المنهج العلمي لطلاب العلم الشرعي

ذياب الغامدي

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

المَنْهَجُ العِلْمِيُّ لِطُلَّابِ العِلْمِ الشّرْعيّ «وَبَعْضُ الفَوَائِدِ والنُّكَاتِ العِلمِيَّةِ»

حقوقُ الطبْع مَحفوظة لِلمؤلّف الطَّبْعَةُ الرَّابِعَةُ 1429 هـ - 2008 م للمراسلة على البريد الإلكتروني: [email protected]

تقريظ الشيخ الجبرين

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحَمْدُ للهِ وَحْدَه، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ عَلَى مَنْ لا نَبِيَّ بَعْدَه مُحَمَّدٍ وآلَهِ وصَحْبِه. وبَعْدُ؛ فَقَدْ قَرَأتُ هَذِه الرِّسَالَةَ الَّتِي ألَّفَها أخُوْنا الشَّيْخُ: ذِيَابُ بنُ سَعْدٍ الغَامِدِيُّ حَفِظَه اللهُ تَعَالَى ووَفَّقَه! والَّتِي نَصَحَ فيها طَلبَةَ العِلْمِ الصَّحِيْحِ، وبَيَّنَ طُرُقَ التَّعَلُّمِ، وفَصَّلَ العِلْمَ، ووَسَائِلَه، وأسْبَابَ تَحْصِيْلِه، وذَكَرَ بَعْضَ الكُتُبِ الَّتِي يَهِمُّ الطَّالِبُ أنْ يَقْرَأها، وحَذَّرَ الطَّالِبَ مِنَ العَوَائِقِ الَّتِي تَشْغُلُه عَنِ التَّحْصِيْلِ، وفَصَّلَ في ذَلِكَ. فَجَزَاهُ اللهُ أحْسَنَ الجَزَاءِ، وأكْثَرَ في الأمَّةِ مِنْ حَمَلَةِ العِلْمِ الَّذِيْنَ يَهْتَمُّوْنَ بالطَّلَبِ، ويَحْرِصُوْنَ عَلَى التَّعَلُّمِ والتَّعْلِيْمِ والتَّطْبِيْقِ، واللهُ أعْلَمُ. وصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ وصَحْبِه وسَلَّمَ (26/ 5 / 1425 هـ) عَبْدِ اللهِ بن عَبْدِ الرَّحْمنِ الجِبْرين * * *

المقدمة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيْرًا، طَيِّبًا مُبَارَكًا فيه، القَائِلِ {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}، والقَائِلِ {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى عَبْدِه ورَسُوْلِه المَبْعُوْثِ رَحْمَةً للعَالمَيْن، القَائِلِ: "طَلَبُ العِلْمِ فَرِيْضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ" (¬1)، والقَائِلِ: "مَنْ يُرِدِ الله بِه خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّيْنِ" (¬2)! أمَّا بَعْدُ: فإنَّ أوْلَى مَا يَتَنَافَسُ فيه المُتَنافِسُوْنَ، وأحْرَى مَا يَتَسابَقُ في حَلَبَتِهِ المُتَسابِقُوْنَ: العِلْمُ الشَّرْعِيُّ، فَهُوَ الكَفيلُ الضَّامِنُ بالِسَّعَادَةِ البَاطِنَةِ والظَّاهِرَةِ، والدَّلِيْلُ الآمِنُ إلى خَيْرَيْ الدُّنْيا والآخِرَةِ. وأدَلُّ شَيْءٍ عَلَى ذَلِكَ؛ أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ قَدِ اخْتَصَّ مِنْ خَلْقِهِ مَنْ أحَبَّ، فَهَدَاهُم للإيمَانِ، ثُمَّ اخْتَصَّ مِنْ سَائِرِ المُؤْمِنِيْنَ مَنْ أحَبَّ؛ فتفَضَّلَ عَلَيْهِم فَعَلَّمَهُم الكِتَابَ والحِكْمَةَ، وفَقَّهَهُم في الدِّيْنِ، وعَلَّمَهُم التَّأوِيْلَ، ¬

_ (¬1) أخْرَجَهُ ابنُ عَدِيٍّ في "الكَامِلِ" (3/ 1107)، والبَيْهَقِيُّ في "المَدْخَلِ" (324) وغَيْرُهُما، وهُوَ حَسَنٌ بشَوَاهِدِه. (¬2) أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (1/ 27)، ومُسْلِمٌ (3/ 95).

وفَضَّلَهُم عَلَى سَائِرِ المُؤْمِنِيْنَ، وذَلِكَ في كُلِّ زَمَانٍ واوَانٍ؛ رَفَعَهُم بالعِلْمِ، وزَيَّنَهُم بالحِلْمِ، بِهِمْ يُعْرَفُ الحلالُ مِنَ الحرَامِ، والحَقُّ مِنَ البَاطِلِ، والضَّارُ مِنَ النَّافِعِ، والحسَنُ مِنَ القَبِيْحِ (¬1). إنَّه العِلْمُ النَّافِعُ والعَمَلُ الصَّالِحُ اللَّذَانِ لا سَعَادَةَ للعَبْدِ إلَّا بِهِما، ولا نَجَاةَ لَهُ إلَّا بسَبَبِهِما، فَمَنْ رُزِقْهُما فَقَدْ فَازَ وغَنِمَ، ومَنْ حُرِمْهُما فَقَدْ خَسِرَ وغَرِمَ، وهُمَا مَوْرِدُ انْقِسَامِ العِبَادِ إلى مَرْحُوْمٍ ومَحْروْمٍ، وبِهِما يَتَمَيَّزُ البَرُّ مِنَ الفَاجِرِ، والتَّقِيُّ مِنَ الغَوِيِّ، والمُؤْمِنُ مِنَ المُنَافِقِ، والظَّالِمُ مِنَ المَظْلُوْمِ، وهَاكَ حَقًّا: "خَصْلَتَانِ لا تَجْتَمِعَانِ في مُنَافِقٍ: حُسْنُ سَمْتٍ، ولا فِقْهٌ في الدِّينِ" (¬2)! نَاهِيْكَ؛ أنَّ السَّمَوَاتِ والأرْضَ ما قَامَتَا إلَّا بالعِلْمِ، بَلْ مَا بُعِثَ الرُّسُلُ، وما أُنْزِلَتِ الكُتُبُ، ومَا فُضِّلَ الإسْلامُ عَلَى غَيْرِه إلَّا بِهِ، وفَوْقَ ذَلِكَ؛ ما عُبِدَ اللهُ، ولا عُرِفَ الإيْمَانُ مِنَ الكُفْرِ إلَّا بِهِ! * * * فَشَمِّرْ يا طَالِبَ العِلْمِ، سَائِلًا اللهَ تَعَالَى: الإرَادَةَ الصَّادِقَةَ، والعِلْمَ النَّافِعَ، واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ رَبَّهُم بالعِلْمِ والإيمَانِ. ¬

_ (¬1) انْظُرْ "أخْلاقَ العُلَمَاءِ" للآجُرِّي (14) بتَصَرُّفٍ. (¬2) أخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ (2684)، وهُوَ صَحِيحٌ.

فإنَّه لا يُسْتَطَاعُ العِلْمُ بِرَاحَةِ الجَسَدِ، ولا يُطْلَبُ بالتَّمَنِّي والتَّحَلِّي، وقَدْ قِيْلَ: مَنْ طَلَبَ الرَّاحَةَ تَرَكَ الرَّاحَةَ؛ إنَّها العَزِيْمَةُ الصَّادِقَةُ، والهِمَّةُ العَالِيَةُ، ولا يَحْزُنْكَ فَاتِرُ العَزِيْمَةِ، ودَعِيُّ العِلْمِ، فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَيْهِم أسَفًا؟! فَقَدْ رَأيْنا كَثِيْرًا مِنْ طُلَّابِ زَمَانِنا قَدِ اسْتَطَابُوا الدَّعَةَ، واسْتَوْطَؤُوا مَرْكَبَ العَجْزِ، وأعْفَوْا أنْفُسَهُم مِنْ كَدِّ النَّظَرِ، وقُلُوْبَهُم مِنْ تَعَبِ الفِكْرِ ... فلَعَمْرِي أيْنَ مَنَالُ الدَّرَكِ بغَيْرِ سَبَبٍ، وأيْنَ نَوَالُ البِغْيَةِ بغَيْرِ آلَةٍ؟ فإنَّ دُوْنَ مَا يَشْتَهُوْنَ خَرْطُ القَتَادِ، وبَيْنَ مَا يَتَمَنَّوْنَ بَرْكُ الغِمَادِ! * * * فاعْلَمْ رَعَاكَ الله؛ أنَّ جَمْهرةً مِنْ أهْلِ العِلْمِ قَدْ حَازُوا قَصَبَ السَّبْقِ في خِدْمَةِ هَذِه الجادَّةِ العَليَّةِ، ورَسْمِ بَصائِرِها لشَادِي العِلْمِ مِنْ خِلالِ تَوَالِيْفَ عِلْمِيَّةٍ، ومُصَنَّفاتٍ مُسْتَقِلَّةٍ ... غَيْرَ أَنَّنِي لمَّا رَأيْتُ شَأنَهَا بَيْنَ أهْلِ زَمَانِنا في نُقْصَانٍ، ومُدَارَسَتَها في نِسْيَانٍ، وكَادَ يَذْهَبُ رَسْمُها، ويَعْفُو أثَرُها؛ عِنْدها أحْبَبْتُ أنَّ أرْمِيَ بِسَهْمٍ في رِيَاضِ العِلْمِ، مُسَاهَمَةً مِنِّي في رَسْمِ (المَنْهجِ العِلْمِيِّ) لِطُلَّابِ العلمِ؛ يَوْمَ نَادَى كَثِيرٌ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْنا إجَابَتُهُم في إحْيَاءِ

هَذِه الجَادَّةِ، وتَبْصِيرِ مَنَارَاتِها ... فعَسَانِي آخُذُ بَيَدِ مَنْ رَامَ إرْثَ الأنْبِيَاءِ إلى بَابِ العِلْمِ، بِسَبِيلٍ قَرِيبٍ، ونَظَرٍ أرِيبٍ، مِمَّا سَيقرِّبُ الطَّرِيقَ للمُبْتَدِي، ويُبَصِّرُ السَّبِيلَ للمُنْتَهِي، والعَاقِبَةُ للتَّقْوَى (¬1). ومَا كُنْتُ مُسْتَنْكِفًا في هَذِه الطَّبْعَةِ الثَّالِثَةِ لكِتَابِ (المَنْهجِ العِلْمِيِّ) مِنْ تَوْرِيدِ بَعْضِ الزِّيَادَاتِ العِلْمِيَّةِ والتَّصْحِيحَاتِ القَيِّمَةِ الَّتِي قَضَاها مَمْحُوْضُ النَّصِيحَةِ، ومَمْحُوْصُ الأمَانَةِ، فَإلى المَوْعُوْدِ، وإلى الله تُرْجَعُ الأمُوْرُ (¬2)! ¬

_ (¬1) هُنَاكَ كَثِيرٌ مِنَ التَّوَالِيفِ العِلْمِيَّةِ الآخِذَةِ بيَدِ طَالِبِ العِلْمِ إلى بَيَانِ مَنْهَجِ العِلْمِ والتَّعَلُّمِ، وفَضَائِلِه، وغَوَائِلِه، وطَرَائِقِه، وشَرَائِطِهِ، وآدَابِهِ، فَمِنْ جِيَادِها وحِسَانِها: "جَامِعُ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابنِ عَبْدِ البرِّ، و"الجامِعُ لآدَابِ الرَّاوي" و"الفَقِيهُ والمتفَقِّهُ" كِلاهُمَا للخَطِيبِ البَغْدَادِيِّ، و"أخْلاقُ العُلَماءِ" للآجُرِّي، و"تَذْكِرَةُ السَّامِعِ والمُتكلِّمِ" لابنِ جَمَاعَةَ، و"تَعْلِيمُ المُتَعَلِّمِ طَرِيقَ التَّعَلُّمِ" للزَّرْنُوْجِيِّ، و"أدَبُ الطَّلَبِ" للشَّوكَانيِّ، و"حِلْيَةُ طَالِبِ العِلْمِ" لبكرٍ أبو زَيدٍ، وهُنَاكَ غَيرُ مَا ذُكِرَ. (¬2) كَانَ الانْتِهَاءُ مِنْ تَصْحِيحَاتِ هَذِه الطَّبْعَةِ الثالِثَةِ ضُحَى يَوْمِ الأرْبِعَاءِ، المُوَافِقَ للعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ، لعَامِ ألْفٍ وأرْبَعْمائَةٍ وثَمانٍ وعِشْرِينَ (20/ 10 / 1428).

وذَلِكَ مِنْ خِلالِ ثَلاثَةِ مَدَاخِلَ، وأرْبَعَةِ أبْوَابٍ مختصَرَةٍ، كَمَا يَلي: المَدْخَلُ الأوَّلُ: أهَمِيَّةُ طَلَبِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ. المَدْخَلُ الثَّانِي: فَضْلُ عُلُوْمِ الغَايَةِ عَلَى عُلُوْمِ الآلَةِ. المَدْخَلُ الثَّالثُ: وفيه أرْبَعُ طَلائِعَ. البَابُ الأوَّلُ: وفيهِ أرْبَعُ مَرَاحِلَ عِلْمِيَّةٍ. البَابُ الثَّانِي: وفيهِ خَمْسُ تَنَابِيه. البَابُ الثَّالِثُ: وفيهِ ثَلاثُ عَزَائِمَ. البَابُ الرَّابِعُ: وفيهِ خَمْسةُ عَوَائِقَ. والحمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى عَبْدِه ورَسُوْلِه الأمِينِ وكَتَبَهُ ذِيَاب بن سَعْد آل حَمْدَان الغَامدِيّ في لَيلَةِ الأحَدِ لعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ صَفَرٍ لِعَامِ ألْفٍ وأرْبَعْمَائَةٍ وخَمْسَةٍ وعِشْرِينَ مِنَ الِهجْرَةِ النَّبوِيَّةِ، حُرِّرَ في (20/ 2 / 1425) * * *

المداخل العلمية

المَدَاخِلُ العِلْمِيَّةُ وفيه ثَلاثةُ مَدَاخِلَ المَدْخَلُ الأوَّلُ: أَهَمِيَّةُ طَلَبِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ المَدْخَلُ الثَّانِي: فَضْلُ عُلُوْمِ الغَايَةِ عَلَى عُلُوْمِ الآلَةِ المَدْخَلُ الثَّالثُ: وفيه أرْبَعُ طَلاِئِعَ

المدخل الأول أهمية طلب العلم الشرعي

المَدْخَلُ الأوَّلُ أهَمِّيَةُ طَلَبِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ نَعَمْ؛ فإنَّ النَّاسَ أحْوَجُ إلى العِلْمِ مِنْهُم إلى الطَّعَامِ والشَّرَابِ، لا سِيَّمَا هَذِه الأيَّامَ الَّتِي نَطَقَ فيها الرُّوَيبِضَةُ، ونَعَقَ بَينَها غُرَابُ الصَّحَافَةِ، مَعَ نَفَثَاتِ المُرْجِفينَ، وتَخْذِيلِ المُتَعَالمِينَ! قَالَ اللهُ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9]. وقَالَ تَعَالَى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]. * * * وعَنْ أبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُوْلُ: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا سَهَّلَ الله لَه طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ، وإنَّ الَملاِئكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَها لطَالِبِ العِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ، وإنَّ العَالِمَ ليَسْتَغْفِرُ لَه مَنْ في السَّمَواتِ ومَنْ في الأرْضِ حَتَّى الحِيتَانَ في الماءِ، وفَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كفَضْلِ القَمَرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، وإنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأنْبِيَاءِ، إنَّ الأنْبِيَاءَ لَم

يُوَرِّثُوا دِينَارًا ولا دِرْهَمًا إنَّمَا ورَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أخَذَهُ أخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ" (¬1) أحمَدُ وغَيرهُ. وقَالَ أيضًا - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يُرِدِ الله بِه خَيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ" (¬2) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. قَالَ عَلَيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ رَضِي اللهُ عَنْه (¬3): النَّاسُ في جِهَةِ التَّمْثِيلِ أكْفَاءُ ... أبُوْهُمُ آدَمُ والأُمُّ حَوَّاءُ نَفْسٌ كَنَفْسٍ وأرْوَاحٌ مُشَاكِلَةٌ ... وأعْظُمٌ خُلِقَتْ فيهِم وأعْضَاءُ فإنْ يَكُنْ لهم مِنْ أصْلِهِم حَسَبٌ ... يُفَاخِرُوْنَ بِه فالطِّينُ والمَاءُ ¬

_ (¬1) أخْرَجَهُ أحْمَدُ (5/ 196)، وابنُ مَاجَه (225)، وأبو دَاوُدَ (3641)، وهُوَ حَسَنٌ بشَوَاهِدِه. تَنْبِيهٌ: انْظُرْ لِزَامًا شَرْحَ هَذَا الحدِيثِ لابنِ رَجَبٍ الحنْبَليِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، في رِسَالَتِه "شَرْحِ حَدِيثِ أبِي الدَّرْدَاءِ"، فَفيه مِنَ الدُّرَرِ والجوَاهِرِ ما يُعْقَدُ عَلَيها الخَنَاصِرُ! (¬2) أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (1/ 27)، ومُسْلِم (3/ 95). (¬3) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/ 218)، وبَعْضُ المُحَقِّقِينَ يَنْسِبُ هَذِه الأبيَاتِ إلى عَليِّ بنِ أبِي طَالِبٍ القَيرَوَانِيِّ. تَنْبِيهٌ: العَامَّةُ تَقُوْلُ: "قِيمَةُ كُلِّ امْرئٍ مَا يُحْسِنُ"، والخَاصَّةُ تَقُوْلُ: "قِيمَةُ كُلِّ امْرئٍ مَا يَطْلُبُ"!

مَا الفَضْلُ إلَّا لأهْلِ العِلْمِ إنَّهُم ... عَلَى الهُدَى لمِنِ اسْتَهْدَى أدِلاءُ وقَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُه ... وللرِّجَالِ عَلَى الأفْعَالِ أسْمَاءُ * * * قَالَ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: "العِلْمُ ذَكَرٌ، يُحِبُّهُ ذُكُوْرَةُ الرِّجَالِ، ويَكْرَهُهُ مُؤنَّثوْهُم" (¬1) أرَادَ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: أنَّ العِلْمَ أرْفَعُ المَطَالِبِ وأجَلُّهَا، كَمَا أنَّ الذُّكُوْرَ أفْضَلُ مِنَ الإنَاثِ، فألِبَّاءُ الرِّجَالِ وأهْلُ التَّمْيِيزِ مِنْهُم يُحِبُّوْنَ العِلْمَ، ولَيسَ كالرَّأيِّ السَّخِيفِ الَّذِي يُحِبُّه سخَفَاءُ الرِّجَالِ، فَضَرَبَ التَّذْكِيرَ والتَّأنِيثَ مَثَلًا (¬2). * * * ¬

_ (¬1) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/ 251)، و"الحِلْيَةَ" لأبِي نُعَيمٍ (3/ 365)، و"شَرَفَ أصْحَابِ أهْلِ الحدِيثِ" للخَطِيبِ البَغْدَادِيِّ (70 - 71)، وبَعْضُهم يَنْسِبُها لعَليِّ بنِ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، انْظُرْ "المَجْمُوْعَ" للنَّوَوِيِّ (1/ 41). (¬2) انْظُرْ "المُجَالَسَةَ" لأبِي بَكْرٍ الدِّينَوَرِيِّ (3/ 426 - 427) بنَحْوِه.

فَعِنْدَها عَلَيكَ يا هَذَا: بِمُرَافَقَةِ الأمْوَاتِ الَّذِينَ هُم في العَالَمِ أحْيَاءٌ؛ فإنَّهُم يَدُلُّوْكَ السَّبِيلَ، واحْذَرْ مِنْ مُرَافَقَةِ الأحْيَاءِ الَّذِينَ هُمْ في النَّاسِ أمْوَاتٌ؛ فإنَّهُم يُضِلُّوْكَ الطَّرِيقَ! ولا تَنْسَ قَوْلَ ابنِ مَسْعُوْدٍ رَحِمَهُ اللهُ: "مَنْ كَانَ مُسَّتَنًّا؛ فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، فإنَّ الحَيَّ لا تُؤْمَنُ عَلَيه الفِتْنَةُ"! ومِنْ مُسْتَجَادِ مَا قِيلِ في فَضْلِ أهْلِ العِلْمِ، مَا خَطَّتْهُ يَدُ الآجُريِّ رَحِمَهُ اللهُ؛ في كِتَابِهِ "أخْلاقِ العُلَمَاءِ" (14)، إذْ يَقُوْلُ عَنْهُم: "فَضْلُهُم عَظِيمٌ، وخَطَرُهُم جَزِيلٌ، وَرَثَةُ الأنْبِيَاءِ، وقُرَّةُ عَينِ الأوْلِيَاءِ، الحِيتَانُ في البِحَارِ لَهُم تَسْتَغْفِرُ، والمَلائِكَةُ بأجْنِحَتِها لهم تَخْضَعُ، والعُلَمَاءُ في القِيَامَةِ بَعْدَ الأنْبِيَاءِ تَشْفَعُ، مَجَالِسُهُم تُفيدُ الحِكْمَةَ، وبأعْمَالهِم يَنْزَجِرُ أهْلُ الغَفْلَةِ. هُمْ أفْضَلُ مِنَ العُبَّادِ، وأعْلَى دَرَجَةً مِنَ الزُّهَّادِ، حَيَاتُهُم غَنِيمَةٌ، ومَوْتُهُم مُصِيبَةٌ، يُذَكِّرُوْنَ الغَافِلَ، ويُعَلِّمُوْنَ الجَاهِلَ، لا يُتَوَقَّعُ لَهُم بائِقَةٌ، ولا يُخَافُ مِنْهُم غَائِلَةٌ، بِحُسْنِ تَأدِيبِهِم يَتَنَازَعُ المُطِيعُوْنَ، وبِجَمِيلِ مَوْعِظَتِهِم يَرْجِعُ المُقَصِّرُوْنَ ... ! فَهُم سِرَاجُ العِبَادِ، ومَنَارُ البِلادِ، وقِوَامُ الأمَّةِ، ويَنَابِيعُ الحِكْمَةِ، هُمْ

غَيظُ الشَّيطَانِ، بِهِم تَحْيَا قُلُوْبُ أهْلِ الحَقِّ، وتَمُوْتُ قُلُوْبُ أهْلِ الزَّيغِ، مَثَلُهُم في الأرْضِ كَمَثَلِ النُّجُوْمِ في السَّمَاءِ، يُهْتَدَى بِها في ظُلُمْاتِ البَرِّ والبَحْرِ، إذا انْطْمَسَتِ النُّجُوْمُ تَحَيَّرُوا، وإذا أسْفَرَ عَنْها الظَّلامُ أبْصَرُوا" انْتَهَى. * * * ومَهْمَا يَكُنْ؛ فَلا تَحْزَنْ يا طَالِبَ العِلْمِ، عَلَى ظُهُوْرِ الجَهْلِ، وقِلَّةِ العِلْمِ، وقَبْضِ العُلَمَاءِ، واتِّخَاذِ النَّاسِ رُؤوْسًا جُهَّالًا فَضَلُّوا وأضَلُّوا ... فَيَا هَذَا عَلَيكَ بِزَادَ الأنْبِيَاءِ، وغِذَاءِ العُقَلاءِ: عِلْمٌ يَنْفَعُ، وعَمَلٌ يُرْفَعُ. كَمَا قَالَ تَعَالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]. وكَذَا: {إِلَيهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]. * * * وبَعْدُ؛ فَقَدْ جَعَلَ اللهُ لَكَ يا طَالِبَ العِلْمِ مَخْرَجًا، فَكُنْ رَابَعَ أرْبَعَةٍ: عَالِمًا، أو مُتَعَلَّمًا، أو مُسْتَمِعًا، أو مُحِبًّا. وأُعِيذُكَ باللهِ أنْ تَكُنَ الخَامِسَ فَتَهْلَكَ: وهُوَ مُعَادَاةُ أهْلِ العِلْمِ، أو بُغضُهُم!

