت يكون لفتاته بريق وداخله أملس ليس فيه أوساخ ومزاجه بارد يابس (وقد جاء فيه أحاديث) ففى سنن ابن ماجه عن سالم عن أبيه يرفعه أنّ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: عليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر. ورواه البيهقى عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا وقال: وزعم أنّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كانت له مكحلة يكتحل منها كل ليلة ثلاثا فى هذه، وثلاثا فى هذه. وقال: هذا أصح ما روى فى اكتحال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وروى أيضا عن ابن عباس أنّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: خير أكحالكم الإثمد يجلو البصر وينبت الشعر. وفى رواية أبى نعيم فإنه منبتة للشعر ومذهبة للقذى مصفاة للبصر (قوله ليتقه الصائم) أى ليتباعد عنه (واستدل) به من قال إنّ الكحل مفسد للصوم. منهم ابن أبى ليلى وسليمان التيمى ومنصور بن المعتمر وابن شبرمة. واستدلوا أيضا بما أخرجه البخارى تعليقا ووصله البيهقى والدارقطنى وابن أبى شيبة من حديث ابن عباس بلفظ "الفطر مما دخل والوضوء مما خرج" والكحل إذا وجد طعمه فقد دخل. وذهب الثورى وإسحاق إلى كراهته. وقال قتادة يجوز بالإثمد ويكره بالصبر (وقالت المالكية) يحرم إن تحقق وصوله إلى الحلق وعليه القضاء وإن شك كره (وذهبت الشافعية) وعطاء والحسن البصرى والنخعى والأوزاعى وأبو حنيفة وأبو ثور إلى أنّ الاكتحال للصائم جائز ولا يفطر سواءٌ أوجد طعاما فى حلقه أم لا. وهو قول أنس وابن عمر وابن أبى أوفى. واستدلوا بما رواه ابن ماجه عن عائشة أنّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اكتحل فى رمضان وهو صائم. وفى سنده سعيد بن أبى سعيد الزّبيدى وهو من مجاهيل

بيان حال أحاديث الاكتحال للصائم

شيوخ بقية: ينفرد بما لا يتابع عليه كما قال البيهقى. وقال النووى فى شرح المهذّب. قد اتفق الحفاظ على أنّ رواية بقية عن المجهولين مردودة. واختلف فى روايته عن المعروفين، فلا يحتج بحديثه هذا بلا خلاف اهـ واستدلوا أيضا بما رواه الترمذى من طريق أبى عاتكة عن أنس قال جاء رجل إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: اشتكت عينى، أفاكتحل وأنا صائم؟ فقال نعم قال الترمذى: حديث أنس إسناده ليس بالقوى، ولا يصح عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فى هذا الباب شئ. وأبو عاتكة يضعف اهـ وبما رواه البيهقى من طريق محمد بن عبد الله بن أبى رافع عن أبيه عن جده أنّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يكتحل وهو صائم. قال أبو حاتم هذا حديث منكر. وقال البخارى محمد بن عبد الله منكر الحديث (والظاهر) ما ذهب إليه هؤلاء. وما استدلوا به من الأحاديث وإن كان فيها مقال لكنها لكثرتها يقوّى بعضها بعضا، ولأن إبقاء الصوم هو الأصل فلا ينقل عنه إلا بدليل، وليس فى الباب ما يصلح للنقل، لأن حديث الباب منكر، كما ذكره المصنف وغيره. وحديث "الفطر مما دخل" ضعيف أيضا، لأن فى سنده الفضل ابن المختار وشعبة مولى ابن عباس وهما ضعيفان، وعلى فرض صحة حديث الباب، فهو محمول على الندب لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اكتحل وهو صائم، أو محمول على الكحل المطيب فلا يتناول غيره: وعلى فرض صحة حديث "الفطر مما دخل" أيضا فهو عام مخصوص بغير الكحل، فكأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: الفطر مما دخل إلا الكحل؛ لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اكتحل وهو صائم (قوله هو منكر) وفى نسخة "هو حديث منكر" أى لأنه مخالف لفعل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، لأنه اكتحل وهو صائم (والحديث) اخرجه أيضًا أحمد والبخارى فى تاريخه وهو حديث منكر كما تقدم. وفى إسناده عبد الرحمن وأبو النعمان وهما ضعيفان كما علمت. وقال ابن عدى إنه موقوف. وأخرجه البيهقى والدارمى من طريق عبد الرحمن بن النعمان الأنصارى قال ثنا أبى عن جدّى قال وكان جدّى أتى به النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فمسح على رأسه، فقال: لا تكتحل بالنهار وأنت صائم، واكتحل ليلا بالأثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر (ص) حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عُتْبَةَ عَنْ أَبِى مُعَاذٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْتَحِلُ وَهُوَ صَائِمٌ. (ش) (الرجال) (أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير. و (عتبه أبو معاذ) بن حميد الضبى البصرى، روى عن عبيد الله بن أبى بكر وعكرمة وخالد الحذاء ويحيى بن أبى إسحاق وغيرهم. وعنه أبو معاوية وإسماعيل بن عياش وابن عيينة وعبد الواحد بن زياد وطائفة. ضعفه

باب الصائم يستقيء عامدا

أحمد، وقال أبو حاتم صالح الحديث وذكره ابن حبان في الثقات. وفي التقريب صدوق له أوهام من السادسة. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه. و (عبيد الله بن أبي بكر بن أنس) ابن مالك الأنصاري أبو معاذ. روى عن جده. وروى عنه الحمادان وشعبة ومبارك بن فضالة وشدّاد بن سعيد وآخرون. وثقة أحمد وأبو داود وابن معين والنسائى وفي التقريب ثقة من الرابعة وذكره ابن حبان في الثقات. وقال أبو حاتم صالح. روى له الجماعة (وهذا الأثر) من أدلة القائلين بجواز اكتحال الصائم نهارًا، لأن مثل هذا لا يفعله أنس من قبل نفسه (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُخَرِّمِىُّ وَيَحْيَى بْنُ مُوسَى الْبَلْخِىُّ قَالاَ نَا يَحْيَى بْنُ عِيسَى عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا يَكْرَهُ الْكَحْلَ لِلصَّائِمِ, وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ يُرَخِّصُ أَنْ يَكْتَحِلَ الصَّائِمُ بِالصَّبِرِ. (ش) هؤلاء من الذين قالوا بجواز الاكتحال للصائم. و (يحيى بن عيسى) بن عبد الرحمن التيمي أبو زكريا الكوفي. روى عن أبي مسعود وعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ومحمد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى ومسعر بن كدام وغيرهم. وعنه ابن أخيه عيسى بن عثمان وابنا أبي شيبة وعيسى بن أحمد العسقلانى وجماعة. وثقه العجلي وقال فيه تشيع، وذكره ابن حبان في الثقات، وأثنى عليه أحمد، وقال النسائى ليس بالقوى، وقال ابن معين ليس بشئ، وقال ابن عدى عامة ما يرويه لا يتابع عليه، وفي التقريب صدوق يخطئ من التاسعة. توفي سنة إحدى ومائتين. روى له البخاري في التاريخ ومسلم والترمذي والنسائى. و (الأعمش) سليمان بن مهران باب الصائم يستقئ عامدا أي يتعمد إخراج القئ (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: مَنْ ذَرَعَهُ قَىْءٌ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ؟ وَإِنِ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ. (ش) (قوله من ذرعه قئ الخ) وفى نسخة القئ أى من غلبه القئ وهو صائم فلا يفطر

مسائل غلبة القيء: حكم تعمد الصائم القيء

به ولو كان ملء الفم وليس عليه قضاء. وإلى ذلك ذهب أبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي وأحمد. ومحله عند الجمهور ما لم يرجع منه شئ إلى حلقه بعد إمكان طرحه، وإلا فعليه القضاء. وذهب محمد بن الحسن إلى أنه إن عاد بنفسه لا يفطر وهو الصحيح عند الحنفية. وعن الحسن البصرى روايتان بالفطر وعدمه. وذهب أبو يوسف إلى فساد الصوم بعوده كإعادته إن كان ملء الفم ومدار الخلاف بينه وبين محمد أنّ محمدا يعتبر الصنع، وأبا يوسف يعتبر ملء الفم لأنّ له حكم الخارج، وما دونه لا يعتبر خارجا لأنه يمكن ضبطه. ويتفرّع على هذا أربع مسائل "الأولى" إذا كان أقل من ملء الفم وعاد أو شئ منه لم يفطر اتفاقا لعدم الصنع عند محمد. ولعدم ملء الفم عند أبي يوسف "الثانية" إذا كان أقل من ملء الفم وأعاده أو شيئا منه لم يفطر عند أبى يوسف وهو المختار لعدم ملء الفم، ويفطر عند محمد للصنع "الثالثة" إذا كان ملء الفم وعاد أو شئ منه لا يفطر عند محمد لعدم الصنع وهو الصحيح ويفطر عند أبى يوسف لأنه يعتبر خارجا شرعا وقد دخل. ودليل عدم الفطر فيما ذكر حديث الباب "الرابعة" إذا كان ملء الفم وأعاده أو شيئا منه أفطر اتفاقا لأنه خارج أدخله جوفه (قوله وإن استقاء فليقض) أي إن تعمد إخراج القئ كأن عالجه بأصبعه أفطر وعليه القضاء. وهو قول علىّ وابن عمر وزيد بن أرقم وأبى حنيفة وأصحابه ومالك وأحمد والزهرى والشافعى وإسحاق وابن المنذر، أخذا بظاهر الحديث، ولا كفارة عليه. وقال عطاء وأبو ثور عليه القضاء والكفارة. ولا وجه له. وقال ابن مسعود وعكرمة وربيعة والقاسم: إن القئ لا يفسد الصوم سواء أكان غلبة أم عمدا ما لم يرجع منه من شئ بالاختيار. واستدلوا بما تقدم عند الترمذى عن أبي سعيد الخدرى مرفوعًا "ثلاث لا يفطرن الصائم الحجامة والقئ والاحتلام" ورد بأنه لا يصلح للاستدلال به لأنّ فى سنده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف كما تقدّم، ولذا قال الترمذي هذا الحديث غير محفوظ. وعلى فرض صحته فيحمل على ما إذا كان القئ غالبا حتى لا يكون بينه وبين حديث الباب تناف. (والظاهر) القول الأوّل. والحديث وإن كان فيه مقال إلا أنه تقوى بالآثار. فقد روى مالك في الموطأ والشافعى عن ابن عمر موقوفا "من استقاء وهو صائم فعليه القضاء، ومن ذرعه القئ فليس عليه القضاء" وأخرجه الطحاوى والبيهقى. وأخرج نحوه عن إبراهيم النخعى والقاسم بن محمد. قال الخطابى "وفى إسقاط" أكثر العلماء الكفارة عن المستقئ عامدا "دليل" على أنه لا كفارة على من أكل عامدا في نهار رمضان لأنّ المستقئ مشبه بالآكل متعمدا، ومن ذرعه القئ مشبه بالآكل ناسيًا. ويدخل في معنى من ذرعه القئ كل ما غلب على الإنسان من دخول الذباب حلقه ودخول الماء جوفه إذا وقع فى ماء غمر وما أشبه ذلك، فإنه لا يفسد صومه شئ من ذلك اهـ (والحديث) أخرجه أيضا أحمد وابن ماجه والدارقطنى والحاكم وصححه وابن حبان والطحاوى والبيهقى والترمذى وقال

الجمع بين حديث "قاء النبي صلى الله عليه وسلم" فأفطر وحديث "من ذرعه القيء فليس عليه القضاء"

حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا من حديث عيسى بن يونس "وقال البخارى" لا أراه محفوظا. وقد روى من غير وجه ولا يصح إسناده (وفي نسخة الخطابى) بعد الحديث "قال أبو داود: أحمد بن حنبل يقول: ليس من ذا شئ" قال الخطابى يريد أن الحديث غير محفوظ. وفي بعض النسخ بعد هذا الحديث زيادة "قال أبو داود: رواه أيضا حفص بن غياث عن هشام مثله" أي روى هذا الحديث حفص بن غياث عن هشام بن حسان مثل حديث عيسى بن يونس (وروايته) أخرجها ابن ماجه. وبه تعلم أن قول الترمذي تفرد به عيسى بن يونس غير مسلم (ص) حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ نَا الْحُسَيْنُ عَنْ يَحْيَى حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الأَوْزَاعِىُّ عَنْ يَعِيشَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ حَدَّثَنِى مَعْدَانُ بْنُ طَلْحَةَ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَأَفْطَرَ, فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِى مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَقُلْتُ إِنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ حَدَّثَنِى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَأَفْطَرَ. قَالَ صَدَقَ وَأَنَا صَبَبْتُ لَهُ وَضُوءَهُ. (ش) (الرجال) (عبد الوارث) بن سعيد، و (الحسين) بن ذكوان. (ويحيى) ابن أبي كثير. و (يعيش بن الوليد بن هشام) بن معاوية بن هشام بن عقبة الدمشقى. روى عن أبيه ومعاوية ومعدان بن طلحة. وعنه يحيى بن أبى كثير وعكرمة والأوزاعى. وثقه النسائى والعجلي وذكره ابن حبان في الثقات. وقال في التقريب ثقة من الثالثة. روى له أبو داود والترمذى والنسائى. و (أبوه) الوليد بن هشام بن معاوية بن هشام الأموى المعيطى. روى عن عمر بن عبد العزيز وأبان بن الوليد وعبد الله بن محيريز وغيرهم. وعنه ابنه يعيش والأوزاعى وابن عيينة والوليد بن سيلمان وآخرون. وثقه ابن معين والعجلى ودحيم والأوزاعى وذكره ابن حبان في الثقات وقال يعقوب بن سفيان لا بأس بحديثه وفى التقريب ثقة من السادسة. روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه. و (أبو الدرداء) عويمر بن زيد الأنصارى (المعنى) (قاء فأفطر) وفي نسخة قاء وأفطر يعنى تعمد القئ فلا ينافى حديث "من ذرعه القئ فليس عليه القضاء" وهو محمول على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان صائما تطوعا

هل القئ ينقض الوضوء؟

وعلى أن ذلك كان لعذر لقوله تعالى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} قال الترمذى إنما معنى هذا الحديث أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان صائما متطوعا فقاء فضعف وأفطر لذلك. هكذا روى فى بعض الحديث مفسرا اهـ (قوله فلقيت ثوبان الخ) أي قال معدان بن طلحة لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسألته عما حدثنى به أبو الدرداء فقال صدق أبو الدرداء فيما حدثك به. وغرضه بذلك التثبت من الحديث وزيادة الاطمئنان (قوله وأنا صببت له وضوءه) بفتح الواو أي ماه وضوئه والمراد الوضوء اللغوى الذي هو غسل الفم من القئ، أو الوضوء الشرعى. والأول أولى لقرينة النظافة. قال في المرقاة قال ميرك: احتج به أبو حنيفة وأحمد وإسحاق وابن المبارك والثورى على أن القئ ناقض للوضوء. وحمله الشافعى على غسل الفم والوجه، أو على استحباب الوضوء. وهذا أولى لأن كلام الشارع إذا أمكن حمله على المعنى الشرعى لا ينبغى العدول عنه إلى المعنى اللغوى (نعم) يتوقف الاستدلال به للنقض علي تحقق أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان متوضئا قبل القئ اهـ فلا يصلح الحديث حجة لمن قال إن القئ ناقض للوضوء. وتقدم تمام الكلام عليه في "باب الوضوء من الدم" ص 236 ج 2 (والحديث) أخرجه أيضا الترمذى والنسائى والدارمى والحاكم وابن حبان والدارقطني والبيهقى والطبرانى وابن منده وقال إسناده صحيح متصل باب القبلة للصائم أتفسد صومه أم لا؟ (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ وَعَلْقَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَ لإِرْبِهِ. (ش) (أبوه معاوية) محمد بن خازم. و (الأعمش) سليمان بن مهران. و (إبراهيم) النخعي. و (الأسود) بن يزيد. و (علقمة) بن قيس النخعى (قوله يقبل وهو صائم) فيه دليل على أنه يجوز للصائم الذي يملك نفسه أن يقبل ولا يفسد صومه وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين وإليه ذهب الحنفيه وأحمد وإسحاق وداود. وذهب إلى كراهة التقبيل مطلقا مالك في المشهور عنه إذا علمت السلامة فإذا لم تعلم فهو حرام. وروى ابن وهب عن مالك الإباحة في النفل دون الفرض. وقال أبو حنيفة وأصحابه يكره للصائم القبلة والمباشرة غير

الراجح إباحتها له إن أمن على نفسه

الفاحشة إن لم يأمن على نفسه الإنزال أو الجماع. ولا تكره إن أمن ذلك لما سيأتى فى "باب كراهيته للشاب" عن أبي هريرة أنّ رجلا سأل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن المباشرة للصائم فرخص له. وأتاه آخر فنهاه، فإذا الذى رخص له شيخ والذي نهاه شاب. أمّا القبلة الفاحشة وهي مص شفتيها فتكره مطلقا، وكذا المباشرة الفاحشة وهى أن يتعانقا متجردين متماسى الفرجين. وكذا فرق الشافعى والثورى والأوزاعى بين الشاب والشيخ، فأباحوا القبلة للشيخ وكرهوها للشاب. وهو المروى عن ابن عباس ورواية عن مالك. قال النووى فى شرح مسلم قال الشافعى والأصحاب القبلة فى الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته لكن الأولى له تركها, ولا يقال إنها مكروهة له وإنما قالوا إنها خلاف الأولى في حقه مع ثبوت أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يفعلها لأنه كان يؤمن فى حقه مجاوزة حد القبلة ويخاف على غيره مجاوزتها كما قالت عائشة كان أملككم لإربه. وأما من حرّكت من شهوته فهى حرام فى حقه على الأصح عند أصحابنا وقيل مكروهة كراهة تنزيه اهـ. وقال الحافظ فى الفتح وقد اختلف فى القبلة والمباشرة للصائم فكرهها قوم مطلقا وهو مشهور عند المالكية. وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يكره القبلة والمباشرة ونقل ابن المنذر وغيره عن قوم تحريمهما واحتجوا بقوله تعالى {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} فمنع من المباشرة نهارا (والجواب) عن ذلك أنّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو المبين عن الله تعالى وقد أباح المباشرة نهارا فدلّ على أنّ المراد بالمباشرة فى الآية الجماع لا ما دونه من قبلة ونحوها. وأباح القبلة قوم مطلقا وهو المنقول عن أبي هريرة وسعد بن أبي وقاص وطائفة بل بالغ بعض أهل الظاهر فاستحبها اهـ بحذف. وذهب له شريح وإبراهيم النخعى والشعبى ومسروق ومحمد بن الحنفية وأبو قلابة وعبد الله بن شبرمة إلى أن القبلة تفطر الصائم وعليه أن يقضى يوما مكانه. واستدلوا بحديث إسراءيل بن يونس عن زيد بن جبير عن أبي يزيد الضبى عن ميمونة مولاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: قالت سئل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن رجل قبل امرأته وهما صائمان قال قد أفطرا. رواه ابن ماجه، لكن قال ابن حزم أبو يزيد مجهول، وقال الدارقطنى ليس بمعروف، وقال الترمذى سألت البخارى عن الحديث فقال حديث منكر لا أحدث به، وأبو يزيد لا أعرف اسمه، وهو رجل مجهول وقال البيهقى والسهيلي والدارقطنى لا يثبت هذا الحديث اهـ إذا علمت هذا تعلم أنّ الحديث لا يصلح للاحتجاج به على مدعاهم (والراجح) القول الأول أخذا بظاهر حديث عائشة وغيره من الأحاديث الصريحة فى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقبل وهو صائم. وقول عائشة "لكنه كان أملك لأربه" لا يدل على أنه كان خاصا به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (ويدل) على أنّ القبلة لا تفطر أيضا ما روى مالك فى الموطأ عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنّ رجلا قبل امرأته

حكم الإنزال لمباشرة أو نظر أو فكر وهو صائم

وهو صائم في رمضان فوجد من ذلك وجدا شديدا فأرسل امرأته تسأل له عن ذلك فدخلت على أم سلمة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذكرت ذلك لها فأخبرتها أم سلمة أنّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقبل وهو صائم فرجعت فأخبرت زوجها بذلك فزاده ذلك شرا وقال: لسنا مثل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. الله يحل لرسوله ما شاء، ثم رجعت امرأته إلى أم سلمة فوجدت عندها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: ما لهذه المرأة؟ فأخبرته أم سلمة. فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: ألا أخبرتها أنى أفعل ذلك؟ فقالت قد أخبرتها فذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شرا وقال: لسنا مثل رسول الله. الله يحل لرسوله ما شاء فغضب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال: والله إنى لأتقاكم لله وأعلمكم بحدوده اهـ وهو وإن كان مرسلا فقد وصله عبد الرزاق في مصنفه وأحمد بإسناد صحيح عن عطاء عن رجل من الأنصار. قال ابن عبد البر: فيه دلالة على جواز القبلة للشاب والشيخ لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يقل للمرأة زوجك شيخ أو شاب فلو كان بينهما فرق لسألها لأنه المبين عن الله تعالى وقد أجمعوا على أنّ القبلة لا تكره لنفسها وإنما كرهها من كرهها خشية ما تؤول إليه ولا أعلم أحدا رخص فيها إلا وهو يشترط السلامة مما يتولد منها. ومن علم أنه يتولد منها ما يفسد صومه وجب عليه اجتنابها اهـ (قوله ويباشر وهو صائم) المراد بالمباشرة ماهو أعم من التقبيل ما لم يبلغ حدّ الجماع والمباشرة في الأصل التقاء البشرتين فهو من ذكر العام بعد الخاص. وفي المباشرة ما في القبلة من الخلاف. ومحل الخلاف فيهما للصائم ما لم ينزل، فإن أنزل أفطر وعليه القضاء اتفاقا، زاد مالك وإسحاق والكفارة. وان أمذى فعليه القضاء عند مالك وأحمد وإسحاق. وإن علم ذلك قبل القبلة أو المباشرة حرمتا. وليس عليه القضاء عند الحنفية والشافعية. وهذا كله في القبلة والمباشرة. أمّا الفكر والنظر فقالت الحنفية إذا أنزل عن فكر ولو طال أو نظر ولو إلى الفرج لا يفطر، وبه قالت الشافعية لكن قالوا إلا إن اعتاد الإنزال بذلك فيفطر على المعتمد. وقالت المالكية إن أمذى بالفكر أو النظر فعليه القضاء، وإن أمنى بإدامتهما فعليه الكفارة إن كانت عادته الإنزال ولو في حين ما، فإن كانت عادته عدم الإنزال بإدامة النظر أو الفكر، فخالف عادته وأمنى، فلا كفارة على ما اختاره ابن عبد السلام. وكذا لو أمنى بمجرّد نظر أو فكر فلا كفارة عليه عند ابن القاسم. وقالت الحنابلة إن كرر النظر فأمنى فسد صومه وعليه القضاء وأمّا لو أنزل بنظر غير متكرر أو بفكر فلا يفسد صومه، لأنّ كلا منهما يشق الاحتراز عنه بخلاف النظر المتكرر (قوله ولكنه كان أملك لأربه) بفتح الهمزة والراء على ما رواه أكثر المحدّثين الحاجة والشهوة. ويروى بكسر الهمزة وسكون الراء. ويطلق أيضا على الذكر خاصة أى أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان أقدر على شهوته

الرد على من فرق في القبلة بين صائم الفرض والنفل

ووطره. تريد بذلك عائشة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأمن مع هذه المباشرة الإصابة في الفرج "وهو" عند من لا يبيح القبلة لغيره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "علة" لعدم إلحاق غيره به بأنه كان يملك نفسه وشهوته ويأمن هيجانها دون غيره "ومن يجيز" القبلة لغيره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "يجعل قولها" علة لإلحاقه به، فإنه إذا كان أملك الناس لأربه يقبل ويباشر فهكذا غيره إن أمن على نفسه. (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والبخارى ومسلم والترمذى. وأخرجه ابن ماجه ومسلم أيضا من طريق عبيد الله بن القاسم (ص) حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ نَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ فِى شَهْرِ الصَّوْمِ. (ش) (أبو الأحوص) سلام بن سليم (قوله يقبل في شهر الصوم) أى في شهر رمضان نهارا (ففيه ردّ) على من قال بجواز القبلة في النفل دون الفرض (والحديث) أخرجه أيضا الترمذى وابن ماجه. وكذا الطحاوى من طريق أبى معاوية عن زياد. ومن طريق إسراءيل عنه بلفظ: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقبلنى وأنا صائمة (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِى ابْنَ عُثْمَانَ الْقُرَشِىَّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُنِى وَهُوَ صَائِمٌ وَأَنَا صَائِمَةٌ. (ش) (الرجال) (سفيان) الثورى. و (طلحة بن عبد الله بن عثمان) بن عبيد الله ابن معمر التيمى المدنى. روى عن عائشة. وعنه سعد بن ابراهيم وأبو عمران الجونى. ذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب ثقة من الثالثة. روى له البخارى وأبو داود والنسائى (والحديث) أخرجه أيضا الطحاوى من طريق شعبة عن سعد بن إبراهيم عن طلحة عن عائشة قالت: أراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يقبلنى فقلت إنى صائمة فقال وأنا صائم فقبلنى، هذا (وحديث عائشة) في قبلة الصائم قد روى من عدة طرق فقد أخرجه الطحاوى من عشرين طريقا (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا اللَّيْثُ ح وَحَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ

باب الصائم يبلع الريق

عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هَشِشْتُ فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا. قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ. قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ مِنَ الْمَاءِ وَأَنْتَ صَائِمٌ؟ قَالَ عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ فِى حَدِيثِهِ "قُلْتُ لاَ بَأْسَ بِهِ, ثُمَّ اتَّفَقَا" قَالَ فَمَهْ؟ (ش) (قوله هششت فقبلت وأنا صائم) أى نشطت وارتحت فقبلت حال الصوم وهش من بابى تعب وضرب يقال: هش الرجل هشاشة إذا ارتاح ونشط وخف (قوله أرأيت لو مضمضت وأنت صائم الخ) أفاده الحكم بقياس الشبه. وهو الجمع بين الشيئين في الحكم لاجتماعهما في وجه الشبه. وقد ثبت عند عمر رضى الله تعالى عنه أن المضمضة لا تفسد الصوم، ولذا قال لا بأس به. أى لا حرج في المضمضة، فأفاده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن القبلة التى هى أول الجماع لا تفسد الصوم كذلك (قال) المازرى ومن بديع ما روى في ذلك قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للسائل عنها: أرأيت لو مضمضت؟ فأشار إلى فقه بديع. وذلك أن المضمضة لا تنقض الصوم وهى أول الشرب ومفتاحه، كما أن القبلة من دواعى الجماع ومفتاحه. والشرب يفسد الصوم كما يفسده الجماع، وكما ثبت عندهم أن أوائل الشرب لا يفسد الصيام فكذلك أوائل الجماع اهـ (قوله ثم اتفقا) أى شيخا المصنف وفي بعض النسخ إسقاط لفظ ثم اتفقا (قوله قال فمه) أى قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فما الفرق بين المضمضة والقبلة؟ يعنى لا فرق بينهما في أن كلا منهما لا يفطر الصائم. فما استفهامية حذفت ألفها وعوض عنهاهاء السكت. وفي رواية أحمد والطحاوى (ففيم) أى ففيم تسأل؟ ويحتمل أن مه بمعنى اكفف، أى اكفف عن السؤال، فإن القبلة لا تضر الصوم كما لا تضره المضمضة (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والطحاوى والنسائى وقال حديث منكر. وأخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين اهـ وقال البزار لا نعلمه يروى عن عمر إلا من هذا الوجه اهـ. وصححه ابن خزيمة وابن حبان باب الصائم يبلع الريق وفي نسخة "يبلع ريقه" أى أيفطر أم لا؟ (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى نَا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ نَا سَعْدُ بْنُ أَوْسٍ الْعَبْدِىُّ عَنْ

حكم بلع الصائم ريقه أو ريق غيره

مِصْدَعٍ أَبِى يَحْيَى عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ وَيَمُصُّ لِسَانَهَا. (ش) (الرجال) (محمد بن دينار) بن أبي الفرات الأزدى البصرى أبو بكر. روى عن هشام بن عروة وسعد بن أوس ويونس بن عبيد وقرة بن خالد وجماعة. وعنه أبو داود الطيالسى وعبد الصمد بن عبد الوارث والقعنبى وقتيبة بن سعيد وآخرون. ذكره ابن حبان في الثقات وضعفه النسائى وابن معين والدارقطنى وقال متروك، وقال العقيلى في حديثه وهم، وفي التقريب صدوق سيئ الحفظ من الثامنة، وعن النسائى وابن معين لا بأس به. وقال ابن عدى هو حسن الحديث وقال العجلى وأبو حاتم لا بأس به. روى له أبو داود والترمذى. و (سعد بن أوس العبدى) ويقال العدوى البصرى. روى عن مصدع الأعرج وأنس بن سيرين وسيار بن مخراق. وعنه حميد ابن مهران وأبو عبيدة الحدّاد ومحمد بن الفرات ومحمد بن دينار. ضعفه ابن معين وقال الساجى صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات، وفي التقريب صدوق له أغاليط من الخامسة. روى له أبو داود والترمذى والنسائى (المعنى) (قوله ويمص لسانها) بضم الميم من باب قتل وقد تفتح من باب تعب. يحتمل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يبصق ريقها الذى اجتمع في فيه ولا. يبتلعه وأنه كان يبتلعه، وهو بعيد فإن الإجماع على أنّ من ابتلع ريق الغير أفطر. وعلى فرض أنه ابتلع ريقها فليس في الحديث تصريح أنه مص لسانها وهو صائم (والمقصود منه) بيان ما لعائشة عنده من المنزلة والمحبة القلبية. وذكر المص لمناسبة القبلة؛ فإن تقبيله إياها وهما صائمان يدل على المحبة فكذلك مص لسانها. على أنّ الحديث ضعيف لأنّ في سنده محمد بن دينار وسعد بن أوس وفيهما مقال كما علمت. قال النسائى وابن عدى قوله "ويمص لسانها" لا يرويه إلا محمد بن دينار اهـ. وقال العينى كلمة يمص لسانها غير محفوظة وإسناده ضعيف والآفة من محمد بن دينار عن سعد بن أوس عن مصدع وتفرّد به أبو داود اهـ. وقال الحافظ إسناده ضعيف ولو صح فهو محمول على أنه لم يبتلع ريقه الذى خالطه ريقها اهـ، وفي بعض النسخ زيادة. قال ابن الأعرابي: بلغى عن أبي داود أنه قال: هذا الإسناد ليس بصحيح "هذا" واعلم أنه لا شئ على الصائم في ابتلاع ريقه إجماعا، وعليه القضاء في ابتلاع ريق غيره إجماعا وكذا الكفارة عند المالكية إذا ابتلعه عامدًا عالما مختارا منتهكا حرمة الشهر. ولا كفارة فيه عند الشافعية والحنابلة مطلقا، ولا كفارة عند الحنفية إلا إذا ابتلع ريق حبيبه لما أنه مرغوب فيه طبعا (والحديث) أخرجه أيضا البيهقى من طريق يحيى بن حسان وعفان كلاهما عن محمد ابن دينار وقال: زاد عفان "فقال له رجل سمعته من سعد؟ قال نعم"

باب كراهيته للشاب أي التقبيل

باب كراهيته للشاب وفي نسخة إسقاط لفظ باب. وفي أخرى "كراهته للشاب" وفي بعضها "من كره للشاب" أى بيان كراهة التقبيل للشاب الصائم (ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ أَنَا أَبُو أَحْمَدَ يَعْنِى الزُّبَيْرِىَّ أَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِى الْعَنْبَسِ عَنِ الأَغَرِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ, فَرَخَّصَ لَهُ. وَأَتَاهُ آخَرُ فَسَأَلَهُ فَنَهَاهُ. فَإِذَا الَّذِى رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ وَالَّذِى نَهَاهُ شَابٌّ. (ش) مناسبة الحديث للترجمة باعتبار أن المباشرة تشمل التقبيل (الرجال) (إسراءيل) ابن يونس. و (أبو العنبس) بفتح فسكون ففتح العدوى الكوفي، قيل اسمه الحارث بن عبيد ابن كعب. روى عن الأغر أبى مسلم والقاسم بن محمد وجابر بن زيد وأبي مسلم مولى أم سلمة. وعنه شعبة ومسعر وإسراءيل وأبو عوانة. ذكره ابن حبان في الثقات، وفي التقريب مقبول روى له أبو داود وابن ماجه. و (الأغر) أبو مسلم المدنى. روى عن أبي هريرة وأبي سعيد. وعنه على بن الأقمر وأبو إسحاق السبيعى وهلال بن يساف وطلحة بن مصرف وغيرهم. وثقه العجلى والبزار وذكره ابن حبان في الثقات. وفي التقريب ثقة من الثالثة. روى له مسلم والأربعة والبخارى في الأدب (المعنى) (قوله عن المباشرة للصائم) المراد بها ما عدا الجماع فتشمل القبلة والمس باليد (قوله فإذا الذى رخص له شيخ الخ) عطف على محذوف، أى فتأملنا حالها فوجدنا الذى رخص له في المباشرة شيخا والذى منعه منها شابا. وأجاب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلا منهما باعتبار حاله، إذ الغالب على الشيخ سكون الشهوة وأمن الفتنة بخلاف الشاب. ومنه يعلم أن القبلة لا تكره لذاتها وإنما تكره إذا أفضت إلى الإنزال (والحديث) من أدلة من فرق في القبلة والمباشرة بين الشيخ والشاب، فأجازها الأول دون الثانى. وعلى هذه التفرقة "يحمل ما رواه مسلم، عن عمرو بن أبي سلمة أنه سأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أيقبل الصائم؟ فقال له سل هذه لأم سلمة. فأخبرته أنّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يفعل ذلك، فقال يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر، فقال له أما والله إنى لأتقاكم لله وأخشاكم له "لأنّ حديث" عمرو بن أبى سلمة عام، وحديث الباب خاص. فيحمل العام

باب فيمن أصبح جنبا في شهر رمضان

على الخاص "ولا يعارض" حديث أبى هريرة أيضًا حديث عائشة المتقدم فى "باب القبلة للصائم" "كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقبلنى وهو صائم وأنا صائمة" وعائشة كانت شابة حينئذ "لأنه" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم من حالها أنها لا تتحرك شهوتها بالتقبيل (والحديث) أخرجه أيضا البيهقى من طريق المصنف وسنده جيد. وأخرجه ابن ماجه من طريق محمد بن خالد بن عبد الله الواسطى قال: ثنا أبى عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: رخص للكبير الصائم فى المباشرة وكره للشاب. ومحمد بن خالد ضعيف. وأخرجه أحمد والطبرانى عن ابن عمر قال: كنا عند النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجاء شاب فقال: يا رسول الله أقبل وأنا صائم؟ قال لا. قال فجاء شيخ فقال أقبل وأنا صائم؟ قال نعم. فنظر بعضنا إلى بعض، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: قد علمت لم نظر بعضكم إلى بعض. إنَّ الشيخ يملك نفسه. وفى إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف باب فيمن أصبح جنبا فى شهر رمضان وفى نسخة "باب من أصبح جنبا الخ" وفى أخرى "من أصبح الخ" بحذف لفظ باب، أى فى بيان حكم من أصبح جنبا فى رمضان. أيصح صومه أم لا؟ (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ عَنْ مَالِكٍ ح وَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الأَذْرَمِىُّ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَىِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمَا قَالَتَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ الأَذْرَمِىُّ فِى حَدِيثِهِ "فِى رَمَضَانَ" مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلاَمٍ ثُمَّ يَصُومُ. (ش) (الرجال) (عبد الله بن محمد الخ) الجزرى أبو عبد الرحمن الموصلى. روى عن وكيع وجرير بن عبد الحميد وعبد الله بن إدريس وابن علية وجماعة. وعنه أبو داود والنسائى وأبو حاتم وأبو يعلى وابن صاعد. وثقه النسائى وأبو حاتم وقال مسلمة لا بأس به، وفى التقريب ثقة من العاشرة (والأذرمى) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح الراء نسبة إلى أذرمة قرية بنصيبين و (عبد ربه بن سعيد) بت قيس تقدم ص 259 ج 6 (المعنى) (قوله يصبح جنبا الخ) وفى رواية البخارى كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم. وفى رواية للنسائى

الخلاف في صحة صيامه. استقرار الإجماع على صحته

من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: قال مروان لعبد الرحمن بن الحارث: اذهب إلى أمّ سلمة فسلها. فقالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصبح جنبا منى فيصوم ويأمرنى بالصيام (قوله قال عبد الله الأذرمى فى حديثه فى رمضان) أى زاد فى روايته على عبد الله ابن مسلمة قوله (فى رمضان) أى كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصبح جنبا فى رمضان (قوله من جماع غير احتلام) صرحت بهذا لزيادة الإيضاح، لأن الاحتلام من الشيطان وهو صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم معصوم من الشيطان، أو أنّ المراد بالاحتلام إنزال المنى بغير رؤية شئ فى المنام وهو جائز فى حق الأنبياء ولا نقص فيه. وقيدت بالجماع للرّد على من زعم أنّ من أصبح جنبا متعمدا يفطر. وإذا كان المتعمد لا يفطر فمن نسى الاغتسال أو نام عنه لا يفطر بالأولى (قال) ابن دقيق العيد. لما كان الاحتلام يأتى للمرء على غير اختياره فقد يتمسك به من يرخص لغير المتعمد الجماع. فبين فى هذا الحديث أن ذلك كان من جماع لإزالة هذا الاحتمال (قوله ثم يصوم) فيه دلالة على صحة صوم من أصبح جنبا ولا قضاء عليه. لا فرق بين أن تكون الجنابة من جماع أو غيره، وسواء أكان ذلك الصوم فرضا أم نفلا، وسواء أكان تأخير الغسل إلى ما بعد الفجر عمدا أم نسيانا. لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل ذلك لبيان الجواز. وبه قال على وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو ذر وأبو الدّرداء وابن عمر وابن عباس وعليه فقهاء الأمصار بالعراق والحجاز وأئمة الفتوى ومالك وأبو حنيفة والشافعى وأحمد والثورى والأوزاعى وغيرهم من الصحابة والتابعين. وجزم النووى بأنه استقرّ الإجماع عليه. وقال ابن دقيق العيد إنه صار ذلك إجماعا أو كالإجماع. وقال طاوس وعروة بن الزبير وإبراهيم النخعى: إنه إن أخر الغسل عن الفجر عامدا لم يصح صومه. وإلا صح. وحكى عن الحسن البصرى وإبراهيم النخعى أيضا أنه لا يجزئه الصوم فى الفرض ويجزئه فى النفل وقال ابن حزم لا يبطل صومه إلا إن طلعت عليه الشمس قبل أن يغتسل ويصلى. وروى عن سالم بن عبد الله وعطاء بن أبي رباح أنه يتم صوم ذلك اليوم ويقضيه. ولا حاجة لهم على ذلك كله وقال الفضل عن عباس وأسامة بن زيد وأبو هريرة لا يصح صوم من أصبح جنبا مطلقا. وحكى عن طاوس أيضا (واستدلوا) بما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهرى عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال سمعت أباهريرة يقول: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: من أدركه الصبح جنبا فلا صوم له. وأخرجه أحمد وابن حبان من طريق همام عن معمر يلفظ "قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إذا نودى للصلاة صلاة الصبح وأحدكم جنب فلا يصم حينئذ" (وأجابوا) عن حديث الباب وأشباهه بأن ذلك من خصوصياته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ورد بأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل ولا دليل عليها: على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد

نسخ الحديث الوارد بفساد صوم من أصبح جنبا ورجوع أبي هريرة عنه

أباح لغيره أن يصبح جنبا حال صومه كما سيذكره المصنف بعد، وكما تقدم فى رواية مالك فى الموطإ فالقول الأوّل هو الراجح لقوة أدلته وكثرتها (وحديث) أبى هريرة منسوخ بحديث عائشة وأمّ سلمة ويؤيد النسخ قوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} فإنه يقتضى إباحة الوطء فى كل الليل ومن جملته الوقت المقارن لطلوع الفجر. ومن ضرورة من جامع فيه أن يصبح جنبا ويؤيده أيضا رجوع أبي هريرة عن هذا الحديث كما رواه مسلم والبيهقى من طريق ابن جريج قال أخبرنى عبد الملك ابن أبى بكر بن عبد الرحمن عن أبى بكر قال: سمعت أباهريرة يقص فى قصصه "من أدركه الفجر جنبا فلا يصم" قال فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن الحارث فأنكر ذلك فانطلق عبد الرحمن وانطلقت معه حتى دخلنا على عائشة وأمّ سلمة فسألها عبد الرحمن عن ذلك فكلتاهما قالت: كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصبح جنبا من غير حلم ثم يصوم. قال فانطلقنا حتى دخلنا على مروان فذكر ذلك له عبد الرحمن فقال مروان: عزمت عليك إلا ما ذهبت إلى أبى هريرة فرددت عليه ما يقول. قال فجئنا أباهريرة وأبو بكر حاضر ذلك كله فذكر له عبد الرحمن فقال أبو هريرة: أهما قالتاه لك؟ قال نعم. قال هما أعلم. ثم رد أبو هريرة ما كان يقول فى ذلك إلى الفضل بن عباس فقال أبو هريرة سمعت ذلك من الفضل ولم أسمعه من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فرجع أبو هريرة عما كان يقول فى ذلك. وأخرجه مالك وكذا البيهقى والطحاوى بأتم من هذا قال: ثنا يونس أنا ابن وهب أنّ مالكا أخبره عن سمى مولى أبى بكر أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن يقول: كنت أنا وأبى عند مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فذكر له أن أباهريرة رضى الله عنه كان يقول: من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم. فقال مروان: أقسمت عليك لتذهبن إلى أم المؤمنين عائشة رضى الله تعالى عنها وأم سلمة رضى الله تعالى عنها فتسألهما عن ذلك. قال فذهب عبد الرحمن وذهبت معه حتى دخلنا على عائشة فسلم عليها عبد الرحمن ثم قال: يا أم المؤمنين إنا كنا عند مروان فذكر له أن أباهريرة كان يقول: من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم. فقالت عائشة بئس ما قال أبو هريرة. يا عبد الرحمن أترغب عما كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعل؟ فقال لا والله. قالت فأشهد على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم، قال ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة فسألها عن ذلك فقالت كما قالت عائشة فخرجنا حتى جئنا إلى مروان فذكر له عبد الرحمن ما قالتا، فقال مروان أقسمت عليك يا أبا محمد لتركبن دابتى فإنها بالباب فلتذهبن إلى أبى هريرة فإنه بأرضه بالعقيق فلتخبرنه بذلك، فركب عبد الرحمن وركبت معه حتى أتينا أباهريرة فتحدث معه عبد الرحمن ساعة، ثم ذكر ذلك له فقال أبو هريرة: لا علم لى بذلك إنما أخبرنيه مخبر اهـ وعلى فرض أنه ليس بمنسوخ فحديث عائشة وأم سلمة أرجح منه، لأنه رواية اثنين وحديث أبى هريرة

رواية واحد، ولا سيما وهما زوجتاه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فهما بأحواله وروايتهما موافقة لآية {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} وموافقة للمعقول، فإن الغسل وجب بالإنزال وليس في فعله شئ يحرم على الصائم فإنه قد يحتلم بالنهار ولا يفسد صومه إجماعا وعلى فرض أنهما متساويان فيحمل حديث أبي هريرة على أنه إرشاد إلى الأفضل. فإنّ الأفضل أن يغتسل الجنب قبل الفجر وحديث عائشة وأم سلمة لبيان الجواز (والحديث) أخرجه أيضا مالك فى الموطإ والبخارى والدارمى والنسائى والطحاوى. وفى بعض النسخ زيادة. قال ابو داود: وما أقل من يقول هذه الكلمة "يعنى يصبح جنبا فى رمضان" وإنما الحديث "أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلن يصبح جنبا وهو صائم" والمراد أن رواة الحديث لم يذكروا فى روايتهم لفظ فى رمضان إلا القليل منهم: عبد الله الأذرمى عند المصنف، وكذا أخرجه مسلم من طريق مالك عن عبد ربه بن سعيد عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن عائشة وأمّ سلمة بلفظ: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليصبح جنبا من جماع غير احتلام فى رمضان ثم يصوم. وأخرجه من طريق يونس عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن عن عائشة، وفيه كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدركه الفجر فى رمضان وهو جنب (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ يَعْنِى الْقَعْنَبِىَّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ الأَنْصَارِىِّ عَنْ أَبِى يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَا أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ فَأَغْتَسِلُ وَأَصُومُ. فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلَنَا قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّى لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّبِعُ.

الخلاف في حكم الاقتداء بفعل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(ش) (الرجال) (عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر) بن حزم بن زيد الأنصارى النجارى أبو طوالة بضم أوله. روى عن أنس وسعيد بن يسار وعطاء بن يسار والزهرى وغيرهم. وعنه مالك ويحيى بن سعيد الأنصارى والأوزاعى وزائدة وفليح بن سليمان وجماعة. وثقه أحمد وابن معين والترمذى والنسائى وابن حبان والدارقطنى. توفى سنة أربع وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (المعنى) (قوله وهو واقف على الباب) أى والحال أن الرجل السائل واقف على الباب. وفى رواية مسلم أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يستفتيه وهى تسمع من وراء الباب (قوله وأنا أصبح جنبا الخ) أجابه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالفعل لأنه أبلغ من القول، لكن اعتقد الرجل أن ذلك من خصائصه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأن الله تعالى يحل لرسوله ما شاء فقال يا رسول الله: إنك لست مثلنا، فقد حيل بينك وبين الذنب، فلا يقع منك ذنب لأنك معصوم. فغضب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لاعتقاد السائل الخصوصية. وفى إجابته له بما ذكر دليل على عدم الاختصاص، وقد قال الله تعالى {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (قوله والله إنى لأرجو أن أكون أخشاكم لله الخ) خشيته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خشية مهابة وإجلال لا خشية توقع مكروه لأنه معصوم. فلا يقال كيف يكون أخوف من غيره مع أنه مأمون من العذاب. وكونه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخشى لله وأعلم بما يتبع متحقق قطعا. فاستعماله الرجاء من جملة الخشية وقوله وأعلمكم بما أتبع أى بما أعمل من أنواع العبادة وفى رواية مسلم والبيهقى بما أتقى (قال) القاضى عياض فى الحديث وجوب الاقتداء بأفعاله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والوقوف عندها إلا ما قام الدليل على اختصاصه به. وهو قول مالك وأكثر أصحابنا البغداديين وأكثر أصحاب الشافعى وقال معظم الشافعية إنه مندوب. وحملته طائفة على الإباحة "يعنى إن لم يرد ما يفيد وجوب الاتباع". وقيد بعض أهل الأصول وجوب اتباعه بما كان من أفعاله الدينية فى محل القربة (وفيه) دلالة على صحة صوم من أصبح جنبا. وعلى جواز الغضب عند الحاجة إليه (والحديث) أخرجه أيضا مالك وأحمد ومسلم والنسائى وابن خزيمة والطحاوى والبيهقى باب كفارة من أتى أهله فى رمضان أي جامع زوجته فى رمضان (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْمَعْنَى قَالاَ نَا سُفْيَانُ قَالَ مُسَدَّدٌ قَالَ نَا الزُّهْرِىُّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ

وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلَكْتُ قَالَ: ومَا شَأْنُكَ؟ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِى فِى رَمَضَانَ. قَالَ فَهَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ لاَ. قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ لاَ. قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ لاَ. قَالَ اجْلِسْ. فَأُتِىَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ, فَقَالَ تَصَدَّقْ بِهِ. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرَ مِنَّا. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ. قَالَ فَأَطْعِمْهُ إِيَّاهُمْ. وَقَالَ مُسَدَّدٌ فِى مَوْضِعٍ آخَرَ أَنْيَابُهُ. (ش) (سفيان) بن عيينة (قوله قال مسدّد قال الزهرى) أى قال مسدّد قال سفيان حدّثنا الزهرى بصيغة التحديث. ولعله يشير به إلى أنّ سفيان روى عن الزهرى بالعنعنة فى رواية محمد بن عيسى، وبالتحديث فى رواية مسدّد (قوله أتى رجل إلى النبى) قيل اسمه سلمان أو سلمة بن صخر البياضى. وردّه الحافظ فى الفتح قال: لم أقف على تسميته، إلا أنّ عبد الغنى فى المبهمات وابن بشكوال جزما بأنه سلمان أو سلمة بن صخر. واستندا إلى ما أخرجه ابن أبى شيبة وغيره من طريق سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر أنه ظاهر من امرأته فى رمضان، وأنه وطئها فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: حرر رقبة (الحديث) والظاهر أنهما واقعتان. فإن فى قصة المجامع فى حديث الباب أنه كان صائما كما سيأتى. وفى قصة سلمة بن صخر أن ذلك كان ليلا فافترقا "ولا يلزم" من اجتماعهما فى كونهما من بنى بياضة، وفى صفة الكفارة وكونها مرتبة، وفى كون كل منهما كان لا يقدر على شئ من خصالها "اتحاد القصتين" وأخرج ابن عبد البر فى ترجمة عطاء الخراسانى من التمهيد من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن سعيد بن المسيب "أن الرجل" الذى وقع على امرأته فى رمضان فى عهد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "هو سلمان" ابن صخر. قال ابن عبد البر. أظنّ هذا وهما لأن المحفوظ أنه ظاهر من امرأته ووقع عليها فى الليل، لا أن ذلك كان منه بالنهار اهـ ويحتمل أن يكون قوله فى الرواية المذكورة "وقع على امرأته فى رمضان" أى ليلا بعد أن ظاهر فلا يكون وهما، ولا يلزم الاتحاد، ووقع فى مباحث العام من شرح ابن الحاجب ما يوهم أن هذا الرجل هو أبو بردة بن يسار. وهو وهم يظهر من تأمّل بقية كلامه اهـ كلام الحافظ (قوله هلكت) أى وقعت فى العصيان الموجب للهلاك، فجعل المتوقع كالواقع وبالغ فعبر عنه بلفظ الماضى مجازا، وفى رواية ابن أبى حفصة عند البخارى "ما أرانى

هل يجوز عتق رقبة كافرة في كفارة الفطر في رمضان؟

إلا قد هلكت" وعند الدارقطنى "هلكت وأهلكت" أى هلكت بارتكاب الذنب، وأهلكت امرأتى بإيقاعها فى محظور (قوله قال وما شأنك) وفى نسخة فقال ما شأنك؟ وفى رواية للبخارى "ويحك ما شأنك؟ " وفى أخرى "ما الذى أهلكك؟ "، وفى ثالثة "ويحك ما صنعت؟ " (قوله وقعت على امرأتى الخ) أى وطئتها فى نهار رمضان كما فى حديث عائشة عند البخارى. وفى مرسل سعيد ابن المسيب عند سعيد بن منصور "أصبت امرأتى ظهرا فى رمضان" (قوله فهل تجد ما تعتق رقبة) أى فهل عندك الذى أو شئ تعتق به رقبة؟ . فما موصولة أو نكرة موصوفة. وفى رواية للبخارى "هل تجد رقبة تعتقها؟ " وفى رواية له أيضا "أتستطيع أن تعتق رقبة؟ " وزاد البخارى فى رواية مجاهد عن أبى هريرة "بئسما صنعت أعتق رقبة" (قوله قال لا) أى قال الرجل لا أجد رقبة أعتقها وفى رواية للبخارى "فقال لا والله يا رسول الله" وفى حديث ابن عمر "والذى بعثك بالحق ما ملكت رقبة قط" "وظاهر إطلاق الرقبة" فى الحديث "يدل" على جواز عتق المسلمة والكافرة والذكر والأنثى والصغير والكبير. وبه قالت الحنفية: وذهب الجمهور إلى أنها لا تجزئ إلا المؤمنة حملا للمطلق فى حديث الباب وأشباهه على المقيد فى آية كفارة القتل، فإنّ الرّقبة فيها مقيدة بالمؤمنة (قوله فهل تستطيع أن تصوم شهرين الخ) أى هل تقدر أن تصوم شهرين؟ يعنى هلالين إن وافق أوّل صيامه أوّلهما، وإلا كمل الأوّل من الثالث ثلاثين (قوله متتابعين الخ) أى متواليين. وفى رواية للبخارى فقال لا أقدر. وفى رواية ابن إسحاق عنده "وهل لقيت ما لقيت إلا من الصيام؟ " يعنى ما وقعت فى هذه المعصية إلا بسبب الصيام. وخاف أن تتغلب عليه الشهوة فيقع ثانيا فيما وقع فيه أوّلا (قال الحافظ) قال ابن دقيق العيد لا إشكال فى الانتقال عن الصوم إلى الإطعام. لكن رواية ابن إسحاق هذه اقتضت أن عدم استطاعته لشدّة شَبَقِهِ وعدم صبره عن الوقاع؛ فنشأ للشافعية نظر هل يكون ذلك عذرا أى شدّة الشبق حتى يبعد صاحبه غير مستطيع للصوم أو لا؟ والصحيح عندهم اعتبار ذلك. ويلتحق به من يجد رقبة لا غنى به عنها، فإنه يسوغ له الانتقال إلى الصوم مع وجودها لكونه فى حكم غير الواجب اهـ (والحديث) يدلّ على اشتراط التتابع فى صيام كفارة رمضان. وهو مذهب العلماء كافة إلا ابن أبى ليلى فلا يشترط التتابع. والحديث حجة عليه. واشترط الجمهور ألا يكون فى الشهرين شهر رمضان. وأن لا يكون فيهما أيام نهى عن صومها كيومى الفطر والأضحى وأيام التشريق (قوله فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا) وفى رواية البخارى فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ وفى رواية له فأطعم ستين مسكينا (وظاهر هذه الأحاديث) أنه لا بد من هذا العدد ولا يكفى ما دونه. وإلى هذا ذهب الجمهور. وقالت الحنفية لو أطعم مسكينا واحدا فى ستين يوما كفاه، لأنّ المراد سدّ خلة المحتاج، والحاجة تتجدّد بتجدّد الأيام، فكان فى اليوم الثانى كمسكين آخر حتى لو أعطى مسكينا واحدا الطعام كله فى يوم واحد لا يصح إلا عن

المذاهب في قدر الطعام الذي يعطى لكل مسكين في كفارة الفطر في رمضان

يومه ذلك، لأن الواجب عليه التفريق ولم يوجد. وهذا خلاف ظاهر الأحاديث (فالراجح) ما ذهب إليه الجمهور (قال ابن دقيق العيد) أضاف الإطعام الذى هو مصدر أطعم إلى ستين فلا يكون ذلك موجودا فى حق من أطعم ستة مساكين عشرة أيام مثلا. ومن أجاز ذلك مكانه استنبط من النص معنى يعود عليه بالإبطال. والمشهور عن الحنفية الإجزاء حتى لو أطعم الجميع مسكينا واحدا فى ستين يوما كفى. والمراد بالإطعام الإعطاء لا اشتراط حقيقة الإطعام من وضع المطعوم فى الفم بل يكفى الوضع بين يديه بلا خلاف. وفى إطلاق الإطعام ما يدل على الاكتفاء بوجود الإطعام من غير اشتراط مناولة، بخلاف زكاة الفرض؛ فإنّ فيها النص على الايتاء وصدقة الفطر؛ فإنّ فيها النص على الأداء. وفى ذكر الإطعام ما يدل على وجود طاعمين، فيخرج الطفل الذى لم يطعم كقول الحنفية. ونظر الشافعى إلى النوع فقال يسلم لوليه. وذكر الستين ليفهم أنه لا يجب ما زاد عليها. ومن لم يقل بالمفهوم تمسك بالإجماع على ذلك قاله الحافظ (واختلف) فى القدر الذى يعطى لكل مسكين من الطعام (فذهبت المالكية والشافعية) إلى أنه مدّ. وتقدّم أنه رطل وثلث عندهم من غالب قوت البلد لا فرق بين البر وغيره، لقوله فى حديث أبى هريرة الآتى بعد حديثين "أتى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعرق فيه تمر. قدر خمسة عشر صاعا" وتقدّم أنّ الصاع أربعة أمداد. ولما رواه الدارقطنى والبيهقى من رواية سفيان عن منصور عن الزّهرى عن حميد عن أبى هريرة وفيه "فأتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر" ولما رواه الدارقطنى أيضا من رواية روح عن محمد بن أبى حفصة عن الزهرى عن حميد وفيه "أتى بزنبيل وهو المكتل فيه خمسة عشر صاعا أحسبه تمرا" (وذهب أحمد) إلى أنّ الواجب لكل مسكين مد من بر، أو نصف صاع من تمر أو شعير؛ لما رواه بسنده عن أبى زيد المدنى قال: جاءت امرأة من بنى بياضة بنصف وسق شعير. فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للمظاهر أطعم هذا، فإنّ مدى شعير مكان مدّبّر. قال أصحاب أحمد ولأنّ فدية الأذى نصف صاع من التمر والشعير بلا خلاف فكذاهنا. والمدّ من البرّ يقوم مقام نصف صاع من غيره بدليل الحديث المتقدّم. قالوا ولأنه قول ابن عمر وابن عباس وأبى هريرة وزيد، ولا مخالف لهم فى الصحابة. ويجزئ الدّقيق والسويق. وإن غدى المساكين أو عشاهم لم يجزئه فى أظهر الروايتين، لأنه قدره ما يجزئ فى الدفع بمدّ من البر أو نصف صاع من غيره، وإذا أطعمهم لا يعلم أنّ كل مسكين استوفى ما يجب له (وذهبت الحنفية) إلى أنّ الواجب لكل مسكين ما يجب فى الفطرة وهو نصف صاع من برّ أو صاع من تمر أو شعير أو قيمة ذلك، لما روى الدّارقطنى عن ابن عباس "يطعم كل يوم مسكينا نصف صاع من برّ" ولما سيأتى للمصنف فى "باب فى الظهار" عن سلمة بن صخر وفيه أنّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال له "فأطعم وسقا من

حكمة جعل كفارة الفطر في رمضان العتق وأخويه

تمر بين ستين مسكينا" ولما روى أحمد أنّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لأوس "فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر" وتقدّم أنّ الوسق ستون صاعا (وذكر) صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذه الخصال الثلاثة، لاشتمالها على حق الله وهو الصوم، وحق الأرقاء وهو العتق، وحق الأحرار وهو الإطعام (والحكمة فيها) أنّ من انتهك حرمة الصوم بالجماع فقد أهلك نفسه بالمعصية، فناسب أن يفدى نفسه: إمّا بعتق رقبة لحديث "من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله له بكل عضو منها عضوا منه من النار حتى فرجه بفرجه" أخرجه البخارى ومسلم. وإمّا بالصوم لأنّ فيه مقابلة بجنس الجناية، وكان شهرين؛ لأنه لما أفسد يوما كان كمن أفسد الشهر كله؛ لأنه كعبادة واحدة فكلف بشهرين على سبيل المضاعفة زجرا له، وإمّا بالإطعام لأنّ فيه مقابلة كل يوم من الستين بإطعام مسكين (قوله اجلس) أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالجلوس لاحتمال انتظار ما يوحى إليه فى شأنه، أو لاحتمال أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عرف أنه سيؤتى بشئ يعينه به (قوله فأتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعرق الخ) بالبناء للمجهول عند أكثر المحدّثين. والآتى بالعرق لم يسم. ووقع فى رواية البخارى عن معمر فى الكفارات فجاء رجل من الأنصار. "وما عند الدارقطنى" من طريق داود بن أبى هند عن سعيد ابن المسيب مرسلا فأتى رجل من ثقيف "يحمل" على أن الثقفى كان حليفا للأنصار وإلا فترجح رواية البخارى. والعرق بفتح العين المهملة والراء وقيل بإسكانها، المكتل الضخم سمى عرقا لأنه يضفر عرقة عرقة. والعرقة بفتحتين الضفيرة من الخوص وجمعها عرق كعلقة وعلق. وجاء فى رواية للبخارى "فأتى بزنبيل وهو المكتل" وهو (المقطف الكبير) فى عرف العامة وفى رواية لمسلم عن عائشة "فجاءه عرقان فيهما طعام" والمشهور فى غيرها من الروايات عرق بالإفراد ورجحه البيهقى (قال فى الفتح) وجمع غير البيهقى بينهما بأنّ الواقعة متعدّدة. وهو جمع لا نرضاه لاتحاد مخرج الحديث. والأصل عدم التعدّد. والذى يظهر أنّ التمر كان قدر عرق لكنه كان فى عرقين فى حال التحميل على الدابة ليكون أسهل فى الحمل، فيحتمل أنّ الآتى به لما وصل أفرغ أحدهما فى الآخر. فمن قال عرقان أراد ابتداء الحال. ومن قال عرق أراد ما آل إليه اهـ (قوله فقال تصدّق به) أى ملكتك إياه فتصدّق به. ففيه تمليك ضمنى وفى رواية للبخارى "قال فأين السائل؟ فقال أنا. قال خذ هذا فتصدّق به" وفى رواية له "فتصدّق به عن نفسك" (قوله ما بين لابتيها أهل بيت الخ) اللابتان بالباء الموحدة تثنية لابة وهى الحرّة. والحرّة أرض ذات حجارة سود. وهاتان اللابتان يكتنفان المدينة. وأهل مرفوع اسم ما النافية وأفقر خبرها منصوب. ويصح رفعه على لغة تميم. وفى رواية للبخارى فى الأدب "والذى نفسى بيده ما بين طنبى المدينة" بضم الطاء المهملة تثنية طنب. وهو أحد أطناب الخيمة. أراد به الطرف. وفى رواية للبخارى

الخلاف فيما يلزم من جامع عامدا أو ناسيا في نهار رمضان

"ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتى" وفى أخرى له "ما أحد أحق به من أهلى، ما أحد أحوج إليه منى" وفى أخرى له "والله ما لعيالى من طعام" وفى حديث ابن خزيمة عن عائشة "ما لنا عشاء ليلة" ومراد الرجل بذلك أنه لم يكن فى المدينة أحوج منه، وكأنه فهم الإذن له بالتصدّق على من يتصف بالفقر كما صرح بذلك فى رواية البزار والطبرانى فى الأوسط عن ابن عمر وفيها: إلى من أدفعه؟ فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى أفقر من تعلم (قوله فضحك رسول الله) الضحك ما فوق التبسم. وقد ورد أنّ ضحكه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان تبسما فى غالب أحواله. وسبب ضحكه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما رآه من تباين حال الرجل حيث جاء هالكا محترقا خائفا على نفسه راغبا فى فدائها، فلما وجد الرخصة طمع أن يأكل ما أعطيه فى الكفارة، ويحتمل أنّ ضحكه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ناشئ من حال الرجل فى مقاطع كلامه وحسن تأنيه وتلطفه فى الخطاب وحسن توسله فى توصله إلى مقصوده (قوله حتى بدت ثناياه) لعلّ الصواب أنيابه كما فى رواية البخارى ورواية مسدد المشار إليها فى آخر الحديث، فإن الثنايا تظهر عند التبسم غالبا، والمتبادر من السياق إرادة الزيادة على التبسم. والثنايا جمع ثنية وهى أربع فى مقدم الفم: ثنتان من أعلى وثنتان من أسفل (قوله قال فأطعمه إياهم) وفى رواية البخارى أطعمه أهلك. وللبخارى أيضا من رواية ابن إسحاق خذها وكلها وأنفقها على عيالك (وفى الحديث دلالة) على وجوب الكفارة على من جامع فى نهار رمضان عامدا. وهو قول عامة العلماء إلا ما حكى عن الشعبى وسعيد بن جبير والنخعى وقتادة، فإنهم قالوا عليه القضاء ولا كفارة. لكن حديث الباب وأشباهه حجة عليهم. قال الخطابى: يشبه أن يكون حديث أبى هريرة لم يبلغهم اهـ والدليل على أنه كان عامدا قوله فى حديث الباب هلكت (وأما المجامع ناسيا) فلا يفطر ولا كفارة عليه. وهو قول الجمهور ومشهور قولى مالك لمفهوم حديث الباب. ولأنّ الجماع نسيانا فى معنى الأكل والشرب نسيانا. ولا كفارة فيهما كما سيأتى بيانه فى بابه إن شاء الله تعالى. وقال أحمد يفطر وعليه الكفارة. وقال عطاء والأوزاعى وربيعة والثورى يجب القضاء ولا كفارة عليه. واختلف قول أصحاب مالك فيه. فقال نافع وابن الماجشون عليه الكفارة. وقال غيرهما لا كفارة عليه (وأجمعوا على) أنّ من وطئ فى رمضان ثم وطئ فى يوم آخر أنّ عليه كفارة أخرى إن كفر اليوم الأول، وإلا ففيه خلاف: فقال أبو حنيفة عليه كفارة واحدة. وقال مالك والشافعى وأحمد عليه كفارتان (وأجمعوا) أيضا على أنّ من جامع ثانيا فى يوم واحد قبل التكفير عن الأول يلزمه كفارة واحدة. وإن كفر عن الأول ثم جامع فقال أحمد عليه كفارة ثانية. وقال أبو حنيفة ومالك والشافعى لا كفارة عليه (وظاهر الحديث) أنّ الكفارة تكون بأحد الخصال الثلاثة على الترتيب لأنّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

الخلاف في لزوم الترتيب في خصال كفارة الفطر في رمضان وفي أنها تلزم المرأة

ما نقله من أمر إلا بعد عجزه عنه، وليس هذا شأن التخيير، ولأنه عطف بعض الجمل على بعض بالفاء التى للترتيب والتعقيب. قال البيضاوى: إنّ ترتيب الثانى على الأول والثالث على الثانى بالفاء يدل عل عدم التخيير مع كونها فى معرض البيان. وجواب السؤال منزل منزلة الشرط (وإلى وجوب الترتيب) ذهب أبو حنيفة والشافعى وابن حبيب من المالكية. وهو مشهور مذهب أحمد وذهب مالك وأصحابه الى أنها واجبة على التخيير مستدلين بما رواه مالك فى موطئه بسنده إلى أبى هريرة "أنّ رجلا أفطر فى رمضان فأمره رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يكفر بعتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا" وسيأتى للمصنف بعد حديث فإنه عبر فيه بأو المفيدة للتخيير. قالوا وهذا الحديث يدل على أنّ الترتيب المذكور فى غيره من الأحاديث ليس مرادا، ولأنه اقتصر على الإطعام فى حديث عائشة الآتى آخر الباب ونقل الخطابى عن مالك أنه قال: الإطعام أحب إلىّ من العتق اهـ والتخيير المذكور رواية عن أحمد. وذهب ابن أبى ليلى وابن جرير إلى أنه مخير بين العتق والصيام. قالا ولا سبيل إلى الإطعام إلا بعد العجز عنهما (وظاهر الحديث) أيضا أنّ الكفارة واجبة على الرجل فقط دون المرأة، وبه قال الأوزاعى والحسن وهو الأصح من قولى الشافعى. واستدلوا على ذلك بإفراده فى الحديث فى قوله خذ هذا وتصدّق به، وبقوله فى المراجعة هل تستطيع هل تجد؟ وبسكوته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن إعلام المرأة بوجوب الكفارة عليها مع الحاجة "وفيه" أنه لا حاجة تدعو إلى بيان حكم الكفارة فى حق المرأة لأنها لم تعترف ولم تسأل واعتراف الزوج عليها لا يوجب عليها حكما ما لم تعترف، وأنها واقعة حال، فالسكوت عنها لا يدل على الحكم لاحتمال أن تكون المرأة غير صائمة لعذر من الأعذار بأن كانت مريضة أو مسافرة أو صغيرة أو مجنونة أو طهرت من حيضها فى أثناء النهار. وأنّ التنصيص على الحكم فى حق بعض المكلفين كاف عن ذكره فى حق الباقين (قال الخطابى) وقال الشافعى يجزئهما كفارة واحدة وهى على الرجل دونها. وقال الأوزاعى: إن كانت الكفارة بالصيام كان على كل واحد منهما صوم شهرين واحتجوا بأن قول الرجل أصبت أهلى سؤال عن حكمه وحكمها، لأن الإصابة معناها أنه واقعها وجامعها "وإذا كان هذا قد حصل منهما" ثم أجاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن المسألة فأوجب فيها كفارة واحدة على الرجل، ولم يعرض لها بذكر "دل على أنه لا شئ عليها" وأنها مجزئة فى الأمرين معا، ألا ترى أنه بعث أنيسا إلى المرأة التى رميت بالزنى وقال: إن اعترفت فارجمها، فلم يهمل حكمها لغيبتها عن حضرته، فدل على أنه لو رأى عليها كفارة لألزمها ذلك ولم يسكت عنها (قلت) وهذا غير لازم، وذلك أن هذا حكاية حال لا عموم لها، وقد يمكن أن تكون المرأة مفطرة بعذر من مرض أو سفر أو تكون مكرهة أو ناسية لصومها أو نحو