وهَاكَ مِنْ شَذَاتِ العِلْمِ وفَضَائِلِه، مَا قَالَهُ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "تَعَلَّمُوا العِلْمَ فإنَ تَعَلُّمَه للهِ خَشْيَةٌ، وطَلَبَهُ عِبَادَةٌ، ومُدَارَسَتَهُ تَسْبِيحٌ، والبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ، وتَعْلِيمَه لمِنْ لا يَعْلَمُ صَدَقَةٌ، وبَذْلَهُ لأهْلِهِ قُرْبَةٌ! لأنَّه مَعَالِمُ الحَلالِ والحَرَامِ، والأنِيسُ في الوَحْشَةِ، والصَّاحِبُ في الخَلْوَةِ، والدَّليلُ عَلَى السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ، والزَّينُ عِنْدَ الأخِلَّاءِ، والقُرْبُ عِنْدَ الغُرَبَاءِ. يَرْفَعُ اللهُ بِه أقْوَامًا فَيَجْعَلَهُم في الخَلْقِ قُدَاةً يُقْتَدَى بِهِم، وأئِمَّةً في الخَلْقِ تُقْتَصُّ آثَارُهُم، ويُنتهَى إلى رَأيِهِم، وتَرْغَبُ المَلائِكَةُ في حُبِّهِم؛ بأجْنِحَتِهِم تَمْسَحُهُم، حَتَّى كُلُّ رَطِبٍ ويَابِسٍ لَهُم مُسْتَغْفِرٌ، حَتَّى حِيتَانُ البَحْرِ وهَوَامُه، وسِبَاعُ البَرِّ وأنْعَامُه، والسَّمَاءُ ونُجُوْمُها؛ لأنَّ العِلْمَ حَيَاةُ القُلُوْبِ مِنَ العَمَى، ونُوْرُ الأبْصَارِ مِنَ الظُّلَمِ، وقُوَّةُ الأبْدَانِ مِنَ الضَّعْفِ. يَبْلُغُ بِه العَبْدُ مَنَازِلَ الأحْرَارِ ومُجَالَسَةَ المُلُوْكِ، والدَّرَجَاتِ العُلَى في الدُّنْيَا والآخِرَةِ، والفِكْرُ بِه يُعْدَلُ بالصِّيَامِ، ومُدَارَسَتُه بالقِيَامِ، بِه يُطَاعُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ، وبِه يُعْبَدُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ! وبِه تُوْصَلُ الأرْحَامُ، وبِه يُعْرَفُ الحَلالُ مِنَ الحَرَامِ، إمَامُ العَمَلِ، والعَمَلُ

تَابِعُه، يُلْهَمُهُ السُّعَدَاءُ، ويُحْرَمُهُ الأشْقِيَاءُ" (¬1) انْتَهَى. * * * فَلأجْلِ هَذَا؛ أحْبَبْتُ أنْ أطْرُقَ هَذِه الجادَّةَ العِلْمِيَّةَ؛ عَسَانِي أدُلُّ السَّالِكَ، وأحُثُّ الهِمَمَ إلى طَرْقِ بَابِ العِلْمِ، دُوْنَمَا إعْيَاءٍ وكِلالٍ، وطُوْلٍ ومِلالٍ، قَدْ لا يُحَصِّلُ شَادِي العِلْمِ فيه كَبِيرَ فَائِدَةٍ، أو عَظِيمَ عَائِدَةٍ، أو غَيرَه مِنْ مَبَاغِي العِلْمِ ومَنَارَاتِه؛ مِمَّا نَدَّتْ عَنْهُ أكْثر أطَاريحِ أهْلِ زَمانِنَا؛ لِجَهْلِهِم بطَرَائِقِ الطَّلَبِ ومَدَارِجِهِ الآخِذَةِ برِقَابِ العِلْمِ؛ فَنًّا بَعْدَ فَنٍّ، وبَابًا قَبْلَ بَابٍ، وهَكَذا دَوَالَيكَ مِمَّا هُوَ طَوْعُ يَدَيكَ! * * * وهَذَا مَا ذَكَرَه ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ بِقَوْلِه في كِتَابِهِ "الفَوَائِدِ" (304): "الجَهْلُ بالطَّرِيقِ وآفَاتِهِا والمَقْصُوْدِ: يُوْجِبُ التَّعَبَ الكَثِيرَ مَعَ الفَائِدَةِ القَلِيلَةِ". وقَدْ قِيلَ: "مَنْ لَمْ يُتْقِنِ الأُصُوْلَ؛ حُرِمَ الوُصُوْلَ". ¬

_ (¬1) انْظُرْ "أخْلاقَ العُلَمَاءِ" للآجُرِّي (37)، و"جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابنِ عَبْدِ البَرِّ (1/ 55)، و"تَذْكِرَةَ السَّامِع والمُتَكَلِّمِ" لابنِ جَمَاعَةَ (11)، و"شَرْحَ حَدِيثِ أبِي الدَّرْدَاءِ" لابنِ رَجَبٍ (38) وفيهِ ضَعْفٌ.

وكَذَا "مَنْ حُرِمَ الدَّلِيلَ، ضَلَّ السَّبِيلَ"! * * * وعَنْ يُوْنُسَ بنِ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ لي ابْنُ شِهَابٍ: "يا يُوْنُسُ! لا تُكَابِرَ العِلْمَ، فإنَّمَا هُوَ أوْدِيَةٌ، فأيُّها أخَذَتْ فيه قَبْلَ أنْ تَبْلُغَهُ قُطِعَ بِكَ، ولَكِنْ خُذْهُ مَعَ اللَّيَالِي والأيَّامِ" (¬1). ورَحِمَ اللهُ الزَّرْنُوجِيَّ حَيثُ قَطَعَ عَنِّي حَبَائِلَ الرَّهْبَةِ، ورَفَعَ عِنْدِي آمَالَ الرَّغْبةِ، بقَوْلِه في "تَعْلِيمِ المتعَلِّمِ" (53): "فلَمّا رَأيتُ كَثِيرًا مِنْ طُلابِ العِلْمِ في زَمَانِنا يَجِدُّوْنَ إلى العِلْمِ ولا يَصِلُوْنَ، ومِنْ مَنَافِعِه وثَمَرَاتِهِ يُحْرَمُوْنَ، لمِا أنَّهُم أخْطَئُوا طَرَائِقَه، وتَرَكُوا شَرَائِطَه، وكُلُّ مَنْ أخْطأ الطَّرِيقَ ضَلَّ، ولا يَنَالُ المَقْصُوْدَ قَلَّ أو جَلَّ" انْتَهَى. وكَذَا مَا هُنَاكَ مِنْ تَنَابِيهَ تَدْفَعُ بِمِثلي، في صُنع هَذَا المَنْهَجِ، وهُوَ مَا ذَكَرَهُ شَيخُ الحَنَابِلَةِ في عَصْرِه ابنُ بَدْرَانَ رَحِمَهُ اللهُ بقَوْلِه في "المَدْخَلِ" (485): "اعْلَمْ أنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَقْضُوْنَ السِّنِينَ الطِّوَالَ في تَعَلُّمِ العِلْمَ، بَلْ في عِلْمٍ وَاحِدٍ، ولا يحصِّلُوْنَ مِنْه عَلَى طَائِلٍ، ورُبَّمَا قَضَوْا أعْمَارَهُم فيه، ولَمْ ¬

_ (¬1) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/ 431).

يَرْتَقُوا عَنْ دَرَجَةِ المُبْتَدِئِينَ، وإنَّمَا يَكُوْنُ ذَلِكَ لأحَدِ أمْرَينِ: أحَدُهُما: عَدَمُ الذَّكَاءِ الفِطْرِيِّ، وانْتِفَاءُ الإدْرَاكِ التَّصَوُّرِي، وهَذَا لا كَلامَ لَنَا فيه، ولا في عِلاجِه، والثَّانِي: الجَهْلُ بِطُرُقِ التَّعْلِيمِ". انْتَهَى. قَالَ ابْنُ أغْنَسَ (¬1): مَا أكْثَرَ العِلْمُ ومَا أوْسَعَه ... مَنَ الَّذِي يَقْدِرُ أنْ يَجْمَعَه إنْ كُنْتَ لا بُدَّ لَهُ طَالِبًا ... مُحَاوِلًا فالْتَمِسْ أنْفَعَه * * * ومَعَ هَذَا؛ فإنَّنا لَمْ نَزَلْ (للأسَفِ!)، نرَى كَثِيرًا مِنْ أهْلِ زَمَانِنَا مِمَّنْ تَصَدَّرَ للعِلْمِ والتَّعْلِيمِ؛ لا يَسْتَأخِرُوْنَ سَاعَةً في تَعْسِيرِ العِلْمِ عَلَى المُبْتَدِئِينَ، وتَنْفيرِ المُقْبِلِينَ عَلَيه، وذَلِكَ بتَفْرِيعِ أُصُوْلِه، وتَشْقِيقِ فُرُوْعِه، مَا يَقْضِي بِقَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَى طَالِبِ العِلْمِ، وحِرْمَانِ الكَثِيرِ مِنْ دُرُوْسِ العِلْمِ. فَتَارَةً نَجِدُهُم يَتَوَسَّعُوْنَ لَهُم في المُخْتَصَرَاتِ، وتَارَةً يَتكلَّفُوْنَ لَهُم في الكَلِمَاتِ، فلَكُمُ اللهُ يا طُلابَ العِلْمِ مِنْ زَبَدِ المُدَرِّسينَ، وسوَالِبِ المتفَيقِهِينَ! * * * ¬

_ (¬1) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/ 437).

يَقُوْلُ اللهُ تَعَالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وقَالَ أيضًا عَنْ نَبِيِّهِ عَلَيه الصَّلاةُ والسَّلامُ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)} [ص: 86]. وقَالَ عَلَيه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ، فسَدِّدُوا وقَارِبُوا وأبْشِرُوا واسْتَعِينُوا بالغَدْوَةِ والرَّوْحَةِ وشَيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ" (¬1)! البُخَارِيُّ. وقَالَ الإمَامُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَه اللهُ: "إنَّمَا العِلْمُ عِنْدَنا الرُّخْصَةُ مِنْ ثِقَةٍ، فأمَّا التَّشْدِيدُ فَيُحْسِنُه كُلُّ أحَدٍ" (¬2). * * * وهَذَا مَا نَصَّ عَلَيه ابنُ بَدْرَانَ في "المَدْخَلِ" (485) عِنْدَ قَوْلِهِ: "وهَذَا (الجهْلُ بِطُرُقِ التَّعْلِيمِ) وَقَعَ فيه غَالِبُ المُعَلِّمِينَ، فَتَرَاهُم يَأتِي إلَيهِم الطَّالِبُ المُبْتَدِئ ليَتَعَلَّمَ النَّحْوَ مَثَلًا فيُشْغِلُوْنَه بالكَلامِ عَلَى البَسْمَلَةِ، ثُمَّ عَلَى الحَمْدَلَةِ أيَّامًا بَلْ شُهُوْرًا، لِيُوْهِمُوْهُ سِعَةَ مَدَارِكِهِم، وغَزَارَةَ عِلْمِهِم، ثُمَّ إذا ¬

_ (¬1) أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (39). (¬2) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/ 784).

قُدِّرَ لَهُ الخَلاصُ مِنْ ذَلِكَ، أخَذُوا يُلَقِّنُوْهُ مَتْنًا أو شرْحًا بِحَوَاشِيهِ وحَوَاشِي حَوَاشِيه، ويَحْشُرُوْنَ لَه خِلافَ العُلَمَاءِ، ويُشْغِلُوْنَه بكَلامِ مَنْ رَدَّ عَلَى القَائِلِ، ومَا أُجِيبَ بِه عَنِ الرَّدِّ! ولا يَزَالُوْنَ يَضْرِبُوْنَ لَه عَلَى ذَلِكَ الوَتَرِ، حَتَّى يَرْتَكِزَ في ذِهْنِه أنَّ نَوَالَ هَذَا الفَنِّ مِنْ قَبِيلَ الصَّعْبِ الَّذِي لا يَصِلُ عَلَيه إلَّا مَنْ أُوْتِي الوَلايَةَ، وحَضَرَ مَجْلِسَ القُرَبِ والاخْتِصَاصِ، هَذَا إذَا كَانَ المُلَقِّنُ يَفْهَمُ ظَاهِرًا مِنْ عِبَارَاتِ المُصَنِّفينَ! " انْتَهَى. * * * فَلا يَضِيقُ صَدْرَكُ يا طَالِبَ العِلْمِ بِمَا هُنَا؛ فَكُلُّ مَا رَسَمْنَاهُ في (المَنْهَجِ العِلْمِي)، لَمْ يَكُنْ زَبَدًا يَقْذِفُه طَيشُ الفِكْرِ، أو رَذَاذَاتٍ يَلْفِظُها رَأسُ القَلَمِ ... بَلْ إنَّها مَعَالِمُ سَلَفيةٌ، وتجَارُبُ عِلْمِيَّة، قَدَ فَرَضَتْها الأمَانَةُ العِلْمِيَّةُ والنَّصِيحَةُ الأخَوِيَّةُ! كَمَا قَالَه ابنُ بَدْرَانَ رَحِمَه اللهُ في "المَدْخَلِ" (491): "طُرُقُ التَّعْلِيمِ أمْر ذَوْقِيٌّ، وأمَانَةٌ مُوْدَعَةٌ عِنْدَ الأسَاتِذَةِ، فَمَنْ أدَّاهَا أُثِيبَ عَلَى أدَائِها، ومَنْ جَحَدَها كَانَ مُطَالَبًا بِهَا" انْتَهَى.

قَالَ ابنُ القَيَّمِ رَحِمَهُ اللهُ في "مِفْتَاحِ دَارِ السَّعَادَةِ" (1/ 262): "وفيهِ تَنْبِيهٌ للعُلَماءِ عَلى سُلُوْكِ هَدْي الأنْبِيَاءِ وطَرِيقَتِهِم في التَّبْلِيغِ؛ مِنَ الصَّبْرِ والاحْتِمَالِ، ومُقَابَلَةِ إسَاءةِ النَّاسِ بالإحْسَانِ، والرِّفْقِ بِهِم، واسْتِجْلابِهِم إلى اللهِ بأحْسَنِ الطُّرُقِ، وبَذْلِ مَا يُمْكِنُ مِنَ النَّصِيحَةِ لَهُم؛ فإنَّهُ بذَلِكَ يَحْصُلُ لَهْم نَصِيبُهُم مِنَ هَذا الميرَاثِ العَظِيمِ قَدْرُهُ، الجَلِيلِ خَطَرُهُ" انْتَهَى. * * * ومَا أحْسَنَ مَا قَالَهُ الزَّرْنُوجِيَّ رَحِمَه اللهُ تَعَالَى في كِتَابِ "تَعْلِيمِ المُتَعَلِّمِ" (79): "ويَنْبَغِي لطَالِبِ العِلْمِ أنْ لا يَخْتَارَ نَوْعَ العِلْمِ بنَفْسِهِ؛ بَلْ يفوِّضُ أمْرَه عَلى الأُسْتَاذِ، فإنَّ الأُسْتَاذَ قَدْ حَصَلَ لَهُ التَّجَارُبُ في ذَلِكَ فَكَانَ أعْرَفَ بِمَا يَنْبَغِي لِكُلِّ أحَدٍ ومَا يَلِيقُ بِطَبِيعَتِه. وكَانَ الشَّيخُ بُرْهَانُ الدِّينِ يَقُوْلُ رَحِمَهُ اللهُ: كَانَ طَلَبَةُ العِلْمِ في الزَّمَنِ الأوَّلِ يُفَوِّضُوْنَ أمْرَهُم في التَّعَلُّمِ إلى أُسْتَاذِهِم، وكَانُوا يَصِلُوْنَ إلى مَقْصُوْدِهِم ومُرَادِهِم، والآنَ يَخْتَارُوْنَ بأنْفُسِهِم، فَلا يَحْصُلُ مَقْصُوْدُهُم مِنَ العِلْمِ والفِقْهِ" انْتَهَى. * * *

وقَدْ قِيلَ: ألا لَنْ تَنَالَ العِلْمَ إلَّا بسِتَّةٍ ... سَأُنبِّئُكَ عَنْ مَجْمُوْعِها ببَيَانِ ذَكَاءٌ وحِرْصٌ واجْتِهَادٌ وبُلْغَةٌ ... وإرْشَادُ أُستَاذٍ وطُوْلُ زَمَانِ (¬1) نَعَم؛ فإنَّه لا يَهْتَزُّ للعِلْمِ إلَّا نُفُوْسٌ أبِيَّةٌ، قَدِ ارْتَاضَتْ عَلَى الأنَفَةِ والعِزِّةِ، وعُلُوِّ الهِمَّةِ والقَدْرِ، وأنِفَتْ مِنْ مَعَرَّةِ الجَهْلِ، ومَرَاتِعِ الذُّلِّ والهَوَانِ، وسَئِمَتْ تِيهَ الحَيرَةِ والتَّبعِيَّةِ المَقِيتَةِ! * * * ¬

_ (¬1) انْظُرْ "تَعْلِيمَ المُتَعَلِّمِ" للزَّرْنُوجي (70)، وقَدْ عَزَاه لعَليِّ بنِ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وقِيلَ إنَّه مَنْسُوبٌ للشَّافِعِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، مَعَ اخْتِلافٍ في اللَّفْظِ، انْظُرْ "دِيوَانَه" (163).

المدخل الثاني فضل علوم الغاية على علوم الآلة

المَدْخَلُ الثَّانِي فَضْلُ عُلُوْمِ الغَايَةِ عَلَى عُلُوْمِ الآلَة (¬1) اعْلَمْ (رَحِمَنِي اللهُ وإيَّاكَ!)، إنَّ بَعْضَ المُتصَدِّرِينَ للتَّعْلِيمِ والتَّصْنِيفِ، قَدْ تَوَسَّعُوا كَثِيرًا في دُرُوْسِهِم العِلْمِيَّةِ مِنَ العُلُوْمِ الآليَّةِ تَوَسُّعًا مَشِينًا؛ مِمَّا كَانَ لَهُ أثَرٌ وتَأثِيرٌ بَالِغَانِ عَلَى عُلُوْمِ الغَايَةِ، مَا جَعَلَ بَعْضَ طُلابِ العِلْمِ يَقِفُوْنَ في مُنْتَصَفِ الطَّرِيقِ، لا عِلْمًا حَصَّلُوا، ولا فَنًّا أصَّلُوا ... ! لأجْلِ هَذَا؛ فاعْلَمْ يَا طَالِبَ العِلْمِ أنَّني لَمْ أفْتَحْ عَلَيكَ بَابًا وَاسِعًا مِنَ العِلْمِ، بِحَسْبِكَ مِنْه البُلْغَةُ، ولَمْ أُضَيِّقْ عَلَيكَ وَاسِعًا بِحَسْبِكَ مِنه الغَايَةُ، وذَلِكَ عِنْدَ اقْتِصَارِنا: عَلَى بَعْضِ عُلُوْمِ الآلَةِ الَّتِي فيها الكِفَايَةُ والمَقْنَعُ، أمَّا عُلُوْمُ الغَايَةِ فَلا حَدَّ فيها ولا نِهَايِةً! * * * ومَا أحْسَنَ مَا ذَكَرَهُ العَلامَةُ ابنُ خُلْدُونٍ رَحِمَهُ اللهُ فيما نَحْنُ بِصَدَدِهِ؛ إذْ يَقُوْلُ في "المُقَدِّمةِ" (1/ 622): "فأمَّا العُلُوْمُ الَّتِي هِيَ مَقَاصِدُ فَلا حَرَجَ في تَوَسُّعِهِ الكلامَ فيها، وتَفْرِيعِ المَسَائِلِ، واسْتِكْشَافِ الأدِلَّةِ والأنْظَارِ، فإنَّ ¬

_ (¬1) عُلُوْمُ الغَايَةِ مِثْلُ: العَقِيدَةِ، والحدِيثِ، والفِقْهِ، والتَّفْسِيرِ ... ، وعُلُوْمُ الآلَةِ مِثْلُ: النَّحْوِ، واللُّغَةِ، وأُصُوْلِ الفِقْهِ، ومُصْطَلَحِ الحدِيثِ، والمَنْطِقِ ... إلَخْ.

ذَلِكَ يَزِيدُ طَالِبَها تمَكُّنًا في مَلَكَتِه وإيضَاحًا لمِعانِيها المَقْصُوْدَةِ، وأمَّا العُلُوْمُ الَّتِي هِيَ آلَةٌ لِغَيرِها: مِثْلُ العَرَبِيَّةِ والمَنْطِقِ وأمْثَالهِما؛ فَلا يَنْبَغِي أنْ يُنْظَرَ فيها إلَّا مِنْ حَيثُ هِي آلَةٌ لِذَلِكَ الغَيرِ فَقَطُ، ولا يُوَسَّعُ فيها الكَلامُ، ولا تُفَرَّعُ المَسَائِلُ؛ لأنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُ بها عَنِ المَقْصُوْدِ، إذِ المَقْصُوْدُ مِنْها مَا هِي آلةٌ لَهُ لا غَيرُ، فكُلَّمَا خَرَجَتْ عَنْ ذَلِكَ؛ خَرَجَتْ عَنِ المَقْصُوْدِ، وصَارَ الاشْتِغَالُ بِهَا لَغْوًا، مَعَ مَا فيه مِنْ صُعُوْبَةِ الحُصُوْلِ عَلَى مَلَكَتِها بِطُوْلهِا وكَثْرَةِ فُرُوْعِها، ورُبَّمَا يَكُوْنُ ذَلِكَ عَائِقًا عَنْ تَحْصِيلِ العُلُوْمِ المَقْصُوْدَةِ بالذَّاتِ لِطُوْلِ وَسَائِلِها؛ مَعَ أنَّ شَأنَها أهَمُّ، والعُمُرُ يَقْصُرُ عَنْ تَحْصِيلِ الجمِيعِ عَلَى هَذِه الصُّوْرة، فَيَكُوْنُ الاشْتِغَالُ بِهَذِه العُلُوْمِ الآلِيَّةِ تَضْيِيعًا للعُمُرِ وشُغُلًا بِمَا لا يُغْنِي! وهَذَا كَمَا فَعَلَهُ المُتَأخِّرُوْنَ في صِنَاعَةِ النَّحْوِ، وصِنَاعَةِ المَنْطِقِ، لا بَلْ وأصُوْلِ الفِقْهِ، لأنَّهُم أوْسَعُوا دَائِرَةَ الكَلامِ فيها نَقْلًا واسْتِدْلالًا، وأكْثَرُوا مِنَ التَّفَارِيعِ والمَسَائِلِ بِمَا أخْرَجَها عَنْ كُوْنِها آلَةً، وصَيَّرَها مَقْصُوْدَةً بذَاتِها، ورُبَّما يَقَعُ فيها لذَلِكَ أنْظَارٌ ومَسَائِلُ لا حَاجَةَ بِها في العُلُوْمِ المَقْصُوْدَةِ بالذَّاتِ، فتكُوْنَ لأجْلِ ذَلِكَ مِنْ نَوْعِ اللَّغْوِ، وهِيَ أيضًا مُضِرَّةٌ بالمُتَعَلِّمِينَ عَلَى الإطْلاقِ، لأنَّ المُتَعَلِّمِينَ اهْتِمَامَهُم بالعُلُوْمِ المَقْصُوْدَةِ أكْثَرُ مِنِ اهْتِمَامِهِم

بِهَذِه الآلاتِ والوَسَائِلِ؛ فإذَا قَطَعُوا العُمُرَ في تَحْصيلِ الوَسَائِلِ فَمَتَى يَظْفَرُوْنَ بالمَقَاصِدِ؟، فلِهَذَا يَجِبُ عَلَى المُعَلِّمِينَ لِهَذِه العُلُوْمِ الآلِيَّةِ أنْ لا يَسْتَبْحِرُوا في شأنِهَا، ولا يَسْتكثِرُوا مِنْ مَسَائِلِها، ويُنبِّهُ المتعَلِّمَ عَلَى الغَرَضِ مِنْها، ويَقِفُ بِهِ عِنْدَهُ، فَمَنْ نَزَعَتْ بِهِ هِمَّتُه بَعْدَ ذَلِكَ إلى شَيءٍ مِنْ التَّوَغُّلِ ورَأى مِنْ نَفْسِه قِيَامًا بِذَلِكَ وكِفَايَةً بِه؛ فلْيَخْتَرْ لنَفْسِهِ مَا شَاءَ مِنَ المَرَاقِي، صَعْبًا أو سَهْلًا، وكُلٌّ مُيَسَّرٌ لمَا خُلِقَ لَهُ" انْتَهَى. * * * وبَعْدَ هَذَا؛ فيُرْجَى مِنْ طُلابِ العِلْمِ الأفَاضِلِ العِنَايَةُ بِهَذا البَرْنَامِجِ عِنَايَةً كَبِيرَةً؛ لأنَّ العُمُرَ قَصِيرٌ, والعِلْمَ كَثِيرٌ، والزَّمنَ يَسِيرٌ؛ وأنْ يَتَقيَّدُوا به لِحُصُولِ الفَائِدَةِ المرْجُوَّةِ؛ كَمَا أنَّنا وَضَعْنَا بَرْنَامِجْنَا (المَنْهَجَ العِلْمِيَّ) عَلَى مَرَاحلَ أرْبَعٍ مُوَافِقَةً للقُدُراتِ العِلْمِيَّةِ إنْ شَاءَ اللهُ، مَعَ بَعْضِ الأضَامِيمِ العِلْمِيَّةِ، وقَدْ قِيلَ: ازْدِحَامُ العُلُوْمِ مَضَلَّةُ الفُهُوْمِ؛ لِذَا لَزِمَ الاعْتِكَافُ عَلَيه مَا أمْكَنَ إلى ذَلِكَ سَبِيلًا. * * * يَقُوْلُ ابنُ عَبْدِ البَرِّ رَحِمَهُ اللهُ في "جَامِعِ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" (2/ 166): "طَلَبُ العِلْمِ دَرَجَاتٌ ومَنَاقِلُ ورُتَبٌ، لا يَنْبَغِي تَعَدِّيها، ومَنْ

تَعَدَّاها جُمْلَةً؛ فَقَدْ تَعَدَّى سَبِيلَ السَّلَفِ رَحِمَهُمُ اللهُ، ومَنْ تَعَدَّى سبِيلَهُم عَامِدًا ضَلَّ، ومَنْ تَعَدَّاهُ مُجْتهِدًا زَلَّ"! وبمِثْلِه يَقُوْلُ الإمَامُ الزَّبِيدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ في "شَرْحِ الإحْيَاءِ" (1/ 344): "يَجِبُ أنْ لا يَخُوْضَ (طَالِبُ العِلْمِ) في فَنٍّ حَتَّى يَتَنَاوَلَ مِنَ الفَنِّ الَّذِي قَبْلَه عَلَى التَّرْتيبِ بُلْغَتَه، ويَقْضِي مِنْهُ حَاجَتَه، فازْدِحَامُ العِلْمِ في السَّمْعِ مَضَلَّةُ الفَهْمِ. قَالَ تَعَالى: {الَّذِينَ آتَينَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} [البقرة: 121]، أي: لا يَتَجَاوَزَوْن فَنًّا حَتَّى يُحْكِمُوْهُ عِلْمًا وعَمَلًا، فَيَجِبُ أنْ يُقَدِّمَ الأهَمَّ فالأهَمَّ مِنْ غيرِ إخْلالٍ في التَّرتِيبِ. وكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مُنِعُوْا الوُصُوْلَ لَتَرْكِهِم الأُصُوْلَ؛ وحَقُّهُ أنْ يَكُوْنَ قَصْدُه مِنْ كُلِّ عِلْمٍ يَتَحَرَّاهُ التَّبَلُّغَ بِهِ إلِى مَا فَوْقَه حَتَّى يَبْلُغَ النِّهَايَةَ" انْتَهَى. وقَالَ أيضًا ابنُ القَيَّمِ رَحِمَهُ اللهُ في "مِفْتَاحِ دَارِ السَّعَادَةِ" (1/ 262): "وفيهِ أيضًا تَنْبِيهٌ لأهْلِ العِلْمِ عَلى تَرْبِيَةِ الأمَّةِ كَما يُرَبِّي الوَالِدُ وَلَدَه؛ فَيُرَبُّوْنَهم بالتَّدْريجِ والتَّرَقِي مِنْ صِغَارِ العِلْمِ إلى كِبَارِهِ، وتَحْمِيلِهم مِنْه مَا يُطِيقُوْنَ، كَما يَفْعَلُ الأبُ بوَلَدِهِ الطِّفْلِ في إيصَالِه الغِذَاءَ إلَيه؛ فَإنَّ أرْوَاحَ البَشَرِ إلى الأنْبِيَاءِ والرُّسُلِ كالأطْفَالِ بالنِّسْبَةِ إلى آبائِهِم، بَلْ دُوْنَ هَذِه النِّسْبَةِ بكَثِيرٍ" انْتَهَى.