الخلاف في أن كفارة الفطر في رمضان هل تسقط بالإعسار؟

ذلك من الأمور. وإذا كان كذلك لم يكن ما ذكروه حجة يلزم الحكم بها. واحتجوا أيضا فى هذا بحرف لا أزال أسمعهم يروونه فى هذا الحديث وهو قوله هلكت وأهلكت. قالوا فدل قوله وأهلكت على مشاركة المرأة إياه فى الجناية لأنّ الإهلاك يقتضي الهلاك ضرورة كما أن القطع يقتضى الانقطاع. قلت وهذه اللفظة غير موجودة فى شئ من رواية هذا الحديث. وأصحاب سفيان لم يرووها عنه. وإنما ذكروا قوله هلكت حسب. غير أنّ بعض أصحابنا حدثنى أنّ المعلى ابن منصور روى هذا الحديث عن سفيان فذكر هذا الحرف فيه. وهو غير محفوظ. والمعلى ليس بذاك فى الحفظ والإتقان اهـ أقول وقد تقدم عند الدارقطنى "هلكت وأهلكت" (وذهبت المالكية) إلى أنّ الكفارة تلزم المرأة إن كانت مختارة: وإن كانت مكرهة فكفارتها على زوجها. وأما الأمة فكفارتها على سيدها مطلقا مختارة كانت أو مكرهة متى كانت بالغة عاقلة (وذهبت الحنابلة والحنفية) إلى أنّ المرأة إن كانت مكرهة على الوطء فلا كفارة عليها. وإن كانت مختارة لزمتها عند الحنفية. وعند الحنابلة قولان قيل تلزمها الكفارة، لأنهاهتكت حرمة رمضان بالجماع، وقيل لا تلزمها، لأنّ أحمد سئل عن رجل أتى أهله فى رمضان أعليها كفارة؟ فقال ما سمعنا أن على امرأة كفارة (وذهب الجمهور) إلى أنّ الكفارة لا تسقط بالإعسار بل تستقر فى ذمة من وجبت عليه حتى يتمكن من أدائها قياسا على سائر الديون والحقوق "ولأنّ المجامع" فى حديث الباب بعد أن أخبر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأنه عاجز عن الخصال الثلاث ثم أتى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعرق التمر "أمره" بإخراجه فى الكفارة، فلو كانت تسقط بالعجز لم يكن عليه شئ ولم يأمره بإخراجه، فدل هذا على ثبوتها فى ذمته. وإنما أذن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم له فى إطعام عياله لأنه كان محتاجا ومضطرا إلى الإنفاق على عياله فى الحال. والكفارة على التراخى فأذن له فى أكله وإطعام عياله صدقة منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقيت الكفارة فى ذمته. (وقال عيسى بن دينار) من المالكية إنّ الكفارة تسقط بالإعسار لما تقرّر من أنها لا تصرف عل نفس المكفر ولا عياله. ولم يبين له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم استقرارها فى ذمته إلى حين يساره. وهو أحد قولى الشافعى. واستدل له بما رواه الدارقطنى عن على بن أبى طالب أنّ رجلا أتى إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله هلكت. فقال وما أهلكك؟ قال أتيت أهلى فى رمضان. قال هل تجد رقبة؟ قال لا. قال فصم شهرين متتابعين. قال لا أطيق الصيام قال فأطعم ستين مسكينا لكل مسكين مدّ. قال ما أجد. فأمر له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بخمسة عشر صاعا. قال: أطعمه ستين مسكينا. قال والذى بعثك بالحق ما بالمدينة أهل بيت أحوج منا. قال فانطلق فكله أنت وعيالك فقد كفر الله عنك ففيه الدلالة على عدم استقرارها فى ذمته. وذهب به بعضهم إلى أن ما أكله الرجل وعياله هو كفارة له. ورخص له صلى الله تعالى

مذهب الزهرى أن الطعام الذى أعطاه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لمن جامع في رمضان كفارة عنه خاصة

عليه وعلى آله وسلم فى ذلك خصوصية له. لكن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل ولا دليل (الفقه) دل الحديث على جواز استعمال الكناية فيما يستقبح ذكره بلفظه. وعلى وجوب الكفارة بالجماع فى نهار رمضان. وعلى أنه ينبغى الندم على ارتكاب المعصية والخوف من عقابها وعلى أنّ الكفارة على الترتيب بين الخصال الثلاث. وعلى أنه ينبغى إعانة المعسر بالكفارة. وعلى أنه ينبغى لذوى القدرة تخليص المسلم مما وقع فيه من الشدّة. وعلى أنّ الكفارة لا تجب على من فعل سببها إلا عند القدرة. وعلى أنّ الهبة والصدقة لايحتاج فيهما إلى القبول باللفظ بل القبض كاف. وعلى أنّ الشخص يصدق فى دعواه الفقر ولا يكلف بينة. وعلى الرفق بالمتعلم والتلطف به. وعلى جواز المبالغة فى الضحك. وعلى عدم عقوبة وتعذير من جاء مستفتيا فيما لا حدّ فيه حيث لم يعاقب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الأعرابى على هتك حرمة شهر الصيام لأنّ مجيئه مستفتيا فيه ظهور توبته وإقلاعه عن الذنب. ولأنه لو عوقب كل من جاء مستفتيا عن ذنبه لم يستفت أحد غالبا مخافة العقوبة (والحديث) أخرجه أيضا أحمد ومالك والبخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والبيهقى والترمذى وقال حديث حسن صحيح. وأخرج الدّارمى نحوه (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ بِهَذَا الْحَدِيثِ بِمَعْنَاهُ. زَادَ الزُّهْرِىُّ: وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا رُخْصَةً لَهُ خَاصَّةً, فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً فَعَلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنَ التَّكْفِيرِ. (ش) (قوله بهذا الحديث بمعناه) أى حدّث معمر بن راشد عن الزهرى نحو ما حدّث به سفيان بن عيينة عنه موافقا له فى معناه (وهذه الرواية) أخرجها مسلم بدون زيادة الزهرى. وأخرجها البيهقى بسنده إلى عبد الرزاق قال: أنبأ معمر عن الزهرى عن حميد بن عبد الرحمن عن أبى هريرة أنّ رجلا أتى النبى صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله هلكت. قال وما ذاك؟ قال أصبت أهلى فى رمضان. قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم أتجد رقبة؟ قال لا يا رسول الله. قال أفتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال لا يا رسول الله. قال أفتستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟ قال لا أجده قال فأتى النبى صلى الله عليه وآله وسلم بعرق فيه تمر. قال اذهب فتصدّق بهذا. فقال على أفقر منى والذى بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا. قال فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: اذهب به إلى أهلك. قال الزهرى إنما كان هذا. رخصة الرجل وحده، ولو أنّ رجلا أصاب أهله فى رمضان اليوم لم يكن له إلا أنّ يكفر اهـ (قوله زاد الزهرى وإنما كان هذا رخصة له الخ) وفى نسخة "زاد قال الزهرى وإنما كان الخ" يعنى أنّ أمر النبى صلى الله تعالى

روايات أخر لحديث الكفارة على من جامع متعمدا في رمضان

عليه وعلى آله وسلم هذا الرجل أن يأكل الطعام الذى أخذه على أن يكون كفارة عن نفسه، "خاص به" ورخصة له لا يتعدّاه إلى غيره، ولو فعل رجل مثل هذا الفعل وجب عليه الكفارة ولا محالة منها. لكن قد علمت أنه لا دليل على هذه الخصوصية، وأنّ ما أخذه صدقة عليه وعلى أولاده. وبقيت الكفارة فى ذمته (قال الخطابى) وهذا من الزهرى دعوى لم يحضر عليها برهانا ولا ذكر فيها شاهدا. وقال غيره هذا منسوخ ولم يذكر فى نسخه خبرا يعلم به صحة قوله. وأحسن ما سمعت فيه قول أبى يعقوب البويطى: هذا رجل وجبت عليه الرقبة فلم يكن عنده ما يشترى به رقبة، فقيل له صم فلم يطق الصوم، فقيل له أطعم ستين مسكينا فلم يجد ما يطعم، فأمر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بطعام ليتصدّق به فأخبر أنه ليس بالمدينة أحوج منه. وقد قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" فلم ير له أن يتصدّق على غيره ويترك نفسه وعياله، فلما نقص من ذلك بقدر ما أطعم أهله قوت يومهم صار طعاما لا يكفى ستين مسكينا، فسقطت عنه الكفارة فى ذلك الوقت، وصارت فى ذمّته إلى أن يجدها وليس فى الحديث أنه قال لا كفارة عليك اهـ ببعض تصرف (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالأَوْزَاعِىُّ وَمَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ وَعِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى مَعْنَى ابْنِ عُيَيْنَةَ. زَادَ فِيهِ الْأَوْزَاعِىُّ "وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ". (ش) أشار بهذا إلى طرق أخرى عن الزهرى لحديث أبى هريرة بدون زيادة معمر عن الزهرى (وحديث) الليث بن سعد أخرجه مسلم عن قتيبة عن الليث عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبى هريرة أن رجلا وقع بامرأته فى رمضان، فاستفتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، فقال هل تجد رقبة؟ قال لا. قال فهل تستطيع صيام شهرين؟ قال لا. قال فأطعم ستين مسكينا. وأخرجه الطحاوى بسنده إلى الليث حدّثنى عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبى هريرة (الحديث) لكنه خالف مسلما فى السند كما ترى فزاد عبد الرحمن بن خالد بين الليث والزهرى (وحديث الأوزاعى) أخرجه البيهقى والدارقطنى من طريق الوليد بن مسلم قال ثنا الأوزاعى عن الزهرى وفيه فأتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعرق في تمر خمسة عشر صاعا قال: خذه فتصدّق به. قال على أفقر من أهلى؟ فوالله ما بين لابتى المدينة أحوج من أهلى قال فضحك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى بدت أنيابه قال خذه واستغفر الله وأطعمه أهلك. قال الدارقطنى إسناد صحيح عن الزهرى (وأخرجه الطحاوى) بسنده إلى الأوزاعى قال: سألت الزهرىّ عن رجل جامع امرأته

الخلاف في وجوب الكفارة على من أفطر بالأكل والشرب عامدا

فى شهر رمضان فقال حدّثنى حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال حدّثنى أيو هريرة فذكر نحوه (وحديث منصور) بن المعتمر أخرجه البخارى ومسلم من طريق جرير عن منصور عن الزهرى عن حميد بن عبد الرحمن عن أبى هريرة وقال: جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: إن الآخر وقع امرأته فى رمضان، فقال أتجد ما تحرّر رقبة؟ قال لا (الحديث). والآخر بقصر الهمزة ومدّها وكسر الخاء المعجمة الأرذل. وقيل من يكون في آخر القوم (وحديث عراك) بن مالك لم نقف على من وصله. لكن قال العينى: وحديث عراك بن مالك عند النسائى قوله (زاد فيه الأوزاعى واستغفر الله) أى مما فعلت: وفيه دليل على أنّ الكفارات زواجر لا رافعة للذنب بل الرفع له التوبة والاستغفار (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً أَفْطَرَ فِى رَمَضَانَ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا. قَالَ لاَ أَجِدُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ اجْلِسْ. فَأُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ. فَقَالَ خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحَدٌ أَحْوَجَ مِنِّى. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ وَقَالَ لَهُ كُلْهُ. (ش) (قوله أن رجلا أفطر فى رمضان) هكذا رواه مالك عن الزهرى بعموم المفطر وتابعه عليه جماعة منهم ابن جريج كما ذكره المصنف بعد (قوله فأمره رسول الله أن يعتق رقبة الخ) استدلّ به أبو حنيفة ومالك وأصحابهما والزهرى والأوزاعى والثورى وإسحاق على أنّ من أفطر متعمدا فى رمضان تلزمه الكفارة لا فرق بين جماع أو غيره حيث كان عن عمد. وحكاه ابن المنذر عن عطاه والحسن وأبى ثور. غير أنّ أبا حنيفة قيد المفطر بما يتغذى به عادة أو يتداوى به بخلاف ما لم تجر العادة بالتغذى به كالعجين وبلع حصاة ونواة ولؤلؤة، ففيه القضاء دون الكفارة. واستدلوا أيضا بما رواه الدارقطنى عن مجاهد عن أبى هريرة أنّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر الذى أفطر يوما من رمضان بكفارة الظهار. وبما رواه أيضا عن أبى معشر عن محمد بن كعب القرظى عن أبى هريرة أنّ رجلا أكل فى رمضان فأمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين أو يطعم ستين مسكينا.

قال الدارقطنى: أبو معشر ليس بالقوى. وبما أخرجه أيضا عن أبى بكر إسماعيل عن أبيه عن عامر بن سعد عن أبيه أنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: أفطرت يوما من شهر رمضان متعمدا. فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أعتق رقبة أو صم شهرين متتابعين أو أطعم ستين مسكينا. واستدلوا أيضًا بقياس الأكل والشرب عمدا على الجماع فإنّ فى كل انتهاك حرمة الشهر. وقال الشافعى وأحمد وسعيد بن جبير وابن سيرين والنخعى وداود الظاهرى: إنه لا كفارة فى شئ من المفطرات إلا الجماع. واستدلوا بحديث أبى هريرة المتقدم. فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رتب فيه الكفارة على الجماع. وحملوا الأحاديث التى ذكر فيها مطلق الإفطار على المقيدة بالجماع؛ ولأنّ وجوب الكفارة ثبت على خلاف القياس بالنص, لأنّ وجوبها لرفع الذنب, والتوبة كافية لرفعه ولأنّ الكفارة من باب المقادير. والقياس لا يفيد فى تعيين المقادير. والنص على الكفارة ورد فى الجماع. والأكل والشرب ليسا فى معناه لأنّ الجماع أشدّ حرمة منهما فالنص الوارد فيه لا يكون واردا فيهما فيقتصر على مورد النص (ورد) بأنّ الحنفية والمالكية لا يوجبون الكفارة فى غير الجماع بالقياس بل بالنص كما تقدم فإن لفظ الإفطار فى أدلتهم عام يتناول ما كان بجماع وغيره كأكل وشرب قال السرخسي فى المبسوط ولنا حديث أبى هريرة أن رجلا قال يا رسول الله أفطرت فى رمضان فقال من غير مرض ولا سفر؟ فقال نعم فقال أعتق رقبة. وذكر أبو داود أن الرجل قال: شربت فى رمضان. وقال عليّ رضى الله تعالى عنه إنما الكفارة فى الأكل والشرب والجماع. ثم نحن لا نوجب الكفارة بالقياس إنما نوجبها استدلالا بالنص اهـ. (قوله فأمره رسول الله أن يعتق رقبة الخ) عبر فيه بأو المفيدة للتخيير فى أنواع الكفارة فهو من أدلة من قال بالتخيير فيها وتقدّم بيانه (قوله بعرق فيه تمر) وفى نسخة بعرق تمر (وهذه الرواية) أخرجها أيضا مالك فى الموطأ والدارقطني والبيهقي وقال: رواه مسلم فى الصحيح. (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَلَى لَفْظِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً أَفْطَرَ وَقَالَ فِيهِ: أَوْ تُعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ أَوْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا. (ش) وفى بعض النسخ. رواه بدون واو. أى روى الحديث عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج عن الزهرى بأو التى للتخيير فى الخصال كرواية مالك بلفظ "أنّ رجلا" أفطر ولم يعين فيه المفطر. وقوله أن تعتق هكذا بلفظ أن فى بعض النسخ. وفى أكثرها أو تعتق بلفظ أو. والصواب الأولى (وهذه الرواية) أخرجها البيهقي من طريق عبد الرزاق قال أنبأ ابن جريج حدثنى

وجوب قضاء ما أفسد من الصيام

ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن أن أباهريرة حدثه أنّ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر رجلا أفطر فى رمضان أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا: وقال رواه مسلم ولم يقل متتابعين اهـ وقد "تابع" ابن جريج على هذه الرواية كما قال الدّارقطنى "يحيى بن سعيد" الأنصارى وعبد الله بن أبى بكر وأبو أويس وفليح بن سليمان وعمر بن عثمان المخزومى، ويزيد بن عياض وشبل والليث بن سعد من رواية أشهب بن عبد العزيز، وابن عيينة من رواية نعيم بن حماد، وإبراهيم بن سعد من رواية عمار بن مطر وعبيد الله بن أبى زياد. كل هؤلاء رووه عن الزهرى عن حميد بن عبد الرحمن عن أبى هريرة: أن رجلا أفطر فى رمضان وجعلوا كفارته على التخيير (ص) حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ نَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ نَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَفْطَرَ فِى رَمَضَانَ بِهَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ: فَأُتِىَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ قَدْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَقَالَ فِيهِ كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ وَصُمْ يَوْمًا وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ. (ش) (ابن أبى فديك) محمد بن إسماعيل بن مسلم (قوله وصم يوما واستغفر الله) أى صم يوما بدل اليوم الذى أفسدته (ففيه دلالة) على وجوب قضاء اليوم الذى أفسده. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ومالك وأحمد والثورى وأبو ثور وإسحاق وهو مشهور مذهب الشافعى. وروى عنه أنه لا قضاء. وأكثر الروايات وأصحها ليس فيما ذكر صوم يوم ولا مقدار ما فى العرق ولا الاستغفار. نعم قد جاء فى رواية مرسلة عند مالك فى الموطأ عن عطاء بن عبد الله الخراسانى عن سعيد بن المسيب أنه قال: جاء أعرابى إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يضرب نحره وينتف شعره ويقول هلك الأبعد. فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وما ذاك؟ قال أصبت أهلى وأنا صائم فى رمضان. فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: هل تستطيع تعتق رقبة؟ فقال لا. قال فهل تستطيع أن تهدى بدنة؟ قال لا. قال فاجلس، فأتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعرق تمر فقال: خذ هذا فتصدّق به فقال ما أحد أحوج منى فقال: كله وصم يوما مكان ما أصبت. وجاء أيضا فى حديث ابن ماجه من طريق عبد الله بن وهب قال: حدثنا عبد الجبار بن عمر قال حدثنى يحيى بن سعيد عن ابن المسيب عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (الحديث). وفيه فقال

حديث التكفير بالإطعام

صم يوما مكانه. وقال الأوزاعى: إن كفر بالعتق أو الإطعام صام يوما مكان اليوم الذى أفطره، وإن صام شهرين متتابعين دخل فيهما قضاء ذلك اليوم (الفقه) احتج بظاهر الحديث عيسى بن دينار المالكى على أن الكفارة لا تلزم الفقير وتقدّم بيانه. قال الخطابى وظاهره يدل على أن قدر خمسة عشر صاعا كاف للكفارة عن شخص واحد لكل مسكين مدّ. وقد جعله الشافعى أصلا لمذهبه فى أكثر المواضع التى يجب فيها الإطعام إلا أنه قد روى فى خبر سلمة بن صخر وأوس بن الصامت فى كفارة الظهار أنه قال فى أحدهما أطعم ستين مسكينا وسقا والوسق ستون صاعا. وفى الخبر الآخر أنه أتى بعرق. وفسره محمد ابن إسحاق بن يسار فى روايته ثلاثين صاعا. وإسناد الحديثين لا بأس به وإن كان حديث أبى هريرة أشهر رجالا فالاحتياط أن لا يقتصر على المدّ الواحد, لأن من الجائز أن يكون العرق الذى أتى به النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المقدر بخمسة عشر صاعا قاصرا فى الحكم عن مبلغ تمام الواجب عليه مع أمره إياه أن يتصدق به ويكون تمام الكفارة باقيا عليه إلى أن يؤدّيه عند اتساعه لوجوده كمن يكون عليه لرجل ستون درهما فيأتيه بخمسة عشر درهما فيقال لصاحب الحق خذه ولا يكون فى ذلك أسقط ما وراءه من حقه ولا براءة ذمته منه اهـ. (والحديث) أخرجه أيضا الدارقطنى وكذا البيهقى من طريق الحسين بن حفص قال: ثناهشام ابن سعد عن ابن شهاب الزهرى عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة أنّ رجلا جاء إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واقع أهله فى رمضان فقال النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أعتق رقبة. قال لا أجد. قال صم شهرين متتابعين. قال لا أقدر عليه. قال أطعم ستين مسكينا. قال لا أجد. فأتى رسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بعرق فيه خمسة عشر صاعا فقال: خذ هذا فتصدّق به. فقال يا رسول الله ما أجد أحوج إلى هذا منى ومن أهل بيتى. فقال كله أنت وأهل بيتك وصم يوما مكانه واستغفر الله اهـ وهو حديث ضعيف. ففى سنده هشام بن سعد اهـ. وقال العينى على البخارى وقد رواه هشام بن سعد عن الزهرى فخالف الجماعة فى إسناده. فرواه عن أبى سلمة عن أبى هريرة وزاد فيه وصم يوما مكانه. وقال أبو عوانة الإسفرائنى غلط فيه هشام بن سعد اهـ. (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِىُّ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبَّادَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

رد قول من قال إن الكفارة في الجماع تكون بالإطعام فقط

الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: أَتَى رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِى الْمَسْجِدِ فِى رَمَضَانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ احْتَرَقْتُ. فَسَأَلَهُ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مَا شَأْنُهُ؟ فَقَالَ أَصَبْتُ أَهْلِى. قَالَ تَصَدَّقْ. قَالَ وَاللَّهِ مَا لِى شَىْءٌ وَلاَ أَقْدِرُ عَلَيْهِ. قَالَ اجْلِسْ. فَجَلَسَ, فَبَيْنَمَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ أَقْبَلَ رَجُلٌ يَسُوقُ حِمَارًا عَلَيْهِ طَعَامٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ آنِفًا؟ فَقَامَ الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَصَدَّقْ بِهَذَا. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَى غَيْرِنَا؟ فَوَاللَّهِ إِنَّا لَجِيَاعٌ مَا لَنَا شَىْءٌ. قَالَ كُلُوهُ. (ش) (ابن وهب) عبد الله. (قوله احترقت) أى ارتكبت ما يوجب الحرق بالنار ففيه إطلاق اسم المسبب على السبب (قوله أين المحترق) أى أين الذى أخبرنا آنفا باحتراقه؟ "وفى إثباته" صلى الله تعالى وعلى آله وسلم له هذا الوصف, وقول الرجل: أصبت أهلى "دليل" على أنه تعمد الجماع كما تقدّم (قوله فقال يا رسول الله أعلى غيرنا الخ) أى أتصدّق به على غيرنا ونحن فى حاجة إليه؟ كما ذكره بقوله: فوالله إنا لجياع. جمع جائع ويجمع أيضا على جواع (واستدلّ) بهذا الحديث جماعة. منهم عوف بن مالك وعبد الله بن رهم ومالك فى رواية عنه على أن الكفارة فى الجماع فى نهار رمضان لا تكون إلا بالإطعام دون غيره من الصيام والعتق ولكن لا حجة فيه لأنّ الحديث مختصر. فقد رواه ابن خزيمة فى صحيحه والبخارى فى تاريخه والبيهقى من طريق عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر عن عباد بن عبد الله عن عائشة قالت: كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جالسا فى ظل فارع "بالعين المهملة حصن بالمدينة" فجاءه رجل من بياضة فقال: احترقت "وقعت بامرأتى فى رمضان" قال أعتق رقبة. قال لا أجدها. قال أطعم ستين مسكينا. قال ليس عندى, فأتى النبى بعرق من تمر فيه عشرون صاعا فقال تصدق. فقال ما نجد عشاء ليلة, قال فعد به على أهلك. قال البيهقى: الزيادات فى هذه الرواية تدل على صحة حفظ أبى هريرة ومن دونه لتلك القصة. وقوله فيه عشرون صاعا بلاغ بلغ محمد بن جعفر. وقد روى فى حديث أبى هريرة خمسة عشر صاعا وهو أصح اهـ بحذف. هذا: ولم يذكر فى حديث عائشة الصيام. وقد ذكر فى حديث أبى هريرة المتقدم العتق والصيام. والقصة واحدة. فحفظ أبو هريرة ما لم تحفظه عائشة. فالأخذ بحديثه مقدم. وتقدم أيضا فى حديث على عند

باب التغليظ فيمن أفطر عمدا

الدارقطنى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذكر لذلك الرجل الخصال الثلاث (الفقه) دلّ الحديث زيادة على ما تقدّم على جواز الجلوس فى المسجد لأجل الإفتاء والتعليم. وعلى جواز الحلف بغير استحلاف. (والحديث) أخرجه أيضا البخارى ومسلم والطحاوى والبيهقى بلفظ المصنف. وأخرجه البخارى فى التاريخ وابن خزيمة والبيهقى أيضا مطوّلا بلفظ تقدّم (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ نَا ابْنُ أَبِى الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ. قَالَ فَأُتِىَ بِعَرَقٍ فِيهِ عِشْرُونَ صَاعًا. (ش) (ابن أبى الزناد) عبد الرحمن (قوله بهذه القصة الخ) أى قصة الرجل الذى جامع امرأته فى نهار رمضان السابقة فى رواية عبد الرحمن بن القاسم عن محمد بن جعفر: لكن عبد الرحمن بن الحارث بين فى روايته عن محمد بن جعفر ما أتى به من الطعام فقال "فأتى بعرق به عشرون صاعا" وقد تمسك به الحسن البصرى على أنّ الواجب إطعام أربعين مسكينا لكل مسكين نصف صاع: لكن الحديث ضعيف وإن رواه البخارى فى تاريخه, لأنّ فى سنده عبد الرحمن بن الحارث وفيه مقال. وعلى فرض صحته فيجمع بينه وبين رواية خمسة عشر صاعا بأن العشرين أصل ما كان فى المكتل. ورواية خمسة عشر ما أخذه الرجل ليكفر به ويعطيه لستين مسكينا أو تقدم رواية خمسة عشر لكثرة طرقها. (وعلى كل) فلا حجة فيه للحسن لأنه لم يصرح فيه بعدد المساكين. والأحاديث الكثيرة الصحيحة مصرحة بإطعام ستين مسكينا (والحديث) أخرجه أيضا ابن خزيمة والبخارى فى تاريخه. باب التغليظ فيمن أفطر عمدا أى أفسد صومه فى نهار رمضان عمدا. وفى نسخة متعمدا (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ نَا شُعْبَةُ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ مُطَوِّسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ "عَنْ أَبِى الْمُطَوِّسِ عَنْ أَبِيهِ" عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَفْطَرَ

عدم القبول القضاء ممن أفطر عمدا والخلاف فيه

يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ فِي غَيْرِ رُخْصَةٍ رَخَّصَهَا اللَّهُ لَهُ لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صِيَامُ الدَّهْرِ. (ش) (الرجال) (ابن مطوس) بضم الميم وكسر الواو المشددة، اسمه يزيد أو عبد الله وكنيته أبو المطوس كما قال ابن كثير في روايته. وقال أبو حاتم لا يسمى. روى عن أبيه عن أبي هريرة حديث الباب. وعنه عمارة بن عمير. وثقه ابن معين وقال ابن حبان روى عن أبيه ما لا يتابع عليه لا يجوز الاحتجاج بأفراده، وقال أحمد لا أعرفه ولا أعرف حديثه. وقال الذهبى ضعيف لا يعرف هو ولا أبوه. وقال البخاري لا أعرف له غير حديث الصيام ولا أدري أسمع أبو المطوس من أبي هريرة أم لا؟ وقال في التقريب لين الحديث من السادسة. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى، و (أبوه) مطوس بفتح الطاء المهملة وكسر الواو المشددة. وفي القاموس والمطوس كمعظم الشيء الحسن وصحابي اهـ. ولكن هذا غير صحابي. وعنه ابنه يزيد. ذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب مجهول من الرابعة. روى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (المعنى) (قوله من أفطر يوما من رمضان في غير رخصة الخ) أى من أفطر بلا مبيح شرعى من مرض أو سفر لم يقض عن ذلك صيام الدهر كله. والمراد أنه لا تحصل له فضيلة الصوم في رمضان ولا بركته، وليس المراد أنه لو صام الدهر بنية القضاء عن ذلك اليوم لا يكفيه ولا يسقط عنه، لأنه لو صام يوما آخر بعد رمضان بنية القضاء سقط عنه الواجب على ما قاله أكثر العلماء وعليه الكفارة على ما تقدم بيانه (وأخذ بظاهر الحديث) على وابن مسعود فقالا لا يكفي صوم الدهر عن اليوم الذى أفطر فيه من رمضان من غير عذر تغليظا وتشديدا على من فعل ذلك كما يشعر به ما رواه ابن عدى في الكامل عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: من أفطر يوما من رمضان متعمدا في غير سبيل خرج من الحسنات كيوم ولدته أمّه. وفي سنده محمد بن الحارث. وهو متروك الحديث كما قاله الفلاس. وقال سعيد بن المسيب يصوم ثلاثين يوما قضاء عن ذلك اليوم. ويدل له ما رواه الدارقطني بسنده عن عمرو بن مرة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: من أفطر يوما من شهر رمضان من غير رخصة ولا عذر كان عليه أن يصوم ثلاثين يوما، ومن أفطر يومين كان عليه أن يصوم ستين يوما، ومن أفطر ثلاثة أيام كان عليه أن يصوم تسعين يوما. قال الدارقطنى لا يثبت هذا الإسناد. ولا يصح عن عمرو بن مرة اهـ. وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن يصوم عن كل يوم اثني عشر يوما كما رواه عنه الدارقطني من طريق موهب بن يزيد. قال: حدّثنا ضمرة عن رجاء بن جميل قال: كان ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول من أفطر يوما من

بيان ما يدل على مضاعفة الصيام في قضاء رمضان

رمضان صام اثني عشر يوما، لأنّ الله عز وجل رضي من عباده شهرا من اثني عشر شهرا. وقال النخعى يلزمه صوم ثلاثة. وهذا كله ليس له دليل صحيح "وما ورد" مما يدل علي مضاعفة الصيام غير الستين يوما "ففيه مقال" لا يصلح للاحتجاج به (منه) حديث المصنف وسيأتى بيان حاله (ومنه) ما تقدّم للدارقطنى (ومنه) ما رواه أيضا من طريق عمار بن مطر قال حدثنا قيس عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مالك عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: من أفطر يوما من رمضان من غير مرض ولا رخصة، لم يقض عنه صيام، وإن صام الدهر كله. وهو ضعيف أيضا، لأنّ في سنده عمار بن مطر. قال أبو حاتم كان يكذب وقال ابن عدي أحاديثه بواطيل (إذا) علمت هذا تعلم أن الحق ما ذهب إليه الأئمة الأربعة وأكثر العلماء، من أن من أفطر متعمدا عليه صيام يوم واحد بدل اليوم الذى أفطره زيادة على ما لزمه من الكفارة كما تقدّم في حديث أبي هريرة في الباب السابق. وفيه "وصم يوما واستغفر الله" وهذه الزيادة وإن كانت ضعيفة فقد تقدّم ذكر ما يقويها من مرسل مالك وحديث ابن ماجه (الفقه) دل الحديث على عظم إثم من أفطر متعمدا في رمضان (والحديث) أخرجه أيضا ابن ماجه والبيهقي والدارمي والدارقطني وأخرجه البخاري معلقا (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِى حَبِيبٌ عَنْ عُمَارَةَ عَنِ ابْنِ الْمُطَوِّسِ قَالَ: فَلَقِيتُ ابْنَ الْمُطَوِّسِ فَحَدَّثَنِى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ كَثِيرٍ وَسُلَيْمَانَ (ش) (سفيان) الثوري (قوله قال فلقيت ابن المطوس) أي قال حبيب بن أبي ثابت لقيت ابن المطوّس فحدّثنى عن أبيه بهذا الحديث بعد أن أخذته عن ابن المطوّس بواسطة عمارة بن عمير. وفي الترمذي: حدّثنا بندار "محمد بن بشار" ثنا يحيى بن سعيد وعبد الرّحمن بن مهدي قالا ثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت ثنا أبو المطوّس عن أبيه. بلا واسطة بين حبيب وأبي المطوس. وكذا عند الدارمي (قوله مثل حديث ابن كثير الخ) أي حدث أحمد بن حنبل مثل حديث محمد بن كثير وسليمان بن حرب ولفظه عند الترمذي: عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقض عنه صوم الدهر كله وإن صامه" ونحوه عند الدارمي (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ اخْتُلِفَ عَلَى سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ عَنْهُمَا "ابْنُ الْمُطَوِّسِ وَأَبُو الْمُطَوِّسِ"

باب من أكل ناسيا

(ش) أى اختلفت رواة الحديث عن شعبة بن الحجاج وسفيان الثورى في أنّ المذكور في السند ابن المطوس أو أبو المطوس. فسليمان بن حرب قال في حديثه عن شعبة عن ابن المطوّس. وقال محمد بن كثير عنه عن أبي المطوس. وقال يحيى بن سعيد عن سفيان عن ابن المطوس كما في المصنف. وقال محمد بن بشار ومحمد بن مهدى عن سفيان عن أبي المطوّس كما في الترمذى. وكذا قال حمد بن يوسف عن سفيان عن أبي المطوس عند الدارمى. فالحديث ضعيف لهذا الاختلاف. ولجهل حال أبي المطوس. قال الترمذى حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وسمعت محمدا (يعني البخاري) يقول أبو المطوس اسمه يزيد بن المطوس ولا أعرف له غير هذا الحديث اهـ وقال البخارى في التاريخ: تفرّد أبو المطوّس بهذا الحديث اهـ قال الحافظ في الفتح: واختلف فيه على حبيب بن أبي ثابت اختلافا كثيرا فحصلت فيه ثلاث علل: الاضطراب والجهل بحال أبي المطوّس، والشك في سماع أبيه عن أبي هريرة وهذه الثالثة تختص بطريقة البخارى في اشتراط اللقاء. وذكر ابن حزم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مثله موقوفا اهـ باب من أكل ناسيا يعني وهو صائم ما حكمه: أيلزمه قضاء ذلك اليوم أم لا؟ (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ. وَحَبِيبٌ وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ نَاسِيًا وَأَنَا صَائِمٌ. فَقَالَ: أَطْعَمَكَ اللَّهُ وَسَقَاكَ. (ش) (حماد) بن سلمة. و (أيوب) السختيانى. و (حبيب) بن الشهيد و (هشام) الدّستوائي (قوله جاء رجل) لم يعرف اسمه. وقيل هو أبو هريرة راوي الحديث كما ذكره الدارقطني من طريق محمد بن إسحاق بن خزيمة قال حدّثنا علىّ بن حجر ثنا يحيى بن حمزة عن الحكم بن عبد الله. قال ابن خزيمة "وأنا أبرأ من عهدته" عن الوليد بن عبد الرّحمن مولى أبي هريرة أنه سمع أباهريرة يذكر أنه نسى صيام أقل يوم من رمضان، فأصاب طعاما، قال فذكرت ذلك للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، فقال: أتم صيامك فإنّ الله أطعمك وسقاك ولا قضاء عليك، قال الدّارقطنى الحكم بن عبد الله ضعيف الحديث (قوله أطعمك الله وسقاك) وفي نسخة "الله أطعمك وسقاك" يعنى ما وقع منه من الأكل والشرب لا يوجب عليه شيئا، ولا يفسد صومه

الخلاف في أنه هل يلزم من تناول مفطرا في رمضان ناسيا القضاء؟

ونسب الفعل إلى الله تعالى لأنّ العبد لم يكن له فيه اختيار لنسيانه، فلا يعدّ فعله جناية على صومه بخلاف ما إذا كان الفعل باختيار العبد، فإنّ الفعل ينسب إليه ظاهرا، وإلا فجميع الأفعال في الحقيقة من الله تعالى (وبظاهر الحديث) أخذ أبو حنيفة والشافعى والحسن البصرى ومجاهد والأوزاعى وأبو ثور وعطاء وطاوس وابن أبي ذئب. فقالوا: من أكل أو شرب أو ارتكب أى مفطر ناسيا لا يفسد صومه ولا يلزمه شئ، وهو قول أبي هريرة وابن عمر وعلىّ: وقال أحمد يجب القضاء والكفارة بالجماع ناسيا ولا شئ في الأكل والشرب، وهو قول لعطاء وابن الماجشون. واستدلوا بأنّ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر الذى واقع امرأته في رمضان بالكفارة ولم يسأله أوقع عليها عمدا أم سهوا، ولو كان هناك فرق في الحكم لاستفسر منه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ورد بأن قوله في الحديث هلكت يدل على أنه واقع عمدا، وكذا قول في رواية البخارى "احترقت" وفي رواية سعيد بن منصور "تب واستغفر" فإنّ ذلك كله يدلّ على أنه واقع عمدا، ولا سيما التوبة والاستغفار فإنهما لا يكونان إلا عن عمد "وقولهم" يجوز أن يخير عن هلكته لما يعتقده من فساد الصوم بالجماع ناسيا "غير مسلم" وقولهم إنّ الصوم عبادة تحرم الجماع فاستوى فيها عمده وسهوه "غير مسلم أيضا" فإنّ ذلك تحكم لأنّ الصوم يحرم الأكل والشرب أيضا فيستوى فيه عمده وسهوه. وهم لا يقولون به فلا وجه للتفرقة بينهما (وقال مالك) وربيعة بن أبي عبد الرحمن من أكل أو شرب ناسيا أو تعاطى أى مفطر، فعليه القضاء دون الكفارة لفساد صومه قياسا للصوم على الصلاة فكما أن ترك ركعة من الصلاة نسيانا يفسدها كذلك ترك ركن من الصوم وهو الإمساك عن المفطر يفسده (وأجابوا) عن حديث الباب ونحوه بأنه خبر واحد مخالف للقاعدة. وهو اعتذار باطل. والحديث قاعدة مستقلة في الصيام "واعتذار" ابن دقيق العيد عن الحديث بأن الصوم قد فات ركنه وهو من باب المأمورات. والقاعدة أن النسيان لا يؤثر في المأمورات "يجاب عنه" بأن غاية هذه القاعدة أن تكون بمنزلة الدليل فيكون الحديث مخصصا لها. وأما قوله "أطعمك الله وسقاك" فهو كناية عن عدم الإثم لأن الفعل إذا كان من الله انتفى الإثم (وأجاب) بعضهم عن الحديث بأنه محمول على صيام التطوع. لكنه مردود بما في رواية الدارقطنى من طريق محمد بن مرزوق البصرى قال: ثنا محمد بن عبد الله الأنصارى ثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال. من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة، قال الدارقطنى تفرّد به محمد بن مرزوق وهو ثقة عن الأنصارى اهـ فقد صرح في الحديث بأن الفطر كان في رمضان وقول الدارقطنى تفرّد به محمد بن مرزوق غير مسلم. فقد أخرجه الحاكم والبيهقي أيضا من طريق أبي حاتم محمد بن إدريس قال: ثنا حمد بن عبد الله الأنصارى ثنا حمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنّ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله

باب تأخير قضاء رمضان

وسلم قال: من أفطر في رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة. قال الحاكم صحيح على شرط مسلم وقياسهم الصيام على الصلاة، قياس في مقابلة النص لا يعول عليه (الفقه) دلّ الحديث على لطف الله تعالى بعباده والتيسير عليهم ورفع المشقة والحرج عنهم (والحديث) أخرجه أيضا البخاري ومسلم والترمذي والنسائي والدارقطني والحاكم وابن خزيمة والدارمي والبيهقي من طرق بألفاظ متقاربة. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح باب تأخير قضاء رمضان أي أيجوز أم لا؟ (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِىُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: إِنْ كَانَ لَيَكُونُ عَلَىَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ حَتَّى يَأْتِىَ شَعْبَانُ. (ش) (قوله إن كان ليكون علىّ الصوم من رمضان الخ) أى أن قضاء صوم أيام من رمضان يكون ثابتا علىّ في عهد الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلا أتمكن منه إلى أن يجئ شعبان. فإن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن، والصوم اسم كان، واسم يكون عائد عليه ولا يضر تأخره في اللفظ لتقدّمه في الرّتبة. وكانت لا تستطيع القضاء قبل شعبان لاشتغالها بقضاء حق النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتوفير الحظ في عشرته. فقد ذكر يحيى ابن سعيد في رواية البخارى أن المانع لها من تعجيل القضاء أنها كانت مشغولة بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وفي رواية مسلم قال يحيى فظننت أنّ ذلك لمكانها من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. يعنى كان يمنعها الشغل بقضاء حظ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. فإنها كانت لا تصوم إلا بإذنه. وقد لا يأذن لاحتمال احتياجه إليها، فإذا ضاق الوقت أذن لها. وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يكثر الصوم في شعبان. فلذا كانت لا تستطيع القضاء إلا فيه. ويحتمل أنها كانت لا تستأذنه في الصوم مخافة أن يأذن وقد يحتاجها فتفوت حاجته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وهذا من كمال أدبها. لكن هذا التعليل ليس خاصا بها فإنّ سائر أزواجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مثلها في الاشتغال بحاجته فقد روى مسلم من طريق حمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن عن عائشة قالت:

حكم تأخير قضاء ما فات من رمضان لعذر أو غيره. هل يلزم فيه التتابع؟

إن كانت إحدانا لا تفطر فى رمضان فى زمان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فما تقدر أن تقضيه مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى يأتى شعبان "ولا يقال" إنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله سلم كان يقسم بين نسائه التسع ويعدل بينهنّ فما تأتى نوبة الواحدة منهنّ إلا بعد ثمانية أيام. فكان يمكن كل واحدة أن تقضى ما عليها فى تلك الأيام "لأن القسم" ليس واجبا عليه فهنّ يتوقعن حاجته فى كل الأوقات، فإذا جاء شعبان ضاق الوقت فتصوم كل واحدة ما عليها لأنه لا يجوز التأخير (والحديث) يدل على جواز تأخير قضاء رمضان إلى شعبان إذا كان لعذر وهو متفق عليه عند عامة أهل العلم. وهو وإن كان من فعل عائشة إلا أن الظاهر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اطلع عليه وأقره لتوفر دواعى زوجاته على سؤاله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن أمر الشرع، ولما رواه الترمذى من طريق عبد الله البهى عن عائشة قالت: ما كنت أقضى ما يكون علىّ من رمضان إلا فى شعبان حتى توفى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وقال حديث حسن صحيح "أما إذا تأخر القضاء لغير عذر" فالجمهور على أنه جائز إن أفطر لعذر كمرض أو سفر أو حيض غير أنه إذا بقى على رمضان الثانى بقدر ما عليه من أيام رمضان الأول لزمه القضاء فورا حينئذ عندهم (وكذا يلزمه) القضاء فورا عند الشافعية إذا كان متعمدا الفطر بلا عذر شرعي (وقال أبو حنيفة وأصحابه) يجب قضاء رمضان وجوبا موسعا بلا تقييد بوقت، ولو كان متعمدا الفطر، فلا يأثم بتأخيره إلى دخول رمضان الثانى، لأنه من باب الواجب الموسع. ويجب العزم على القضاء على الصحيح (وقال داود الظاهرى) يجب القضاء على الفور مطلقا فاته لعذر أم لا (واختلف) فى قضاء رمضان أيلزم فيه التتابع أم لا؟ فالجمهور على أنه يجوز تفريقه لإطلاق قوله تعالى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فإنه يصدق على التتابع والتفريق والأولى التتابع. وحكى صاحب البيان عن الطحاوي أنه لا فضيلة في التتابع على التفريق "وعن على" وعائشة وابن عمر وعروة بن الزبير والحسن البصري وداود الظاهري "وجوب التتابع" إلحاقا لصفة القضاء بصفة الأداء وهذا غير مسلم. والراجح قول الجمهور لإطلاق الآية، ولقول عائشة نزلت "فعدة من أيام اخر متتابعات" فسقطت متتابعات رواه البيهقى. وقال قولها سقطت تريد نسخت. ولما رواه الدارقطنى عن سفيان بن بشر ثنا على بن مسهر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال فى قضاء رمضان "إن شاء فرق وإن شاء تابع" قال الدراقطنى: لم يسنده غير سفيان بن بشر. ولما رواه أيضا من طريق موسى بن عقبة عن أبى الزبير عن جابر قال: سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن تقطيع صيام رمضان فقال: أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضاه الدرهم والدرهمين حتى يقضيه هل كان ذلك قضاء دينه؟ قالوا نعم يا رسول الله. قال فالله أحق أن يعفو

المذاهب فيما يلزم من أخر قضاء ما فاته من رمضان حتى جاء رمضان آخر

ويغفر. ورواه من طريق آخر مرسلا. ورواه البيهقى من طريق يحيى بن سليم الطائفى عن موسى ابن عقبة عن محمد بن المنكدر قال: بلغنى أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سئل عن تقطيع قضاء صيام شهر رمضان فقال: ذلك إليك، أرأيت لو كان على احدكم دين فقضى الدرهم والدرهمين ألم يكن قضاء؟ فالله أحق ان يعفو أو يغفر. ونقل البيهقى عن الدارقطنى أن إسناده حسن إلا أنه مرسل. وقد وصله غير أبى بكر عن يحيى بن سليم ولا يثبت متصلا له لكن قال فى الجوهر النقى وكيف يكون حسنا وفى إسناده يحيى بن سليم قاله البيهقى فيه سيء الحفظ وقال النسائى منكر الحديث. وقال أحمد رأيته يخلط فى أحاديث فتركته. وروى الدارقطنى والبيهقى فى ذلك آثارا "وما روياه" من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: من كان عليه صوم رمضان فليسرده ولا يقطعه "ففى سنده" عبد الرحمن بن إبراهيم قال الدارقطنى ضعيف، وقال البيهقى ضعفه يحيى بن معين والنسائى. فلا يصلح للاحتجاج به على وجوب التتابع (وحديث الباب) فى تأخير قضاء رمضان إلى شعبان. أما تأخيره حتى يدخل رمضان آخر "فإن أخره" لعذر بأن دام سفره أو مرضه حتى دخل رمضان الثانى. فإن يصوم رمضان الحاضر ثم يقضى الأول ولا فدية عليه لأنه معذور. وهو قول أبى حنيفة ومالك والشافعى وأحمد وطاوس والحسن البصرى والنخعى وحماد بن أبى سليمان والأوزاعى وإسحاق والمزنى وداود (وقال ابن عباس) وابن عمر وسعيد بن جبير وقتادة: يصوم رمضان الحاضر ويفدى عن الماضى ولا قضاء عليه "وإن أخره" بغير عذر. فقال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء بن أبى رباح والقاسم ابن محمد والزهرى والأوزاعى ومالك والثورى وأحمد وإسحاق والشافعى: يصوم رمضان الحاضر ويقضى رمضان الماضى ويفدى عن كل يوم مدّا من طعام، إلا أنّ الثورى قال: الفدية مدّان عن كل يوم. ولم يثبت فى الفدية حديث مرفوع بل كل ما ورد فيها آثار (منها) ما رواه مالك عن عبد الرحمن ابن القاسم عن أبيه قال: من كان عليه قضاء رمضان فلم يقضه وهو قوى على صيامه حتى جاء رمضان آخر فإنه يطعم مكان كل يوم مسكينا مدّا من حنطة وعليه مع ذلك القضاء (ومنها) ما أخرجه الدارقطنى من طريق سفيان بن عيينة عن يونس عن أبى إسحاق عن مجاهد عن ابن عباس قال: من فرط فى صيام رمضان حتى أدركه رمضان آخر، فليصم هذا الذى أدركه ثم ليصم ما فاته ويطعم مع كل يوم مسكينا (ومنها) ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرنى عطاء عن أبى هريرة قال: أى إنسان مرض فى رمضان ثم صح ولم يقضه حتى أدركه رمضان آخر فليصم الذى حدث ثم يقضى الآخر ويطعم مع كل يوم مسكينا. قلت لعطاء كم بلغك يطعم؟ قال مدا زعموا. وقال الحسن البصرى وإبراهيم النخعى وأبو حنيفة وأصحابه: من أخر قضاء رمضان حتى

باب فيمن مات وعليه صيام أيصوم عنه وليه؟

جاء آخر يلزمه القضاء فقط وليس عليه فدية ولو كان التأخير بغير عذر، لما تقدّم أن القضاء واجب على التراخى مطلقا. فلا يلزم بالتأخير سوى القضاء (الفقه) استدل بالحديث على أن عائشة كانت لا تصوم نفلا فى أثناء العام لأنها لما لم تصم ما لزمها من قضاء رمضان لمكان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، فترك صوم التطوع أولى وقال الخطابى: فيه دلالة على أن من أخر القضاء إلى أن يدخل شهر رمضان من قابل وهو مستطيع فعليه الكفارة: ولولا ذلك لم يكن فى ذكر عائشة شعبان وحصرها موضع القضاء فيه من بين سائر الشهور فائدة اهـ بتصرف ومراده بالكفارة الفدية. ورد بأنها إنما حصرت موضع القضاء فى شعبان لما تقدم أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يشتغل فى شعبان بالصوم وتشتغل هى بالقضاء وفى غيره تتفرغ لخدمته. وفى الاستذكار قال داود "من أوجب" الفدية على من أخر القضاء حتى دخل رمضان آخر "ليس معه حجة" من كتاب ولا سنة ولا إجماع. ذكره فى الجوهر النقى (والحديث) أخرجه أيضا البخارى ومسلم وابن ماجه والبيهقى باب فيمن مات وعليه صيام أى يصوم عنه أحد أم لا؟ وإذا صح هل يختص بصيام دون صيام؟ وهل يتعين الصوم أو يجزئ الإطعام؟ (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ. (ش) (ابن وهب) عبد الله (قوله من مات وعليه صيام الخ) أى من مات من المكلفين والحال أن عليه قضاء صيام لازم من فرض رمضان أو نذر أو كفارة. صام عنه وليه. والمراد بالولى كل قريب على الصحيح لو غير عاصب. وقيل المراد به العاصب وقيل الوارث خاصة (وأخذ بظاهر الحديث) أصحاب الحديث فأجازوا الصيام عن الميت مطلقا. وبه قال أبو ثور وطاوس والحسن والزهرى وقتادة وحماد بن أبى سليمان والليث بن سعد، والشافعى فى القديم. وعلق القول به على صحة الحديث فقال: كل ما قلت وصح عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خلافه فخذوا بالحديث ولا تقلدونى اهـ قال النووى فى شرح مسلم إنه الصحيح المختار الذى نعتقده وهو الذى صححه محققو أصحابنا الجامعين بين الفقه والحديث لقوة الأحاديث الصحيحة الصريحة اهـ وأطلق

أدلة من قال لا يصام عمن مات وعليه صيام بل يطعم عنه

ابن حزم النقل عن الليث بن سعد وأبى ثور وداود الظاهرى أن صيام الولى عن الميت واجب وقالوا: إن قوله صام عنه فى الحديث خبر بمعنى الأمر، وهو محمول على الوجوب. وقال البيهقى هذه المسألة ثابتة لا أعلم خلافا بين أهل الحديث فى صحتها فوجب العمل بها اهـ (وقال أبو حنيفة) ومالك والليث والأوزاعى والثورى والشافعى فى الجديد وزيد بن على: لا يصام عن الميت مطلقا ويطعم عنه وليه إن أوصى به عند أبى حنيفة وأصحابه لكل يوم قدر على قضائه ولم يقضه نصف صاع من بر أو دقيقه أو سويقه أو صاعا من تمر أو شعير أو زبيب أو قيمة ذلك. وعند مالك يطعم مدا من طعام عن كل يوم. واستدلوا بما رواه النسائى فى الكبرى عن ابن عباس قال: لا يصلى أحد عن أحد ولا يصوم احد عن أحد. وبحديث ابن عمر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينا رواه ابن ماجه والترمذى وصحح وقفه على ابن عمر. وبما رواه مالك أنه بلغه عن عبد الله بن عمر كان يسأل هل يصوم أحد عن أحد؟ أو يصلى أحد عن أحد؟ فقال لا يصوم أحد عن احد ولا يصلى أحد عن أحد. وبما رواه عبد الرزاق والبيهقى عن عائشة: لا تصوموا عن موتاكم واطعموا عنهم. وعن عمرة بنت عبد الرحمن قلت لعائشة إن أمى توفيت وعليها صيام رمضان أيصلح أن أقضى عنها؟ فقالت لا ولكن تصدقى عنها مكان كل يوم على مسكين خير من صيامك. رواه الطحاوى بسند صحيح. قالوا فلما أفتى ابن عباس وعائشة بخلاف ما روياه، دل ذلك على أن العمل على خلاف ما روياه, لأن العبرة بما رأى الصحابي لا بما روى, لأنّ فتوى الراوى على خلاف مرويه بمنزلة روايته للناسخ ويبعد عن مقام الصحابى أن يرجع عما رواه ويفتى بضده إلا لاطلاعه على ناسخ نسخ ما رواه، ومنه حديث ابن عباس أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يصلى أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدا من حنطة. رواه النسائى بسند صحيح على شرط الشيخين إلا محمد بن عبد الأعلى فإنه على شرط مسلم. ويؤيد النسخ قول مالك: لم أسمع عن أحد من الصحابة ولا عن التابعين بالمدينة أن أمر أحدا بالصوم عن أحد. ولا يصلى أحد عن أحد اهـ. فعلم بذلك أن الأمر الذى استقر عليه الشرع آخرا. وأيضا قد أجمعوا على أنه لا يصلى أحد عن أحد فكذلك الصوم لأن كلا منهما عبادة بدنية (وقال أحمد) وإسحاق وأبو عبيد: يصوم عنه وليه ما عليه من نذر ويطعم عنه عن كل يوم من رمضان مدا. والفرق بين النذر وغيره أن النيابة تدخل العبادة بحسب خفتها. والنذر أخف حكما لكونه لم يجب بأصل الشرع, وإنما أوجبه الناذر على نفسه. واستدلوا بحديث زيد بن أبى أنيسة عن الحكم عن سعيد عن ابن عباس قالت امرأة للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إن أمى ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ قال أرأيت لو كان على أمّك دين فقضيته أكان

بيان اضطراب حديث ابن عباس في الصيام عن الميت

يؤدّى ذلك عنها؟ قالت نعم. قال فصومى عن أمّك. رواه مسلم. لكن الحديث فيه اضطراب فلا يصلح للاحتجاج به. ففى رواية للبخارى عن سعيد عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله إن أمى ماتت وعليها صوم شهر. وفى رواية صوم شهرين متتابعين. وفى رواية له وللدارقطنى عن سعيد وعطاء ومجاهد عن ابن عباس قالت امرأة للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن اختى ماتت الخ وفى رواية له عن أبى جرير عن عكرمة عن ابن عباس قالت امرأة للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ماتت أمى وعليها صوم خمسة عشر يوما "وما" قيل أن ذلك ليس اضطرابا، إنماهو اختلاف يحمل على اختلاف الوقائع "بعيد" لاتحاد المخرج فإن الروايات كلها عن ابن عباس. قال العينى على البخارى وقال بعضهم إن الاضطراب لا يقدح فى موضع الاستدلال من الحديث. وردّ بأنه كيف لا يقدح والاضطراب لا يكون إلا من الوهم كما مر وهو مما يضعف الحديث اهـ "وقول" من قال يحمل حديث عائشة المطلق "وهو حديث الباب" على حديث ابن عباس المقيد بالنذر "محله" إذا صح هذا المقيد. وقد علمت أن حديث ابن عباس فيه اضطراب. وعلى فرض صحته فهو من باب التنصيص على بعض أفراد المطلق. فلا يصح لتقييده (والحديث) أخرجه أيضا البخارى ومسلم والترمذى وابن ماجه والنسائى والدارقطنى والبيهقى وفى بعض النسخ زيادة "قال أبو داود وهذا فى النذر، وهو قول أحمد بن حنبل" (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ نَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِى حَصِينٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا مَرِضَ الرَّجُلُ فِى رَمَضَانَ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَصُمْ أُطْعِمَ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَإِنْ نَذَرَ قَضَى عَنْهُ وَلِيُّهُ. (ش) (سفيان) الثورى. و (أبو حصين) بفتح الحاء المهملة عثمان بن عاصم بن حصين (قوله إذا مرض الرجل فى رمضان ثم مات ولم يصم الخ) هكذا فى كثير من النسخ بالميم، أى إذا مرض الرجل فى رمضان ولم يستطع الصيام لمرضه ثم صح بعد رمضان، ولم يصم ما فاته ثم مات، أطعم عنه وليه ولم يكن عليه أن يصوم عنه قضاء وإن نذر صوم أيام ثم مات ولم يف بنذره قضاه عنه وليه بالصوم. وفى بعض النسخ "إذا مرض الرجل فى رمضان ثم مات ولم يصح" بالحاء المهملة وهو خطأ، لأن الرجل إذا مرض فى رمضان ثم مات قبل أن يصح من مرضه، لا يلزم وليه قضاء ولا إطعام عنه لأنه لم يدرك عدة من أيام أخر (وهذا) الأثر من أدلة فرق بين صيام النذر وصيام غيره. لكنه وقوف على ابن عباس فلا تقوم به حجة. وهو وإن ورد مرفوعا ففيه اضطراب كما علمت

باب الصوم في السفر

(والأثر) أخرجه أيضا البيهقي في سننه قال: ورواية أبى حصين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال فى صيام شهر رمضان أطعم عنه، وفي النذر قضى عنه وليه. وعن ابن عباس أنه سئل عن رجل مات وعليه نذر يصوم شهرا وعليه صوم رمضان قال أما رمضان فليطعم عنه وأما النذر فيصام عنه. باب الصوم في السفر أى بيان إباحه وتخيير المكلف فيه فرضا أو نفلا (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ قَالاَ نَا حَمَّادٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ حَمْزَةَ الأَسْلَمِىَّ سَأَلَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ أَفَأَصُومُ فِى السَّفَرِ؟ قَالَ صُمْ إِنْ شِئْتَ وَأَفْطِرْ إِنْ شِئْتَ. (ش) (الرجال) (حماد) بن زيد. و (حمزة) بن عمرو بن عمير أبو صالح. صحابي جليل روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وبن أبي بكر وعمر. وعنه ابنه محمد وحنظلة ابن على وسليمان بن يسار وأبو سلمة وغيرهم. روى له مسلم وأبو داود والنسائي والبخاري في التعاليق. توفى سنة إحدى وتسعين. و (الأسلمي) نسبة إلى أسلم قبيلة من مراد (المعنى) (قوله أسرد الصوم) أى أتابعه وأواليه فى الحضر رغبة فى الثواب. وأسرد مضارع سرد من باب نصر ولا يلزم من تتابع الصوم صيام الدهر المنهى عنه لأن التتابع يصدق، إن لم يصم الدهر (قوله أفأصوم فى السفر) أى أتأذن لى فأصوم فى السفر؟ فالهمزة داخلة على محذوف والفاء عاطفة عليه. وظاهره أنه سأل عن مطلق الصوم فليس فيه تصريح بأنه صوم رمضان. لكن فى الرواية الآتية التصريح برمضان. وعن أبى الأسود عن عروة عن أبى مرواح عن حمزة أنه قال: يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام فى السفر علىّ جناح؟ فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه. رواه مسلم. وهو يشعر بأنه سأل عن صيام الفريضة، فإن الرخصة إنما تكون فى مقابلة ماهو واجب ويحتمل أن حمزة سأل مرتين مرة عن التطوّع وهو الذى روته عنه عائشة، ومرة عن الفرض وهو الذى فى الحديث الآتى ورواية مسلم المذكورة (قوله صم إن شئت وأفطر إن شئت) فوض النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إليه الأمر فى الصيام لأنه أعلم بحال نفسه، وللإشارة إلى أن صيام الفرض فى السفر ليس بواجب

(والحديث) أخرجه أيضا مالك فى الموطأ. وكذا البخاري والبيهقي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: أأصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام. فقال إن شئت فصم وإن شئت فأفطر، وأخرجه الدارمي عن طريق سفيان عن هشام بسنده أن حمزة ابن عمرو الأسلمى سأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله إني أريد السفر فما تأمرني؟ قال إن شئت فصم وإن شئت فأفطر (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِىُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْمَدَنِىُّ قَالَ سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ الأَسْلَمِىَّ يَذْكُرُ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى صَاحِبُ ظَهْرٍ أُعَالِجُهُ أُسَافِرُ عَلَيْهِ وَأَكْرِيهِ, وَإِنَّهُ رُبَّمَا صَادَفَنِى هَذَا الشَّهْرُ يَعْنِى رَمَضَانَ, وَأَنَا أَجِدُ الْقُوَّةَ وَأَنَا شَابٌّ فَأَجِدُ بِأَنْ أَصُومَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْوَنَ عَلَىَّ مِنْ أَنْ أُؤَخِّرَهُ فَيَكُونَ دَيْنًا, أَفَأَصُومُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْظَمُ لأَجْرِى أَوْ أُفْطِرُ؟ قَالَ أَىُّ ذَلِكَ شِئْتَ يَا حَمْزَةُ. (ش) (الرجال) (محمد بن عبد المجيد) قيل صوابه ابن عبد الحميد بن سهيل بن عبد الرحمن ابن عوف الزهرى (المدني) روى عن حمزة بن محمد الأسلمي. وعنه عبد الله بن محمد النفيلي. ذكره ابن حبان في الثقات، وفى التقريب مقبول من السابعة: وقال ابن القطان لا يعرف ولا ذكر له إلا فى هذا الحديث. روى له أبو داود. و (حمزة بن محمد بن حمزة) روى عن أبيه. وعنه محمد بن عبد المجيد هذا الحديث فقط. ضعفه ابن حزم، وقال ابن القطان مجهول ولم أر للمتقدمين فيه كلاما وفى التقريب مجهول من السادسة. روى له أبو داود. و (أبوه) محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمى. روى عن أبيه. وعنه ابناه حمزة وأبو بكر وأسامة بن زيد وأبو الزناد وكثير بن زيد. ذكره ابن حبان فى الثقات، وقال ابن القطان لا يعرف حاله وضعفه ابن حزم. ورده القطب الحلبي فقال: لم يضعفه قبله أحد وهو فى التقريب مقبول من الثالثة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي والبخارى فى التعاليق. و (جده) حمزة بن عمرو. راوى الحديث السابق (المعنى) (قوله إنى صاحب ظهر الخ) أى إني صاحب إبل أستعملها في الكراء وأسافر معها. فقوله أعالجه أى أستعمله (قوله وإنه ربما صادفنى هذا الشهر الخ) أى إن الحال والشأن ربما أدركنى شهر رمضان وأنا مسافر قادر على الصيام قدرة تامة فأرى أن الصيام خير لي من الفطر مخافة أن يكون الصوم

إظهار الرءيس المسافر الفطر في رمضان ليقتدي به

دينا علىّ. وفي نسخة "فأجد أن أصوم أفتأذن لى فى الصيام فيكون أعظم لأجرى أم الفطر أعظم؟ " (قوله أى ذلك شئت) أى افعل أى الأمرين تريده. فهو تخيير منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لحمزة بين الصيام والإفطار (الفقه) دلّ الحديث على جواز الفطر في السفر المباح (والحديث) أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ فَرَفَعَهُ إِلَى فِيهِ لِيُرِيَهُ النَّاسَ وَذَلِكَ فِى رَمَضَانَ, فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَدْ صَامَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَأَفْطَرَ, فَمَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. (ش) (أبو عوانة) الوضاح. و (منصور) بن المعتمر (قوله عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس) هكذا فى البخاري. والبيهقي والنسائي من طريق شعبة عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس، ولا تنافي بينهما لأن مجاهد رواه مرة عن طاوس عن ابن عباس وأخرى عن ابن عباس مباشرة (قوله خرج النبى من المدينة إلى مكة) وذلك كان في عام الفتح في رمضان كما فى الصحيحين (قوله حتى بلغ عسفان) بضم العين وسكون السين المهملتين موضع بين مكة والمدينة على نحو ثلاث مراحل من مكة، ويذكر ويؤنث ونونه زائدة. وفى رواية البخارى "أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج إلى مكة في رمضان حتى بلغ الكديد أفطر وأفطر الناس" والكديد بفتح الكاف وكسر الدال المهملة مكان أقرب إلى المدينة من عسفان، وعند مسلم من حديث جابر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج عام الفتح إلى مكة فى رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم. وكراع بضم الكاف، والغميم بفتح الغين المعجمة اسم واد أمام عسفان فاختلفت الروايات فى الموضع الذي أفطر فيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ولا منافاة بينها فإن كديدا وكراع الغميم من أعمال عسفان. والقصة واحدة (قوله ثم دعا بإناء فرفعه إلى فيه الخ) وفى رواية البخاري فرفعه إلى يده ليراه الناس. قال الحافظ: وهو مشكل لأن الرفع إنما يكون باليد. وأجيب بأن المعنى رفعه إلى أقصى طول يده أى انتهى الرفع إلى أقصى غايتها. والأوضح ما فى رواية أبى داود "فرفعه إلى فيه" ولعل الكلمة تصحفت اهـ ملخصا وفعل ذلك صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما بلغه أن الناس قد شق عليهم الصوم، فكانوا ينتظرون فعله، فدعا بقدح من ماء فرفعه حتى ينظر الناس إليه فيقتدوا به فى الإفطار تيسيرا

إباحة الفطر للمسافر ولو بعد نية الصوم

عليهم. فقد روى أحمد عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عام الفتح فى شهر رمضان حتى مر بغدير فى الطريق، وذلك فى نحر الظهيرة فعطش الناس فجعلوا يمدون أعناقهم وتتوق أنفسهم إليه فدعا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقدح فيه ماء فأمسكه على يده حتى رآه الناس ثم شرب فشرب الناس (وفى الحديث) دليل على أنه يجوز لمن نوى الصيام بالليل وهو مسافر أن يفطر فى النهار وهو قول الجمهور. وقال عبيدة السلمانى وأبو مجلز وسويد بن غفلة: لا يباح الفطر متى سافر بعد دخول الشهر لقوله تعالى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وهذا قد شهده وهو مقيم. لكن هذا غير مسلم. فإن الأحاديث الكثيرة دلت عل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شهد الشهر وهو مقيم ثم سافر وأفطر وقوله تعالى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} المراد من شهده كله خاليا من الأعذار يجب عليه الصوم (والحديث) أخرجه أيضا البخاري ومسلم والنسائي والطحاوي والبيهقي والدارمي بألفاظ متقاربة (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا زَائِدَةُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِى رَمَضَانَ فَصَامَ بَعْضُنَا وَأَفْطَرَ بَعْضُنَا فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ. (ش) (زائدة) بن قدامة (قوله سافرنا مع رسول الله) هكذا رواه مالك أيضا عن حميد وتابعه جماعة من الحفاظ. منهم أبو إسحاق الفزارى وأنس بن عياض وعبد الوهاب الثقفي كلهم عن حميد "فما" ذكره ابن وضاح من أن مالكا لم يتابع على هذا اللفظ، وأن غيره يرويه عن حميد عن أنس: كان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يسافرون فيصوم بعضهم ويفطر بعض، فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، بدون ذكر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا أنه كان يشاهد أحوالهم "غير مسلم" اهـ. من الزرقاني. ملخصا (قوله فلم يعب الصائم على المفطر) وعند مسلم حديث أبى سعيد: إنا نغزو مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم يرون أن من وجد قوّة فصام فإن ذلك حسن ومن وجد ضعفا فأفطر أن ذلك حسن (وظاهر أحاديث الباب) أن المسافر فى رمضان مخير بين الصوم والإفطار، وبهذا قال ابن عباس وأنس وأبو سعيد وسعيد بن المسيب والحسن البصرى والنخعي ومجاهد والأوزاعى والليث وعطاء وسعيد بن جبير أخذا بظاهر الأحاديث المذكورة. وفيها دليل على جواز صوم الفرض للمسافر وبه قال عامة العلماء إلا ابن عمر فقد روى عنه أنه قال إن صام فى السفر قضى فى الحضر وروى عن ابن عباس أنه

ترغيب المجاهد في الفطر

قال لا يجوز الصوم فى السفر وإليه ذهب داود بن على من المتأخرين. ثم اختلفوا فى الأفضل منهما فقال أنس بن مالك وعثمان بن أبي العاص الصوم أفضل للمسافر وهو قول النخعي وسعيد ابن جبير وأبى حنيفة وأصحابه ومالك والثورى والشافعي. وقال بعضهم الفطر أفضل وهو قول ابن المسيب والشعبي والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه. وقال بعضهم أفضل الأمرين أيسرهما على المسافر لقوله تعالى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} فإن كان الصوم أيسر كمن سهل عليه وشق عليه القضاء فصومه أفضل وإن كان الفطر أيسر فهو أفضل وإليه ذهب مجاهد وعمر بن عبد العزيز وقتادة واختاره ابن المنذر (والحديث) أخرجه أيضا مالك في الموطأ والبخاري ومسلم والطحاوي والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَوَهْبُ بْنُ بَيَانٍ الْمَعْنَى قَالاَ نَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِى مُعَاوِيَةُ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ قَزَعَةَ قَالَ أَتَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ وَهُوَ يُفْتِى النَّاسَ وَهُمْ مُكِبُّونَ عَلَيْهِ فَانْتَظَرْتُ خَلْوَتَهُ, فَلَمَّا خَلاَ سَأَلْتُهُ عَنْ صِيَامِ رَمَضَانَ فِى السَّفَرِ, فَقَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِى رَمَضَانَ عَامَ الْفَتْحِ, فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ وَنَصُومُ حَتَّى بَلَغَ مَنْزِلاً مِنَ الْمَنَازِلِ فَقَالَ: إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ. فَأَصْبَحْنَا مِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ. قَالَ ثُمَّ سِرْنَا فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فَقَالَ: إِنَّكُمْ تُصَبِّحُونَ عَدُوَّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا. فَكَانَتْ عَزِيمَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: ثُمَّ لَقَدْ رَأَيْتُنِى أَصُومُ مَعَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَ ذَلِكَ. (ش) (الرجال) (وهب بن بيان) بن حبان أبو عبد الله الواسطى. روى عن ابن عيينة ويحيى بن سعيد وابن وهب وعبيدة بن حميد وجماعة. وعنه أبو داود والنسائي وأحمد بن يحيى وأحمد بن إبراهيم وغيرهم. وثقه النسائي ومسلمة بن قاسم. قال أبو حاتم صدوق لا بأس به. وفى التقريب ثقة عابد من العاشرة. توفى سنة ست وأربعين ومائتين. روى له أبو داود والنسائي و (ابن وهب) عبد الله و (معاوية) بن صالح و (قزعة) بن يحيى البصرى تقدم بالخامس ص 288

باب من اختار الفطر

(المعنى) (قوله وهم مكبون عليه) أى مجتمعون عليه للتعلم جمع مكب اسم فاعل كب من باب قتل يقال كببت الإناء كبا قلبته على رأسه وفى نسخة "وهو مكثور عليه" وهى رواية مسلم والبيهقي أى تكاثر الناس عليه. وفى أخرى "وهو مكبوب عليه" (قوله حتى بلغ منزلا من المنازل) لعله عسفان أو كراع الغميم أو الكديد كما مر (قوله إنكم تصبحون عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا) حتم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الفطر فى المرة الثانية لتحقق لقاء العدو، فتكون عندهم القوة على جهاده ورغبهم فى المرة الأولى لعدم تحقق ملاقاته (وظاهر الحديث) يدل على أن الصوم فى السفر أفضل من الإفطار لأن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومن معه من الصحابة كانوا صائمين ولم يفطروا إلا عند الحاجة (الفقه) دل الحديث على مزيد رأفته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالأمة. وعلى أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. وعلى أن الفطر فى السفر لا يحتم إلا عند الضرورة (والحديث) أخرجه أيضا مسلم والبخارى والبيهقى بالسند إلى قزعة قال: أتيت أبا سعيد وهو مكثور عليه، فلما افترق الناس عنه قلت: إني لا أسألك عما سألك هؤلاء. أسألك عن الصوم فى السفر فقال: سافرنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى مكة ونحن صيام فنزلنا منزلا، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم. فكانت رخصة. منا من صام ومنا من أفطر ثم نزلنا، منزلا آخر فقال: إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا، فكانت عزمة، فأفطرنا ثم قال: لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد ذلك فى السفر باب من اختار الفطر وفي نسخة "باب اختيار الفطر" أى تفضيل الفطر على الصوم لمن أجهده الصوم فى السفر (ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِىُّ نَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَعْنِى ابْنَ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَسَنٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلاً يُظَلَّلُ عَلَيْهِ وَالزِّحَامُ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِى السَّفَرِ. (ش) (محمد بن عبد الرحمن) بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد (قوله رأى رجلا يظلل عليه الخ) أى من الشمس. ولم نقف على اسم هذا الرجل "وما قيل" من أنه أبو إسراءيل القرشى العامرى "فغير مسلم" لأن قصة حديث جابر كانت فى السفر وقصة أبى إسراءيل

الخلاف في حكم صيام رمضان للمسافر، الراجح أن أفضل لمن قوى عليه: الجواب عن دليل من قال بحرمته في السفر

كانت فى الحضر كما ذكره الخطيب فى المبهمات بسنده إلى أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب يوم الجمعة فنظر إلى رجل من قريش يقال له أبو إسراءيل فقالوا نذر أن يصوم ويقوم فى الشمس ولا يتكلم ولا يجلس فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليقعد وليتكلم وليستظل وليفطر (قوله ليس من البر الصيام فى السفر) قال ذلك صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما رأى الرجل ساقطا مظللا عليه لضعفه من الصيام كما جاء ذلك مبينا فى رواية الطبرى عن كعب بن عاصم الأشعرى قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ونحن فى حرّ شديد، فإذا رجل من القوم قد دخل تحت ظل شجرة وهو مضطجع كضجعة الْوَجِعِ، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: ما لصاحبكم أى وجع به؟ فقالوا ليس به وجع، ولكنه صائم وقد اشتد عليه الحر. فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليس من البر أن تصوموا فى السفر، عليكم برخصة الله التى رخص لكم (وتمسك بظاهر هذا الحديث) بعض الظاهرية والشيعة. وقالوا إذا لم يكن من البر فهو من الإثم، فدل على أن صوم رمضان لا يجزئ فى السفر. وحكى هذا عن أبى هريرة وعمر وابن عمر والزهرى. وروى عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: الصوم فى السفر كالفطر فى الحضر، واستدلوا أيضا بما رواه مسلم والطحاوى عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة فى رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب فقيل له بعد ذلك إن بعض الناس قد صام فقال أولئك العصاة أولئك العصاة. وبما رواه البخارى ومسلم عن أنس قال: كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى سفر أكثرنا ظلا صاحب الكساء، فمنا من يتقى الشمس بيده فسقط الصوّام وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذهب المفطرون اليوم بالأجر. واستدلوا بقوله تعالى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} أي فعليه عدّة من أيام أخر وقال الجمهور إن تقدير الآية فأفطر {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وحكى الطبرى عن قوم أن الفطر لا يجوز للمسافر إلا إذا خاف على نفسه الهلاك أو المشقة الشديدة. وقال أحمد والأوزاعى وإسحاق يجوز الصوم. والفطر أفضل عملا بالرخصة. يعنون بها فطره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السفر كما فى الأحاديث المذكورة (وذهب جمهور العلماء) ومنهم أبو حنيفة ومالك والشافعى إلى أن الصوم أفضل لمن قوى عليه وهو الراجح (وأجاب الخطابى) عن حديث الباب بأنه خرج على سبب فهو مقصور على من كان فى مثل حال من سبق له كأنه قال ليس من البر أن يصوم المسافر إذا كان الصوم يؤديه إلى مثل هذه الحال بدليل صيام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى سفره عام الفتح ولتخييره فى

حديث حمزة الأسلمى بين الصوم والإفطار. ولو لم يكن الصوم برّا لم يخيره فيه اهـ بتصرف وحمل الشافعى نفى البر فيه على من أبى قبول الرخصة فقال: معنى قوله ليس من البر أن يبلغ رجل هذا بنفسه فى فريضة صوم ولا نافلة، وقد أرخص الله له أن يفطر وهو صحيح. ويحتمل أن يكون معناه: ليس من البر المفروض الذى من خالفه أثم. وقال الطحاوى المراد بالبر هنا البر الكامل، وليس المراد به إخراج الصوم فى السفر عن أن يكون برّا، لأن الإفطار قد يكون أبر من الصوم إذا كان للتقوى على لقاء العدو مثلا اهـ "وأما" قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى شأن من صام فى السفر: أولئك العصاة "فإنما كان "لمخالفتهم أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لهم بالفطر لضرورة القتال "وقوله" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: ذهب المفطرون اليوم بالأجر. أى على ما قاموا به من خدمة الصائمين "إنما قاله" ترغيبا فى التعاون على البر فلا ينافى أن الصائمين لهم أجر صيامهم. وإلا لأمرهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذ ذاك بالفطر" لأنه لا يقر منكرا "وأما آية {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} الخ "فتقدم" أن تقديره فأفطر فعليه عدة من أيام أخر، بدليل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه صاموا فى رمضان فى السفر. وليس المراد أن كلا من المريض والمسافر إذا صام لا يجزئه الصوم ويلزم بعدة من أيام أخر كما لا يخفى (والحديث) أخرجه أيضا البخارى ومسلم والدارمى والبيهقى بألفاظ متقاربة. وأخرجه النسائى من طريق يحيى بن أبى كثير قال: أخبرني محمد بن عبد الرحمن أخبرنى جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرّ برجل إلى ظل شجرة يرش عليه الماء قال: ما بال صاحبكم هذا؟ قالوا يا رسول الله صائم. قال: ليس من البر أن تصوموا فى السفر، وعليكم برخصة الله التى رخص لكم فاقبلوها. وأخرج الطحاوى نحوه. وأخرجه أيضا عن ابن عمر (ص) حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ نَا أَبُو هِلاَلٍ الرَّاسِبِىُّ نَا ابْنُ سَوَادَةَ الْقُشَيْرِىُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ "رَجُلٍ مِنْ بَنِى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ إِخْوَةِ بَنِى قُشَيْرٍ" قَالَ: أَغَارَتْ عَلَيْنَا خَيْلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَانْتَهَيْتُ أَوْ قَالَ فَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَأْكُلُ فَقَالَ: اجْلِسْ فَأَصِبْ مِنْ طَعَامِنَا هَذَا. فَقُلْتُ إِنِّى صَائِمٌ. قَالَ اجْلِسْ أُحَدِّثْكَ عَنِ الصَّلاَةِ وَعَنِ الصِّيَامِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ شَطْرَ الصَّلاَةِ أَوْ نِصْفَ الصَّلاَةِ. وَالصَّوْمَ عَنِ الْمُسَافِرِ وَعَنِ الْمُرْضِعِ أَوِ الْحُبْلَى. وَاللَّهِ لَقَدْ قَالَهُمَا جَمِيعًا أَوْ أَحَدَهُمَا

فَتَلَهَّفَتْ نَفْسِى أَنْ لاَ أَكُونَ أَكَلْتُ مِنْ طَعَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. (ش) (الرجال) (وأبو هلال الراسبى) محمد بن سليم مولى بنى سامة. روى عن الحسن البصرى وحميد بن هلال وابن أبى مليكة وقتادة وجماعة. وعنه ابن مهدى ووكيع وزيد بن الحباب ومؤمل بن إسماعيل وطائفة. وثقه أبو داود وقال النسائى ليس بالقوى وضعفه ابن سعد وقال أحمد مضطرب الحديث وقال ابن عدى له أحاديث عامتها غير محفوظة وفى بعض رواياته ما لا يوافقه عليه الثقات وهو ممن يكتب حديثه. وفى التقريب صدوق فيه لين من السادسة. توفى سنة تسع وستين ومائة. روى له أبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه والبخارى فى التاريخ. و (ابن سوادة) عبد الله بن سوادة بن حنظلة. تقدم بصفحة 67. و (أنس بن مالك) أبو أمية أو أبو أميمة (رجل من بنى عبد الله الخ) هذا هو الصواب كما جزم به البخارى، فهو كعبى فقط لا قشيرى. ومن قال إنه قشيرى فقد أخطأ. لأن قشيرا ابن كعب ولكعب ابن اسمه عبد الله فهو من إخوة قشير لا من قشير نفسه. وفى ابن ماجه عن أنس رجل من بنى عبد الأشهل. وهو. غلط لما علمت من أنه من بنى كعب. وأنس هذا غير أنس خادم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حديث الباب فقط. وعنه أبو قلابة وعبد الله بن سوادة. روى له أبو داود والنسائى والترمذى وابن ماجه (المعنى) (قوله أغارت علينا خيل لرسول الله) أى نزلت علينا فرسان بسرعة لنهب أموالنا. ولعلهم أغاروا عليهم لاعتقادهم أنهم كفار (قوله فانطلقت إلى رسول الله) وفى رواية أحمد قال: أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى إبل لجار لى أخذت. وفى النسائى قال أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى إبل كانت لى أخذت (قوله إن الله تعالى وضع شطر الصلاة الخ) أى أسقط نصف الصلاة الرباعية عن المسافر ولا قضاء عليه، وأسقط الصوم عنه، وعليه القضاء لقوله تعالى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر} وأسقط الصوم من المرضع أو الحبلى بحرف الشك أو التنويع كما فى الترمذى. ولفظه "إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن الحامل أو المرضع الصوم" وفى رواية أحمد: إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم أو الصيام (قوله والله لقد قالها جميعا أو أحدهما) أى قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إن الله تعالى أسقط الصوم عن المسافر والمرضع والحبلى، أو قال: أسقطه عن المسافر وعن المرضع، أو عن المسافر والحبلى. قال الخطابى: قد يجمع نظم الكلام أشياء منسوقه فى الذكر مفترقة فى الحكم، وذلك أن الشطر الموضوع من الصلاة يسقط لا إلى قضاء، والصوم يسقط فى السفر ترخيصا للمسافر ثم يلزمه القضاء إذا أقام. والحامل

بيان اضطراب سند حديث "إن الله وضع شطر الصلاة والصوم عن المسافر"

والمرضع تفطران ثم تقضيان اهـ بتصرف. وتقدم الكلام على ما يلزم الحبلى والمرضع أوّل الصيام فى "باب من قال هى مثبتة للشيخ والحبلى، وفى رواية أحمد: إنّ الله وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم (قوله فتلهفت نفسى الخ) أى أسفت وندمت على عدم أكلى مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن عرفت الرخصة. وفى رواية أحمد والترمذى فيا لهف نفسى وهذا يدل على أن أنس بن مالك الكعبي كان مسافرا أيضا (الفقه) دلّ الحديث على أنه ينبغى لمن علم حكما أن يعلمه من جهله. وعلى مشروعية قصر الصلاة للمسافر. وتقدم بيانه فى "باب قصر الصلاة". وعلى عدم وجوب الصوم حال السفر. وعلى عدم وجوبه على الحامل والمرضع (والحديث) أخرجه أيضا أحمد وابن ماجه والترمذى وقال حديث حسن ولا نعرف لأنس بن ملك هذا "يعنى الكعبي" عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غير هذا الحديث الواحد اهـ وأخرجه البيهقى من طريق أبى هلال عن عبد الله ابن سوادة عن أنس بن مالك "رجل من بنى عبد الأشهل" بنحو لفظ المصنف. وأخرجه من طريق وهيب قال: ثنا عبد الله بن سوادة عن أبيه أن أنس بن مالك "رجل منهم" قال أصيبت إبل له فأتى المدينة فى طلب إبله فدخل على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فوافقه وهو يتغدى. فقال هلم إلى الغداء. فقال. إنى صائم. فقال: إن الصيام وضع عن المسافر وشطر الصلاة وعن الحبلى أو المرضع "كذا فى النسخ" وأخرجه من طريق وهيب عن أيوب عن أبى قلابة عن رجل من بنى عامر أنه أتى المدينة فى طلب إبل له وذكر الحديث بمثله. قال: (ورواه الثورى) عن أيوب عن أبى قلابة عن أنس بن مالك الكعبي (ورواه معمر) عن أيوب عن أبى قلابة عن رجل من بنى عامر يقال له أنس حدثه (ورواه خالد الحذاء) عن أبى قلابة ويزيد بن عبد الله بن الشخير عن رجل من بنى عامر (ورواه يحيى بن أبى كثير) عن أبى قلابة عن أبى أمية أو أبى المهاجر عن أبى أمية قال قدمت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو أبو أمية أنس بن مالك الكعبى اهـ وهذه الرواية أخرجها الدارمى عن أبى أمية الضمرى قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سفر فسلمت عليه، فلما ذهبت لأخرج قال انتظر الغداء يا أبا أمية فقلت إنى صائم يا نبى الله فقال تعال أخبرك عن المسافر إن الله وضع عنه الصيام ونصف الصلاة اهـ قال فى الجوهر النقى بين البيهقى اضطراب سند هذا الحديث. وقد بينا فى باب صلاة المسافر اضطراب متنه أيضا اهـ باب فيمن اختار الصيام وفى نسخة باب من اختار الصيام يعنى حال السفر (ص) حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ نَا الْوَلِيدُ نَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنِى إِسْمَاعِيلُ

بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَتْنِى أُمُّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِى بَعْضِ غَزَوَاتِهِ فِى حَرٍّ شَدِيدٍ حَتَّى إِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ, أَوْ كَفَّهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ. مَا فِينَا صَائِمٌ إِلاَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ. (ش) (الرجال) (الوليد) بن مسلم. و (إسماعيل بن عبيد الله) بن أبي المهاجر الدمشقى المخزومى أبو عبد الحميد. روى عن أنس وميسرة مولى فضالة وعبد الرحمن بن غنم وأم الدرداء. وعنه ربيعة بن يزيد والأوزاعى وسعيد بن عبد العزيز وعبد الله بن عبد الرحمن وآخرون. وثقه العجلى والدارقطنى ومعاوية بن صالح وقال الأوزاعى كان مأمونا على ما حدث. وفي التقريب ثقة من الرابعة. توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة. روى له البخارى ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. و (أم الدرداء) الصغرى هجيمة ويقال جهيمة. و (أبو الدرداء) عويمر ابن مالك أو ابن عامر الأنصارى (المعنى) (قوله خرجنا مع رسول الله في بعض غزواته) لم يعلم عينها. وما قيل من أنها غزوة الفتح غير مسلم، لأن عبد الله بن رواحة كان مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في تلك الغزوة، وقد استشهد بموتة قبل غزوة الفتح. وأيضا فإن أحاديث غزوة الفتح تفيد أن الذين استمروا صائمين من الصحابة كانوا جماعة. وفي حديث الباب أنه ابن رواحة وحده. وقال صاحب التلويح يحتمل أن تكون غزوة بدر وهو غير مسلم لأن أبا الدرداء لم يكن أسلم وقتئذ، وإن كانت غزوة بدر وقعت في رمضان، كما رواه الترمذي من حديث عمر قال غزونا مع سول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في رمضان يوم بدر ويوم الفتح (قوله ما فينا صائم الخ) وفي رواية الشيخين وما فينا بالواو (والحديث) دليل على أن الصيام في السفر أفضل لمن قوى عليه، وأن الفطر أفضل لمن لم يقو على الصيام "ولا يقال" إن ذلك الصيام كان تطوّعا "لما" في رواية مسلم من حديث أبي الدرداء قال: خرجنا مع رسول الله في بعض غزواته في شهر رمضان في حرّ شديد (قال) الحافظ في الفتح وبهذه الزيادة يتم المراد من الاستدلال ويتوجه الرد على أبي حمد بن حزم في زعمه أن حديث أبي الدرداء هذا لا حجة فيه، لاحتمال أن يكون ذلك الصوم تطوّعا اهـ وبأفضلية الصيام في السفر قال أبو حنيفة ومالك والشافعى والثورى وفضيل بن عياض وعبد الله بن المبارك. وقال به من الصحابة حذيفة وعثمان بن أبي العاص. وروى عن أنس وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وهو أعدل المذاهب "وما تقدم" من قوله

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: ليس من البر الصيام في السفر محمول "كما تقدم" على من شق عليه الصوم (والحديث) أخرجه أيضا البخاري ومسلم والطحاوي، وكذا البيهقي بلفظ: قال أبو الدرداء وقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بعض أسفاره في يوم حار شديد الحر حتى إن الرجل ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما منا أحد صائم الخ (ص) حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى نَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ ح وَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ نَا أَبُو قُتَيْبَةَ الْمَعْنَى قَالاَ نَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَزْدِىُّ قَالَ حَدَّثَنِى حَبِيبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ سِنَانَ بْنَ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ الْهُذَلِىَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ حَمُولَةٌ تَأْوِى إِلَى شِبَعٍ فَلْيَصُمْ رَمَضَانَ حَيْثُ أَدْرَكَهُ. (ش) (الرجال) (أبو قتيبة) سلم بن قتيبة الشعيرى بفتح المعجمة وكسر المهملة. تقدم بالثامن ص 154. و (سنان بن سلمة بن المحبق) بوزن معظم أبو عبد الرحمن البصرى الهذلى. روى عن أبيه وعمر بن الخطاب وابن عباس. وعنه حبيب بن عبد الله وسلمة بن جنادة. ذكره ابن حبان في الصحابة وقال ولد يوم حنين. قال في التقريب فله رؤية. وقال أبو زرعة ليس له صحبة، ولكن ولد في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال العجلى تابعى ثقة وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعى أهل البصرة وقال كان معروفا قليل الحديث. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. مات في آخر إمارة الحجاج. و (أبوه) سلمة بن المحبق وقيل سلمة بن ربيعة بن المحبق. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابنه سنان وقبيصة بن حريث والحسن البصرى. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه. (المعنى) (قوله من كانت له حمولة) بفتح المهملة ما يحمل عليه الناس من الإبل. وقد تستعمل في الفرس والبغل والحمار (قوله تأوى إلى شبع الخ) بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة وفتحها، أى تأوى بصاحبها إلى مكان فيه ما يقوته. وفي نسخة يأوى أى يأوى صاحبها إلى مكان يشبع فيه بأن يكون معه زاد. والمراد أن من لا يلحقه مشقة فليصم وإن كان سفره طويلا. وقيل المراد أن من كان راكب وسفره قصير بحيث يبلغ المنزل في يوم فليصم. وفيه بعد والأمر للندب على الاحتمال الأول والوجوب على الثانى. وهو من أدلة القائلين إن الأفضل لمن شق عليه الصوم الفطر. وإن الصوم أفضل لمن قوى عليه (والحديث) ضعيف لأن عبد الصمد بن حبيب فيه مقال. قال البخاري عبد الصمد بن حبيب منكر الحديث ذاهب ولم

باب متى يفطر المسافر إذا خرج؟

يعد هذا الحديث شيئا (ولم نقف) على من أخرجه من طريق هاشم بن القاسم ولا من طريق ابن قتيبة. (ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ نَا عَبْدُ الصَّمَدِ يَعْنِي بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ نَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَبِيبٍ حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ سِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ فِى السَّفَرِ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ. (ش) (أبو عبد الصمد) حبيب بن عبد الله الأزدي. تقدم بالسابع ص 121 (قوله فذكر معناه) أي ذكر عبد الصمد بن عبد الوارث عن عبد الصمد بن حبيب معنى حديث هاشم بن القاسم وأبي قتيبة عنه (وأخرج) هذه الرواية البيهقى من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث ومسلم بن إبراهيم قالا ثنا عبد الصمد بن حبيب العوذى عن أبيه عن سنان بن سلمة بن المحبق عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: من كان في سفر على حمولة يأوى إلى شبع فليصم حيث أدركه رمضان. وهو ضعيف أيضا لما تقدم. باب متى يفطر المسافر إذا خرج؟ أي متى يباح له تناول المفطر إذا خرج للسفر (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ ح وَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى الْمَعْنَى حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ أَبِى أَيُّوبَ. زَادَ جَعْفَرٌ "وَاللَّيْثُ" قَالَ حَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ أَبِى حَبِيبٍ أَنَّ كُلَيْبَ بْنَ ذُهْلٍ الْحَضْرَمِىَّ أَخْبَرَهُ عَنْ عُبَيْدٍ قَالَ جَعْفَرٌ بْنُ جَبْرٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ أَبِى بَصْرَةَ الْغِفَارِىِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِى سَفِينَةٍ مِنَ الْفُسْطَاطِ فِى رَمَضَانَ فَرُفِعَ ثُمَّ قُرِّبَ غَدَاؤُهُ قَالَ جَعْفَرٌ فِى حَدِيثِهِ: فَلَمْ يُجَاوِزِ الْبُيُوتَ حَتَّى دَعَا بِالسُّفْرَةِ قَالَ اقْتَرِبْ. قُلْتُ أَلَسْتَ تَرَى الْبُيُوتَ؟ قَالَ أَبُو بَصْرَةَ أَتَرْغَبُ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ جَعْفَرٌ فِى حَدِيثِهِ: فَأَكَلَ. (الرجال) (قوله زاد جعفر والليث) أي زاد جعفر بن مسافر في روايته الليث بن سعيد

مع سعيد بن أبي أيوب واقتصر عبيد الله في روايته على سعيد. فقوله والليث عطف على سعيد و (كليب بن ذهل الحضرمي) المصري. روى عن عبيد بن جبر، وعنه يزيد بن أبي حبيب. قال ابن خزيمة لا أعرفه بعدالة. وذكره ابن حبان في الثقات. وفي التقريب مقبول من السادسة. روى له أبو داود. و (عبيد) مصغرًا ابن جبر كما صرح به جعفر بن مسافر، الغفاري أبو جعفر المصرى مولى أبي بصرة. روى عن مولاه هذا الحديث. وعنه كليب بن ذهل. وفي التقريب يقال كان ممن بعث به المقوقس مع مارية فعلى هذا له صحبة. ذكره يعقوب بن سفيان في الثقات وقال ابن خزيمة لا أعرفه. روى له أبو داود. و (أبو بصرة) قيل اسمه حميل بفتح الحاء المهملة أو بضمها وعليه الأكثر. وقيل بالجيم ابن بصرة بن وقاص بن حاجب بن غفار. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعن أبي ذر. وعنه عمرو بن العاص وأبو هريرة وعبد الرحمن بن شماسة وعبيد بن جبر. شهد فتح مصر ومات بها. روى له أبو داود ومسلم والنسائي والبخارى في الأدب (المعنى) (قوله من الفسطاط في رمضان) متعلق بمحذوف أى فسرت مع أبي بصرة من مصر القديمة إلى الإسكندرية في شهر رمضان. وأصل الفسطاط بضم الفاء وكسرها كل مدينة. والمراد بها هنا مصر القديمة (قوله فرفع) أى مرسى السفينة وهى الحديدة المعروفة التى تربط بها. أو رفع أبو بصرة إلى السفينة، وفي رواية البيهقي والدارمى فدفع فقرب غداءه وهى واضحة. وفي رواية لأحمد ركبت مع أبي بصرة من الفسطاط إلى الاسكندرية في سفينة في رمضان، فلما دفعنا من مرسانا أمر بغدائه (الحديث) وهى أوضح وأصوب من رواية المصنف (قوله ثم قرب غداؤه الخ) أى الطعام الذى يؤكل أول النهار. وهذا لفظ عبيد الله بن عمر. أمّا لفظ جعفر بن مسافر فذكره بقوله: قال جعفر في حديثه فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة. أى لم يجاوز أبو بصرة بيوت الفسطاط حتى طلب السفرة وهى في الأصل الطعام الذى يصنع للمسافر. وتطلق على ما يوضع فيه الطعام مجازًا، وتجمع على سفر كغرفة وغرف (قوله ألست ترى البيوت) أى قال عبيد بن جبر لأبي بصرة أتأمرنا بتناول الطعام قبل مجاوزة البيوت؟ قال ذلك مستغربًا لظنه أن الفطر لا يجوز للمسافر قبل مجاوزة العمران (قوله أترغب عن سنة رسول الله) استفهام إنكارى أى لا تترك الأكل، فإن في تركك له إعراضا عن العمل بسنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "وإذا قال الصحابي" من سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كذا أو هذا من السنة "دل" على أن ذلك مرفوع إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله فأكل) أى أبو بصرة وأكلت معه، لما في رواية أحمد: فلم نزل مفطرين حتى بلغنا أحوزنا "أى الناحية التى أردنا السفر إليها" (والحديث) يدل على أنه يجوز للمسافر أن يفطر ولو لم يجاوز

باب قدر مسيرة ما يفطر فيه

بيوت البلد التى سافر منها. وبه قال الحسن البصرى حتى إنه قال: يفطر في بيته إن شاء يوم يريد أن يخرج. وروى نحوه عن عطاء، وعمل به أنس كما رواه الترمذي عن محمد بن كعب قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرا وقد رحلت له راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل. فقلت له سنة؟ فقال سنة ثم ركب (وقال) عامة أهل العلم لا يفطر حتى يجاوز البيوت. ويجاب عن حديث الباب بأنه ليس نصًا في عدم مجاوزتهم البيوت، لجواز أن يكون فطرهم بعد مجاوزتهم لها، وإن كانت لم تغب عن أبصارهم. وهو ظاهر ما فى رواية احمد من قوله ما تغيب عنا منازلنا بعد. وقوله في الحديث "فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة" كناية عن شدّة قربهم لها وإن كانوا قد فارقوها (وفيه) دليل على أنه يجوز لمن بيت نية الصوم ثم سافر نهارًا أن يفطر. وقالت الحنفية لا يجوز له ذلك. وأما من نوى الصوم وهو مقيم ثم سافر في أثناء النهار فليس له أن يفطر عند الجمهور ومنهم الحنفية. وقال أحمد وإسحاق والشعبى يجوز له الفطر واختاره المزنى. وحكى عن أنس بن مالك. قال الخطابي: وشبهوه بمن أصبح صائما ثم مرض في يومه، فإن له أن يفطر للمرض، قالوا وكذلك من أصبح صائما ثم سافر لأن كل واحد من الأمرين "المرض والسفر" مرخص حدث في أثناء النهار. قلت السفر لا يشبه المرض لأن السفر من فعله، والمرض يحدث لا باختياره يعذر فيه لا في السفر اهـ بتصرف. وقال في البذل: فهذا الحديث يخالف مذهب الحنفية، وأجابوا عنه أولا أن أبا بصرة رضى الله عنه لعله ثبت عنده أنه يجوز الإفطار سواء كان مسافرا أو مقيما إذا نوى الصوم بالليل بنوع اجتهاد، وإلا فلا نص عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وثانيا أنه يمكن أن يقال إن أبا بصرة كان مقيما فى فسطاطه فخرج منها ليلا قبل الصبح ولم ينو الصوم فصار مسافرا، فجاز له الإفطار لما فارق بيوت مصر من الجهة التى ركب فيها السفينة اهـ بتصرف. (والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبيهقى والدارمي باب قدر مسيرة ما يفطر فيه وفي نسخة "باب مسيرة ما يفطر فيه" وفي أخرى "قدر ما يفطر فيه" والأولى أوضح (ص) حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ أَنَا اللَّيْثُ يَعْنِى ابْنَ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ عَنْ أَبِى الْخَيْرِ عَنْ مَنْصُورٍ الْكَلْبِىِّ أَنَّ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ خَرَجَ مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ دِمَشْقَ مَرَّةً إِلَى قَدْرِ قَرْيَةِ عُقْبَةَ مِنَ الْفُسْطَاطِ "وَذَلِكَ ثَلاَثَةُ أَمْيَالٍ" فِى رَمَضَانَ, ثُمَّ إِنَّهُ أَفْطَرَ وَأَفْطَرَ مَعَهُ نَاسٌ وَكَرِهَ

المذاهب في مسافة السفر التى يباح فيها الفطر للمسافر في رمضان

آخَرُونَ أَنْ يُفْطِرُوا. فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى قَرْيَتِهِ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّى أَرَاهُ. إِنَّ قَوْمًا رَغِبُوا عَنْ هَدْىِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ يَقُولُ ذَلِكَ لِلَّذِينَ صَامُوا. ثُمَّ قَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: اللَّهُمَّ اقْبِضْنِى إِلَيْكَ. (ش) (الرجال) (أبو الخير) مرثد بن عبد الله الغنوى. و (منصور) بن سعيد أو ابن زيد بن الأصبغ المصرى. روى عن دحية حديث الباب. وعنه أبو الخير. وثقه العجلى وقال ابن المدينى مجهول لا أعرفه، وقال ابن خزيمة لا أعرفه، وفى التقريب مستور من الثالثة. روى له أبو داود. و (الكلبى) نسبة إلى بنى كلب قبيلة. و (دحية بن خليفة) بن فروة بن فضالة بن امرئ القيس الكلبى. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه خالد بن يزيد وعبد الله ابن شداد والشعبى ومحمد بن كعب. أسلم قديما وشهد المشاهد إلا بدرا، وكان من أجمل الناس وجها، وكان ينزل جبريل على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحيانا فى صورته. روى له أبو داود (المعنى) (قوله خرج من قرية من دمشق) هى قرية المزة التى كان يسكنها دحية وهى بكسر الميم وتشديد الزاى، قرية كبيرة فى وسط بساتين دمشق، بينها وبين دمشق نصف فرسخ، ويقال لها مزة كلب وهى أعجمية. ودمشق قاعدة الشام سميت باسم بانيها دمشاق بن كنعان (قوله إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط) يعنى أن المسافة التى بين القرية التى خرج دحية منها وبين المحل الذى انتهى سيره إليه كالمسافة التى بين مصر العتيقة وبين قرية عقبة. ولعلها المعروفة الآن بمنية عقبة. قرية من ضواحى مصر، وما فى رواية أحمد عن دحية "أنه خرج من قرية إلى قريب من قرية عقبة فى رمضان" فيه اختصار. وإلا فظاهره يدل على أن عقبة قرية قريبة من دمشق. ولم نعثر عليها فى معجم البلدان (قوله ثم إنه أفطر وأفطر معه ناس الخ) وذلك لأنه رأى أن هذه المسافة ترخص للصائم الفطر (قوله لقد رأيت اليوم أمرا الخ) عاب رضى الله عنه على من صام لأنه فهم من قرائن الحال أن صيام من صاموا ليس عزيمة، بل هو إعراض عن رخصة الإفطار فى السفر، أو يرى أن الفطر واجب بالسفر (قال الخطابى) يحتمل أن يكون دحية إنما صار فى ذلك إلى ظاهر اسم السفر، وقد خالفه غير واحد من الصحابة, فكان ابن عمر وابن عباس لا يريان القصر والإفطار فى أقل من أربعة برد، وهما أفقه من دحية وأعلم بالسنة اهـ (وبظاهر) الحديث أخذت الظاهرية. فقالوا أقل مسافة يجوز فيها الفطر للمسافر ثلاثة أميال حتى إن ابن حزم منهم قال يجوز الفطر لمن سافر ميلا واحدا. وقال أبو حنيفة لا يجوز الفطر إلا فى مسافة تقصر فيها الصلاة وهى 45 ميلا. وقال مالك

باب من يقول صمت رمضان كله

والشافعى وأحمد والليث والأوزاعى وأصحاب الحديث لا يجوز الفطر إلا فى مسيرة مرحلتين وهما ثمانية وأربعون ميلا: والخلاف فى فطر المسافر كالخلاف فى قصر المسافر الصلاة. وقد تقدم بسط ذلك فى "باب متى يقصر المسافر" فكل سفر مبيح لقصر الصلاة فهو مبيح لفطر الصائم (وأجاب) الجمهور عن حديث الباب بأن قوله فيه "على قدر قرية عقبة من الفسطاط" ليس غاية السفر، بل هو غاية الخروج، أى خرج فلما انتهى إلى ذلك المحل أفطر ولم يبين فيه غاية السفر فلعله كان قاصدا موضعا آخر أبعد منه "ولا يقال" إن قرية مزة كانت وطنا له ومسكنا، فاليوم الذي خرج منها فيه لم يجز له الفطر، لأنه كان صائما فى أول النهار "لأنا نقول" يحتمل أن دحية خرج من قريته مزة مسافرا قبيل الفجر، فلما بلغ مسافة قدر عقبة من الفسطاط. أى ثلاثة أميال أظهر الإفطار، وأيضا فإن دحية لم يذكر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أفطر فى قصير السفر، إنما قال إن قوما رغبوا عن هدى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم, ولعلهم إنما رغبوا عن العمل برخصة الإفطار فى السفر كما تقدم (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والطحاوى والبيهقى وقال قال الليث: الأمر الذى اجتمع الناس عليه ألا يقصروا الصلاة ولا يفطروا إلا فى مسيرة أربعة برد فى كل بريد اثنى عشر ميلا وقال البيهقى قد روينا فى كتاب الصلاة ما دل على هذا عن ابن عباس وابن عمر اهـ وفى سنده منصور الكلبى قال فيه ابن المدينى مجهول، ولكن وثقه العجلى وهو المراد بقول الخطابى: وليس الحديث بالقوى، وفى إسناده رجل ليس بالمشهور (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الْغَابَةِ فَلاَ يُفْطِرُ وَلاَ يَقْصُرُ. (ش) (المعتمر) بن سليمان. و (عبيد الله) بن عمر العمرى (قوله كان يخرج إلى الغابة فلا يفطر ولا يقصر) أى لا يفطر من صومه ولا يقصر الصلاة. والغابة موضع قريب من المدينة من ناحية الشام فيه أموال لأهل المدينة على بريد منها. وابن عمر كان لا يرى الفطر وقصر الصلاة فى هذه المسافة (وهذا الأثر) أخرجه أيضا البيهقى باب من يقول صمت رمضان كله أى أيجوز ذلك أم لا؟ (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنِ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِى حَبِيبَةَ نَا الْحَسَنُ عَنْ أَبِى بَكْرَةَ قَالَ:

باب في صوم العيدين

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّى صُمْتُ رَمَضَانَ كُلَّهُ وَقُمْتُهُ كُلَّهُ, فَلاَ أَدْرِى أَكَرِهَ التَّزْكِيَةَ, أَوْ قَالَ لاَ بُدَّ مِنْ نَوْمَةٍ أَوْ رَقْدَةٍ؟ (ش) (الرجال) (يحيى) بن سعيد القطان. و (المهلب بن أبى حبيبة) البصرى. روى عن جابر بن زيد والحسن وسعيد ابنى أبى الحسن البصرى. وعنه سعيد بن أبى عروبة ويحيى القطان. قال أحمد شيخ ثقة ووثقه أبو داود وقال ابن عدى لم أر له حديثا منكرا، وفى التقريب صدوق من كبار السابعة، وذكره ابن حبان فى الثقات. روى له أبو داود والنسائى هذا الحديث لا غير. و (أبو بكرة) نفيع بن الحارث (المعنى) (قوله فلا أدرى أكره التزكية) من كلام الحسن البصرى كما صرح به فى رواية لأحمد، أى لا أدرى أنهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن هذا القول كراهة تزكية النفس والإعجاب بالعمل والرياء به أو نهى عنه لأنه لا بد من نومة أو رقدة؟ فيكون كاذبا. وهذا التعليل الأخير قاصر على دعوى قيام الشهر كله لأن النوم ينافيه. ولا يناسب الصوم لأن النوم لا ينافيه. فقد ينام وهو صائم لكن فى رواية أحمد ما يناسب كلا منهما إذ فيها "لا بد من نوم أو غفلة" وفى أخرى له "لا بد من غفلة أو رقدة". والشخص فى حال غفلته قد يرقد، أو يرتكب أمرا لا يناسب الصوم. فكيف يدعى مع ذلك أنه صام الشهر كله. ويحتمل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى عن القول المذكور لعدم الجزم بالقبول (والحديث) أخرجه أيضا أحمد من عدة طرق والنسائى. باب فى صوم العيدين أى فى بيان منع صوم يوم عيد الفطر وعيد الأضحى (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَهَذَا حَدِيثُهُ قَالَا نَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى عُبَيْدٍ قَالَ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ فَبَدَأَ بِالصَّلاَةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ: أَمَّا يَوْمُ الأَضْحَى فَتَأْكُلُونَ مِنْ لَحْمِ نُسُكِكُمْ وَأَمَّا يَوْمُ الْفِطْرِ فَفِطْرُكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ. (ش) (سفيان) بن عيينة. و (الزهرى) محمد بن مسلم. و (أبو عبيد) سعد بن عبيد الزهرى تقدم بالثامن ص 149 (قوله شهدت العيد مع عمر) وكان عيد الأضحى كما فى رواية للبخارى عن يونس عن الزهرى (قوله فبدأ بالصلاة قبل الخطبة) لأن ذلك كان هدى النبى

حكمة تحريم صومهما، هل ينعقد نذر صومهما؟

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وتقدم الكلام على هذا فى "باب صلاة العيد" (قوله نهى عن صيام هذين اليومين) يعنى عيد الفطر وعيد الأضحى. وأشار إليهما بهذين تغليبا للحاضر على الغائب فإن الحاضر يشار إليه بهذا والغائب يشار إليه بذاك (قوله أما يوم الأضحى فتأكلون من لحم نسككم) أى من أضاحيكم التى تتقربون إلى الله تعالى بذبحها فى هذا اليوم. وهذا بيان لعلة النهى عن صوم يوم الأضحى, لأنه لو شرع فيه الصوم لم يكن لمشروعية الذبح فيه فائدة، ولأن فى صيامه الإعراض عن ضيافة الله تعالى (قوله وأما يوم الفطر ففطركم من صيامكم) أى ففيه فطركم من صيام رمضان. وفى رواية الترمذى "أما يوم الفطر ففطركم من صومكم وعيد المسلمين" وهو بيان لعلة النهى عن صيام يوم الفطر. وأيضا ففى الفطر فصل صوم الفرض عن النفل وإظهار إتمام رمضان، ولو صامه لاتصل الفرض بالتطوع فيشكل (وفى الحديث) دليل على تحريم صوم يومى العيد سواء النذر والكفارة والتطوع والقضاء. وهو مجمع عليه للأحاديث الصحيحة الواردة فى النهى عن ذلك. وإن نذر صوم هذين اليومين لم ينعقد نذره ولا شئ عليه عند أكثر أهل العلم لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لا نذر فى معصية، وكفارته كفارة يمين. رواه أحمد وأصحاب السنن. وعن حكيم بن أبى مرة أنه سمع رجلا يسأل عبد الله بن عمر عن رجل نذر ألا يأتى عليه يوم سماه إلا وهو صائم فيه فوافق ذلك يوم الأضحى أو يوم فطر فقال ابن عمر {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} لم يكن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصوم يوم الأضحى ولا يوم الفطر ولا يأمر بصيامهما. رواه البخارى والبيهقى (قال الخطابى) قوله أمّا يوم الفطر الخ يدل على أن من نذر صوم ذلك اليوم لم يلزمه صيامه ولا قضاؤه, لأن هذا كالتعليل لوجوب الإفطار فيه. وقد وسم هذا اليوم بيوم الفطر. والفطر مضاد للصوم، ففى إجازة صومه إبطال لمعنى اسمه اهـ (وقال أبو حنيفة) ينعقد نذره ويقضيه فى يوم آخر لأنه نذر صوما مشروعا. والنهى لغيره وهو ترك إجابة دعوة الله تعالى فيصح نذره، لكنه يفطر احترازا عن المعصية ثم يقضى إسقاطا للواجب، وإن صامه يخرج عن العهدة, لأنه أداه كما التزمه. ومنشأ الخلاف أن النهى هل يقتضى فساد المنهى عنه؟ فقال الأكثر يقتضى فساده. وقال أبو حنيفة وأصحابه والرازى لا يقتضى الفساد، ولا ينفى مشروعية الأصل. ونسبه صاحب المحصول إلى أكثر الفقهاء. ويؤيده ما رواه البخارى من حديث زياد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عمر رضى الله عنهما فقال: رجل نذر صوم يوم الاثنين فوافق يوم عيد. فقال ابن عمر أمر الله بوفاء النذر ونهى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن صوم هذا اليوم اهـ فقد عرض ابن عمر للسائل بأن الاحتياط القضاء جمعا بين أمر الله بوفاء النذر وبين أمر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بترك صوم يوم العيد (هذا) ولو نذر صوم يوم معين فوافق يوم العيد فلا يحل صومه إجماعا

النهى عن لبستى الصماء والاحتباء وبيانهما

ويلزمه قضاؤه عند الحنفية ولا يلزمه عند الجمهور وهو أصح قولى الشافعى (والحديث) أخرجه أيضا البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والبيهقى والترمذى وصححه (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا وُهَيْبٌ نَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الأَضْحَى. وَعَنْ لِبْسَتَيْنِ الصَّمَّاءِ وَأَنْ يَحْتَبِىَ الرَّجُلُ فِى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فِى سَاعَتَيْنِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ. (ش) (وهيب) بن خالد. و (عمرو بن يحيى) بن عمارة. و (أبوه) يحيى بن عمارة (قوله وعن لبستين الصماء الخ) بكسر اللام الهيئة والحالة. وروى بالضم على المصدر والأوّل الوجه قاله فى النهاية. والصماء بدل من لبستين. ولبسة الصماء أن يتجلل الرجال بثوب يستر به جميع بدنه ولا يترك فرجة يخرج منها يده بأن يشد المنافذ على يديه ورجليه فيصير كالصخرة الصماء لا خرق فيها ولا صدع ولا يتمكن من رد شئ يؤذيه (قوله وأن يحتبى الرجل فى الثوب الواحد) أى يضم رجليه إلى بطنه ويجمعهما مع ظهره بثوبه أو بيديه. ونهى عن هذا لأنه ربما يتحرك فتبدو عورته. وتقدم بيانه فى كتاب الصلاة. وكذا تقدم بيان النهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر "وما تقدّم" فى "باب من فاتته متى يقضيها" أى سنة الصبح عن محمد ابن إبراهيم عن قيس بن عمرو قال: رأى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رجلا يصلى بعد صلاة الصبح ركعتين، فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: صلاة الصبح ركعتان، فقال الرجل إنى لم أكن صليت الركعتين اللتين قبلهما فصليتهما الآن، فسكت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لا يعارض حديث الباب" ونحوه لأنه ضعيف ففى سنده سعد بن سعيد متكلم فيه، وسنده غير متصل. فإن محمد بن إبراهيم لم يسمع من قيس. ولاحتمال أن تكون هذه الواقعة قبل النهى عن الصلاة بعد الصبح والعصر. وتقدم تمامه هناك (والحديث) أخرجه أيضا البخارى ومسلم والبيهقى، وكذا الترمذى مختصرا بلفظ "نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن صيامين. صيام يوم الأضحى ويوم الفطر" وقال حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أهل العلم اهـ وأخرجه الدارمى بسنده إلى قزعة مولى زياد عن أبى سعيد الخدرى عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا صوم يومين يوم الفطر ويوم النحر

باب صيام أيام التشريق

باب صيام أيام التشريق أي بيان النهي عن صيامها وهي الأيام الثلاثة التي بعد يوم النحر فقد قال أنس بن مالك: نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن صوم خمسة أيام في السنة يوم الفطر ويوم النحر وثلاثة أيام التشريق. أخرجه الدارقطني. وسميت بذلك لأن لحوم الأضاحي والهدايا تشرق فيها أي تنشر في الشمس وتقدد. وقيل لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس. وقيل التشريق التكبير وظهوره دبر كل صلاة. (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِىُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ عَنْ أَبِى مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَلَى أَبِيهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَرَّبَ إِلَيْهِمَا طَعَامًا فَقَالَ كُلْ, فَقَالَ إِنِّى صَائِمٌ, فَقَالَ عَمْرٌو كُلْ فَهَذِهِ الأَيَّامُ الَّتِى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِإِفْطَارِهَا وَيَنْهَانَا عَنْ صِيَامِهَا. قَالَ مَالِكٌ وَهِىَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. (ش) (الرجال) (أبو مرة مولى أم هانئ) ويقال مولى عقيل بن أبي طالب. اسمه يزيد الهاشمي الحجازي مشهور بكنيته. روى عن أم هانئ وأبي الدرداء وعمرو بن العاص وأبي واقد الليثي وغيرهم. وعنه سعيد المقبري وسعيد بن أبي هند وإسحاق بن أبي طلحة وآخرون. وثقه العجلي وابن سعد وقال قليل الحديث وذكره ابن حبان في الثقات. روى له الجماعة (قوله أنه دخل مع عبد الله بن عمرو الخ) ظاهره يدل على أن أبا مرة روى الحديث عن عمرو بن العاص مباشرة. ورواية مالك في الموطأ تدل على أنه رواه عنه بوساطة ابنه عبد الله. فقد رواه عن يزيد بن عبد الله ابن الهاد عن ابن مرة مولى أم هانئ عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه أخبره أنه دخل على أبيه عمرو بن العاص: ولا منافاة بينهما لاحتمال أن أبا مرة رواه أولًا عن عبد الله ثم رواه مرة أخرى عن عمرو لزيادة التثبيت، فتكون قصة أكل عمرو بن العاص متعددة (المعنى) (قوله فهذه الأيام التي كان رسول الله يأمرنا بإفطارها الخ) فيه دليل على أنه لا يجوز صيام أيام التشريق مطلقًا. وبه قال عليّ بن أبي طالب وداود والحسن وعطاء والليث بن سعد وابن علية وأبو حنيفة وأصحابه وابن المنذر. وهو مشهور مذهب الشافعية. ويدل لهم أيضًا ما رواه أحمد عن سعد بن أبي وقاص قال: أمرني النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن أنادي أيام منى أنها أيام أكل وشرب ولا صوم فيها "يعني أيام التشريق". وما رواه أيضًا أحمد ومسلم عن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعثه وأوس بن الحدثان

الراجح جواز صيامها للمتمتع

أيام التشريق فنادى أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وأيام منى أيام أكل وشرب: وما أخرجه الدارمي عن نافع عن بشر بن سحيم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمره أو أمر رجلًا ينادى أيام التشريق أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن. وهي أيام أكل وشرب (وقال مالك) والأوزاعي وإسحاق والشافعي في القديم لا يجوز صيامها إلا للمتمتع الذي لم يجد الهدي ولم يصم ثلاثة الأيام في عشر ذى الحجة. وهو قول عائشة وعبد الله بن عمر وعروة بن الزبير. واستدلوا بما أخرجه البخارى عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر قال: الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة، فإن لم يجد هديا ولم يصم صام أيام منى. وبما رواه أيضًا عن ابن عمر وعائشة قالا لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدى. وروى ابن القاسم عن مالك التفرقة بين اليومين الأوّلين من أيام التشريق وبين الأخير منها فقال: لا يجوز صيام الأوّلين إلا للمتمتع ويجوز صيام الثالث له وللنذر (وذهب جماعة) إلى جواز الصيام في أيام التشريق مطلقًا منهم الزبير ابن العوام وأبو طلحة والأسود بن يزيد. ولعل هؤلاء لم يبلغه نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن صيامها، ولو بلغهم لم يعدوه إلى غيره. ونقل القاضي أبو الطيب (والمحاملى) والسرخسي وصاحب العدة اتفاق أصحاب الشافعي على جواز صيامها فيما له سبب من نذر أو كفارة أو قضاء. أما ما لا سبب له فلا يجوز فيما بلا خلاف قالوا هي نظير الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، فإنه يصلى فيها ما له سبب دون ما لا سبب له (والراجح) القول بجواز صيام أيام التشريق للمتمتع دون غيره حملا لحديث الباب ونحوه من الأحاديث المطلقة على القيد وهو حديث ابن عمر وعائشة المذكور (قوله وينهانا عن صيامها) وفي نسخة وينهى عن صيامها (والحديث) أخرجه أيضًا مالك وابن خزيمة والحاكم وصححاه والنسائي وابن المنذر والبيهقي وأخرجه الدارمي من طريق الليث عن يزيد بن عبد الله "بن الهاد" عن أبي مرة مولى عقيل أنه دخل هو وعبد الله بن عمرو على عمرو بن العاص، وذلك الغد أو بعد الغد من يوم الأضحى، فقرب إليهم عمرو طعامًا فقال عبد الله إني صائم، فقال عمرو أفطر فإن هذه الأيام التي كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأمرنا بفطرها ونهانا عن صيامها، فأفطر عبد الله فأكل وأكلت معه (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ نَا وَهْبٌ نَا مُوسَى بْنُ عُلَىٍّ ح وَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَىٍّ "وَالإِخْبَارُ فِى حَدِيثِ وَهْبٍ" قَالَ سَمِعْتُ أَبِى أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ

باب النهى أن يخص يوم الجمعة بصوم

وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ, وَهِىَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ. (ش) (وكيع) بن الجراح (قوله والأخبار في حديث وهب) يعني ألفاظ الحديث الآتي لوهب بن جرير (قوله قال سمعت أبي الخ) أي قال موسى بن علي سمعت أبي "عليّ بن رباح" يذكر أنه سمع عقبة بن عامر الجهني يقول: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: يوم عرفة الخ. ويوم عرفة مبتدأ وما بعده عطف عليه وعيدنا خبر. والمراد أن هذه الأيام لا يجوز صيامها لأن الله تعالى أكرمنا بضيافته فيها، فلا ينبغي الإعراض عنها كما يرشد إليه قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "وهي أيام أكل وشرب" قال الخطابي: وهذا كالتعليل لوجوب الإفطار فيها، فلا يجوز صيامها تطوعًا ولا نذرًا ولا عن صوم التمتع اهـ لكن عدم صيام يوم عرفة خاص بالحاج. وسيأتي الكلام عليه في "باب في صوم عرفة بعرفة" إن شاء الله (والحديث) من أدلة القائلين إنه لا يجوز صيام يومي العيد وأيام التشريق وتقدم بيانه (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي والحاكم والبزار والبيهقي والدارمي والترمذي وقال حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم يكرهون الصيام أيام التشريق إلا أن قومًا من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وغيرهم رخصوا للمتمتع إذا لم يجد هديًا ولم يصم في العشر أن يصوم أيام التشريق اهـ. باب النهي أن يخص يوم الجمعة بصوم وفي بعض النسخ "النهي أن يخص الخ" بدون لفظ باب. أي عن أن يخص يوم الجمعة بصوم (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلاَّ أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ أَوْ بَعْدَهُ. (ش) (أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير. و (الأعمش) سليمان بن مهران. و (أبو صالح) ذكوان السمان (قوله لا يصم أحدكم يوم الجمعة) بالنهي وفي بعض النسخ لا يصوم بالنفي. والمراد منه النهي. وهي رواية للبخاري ومسلم (قوله إلا أن يصوم قبله بيوم أو بعده) أي إلا أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده. وكذا يجوز صيامه منفردًا إذا وافق عادة له لما في مسلم والبيهقي من طريق هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعًا: لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي. ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون قي صوم يصومه

الخلاف في حكم صيام يوم الجمعة تطوعا الحكمة في النهي عن صومه

أحدكم (وفي الحديث) دلالة على تحريم إفراد يوم الجمعة بصيام. وهو قول عليّ بن أبي طالب وأبي ذر وأبي هريرة وسلمان الفارسي وابن حزم وقال: لا نعلم لهم مخالفًا من الصحابة أخذا بحديث الباب: وبما رواه البخاري والبيهقي والدارمي عن محمد بن عباد قال: سألت جابرًا: أنهى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن صوم يوم الجمعة؟ قال نعم. وفي رواية الدارمي نعم ورب هذا البيت. وبما يأتي للمصنف في "باب الرخصة في ذلك" عن أبي أيوب عن جويرية بنت الحارث أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهى صائمة فقال: أصمت أمس؟ قالت لا قال تريدين أن تصومي غدًا؟ قالت لا. قال فأفطري (وذهبت الشافعية) والحنابلة والزهري ومحمد بن سيرين وطاوس إلى كراهة إفراده بالصوم. وحملوا النهي في حديث الباب وأشباهه على الكراهة (وقال النخعي) والشعبي ومجاهد يكره صومه مطلقًا، والحديث حجة عليهم. وفي التجنيس للحنفية قال أبو يوسف: جاء حديث في كراهته إلا أن يصوم قبله أو بعده، فكان الاحتياط أن يضم إليه يومًا آخر اهـ وقال الطحاوي ثبت بالسنة طلبه والنهي عنه والآخر منهما النهي، لأن فيه وظائف، فلعله إذا صام ضعف عن فعلها اهـ ملخصًا (وقال أبو حنيفة) ومالك ومحمد بن الحسن يجوز صومه مطلقًا من غير كراهة. وروى ذلك عن ابن عباس ومحمد بن المنكدر. قال مالك في الموطأ: لم أسمع أحدًا من أهل العلم والفقه ومن يقتدي به ينهى عن صيام يوم الجمعة وصيامه حسن اهـ واستدلوا بما رواه الترمذي وحسنه عن ابن مسعود قال: كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وقلما كان يفطر يوم الجمعة. ورواه النسائي وابن حبان وصححه. لكن لا يتم الاستدلال به على دعواهم. لاحتمال أنه كان يصوم يومًا قبله أو بعده (قال البدر العيني) لا دلالة فيه على أنه صلى الله عليه وعل آله وسلم صام يوم الجمعة وحده. فنهيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن صوم يوم الجمعة، يدل على أنه صوم يوم الجمعة لم يكن في يوم الجمعة وحده، بل إنما كان مع يوم قبله أو بعده، وذلك لأنه لا يجوز أن يحمل فعله على مخالفة أمره إلا بنص صحيح صريح اهـ ولعلهم لم يبلغهم أحاديث النهي. ولو وصلت إليهم لم يخالفوها. قال النووي: السنة مقدمة على ما رآه مالك. وقد ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة. ومالك معذور في أنه لم يبلغه النهي اهـ واختلف في حكمة النهي عن يوم الجمعة على أقوال: أظهرها أنه يوم عيد والعيد لا يصام، لما رواه أحمد والحاكم عن أبي هريرة مرفوعًا "يوم الجمعة يوم عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم، إلا أن تصوموا قبله أو بعده". ولما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد حسن عن عليّ رضي الله تعالى عنه قال "من كان منكم متطوعًا من الشهر فليصم يوم الخميس ولا يصم يوم الجمعة، فإنه يوم طعام وشراب وذكر" ولا يلزم من هذا أن يكون كالعيد من كل وجه لزوال المانع من صيامه إذا صام يومًا

باب النهى أن يخص يوم السبت بصوم

قبله أو بعده: قال الحافظ: الإجماع منعقد على تحريم صوم يوم العيد، ولو صام قبله أو بعده بخلاف يوم الجمعة، فالإجماع منعقد على جواز صومه لمن صام قبله أو بعده اهـ (والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم وأحمد وابن ماجه والحاكم والبيهقي والترمذى وقال حديث حسن صحيح باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم وفى نسخة "النهى عن أن يخص الخ" بدون لفظ باب (ص) حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ نَا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ ح وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ قُبَيْسٍ مِنْ أَهْلِ جَبَلَةَ نَا الْوَلِيدُ جَمِيعًا عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ السُّلَمِىِّ عَنْ أُخْتِهِ: وَقَالَ يَزِيدُ "الصَّمَّاءِ" أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلاَّ فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ, وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلاَّ لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ. (ش) مطابقته للترجمة أنه محمول على أن النهي عن صوم السبت مخصوص بمن يفرده بصوم، أمّا من ضم إليه يومًا قبله أو بعده فلا نهي في حقه (الرجال) (يزيد بن قبيس) مصغرًا ابن سليمان أبو سهل السليحيني (من أهل جبلة) قلعة بالشام. روى عن وليد بن مسلم وإسماعيل ابن عياش ومحمد بن شعيب وغيرهم. وعنه أبو داود وموسى بن عيسى وأحمد بن عبد الوهاب وآخرون. ذكره ابن حبان في الثقات، وفي التقريب ثقة من العاشرة. روى له أبو داود. و (لوليد بن مسلم. و (عبد الله ابن بسر) كان من الصحابة الذين نزلوا حمص. وضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يده على رأسه وقال يعيش هذا الغلام قرنًا، فحقق الله تعالى كلامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعاش مائة سنة. روى له الجماعة. وتقدم بعض الكلام عليه في صفحة 286 ج سادس و (السلمى) لعله بفتح السين نسبة إلى بني سلمة من الأنصار وقال فيه ابن منده السلمي المازني وهو لا يستقيم فإنّ سليمًا أخو مازن وليس لعبد الله خلف في سليم حتى ينسب إليهم قال الحافظ في الإصابة عبد الله بن بسر المازني أبو بسر الحمصي. وقال البخاري أبو صفوان السلمي المازني من مازن بن منصور أخو بني سلمة. وقيل من مازن الأنصار وهو قول ابن حبان ومقتضى صنيع ابن منده فإنه قال فيه السلمي المازني وعاب ذلك ابن الأثير واستبعد اجتماع النسبة لشخص إلى بني سليم وإلى بني مازن. ولعل ابن منده إنما ذكره بفتح السين نسبة إلى بني سلمة من الأنصار لكن يرد أيضًا أن بني مازن الأنصار ليسوا من بني سلمة اهـ. و (أخته) اسمها نهيمة بالنون أو بهيمة

الخلاف في حكم صيام يوم السبت تطوعا الحكمة في النهى عن صيامه

بالباء الموحدة بنت بسر المازنية. تلقب بالصماء كما ذكره يزيد بن قبيس في حديثه. روت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنها عبد الله بن بسر وعبيد الله بن زياد. روى لها أبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى (المعنى) (قوله لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم) أى إلا فى صيام فرضه الله عليم كرمضان أو نذر أو كفارة (قوله فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب الخ) وفى نسخة عنبة أى إن لم يجد إلا لحاء "ككساء قشر عود" عنبة أو عودا من الشجر فليمضغه ليتحلل منه ما يفسد صومه وهذا تأكيد فى نفى صوم يوم السبت. ويمضغ مضارع مضغ من بابى نفع وقتل يقال: مضغت الطعام علكته. وفى نسخة فليمضغها (وظاهر الحديث) النهي عن صيامه تطوعا مطلقا. لكن جاء فى رواية النسائي والبيهقي والحاكم وابن حبان عن كريب أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعثوه إلى أم سلمة يسألها عن الأيام التي كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أكثر لها صياما. فقالت يوم السبت والأحد فرجعت إليهم فكأنهم أنكروا ذلك، فقاموا بأجمعهم إليها فسألوها فقالت صدق, وكان يقول: إنهما يوما عيد للمشركين فأنا أريد أن أخالفهم. وصحح الحاكم إسناده وابن خزيمة. وروى الترمذي من حديث عائشة كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين, ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس "ولا منافاة" بينهما وبين حديث الباب "لأن النهي"عن صوم السبت في حديث الباب محمول على إفراده به. وأما إذا وصله بيوم قبله أو بعده فجائز. (وبكراهة صوم يوم السبت) منفردا قال أبو حنيفة وأحمد وأصحابهما والشافعية. والحكمة في النهي عنه أن اليهود كانوا يعطمونه باتخاذه عيدا, فأراد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مخالفتهم: وقال مالك وجماعة لا يكره صومه ولو منفردا. وقالوا حديث عبد الله بن بسر منسوخ. وعلي تقدير عدم نسخه فهو ضعيف لا تقوم به حجة, فإن مالكا قال هذا الحديث كذب. وأعل بالاضطراب, فإنه روى عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء كما في المصنف. وروي عن عبد الله عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند ابن حبان. وروى عن عبد الله بن بسر عن أبيه. وروى عنه عن أخته الصماء عن عائشة. لكن لا دليل على النسخ. وإن أرادوا أن ناسخه حديث أم سلمة المتقدم فليس بمسلم, لما علمت من أن النهي عنه محمول على صومه مفردا, والجمع متى أمكن كان المصير إليه أولى من النسخ. وقول مالك إنه كذب لم يتبين وجهه, وأما اضطرابه بهذه الكيفية: فلا يقدح في صحة الحديث لأنه دائر بين الصحابة وكلهم عدول. على أن الحديث قد صححه ابن السكن والحاكم وقال على شرط البخاري. إذا علمت هذا تعلم أن القول بكراهة صيامه مفردا هو الراجح (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والنسائي والدارمي وابن ماجه والحاكم وصححه. وقال على

باب الرخصة في ذلك أى في صوم السبت والجمعة

شرط البخاري. وأخرجه البيهقي وابن حبان والطبراني وابن السكن وصححه والترمذي وقال: حديث حسن, ومعنى الكراهية في هذا أن يختص الرجل يوم السبت بصيام, لأن اليهود يعظمون يوم السبت اهـ (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ. (ش) قال في التلخيص: ادعى أبو داود أن هذا الحديث منسوخ. ولا يتبين وجه النسخ فيه. ويمكن أن يكون أخذه من كونه صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب في أول الأمر, ثم في آخر أمره قال خالفوهم. والنهي عن صوم يوم السبت يوافق الحالة الأولى, وصيامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم له يوافق الحالة الثانية, وهذه صورة النسخ اهـ بتصرف باب الرخصة في ذلك وفي نسخة "الرخة في ذلك, بدون لفظ باب" أي في صيام يوم السبت ويوم الجمعة, فاسم الإشارة عائد عليهما كما يؤخذ من أحاديث الباب. (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ ح وَحَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا هَمَّامٌ ثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِى أَيُّوبَ: قَالَ حَفْصٌ "الْعَتَكِىُّ" عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِىَ صَائِمَةٌ فَقَالَ أَصُمْتِ أَمْسِ؟ قَالَتْ لاَ. قَالَ تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِى غَدًا؟ قَالَتْ لاَ. قَالَ فَأَفْطِرِى. (ش) (همام) بن يحيى. و (قتادة) بن دعامة. و (أبو أيوب) يحيى بن مالك المراغي (قوله قال حفص العتكي) أي قال حفص بن عمر أحد شيخي المصنف عن أبي أيوب (العتكي) بفتحتين نسبة إلى عتك بطن من الأزد (قوله فأفطري) بقطع الهمزة. وفي رواية أبي نعيم فأفطري إذا (والحديث) من أدلة من قال بعدم مشروعية إفراد يوم الجمعة بالصوم (وفيه) دلالة على أن من شرع فيما يظنه طاعة فتبين له خلافه يطلب منه قطعه. وفي قوله تريدين أن تصومي غدا, دلالة على إباحة صوم يوم السبت إذا وصله بما قبله "وما قيل" إنه ليس فيه جواز تخصيص يوم السبت بصوم, فهو غير مناسب للترجمة, وكان المناسب ذكره في باب النهي أن يخص يوم الجمعة بصوم ولعل ذكره هنا غلط من النساخ "مبني"على أن المشار إليه في الترجمة تخصيص يوم السبت بالصيام, وليس كذلك بل المشار إليه صيام يوم السبت ويوم الجمعة. نعم كان الأولى ذكره في

باب في صوم الدهر

"باب النهي عن صوم الجمعة" كما صنع البيهقي (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والبخاري والنسائي وأبو نعيم والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبٍ نَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ سَمِعْتُ اللَّيْثَ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذُكِرَ لَهُ أَنَّهُ نُهِىَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ السَّبْتِ يَقُولُ ابْنُ شِهَابٍ: هَذَا حَدِيثٌ حِمْصِىٌّ. (ش) يعني "أن حديث" النهي عن صيام يوم السبت وهو حديث عبد الله بن بسر السابق "حمصي" أي أنه ضعيف, لأن في سنده حمصيين: ثور بن يزيد, وخالد بن معدان, وقد تكلم فيهما, لكن هذا غير مسلم, لأنهما ثقتان لم يتكلم في حفظهما ولا في عدالتهما أحد, غير أن ثور بن يزيد رمى بالقدر, وقد تقدم أن الترمذي حسن الحديث وأن الحاكم وابن السكن صححاه. وقد قال النووي صححه الأئمة كما في المرقاة (وهذا الأثر) أخرجه أيضا الحاكم في المستدرك والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ سُفْيَانَ نَا الْوَلِيدُ عَنِ الأَوْزَاعِىِّ قَالَ: مَا زِلْتُ لَهُ كَاتِمًا حَتَّى رَأَيْتُهُ انْتَشَرَ, يَعْنِى حَدِيثَ ابْنِ بُسْرٍ هَذَا فِى صَوْمِ يَوْمِ السَّبْتِ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ مَالِكٌ هَذَا كَذِبٌ. (ش) عبد الرحمن بن عمرو لعل الأوزاعي كان يرى عدم صحة الحديث وإلا ما كتمه: والغرض من ذكر هذه الآثار تضعيف حديث عبد الله بن بسر. لكن علمت أن الحديث صححه الحاكم وابن السكن وغيرهما. وأمّا قول مالك "وهذا كذب" فلم يتبين وجهه (وهذا) الأثر أخرجه أيضا البيهقي وقال: وقد مضى في حديث جويرية بنت الحارث ما دل على جواز صوم يوم السبت. وكأنه أراد بالنهي تخصيصه بالصوم على طريق التعظيم له اهـ وحديث جويرية هو ما تقدم أول الباب باب صوم الدهر وفي بعض النسخ "باب في صوم الدهر تطوعا" (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ قَالاَ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِىِّ عَنْ أَبِى قَتَادَةَ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَصُومُ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ

قَوْلِهِ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عُمَرُ قَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا, نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَمِنْ غَضَبِ رَسُولِهِ, فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَدِّدُهَا حَتَّى سَكَنَ غَضَبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ؟ قَالَ لاَ صَامَ وَلاَ أَفْطَرَ. قَالَ مُسَدَّدٌ: لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ أَوْ مَا صَامَ وَلاَ أَفْطَرَ. شَكَّ غَيْلاَنُ. قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ يَوْمَيْنِ وَيُفْطِرُ يَوْمًا؟ قَالَ أَوَيُطِيقُ ذَلِكَ أَحَدٌ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَكَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا؟ قَالَ ذَلِكَ صَوْمُ دَاوُدَ. قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَكَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمَيْنِ؟ قَالَ وَدِدْتُ أَنِّى أَطَقْتُ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: ثَلاَثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ, وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ, فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ. وَصِيَامُ عَرَفَةَ إِنِّى أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِى بَعْدَهُ. وَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ إِنِّى أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ. (ش) (الرجال) (عبد الله بن معبد) البصري. روى عن أبي قتادة وأبي هريرة وعن عمر مرسلا. وعنه غيلان بن جرير وثابت البناني والحجاج بن عتاب. وثقه النسائي والعجلي والبرقي, وفي التقريب ثقة من الثالثة, وقال البخاري لا يعرف سماعه عن أبي قتادة. وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه. و (الزماني) بكسر الزاي وتشديد الميم نسبة إلى زمان بن مالك من بني بكر بن وائل (المعنى) (قوله أن رجلا) لم نقف على اسمه (قوله كيف تصوم) خطاب له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وكان حق السائل أن يقول كيف أصوم؟ فيخص نفسه بالسؤال فيجاب بما يناسب حاله. لأن صومه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يكن على طريقة واحدة. بل كان مختلفا باختلاف الأحوال: ومثل هذا يتعذر الجواب عنه (قوله فغضب رسول الله من قوله) لعله غضب من سؤاله عن صومه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم, كراهة أن يقتدى به السائل في صومه فيتكلفه ثم يعجز عنه أو يسأمه ويمله فيكون صيامه من غير إخلاص, أو كراهة أن يعتقد وجوب ما أجابه به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم, أو يستقله فيهلك, أو يقتصر عليه وحاله يناسبه أكثر من ذلك (قال النووي) ولم يبالغ

الخلاف في حكم صيام الدهر

النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الصوم لأنه كان مشتغلا بمصالح المسلمين وحقوق العباد ولئلا يقتدى به كان أحد فيتضرر بعضهم اهـ وقد كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يترك بعض النوافل خوفا من أن يفرض على أمته إذا فعلوها اقتداء به كما ترك المواظبة على قيام شهر رمضان, وقال خشيت أن يكتب عليكم ثم لا تقومون (قوله فلما رأى ذلك عمر الخ) أي لما رأى غضبه صلى الله تعالى وعلى آله وسلم من السائل وخاف أن يدعو عليه, قال عمر استرضاء له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: رضينا بالله ربا أي بقضائه, وبالإسلام دينا أي بأحكامه, وبمحمد نبيا أي بمتابعته. وكرر ذلك عمر رضي الله تعالى عنه حتى زال عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الغضب (قوله نعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله الخ) وفي نسخة وغضب رسوله. أي أتحصن بالله من ارتكاب المخالفات التي يترتب عليها غضب الله وعذابه وانتقامه وغضب رسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله فقال يا رسول الله كيف بمن يصوم الدهر كله) أي قال عمر كما صرح به في رواية مسلم كيف حال من يصوم جميع الدهر أهو محمود أم مذموم؟ فانظر حسن أدبه رضي الله تعالى عنه حيث بدأ بالتعظيم ثم سأل على وجه التعميم (قوله لا صام ولا أفطر) أي لا صام صوما فيه كمال الفضيلة, ولا أفطر فطرا يمنع جوعه وعطشه وفي رواية الصحيحين "لا صام من صام الأبد" وقال الخطابي معناه لم يصم ولم يفطر كقوله تعالى {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} أي لم يصدق ولم يصل اهـ وهذا إخبار منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأنه لم يحصل له أجر الصوم لمخالفته, ولم يفطر لأنه أمسك عن الأكل والشرب قال في شرح السنة: وذلك لأنه إذا اعتاد الصوم لم يجد مشقة يتعلق بها مزيد الثواب, فكأنه لم يصم وحيث لم ينل راحة المفطرين ولذتهم فكأنه لم يفطر اهـ ويحتمل أنه دعاء منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على من فعل ذلك كراهة لفعله وزجرا له عن ذلك (قوله شك غيلان) أي تردد غيلان بن جرير أقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لم يصم ولم يفطر, أم قال: ما صام ولا أفطر؟ والظاهر أن الشك إنما هو في رواية مسدد لا في رواية سليمان بن حرب (وبظاهر الحديث) استدل إسحاق وأهل الظاهر وابن العربي من المالكية على كراهة صوم الدهر. وهو رواية عن أحمد. وقال ابن حزم يحرم صوم الدهر مستدلا بما رواه أحمد وابن حبان وابن خزيمة والبيهقي عن أبي موسى أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا وقبض كفه" فإن ظاهره أنها تضيق عليه لتشديده على نفسه وحمله عليها ورغبته عن سنة نبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واعتقاده أن غيرها أفضل. وهذا وعيد شديد فيكون حراما (وذهب أكثر أهل العلم) إلي جواز صيام الدهر غير الأيام المنهي عنها. وهو المنقول عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبي طلحة الأنصاري وعائشة وكثير من الصحابة, لما رواه أحمد