وقَالَ الزَّرْنُوْجِيُّ رَحِمَهُ اللهُ في "تَعْلِيمِ المُتَعَلِّمِ" (79): "ويَنْبَغِي أنْ يَبْتَدِئ بِشَيءٍ يَكُوْنُ أقْرَبَ إلى فَهْمِهِ، وكَانَ الشَّيخُ الأُسْتَاذُ شَرَفُ الدِّينِ العُقَيليُّ رَحِمَهُ اللهُ يَقُوْلُ: الصوَابُ عِنْدِي في هَذا مَا فَعَلَه مَشَايُخُنَا رَحِمَهُمُ اللهُ، فإنَّهم كَانُوا يَخْتَارُوْنَ للمُبْتَدِئ صِغَارَاتِ المَبْسُوْطِ؛ لأنَّه أقْرَبُ إلى الفَهْمِ والضَّبْطِ، وأبْعَدُ مِنَ المَلالَةِ، وأكْثَرُ وُقُوْعًا بَينَ النَّاسِ" انْتَهَى. وقَدْ قِيلَ: حِفْظُ حَرْفَينِ خَيرٌ مِنْ سمَاعِ وِقْرَينِ، وفَهْمُ حَرْفَينِ خَيرٌ مِنْ حِفْظِ وِقْرَينِ! والوِقْرُ: الحِمْلُ الثَّقِيلُ. * * *

المدخل الثالث طلائع (المنهج العلمي)

المَدْخَلُ الثَّالِثُ طَلائِعُ (المَنْهَجِ العِلْمِيِّ) هُنَاكَ بَعْضُ الطَّلائِعِ العِلْمِيَّةِ، نَسُوْقُها بَينَ يَدَي كُلِّ مَنْ رَامَ السَّعْيَ حَثِيثًا وَرَاءَ (المَنْهَجِ العِلْمِيِّ)، وحَسْبُكَ أنَّها مُقَدِّمَاتٌ وتَنَابِيهُ سَابِقَةٌ، وبَصائِرُ سَائِقَةٌ للطَّالِبِ قَبْلَ الشُّرُوْعِ في مُتَابَعَةِ ما هُنَا مِنْ تَرَاتِيبَ تَنْظِيمِيَّةٍ، ومَسَالِكَ تَوْضِيحِيَّةٍ. لِذَا؛ يُسْتَحْسَنُ بطَالِبِ العِلْمِ أنْ يَعِيرَها اهْتِمَامًا، وأنْ يَجْعَلَها لِـ (المَنْهَجِ العِلْمِيِّ) إمَامًا، كُلُّ ذَلِكَ كَي يَسْهُلَ عَلَيه السَّيرُ، ويَقْرُبَ مِنْه الخَيرُ، واللهُ مِنْ وَرَاءِ القَصْدِ! ثُمَّ لا تَنْسَ قَوْلَ القَائِلِ: ألَا لَنْ تَنَالَ العِلْمَ إلَّا بسِتَّةٍ ... سَأُنَبِّئُكَ عَنْ مَجْمُوْعِها ببَيَانِ ذَكَاءٌ وحِرْصٌ واجْتِهَادٌ وبُلْغَةٌ ... وإرْشَادُ أُسْتَاذٍ وطُوْلُ زَمَانِ (¬1) * * * ¬

_ (¬1) انْظُرْ ص (27).

الطليعة الأولى

* الطَّلِيعَةُ الأوْلَى: عَلَى طَالِبِ العِلْمِ؛ أنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ مَرْحَلَةٍ مِنْ هَذِه المَرَاحِلِ: سِتَّةَ أشْهُرٍ؛ رَجَاءَ أنْ يُتِمَّ (المَنْهَجَ العِلْمِيَّ) كَامِلًا في سَنَتَينِ إنْ شَاءَ اللهُ! ولَهُ أنْ يُتِمَّهُ في أقَلِّ مِنْ ذَلِكَ لمِنْ أُتِيَ هِمَّةً عَالِيَةً، وعَزِيمَةً صَادِقَةً، ومِنْ قَبْلُ قَطْعُ العَوَائِقِ، ومَنع الصَّوَارِفِ! وقَدْ قِيلَ: عَلَى قَدْرِ أهْلِ العَزْمِ تَأتِي العَزَائِمُ ... وتَأتِي عَلَى قَدْرِ الكِرَامِ المَكَارِمُ وتَعْظُمُ في عَينِ الصَّغِيرِ صِغَارُها ... وتَصْغُرُ في عَينِ العَظِيمِ العَظَائِمُ (¬1) ومَنْ ضَاقَ بِه الزَّمَنُ، فَلَه أنْ يَمُدَّ حَبْلًا مِنَ الوَقْتِ مَا يُحِيطُ بِه (المَنْهَجَ العِلْمِيَّ). {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، "ومَا أمَرْتُكُمْ بِشَيءٍ؛ فَأْتُوا مِنْه ما اسْتَطَعتُمْ" (¬2) مُتَّفَقٌ عَلَيه. * * * ¬

_ (¬1) انْظُرْ "ديوَانَ المُتَنَبِّي" (385). (¬2) أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (13/ 351)، ومُسْلِمٌ (1337).

الطليعة الثانية

* الطَّلِيعَةُ الثَّانِيَةُ: كَمَا عَلَيه؛ مُرَاعَاةُ تَرْتِيبِ مُطالَعَةِ ودَرْسِ هَذِه الفُنُوْنِ بِحَسَبِ الرُّقُوْمَاتِ التَّسَلْسُلِيَّةِ ... اللَّهُمَّ إذَا كَانَتْ ثَمَّتُ مَصْلَحَةٌ يَرَاهَا طَالِبُ العلْمِ، مِمَّا تَعُوْدُ عَلَيه بِفَائِدَةٍ مَرْجُوَّةٍ، أو تَنْشِيطِ هِمَّةٍ؛ فَلَهُ أنْ يُقَدِّمَ مَا يَشَاءُ، ويُؤَخِّرَ مَا يَشَاءُ. * * * * الطَّلِيعَةُ الثَّالِثَةُ: كَمَا عَلَيه؛ أنْ يَعْلَمَ أنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا حَوْلَ الكُتُبِ الَّتِي في (المَنْهَجِ العِلْمِيِّ) مِنْ أسْمَاءِ المُحَقِّقِينَ، وأسْمَاءِ دُوْرِ النَّشْرِ والمَطَابِعِ؛ لَيسَ هُوَ مِنْ بَابِ الإلْزَامِ والالْتِزَامِ؛ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الاخْتِيَارِ والانْتِقَاءِ، بَعْدَ عِلْمِنا أنَّها مِنْ أحْسَنِ وأجْوَدِ مَا هُوَ مَوْجُوْدٌ ومُتَدَاوَلٌ بَينَ طُلابِ العِلْمِ الآنَ، وهَذَا مَا تَقْتَضِيهِ النَّصِيحَةُ الإيمَانِيَّةُ، والمَحَبَّةُ الأُخَوِيَّةُ. ومَا لَمْ نَذْكُرْ لَهُ تَحْقِيقًا أو دَارًا؛ فَحَسْبُنا أَنَّه لَمْ تَنَلْهُ يَدُ تَحْقِيقٍ مِمَّا هِيَ عَلَى شَرْطِ النَّصِيحَةِ. لِذَا؛ فَأنْتَ يَا طَالِبَ العِلْمِ في حِلٍّ فيما تَخْتَارُه وتَرْضَاه مِنْ مُحَقِّقِينَ وطَبَعَاتٍ، واللهُ المُوِفِّقُ والهَادِي إلِى سَوَاءِ السَّبِيلِ. * * *

الطليعة الرابعة

* الطلِيعَةُ الرَّابِعَةُ: كَمَا عَلَيه؛ أنْ يَسْتَعِينَ باللهِ تَعَالَى في شَرْحِ كُتُبِ (المَنْهَجِ العِلْمِيِّ) مِنْ خِلالِ إحْدَى الطُّرُقِ الأرْبَعِ عَلَى وَجْهِ التَّرْتِيبِ: الأولَى: أنْ يَأخُذَ شَرْحَهَا عَلَى أيدِي أهْلِ العِلْمِ السَّلَفِيِّينَ. الثَّانِيَةُ: فإنْ لَمْ يَكُنْ؛ فَلْيَأخُذْ شَرْحَهَا عَلَى أيدِي طُلابِ العِلْمِ النَّابِغِينَ. الثَّالِثَةُ: فإنْ لَمْ يَكُنْ؛ فَلْيَأخُذْ شَرْحَهَا مِنْ خِلالِ تَفْرِيغِ الأشْرِطَةِ الشَّارِحَةِ لَهَا إنْ وُجِدَ، وأخُصُّ مِنْها شُرُوْحَاتِ شَيخِنا العَلامَةِ مُحَمَّدٍ العُثَيمِينِ رَحِمَهُ اللهُ. الرَّابِعَةُ: فإنْ لَمْ يَكُنْ؛ فَلْيَأخُذْ شَرْحَهَا عَنْ طَرِيقِ القِرَاءةِ المُتَأنِيَّةِ، وسُؤالِ أهْلِ العِلْمِ عَمَّا يُشْكِلُ عَلَيه. لا سِيَّما أنَّ بَعْضَ البِلادِ قَدْ عَزَّ فيها الشَّيخُ الرَّبَّانِيُّ، واللهُ المُسْتَعَانُ! وهَذِه تَسْلِيَةٌ لطَالِبِ العِلْمِ ممَّنْ قَلَّ في أرْضِهِ أو بَلْدَتِهِ: أهْلُ العِلْمِ الكِبَارِ، أو تَغَيَّبِتْ مَجَالِسُ العِلْمِ بَينَهُم، أنْ يَتَذَكَّرَ والحَالَةُ هَذِه أنَّ عِلْمَ السَّلَفِ كَانَ: بقَلْبٍ عَقُوْلٍ، ولِسَانٍ سَؤُوْلٍ! * * *

وأخِيرًا؛ فَهَاكَ يَا طَالِبَ العِلْمِ (المَنْهَجَ العِلْمِيَّ) مَعَ مَا كَتَبْنَاهُ لَكَ مِنْ مُقَدِّمَةٍ عِلْمِيَّةٍ، تُبَصِّرُكَ عَلَى سوَاءٍ في خِطَّةٍ تَوْضِيحِيَّةٍ؛ عَسَاهَا تَجِدُ لَدَيكَ قَلْبًا وَاعِيًا، وأُذُنًا صَاغِيَةً، ومِنْ قَبْلُ هِمَّةً عَاليَةً، وما التَّوْفيقُ إلَّا بالله تَعَالَى. * * *

الباب الأول المراحل العلمية

البَابُ الأوَّلُ المَرَاحِلُ العِلْمِيَّةُ وفيه أرْبَعُ مَرَاحِلَ عِلْمِيَّةٍ

المرحلة الأولى

المَرْحَلَةُ الأُوْلَى 1 - حِفْظُ جُزْأينِ "عَمَّ وتَبَارَكَ" مِنَ القُرْآنِ الكَرِيمِ (¬1). 2 - حِفْظُ "الأَرْبَعِينَ النَّوَوِيِّةِ"، مَعَ زَيادَاتِ ابنْ رَجَبٍ الحَنْبَلي. 3 - قِرَاءةُ "حَاشِيَةِ ثَلَاثةِ الأُصُوْلِ" للشِّيخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَاسِمِ. 4 - قِرَاءةُ "شَرْح كَشْفِ الشُّبُهَاتِ" لشَيخِنا مُحَمَّدٍ العُثَيمِينِ. 5 - قِرَاءةُ "قُرَّةُ عُيُوْنِ المُوَحِّدِينَ" شَرْحِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ للشَّيخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَسَنَ آلِ الشَّيخِ، طَبْعَةُ دَارِ المُغْنِي، تَحْقِيقُ المَجْلِسِ العِلْمِيِّ بالدَّارِ. 6 - قِرَاءةُ "العُبُوْدِيَّةِ" لابْنِ تَيمِيَةَ، تَحْقِيقُ عَلَيِّ بنِ حَسَنَ الحَلَبِيِّ. 7 - قِرَاءةُ "المُقَدِّمَةِ الآجُرُّوْمِيَّةِ" مِنْ خِلالِ شَرْحِ شَيخِنا مُحَمَّدٍ العُثَيمِينِ عَبْرَ الأشْرِطَةِ (¬2)، مَعَ مَلْحُوظةِ تَفْرِيغِ مَا يَحْتَاجُه طَالِبُ العِلْمِ (¬3). ¬

_ (¬1) قِرَاءةُ وحِفْظُ القُرْآنِ الكَرِيمِ لا يَكُوْنُ إلا عَنْ طَرِيقِ التَّلْقِينِ مُبَاشَرَةً! (¬2) لَقَدْ خَرَجَ "شَرْحُ المُقَدِّمَةِ الآجُرُّوْمِيَّةِ" لشَيخِنا العُثَيمِينِ رَحِمَهُ اللهُ في طَبْعَةٍ جَيِّدَةٍ، بإشْرَافِ مُؤسَّسَةِ الشَّيخِ مُحَمَّدِ بنِ صَالِحٍ العُثَيمِينِ الخَيرِيَّةِ. (¬3) ومَنْ بَعُدَتْ عَلَيه أشْرِطَةُ شَيخِنا العُثَيمِينِ رَحِمَهُ اللهُ؛ فَلَهُ والحَالَةُ هَذِه أنْ يَقْتَصِرَ عَلى شَرْحِ "التُّحْفَةِ السَّنِيَّةِ بشَرْحِ المُقَدِّمَةِ الآجُرُّوْمِيَّةِ" للشَّيخِ مُحَمَّدٍ محُيي الدِّينِ عَبْدِ الحَمِيدِ رَحِمَهُ اللهُ على أيدِي أهْلِ العِلْمِ.

8 - قِرَاءةُ "الأُصُوْلِ مِنْ عِلْمِ الأُصُوْلِ" مِنْ خِلالِ شَرْحِ شَيخِنا مُحَمَّدٍ العُثَيمِينِ عَبْرَ الأشْرِطَةِ، مَعَ مَلْحُوظةِ: حِفْظِ التَّعْرِيفَاتِ حِفْظًا تَامًّا، وتَفْرِيغِ مَا يَحْتَاجُه طَالِبُ العِلْمِ. 9 - قِرَاءةُ "مُصْطَلَحِ الحَدِيثِ" لشَيخِنا مُحَمَّدٍ العُثَيمِينِ مَعَ مَلْحُوظةِ: حِفْظِ التَّعْرِيفَاتِ حِفْظًا تَامًّا. 10 - قِرَاءةُ "أُصُوْلِ التَّفْسِيرِ" لشَيخِنا مُحَمَّدٍ العُثَيمِينِ مَعَ مَلْحُوظةِ: حِفْظِ التَّعْرِيفَاتِ حِفْظًا تَامًّا. 11 - قِرَاءةُ المُجَلَّدِينِ الأوَّلِ والثَّانِي مِنْ كِتَابِ "الشَّرْحِ المُخْتَصَرِ عَلَى مَتْنِ زَادِ المُسْتَقْنِع" للشِّيخِ صَالِحِ الفَوْزَانِ، وهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ رُبْعِ العِبَادَاتِ، طَبْعَةُ دَارِ العَاصِمَةِ. 12 - قِرَاءةُ "تَيسِيرِ الكَرِيمِ الرَّحْمَنِ" للشَّيخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيِّ. 13 - قِرَاءةُ "حِلْيَةِ طَالِبِ العِلْمِ" لبَكْرٍ أَبُو زيدٍ. * * *

المرحلة الثانية

المَرْحَلَةُ الثَّانِيَةُ 1 - حِفْظُ خَمْسَةِ أجْزَاءٍ مِنَ القُرْآنِ الكَرِيمِ. 2 - قِرَاءةُ "الصَّحِيحَينِ" للبُخَارِيِّ ومُسْلِمٍ، مِنْ خِلالِ كِتَابِ "التَّوْشِيحِ شَرْحِ الجَامِع الصَّحِيح" للسِّيُوْطِيّ، تَحْقِيقُ رِضْوَانَ بنِ جَامِعٍ، و"الدِّيبَاج عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمِ بنِ الحَجَّاج" للسِّيُوْطِيِّ، تَحْقِيقُ أبِي إسْحَاقِ الحُوَينِيِّ. 3 - حِفْظُ "عُمْدَةِ الأحْكَامِ" للحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ المَقْدَسِيِّ الحَنْبَليِّ، تَحْقِيقُ مَحْمُوْدِ الأرْنَاؤُوْطِ، أو تِكْرَارُ قِرَاءتِه مِرَارًا. 4 - قِرَاءةُ "فَتْح المَجِيدِ"، للشَّيخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَسَنَ آلِ الشَّيخِ، تَحْقِيقُ الوَلِيدِ آلِ فُرَيَّانَ. 5 - قِرَاءةُ "شَرْح العَقِيدَةِ الوَاسِطِيَّةِ" للشَّيخِ مُحَمَّدِ بنِ خَلِيلٍ الهَرَّاسِ، تَحْقِيقُ عَلَوِي السَقَّاف. 6 - قِرَاءةُ "القَوَاعِدِ المُثْلَى" تَحْقِيقُ أشْرَفِ بنِ عَبْدِ المَقْصُوْدِ، مِنْ خِلالِ شَرْحِ شَيخِنا مُحَمَّدٍ العُثَيمِينِ عَبْرَ الأشْرِطَةِ، مَعَ مَلْحُوظةِ: حِفْظِ القَوَاعِدِ حِفْظًا تَامًّا، وتَفْرِيغِ مَا يَحْتَاجُه طَالِبُ العِلْمِ. 7 - قِرَاءةُ "الفُرْقَانِ بَينَ أوْلِياءِ الزحْمَنِ وأوْلِياءِ الشَّيطَانِ" لابنِ تَيمِيَّةَ، تَحْقِيقُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ اليَحْيَ.

8 - قِرَاءةُ "مُتمِّمَةِ الآجُرُّوْمِيَّةِ" للحَطَّابِ، مَعَ شرْحِها "الدُّرَرُ البهيَّةُ شَرْحُ مُتمِّمَةِ الآجُرُّوْمِيَّةِ" (¬1) لرَاقِمِه. 9 - قِرَاءةُ "دُرُوْسِ البَلاغَةِ" لحَفْنِي نَاصِفَ وآخَرِينَ، مِنْ خِلالِ شرْحِ شَيخِنا مُحَمَّدٍ العُثَيمِينِ عَبْرَ الأشرِطَةِ، مَعَ مَلْحُوظةِ تَفْرِيغِ مَا يَحْتَاجُه طَالِبُ العِلْمِ (¬2). 10 - قِرَاءةُ "القَوَاعِدِ والأُصُوْلِ الجَامِعَةِ" للشَّيخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيِّ، تَحْقِيقُ الشَّيخِ خَالِدِ بنِ عَليٍّ المُشَيقِحِ. 11 - قِرَاءةُ "قَوَاعِدِ الأُصُوْلِ ومَعَاقِدِ الفُصُوْلِ" لصَفي الدِّينِ عَبْدِ المُؤْمِنِ الحَنْبَليِّ، مَعَ شَرْحِهِ "تَيسِيرِ الوُصُوْلِ إلى قَوَاعِدِ الأُصُوْلِ" للشَّيخِ عَبْدِ اللهِ الفُوْزَانِ. 12 - قِرَاءةُ "تَيسِيرِ مُصْطَلَحِ الحَدِيثِ" للشَّيخِ مَحْمُوْدٍ الطَّحَّانِ. 13 - قِرَاءةُ "حَاشِيَةِ مُقَدِّمَةِ التَّفْسِيرِ" للشَّيخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ القَاسِمِ. ¬

_ (¬1) انْظُرْهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللهُ في مَوْقِعِ: (www.thiab.com). (¬2) لَقَدْ طُبِعَ كِتَابُ "شَرْحِ دُرُوْسِ البَلاغَةِ" لشَيخِنا العُثَيمِينِ رَحِمَهُ اللهُ، بعِنَايَةِ وتَحْقِيقِ الأخِ مُحَمَّدٍ المُطَيرِيِّ.

14 - قِرَاءةُ المُجَلَّدِينِ الثَّالِثِ والرَّابعِ مِنْ كِتَابِ "الشَّرْحِ المُخْتَصَرِ عَلَى مَتْنِ زَادِ المُسْتَقْنِعِ" للشَّيخِ صَالِحِ الفَوْزَانِ، وهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ رُبْعِ المُعَامَلاتِ، ورُبْعِ الجِنَايَاتِ، ورُبْعِ الشَّهَادَاتِ، طَبْعَةُ دَارِ العَاصِمَةِ. 15 - قِرَاءةُ "مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ" للإمَامِ البَغَوِيِّ، تَحْقِيقُ عُثْمَانَ ضُمِيرِيَّةِ، وآخَرِينَ، مَعَ مَلْحُوْظَةِ: عَدَمِ الوُقُوْفِ مَعَ الإسْرَائِيلِيَّاتِ، واخْتِلافِ القِرَاءاتِ، والمَسَائِلِ النَّحْوِيَّةِ. 16 - قِرَاءةُ "الكَلِمِ الطيِّبِ" لابنِ تَيمِيَّةَ، تَحْقِيقُ نَاصِرِ الدِّينِ الألْبَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ، مَعَ مَلْحُوظةِ: حِفْظِ مَا يُمْكِنُ حِفْظُه مِنَ الأحَادِيثِ لاسِيَّمَا أذْكَارُ اليَوْمِ واللَّيلَةِ. 17 - قِرَاءةُ "الفُصُوْلِ في سِيرَةِ الرَّسُوْلِ" لابنِ كَثِيرٍ، تَحْقِيقُ مَحَمَّدٍ الخَطْرَاوِيِّ، ومُحْيي الدِّينِ مُسْتُو. 18 - قِرَاءةُ "بَيَانِ فَضْلِ عِلْمِ السَّلَفِ عَلَى عِلْمِ الخَلَفِ" لابنِ رَجَبٍ، تَحْقِيقُ أخِينا الشَّيخِ محُمَّدٍ العَجْمِيِّ. 19 - قِرَاءةُ "تَصْنِيفِ النَّاسِ بَينَ الظَّنِّ واليَقِينِ" لبَكْرٍ أبُو زَيدٍ. * * *

المرحلة الثالثة

المَرْحَلَةُ الثَّالثَةُ 1 - حِفْظُ عَشَرَةِ أجْزَاءٍ مِنَ القُرْآنِ الكًرِيمِ. 2 - حِفْظُ رُبْعِ العِبَادَاتِ مِنْ "بُلُوْغ المَرَامِ" للحَافِظِ ابنِ حَجَرٍ العَسْقَلانِيِّ، تَحْقِيقُ سَمِيرِ بنِ أمِينٍ الزُّهَيرِيِّ، أو تِكْرَارُ قِرَاءتِه مِرَارًا، وهُوَ المُجَلَّدُ الأوَّلُ. 3 - قِرَاءةُ "السُّنَنِ الأرْبَعَةِ"، تَحْقِيقُ العَلامَةِ المُحَدِّثِ نَاصِرِ الدِّينِ الألْبَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ، طَبْعَةُ مَكْتبَةِ المَعَارِفِ، بِعِنَايَةِ الشَّيخِ مَشْهُوْرِ بنِ حَسَن آلِ سَلْمَانَ (¬1). 4 - قِرَاءةُ "الفَتْوَى الحَمَوِيَّةِ" لابنِ تَيمِيَّةَ، تَحْقِيقُ حَمَدَ التُّوَيجِرِيِّ. 5 - قِرَاءةُ "شَرْحِ العَقِيدَةِ الطَّحَاوِيَّةِ" لابنِ أبِي العِزِّ، تَحْقِيقُ التُّرْكِيِّ، ¬

_ (¬1) وهَذِه الطَّبَعَةُ خَرَجَتْ بَعْدَ وَفَاةِ الشَّيخِ الألْبَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ؛ حَيثُ كَانَتْ أُمْنِيَةً لَه قَبْلَ وَفَاتِه، فَشَاءَ اللهُ تَعَالى أنْ تَخْرُجَ هَذِه الطَّبْعَةُ بعِنَايَةِ الشَّيخِ مَشْهُوْرِ بنِ حَسَن؛ حَيثُ خَرَجَ كُلُّ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ السُّنَنِ الأرْبَعَةِ في مُجَلَّدٍ وَاحِدٍ حَاوٍ جَمِيعَ الأحَادِيثِ بأسَانِيدِها، مَعَ الحُكْمِ عَلَيها صِحَّة وضَعْفًا، وكَذا ذِكْرِ بَعْضِ الإحَالاتِ الخَاصَّةِ للألبَانيِّ رَحِمَهُ اللهُ في كُتُبِهِ الأخْرَى، وهِي بِهَذا الإخْرَاجِ تُعْتَبرُ قَاضِيةً ونَاسِخَةً على مَا سِوَاهَا مِنْ طَبَعَاتِ السُّنَنِ الأرْبَعَةِ للألْبَانِيِّ، لا سِيَّما الَّتي فَرَّقَتْ بَينَ صَحِيحِ السُّنَنِ وضَعِيفِها دُوْنَ سَنَدٍ أو إحَالَةٍ، أقْصِدُ: طَبْعَةَ مَكْتَبِ التَّربِيَةِ العَربيِّ لدُوَلِ =

والأرَناؤوطِ. 6 - قِرَاءةُ "سَبِيلِ الهُدَى بتَحْقِيقِ شَرْح قَطْرِ النَّدَى وبَلِّ الصَّدَى" لمُحَمَّدِ مُحْيي الدِّينِ عَبْدِ الحمِيدِ. 7 - قِرَاءةُ "البَلاغَةِ الوَاضِحَةِ" لعَليٍّ الجارِمِ، ومُصْطَفَى أمِينَ. 8 - قِرَاءةُ "تَدْرِيبِ الرَّاوِيِّ" للسِّيُوْطِيِّ، تَحْقِيقُ طَارِقِ بنِ عَوَضٍ. 9 - قِرَاءةُ "التَّأسِيسِ في أُصُوْلِ الفِقْهِ" للشَّيخِ مُصْطَفَى سَلامَةَ، مَعَ مَلْحُوْظَةِ: عَدَمِ قِرَاءةِ المُقَدِّمَةِ المَنْطِقِيَّةِ. 10 - قِرَاءةُ "مَعَالِمِ أصُوْلِ الفِقْهِ" للشَّيخِ مُحَمَّدِ بنِ حَسَنَ الجيزَانِيِّ. 11 - قِرَاءةُ "الوَجِيزِ في إيضَاع قَوَاعِدِ الفِقْهِ الكُلِّيَّةِ" للشَّيخِ محُمَّدٍ صِدْقِي البَوْرُنُو. 12 - قِرَاءةُ "فُصُوْلٍ في أُصُوْلِ التَّفْسِيرِ" للشَّيخِ مُسَاعِدَ الطَّيَّارِ. 13 - قِرَاءةُ "تَفْسِيرِ القُرْآنِ العَظِيمِ" لابنِ كَثِيرٍ، تَحْقِيقُ سَامِي السَّلامَة. ¬

_ = الخَلِيجِ، هَذا إذَا عَلِمْنا أنَّ الألْبَانِيَّ رَحِمَهُ اللهُ لم يَرْضَ هَذِه الطَّبْعَةَ حَالَ حَيَاتِه، فَكَانَ اللهُ لَه آمِينَ!