جواب من أباح صيام الدهر غير الأيام المنهي عن صيامها، عن حديث النهي عن صيامه

وابن حبان والبيهقى عن أبى مالك الأشعرى قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إن فى الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن ألان الكلام وأطعم الطعام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام اهـ. فإنه يشمل صيام الدهر. ولما رواه البيهقى أيضا عن ابن عمر أنه سئل عن صيام الدهر فقال: كنا نعد أولئك فينا من السابقين. ولما رواه أيضا عن عروة أن عائشة كانت تصوم الدهر فى السفر والحضر. وقد ثبت أن أبا طلحة الأنصارى وحمزة بن عمرو الأسلمى كانا يصومان الدهر سوى الأيام المنهى عن صيامها ولم ينكر عليهما النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وأجابوا) عن حديث الباب وأشباهه بما أجابت به عائشة واختاره ابن المنذر وطائفة من أن المراد صام الدهر كله من غير أن يترك أيام العيد وأيام التشريق المنهى عنها اهـ أو بأنه محمول على من تضرر بصوم الدهر، أو فوت به حقا واجبا ويؤيده ما فى حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص عند البخارى وغيره كما تقدم من أنه عجز وضعف فى آخر عمره، وندم على كونه لم يقبل الرخصة، وكان يقول: يا ليتنى قبلت رخصة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وأجابوا) عن حديث "من صام الدهر ضيقت عليه جهنم" بأن على بمعنى عن, أى ضيقت عنه فلا يدخلها. قال ابن خزيمة سألت المزنى عن هذا الحديث فقال: يشبه أن يكون على ظاهره لأن من ازداد لله عملا وطاعة ازداد عند الله رفعة وعلته كرامة اهـ ورجح هذا التأويل جماعة منهم الغزالى فقالوا له مناسبة من جهة أن الصائم لما ضيق على نفسه مسالك الشهوات بالصوم ضيق الله عليه النار فلا يبقى له فيها مكان لأنه ضيق طرقها بالعبادة، أو أن الحديث باق على حقيقته ويكون محمولا على من فوت حقا واجبا بصيامه فإنه يتوجه عليه الوعيد الشديد (قوله قال يا رسول الله كيف بمن يصوم يومين الخ) أى قال عمر أخبرنى يا رسول الله عن حال من يصوم يومين ويفطر يوما. فأجابه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقوله: أو يطيق ذلك أحد؟ أى لا يطيقه أحد. فهو استفهام انكارى بمعنى النفى. وقيل إن الواو عطف على مقدر أى أتقول ذلك ويطيق الصيام المذكور أحد, وفى ذلك إشارة إلى أن العلة فى النهى عن صوم الدهر حصول المشقة والضرر. فلو وجد أحد من نفسه الطاقة على ذلك ولم يخش حصول المشقة جاز له ذلك (قوله قال ذلك صوم داود) وفى نسخة قال ذلك يعنى وهو أفضل الصيام كما يدل عليه حديث عبد الله بن عمر والآتى بعد حديث, لما فيه من مراعاة جانب العبادة والعادة وخير الأمور أوساطها. وشرها تفريطها وإفراطها (قوله وددت أنى أطقت ذلك) وفى نسخة أنى طوقت بالبناء للمفعول أى تمنيت أن يجعلنى الله مطيقا لذلك الصيام: وودد من باب تعب يقال وددت الشئ تمنيته, وإنما نفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم القدرة على ذلك باعتبار حال الأمة وإلا فقد كان يطيق ذلك وأكثر منه, ومع هذا لم يثبت أنه صام الدهر ولا قام الليل كله. وكأنه

فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصيام عرفة

ترك ذلك لئلا يقتدى به فيشق على الأمة وإن كان قد أعطى من القوّة ما لو التزم ذلك لقدر عليه. لكنه سلك من العبادة الطريقة الوسطى. فصام وأفطر وقام ونام (وقال الخطابى) قوله وددت أنى أطقت ذلك يحتمل أن يكون إنما خاف العجز عن ذلك للحقوق التى تلزمه لنسائه لأن ذلك يخل بحظوظهن منه لا لضعف جبلته عن احتمال الصيام أو قلة صبره عن الطعام فى هذه المدة اهـ كيف وقد تقدم أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يواصل ويقول: لست كأحدكم فإنى أبيت عند ربى يطعمنى ويسقينى (قوله ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان الخ) ثلاث مبتدأ خبره جملة قوله هذا صيام الدهر (قيل والقياس) صرف رمضان هنا لأنه جزء علم وهو شهر رمضان. والمعنى "أن صيام ثلاثة من كل شهر" البيض أو غيرها, وصيام رمضان من كل سنة حال كونه منتهيا بصيامه إلى رمضان الآخر بحيث لا يبقى من رمضان الفائت شئ بدون صيام "ثوابه كثواب صيام الدهر" أى من غير مضاعفة, لأن الحسنة بعشر أمثالها, وهذا ظاهر بالنسبة لغير رمضان, وأما رمضان فلا بد من صيامه كله, ولا يكفى عنه صيام ثلاثة أيام, فذكره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم, لدفع توهم دخوله فى الكلية المذكورة فى الحديث. ويحتمل أن صيام ثلاثة أيام من كل شهر كصيام الدهر, وصيام رمضان وحده كصيام الدهر أيضا: أما الأولى فإن من صام ثلاثة أيام من كل شهر من شهور السنة فكأنما صام السنة لأن الحسنة بعشر أمثالها. وأما صيام رمضان فمن حيث كونه صوم فرض يزيد على النفل عشر درجات فأكثر, فيكون صيامه مساويا لصيام الدهر بل قد يكون أزيد منه: ويحتمل أن يكون رمضان مع ستة من شوال كصيام الدهر كما يأتى فى "باب فى صوم ستة أيام من شوال" فيكون صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبر أولا بأن صيام رمضان مع ست من شوال كصيام الدهر ثم أخبر بأن صيام رمضان فقط كصيام الدهر فى الثواب (قوله وصيام عرفة إنى أحتسب على الله الخ) يعنى أرجو من الله تعالى أن يكفر بصيامه ذنوب السنة الماضية ويحول بين صائمه وبين الذنب فى السنة الآتية. وفى النهاية الاحتساب فى الأعمال الصالحة هو المبادرة إلى طلب الأجر وتحصيله واستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المشروع فيها طلبا للثواب المرجو منها اهـ وقال الطيبى: الأصل أن يقال أرجو من الله أن يكفر. فوضع موضعه أحتسب وعداه بعلى التى للوجوب مبالغة فى حصول الثواب. والمكفر الذنوب الصغائر كما عليه أكثر أهل العلم. أما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة أو غفران الله تعالى, فإن لم يكن له صغائر فيخفف عنه من الكبائر إن كانت وإلا فترفع درجاته (وأخذ جماعة) بظاهر الحديث فقالوا تكفر الذنوب مطلقا. وتقدم نحو هذا غير مرة (وفيه) الترغيب فى صوم يوم عرفة. لكن لغير الحاج كما يأتى بيانه فى بابه إن شاء الله تعالى. وكذا صوم يوم عاشوراء (الفقه) دل الحديث على جواز الغضب عند سماع ما لا ينبغى. وعلى أنه ينبغى لمن كان حاضرا

فضل صوم يوم الاثنين

حال غضب إنسان أن يجتهد فى تسكين غضبه بقدر ما يستطيع مع الأدب. وعلى أنه ينبغى إرشاد الجاهل إلى ما هو الأولى له. وعلى كراهة صيام الدهر, وتقدم بيانه. وعلى جواز صيام ثلثى الدهر إن لم يحصل منه مشقة. وعلى الترغيب فى صيام يوم وفطر يوم. وعلى الترغيب فى صيام ثلاثة أيام من كل شهر, وهل هى الأيام البيض "الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر" كما جاء فى الأحاديث الصحيحة؟ أو من مطلق الأيام كما يأتى فى حديث عائشة, وعلى الترغيب فى صوم يوم عرفة وصوم يوم عاشوراء (والحديث) أخرجه أيضا مسلم والنسائى وابن ماجه مختصرا ومطولا. وكذا البيهقى من طريق أبان بن يزيد قال ثنا غيلان بن جرير المعولى عن عبد الله بن معبد الزمانى عن أبى قتادة أنّ أعرابيا أتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال له يا نبى الله. كيف صومك أو كيف تصوم؟ قال فسكت عنه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلم يرد عليه شيئا. فلما أن سكن عنه الغضب سأله عمر بن الخطاب فقال له يا نبى الله كيف صومك أو كيف تصوم؟ أرأيت من صام الدهر كله قال: لا صام ولا أفطر أو قال ما صام وما أفطر. قال يا رسول الله أرأيت من صام يومين وأفطر يوما؟ قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومن يطيق ذلك يا عمر؟ لوددت أنى فعلت ذلك. قال يا رسول الله أرأيت من صام يوما وأفطر يوما؟ قال ذاك صوم داود عليه السلام فقال يا نبى الله أرأيت من صام يوم عرفة؟ قال يكفر السنة والسنة التى قبلها. قال أرأيت من صام ثلاثا من الشهر؟ قال ذاك صوم الدهر, قال أرأيت من صام يوم عاشوراء؟ قال يكفر السنة قال يا رسول الله أرأيت من صام يوم الاثنين؟ قال ذاك يوم ولدت فيه ويوم أنزلت علىّ فيه النبوّة (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا مَهْدِىُّ نَا غَيْلاَنُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِىِّ عَنْ أَبِى قَتَادَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ زَادَ. قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ صَوْمَ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ وَيَوْمِ الْخَمِيسِ قَالَ فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَىَّ الْقُرْآنُ. (ش) (مهدى) بن ميمون. و (غيلان) بن جرير (قوله زاد قال يا رسول الله الخ) أى زاد موسى بن إسماعيل فى روايته قال عمر يا رسول الله أرأيت صوم الاثنين والخميس؟ أى أخبرنى عن صيامهما. فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: فيه "أى فى يوم الاثنين" ولدت وفيه أنزل علىّ القرآن. ويوم هذا شأنه حقيق بأن يجتهد فيه فى الطاعة, وأن يقوم الإنسان فيه بشكر مولاه لما أولاه فيه من تمام النعمة التى هى مبدأ الكمال الصورىّ وطلوع الصبح المعنوىّ, فالضمير فى قوله فيه راجع إلى يوم الاثنين كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة. وذكر الخميس فى هذه الرواية وهم. ففى

ما كان عليه ابن عمرو من الجد في الطاعة أفضل الصيام صيام داود

رواية مسلم والبيهقى من طريق مهدى بن ميمون عن غيلان عن عبد الله بن معبد الزمانى عن أبى قتادة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال له رجل: يا رسول الله صوم يوم الاثنين, فقال فيه ولدت وفيه أنزل علىّ القرآن, وفى رواية لمسلم أيضا من طريق شعبة عن غيلان ذكر الاثنين لا غير. وقال بعد أن ساق الحديث بطوله وفى هذا الحديث من رواية شعبة قال: وسئل عن صوم يوم الاثنين والخميس فسكتنا عن ذكر الخميس لما نراه وهما اهـ نعم جاء صوم يوم الاثنين والخميس فى حديث أسامة بن زيد كما يأتى فى بابه (والحديث) أخرجه أيضا مسلم والبيهقى مختصرا كما ذكر (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: لَقِيَنِى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَلَمْ أُحَدَّثْ أَنَّكَ تَقُولُ لأَقُومَنَّ اللَّيْلَ وَلأَصُومَنَّ النَّهَارَ؟ قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قُلْتُ ذَاكَ. قَالَ قُمْ وَنَمْ وَصُمْ وَأَفْطِرْ وَصُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَذَاكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ. قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ. قَالَ فَقُلْتُ إِنِّى أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا وَهُوَ أَعْدَلُ الصِّيَامِ وَهُوَ صِيَامُ دَاوُدَ. قُلْتُ إِنِّى أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. (ش) (عبد الرزاق) بن همام. و (معمر) بن راشد. و (الزهرى) محمد بن مسلم. و (ابن المسيب) سعيد. و (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قوله ألم أحدث الخ) بالبناء للمفعول أى أخبرت أنك تقول لأقومن الليل الخ. وأخبر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بذلك والده عمرو بن العاص كما جاء فى رواية للبخارى من طريق مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال: أنكحنى أبى امرأة ذات حسب وكان يتعاهد كنته "أى زوج ولده" فيسألها عن بعلها فتقول نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا ولم يفتش لنا كنفا "كناية عن عدم وقاعها" منذ أتيناه فلما طال ذلك عليه ذكر للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: ألقنى به فلقيته بعد فقال كيف تصوم؟ قلت أصوم كل يوم قال وكيف تختم؟ قلت كل ليلة قال صم فى كل شهر ثلاثا "الحديث" (قوله قال أحسبه الخ) أى قال الراوى عن عبد الله بن عمرو أظن عبد الله قال نعم

باب في صوم أشهر الحرم

(قوله (ص) وذاك مثل صيام الدهر) أى لأنّ الحسنة بعشر أمثالها (قوله لا أفضل من ذلك) أى من صيام يوم وفطر يوم: وظاهره يفيد أنه ليس فى صيام التطوع أفضل من صيام يوم وفطر يوم. ويؤيده رواية البخارى وفيها "صم أفضل الصوم صوم داود صيام يوم وإفطار يوم" وفى أخرى أحب الصيام إلى الله صيام داود, فهو أفضل من صوم يومين وإفطار يوم, ومن صيام الدهر سوى الأيام المنهى عن صيامها. وهو أشد الصيام على النفس لأنه لا يعتاد الصوم ولا الإفطار فيصعب عليه كل منهما (والحديث) من أدلة القائلين بكراهة صيام الدهر وهو أولى للأحاديث الكثيرة الصحيحة الدالة على ذلك (والحديث) أخرجه أيضا البخارى فى عدة مواضع ومسلم والنسائى وابن ماجه وكذا البيهقى من طريق يحيى قال حدثنى أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثنى عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال لى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ قال قلت بلى يا رسول الله. قال فلا تفعل نم وقم وصم وأفطر, فإنّ لجسدك عليك حقا, وإنّ لعينيك عليك حقا, وإنّ لزوجك عليك حقا, وإنّ لزورك عليك حقا, وإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام, فإنّ كل حسنة بعشر أمثالها, وإذا ذاك صيام الدهر كله. قال فشددت فشدد علىّ قلت يا رسول الله إنى أجد قوة. قال فصم من كل جمعة ثلاثة أيام. قال فشددت فشدد علىّ قلت يا رسول الله إنى أجد قوة. قال فصم صيام نبى الله داود عليه السلام ولا تزد على ذلك. قال فقلت وما كان صيام نبى الله داود؟ قال نصف الدهر باب فى صوم أشهر الحرم بضمتين جمع حرام, وفى نسخة "فى صوم الأشهر الحرم" بدون لفظ باب, أى فى بيان حكم الصوم فيها وهى أربعة. قال الله تعالى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} ثلاثة متوالية وهى ذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم, وواحد مفرد وهو رجب. ووصفت بالحرم لحرمتها وحرمة القتال فيها فى الجاهلية وصدر الإسلام. وقد نسخ هذا عند أكثر أهل العلم. وقال عطاء إنه لم ينسخ (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِىِّ عَنْ أَبِى السَّلِيلِ عَنْ مُجِيبَةَ الْبَاهِلِيَّةِ عَنْ أَبِيهَا أَوْ عَمِّهَا أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ انْطَلَقَ فَأَتَاهُ بَعْدَ سَنَةٍ وَقَدْ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ وَهَيْئَتُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَعْرِفُنِى؟ قَالَ وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ

كيفية صيام النفل والتخفيف فيه

أَنَا الْبَاهِلِىُّ الَّذِى جِئْتُكَ عَامَ الأَوَّلِ. قَالَ فَمَا غَيَّرَكَ. وَقَدْ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ؟ قَالَ مَا أَكَلْتُ طَعَامًا إِلاَّ بِلَيْلٍ مُنْذُ فَارَقْتُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لِمَ عَذَّبْتَ نَفْسَكَ؟ ثُمَّ قَالَ صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَيَوْمًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ. قَالَ زِدْنِى فَإِنَّ بِى قُوَّةً. قَالَ صُمْ يَوْمَيْنِ. قَالَ زِدْنِى قَالَ صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. قَالَ زِدْنِى. قَالَ صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ, صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ, صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ, وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلاَثَةِ فَضَمَّهَا ثُمَّ أَرْسَلَهَا. (ش) (الرجال) (حماد) بن سلمة. و (أبو السليل) بالتكبير ضريب بن نقير تقدّم بالثامن صفحة 109 و (مجيبة) بضم الميم وكسر الجيم (الباهلية) نسبة إلى باهلة قبيلة وهو هكذا بالتأنيث في رواية المصنف وصوبه في الإصابة لما في رواية سعيد بن منصور عن ابن علية عن الجريري عن أبي السليل عن مجيبة الباهلية عجوز من قومها. وفى رواية أحمد مجيبة عجوز من باهلة. وفى رواية النسائي عن مجيبة الباهلي عن عمه. وفى رواية ابن ماجه عن أبى مجيبة عن أبيه أو عمه. روى لها أبو داود وسعيد بن منصور. و (أبوها) عبد الله بن الحارث الأنصاري الباهلي أبو جهم أو أبو مجيبة. ذكره ابن حبان في الصحابة وقال أبو عمر لا أعرفه. وقال في الإصابة هو والد مجيبة الباهلي. أو الباهلية. روى له الجماعة. "وقوله أو عمها" شك من الراوي، ولم نقف على اسمه (المعنى) (قوله فأتاه بعد سنة الخ) أى رجع ذلك الرجل إلى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بعد مضي سنة وقد تغير لونه وانتحل جسمه لاستمراره على الصوم. والإضافة في عام الأول من إضافة الموصوف إلى الصفة (قوله قال ما أكلت طعاما الخ) وفى نسخة قلت ما أكلت طعاما الخ أى لازمت الصيام من حين فارقتك إلى الآن. ولعله لم يكن منهي حينئذ عن صوم يومي العيد وأيام التشريق، أو نهى عنه ولم يبلغه (قوله لم عذبت نفسك) أي لم واصلت الصيام حتى لحقك الضرر وما أمرك الله بذلك قال تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (قوله صم شهر الصبر) يعني شهر رمضان. والصبر في الأصل الحبس، وسمي الصيام صبرا لما فيه من حبس النفس عن تعاطي المفطرات نهارا (قوله ويوما من كل شهر) أي ويكفيك أن تصوم بعد شهر رمضان يوما تطوعا من كل شهر (قوله صم من الحرم واترك الخ) أي إذا أردت الزيادة فصم من الأشهر الحرم ما تشاء غير أنك لا توالي الصيام فيها أكثر من ثلاثة أيام ثم أفطر مثلها وهكذا، فأشار صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بضم أصابعه الثلاثة إلى أن له أن يصوم من الأشهر الحرم ثلاثة أيام، وأشار بإرسالها إلى أنه يفطر كذلك ثلاثة أيام مع

كيفية الصيام في الأشهر الحرم

صيام رمضان وصيام ثلاثة أيام من كل شهر من الأشهر السبعة الباقية فيكون مجموع ما يصومه من الأشهر الحرم ستين يوما، ومن الأشهر السبعة الباقية إحدى وعشرين يوما. ويحتمل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمره أن يصوم ثلاثة أيام من الأشهر الحرم ويفطر ثلاثة أيام بدلا من صيام ثلاثة أيام عن كل شهر، وعليه فيكون صيامه تطوعًا ستين يومًا. ويحتمل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أشار بأصابعه الثلاثة إلى أنه لا يزيد في الموالاة على ثلاثة أيام ثم يفطر يومًا أو يومين. ويحتمل أنه أشار إلى أن الرجل يقتصر في التطوع على الأشهر الحرم فيصوم ثلاثا ويفطر مثلها. (الفقه) دل الحديث على مزيد رأفته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأمته. وعلى أنه ينبغي للرءيس أن يتفقد أحوال الرعية. وعلى أنه لا ينبغي للشخص أن يسترسل في صيام التطوع حتى يضر نفسه. وعلى الترغيب في الصيام في الأشهر الحرم، لكن لا يوالي الصوم فيها زيادة على ثلاثة أيام. وهذا بالنسبة لغير عشر ذي الحجة، أما هي فيصوها متوالية كما يأتي. (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي والبيهقي وكذا ابن ماجه عن أبي مجيبة الباهلي عن أبيه أو عن عمه قال: أتيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت: يا نبي الله أنا الرجل الذي أتيتك عام الأول. قال فمالي أرى جسمك ناحلا قال يا رسول الله ما أكلت طعامًا بالنهار. ما أكلته إلا بالليل قال من أمرك أن تعذب نفسك؟ قلت يا رسول الله إني أقوى. قال صم شهر الصبر ويوما بعده. قلت إني أقوى قال صم شهر الصبر ويومين بعده. قلت إني أقوى قال صم شهر الصبر وثلاثة أيام بعده وصم أشهر الحرم. وأخرجه أحمد في مسنده عن إسماعيل بن علية ثنا الجريري عن أبي السليل قال حدثتني مجيبة عجوز من باهلة عن أبيها أو عمها قال: أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لحاجة مرة فقال من أنت؟ قال أو ما تعرفني؟ قال ومن أنت؟ قال أنا الباهليّ الذي أتيتك عام أول. قال فإنك أتيتني وجسمك ولونك وهيئتك حسنة. فما بلغ بك ما أرى؟ فقال إني والله ما أفطرت بعدك إلّا ليلا. قال من أمرك أن تعذب نفسك؟ من أمرك أن تعذب نفسك؟ من أمرك أن تعذب نفسك؟ ثلاث مرات. صم شهر الصبر رمضان. قلت إني أجد قوة وإني أحب أن تزيدني. فقال صم يومًا من الشهر. قلت إني أجد قوة وأني أحب أن تزيدني. قال فيومين من الشهر. قلت إني أجد قوة وإني أحب أن تزيدني. قال وما تبغي عن شهر الصبر ويومين في الشهر قلت إني أجد قوة وإني أحب أن تزيدني. قال فثلاثة أيام من الشهر قال وألح عند الثلاثة فما كاد. قلت إني أجد قوة وإني أحب أن تزيدني. قال فمن الحرم "أي فصم من الأشهر الحرم" وأفطر وفي سنده ومتنه اضطراب كما ترى.

باب في صوم المحرم

باب في صوم المحرم أي في الترغيب في الصيام فيه (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالاَ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِى بِشْرٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ, وَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْمَفْرُوضَةِ صَلاَةٌ مِنَ اللَّيْلِ: لَمْ يَقُلْ قُتَيْبَةُ شَهْرِ قَالَ رَمَضَانَ. (ش) (أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله الواسطي. و (أبو بشر) جعفر بن أبي وحشية (قوله أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم) إضافة الشهر إلى الله تعالى إضافة تشريف (وظاهر الحديث) أن المراد بشهر المحرم الشهر بتمامه. ويؤيده ما أخرجه الترمذي عن على أنه سمع رجلا يسأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وهو قاعد فقال: يا رسول الله أيّ شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان؟ فقال إن كنت صائما بعد شهر رمضان فصم المحرم فإنه شهر الله: فيه يوم تاب الله فيه على قوم ويتوب فيه على قوم آخرين. قال الترمذي حسن غريب "ولا ينافى" هذا ما أخرجه الترمذي من طريق صدقة بن موسى عن أنس قال: سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أي الصوم أفضل بعد رمضان؟ قال شعبان لتعظيم رمضان "لأنه ضعيف" لأن صدقة بن موسى فيه مقال: ويحتمل أن المراد الصوم في المحرم، أو خصوص يوم عاشوراء "ولا يعارضه" ما تقدم من أن صيام عرفة يكفر السنة التى قبله والتي بعده "لعدم التصريح فيه بالأفضلية" وأيضًا فإن صوم عاشوراء مطلوب من كل أحد. أما صوم عرفة فمكروه للحاج لما سيأتي أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى عن صوم عرفة بعرفة (قوله وإن أفضل الصلاة بعد المفروضة صلاة من الليل) أي في الليل، فمن بمعنى في (وظاهره) أن صلاة الليل أفضل من السنن الرواتب، لما فيها من المشقة والبعد من الرياء والسمعة والانقطاع عن الشواغل. وبهذا قال أبو إسحاق المروزي وجماعة. قال الطيبي: إن صلاة التهجد لو لم يكن فيها فضل سوى قوله تعالى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} وقوله تعالى {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} لكفاه مزية اهـ وقال أكثر العلماء الرواتب والوتر أفضل، لأنها تشبه الفرائض، لكن قال النووي الأول أقوى وأوفق

باب صوم رجب

لنص هذا الحديث اهـ وردّ بأنه ليس نصا فيما ذكر لاحتمال أن معناه أفضل الصلاة بعد المفروضة وما يلحق بها عن الرواتب والوتر جمعا بين الأدلة (قوله لم يقل قتيبة الخ) غرض المصنف به بيان الفرق بين لفظ مسدد وقتيبة. فمسدد قال أفضل الصيام بعد شهر رمضان، وقتيبة قال أفضل الصيام بعد رمضان بدون لفظ شهر (والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والبيهقي والدارمي وكذا ابن ماجه والترمذي مقتصرين فيه على الصيام قال الترمذي حديث حسن اهـ باب صوم رجب هذه الترجمة ساقطة في أكثر النسخ، والأولى ذكرها لأن الترجمة السابقة غير مناسبة للحديث (ص) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَنَا عِيسَى نَا عُثْمَانُ يَعْنِى ابْنَ حَكِيمٍ قَالَ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ صِيَامِ رَجَبَ فَقَالَ: أَخْبَرَنِى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يَصُومُ. (ش) (عيسى) بن يونس (قوله كان يصوم حتى نقول لا يفطر الخ) أي أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا صام التطوع تابع الصيام حتى نظن أنه لا يفطر وإذا أفطر تابع الإفطار حتى نظن أنه لا يصوم. وهذه كانت حالته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في رجب وغيره كما تفيده روايات البخاري وغيره عن عائشة لكن صنيع المصنف يؤخذ منه أن هذه الحالة خاصة برجب فيفيد فضل الإكثار من الصوم في رجب، والأولى إبقاء الحديث على عمومه، وأن رجب كغيره من بقية الأشهر، والظاهر أن ابن جبير ساق حديث ابن عباس جوابا للسائل إشارة إلى أن رجب لا مزية له عن بقية الأشهر. ويؤيده ما رواه البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ما صام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شهرا كاملا قط غير رمضان، ويصوم حتى يقول القائل لا والله لا يفطر. ويفطر حتى يقول القائل لا والله لا يصوم. ويؤيده أيضًا حديث الباهلية المتقدم، فإن فيه الحث على الصوم من الأشهر الحرم. ورجب منها "وأما ما رواه" ابن ماجه عن طريق داود بن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى عن صوم رجب "فضعيف" لأن داود بن عطاء متكلم فيه. وكذا فيه زيد بن عبد الحميد. وعلى تقدير صحته فمحمول على صومه كله، وإفراده بالصوم. قال أحمد يكره صوم جميعه منفردا فإن صام السنة كلها "يعني ما عدا يومي العيد وأيام التشريق" فلا بأس بصيام جميعه. فإن أفرده بالصوم أفطر فيه يوما أو أياما حتى لا يشبه رمضان اهـ واستدلّ على الكراهة بما رواه بإسناده عن خراشة بن الحر قال رأيت

بعض ما ورد في صيامه من الأحاديث التى لم تثبت

عمر يضرب أكف المترجبين "أي الصائمين في رجب" حتى يضعوها في الطعام، ويقول كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية. وبما رواه أيضًا بإسناده عن ابن عمر أنه كان إذا رأى الناس وما يعدون لرجب كرهه وقال: صوموا منه وأفطروا. وروى عن ابن عباس نحوه. وبما رواه أيضًا بإسناده عن أبي بكرة "أنه دخل على أهله وعندهم سلال جدد وكيزان فقال ما هذا؟ فقالوا لرجب نصومه قال: أجعلتم رجب رمضان، فألقى السلال وكسر الكيزان" والسلال جمع سلة كحبة وهي وعاء تحمل فيه الفاكهة (وقد ورد) في صيام رجب والعبادة فيه أحاديث. منها ما هو باطل ومنها ما هو ضعيف. ونذكر بعضها للتنبيه عليه لئلا يغترّ به (فمن الباطل) ما أخرجه الطبراني عن سعيد بن أبي راشد مرفوعا "من صام يوما من رجب فكأنما صام سنة، ومن صام منه سبعة أيام غلقت عنه أبواب جهنم، ومن صام منه ثمانية أيام فتحت له ثمانية أبواب الجنة، ومن صام منه عشرة لم يسأل الله شيئًا إلا أعطاه، ومن صام منه خمسة عشر يوما نادى مناد من السماء قد غفر لك ما مضى فاستأنف العمل، ومن زاد زاده الله" (ومنها) ما روى عن عليّ قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إن شهر رجب شهر عظيم من صام يوما منه كتب الله له صوم ألف سنة، ومن صام منه يومين كتب الله له صوم ألفي سنة. ومن صام منه ثلاثة أيام كتب الله له صوم ثلاثة آلاف سنة، ومن صام منه سبعة أيام أغلقت عنه أبواب جهنم، ومن صام منه ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنة الثمانية فيدخل من أيها شاء، ومن صام منه خمسة عشر يومًا بدلت سيئاته حسنات ونادى مناد من السماء قد غفر لك فاستأنف العمل، ومن زاد زاده الله. قال الحافظ هو حديث موضوع لا شكّ في وضعه (ومنها) ما رواه ابن ناصر في أماليه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إنّ عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض، منها أربعة حرم: رجب لا يقارنه من الأشهر أحد، ولذلك يقال له شهر الله الأصم، وثلاثة أشهر متواليات يعني ذا القعدة وذا الحجة والمحرم، ألا وإنّ رجبًا شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي. فن صام من رجب يومًا إيمانًا واحتسابًا استوجب رضوان الله الأكبر وأسكنه الفردوس الأعلى ومن صام من رجب يومين فله من الأجر ضعفان، وإنّ كلّ ضعف مثل جنان الدنيا، ومن صام من رجب ثلاثة أيام جعل الله بينه وبين النار خندقا طول مسيرة ذلك سنة، ومن صام من رجب أربعة أيام عوفي من البلاءات من الجنون والجذام والبرص، ومن فتنة المسيح الدجال ومن عذاب القبر (ومنها) ما ذكره أبو البركات هبة الله بن المبارك السقطي عن أنس مرفوعًا: فضل رجب على الشهور كفضل القرآن على سائر الأذكار، وفضل شعبان على سائر الشهور كفضل محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على سائر الأنبياء وفضل رمضان على سائر الشهور

كفضل الله على عباده (ومنها) ما رواه النقاش في فضائل الصيام: رجب من الأشهر الحرم وأيامه مكتوبة على أبواب السماء السادسة, فإذا صام الرجل منه يوما وجود صيامه بتقوى الله نطق الباب ونطق اليوم فقالا يا رب اغفر له, وإذا لم يتمّ صيامه بتقوى الله لم يستغفرا له (ومنها) ما رواه البيهقي في فضائل الأوقات من صام يوما من رجب كان كصيام سنة, ومن صام سبعة أيام أغلقت عنه أبواب جهنم, ومن صام ثمانية أيام فتحت له ثمانية أبواب الجنة, ومن صام عشرة أيام لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه, ومن صام خمسة عشر يوما نادى مناد من السماء قد غفر لك ما قد سلف فاستأنف العمل, ومن زاد زاده الله (ومنها) حديث عبد العزيز بن سعيد عن أبيه قال عثمان بن مطر وكانت له صحبة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: رجب شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات, فمن صام يوما من رجب فكأنما صام سنة ومن صام منه سبعة أيام غلقت عنه سبعة أبواب جهنم, ومن صام منه ثمانية أيام فتحت له ثمانية أبواب الجنة, ومن صام منه عشرة أيام لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه, ومن صام منه خمسة عشر يوما نادى مناد في السماء قد غفر لك ما مضى فاستأنف العمل, ومن زاد زاده الله (الحديث) رواه الطبراني في الكبير: قال الهيثمي في مجمع الزوائد وفيه عبد الغفور وهو متروك (ومنها) ما روى البيهقي عن أنس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: من صلى المغرب في أوّل ليلة من رجب ثم صلى بعدها عشرين ركعة يقرأ في كلّ ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة ويسلم فيهن عشر تسليمات أتدرون ما ثوابه فإن الروح الأمين جبريل علمني ذلك؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال حفظه الله في نفسه وأهله وماله وولده وأجير من عذاب القبر وجاز على الصراط كالبرق بغير حساب ولا عقاب (ومنها) حديث ابن عباس موقوفا قال: من صلى ليلة سبع وعشرين من رجب ثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة منها بفاتحة الكتاب وسورة, فإذا فرغ من صلاته قرأ فاتحة الكتاب سبع مرات وهو جالس ثم قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم أربع مرات ثم أصبح صائما, حط الله عنه ذنوب ستين سنة. وهي الليلة التي بعث فيها محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (ومنها) ما روى عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي. قيل يا رسول الله ما معنى قولك رجب شهر الله؟ قال لأنه مخصوص بالمغفرة وفيه تحقن الدماء وفيه تاب الله على أنبيائه وفيه أنقذ أولياءه من يد أعدائه. من صامه استوجب على الله مغفرة بجميع ما سلف من ذنوبه وفيما بقى من عمره وأمانا من العطش يوم الفزع الأكبر فقام شيخ ضعيف فقال إني يا رسول الله لأعجز عن صيامه كله فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: صم أول يوم منه فإن الحسنة بعشر أمثالها وأوسط يوم منه وآخر يوم منه فإنك تعطى ثواب من صامه كله (ومنها) ما رواه البيهقي عن

رد الأحاديث الواردة في فضله، كلام العلماء في هذا

أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إن في الجنة نهرا يقال له رجب ماؤه الرحيق من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا, أعده الله لصوام رجب (ومنها) ما ذكره أبو شامة عن أبي الخطاب الحافظ عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة من صام السابع والعشرين من رجب كتب الله له صيام ستين شهرا وهو أول يوم نزل فيه جبريل على محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالرسالة (ومن) الأحاديث الضعيفة ما رواه البيهقي عن أنس موقوفا: إن لله في الجنة نهرا يقال له رجب ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل من صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر (وفي هذه) الأحاديث كلها مقال ولا يصح منها شيء وحكى ابن السبكي عن محمد بن منصور السمعاني أنه قال لم يرد في استحباب صوم رجب على الخصوص سنة ثابتة, والأحاديث التي تروى فيه واهية لا يفرح بها عالم اهـ قال ابن حجر في كتابه "تبيين العجب بما ورد في فضل رجب" لم يرد في فضله ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ولا في قيام ليلة مخصوصة منه حديث صحيح يصلح للحجة. وقال النووي في شرح حديث الباب: الظاهر أن مراد سعيد بن جبير بهذا الاستدلال أنه لا نهى عنه ولا ندب فيه لعينه بل له حكم باقي الشهور ولم يثبت في صوم رجب نهى ولا ندب لعينه. ولكن أصل الصوم مندوب إليه. وفي سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ندب إلى الصوم من الشهر الحرم ورجب أحدها اهـ وقال أبو شامة ذكر الشيخ أبو الخطاب في كتاب "أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب" عن المؤتمن بن أحمد الساجي الحافظ قال: كان الإمام عبد الله الأنصاري شيخ خراسان لا يصوم رجب وينهى عن ذلك ويقول. ما صح في فضل رجب ولا في صيامه عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شيء. وقد رويت كراهة صومه عن جماعة من الصحابة منهم أبو بكر وعمر وكان عمر يضرب بالدرة صوامه اهـ ثم نقل عن الطرطوشي أنه قال: يكره صيام رجب على أحد ثلاثة أوجه أحدها إذا خصه المسلمون بالصوم في كل عام ظن العوام ومن لا معرفة له بالشريعة مع ظهور صيامه أنه فرض كرمضان أو أنه سنة ثابتة خصه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كالسنن الراتبة "أو أن الصوم" فيه مخصوص بفضل ثواب على سائر الشهور جار مجرى عاشوراء وفضل آخر الليل على أوله في الصلاة "فيكون" من باب الفضائل لا من باب السنن والفرائض, ولو كان من باب الفضائل لسنه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو فعله مرة في العمر كما فعل في يوم عاشوراء وفي الثلث الغابر من الليل, ولما لم يفعل بطل كونه مخصوصا بالفضيلة ولا هو فرض ولا سنة باتفاق, فلم يبق لتخصيصه بالصيام وجه فكره صيامه والدوام عليه حذرا من أن يلحق بالفرائض والسنن الراتبة عند العوام, فإن أحبّ أن يصومه على وجه تؤمن فيه الذريعة وانتشار الأمر حتى لا يعد فرضا ولا سنة فلا بأس بذلك اهـ

باب في صوم شعبان

(والحديث) أخرجه أيضًا مسلم. وأخرجه البخاري وابن ماجه والترمذي بدون ذكر رجب باب فى صوم شعبان أي فى فضل صومه: وشعبان مشتق من الشعب وهو الاجتماع، ويطلق أيضا على التفرق فهو من الأضداد. قيل سمى شعبان لأنه تشعب عنه خير كثير كرمضان. وقيل لأنهم كانوا يتشعبون فيه بعد التفرقة. ويجمع على شعابين وشعبانات (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى قَيْسٍ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: كَانَ أَحَبَّ الشُّهُورِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَصُومَهُ شَعْبَانُ ثُمَّ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ. (ش) (قوله كان أحب الشهور الخ) بنصب أحب خبر كان وشعبان بالرفع اسمها وأن يصوم بدل من شعبان، أى كان صوم شعبان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من صوم غيره من بقية الشهور التي كان يتطوع فيها بالصيام "فإن قلت" لم لم يكثر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصوم فى المحرم وقد قال كما تقدم فى "باب فى صوم المحرم" "أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم" "أجيب" بأنه يحتمل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يعلم فضل المحرم إلا فى آخر حياته، أو أنه كان يتفق له في المحرم من الأعذار ما يمنعه من إكثار الصيام فيه (والحكمة) فى إكثاره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصوم فى شعبان، ما جاء فى حديث أسامة بن زيد قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان. قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين. فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم: أخرجه النسائى وصححه ابن خزيمة كما تقدم فى "باب فيمن يصل شعبان برمضان" (قوله ثم يصله برمضان) أى يصل صيام شعبان بصيام رمضان، "ولا ينافى" ما تقدم من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لا تقدموا صوم رمضان بيوم أو يومين" فإن النهى فيه محمول على من لم يصم شعبان كله أو معظمه، بل يصوم اليوم أو اليومين قبل رمضان احتياطا له، ويحتمل أن المعنى أنه يصوم فى آخر شعبان حتى يقرب أن يصله برمضان (فقه الحديث) دل الحديث على الترغيب في الإكثار من الصيام فى شعبان. وعلى جواز وصل صيامه برمضان إذا صامه كله أو معظمه (والحديث) أخرجه أيضا النسائى والحاكم والبيهقى

فضل صيام الأربعاء والخميس

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعِجْلِىُّ نَا عُبَيْدُ اللَّهِ يَعْنِى ابْنَ مُوسَى عَنْ هَارُونَ بْنِ سَلْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ الْقُرَشِىِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ أَوْ سُئِلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ فَقَالَ: إِنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا صُمْ رَمَضَانَ وَالَّذِى يَلِيهِ, وَكُلَّ أَرْبِعَاءَ وَخَمِيسٍ فَإِذَا أَنْتَ قَدْ صُمْتَ الدَّهْرَ. (ش) مطابقة الحديث للترجمة فى قوله "والذى يليه" فإن الضمير المستتر فيه، عائد على رمضان والبارز على شعبان، أى صم رمضان وصم الشهر الذى يليه رمضان، أى يقع بعده وهو شعبان. وفى نسخة ذكر الحديث تحت ترجمة "باب فى صوم شوال" ولعل وجه مطابقته لها احتمال أن الضمير المستتر فى قوله "والذى يليه" عائد على شوال والبارز على رمضان، أى وصم الشهر الذى يقع بعد رمضان وهو شوال. والاحتمال الأول أولى، لأنه لم يرد حديث صريح فى طلب صيام شوال كله "وما قيل" إن المراد بصيام شوال صيام ستة منه "يبعده" أن هذا عقد له المصنف الباب الآتى فلا معنى لحمل حديث الباب عليه (الرجال) (محمد بن عثمان) بن كرامة أبو جعفر (العجلي) روى عى أبى أسامة ومحمد بن بشر وعبد الله بن نمير وأبى نعيم وغيرهم وعنه البخارى وأبو داود والترمذى وابن ماجه وكثيرون. وثقه مسلمة وقال أبو حاتم وداود بن يحيى كان صدوقا وذكره ابن حبان فى الثقات وفى التقريب ثقة من الحادية عشر. توفى سنة ست وخمسين ومائتين. روى له البخارى وأبو داود والترمذى وابن ماجه. و (هارون بن سلمان) المخزومى مولى عمرو بن حريث أبو موسى. روى عن عبيد الله بن مسلم. وعنه مالك بن مغول وزيد بن الحباب وعبد الله بن داود الخريبى وأبو نعيم وآخرون. قال أبو حاتم والنسائي لا بأس به وذكره ابن حبان فى الثقات. وفى التقريب لا بأس به من السابعة. روى له أبو داود والترمذى والنسائي. و (عبيد الله بن مسلم القرشى) روى عن أبيه. وعنه هارون بن سلمان ذكره ابن حبان فى الثقات. روى له أبو داود والترمذى والنسائى (وأبوه) مسلم بن عبيد الله ويقال ابن عبد الله الصحابى سكن الكوفة. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا الحديث. روى له أبو داود والترمذى والنسائي (المعنى) (قوله إن لأهلك عليك حقا) تعليل المحذوف كأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال للسائل: لا يجوز لك صيام الدهر لأن لأهلك عليك حقا. وصيام الدهر يضعفك فلا تستطيع القيام بأداء الحق الواجب لأهلك (وفى هذا) دلالة لمن قال بكراهة صيام الدهر، لما يترتب عليه من

باب في صوم ستة أيام من شوال

فتور الهمة عن القيام بحقوق الله تعالى وحقوق عباده (قوله وكل أربعاء وخميس) أى وصم ما ذكر وفى نسخة وكل أربعاء وخميسين أى من كل شهر (قوله فإذا أنت قد صمت الدهر) إذا بالتنوين والفاء واقعة فى جواب شرط محذوف أى إن فعلت ما قلت لك فقد صمت، وإذا جواب جئ به لتأكيد الربط. والمعنى إن صمت رمضان والذى يليه وكل أربعاء وخميس فكأنك صمت الدهر فلك ثواب صومه بل أكثر لأن الحسنة بعشر أمثالها. وصوم ثلاثة أيام من الشهر كصوم جميع الشهر، فمن باب أولى صوم ثمانية منه لأن فى الشهر أربعة أربعاوات وأربعة أخمسة (والحديث) أخرجه الترمذى فى "باب ما جاء فى صوم الأربعاء والخميس" وفيه فإذا أنت قد صمت الدهر وأفطرت. وقال: حديث غريب. وفى بعض النسخ زيادة "قال أبو داود: وافقه زيد العكلي وخالفه أبو نعيم، أى وافق هارون بن سلمان زيد العكلي فى أن اسم شيخه عبيد الله بن مسلم القرشى بخلاف أبى نعيم فإنه لم يوافقه فى التسمية بل قال: مسلم بن عبيد الله. قال الترمذى: وروى بعضهم عن هارون بن سلمان عن مسلم بن عبيد الله عن أبيه. وعلى هذا فالحديث من رواية عبيد الله وعلى الأول من رواية مسلم وهو الصواب كما ذكره فى الإصابة وكذا قال البخارى: أبو نعيم عن هارون عن عبيد الله بن مسلم وعليه فأبو نعيم لم يخالف هارون (وروايته) أخرجها النسائي فى الكبرى باب في صوم ستة أيام من شوال فى نسخة إسقاط لفظ باب، أى فى بيان فضل صيامها (ص) حَدَّثَنَا النُّفَيْلِىُّ نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ وَسَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِىِّ عَنْ أَبِى أَيُّوبَ صَاحِبِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ. (ش) (الرجال) (النفيلي) عبد الله بن محمد. و (عمر بن ثابت) بن الحارث الأنصارى الخزرجى. روى عن أبى أيوب ومحمد بن المنكدر وعائشة. وعنه الزهرى وصفوان بن سليم ومالك ويحيى بن سعيد وجماعة. وقال السمعانى من ثقات التابعين ووثقه النسائي والعجلي. وذكره ابن حبان فى الثقات، وفى التقريب ثقة من الثالثة. وأخطأ من عده فى الصحابة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي (المعنى) (قوله من صام رمضان ثم أتبعه بست الخ) أى بستة

الخلاف في حكمه

أيام بحذف التاء من اسم العدد لعدم ذكر التمييز، ويجوز ذكرها أيضا. أما لو ذكر التمييز فيتعين ذكرها. والمعنى أن من واظب على صيام رمضان وعلى صيام ستة أيام من شوال فى كل سنة فكأنما صام طول حياته. أما من صام رمضان وستا من شوال سنة واحدة فكأنما صام سنة واحدة. وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها. فرمضان بعشرة أشهر، والستة الأيام بشهرين، لحديث ثوبان أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: صيام شهر بعشرة أشهر وستة أيام بعده بشهرين، فذلك تمام سنة يعنى شهر رمضان وستة أيام بعده أخرجه الدارمي، ولما رواه ابن ماجه عن ثوبان أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" (وفي حديث) الباب دلالة على استحباب صيام ستة أيام من شوال. وبه قال الشافعي وأحمد وداود وجماعة. والسر فى مشروعيتها أنها بمنزلة السنن الرواتب فى الصلاة تجبر ما وقع فيها من عدم الكمال، فكذلك صيام ستة أيام من شوال يجبر ما وقع في رمضان من الخلل. وقالت الشافعية الأفضل أن تصام متوالية عقب يوم الفطر. فإن فرقها أو أخرها عن أول شوال فقد حصل أصل السنة (قال) فى الروضة الندية: ظاهر الحديث أنه يكفى صيام ست من شوال سواء أكانت من أوله أم من أوسطه أم من آخره. ولا يشترط أن تكون متصلة به لا فاصل بينها وبين رمضان إلا يوم الفطر، وإن كان ذلك هو الأولى لأن الإتباع وإن صدق على جميع الصور فصدقه على الصورة التى لم يفصل فيها بين رمضان وبين الست إلا يوم الفطر الذى لا يصح صومه لا شك أنه أولى. وأما أنه لا يحصل الأجر إلا لمن فعل كذلك فلا، لأن من صام ستا من آخر شوال فقد أتبع رمضان بصيام ست من شوال بلا شك وذلك هو المطلوب اهـ قال أحمد لا فرق بين التتابع وعدمه فى الفضل. وقال أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف يكره صوم هذه الأيام حذرا من اعتقاد وجوبها، ولقول مالك فى الموطأ ما رأيت أحدا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغنى ذلك عن أحد من السلف، وإن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته، وان يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء اهـ لكن قال فقهاء المالكية والحنفية: يندب صيامها متفرقة ولا يكره التتابع على المختار خلافا لأبى يوسف وحملوا كلام الإمامين على ما إذا وصل صيامها بيوم الفطر وتابع صيامها، فإن صامها غير متصلة بيوم الفطر وكانت غير متتابعة فلا كراهة، أو أن الحديث لم يبلغهما أو بلغهما ولم يثبت عندهما، لأن فيه سعد بن سعيد وفيه مقال. ولا يخفى أن ثواب صوم الدهر يحصل بصيام رمضان وستة أيام ولو لم تكن من شوال، وإنما قال من شوال ترغيبا فى المبادرة إلى تحصيل الخير والمسارعة إليه (ويدل) على هذا رواية ابن ماجه عن ثوبان المتقدمة، أو أن من فى قوله ثم أتبعه بست من شوال ابتدائية، فيكون المعنى أن الوقت الذى يصام فيه بعد رمضان مبتدأ من شوال

باب كيف كان يصوم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(والحديث) أخرجه أيضا أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذى وقال حسن صحيح والبيهقى والدارمى. وقال الجزرى: حديث أبى أيوب لا يشك فى صحته وتابع سعدا فى روايته أخواه عبد ربه ويحيى وصفوان بن سليم وغيرهم. ورواه أيضا عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أبو هريرة وجابر وثوبان والبراء بن عازب وابن عباس وعائشة اهـ. باب كيف كان يصوم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعنى صيام التطوع، وفى نسخة حذف لفظ باب (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِى النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يُفْطِرُ, وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يَصُومُ. وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلاَّ رَمَضَانَ. وَمَا رَأَيْتُهُ فِى شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِى شَعْبَانَ. (ش) (أبو النضر) سالم بن أبى أمية (قوله وما رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم استكمل صيام شهر الخ) يدل على أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يصم شهرا تاما إلا رمضان، "وأما ما تقدم" فى باب صوم شعبان من قول عائشة: كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان "فالوصل فيه" محمول على القرب، ويدل على أنه ما كان يكثر من صيام التطوع فى شهر من الشهور كما كان يكثر فى شعبان (والحديث) أخرجه أيضا البخارى ومسلم والنسائى والترمذى فى الشمائل والبيهقى (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ. زَادَ: كَانَ يَصُومُهُ إِلاَّ قَلِيلاً بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ. (ش) (حماد) بن سلمة (قوله بمعناه الخ) وفى نسخة بهذا الخ أى بمعنى حديث عائشة

باب في صوم الاثنين والخميس

السابق. وزاد محمد بن عمر وفى روايته "كان يصوم شعبان إلا قليلا بل كان يصومه كله" والمراد أنه كان يصوم أكثر شعبان تارة ويصومه تارة أخرى، أو أن أبا هريرة أخبر بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى أول أمره كان يصوم أكثره. ثم أخبر بأنه فى آخر أمره كان يصومه كله. وتقدم تمام الكلام عليه وعلى حكمة كثرة صيامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى شعبان دون غيره فى "باب وصل صيام شعبان برمضان" (وهذه الزيادة) أخرجها مسلم وكذا الترمذى من طريق أبى سلمة عن عائشة بلفظ "ما رأيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى شهر أكثر صياما منه فى شعبان. كان يصومه إلا قليلا، بل كان يصومه كله" قال الترمذى روى عن ابن المبارك أنه قال فى هذا الحديث: وهو جائز فى كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال صام الشهر كله اهـ، ولم نقف عليها فى حديث أبى سلمة عن أبى هريرة ولا على من أخرج هذا الحديث مع الزيادة من حديث أبى هريرة باب فى صوم الاثنين والخميس أى فى بيان فضل صومهما (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا أَبَانُ نَا يَحْيَى عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِى الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ مَوْلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ عَنْ مَوْلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ انْطَلَقَ مَعَ أُسَامَةَ إِلَى وَادِى الْقُرَى فِى طَلَبِ مَالٍ لَهُ فَكَانَ يَصُومُ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَقَالَ لَهُ مَوْلاَهُ: لِمَ تَصُومُ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ وَأَنْتَ شَيْخٌ كَبِيرٌ؟ فَقَالَ إِنَّ نَبِىَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ. وَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُعْرَضُ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ. (ش) (أبان) بن يزيد. و (يحيى) بن أبى كثير (قوله عن عمر بن أبى الحكم) هكذا فى نسخ المصنف هنا. والظاهر أن لفظ أبى غلط من النساخ. فقد تقدم فى "باب ما جاء فى نقصان الصلاة" بالجزء الخامس. أنه عمر بن الحكم بن ثوبان، وفى رواية لأحمد "عن عمر بن أبى الحكم: وهى كنية ثوبان ولذا لم يذكره بعد أبى الحكم كما فى المصنف وفى أخرى لأحمد والدارمى وأبى داود الطيالسى من رواية هشام عن يحيى عن عمر بن الحكم بن ثوبان. ولا منافاة بينهما لأن ما فى رواية أحمد الأولى نسبة إلى جده ثوبان، وفى الرواية الأخرى نسبة إلى أبيه ثم ذكر جدّه. و (مولى قدامة بن مظعون) لم نقف فى كتب الرجال

على ترجمته وكذا ترجمة مولى أسامه بن زيد (قوله وادى القرى) هو واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة كثير القرى. فتحه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى جمادى الثانية سنة سبع بعد خيبر عنوة ثم صولحوا على الجزية (قوله فكان يصوم الخ) أى فكان أسامة يصوم هذين اليومين (قوله وسئل عن ذلك الخ) أى سئل عن الباعث له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن صوم هذين اليومين، فأجاب بأن أعمال العباد تعرض على الله تعالى يوم الاثنين ويوم الخميس يعنى ويجب أن يرفع عمله وهو صائم ففى رواية الترمذى عن أبى هريرة مرفوعا "تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملى وأنا صائم" وفى رواية مسلم "تعرض أعمال الناس فى كل جمعة مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل مؤمن إلا عبدا بينه وبين أخيه شحناء، فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا" ولا ينافى هذا ما ورد من أن أعمال العباد ترفع فى الصباح والمساء، لأن هذا رفع وما فى حديث الباب عرض وفرق بينهما. والأعمال تجمع فى الأسبوع وتعرض فى هذين اليومين. ولا ينافى هذا ما تقدم من أن الأعمال ترفع فى شعبان لجواز رفع أعمال الأسبوع مفصلة فى هذين اليومين وأعمال العام مجملة فى شعبان (وفى الحديث) الترغيب فى صيام الاثنين والخميس وقد جاء فى صيامهما أحاديث (منها) ما أخرجه النسائى من طريق أبى سعيد المقبرى قال حدثنى أسامة بن زيد قال: قلت يا رسول الله إنك تصوم حتى لا تكاد تفطر، وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم إلا يومين إن دخلا فى صيامك وإلا صمتهما. قال أى يومين؟ قلت يوم الاثنين ويوم الخميس. قال ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين فأحب أن يعرض عملى وأنا صائم (ومنها) ما أخرجه النسائى أيضا من طرق كثيرة عن عائشة (ومنها) ما أخرجه عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام: الاثنين والخميس من هذه الجمعة والاثنين من المقبلة (ومنها) ما أخرجه عن حفصة قالت: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أخذ مضجعه جعل كفه اليمنى تحت خده الأيمن، وكان يصوم يوم الاثنين والخميس (ومنها) ما أخرجه الدارمى بسنده إلى أبى هريرة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصوم يوم الاثنين والخميس فسألته فقال إن الأعمال تعرض يوم الاثنين والخميس (والحديث) أخرجه أيضا أحمد (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَذَا قَالَ هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِىُّ عَنْ يَحْيَى عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِى الْحَكَمِ. (ش) أى قال هشام الدستوائى عن يحيى بن أبى كثير عن عمر بن أبى الحكم بذكر الكنية كما قال أبان بن يزيد عن يحيى. والغرض منه تقوية رواية أبان ورد ما ذكره المزى فى الأطراف أن معاوية بن سلام روى عن يحيى عن مولى قدامة ولم يذكر عمر بن أبى الحكم، وأن

باب في صوم العشر تسع ذى الحجة وعاشوراء

رواية الأوزاعى عن يحيى عن مولى أسامة ولم يذكر عمر ولا مولى قدامة. لكن لم نقف على من أخرج رواية معاوية بن سلام ولا رواية الأوزاعى لهذا الحديث. وقد قال الحافظ فى ترجمة معاوية بن سلام قال العجلى دفع إليه يحيى بن أبى كثير كتابا ولم يقرأه ولم يسمعه (وهذا التعليق) وصله أحمد وأبو داود الطيالسى والبيهقى والدارمى قال: حدثنا وهب بن جرير ثنا هشام عن يحيى عن عمر بن الحكم بن ثوبان أن مولى قدامة بن مظعون حدثه أن مولى أسامة حدثه قال: كان أسامة يركب إلى مال له بواد القرى، فيصوم الاثنين والخميس فى الطريق. فقلت له لم تصوم الاثنين والخميس فى السفر وقد كبرت وضعفت؟ فقال إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصوم الاثنين والخميس وقال إن أعمال الناس تعرض يوم الاثنين والخميس باب فى صوم العشر وفى نسخة حذف لفظ باب، أى فى بيان فضل صوم عشر ذى الحجة، والمراد بالعشرة تسع ذى الحجة وعاشوراء (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الْحُرِّ بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ امْرَأَتِهِ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِى الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ. (ش) (الرجال) (الحر بن الصباح) النخعى الكوفى. روى عن ابن عمر وأنس وعبد الرحمن بن الأخنس وهنيدة بن خالد. وعنه شعبة والثورى وأبو عوانة وابو خيثمة وغيرهم وثقه النسائى وابن معين وأبو حاتم وقال صالح الحديث. وفى التقريب ثقة من الثالثة. روى له أبو داود والترمذى والنسائى و (هنيدة (مصغرا) ابن خالد) الخزاعى. روى عن على وعائشة وحفصة وعنه الحسن بن عبيد الله وأبو إسحاق السبيعى وعدى بن ثابت وثابت بن سعيد. ذكره ابن حبان فى الثقات وقال له صحبة وكذا ذكره ابن عبد البر فى الصحابة. روى له أبو داود والنسائى و (امرأة هنيدة) لم نقف على اسمها وهى صحابية تزوجها عمر. وروت عن أم سلمة وأم هنيدة. و (بعض أزواج النبى) لعلها أم سلمة كما جاء فى رواية للنسائى بسنده عن هنيدة عن أمه عن أم سلمة، فالواسطة بين هنيدة وأم سلمة إما امرأته أو أمه، وليست هى حفصة، فإن هنيدة روى الحديث عنها بدون واسطة كما فى النسائى (المعنى) (قوله يصوم تسع ذى الحجة) أى تسعة أيام من أول الشهر

فضل الطاعة في عشر ذى الحجة

لغاية التاسع (قوله أول اثنين من الشهر والخميس) هكذا بإفراد الخميس في النسخ التى بأيدينا وكذا في رواية النسائي من طريق أبي عوانة عن الحر بن الصباح، وعليه فيكون الصوم في يومين لا في ثلاثة (ويجاب) بأن قوله أول اثنين من الشهر معناه أول يومي الاثنين من الشهر، أو أن أل في الخميس للجنس. فيصدق بالمتعدد، يدل لذلك ما في رواية النسائي عن أبي عوانة عن الحر بن الصباح عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض نساء النبى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصوم عاشوراء وتسعا من ذى الحجة وثلاثة أيام من الشهر أول اثنين من الشهر وخميسين. وفي رواية له أيضا عن شريك عن الحر بن الصباح عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر يوم الاثنين من أول الشهر والخميس الذى يليه ثم الخميس الذى يليه وفي روايات لأحمد تثنية الخميس أيضا. وفي رواية للنسائي عن إبراهيم ابن سعيد الجوهرى قال: حدثنا محمد بن فضيل عن الحسن بن عبيد الله عن هنيدة الخزاعى عن أمه عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأمر بصيام ثلاثة أيام أول خميس والاثنين والاثنين (ويؤخذ) من مجموع الروايات إيقاع صيام الثلاثة أيام في هذين اليومين إما بتكرير الاثنين أو الخميس (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والنسائى والبيهقي (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ نَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِى صَالِحٍ وَمُجَاهِدٍ وَمُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ يَعْنِى أَيَّامَ الْعَشْرِ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ وَلاَ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَىْءٍ. (ش) (وكيع) بن الجراح. و (الأعمش) سليمان بن مهران. و (أبو صالح) ذكوان السمان. و (مجاهد) بن جبر. و (مسلم) بن عمران. تقدم بالخامس ص 331 (قوله ما من أيام الخ) أى ليس أيام يكون العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من العمل في أيام عشر ذى الحجة. فما نافية بمعنى ليس ومن زائدة وأيام اسمها والعمل الصالح اسم يكون المحذوفة وأحب بالنصب خبر يكون والجملة خبر ما. وقدرنا العمل بعد من في قوله من هذه الأيام، ليكون المفضل والمفضل عليه من جنس واحد، وهو من باب تفضيل الشئ على نفسه باعتبارين. والمراد

أن العمل الصالح في الأيام العشر المذكورة يعطى الإنسان عليه أجرا عظيما لا يعطاه عليه لو عمله في غيرها جهادا كان أو غيره. ولعل استغراب الصحابة دخول الجهاد في هذه الأعمال، لما يترتب على الجهاد فيها من ضياع أعمال الحج. ويحتمل أن المراد أن العمل الصالح في الأيام العشر وإن قل أفضل من العمل في غيرها وإن عظم، ولذا استغربت الصحابة دخول الجهاد في الأعمال المفضولة لأنهم كانوا يرونه أفضل الأعمال. فقد روى البخارى عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: دلنى على عمل يعدل الجهاد قال لا أجده قال هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر؟ قال ومن يستطيع ذلك؟ قال أبو هريرة: إن فرس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له حسنات. وقوله ليستن أي يمرح، والطول بكسر الطاء وفتح الواو الحبل الذي تشدّ به الدابة (ويجمع) بين هذا الحديث وحديث الباب بأن هذا الحديث عام مخصوص بحديث الباب، فكأن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: لا أجد عملا صالحا يساوى الجهاد أو يفضله إلا العمل الصالح في عشر ذى الحجة. ويحتمل أن يكون المراد بالجهاد في حديث البخارى جهاد رجل خرج ولم يرجع لا بنفسه ولا بماله كما ذكره المصنف بقوله "إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشئ فإن عمله أفضل الأعمال مطلقا لأنه بلغ مبلغا لا يكاد يتفاوت بشرف الزمان والمكان، لأن الله تعالى رزقه الشهادة، أو أنه فقد جميع ماله في سبيل الله وإن رجع هو بنفسه (قوله فلم يرجع بشئ من ذلك) أى قتل في سبيل الله وأخذ ماله (الفقه) دل الحديث على تفضيل بعض الزمن على بعض. وعلى الترغيب في العمل في عشر ذى الحجة. وعلى أن العمل فيها أفضل من العمل في غيرها. وروى ابن ماجه من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ما من أيام الدنيا أيام أحب إلى الله سبحانه أن يتعبد له فيها من أيام العشر. وإن صيام يوم فيها ليعدل صيام سنة وليلة فيها بليلة القدر" وهو ضعيف، لأن في سنده مسعود بن واصل والنهاس ابن قهم وفيهما مقال (قال في الفتح) وتظهر فائدة الأفضلية فيمن نذر الصيام أو علق عملا من الأعمال بأفضل الأيام، فلو أفرد يوما منها تعين يوم عرفة لأنه على الصحيح أفضل أيام العشر المذكورة، فإن أراد أفضل أيام الأسبوع تعين يوم الجمعة جمعا بين حديث الباب وبين حديث أبي هريرة مرفوعا "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة" رواه مسلم وقال الداودى: لم يرد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن هذه الأيام خير من يوم الجمعة، لأنه قد يكون فيها يوم الجمعة فيلزم تفضيل الشئ على نفسه "ورد" بأن المراد أن كل يوم من أيام العشر أفضل من غيره من أيام السنة سواء أكان يوم الجمعة أم لا. ويوم الجمعة فيها أفضل من يوم الجمعة من غيره لاجتماع

باب في فطر العشر

الفضيلتين فيه. ودل أيضا على تعظيم الجهاد وتفاوت درجاته وأن الغاية فيه بذل النفس والنفيس لله تعالى (والحديث) أخرجه أيضا البخاري وابن ماجه والبيهقي والترمذي وقال حديث حسن غريب صحيح وأخرجه الدارمي بلفظ "ما من العمل في أيام أفضل من العمل في عشر ذى الحجة قيل ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله" الحديث. وأخرجه من طريق آخر بلفظ "ما من عمل أزكى عند الله عز وجل ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى، قيل ولا الجهاد في سبيل الله" الحديث، وأخرجه أبو عوانة وابن حبان من حديث جابر باب في فطر العشر أى عشر ذى الحجة. وفي نسخة إسقاط لفظ باب. وفي نسخة "باب في فطره" أى العشر (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا الْعَشْرَ قَطُّ. (ش) (أبو عوانة) الوضاح. و (إبراهيم) النخعى. و (الأسود) بن يزيد النخعى (قوله ما رأيت رسول الله صائما العشر قط) أخبرت رضى الله تعالى عنها بما علمته، ولا يلزم من نفى رؤيتها عدم صيامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الواقع، فقد تقدم في حديث هنيدة عن بعض أزواجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان يصوم تسع ذى الحجة والمثبت مقدم على النافي، أو أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصوم هذه الأيام أحيانا ويترك صيامها أحيانا فأخبرت كل واحدة منهما بما علمت (والحديث) أخرجه أيضا مسلم والنسائي وابن ماجه والبيهقي والترمذى وقال: هكذا روى غير واحد عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة: وروى الثورى وغيره الحديث عن منصور عن إبراهيم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم ير صائما في العشر. وروى أبو الأحوص عن منصور عن إبراهيم عن عائشة ولم يذكر فيه الأسود ورواية الأعمش أصح وأوصل إسنادا اهـ باب في صوم عرفة بعرفة أي في حكم صيامه للحاج بها (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نَا حَوْشَبُ بْنُ عَقِيلٍ عَنْ مَهْدِىٍّ الْهَجَرِىِّ نَا عِكْرِمَةُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِى هُرَيْرَةَ فِى بَيْتِهِ فَحَدَّثَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ.