13 - قِرَاءةُ "تَفْسِيرِ القُرْآنِ العَظِيمِ" لابنِ كَثِيرٍ، تَحْقِيقُ سَامِي السَّلامَةِ. 14 - قِرَاءةُ "حَاشِيَةِ الرَّوْضِ المُرْبِع" للشَّيخِ عَبْدِ الرَّحمَنِ بنِ قَاسِمٍ، مَعَ مَلْحُوْظَةِ: تَضْمِينِ قِرَاءةِ "الشَّرْح المُمْتِعِ" لشَيخِنا مُحَمَّدٍ العُثَيمِينِ، نَشْرُ دَارِ ابنِ الجَوْزِيِّ، بَابًا بِبَابٍ، جَنْبًا بِجَنْبٍ. 15 - قِرَاءةُ "الوَابِلِ الصَّيِّبِ ورَافِع الكَلِمِ الطَّيِّبِ" لابنِ القَيِّمِ، تَحْقِيقُ الأخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ قَائِدٍ، دَارُ عَالَمِ الفَوَائِدِ، مَعَ مَلْحُوظةِ: حِفْظِ مَا يُمْكِنُ حِفْظُه مِنَ الأحَادِيثِ لا سِيَّمَا أذْكَارُ اليَوْمِ واللَّيلَةِ. 16 - قِرَاءةُ "جَامِع بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" للحَافِظِ ابنِ عَبْدِ البَرِّ النَّمَرِيِّ الأنْدَلُسِيِّ، تَحْقِيقُ أبِي الأشْبَالِ الزُّهَيرِيِّ. 17 - قِرَاءةُ "مُخْتَصَرِ مِنْهَاج القَاصِدِينَ" للإمَامِ أحْمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَقْدِسِيِّ، تَحْقِيقُ الشَّيخِ عَبْدِ القَادِرِ الأرْناؤُوْطِ. * * *

المرحلة الرابعة

المَرْحَلَةُ الرَّابِعَةُ 1 - حِفْظُ مَا بَقِيَ مِنَ القُرْآنِ الكَرِيمِ إذا أمْكَنَ. 2 - حِفْظُ أرْبَاعِ المُعَامَلاتِ، والجِنَايَاتِ، والشَّهَادَاتِ مِنْ "بُلُوْغ المَرَامِ "للحَافِظِ ابنِ حَجَرٍ العَسْقَلانِيِّ، تَحْقِيقُ سَمِيرِ بنِ أمِينٍ الزُّهَيرِيِّ، أو تِكْرَارُ قِرَاءتِه مِرَارًا، وهُوَ المُجَلَّدُ الثَّانِي. 3 - قِرَاءةُ "الشَّرِيعَةِ" للإمَامِ الآجُرِّي، تَحْقِيقُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ الدُّمَيجِيِّ. 4 - قِرَاءةُ "التَّدْمُرِيَّةِ" لابنِ تَيمِيَّةَ، مَعَ شَرْحِها "التَّوْضِيحَاتِ الأثَرِيَّةِ" لفَخْرِ الدِّينِ بنِ الزُّبِيرِ. 5 - قِرَاءةُ "شَرْحِ الأصْفَهانِيَّةِ" لابنِ تَيمِيَّةَ، تَحْقِيقُ مُحَمَّدِ بنِ عَوْدَةٍ السَّعَوِيِّ. 6 - قِرَاءةُ الاثْنَي عَشَرَ مُجَلَّدًا الأُوْلَى مِنْ "مَجْمُوْع الفَتَاوَى" لابنِ تَيمِيَّةَ. مَعَ مَلْحُوْظَةِ: تجَاوُزِ مَا قَرَأهُ طَالِبُ العِلْمِ سألِفًا مِمَّا هُو ضِمْنُ الفَتَاوَى.

7 - قِرَاءةُ "مِنْهَاج السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ" لابنِ تَيمِيَّةَ، تَحْقِيقُ مُحَمَّدِ بنِ رَشَادِ بنِ سَالمٍ، مَعَ مَلْحُوْظَةِ: عَدَمِ الوُقُوْفِ كَثِيرًا عِنْدَ المَسَائِلِ المَنْطِقِيَّةِ لاسِيَّما الَّتِي في أوَّلِ الكِتَابِ (¬1). 8 - قِرَاءةُ "بَيَانِ تَلْبِيسِ الجَهَمِيَّةِ" لابنِ تَيمِيَّةَ، تَحْقِيقُ مَجْمُوْعَةٍ مِنْ أهْلِ العِلْمِ، طَبْعَةُ مُجَمَّعِ الملِكِ فَهْدٍ لطِبَاعَةِ المُصْحَفِ الشَّرِيفِ، مَعَ مَلْحُوْظَةِ: عَدَمِ الوُقُوْفِ كَثِيرًا عِنْدَ المَسَائِلِ المَنْطِقِيَّةِ. 9 - قِرَاءةُ "النَّحْوِ الوَافي" (¬2) لعَبَّاسِ بنِ حَسَنَ، مَعَ مَلْحُوْظَةِ: عَدَمِ قِرَاءةِ التَّفْصِيل والزِّيَادَةِ مِنْ كُلِّ صَفْحَةٍ مِنْه إلَّا للحَاجَّةِ العِلْمِيَّةِ. 10 - قِرَاءةُ "رَوْضَةِ النَّاظِرِ وجُنَّةِ المُنَاظِرِ" لابنِ قُدَامَةَ المَقْدَسِيِّ الحَنْبَليِّ ¬

_ (¬1) أمَّا "مِنْهَاجُ السُّنةِ النَّبوِيَّةِ" فهُوَ بِحَاجَةٍ إلى تَقْرِيبٍ لطُلابِ العِلْمِ تَقْرِيبًا عِلْمِيًّا، وتِهْذِيبًا محُرَّرًا مَعَ فَهَارِسَ دَقِيقَةٍ لمِسَائِلِهِ وفَوَائِدِه، كُلُّ هَذا لأنَّ الكِتَابَ بِحَجْمِه هَذا أضْحَى للأسَفِ في زَمانِنا (حِجْرًا مَحْجُورًا) عَلى طُلابِ العِلْمِ المُعْتَنِينَ بالعَقِيدَةِ، فالكِتَابُ يَضُمُّ بَينَ دَفَّتَيهِ أصُوْلًا وفُرُوعًا، وفَوَائِدَ وفَرَائدَ ... تَحْتَاجُ إلى تَقْرِيبٍ وتَرْتِيبٍ؛ لا سِيَّمَا أنَّ أكْثَرَ مَسَائِلِه لَهَا تَعَلُّقٌ بالشِّيعَةِ الَّذِينَ يَزْدَادُوْنَ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، فَحَسْبُنا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ! اللَّهُمَّ لا تَذَرْ مِنْهُم على الأرْضِ دَيَّارًا؛ إنَّكَ إنْ تَذَرْهُم يُضِلُّوا عِبَادَكَ ويُؤذُوْا صَحَابَةَ نَبيِّكَ ... اللَّهُمَّ آمِين! (¬2) أَمَّا "النَّحْوُ الوَافي" فَلَمْ يَسْلَمْ مِنْ بَعْضِ المَلْحُوظاتِ؛ أُجْمِلُها فيما يَلي: =

تَحْقِيقُ عَبْدِ الكَرِيمِ بنِ عَليٍّ النَّمْلَةِ، مَعَ مَلْحُوْظَةِ: عَدَمِ قِرَاءةِ المُقَدِّمَةِ المَنْطِقِيَّةِ، ومَعَ تَضْمِينِ قِرَاءةِ "مُذَكِّرَةِ أُصُوْلِ الفِقْهِ" لمُحَمَّدٍ الأمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ، طَبْعَةُ دَارِ عَالَمِ الفَوَائِدِ، بَابًا بِبَابٍ، جَنْبًا بِجَنْبٍ. 11 - قِرَاءةُ "الإتْقَانِ في عُلُوْمِ القُرْآنِ" للسِّيُوْطِيِّ، تَحْقِيقُ مَجْمُوْعَةٍ مِنْ أهْلِ العِلْمِ، طَبْعَةُ مُجَمَّعِ الملِكِ فَهْدٍ لطِبَاعَةِ المُصْحَفِ الشَّرِيفِ. 12 - قِرَاءةُ "الرَّائِدِ في عِلْمِ الفَرَائِضِ" للشَّيخِ مُحَمَّدِ العِيدِ الخَطْرَاوِيِّ. 13 - قِرَاءةُ "المُغْني" للفَقِيهِ الحَنْبَليِّ أبي مُحَمَّدٍ ابن قُدَامَةَ المَقْدَسِيِّ، تَحْقِيقُ ¬

_ = أوْلًا: أنَّه لم يَسْلَمْ مِنَ القَوْمِيَّةِ العَرَبِيَّةِ. ثَانِيًا: أنَّه لَمْ يَسْلَمْ مِنَ التَّأوِيلاتِ الأشْعَريَّةِ. ثَالثًا: أنَّه قَلِيلُ الاسْتِشْهَادِ بالحدِيثِ النَّبويِّ، وهَذَا المَنْهَجُ مَرْجُوحٌ مَرْفوضٌ جُمْلةً وتَفْصِيلًا (وإنْ كَانَ عَلَيه أكْثَرُ النُّحَاةِ!)، ولَيسَ هَذَا مَحلُّ بَسْطِ المسْألَةِ هُنَا، ومَعَ هَذا فَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ كُتُبِ النَّحْوِ وزينَتِها؛ بَلْ مِنْ أجْمَعِها وأنْفَعِها وأسْهَلِها، ومَا ذَاكَ إلَّا لأسْلُوْبِه الآخَّاذِ، وأمْثِلَتِه الوَاقِعِيَّةِ، وشُمُولِهِ لمِبَاحِثِ النَّحْوِ والصَّرْفِ، وتَحْرِيراتِه العِلْميَّةِ، وتَرْجِيحَاتِهِ القَوِيَّةِ، وطَرْحِهِ للخِلافَاتِ المَنْطِقيَّةِ الَّتي حُشِرَتْ بِها أكْثَرُ مَبْسُوْطَاتِ النَّحْوِ ... فَهُوَ بحَقٍّ كَافٍّ وَافٍّ، ولَهُ مِنِ اسْمِهِ حَظٌّ وَافِرٌ؛ حَيثُ وَافَقَ الخُبْرُ الخَبَرَ؛ ولَيسَ الخَبَرُ كالمُعَايَنَةِ، وإنْ كَانَ قَدْ سُبِقَ إلَّا أنَّه لَحِقَ، واللهُ المُوَفِّقُ!

الشَّيخِ عَبْدِ اللهِ التُّرْكِيِّ، والشَّيخِ عَبْدِ الفَتَّاحِ الحُلْوِ رَحِمَهُ اللهُ، مَعَ مَلْحُوْظَةِ: تَضْمِينِ قِرَاءةِ "مَجْمُوْع الفَتَاوى" لابنِ تَيمِيَّةَ، بَابًا بِبَابٍ، جَنْبًا بِجَنْبٍ، ابْتِدَاءً مِنَ المُجَلَّدِ الحادِي والعِشْرِينَ إلى النِّهَايَةِ. 14 - قِرَاءةُ "فَتْحِ القَدِيرِ" للشَّوْكَانِيِّ، تَحْقِيقُ الشَّيخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُمَيرَةَ. 15 - قِرَاءةُ "الآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ" للفَقِيهِ الحَنْبَليِّ مُحَمَّدِ بنِ مُفْلِحٍ المَقْدَسِيِّ، تَحْقِيقُ الشَّيخِ شُعَيبٍ الأرْناؤُوْطِ، وعُمَرَ القَيَّامِ. * * *

الباب الثاني الفوائد والتنبيهات

البَابُ الثَّانِي الفَوَائِدُ والتَّنْبِيهَاتُ وفيهِ خَمْسُ تَنَابِيه

التنبيه الأول

فوَائِدُ وتَنْبِيهَاتٌ هُنَاكَ بَعْضُ الفَوَائِدِ والتَّنَابِيهِ؛ كَانَ عَلَى طَالِبِ العِلْمِ أنْ يَأخُذَها بِعَينِ الاعْتِبَارِ، حَتَّى يَتَسَنَّى لَهُ الطَّرِيقُ، ويَسْتَبِينَ لَهُ (المَنْهَجُ العِلْمِيُّ) حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ إنْ شَاءَ اللهُ! * التَّنْبِيهُ الأوَّلُ: أنَّ طَالِبَ العِلْمِ هُوَ صَاحِبُ القَرَارِ لاخْتِيَارِ مَا يُوَافِقُ قُدُرَاتِه العِلْمِيَّةَ مِنْ إحْدَى المَرَاحِلِ الأرْبَعِ، كَمَا لَهُ حَقُّ التَّنقُّلِ، واخْتِيَارُ مَا يَرَاهُ مُنَاسِبًا مِنْ مَجْمُوْعِ هَذِه المَرَاحِلِ، شَرِيطَةَ أنْ يَكُوْنَ قَدْ أتْقَنَ المَرْحَلَةَ الأُوْلَى والثَّانِيَةَ، أو مَا يُقَارِبَها مِنَ المُتُوْنِ المُخْتَصَرَةِ. وأضِفْ هُنَا أمْرًا مِنَ الأهَمِيَّةِ بِمَكَانٍ: وهُوَ أنْ يَعْلَمَ طَالِبُ العِلْمِ بأنَّ المَرْحَلتينِ الأُوْلَتَينِ هُنَا؛ لهَي مِنْ أهَمِّ المَرَاحِلِ العِلْمِيَّةِ في "البَرْنَامِجِ العِلْمِيِّ" فَعَلَيهُما المُعْتَمَدُ (بَعْدَ اللهِ) لِفَهْمِ مَا سِوَاهُمَا، وهُمَا الوِرْدُ الصَّافي الَّذِي يَصْدُرُ الطَّالِبُ مِنْهُمَا، فلا تَعْجَلَنَّ اجْتِيَازَهُمَا، ولا تَسْتَثْقِلَنَّ مُدَارَسَتَهُما! * * * * التَّنْبِيهُ الثَّانِي: أنَّ طَالِبَ العِلْمِ إذَا تجَاوَزَ مَرَاحِلَ (المَنْهَجِ العِلْمِيِّ) الأرْبَعِ، فإنَّنَا نَدْفَعُ بِهِ (وبِمَنْ هَذِه حَالُه) أنْ يَحْمَدَ اللهَ تَعَالَى، وأنْ يَلْزَمَ الجَادَّةَ

التنبيه الثالث

في الاسْتِقَامَةِ عَلَى مَنْهَجِ السَّلَفِ عَقِيدَةً ومَنْهَجًا، وأنْ يَأخُذَ بآدَابِ الطَّلَبِ، وسَنَنِ العِلْمِ والحِلْمِ، وخَفْضِ الجَنَاحِ، ودَمَاثَةِ الأخْلاقِ، وأنْ يَتَدَثَّرَ بِثِيَابِ التَّوَاضُعِ، وسِمَةِ أهْلِ العِلْمِ، فَذَلِكَ المُتَنَاهِي في الفَضْلِ، العَالِي في ذُرَى المَجْدِ، الحَاوِي قَصَبَ السَّبْقِ، الفَائِزُ بِخَيرِ الدَّارينِ، إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى! قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "يَنْبَغِي للفَقِيهِ أنْ يَضَعَ التُّرَابَ عَلَى رَأسِهِ تَوَاضُعًا للهِ، وشُكْرًا لَهُ" (¬1). * * * * التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ: أنْ يَرْفَعَ طَالِبُ العِلْمِ رَأسًا بعَمَلِ مَا عَلِمَ، وأنْ يَصْبِرَ عَلَى الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تَعَالَى، إذِ الصَّبْرُ شَرْطٌ في نَيلِ كُلِّ عَزِيزٍ وغَالٍ. ومِنْ مَحَاسِنِ الشِّعْرِ في الصَّبْرِ، مَا قَالَهُ ابنُ هِشَامٍ النَّحْوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: ومَنْ يَصْطَبِرْ للعِلْمِ يَظْفَرْ بنَيلِهِ ... ومَنْ يَخْطُبِ الحَسْنَاءَ يَصْبِرْ عَلَى البَذْلِ ومَنْ لَمْ يُذِلَّ النَّفْسَ في طَلَبِ العُلا ... يَسِيرًا يَعِشْ دَهْرًا طَوِيلًا أخَا ذُلِّ * * * فَلا يَرَاكَ اللهُ يَا طَالِبَ العِلْمِ إلَّا: مُتَعَلِّمًا أو عَامِلًا، مُجَاهِدًا أو مُجْتَهِدًا. ¬

_ (¬1) انْظُرْ "سِيَرَ أعْلامِ النُّبلاءِ" للذَّهَبِيِّ (10/ 53).

كَمَا قَالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ في "زَادِ المَعَادِ" (3/ 10): "فإذَا اسْتكمَلَ (العَبْدُ) هَذِه المَرَاتِبَ الأرْبَعَ (العِلْمَ، والعَمَلَ بِهِ، والدَّعْوَةَ إلَيه، والصَّبْرَ عَلَيه)؛ صَارَ مِنَ الرَّبَّانِيِّينَ! فإنَّ السَّلَفَ مُجْمِعُوْنَ عَلَى أنَّ العَالمَ لا يَسْتَحِقُّ أنْ يُسمَّى رَبَّانِيًّا؛ حَتَّى يَعْرِفَ الحَقَّ، ويَعْمَلَ بِهِ، ويُعَلِّمَهُ، فَمَنْ عَلِمَ وعَمِلَ وعَلَّمَ؛ فَذَاكَ يُدْعَى عَظِيمًا في مَلَكُوْتِ السَّمَوَاتِ" انْتَهَى. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: "العِلْمُ يَهْتِفُ بالعَمَلِ، فإنْ أجَابَهُ وإلَّا ارْتحَلَ". وعَنْ أيُّوْبَ السِّخْتِيَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ: قَالَ لِي أبُو قِلابةَ: "إذَا أحْدَثَ اللهُ لَكَ عِلْمًا فأحْدِثْ لَهُ عِبَادَةً، ولا يَكُنْ هَمُّكَ أنْ تُحدِّثَ بِهِ". وقَالَ الشَّعْبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: "كُنَّا نَسْتَعِينُ عَلَى حِفْظِ الحدِيثِ بالعَمَلِ بِهِ" (¬1). * * * * ¬

_ (¬1) انْظُرْ الآثَارَ في "جَامِعِ بَيَانِ العِلْمِ" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/ 653، 707، 709).

التنبيه الرابع

وأُعِيذُكَ باللهِ يَا طَالِبَ العِلْمِ مِنْ عِلْمِ المُنَافِقِ!، وقَدْ قِيلَ: "عِلْمُ المُنَافِقِ في قَوْلِه، وعِلْمُ المُؤْمِنِ في عَمَلِه" (¬1). فاللهَ اللهَ: "زَيِّنُوا العِلْمَ، ولا تَتَزَيَّنُوا بِه" (¬2). * * * * التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ: اعْلَمْ إنَّ العِلْمَ نِصْفَانِ. * نِصْفٌ: مَا حَوَتْهُ قَمَاطِرُ العِلْمِ؛ ابْتِدَاءً بالوَحْيَينِ (الكِتَابِ والسُّنَّةِ) ومَا تَخَرَّجَ مِنْهُما، أو حَامَ حَوْلَهُمَا، وانْتِهَاءً بِمَا تَضَمَّنَه "المَنْهَجُ العِلْمِيِّ" مِنْ تَنَابِيهَ وعَزَائِمَ ... إلخ. * ونِصْفٌ: هُوَ قَوْلُكَ فيمَا لا تَعْلَمُ: لا أعْلَمُ، لا أدْرِي! يَقُوْلُ أبُو دَاوُدَ رَحِمَهُ اللهُ: "قَوْلُ الرَّجُلِ فيما لا يَعْلَمُ: لا أعْلَمُ، نِصفُ العِلْمِ" (¬3). * * * فَقَدِ اتَّفَقَتْ كلِمَةُ أهْلِ العِلْمِ أنَّ العَالمَ إذَا أخْطَأ: (لا أدْرِي) فَقَدْ أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ! فَحَذَارَ حَذَارَ يَا طَالِبَ العِلْمِ مِنْ تَنَكُّبِ سَنَنِ أهْلِ العِلْمِ السَّالِفينَ ¬

_ (¬1) انْظُرْ "اقْتِضَاءَ العِلْمِ العَمَلُ" للخَطِيبِ البَغْدَادِيِّ (38). (¬2) انْظُرْ "جَامِعَ العِلْمِ" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/ 665)، و"الحِلْيَةَ" لأبِي نُعَيمٍ (6/ 399). (¬3) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (2/ 842).

فيما لا عِلْمَ لَكَ فيه، بأنْ تَقُوْلَ: لا أدْرِي، فَمَا أبْرَدَها الَيوَمَ عَلَى الكَبِدِ، ومَا أحَرَّهَا يَوْمَ المَرَدِّ! فإنْ كَانَ العِلْمُ (بِلا أدْرِي) نِصْفَ العِلْمِ، فَهِي واللهِ الجَهْلُ كُلُّهُ إذَا جُهِلَتْ! * * * قَالَ الرَّاجِزُ (¬1): فإنْ جَهِلْتَ مَا سُئِلْتَ عَنْهُ ... ولَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ عِلْمٌ مِنْهُ فَلا تَقُلْ فيه بِغَيرِ فَهْمِ ... إنَّ الخَطَأ مُزْرٍ بأهْلِ العِلْمِ وقُلْ إذَا أعْيَاكَ ذَاكَ الأمْرُ ... مَا لِي بِمَا تَسْألُ عَنْهُ خَبَرُ فَذَاكَ شَطْرُ العِلْمِ عَنِ العُلَمآ ... كَذَاكَ مَا زَالَتْ تَقُوْلُ الحُكَمآ * * * قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ: "كَانَ ابنُ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ: إذَا أخْطَأ العَالِمُ لا أدْرِي أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ"، وبِمِثْلِهِ قَالَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ (¬2). ¬

_ (¬1) السَّابِقُ (2/ 842). (¬2) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ" لابْنِ عَبْدِ البر (2/ 839)، و"تَذْكِرَةَ السَّامِعِ والمُتكَلِّمِ" لابْنِ جَمَاعَةَ (42)، و"الفَقِيهَ والمُتَفَقِّهَ" للخَطِيبِ البَغْدَادِيِّ (2/ 172).