الخلاف في صيام الحاج يوم عرفة

(ش) (الرجال) (حوشب بن عقيل) الجرمي أبو دحية البصرى. روى عن أبيه وقتادة وبكر بن عبد الله وأبي عمران الجونى وغيرهم. وعنه ابن مهدي ووكيع وزيد بن الحباب وأبو داود الطيالسى وجماعة. وثقه النسائي وأبو داود وأحمد وابن معين ويعقوب بن سفيان وضعفه الأزدى، وقال العقيلى روى عن مهدى الهجرى حديثا لا يتابع عليه. وفي التقريب ثقة من السابعة. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه. و (مهدي) بن حرب العبدي. روى عن عكرمة مولى ابن عباس، وعنه حوشب بن عقيل وأبو عبيدة عبد المؤمن السدوسى. ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن معين لا أعرفه. وقال في التقريب مقبول من السادسة. و (الهجرى) بفتحتين نسبة إلى هجر تطلق على مواضع كثيرة. ولعلها القرية التى قرب المدينة (المعنى) (قوله نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة) أى نهى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الحاج عن صيام يوم عرفة لأنه يضعفه عن الدعاء والذكر وسائر الأعمال المطلوبة منه في ذلك اليوم، ولأنه يوم عيد لأهل الموقف لاجتماعهم فيه (وبظاهر) الحديث أخذ يحيى بن سعيد الأنصارى فقال: يحرم على الحاج صوم يوم عرفة (وقال) أبو حنيفة ومالك والشافعية والثورى وجمهور العلماء يستحب فطر يوم عرفة للحاج. وهو قول أبي بكر وعمر وعثمان بن عفان وابن عمر، فقد سئل ابن عمر عن صوم يوم عرفة فقال: حججت مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلم يصمه، وحججت مع أبي بكر فلم يصمه، وحججت مع عمر فلم يصمه وحججت مع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصوم ولا آمر به ولا أنهى عنه" رواه الدارمي (والنهى) في حديث الباب محمول على الكراهة. قال الخطابي: هذا نهى استحباب وإنما نهى المحرم عن ذلك خوفا عليه أن يضعف عن الدعاء والابتهال في ذلك المقام، فأما من وجد قوة لا يخاف معها ضعفا فصوم ذلك اليوم أفضل له. وقال أحمد إن قدر على أن يصوم صام وإن أفطر فذلك يوم يحتاج فيه إلى قوة اهـ ملخصا وحكى ابن المنذر عن ابن الزبير وعثمان بن أبي العاص وعائشة وإسحاق بن راهويه استحباب الصوم. ولعلهم حملوا النهى على من يضعفه الصوم عن الأعمال. واستحب عطاء صومه في الشتاء وكرهه في الصيف، لأن كراهة صومه معللة بالضعف فإذا قوى أو كان في الشتاء لم يضعف زالت الكراهة. ولا وجه لهذه التفرقة قال الحافظ في الفتح: ومذهب الجمهور يستحب فيه الصوم وإن كان حاجا إلا من يضعفه الصوم عن الوقوف بعرفات ويكون مخلا له في الدعوات. واحتجوا بحديث أبي قتادة "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التى قبله والسنة التى بعده" رواه مسلم اهـ "وأما حديث" عقبة ابن عامر مرفوعا "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهى أيام أكل وشرب. رواه النسائي وغيره وتقدم للمصنف في باب صيام أيام التشريق "فالجواب" عنه أنه ليس فيه نهى صريح عن صوم يوم عرفة. وكونه عيدا لا ينافي الصوم مع أنه مختص بأهل عرفة

الحرص على معرفة أحوال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والتأسى به فيها

والظاهر أن قوله أيام أكل وشرب راجع إلى يوم النحر وأيام التشريق (هذا) وقد علم أن ظاهر حديث الباب عدم جواز صوم يوم عرفة بعرفة. وظاهر حديث أبي قتادة استحباب صومه مطلقا وظاهر حديث عقبة بن عامر كراهة صومه مطلقا. ويجمع بينها بأن صومه مستحب لغير الحاج مكروه للحاج بعرفة إن كان الصوم يضعفه. وأما صومه لغير الحاج فاتفقوا على استحبابه لما تقدم من أن صومه يكفر السنة الماضية والمقبلة (والحديث) أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي وصححه ابن خزيمة (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِى النَّضْرِ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِى صَوْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ صَائِمٌ, وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ بِصَائِمٍ, فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ فَشَرِبَ. (ش) (أبو النضر) سالم بن أبي أمية. و (أم الفضل) لبابة (قوله أن ناسا تماروا عندها الخ) أي اختلفوا في صيام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم عرفة. وهذا يشعر بأن صومه كان معروفا عندهم ومعتادا لهم في الحضر. وكأن من جزم بصيامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم استند إلى ما ألفه من العبادة، ومن جزم بأنه غير صائم قامت عنده قرينة كونه مسافرا، وفي السفر يباح الفطر في الفرض فضلا عن النفل (قوله فأرسلت إليه بقدح لبن) أى أرسلت أم الفضل إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بقدح فيه لبن ليتضح الحال ويزول الإشكال (قال الحافظ) في الفتح لم يسم الرسول في حديث أم الفضل. لكن روى النسائي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس ما يدل على أنه كان الرسول اهـ وفى رواية للبخارى عن كريب عن ميمونة أن الناس شكوا في صيام النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم عرفة فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون (ولا تنافي) بينهما، لاحتمال تعدد القصة، أو أن القصة واحدة وأسند الإرسال لكل واحدة منهما باعتبار أن إحداهما أمرت والأخرى باشرت الإرسال (الفقه) دل الحديث على أن المشاهدة في الأحكام أبلغ في الحجية، وأنها أقوى من الخبر وأن الأكل والشرب في المحافل لا كراهة فيه ولا سيما إذا كان للتعليم. وعلى قبول الهدية من المرأة الموثوق بدينها. وعلى تأسى الناس بأفعال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعلى مشروعية البحث والاجتهاد في حياته صلى الله تعالى على وعلى آله وسلم وعلى جواز التحايل في معرفة

باب في صوم يوم عاشوراء

الحكم من غير سؤال. وعلى فطنة أم الفضل لاستكشافها عن الحكم الشرعى بهذه الوسيلة اللطيفة (والحديث) أخرجه أيضا البخارى في عدة مواضع، وأخرجه مسلم والبيهقي باب في صوم يوم عاشوراء أى فى بيان حكمه وفى نسخة "باب في صوم عاشوراء" بإسقاط لفظ يوم. وعاشوراء على وزن فاعولاء وقد يقصر مشتق من العشر الذي هو اسم للعدد المعين. فهو معدول عن عاشرة صفة لموصوف محذوف. والأصل يوم الليلة العاشرة. فلما عدل به عن الصفة وغلبت عليه الاسمية استغنى عن الموصوف الذى هو الليلة فحذف فصار يوم عاشوراء علما على اليوم العاشر من شهر الله المحرم وإن كان صالحا لإطلاقه على اليوم العاشر من كل شهر بحسب أصله (وإلى أن يوم عاشوراء) هو اليوم العاشر من المحرم ذهب جمهور الصحابة والتابعين ومالك والشافعى وأحمد. فعلى هذا يكون اليوم مضافا لليلة الماضية. ويؤيده ما رواه الترمذى عن الحسن عن ابن عباس قال "أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بصيام يوم عاشوراء يوم العاشر" وذهب ابن عباس إلى أنه اليوم التاسع. واشتقاقه من العشر بكسر العين المهملة تقول العرب: وردت الإبل عشرا إذا ورد على الماء فى اليوم التاسع. وذلك لأنهم يحسبون في الإظماء يوم الورود وإذا قامت في الرعى يومين تامين ثم وردت فى اليوم الثالث قالوا وردت ربعا. وإن رعت ثلاثا ووردت في الرابع قالوا وردت خمسا فيحسبون بقية اليوم الذي وردت فيه قبل الرعى وأول اليوم الذي وردت فيه بعد الرعى، فعلى هذا إذا رعت ثمانية أيام كاملة ووردت في اليوم التاسع قالوا وردت عشرا. واستدل بحديث حاجب بن عمر عن الحكم بن الأعرج قال. انتهيت إلى ابن عباس وهو متوسد رداءه فى زمزم فقلت أخبرنى عن يوم عاشوراء، أي يوم أصومه؟ فقال إذا رأيت هلال المحرم فاعدد ثم أصبح من اليوم التاسع صائما. قلت أهكذا كان يصومه محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم؟ قال نعم. رواه والترمذى وكذا المصنف فى الباب الآتى: فإن ظاهره يقتضى أن عاشوراء هو التاسع. لكنه غير مسلم لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يصم إلا العاشر وعزم في آخر عمره على صيام التاسع كما ذكره المصنف في الباب بعد "وقوله" فى حديث ابن عباس وأصبح يوم التاسع صائما "ليس نصا" فى أن يوم عاشوراء هو اليوم التاسع لاحتمال أنه أمره بصيام اليوم التاسع ليضم إليه العاشر. ويؤيده ما رواه أحمد عن ابن عباس مرفوعا "صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، صوموا يوما قبله أو يوما بعده" لكنها رواية ضعيفة منكرة من طريق داود بن على عن أبيه عن جده. وقال الترمذى: روى عن ابن عباس أنه قال صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود اهـ وقيل سمى التاسع عاشرا لإضافة اليوم إلى الليلة الآتية وقال الزين ابن المنير

"قوله إذا أصبحت من تاسعه فأصبح" يشعر بأن ابن عباس أراد العاشر, لأنه لا يصبح صائما بعد أن أصبح من تاسعه إلا إذا نوى الصوم من الليلة المقبلة وهي الليلة العاشرة اهـ فعلى كلامه يكون ابن عباس موافقا للجمهور في أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِى الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ فِى الْجَاهِلِيَّةِ, فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ, فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ هُوَ الْفَرِيضَةَ وَتَرَكَ عَاشُورَاءُ, فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. (ش) (قوله تصومه قريش فى الجاهلية) لعلهم كانوا يصومونه عملا بما تلقونه من الشرائع السالفة كشريعة إبراهيم وإسماعيل وكانوا يعظمونه بكسوة الكعبة فيه (قوله وكان رسول الله يصومه فى الجاهلية) أى قبل البعثة, فيكون صومه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحكم الموافقة لهم كما فى الحج. ويحتمل أن يكون بعد البعثة وقبل الهجرة. وأذِن الله تعالى له فى صيامه لأنه فعل خير (قوله فلما قدم رسول الله المدينة صامه الخ) أى لماهاجر إلى المدينة صام يوم عاشوراء وداوم على صيامه. ولم يصمه اقتداء بهم، فإن كان يصومه من قبل وأمر الناس بصيامه استئلافا لليهود كما استألفهم باستقبال قبلتهم، فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان فى مبدأ الهجرة يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه. فقد روى البخارى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قدم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال ماهذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بنى إسراءيل من عدوهم فصامه موسى. قال فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه. ويأتى للمصنف بعد حديث (ولا ينافى) هذا ما رواه مسلم من حديث أبى موسى قال: كان يوم عاشوراء يوما تعظمه اليهود وتتخذه عيدا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: صوموه أنتم "فإنه لا يلزم" من اتخاذه عيدا وتعظيمهم له أنهم كانوا لا يصومونه، بل كان من جملة تعظيمهم له صومه كما جاء فى رواية لمسلم عن أبى موسى أيضا قال: كان أهل خيبر يصومون عاشوراء يتخذونه عيدا ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم، أى الحسن الجميل (قوله فلما فرض رمضان) كان فرضه في السنة الثانية من الهجرة كما تقدم، وفى أولها صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه, لأنه قدم المدينة في ربيع الأول، فلم

الخلاف في أن صيام عاشوراء هل كان فرضا ثم نسخت فرضيته؟

يصم عاشوراء إلا فى أول السنة الثانية (وظاهر الحديث) يدل على أن صيام يوم عاشوراء كان واجبا ثم نسخ بفرض رمضان. وبه قال أبو حنيفة وجماعة من أصحاب الشافعى. وقال آخرون منهم: إنه سنة من حين شرع ولم يكن واجبا قط على هذه الأمة، لكنه كان مؤكدا. فلما فرض رمضان صار مستحبا. والقول الأول هو الأقوى لما رواه البخارى ومسلم والبيهقى عن سلمة بن الأكوع أنّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعث رجلا ينادى فى الناس يوم عاشوراء "أن من أكل فليتم أو فليصم, ومن لم يأكل فلا يأكل" وما رواه أحمد وابن أبى خيثمة من طريق عبد الله بن أبى بكر عن حبيب بن هند بن أسماء الأسلمى عن أبيه قال: بعثنى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى قومى من أسلم فقال: مر قومك أن يصومواهذا اليوم يوم عاشوراء، فمن وجدته منهم قد أكل فى أول يومه فليصم آخره. وفى رواية له عن أسماء بن حارثة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعثه فقال: مر قومك بصيام هذا اليوم "يعنى يوم عاشوراء" قال أرايت إن وجدتهم قد طعموا؟ قال فليتموا آخر يومهم وما رواه مسلم عن جابر قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأمرنا بصيام عاشوراء ويحثنا عليه ويتعاهدنا عنده. فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا ولم يتعاهدنا عنده وروى الشيخان والبيهقى عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: أرسل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صبيحة عاشوراء إلى قرى الأنصار التى حول المدينة. من كان أصبح صائما فليتم صومه, ومن كان أصبح مفطرا فليصم بقية يومه. قالت فكنا نصومه بعد ذلك ونصوم صبياننا الصغار ونجعل لهم اللعبة من العهن ونذهب بهم إلى المسجد، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون الإفطار "أما" ما رواه البخارى عن معاوية بن أبى سفيان قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: هذا يوم عاشوراء لم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر "فالمراد" لم يكتبه عليكم على الدوام كصيام رمضان. ويؤيده أن معاوية إنما صحب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من سنة الفتح, والذين شهدوا أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بصيام عاشوراء والنداء بذلك شهدوه فى العام الثانى "وما" رواه مسلم عن ابن عمر أنّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: يوم عاشوراء يوم كان يصومه أهل الجاهلية, فمن أحب منكم أن يصومه فليصمه, ومن كرهه فليدعه "فليس" نصا على أن ذلك كان قبل فرض رمضان لاحتمال أن يكون بعد فرض رمضان وهو الأقرب جمعا بين الأدلة, فلا يصلح للاحتجاج به على دعواهم "وبهذا تعلم أن قول" من قال إن المتروك تأكد استحبابه والباقى مطلق استحبابه "ضعيف" لأن تأكد استحبابه باق ولا سيما مع استمرار الاهتمام به حتى فى عام وفاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حيث يقول: لئن بقيت

التخيير في صيامه، سبب تعظيمه

إلى قابل لأصومن التاسع. أفاده الحافظ في الفتح. ولترغيبه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في صيامه بأنه يكفر السنة الماضية كما فى حديث أبى قتادة عند مسلم وأحمد والنسائي وفيه "وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية"، وأى تأكيد أبلغ من هذا (والحديث) أخرجه أيضا البخاري ومسلم والنسائى والبيهقى والدارمى والترمذى وقال حديث صحيح (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ عَاشُورَاءُ يَوْمًا نَصُومُهُ فِى الْجَاهِلِيَّةِ. فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: هَذَا يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ, فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. (ش) (يحيى) بن أبى كثير. و (عبيد الله) بن عمر بن حفص (قوله هذا يوم من أيام الله) أضافه إلى الله تعالى تشريفا وترغيبا فى صيامه والإكثار من العبادة فيه، وإلا فجميع الأيام لله تعالى (قوله فمن شاء صامه الخ) الغرض منه أنه ليس بواجب فلا ينافى ما جاء فى الترغيب فى صيامه (والحديث) أخرجه أيضا مسلم والطحاوى وابن خزيمة, وكذا الدارمى قال: أخبرنا يعلى عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا يوم عاشوراء، وكانت قريش تصومه فى الجاهلية، فمن أحب منكم أن يصومه فليصمه، ومن أحب منكم أن يتركه فليتركه. وكان ابن عمر لا يصومه إلا أن يوافق صيامه (ص) حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ نَا هُشَيْمٌ أَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ, وَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِى أَظْهَرَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ, وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. (ش) (هشيم) بن بشير. و (أبو بشر) جعفر بن أبي إياس (قوله وجد اليهود يصومون عاشوراء) أى لما قدم المدينة فى ربيع الأول وأقام بها إلى يوم عاشوراء من السنة الثانية، وجد

باب ما روى أن عاشوراء اليوم التاسع

اليهود يصومونه, فلا يقال إن ظاهر الخبر يقتضى أن اليهود كانوا صائمين يوم عاشوراء حين قدومه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قوله هو اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون) وفي نسخة هذا اليوم الخ يعنون نصره عليه بنجاة موسى وأصحابه وإغراق فرعون وجنوده وفي رواية لأحمد زيادة "وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودى، فصامه نوح شكرا" (قوله ونحن نصومه) وفى رواية مسلم فصامه موسى شكرا لله تعالى فنحن نصومه (قوله نحن أولى بموسى منكم) أى أحق منكم وأقرب لمتابعة موسى عليه السلام، لموافقتنا له فى أصول الدين لقوله تعالى "فبهداهم اقتده" ولتصديقنا لكتابه الذي جاء به وأنتم مخالفون له بالتغيير والتبديل (قوله وأمر بصيامه) وفى رواية البخارى فصامه وأمر بصيامه "ولا يقال" كيف صدق اليهود فيما أخبروه به مع أن خبرهم مردود لكفرهم "لاحتمال" أنه نزل عليه الوحى بصدقهم، أو أن من أسلم منهم كعبد الله بن سلام أخبره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأن موسى كان يصومه، أو تواتر إخبارهم بذلك النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعمل به، فيكون حجة لمن قال إن التواتر لا يشترط فيه الإسلام, أو صامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شكرا لله على نجاة موسى من عدوه كما سجد فى سورة ص شكرا لله على قبول توبة داود (والحديث) أخرجه أيضا مسلم والبخارى والنسائى والدارمي وابن ماجه. وكذا البيهقي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ماهذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالواهذا يوم عظيم. أنجى الله فيه عز وجل موسى وقومه، وغرق فيه فرعون وقومه، فصامه موسى شكرا فنحن نصومه. فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم. فصامه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأمر بصيامه باب ما روى أن عاشوراء اليوم التاسع وفى نسخة حذف لفظ باب (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِىُّ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أُمَيَّةَ الْقُرَشِىَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا غَطَفَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ حِينَ صَامَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَنَا بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى

هل ابن عباس يرى أن عاشوراء اليوم التاسع من المحرم؟

آلِهِ وَسَلَّمَ. فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ صُمْنَا يَوْمَ التَّاسِعِ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. (ش) الحديث بظاهره غير مناسب للترجمة "نعم لو قيل إن قوله إذا كان العام المقبل صمنا يوم التاسع، معناه صمناه بدل اليوم العاشر وجعلناه عاشوراء كما تقدم فى ترجمة الباب السابق كان له مناسبة بالباب" (ابن وهب) عبد الله. و (إسماعيل بن أمية) بن عمرو. تقدم بالخامس صفحة 81. و (أبو غطفان) بفتحات ابن طريف المدني (قوله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى) أما اليهود فقد علمت وجه تعظيمهم إياه. وأما النصارى فكانوا يعظمونه لاحتمال أن عيسى عليه السلام كان يصومه, وأنه مما لم ينسخ من شريعة موسى عليه السلام, فإن كثيرًا من شريعة موسى لم ينسخ بشريعة عيسى لقوله تعالى {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} (قوله فإذا كان العام المقبل صمنا يوم التاسع) أى بدلا عن العاشر. ويحتمل أن يكون المراد صمنا التاسع مضمونا إلى العاشر لما تقدم عند أحمد عن ابن عباس مرفوعا "صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود. صوموا يوما قبله أو يوما بعده" وفى كلا الاحتمالين مخالفة لليهود والنصارى (والحديث) أخرجه أيضا مسلم والبيهقى (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ غَلاَبٍ ح وَثَنَا مُسَدَّدٌ نَا إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَنِى حَاجِبُ بْنُ عُمَرَ جَمِيعًا الْمَعْنَى عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الأَعْرَجِ قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ فِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَ هِلاَلَ الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّاسِعِ فَأَصْبِحْ صَائِمًا. فَقُلْتُ كَذَا كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ؟ قَالَ كَذَلِكَ كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ. (ش) (الرجال) (معاوية) بن عمرو بن خالد (بن غلاب) بفتح العين المعجمة وتخفيف اللام مولى بنى نصر بن معاوية فقد نسبه المصنف إلى جد أبيه. روى عن أبيه والحكم ابن الأعرج. وعنه ابنه عمرو وحماد بن سلمة ويحيى بن سعيد ومعاذ بن معاذ. قال النسائى ثقة وذكره ابن حبان فى الثقات، وفى التقريب ثقة من السادسة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى هذا الحديث فقط. و (حاجب بن عمر) الثقفى النحوى البصرى أبو خشينة بالتصغير. روى عن الحكم بن

بيان أنه لم يخالف الجمهور في يوم عاشوراء

الأعرج وابن سيرين والحسن البصرى وعنه ابن عون وشعبة ووكيع وأبو نعيم وجماعة. وثقه أحمد وابن معين والعجلى وحكى الساجى أنه كان أباضيا. وفى التقريب ثقة من السادسة رمى برأى الخوارج، مات سنة ثمان وخمسين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائي (قوله جميعا المعنى) أى روى معاوية بن غلاب وحاجب بن عمر الحديث عن الحكم بن الأعرج واتفقا فى المعنى وإن اختلفا فى اللفظ. و (الحكم) بن عبد الله بن اسحاق الأعرج البصرى. فالأعرج صفة لجده. روى عن ابن عباس وابن عمر وعمران بن حصين وأبى هريرة. وعنه حاجب بن عمر وخالد الحذاء وسعيد الجريرى ويونس بن عبيد وغيرهم. وثقة أحمد وأبو زرعة والعجلى وقال ابن سعد كان قليل الحديث، وفى التقريب ثقة ربما وهم من الثالثة، وقال يعقوب بن سفيان لا بأس به. روى له مسلم وأبو داود والترمذى (المعنى) (قوله فإذا كان يوم التاسع فأصبح صائما) قال ابن المنير معناه أنه ينوى الصيام فى الليلة التى تعقب التاسع، وقواه الحافظ بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى الحديث السابق فإذا كان العام المقبل صمنا التاسع فلم يأت العام المقبل حتى توفى. قال فإنه ظاهر فى أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصوم العاشر وهَمَّ بصوم التاسع فمات قبل ذلك اهـ وعليه يتفق الجواب والسؤال. ولكن الظاهر أن ابن عباس إنما أراد إرشاد السائل إلى أن اليوم الذي يصام فيه التاسع ولم يجبه بتعيين يوم عاشوراء لأن ذلك لا يتعلق بالسؤال عنه فائدة فابن عباس لما فهم أن مقصود السائل تعيين اليوم الذى يصام فيه لقوله فى رواية مسلم والبيهقى: عن أى حاله تسأل؟ قلت عن صيامه أى يوم نصوم؟ أجابه أنه التاسع "وقوله" نعم بعد قول السائل: أهكذا كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصوم؟ كما فى رواية مسلم "معناه" نعم كان يصوم لو بقى لأنه أخبرنا بذلك. قال البيهقى بعد تخرج الحديث "وكأنه رضى الله عنه أراد صومه مع العاشر. وأراد بقوله فى الجواب نعم، ما روى من عزمه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على صومه" واستدل على هذا بما أخرجه من طريق عبد الرزاق قال أنبأ ابن جرير أخبرني عطاء أنه سمع ابن عباس يقول. صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود" وبما أخرجه من طريق ابن أبى ليلى عن داود بن على عن أبيه عن جده أن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود. صوموا قبله يومًا أو بعده يومًا (قوله كذلك كان محمد يصوم) أى عزم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على صيامه لو بقى، فإنه كان يصوم العاشر وعزم على صوم التاسع آخر حياته. وتوفى قبل مجئ العام كما علم من الروايات السابقة. فلا ينافى حديثه السابق من طريق أبى غطفان من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصوم العاشر وعزم على صيام التاسع (والحديث) أخرجه أيضا مسلم والنسائي والترمذى وقال حسن صحيح. وأخرجه البيهقي

باب في فضل صومه أى صوم عاشوراء فضل التوسعة في يوم عاشوراء

عن الحكم بن الأعرج قال: انتهيت إلى ابن عباس رضى الله تعالى وهو متوسد رداءه عند زمزم قال: فجلست إليه وكان نعم الجليس فقلت أخبرني عن يوم عاشوراء فاستوى قاعدا ثم قال عن أى حاله تسأل؟ قلت عن صيامه أى يوم نصوم؟ قال إذا رأيت هلال المحرم فاعدد فإذا أصبحت من تاسعه فأصبح صائما قال: قلت كذلك كان يصوم محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم؟ قال نعم اهـ باب فى فضل صومه أى صوم عاشوراء (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْلَمَةَ عَنْ عَمِّهِ أَنَّ أَسْلَمَ أَتَتِ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: صُمْتُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا؟ قَالُوا لاَ. قَالَ: فَأَتِمُّوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ وَاقْضُوهُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: يَعْنِى يَوْمَ عَاشُورَاءَ. (ش) (الرجال) (سعيد) عن أبى عروبة. و (عبد الرحمن بن مسلمة) وقيل ابن سلمة الخزاعى. روى عن عمه وعن قتادة. ذكره ابن حبان فى الثقات وقال ابن القطان حاله مجهول، وقال فى التقريب مقبول من الرابعة. و (عمه) سماه ابن قانع مسلمة (المعنى) (اسلم) اسم قبيلة من قبائل مختلفة (قوله صمتم يومكم هذا) يعنى أصمتم يوم عاشوراء فهو على تقدير الاستفهام (قوله فأتموا بقية يومكم واقضوه) يعنى أمسكوا عن المفطر بقية اليوم واقضوه بعد (وهو) حجة لمن قال إن صيام يوم عاشوراء كان واجبا (قال) الخطابى: أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالقضاء للاستحباب وليس بإيجاب، لأن لأوقات الطاعة أذمة ترعى ولا تهمل، فأحب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يرشدهم إلى ما فيه الفضل والحظ لئلا يغفلوه عند مصادفتهم وقته اهـ بتصرف (هذا) وقد علم من الأحاديث المتقدمة الترغيب فى صوم التاسع والعاشر من المحرم (والحديث) أخرجه أيضا النسائي. وأخرج البخارى والبيهقي والدارمى نحوه عن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعث يوم عاشوراء رجلا من أسلم إن اليوم يوم عاشوراء، فمن كان أكل أو شرب فليتم بقية يومه ومن لم يكن أكل أو شرب فليصمه (فائدة) وقد ورد فى التوسعة يوم عاشوراء أحاديث (منها) ما رواه البيهقى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: من أوسع على عياله وأهله يوم عاشوراء أوسع الله عليه ستائر سنته (ومنها) ما أخرجه ابن عبد البر من طريق

باب في صوم يوم وفطر يوم

شعبة عن ابن الزبير عن جابر أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول من وسع على نفسه وأهله يوم عاشوراء، وسع الله عليه سائر سنته. قال جابر: جربناه فوجدناه كذلك. وأخرج العراقى نحوه عن عمر موقوفا عليه. قال البيهقي: أسانيد هذا الحديث وإن كانت ضعيفة فهى إذا ضم بعضها إلى بعض أخذت قوة اهـ (قال فى المدخل) يوم عاشوراء موسم من المواسم الشرعية. والتوسعة فيه على الأهل والأقارب واليتامى والمساكين وزيادة النفقه والصدقة مندوب إليها، ولكن بشرط عدم التكلف، وألا يصير ذلك سنة يسنن بها لا بد من فعلها. فإن وصل إلى هذا الحد فيكره أن يفعله، سيما إذا كان الفاعل له من أهل العلم وممن يقتدى به لأن تبيين السنن وإشاعتها وشهرتها أفضل من النفقة فى ذلك اليوم. ولم يكن السلف يعتادون فيه طعاما مخصوصا, وقد كان بعض العلماء رحمة الله عليهم يترك التوسعة قصدا، لينبه على أنها ليست بواجبة. أمّا ما يفعله الناس اليوم من أن عاشوراء يختص بذبح الدجاج وغيره وطبخ الحبوب وغير ذلك، فلم يكن السلف يتعرضون لذلك فى هذه المواسم، ولا يعرفون تعظيمها إلا بكثرة العبادة والصدقة والخير، لا بالتوسعة فى المأكول. ومن البدع المحدثة فيه تخصيصه بزيارة القبور للرجال والنساء (ومن) البدع التي أحدثها النساء فى هذا اليوم استعمال الحناء على كل حال. فمن لم تفعلها منهن فكأنها ما قامت بحق عاشوراء (ومما) أحدثنه أيضا من البدع البخور، فمن لم يشتره منهن فى ذلك اليوم ويتبخر به فكأنه ارتكب أمرا عظيما، وكونه سنة عندهن لا بد من فعلها وادخارهن له طول السنة يتبركن به ويتبخرن إلى أن يأتي مثله يوم عاشوراء الثاني، ويزعمن أنه إذا بخر به المسجون خرج من سجنه وأنه يبرئ من العين والنظرة والمصاب والموعوك. وهذا أمر خطر لأنه مما يحتاج فيه إلى توقيف من صاحب الشريعة (يعنى ولم يثبت فيه شيء عنه صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يبق إلا أنه باطل فعلنه من تلقاء أنفسهن اهـ باختصار (أما) ما يذكر فى بعض كتب المتأخرين من طلب الاغتسال وزيارة العلماء وعيادة المريض ومسح رأس اليتيم وتقليم الأظفار وقراءة سورة الإخلاص ألف مرة وصلة الرحم فى يوم عاشوراء "فليس له" أصل يدل عليه فهو من المحدثات "وأما" ما رواه الحاكم والبيهقى من حديث ابن عباس مرفوعا "من اكتحل يوم عاشوراء بالإثمد لم ترمد عينه أبدا" "فهو"، حديث موضوع أورده ابن الجوزى فى الموضوعات قاله ابن حجر وقال الحاكم حديث منكر. والاكتحال يوم عاشوراء لم يرد عن النبى صل الله تعالى عليه وآله وسلم فيه أثر, وهو بدعة ابتدعها قتلة الحسين رضى الله تعالى عنه باب فى صوم يوم وفطر يوم وفى نسخة إسقاط لفظ باب (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَمُسَدَّدٌ وَالإِخْبَارُ فِى حَدِيثِ أَحْمَدَ قَالُوا

باب في صوم الثلاث من كل شهر

نَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرًا قَالَ أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ أُوَيْسٍ سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى صِيَامُ دَاوُدَ. وَأَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ. كَانَ يَنَامُ نِصْفَهُ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ. وَكَانَ يُفْطِرُ يَوْمًا وَيَصُومُ يَوْمًا. (ش) (قوله والإخبار) بكسر الهمزة (فى حديث أحمد) يعنى لفظ الحديث المذكور ما فى لفظ أحمد. و (سفيان) بن عيينة. و (عمرو) بن دينار كما فى رواية ابن ماجه (قوله أحب الصيام إلى الله صيام داود) أى أفضل صيام التطوع صيام داود عليه السلام، وهو كما بينه فى آخر الحديث صيام يوم وفطر يوم، وإنما كان أفضل الصيام لأنه أشد على النفس. فإنه لا يعتاد الصيام ولا الفطر (وظاهر) الحديث أنه أفضل من صيام يومين وفطر يوم، ومن صيام الدهر. وهو الراجح كما تقدم (قوله أحب الصلاة إلى الله الخ) أى أفضل صلاة التطوع صلاة داود. كان ينام نصف الليل الأول من الوقت المعتاد للنوم لا من المغرب، ثم يقوم ثلث الليل الذى يلى النصف الأول، ثم ينام السدس الأخير وكانت هذه أحب الصلاة إلى الله تعالى لما فى القيام فى هذا الوقت من المشقة الزائدة على النفس والبعد عن الرياء وحضور القلب لهدوء الأصوات وبعده عن الشواغل كما تقدم (والحديث) أخرجه أيضا مسلم والنسائي وابن ماجه وأخرجه الدارمى عن عبد الله بن عمرو يرفعه قال: أحب الصيام إلى الله عزّ وجلّ صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما. وأحب الصلاة إلى الله عزّ وجلّ صلاة داود. كان يصلى نصفا وينام ثلثا ويسبح سدسا. قال أبو محمد: هذا اللفظ الأخير غلط أو خطأ، إنماهو أنه كام ينام نصف الليل ويصلى ثلثه ويسبح سدسه اهـ وأخرجه البيهقي من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أويس عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود, كان يرقد شطر الليل، ثم يقوم ثلثه بعد شطره، ثم يرقد آخره. وأحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما اهـ باب فى صوم الثلاث من كل شهر أى فى بيان فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا هَمَّامٌ عَنْ أَنَسٍ أَخِى مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مِلْحَانَ الْقَيْسِىِّ عَنْ أَبِيهِ

الخلاف في حكم صيام الأيام البيض

قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَصُومَ الْبِيضَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ. قَالَ وَقَالَ: هُنَّ كَهَيْئَةِ الدَّهْرِ. (ش) (الرجال) (همام) بن يحيى. و (أنس أخو محمد) يعني ابن سيرين. و (ابن ملحان) بكسر فسكون عبد الملك بن قتادة أو قدامة بن ملحان (القيسى) نسبة إلى قبيلة قيس. روى عن أبيه حديث الباب. وعنه أنس بن سيرين. قال ابن المدينى لم يرو عنه غيره، ذكره ابن حبان فى الثقات، وفى التقريب مقبول من الثالثة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه. و (أبوه) قتادة بن ملحان القيسي الجريرى البصرى، روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حديث الباب. وعنه ابنه عبد الملك ويزيد بن عبد الله بن الشخير، وأخرج ابن شاهين من طريق سلمان التيمي عن حبان بن عمير قال. مسح النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وجه قتادة بن ملحان ثم كبر فبلى منه كل شئ غير وجهه لخضرته عند الوفاة فرت امرأة فرأيتها في وجهه كما أراها في المرآة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه. (المعنى) (قوله يأمرنا أن نصوم البيض) أى يأمرنا أمر استحباب أن نصوم أيام الليالى البيض (قوله هنّ كهيئة الدهر) أى أجر صيام الثلاثة الأيام البيض من كل شهر كأجر صيام الدهر، فإن الحسنة بعشر أمثالها. ووصفت بالبيض لأنّ لياليها تكون مضيئة بالقمر من أولها إلى آخرها "وفي الحديث" دلالة على الترغيب في صيام الأيام البيض. وبذلك قالت الشافعية والحنابلة والحنفية وابن حبيب من المالكية "وقالت" المالكية يستحب صوم ثلاثة أيام من كل شهر. ويكره تخصيصها بالبيض. وحديث الباب وأشباهه حجة عليهم. قال ابن رشد إنما كره مالك صومها؛ لسرعة أخذ الناس بقوله فيظن الجاهل وجوبها. وقد روى أنّ مالكا كان يصومها وحض الرشيد على صيامها (وذهب) بعض الشافعية إلى أن الأيام البيض من كل شهر هي الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر. لكنه مردود بحديث الباب، وبما رواه أحمد والترمذي والنسائي والبيهقي عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة. (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والبيهقى. (ص) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ نَا أَبُو دَاوُدَ نَا شَيْبَانُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ يَعْنِى مِنْ غُرَّةِ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.

باب من قال الاثنين والخميس

(ش) (أبو كامل) محمد بن فضيل الجحدرى. و (أبو داود) الطيالسى. و (شيبان) ابن عبد الرحمن. و (عاصم) بن بهدلة. و (زر) بكسر الزاي ابن حبيش (قوله كان رسول الله يصوم يعنى من غرة كل شهر ثلاثة أيام) أى من أول الشهر، فإن غرة كل شئ أوله. وكأنّ الراوي لم يحفظ لفظ شيخه فزاد لفظ يعني لبيان أن مراده ما ذكر. وفي رواية البيهقى "كان يصوم ثلاثة من غرة كل شهر. ويحتمل أن المراد بالغرة الأيام البيض. وهى الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر. وهو الأنسب للحديث السابق. ويؤيده رواية النسائي عن عبد الملك بن قدامة ابن ملحان عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأمرنا بصوم أيام الليالى الغر البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة. وفي رواية له أيضًا عن ابن الحوتكية قال: قال أبي جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومعه أرنب قد شواها وخبز فوضعها بين يدي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم قال: إني وجدتها تدمى "أي تحيض" فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأصحابه لا يضر كلوا. وقال للأعرابي كل. قال: إنى صائم قال صوم ماذا؟ قال صوم ثلاثة أيام من الشهر. قال إن كنت صائما فعليك بالغر البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة (والحديث) أخرجه أيضًا النسائي والبيهقى والترمذي وقال حديث عبد الله بن مسعود حسن غريب اهـ باب من قال الاثنين والخميس أى من قال إن الثلاثة الأيام التى كان يصومها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من كل شهر هي الاثنين والخميس والاثنين الذي بعده (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ سَوَاءٍ الْخُزَاعِىِّ عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ: الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَالاِثْنَيْنِ مِنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى. (ش) (الرجال) (حماد) بن سلمة. و (سواء الخزاعى) روى عن حفصة وأم سلمة وعائشة. وعنه معبد بن خالد وعاصم بن بهدلة والمسيب بن رافع. ذكره ابن حبان في الثقات، وفي التقريب مقبول من الثالثة، روى له أبو داود والنسائي (المعنى) (قوله يصوم ثلاثة أيام من الشهر الاثنين الخ) أى يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس في الأسبوع الأول ويوم الاثنين من الأسبوع الثانى. وفيه دلالة على جواز تفريق صيام الثلاثة الأيام المرغب في

باب من قال لا يبالى من أى الشهر

صيامها من كل شهر. وعلى فضل صيام الاثنين والخميس. (والحديث) أخرجه أيضا البيهقى (ص) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ نَا الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ هُنَيْدَةَ الْخُزَاعِىِّ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَسَأَلْتُهَا عَنِ الصِّيَامِ فَقَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنِى أَنْ أَصُومَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوَّلُهَا الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَالْخَمِيسِ. (ش) (أم هنيدة) لم نقف على اسمها. وتقدم أنها كانت تحت عمر (قوله فسألتها عن الصيام) أي عن كيفية صيامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم التطوع (قوله أولها الاثنين والخميس والخميس) أى أمرنى أن أصوم يوم الاثنين ويوم الخميس من الأسبوع الأوّل ويوم الخميس من الأسبوع الثانى وهو هكذا في بعض النسخ بتكرار الخميس. ويؤيده ما أخرجه النسائي من طريق الحر بن الصباح عن هنيدة عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان يصوم تسعا من ذى الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر اثنين من الشهر وخميسين. وفي بعض النسخ بدون تكرار الخميس. فيحتمل أن أل في الاثنين للجنس فتصدق بالمتعدد لما في رواية للنسائى عن هنيدة عن أمه عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأمر بصيام ثلاثة أيام أول خميس والاثنين والاثنين. وتقدم نحو هذا الحديث عن هنيدة في "باب صوم العشر" ويخالفهما ما أخرجه أحمد بسنده إلى هنيدة قال: دخلت على أم سلمة فسألتها عن الصيام فقالت: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأمرنى أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر أولها الاثنين والجمعة والخميس. وقوله أولها الاثنين على تقدير مضاف أى أولها يوم الاثنين أو مفعول لفعل محذوف أى اجعل أولها الاثنين. (والحديث) أخرجه أيضا النسائي. وكذا البيهقى عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأمرنى أن أصوم ثلاثة أيام من الشهر الاثنين والخميس والخميس باب من قال لا يبالى من أي الشهر أى في بيان دليل من قال إن صيام الثلاثة الأيام من كل شهر لا يتقيد بأوله أو آخره أو وسطه وفي نسخة إسقاط لفظ باب. (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ يَزِيدَ عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ أَكَانَ

مجمل ما ورد في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ؟ قَالَتْ نَعَمْ. قُلْتُ مِنْ أَىِّ الشَّهْرٍ كَانَ يَصُومُ؟ قَالَتْ مَا كَانَ يُبَالِى مِنْ أَىِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ. (ش) (الرجال) (عبد الوارث) بن سعيد. و (يزيد) بن أبي يزيد الضبعى "بضم ففتح" مولاهم أبو الأزهر البصرى، روى عن مطرف بن عبد الله وعبد الله بن أنس وأبي المليح ومعاذة العدوية. وعنه شعبة ومعمر وحماد بن زيد وابن علية وغيرهم. وثقه الترمذى وأبو حاتم وأبو زرعة. وقال أحمد صالح الحديث، روى له الجماعة. وفى بعض النسخ عن يزيد الرشك بكسر الراء وسكون الشين في الأصل الكبير اللحية، وقال الترمذى والرشك القسام في لغة أهل البصرة. و (معاذة) بنت عبد الله العدوية. (المعنى) (قوله ما كان يبالى من أى أيام الشهر كان يصوم) أى ما كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتقيد في صوم الثلاثة الأيام بزمن معين كأول الشهر أو وسطه أو آخره، بل كان يصومها كيفما اتفق (والحديث) من أدلة المالكية القائلين بكراهة تخصيص صيام ثلاثة من الشهر بعينها. لكن يعارضه ما تقدم من أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بصيام الأيام البيض (ويمكن) الجمع بينهم بأن ما تقدم أمر للأمة، وماهنا من فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وهو لا يعارض القول الخاص بالأمة، أو أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يعرض له ما يشغله عن صيام الأيام البيض، أو ما كان يتقيد بالأيام البيض إشارة إلى بيان الجواز، فالظاهر ما تقدم من أفضلية الصيام في الأيام البيض على الصيام في غيرها من بقية الأيام (والحاصل) أنه يؤخذ من مجموع الروايات السابقة، استحباب صيام الثلاثة الأيام البيض، وصيام ثلاثة أيام في أى زمن من الشهر، وصيام الاثنين والخميس من أول الشهر والاثنين الذى بعدهما، وصيام الخميس والاثنين من أول الشهر والخميس الذى بعدهما. وفي الترمذى عن عائشة قالت: كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين، ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس. وتقدّم في رواية أحمد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر أم سلمة أن تصوم الخميس والجمعة والاثنين. فينبغى أن يعمل بهذه الروايات كلها: قال البيهقى كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام لا يبالى من الشهر صام، فكل من رآه فعل نوعا ذكره. وعائشة رأت جميع ذلك فأطلقت اهـ. وقال في الفتح: وفي كلام غير واحد من العلماء أن استحباب صيام الأيام البيض غير استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر اهـ وهذاهو الأولى. وحمل المطلق من الأحاديث على المقيد منها لا حاجة إليه فإن الباب باب تطوع وهو واسع. (والحديث) أخرجه أيضا مسلم وابن ماجه والبيهقي والترمذي وقال حديث حسن صحيح

باب النية في الصيام

باب النية فى الصيام وفى نسخة فى الصوم. وفى أخرى حذف لفظ باب، أي هل يلزم تبييتها (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِى ابْنُ لَهِيعَةَ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلاَ صِيَامَ لَهُ. (ش) (ابن لهيعة) عبد الله (قوله من لم يجمع الصيام الخ) أى من لم ينو الصيام قبل الفجر فلا يصح صيامه. يقال أجمعت الأم أى نويته وعزمت عليه (وفي هذا) دلالة على وجوب تبييت نية الصوم بإيقاعها في جزء من الليل. وبه قال ابن عمرو جابر بن يزيد ومالك والليث وابن أبي ذئب ولم يفرقوا بين صيام الفرض والنفل أخذا بظاهر الحديث. فإن قوله فلا صيام له نكرة ويجب في الفرض واستدلوا بحديث الباب وقصروه عل الفرض لحديث عائشة فى الباب الآتي. وقال أبو حنيفة وأصحابه يصح الصوم بنية في الليل والنهار قبل الزوال إذا تعلق بزمن معين كرمضان ونذر معين والنفل مطلقا (واستدلوا) بقوله تعالى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} قالوا فقد أباح الله تعالى الأكل والشرب إلى طلوع الفجر، ثم أمر بالصيام بعد بكلمة ثم التى للتراخى فتصير النية عزيمة بعد الفجر لا محالة واستدلوا أيضا بما أخرجه الشيخان عن سلمة بن الأكوع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر رجلا من أسلم أن أذن في الناس أن من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم فإن اليوم يوم عاشوراء. ويحديث عائشة قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم فقال: هل عندك من شئ؟ قلت لا فقال فإنى إذا صائم (الحديث) رواه مسلم والترمذى والنسائي والبيهقى ويأتى نحوه في الباب الآتى للمصنف، وحملوا حديث الباب ونحوه على نفي الفضيلة، فهو نظير قوله صلى الله عليه وآله وسلم "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" رواه الدارقطنى والبيهقى عن جابر. أو هو نهى عن تقديم النية على الليل. فلو نوى قبل غروب الشمس أن يصوم غدا لا يصح. أو أنه محمول على غير المتعين من الصيام كالقضاء والكفارة والنذر المطلق (وأجيب) عن الآية بأنها ليست نصًا في دعواهم، بل محتملة لأن تكون النية من النهار، ولأن تكون من

الخلاف في وجوب نية الصوم لكل يوم من رمضان

الليل بأن يكون المعنى ثم أتموا الصيام الذى نويتموه وعزمتم عليه قبل الفجر. وحديث الباب ناطق بأن النية من الليل. فيتعين المصير إليه. (وأجيب) عن حديث الشيخين بأنه منسوخ بحديث الباب لتأخره. وعلى فرض عدم النسخ فالنية إنما صحت فى نهار عاشوراء لأنه ما بلغهم فرضية صومه إلا نهارا، والرجوع إلى الليل حينئذ متعذر والنزاع فيما كان ممكنا، فيخص جواز النية بالنهار لمن ظهر له وجوب الصيام عليه من النهار كالمجنون يفيق والصبي يحتلم والكافر يسلم (وأجيب) عن حديث عائشة بأنه يحتمل أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قد نوى الصوم من الليل وأراد الفطر لعذر. ولو سلم عدم الاحتمال فإن غايته تخصيص صوم التطوع من عموم قوله فلا صيام له. وقال عطاء ومجاهد وزفر والزهرى: لا تجب النية في صيام رمضان حيث كان الصائم صحيحا مقيما، لأن الوقت يصرفه إلى رمضان فلا يدخل غيره. لكن يرد عليهم حديث إنما الأعمال بالنيات. وحديث الباب لأنه يعم كل صيام (ويشعر) حديث الباب بان النية تجب لكل يوم. وبه قال عمر وابنه والحسن البصرى وأبي حنيفة والشافعى وجمهور العلماء. وهو أصح الروايتين عن أحمد، لأن كل يوم عبادة مستقلة فقد تخلل بين كل يومين زمان لا يصلح للصوم. فصار صيام كل يوم كصلاة من الصلوات (وقال مالك) وأصحابه وإسحاق إذا نوى أول ليلة من رمضان صيام جميعه كفاه، ولا يحتاج لنية لكل يوم. ويستحب تجديدها فقط قياسا على الحج وركعات الصلاة، فإن كل واحد منهما تكفيه نية واحدة. واستدلوا أيضا بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الحديث "وإنما لكل امرئ ما نوى" قالوا وهذا قد نوى جميع الشهر فوجب أن يكون له (لكن) هذا غير مسلم لأن كل أعمال الحج والصلاة اعتبرها الشارع عملا واحدا، والإخلال بأي ركن من أركانهما يستلزم الإخلال بجميع الأركان، بخلاف رمضان فإن فساد أى يوم منه لا يستلزم فساد البقية "ولا ينافى" هذا قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "وإنما لكل امرئ ما نوى" لأن معناه كل عبادة تحتاج إلى نية، وقد علمت أن كل يوم من أيام رمضان عبادة مستقلة (إذا علمت) هذا تعلم أن الراجح قول من قال بوجوب تبييت النية فى الليل. وقول من قال بوجوبها فى كل ليلة من ليالى الصيام (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والنسائى وابن ماجه والدارقطنى وابن خزيمة وابن حبان وصححاه مرفوعا والترمذى. وقال حديث حفصة لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه وقد روى عن نافع عن ابن عمر قوله وهو أصح اهـ وأخرجه الدارمى والبيهقى وقال هذا حديث قد اختلف على الزهرى فى إسناده وفى رفعه إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعبد الله بن أبى بكر أقام إسناده ورفعه وهو من الثقات الأثبات. (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ اللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ أَيْضًا جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى

باب الرخصة فيه أى في ترك نية الصوم بالليل

بَكْرٍ مِثْلَهُ. وَأَوْقَفَهُ عَلَى حَفْصَةَ مَعْمَرٌ وَالزُّبَيْدِىُّ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَيُونُسُ الأَيْلِىُّ كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِىِّ. (ش) أشار بهذه التعاليق إلى أنه قد اختلف فى رفع الحديث ووقفه. فرواه الليث بن سعد وإسحاق بن حازم عن عبد الله بن أبى بكر مرفوعا مثل رواية ابن لهيعة ويحيى بن أيوب عنه. وحديث الليث لم نقف على من أخرجه (هذا). و (إسحاق بن حازم) المدنى البزاز. روى عن عبد الله بن أبى بكر وأبى الأسود ومحمد بن كعب وعبيد الله بن مقسم وغيرهم. وعنه خالد بن مخلد وابن وهب وأبو القاسم. وثقه أحمد وابن معين وقال الساجى صدوق يرى القدر، وذكره ابن حبان فى الثقات، وفى التقريب صدوق من السابعة تكلم فيه للقدر. روى له ابن ماجه (وحديثه) أخرجه الدارقطنى عن عبد الله بن أبى بكر عن سالم ابن عمر عن حفصة قالت: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم "لا صيام لمن لم يفرضه قبل الفجر". وأخرجه ابن ماجه بلفظ "لا صيام لمن لم يفرضه من الليل" (ورواه) عن الزهرى موقوفا على حفصة معمر بن راشد ومحمد بن الوليد الزبيدى وسفيان ابن عيينة ويونس بن يزيد الأيلى. ورواية معمر ويونس أشار إليها البيهقى قال (ورواه) معمر عن الزهرى عن سالم عن أبيه عن حفصة من قولها. وقيل عنه عن الزهرى عن حمزة بن عبد الله عن أبيه عن حفصة (ورواه) يونس عن الزهرى عن سالم عن ابن عمر من قوله (ورواه) عقيل عن الزهرى عن سالم أن عبد الله وحفصة قالا ذلك. وقيل غير ذلك اهـ ولم نقف على من أخرج رواية الباقين. ورجح الترمذى والنسائى الوقف. وكذا البيهقى وقال رواته ثقات. وصحح الحاكم وابن حزم وابن خزيمة وابن حبان رفعه (والحديث) وإن كان فيه اختلاف فى الرفع والوقف فهو صالح للاحتجاج به، لأن له شاهدا من رواية الدارقطنى والبيهقى عن يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له. قال الدارقطنى إسناده كلهم ثقات. وروى أيضا من طريق محمد بن هلال عن أبيه أنه سمع ميمونة بنت سعد تقول سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: من أجمع الصوم من الليل فليصم. ومن أصبح ولم يجمعه فلا يصم وروى البيهقى عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر باب فى الرخصة فيه أى فى ترك نية الصوم بالليل (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ ح وَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ جَمِيعًا عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى

المذاهب في حكم نية صوم النفل نهارا

اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ عَلَىَّ قَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ طَعَامٌ؟ فَإِذَا قُلْنَا لاَ. قَالَ إِنِّى صَائِمٌ. زَادَ وَكِيعٌ فَدَخَلَ عَلَيْنَا يَوْمًا آخَرَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِىَ لَنَا حَيْسٌ فَحَبَسْنَاهُ لَكَ. فَقَالَ أَدْنِيهِ فَأَصْبَحَ صَائِمًا وَأَفْطَرَ. (ش) (سفيان) الثورى (قوله قال إنى صائم) فيه دليل على جواز نية صوم التطوع نهارا. وبه قال أبو حنيفة والشافعى كما تقدم. وروى عن على وأبى أيوب الأنصارى وحذيفة وابن مسعود وأبى طلحة وسعيد بن جبير والنخعى (قالوا) ومحل ذلك إذا كان قبل الزوال ولم يتناول مفطرا. وقال أحمد وسعيد بن المسيب يجوز صوم النفل بنية من النهار سواء قبل الزوال أم بعده، لأنه نوى فى جزء من النهار فأشبه ما نوى فى أوله، ولأن جميع الليل وقت لنية الفرض فكذا جميع النهار وقت لنية النفل، وجعلوا حديث الباب مخصصا لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "من لم يجمع الصوم قبل الفجر فلا صيام له" وقال ابن عمر لا يصوم تطوعا حتى يجمع من الليل أو يتسحر. وقال مالك فى النافلة لا يصوم إلا أن يبيت إلا إن كان يسرد الصوم فلا يحتاج إلى التبييت وقال زفر والمزنى وأبو يحيى البلخى وجابر بن زيد وداود لا يجوز صيام التطوع إلا بنية من الليل كالفرض أخذا بظاهر حديث "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" (وأجابوا) عن "حديث الباب" بأن قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيه هل عندكم طعام؟ فقلنا لا. فقال إنى صائم. "ليس نصا" فى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نوى نهارا، بل هو محتمل لأن يكون بيت النية. والمحتمل يرد إلى الصريح فى تبييت النية، وهو الأصل. ولا فرق في بين الفرض والنفل. ولم يقم دليل على رفع هذا الأصل فيتعين البقاء عليه. على أن فى بعض روايات حديث عائشة "إنى كنت أصبحت صائما" وهو ظاهر فى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بيت النية قبل الفجر (قال) النووى فى هذا الحديث دليل للجمهور فى أن صوم النافلة يجوز نيته فى النهار قبل زوال الشمس. وتأوله الآخرون على أن سؤاله. هل عندكم شيء؟ لكونه كان نوى الصوم من الليل ثم ضعف عنه وأراد الفطر لذلك، وهو تأويل فاسد وتكلف بعيد اهـ (قوله أهدى لنا حيس) بفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية وسين مهملة، هو الطعام يتخذ من التمر والسمن والأقط "أى اللبن الذى أخذ زبده" وقد يجعل الدقيق بدل الأقط (قوله أدنيه) أمر من الإدناء أى قربيه. وفى رواية لمسلم أرنيه من الإراءة (قوله فأصبح صائما وأفطر) وفى نسخة فأفطر. وفيه جواز الفطر من صيام التطوع. ويأتى بيانه بعد (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والنسائى وابن ماجه والدارقطنى والبيهقى. وأخرجه الترمذى من طريق وكيع ولم يذكر فيه ما زاده

إباحة الفطر للصائم المتطوع

المصنف عنه. وأخرجه من طريق سفيان بسنده إلى عائشة قالت: إن كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يأتينى فيقول: أعندك غداء؟ فأقول لا فيقول إنى صائم. قالت فأتانى يوما فقلت يا رسول الله إنه قد أهديت لناهدية قال وماهى؟ قلت حيس قال. أما إنى أصبحت صائما: قالت ثم أكل. وقال حديث حسن (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ نَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَجَلَسَتْ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَأُمُّ هَانِئٍ عَنْ يَمِينِهِ قَالَتْ فَجَاءَتِ الْوَلِيدَةُ بِإِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ فَنَاوَلَتْهُ فَشَرِبَ مِنْهُ, ثُمَّ نَاوَلَهُ أُمَّ هَانِئٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ أَفْطَرْتُ وَكُنْتُ صَائِمَةً. فَقَالَ لَهَا أَكُنْتِ تَقْضِينَ شَيْئًا؟ قَالَتْ لاَ. قَالَ فَلاَ يَضُرُّكِ إِنْ كَانَ تَطَوُّعًا. (ش) (قوله لما كان يوم الفتح فتح مكة) المراد به الأيام التى أقامها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمكة التى كان منها أيام من شوال. لا اليوم الخاص الذى وقع فيه الفتح، فلا يقال إن يوم الفتح كان فى رمضان، فكيف يقل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأم هانئ أكنت تقضين شيئا؟ (قوله وأم هانئ عن يمينه) إظهار فى مقام الإضمار وكان القياس أن تقول وأنا عن يمينه، ويحمل على التجريد فكأنها تحكى عن نفسها، أو أن الراوى وضع كلامه مكان كلامها فنقله بالمعنى. ففى رواية الدارمى جاءت فاطمة فجلست على يسار النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأم هانئ عن يمينه فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب فناولته فشرب منه، ثم ناوله أم هانئ فشربت منه (قوله فجاءت الوليدة الخ) أى جاءت الأمة "ولم نقف عل اسمها" بإناء فيه شراب أى من ماء لأنه المراد عند الإطلاق (قوله ثم ناوله أم هانئ) كان القياس أن نقول ناولنى إياه، ففيه إظهار فى مقام الإصمار. وقدمها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لكونها على يمينه (قوله لقد أفطرت وكنت صائمة) أى فما الحكم؟ وإنما لم تسأل قبل شربها إيثارا لتناول سؤره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الصوم. وقد استشعرت بأنها عملت ما لا ينبغى. ففى رواية الترمذى "ثم ناولنى فشربت منه فقلت إنى أذنبت فاستغفر لى. فقال وما ذاك؟ قالت كنت صائمة فأفطرت" (قوله فلا يضرك إن كان تطوعا) أى فلا حرج عليك فى فطرك إن كان صومك تطوعا (وفى الحديث) دلالة على جواز

المذاهب في حكم فطر الصائم المتطوع وهل إذا أفطر يطلب منه القضاء؟

الفطر لمن كان صائما تطوعا ولا قضاء عليه. وبه قال عمر وعلى وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وجابر وحذيفة وأبو الدرداء والثورى والشافعى وأحمد وإسحاق (مستدلين) بحديث الباب وبما رواه مسلم عن عائشة قالت: دخل علىّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذات يوم فقال هل عندكم شئ؟ قلنا لا. قال فإنى إذا صائم. ثم أتانا يوما آخر فقلنا: يا رسول الله أهدى لنا حيس. فقال أرنيه فلقد أصبحت صائما فأكل. وفى رواية له فأكل ثم قال: لقد كنت أصبحت صائما. وبما رواه الترمذى والنسائى والدارقطنى والبيهقى عن أم هانئ قالت: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر. قال النووى فى شرح المهذب: ألفاظ رواياتهم متقاربة المعنى وإسنادها جيد. وقال الترمذى فى إسناده مقال اهـ وبما رواه البيهقى عن ابن مسعود قال: إذا أصبحت وأنت ناوى الصوم فأنت بخير النظرين إن شئت صمت وإن شئت أفطرت. وبما رواه الدارقطنى والبيهقى بإسناد صحيح عن جابر أنه لم يكن يرى بإفطار المتطوع بأسا. وروى الشافعى والبيهقى بإسناد صحيح عن ابن عباس مثله. وبما رواه البخارى عن أبى جحيفة قال: آخى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين سلمان وأبى الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة. فقال لها ما شأنك؟ قالت أخوك أبو الدرداء ليس له فى الدنيا حاجة. فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال كل فإنى صائم. قال ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم قال نم فنام، ثم ذهب يقوم فقال نم فنام، ثم ذهب يقوم قال نم فنام: فلما كان من آخر الليل قال سلمان. قم الآن فَصَلِّيَنْ فقال له سلمان إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذى حق حقه، فأتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذكر ذلك له فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: صدق سلمان. وبذلك قالت الشافعية والحنابلة. وقالوا إذا دخل فى صوم التطوع استحب له إتمامه، وإذا أفطر بعذر أو بغير عذر فلا إثم عليه ولا يجب عليه القضاء لكن يكره له الفطر بدون عذر لعموم قوله تعالى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} وخروجا من خلاف من أوجب الإتمام. وإذا أفطر بعذر فلا كراهة. وعلى كل فيستحب قضاؤه (وذهب أبو حنيفة) فى ظاهر الرواية ومالك إلى أنه يجب إتمام ما شرع فيه من نفل ولا يجوز فطره بلا عذر لقوله تعالى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} فإن أفطر بلا عذر أثم وعليه القضاء، وإن أفطر لعذر كأن أمره أحد والديه أو شيخه بالفطر شفقة عليه وكطرو الحيض على المتطوعة فأفطر فلا إثم عليه ولا قضاء عند المالكية. ويلزمه القضاء عند الحنفية لحديث عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: كنت أنا وحفصة صائمتين فعرض لنا طعام فأكلنا منه فدخل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت حفصة: يا رسول الله إنا كنا صائمتين متطوعتين فأهدى لنا طعام فأفطرنا عليه فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: اقضيا مكانه يوما آخر. رواه مالك والترمذى

باب من رأى عليه القضاء أي على من أفطر في التطوع

وغيرهما من عدّة طرق كما يأتى فى الباب بعد. واختار صاحب المنتقى والكمال بن الهمام وتاج الشريعة من الحنفية أنه يباح الفطر فيما شرع فيه من صوم النفل ولو بلا عذر وهو الأوجه لتضافر الأدلة عليه. ومنها أحاديث الباب، وقول مجاهد إنما ذلك بمنزلة رجل يخرج الصدقة من ماله فإن شاء أمضاها وإن شاء أمسكها. رواه مالك وأحمد والستة إلا البخارى (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والدارمى والدارقطنى والبيهقى والطبرانى. وأخرجه الترمذى من طريق سماك بن حرب عن ابن أمّ هانئ عن أم هانئ قالت: كنت قاعدة عند النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأتى بشراب فشرب منه ثم ناولنى فشربت منه فقلت: إنى أذنبت فاستغفر لى قال وما ذاك؟ قالت كنت صائمة فأفطرت فقال أمن قضاء كنت تقضينه؟ قالت لا قال فلا يضرك. وقال فى إسناده مقال اهـ أى لأن فى سنده سماك وقد اختلف فيه. قال النسائى سماك ليس يعتمد عليه إذا انفرد وفى سنده أيضاهارون بن أمّ هانئ. قال ابن القطان لا يعرف، وقال الحافظ فى التقريب مجهول. باب من رأى عليه القضاء أى فى بيان دليل من رأى القضاء على من أفطر فى صيام التطوع (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ زُمَيْلٍ مَوْلَى عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُهْدِىَ لِى وَلِحَفْصَةَ طَعَامٌ وَكُنَّا صَائِمَتَيْنِ فَأَفْطَرْنَا, ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ فَاشْتَهَيْنَاهَا فَأَفْطَرْنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: لاَ عَلَيْكُمَا. صُومَا مَكَانَهُ يَوْمًا آخَرَ. (ش) (الرجال) (ابن الهاد) يزيد وفى نسخة ابن الهادى بإثبات الياء. و (زميل) بالتصغير (مولى عروة) ابن عباس المدنى الأسدى: روى عن مولاه: وعنه يزيد بن الهاد. قال الخطابى مجهول. وقال النسائى ليس بالمشهور. وقال أحمد لا أدرى من هو. وقال البخارى لا يعرف لزميل سماع من عروة. ولا ليزيد سماع من زميل، ولا تقوم به الحجة، وفى التقريب مجهول من السادسة. وقال ابن عدى إسناده لا بأس به. روى له أبو داود والنسائى (المعنى) (قوله أهدى لى ولحفصة طعام) هى شاة كما جاء فى رواية أحمد عن عائشة (قوله فقلنا

المذاهب في لزوم النفل بالشروع، وهل يلزم قضاء ما فسد منه؟

له يا رسول الله) القائلة حفصة كما فى رواية مالك فى الموطإ وفيها "قالت عائشة قالت حفصة بدرتنى بالكلام وكانت بنت أبيها يا رسول الله الخ" والمراد أنها كانت مسارعة فى الخير كأبيها، فهو مدح لها (قوله لا عليكما) أى لا إثم عليكما (قوله صوما مكانه يوما آخر) وفى رواية مالك اقضيا مكانه يوما آخر (وبالحديث) استدل أبو حنيفة ومالك وأبو ثور على أن من شرع فى صيام التطوع ثم أفطر فعليه القضاء وجوبا. قالوا والحديث وإن كان ضعيفا، لأن فيه زميلا وفيه مقال، فقد روى من طرق أخرى. فقد رواه ابن حبان عن جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوعتين (الحديث) ورواه ابن أبى شيبة عن خصيف عن سعيد بن جبير عن عائشة وحفصة. ورواه الطبرانى عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس أن عائشة وحفصة الخ. ورواه أيضا عن أم سلمة عن أبى هريرة قال: أهديت لعائشة وحفصة هدية الخ واستدلوا أيضا بقوله تعالى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} وبقوله تعالى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} وهو يعم الفرض والنفل. وبقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليأكل، وإن كان صائما فليدع بالبركة. رواه الطبرانى عن ابن مسعود ولو جاز الفطر فى التطوع لكان فى إجابة الدعوى أولى. وبقوله تعالى {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} ومن تعمد الفطر فليس بمعظم لحرمة الصوم. قال الزرقانى. قال ابن عمر ذلك المتلاعب بدينه أو المتلاعب بصومه اهـ واستدلوا أيضا بالقياس على الحج والعمرة النفلين فإنهما إن فسدا وجب قضاؤهما بالإجماع (وأجابوا) عن حديث أم هانئ السابق وحديث عائشة بأنهما واقعتا عين لا عموم فيهما. وعن حديث "الصائم المتطوع أمير نفسه" بأن معناه مريد الصوم جمعا بين الأدلة والمختار أن الأمر بالقضاء فى حديث الباب للندب لقوله فيه لا عليكما. إذ لو كان القضاء واجبا لكان الفطر حراما (قال الخطابى) ولو ثبت الحديث أشبه أن يكون إنما أمرهما بذلك استحبابا؟ لأن بدل الشيء فى أكثر أحكام الأصول يحل محل أصله وهو فى الأصل مخير فكذلك فى البدل اهـ ويؤيده رواية البيهقى عن أبى سعيد قال. صنعت للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم طعاما. فلما وضع قال رجل إنى صائم. فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: دعاك أخوك وتكلف لك. أفطر وصم يوما مكانه إن شئت. وما تقدم عن أبى جحيفة فى قصة أبى الدرداء وسلمان "وما قالوه" فى حديث عائشة وحديث أم هانئ من أنهما واقعتا عين لا عموم فيهما "غير مسلم" فإن الخصوصيات لا تثبت إلا بدليل. ولا دليل هنا "وحملهم" حديث الصائم المتطوع أمير نفسه على مريد الصوم "صرف" للفظ عن ظاهره بدون قرينة" وقياس صوم التطوع على الحج والعمرة النفلين قياس مع الفارق، فإنه لا يخرج منهما بإفسادهما بخلاف صوم التطوع. ولم يثبت التخيير فى قضائهما بخلاف الصوم

باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها

(والحديث) أخرجه أيضا مالك فى الموطإ والنسائى. قال الخطابى: الحديث إسناده ضعيف وزميل مجهول. والمشهور من هذا الحديث رواية ابن جريج عن الزهرى عن عروة، قال ابن جريج قلت للزهرى أسمعته من عروة؟ قال لا إنما أخبرنيه رجل بباب عبد الملك بن مروان. فيشبه أن يكون ذلك الرجل هو زميل اهـ ورواه ابن حبان والطبرانى وابن أبى شيبة من طرق أخرى كما تقدم. وأخرجه البيهقى والترمذى وهذا لفظه من طريق جعفر بن برقان عن الزهرى عن عروة عن عائشة قالت: كنت أنا وحفصة صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه فجاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فبدرتنى إليه حفصة، وكانت ابنة أبيها فقالت: يا رسول الله إنا كنا صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه قال: اقضيا يوما آخر مكانه. وقال الترمذى: وروى مالك ابن أنس ومعمر وعبيد الله بن عمر وزياد بن سعد وغير واحد من الحفاظ عن الزهرى عن عائشة مرسلا ولم يذكروا فيه عن عروة وهذا أصح، لأنه روى عن ابن جريج قال: سألت الزهرى فقلت أحدثك عروة عن عائشة؟ قال لم أسمع من عروة فى هذا شيئا اهـ وقال ابن عيينة فى روايته سئل الزهرى عنه أهو عن عروة؟ فقال لا. وقال الخلال اتفق الثقات على إرساله، وشذ من وصله وتوارد الحفاظ على الحكم بضعف حديث عائشة. قاله فى الفتح باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها أيجوز لها أم لا؟ (ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: لاَ تَصُومُ امْرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ غَيْرَ رَمَضَانَ, وَلاَ تَأْذَنُ فِى بَيْتِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ. (ش) (معمر) بن راشد (قوله لا تصوم امرأة الخ) أى لا تصوم المرأة نفلا وزوجها حاضر فى بلدها إلا بإذنه صريحا أو ضمنا كأن تعلم رضاه بذلك. والنفى هنا بمعنى النهى. وفى رواية مسلم لا تصم. وفى رواية للبخارى "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه" أى لا يجوز لها أن تصوم تطوعا وزوجها حاضر إلا أن يأذن لها فيجوز حينئذ (وفى هذا الحديث) دلالة على أنه يحرم على المرأة أن تصوم تطوعا بغير إذن زوجها، وذلك لأن للزوج حق الاستمتاع بها فى كل وقت وحقه واجب على الفور، فلا يفوت بالتطوع كما أنه لا يفوت بالواجب على التراخى كقضاء رمضان والكفارات والنذر المطلق. وإلى هذا ذهب الجمهور. وقال النووى فى شرح المهذب: قال جماعة من

نهيها عن إدخال أحد بيت زوجها إلا بإذنه

أصحابنا يكره والصحيح الحرمة. فلو صامت بغير إذن زوجها صح باتفاق أصحابنا وإن كان الصوم حراما لأن تحريمه لمعنى آخر لا لمعنى يعود لنفس الصوم، فهو كالصلاة فى دار مغصوبة اهـ ويفهم من الحديث أن الزوج لو كان غائبا جاز لها الصوم. وهذا لا خلاف فيه لزوال سبب النهى (قوله غير رمضان) فتصومه من غير إذنه لأنه يكون صائما حينئذ فلا يخشى احتياجه إليها. ويلحق برمضان النذر المعين (قوله ولا تأذن فى بيته وهو شاهد إلا بإذنه) أى لا يحل للمرأة أن تأذن لأحد ولو نساء فى دخول بيت زوجها وهو حاضر إلا بإذنه، فإذا أذن لها جاز. وقيد حضور الزوج هنا لا مفهوم له بل خرج مخرج الغالب، لأن غيبته لا تقتضى الإباحة للمرأة أن تأذن لمن يدخل بيته بل يتأكد عليها المنع حال غيابه. لما رواه الترمذى عن جابر مرفوعا: لا تدخلوا على المغيبات، فإن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم. ولما رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا. لا يدخل رجل على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان: والمغيبة بضم الميم وكسر الغين المعجمة وسكون التحتية من غاب عنها زوجها. ويحتمل أن يكون له مفهوم لأنه إذا حضر الزوج تيسر استئذانه وإذا غاب تعذر فيجوز لها حينئذ أن تأذن لمن كان محرما وعلمت رضا الزوج بدخوله أو لم تعلم شيئا أو كان المستأذن امرأة، وقوله إلا بإذنه أى الصريح أو الضمنى كما لو علمت رضاه. وقال النووى فى شرح مسلم فى هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يفتات على الزوج بالإذن فى بيته إلا بإذنه. وهو محمول على ما لم تعلم رضا الزوج به. أما لو علمت رضا الزوج بذلك فلا حرج عليها كمن جرت عادته بإدخال الضيفان موضعا معدا لهم سواء كان حاضرا أو غائبا. فلا يفتقر إدخالهم إلى إذن خاص لذلك اهـ (الفقه) دل الحديث على أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج عن طاعة زوجها حتى فى أمور العبادة غير الفرض لأن حقه آكد عليها من التطوع. وعلى أنه لا يجوز لها أن تتصرف فى شيء من ماله إلا بإذنه. (والحديث) أخرجه أيضا البخارى ومسلم. وأخرجه البيهقى والدارمى مقتصرين فيه على النهى عن الصيام (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ نَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ زَوْجِى صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ يَضْرِبُنِى إِذَا صَلَّيْتُ وَيُفَطِّرُنِى إِذَا صُمْتُ, وَلاَ يُصَلِّى صَلاَةَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. قَالَ وَصَفْوَانُ عِنْدَهُ. قَالَ فَسَأَلَهُ عَمَّا قَالَتْ. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا قَوْلُهَا يَضْرِبُنِى إِذَا صَلَّيْتُ, فَإِنَّهَا تَقْرَأُ بِسُورَتَيْنِ وَقَدْ نَهَيْتُهَا. قَالَ فَقَالَ لَوْ كَانَتْ سُورَةً

غلبة النوم عذر في تأخير الصلاة عن وقتها

وَاحِدَةً لَكَفَتِ النَّاسَ. وَأَمَّا قَوْلُهَا يُفَطِّرُنِى فَإِنَّهَا تَنْطَلِقُ فَتَصُومُ وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ فَلاَ أَصْبِرُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ: لاَ تَصُومُ امْرَأَةٌ إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا. وَأَمَّا قَوْلُهَا إِنِّى لاَ أُصَلِّى حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ قَدْ عُرِفَ لَنَا ذَاكَ لاَ نَكَادُ نَسْتَيْقِظُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ قَالَ: فَإِذَا اسْتَيْقَظْتَ فَصَلِّ (ش) (جرير) بن عبد الحميد (قوله جاءت امرأة) لم نقف على اسمها (قوله إن زوجى صفوان ابن المعطل) بفتح الطاء المشدّدة ابن ربيعة مصغرا ابن خزاعى بلفظ النسب ابن محارب بن مرة السلمى شهد الخندق والمشاهد. وأول مشاهده غزوة المريسيع التى جرى ذكره فيها فى حديث الإفك المشهور. وفيه قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى حقه: ما علمت عليه إلا خيرا. قتل فى خلافة عمر فى غزاة أرمينية سنة تسع عشرة (قوله فإنها تقرأ بسورتين وقد نهيتها الخ) يعنى أنها تقرأ فى الصلاة بسورتين طويلتين وقد نهيتها عن ذلك فلم تنته فضربتها. فقال لها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لو كانت سورة واحدة من القرآن لكفت الناس. يريد بذلك أنها تقصر القراءة فى الصلاة. وفى بعض النسخ فإنها تقرأ بسورتى بإضافة سورة إلى ياء المتكلم، يعنى بالسورة التى أقرأها. وعليها "فقوله" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لو كانت سورة واحدة" أى من القرآن لكفت الناس قراءتها فى الصلاة "ردّ له" عن نهيه لها عن قراءة تلك السورة (قوله فإنها تنطلق فتصوم) يعنى أنها تكثر من الصيام تطوعا وأنا فى حاجة إليها للجماع "ولا ينافيه" ما فى حديث الإفك عن عائشة قالت: إنّ صفوان ما كشف كنف أنثى قط "لأن المراد" ما كشف كنف أنثى حراما فلا ينافى أنه كان يكشف كنف زوجته (قوله فإنا أهل بيت قد عرف لنا ذاك) يعنى أننا جماعة تتثاقل رءوسنا من كثرة النوم فلا نستيقظ إلا بعد الشمس "ولم يلمه" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ذلك "لأن غلبة" النوم عليه صارت كالطبيعة يعجز عن دفعها. فكان بمنزلة من يغمى عليه (قال) الخطابى: ويشبه أن يكون ذلك منه على معنى ملكة الطبع واستيلاء العادة فصار كالشيء المعجوز عنه، وكان صاحبه فى ذلك بمنزلة من يغمى عليه فعذر فيه ولم يؤنب عليه اهـ "وما قيل" من أن المراد إنا أهل صنعة نقوم بها فى الليل فلا نستيقظ إلا بعد طلوع الشمس "فغير مسلم" إذ لو كان كذلك لالتمست زوجته له عذرا ولم تشكه لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (الفقه) دل الحديث على أنه يجوز للمرأة أن تشكو زوجها لكبير القوم إذا منعها من فعل الخير، أو رأت عليه تقصيرا فى الواجب. وعلى أن للزوج أن يمنع امرأته من صيام التطوع

حق الزوج على امرأته

إذا كان يفوت حقه. قال الخطابي: فيه من الفقه أنّ منافع المتعة والعشرة من الزوجة مملوكة الزوج فى عامة الأحوال. وأنّ الزوج أن أن يضربها ضربًا غير مبرح إذا امتنعت عليه من إيفاء الحق وإجمال العشرة. وفيه دليل على أنها لو أحرمت بالحج كان له منعها لأنّ حقه عليها معجل، وحق الحج متراخ. وإلى هذا ذهب عطاء ابن أبى رباح. ولم يختلف العلماء فى أنّ له منعها من حج التطوّع اهـ وفيه دليل على حسن ملاطفته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ورفقه بأمّته، فينبغى لمن يكون واليا على قوم أو رئيسا عليهم أن يقتدى به. وعلى أن الإنسان مخاطب بالصلاة ولو خرج وقتها. (والحديث) أخرجه أيضا أحمد وابن ماجه والبيهقى بلفظ المصنف. وأخرجه أيضا بلفظ: جاءت امرأة صفوان بن معطل إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالت إن صفوان يفطرني إذا صمت. ويضربنى إذا صليت. ولا يصلى الغداة حتى تطلع الشمس فأرسل إليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: ما تقول هذه؟ قال: أما قولها يفطرني فإنى رجل شاب وقد نهيتها أن تصوم. قال فيومئذ نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن تصوم المرأة إلا بإذن زوجها وأما قولها إنى أضربها على الصلاة فإنها تقرأ بسورتى فتعطلنى قال: لو قرأها الناس ما ضرك. وأما قولها لا أصلى حتى تطلع الشمس فإنى ثقيل الرأس وأنا من أهل بيت يعرفون بذاك ثقل الرءوس. قال: فإذا قمت فصل (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ حَمَّادٌ يَعْنِى ابْنَ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ أَوْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِى الْمُتَوَكِّلِ. (ش) أى روى حديث أبى سعيد فى قصة صفوان بن المعطل حماد بن سلمة عن حميد الطويل أو عن ثابت البنانى عن أبى المتوكل "على بن داود الناجي" (وغرضه) بهذا تقوية الحديث حيث لم ينفرد به أبو صالح عن أبى سعيد بل تابعه أبو المتوكل. ولم نقف على من وصل هذا التعليق باب فى الصائم يدعى إلى وليمة أى أيجوز له الفطر أم لا؟ وفى نسخة يدعى إلى الوليمة وفى أخرى حذف لفظ باب (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ نَا أَبُو خَالِدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: إِذَا دُعِىَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ, فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ, وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ. قَالَ هِشَامٌ: وَالصَّلاَةُ الدُّعَاءُ. (ش) (أبو خالد) الأحمر سليمان بن حيان "بالمثناة". و (هشام) بن حسان و (ابن سيرين) محمد (قوله إذا دعى أحدكم فليجب) أى فليجب دعوة الداعى له سواء أكانت وليمة

المذاهب في حكم إجابة الدعوة، ممن أجابها

عرس أم غيرها. فالأمر فيه للوجوب مطلقا. وبه قال بعض الشافعية، ونقله ابن عبد البر عن عبيد الله بن الحسن العنبرى. وذهب ابن حزم إلى انه قول جمهور الصحابة والتابعين. ويدل لهم أيضا البخارى ومسلم عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها، ويدعى إليها من يأباها. ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله. وفى رواية لهما عن أبى هريرة موقوفا: شر الطعام طعام الوليمة. تدعى لها الأغنياء وتترك الفقراء. ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله. فإن العصيان لا يكون إلا لترك واجب (وذهبت) المالكية والحنابلة وجمهور الشافعية إلى وجوب الإجابة فى وليمة العرس واستحبابها فى غيرها (وذهبت) الحنفية إلى أن الإجابة إلى وليمة العرس سنة مؤكدة قريبة من الواجب لما رواه الشيخان عن ابن عمر مرفوعا: إذا دعى أحدكم إلى وليمة فليأتها (قال ابن عابدين) وفى الاختيار وليمة العرس سنة قديمة إن لم يجبها أثم، لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله" فإن كان صائما أجاب ودعا، وإن لم يكن صائما أكل ودعا، وإن لم يأكل ولم يجب أثم وجفا، لأنه استهزاء بالضيف. وقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لو دعيت إلى كراع لأجبت. ومقتضاه أنها سنة مؤكدة بخلاف غيرها. وصرح شراح الهداية بأنها قريبة من الواجب اهـ كلام ابن عابدين. ونقل عن الينابيع لو دعى إلى دعوة، فالواجب الإجابة إن لم يكن هنالك معصية ولا بدعة، والامتناع أسلم فى زماننا إلا إذا علم يقينا أن لا بدعة ولا معصية اهـ وقد أشار بهذا إلى بعض الأعذار التى تبيح التخلف عن الإجابة. ومنها بعد محل المدعو بحيث يشق عليه الذهاب إلى مكان الداعي فلا يطالب بالإجابة (قوله فإن كان مفطرا فليطعم الخ) بفتح العين المهملة مضارع طعم من باب علم، أى فليأكل من الوليمة. والأمر للندب وإن كان صائما فليدع لرب الوليمة كما ذكره هشام. أو أن المراد فليصل ركعتين. ولا مانع من الجمع بين الصلاة والدعاء كما فعل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى بيت أم سليم، فقد روى البخارى عن أنس قال: دخل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على أم سليم فأتته بتمر وسمن فقال: أعيدوا سمنكم فى سقائه وتمركم فى وعائه، فإنى صائم ثم قام إلى ناحية من البيت فصلى غير المكتوبة, فدعا لأم سليم وأهل بيتها (والحديث) أخرجه أيضا مسلم والنسائى. وكذا الترمذى من طريق أيوب عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان صائما فليصل يعنى الدعاء. وقال حسن صحيح (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ أَيْضًا

باب ما يقول الصائم إذا دعى إلى تناول الطعام

(ش) أى روى هذا الحديث حفص بن غياث عن هشام بن حسان كما رواه عنه أبو خالد والغرض منه تقوية الحديث. ولم نقف على من وصل هذا التعليق باب ما يقول الصائم إذا دعى إلى تناول الطعام وفى نسخة إسقاط لفظ باب. وفى أخرى إسقاط هذه الترجمة (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: إِذَا دُعِىَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيَقُلْ إِنِّى صَائِمٌ. (ش) (سفيان) بن عيينة و (أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان. و (الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (قوله فليقل إنى صائم) أى يعتذر للداعي له بقوله إنى صائم، وإن كان يستحب إخفاء النوافل لئلا يؤدى امتناعه إلى العداوة والبغضاء. فإن سامحه الداعى سقط عنه الحضور وإلا لزمه، لأن الصوم ليس عذرا فى التأخر عن إجابة الدعوة. وإذا حضر فلا يلزمه الأكل إلا إذا كان الداعي يتأذى بامتناعه فيأكل (الفقه) دل الحديث على أنه لا بأس بإظهار نوافل الصوم إذا دعت الحاجة إليه. وعلى الإرشاد إلى حسن المعاشرة وتأليف القلوب وحسن الاعتذار عند سببه (والحديث) أخرجه أيضا مسلم والدارمي والنسائى وابن ماجه والترمذى وقال حسن صحيح باب الاعتكاف وفى نسخة إسقاط لفظ باب. ومناسبته للصوم من حيث أن الصوم شرط من شروط الاعتكاف الواجب اتفاقا وكذا فى غيره على الأصح كما يأتى وأن الاعتكاف مؤكد فى العشر الأواخر من رمضان وهو فى اللغة اللبث والحبس على الشيء سواء أكان خيرا كقوله تعالى {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} أى الملازم للمسجد الحرام والطارئ عليه، أم كان شرا كقوله تعالى {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} أى يلازمون عبادتها. وفى عرف الشرع المكث فى مسجد جماعة "وهو ما له إمام ومؤذن ولو لم تصل فيه الخمس" مع النية فاللبث ركن والنية شرط. وكذا المسجد لحديث ابن عباس أن أبغض الأمور إلى الله تعالى البدع، وإن من البدع الاعتكاف فى المساجد التي فى الدور. رواه البيهقى. وقال على الاعتكاف إلا فى مسجد جماعة رواه عبد الرزاق وابن أبى شيبة. وهذا فى حق الرجل. أما المرأة فتعتكف فى مسجد بيتها. ويكره اعتكافها فى مسجد جماعة

المذاهب في حكمه وأقل زمنه

(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ. ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. (ش) (عقيل) بالتصغير ابن خالد (وفى الحديث) دليل على مشروعية الاعتكاف ولا سيما فى العشر الأواخر من رمضان. وقد اتفق العلماء على ذلك. واختلفوا فى حكمه: فقال مالك وأصحابه إنه مستحب من نوافل الخير. وقيل سنة. وقال ابن عبد السلام: مقتضى الأحاديث أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم داوم على فعله، فيكون سنة وهو وجيه (وقال) ابن العربى إنه سنة مؤكدة وعند الحنفية ثلاثة أقسام "الأول" سنة مؤكدة "فى العشر الأواخر من رمضان" لحديث الباب "الثاني" واجب بالنذر المطلق كقوله لله علىّ أن أعتكف كذا، أو المعلق كقوله إن شفى الله فلانا لأعتكفن كذا، لحديث ابن عمر رضى الله عنهما أنّ عمر نذر فى الجاهلية أن يعتكف يوما فى المسجد الحرام فسأل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. فقال أوف بنذرك. رواه الشيخان. والصوم شرط فيه دون غيره على المذهب، حتى لو قال لله علىّ نذر أن أعتكف يوما بلا صوم لزماه "الثالث" مستحب فى غير ذلك للإجماع. وقال الشافعى وأحمد إنه سنة لمواظبته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليه. وعن أحمد لا أعلم عن أحد من العلماء خلافا أنه مسنون. وعن أبى المنذر نجوه. ومحل هذا الخلاف فى غير المنذور. أما المنذور فاتفقوا على وجوبه. واختلف فى أقل زمن الاعتكاف. فقال مالك أقله يوم وليلة وهو مشهور المذهب. وقيل ثلاثة أيام. وقال ابن القاسم عنه أقله عشرة. وعند البغداديين من أصحابه أن العشرة مستحب وأن أقله يوم وليلة (وقال) الشافعى وأصحابه: أقله لحظة وهو قول داود الظاهرى والمشهور عن أحمد. والمستحب ألا ينقص عن يوم خروجا من خلاف من أوجبه (وقالت) الحنفية أقل النفل منه ساعة على المفتى به. وقيل يوم. وأقل الواجب يوم لاشتراط الصوم فيه. وقال عطاء بن أبى رباح: إذا جلس الشخص فى المسجد يقصد الخير فهو معتكف ما دام فيه. وهو قول يعلى من أمية. وقال سويد بن غفلة من جلس فى المسجد وهو طاهر فهو عاكف فيه ما لم يحدث. قال ابن حزم: يعلى صحابى. وسويد من كبار التابعين أفتى أيام عمر بن الخطاب. ولا يعرف ليعلى فى هذا مخالف من الصحابة اهـ (قوله حتى قبضه الله عز وجل الخ) فيه دليل على أن الاعتكاف لم ينسخ وأن النساء فيه كالرجال غير أنهن يعتكفن فى مساجد بيوتهن على ما يأتى بيانه (والحديث) أخرجه أيضا البخارى مسلم والترمذي والنسائي والدارقطنى وكذا البيهقى من طريق أبى معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله

قضاؤه: الخلاف في حكم الصوم فيه

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان (ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ أَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَبِى رَافِعٍ عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ فَلَمْ يَعْتَكِفْ عَامًا, فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ لَيْلَةً. (ش) (حماد) بن سلمة. و (ثابت) البنانى. و (أبو رافع) نفيع بن رافع (قوله فلم يعتكف عاما) لأنه كان مسافرا كما فى رواية النسائى وابن ماجه والبيهقى عن أبى بن كعب قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فسافر عاما فلم يعتكف، فلما كان من العام المقبل اعتكف عشرين يوما. ويحتمل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تركه حين أراد أزواجه الاعتكاف معه فى المسجد كما فى الحديث بعد (قوله اعتكف عشرين ليلة) أى من رمضان: عشرة قضاء عما فاته فى الماضى، وعشرة عن الحاضر. وهذا إما لأن الاعتكاف كان واجبا عليه بخصوصه، أو لتأكد سنيته (ويؤخذ منه) أن من اعتاد الاعتكاف أياما ثم لم يمكنه أداؤه فيها فله قضاؤه. قال الترمذى: واختلف أهل العلم فى المعتكف إذا قطع اعتكافه قبل أن يتمه على ما نوى فقال بعض أهل العلم إذا نقض اعتكافه وجب عليه القضاء. واحتجوا بالحديث أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج من اعتكافه فاعتكف عشرا من شوال وهو قول مالك, وقال بعضهم إن لم يكن عليه نذر اعتكاف أو شيء أوجبه على نفسه وكان متطوعا فخرج؛ فليس عليه شيء يقضى إلا أن يحب ذلك اختيارا منه ولا يجب ذلك عليه وهو قول الشافعى. قال الشافعى: كل عمل لك ألا تدخل فيه، فإذا دخلت فيه فخرجت منه فليس عليك أن تقضى إلا الحج والعمرة اهـ ومذهب الحنفية فى هذا كمذهب مالك (قال) الخطابى: فيه أنّ النوافل المعتادة تقضى إذا فاتت. وفيه دليل لمن أجاز الاعتكاف بغير صوم ينشئه له لأنّ صومه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى رمضان إنما كان للشهر (وقد اختلف) فى هذا. فقال الحسن البصرى: إن اعتكف من غير صوم أجزأه، وإليه ذهب الشافعي وروى عن علىّ وابن مسعود. وقال الأوزاعي ومالك لا اعتكاف إلا بصوم، وروى عن ابن عمر وابن عباس وعائشة. وهو قول ابن المسيب وعروة وابن الزبير والزهرى اهـ بتصرف وتقدّم أن الصوم شرط فى الاعتكاف الواجب دون غيره فى ظاهر الرواية عند الحنفية. وعن الحسن بن زياد أنه شرط للاعتكاف مطلقا؛ لحديث عائشة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: لا اعتكاف إلا بصوم. رواه الدارقطني والبيهقى. وذكر فى فتح القدير عدة أدلة ثم

متى يدخل المعتكف معتكفه؟

قال فهذه تؤيد إطلاق اشتراط الصوم اهـ (والحديث) أخرجه أيضا النسائى وابن ماجه والبيهقي. وأخرجه الترمذى عن أنس وقال: حديث حسن غريب صحيح اهـ وصححه ابن حبان والحاكم (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَيَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ. قَالَتْ وَإِنَّهُ أَرَادَ مَرَّةً أَنْ يَعْتَكِفَ فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. قَالَتْ فَأَمَرَ بِبِنَائِهِ فَضُرِبَ فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ أَمَرْتُ بِبِنَائِى فَضُرِبَ. قَالَتْ وَأَمَرَ غَيْرِى مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِبِنَائِهِ فَضُرِبَ. فَلَمَّا صَلَّى الْفَجْرَ نَظَرَ إِلَى الأَبْنِيَةِ فَقَالَ مَاهَذِهِ؟ آلْبِرَّ تُرِدْنَ؟ قَالَتْ فَأَمَرَ بِبِنَائِهِ فَقُوِّضَ. وَأَمَرَ أَزْوَاجُهُ بِأَبْنِيَتِهِنَّ فَقُوِّضَتْ ثُمَّ أَخَّرَ الاِعْتِكَافَ إِلَى الْعَشْرِ الأُوَلِ يَعْنِى مِنْ شَوَّالٍ. (ش) (أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير. و (عمرة) بنت عبد الرحمن الأنصارية (قوله إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه) أى المكان الذي يريد المكث فيه للعبادة. وهو يدل على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يدخل معتكفه بعد صلاة الصبح (واختلف) العلماء فيمن نوى اعتكاف يوم وليلة أو أكثر متى يدخل معتكفه (فذهب) الأوزاعى والثورى والليث بن سعد إلى أنه يدخل معتكفه بعد صلاة الصبح (وقال) جماعة منهم الأئمة الأربعة: يدخل معتكفه قبل غروب الشمس، لما رواه البخارى ومسلم عن أبى سعيد أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يعتكف العشر الأوسط من رمضان حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهى الليلة التى يخرج فى صبيحتها من اعتكافه قال: من كان معى فليعتكف العشر الأواخر. قالوا فإن العشر بدون هاء عدد الليالى قل تعالى {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} وأوّل الليالى العشر ليلة إحدى وعشرين (وأجابوا) عن حديث الباب بأنه صلى الله تعلى عليه وعلى آله وسلم دخل المسجد أول الليل، ولكنه لم يخل بنفسه فى المكان الذي أعده للاعتكاف إلا بعد صلاة الصبح. إنما لم يدخله ليلا لأن الدخول فيه للخلوة. والليل وقت خلوة بنفسه فلم يحتج فيه إلى الخلوة (وأجاب) القاضى أبو يعلى من الحنابلة بحمل الحديث على أنه كان يفعل ذلك فى العشرين ليعتكف بعض يوم قبل العشر. وعليه يلزم أن تكون السنة فى

مبنى الخلاف في هذا، وقت الخروج من المعتكف

الشروع في الاعتكاف من صبح العشرين استظهارا باليوم الأول، ولا مانع منه، وكلام الجمهور لا ينافيه، فإنهم ما تعرضوا له إثباتا ولا نفيا (وهذا) فى غير المنذور. أما المنذور فقال أبو حنيفة ومالك والشافعى: يدخل قبل غروب الشمس إذا نذر اعتكاف شهر مثلا. وبه قال مالك فيمن نذر يوما أيضا (وقال) الشافعى يدخل قبل طلوع الفجر ويخرج بعد غروب شمسه. وفرق أبو ثور بين نذر الليالى والأيام. فقال إذا نذر أن يعتكف عشرة أيام دخل قبل طلوع الفجر. وإذا نذر عشر ليال دخل قبل غروب الشمس. قال ابن رشد فى البداية: السبب فى اختلافهم معارضة الأقيسة بعضها بعضا ومعارضة الأثر لجميعها. وذلك أن من رأى أن أول الشهر ليلة واعتبر الليالى قال: يدخل قبل مغيب الشمس. ومن لم يعتبر الليالى قال يدخل قبل الفجر. ومن رأى أن اسم اليوم يقع على الليل والنهار معا أوجب إن نذر يوما أن يدخل قبل غروب الشمس. ومن رأى أنه إنما ينطلق على النهار أوجب الدخول قبل طلوع الفجر. ومن رأى أن اسم اليوم خاص بالنهار واسم الليل بالليل فرق بين أن ينذر أياما أو ليالى (والحق) أن اسم اليوم فى كلام الغرب قد يقال على النهار مفردا وقد يقال على الليل والنهار معا، لكن يشبه أن يكون دلالته الأولى إنما على النهار ودلالته على الليل بطريق اللزوم (وأما الأثر) المخالف لهذه الأقيسة كلها فهو ما أخرجه البخارى وغيره من أهل الصحيح عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعتكف فى رمضان، وإذا صلى الغداة دخل مكانه الذى كان يعتكف فيه (وأما وقت خروجه) فعند مالك يستحب لمعتكف العشر الأواخر من رمضان البقاء فى المسجد حتى يخرج منه إلى صلاة العيد وإن خرج بعد غروب الشمس أجزأه (وقال أبو حنيفة والشافعى) يخرج بعد غروب الشمس. وقال سحنون وابن الماجشون إن رجع إلى بيته قبل صلاة العيد فسد اعتكافه (وسبب) الاختلاف هل الليلة الباقية هى من حكم العشر أم لا اهـ بتصرف (قوله فأمر ببنائه فضرب) أى أمر بخيمته التى يعتكف فيها فنصبت له، وفى رواية البخارى فكنت أضرب له خباء (قوله أمرت ببنائى فضرب) أى بعد أن استأذنت النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأذن لها. ففى رواية للبخارى فاستأذنت عائشة أن تعتكف فأذن لها فضربت قبة، فسمعت بها حفصة فضربت قبة، وفى رواية للنسائى ثم استأذنته حفصة فأذن لها، وفى رواية للبخارى وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت ولا تنافى بينهما لحمل قوله فى رواية النسائى ثم استأذنته حفصة على معنى استأذنته بواسطة عائشة (قوله وأمر غيرى من أزواج النبى ببنائها) أى بقبتها، وفى نسخة ببنائه بالتذكير باعتبار أن المرجع لفظ غيرى. والمراد بالغير حفصة وزينب كما فى رواية للبخارى من طريق محمد بن فضيل عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة قالت: كان رسول الله صىل الله، تعالى عليه وعلى آله وسلم يعتكف فى كل رمضان فإذا صلى الغداة دخل مكانه الذى اعتكف فيه فاستأذنته

جواز ترك الاعتكاف لداع، هل يلزم قصاؤه حينئذ؟

عائشة أن تعتكف فأذن لها فضربت فيه "أى فى المسجد" قبة، فسمعت بها حفصة فضربت قبة، وسمعت زينب بها فضربت قبة أخرى الخ (قوله آلبر تردن) بهمزة الاستفهام الإنكارى ممدودة بمعنى النفى، ونصب البر على أنه مفعول تردن مقدم، أى لا تردن البر بهذا. بخطاب جمع المؤنث. وفى لفظ مسلم آلبرّ يردن بصيغة الغيبة. وفى رواية البخارى "آلبر ترون بهنّ" أى تظنون الخير بهنّ. وهو خطاب للحاضرين من الرجال (قوله فأمر ببنائه فقوض الخ) بالبناء للمجهول أى هدم وأزيل. وكذا أمر أزواجه ببنائهنّ فهدم. ولعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل ذلك خشية أن يكون الحامل لهن على الاعتكاف المباهاة والتنافس الناشئ عن الغيرة حرصا على القرب منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خاصة، فيخرج الاعتكاف عن موضوعه. أو لأنه يضيق المسجد عن المصلين بسبب كثرة القباب فيه. وأمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بهدم بنائه ولم يقتصر على هدم بناء أزواجه، لأن ذلك أدعى إلى امتثالهنّ، (وصرح) فى هذه الرواية بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخر الاعتكف إلى العشر الأول من شوال. وفى رواية للبخارى من طريق محمد بن فضيل عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة "فلم يعتكف فى رمضان حتى اعتكف فى آخر العشر من شوال" (ولا منافاة) بينهما لأن المراد بقوله فى رواية البخارى "حتى اعتكف فى آخر العشر من شوال" أنه جعل نهاية اعتكافه آخر العشر الأول من شوال، فيكون قد اعتكف من أولها، أو أن لفظ آخر وقع غلطا من النساخ. والأصل حتى اعتكف فى العشر من شوال، وهى مطلقة، فتحمل على العشر الأول التىى صرح بها فى رواية المصنف (الفقه) دل الحديث على أن أول وقت الاعتكاف بعد صلاة الصبح وتقدم بيانه، وعلى جواز ضرب الأخبية فى المسجد. وعلى جواز اعتكاف النساء فى المساجد. وعلى أنه ليس للمرأة أن تعتكف إلا بإذن زوجها. وعلى أنها إذا اعتكفت ولو بإذنه كان لزوجها أن يمنعها وإليه ذهب الجمهور وقال مالك ليس له ذلك بعد الإذن. وعلى جواز الخروج من الاعتكاف بعد الدخول فيه إذا كان لمصلحة. ولكنه يقضى وجوبا عند مالك، قال فى الموطإ سئل مالك عن رجل دخل المسجد لعكوف فى العشر الأواخر من رمضان فأقام يوما أو يومين ثم مرض فخرج من المسجد أيجب عليه أن يعتكف ما بقى من العشر إذا صح أم لا يجب ذلك عليه؟ وفى أى شهر يعتكف إن وجب ذلك عليه؟ فقال مالك يقضى ما وجب عليه من عكوف بنذر أو دخول إذا صح فى رمضان وغيره اهـ وقال أبو حنيفة والشافعى وأحمد: إن كان الاعتكاف واجبا لزم قضاؤه وإلا فلا، لأنّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يأمر أزواجه بالقضاء. وقضاؤه صلى الله تعالى وعلى آله وسلم لهذا الاعتكاف لم يكن لوجوبه عليه، وإنما لأنه كان إذا عمل عملا أثبته، وكان فعله لقضائه كفعله لأدائه على سبيل التطوع

لا على سبيل الإيجاب كما قضى السنة التى فاتته بعد الظهر. وتركه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للاعتكاف دليل على عدم وجوبه. وقضاؤه له لا يدل على الوجوب لأن قضاء السنن مشروع (قال) الخطابى: وفيه كالدلالة على أن اعتكاف المرأة فى بيتها جائز. وحكى عن أبى حنيفة فأما الرجل فلم يختلفوا أن اعتكافه فى بيته غير جائز. وإنما شرع الاعتكاف فى المساجد اهـ ويأتى تمامه فى الباب الآتى (والحديث) أخرجه أيضا البخارى ومسلم وابن ماجه والنسائى وكذا البيهقى بسنده إلى عمرة عن عائشة قالت: كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه. وإنه أمر بخبائه فضرب. أراد الاعتكاف فى العشر الأواخر من رمضان، فأمرت زينب رضى الله عنها بخبائها فضرب، وأمر غيرها من أزواج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بخبائه فضرب. فلما صلى الفجر نظر فإذا الأخبية. فقال آلبر يردن فأمر بخبائه فقوض. ثم ترك الاعتكاف فى شهر رمضان حتى اعتكف فى العشر الأول من شوال (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَالأَوْزَاعِىُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ نَحْوَهُ (ش) أى روى الحديث المذكور محمد بن إسحاق وعبد الرحمن بن عمر والأوزاعي عن يحيى ابن سعيد بذكر العشر كما رواه عنه أبو معاوية ويعلى بن عبيد. والغرض منه تقوية رواية العشر (ص) وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: اعْتَكَفَ عِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ. (ش) ذكر العشرين فى هذه الرواية مخالف لما رواه البخارى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أنّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أراد أن يعتكف، فلما انصرف إلى المكان الذى أراد أن يعتكف إذا أخبية: خباء عائشة وخباء حفصة وخباء زينب، فقال: آلبر تقولون بهن؟ ثم انصرف فلم يعتكف حتى اعتكف عشرا من شول. ومخالف أيضا لما فى الموطإ عن زياد عن مالك عن ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة بلفظ "فلم يعتكف حتى اعتكف عشرا من شوال" وهو هكذا فى أكثر الروايات عن عمرة عن عائشة وسقط قوله عن عائشة فى رواية. قال الترمذى: رواه غير واحد عن مالك عن يحيى مرسلا. وقال ابن عبد البر فى التمهيد: رواة الموطإ اختلفوا فى قطعه وإسناده. فمنهم من يرويه عن مالك عن يحيى ابن سعيد لا يذكر غيره. ومنهم من يرويه عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة. وخالفهم يحيى بن يحيى فرواه عن مالك عن ابن شهاب عن عمرة وهو غلط وخطأ مفرط لم يتابعه أحد على ذلك، ولا يعرف هذا الحديث لابن شهاب لا من حديث مالك ولا غيره من أصحاب ابن شهاب بل هو من حديث يحيى بن سعيد اهـ (هذا) ولم نقف على رواية مالك عن يحيى بن سعيد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اعتكف يوما من شوال لغير أبى داود

باب أين يكون الاعتكاف؟

باب أين يكون الاعتكاف؟ أى فى أى مكان يكون الاعتكاف (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِىُّ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ نَافِعٌ: وَقَدْ أَرَانِى عَبْدُ اللَّهِ الْمَكَانَ الَّذِى يَعْتَكِفُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَسْجِدِ. (ش) (ابن وهب) عبد الله. و (يونس) بن يزيد (قوله وقد أرانى عبد الله المكان الخ) بينه ابن ماجه فى رواية له عن ابن عمر أيضا أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا اعتكف، طرح له فراشه ويوضع له سريره وراء أسطوانة التوبة. وفى رواية للبيهقى بسند حسن أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا اعتكف يطرح له فراشه أو سريره إلى اسطوانة التوبة مما يلى القبلة يستند إليها (وفى الحديث) أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يعتكف فى المسجد ولم يثبت أنه اعتكف فى غيره. ومن هذا اتفق العلماء على أنه يشترط المسجد فى الاعتكاف إلا ما حكى عن محمد بن عمر بن لبابة المالكى من أن الاعتكاف يصح فى كل مكان. واستدلوا على اشتراط المسجد أيضا بقوله تعالى {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} وجه الدلالة أنه لو صح الاعتكاف فى غير المسجد لم يختص تحريم المباشرة حال التلبس به بالمسجد لأن الجماع مناف للاعتكاف ومحرم فيه مطلقا بالإجماع، فلو لم يكن المراد من الآية أن الاعتكاف لا يكون إلا فى المساجد لم يكن لذكرها وجه. والمراد بالمباشرة فى الآية الجماع دون غيره من معانى المباشرة كما رواه الطبرى عن ابن عباس وعطاء والضحاك وقتادة وغيرهم قال: حدثنا بشر ابن معاذ ثنا يزيد ثنا سعيد عن قتادة فى قوله تعالى {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} قال كان الرجل إذا خرج من المسجد وهو معتكف ولقى امرأته باشرها إن شاء، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك وأخبرهم أن ذلك لا يصلح حتى يقضى اعتكافه اهـ (قال النووى) بعد ذكر أحاديث الاعتكاف: وفى هذه الأحاديث أن الاعتكاف لا يصح إلا فى المسجد، لأن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأزواجه وأصحابه إنما اعتكفوا فى المسجد مع المشقة فى ملازمته، فلو جاز فى البيت لفعلوه ولو مرة ولا سيما النساء لأن حاجتهن إليه فى البيوت أكثر اهـ. واختلفوا فى المسجد الذى يصح في الاعتكاف فقال أبو حنيفة وأحمد وأبو ثور لا يكون إلا فى مسجد تقام فيه الجماعة، لأن الجماعة واجبة عند

سطح المسجد كالمسجد، هل رحبته منه؟

أحمد وسنة عند أبى حنيفة. ولو اعتكف فى المسجد لا تقام فيه جماعة, لأدى إما إلى ترك الجماعة الواجبة أو المسنونة على سبيل التأكيد, وإما إلى خروجه إلى الجماعة كثيرا وذلك مناف للاعتكاف واستدلوا بما رواه الطبرانى عن إبراهيم النخعى أن حذيفة قال لابن مسعود: ألا تعجب من قوم بين دارك ودار أبى موسى يزعمون أنهم عكوف؟ فقال ابن مسعود فلعلهم أصابوا وأخطأت أو حفظوا ونسيت. فقال حذيفة: أما أنا فقد علمت أنه لا اعتكاف إلا فى مسجد جماعة. وروى ابن أبى شيبة وعبد الرزاق فى مصنفيهما عن على: لا اعتكاف إلا فى مسجد جماعة. وروى عن أبى حنيفة أنه لا يجوز الاعتكاف إلا فى مسجد يصلى فيه الصلوات الخمس. وعن أبى يوسف أن الاعتكاف الواجب لا يجوز فى غير مسجد جماعة. وأما غير الواجب فيجوز فى المسجد وفى غيره. وقال مالك يصح الاعتكاف فى كل مسجد مباح لعموم الناس إلا إن نوى أياما فيها الجمعة فيجب أن يكون فى مسجد تقام فيه الجمعة. فلا يصح الاعتكاف فى مساجد البيوت. وقالت الشافعية لا يجوز الاعتكاف إلا فى المسجد. والأفضل أن يكون فى المسجد الجامع. وقال ابن حزم يجوز فى كل مسجد جمعت فيه الجمعة أو لم تجمع سواء كان مسقفا أو مكشوفا, فإن كان لا يصلى فيه جماعة ولا له إمام لزمه الخروج لكل صلاة إلى مسجد يصلى فيه جماعة إلا أن يبعد منه بعدا يكون عليه فيه حرج فلا يلزمه اهـ وقال الزهرى والحكم لا يصح الاعتكاف إلا فى المسجد الجامع: وحكى ابن المنذر عن حذيفة أنه لا يصح الاعتكاف إلا فى أحد المساجد الثلاثة: المسجد الحرام والمسجد النبوى والمسجد الأقصى. وعن عطاء أنه لا يكون إلا فى مسجد مكة والمدينة. وعن ابن المسيب لا اعتكاف إلا فى مسجده صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وهذا تخصيص بلا مخصص. وعن الشعبى أن الرجل يعتكف فى مسجد بيته "وما ذهب" إليه ابن حزم من تعميم المساجد "هو الظاهر" لعموم قوله تعالى {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}. وهذا كله فى حق الرجل, وأمّا المرأة فقال مالك والشافعى وأحمد لا تعتكف إلا فى مسجد مباح لعموم الناس, وليس لها أن تعتكف فى مسجد بيتها. وبه قال ابن حزم. وعن أبى حنيفة إن اعتكفت فى مسجد الجماعة جاز واعتكافها فى مسجد بيتها أفضل. قال فى الكفاية وهو الصحيح, لأن مسجد الجماعة يدخل فيه كل أحد وهى طول النهار لا تقدر أن تكون مستترة ويخاف عليها الفتنة من الفسقة اهـ لكن إذا خيف عليها الفتنة امتنع اعتكافها فى المسجد المباح للناس اتفاقا. ومسجد بيتها المكان المهيأ لصلاتها فيه (فائدة) قال ابن قدامة الحنبلى فى المغنى ويجوز للمعتكف صعود سطح المسجد لأنه من جملته, ولهذا يمنع الجنب من اللبث فيه. وهذا قول أبى حنيفة ومالك والشافعى ولا نعلم فيه مخالفا. ويجوز أن يبيت فيه. وظاهر كلام الخرقى أن رحبة المسجد ليست منه, وليس للمعتكف الخروج إليها, لقوله فى الحائض يضرب لها خباء فى الرحبة والحائض ممنوعة من المسجد. وقد روى عن أحمد ما يدل على هذا, وروى عنه المروزى أن المعتكف

أحوال الاعتكاف في المنارة، ما يباح للمعتكف وما لا يباح

يخرج إلى رحبة المسجد وهى من المسجد. وقال القاضى إن كان عليها حائط وباب فهى كالمسجد لأنها منه وتابعة له. وإن لم تكن محوطة لم يثبت لها حكم المسجد. فكأنه جمع بين الروايتين وحملهما على اختلاف الحالين. فإن خرج إلى منارة خارج المسجد للأذان بطل اعتكافه. قال أبو الخطاب ويحتمل ألا يبطل لأن منارة المسجد كالمتصلة به اهـ وقال النووى فى شرح المهذب: قد ذكرنا أنّ المنارة التى فى رحبة المسجد يجوز للمؤذن وغيره صعودها ولا يبطل الاعتكاف بذلك. نص عليه الشافعى واتفق الأصحاب عليه. ومن المهم بيان حقيقة هذه الرحبة. قال صاحب الشامل والبيان: المراد بالرحبة ما كان مضافا إلى المسجد محجرا عليه. قالوا والرحبة من المسجد. قال صاحب البيان وغيره: وقد نص الشافعى على صحة الاعتكاف فى الرحبة. قال القاضى أبو الطيب فى المجرد قال الشافعى: يصح الاعتكاف فى رحاب المسجد لأنها من المسجد. وقال المحاملى فى المجموع: للمنارة أربعة أحوال (إحداها) أن تكون مبنية داخل المسجد فيستحب الأذان فيها لأنه طاعة (الثانية) أن تكون خارج المسجد إلا أنها فى رحبة المسجد, فالحكم فيها كالحكم لو كانت فى المسجد لأن رحبة المسجد من المسجد, ولو اعتكف فيها صح اعتكافه (الثالثة) أن تكون خارج المسجد وليست فى رحبته إلا أنها متصلة ببناء المسجد ولها باب إلى المسجد, فله أن يؤذن فيها لأنها متصلة بالمسجد ومن جملته (الرابعة) أن تكون خارج المسجد غير متصلة به ففيها خلاف اهـ وقال ابن قدامة فى المغنى: يستحب للمعتكف التشاغل بالصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله تعالى ونحو ذلك من الطاعات المحضة. ويجتنب ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال ولا يكثر الكلام لأن من كثر كلامه كثر سقطه وفى الحديث "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" ويجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش, فإن ذلك مكروه فى غير الاعتكاف ففيه أولى. ولا يبطل الاعتكاف بشيء من ذلك لأنه لما لم يبطل بمباح الكلام لم يبطل بمحظوره. ولا بأس بالكلام لحاجته ومحادثة غيره, فإن صفية زوج النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته ثم قمت. الحديث. وقال على رضى الله عنه: أيما رجل اعتكف فلا يسب ولا يرفث فى الحديث ويأمر أهله بالحاجة أى وهو يمشى ولا يجلس عندهم. رواه الإمام أحمد. فأما إقراء القرآن وتدريس العلم ودرسه ومناظرة الفقهاء ومجالستهم وكتابة الحديث ونحو ذلك مما يتعدى نفعه, فأكثر أصحابنا على أنه لا يستحب حال الاعتكاف وهو ظاهر كلام أحمد. وقال أبو الحسن الآمدى فى استحباب ذلك روايتان. واختار أبو الخطاب أنه مستحب إذا قصد به طاعة الله تعالى لا المباهاة. وهذا مذهب الشافعى لأن ذلك أفضل العبادات ونفعه يتعدى, فكان أولى من تركه كالصلاة. واحتج أصحابنا بأن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يعتكف فلم ينقل عنه الاشتغال بغير العبادات المختصة به

حكم صمت المعتكف وزواجه وتنظفه وتطيبه

ولأن الاعتكاف عبادة من شرطها المسجد فلم يستحب فيها ذلك كالطواف. وما ذكروه يبطل بعيادة المرضى وشهود الجنازة. فعلى هذا القول فعله لهذه الأفعال أفضل من الاعتكاف. قال المروزى قلت لأبى عبد الله إن رجلا يقرئ فى المسجد وهو يريد أن يعتكف ولعله أن يختم فى كل يوم. فقال إذا فعل هذا كان لنفسه, وإذا قعد فى المسجد كان له ولغيره يقرئ أحب إلى ثم قال: وليس من شريعة الإسلام الصمت عن الكلام. وظاهر الأخبار تحريمه. قال قيس بن مسلم دخل أبو بكر الصديق رضى الله عنه على امرأة من أحمس يقال لها زينب فرآها لا تتكلم فقال ما لها لا تتكلم؟ قالوا حجت مصمتة. فقال لها تكلمى فإن هذا لا يحل, هذا من أعمال الجاهلية فتكلمت. رواه البخارى. وروى أبو داود بإسناده عن على رضى الله عنه قال حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال "لا صمات يوم إلى الليل" وروى عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه نهى عن صوم الصمت, فإن نذر ذلك فى اعتكافه أو غيره لم يلزمه الوفاء به. وبهذا قال الشافعى وأصحاب الرأى وابن المنذر ولا نعلم فيه مخالفا, لما روى ابن عباس قال: بينا النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب إذاهو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسراءيل. نذر أن يقوم فى الشمس ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم. فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه" رواه البخارى ولأنه نذر فعل منهى عنه, فلم يلزمه كنذر المباشرة فى المسجد. وإن أراد فعله لم يكن له ذلك سواء نذره أو لم ينذره. وقال أبو ثور وابن المنذر له فعله إذا كان أسلم (ولنا) النهى عنه وظاهره التحريم والأمر بالكلام ومقتضاه الوجوب, وقول أبى بكر الصديق رضى الله عنه: إن هذا لا يحل, هذا من عمل الجاهلية. وهذا صريح ولم يخالفه أحد من الصحابة فيما علمناه. واتباع ذلك أولى. ولا يجوز أن يجعل القرآن بدلا من الكلام, لأنه استعمال له فى غير ماهو له, فأشبه استعمال المصحف فى التوسد ونحوه, وقد جاء "لا تناظروا بكتاب الله" قيل معناه لا تتكلم به عند الشيء تراه كأن ترى رجلا قد جاء فى وقته فتقول "وجئت على قدر يا موسى" أو نحوه ذكر أبو عبيدة نحو هذا المعنى قال ولا بأس أن يتزوج فى المسجد ويشهد النكاح. وإنما كان كذلك لأن الاعتكاف عبادة لا تحرم الطيب, فلم تحرم النكاح كالصوم, ولأن النكاح طاعة وحضوره قربة ومدته لا تتطاول فيتشاغل به عن الاعتكاف, فلم يكره فيه كتشميت العاطس ورد السلام. ولا بأس أن يتنظف بأنواع التنظف لأن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يرجل رأسه وهو معتكف؛ وله أن يتطيب ويلبس الرفيع من الثياب وليس ذلك بمستحب اهـ (والحديث) أخرجه أيضا مسلم وابن ماجه والبيهقى بزيادة نافع. وأخرجه البخارى بدونها

باب المعتكف يدخل البيت لحاجته

(ص) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ عَنْ أَبِى بَكْرٍ عَنْ أَبِى حَصِينٍ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ كُلَّ رَمَضَانَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِى قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا. (ش) مناسبته للترجمة باعتبار ما علم من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما كان يعتكف إلا فى المسجد. وإلا فهو غير مناسب للترجمة, ولذا ذكره البيهقى تحت "باب الاعتكاف" وذكره البخارى فى "باب الاعتكاف العشر الأوسط من رمضان" (هناد) بن السرى. و (أبو بكر) ابن عياش. و (أبو حصين) بفتح الحاء المهملة عثمان بن عاصم. و (أبو صالح) ذكوان السمان (قوله فلما كان العام الذى قبض فيه اعتكف عشرين يوما) لعل السبب أن جبريل كان يدارسه القرآن فى كل عام مرة, وفى العام الذى قبض فيه دارسه مرتين, أو لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علم انقضاء حياته, فأراد أن يستكثر من الخير تعليما للأمة فيجتهدون فى العمل إذا بلغوا أقصى العمر ليلقوا الله عز وجل على خير أحوالهم. وقال ابن العربى: يحتمل أن يكون سبب ذلك أنه لما ترك الاعتكاف فى العشر الأخير من رمضان بسبب ما وقع من أزواجه واعتكف بدله عشرا من شوال اعتكف فى العام الذى يليه عشرين ليتحقق قضاء العشر فى رمضان اهـ. ويحتمل أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم سافر عاما فلم يعتكف فاعتكف فى العام الذى يليه, لما أخرجه النسائى وابن حبان وصححه من حديث أبى بن كعب أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان فسافر عاما فلم يعتكف, فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين (والحديث) أخرجه أيضا البخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والدارمى والبيهقى باب المعتكف يدخل البيت لحاجته وفى نسخة يدخل البيت للحاجة (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا اعْتَكَفَ يُدْنِى إِلَىَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ, وَكَانَ لاَ يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلاَّ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ.

ما يباح للمعتكف الخروج له وما يباح له فعله في المسجد

(ش) (عروة) بن الزبير (قوله يدنى إلى رأسه) أى يخرج رأسه من المسجد ويقربه إلىّ لأرجله وأسرحه, ففى رواية ابن ماجه كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدنى إلىّ رأسه وهو مجاور فأغسله وأرجله وأنا فى حجرتى وأنا حائض وهو فى المسجد (قوله إلا لحاجة الإنسان) تعنى البول والغائط كما فسره الزهرى بهما. والإجماع على استثنائهما. ويلحق بهما القئ والحجامة إن احتاج إليها. واختلف فى الخروج للطعام والشراب فذهبت المالكية إلى أنه لا يخرج من المسجد لتعاطى شيء منهما. ويجوز له الخروج لشرائهما إن احتاج. قالوا ولا يقف مع أحد بعد قضاء حاجته فإن فعل بطل اعتكافه. ويكره له أن يعتكف غير مستوف لما يحتاج إليه. وبهذا قالت الحنابلة قالوا: ويضع سفرة يسقط عليها ما يقع منه لئلا يلوث المسجد ويغسل يده فى الطست ليفرغ خارج المسجد. ولا يجوز أن يخرج لغسل يده, لأن ذلك ميسور له فى المسجد. ولا يكره تجديد الطهارة فيه, فقد قال أبو العالية حدثنى من كان يخدم النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أنا حفظت لكم منه أنه كان يتوضأ فى المسجد. وعن ابن عمر أنه قال كان يتوضأ فى المسجد الحرام على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرجال والنساء. وعن ابن سيرين كان أبو بكر وعمر والخلفاء يتوضئون فى المسجد. وروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس وطاوس وابن جريج. وفى رواية عن أحمد يكره تجديد الوضوء فى المسجد لأنه لا يسلم من أن يبصق أو يتمخط فيه. والبصاق فى المسجد خطيئة. أما إذا كان الوضوء عن حدث لم يبطل الاعتكاف بالخروج إليه سواء أكان فى وقت الصلاة أم قبلها اهـ من المغنى. وقالت الحنفية يحرم على المعتكف اعتكافا واجبا أو مؤكدا الخروج من معتكفه ليلا أو نهارا إلا لحاجة شرعية أو طبيعية أو ضرورية. فالشرعية كصلاة جمعة وعيد فيخرج فى وقت يمكنه إدراكها ويصلى سنتها البعدية: أربعا عند الإمام وستا عند الصاحبين. ولو أتم اعتكافه فى مسجد الجمعة صح مع الكراهة التنزيهية لمخالفته ما التزمه بلا ضرورة. والطبيعية كالطهارة ومقدماتها والضرورية كانهدام المسجد وإخراج غارم له كرها وخوفا على نفسه أو ماله من ظالم (وأما) أكله وشربه ونومه فلا يكون إلا فى المسجد, فلو خرج لشيء منها بطل اعتكافه لأنه خروج بلا ضرورة "وما قيل" من أنه يخرج بعد الغروب للأكل "محمول" على ما إذا لم يجد من يقوم له به فحينئذ يكون الخروج لضرورة قالوا ولا بأس بأن يعقد فى المسجد أى عقد احتاج إليه حاجة أصلية كالزواج والبيع والشراء فيه من غير أن يحضر السلعة لأنه قد يحتاج إلى ذلك بأن لا يجد من يقوم بحاجته. ويكره ذلك لغير المعتكف ولو بلا إحضار السلعة, لحديث عبد الله بن عمرو أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن الشراء والبيع فى المسجد وأن ينشد فيه ضالة أو ينشد فيه شعر ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة. رواه الأربعة وحسنه الترمذى. وقالت الشافعية يجوز للمعتكف

هل يخرج المعتكف لعيادة مريض وحضور جنازة؟

أن يخرج للأكل في بيته وأن يأكل في المسجد. أما الخروج للشرب فإن وجد من يسقيه فلا يجوز له أن يخرج على أصح القولين, وإن لم يجد يخرج من غير خلاف (قال الخطابي) فيه بيان أن المعتكف لا يدخل بيته إلا لغائط أو بول, فإن دخله لغيرهما من طعام وشراب, فسد اعتكافه وقد اختلف في ذلك. فقال أبو ثور لا يخرج إلا لحاجة الوضوء الذي لا بد منه. وقال إسحاق بن راهويه لا يخرج إلا لغائط أو بول, وله أن يخرج في التطوع لعيادة مريض وشهود جنازة إن اشترطه في بدء الاعتكاف. وقال أصحاب الرأي لا يخرج إلا للجمعة والغائط والبول. ولا يخرج لعيادة مريض وشهود جنازة. وبه قال مالك والشافعي وعطاء ومجاهد. وعن على وسعيد بن جبير والحسن البصري والنخعي أن يجوز الخروج لهما اهـ ملخصا ويأتي مزيد لهذا بعد (والحديث) أخرجه أيضا مالك في الموطإ ومسلم بعنعنة عروة عن عمرة. ورواه الترمذي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة وعمرة برواية ابن شهاب عنهما جميعا. وقال حديث حسن صحيح (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالاَ نَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ. (ش) (قوله نحوه) أي نحو حديث مالك عن ابن شهاب إلا أن حديث الليث فيه أن ابن شهاب روى عن عروة وعمرة جميعا (وغرضه) بسوق هذا بيان الاختلاف في سند الحديث. فرواه مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عمرة مبينا أن شيخه عروة فقط. ورواه الليث عنه مبينا أن شيخه عروة وعمرة معا. ولا تنافي بينهما لاحتمال أنه رواه مرة عن عروة فقط ومرة عنهما معا (وحديث) الليث أخرجه مسلم وابن ماجه والبيهقي عن عائشة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالت: إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارة. وإن كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليدخل عليّ رأسه وهو في المسجد فارجله. وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا. وأخرجه البخاري عن عائشة قالت: إن كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليدخل عليّ رأسه وهو في المسجد فأرجله. وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِىِّ وَلَمْ يُتَابِعْ أَحَدٌ مَالِكًا عَلَى عُرْوَةَ عَنْ عَمْرَةَ (ش) أي أنّ يونس بن يزيد. روى هذا الحديث عن ابن شهاب عن عروة وعمرة عن

عائشة كما رواه الليث بن سعد عن ابن شهاب (قوله ولم يتابع أحد مالكا الخ) أى لم يوافق أحد مالكا فى قوله "عن عروة عن عمرة عن عائشة" وغرض المصنف بهذا تضعيف ما قاله مالك. لكن قال فى الفتح: وذكر البخارى أن عبيد الله بن عمر تابع مالكا. وذكر الدارقطنى أن أبا أويس رواه كذلك عن الزهرى. واتفقوا على أنّ الصواب قول الليث. وقد رواه بعضهم عن مالك فوافق الليث اهـ يعنى عن عروة وعمرة عن عائشة. ويؤيد هذا رواية الترمذى عن مالك عن ابن شهاب عن عروة وعمرة وقال: هكذا روى غير واحد عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عمرة عن عائشة. والصحيح عن عروة وعمرة عن عائشة اهـ فتحصل من هذا أن ما أشار إليه المصنف من تضعيف ما قاله مالك هو الأولى، وإن تابع مالكا عبيد الله وأبو أويس (ص) وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ وَزِيَادُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُمَا عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ. (ش) أى روى الحديث معمر بن راشد وزياد بن سعد وآخرون بإسقاط عمرة من السند (ورواية معمر) أخرجها البخارى والنسائى عنه عن الزهرى عن عروة عن عائشة رضى الله عنها أنها كانت ترجل رأس رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهي حائض وهو معتكف فيناولها رأسه وهي فى حجرتها. والحاصل أن المصنف ذكر للحديث طرقا ثلاثة "أحدها" طريق مالك عن ابن شهاب بزيادة عمرة بين عروة وعائشة "ثانيها" طريق يونس والليث عن الزهرى بجعل عروة وعمرة شيخين للزهرى. وهذاهو الصواب كما علمت "ثالثها" طريق معمر وزياد بن سعد عن الزهرى عن عروة عن عائشة بإسقاط عمرة (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ قَالاَ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ مُعْتَكِفًا فِى الْمَسْجِدِ فَيُنَاوِلُنِى رَأْسَهُ مِنْ خَلَلِ الْحُجْرَةِ فَأَغْسِلُ رَأْسَهُ. وَقَالَ مُسَدَّدٌ "فَأُرَجِّلُهُ" وَأَنَا حَائِضٌ. (ش) (قوله من خلل الحجرة) الخلل بفتحتين جمعه خلال مثل جبل وجبال، الفرجة بين الشيئين. والمراد بهاهذا باب الحجرة. ففى رواية أحمد والنسائي: كان يأتيني وهو معتكف فى المسجد فيتكئ على باب حجرتى فأغسل رأسه وسائره فى المسجد (وقوله وقال مسدد فأرجله الخ) أى قال فى روايته فيناولنى رأسه من خلل الحجرة فأرجله أى أسرحه "وقوله" وأنا حائض مذكور فى كل من رواية سليمان ومسدد (وفى الحديث) دلالة على أن للمعتكف أن يلازم المسجد. وعلى أنه إذا أخرج بعض بدنه من المسجد لا يضر. وعلى أنه يجوز له أن يغسل رأسه ويسرحه.

مشروعية زيارة المرأة زوجها في معتكفه

ويلحق بذلك حلق الرأس ونتف الإبط وتقليم الأظافر وتنظيف البدن. قال الخطابى: وفيه أن بدن الحائض طاهر وأن من حلف لا يدخل بيتا فأدخل رأسه فيه وسائر بدنه خارج لم يحنث اهـ (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والبخارى ومسلم. وأخرجه الترمذى والنسائي وابن ماجه بألفاظ متقاربة. وأخرجه البيهقي من طريق إبراهيم النخعى عن الأسود عن عائشة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله صل الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف فأغسله وأنا حائض (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَبُّويَةَ الْمَرْوَزِىُّ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ صَفِيَّةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ فَقَامَ مَعِى لِيَقْلِبَنِى وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِى دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا, فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ. قَالاَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِى مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ. فَخَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِى قُلُوبِكُمَا شَيْئًا, أَوْ قَالَ شَرًّا. (ش) (عبد الرزاق) بن همام. و (معمر) بن راشد (قوله فأتيته أزوره ليلا) ظاهره أنها أتت وحدها. وفى رواية للبخارى من طريق معمر كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى المسجد وعنده أزواجه فرحن "أى انصرفن إلى بيوتهن" فقال لصفية بنت حيى لا تعجلي حتى أنصرف معك (قوله فحدّثته) وفى رواية البخارى من طريق شعيب أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تزوره فى اعتكافه فى المسجد فى العشر الأواخر من رمضان فتحدّثت عنده ساعة (قوله فانقلبت فقام معى ليقلبنى) بفتح الياء وسكون القاف، أى رجعت إلى بيتي فقام صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم معى ليردنى إلى بيتي كما يشعر بذلك رواية البخارى المذكورة, وكما صرح به فى رواية عبد الرزاق من طريق مروان ابن سعيد بن المعلى أنّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان معتكفا فى المسجد فاجتمع إليه نساؤه ثم تفرّقن. فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لصفية: أقلبك إلى بيتك فذهب

يباح للمعتكف الحديث مع زائره وتوديعه

معها حتى أدخلها بيتها. وكان بيتها فى دار أسامة كما ذكره المصنف، أى الدار التى صارت لأسامة ابن زيد، لأنّ أسامة لم يكن له دار مستقلة وقتئذ. ولعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خص صفية بذلك لأنها جاءت متأخرة عن رفقتها فأخرها ليحصل لها التساوى فى مدّة جلوسهن عنده، أو لأنّ بيوت رفقتها كانت أقرب إلى المسجد من منزلها فخرج صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم معها (قوله فمرّ رجلان من الأنصار) قيل هما أسيد بن حضير وعباد بن بشر. وفى رواية للبخارى من طريق سفيان بن عيينة فأبصره رجل من الأنصار. قال ابن التين ولعل سفيان وهم، لأنّ أكثر الروايات على التثنية، ويحتمل أن أحدهما كان تبعا للآخر فلم يعول عليه, أو أن الراوى شك فى الرواية فمرة قال مر رجلان وأخرى مر رجل. وعلى فرض صحة رواية الإفراد يحمل على تعدد القصة (قوله فلما رأيا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أسرعا) وفى رواية للبخارى فنظرا إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم أجازا "أى مضيا فى طريقهما". وفى رواية لابن حبان فلما رأياه استحييا فرجعا (قوله على رسلكما) بكسر الراء وفتحها أى امشيا على هيئتكما التي كنتما عليها ولا تسرعا (قوله قالا سبحان الله يا رسول الله) أى تنزيها لله تعالى عن أن يكون رسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم متهما بما لا ينبغى، أو هو كناية عن التعجب من قوله صلى الله تعالى على وعلى آله وسلم لهما إنها صفية. وفى رواية للبخارى فكبر ذلك عليهما. وفى رواية له أيضا عن هشيم فقالا يا رسول الله وهل نظن بك إلا خيرا؟ (قوله إن الشيطان يجرى من الإنسان مجرى الدم الخ) قيل هو على ظاهره وأن الله عز وجل أقدره على ذلك، ويحتمل أن يكون على سبيل التشبيه لكثرة إغوائه ووسوسته فكأنه لا يفارق الإنسان كما لا يفارقه دمه, وقوله فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا, أي ما ظننت بكما شرا لكن خفت أن يوسوس لكما الشيطان ما تهلكان به. وفى الفتح وفى رواية عبد الرحمن بن إسحاق "ما أقول لكماهذا أن تكونا تظنان شرا، ولكن قد علمت أن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم" ثم قال (والمحصل) من هذه الروايات أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم ينسبهما إلى أنهما يظنان به سوءا لما تقرّر عنده من صدق إيمانهما، ولكن خشي عليهما أن يوسوس لهما الشيطان ذلك، لأنهما غير معصومين فقد يفضى بهما ذلك إلى الهلاك، فبادر إلى إعلامهما حسما للقيل وتعليما لمن بعدهما إذا وقع له مثل ذلك كما قاله الشافعى رحمه الله تعالى. فقد روى الحاكم أن الشافعي كان فى مجلس ابن عيينة فسأله عن هذا الحديث فقال الشافعى: إنما قال لهما ذلك لأنه خاف عليهما الكفر إن ظنابه التهمة فبادر إلى إعلامهما نصيحة لهما قبل أن يقذف الشيطان فى نفوسهما شيئا يهلكان به اهـ (الفقه) دل الحديث على جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة من تشييع زائره والحديث مع غيره. وعلى جواز زيارة المرأة زوجها المعتكف ليلا وخلوته بها. وعلى شفقته

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأمته وإرشادهم إلى ما يدفع عنهم الحرج والإثم. وعلى مشروعية التحرز من التعرض لسوء الظن والتحصن من كيد الشيطان والاعتذار (قال ابن دقيق العيد) وهذا متأكد فى حق العلماء ومن يقتدى به فليس لهم أن يفعلوا ما يوجب سوء الظن بهم وإن كان لهم فيه مخلص، لأن ذلك قد يؤدى إلى عدم الانتفاع بعلمهم، ولذا قال بعض العلماء ينبغى للحاكم أن يبين للمحكوم عليه وجه الحكم إذا كان خافيا نفيا للتهمة. وتمامه في الفتح. وفيه دليل. على مشروعية الذكر بقول "سبحان الله" عند وقوع ما يستعظم منه (وقال الخطابى) وفيه أنه خرج من المسجد معها ليبلغها منزلها. وفي هذا حجة لمن رأي أن الاعتكاف لا يفسد إذا خرج فى واجب وأنه لا يمنع المعتكف من إتيان معروف اهـ (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والبيهقى (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ نَا أَبُو الْيَمَانِ نَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ بِإِسْنَادِهِ بِهَذَا قَالَتْ: حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ الَّذِى عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ بِهِمَا رَجُلاَنِ. وَسَاقَ مَعْنَاهُ. (ش) (أبو اليمان) الحكم بن نافع. تقدم بالثامن صفحة 72. و (شعيب) بن أبى حمزة (قوله بإسناده الخ) أي سند الحديث وهو عن على بن الحسين عن صفية. وقالت في هذه الرواية حتى إذا كان "أى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم" عند باب المسجد الذى عند باب أم سلمة مر بهما رجلان (وغرضه) بهذا بيان المكان الذي لقيه فيه الرجلان لا بيان مكان بيت صفية (قوله وساق معناه) أي ساق شعيب بن أبي حمزة عن الزهري معنى حديث معمر عنه. ولفظه عند البخاري ومسلم والبيهقي عن على بن الحسين أن صفية زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبرته أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تزوره فى اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان فتحدث عنده ساعة ثم قامت تنقلب فقام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم معها يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وفي رواية ثم نفذا "أي أسرعا" فقال لهما النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على رسلكما إنماهي صفية بنت حيى. فقالا سبحان الله يا رسول الله وكبر عليهما. فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم, وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا اهـ قال في البذل وليس فيه ما يدل على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج من المسجد لما قام يرد صفية ولذا ذكره البخاري تحت ترجمة "هل يخرج المعتكف لحوائجه إلي باب المسجد" ليدل على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يخرج من المسجد بل إلى بابه فقط اهـ ولكن قوله في رواية

باب المعتكف يعود المريض

معمر عند البخاري لصفية "لا تعجلى حتى أنصرف معك" وقوله في رواية عبد الرزاق لصفية "أقلبك إلى بيتك فذهب معها حتى أدخلها بيتها" صريح في أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج من المسجد. وترجمة البخاري لا تنافي ما ذكر. باب المعتكف يعود المريض أيجوز أم لا؟ والعيادة الزيارة (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِىُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى قَالاَ نَا عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ حَرْبٍ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ أَبِى سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ النُّفَيْلِىُّ قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَمُرُّ بِالْمَرِيضِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَيَمُرُّ كَمَا هُوَ وَلاَ يُعَرِّجُ يَسْأَلُ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عِيسَى قَالَتْ: إِنْ كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَعُودُ الْمَرِيضَ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ. (ش) (قوله فيمر كماهو ولا يعرج يسأل عنه) من التعريج وهو الإقامة تعنى أنه كان يعود المريض بالسؤال عنه إذا مر عليه ولا يقوم عنده. وهذا لفظ النفيلى: وفيه دليل على أنه ينبغى للمعتكف إذا خرج لحاجته ومرّ على مريض أن يسأل عنه ولا يقف عنده (قوله وقال ابن عيسى الخ) أي قال محمد بن عيسى الطباع في روايته: قالت عائشة إن كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعود المريض الخ وإن مخففة من الثقيلة والمعنى أن الحال والشأن أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يعود المريض وهو معتكف. والمراد بالعيادة السؤال عنه لا حقيقتها التى هى الزيارة. ويحتمل أن إن نافية بمعنى ما أى ما كان يعود المريض وهو معتكف ولكن كان إذا مر به يسأل عنه. فلا تنافي بين روايتى النفيلى وابن الطباع. (والحديث) أخرجه أيضا البيهقى وهو ضعيف لأن في إسناده الليث بن أبي سليم وفيه مقال كما تقدم (ص) حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ أَنَا خَالِدٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَعْنِى ابْنَ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتِ: السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَلَّا يَعُودَ مَرِيضًا وَلاَ يَشْهَدَ جَنَازَةً وَلاَ يَمَسَّ امْرَأَةً وَلاَ يُبَاشِرَهَا وَلاَ يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إِلاَّ لِمَا لاَ بُدَّ مِنْهُ. وَلاَ اعْتِكَافَ إِلاَّ بِصَوْمٍ

المذاهب في خروج المعتكف لعيادة مريض أو حضور جنازة

وَلاَ اعْتِكَافَ إِلاَّ فِى مَسْجِدٍ جَامِعٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: غَيْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ لاَ يَقُولُ فِيهِ قَالَتِ السُّنَّةُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: جَعَلَهُ قَوْلَ عَائِشَةَ. (ش) (خالد) بن عبد الله الواسطى (قوله السنة على المعتكف ألا يعود مريضا ولا يشهد جنازة) قال الخطابي: أرادت بقولها لا يعود مريضا أي لا يخرج من معتكفه قاصدا عيادته ويضيق عليه أن يمر به فيسأل عنه غير معرج عليه كما ذكرته عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حديث القاسم بن محمد اهـ بتصرف. وبظاهره أخذ مالك وقال لا يجوز للمعتكف أن يخرج لعيادة المريض ولا لتشييع الجنازة ولا للصلاة عليها ولو تعينت، فإن خرج بطل اعتكافه. ولو مرض أحد أبويه أو هما خرج وبطل اعتكافه ولا إثم عليه، لأن في عدم خروجه عقوقا. أما جنازتهما معا فلا يخرج على مشهور المذهب بخلاف جنازة أحدهما فيخرج لئلا يكون عدم خروجه عقوقا للحي منهما. وهو قول عطاء والزهري وعروة ومجاهد وفرّقت الحنفية بين الاعتكاف المستحب والمسنون والواجب ففي الأخيرين يحرم الخروج من معتكفه ليلا أو نهارا إلا لحاجة "شرعية" كصلاة جمعة وعيد أو "طبيعية" كالطهارة ومقدّماتها من البول والغائط وإزالة نجاسة واغتسال من جنابة باحتلام أو "لحاجة ضرورية" كانهدام المسجد وإخراج ظالم كرها وخوف على نفسه أو ماله من ظالم فلا يفسد اعتكافه ولا يحرم عليه الخروج (أما) لو خرج لعيادة مريض أو شهود جنازة وإن تعينت عليه أو لإنقاذ غريق أو حريق أو جهاد تعين عليه فإنه يفسد اعتكافه ولا إثم عليه (أما) الاعتكاف المستحب فهو غير مقدَّر بمدَّة. فمن دخل المسجد ناويا الاعتكاف فهو معتكف مدّة وجوده في المسجد تاركا له إذا خرج. وفرقت الشافعية بين المنذور وغيره فالمنذور لا يجوز الخروج منه إلا لحاجة ضرورية كالأكل والبول والغائط فلا يجوز الخروج منه لعيادة المريض وشهود جنازة لم تتعين عليه، فإن تعينت خرج. وإذا خرج لما يجوز له الخروج فسأل في طريقه عن المريض ولم يعرج عليه لا ينقطع اعتكافه المنذور. أما غير المنذور فيجوز الخروج منه لعيادة المريض ونحوها (وقالت) الحنابلة إذا كان الاعتكاف واجبا لا يخرج لعيادة مريض ولا جنازة ولا غيرهما إلا إن شرط ذلك فيجوز. وإن كان غير واجب جاز له الخروج لأن كل واحد منهما تطوع. والأفضل المقام على اعتكافه، لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يكن يعرج على المريض ولم يكن واجبا عليه. وإن خرج لما لا بد منه فسأل عن المريض في طريقه ولم يعرج جاز لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعل ذلك (قال) في المغنى إذا وقعت فتنة خاف منها على نفسه إن قعد في المسجد أو على ماله نهبا أو حريقها فله ترك الاعتكاف والخروج، لأن هذا مما أباح الله تعالى لأجله ترك الواجب بأصل الشرع وهو

أحوال الاعتكاف المنذور: هل يباح المعتكف البيع والشراء والخياطة ونحوها؟

الجمعة والجماعة، فأولى أن يباح لأجله ترك ما أوجبه على نفسه. وكذلك إن تعذر عليه المقام في المسجد لمرض لا يمكنه المقام معه فيه كالقيام المتدارك أو لسلس البول أو الإغماء أو لا يمكنه المقام إلا بمشقة شديدة مثل أن يحتاج إلى خدمة وفراش فله الخروج. وإن كان المرض خفيفا كالصداع ووجع الضرس ونحوهما، فليس له الخروج فإن خرج بطل اعتكافه. وله الخروج إلى ما يتعين عليه من الواجب مثل الخروج في النفير إذا عم، أو حضر عدو يخافون كلبه واحتيج إلى خروج المعتكف لزمه الخروج، لأنه واجب متعين فلزم الخروج إليه كالخروج إلى الجمعة وإذا خرج ثم زال عذره نظرنا. فإن كان تطوعا فهو مخير إن شاء رجع إلى معتكفه وإن شاء لم يرجع. وإن كان واجبًا رجع إلى معتكفه فبنى على ما مضى من اعتكافه. ثم لا يخلو النذر من ثلاثة أحوال (أحدها) أن يكون نذر اعتكافًا في أيام غير متتابعة ولا معينة، فهذا لا يلزمه قضاء، بل يتم ما بقى عليه، لكنه يبتدئ اليوم الذى خرج فيه من أوّله ليكون متتابعا ولا كفارة عليه، لأنه أتى بما نذر على وجهه فلا يلزمه كفارة كما لو لم يخرج (الثاني) نذر أياما معينة كشهر رمضان فعليه قضاء ما ترك وكفارة يمين بمنزلة تركه المنذور في وقته. ويحتمل ألا يلزمه كفارة على ما سنذكره إن شاء الله (الثالث) نذر أياما متتابعة فهو مخير بين البناء والقضاء والتكفير وبين الابتداء ولا كفارة عليه لأنه يأتى بالمنذور على وجهه فلم يلزمه كفارة كما لو أتى به من غير أن يسبقه الاعتكاف الذى قطعه. ثم قال والمعتكف لا يتجر ولا يتكسب بالصنعة (وجملته) أن المعتكف لا يجوز له أن يبيع ولا يشترى إلا ما لا بد له منه. قال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول: المعتكف لا يبيع ولا يشترى إلا ما لا بد له منه طعام أو نحو ذلك. فأما التجارة والأخذ والعطاء فلا يجوز شئ من ذلك (وقال الشافعى) لا بأس أن يبيع ويشترى ويخيط ويتحدّث ما لم يكن مأثما (ولنا) ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى عن البيع والشراء في المسجد. رواه الترمذى وقال حديث حسن. ورأى عمران القصير رجلا يبيع في المسجد فقال: ياهذا إن هذا سوق الآخرة فإن أردت البيع فاخرج إلى سوق الدنيا. وإذا منع من البيع والشراء في غير حال الاعتكاف ففي أولى فأما الصنعة فظاهر كلام الخرقى أنه لا يجوز منها ما يكتسب به لأنه بمنزلة التجارة بالبيع والشراء ويجوز ما يعمله لنفسه كخياطة قميصه ونحوه. وقد روى المروزي قال سألت أبا عبد الله عن المعتكف ترى له أن يخيط؟ قال لا ينبغى له أن يعتكف إذا كان يريد أن يفعل. وقال القاضى لا تجوز الخياطة في المسجد سواء أكان محتاجًا إليها أم لم يكن قل أم كثير، لأن ذلك معيشة تشغل عن الاعتكاف فأشبه البيع والشراء فيه. والأولى أن يباح له ما يحتاج إليه من ذلك إذا كان يسيرا مثل أن ينشق قميصه فيخيطه، أو ينحل شئ يحتاج إلى ربط فيربطه، لأن هذا يسير تدعو الحاجة إليه، فجرى مجرى لبس قميصه وعمامته وخلعهما اهـ وقال ابن حزم كل فرض على المسلم فإن الاعتكاف لا يمنع منه