فلا تَكُنْ كَمَنْ قِيلَ لَهُ (¬1): جَهِلْتَ فَعَادَيتَ العُلُوْمَ وأهْلَهَا ... كَذَاكَ يُعَادِي العِلْمَ مَنْ هُوَ جَاهِلُه ومَنْ كَانَ يَهْوَى أنْ يُرَى مُتَصَدِّرًا ... ويَكْرَهُ "لا أدْرِي" أُصِيبَتْ مَقَاتِلُه * * * قَالَ ابنُ وَهْبٍ رَحِمَهُ اللهُ: "لَوْ كَتَبْنا عَنْ مَالِكٍ: لا أدْرِي، لمَلأنا الألْوَاحَ". وعَنْ أبِي الذَّيَّالِ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ: "تَعَلَّمْ لا أدْرِي، فإنَّكَ إنْ قُلْتَ: لا أدْرِي، عَلَّمُوْكَ حَتَّى تَدْرِي، وإنْ قُلْتَ: أدْرِي، سَألُوْكَ حَتَّى لا تَدْرِي! " (¬2). وهَذا الإمامُ الآجُرِّيُّ رَحِمَهُ اللهُ نَرَاهُ في كِتَابِ "أخْلاقِ العُلَمَاءِ" (108) يُحَذِّرُ أهْلَ العِلْمِ مِنْ تَرْكِ "لا أدْرِي" فيما لا عِلَمَ لهم بِه، بِقَوْلِه: "وأمَّا الحُجَّةُ للعَالمِ يُسْألُ عَنِ الشَّيءِ لا يَعْلَمُه فَلا يَسْتَنْكِفْ أنْ يَقُوْلَ: لا أعْلَمُ، إذا كَانَ لا يَعْلَمُ، وهَذَا طَرَيِقُ أئِمَّةِ المُسْلِمِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ ومَنْ بَعْدَهُم مِنَ أئِمَّةِ المُسْلِمِينَ. اتَّبَعُوا في ذَلِكَ نَبِيَّهُم - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّه كَانَ إذا سئِلَ ¬

_ (¬1) انْظُرْ "أدَبَ الدُّنْيا والدِّينِ" للمَاوَرْدِيِّ (42). (¬2) انْظُرْ الآثَارَ في "جَامِعِ بَيَانِ العِلْمِ" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (2/ 839، 842).

التنبيه الخامس

عَنِ الشَّيءِ مِمَّا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ فيه عِلْمُ الوَحْي مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ فَيَقُوْلُ: "لا أدْرِي". وهَكَذَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ سُئِلَ عَنْ شَيءٍ لَم يَتَقَدَّمْ لَهُ فيه عِلْمٌ أنْ يَقُوْلَ: اللهُ أعْلَمُ، ولا عِلْمَ لِي بِه، ولا يَتكَلَّفْ مَا لا يَعْلَمُه، فَهُوَ أعْذَرُ لَهُ عِنْدَ اللهِ، وعِنْدَ ذَوِي الألْبَابِ" انْتَهَى. * * * * التَّنْبِيهُ الخَامِسُ: فإنَّني أهْمِسُ وأُهَمْهِمُ في أُذُنِ طَالَبِ العِلْمِ (إسْرَارًا لا جِهَارًا): أنَّ طَالِبَ العِلْمِ إذا أتْقَنَ مَرَاحِلَ (المَنْهَجِ العِلْمِيِّ) الأرْبَعِ، مَعَ مَا هُنَالِكَ مِنْ التَّنَابِيهِ، والفَوَائِدِ، والعَزَائِمِ المَرْقُوْمَةِ في مَثَانِي (المَنْهَجِ العِلْمِيِّ): فَهُو أهْلٌ للفَتْوَى، والتَّصَدُّرِ للدَّرْسِ والتَّعْلِيمِ، وإنِّي عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينِ، والله خَيرٌ شَاهِدًا وحَافِظًا!

الباب الثالث العزائم العلمية

البَابُ الثَّالِثُ العَزَائِمُ العِلْمِيَّةُ وفيهِ ثَلاثُ عَزَائِمَ

العزيمة الأولى

العَزَائِمُ العِلْمِيَّةُ فإنَّنا نُوْصِي كُلَّ مَنِ ائْتَمَّ بِمَا رَسَمْنَاهُ في (المَنْهَجِ العِلْمِيِّ) بأنْ لا يَنْسَ نَصِيبَهُ مِنْ هَذِه العَزَائِمِ العِلْمِيَّةِ الَّتِي جَادَتْ بِهَا النَّصِيحَةُ الإيمَانِيَّةُ؛ لأنَّ العِلْمَ رَحِمٌ بَينَ أهْلِهِ، وذَلِكَ مِنْ خِلالِ ثَلاثِ عَزَائِمَ: * العَزِيمَةُ الأوْلَى: فإنَّنَا نُوْصِي مَنْ تجَاوَزَتْ قُدُرَاتُه العِلْمِيَّةُ المَرَاحِلَ الأرْبَعَ كَمَا هِي في ثَوْبِ (المَنْهَجِ العِلْمِيِّ) بأنْ يَقْرَأ هَذِه الكُتُبَ لعُمُوْمِ الفَائِدَةِ، وعَظِيمِ العَائِدَةِ، وهُوَ مَا وَقَعَ عَلَيها اخْتِيَارُنا بَعْدَ النَّظَرِ والتَّمْحِيصِ؛ لأنَّهُ "لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لنَفْسِه" (¬1) مُتَّفَقٌ عَلَيه: 1 - قِرَاءةُ "فَتْح البَارِي" لابنِ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ، تَحْقِيقُ أبي قتيبَةَ نَظْرٍ الفَارِيَابيِّ. 2 - قِرَاءةُ "شَرْح مُسْلِمٍ" للنَّوَوِيِّ رَحِمَهُ اللهُ. 3 - قِرَاءةُ "اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ" لابنِ تَيمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ، تَحْقِيقُ الشَّيخِ نَاصِرِ العَقْلِ. ¬

_ (¬1) أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (1/ 56)، ومُسْلِمٌ (45).

4 - قراءةُ "إعْلامِ المُوَقّعِينَ" لابنِ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ، تَحْقِيقُ الشَّيخِ مَشْهُوْرِ بنِ حَسَن. 5 - قراءةُ "إغَاثَةِ اللَّهْفَانِ مِنْ مَصَائِدِ الشَّيطَانِ" لابنِ القيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ، تَحْقِيقُ الشَّيخِ الألْبَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ. 6 - قِرَاءةُ "مَدَارِج السَّالِكِينَ" لابنِ القيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ، تَحْقِيقُ عَبْدِ العَزِيزِ الجِلَيِّلِ. 7 - قِرَاءةُ "الاعتصامِ" للشَّاطِبِيِّ رَحِمَهُ اللهُ، تَحْقِيقُ الشَّيخِ مَشْهُوْرِ بنِ حَسَن. 8 - قِرَاءةُ "أضْوَاءِ البَيَانِ" للعَلامَةِ الأمِينِ الشّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللهُ، طَبْعَةُ دَارِ عَالَمِ الفَوَائِدِ. 9 - قراءةُ "رَسَائِلَ ودِرَاسَاتٍ في الأهْوَاءِ والافْتِرَاقِ والبِدَع ومَوْقِفِ السَّلَفِ مِنْها" للشَّيخِ نَاصِرِ العَقْلِ. 10 - قِرَاءةُ "ظَاهِرَةِ الإرْجَاءِ" لشَيخِنَا العَلامَةِ سَفَرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَوَالِيِّ. 11 - قِرَاءةُ "مَوْقِفِ ابنِ تَيمِيَّةَ مِنْ الأشَاعِرَةِ"، و"القَضَاءِ والقَدَرِ"، وكَذَا

"الحُكْمِ بغَيرِ مَا أنْزَلَ الله" كُلُّها لشَيخِنَا المُحَرِّرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَحْمُوْدِ، مَعَ مُرَاعَاةِ قِرَاءةِ الجُزْءِ الثَّالِثِ مِنْ "مَوْقِفِ ابنِ تَيمِيَّةَ" بتَدَبُّرٍ وتَأمُّلٍ. 12 - قِرَاءةُ "المُعْتَزِلَةِ في أصُوْلهِمُ الخَمْسَةِ" للشَّيخِ عَوَّادٍ المُعْتِقِ. 13 - قِرَاءةُ "زِيَادَةِ الإيمَانِ ونُقْصَانِهِ" للشَّيخِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ البَدْرِ. 14 - قِرَاءةُ "المُوَالاةِ والُمعَادَاةِ" للشَّيخِ مِحْمَاسٍ الجُلْعُوْدِ. 15 - قِرَاءةُ "مَشَارِعِ الأشْوَاقِ" للحَافِظِ الدِّمْيَاطِيِّ المشْهُوْرِ بابنِ النَّحَّاسِ، تَحْقِيقُ الشَّيخَينِ إدْرِيسَ بنِ مُحَمَّدٍ، ومُحَمَّدٍ إسْطَنْبُوْلِي. 16 - قِرَاءةُ "الجِهَادِ والقِتَالِ" (¬1) للشَّيخِ مُحَمَّدِ بنِ خَيرِ هَيكَلٍ. 17 - قِرَاءةُ "البِدَايَةِ والنِّهَايَةِ" لابنِ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ، تَحْقِيقُ عَبْدِ اللهِ التُّرْكِيِّ. 18 - قِرَاءةُ "الدُّرَرِ السَّنِيَّةِ" لأئِمَّةِ الدَّعْوَةِ، جَمْعُ الشَّيخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَاسِمِ رَحِمَهُ اللهُ. ¬

_ (¬1) عَلَى طَالِبِ العِلْمِ أنْ يَتَحَقَّقَ مِنْ بَعْضِ تَرْجِيحَاتِ مُحَمَّدٍ هَيكَلٍ في كِتَابِه هَذَا، مَعَ مُرَاعَاةِ التَّدْقِيقِ في تَحْرِيرِ أقْوَالِ أهْلِ العِلْمِ، ومَعْرِفَةِ الرَاجِحِ مِنْها، ومَعَ هَذا فَكِتَابُه مِنْ نَفَائِسِ كُتُبِ الجِهَادِ، حَيثُ جَمَعَ بَينَ التَّأصِيلِ الشَّرْعِيِّ وفِقْهِ الوَاقِعِ في صُوَرِه النَّازِلَةِ بسَاحَةِ المُسْلِمِينَ اليَوْمَ!

19 - قِرَاءةُ "مُقَدِّمَةِ ابنِ خُلْدُوْنٍ" لعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ خُلْدُوْنٍ رَحِمَهُ اللهُ. 20 - قِرَاءةُ "عَوْدَةِ الحِجَابِ" للشَّيخِ مُحَمَّدِ بنِ إسْمَاعِيلِ المُقَدَّمِ. 21 - قِرَاءةُ "الاتِّجَاهَاتِ الوَطَنِيَّةِ" للشَّيخِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حُسَينٍ. 22 - قِرَاءةُ "الانْحِرَافَاتِ العَقَدِيَّةِ والعِلْمِيَّةِ" للشَّيخِ عَليٍّ الزَّهْرَانيِّ. 23 - قِرَاءةُ "أبَاطِيلَ وأسْمَارٍ" لشَيخِ العَرَبِيَّةِ مَحْمُوْدِ شَاكِرٍ رَحِمَهُ اللهُ. 24 - قِرَاءةُ "حَاضِرِ العَالَمِ الإسْلامِيِّ" للشَّيخِ جَمِيلِ المِصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ. 25 - قِرَاءةُ "صَفَحَاتٍ مِنْ صَبْرِ العُلَمَاءِ" (¬1) للشَّيخِ أبي غُدَّةَ رَحِمَهُ اللهُ. 26 - قِرَاءةُ "جَوَاهِرِ الأَدَبِ" لأحْمَدَ الهَاشِمِيِّ رَحِمَهُ اللهُ. 27 - قِرَاءةُ "النِّهَايَةِ في غَرِيبِ الحَدِيثِ" لابنِ الأثِيرِ رَحِمَهُ اللهُ. 28 - قِرَاءةُ "المِصْبَاحِ المُنِيرِ" للفَيُّوْمِيِّ رَحِمَهُ اللهُ. 29 - قِرَاءةُ "مُعْجَمِ المنَاهِي اللَّفْظِيَّةِ" للشَّيخِ بَكْرٍ أبُو زَيدٍ. ¬

_ (¬1) تَنْبِيهٌ: أمَّا مَا ذَكَرَهُ أبُو غُدَّةَ في (الجَانِبِ السَّابعِ) مِنْ كِتَابِه هَذَا، وهُوَ التَّبَتُّلُ وتَرْكُ الزَّوَاجِ رَغْبَةً في العِلْمِ والتَّفَرَّغُ لأجْلِه، فَلَيس مِنْ جَادَّةِ السُّنَةِ، بَلْ هُوَ خِلافُ السُّنَةِ وفِعْلِ السَّلَفِ والفِطْرَةِ، فهو مُسْتَدْرَكٌ!

30 - قِرَاءةُ "الحِطَّةِ في ذِكْرِ الصِّحَاحِ السِّتَّةِ" لأبي الطَّيِّبِ القِنَّوْجِيِّ رَحِمَهُ اللهُ، تَحْقِيقُ عَلَيِّ بنِ حَسَنَ الحَلَبِيِّ. كَمَا أوْصِي نَفْسِي وإيَّاكَ يَا طَالِبَ العِلْمِ، بألَّا تَنْسَ نَصِيبَكَ العِلْمِيَّ، وزَادَكَ الإيمَانِيَّ مِنْ قِرَاءةِ وجَرْدِ كُتُبِ أئِمَّةِ السَّلَفِ، فَهِي واللهِ السَّمْعُ والبَصَرُ، فَهِي قِبْلَةُ العِلْمِ النَّافِعِ، والعَمَلِ الصَّالِحِ. . . فَحَرَامٌ عَلَى شَادِي العِلْمِ أنْ يَتبَصَّرَّ عِلْمًا دُوْنَها، أو يَتَسَنَّنَ عَمَلًا غَيرَها! ومَهْمَا يَكُنْ، فَهَذِه شَذَرَاتٌ سَلَفيةٌ تُنبَّؤُكَ بِمَا وَرَاءها، فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ، واشْدُدْ عَلَيها المِئْزَرَ، فإنَّ مِثْلَها تُعْقَدُ عَلَيها الأنَامِلُ، واللهُ حَسْبِيَ وهُوَ نِعْمَ الوَكِيلُ! * * * * ومِنْ هَذِه الكُتُبِ (لا كُلِّها): 1 - كُتُبُ الحَافِظِ الإمَامِ الحُجَّةِ شَيخِ المُفَسِّرِينَ أبي جَعْفَر مُحَمَّدِ بنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ (310) رَحِمَهُ اللهُ، لا سِيَّمَا كِتَابُه "جَامِعُ البَيَانِ عَنْ تَأوِيلِ القُرْآنِ"، تَحْقِيقُ الشَّيخِ عَبْدِ اللهِ التُّرْكِيِّ، و"تَارِيخُ الأُمَمِ والُملُوْكِ" تَحْقِيقُ محُمَّدٍ أبي الفَضْلِ إبْرَاهِيمَ.

2 - كُتُبُ حَافِظِ المَغْرِبِ ابنِ عَبْدِ البَرِّ (463) رَحِمَهُ اللهُ، لا سِيَّمَا كِتَابُه "التَّمْهِيدُ"، تَحْقِيقُ مَجْمُوْعَةٍ مِنْ أهْلِ العِلْمِ، وبإشْرَافِ وتَحْقِيقِ الشَّيخِ عَبْدِ اللهِ التُّرْكِيِّ، و"الاسْتِيعَابُ في مَعْرِفَةِ الأصْحَابِ" تَحْقِيقُ عَادِلِ مُرْشِدٍ. 3 - كُتُبُ حَافِظِ المَشْرِقِ الخَطِيبِ البَغْدَادِيِّ (463) رَحِمَهُ اللهُ، لا سِيَّمَا كِتَابُهُ "الكِفَايةُ في مَعْرِفَةِ أُصُوْلِ عِلْمِ الرِّوَايَةِ"، تَحْقِيقُ إبْرَاهِيمَ الدِّمْيَاطِيِّ، وكَذَا "تَارِيخُ دَارِ السَّلامِ" تَحْقِيقُ بَشَّار مَعْرُوْفٍ. 4 - كُتُبُ الحَافِظِ الفَقِيه ابنِ قُدَامَةَ (625) رَحِمَهُ اللهُ، لا سِيَّمَا كِتَابُه "المُغْنِي" تَحْقِيقُ الشَّيخِ عَبْدِ اللهِ التُّرْكِيِّ، والشَّيخِ عَبْدِ الفَتَّاحِ الحُلْوِ رَحِمَهُ اللهُ، و"الكافي "، تَحْقِيقُ عَبْدِ اللهِ التُّرْكِيِّ، و"رَوْضَةُ النَّاظِرِ" تَحْقِيقُ الشَّيخِ عَبْدِ الكَرِيمِ النَّمْلَةِ. 5 - كُتُبُ الحَافِظِ الفَقِيه النَّوَوِيِّ (676) رحِمَهُ اللهُ، لا سِيَّمَا كِتَابُه "المَجْمُوْعُ"، و"شَرْحُ صَحِيح مُسْلِمٍ"، و"رِيَاضُ الصَّالحِينَ" تَحْقِيقُ عَلَيٍّ الحلَبِيِّ. 6 - كُتُبُ الحَافِظِ الذَّهَبِيِّ (748) رَحِمَهُ اللهُ، لا سِيَّمَا كِتَابُه "سِيَرُ أعْلامِ النُّبَلاءِ" تَحْقِيقُ شُعَيبٍ الأرْنَاؤُوطِ وجَمَاعَةٍ، و"تَارِيخُ الإسْلامِ" تَحْقِيقُ بَشَّار مَعْرُوْفٍ.

7 - كُتُبُ الحافِظِ ابنِ كثيرٍ (774) رَحِمَهُ اللهُ، لا سِيَّمَا كِتَابُه "التَّفْسِيرُ" تَحْقِيقُ سَامِي السَّلامَةَ، و"البِدَايَةُ والنِّهَايَةُ" تَحْقِيقُ عَبْدِ اللهِ التُّرْكِيِّ. 8 - كُتُبُ الحَافِظِ ابنِ رجبٍ (795) رَحِمَهُ اللهُ، لا سِيَّمَا كِتَابُه "فَتْحُ البَارِي شَرْحُ صَحِيح البُخَارِي" تَحْقِيقُ طَارِقِ بنِ عوضٍ، و"ذِيلُ الطبَقَاتِ" تَحْقِيقُ شَيخِنَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ العُثَيمِينِ، و"جَامِعُ العُلُوْمِ والحِكَمِ" تَحْقِيقُ شُعَيبٍ الأرْنَاؤُوطِ، وعَبْدِ اللهِ التُّرْكِيِّ. 9 - كُتُبُ الحَافِظِ ابنِ حَجَرٍ (852) رَحِمَهُ اللهُ لا سِيَّمَا كِتَابُه "فَتْحُ البَارِي شَرْحُ صَحِيح البُخَارِي"، تَحْقِيقُ أبي قُتَيبَةَ نَظْرٍ الفَارِيَابيِّ، و"التَّلْخِيصُ الحَبِيرُ" تَحْقِيقُ الشَّيخِ مُحَمَّدِ الثَّانِي بنِ عُمَرَ، و"تَهْذِيبُ التَّهْذِيبِ". 10 - كُتُبُ أبي الفَضْلِ جَلالِ الدِّينِ السُّيُوطِيِّ (911) رَحِمَهُ اللهُ، لا سِيَّمَا كِتَابُه "الدُّرُّ المَنْثُوْرُ في التَّفْسِيرِ بالمَأثُوْرِ" تَحْقِيقُ عَبْدِ اللهِ التُّرْكِيِّ، و"الإتْقَانُ في عُلُوْمِ القُرْآنِ" تَحْقِيقُ مَرْكَزِ الدِّرَاسَاتِ القُرْآنِيَّةِ بمَجْمَعِ المَدِينَةِ لطِبَاعَةِ المُصْحَفِ، و"تَدْرِيبُ الرَّاوِيِّ"، تَحْقِيقُ طَارِقِ بنِ عَوَضٍ. 11 - كُتُبُ الحَافِظِ الشَّوْكَانِيِّ (1250) رَحِمَهُ اللهُ، لا سِيَّمَا كِتَابُه "فَتْحُ القَدِيرِ" تَحْقِيقُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عُمَيرَةَ، و"نَيلُ الأوْطَارِ" تَحْقِيقُ طَارِقِ بنِ عَوَضٍ.

12 - كُتُبُ الإمَامِ الصَّنْعَانِيِّ (1182) رَحِمَهُ اللهُ، لا سِيَّمَا كِتَابُه "سُبُلُ السَّلامِ" تَحْقِيقُ طَارِقِ بنِ عوضٍ. 13 - كُتُبُ العَلامَةِ الحَافِظِ الأصُوْلِي الشِّنْقِيطِيِّ (1393) رَحِمَهُ اللهُ، لا سِيَّمَا كِتَابُه "أضْوَاءُ البَيَانِ" طَبْعَةُ دَارِ عَالَمِ الفَوَائِدِ (¬1). ومِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ، فَعَلَيكَ يَا طَالِبَ العِلْمِ باقْتِنَاءِ وقِرَاءةِ جَمِيعِ كُتُبِ أئِمَّةِ الدِّينِ الرَّبَّانِيِّينَ أهْلِ السُّنَّةِ والجَماعَةِ: وأخُصُّ مِنْهُم: شَيخَ الإسْلامِ العَالمَ الرَّبَّانيَّ فَارِسَ المَنْقُوْلِ والمَعْقُوْلِ أبَا العَبَّاسِ أحمَدَ بنَ تَيمِيَّةَ (¬2) رَحِمَهُ الله تَعَالى (728). وكَذَا تَلْمِيذَه البَارَ الإمَامَ الحافِظَ الهُمَامَ شَمْسَ الدِّينِ أبا عَبْدِ الله محُمَّدَ ¬

_ (¬1) تَنْبِيهٌ: لَقَدْ خَرَجَتْ آثَارُ الشَّيخِ العَلامَةِ مُحَمَّدِ الأمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ كَامِلَةً وللهِ الحَمْدُ، مَعَ تَحْقِيقٍ عِلْمِيٍّ لأكْثَرِها، تَحْتَ إشْرَافِ الشَّيخِ بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ أبُو زَيدٍ، إصْدَارُ وطِبَاعَةُ دَارِ عَالَمِ الفَوَائِدِ، حَيثُ خَرَجَتْ في تِسْعَةَ عَشَرَ مُجَلَّدٍ، فَدُوْنَكَ اقْتِنَاءَهَا! (¬2) تَنْبِيهٌ: لَقَدْ خَرَجَتْ بَعْضُ آثَارِ شَيخِ الإسْلامِ ابنِ تَيمِيَّةَ ومَا لحِقَهَا مِنْ أعْمَالٍ في مَجْمُوعَاتٍ، وسَتَخْرُجُ تِبَاعًا كَامِلَةً إنْ شَاءَ اللهُ، مَعَ تَحْقِيقٍ عِلْمِيٍّ لأكْثَرِها، تَحْتَ إشْرَافِ الشَّيخِ بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ أبُو زَيدٍ، إصْدَارُ وطِبَاعَةُ دَارِ عَالَمِ الفَوَائِدِ، ولله الحمْدُ، فَدُوْنَكَ اقْتِنَاءَهَا!

ابنَ قَيِّمِ الجَوْزِيَّةِ (¬1) رَحِمَهُ الله تَعَالى (751). وكَذَا الإمَامَ المُجَدِّدَ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الوَهَّابِ (¬2) رَحِمَهُ الله (1206). * * * * وكَذا كُتُبُ شيخِنا العَلامَةِ عَبْدِ العَزِيزِ ابنِ بازٍ، وشَيخِنا العَلامَةِ مُحَمَّدٍ الصَّالِحِ العُثَيمِينِ، وشَيخِنا العَلامَةِ عَبْدِ اللهِ البَسَّامِ، ومُحَدِّثِ الشَّامِ العَلامَةِ مُحَمَّدِ بنِ نَاصِرِ الدِّينِ الألْبَانِيِّ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى. * وكَذَا كُتُبُ شيخِنا العَلامَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَقِيلٍ، وشَيخِنا العَلامَةِ عَبْدِ اللهِ الجِبْرِينِ، وشَيخِنا العَلامَةِ صَالحٍ الفَوْزَانِ، وشَيخِنا العَلامَةِ بَكْرٍ أبُو ¬

_ (¬1) تَنْبِيهٌ: لَقَدْ خَرَجَتْ بَعْضُ آثَارِ الإمَامِ ابنِ قَيِّمِ الجَوزِيَّةِ ومَا لحِقَهَا مِنْ أعْمَالٍ في مَجْمُوعَاتٍ، وسَتَخْرُجُ تِبَاعًا كَامِلَةً إنْ شَاءَ اللهُ، مَعَ تَحْقِيقٍ عِلْمِيٍّ لأكْثَرِها، تَحْتَ إشْرَافِ الشَّيخِ بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ أبُو زَيدٍ، إصْدَارُ وطِبَاعَةُ دَارِ عَالَمِ الفَوَائِدِ، وللهِ الحَمْدُ، فَدُوْنَكَ اقْتِنَاءهَا! (¬2) تَنْبِيهٌ: لَقَدْ طُبِعَتْ كُتُبُ شَيخِ الإسْلامِ محُمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ رَحِمَهُ اللهُ كَامِلَةً في أحَدَ عَشَرةَ مُجلَّدًا، تَحْتَ عُنْوَانِ: "مُؤلَّفَاتِ الشَّيخِ الإمَامِ محُمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ"، مَعَ تَحْقِيقٍ عِلْمِيٍّ لأكْثَرِها، تَحْتَ إشْرَافِ جَامِعَةِ الإمَامِ مُحَمَّدِ بنِ سُعُودٍ الإسْلامِيَّةِ، وللهِ الحَمْدُ، فَدُوْنَكَ اقْتِنَاءَهَا!