الفرائض التى يرى ابن حزم خروج المعتكف لها ولا يبطل به اعتكافه

وعليه أن يخرج إليه ولا يضر ذلك باعتكافه، وكذلك يخرج لحاجة الإنسان من البول والغائط وغسل النجاسة وغسل الاحتلام وغسل الجمعة ومن الحيض إن شاء في حمام أو في غير حمام، ولا يتردد "لذلك" أكثر من تمام غسله وقضاء حاجته، فإن فعل بطل اعتكافه، وكذلك يخرج لابتياع ما لا بد له ولأهله منه من الأكل واللباس، ولا يتردد على غير ذلك. فإن تردد بلا ضرورة بطل اعتكافه وله أن يشيع أهله إلى منزلها. وإنما يبطل الاعتكاف خروجه لما ليس فرضا عليه. وقد افترض الله تعالى على المسلم ما رويناه من طريق البخارى. أن أباهريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس" وأمر عليه الصلاة والسلام من دعى إن كان مفطرا فليأكل وإن كان صائما فليصل بمعنى أن يدعو لهم. وقال تعالى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} وقال تعالى {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} وقال تعالى {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} فهذه فرائض لا يحل تركها للاعتكاف. وبلا شك عند كل مسلم أن كل من أدى ما افترض الله تعالى عليه فهو محسن. قال الله تعالى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} ففرض على المعتكف أن يخرج لعيادة المريض مرة واحدة يسأل عن حاله واقفا وينصرف، لأن ما زاد على هذا فليس من الفرض، وإنماهو تطويل فهو يبطل الاعتكاف. وكذلك يخرج لشهود الجنازة، فإذا صلى عليه انصرف، لأنه قد أدى الفرض، وما زاد فليس فرضا. وهو به خارج عن الاعتكاف. وفرض عليه أن يخرج إذا دعي فإن كان صائما بلغ إلى دار الداعى ودعا وانصرف ولا يزد على ذلك. وفرض عليه أن يخرج إلى الجمعة بمقدار ما يدرك أول الخطبة، فإذا سلم رجع. فإن زاد على ذلك خرج من الاعتكاف، فإن خرج كما ذكرنا ثم رأى أن في الوقت فسحة، فإن علم أنه إن رجع إلى معتكفه ثم خرج أدرك الخطبة فعليه أن يرجع وإلا فليتماد، وكذلك إن كان عليه في الرجوع حرج لقول الله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وكذلك يخرج للشهادة إذا دعى سواء قبل أو لم يقبل، لأن الله تعالى أمر الشهداء بألا يأبوا إذا دعوا ولم يشترط من يقبل ممن لا يقبل {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}. فإذا أداها رجع إلى معتكفه ولا يتردد، فإن تردد بطل اعتكافه. وإن نزل عدو كافر أو ظالم بساحة موضعه فإن اضطر إلى النفار نفر وقاتل، فإذا استغنى عنه رجع إلى معتكفه. فإن تردد لغير ضرورة بطل اعتكافه. وهذا كله قول أبي سليمان وأصحابنا. وروينا من طريق سعيد بن منصور إلى عاصم بن ضمرة قال: قال على بن أبي طالب: إذا عتكف الرجل فليشهد الجمعة، وليحضر الجنازة، وليعد المريض، وليأت أهله يأمرهم بحاجته وهو قائم. قال: وروينا من طريق سعيد بن منصور أيضا إلى عمار بن عبد الله بن يسار عن أبيه أن على بن أبي طالب أعان ابن أخته جعدة بن هبيرة بسبعمائة درهم من عطائه أن يشترى بها خادما فقال: إنى كنت معتكفا. فقال له على: وما

الآثار فيما يخرج له المعتكف: حكم مس المعتكف امرأته: جماعه امرأته

عليك لو خرجت إلى السوق فابتعت. وروينا من طريقه إلى عمرة عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت لا تعود المريض من أهلها إذا كانت معتكفة إلا وهى مارة. وروينا من طريقه أيضا إلى إبراهيم النخعى قال: كانوا يستحبون للمعتكف أن يشترط هذه الخصال وهن له وإن لم يشترط. قال إبراهيم: ولا يدخل المعتكف سقيفة إلا لحاجة. وروينا من طريقه أيضا إلى سعيد بن جبير قال: المعتكف يعود المريض ويشهد الجنازة ويجيب الإمام. ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أنه كان يرخص للمعتكف أن يتبع الجنازة ويعود المريض ولا يجلس. ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: المعتكف يدخل الباب يعود المريض فيسلم ولا يقعد. وكان لا يرى بأسا إذا خرج المعتكف لحاجته فلقيه رجل، فسأله أن يقف عليه فيسائله. قال أبو محمد "يعنى ابن حزم" إن اضطر إلى ذلك أو سأله عن سنة من الدين "أى يقف لإجابته" وإلا فلا. وروينا من طريق شعبة عن أبي إسحاق الشيبانى عن سعيد بن جبير قال: للمعتكف أن يعود المريض ويتبع الجنازة ويأتى الجمعة ويجيب الداعى. ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء: إن نذر جوارا أينوى في نفسه أنه لا يصوم وأنه يبيع ويبتاع ويأتى الأسواق ويعود المريض ويتبع الجنازة. وإن كان مطر فإنى أستكن في البيت، وإنى أجاور جوارا منقطعا، أو أن يعتكف النهار ويأتى البيت بالليل؟ قال عطاء: ذلك على نيته ما كانت ذلك له وهو قول قتادة أيضا. وروينا عن سفيان الثورى أنه قال: المعتكف يعود المرضى ويخرج إلى الجمعة ويشهد الجنائز. وهو قول الحسن بن حيى. وروينا عن مجاهد وعطاء وعروة والزهري لا يعود المعتكف مريضا ولا يشهد الجنازة. وهو قول مالك والليث. قال مالك لا يخرج إلى الجمعة قال أبو محمد: هذا مكان صح فيه عن على وعائشة ما أوردنا، ولا مخالف لهما يعرف من الصحابة. ثم ذكر بسنده حديث صفية المتقدم للمصنف، وقال في هذا كفاية. وما نعلم لمن منع من كل ما ذكرنا حجة لا من قرآن ولا من سنة ولا من قول صاحب ولا قياس اهـ بتصرف (قوله ولا يمس امرأة) أي ولا يفضى بيده إلى امرأة بشهوة. أما بغير شهوة فلا بأس لما تقدم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يخرج إليها رأسه فتغسله وتسرحه. فإن كان بشهوة حرم عند الأئمة الأربعة وفسد اعتكافه وإن لم ينزل عند مالك، وهو قول للشافعى، وقال أبو حنيفة لا يفسد إلا إن أنزل وهو مشهور مذهب الشافعى. وقال عطاء لا يبطل الاعتكاف بالمس مطلقا أنزل أو لم ينزل. واختاره ابن المنذر والمحاملى وأبو الطيب. ولا يفسد اعتكافة بنظر أو فكر وإن أنزل خلافا للمالكية (قوله ولا يباشرها) المباشرة في الأصل التقاء البشرتين. والمراد بهاهنا الجماع بقرينة ذكر المس قبله، ولأنه المراد بقوله تعالى {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} فإنه نهى لمن كان يخرج وهو معتكف فيجامع ويعود. واتفقوا على أن الجماع

هل الصوم شرط في الاعتكاف؟ المذاهب في هذا

يفسد الاعتكاف إن كان عمدا. وإن كان عن نسيان فكذلك عند أبي حنيفة ومالك وأحمد. وقال الشافعى لا يفسد لأنه لا يفسد الصوم فكذلك لا يفسد الاعتكاف. وإذا فسد اعتكافه لزمه القضاء إن كان واجبا ولا كفارة عليه، وهو قول عطاء والنخعى وأهل المدينة ومالك وأهل العراق والثورى والأوزاعى ومشهور مذهب أحمد. وذهب الزهرى والحسن إلى أن من أفسد اعتكافه بالوطء يلزمه كفارة ظهار. قال في المغنى: وهو اختيار القاضى ورواية عن أحمد اهـ (قوله ولا يخرج لحاجة إلا ما لا بد منه) كالغائط والبول وتقدم بيانه (قوله ولا اعتكاف إلا بصوم) فيه اشتراط الصوم في الاعتكاف. وبه قال مالك سواء أكان الاعتكاف واجبا أم لا ويدل له أيضا ما في الحديث الآتى أن عمر نذر أن يعتكف في الجاهلية فقال له النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: اعتكف وصم. ولم يرو عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن اعتكف بلا صوم. وهو قول ابن عمر وابن عباس وعائشة والزهرى والليث والثورى والحسن بن حيى ورواية عن أحمد. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن كان الاعتكاف منذورا كان الصوم ركنا فيه وإلا فلا. وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أن الصوم شرط في الاعتكاف مطلقا لإطلاق حديث الباب. واختاره ابن الهمام كما تقدّم، وقال الشافعى وأحمد ليس الصوم شرطا فى الاعتكاف إلا إن نذر الصوم فيه. واستدلا بما رواه الشيخان أن عمر قال يا رسول الله: إنى نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: أوف بنذرك ولو كان الصوم شرطا فيه لما صح اعتكاف الليل، لأنه لا صيام فيه. وبما رواه الدارقطنى والحاكم عن ابن عباس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه. ولأنه عبادة تصح بالليل فلا يشترط له الصيام كالصلاة. ولأن إيجاب الصوم حكم لا يثبت إلا بالشرع، ولم يصح فيه نص ولا إجماع. وبصحة الاعتكاف بدون صوم قال على وابن مسعود وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز والحسن وعطاء وطاوس وإسحاق. قال في سبل السلام: أما اشتراط الصوم في الاعتكاف ففيه خلاف. وهذا الحديث الموقوف "يعنى حديث الباب" دل على اشتراطه وفيه أحاديث (منها) في نفي شرطيته (ومنها) في إثباته والكل لا ينهض حجة. إلا أن الاعتكاف عرف من فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يعتكف إلا صائما، واعتكافه في العشر الأول من شوال. الظاهر أنه صامها ولم يعتكف إلا من ثانى شوال لأن يوم العيد يوم شغله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالصلاة والخطبة والخروج إلى الجبانة. إلا أنه لا يقوم بمجرد الفعل حجة على الاشتراط اهـ والجبانة المصلى في الصحراء. وقد تطلق على المقبرة. وغرضه تقوية عدم اشتراط الصوم في الاعتكاف. وهو الأولى وحديث عمر الآتى ضعيف لأنه تفرد به عبد الله بن بديل وفيه مقال. وقال النيسابورى حديث منكر. والنفى فى

الآثار الدالة على أن الصوم ليس شرطا في الاعتكاف

الحديث للكمال لحديث الدارقطنى المتقدم عن ابن عباس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه. قال ابن حزم ليس الصوم من شروط الاعتكاف، لكن إن شاء المعتكف صام وإن شاء لم يصم. واعتكاف يوم الفطر ويوم الأضحى وأيام التشريق حسن. وكذلك اعتكاف ليلة بلا يوم لا يوم بلا ليلة. روينا عن الحكم عن مقسم أن عليا وابن مسعود قالا جميعا: المعتكف ليس عليه صوم إلا أن يشترط ذلك على نفسه. وذكر بسنده إلى أبي سهيل بن مالك قال: اجتمعت أنا وابن شهاب عند عمر بن عبد العزيز، وكان على امرأتى اعتكاف ثلاث فى المسجد الحرام. فقال ابن شهاب: لا يكون اعتكاف إلا بصوم، فقال له عمر بن عبد العزيز: أمن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم؟ قال لا. قال فمن أبي بكر؟ قال لا. قال فمن عمر؟ قال لا. قال فمن عثمان؟ قال لا. قال أبو سهيل: فانصرفت فلقيت طاوسا وعطاء فسألتهما عن ذلك، قال طاوس: كان ابن عباس لا يرى على المعتكف صياما إلا أن يجعله على نفسه، قال عطاء: ذلك رأيي. قال وصح عن طاوس وابن عباس خلاف ذلك. ومن طريق وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعى قال: المعتكف إن شاء لم يصم. ومن طريق ابن أبى شيبة نا عبدة عن سعيد ابن أبى عروبة عن قتادة عن الحسن قال: ليس على المعتكف صوم إلا أن يوجب ذلك على نفسه. اهـ ببعض تصرف (قوله ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع) فيه دليل لمن قال باشتراط المسجد الجامع الذى تقام فيه الجمعة والجماعة للاعتكاف وتقدم تمام الكلام عليه (قوله قال أبو داود: غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه الخ) يعنى أن كل من روى الحديث عن الزهرى لم يقل فى روايته "السنة" إلا عبد الرحمن بن إسحاق. فعلى روايته يكون الحديث مرفوعا إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعلى رواية غيره يكون موقوفا على عائشة قال الخطابي: قولها السنة إن كانت أرادت بذلك إضافة هذه الأمور إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قولا أو فعلا. فهى نصوص لا يجوز خلافها، وإن كانت أرادت به الفتيا على معنى ما عقلت من السنة، فقد خالفها بعض الصحابة في بعض هذه الأمور. والصحابة إذا اختلفوا في مسألة كان سبيلها النظر. على أنّ أبا داود قد ذكر على إثر هذا الحديث أن غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه إنها قالت السنة. فدل ذلك على احتمال أن يكون ما قالته فتوى منها وليس برواية عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ لكن "دعوى المصنف" أن غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه إنها قالت السنة "غير مسلمة" فقد روى الحديث البيهقى من طريق الليث عن عقيل عن ابن شهاب وفيه يباشرها. ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة. والسنة فيمن اعتكف أن يصوم" وأخرجه الدارقطنى عن عبد الملك بن جريج عن محمد بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عروة بن الزبير عن عائشة

من نذر أو حلف كافرا ثم أسلم هل يلزمه الوفاء والكفارة؟

أنها أخبرته أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكفهن أزواجه من بعده، وأن السنة للمعتكف ألا يخرج إلا لحاجة الإنسان، ولا يتبع جنازة، ولا يعود مريضا، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع. ويأمر من اعتكف أن يصوم. قال الدارقطنى: يقال إن قوله وأن السنة للمعتكف ليس من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإنه من كلام الزهرى، وإن من أدرجه في الحديث فقد وهم اهـ وقال الحافظ ابن حجر: الراجح وقف قوله لا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع (والحديث) أخرجه أيضا البيهقي والدارقطنى بلفظ تقدم (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ لَيْلَةً أَوْ يَوْمًا عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَسَأَلَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اعْتَكِفْ وَصُمْ. (ش) (الرجال) (أبو داود) الطيالسى. و (عبد الله بن بديل) بالتصغير ابن ورقاء الخزاعي. روى عن الزهري وعمرو بن دينار. وعنه عبد الرحمن بن مهدى وزيد بن الحباب وأبو داود الطيالسى وغيرهم. قال ابن معين صالح، وقال ابن عدى له ما ينكر عليه من الزيادة في متن أو إسناد وفي التقريب صدوق يخطئ من الثامنة. وذكره ابن حبان في الثقات، وكذا ابن شاهين وقال مكي صالح. روى له أبو داود والنسائى والبخارى في التعاليق (المعنى) (قوله جعل عليه أن يعتكف الخ) يعنى نذر قبل الإسلام أن يعتكف في المسجد الحرام ليلة أو يوما بالشك. ورواية الشيخين من طريق يحيى بن سعيد عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر قال إن عمر قال يا رسول الله إنى نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. قال فأوف بنذرك. وفي رواية الحاكم ورواية لمسلم من طريق شعبة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن عمر جعل عليه يوما يعتكفه. قال الحافظ في الفتح رواية اليوم شاذة اهـ وجمع ابن حبان بينهما بأنه نذر اعتكاف يوم وليلة فمن أطلق اليوم أراد بليلة ومن أطلق الليلة أراد بيومها (قوله اعتكف وصم) أمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالاعتكاف وفاء بنذره (والحديث) حجة لمن قال بوجوب الصيام فى الاعتكاف. وتقدم بيان المذاهب فيه (وفيه) دلالة أيضا على أن من نذر شيئا حال الكفر يلزمه الوفاء به إذا أسلم وكان ما نذره مشروعا وسيأتى تمام الكلام عليه في النذر إن شاء الله تعالى. وقال الخطابي: وفيه دليل على أن من حلف في كفره ثم أسلم فحنث تلزمه الكفارة. وبه قال الشافعى. وقال أبو حنيفة وأصحابه "ومالك" لا تلزمه الكفارة

لأن الإسلام يَجُبُّ ما قبله. وفيه دليل على وقوع ظهار الذمى ووجوب الكفارة عليه اهـ بتصرف (والحديث) أخرجه أيضًا الدارقطني وهو ضعيف لأن في سنده عبد الله بن بديل, وأخرجه البيهقي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الجعرانة يا رسول الله إن على يوما أعتكفه فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اذهب فاعتكفه وصمه. وقال البيهقي عن الدارقطني تفرد به ابن بديل عن عمرو وهو ضعيف الحديث قال على "يعنى الدارقطنى" سمعت أبا بكر النيسابوري يقول: هذا حديث منكر لأن الثقات من أصحاب عمرو بن دينار لم يذكروه "أي الصوم" منهم ابن جريج وابن عيينة وحماد بن سلمة وحماد ابن زيد وغيرهم وابن بديل ضعيف الحديث اهـ. ولذا رواه البخاري ومسلم بدون ذكر الصيام فيه من عدة طرق. (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ الْقُرَشِىِّ نَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ يَعْنِى الْعَنْقَزِىَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَيْلٍ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ مُعْتَكِفٌ إِذْ كَبَّرَ النَّاسُ فَقَالَ مَا هَذَا يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ قَالَ سَبْىُ هَوَازِنَ أَعْتَقَهُمُ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَتِلْكَ الْجَارِيَةُ فَأَرْسَلَهَا مَعَهُمْ. (ش) (الرجال) (عبد الله بن عمر ... ) الأموى أبو عبد الرحمن الكوفي، روى عن أبي الأحوص وابن المبارك وعبدة بن سليمان ومحمد بن فضيل وجماعة. وعنه مسلم وأبو داود وأبو زرعة وأبو حاتم والبغوى وغيرهم. قال أبو حاتم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات. وفي التقريب صدوق فيه تشيع من العاشرة. توفي سنة ثمان أو تسع وثلاثين ومائتين. و (عمرو ابن محمد العنقزى) بفتح المهملة والقاف بينهما نون ساكنة وبالزاى. وفي الخلاصة بكسر القاف القرشي أبو سعيد الكوفي. روى عن عيسى بن طهمان وأبي حنيفة وابن جريج وإسراءيل والثوري وجماعة. وعنه قتيبة بن سعيد وإسحاق بن راهويه وعليّ بن المديني وأحمد بن عثمان بن حكيم وكثيرون. وثقه أحمد والنسائى والعجلى وقال ابن معين ليس به بأس. وفي التقريب ثقة من التاسعة. مات سنة تسع وتسعين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه والترمذى والبخارى في التعاليق (المعنى) (قوله فبينما هو يعتكف الخ) أى بين أزمان وعمر معتكف إذ ارتفعت أصوات الناس بالتكبير فقال عمر ما هذا؟ فقال ابنه إن سبى هوازن أعتقهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلذلك علت أصواتهم. فقال لابنه تلك جارية عندى من سبى هوازن فأرسلها مع من أعتقوا

باب المستحاضة تعتكف

باب المستحاضة تعتكف أيجوز أم لا (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالاَ نَا يَزِيدُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ فَكَانَتْ تَرَى الصُّفْرَةَ وَالْحُمْرَةَ فَرُبَّمَا وَضَعْتِ الطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهِىَ تُصَلِّى. (ش) (يزيد) بن زريع. و (خالد) بن مهران الحذاء (قوله اعتكفت مع رسول الله امرأة من أزواجه) وفي رواية البخارى اعتكفت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم امرأة مستحاضة من أزواجه. وهى أم سلمة ففي رواية سعيد بن منصور عن خالد الحذاء عن عكرمة أن أم سلمة كانت عاكفة وهى مستحاضة وربما جعلت الطست تحتها (قوله فكانت ترى الصفرة والحمرة) أى ترى الدم الأصفر مرة عند قلة الدم، ومرة ترى الأحمر عند كثرة الدم. وفي رواية للبخارى ترى الدم والصفرة. وفيه "زعم عكرمة أن عائشة رأت ماء العصفر فقالت: كان هذا شئ كانت فلانة تجده. فبين بهذا أن الصفرة تشبه ماء العصفر" (وفي هذا) دلالة على صحة اعتكاف المستحاضة وصلاتها وجواز مكثها في المسجد. لكن محله إن أمن تلويثه. ومثلها دائم الحدث ومن به قروح (والحديث) أخرجه أيضا البخاى والنسائى وابن ماجه والبيهقى (تتميم) "قال النووى" فى شرح المهذب (فرع) في مسائل تتعلق بالاعتكاف وبعضها من الضروريات (أحدها) إذا نذر اعتكافا متتابعا وشرط الخروج منه إن عرض عارض مثل مرض خفيف أو عيادة مريض أو شهود جنازة أو زيارة أو صلاة جمعة أو شرط الخروج لاشتغال بعلم أو لغرض آخر من أغراض الدنيا والآخرة صح شرطه على المذهب نص عليه في المختصر وقطع به الأصحاب في جميع الطرق. ومنهم المصنف في التنبيه وإذا قضى الشغل الذى شرطه وخرج له لزمه العود والبناء على اعتكافه. فإن أخر العود بعد قضاء الشغل بلا عذر بطل تتابعه ولزمه استئناف الاعتكاف. ولو نذر اعتكافا متتابعا وقال في نذره إن عرض مانع قطعت الاعتكاف فحكمه حكم من شرط الخروج كما سبق إلا أنه إذا شرط الخروج يلزمه بعد قضاء الشغل الرجوع والبناء على اعتكافه حتى تنقضى مدته وفيما إذا شرط القطع لا يلزمه العود بل إذا عرض الشغل الذى شرطه انقضى نذره وبرئت ذمته منه وجاز الخروج ولا رجوع عليه. ولو قال علىّ أن أعتكف رمضان إلا أن أمرض أو أسافر

كتاب المناسك

فمرض أو سافر فلا شئ عليه ولا قضاء (المسألة الثانية) إذا نذر اعتكاف اليوم الذي يقدم فيه زيد: قال الشافعى فى المختصر. فإن قدم في أول النهار اعتكف باقي, فإن كان مريضا أو مجنونا، فإذا قدر قضاه: قال المزني. يشبه إذا قدم أول النهار أن يقضي مقدار ما مضى من ذلك اليوم من يوم آخر حتى يكون قد اعتكف يوما كاملا هذا ما ذكره الشافعي والمزني قال أصحابنا هذا النذر صحيح قولا واحدا. ونقل الماوردى وغيره اتفاق الأصحاب على صحته (المسألة الثالثة) إذا مات وعليه اعتكاف فهل يطعم عنه فيه خلاف (إلى أن قال) الصحيح أنه لا يطعم عنه في الاعتكاف وقال أبو حنيفة يطعم عنه وعن ابن عباس وعائشة وأبي ثور أنه يعتكف عنه (الرابعة) قال الأصحاب لو نذر أن يعتكف شهر رمضان من هذه السنة, فإن كان النذر في شوال لم ينعقد, وإن كان قبله انعقد. فإن لم يعتكف حتى فات رمضان لزمه القضاء ويقضيه كيف شاء متتابعا أو متفرقا والله أعلم اهـ 6 - كتاب المناسك جمع منسك بفتح السين وكسرها. وهو العبادة أو مكانها أو زمانها. فهو مصدر ميمي صالح للزمان والمكان والحدث. وجميعها مراد هنا إذ الكتاب مسوق لبيان أعمال الحج وأزمنته وأمكنته يقال: نسك ينسك نسكا من باب قتل إذا تعبد. وتسمى أفعال الحج كلها مناسك. قال الطيبى النسك العبادة والناسك العابد والمناسك مواقف النسك وأعمالها النسيكة مخصوصة بالذبيحة 1 - (باب فرض الحج) وفى بعض النسخ إسقاط هذه الترجمة. والحج بكسر الحاء المهملة وفتحها في اللغة القصد مطلقا وقال الخليل كثرة القصد إلى معظم. وفى عرف الشرع القصد إلي البيت الحرام على وجه التعظيم بأعمال مخصوصة من الطواف والسعي والوقوف بعرفة وغيرها محرما بنية الحج. وهو من العبادة البدنية المحضة لعدم أخذ المال في مفهومه وإنما هو شرط له. واختلف في ابتداء فرضيته فقيل سنة خمس وقيل سنة ستة لأنها هي السنة التي نزل فيها قوله تعالى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وقيل أركان الإسلام. قال الله تعالى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} وحكمة مشروعيته تعظيم بيت الله الحرام, واجتماع الناس القاصى منهم والدانى فيتعارفون ويتعاونون ويتذكرون العرض على الله يوم القيامة 1 - (ص) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ الْمَعْنَى قَالاَ نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ

الإجماع على أن الحج فرض على المستطيع في العمر مرة واحدة

عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سِنَانٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ سَأَلَ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ فِى كُلِّ سَنَةٍ أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ قَالَ بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً, فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ (ش) (الرجال) (أبو سنان) بكسر السين وتخفيف النون. يزيد بن أمية الدؤلي. وقيل اسمه ربيعة. روى عن على وابن عباس وأبي واقد الليثي. وعنه زيد بن أسلم ونافع والزهرى. وثقه أبو زرعة وذكره ابن حبان في الثقات، وفي التقريب ثقة من الثانية ومنهم من عده في الصحابة. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه هذا الحديث. مات بين الثمانين والتسعين. و (الأقرع بن حابس) اسمه فراس. ولقب بالأقرع لقرع كان برأسه. وفد على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وشهد فتح مكة وحنينا والطائف. وكان من المؤلفة قلوبهم. وقد حسن إسلامه. وكان شريفا في الجاهلية والإسلام. استعمله عبد الله بن عامر في عهد عثمان على جيش سيره إلى خرسان فأصيب بالجوزجان. وقيل قتل باليرموق في عشرة من بنيه (المعنى) (قوله الحج في كل سنة أو مرة واحدة الخ) أي أيجب الحج في كل سنة أم يجب في العمر مرة واحدة؟ ومن زاد عليها فهو له تطوع. وفي رواية أحمد عن ابن عباس خطبنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: يأيها الناس إن الله كتب عليكم الحج. فقال الأقرع بن حابس أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال لو قلتها لوجبت ولو وجبت لم تعملوا بها. الحج مرة فمن زاد فتطوع. وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا. فقال رجل أكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا. فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: فلو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم. ثم قال ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم. وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه (وفي هذه الأحاديث) دلالة على أن الحج فرض في العمر مرة واحدة. وهذا مجمع عليه. وإنما يفرض على المستطيع لقوله تعالى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (قال الخطابي) لا خلاف في أن الحج لا يتكرر وجوبه إلا أن هذا الإجماع إنما حصل بدليل. أما نفس اللفظ فقد يوهم التكرار. ولذا سأل السائل, فإن الحج في اللغة قصد فيه تكرار. وفي الحديث دليل على أن المسلم إذا حج مرة ثم ارتد ثم أنه لا يلزمه إعادة الحج اهـ ملخصا, وما ذكره من أن المرتد لا يلزمه إعادة الحج هو مذهب الشافعي. وذهب أبو حنيفة وأصحابه ومالك إلى أن

المرتد وعاد إلى الإسلام لا تعود إليه حسنات أعماله، ولكن لا يلزمه إعادة ما أدّاه منها قبل الردّة إلا الحج فيلزمه إعادته لأن وقته العمر، فلما حبط حجه بالردة ثم أدرك وقته مسلما لزمه وكذا يلزمه إعادة فرض أدّاه فارتد ثم أسلم في الوقت. وهل فرضه على الفور أو على التراخي؟ خلاف يأتى بيانه إن شاء الله تعالى (والحديث) أخرجه أيضا ابن ماجه والدارقطنى والحاكم (ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هُوَ أَبُو سِنَانٍ الدُّؤَلِىُّ كَذَا قَالَ عَبْدُ الْجَلِيلِ بْنُ حُمَيْدٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ جَمِيعًا عَنِ الزُّهْرِىِّ وَقَالَ عُقَيْلٌ سِنَانٌ. (ش) أى راوى الحديث عن ابن عباس هو ابن سنان الدؤلى "نسبة إلى دؤل أبى قبيلة" وقد تابع سفيان بن حسين فى هذا عبد الجليل بن حميد وسليمان بن كثير فقالا عن الزهرى عن أبى سنان باثبات لفظ أبى كما قال سفيان بن حسين. وخالفهم عقيل "بالتصغير" ابن خالد الأيلى فقال عن الزهرى عن سنان بحذف لفظ أبى (هذا). و (عبد الجليل بن حميد) أبو مالك اليحصبى المصرى. روى عن يحيى بن سعيد الأنصارى وأيوب السختيانى والزهرى وغيرهم. وعنه ابن عجلان وابن وهب وموسى بن سلمة ويحيى بن أيوب. قال أحمد بن صالح ثقة وقال النسائى ليس به بأس وذكره ابن حبان فى الثقات، وفى التقريب لا بأس به من السابعة. مات سنة ثمان وأربعين ومائة. روى له النسائى (وحديثه) أخرجه الدارقطنى والنسائى من طريق موسى بن سلمة قال: حدثنى عبد الجليل بن حميد عن ابن شهاب عن أبى سنان الدؤلى عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قام فقال: إن الله تعالى كتب عليكم الحج فقال الأقرع بن حابس التميمى كل عام يا رسول الله؟ فسكت فقال لو قلت نعم لوجبت. ثم إذا لا تسمعون ولا تطيعون. ولكنه حجة واحدة (وحديث) سليمان بن كثير رواه الدارقطنى بلفظ "إن الأقرع بن حابس سأل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الحج كل عام؟ فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الحج مرة واحدة فمن زاد فتطوع" وأخرجه البيهقى بسنده إلى سليمان بن كثير قال: سمعت ابن شهاب يحدث عن أبى سنان عن ابن عباس قال: خطبنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: يأيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فقام الأقرع ابن حابس فقال أفى كل عام يا رسول الله؟ قال لو قلتها لوجبت ولو وجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا أن تعملوا بها الحج مرة. فمن زاد فتطوع. وقال البيهقى تابعه سفيان بن حسين ومحمد بن أبى حفصة عن الزهرى عن أبى سنان. وقال عقيل عن الزهرى عن سنان. وأخرجه أيضا الدارمى قال حدثنا محمد بن كثير نا سليمان بن كثير عن الزهرى عن سنان عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: كتب عليكم الحج فقيل يا رسول الله فى كل عام؟ قال لا ولو قلتها لوجبت الحج مرة فما زاد فهو تطوع اهـ وأنت ترى أنه قال عن سنان بإسقاط لفظ أبي فلعله سقط من الناسخ

هل شرع الحج لأزواج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعده؟

أو رواية أخرى. وحديث عقيل لم نقف على من خرجه 2 - (ص) حَدَّثَنَا النُّفَيْلِىُّ نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ ابْنٍ لأَبِى وَاقِدٍ اللَّيْثِىِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لأَزْوَاجِهِ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ: هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورُ الْحُصْرِ. (ش) (الرجال) (النفيلى) عبد الله بن محمد. و (ابن أبى واقد) اسمه واقد كما صرح به فى رواية سعيد بن منصور والبخارى فى التاريخ. وفى مسند أحمد من طريق سعيد بن منصور قال ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردى عن زيد بن أسلم عن واقد بن أبى واقد الليثي عن أبيه. روى عن أبيه هذا الحديث فقط. وعنه زي بن أسلم. ذكره ابن منده فى الصحابة ونقل عن أبى داود أن له صحبة، وقال ابن القطان لا يعرف حاله، وفى التقريب يقال إن له صحبة وقيل بل هو من الثالثة. روى له أبو داود و (أبو واقد) الحارث بن مالك وقيل ابن عوف وقيل عوف بن الحارث بن أسد بن جابر الليثى. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أبى بكر وعمر. وعنه ابناه عبد الملك وواقد وعطاء بن يسار وعروة بن الزبير. قيل شهد بدرا ولا يثبت، ثم شهد صفين. توفى سنة ثمان وستين روى له الجماعة (المعنى) (قوله فى حجة الوداع) أى فى الحجة التى حجها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى آخر حياته ولم يحج سواها كما ستعرفه إن شاء الله تعال (قوله هذه ثم ظهور الحصر) أى هذه الحجة التى فرضها الله تعالى عليكن ثم الزمن البيوت بعدها ولا تخرجن إلى الحج مرة أخرى. فكنى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بظهور الحصر عن ملازمتهن البيوت وظهور جمع ظهر. والحصر بضمتين أو بضم فسكون جمع حصير ما يفرش فى البيوت. وعلى هذا عملت سودة بنت زمعة وزينب بنت جحش من أزواجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقالتا لا تحركنا دابة بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما أخرجه ابن سعد عن أبي هريرة. وفهمت عائشة وبقية أزواجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن المراد لا يجب عليهنّ الحج بعد هذه المرة. فلا ينافى أنه مستحب فى حقهن لما جاء من الترغيب فى الحج. فقد روى البخارى عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل الأعمال. قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لكن أفضل الجهاد حج مبرور. وروى أيضا عن أبى هريرة قال: سئل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أى الأعمال أفضل؟ قال إيمان بالله ورسوله. قيل ثم ماذا؟ قال جهاد فى سبيل الله. قيل ثم ماذا؟ قال حج مبرور. وروى أيضا عن حبيب بن أبى عمرة قال: حدثتنى عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: يا رسول الله

باب في المرأة تحج بغير محرم

ألا نغزوا أو نجاهد معكم؟ فقال لكن أحسن الجهاد وأجمله حج مبرور. فقالت عائشة فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. ففهمت عائشة ومن وافقها من أزواج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من هذه الأحاديث المرغبة فى الحج إباحة تكريره لهن كما أبيح للرجال تكرير الجهاد. وكان عمر رضى الله تعالى عنه متوقفا فى حجهن. فلما تبين له قوة دليل عائشة، أذن لهن فى الحج كما أخرجه البخارى والبيهقى من طريق أحمد بن محمد قال: حدثنى إبراهيم عن أبيه عن جده قال: أذن عمر رضى الله تعالى عنه لأزواج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى آخر حجة حجها فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف. وعن إبراهيم ابن سعد عن أبيه عن جده قال: إن عمر رضى الله عنه أذن لأزواج النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى الحج فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف فنادى الناس عثمان أن لا يدنو أحد منهن ولا ينظر إليهن إلا مد البصر وهن فى الهوادج على الإبل وأنزلهن صدر الشعب فلم يصعد إليهن أحد. ونزل عبد الرحمن وعثمان بذنب الشعب فلم يقعد إليهن أحد. رواه البيهقى. وأذن لهن عثمان أيضا فى خلافته كما رواه ابن سعد عن عائشة أنهن استأذن عثمان فى الحج فقال: أنا أحج بكن فحج بنا جميعا إلا زينب كانت ماتت وإلا سودة، فإنها لم تخرج من بيتها بعد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (الفقه) دل الحديث على ان الحج فرض على النساء مرة واحدة كالرجال. قال الحافظ وفيه دليل على الأمر بالقرار فى البيوت "يعنى فى قوله: وقرن فى بيوتكن" ليس على سبيل الوجوب (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والبيهقى. وقال "فى حج" عائشة وغيرها من أمهات المؤمنين رضى الله عنهن بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "دلالة" على أن المراد من هذا الخبر وجوب الحج عليهن مرة واحدة كما بين وجوبه على الرجال لا المنع من الزيادة عليه اهـ 2 - باب فى المرأة تحج بغير محرم أى يجوز لها ذلك أم لا؟ 3 - (ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِىُّ نَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا. (ش) مناسبة الحديث للترجمة من حيث أن الحج يستلزم السفر (أبو سعيد) كيسان

الخلاف في أن المرأة إذا لم تجد محرما ولا زوجا هل تحج مع النساء؟

المقبرى. تقدم بصفحة 35 من الخامس (قوله مسيرة ليلة) لا مفهوم له عند أكثر العلماء كما ستعرفه آخر الباب (قوله إلا ومعها رجل ذو حرمة منها) يعنى محرما. والمراد به من حرم عليه نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها. لخرج بالتأييد أخت الزوجة وخالتها وعمتها فإن حرمة كل منهن ليست على التأبيد بل ما دامت تلك المرأة في عصمته. وخرج بالمباح أم الموطوءة بشبهة وبنتها، فإن حرمتها ليست بسبب مباح. وخرج بحرمتها الملاعنة لأن تحريمها ليس لحرمتها بل عقوبة وتغليظا. واستثنى أحمد من المحرمة على التأييد بالصفات المذكورة مسلمة لها أب كتابي فقال لا يكون محرما لها، لأنه لا يؤمن أن يفتنها عن دينها إذا خلا بها (الفقه) دل الحديث على أن المرأة يحرم عليها أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا بذى محرم وأن لها أن تسافر في أقل من ذلك. وبه قال الأوزاعى والليث. وعلى أن المرأة لا يلزمها الحج إذا لم تجد رجلا محرما يخرج معها. وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه والحسن البصرى وأحمد وإسحاق (قال الخطابي) وقال مالك تخرج مع جماعة النساء. وقال الشافعى تخرج مع امرأة حرة مسلمة ثقة قلت المرأة الحرة المسلمة الثقة لا تكون رجلا ذا حرمة منها، وقد حظر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على أن تسافر إلا ومعها رجل ذو محرم منها. فإباحة الخروج لها في سفر الحج مع عدم الشريطة التى أثبتها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خلاف السنة. فإذا كان خروجها مع غير ذى محرم معصية؟ لم يجز إلزامها الحج وهو طاعة بأمر يؤدى إلى معصية. وعامة أصحاب الشافعى يحتجون في هذا بما روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه سئل عن الاستطاعة فقال: الزاد والراحلة. قالوا فوجب إذا قدرت المرأة على هذه الاستطاعة أن يلزمه الحج ويتأولون خبر النهى على الأسفار التى هى متطوعة بها دون السفر الواجب. قلت وهذا الحديث إنما رواه إبراهيم بن يزيد الخوزي عن محمد بن عباد بن جعفر عن ابن عمر. وإبراهيم الخوازى متروك الحديث وقد روى ذلك من طريق الحسن مرسلا: والحجة عند الشافعى لا تقوم بالمراسيل اهـ. وسيأتى مزيد بيان لذلك آخر الباب (والحديث) أخرجه أيضا أحمد والبخاري ومسلم. وأخرجه البيهقي في قصر الصلاة 4 - (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ وَالنُّفَيْلِىُّ عَنْ مَالِكٍ ح وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ نَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ الْحَسَنُ فِى حَدِيثِهِ "عَنْ أَبِيهِ" ثُمَّ اتَّفَقُوا عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ

الاختلاف في سند حديث "لا تسافر المرأة يوما وليلة إلا مع محرم"

وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَذَكَرَ مَعْنَاهُ. قَالَ النُّفَيْلِيُّ "حَدَّثَنَا مَالِكٌ" قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَعْنَبِىُّ وَالنُّفَيْلِىُّ عَنْ أَبِيهِ (ش) (النفيلى) عبد الله بن محمد (قوله قال الحسن في حديثه عن أبيه) أى قال الحسن ابن على أحد شيوخ المصنف في روايته عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه، بخلاف عبد الله بن مسلمة وعبد الله بن حمد النفيلى فإنهما قالا عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة. وكلا الروايتين متصل فإن سعيدا وأباه رويا عن أبي هريرة. فلعل سعيدا روى الحديث عن أبي هريرة مرة بواسطة أبيه ومرة بلا واسطة (قوله فذكر معناه) أي معنى الحديث المتقدم (ولفظه) عند مسلم "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذى محرم منها" ففي هذا بيان أن المرأة لا تسافر يوما وليلة إلا ومعها محرم. وإن اقتصر في الحديث السابق على ذكر الليلة. والتوفيق بينهما أن يقال المراد الليلة ويومها (قوله قال النفيلى الخ) أى قال في روايته حدّثنا مالك. وأمّا عبد الله بن مسلمة فقال عن مالك (والحديث) أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك بلفظ تقدّم (ص) رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ كَمَا قَالَ الْقَعْنَبِىُّ. (ش) أي روى الحديث السابق عبد الله بن وهب وعثمان بن عمر بن فارس عن مالك مثل رواية القعنبى عنه بترك لفظ عن أبيه فقالا عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة. وأشار المصنف بهذا إلى أنه اختلف على مالك في سند حديث أبي هريرة. فرواه عبد الله بن مسلمة القعنبي وعبد الله ابن محمد النفيلى وعبد الله بن وهب وعثمان بن عمر بن فارس عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة بلا ذكر عن أبيه. ورواه بشر بن عمر عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة. وتابع بشر بن عمر إسحاق القروى والوليد بن مسلم عند الدارقطنى "وقال" في استدراكه على الشيخين كونهما أخرجاه من حديث ابن أبي ذئب عن سعيد عن أبيه "الصواب" سعيد عن أبي هريرة من غير ذكر أبيه. واحتج بأنّ مالكا ويحيى بن أبي كثير وسهيل بن أبي صالح قالوا عن سعيد عن أبي هريرة. ولكن تقدم أن هذا الاختلاف لا يقدح في سند الحديث لأن كلا من سعيد وأبيه رويا عن أبي هريرة 5 - (ص) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى عَنْ جَرِيرٍ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ بَرِيدًا.

لا تسافر المرأة إلا مع زوج أو ذى محرم نسبا أو رضاعا أو مصاهرة

(ش) (جرير) بن عبد الحميد. و (سهيل) بن أبي صالح (قوله وذكر نحوه) وفي نسخة فذكر نحوه بالفاء. أى ذكر سهيل بن أبي صالح نحو حديث مالك والليث بن سعد إلا أنه قال: لا تسافر المرأة بريدا. بدل يوم وليلة في الرواية السابقة. وتقدم أن البريد أربعة فراسخ، وأن الفرسخ ثلاثة أميال (وحديث سهيل) أخرجه الطحاوى بلفظ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لا تسافر امرأة بريدا إلا مع زوج أو ذى رحم محرم، وأخرجه البيهقي بلفظ لا تسافر امرأة بريدا إلا مع ذي محرم 6 - (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَهَنَّادٌ أَنَّ أَبَا مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعًا حَدَّثَاهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا إِلاَّ وَمَعَهَا أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوِ ابْنُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا. (ش) (هناد) بن السرى. و (أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير. و (وكيع) بن الجراح (قوله حدثاهم) أى حدثا عثمان وهنادا في آخرين وفي بعض النسخ حدثاهما. و (أبو صالح) عبد الله بن ذكوان السمان (قوله فوق ثلاثة أيام فصاعدا) أى ثلاثة أيام فأزيد. فلفظ فوق زائدة. لما في رواية مسلم عن أبي سعيد لا يحل لامرأة أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا الخ. وصاعدا منصوب على الحال من فاعل فعل محذوف. أى فذهب العدد صاعدا (قوله أو ذو محرم منها) يدخل فيه ما كان محرما بنسب أو رضاع أو مصاهرة. فيدخل زيادة على ما ذكره المصنف "العم والخال وابن الأخ وابن الأخت نسبا ورضاعا" والمحرم بالمصاهرة ابن الزوج وأبو الزوج والزوج بالنسبة لأم زوجته وبنتها من غيره وزوجة ابنه، إلا أن مالكا كره أن تسافر المرأة مع ابن زوجها. قال الباجى: وجهه ما ثبت للربائب من العداوة وقلة المراعاة والإشفاق والحرص على طيب الذكر اهـ (والحديث) أخرجه أيضا أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه والطحاوي والبيهقي والدارمي 7 - (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ ثَلاَثًا إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ. (ش) (عبيد الله) بن عمر العمري (قوله لا تسافر المرأة ثلاثا) أي ثلاثة أيام كما

بيان الاختلاف في المدة التي لا تسافر المرأة إلا مع زوج أو محرم

صرح به في الروايات الأخر (والحديث) أخرجه أيضا البخاري ومسلم والطحاوي والبيهقي 8 - (ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ نَا أَبُو أَحْمَدَ نَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُرْدِفُ مَوْلاَةً لَهُ يُقَالُ لَهَا صَفِيَّةُ تُسَافِرُ مَعَهُ إِلَى مَكَّةَ. (ش) مطابقة الحديث للترجمة من حيث إن سيد الجارية كزوج المرأة ومحرمها. و (أبو أحمد) محمد بن عبد الله الزبيري. و (سفيان) الثوري (قوله كان يردف مولاة الخ) أي كان يجعل جاريته خلفه على دابته. وذكر المصنف هذا الحديث لبيان أن ما تقدم في الأحاديث من ذكر المحرم والزوج ليس على سبيل التحديد. بل يجرى مجراهما السيد. فيجوز سفر الجارية مع سيدها كما يجوز للمرأة أن تسافر مع زوجها أو محرمها (تنبيه) علم أن روايات الباب اختلفت في مقدار المدة التى لا يجوز للمرأة أن تسافرها بدون محرم أو زوج أو سيد: ففي بعضها لا تسافر بريدا، وفي بعضها لا تسافر ليلة، وفي بعضها لا تسافر يوما وليلة، وفي بعضها ثلاثة أيام فصاعدا، وفي رواية الطبرانى عن ابن عباس مرفوعا لا تسافر المرأة ثلاثة أميال إلا مع زوج أو ذى محرم، وفي رواية الطحاوى عن أبي سعيد الخدرى قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول لا تسافر المرأة مسيرة ليلتين إلا مع زوج أو ذى محرم، وفي رواية للبخارى ومسلم عن أبي سعيد أيضا يومين بدل ليلتين، وفي رواية البخارى عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لا تسافر المرأة إلا مع ذى محرم. ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم. فقال رجل يا رسول الله إنى أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج. فقال اخرج معها فهذه الرواية مطلقة وليست مقيدة بشئ مما ذكر. وبها أخذت الشافعية والحنابلة فقالوا لا يجوز للمرأة أن تسافر أىّ سفر كان ولو لحج بدون زوج أو محرم. واختلاف الروايات في التحديد لاختلاف السائلين واختلاف المواطن فلا مفهوم لها. فكأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سئل عن المرأة تسافر ثلاثة أيام. فقال لا. وسئل عن سفرها يوما وليلة أو ليلتين أو ليلة أو بريدا فأدى كل راو ما سمعه "وما جاء" منها مختلفا عن راو واحد "يحمل" على أنه سمعه في مواطن فحدث به على حسب ما رواه في تلك المواطن. فلا تنافي الرواية المطلقة. ولا يقال إن المطلق يحمل على المقيد لما علمت من أن المقيد منها لا مفهوم له (قال في الفتح) وقد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقديرات. قال المنذرى يحتمل أن يقال إن اليوم المنفرد والليلة المنفردة بمعنى اليوم والليلة يعنى فمن أطلق يوما أراد بليلته أو ليلة أراد بيومها. ويحتمل أن يكون هذا كله تمثيلا لأوائل الأعداد. فاليوم أول العدد. والاثنان أول التكثير. والثلاث أول الجمع. وكأنه أشار إلى أن مثل هذا في قلة الزمن لا يحل فيه السفر فكيف بما زاد. ويحتمل أن يكون ذكر الثلاث قبل

استدلال الحنفية على جواز سفر المرأة أقل من ثلاثة أيام بلا محرم ولا زواج

ذكر ما دونها فيؤخذ بأقل ما ورد في ذلك. وأقله الرواية التى فيها البريد اهـ (وقال في النيل) قد ورد من حديث ابن عباس عند الطبرانى ما يدل على اعتبار المحرم فيما دون البريد. ولفظه "لا تسافر امرأة ثلاثة أميال إلا مع زوج أو ذى محرم" وهذا هو الظاهر أعنى الأخذ بأقل ما ورد، لأن ما فوقه منهى عنه بالأولى "والتنصيص" على ما فوقه كالتنصيص على الثلاث واليوم والليلة واليومين والليلتين "لا ينافيه" لأن الأقل موجود في ضمن الأكثر. وغاية الأمر أن النهى عن الأكثر يدل بمفهومه على أن ما دونه غير منهى عنه. والنهى عن الأقل منطوق وهو أرجح من المفهوم اهـ (وقالت الحنفية) لا يجوز للمرأة أن تسافر ثلاثة أيام فما فوقها إلا ومعها محرم أو زوج. ويجوز لها فيما دون ذلك بدونهما. قال الطحاوى في شرح معانى الآثار بعد أن ذكر أحاديث المبحث: اتفقت هذه الآثار كلها عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على تحريم السفر ثلاثة أيام على المرأة بغير ذى محرم. واختلفت فيما دون الثلاث. فنظرنا في ذلك فوجدنا النهى عن السفر بلا محرم مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا ثابتا بهذه الآثار كلها. وكان توقيته بثلاثة أيام في ذلك إباحة "دليل" السفر لها فيما دون الثلاث بغير محرم، ولولا ذلك لما كان لذكره الثلاث معنى ولنهى نهيا مطلقا. ولم يتكلم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بكلام يكون فضلا، ولكنه ذكر الثلاث ليعلم أن ما دونها بخلافها. فلما ذكر الثلاثة وثبت بذكره إياها إباحة ما هو دونها "ثم ما روى" عنه في منعها من السفر دون الثلاثة من اليوم واليومين والبريد "فكل واحد" من تلك الآثار ومن الأثر المروى في الثلاثة متى كان بعد الذى خالفه نسخه فإن كان النهى عن سفر اليوم بلا محرم بعد النهى عن سفر الثلاث بلا محرم فهو ناسخ له وإن كان خبر الثلاث هو المتأخر عنه فهو ناسخ له. فقد ثبت أن أحد المعاني التى دون الثلاث ناسخة للثلاث أو الثلاث ناسخة لها. فلم يخل خبر الثلاث من أحد وجهين: إما أن يكون هو المتقدم أو يكون هو المتأخر. فإن كان هو المتقدم فقد أباح السفر أقل من ثلاث بلا محرم، ثم جاء بعده النهى عن سفر ما دون الثلاث بغير محرم فحرم ما حرم الحديث الأول وزاد عليه حرمة أخرى وهو ما بينه وبين الثلاث، فوجب استعمال الثلاث على ما أوجبه الأثر المذكور فيه. وإن كان هو المتأخر وغيره هو المتقدم، فهو ناسخ لما تقدمه. والذى تقدم غير واجب العمل به. فحديث الثلاث واجب استعماله على الأحوال كلها. وما خالفه فقد يجب استعماله إن كان هو المتأخر. ولا يجب إن كان هو المتقدم. فالذى قد وجب علينا استعماله والأخذ به في كلا الوجهين أولى مما قد يجب استعماله في حال ويترك في حال. وفي ثبوث ما ذكرنا دليل على أن المرأة ليس لها أن تحج إذا كان بينها وبين الحج مسيرة ثلاثة أيام إلا مع محرم. فإذا عدمت المحرم وكان بينها وبين مكة المسافة التى ذكرنا فهى غير واجدة للسبيل الذى يجب عليها الحج بوجوده اهـ بتصرف وفيما قاله من النسخ نظر فإنه إذا كان النهى عن الثلاث متأخرا عن بقية الروايات فهو يفيد بمنطوقه النهى عن الثلاث

المناقشة في استدلال الحنفية على ما ذكر

فما فوقها ويفيد بمفهومه إباحة السفر فيما دونها. وهذا المفهوم معارض بالروايات المفيدة بمنطوقها نهى المرأة عن السفر فيما دون الثلاث، فالعمل بها مقدم على ذلك المفهوم. وإن كانت رواية النهى عن الثلاث متقدمة على بقية الروايات؛ فهى تفيد أيضا بمفهومها إباحة السفر فيما دون الثلاث بدون زوج أو محرم. وأفادت الروايات الأخر بمنطوقها إبطال ذلك المفهوم، فعلى كل سواء تقدمت رواية النهى عن الثلاث أو تأخرت، فمفهومها معارض بمنطوق الروايات الأخر فهى مقدمة عليها ولا نسخ فى المسألة أصلا (قال) ابن حزم أما قول أبى حنيفة في التحديد الذى ذكره فلا نعلم له سلفا من الصحابة ولا من التابعين رضى الله تعالى عنهم أجمعين. وقد احتج هو وأصحابه على ذلك بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لا تسافر امرأة ثلاثا إلا مع زوج أو ذى محرم. وقالوا قد روى أيضا ليلتين. وذكر بقية الروايات الواردة في تحديد سفر المرأة ثم قال: قالوا ونحن على يقين من تحريم سفرها ثلاثا. وعلى شك من تحريم سفرها أقل من ذلك لأنه قد يكون ذكر الثلاث متقدما، وقد يكون متأخرا. فالثلاث على كل حال محرم عليها سفرها إلا مع زوج أو ذى محرم. فنأخذ ما لا شك فيه وندع ما فيه الشك قال: ولا حجة لهم غير هذا أصلا وهو عليهم لا لهم بوجهين (أحدهما) أنه ليس صواب العمل ما ذكروا؛ لأنه إن كان خبر الثلاث متقدما أو متأخرا، فليس فيه إن تقدم إبطال لحكم النهى عن سفرها أقل من ثلاث، لكن النهى عن الثلاث بعض ما فى سائر الروايات، وسائر الروايات زائدة على النهى عن الثلاث. وليس هذا مكان نسخ أصلا بل كل تلك الأخبار حق يجب استعمالها وليس بعضها مخالفا لبعض أصلا ويقال لهم خبر ابن عباس عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "لا تسافر المرأة إلا مع ذى محرم" جامع لكل سفر. وهذا الخبر لا اضطراب فيه بخلاف رواية النهى عن الثلاث وغيرها، فإنها مضطرب فيها عن أبى سعيد وأبى هريرة وابن عمر. فروى عن أبى سعيد لا تسافر فوق ثلاث وروى عنه لا تسافر يومين. وروى عن ابن عمر لا تسافر ثلاثا. وروى عنه لا تسافر فوق ثلاث وروى عن أبى هريرة لا تسافر ثلاثا. وروى عنه لا تسافر يوما وليلة. وروى عنه لا تسافر يوما قال: وعهدنا بكم أنكم تذمون الأخبار بالاضطراب وتحتجون بما لم يضطرب فيه. فعلى أصلكم هذا يلزمكم أن تحتجوا برواية ابن عباس المطلقة التى لا اضطراب فيها، وتتركوا ما عداها مما هو مضطرب فيه (الوجه الثانى) أنه قد روى عن ابن عمر وأبى سعيد وأبى هريرة "لا تسافر المرأة فوق ثلاث" كما ذكر فى الأخبار، فامنعوها مما زاد على مسيرة ثلاث لأنه اليقين وأبيحوا لها سفر الثلاث لأنه مشكوك فيه كسفر اليومين واليوم والبريد وهذا ما لا مخلص لهم منه اهـ "وقالت" المالكية لا يجوز للمرأة أن تسافر يوما وليلة إلا إذا كان معها محرم أو رفقة مأمونة رجالا كانوا أو نساء وسواء أكانت المرأة شابة أم هرمة وسواء أكان المحرم بالغا أم صبيا مميزا، لما رواه

الجمع بين الروايات الواردة في تحديد سفر المراة بلا محرم: الخلاف في أنه هل تسافر المرأة مأمون غير محرم؟

مالك فى الموطإ عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم والآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذى محرم منها. وتقدم نحوه للمصنف (وأجابوا) عن بقية الروايات المخالفة لرواية أبى هريرة المذكورة، بإمكان إرجاعها إليها فالرواية التى فيها ذكر اليوم فقط أراد منها اليوم والليلة. والتى فيها ذكر الليلة أراد منها الليلة واليوم لارتباط كل منهما بالآخر. والرواية التى فيها ذكر الليلتين أو اليومين. أراد بها مدة الذهاب والرجوع. وهكذا رواية الثلاث أراد بها يوم الذهاب ويوم الرجوع واليوم الوسط الذى تقضى فيه حاجتها التى سافرت لأجلها. قالوا وهذا كله فى حج الفرض. وأما حج التطوع أو السفر المباح فلا يجوز لها أن تسافر المدة المذكورة إلا مع زوج أو محرم ألبتة "وفيما أجابوا" به عن رواية اليوم والليلة واليومين والليلتين والثلاث "نظر" لأنه صرف لها عن ظاهرها بدون حاجة ويرد عليهم رواية البريد والثلاثة الأميال فلا يمكنهم أن يقولوا فيهما ما ذكروه. فالراجح العمل بالرواية المطلقة لما علمت من أن ما عداها من الروايات المقيدة يحتمل أنها لم ترد للتحديد. وإنما وردت طبقا لأسئلة فلا مفهوم لها (قال البيهقى) وهذه الروايات في الثلاثة واليومين واليوم صحيحة. وكأن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سئل عن المرأة تسافر ثلاثا بغير محرم فقال لا. وسئل عن سفرها يومين بغير محرم فقال لا. وسئل عن سفرها يوما فقال لا. فأدى كل منهم ما حفظ. ولا يكون عدد من هذه الأعداد حدا للسفر. واستدل عليه بما رواه البخارى ومسلم عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم اهـ (قال النووى) فتحصل أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يرد تحديد ما يقع عليه السفر. بل أطلقه على ثلاثة أيام وعلى يومين وعلى يوم وليلة وعلى يوم وعلى بريد وهو مسيرة نصف يوم. فدل على أن الجميع يسمى سفرا اهـ (واختلف) هل الزوج أو المحرم شرط فى وجوب حج المرأة. فقال الحسن والنخعى وإسحاق وابن المنذر إنه شرط وهو رواية عن أحمد (وقالت الحنفية) يشترط وجود الزوج أو المحرم إذا كان بينها وبين مكة ثلاثة أيام فأكثر، لحديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: لا تسافر المرأة إلا مع ذى رحم محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم. رواه أحمد والشيخان والبيهقى. ولما تقدم للمصنف عن ابن عمر أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: لا تسافر المرأة ثلاثا إلا ومعها ذو محرم. ورواه أيضا الشيخان والطحاوى والبيهقى. فلا يجوز لها الخروج وحدها إذا لم يكن معها زوج أو محرم وإن كان معها امرأة أخرى أو أكثر، لأن خوف الفتنة عند اجتماع النساء أكثر (وقالت المالكية) يشترط فى وجوب الحج عليها أحد أمور ثلاثة: زوج أو محرم أو رفقة مأمونة كما تقدم إذا كان بينها وبين مكة يوم وليلة.

الدليل على جواز سفر المرأة بلا محرم مع رفقة مأمونة ومناقشته

(وقالت الشافعية) لا يجب الحج على المرأة إلا إذا كان معها زوج أو محرم أو نسوة ثقات بعدت المسافة أو قربت. واستدلت المالكية والشافعية على كفاية الرفقة المأمونة بما تقدم للبخارى من أن عمر أذن لعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف أن يخرجا مع نساء النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى الحج، وبخروج عثمان رضي الله عنه فى خلافته معهن. وهذا كان بإقرار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. واحتجوا أيضا بظاهر قوله تعالى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} قالوا: وخطاب الناس يتناول الذكور والإناث والاستطاعة تتحقق بوجود الزاد والراحلة، ولأن الغرض من وجود المحرم معها الأمن عليها وهو يحصل بجماعة النساء فيلزم فرض الحج (ورد) بأن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف محرمان لأمهات المؤمنين فلا يقاس عليهن غيرهن، وبأن الآية لا تتناول النساء حال عدم وجود الزوج والمحرم معها لأن المرأة لا تقدر على الركوب والنزول بنفسها فتحتاج إلى من يركبها وينزلها. ولا يجوز ذلك لغير الزوج والمحرم فلم تكن مستطيعة فى هذه الحالة. فلا يتناولها النص. وتقدم أن خوف الفتنة عند اجتماعهن غير مأمون، بل يزداد لأن النساء لحم على وضم (¬1) إلا ما ذب عنهن. وتقدم للخطابى كلام فى هذا أول الباب "وقال" الأوزاعى إن لم تجد محرما أو زوجا خرجت مع قوم عدول مأمونين تتخذ لها سلما تصعد به على الدابة وتنزل، ولا يقربها رجل إلا أنه يأخذ رأس البعير ويضع رجله على ذراعه 3 - باب لا صرورة فى الإسلام وفى نسخة باب لا صرورة. والصرورة الرجل الذى لم يحج والذى لم يتزوج. والتاء فيه ليست للتأنيث بل للمبالغة. ولذا يقال رجل صرورة وامرأة صرورة 9 - (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ نَا أَبُو خَالِدٍ يَعْنِى سُلَيْمَانَ بْنَ حَيَّانَ الأَحْمَرَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: لاَ صَرُورَةَ فِى الإِسْلاَمِ. (ش) (ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قوله لا صرورة فى الإسلام) أى لا يترك الحج فى الإسلام من استطاعه. وأصله من الصر وهو الحبس والمنع، فمن ترك الحج مع الاستطاعة ¬

_ (¬1) الوضم بفتحتين ما وقيت به اللحم عن الأرض من خشب وحصير. وفى المثل تركهم لحما على وضم أى أوقعهم فذللهم وأوجعهم. قاموس

الخلاف فيمن نوى الحج عن غيره وهو لم يؤد فرض الحج

فقد منع عن نفسه الخير. وتطلق الصرورة أيضا على التبتل والانقطاع عن الزواج كرهبانية النصارى، أى ليس لأحد فى الإسلام أن يقول لا أتزوج بل أنقطع للعبادة، لأن هذا ليس من أخلاق المؤمنين بل من أعمال الرهبان والنصارى. وقيل أراد من قتل فى الحرم قتل ولا يقبل منه أن يقول إنى صرورة ما حججت ولا عرفت حرمة الحرم: كان الرجل فى الجاهلية إذا أحدث حدثا فلجأ إلى الكعبة لم يهج "أى لم يزعج وينفر" فكان إذا لقيه ولى الدم فى الحرم قيل له هو صرورة فلا تهجه اهـ نهاية (الفقه) دل الحديث على التشديد فى الحج على المستطيع وأنه لا ينبغى له تأخيره. قال الخطابي: وقد يستدل به من يزعم أن الصرورة لا يجوز له أن يحج عن غيره. ويكون المعنى أن الصرورة إذا شرع في الحج عن غيره صار الحج عنه وانقلب عن فرضه وهذا مذهب الأوزاعى والشافعى وأحمد وإسحاق. وقال مالك والثورى وأصحاب الرأى حجه على ما نواه. وروى هذا عن الحسن وعطاء والنخعى اهـ بتصرف وسيأتى تمام الكلام على ذلك فى باب الرجل يحج عن غيره (والحديث) أخرجه أيضا الحاكم وقال صحيح الإسناد 4 - باب التزود فى الحج أى الأمر باتخاذ الزاد للحج. وهذه الترجمة ثابتة فى بعض النسخ هكذا للحديث الآتى. وذكر الحديث الذى بعده تحت "باب التجارة فى الحج" وفى بعضها ذكرهما تحت هذه الترجمة وهى غير واضحة. وفى بعضها ذكرهما تحت "باب التزوّد والتجارة فى الحج" وهى واضحة 10 - (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفُرَاتِ يَعْنِى أَبَا مَسْعُودٍ الرَّازِىَّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُخَرِّمِىُّ وَهَذَا لَفْظُهُ قَالاَ نَا شَبَابَةُ عَنْ وَرْقَاءَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانُوا يَحُجُّونَ وَلاَ يَتَزَوَّدُونَ. قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ "كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ أَوْ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلاَ يَتَزَوَّدُونَ" وَيَقُولُونَ نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (ش) (شبابة) بن سوّار الفزارى. و (ورقاء) بن عمر اليشكرى تقدم ص 154 ج 7 (قوله كانوا يحجون ولا يتزودون) أى كان أهل اليمن يقصدون الحج ولا يأخذون معهم زادا اتكالا على سؤالهم الناس ويقولون عن المتوكلون ففى رواية البخارى كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن المتوكلون، فإذا قدموا المدينة سألوا الناس (الحديث) وفى رواية "فإذا قدموا مكة" قال الحافظ وهو الأصوب اهـ وليس هذا بتوكل. وإنما التوكل المحمود ألا يستعين بأحد غير الله تعالى بل يفوض الأمر إليه مع الأخذ فى الأسباب. فإن التوكل مع الأخذ

سبب نزول آية {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}

فى الأسباب أفضل من التوكل مع عدم الأخذ فيها، فقد قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اعقلها وتوكل. رواه الترمذى عن أنس (قوله {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} أى تزودوا ما يبلغكم لسفركم {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} أى ما بقى به الإنسان نفسه عن سؤال غيره وعن النهب والغصب. وأمر الله تعالى بذلك ليكف الحاج عن سؤال الناس. قال العوفى عن ابن عباس قال: كان أناس يخرجون من أهليهم ليس معهم زاد يقولون نحج بين الله ولا يطعمنا؟ فقال الله تزودوا ما يكف وجوهكم عن الناس. وذكر ابن جرير أن المراد به زاد الآخرة كما رواه عن نافع عن ابن عمر قال: كانوا إذا أحرموا ومعهم أزودة رموا بها واستأنفوا زادا آخر، فأنزل الله تعالى {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} فنهوا عن ذلك وأمروا أن يتزودوا الكعك والدقيق والسويق. ثم لما أمرهم بالزاد للسفر فى الدنيا أرشدهم إلى زاد الآخرة وهو استصحاب التقوى (الفقه) دلّ الحديث على أن ترك سؤال الناس من تقوى الله عز وجل. وعلى الترغيب فى التعفف والقناعة بالقليل. وعلى أن التوكل لا يكون مع سؤال الناس. وإنما التوكل على الله التفويض إليه بدون استعانة بأحد غيره (والحديث) أخرجه أيضا البخارى والنسائى وابن المنذر وابن حبان والبيهقى 5 - باب التجارة فى الحج أى أهى جائزة أم لا؟ 11 - (ص) حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى نَا جَرِيرٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى زِيَادٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} قَالَ: كَانُوا لاَ يَتَّجِرُونَ بِمِنًى فَأُمِرُوا بِالتِّجَارَةِ إِذَا أَفَاضُوا مِنْ عَرَفَاتٍ. (ش) (جرير) بن عبد الحميد (ومجاهد) بن جبر (قوله {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} الخ) أى ليس عليكم إثم وحرج فى أن تطلبوا فضلا من ربكم أى رزقا منه بالتجارة ونفعا بها (قوله كانوا لا يتجرون بمنى) أشار به إلى سبب نزول هذه الآية والتقييد بمنى لا مفهوم له. فقد قال ابن عباس كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا فى الجاهلية فتأثموا أن يتجروا فى المواسم فنزلت {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فى مواسم الحج. رواه البخارى والبيهقى ويأتى للمصنف فى الباب الآتى نحوه. وكانوا يقيمون فى عكاظ عشرين يوما من ذى القعدة. ثم ينتقلون إلى مجنة فيقيمون بها ثمانية عشر يوما: عشرة أيام من آخر ذى القعدة. وثمانية من أول ذى الحجة. ثم

الإجماع على إباحتها

يخرجون إلى عرفة فى يوم التروية. وعكاظ بوزن غراب سوق من أعظم أسواق الجاهلية بصحراء بين نخلة والطائف على مرحلة منها. ومجنة بفتح الميم وكسرها وفتح الجيم موضع بأسفل مكة على بريد منها. وذو المجاز موضع على فرسخ من عرفة (قوله فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات) وفى نسخة إذا انصرفوا من عرفات (وظاهره) أنّ التجارة أبيحت لهم بعد الوقوف بعرفات. ومفهومه أنها لم تبح قبل ذلك. لكن هذا المفهوم ينافيه رواية البخارى السابقة وما سيأتى للمصنف، فإنّ فيهما أنهم كانوا يتحرجون من التجارة قبل عرفات وبعدها فأبيح لهم التجارة فى كل ذلك (وفى الحديث) دلالة على إباحة التجارة فى الحج، لمن كان حاجا وأنّ ذلك لا يحبط عملا ولا ينقص ثوابا وهذا لا خلاف فيه؛ غير أنّ أبا مسلم الخولانى منع ذلك وحمل الآية على ما بعد الحج وقال. المراد اتقونى فى كل أعمال الحج. ثم بعد ذلك ليس عليكم جناح الخ كقوله تعالى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} لكنه غير مسلم للأحاديث المذكورة، ولأنّ حمل الآية على محل الشبهة التى هى التجارة فى زمن الحج أحق من حملها على ما بعد الفراغ منه. لأنّ نفى الحرج عما بعد الفراغ من أعمال الحج لا شك فيه. وقياس الحج على الصلاة فاسد. فإن أعمال الصلاة متصلة لا يحل فى أثنائها التشاغل بغيرها بخلاف أعمال الحج فإنها متفرقة تحتمل التجارة فى أثنائها (والحديث) أخرجه أيضا مسلم متابعة 6 - باب بالتنوين أى باب فى تعجيل الحج. وفى نسخة إسقاط لفظ باب ولا وجه له 12 - (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ مِهْرَانَ أَبِى صَفْوَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ. (ش) (الرجال) (الأعمش) سليمان بن مهران. و (الحسن بن عمرو) الفقيمى بضم الفاء وفتح القاف "نسبة إلى فقيم بطن من تميم" التيمى الكوفى. روى عن مجاهد بن جبر والحكم ابن عتيبة وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعى وغيرهم. وعنه الثورى وابن المبارك وحفص بن غياث ومحمد بن فضيل وجماعة. وثقه أحمد والنسائى والدارقطنى والعجلى وابن المدينى وابن معين وقال حجة. وفى التقريب ثقة ثبت من السادسة. مات سنة اثنين وأربعين ومائة. روى له البخارى والنسائى وأبو داود وابن ماجه. و (مهران أبى صفوان) روى عن ابن عباس هذا الحديث

الخلاف في أن الحج فرض على المستطيع فورا أو على التراخى

وعنه الحسن بن عمرو. قال الحاكم لا يعرف بجرح وفى التقريب مجهول من الرابعة. وفى الميزان لا يدرى من هو؟ وقال أبو زرعة لا يعرف إلا فى هذا الحديث، وذكره ابن حبان فى الثقات. روى له أبو داود هذا الحديث فقط (المعنى) (قوله من أراد الحج فليتعجل) خشية أن يمنعه مانع منه. ففى رواية أحمد وابن ماجه والبيهقى "من أراد الحج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتعرض الحاجة" (وفى هذا دليل) على أن الحج واجب على الفور ويأثم المستطيع إذا أخره. وبه قال أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف وأحمد وبعض الشافعية. ويدل لهم أيضا ما رواه أحمد عن ابن عباس مرفوعا "تعجلوا إلى الحج (يعنى الفريضة) فإن أحدكم لا يدرى ما يعرض له" ورواه البيهقى بلفظ عجلوا الخروج إلى مكة فإن أحدكم لا يدرى ما يعرض له مرض أو حاجة وقوله تعالى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} والأمر على الفور. وما رواه سعيد بن منصور فى سننه عن عبد الرحمن بن سابط قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه مرض حابس أو سلطان جائر أو حاجة ظاهرة فليمت على أى حال شاء يهوديا أو نصرانيا. ولأن وجوبه على التراخى يخرجه عن رتبة الواجبات لأنه يؤخر إلى غير غاية ولا يأثم بالموت قبل فعله لكون الشارع رخص له فى تأخيره. وليس على الموت أمارة يقدر بعدها على فعله (وقال الشافعى) والأوزاعى والثورى ومحمد بن الحسن: الحج واجب على التراخى فلا يأثم بتأخيره إذا كان مستطيعا. قال النووى ونقله الماوردى عن ابن عباس وأنس وجابر وعطاء وطاوس اهـ واستدلوا بأن الحج فرض سنة ست من الهجرة وفتح رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مكة فى رمضان سنة ثمان وانصرف عنها فى شوال من سنته فأقام الناس الحج بأمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالمدينة هو وأزواجه وعامة أصحابه ثم غزا غزوة تبوك سنة تسع وانصرف عنها قبل الحج فأقام الناس الحج فى تلك السنة بأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبو بكر أمير عليهم. ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه قادرون على الحج غير مشتغلين بقتال ولا غيره. ثم حج هو وأزواجه وأصحابه سنة عشر. فدل ذلك على أنّ الحج واجب على التراخى، ولو كان على الفور ما أخره. قال النووى: هذا دليل الشافعى وجمهور الأصحاب (وقال البيهقى) هذا الذى ذكره الشافعى مأخوذ من الأخبار. فأما نزول فرض الحج فكما قال. واستدلّ أصحابنا له بحديث كعب بن عجرة قال: وقف علىّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالحديبية ورأسى يتهافت قملا. فقال يؤذيك هوامّك؟ قلت نعم يا رسول الله. فقال قد أذاك هوام رأسك؟ قلت نعم، قال فاحلق رأسك قال ففى نزلت هذه الآية "فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية الخ" رواه البخارى ومسلم. قال أصحابنا فثبت بهذا الحديث أن قوله تعالى {وَأَتِمُّوا

بعض أدلة القول بوجوبه على التراخى الجواب عن أدلة الفورية

الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} الخ "نزلت" سنة ست من الهجرة. وهذه الآية دالة على وجوب الحج ونزل بعدها قوله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} وقد أجمع المسلمون على أنّ الحديبية كانت سنة ست من الهجرة فى ذى القعدة، وثبت بالأحاديث الصحيحة واتفاق العلماء أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غزا حنينا بعد فتح مكة وقسم غنائمها واعتمر من سنته فى ذى القعدة وكان إحرامه بالعمرة من الجعرانة، ولم يكن بقى بينه وبين الحج إلا أياما يسيرة، فلو كان على الفور لم يرجع من مكة حتى يحج مع أنه هو وأصحابه كانوا حينئذ موسرين فقد غنموا الغنائم الكثيرة ولا عذر لهم ولا قتال ولا شغل آخر. وإنما أخره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن سنة ثمان بيانا لجواز التأخير وليتكامل الإسلام والمسلمون فيحج بهم حجة الوداع ويحضرها الخلق فيبلغوا عنه المناسك، ولهذا قال حجة الوداع "ليبلغ الشاهد منكم الغائب ولتأخذوا عنى مناسككم". واحتجوا أيضا بما رواه عن أنس قال: نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن شيء، فكان يعجبنا أن يجئ الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية فقال يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أنّ الله أرسلك. قال صدق. قال فمن خلق السماء؟ قال الله. قال فمن خلق الأرض؟ قال الله. قال فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال الله. قال فبالذى خلق الأرض ونصب هذه الجبال آلله أرسلك؟ قال نعم. قال وزعم رسولك أنّ علينا خمس صلوات فى يومنا وليلتنا. قال صدق. قال فبالذى أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال نعم. قال وزعم رسولك أنّ علينا زكاة فى أموالنا قال صدق. قال فبالذى أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال نعم. قال وزعم رسولك أنّ علينا صوم شهر رمضان فى سنتنا. قال صدق. قال فبالذى أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال نعم. قال وزعم رسولك أنّ علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا. قال صدق اهـ (قال النووى) وفى رواية البخارى أنّ هذا الرجل هو ضمام بن ثعلبة وقدومه على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان سنة خمس من الهجرة. قاله محمد بن حبيب وآخرون. وقال غيره سنة سبع، وقال أبو عبيد سنة تسع اهـ وقالوا إنه إذا تمكن من الحج وأخره ثم فعله لا ترد شهادته بالاتفاق. ولو حرم التأخير لردت شهادته (قال النووى) المختار أنّ الأمر المجرد عن القرائن لا يقتضى الفور، وإنما المقصود منه الامتثال المجرد (وأجابوا) عن حديث الباب بأنه ضعيف، لأن في سنده مهران وفيه مقال. وعلى فرض صحته فالأمر فيه للندب جمعا بين الأدلة. وكذا القول فى حديث تعجلوا الحج، فإن أحدكم لا يدرى ما يعرض له" (وقال النووى) فى شرح المهذب. إن الحديث لنا لأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوض الحج إلى إرادة الشخص واختياره، ولو كان على الفور لم يفوض تعجيله إلى اختياره اهـ

شرط جواز تأخيره عن أول زمن الإمكان

وعن آية وأتموا الحج الخ بأن الأمر المطلق المجرد عن القرائن لا يقتضى الفور بل هو للتراخى. وعلى فرض أنه للفور "فتأخيره" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الحج إلى السنة العاشرة "قرينة" صارفة له عن الفورية. وعن حديث عبد الرحمن بن سابط بأنه ضعيف كما قال النووى فى شرح المهذب. وبأن الذم لمن أخره إلى الموت وهذا أمر متفق عليه. وبأن الحديث محمول على من تركه معتقدا عدم وجوبه مع الاستطاعة "ولا يقال" إنّ من أخره مستطيعا حتى مات أثم اتفاقا فيدل على الوجوب فورا "لأنّ الإثم" إنما جاء من تفريطه بالتأخير. وإنما جاز له التأخير بشرط سلامة العاقبة، كما إذا ضرب ولده أو زوجته، أو المعلم الصبى أو عذّر السلطان إنسانا فمات، فإنه يجب الضمان لأنه مشروط بسلامة العاقبة. والعمدة فى هذا تأخيره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد إمكان التعجيل. إذا علمت هذا علمت أن الراجح القول بوجوب الحج على التراخى (والحديث) أخرجه أيضا أحمد وابن ماجه والبيهقى والدارمى والحاكم وقال صحيح الإسناد 7 - باب الكرى بتشديد الياء على وزن صبى، أى من يكرى دابته، وقد يطلق على المكترى فهو فعيل بمعنى مفعول 13 - (ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ نَا الْعَلاَءُ بْنُ الْمُسَيَّبِ نَا أَبُو أُمَامَةَ التَّيْمِىُّ قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً أُكْرِى فِى هَذَا الْوَجْهِ, وَكَانَ نَاسٌ يَقُولُونَ لِى إِنَّهُ لَيْسَ لَكَ حَجٌّ, فَلَقِيتُ ابْنَ عُمَرَ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّى رَجُلٌ أُكْرِى فِى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ لِى إِنَّهُ لَيْسَ لَكَ حَجٌّ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ أَلَيْسَ تُحْرِمُ وَتُلَبِّى وَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَتُفِيضُ مِنْ عَرَفَاتٍ وَتَرْمِى الْجِمَارَ؟ قَالَ قُلْتُ بَلَى. قَالَ فَإِنَّ لَكَ حَجًّا. جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ مِثْلِ مَا سَأَلْتَنِى عَنْهُ, فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ وَقَالَ لَكَ حَجٌّ. (ش) (الرجال) (العلاء بن المسيب) بن رافع الأسدى الكاهلى الكوفى. روى عن عكرمة وعطاء والحكم بن عتيبة وسهيل بن أبى صالح وغيرهم. وعنه زهير بن معاوية وحفص

جواز كراء الدواب والتجارة والكسب للحاج

ابن غياث وجرير بن عبد الحميد ومروان بن معاوية وجماعة، وثقه العجلى وابن سعد ويعقوب ابن سفيان وابن معين وقال مأمون، وقال عمار ثقة يحتج بحديثه، وفى التقريب ثقة ربما وهم من السادسة. روى له البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه. و (أبو أمامة التيمى) الكوفى لم يعرف اسمه. روى عن ابن عمر هذا الحديث. وعنه العلاء بن المسيب والحسن بن عمرو وشعبة. وثقه ابن معين وقال أبو زرعة لا بأس به، وفى التقريب مجهول من الرابعة. روى له أبو داود (المعنى) (قوله كنت أكرى فى هذا الوجه) أى أكرى دابتى فى سفر الحج (قوله ليس لك حج الخ) يعنى حيث اشتغلت بالكراء فإن سيرك لأجل دابتك لا لأعمال الحج (قوله أليس تحرم الخ) أى ألست تؤدى أعمال الحج مع كرائك لدابتك فقال بلى. أى أعمل، فقال له ابن عمر إن لك حجا، أى إن كراءك لدابتك مع أدائك لأعمال الحج لا يخل بحجك (قوله جاء رجل إلى النبى الخ) ساقه ابن عمر استدلالا على ما أفتى به أبا أمامة. وابتغاء الفضل فى الآية طلب الرزق بالكسب، أعم من أن يكون بطريق الكراء أو بطريق التجارة (والحديث) دليل على جواز كراء الدابة فى الحج والاشتغال بالكسب فيه وهو مجمع عليه (والحديث) أخرجه أيضا الدارقطنى والبيهقى والحاكم وقال صحيح الإسناد 14 - (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ نَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّاسَ فِى أَوَّلِ الْحَجِّ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِمِنًى وَعَرَفَاتٍ وَسُوقِ ذِى الْمَجَازِ وَمَوَاسِمِ الْحَجِّ فَخَافُوا الْبَيْعَ وَهُمْ حُرُمٌ, فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} فِى مَوَاسِمِ الْحَجِّ. قَالَ: فَحَدَّثَنِى عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا فِى الْمُصْحَفِ. (ش) (ابن أبى ذئب) محمد بن عبد الرحمن (قوله أن الناس فى أول الحج الخ) يعنى أنهم كانوا فى الجاهلية يبيعون ويشترون فى هذه الأماكن. ويحتمل أنهم كانوا فى مبدأ مشروعية الحج يتجرون فى الأماكن المذكورة فى مواسم الحج على ما اعتادوه فى الجاهلية ثم تحرجوا عن البيع والشراء فى زمن الحج، فنزل ليس عليكم جناح الآية. ومواسم الحج جمع موسم بفتح الميم وسكون الواو وكسر السين المهملة. وهو وقت يجتمع فيه الحاج كل سنة مأخوذ من السمة وهى العلامة سمى بذلك لأنه معلم يجتمع فيه الناس (قوله فخافوا البيع الخ)

باب الصبى يحج

أي خافوا من البيع والشراء وهم محرمون أن تفسد أعمالهم أو ينقص ثوابهم، فأنزل الله تعالى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} الآية (قوله قال فحدثنى عبيد بن عمير إلخ) أي قال عطاء بن أبي رباح فحدثنى عبيد بن عمير أن ابن عباس كان يقرأ هذه الآية في المصحف بزيادة قوله "فى مواسم الحج" أي أن هذه الكلمة ليست تفسيرا بل هى في قراءة ابن عباس من القرآن. وهي قراءة شاذة وكذلك رواه الطبراني عن أيوب عن عكرمة بهذه الزيادة. ويحتمل أن المعنى قال ابن أبي ذئب فحدثني عبيد بن عمير أن ابن عباس كان يقرأ كلمة في مواسم الحج في المصحف. يعني أنها من القرآن. وعليه فيكون ابن أبي ذئب روى الحديث عن عطاه بن أبى رباح عن عبيد بن عمير وليس فيه أن ابن عباس كان يقرؤها في المصحف. ثم رواه ابن أبي ذئب عن عبيد بن عمير مباشرة. وفيه أن ابن عباس كان يقرأ هذة الكلمة في المصحف (وفى هذا) دلالة على جواز التجارة والكسب في الحج للمحرم به. وتقدم بيانه (والحديث) أخرجه أيضا الحاكم وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه البيهقي من طريق آدم بن أبي إياس عن ابن أبي ذئب 15 - (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ أَخْبَرَنِى ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ كَلاَمًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّاسَ فِى أَوَّلِ مَا كَانَ الْحَجُّ كَانُوا يَبِيعُونَ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ إِلَى قَوْلِهِ مَوَاسِمِ الْحَجِّ. (ش) (الرجال) (ابن أبي فديك) محمد بن إسماعيل بن مسلم. و (عبيد بن عمير) مولى ابن عباس ويقال مولى أم الفضل. روى عن ابن عباس. وعنه ابن أبي ذئب. وفي التقريب مجهول من الرابعة. وهو غير عبيد بن عمير الليثى، فإن ابن أبي ذئب لم يدرك الليثى. روى له أبو داود هذه الحديث فقط (المعنى) (قوله كانوا يبيعون) وفي نسخة يتبايعون (قوله فذكر معناه) أى ذكر ابن أبي فديك معنى حديث حماد بن مسعدة 8 - باب الصبى يحج أى أيجوز حجه أم لا؟ 16 - (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِالرَّوْحَاءِ فَلَقِىَ رَكْبًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ مَنِ الْقَوْمُ؟ فَقَالُوا الْمُسْلِمُونَ. فَقَالُوا فَمَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

حجه صحيح لكنه لا يكفى عن حجة الإسلام بعد بلوغه

تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. فَفَزِعَتِ امْرَأَةٌ فَأَخَذَتْ بِعَضُدِ صَبِىٍّ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ مِحَفَّتِهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ. (ش) (الرجال) (إبراهيم بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني. روى عن كريب وأبي الزناد وعروة بن الزبير وعدة. وعنه السفيانان ومالك وابن المبارك وآخرون. وثقه أحمد وابن معين والنسائي وأبو داود والدارقطني وابن سعد وقال قليل الحديث. وفي التقريب ثقة من السادسة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه (المعنى) (قوله كان رسول الله بالروحاء) بفتح الراء وسكون الواو وحاء مهملة ممدودة موضع بين مكة والمدينة على نحو أربعين ميلا من المدينة (قوله فلقى ركبا فسلم عليهم) أي لقى جماعة فسلم عليهم وكان ذلك حين رجوعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من مكة إلى المدينة بعد الحج. ففي رواية النسائي عن ابن عباس قال: صدر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلما كان بالروحاء الحديث وصرح به ابن القيم في الهدى قال: ثم ارتحل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم راجعا إلى المدينة فلما كان بالروحاء لقى ركبا إلخ (قوله فقال من القوم) أي قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من القوم؟ (قوله ففزعت امرأة الخ) أي خافت فوت الجواب وبادرت فأخذت بساعد صبي "وهو من المرفق إلى الكتف" فأخرجته من محفتها بكسر الميم وتشديد الفاء مركب للنساء كالهودج غير أنه ليس له قبة (قوله نعم) أي له فضل الحج دون أن يكون محسوبا عن فرضه لو بقى حتى يبلغ. وهذا كالصلاة يؤمر بها إذا أطاقها وهي غير واجبة عليه. ولكن يكتب له أجرها تفضلا من الله تعالى ويكتب لمن يأمره بها ويرشده إليها أجر (قوله ولك أجر) يعني لحملها إياه وتحملها المشاق من أجله وتجنيبها إياه ما يجتنبه المحرم وفعلها به ما يفعل المحرم (وفي هذا) الحديث دليل على أنّ حج الصبي ولو غير مميز صحيح منعقد ويحرم الولى عن غير المميز ويجرده ويلبي عنه ويطوف به ويسعى ويقف به بعرفة ويرمي عنه. وبه قال مالك والشافعي وأحمد وجماهير العلماء ومنهم الحنفية. قال العلامة بن عابدين: ففي الولو الجية وغيرها الصبي يحج به أبوه وكذا المجنون لأن إحرامه عنهما وهما عاجزان كإحرامهما بنفسهما اهـ واستدلوا بحديث الباب. وحديث السائب بن يزيد قال: حج بي مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين رواه أحمد والبخاري وبحديث جابر قال: حججنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم. أخرجه أحمد وابن ماجه. ولكن على الصبي حجة أخرى إذا بلغ، لما رواه أحمد عن محمد بن كعب القرظي أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: أيما صبي حج به أهله فمات أجزأت عنه. فإن أدرك فعليه الحج

المذاهب فيما يترتب على ارتكاب الصبى محظورا في حجه

ولما رواه الحاكم والبيهقي من طريق الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعيله أن يحج حجة أخرى (وقال داود) وأصحابه وطائفة من أهل الحديث إن الصبي إذا حج قبل بلوغه كفاه عن حجة الإسلام، وليس عليه أن يحج حجة أخرى أخذا بظاهر حديث الباب. لكن الحديث ليس فيه ما يدل على أن الصبي إذا حج يجزئه عن حجة الإسلام، لا سيما وأن حديثي أحمد والحاكم المذكورين صريحان في أن الصبي إذا حج قبل بلوغه لا يكفيه ذلك عن حجة الإسلام (قال في النيل) قال ابن بطال أجمع أئمة الفتوى على سقوط الفرض عن الصبي حتى يبلغ إلا أنه إذا حج كان له تطوعا عند الجمهور وقال الطحاوي: لا حجة في قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نعم، على أنه يجزئه عن حجة الإسلام. بل فيه حجة على من زعم أنه لا حج له، لأن ابن عباس راوي الحديث قال "أيما غلام حج به أهله ثم بلغ فعليه حجة أخرى" وأخرج ابن عدي من حديث جابر قال "لو حج صغير حجة لكان عليه حجة أخرى" فيؤخذ من مجموع هذه الأحاديث أنه يصح حج الصبي ولا يجزئه عن حجة الإسلام إذا بلغ. وهذا هو الحق فيتعين المصير إليه جمعا بين الأدلة اهـ ملخصا وعليه فكل ما يترتب على الكبير المحرم من هدى وفدية وجزاء صيد يترتب على الصبي ويطالب به وليه (قال) الخطابي: فإذا كان له حج فقد علم أن من سنته أن يوقف به في المواقف ويطاف به محمولا إن لم يطق المشي وكذلك السعي بين الصفا والمروة ونحوها من أعمال الحج. وفي معناه المجنون إذا كان ميئوسا من إفاقته. وفي ذلك دليل على أن حجه إذا فسد ودخله نقص، فإن جبرانه واجب عليه كالكبير. وإن اصطاد صيدا لزمه الفداء كالكبير. وقال بعض أهل العراق لا يحج بالصبي الصغير. والسنة أولى ما اتبع اهـ ملخصا. ما روى عن أبي حنيفة من أنه لا يصح إحرام الصبي بالحج، فمعناه أنه لا يصح صحة يترتب عليها وجوب الكفارة عليه إذا فعل محظورا من محظورات الإحرام زيادة في الرفق، لا أنه لا يثاب عليه. وعليه فلو ارتكب الصبي محظورا في الحج فلا دم فيه عند الحنفية لا في ماله ولا في مال وليه. وقالت المالكية فدية اللبس والطيب ونحوهما على وليه، وجزاء الصيد في غير الحرم على وليه مطلقا. أما ما صاده فى الحرم فعلى وليه إن كان لا يخاف على الصبي بتركه ضياعا وإلا ففي مال الصبي. وقالت الشافعية لو ارتكب الصبي غير المميز محظورا فلا ضمان مطلقا. وإن كان مميزا فالضمان على وليه. وإن أتلف بإرشاد غيره فالضمان على المرشد. وقالت الحنابلة نفقة حج الصبي وكفاراته في مال وليه على الصحيح (والحديث) أخرجه أيضا أحمد ومسلم والنسائي 9 - باب المواقيت وفي نسخة "باب في المواقيت" أي الأماكن التي يحرم منها الحاج والمعتمر. جمع ميقات مثل

ميعاد ومواعيد. وهو لغة الحد مأخوذ من الوقت الذي هو مقدار من الزمن. ثم استعير للمكان توسعا ثم صار حقيقة شرعية في كل من الزمان والمكان. والمراد به هنا المكان الذي عينه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للإحرام فلا يجوز لمريد مكة مجاوزته بلا إحرام على ما يأتي 17 - (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ عَنْ مَالِكٍ ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا. وَبَلَغَنِى أَنَّهُ وَقَّتَ لأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ. (ش) (قوله وقت رسول الله لأهل المدينة ذا الحليفة) بضم الحاء المهملة مصغرًا، أي عين لأهل المدينة ذا الحليفة يحرمون منه. وهو مكان في الجنوب الغربي من المدينة بينهما ستة أميال وبه مسجد يعرف بمسجد الشجرة وآبار يقال لها آبار علىّ. تزعم العامة أنه قاتل الجن بها وهو كذب. ويطلق على موضع آخر بأرض تهامة. ففي حديث رافع بن خديج قال: كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بذي الحليفة من تهامة فأصبنا نهب غنم (قوله ولأهل الشام الجحفة) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة، قرية في الشمال الغربي لمكة على أربعة مراحل منها "أو 32 ميلا" قريب من رابغ وكانت تسمى مهيعة. وسميت الجحفة لأن السيل أجحف بأهلها. وذلك أن العماليق كانوا يسكنون يثرب "المدينة" فوقع بينهم وبين بني عبيد وهم إخوة عاد حرب فأخرجوهم من يثرب فنزلوا بمهيعة فجاء سيل فاجتحفهم "أي استأصلهم" فلذلك سميت الجحفة وقد ذهبت أعلامها ولذا صار الناس يحرمون الآن من رابغ مدينة في شمالها احتياطا (قوله ولأهل نجد قرنا) وفي نسخة القرن. والنجد في الأصل ما ارتفع من الأرض. ويجمع على نجود كفلس وفلوس. والمراد بها هنا بلاد معروفة من ديار العرب مما يلي العراق. وليست من الحجاز وإن كانت من جزيرة العرب. وقرن بفتح القاف وسكون الراء هو قرن المنازل، ويقال له قرن الثعالب. جبل مطل على عرفات في الشمال الشرقي لمكة على يوم وليلة. وأصل قرن، الجبل الصغير المستطيل المنقطع عن الجبل الكبير. ورواه بعضهم بفتح الراء وهو غلط لأن قرنا بفتح الراء قرية باليمن. وقيل إن قرن الثعالب جبل مشرف على أسفل منى بينه وبين مسجد منى خمسمائة وألف ذراع. وعليه فهو ليس من المواقيت (قوله وبلغني أنه وقت لأهل اليمن الخ) أي قال ابن عمر: بلغني أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جعل مكان الإحرام لأهل اليمن يلملم. وقال هنا بلغني دون ما قبله إشارة إلى أنه لم يسمع هذا من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مباشرة، وإنما وصل إليه بواسطة ففي رواية الدارمي "قال ابن عمر: أماهذه الثلاث فقد سمعتهن من رسول الله صلى الله تعالى عليه

وعلى آله وسلم. وبلغني الخ" "ويلملم" بفتح المثناة التحتية واللامين وسكون الميم بينهما. ويقال فيه ألملم بالهمزة وهو الأصل. وقلبت في المشهور ياء "جبل" جنوب مكة على مرحلتين منها. وقيل بينهما ثلاثون ميلا (وظاهر الحديث) أن يلملم ميقات جميع أهل اليمن وليس كذلك فإن لأهل اليمن طريقين طريق لأهل تهامة يمرون فيه على يلملم ميقات أو يحاذونه، فيلملم ميقاتهم لا يشاركهم فيه أحد إلا من أتى عليه من غيرهم. والثاني طريق نجد اليمن وهم أهل الجبال وهؤلاء يمرون على قرن أو يحاذونه، فهو ميقاتهم دون يلملم. فأطلق اليمن في الحديث وأريد بعضه وهو تهامة خاصة أفاده في الفتح (والحديث) أخرجه أيضا الشيخان والنسائي وابن ماجه والدارمي 18 - (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نَا حَمَّادٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالاَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ قَالَ أَحَدُهُمَا: وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ. وَقَالَ أَحَدُهُمَا أَلَمْلَمَ. قَالَ فَهُنَّ لَهُمْ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ. وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ طَاوُسٍ "مِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ" قَالَ وَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا. (ش) (حماد) بن زيد (قوله وعن ابن طاوس) عطف على عن عمرو بن دينار أي حدث حماد بن زيد عن عمرو بن دينار وعن عبد الله بن طاوس (قوله قالا) أى عمرو بن دينار وعبد الله ابن طاوس بسندهما وذكرا معنى الحديث السابق. والحاصل أن حديث حماد هذا له طريقان "أحدهما" عن عمرو بن دينار رواه مسندا "وثانيهما" عن عبد الله بن طاوس عن أبيه مرسلا. وأخرجه الدارقطني من الطريقين كالمصنف قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز نا خلف بن هشام نا حماد بن زيد عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس. وعبد الله بن طاوس عن أبيه رفعاه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرنا. قال ابن طاوس قرن المنازل. ولأهل اليمن يلملم، أو قال ألملم، قال فهن لهم ولمن أتى عليهن من غيرهم ممن كان يريد الحج والعمرة ممن كان دونهن. قال عمرو من أهله. وقال ابن طاوس من حيث أنشأ كذلك فكذلك حتى أهل مكة يهلون منها اهـ. فالمرسل من طريق خلف بن هشام عن حماد. قال الدارقطني وتابعه "أي على إرساله" سليمان بن حرب. وغير واحد وخالفهم يحيى بن حسان فأسنده عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس (قوله فهن لهم الخ) أي فالمواقيت المذكورة

لمن ذكر من أهل تلك الجهات ولمن أتى عليها من غير أهلها. سواء فى ذلك من كان له ميقات معين أم لا. أما من ليس له ميقات معين فأى ميقات يمر عليه فهو ميقاته، ويلزمه الإحرام منه. وأمّا من له ميقات معين وفى طريقه ميقات قبل ميقاته كالشامي يحج من المدينة فمر بذى الحليفة. فعند الشافعى وأحمد وإسحاق يجب أن يحرم من ذى الحليفة وهو قول لأبي حنيفة. وعند مالك يندب له الإحرام من ذى الحليفة وهو مشهور مذهب الحنفية. ويلزمه الإحرام من الجحفة إن لم يحرم من ذى الحليفة. قال فى البدائع من جاوز ميقاتا من هذه المواقيت من غير إحرام إلى ميقات آخر جاز إلا أن المستحب أن يحرم من الميقات الأول. روى عن أبى حنيفة أنه قال فى غير أهل المدينة إذا مروا على المدينة فجاوزوها إلى الجحفة فلا بأس بذلك، وأحب إلىّ أن يحرموا من ذى الحليفة اهـ وقالت الحنفية أيضا: يجوز للمدنى أن يجاوز ذا الحليفة بلا إحرام، فإذا فعل ذلك وأحرم من الجحفة أو عند محاذاتها فلا شيء عليه. ومن سلك طريقا بين ميقاتين برا أو بحرا فعند الحنفية يجتهد ويحرم إذا حاذى ميقاتا منهما. والأبعد من مكة أولى بالإحرام منه وهو ظاهر مذهب المالكية. وعند أحمد يتعين الإحرام من أبعدهما. وهو الأصح عند الشافعية (قوله ممن كان يريد الحج والعمرة) ظاهره أن الإحرام من هذه المواقيت إنما على من مر بها قاصدا حجا أو عمرة دون من لم يرد شيئا منهما، فلو أن مدنيا مر بذى الحليفة لا وهو لا يريد حجا ولا عمرة فسار حتى قرب من الحرم ثم أراد حجا أو عمرة فإنه يحرم حينئذ ولا يجب عليه دم. وهو مروى عن ابن عمر وابن عباس والأخير من قولى الشافعى. وذهب الأوزاعى وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق والجمهور إلى أن عليه دما إن لم يرجع إلى الميقات، لأنه لا يجوز لمريد مكة مجاوزة الميقات بغير عذر بلا إحرام من غير فرق بين من أراد مكة لأحد النسكين أو لغيرهما. ومن فعل أثم ولزمه دم، لحديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: لا يجاوز الوقت الا يإحرام. رواه ابن أبى شيبة والطبراني فى معجمه. وعن أبى الشعثاء جابر بن زيد أنه رأى ابن عباس يرد من جاوز الميقات غير محرم. رواه الشافعى والبيهقى فى المعرفة وابن أبى شيبة. وعن عطاء عن ابن عباس قال إذا جاوز الوقت فلم يحرم حتى دخل مكة رجع إلى الوقت فأحرم، فإن خشى إن رجع الى الوقت فوت الحج، فإنه يحرم ويهرق لذلك دما. رواه إسحاق بن راهويه فى مسنده. فهذه المنطوقات أولى من المفهوم المخالف فى قوله "من أراد الحج والعمرة" إن ثبت أنه من كلامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دون كلام الراوى "وأما حديث جابر" أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخل يوم الفتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام. رواه مسلم والنسائى "فيجاب عنه" بأنه كان لعذر الحرب وهو مختص بتلك الساعة بدليل قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فى ذلك اليوم: مكة حرام لم تحل لأحد قبلى ولا لأحد بعدى، إنما حلت لى ساعة من نهار ثم عادت

حراما. وهذا فى حق من كان خارج الميقات. أما من كان فيه أو داخله فيحل له دخول مكة لحاجة غير محرم لكثرة دخوله. وفى إلزامه بالإحرام كلما دخل حرج وهو مدفوع بقوله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (قال العيني) على البخاري: من أراد دخول مكة لقتال مباح أو لخوف أو لحاجة متكررة كالحشاش والحطاب وناقل الميرة ومن كانت له ضيعة يتكرر دخوله وخروجه إليها. فهؤلاء لا إحرام عليهم، لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخل يوم فتح مكة حلالا وعلى رأسه المغفر، وكذلك أصحابه. ولو وجب الإحرام على من يكرر دخولها لأفضى إلى أن يكون جميع زمنه محرما. وبهذا قال الشافعى وأحمد. وكذا من جاوز الميقات مريدا حاجة فى غير مكة فهذا لا يلزمه الإحرام بلا خلاف، ومتى بدا له الإحرام يحرم من موضعه ولا شيء عليه. وبه يقول مالك والثوري والشافعى وصاحبا أبي حنيفة. وعن أحمد وإسحاق أنه يلزمه الرجوع من الميقات والإحرام منه اهـ بتصرف (قوله ومن كان دون ذلك) أى من كان دون هذه المواقيت بأن كان مسكنه بين مكة. وأحد هذه المواقيت، فإحرامه من بلده. والأفضل أن يحرم من الطرف الأبعد منها إلى مكة. وهكذا الحال فى المواقيت. وكذا إذا كان ساكنا فى خيام يستحب أن يحرم من الطرف الأبعد بالنسبة إلى مكة. وكذا إذا كان ساكنا فى واد يقطع طرفيه محرما. فإن تعدى هذه الأمكنة حلالا ثم أحرم وجب عليه الرجوع وإلا أثم وعليه دم. فإن كان ساكنا فى برية منفردا بين الميقات ومكة فإحرامه من مسكنه (قوله من حيث أنشأ قال وكذلك الخ) أي قال ابن طاوس: يحرم من حيث ابتدأ سفره وكذا كل من كان داخل الميقات ودخل الحرم يفعل ذلك حتى أهل مكة يحرمون منها. وهذا لفظ ابن طاوس ولفظ عمرو بن دينار كما فى رواية للبخاري "فمن كان دونهن فمهله من أهله، وكذاك حتى أهل مكة يهلون منها" وأهل بالرفع مبتدأ خبره يهلون. وفى الدارقطني فمن كان دونهن قال عمرو: من أهله. وقال ابن طاوس: وحيث أنشأ اهـ ومنه يتبين موضع الخلاف فى لفظهما (وهذا) صريح فى أن من كان ساكنا مكة فإحرامه منها. وهو محمول على من أراد الإحرام بالحج فقط أو بالحج مع العمرة. أمّا من أراد الإحرام بالعمرة فقط، فلا بد أن يخرج إلى الحل ويحرم منه ليجمع فى إحرامه بين الحل والحرم كما سيأتى فى باب العمرة (الفقه) دل الحديث على أنه لا يجوز لمريد الحج أو العمرة مجاوزة الميقات بلا إحرام وهو متفق عليه. وأجمعوا على أنه لو أحرم قبل الميقات أجزأه. قال الخطابي: وفى حديث بيان أن المدني إذا جاء من الشام على طريق الجحفة، فإنه يحرم من الجحفة ويصير كأنه شامى. وإذا أتى اليمن على ذى الحليفة أحرم منه وصار كأنه مدنى. وفيه أن من كان منزله وراء هذه المواقيت مما يلى مكة، فإنه يحرم من منزله. وفيه أن ميقات أهل مكة فى الحج خاصة مكة. والمستحب للمكى أن يحرم قبل أن يخرج إلى الصحراء. فأما إذا أراد العمرة فإنه يخرج

إلى أدنى الحل فيحرم منه، ألا ترى أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر عبد الرحمن بن أبى بكر أن يخرج بعائشة فيعمرها من التنعيم اهـ بحذف (والحديث) أخرجه أيضا الدارقطنى بلفظ تقدم. وأخرجه الشيخان والنسائى والدارمى والبيهقى من طريق وهيب عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة (الحديث) وأخرجه الشيخان من طريق حماد بن زيد عن عمرو بن دينار 19 - (ص) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ بَهْرَامَ الْمَدَائِنِىُّ نَا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ عَنْ أَفْلَحَ يَعْنِى ابْنَ حُمَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ. (ش) (الرجال) (المعافى بن عمران) بن نفيل بن جابر الأزدى أبو مسعود. روى عن ابن جريج والثورى والأوزاعى وسليمان بن بلال وكثيرين. وعنه وكيع وبقية وهشام بن بهرام ويحيى بن مخلد وآخرون. وثقه ابن معين وأبو حاتم والعجلى وابن خراش وابن سعد وقال كان خيرا فاضلا صاحب سنة، وفى التقريب عابد فقيه من كبار التاسعة. روى له البخارى وأبو داود والترمذى والنسائى. و (أفلح بن حميد) بن نافع الأنصارى النجارى أبو عبد الرحمن. روى عن القاسم ابن محمد وأبى بكر بن حزم وسليمان بن عبد الرحمن. وعنه ابن وهب ووكيع وأبو نعيم والثورى وغيرهم. وثقه أبو نعيم وأبو حاتم وقال النسائى لا بأس به، وقال ابن عدى أرجو أن تكون أحاديثه مستقيمة، وفى التقريب ثقة من السابعة. روى له البخارى ومسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه (المعنى) (قوله وقت لأهل العراق ذات عرق) أى جعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ميقات أهل العراق ذات عرق "بكسر فسكون" موضع فى الشمال الشرقى لمكة بينه وبينها نحو ستة وأربعين ميلا. والعراق إقليم معروف يذكر ويؤنث (والحديث) صريح فى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى وآله سلم الذى جعل ذات عرق ميقاتا لأهل العراق. وإليه ذهب الجمهور وعطاء بن أبى رباح: فقد أخرج البيهقى بسنده الى ابن جريج قال: أخبر عطاء أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "وقت لأهل المدينة ذا الحليفة. ولأهل المغرب الجحفة، ولأهل المشرق ذات عرق (الحديث) وأخرج من طريق الحجاج عن عطاء عن جابر بن عبد الله وعن أبى الزبير عن جابر قال: وقت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن وأهل تهامة يلملم، ولأهل الطائف وهي نجد قرن، ولأهل العراق ذات عرق. ويؤيده ما فى رواية لمسلم والطحاوى والبيهقى من طريق ابن جريج قال: أخبرنى

أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن المهل فقال: سمعت أحسبه رفع الحديث إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: مهل أهل المدينة من ذى الحليفة. والطريق الآخر من الجحفة. ومهل أهل العراق من ذات عرق. ومهل أهل نجد من قرن. ومهل أهل اليمن من يلملم وما أخرجه الطحاوى من طريق حفص بن غياث عن الحجاج عن عطاء عن جابر قال: وقت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة, ولأهل اليمن يلملم، ولأهل العراق ذات عرق. وما أخرجه أيضا من حديث هلال بن زيد قال: أخبرنى أنس ابن مالك أنه سمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقت لأهل المدينه ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل البصرة ذات عرق ولأهل المدائن العقيق. وفى رواية للبخارى والبيهقى أن الذى وقت ذات عرق للعراق عمر بن الخطاب فقد أخرجا عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: لما فتح هذان المصران، أتوا عمر رضى الله تعالى عنه فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حد لأهل نجد قرنا وهو جور "أى منحرف" عن طريقنا وإنا إن أردنا قرنا شق علينا قال: فانظروا حذوها من طريقكم فحدّ لهم ذات عرق. والمصران: البصرة والكوفة والمراد بفتحهما غلبة أهل الإسلام على أرضهما. وروى الشافعى من طريق طاوس قال: لم يوقت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذات عرق ولم يكن حينئذ أهل المشرق "يعنى بهم أهل العراق لم يكونوا قد أسلموا" وقال فى الأم: لم يثبت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه حد ذات عرق وإنما أجمع عليه الناس. فحديث ابن عمر وكلام الشافعى يدلان على أن توقيت ذات عرق للعراق ليس مرفوعا إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وبه قال جابر بن زيد وطاوس ومحمد بن سيرين والغزالى والرافعى والنووى فى شرح مسلم. والصحيح أنه مرفوع إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما ذكر فى الأحاديث. وهى وإن كان فى بعضها مقال كما قال الحافظ ولكن لكثرتها يقوى بعضها بعضا (قال) فى النيل: حديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذرى. وقال فى التلخيص هو من رواية القاسم عنها تفرد به المعافى بن عمران عن أفلح عنه، والمعافى ثقة. وحديث جابر أخرجه مسلم على الشك فى رفعه. وأخرجه أبو عوانة فى مستخرجه كذلك. وجزم برفعه أحمد وابن ماجه، ولكن فى إسناد أحمد ابن لهيعة وهو ضعيف. وفى إسناد ابن ماجه إبراهيم بن يزيد الخوزى وهو محتج به. وفى الباب عن الحارث بن عمرو السهمى عند أبى داود. وعن أنس عند الطحاوى. وعن ابن عباس عند ابن عبد البر. وعن عبد الله بن عمر عند أحمد، وفى إسناده الحجاج بن أرطاة. وهذه الطرق يقوى بعضها بعضا. وبها يرد على ابن خزيمة حيث قال: فى ذات عرق أخبار لا يثبت منها شئ عند أهل الحديث، وعلى ابن المنذر حيث يقول: لم نجد فى ذات عرق حديثا يثبت، وقد أعله بعضهم بأن العراق لم تكن

فتحت حينئذ. قال ابن عبد البر هى غفلة، لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقت المواقيت لأهل النواحى قبل الفتوح لكونه علم أنها ستفتح ولا فرق فيها بين العراق والشام اهـ وقال الطحاوى "فإن قال قائل" وكيف يجوز أن يكون النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقت لأهل العراق والعراق إنما كانت بعده؟ "قيل له" كما وقت لأهل الشام. والشام إنما فتحت بعده. فإن كان يريد بما وقت لأهل الشام من كان فى الناحية التى افتتحت حينئذ من قبل الشام فكذلك يريد بما وقت لأهل العراق من كان فى الناحية التى افتتحت حينئذ من قبل العراق. وإن كان ما وقت لأهل الشام إنما هو لما علم بالوحى أن الشام ستكون دار إسلام، فكذلك ما وقت لأهل العراق إنما هو لما علم بالوحى أن العراق ستكون دار إسلام اهـ وحينئذ يجوز أن يكون عمر ومن سأله لم يعلموا توقيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، فوقتها عمر باجتهاده فأصاب ووافق قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، فقد كان كثير الإصابة لقول الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "وبأن ذات عرق" ميقات أهل العراق "قال أكثر أهل العلم" حتى قال ابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن إحرام العراقى فى ذات عرق إحرام من الميقات. وقال طاوس وابن سيرين وجابر بن زيد: إن أهل العراق لا ميقات لهم، بل يهلون من أى ميقات يمرون عليه أو يحاذونه. لكن الصحيح أن ميقاتهم ذات عرق لما علمته (والحديث أخرجه أيضا) النسائي والطحاوى والبيهقي بلفظ "وقت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة, ولأهل الشام ومصر الجحفة، ولأهل العراق ذات عرق ولأهل نجد قرنا، ولأهل اليمن يلملم 20 - (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ نَا سُفْيَانُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ. (ش) (وكيع) بن الجراح. و (سفيان) الثورى (قوله وقت رسول الله لأهل المشرق العقيق) أى جعل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العقيق ميقاتا لأهل المشرق وهم أهل العراق والعقيق موضع يتدفق ماؤه فى غورى تهامة قريب من ذات عرق قبلها مما يلى العراق بنحو مرحلة. وفى بلاد العرب مواضع كثيرة تسمى العقيق. وهو فى الأصل كل موضع شق من الأرض ويجمع على أعقة وعقائق (وهذا الحديث) "لا يعارض" ما قبله المفيد أن ميقات أهل العراق ذات عرق. "لإمكان" الجمع بينهما بأن ذات عرق ميقات الوجوب والعقيق ميقات

الاستحباب لأنه أبعد من ذات عرق. أو أن ذات عرق كانت أولا فى موضع العقيق الآن ثم نقلت قريبا من مكة. فذات عرق والعقيق اسمان لموضع واحد. وقد رأى سعيد بن جبير رجلا يريد أن يحرم من ذات عرق فأخذ بيده حتى خرج به من البيوت وقطع الوادى فأتى به المقابر فقال هذه ذات عرق الأولى. أو أن العقيق ميقات لبعض العراقيين وهم أهل المدائن. وذات عرق ميقات لبعض آخر وهم أهل البصرة. ففى رواية الطحاوى عن أنس بن مالك أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة ولأهل البصرة ذات عرق، ولأهل المدائن العقيق. على أن حديث الباب ضعيف لأنه من طريق يزيد بن أبى زياد وهو ضعيف وقد تفرد به "وقول الخطابى" الحديث فى العقيق أثبت منه فى ذات عرق. والصحيح منه أن عمر بن الخطاب وقتها لأهل العراق بعد أن فتحت العراق، وكان ذلك فى التقدير على موازاة قرن لأهل نجد. وكان الشافعى يستحب أن يحرم أهل العراق من العقيق، فإن أحرموا من ذات عرق أجزأهم. وقد تابع الناس فى ذلك عمر بن الخطاب إلى زماننا هذا اهـ "مبنى" على ما تقدم للشافعى من أنه لم يثبت عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه حد ذات عرق. ولكن تقدّم أن الصحيح رفع الحديث فيه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (والحديث) أخرجه أيضا الترمذى وقال حديث حسن 21 - (ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا ابْنُ أَبِى فُدَيْكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُحَنَّسَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى سُفْيَانَ الأَخْنَسِىِّ عَنْ جَدَّتِهِ حُكَيْمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ, أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ. شَكَّ عَبْدُ اللَّهِ أَيَّتَهُمَا قَالَ. (ش) (الرجال) (ابن أبي فديك) محمد بن إسماعيل. و (عبد الله بن عبد الرحمن بن يحنس) بضم المثناة التحتية وفتح الحاء المهملة وفتح النون المشددة آخره سين مهملة. وقيل يحنش بضم ففتح فنون مكسورة مشددة آخره معجمة الحجازى. روى عن دينار بن عبد الله ويحيى بن أبي سفيان الأخنسى. وعنه ابن جريج والدراوردى وابن أبي فديك. ذكره ابن حبان فى الثقات، وفى التقريب مقبول من السادسة، وقال البخارى لا يتابع على حديثه. روى له مسلم وأبو داود. و (يحيى بن

أبي سفيان) بن الأخنس بخاء معجمة ونون المدنى (الأخنسى) روى عن حكيمة بنت أمية وأبي هريرة. وعنه إسحاق بن رافع وعبد الله بن عبد الرحمن ومحمد بن إسحاق. ذكره ابن حبان فى الثقات، وقال أبو حاتم شيخ من شيوخ المدينة ليس بالمشهور، وفى التقريب مستور من السادسة وقد أرسل عن أبي هريرة. روى له أبو داود وابن ماجه. و (حكيمة) بنت أمية بن الأخنس ابن عبيد أم حكيم. روت عن أم سليم. وعنها يحيى بن أبي سفيان وسليمان بن سحيم على شك فيه ذكرها ابن حبان فى الثقات، وفى التقريب مقبولة من الرابعة. روى لها أبو داود وابن ماجه (المعنى) (قوله من أهل بحجة أو عمرة الخ) أى من أحرم بحج أو بعمرة مبتدئا إحرامه من مسجد بيت المقدس منتهيا به إلى مكة غفر الله له ذنوبه السابقة واللاحقة مطلقا، أو استحق دخول الجنة مع السابقين "شك عبد الله" بن عبد الرحمن أى الكلمتين "غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر. أو وجبت له الجنة" قال يحيى بن أبي سفيان (وفى الحديث) دلالة على جواز تقديم الإحرام على الميقات من مكان بعيد مع الترغيب فيه. وهو مذهب الجمهور. وعن إسحاق وداود أنه لا يجوز الإحرام قبل الميقات. ونسبه الحافظ إلى البخاري مستدلا بقوله "باب ميقات أهل المدينة ولا يهلون قبل ذى الحليفة" وردّ باحتمال أن معنى قوله ولا يهلون أى لا يستحب لهم الإحرام قبل ذى الحليفة. وروى أن عمر بن الخطاب أنكر على عمران بن حصين إحرامه من البصرة. لكن قال الخطابي: يشبه أن يكون عمر إنما كره ذلك شفقا أن يعرض للمحرم إذا بعدت مسافته آفة تفسد إحرامه. ورأى أن ذلك فى قصير المسافة أسلم اهـ واختلف الجمهور فى الأفضل فقال علقمة والأسود وأبو إسحاق وأبو حنيفة: الأفضل الإحرام قبل الميقات وهو رواية عن الشافعية للترغيب فيه بحديث الباب، ولقوله تعالى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فقد فسر على وعمر الإتمام بأن يحرم الإنسان من داره، ولأن المشقة فيه أكثر والتعظيم أوفر. وفى رواية عن أبي حنيفة أن تقديم الإحرام إنما يكون أفضل إذا كان يملك الإنسان نفسه من محظور الإحرام. وروى عن ابن عمر أنه أحرم من بيت المقدس. وعن ابن عباس أنه أحرم من الشام وعن ابن مسعود أنه أحرم من القادسية. وقال عطاء والحسن البصرى ومالك وأحمد وإسحاق يكره الإحرام قبل الميقات. وهو أصح القولين عند الشافعية، لأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أحرم فى حجته من الميقات وهو مجمع عليه، وأحرم عام الحديبية من ميقات أهل المدينة وهو ذو الحليفة، وأحرم معه الصحابة. وهكذا فعل بعده جماهير الصحابة والتابعين وأهل الفضل من العلماء "فترك" النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الإحرام من مسجده الذى جعل الله تعالى الصلاة فيه بألف صلاة فيما سواه من المساجد "دليل" على أن الإحرام من الميقات أفضل (وأجابوا) عن حديث الباب بأن إسناده ليس بقوى. وعلى فرض صحته ففيه بيان فضيلة

الإحرام قبل الميقات وليس فيه أنه أفضل من الميقات، أو أن هذه الفضيلة خاصة بالمسجد الأقصى، لأن له مزايا لا توجد فى غيره وليجمع فى إحرامه بين الصلاة فى المسجدين، ولذلك أحرم منه ابن عمر ولم يكن يحرم من غيره إلا من الميقات. وهذاهو الراجح لقوة أدلته "وما قيل" من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى أله وسلم أحرم من الميقات لبيان الجواز "مردود" بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين الإحرام من المواقيت بالقول كما تقدم للمصنف، وكما جاء عند البخارى عن ابن عمر وغيره، فلو كان الإحرام قبل المواقيت أفضل لفعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واكتفى فى بيان جواز الإحرام من المواقيت بالقول (هذا) وفى نسخة زيادة (قال أبو داود: يرحم الله وكيعا أحرم من بيت المقدس يعنى إلى مكة) أى أن وكيع بن الجراح كان يحرم بالحج من بيت المقدس رغبة فى زيادة الأجر (والحديث) أخرجه أيضا ابن ماجه والبيهقى والبخارى فى التاريخ 22 - (ص) حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِى الْحَجَّاجِ نَا عَبْدُ الْوَارِثِ نَا عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ السَّهْمِىُّ حَدَّثَنِى زُرَارَةُ بْنُ كُرَيْمٍ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو السَّهْمِىَّ حَدَّثَهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمِنًى أَوْ بِعَرَفَاتٍ وَقَدْ أَطَافَ بِهِ النَّاسُ. قَالَ فَتَجِئُ الأَعْرَابُ فَإِذَا رَأَوْا وَجْهَهُ قَالُوا هَذَا وَجْهٌ مُبَارَكٌ. قَالَ وَوَقَّتَ ذَاتَ عِرْقٍ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ. (ش) (الرجال) (عبد الوارث) بن سعيد. و (عتبة بن عبد الملك السهمى) روى عن زرارة بن كريم وحماد بن أبي سليمان. وعنه عبد الوارث وعبد الصمد بن عبد الوارث ويعقوب بن إسحاق ذكره ابن حبان فى الثقات. روى له أبو داود والبخارى فى الأدب. و (زرارة) بضم الزاى (بن كريم) بالتصغير ابن الحارث بن عمرو (السهمى) نسبة إلى سهم بطن من باهلة بالتصغير الباهلى. روى عن جده الحارث. وعنه ابنه يحيى وعتبة بن عبد الملك وسهل بن حصين. ذكره ابن حبان فى الثقات، وفى التقريب له رؤية وقال عبد الحق فى الاحكام لا يحتج بحديثه، وقال ابن القطان لا يعرف. روى له النسائى وأبو داود والبخارى فى الأدب. و (الحارث بن عمرو) بن الحارث (السهمى) الباهلى أبو سقبة كما فى الحاكم، أو أبو مسقبة بفتح فسكون ففتح كما فى الخلاصة. روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

هذا الحديث. وعنه ابنه عبد الله وابن ابنه زرارة. روى له أبو داود والنسائى والبخارى فى الأدب (المعنى) (قوله وقد أطاف به الناس) أى اجتمعوا حوله (والحديث) أخرجه أيضا البيهقى إلى: قوله هذا وجه مبارك. وقال وذكر الحديث وفيه قال: فوقت لأهل اليمن يلملم أن يهلوا منها، وذات عرق لأهل العراق ولأهل المشرق اهـ وقال المنذرى أخرجه النسائى 10 - باب الحائض تهلّ بالحج أي تحرم به 23 - (ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ نَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: نَفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ. (ش) وجه مطابقة الحديث للترجمة أن دم النفاس دم حيض تجمع فى أيام الحمل. وهما فى الحكم سواء. (عبدة) بن سليمان. و (عبيد الله) بن عمر العمرى. و (أبو عبد الرحمن) القاسم ابن محمد (قوله نفست أسماء الخ) بضم النون وفتحها وكسر الفاء أى ولدت. يقال نفست المرأة بالبناء للمجهول إذا ولدت. ونفست من باب تعب فهى منفوسة ونفساء إذا ولدت. فأمّا الحيض فالمشهور فيه نفست بفتح فكسر ويجوز ضم النون. والنفاس مأخوذ من النفس وهو المولود والدم. ومنه قولهم لا نفس له سائلة، أى لا دم له يجرى. والمراد أن أسماء بنت عميس امرأة أبى بكر أصابها النفاس بسبب ولادة محمد عند الشجرة التى بذى الحليفة وهى من شجر السمر. "نوع له شوك يعرف بشجر العضاه" وفى رواية مالك والنسائى عن أسماء أنها ولدت محمد بن أبى بكر بالبيداء. وفى رواية لمالك بذى الحليفة. وهذه المواضع الثلاثة متقاربة. فالشجرة بذى الحليفة كان يحرم منها النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، والبيداء بطرف ذى الحليفة. فلا منافاة بينها (قوله فأمر رسول الله الخ) أى أمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أبا بكر أن يأمرها بالغسل والإحرام. وكان ذلك فى حجة الوداع. فقد أخرج النسائى من طريق القاسم بن محمد عن أبيه عن أبى بكر أنه خرج حاجا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم حجة الوداع ومعه امرأته أسماء، فلما كانوا بذى الحليفة ولدت أسماء محمدا (الحديث) (الفقه) دلّ الحديث على استحباب الغسل لمن أراد الإحرام بحج أو عمرة أو بهما ولو حائضا أو نفساء؛ لأن القصد منه النظافة ولذا لا ينوب التيمم عنه عند العجز وهذا متفق عليه

(والحديث) أخرجه أيضا مسلم وابن ماجه والدارمى والبيهقي. وأخرج مالك والنسائى نحوه عن أسماء بنت عميس 24 - (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَبُو مَعْمَرٍ قَالاَ نَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ إِذَا أَتَتَا عَلَى الْوَقْتِ تَغْتَسِلاَنِ وَتُحْرِمَانِ وَتَقْضِيَانِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ. قَالَ أَبُو مَعْمَرٍ فِى حَدِيثِهِ "حَتَّى تَطْهُرَ" وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ عِيسَى عِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدًا. قَالَ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَلَمْ يَقُلِ ابْنُ عِيسَى كُلَّهَا. قَالَ الْمَنَاسِكَ إِلاَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ. (ش) (الرجال) (مروان بن شجاع) أبو عبد الله أو أبو عمرو الأموى مولى محمد بن مروان. روى عن سالم بن عجلان والمغيرة بن قاسم وخصيف بن عبد الرحمن وآخرين. وعنه أحمد بن منيع وهارون بن معروف وزياد بن أيوب وغيرهم. وثقة أبو داود وابن معين ويعقوب ابن سفيان والدارقطنى وقال ابن سعد كان ثقة صدوقا وقال أبو حاتم صالح ليس بذاك القوىّ فى بعض ما يرويه مناكير يكتب حديثه، وفى التقريب صدوق له أوهام من الثامنة. وقال ابن حبان يروى المقلوبات عن الثقات لا يعجبنى الاحتجاج بخبره إذا انفرد. توفى سنة أربع وثمانين ومائة روى له البخارى وأبو داود والترمذى وابن ماجه. و (خصيف) بالتصغير ابن عبد الرحمن الجزرى (المعنى) (قوله إذا أتتا على الوقت الخ) أى الميقات. وفى نسخة إذا أتيا على الوقت تغتسلان الخ. وفى رواية الترمذى أن النفساء والحائض تغتسل وتحرم وتقضى المناسك كلها الخ أى تؤدى أفعال الحج إلا الطواف بالكعبة، فإنه يكون بالمسجد وهما ممنوعتان من دخوله وشرط صحته الطهارة عند غير الحنفية كما يأتى بيانه إن شاء الله تعالى (قوله قال أبو معمر الخ) أى ذكر إسماعيل بن إبراهيم فى حديثه لفظ "حتى تطهر" بعد قوله غير الطواف بالبيت، أى أن الحائض والنفساء لا يطوفان بالبيت حتى ينقطع الدم ويغتسلا. ولم يذكر محمد بن عيسى فى سنده عكرمة ومجاهدا، بل اختصر على عطاء. ولم يذكر لفظ كلها بعد المناسك. بل قال: وتقضيان المناسك إلا الطواف بالبيت (الفقه) دل الحديث على صحة إحرام الحائض والنفساء واستحباب غسلهما للإحرام. وهذا الغسل للنظافة لا للطهارة "قال الخطابى" ومعلوم أن اغتسال

الحائض والنفساء قبل أوان الطهر لا يطهرهما، وإنما هو لفضيلة المكان والوقت. وفية دليل على أن المحدث إذا حرم جاز إحرامة اهـ (هذا) والغسل للإحرام مأمور به إجماعا. والجمهور على أنه مستحب ولم يقل بوجوبه إلا الحسن البصرى والظاهرية. وفيه دليل على أن الحائض والنفساء يطلب منهما الإتيان بجميع أعمال الحج إلا الطواف وكذا ركعتاه. وعلى أنه لا تشترط الطهارة فى السعى فيجوز للحائض والنفساء السعى بين الصفا والمروة إذا طرأ عليهما الحدث بعد الطواف وقبل السعى. وإليه ذهب الجمهور. ولم ينقل القول بوجوب الطهارة فيه إلا عن الحسن البصرى وبعض الحنابلة، فإنهم شبهوه بالطواف. أما إذا حاضت المرأة أو نفست قبل الطواف فهى ممنوعة من السعى ما لم تطف طاهرة من الحدثين, لأن تقدم الطواف الكامل "بأن يكون الطائف غير محدث حدثا أكبر" شرط فى صحة السعى عند الجمهور. وعليه يحمل ما رواه ابن أبى شيبة من حديث ابن عمر أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لعائشة لما حاضت بسرف وهى محرمة "افعلى ما يفعله الحاج غير ألا تطوفى بالبيت وبين الصفا والمروة حتى تطهرى" قال الحافظ إسناده صحيح. وقال الثورى وعطاء تقدم الطواف على السعى ليس شرطا فى صحته فإذا قدم السعى على الطواف صح. وبه قال أبو حنيفة إلا أنه قال يلزمه دم ودل الحديث على أن الحائض والنفساء ممنوعتان من الطواف. وكذا الجنب والمحدث حدثا أصغر لحديث ابن عباس مرفوعا "الطواف صلاة إلا أن الله تعالى أحل فيه الكلام فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير" رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد. وروى الترمذى "الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه" والمحدث مطلقا ممنوع من الصلاة، وهذا متفق عليه فلو طاف محدثا لا يصح طوافه أخذا بالأحاديث المذكورة، ولأنه يشترط فيه ما يشترط فى الصلاة من الطهارة وستر العورة فإن ترك شيئا منهما لا يصح عند الجمهور وتلزمه إعادته، ويصح عند الحنفية ويلزمه دم إن لم يعده. وعن بعض الحنفية يلزمه صدقة تجزئ فى الفطرة بناء على أن الطهارة فى الطواف سنة. وروى عن أحمد صحة الطواف بدون طهارة ولا شيء عليه. وقال أبو ثور: إذا طاف على غير وضوء أجزأه طوافه إن كان لا يعلم ولا يجزئه إن كان يعلم. واستدل من أجاز الطواف بغير طهارة بقياسه على الوقوف والسعى وبقية أعمال الحج، فإنه لا يشترط فيها الطهارة. لكن يرد عليهم حديث الباب وما ذكر من الأحاديث الدالة على اشتراط الطهارة فيه (والحديث) أخرجه أيضا الترمذي وقال حسن غريب من هذا الوجه وفي سنده مروان ابن شجاع وخصيف بن عبد الرحمن. وفيهما مقال

11 - باب الطيب عند الإحرام أى بيان ما يدل على جوازه 25 - (ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالاَ نَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلإِحْلاَلِهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ. (ش) (قوله كنت أطيب رسول الله الخ) أى أضع الطيب فى بدنه وثيابه لأجل إحرامه بحج أو عمرة. وفى رواية للنسائى من طريق سالم عن عائشة قالت: طيبت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند إحرامه حين أراد أن يحرم وعند إحلاله قبل أن يحل بيدى. تعنى قبل أن يطوف طواف الإفاضة وبعد التحلل الأول. وفى رواية لمسلم من طريق الأسود عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أراد أن يحرم يتطيب بأطيب ما يجد (قوله ولإحلاله قبل أن يطوف بالبيت) أي كنت أطيبه لخروجه من الإحرام "برمي جمرة العقبة والحلق" قبل أن يطوف بالكعبة طواف الإفاضة, فإن المحرم إذا رمى جمرة العقبة وحلق أو قصر له كل شئ من محظورات الإحرام إلا النساء، وهذا هو التحلل الأول (والحديث) أخرجه أيضا مالك والبخارى ومسلم والنسائى وابن ماجه والبيهقى. وأخرجه الترمذى بلفظ: طيبت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبل أن يحرم ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك. وقال الترمذى حديث حسن صحيح. وأخرجه الدارمى عن عائشة قالت: طيبت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لإحرامه وطيبته بمنى قبل أن يفيض 26 - (ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُّ نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِى مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. (ش) (إبراهيم) بن يزيد النخعى. و (الأسود) بن يزيد (قوله كأنى أنظر) قالت ذلك وقت ذكرها الحديث وكأنها لشدة استحضارها ما أخبرت به ناظرة إليه (قوله إلى وبيص

المسك) وفى نسخة إلى وبيص الطيب تعنى إلى أثر الطيب الذى تطيب به صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قبل الإحرام. ووبيص مثل بريق وزنا ومعنى. وقال الإسماعيلى: الوبيص بالصاد المهملة زيادة على البريق. والمراد به التلألؤ، وهو يدل على وجود عين قائمة لا الريح فقط. والمسك معرب يذكر ويؤنث وتسميه العرب المشموم وهو أفضل الطيب (قوله فى مفرق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) أى مفرق رأسه. ومفرق مثل مسجد المكان الذى يفرق فيها الشعر فى وسط الرأس. وفى رواية البخارى مفارق بالجمع تعميما لجوانب الرأس التى يفرق فيها الشعر (وفى حديثى الباب) دليل على استحباب التطيب عند إرادة الإحرام وجواز استدامة أثره بعد الإحرام فلا يضر بقاء لونه ورائحته وإليه ذهب الجمهور: منهم أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر والشافعى وأحمد وإسحاق والثورى والأوزاعى. وبه قالت عائشة وسعد بن أبى وقاص وابن عباس والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو ذر والحسين بن على وابن الحنفية وابن الزبير وأبو سعيد الخدرى وعمر بن عبد العزيز والأسود والقاسم وسالم وهشام بن عروة وخارجة بن زيد وابن جريج. قال فى البدائع: يتطيب المحرم بأى طيب شاء سواء كان طيبا تبقى عينه بعد الإحرام أو لا تبقى فى قول أبى حنيفة وأبى يوسف. وهو قول محمد أو لا ثم رجع وقال: يكره له أن يتطيب بطيب تبقى عينه بعد الإحرام. وحكى عن محمد فى سبب رجوعه أنه قال كنت لا أرى بأسا حتى رأيت قوما أحضروا طيبا كثيرا ورأيت أمرا شنيعا فكرهته اهـ وذهب عطاء وسعيد ابن جبير وابن سيرين والحسن البصرى والزهرى إلى أنه يحرم التطيب قبل الإحرام بما تبقى عينه أو رائحته بعده وهو قول عمر وعثمان وابن عمر. وقالت المالكية: من تطيب قبل الإحرام فإن بقى جرم الطيب بعده حرم وعليه الفدية، وإن بقى لونه ففى وجوب الفدية قولان. وإن بقيت رائحته كره الإحرام مع علمه ببقائه ولا فدية. واستدلوا بما رواه الشيخان عن يعلى بن أمية أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو بالجعرانة وعليه جبة وهو مصفر لحيته ورأسه فقال يا رسول الله إنى أحرمت بعمرة وأنا كما ترى. فقال انزع عنك الجبة واغسل عنك الصفرة وما كنت صانعا فى حجتك فاصنعه فى عمرتك. وسيأتى للمصنف نحوه فى "باب الرجل يحرم فى ثيابه" وبحديث ابن عمر أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بذى الحليفة فقال ممن هذه الريح الطيبة؟ فقال معاوية منى. فقال عمر منك لعمرى، منك لعمرى. فقال معاوية لا تعجل على يا أمير المؤمنين إن أم حبيبة طيبتنى وأقسمت علىّ. فقال له عمر: وأنا أقسمت عليك لترجعنّ إليها فتغسله عندها فرجع إليها فغسله فلحق الناس بالطريق. رواه الطحاوى. وأجابوا عن حديثى الباب بأن السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها طيبته صلى الله عليه وعلى آله وسلم بطيب لا رائحة له. أو بأنه اغتسل بعد أن تطيب كما فى حديث إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال: سألت عائشة فذكرت لها قول

ابن عمر: ما أحب أن أصبح محرما أنضخ طيبا فقالت عائشة أنا طيبت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم طاف فى نسائه ثم أصبح محرما. أخرجه البخارى. قالوا المراد بالطواف الجماع. وكان من عادته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن يغتسل عند كل واحدة فبالضرورة قد ذهب أثر الطيب. (ويرد) هذا التأويل قول عائشة: يرحم الله أبا عبد الرحمن "تعنى ابن عمر" كنت أطيب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيطوف على نسائه ثم يصبح محرما ينضخ طيبا. أخرجه البخارى فى "باب إذا جامع ثم عاد" فإنه ظاهر فى أن نضخ الطيب منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان بعد إحرامه. "ودعوى" أن فيه تقديما وتأخيرا والأصل طاف على نسائه ينضخ طيبا ثم أصبح محرما "خلاف" الظاهر من رد عائشة على ابن عمر. ويؤيد إبقاء حديث الباب على ظاهره ما أخرجه النسائى من طريق الأسود عن عائشة قالت: كنت أرى وبيص المسك فى مفرق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد ثلاث "تعنى وهو محرم" ويرد أيضا ما ادعاه بعضهم من أن الوبيص كان بقايا الدهن المطيب الذى تطيب به صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فزال وبقى أثره من غير رائحة "وأجاب" الجمهور عن حديث يعلى بن أمية بأنه منسوخ كما قال الشافعى رحمه الله تعالى، لأنه كان فى عام الجعرانة سنة ثمان، وحديثا الباب فى حجة الوداع سنة عشر (وأجاب) عنه الطحاوى بأن الطيب الذى كان على ذلك الرجل صفرة وهو خلوق فذلك مكروه للرجل لا للإحرام، فهو مكروه فى حق الرجل فى حال الإحلال وحال الإحرام. وإنما أبيح من الطيب عند الإحرام ما هو حلال فى حال الإحلال (وأجاب) عن قصة عمر مع معاوية بأن ابن عباس خالفه فى ذلك قال: حدثنا ابن مرزوق ثنا عثمان بن عمر ثنا عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه أنه قال: انطلقت حاجا فرافقنى عثمان بن أبى العاص، فلما كان عند الإحرام قال: اغسلوا رءوسكم بهذا الخطمى الأبيض، ولا يمس أحد منكم غيره فوقع فى نفسى من ذلك شئ. فقدمت مكة فسألت ابن عمر وابن عباس. فأما ابن عمر فقال ما أحبه. وأما ابن عباس فقال أما أنا فأضمخ به رأسى ثم أحب بقاءه. فهذا ابن عباس قد خالف عمر وابنه فى ذلك (قال الطحاوى) وقد روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما يدل على إباحته اهـ بتصرف. وذكر بإسناده عن عائشة نحو حديث الباب "ودعوى" أن الطيب عند الإحرام خاص بالرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "يردها" حديث عائشة قالت: كنا نخرج مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالسك المطيب عند الإحرام. فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلا ينهانا. أخرجه المصنف فى "باب ما يلبس المحرم" ونضمد أى نلطخ. والسك بضم السين المهملة نوع من الطيب. ولا يقال إن هذا خاص بالنساء، لإجماعهم

على أن الرجال والنساء سواء في تحريم استعمال الطيب في حال الإحرام "وما اعتذر به" المالكية عن عدم عملهم بحديث الباب بأن عمل أهل المدينة على خلافه "مردود" بما أخرجه النسائى من طريق أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن سليمان بن عبد الملك لما حج جمع ناسا من أهل العلم منهم القاسم بن محمد وخارجة بن زيد وسالم وعبد الله ابنا عبد الله بن عمرو وعمر بن عبد العزيز وأبو بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث فسألهم عن الطيب قبل الإفاضة فكلهم أمروا به اهـ فهؤلاء فقهاء المدينة من التابعين قد اتفقوا على ذلك فكيف يدعى مع ذلك العمل على خلافه؟ ذكره البدر العينى (والحديث) أخرجه أيضا البخارى ومسلم والنسائى والبيهقى والطحاوى من عدة طرق 12 - باب التلبيد أى تلبيد الشعر للمحرم وهو أن يجعل فى شعره شيئا من نحو الصمغ حفظا له من الشعث والقمل والانتشار. 27 - (ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِىُّ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ مُلَبِّدًا. (ش) (ابن وهب) عبد الله. و (يونس) بن يزيد (قوله يهل ملبدا) بضم المثناة التحتية من الإهلال اي يرفع صوته بالتلبية حال كونه ملبدا شعر رأسه (والحديث) أخرجه أيضا البيهقي. وكذا البخاري في الحج واللباس. وأخرجه في اللباس مسلم والنسائي وابن ماجه 28 - (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ نَا عَبْدُ الأَعْلَى نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لَبَّدَ رَأْسَهُ بِالْعَسَلِ. (ش) (عبد الأعلى) بن عبد الأعلى (قوله لبد رأسه بالعسل) بمهملتين مفتوحتين هو صمغ العرفط. قال فى اللسان والعرب تسمى صمغ العرفط عسلا لحلاوته اهـ. والعرفط بضم فسكون فضم نوع من شجر العضاه "شجر عظيم له شوك" ويبعد أن يراد به عسل النحل لأن لزوجته تنتشر فى الثياب والبدن ولا ييبس فيؤذى. وقيل هو بغين معجمة مكسورة وسين ساكنة وهو ما يغسل به الرأس من خطمى وغيره. قال الحافظ فى الفتح ضبطناه فى روايتنا من سنن أبى داود بالمهملتين اهـ (وفى الحديثين) دليل على استحباب تلبيد الشعر للمحرم لما فيه من

خاتمة المعتني بالكتاب

الرفق به والبعد عن الشعث وأسباب الأذى ولا سيما من طالت مدة إحرامه. وبه قال الشافعى وأصحابه وأحمد. وكذا الحنفية والمالكية إذا كان يسيرا لا يؤدى إلى ستر الرأس. أما الكثير الذى يحصل به تغطية ربع رأسه فأكثر فحرام يلزم فيه دم باستدامته حال الإحرام يوما فأكثر. أما لو دام أقل من يوم وليلة ففيه صدقة كصدقة الفطر وهذا في حق الرجل. أما المرأة فلا تمنع من تغطية رأسها في الإحرام (فائدة) قال ابن بطال: قال جمهور العلماء من لبد رأسه فقد وجب عليه الحلق كما فعل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وبه أمر الناس عمر وابنه رضي الله عنهما وهو قول مالك والثورى والشافعى وأحمد وإسحاق. وكذا لو ضفر رأسه أو عقص شعره، لما رواه ابن عدى من حديث عبد الله بن رافع عن أبيه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: من لبد رأسه للإحرام فقد وجب عليه الحلق. وقال أبو حنيفة وأصحابه من لبد رأسه أو ضفر فإن قصر ولم يحلق أجزأه، لما روى عن ابن عباس أنه كان يقول: من لبد رأسه أو عقص أو ضفر فإن كان نوى الحلق فليحلق. وإن لم ينوه فإن شاء حلق وإن شاء قصر (وأجابوا) عن حديث ابن عمر بأن في سنده عبد الله بن رافع وهو ضعيف وقال الدارقطني ليس بالقوي. أفاده العيني على البخاري (والحديث) أخرجه أيضا البيهقي والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم • • • [خاتمة المُعتني بالكتاب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله الباقي على الدوام بلا انتهاء، والصلاة والسلام على خاتم الرسل والأنبياء، وعلى آله وأصحابه ذوي الهمم الشماء أما بعد: فإلى هنا نادى رب الأرباب، سيدى الوالد المرحوم: الإمام الشيخ محمود بن محمد خطاب، فلبى نداء ربه، والسرور ملء جوانحه وقلبه، بعد أن جاهد في الله حق جهاده وأعد العدة للرحيل، واستعد لهذا السَّفَر الطويل، وانتقل من دار الفناء إلى دار البقاء يوم الجمعة 14 من ربيع الأول سنة 1352 سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة بعد الألف من هجرة سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. هذا وقد عزمت بحول الله وقوته، وقدرته ومشيئته على إتمام هذا الشرح الجليل القدر، العظيم الشأن، ليتم به النفع، وينالنى شرف الاشتغال بأحاديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. والله أسأل أن يحقق العزم، ويرزقنا التوفيق والحزم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. أول جمادى الآخرة سنة 1354 أمين محمود خطاب من العلماء المدرسين بالأزهر

§1/1