العزيمة الثانية

زَيدٍ، حَفِظَهُمُ اللهُ تَعَالَى في غَيرِهِم مِنْ أهْلِ العِلْمِ الكِبَارِ مِمَّنْ لا يَسَعُهُم هَذا المَقَامُ. * * * * العَزِيمَةُ الثَّانِيَةُ: إنَّنَا نُوْصِي طَالِبَ العِلْمِ المُبْتَدِئ والمُنْتَهِي عَلَى حَدٍّ سوَاءٍ، بأنْ يَكُوْنَ لَهُ (وِرْدٌ عِلْمِيٌّ) في كُلِّ سَنَةٍ أو سَنَتَينِ عَلَى أقَلِّ تَقْدِيرٍ وأضْعَفِ حَالٍ، وذَلِكَ بِدَوَامِ النَّظَرِ والقِرَاءةِ لبَعْضِ الكُتُبِ العِلْمِيَّةِ الَّتِي لا يَسَعُ طَالِبُ العِلْمِ أنْ يَجْهَلَها أو يَتَجَاهَلَها، لا سِيَّما مِمَّنْ تَصَدَّرَ للفَتْوَى والتَّعْلِيمِ، ورَامَ التَّألِيفَ والتَّحْقِيقَ. . .! فَدُونَكَهَا، كُتُبًا عِلْمِيَّةً، وكُنُوْزًا عَلَيَّةً، فاصْبِرْ نَفَسَكَ عَلَيها، ولا تَعْدُ عَينَاكَ عَنْها، فمِنْها المُبْتَدَى وإلَيها المُنتهَى بَعْدَ الكِتَابِ والسُّنَّةِ، وكُتُبِ سَلَفِ الأمَّةِ المُحَقِّقِينَ: * قِرَاءةُ "القُرْآنِ الكَرِيمِ"، أو مُرَاجَعَةُ حِفْظِهِ (مِرَارًا). * قِرَاءةُ "الصَّحِيحَينِ"، أو مُرَاجَعَةُ حِفْظِهِما. * قِرَاءةُ "بُلُوْغ المَرَامِ" لابنِ حَجَرٍ، تَحْقِيقُ سَمِيرِ الزُّهَيرِيِّ، أو مُرَاجَعَةُ حِفْظِهِ.

* قِرَاءةُ "مَجْمُوْع الفَتَاوَى" لابنِ تَيمِيَّةَ. * قِرَاءةُ "فَتْح المَجِيدِ"، لعَبْدِ الرَّحْمَنِ آلِ الشَّيخِ، تَحْقِيقُ الشَّيخِ الوَلِيدِ آلِ فُرَيَّانَ. * قِرَاءةُ "شَرْحِ العَقِيدَةِ الطْحَاوِيَّةِ" لابنِ أبِي العِزِّ، تَحْقِيقُ التُّرْكِيِّ والأرَناؤوطِ. * قِرَاءةُ "تَفْسِيرِ القُرْآنِ العَظِيمِ" لابنِ كَثِيرٍ، تَحْقِيقُ الشَّيخِ سَامِي السَّلامَةِ. * قِرَاءةُ "المُغْنِي" لابنِ قُدَامَةَ المَقْدِسِيِّ، تَحْقِيقُ الشَّيخِ عَبْدِ اللهِ التُّرْكِيِّ، والشَّيخِ عَبْدِ الفَتَّاحِ الحُلْوِ رَحِمَهُ اللهُ. * قِرَاءةُ "زَادِ المَعَادِ في هَدْيِ خَيرِ العِبَادِ" لابنِ القَيِّمِ، تَحْقِيقُ الشَّيخَينِ عَبْدِ القَادِرِ الأرْنَاؤُوْطِ، وشُعَيبٍ الأرْنَاؤُوْطِ. * قِرَاءةُ "رَوْضَةِ النَّاظِرِ وجُنَّةِ المُنَاظِرِ" لابنِ قُدَامَةِ المَقْدَسِيِّ الحَنْبَلِيِّ، تَحْقِيقُ عَبْدِ الكَرِيمِ النَّمْلَةِ، و"مَعَالِمِ أصُوْلِ الفِقْهِ" للشَّيخِ مُحَمَّدٍ الجَيزَانِيِّ. * قِرَاءةُ "تَدْرِيبِ الرَّاوِيِّ" للسِّيُوْطِيِّ، تَحْقِيقُ الشَّيخِ أبي مُعَاذٍ طَارِقِ بنِ عَوَضٍ.

العزيمة الثالثة

* قِرَاءةُ "سَبِيلِ الهُدَى بتَحْقِيقِ شَرْع قَطْرِ النَّدَى وبَلّ الصَّدَى" لمُحَمَّدِ مُحْيي الدِّينِ عَبْدِ الحمِيدِ، أو "الدُّرَرِ البهيَّةِ شَرْح مُتَمِّمَةِ الآجُرُّومِيَّةِ" (¬1) لرَاقِمِه. * * * * العَزِيمَةُ الثَّالِثَةُ: فإنَّنَا نُوْصِي عَامَّةَ المُسْلِمِينَ مِنْ غَيرِ طُلابِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ مِمَّنْ لا يَعْلَمُوْنَ كَثِيرًا مِنْ مَعَالمِ وحَقَائِقِ الدِّينِ (¬2)، بأنْ يَأخُذُوا بِهَذِه العَزِيمَةِ الأخَوِيَّةِ. ومَا ذَاكَ إلَّا أنَّ أعْدَاءَ الدِّينِ لَمْ يَزَالُوا يَنْفِثُوْنَ سُمُوْمَ أفْكَارِهِم، ويَبْسِطُوْنَ ألْسِنتهُم في عَقِيدَةِ وأخْلاقِ المُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ. ¬

_ (¬1) نَعَمْ، إنَّ اشْتِهارَ كِتَابِ "قَطْرِ النَّدَى"، وعُلُوِّ كَعْبِ صَاحِبِه لا يَشْفَعُ لَهُ مِنْ بعضِ المُؤاخَذَاتِ العِلْمِيَّةِ، لا سِيَّما في التَّقْسِيماتِ العَقْليةِ، حَيثُ أخَذَتْ مِنَ المؤَلّفِ طَرِيقًا وَاسِعًا في تَرْتِيبَاتِ مَسَائِلِ النَّحْوِ وتفْرِيعَاتِه، وكذا قلَّةُ أمْثِلتِه، وهَجْرِهِ للشَّوَاهِدِ النَّبويَّةِ، وعُمْقِ اخْتِصَارِه، ممَّا كَانَ سَببًا في إغْلاقِه عَلَى كَثِيرٍ مِنْ طَلَبةِ العِلْمِ في غَيرِها مِنَ المؤَاخَذَاتِ، واللهُ أعْلَمُ. (¬2) أقْصِدُ بالعَامَّةِ هُنا: مَنْ يُحْسِنُ القِرَاءةَ والكِتَابَةَ مَعْ فَهْمٍ صَحِيحٍ: كالمُشْتَغِلِينَ بالعُلُوْمِ الطَّبِيعِيَّةِ، والرِّياضِيَّةِ، والفَلَكِيَّةِ، كالطبِّ، والهَنْدَسَةِ وغَيرِها، وكَذَا أهْلُ المِهَنِ والحِرَفِ والصِّنَاعَاتِ.

لا سِيَّما أنَّنا نَعْيِشُ أيَّامًا حَالِكَةً مُهْلِكَةً، حَيثُ ظَهَرَ فيها الجَهْلُ، وقَلَّ العِلْمُ، ونَدَّ الحَقُّ، وعَلا البَاطِلُ، وكَثُرَ الخَبَثُ. . .! لأجْلِ هَذا وغَيرِه، فَقَدْ حَقَّتِ النَّصيحَةُ الإيمَانِيَّةُ بأنْ تَشْمَلَ العَامَّةَ مِنَ المُسْلِمِينَ، وذَلِكَ بِرَسْمِ قَاعِدَةٍ عِلْمِيَّةٍ عَامَّةٍ يَشْتَرِكُ فيها الجَمِيعُ، مِمَّا سَتكُوْنُ إنْ شَاءَ اللهُ عَوْنًا لعُمْوُمْ المُسْلِمِينَ لَفَهْمِ دِينِهِم، وحِصْنًا مَنِيعًا مِنْ عَادِيَةِ الأفْكَارِ المَشْبُوْهَةِ، والثَّقَافَاتِ الدَّخِيلَةِ السَّائِمَةِ في قَنَوَاتِ الإعْلامِ هُنَا وهُنَاكَ. وذَلِكَ مِنْ خِلالِ بَعْضِ الكُتُبِ الإسْلامِيَّةِ، الَّتِي نَرَى مِنَ الأهَمِيَّةِ بِمَكَانٍ قِرَاءتَها، واقْتِنَاءهَا لَدَى جَمِيعِ المُسْلِمِينَ لا سِيَّما هَذِه الأيَّامَ العَصِيبَةَ. فَمِنْ تِلْكَ الكُتُبِ مَا يَلي: 1 - قِرَاءةُ "القَوْلِ السَّدِيدِ في مَقَاصِدِ التَّوْحِيدِ" للشَّيخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيِّ، تَحْقِيقُ صَبْرِي شَاهِينَ. 2 - قِرَاءةُ "عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ" للشَّيخِ صَالِحٍ الفَوْزَانِ، طَبْعةُ العَاصِمَةِ. 3 - قِرَاءةُ تَفْسِيرِ "زُبْدَةِ التَّفْسِيرِ" للشَّيخِ مُحَمَّدٍ الأشْقَرَ، طَبْعةُ دَارِ النَّفَائِسِ أو "تَيسِيرِ الكَرِيمِ الرَّحْمَنِ" للشَّيخِ العَلامَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيِّ.

4 - قِرَاءةُ "الرَّحِيقِ المُختوْمِ" للشَّيخِ صَفي الرَّحْمَنِ المُبَارَكْفُوْرِيِّ، مَعَ مَلْحُوْظَةِ: أنْ تَكُوْنَ القِرَاءةُ مِنْ نَسَبِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وأسْرَتِه. 5 - قِرَاءةُ المُجَلَّدِ الأوَّلِ مِنْ كِتَابِ "المُلَخَّصِ الفِقْهِيِّ" للشَّيخِ صَالِحِ الفَوْزَانِ، وهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ رُبْعِ العِبَادَاتِ، طَبْعَةُ دَارِ العَاصِمَةِ. 6 - قِرَاءةُ "رِيَاضِ الصَّالِحِينَ" للإمَامِ النَّوَوِيِّ، تَحْقِيقُ عَلَيِّ بنِ حَسَنَ الحَلَبِيِّ. 7 - قِرَاءةُ "تَزْكِيَةِ النُّفُوْسِ" لأحْمَدَ فَرِيدٍ، وآخَرِينَ. 8 - قِرَاءةُ "حِصْنِ المُسْلِمِ" للشَّيخِ سَعِيدِ بنِ وَهْفٍ القَحْطَانِيِّ، مَعَ مَلْحُوظةِ: حِفْظِ مَا يُمْكِنُ حِفْظُه مِنَ الأحَادِيثِ لا سِيَّمَا أذْكَارُ الصَّبَاحِ والمَسَاءِ. * * * لَطِيفَةٌ: لَقَدْ اقْتَصَرْنا في هَذِه العَزِيمَةِ الأخَوِيَّةِ الشَّامِلَةِ للعَامَّةِ مِنَ المُسْلِمِينَ: بثَمَانِيَةِ كُتُبٍ عِلْمِيَّةٍ؛ عَسَاهَا تَكُوْنَ سَبَبًا لِدُخُوْلِنا جَمِيعًا مِنْ أيِّ أبْوَابِ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ، اللَّهُمَّ أمِينَ! * * *

الباب الرابع العوائق والعلائق

البَابُ الرَّابِعُ العَوَائِقُ والعَلائِقُ وفيهِ خَمْسُ عَوَائِقَ وعَلائقَ

العَوَائِقُ والعَلائِقُ إنَّ العِلْمَ الشَّرْعِيَّ، لا يَكُوْنُ شَرْعِيًّا مَقْبُوْلًا إلَّا إذا خَلُصَ مِنَ العَوَائِقِ والعَلائِقِ، وسَلِمَ مِنَ الدَّسَائِسِ والحوَائِلِ. فَعِنْدَ ذَلِكَ؛ فلْيَعْلَمِ الجمِيعُ: بأنَّ العِلْمَ الشرْعِيَّ لَهُ عَوَائِقُ كَثِيرَةٌ تَقْطَعُ السَّيرَ عَلَى طَالِبِ العِلْمِ، وتُفْسِدُ عَلَيه الطَّلَبَ والقَصْدَ، كَمَا أنَّها مُحْبِطَةٌ لصَالِحِ الأعْمَالِ، ومُجْلِبَةٌ للحِرْمَانِ والخُسْرَانِ، ومَنْ أحَاطَتْ بِهِ فَقَدْ أوْبَقَتْ دِينَهُ ودُنْيَاهُ؛ فَنَعُوْذُ باللهِ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، ومنْ عَمَلٍ لا يُرْفَعُ. * * * ومَهْمَا قِيلَ؛ فإنَّ العَوَائِقَ كَثِيرَةٌ لا تَنتهِي إلى حَدٍّ ولا عَدٍّ، فمِنْها: الكِبْرُ، بَطَرُ الحَقِّ، غَمْطُ النَّاسِ، حَسَدُ الأقْرَانِ، الرِّياءُ، العُجْبُ، تَزكِيَةُ النَّفْسِ، سُوْءُ الخُلُقِ، العِلْمُ بِلا عَمَل، التَّرَفُ، العَجْزُ والكَسَلُ، سُوْءُ الظَّنِّ، تَصْنِيفُ النَّاسَ بالظَّنِّ والتَّشَهِّي، غَيرَةُ الأقْرَانِ، تَلَقِّي العِلْمَ عَنِ المُبْتَدِعَةُ، أخْذُهِ عَنِ الأصَاغِرِ، تَتَبُّعُ الرُّخَصِ والشُّذُوْذَاتِ العِلْمِيَّةِ، نَشْرُ أُغْلُوْطَاتِ المَسَائِلِ، حُبُّ الشُّهْرَةِ، التَّعَالُمُ، التَّصَدُّرُ قَبْلَ التَّأهُّلِ، التَّنَمُّرُ بالعِلْمِ، تَعْظِيمُ عُلُوْمِ الدُّنْيَا وألْقَابِها، التَّخَصُّصُ (الجامِعِيُّ)، التَّقْليدُ المَذْهَبِيُّ، التَّعَصُّبُ العِلْمِيُّ، التَّحَزُّبُ المقِيتُ، الانْهِزَامُ العِلْمِيُّ (الدَّعَوِيُّ)، رِقُّ الوَظَائِفِ، كَثْرَةُ المِزَاحِ، فُضُوْلُ المُبَاحَاتِ،

خَوَارِمُ المُرُوْءةِ، الإصْرَارُ عَلَى الصَّغَائِرِ، ارْتِكَابُ الكَبَائِرِ، المُجَاهَرَةُ بالمَعَاصِي، حُبُّ الدُّنْيَا، الدُّخُوْلُ عَلَى السَّلاطِينِ. . . إلخ. * * * فأمَّا إنْ سَألْتَ يَا طَالِبَ العِلْمِ عَنْ جَامِعِ الغَوَائِلِ وأصْلِها، فَهُمَا أمْرَانِ (مُرَّانِ)، مَا ابْتُلي بِهِمَا أحَدٌ إلَّا هُتِكَ سِتْرُه، وافْتُضِحَ أمْرُه، ورَقَّ دِينُه، وحُرِمَ خَيرُه، (نُعُوْذُ باللهِ مِنْ كُلِّ سُوْءٍ)! الأوَّلُ: حُبُّ الدُّنْيا. والثَّانِي: الدُّخُوْلُ عَلَى السَّلاطِينِ، وهُمَا عَائِقَانِ مُهْلِكَانِ (¬1). يَقُوْلُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا في غَنَمٍ بأَفْسَدَ لَهَا: مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ، والشَّرَفِ لدِينِهِ" (¬2) أحمَدُ. فأصْلُ مَحَبَّةِ المَالِ والشَّرَفِ حُبُّ الدُّنْيا، وأصْلُ حُبِّ الدُّنْيا بَلاطُ ¬

_ (¬1) لَقَدْ ذَكَرْتُ بَعْضَ العَوَائِقِ (حُبِّ الدُّنْيا، والدُّخُوْلِ عَلَى السَّلاطِينِ، وتَعْظِيمِ العُلُوْمِ الدِّنْيَوِيَّة وألْقَابِها، والتَّخَصُّصِ الجامِعِيِّ، وفُضُوْلِ المُبَاحَاتِ) بشَيءٍ مِنَ البَسْطِ دُوْنَ سِوَاها؛ وما ذَاكَ إلَّا أنَّ كَثِيرًا مِنْ المُنْتَسِبِينَ إلى العِلْمِ مِنْ أهْلِ زَمَانِنَا قَدْ تَوَسَّعُوا فيها (فَيَا أسَفَاه)! (¬2) أخْرَجَهُ أحمَدُ (3/ 456)، والترمذِيُّ (2376)، وهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

العائق الأول

السَّلاطِينِ، وفيها اسْتِحْكَامُ الهُلْكَةِ؛ فَنَعُوْذُ باللهِ مِنَ الهَوَى والدُّنْيَا! يَقُوْلُ ابنُ وَهْب رَحِمَهُ اللهُ: "إنَّ جَمْعَ المَالِ وغِشْيَانَ السُّلْطَانِ، لا يُبْقِيَانِ مِنْ حَسَنَاتِ المَرْءِ إلَّا كَمَا يُبْقِي ذِئْبَانِ جَائِعَانِ سَقَطَا في حَظَارٍ فيه غَنَمٌ؛ فَبَاتا يَجُوْسَانِ حَتَّى أصْبَحَا" (¬1). * * * * فأمَّا العَائِقُ الأوَّلُ: فَهُوَ حُبُّ الدُّنْيا وزِينَتِها، فَهَذَا (واللهِ!) بَيتُ الدَّاءِ، ونَامُوْسُ السِّفْلَةِ والرَّعَاعِ، ومَبْلَغُ رَأسِ عِلْمِ الخَالِفينَ، وسُوْقُ المُتعَالِمينَ، فَعَيَاذًا باللهِ مِنْها! فيَا طَالِبَ العِلْمِ، الحَذَرَ الحَذَرَ مِنْ حُبِّ الدُّنْيا، "اللَّهُمَّ لا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أكْبَرَ هَمِّنا، ولا مَبْلَغَ عِلْمِنا" (¬2) آمِينَ! فَقَدْ قَالَ تَعَالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَينَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} [الحديد: 20]. وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الدُّنْيا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ الله مُستخْلِفُكُم فيها، فيَنْظُرُ كَيفَ ¬

_ (¬1) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/ 639). (¬2) أخْرَجَهُ الترْمذِيُّ (3502) وهُوَ صَحِيحٌ.

تَعْمَلُوْنَ؟ فاتَّقُوا الدُّنْيا واتَّقُوا النِّسَاءَ، فإِنَّ أوَّلَ فِتنةِ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَتْ في النِّسَاءِ" (¬1) مُسْلِمٌ. وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبتغَى بِه وَجْهَ اللهِ لا يَتَعَلَّمَهُ إلَّا لِيُصِيبَ بِه عَرَضًا مِنَ الدُّنْيا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يَوْمَ القيامَةِ" (¬2) أحمَدُ، يَعْنِي: رِيحَهَا. * * * قِيلَ للإمَامِ أحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ: إنَّ ابنَ المُبَارَكِ قِيلَ لَهُ: كَيفَ يُعْرَفُ العَالمُ الصَّادِقُ؟ فَقَالَ: الَّذِي يَزْهَد في الدُّنْيا، ويُقْبِلُ عَلَى أمْرِ الآخِرَةِ، فَقَالَ أحْمَدُ: كَذَا يَنْبَغِي أنْ يَكُوْنَ، وكَانَ أحْمَدُ يُنْكِرُ عَلَى أهْلِ العِلْمِ حُبَّ الدُّنْيا، والحِرَصَ عَلَيها! " (¬3). * * * قَالَ الإمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: "لا عَيبَ في العُلَمَاءِ أقْبَحُ مِنْ رَغْبَتِهم ¬

_ (¬1) أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (2742). (¬2) أخْرَجَهُ أحْمَدُ (2/ 338)، وأبُو دَاوُدَ (3664)، وابنُ مَاجَه (252) وهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. (¬3) انْظُرْ "شَرْحَ حَدِيثِ أبِي الدَّرْدَاءِ في طَلَبِ العِلْمِ" لابنِ رَجَبِ، وهُوَ ضِمْنُ "مَجْمُوْعِ رَسَائِلِ ابنِ رَجَبِ" جَمْعُ أبي مُصْعَبِ الحَلْوَانِيُّ (1/ 56).

فيمَا زَهَّدَهُم اللهُ فيه! " (¬1)، أي: حُبَّ الدُّنْيَا. قَالَ الفُضيلُ بنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ: "لَكَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِكِم زِيُّهُ، أشْبَهُ بِزِيِّ كِسْرَى وقَيصَرَ مِنْهُ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَضَعْ لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ، ولا قَصَبَةً عَلَى قَصَبَةٍ، ولَكِنْ رُفِعَ لَه عِلْمٌ فَشَمَّرَ إلَيه" (¬2). وقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ "إذَا فَسَدَ العُلَمَاءُ، فَمَنْ يُصْلِحُهُم؟ وفَسَادُهُم مَيلُهُم عَلَى الدُّنْيا، وإذَا جَرَّ الطَّبِيبُ الدَّاءَ إلى نَفْسِه فَكَيفَ يُدَاوِي غَيرَه؟! " (¬3). وقَالَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: "إذَا رَأيتُم العَالمَ مُحِبًّا لدُنْيَاه، فاتَّهِمُوْهُ عَلَى دِينِكِم، فإنَّ كُلَّ محُبٍّ لشَيءٍ يَحُوْطُ ما أحَبَّ" (¬4)، أمَّا قَوْلُه: "فاتَّهِمُوْهُ عَلَى ¬

_ (¬1) انْظُرْ "بَيَانَ العِلْمِ الأصِيلِ" لعَبْدِ الكَرِيمِ الحُمَيدِ (26). (¬2) انْظُرْ "أخْلاقَ العُلَمَاءِ" للآجُرِّيِّ (86)، و"الحِلْيَةَ" لأبِي نُعِيمٍ الأصْبَهَانِيِّ (8/ 92)، و"سِيرَ أعْلامِ النُّبَلاءِ" للذَّهَبِيِّ (8/ 434). (¬3) انْظُرْ "الحِلْيَةَ" لأبِي نُعيمٍ الأصْبَهَانِيِّ (6/ 339)، و"جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/ 711، 643) بِنَحْوِه. (¬4) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/ 670).

دِينِكِم"، أي: لا تَأخُذُوا مِنْه شَيئًا مِنْ أمُوْرِ الدِّينِ، سَوَاءٌ كَانَتْ فَتْوَى أو عِلمًا؛ لأنَّه مُتَّهَمٌ في دِينِه، وقَدْ قِيلَ: العِلْمُ دِينٌ، فانْظُرُوا عَمَّنْ تَأخُذُوْنَ دينكم، واللهُ أعْلَمُ. وقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ رَحِمَهُ اللهُ "مِنْ شَرْطِ العَالمِ أنْ لا تَخْطُرَ محَبَّةُ الدُّنْيا عَلَى بَالِه!، وقِيلَ لَهُ: مَنْ سِفْلَةُ النَّاسِ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَتَعَيَّشُوْنَ بِدِينِهِم! " (¬1). كَانَ يُقَالُ: "أشْرَفُ العُلَمَاءِ مَنْ هَرَبَ بدِينِهِ عَنِ الدُّنْيا، واسْتَصْعَبَ قِيَادُهُ عَلَى الهَوَى" (¬2). نَعَمْ؛ فإنَّ طَلَبَ العِلْمِ يَدُلُّ عَلَى الهَرَبِ مِنَ الدُّنْيا، لا عَلَى حُبِّها، أمَّا أهْلُ زَمَانِنا فَشَيءٌ آخَرُ، فإلى الله المُشْتكى، وعَلَيهِ التُّكْلانُ! وقَالَ حَسَنُ بنُ صالِحٍ رَحِمَهُ اللهُ: "إنَّكَ لا تَفْقَهُ حَتَّى لا وتُبَالِي في يَدَي مَنْ كَانَتِ الدُّنْيا" (¬3). ¬

_ (¬1) انْظُرْ "الحِلْيَةَ" لأبِي نُعَيمٍ الأصْبَهَانِيِّ (8/ 178) بنَحْوِه. (¬2) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/ 656). (¬3) السَّابِقُ (1/ 660).

العائق الثاني

ومَا أبْلَغَ مَا هُنَا!، إذْ يَقُوْلُ الآجُرِّيُّ رَحِمَهُ اللهُ في "أخْلاقِ العُلَمَاءِ" (89): "فإذَا كَانَ يُخَافُ عَلَى العُلَمَاءِ في ذَلِكَ الزَّمَانِ أنْ تَفْتِنَهُم الدُّنْيا!، فَمَا ظَنُّكَ بِه في زَمَانِنَا هَذَا؟ اللهُ المُسْتَعَانُ. مَا أعْظَمَ مَا قَدْ حَلَّ بالعُلَمَاءِ مِنَ الفِتَنِ وَهُم عَنْهُ في غَفْلَةِ! " انْتَهَى. قُلْتُ: وَكَأنِّي بالآجُرِّيِّ رَحِمَهُ اللهُ يَصِفُ أكْثَرَ عُلَمَاءِ زَمَانِنا مِمَّنْ فتنَتهُمُ الدُّنْيَا بقُصُوْرِهَا ومَرَاكِبِهَا! وهُمْ حَتَّى سَاعَتِي هَذِه مَا بَينَ غَفْلَةٍ أو تَغَافُلٍ، وجَهْلٍ أو تَجَاهُلٍ بالفِتَنِ العَاصِفَةِ بالعِبَادِ والبِلادِ، فاللهُ المُسْتَعَانُ! * * * * وأمَّا العَائِقُ الثَّانِي: فَهُوَ الدُّخُوْلُ عَلَى السَّلاطِينِ، وأهْلِ الدُّنْيا، فَهَذَا (واللهِ!) المَوْتُ الأسْوَدُ، والحَوْرُ بَعْدَ الكَوْرِ، إلَّا مَنْ سَلَّمَهُ اللهُ، وقَلِيلٌ مَا هُم، فعِيَاذًا باللهِ مِنْه! فيَا طَالِبَ العِلْمِ؛ الحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ الدُّخُوْلِ عَلَى السَّلاطِينِ، وأهْلِ الدُّنْيا! فَقَدْ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ بَدَا جَفَا، ومَنْ اتَّبَعَ الصَّيدَ غَفَلَ، ومَنْ أتَى أبْوَابَ السُّلْطَانِ افْتَتَنْ، ومَا زَادَ أحَدٌ مِنَ السُّلْطَانِ قُرْبًا إلَّا ازْدَادَ مِنَ اللهِ بُعْدًا" (¬1) أحمَدُ. ¬

_ (¬1) أخْرَجَهُ أحمد (2/ 371)، وهُوَ صَحِيحٌ، انْظُرْ "السِّلْسِلَةَ الصَّحِيحَةَ" (1272).

وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إيَّاكُم وأبْوَابَ السُّلْطَانِ، فإنَّه قَدْ أصْبَحَ صَعْبًا هَبُوْطًا" (¬1)، الدَّيلَمِيُّ، (هَبُوْطًا: ذُلًّا). * * * قَالَ أبُو حَازِمٍ رَحِمَهُ اللهُ "لَقَدْ أتَتْ عَلَينا بُرْهَةٌ مِنْ دَهْرِنا ومَا عَالِمٌ يَطْلُبُ أمَيرًا، وكَانَ الرَّجُلُ إذا عَلِمَ اكْتَفَى بالعِلْمِ عَمَّا سِوَاه، فَكَانَ في ذَلِكَ صَلاحٌ للفَرِيقَينِ (للوَالِي والمَوَلَّى عَلَيه)، فَلَمَّا رَأتِ الأمَرَاءُ أنَّ العُلَمَاءَ قَدْ غَشَوْهُم وجَالَسُوْهُم وسَألُوْهُم مَا في أيدِيهِم هَانُوا عَلَيهم وتَرَكُوا الأخْذَ عَنَهُم والاقْتِبَاسَ مِنْهُم، فكَانَ ذَلِكَ هَلاكٌ للفَرِيقَينِ" (¬2) انْتَهَى. واجْتَازَ الحسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ يَوْمًا ببَعْضِ القُرَّاءِ عَلَى أبْوَابِ السَّلاطِينِ. فَقَالَ: "أقْرَحْتُمْ جِبَاهَكُم، وفَرْطَحْتُمْ نِعَالَكَمُ، وجِئْتُمْ بالعِلْمِ تَحْمِلُوْنَه عَلَى رِقَابِكِم إلى أبْوَابِهِم؟ فَزَهِدُوا فيكُم، أمَّا إنَّكُم لَوْ جَلَسْتُم في ¬

_ (¬1) أخْرَجَهُ الدَّيلَمِيُّ (1/ 2 / 345)، وابنُ عساكر (13/ 232)، وقَد صَحَّحَ إسْنادَه الألْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ في "السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ" (1253). (¬2) انْظُرْ "الحِلْيَةَ" لأبِي نُعَيمٍ (3/ 243) و"شَرْحَ حَدِيثِ أبِي الدَّرْدَاءِ" لابنِ رَجَبٍ، وهُوَ ضِمْنُ "مَجْمُوْعِ رَسَائِلِ ابنِ رَجَب" جَمْعُ أبي مُصْعَبٍ الحَلْوَانِيُّ (1/ 57).

بِيُوْتِكِم حَتَّى يَكُوْنُوا هُمُ الَّذِينَ يُرْسِلُوْنَ إلَيكُم؟ لَكَانَ أعْظَمَ لَكُمْ في أعْيُنِهِمْ، تَفَرَّقُوا فَرَّقَ اللهُ بَينَ أضْلاعِكِمُ! " (¬1) انْتَهَى. وقَالَ كَعْبُ الأحْبَارِ رَحِمَهُ اللهُ "يُوْشِكُ أنْ تَرَوْا جُهَّالَ النَّاسِ يَتبَاهَوْنَ بالعِلْمِ، ويَتَغَايَرُوْنَ عَلَى التَّقَدُّمِ بِه عِنْدَ الأمَرَاءِ، كَمَا يَتَغَايَرُ النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ، فَذَلِكَ حَظَّهُم مِنْ عِلْمِهِم" (¬2). قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ "إذَا رَأيتُم العَالِمَ (القارئ) يَلُوْذُ ببَابِ السَّلاطِينِ فاعْلَمُوا أنَّه لِصٌّ، وإذا رَأيتُمُوْهُ يَلُوْذُ ببَابِ الأغْنِيَاءِ فاعْلَمُوا أنَّه مُرَاءٍ" (¬3)، وبِمِثْلِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ (¬4). وقِيلَ لسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ: "ألا تَدْخُلُ عَلَى الأمَرَاءِ فَتَتَحَفَّظُ وتَعِظَهُم وتَنْهَاهُم؟ فَقَالَ: تَأمُرُوْنِي أنْ أسْبَحَ في البَحْرِ ولا تَبْتَلَّ قَدَمَاي؟ إنِّي ¬

_ (¬1) انْظُرْ "شَرْحَ حَدِيثِ أبِي الدَّرْدَاءِ في طَلَبِ العِلْمِ" لابنِ رَجَبٍ، وهُوَ ضِمْنُ "مَجْمُوْعِ رَسَائِلِ ابنِ رَجَبٍ" جَمْعُ أبي مُصْعَبٍ الحَلْوَانِيُّ (1/ 57 - 58). (¬2) انْظُرْ "الحِلْيَةَ" لأبِي نُعَيمٍ الأصْبَهَانِيِّ (5/ 412). (¬3) انْظُرْ "الآدَابَ الشَّرْعِيَّةَ" لابنِ مُفْلِحٍ (2/ 155). (¬4) انْظُرْ "الحِلْيَةَ" لأبِي نُعَيمٍ الأصْبَهَانِيِّ (6/ 428).

أخَافُ أنْ يُرَحِّبُوا بِي فأمِيلُ إليهِم فَيَحْبَطَ عَمَلي! " (¬1) انْتَهَى. ومِنْ دَقِيقِ الخَوْفِ؛ مَا ذَكَرَهُ سُفْيَانُ بنُ عُيَينَةَ رَحِمَهُ اللهُ بقَوْلِهِ: "كُنْتُ قَدْ أُوْتيتُ فَهْمَ القَرْآنِ، فلَمّا قَبِلْتُ الصُّرَّةَ مِنْ أبِي جَعْفَرٍ؛ سُلِبْتُه، فنَسْألُ اللهَ تَعَالَى المُسَامَحةَ! " (¬2). ومَا أجْمَلَ مَا هُنَا؛ وذَلِكَ عِنْدَمَا كَتَبَ إمَامُ أهْلِ السُّنَّةِ والجماعَةِ أحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ إلِى سِعِيدِ بنِ يَعْقُوْبَ: "أمَّا بَعْدُ: فإنَّ الدُّنْيا دَاءٌ، والسُّلْطَانَ دَاءٌ، والعَالِمَ طَبِيبٌ، فإذَا رَأيتَ الطَّبِيبَ يجرُّ الدَّاءَ إلى نَفْسِه فاحْذَره، والسَّلامُ عَلَيكَ! " (¬3) انْتَهَى. وقَدْ قِيلَ: "إنَّ خَيرَ الأمَرَاءِ مَنْ أحَبَّ العُلَمَاءَ، وإنَّ شَرَّ العُلَمَاءِ مَنْ أحَبَّ الأمَرَاءَ! " (¬4). وحَسْبُكَ أنَّ هَذَا هُوَ القَانُوْنُ الَّذِي يُوْزَنُ بِه العُلَمَاءُ والأمَرَاءُ: خَيرًا وشَرًّا! ¬

_ (¬1) السَّابِقُ (7/ 44). (¬2) انْظُرْ "تَذْكِرَةَ السَّامِعِ والمتكَلِّمِ" لابنِ جَمَاعَةَ (48). (¬3) انْظُرْ "بَيَانَ العِلْمِ الأصِيلِ" لعَبْدِ الكَرِيمِ الحُمَيدِ (26). (¬4) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ وفَضْلِه" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/ 644).

ورَحِمَ اللهُ أبا الحسَنِ عَلَيَّ بنَ عَبْدِ العَزِيزِ الجُرْجَانِيَّ إذْ يَقُوْلُ (¬1): ولَوْ أنَّ أهْلَ العِلْمِ صَانُوْهُ صَانَهُم ... ولَوْ عَظَّمُوْهُ في النُّفُوْسِ لَعُظِّمَا ولَكِنْ أهَانُوْهُ فَهَانُوا ودَنَّسُوْا ... مُحَيَّاهُ بالأطْمَاعِ حَتَّى تجَهَّمَا * * * ومَهْمَا يَكُنْ، فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ يا طَالِبَ العِلْمِ عَلَيهِم حَسَرَاتٍ؛ فإنَّه لمَّا مَاتَ شَيخُ الإسْلامِ وقُدْوَةُ العُلَمَاءِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: "مَعْشَرَ أهْلِ الَهَوى كُلُوا الدُّنْيا بالدِّينِ، فَقَدْ مَاتَ سفْيَانُ! " (¬2)، يَعْنِي: مَا بَقِي بَعْدَهُ أحَدٌ يُسْتَحْيَا مِنْه!، قُلْتُ: فإنْ لَمْ يَكُنْ سُفْيَانُ، فاللهُ أحقُّ أنْ يُسْتَحْيَ مِنْه! ¬

_ (¬1) لَقَدْ أدْرَكْنا مَشَايِخَنا وهُمْ يَحْفَظُوْنَ قَصِيدَةَ الجُرْجَانِيِّ كَامِلَةَ، ولَمْ يَزَلِ العَهْدُ مُتَّصِلًا فالحَمْدُ للهِ، فاشْدُدْ يا طَالِبَ العِلْمِ بِحَبْلِ حِفْظِها؛ ففيها صِفَاتُ العَالِمِ الرَّبَّانِيِّ، وفيها حِكَمٌ ومَوَاعِظُ عَزِيزَةٌ، لا سِيما هَذِه الأيامِ!، انْظُرْها "أدَبُ الدُّنْيا والدِّينِ" للمَاوَرْدِيِّ (132)، و"طَبقَاتُ الشَّافِعِيَّةِ" للسُّبْكِيّ (3/ 460) وانْظُرْها كَامِلَة في "صَفَحَاتٍ مِنْ صَبْرِ العُلَمَاءِ" لأبِي غُدَّةَ (352). (¬2) انْظُرْ "شَرْحَ حَدِيثِ أبِي الدَّرْدَاءِ في طَلَبِ العِلْمِ" لابنِ رَجَبٍ، (1/ 55).

ولا يَهُوْلنَّكَ يا طَالِبَ العِلْمِ مَا هُنَالِكَ مِنْ نَوَابِتَ نكدَةٍ لَم تَزَلْ تَسْعَى جَاهِدَةً في إحْيَاءِ مُخَالَفَةِ مَسَالِكِ عُلَمَاءِ السَّلَفِ الصَّالِحِ في الدُّخُوْلِ عَلَى السَّلاطِينِ والأمَرَاءِ، وذَلِكَ بدَفْعِ طُلابِ العِلْمِ إلى مَرَاتِعِ الشَّهَوَاتِ، ومَهَالِكِ الشُّبُهَاتِ؛ ليَهِيمُوا في "وَادِي تُضُلِّلَ"، مِمَّا قَدْ تَعْصِفُ بِمَا بَقِيَ مِنْ عِزَّةِ أهْلِ العِلْمِ! وذَلِكَ مِنْ خِلالِ دَعَوَاتٍ عَرِيضَةٍ (مَرِيضَةٍ!)، وتَصَانِيفَ بَتراءَ دَاعِيَةً مَضَامِينُها وعَنَاوِينُها إلى الدُّخُوْلِ عَلَى الأمَرَاءِ والسلاطِينِ، ولَوْ بِشَرْطِ: الأمْرِ بالمَعْرُوْفِ، والنَّهْيِ عَنِ المُنكرِ!، فاحْذَرْ يا طَالِبَ العِلْمِ، وانْجُ بِعِلْمِكَ، وفِرَّ بدِينِكَ فإنَّه رَأسُ مَالِكَ، واعْلَمْ إنَّ هَذَا الشَّرْطَ كَانَ عِنْدَ السَّلَفِ عَزِيزًا عَسِيرًا، أمَّا اليَوْمَ فأدْعِيَاءُ الشَّرْطِ كَثِيرٌ، والعَامِلُوْنَ بِه نَزْرٌ يَسِيرٌ، لا يَتَجَاوَزُوْنَ أصَابع اليَدِ الوَاحِدَةِ! * * * ويَكْفي هُنَا مَا ذَكَرَه ابنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ: "فَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ يَنْهَوْنَ عَنِ الدُّخُوْلِ عَلَى المُلُوْكِ لمَنْ أرَادَ أمْرَهُم بالمَعْرُوْفِ ونَهْيَهُم عَنِ المُنْكَرِ أيضًا، ومِمَّنْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ: عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ، وابنُ المُبَارَكِ، والثَّوْرِيُّ، وغَيرُهُم مِنَ الأئِمَّةِ.

وقَالَ ابنُ المُبَارَكِ: لَيسَ الآمِرُ النَّاهِي عِنْدَنا مَنْ دَخَلَ عَلَيهِم (السَّلاطِينِ) فأمَرَهُم ونَهَاهُم، إنَّمَا الآمِرُ النَّاهِي مَنِ اعْتَزَلهم! وسَبَبُ مَا يُخْشَى مِنْ فِتْنَةِ الدُّخُوْلِ عَلَيهِم، فإنَّ النَّفْسَ قَدْ تُخَيِّلُ للإنْسَانِ إذَا كَانَ بَعِيدًا أنَّه يَأمُرُهُم ويَنْهاهُم ويُغْلِظُ عَلَيهِم، فإذَا شَاهَدَهُم قَرِيبًا مَالَتْ النَّفْسُ إلَيهِم، لأنَّ مَحبَّةَ الشَّرَفِ كَامِنَةٌ في النَّفْسِ لَهُ، ولِذَلِكَ يُدَاهِنُهُم ويُلاطِفُهُم، ورُبَّمَا مَالَ إلَيهِم وأحَبَّهُم، ولا سِيما إنْ لاطَفُوْه وأكْرَمُوْه، وقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُم، وقَدَ جَرَى ذَلِكَ لعَبْدِ اللهِ بنِ طَاوُوْسٍ مَعَ بَعْضِ الأمَرَاءِ بِحَضْرَةِ أبِيه طَاوُوْسَ فَوَبَّخَهُ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ. وكَتَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إلى عَبَّادِ بنِ عَبَّادٍ، وكَانَ في كِتَابِهِ: "إيَّاكَ والأُمَراءَ أنْ تَدْنُو مِنْهُم، أو تُخَالِطَهُم في شَيءٍ مِنَ الأشْيَاءِ. وإيَّاكَ أنْ تُخْدَعَ ويُقَالُ لَكَ: لتَشْفَعَ وتَدْرَأ عَنْ مَظْلُوْمٍ أو تَرُدَّ مَظْلَمَةً، فإنَّ ذَلِكَ خَدِيعَةُ إبْلِيسَ، وإنَّمَا اتَّخَذَها فُجَّارُ القُرَّاءِ سُلَّمًا، ومَا كُفيتَ عَنِ المَسْألَةِ والفُتْيا فاغْتَنِمْ ذَلِكَ، ولا تُنَافِسْهُم" (¬1) انْتَهَى. ¬

_ (¬1) انْظُرْ "شَرْحَ حَدِيثِ أبِي الدَّرْدَاءِ في طَلَبِ العِلْمِ" لابنِ رَجَبٍ، وهُوَ ضِمْنُ "مَجْمُوْعِ رَسَائِلِ ابنِ رَجَبٍ" جَمْعُ أبي مُصْعَبٍ الحَلْوَانِيُّ (1/ 86 - 87).

وقَالَ سُفْيَانُ أيضًا: "مَا أخَافُ مِنْ عُقُوْبَتِهِم، إنَّما أخَافُ مِنْ كَرَامَتِهِم! " (¬1). ولِهَذَا قَالَ الإمَامُ أحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ: "فِتْنَتِي بالمتوَكِّلِ أعْظَمُ مِنْ فِتْنَتِي بالمُعْتَصِمِ! " يُشِيرُ إلى الإكْرَامِ (¬2). ورَحِمَ اللهُ ابنَ عَبْدِ البَرِّ إذْ يَقُوْلُ في "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ" (1/ 644) عَنْ مَجَالِسِ أمَرَاءِ العَدْلِ والفَضْلِ: "الفِتْنَةُ فيها أغْلَبُ، والسَّلامَةُ مِنْها تَرْكُ مَا فيها". ومَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا؛ مِنْ عَدَمِ الدُّخُوْلِ عَلى السُّلْطَانِ فَلَيسَ بِدَعًا مِنَ القَوْلِ ولا هُجْرًا، ومَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرى، بَلْ هُوَ مِنْ جَادَّةِ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ وأئِمَّةِ الدِّينِ، وإنْ كَانَ للدُّخُوْلِ عَلَيهِم مِنْ حَتْمٍ أو مَنْدُوْحَةٍ عَلى بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ؛ فكَما يَلي: أوَّلًا: أنْ يَكُوْنَ الدُّخُوْلُ عَلَى السُّلْطَانِ مِنْ بَابِ أمْرِه بالمَعْرُوْفِ، ونَهيِهِ عَنِ المُنْكَرِ، وإلَّا. ¬

_ (¬1) انْظُرْ "الجلِيسَ الصالِحَ" لسِبْطِ ابنِ الجوْزِيِّ (201). (¬2) انْظُرْ السَّابِقَ.

العائق الثالث

ثَانِيًا: أنْ يَكُوْنَ الدُّخُوْلُ عَلَيهِ مِنْ بَابِ التَّذْكِيرِ والموْعِظَةِ، وإلَّا. ثالثًا: أنْ يَكُوْنَ الدُّخُوْلُ عَلَيهِ مِنْ بَابِ إجَابَةِ دَعْوَةِ السُّلْطَانِ، وذَلِكَ فيما لَوْ أمَرَهُ وَليُّ الأمْرِ بالدُّخُوْلِ والمَجِيءِ، وإلَّا حَسْبُكَ! فإنَّا وإيَّاكَ؛ لَنْ نَنْسَ "ومَنْ أتَى أبْوَابَ السُّلْطَانِ افْتَتَنْ"، و"إيَّاكُم وأبْوَابَ السُّلْطَانِ؛ فإنه قَدْ أصْبَحَ صَعْبًا هَبُوْطًا"، "وإيَّاكَ أنْ تُخْدع فإنَّ ذَلِكَ خَدِيعَةُ إبْلِيسِ"، و"السُّلْطَانُ دَاءٌ، والعَالِمُ طَبِيبٌ، فإذَا رَأيتَ الطَّبِيبَ يَجُرُّ الدَّاءَ إلى نَفْسِه فاحْذَرْهُ"، فاحْذَرَ أنْ يُرَحِّبُوا بِكَ فتمِيلَ إليهِم مَيلًا عَظِيمًا، والسَّلامُ عَلَيكَ يا طَالِبَ العِلْمِ والعزَّةِ! * * * * أمَّا العائقُ الثالِثُ: أنْ تَحْذَرَ يَا طَالِبَ العِلْمِ مِنَ الاشْتِغَالِ والنَّظَرِ في دَرَكَاتِ الهُوْنِ والدُّوْنِ، مِنْ عُلُوْمِ أهْلِ زَمَانِنَا، ومَا هُمْ فيه مِنْ شَارَاتٍ وضْعِيَّةٍ (¬1)، وألْقَابٍ جَوْفَاءَ، مَا أنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ أو بُرْهَانٍ، اللَّهُمَّ هَوَىً وظُنُوْنًا يَتَغَشَّوْنَ بِهَا مَجَالِسَ العِلْمِ، ليَسْتَبِيحُوا بِهَا زَهْرَةَ الحيَاةِ الدُّنْيا، إلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي! ¬

_ (¬1) أي: بَعْضُ الأسْمَاء العِلْمِيَّةِ الوَافِدَةِ عَلَينا: كـ (الدَّكْتُوْرَاه)، و (الماجِسْتِير)، و (البَكَلَرْيُوس)، وغَيرها.

واعْلَمْ يَا رَعَاكَ اللهُ: إنَّ العِلْمَ مَا جَاءَ عَنِ الكِتَابِ، والسُّنَّةِ، وأصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهَذَا مَا أجْمَعَ عَلَيه سَلَفُ الأمَّةِ. قَالَ الإمَامُ الأوْزَاعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: "العِلْمُ مَا جَاءَ عَنْ أصْحَابِ مُحَمَّدٍ، ومَا لَمْ يَجِيء عَنْهُم فَلَيسَ بِعِلْمٍ" (¬1). * * * وهَاكَ يا طَالِبَ العِلْمِ هَذِه القَاعِد السَّلَفيةَ في وِزَانِ عُلُوْمِ السَّلَفِ وعُلُوْمِ الخَلَفِ، وهُوَ مَا ذَكَرَهُ شَيخُ الإسْلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ بِقَوْلِهِ في "مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى" (10/ 664): "العِلْمُ المَوْرُوْثُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنَّه هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أنْ يُسَمَّى عِلْمًا، وما سِوَاهُ إمَّا أنْ يَكُوْنَ عِلْمًا فَلا يَكُوْنُ نَافِعًا. وإمّا أنْ لا يَكُوْنَ عِلْمًا وإنْ سُمِّيَ بِه، ولئِنْ كَانَ عِلْمًا نَافِعًا فَلابُدَّ أنْ يَكُوْنَ في مِيرَاثِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ما يُغْنِي عَنْه مِمَّا هُوَ مِثْلُه وخَير مِنْه! ". وقَالَ أيضا رَحِمَهُ الله في أهَمِيَّةِ مخالَفَةِ أعْمَالِ الكُفَّارِ؛ ولَوْ كَانَ فِيهِ إتْقَانٌ، مَا ذَكَرَهُ في "اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ" (1/ 172): "فإذًا المُخَالَفَةُ ¬

_ (¬1) انْظُرْ "جَامِعَ بَيَانِ العِلْمِ" لابْنِ عَبْدِ البَرِّ (1/ 644)، و"البِدَايَةَ والنِّهَايَةَ" لابنِ كَثِيرٍ (10/ 117).

لهم (أي: مُخَالَفةُ الكُفَّارِ) فيها مَنْفَعَةٌ وصَلاحٌ لَنا في كُلِّ أمُوْرِنا؛ حَتَّى مَا هُم عَلَيه مِنْ اتْقَانِ بَعْضِ أمُوْرِ دُنْيَاهُم؛ قَدْ يَكُوْنُ مُضِرًّا بأمْرِ الآخِرَةِ، أو بِمَا هُوَ أهَمُّ مِنْهُ مِنْ أمْرِ الدُّنْيَا، فالمُخَالَفَةُ فيه صَلاحٌ لَنَا". * * * قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، ويَنْقُصُ العِلْمُ، وتَظْهَرُ الفِتَنُ، ويَكثرُ الهَرْجُ، قِيلَ يَا رَسُوْلَ اللهِ: أيْمُ هُوَ؟ قَالَ: القَتْلُ القَتْلُ" (¬1) البُخَارِيُّ. وفي هَذَا الحدِيثِ نكتَةٌ عِلْمِيَّةٌ نَفيسَةٌ ذَكَرَها الإمِامُ الحَافِظُ أبو حَاتِمٍ رَحِمَهُ اللهُ بِقَوْلِه في "مُقَدِّمَةِ المَجْرُوْحِينِ" (12): "في هَذَا الخبرِ دَلِيلٌ عَلَى أنَّ مَا لم يَنْقُصْ مِنَ العِلْمِ لَيسَ بعِلْمِ الدِّينِ في الحَقِيقَةِ! وفيه دَلِيلٌ عَلَى أنَّ ضِدَّ العِلْمِ يَزِيدُ، وكُلَّ شَيءٍ زَادَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ مَرْجِعُه إلى الكِتَابِ والسُّنَّةِ فَهُوَ ضِدُّ العِلْمِ" انْتَهَى. * * * وقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يُرِدِ الله بِه خَيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ" (¬2) مُتَّفَقٌ عَلَيه. ومِنْه نَعْلَمُ قَطْعًا؛ أنَّ كُلَّ عِلْمٍ لم يَكُنْ مِنَ الدِّينِ فَلَيسَ بفِقْهٍ، ومَنِ اشْتَغَلَ ¬

_ (¬1) أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (5690) وغَيرُه. (¬2) أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (1/ 27)، ومُسْلِمٌ (3/ 95).

بغَيرِه فَلَيسَ مِمَّنْ أرَادَ اللهُ بِه خَيرًا أصَالَةً لا حِوالَةً (¬1)! * * * وعَلَيه؛ فاعْلَمْ إنَّ هَذِه العُلُوْمَ الطَّبِيعِيَّةَ وغَيرَها مِمَّا هِيَ مِنْ عُلُوْمِ الدُّنْيا (الطَّبِيعَيَّةَ، الهَيئَةَ، الرِّياضِيَّةَ، الهندَسَةَ، الطِّبَّ وغَيرَها) (¬2) الَّتِي لم تَزَلْ تَزْدَادُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمِ؛ بأنَّهَا لَيسَتْ مِنَ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ بِشَيءٍ، كَمَا أنَّه لا يَضُرُّ الجَهْلُ بِها، ولا يَنْفَعُ العِلْمُ بِها، بَلْ هِي عُلُوْمٌ دِنْيَوِيَّة؛ المَقْصُوْدُ مِنْهَا عِمَارَةُ الدُّنْيَا! يَقُوْلُ ابنُ تَيمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ في "مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى" (27/ 394): "لَكِنَّ المَقْصُوْدَ أنْ يُعْرَفَ أنَّ الصَّحَابَةَ خَيرُ القُرُوْنِ، وأفْضَلُ الخَلْقِ بَعْدَ الأنْبِيَاءِ! فَمَا ظَهَرَ (مِنَ العُلُوْمِ) فيمَنْ بَعْدَهُم مِمَّنْ يَظُنُّ أنَّها فَضِيلَةٌ للمُتَأخِّرِينَ، ولَمْ تَكُنْ فيهِم فإنَّها مِنْ الشَّيطَانِ، وهِي نَقِيصَةٌ لا فَضيلَةٌ سَواءٌ كَانَتْ مِنْ ¬

_ (¬1) لأنَّ الخيرَ يَكُوْنُ في العُلُوْمِ الشَّرْعِيَّةِ أصَالَةً، وفي غَيرِه مِنَ عُلُوْمِ الدُّنْيا يَكُوْنُ تِبَاعًا! (¬2) لَقَدْ تَكَلَّمْتُ عَنْ: "عِلْمِ الطِّبِّ، وعِلْمِ الاجْتِماعِ، والإعْجَازِ العِلْمِيِّ"، بشَيءٍ مِنَ البَسْطِ والتَّحْرِيرِ، وبَيَّنْتُ كَثِيرًا مِنْ أخَطَائِها العِلْمِيَّةِ، وآثارِها العَمَلِيَّةِ، وحَذَّرْتُ مِنَ الجرِي ورَاءهَا والانْبِهَارِ بِها إلى غَيرِ ذَلِكَ ممَّا ذَكْرَتُه هُنَاكَ، وأسْألُ اللهَ أنْ يُيَسِّرَ إخْرَاجَها قَرِيبًا!

جِنْسِ العُلُوْمِ، أو مِنْ جِنْسِ العِبَادَاتِ، أو مِنْ جِنْسِ الخَوَارِقِ والآياتِ، أو مِنْ جِنْسِ السِّيَاسَةِ والمُلْكِ؛ بَلْ خَيرُ النَّاسِ بَعْدَهُم أتْبَعَهُم لهم". وقَالَ أيضًا رَحِمَهُ اللهُ في "المَجْمُوْعِ" (9/ 126) في مَعْرَضِ رَدِّه عَلَى أرْبَابِ العُلُوْمِ الدِّنْيِوَيَّةِ، لا سِيَّما أرْبَابُ الفَلْسَفَةِ مِنْهُم: "فإنَّ عِلْمَ الحِسَابِ الَّذِي هُوَ عِلْمٌ بالكَمِّ المُنْفَصِلِ، والهندَسَةِ الَّتِي هِيَ عِلْمٌ بالكَمِّ المُتَّصِلِ عِلْمٌ يَقِينِيٌّ لا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ البَتَّةَ: مِثْلُ جَمْعِ الأعْدَادِ وقِسْمَتِها وضَرْبِها، ونسْبَةِ بَعْضِها إلى بَعْضٍ ... والمَقْصُوْدُ أنَّ هَذا العِلْمَ الَّذِي تَقُوْمُ عَلَيه بَرَاهِينُ صَادِقَة لَكِنْ لا تَكْمُلُ بِذَلِكَ نَفْسٌ، ولا تَنْجُو مِنْ عَذَابٍ، ولا تُنَالُ بِه سَعَادَةٌ" انْتَهى. * * * يَقُوْلُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ في بَيَانِ أنواعِ العُلُوْمِ، مَا جَاءَ في كِتَابِه "الفَوَائِدِ" (160): "نَوْعٌ تَكْمُلُ النَّفْسُ بإدْرَاكِهِ والعِلْمِ بِه، وهُوَ العِلْمُ باللهِ وأسْمَائِه وصِفَاتِه وأفْعَالِه وكُتُبِه وأمْرِه ونَهْيِه. ونَوْعٌ لا يَحْصُلُ للنَّفْسِ بِه كَمَالٌ: وهُوَ كُلُّ عِلْمٍ لا يَضُرُّ الجَهْلُ بِه، فإنَّه لا يَنْفَعُ العِلْمُ بِها في الآخِرَةِ.

وكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَعِيذُ باللهِ مِنْ عِلم لا يَنْفَعُ، وهَذَا حَالُ أكْثَرِ العُلُوْمِ الصَّحِيحَةِ المُطَابِقَةِ الَّتِي لا يَضُرُّ الجَهْلُ بِها شَيئا: كالعِلْمِ بالفَلَكِ ودَقَائِقِه ودَرَجَاتِه، وعَدَدِ الكَوَاكِبِ ومَقَادِيرِها، والعِلْمِ بعَدَدِ الجِبَالِ وألْوَانِها ومَسَاحَتِها، ونَحْوِ ذَلِكَ، فَشرَفُ العِلْمِ بِحَسَبِ شَرَفِ مَعْلُوْمِه، وشِدَّةِ الحَاجَةِ إلَيه، ولَيسَ ذَاكَ إلَّا العِلْمُ باللهِ وتَوَابع ذَلِكَ" انْتَهَى. * * * وقَالَ أيضًا في مَعْرَضِ الرَّدِّ عَلَى عُلَمَاءِ الفَلْسَفَةِ، مَا ذَكَرَهُ في "مِفْتَاحِ دَارِ السَّعَادَةِ" (2/ 122): "وإمَّا عِلْمٌ طَبِيعِيٌّ صحِيحٌ غَايِتُه مَعْرِفَةُ العَنَاصِرِ، وبَعْضِ خَوَاصِهَا وطَبَائِعَها، ومَعْرِفَةُ بَعْضِ مَا يَتَرَكَّبُ مِنْها، ومَا يَسْتَحِيلُ مِنَ المُوْجِبَاتِ إلَيها، وبَعْضِ مَا يَقَعُ في العَالَمِ مِنَ الآثارِ بامْتِزَاجِها واخْتِلاطِها ... وأيُّ كَمَالٍ للنَّفْسِ في هَذِا؟ وأيُّ سَعَادَةٍ لَهَا فيه؟! "انْتَهَى. وقَالَ أيضًا في مَعْرَضِ الرَّدِّ عَلَى أهْلِ الطِّبِّ، مَا بَيَّنَهُ في "مِفْتَاحِ دَارِ السَّعَادَةِ" (2/ 318 - 319) بِقَوْلِهِ: "وحَاجَةُ النَّاسِ إلى الشَّرِيعَةِ ضَرُوْرَةٌ فَوْقَ حَاجَتِهم إلى أيِّ شَيءٍ، ولا نِسْبَةَ لحاجَتِهِم إلى عِلْمِ الطِّبِّ إلَيها، ألا تَرَى

أكْثَرَ العَالمِ، يَعِيشُوْنَ بغَيرِ طَبِيبٍ؟ ولا يَكُوْنُ الطَّبِيبُ إلَّا في المُدُنِ الجَامِعَةِ، وأمَّا أهْلُ البَدْوِ كُلُّهُم، وأهْلُ الكَفُوْرِ (القَرْيَةِ الصغِيرة) كُلّهُم، وعَامَّةُ بَنِي آدَمَ، فَلا يَحْتَاجوْنَ إلى طَبِيبٍ، وهُمْ أصَحّ أبْدَانًا وأقْوَى طَبِيعَةً ممَّنْ هُوَ مُتَقَيِّد بالطَّبِيبِ، ولَعَلَّ أعْمَارَهُم مُتَقَارِبَة ... إلخ. وأمَّا مَا يُقَدَّرُ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرِيعَةِ ففَسَادُ الرّوْحِ والقَلْبِ جُمْلَةً، وهَلاكُ الأبدِ، وشَتَّانَ بَينَ هَذَا وهَلاكِ البَدَنِ بالموتِ: فَلَيسَ النَّاسُ قَطُّ إلى شَيءٍ أحْوَجَ مِنْهُم إلى مَعْرِفَةِ مَا جَاءَ بهِ الرَّسُوْلُ - صلى الله عليه وسلم -، والقِيَامِ بِه، والدَّعْوَةِ إلَيه، والصَّبْرِ عَلَيه، وجِهَادِ مَنْ خَرَجَ عَنْه حَتَّى يَرْجِعَ إلَيهِ، ولَيسَ للعَالَمِ صَلاح بِدُوْنَ ذَلِكَ البَتَّةَ" انْتَهَى. * * * وهَذَا الذَّهَبِيُّ رَحِمَه اللهُ أيضًا نَجِدُه يُعِيبُ عِلْمَ النَّحْوِ الَّذِي هُوَ أفْضَلُ وأكْمَلُ مِنْ عُلُوْمِ (القَوْمِ!) لا سِيما إذَا خَرَجَ عَنْ حَدِّه المَقْصُوْدِ، وذَلِكَ بِقَوْلِه في كِتَابِهِ "زَغَلِ العِلْمِ" (39): "النَّحْوِيُّوْنَ لا بَأسَ بِهِم، وعِلْمُهُم حَسَنٌ مُحتاجٌ إلَيه، لَكِن النَّحْوِيَّ إذا أمْعَنَ في العَرَبِيَّةِ، وعَرِيَ عَنْ عِلْمِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ بَقِيَ فَارِغًا بَطَّالًا لَعَّابًا، ولا يَسْألُه اللهُ والحَالَةُ هَذِه عَنْ عِلْمِه في الآخِرَةِ؛ بَلْ هُوَ كَصِنْعَةٍ مِنَ الصَّنَائِعِ: كالطَّبِّ والحِسَابِ، والهندَسَةِ لا

يُثَابُ عَلَيها، ولا يُعَاقَبُ إذَا لَمْ يَتكبَّرْ عَلَى النَّاسِ، ولا يتَحَامَقْ عَلَيهم، واتَّقَى اللهَ تَعَالَى، وتَوَاضَعْ وَصَانَ نَفْسَهُ" انْتَهَى. * * * فعَلَيكَ أخِي طَالِبَ العِلْمِ بمَا قَالَه ابنُ رَجَب رَحِمَهُ اللهُ في "بَيَانِ فَضْلِ عِلْمِ السَّلَفِ" (68): "وفي كَلامِهِم (السَّلَفِ) كِفَايَة وزِيَادَة، فَلا يُوْجَدُ في كَلامِ مَنْ بَعْدِهِم مِنْ حَقٍّ إلَّا وهُوَ في كَلامِهِم مَوْجُوْد بأوْجَزِ لَفْظٍ، وأخْصَرِ عِبَارَةٍ، ولا يُوْجَدُ في كَلامِ مَنْ بَعْدِهِم مِنْ بَاطِلٍ إلَّا وفي كَلامِهِم مَا يُبَيِّنُ بُطْلانَه لمَنْ فَهِمَهُ وتَأمَّلَهُ، ويُوْجَدُ في كَلامِهِم مِنَ المعَاني البَدِيعَةِ والمآخِذِ الدَّقِيقَةِ مَا لا يَهْتَدِي إلَيه مَنْ بَعْدَهُم ولا يَلِمُّ بِهِ، فَمَنْ لم يَأخُذْ العِلْمَ مِنْ كَلامِهِم فَاتَهُ ذَلِكَ الخَيرُ كُلُّه مَعَ مَا يَقَعُ في كَثِيرٍ مِنَ البَاطِلِ مُتَابَعَةً لمَنْ تَأخَّرَ عَنْهُم" انْتَهَى. * * * واعْلَمْ يا رَعَاكَ اللهُ، أنَّ العِلْمَ إذا أُطْلِقَ، فإنَّه لا يَصْدُقُ إلَّا عَلَى العِلْمِ الشَّرْعِيّ فَضْلًا وكَمَالًا، أجْرًا ومَآلًا، عِزًّا وحَالًا ... ! ومَا سِوَاهُ مِنْ عُلُوْمِ الدُّنْيا؛ فَهِي عُلُوْمٌ مُقَيَّدَةٌ بِمَا تُضَافُ إلَيه مِنْ: حِرَفٍ ومِهَنٍ وفِكْرٍ ... كعُلُوْمِ الطَّبِيعَةِ، والفَلَكِ، والهَيئَةِ، والحِسَابِ،

والصنَاعَاتِ، والرِّيَاضِيَّاتِ، والهندسَةِ، والأحْيَاءِ، و (الكِيمِيَاءِ)، و (الفيزِيَاءِ)، و (الجُغْرَافيا)، وعِلْمِ الأرْضِ (الجُيُوْلُوْجِيا)، وعِلْمِ التِّجَارَةِ، وعِلْمِ السِّيَاسَةِ، وكَذَا حِرَفِ النِّجَارَةِ، والفِلاحَةِ، والصِّنَاعَةِ، والحِيَاكَةِ إلخ. * * * فَعِنْدَ ذَلِكَ؛ كَانَ مِنَ الخَطأ البيِّن رَصْفُ تِلْكَ العَنَاوِينِ الرَّابِضَةِ فَوْقَ بَعْضِ الكُتُبِ العِلْمِيَّةِ، والأطَارِيحِ الجَامِعِيَّةِ كَقَوْلهِم: العِلْمُ والإيمَانُ، العِلْمُ والإسْلامُ، الإيمَانُ مِحْرَابُ الطِّبِّ، الدِّينُ والعِلْمُ التَّجْرِيبِيُّ، القُرْآنُ والإعْجَازُ العِلْمِيُّ ... وغَيرُها مِمَّا هُوَ مِنْ زَبَدِ العُلُوْمِ الدَّخِيلَةِ، والانْهِزَامِ الجَاثِمِ عَلَى عُقُوْلِ وأقْلامِ كَثِيرٍ مِنَ كُتَّابِ المُسْلِمِينَ هَذِه الأيامَ! ومَا ذَاكَ الخَطَأُ الدَّارِجُ هُنَا وهُنَاكَ إلَّا لِكَوْنِ القَوْمِ قَدْ ظَنُّوا بأنَّ العِلْمَ شَيءٌ، والدِّينَ شَيء آخَرَ! لِذَا نَجِدُهُم يُفَرِّقُوْنَ بَينَ الدِّينِ والعِلْمِ، ومَا عَلِمُوا أنَّ الدِّينَ الإسلامِيَّ هُوَ العِلْمُ، والعِلْمَ دِينٌ؛ فانْظُرُوا عَمَّنْ تَأخُذُوْنَ دِينكُم! فإنَّ حَالَ هَذِه العُلُوْمِ الدِّنْيَوِيَّةِ؛ بَلْ أكْثَرِ العُلُوْمِ الصَّحِيحَةِ المُطَابِقَةِ للعَقْلِ والتَّجْرُبَةِ؛ فإنَّه لا يَضُرُّ الجَهْلُ بِها شَيئًا، كَمَا أنَّه لا يَنْفَعُ العِلْمُ بِها!

لِذَا؛ فلا يَهُوْلَنَّكَ يَا طَالِبَ العِلْمِ مَا يَتَجَارَى بِهِ أهْلُ زَمَانِنَا في تَسْوِيقِ هَذِه العُلُوْمِ الدِّنْيَوِيَّةِ، مَعَ زُخْرُفٍ مِنَ الشَّارَاتِ والألْقَابِ في صُرُوْحِ الجَامِعَاتِ، ومَا يَقْذِفُه الإعْلامُ العَائِمُ فَوْقَ بَرَاكِينَ مِنَ الثَّقَافَاتِ الغَرْبِيَّةِ، كُلُّ ذَلِكَ مُحَاكَاتٌ ومُشَابَهَةٌ لِمُخَلَّفَاتِ الاسْتِعْمَارِ (الدَّمَارِ) الغَرْبِيِّ! * * * ومَهْمَا قِيلَ؛ فَلَنْ يَتَعَدَّ أصْحَابُ هَذِه العُلُوْمِ الطَّبِيعِيَّةِ وغَيرِها (مِمَّا هِيَ مِنْ عُلُوْمِ الدُّنْيا) مَكَانَهُم مِنَ العِلْمِ؛ فَهُم لا يَعْلَمُوْنَ إلَّا ظَاهِرًا مِنَ الحَيَاةِ الدُّنْيا؛ بَلْ هَذَا مَبْلَغُهُم مِنَ العِلْمِ، كَمَا أنَّها عُلُوْمٌ يَشْتَرِكُ فيها كُلُّ إنْسَانٍ وجَانٍّ (المُؤْمِنُ مِنْهُم والكَافِرُ)! ومَعَ هَذَا فَلَيسَ لهم فيها مِنْ الأجْرِ شَيء، اللَّهُمَّ إلَّا إذا جَعَلُوا مِنْ هَذِه العُلُوْمِ والصِّنَاعَاتِ قُرُباتٍ، بَعْدَ اسْتِحْضَارِ قَصدٍ ونيَّاتٍ! كَنِيّةِ: التَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى بَينَ المُسْلِمِينَ، كَمَا يَنْوِيهِ النَّجَّارُ والفَلاحُ وغَيرُهُما مِنْ أهْلِ الحِرَفِ والمِهَنِ، و"إنمَا الأعْمَالُ بالنياتِ، وإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" (¬1) مُتَّفَق عَلَيهِ. ¬

_ (¬1) أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ (1)، ومُسْلِم (1907).

ومَهْمَا يَكُنْ؛ فالأجْرُ والخَيرُ: في العِلْمِ الشَّرْعِيِّ أصْلٌ وغَايَةٌ، وفي غَيرِه مِنَ عُلُوْمِ الدُّنْيا طَارِئٌ ووَسَيلَةٌ! * * * وأخِيرًا؛ فَإنَّنا لا نَقُوْلُ بطَرْحِ العُلُوْمِ الدِّنْيَوِيَّةِ (الطَّبِيعِيَّةِ والتَّجْرِيبِيَّةِ) جُمْلَة وتَفْصِيلًا؛ كَلَّا! بَلْ للتَّفْصِيلِ اعْتِبَارٌ ومَأخَذُ، فالنَّاسُ حَوْلها طَرَفَانِ ووَسَطٌ، كَما يَلي: الطرَفُ الأولُ: مَنْ أفْرَطَ فِيهَا إفْرَاطًا أخْرَجَهَا مِنْ حَدِّهَا ومَنْزِلَتِهَا إلى التَّقْدِيسِ والغُلُوِّ؛ فَرَفَعَهَا فَوْقَ غَيرِها مِنَ العُلُوْمِ، لاسِيَّما العُلُوْمِ الشَّرْعِيَّةِ، وأهْلُ هَذَا الطَّرَفِ فِيهِمْ غُلُوّ وإسْرَافٌ مَذْمُوْمَانِ! الطَّرَفُ الثاني: مَنْ عِنْدَهُ تَفْرِيطٌ وتَقْصِيرٌ فِيهَا؛ حَتَّى قَطَعَ بَعْضهُم بحُرْمَتِهَا، ومِنْهُم مَنْ صَرَّحَ بخُلُوِّهَا مِنَ الخَيرِ والفَائِدَةِ رَأسًا، وأهْلُ هَذَا الطَّرَفِ فِيهِم تَفْرِيطٌ وإجْحَاف مَذْمُوْمَانِ! الوَسَطُ: مَنْ قَالَ بأنَّها عُلُوْم مُبَاحَةٌ: فَمِنْهَا مَا هُوَ حَلالٌ مَقْبُوْلٌ، ومِنْهَا مَا هُوَ حَرَام مَرْدُوْد، فَفِيهَا الخَيرُ والشَّرُّ كَغَيرِهَا مِنَ العُلُوْمِ

الدِّنْيَوِيَّةِ، والنَّاسُ إلى الخَيرِ مِنْهَا في حَاجَةٍ وطَلَبٍ، لا سِيَّما في عِمارة الأرْضِ، وصَلاحِ الدِّينِ والدُّنْيَا، فَهِي مِنْ بَابِ الوَسَائِلِ، و"للوَسَائِلِ أحْكَامُ المَقَاصِدِ". وهُمْ مَعَ هَذَا لا يُخْرُجْوْنَها عَنْ حَدِّهَا وحَجْمِهَا، فَلا يَذْهَبُوْنَ بِها إلى الغُلُوِّ ولا إلى التَّفْرِيطِ، كَما أنَّهم لا يُسَامُوْنَ بِها العُلُوْمَ الشَّرْعِيَّةَ؛ فَضْلًا عَنْ أفْضَلِيَتِّها، فَلَهَا قَدْرُهَا وتَقْدِيرُهَا، واللهُ أعْلَمُ. * * * وقد اشْتَرَطَ الإمَامُ الشَّوكَانيُّ رَحِمَهُ الله (1350) لتَعَلُّمِ العُلُوْمِ الدِّنْيَوِيَّةِ شَرْطًا عَزِيرًا، في كِتَابِه "أدَبِ الطَّلَبِ" (124) حَيثُ قَالَ: "ثُمَّ لا بَأسَ عَلى مَنْ رَسَخَ قَدَمُهُ في العُلُوْمِ الشَّرْعِيَّةِ أنْ يَأخُذَ بطَرَفٍ مِنْ فُنُوْن هِي مِنْ أعْظَمِ مَا يَصْقِلُ الأفْكَارَ، ويُصَفِّي القَرَائِحَ، ويَزِيدُ القَلْبَ سُرُوْرًا والنَّفْسَ انْشِرَاحًا: كالعِلْمِ الرِّيَاضِيِّ والطَّبِيعِيِّ، والهندَسَةِ والهَيئَةِ والطِّبِّ. وبالجُمْلَةِ فالعِلْمُ بِكُلِّ فَنٍّ خَيرٌ مِنَ الجَهْلِ بِه بكَثِيرٍ ولا سِيَّما مَنْ رَشَّحَ نَفْسَهُ للطَّبقَةِ العَلِيَّةِ والمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ. ودَعْ عَنْكَ مَا تَسْمَعُهُ مِنَ التَّشْنِيعَاتِ، فإنَّها كَما قَدَّمْنَا لَكَ شُعْبَةٌ مِنَ التَّقْلِيدِ، وأنْتَ بَعْدَ العِلْمِ بأيِّ عِلْمٍ مِنَ العُلُوْمِ: حَاكِمٌ عَلَيهِ بِما قَدْ يَكُوْنُ

لَدِيكَ مِنَ العِلْمِ، غَيرَ مَحكُوْمٍ عَلَيكَ، واخْتَرْ لنَفْسِكَ مَا يَحلُو! ولَيسَ يُخْشَى عَلى مَنْ قَدْ ثَبَتَ قَدَمُهُ في عِلْمِ الشَّرْعِ مِنْ شَيءٍ، وإنَّما يُخْشَى عَلى مَنْ كَانَ غَيرَ ثَابِتِ القَدَمِ في عُلُوْمِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ، فإنَّهُ رُبَّما يَتَزَلْزَلُ وتحوْلُ ثِقَتُهُ؛ فإذَا قَدَّمْتَ العِلْمَ بِما قَدَّمْنَا لَكَ مِنَ العُلُوْمِ الشَّرْعِيَّةِ فاشْتَغِلْ بِما شِئْتَ، واسْتكْثِرْ مِنَ الفُنُوْنِ مَا أرَدْتَ وتبحَّرْ في الدَّقَائِقِ مَا اسْتَطَعْتَ، وجَاوِبْ مَنْ خَالَفَكَ وعَذَلَكَ وشَنَّعَ عَلَيكَ، بقَوْلِ القَائِلِ: أتانَا أنَّ سَهْلًا ذَمَّ جَهْلًا ... عُلُوْمًا لَيسَ يَعْرِفُهُنَّ سَهْلُ عُلُوْمًا لَوْ دَرَاهَا مَا تَلاهَا ... ولكِنَّ الرِّضَى بالجَهْلِ سَهْلُ إلى آخِرِ كَلامِهِ". قُلْتُ: إنَّ مَا ذَهَبَ إلَيهِ الإمَامُ الشَّوكَانيُّ فِيهِ نَظَر بَيِّن؛ حَيثُ اشْتَرَطَ لتَعَلُّمِ العُلُوْمِ الدِّنْيَوِيَّةِ شُرُوْطًا لَيسَتْ في كِتَابٍ ولا سُنَّةٍ، بَلِ الوَاقِعُ يَشْهَدُ بخِلافِ مَا ذَهَبَ إلَيهِ، هَذَا إذَا عَلِمْنَا أنهُ رَحِمَهُ الله مِمَّنْ يُشَنِّعُ عَلى التَّقْلِيدِ وأهْلِهِ، ويحذِّرُ مِنْهُ مَا أمْكَنَ إلَيهِ سَبِيلًا! فَقَولهُ رَحِمَهُ الله: ثُمَّ لا بَأسَ عَلى مَنْ رَسَخَ قَدَمُهُ في العُلُوْمِ الشرْعِيَّةِ أنْ يَأخُذَ بطَرَفٍ مِنَ العِلْمِ الرِّيَاضِيِّ والطَّبِيعِي، والهندَسَةِ والهَيئَةِ والطِّبِّ.

ولَيسَ يُخْشَى عَلى مَنْ قَدْ ثَبَتَ قَدَمُهُ في عِلْمِ الشَّرْعِ مِنْ شَيءٍ، وإنَّما يُخْشَى عَلى مَنْ كَانَ غَيرَ ثَابِتِ القَدَمِ في عُلُوْمِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ، فإنَّهُ رُبَّما يَتَزَلْزَلُ وتحُوْلُ ثِقَتُهُ .. إلَخْ! كُلُّ هَذَا مِنْهُ رَحِمَهُ الله مُنْتَقَدٌ وبَعِيدٌ، لأمُوْرٍ: أوَّلًا: لَيسَ هُنَاكَ دَلِيلًا شرْعِيًّا عَلى اشْتِرَاطِ مَنْ رَامَ تَعَلُّمَ العُلُوْمِ الدِّنْيَوِيَّةِ أنْ يَكُوْنَ رَاسِخًا في العِلْمِ الشَّرْعِيِّ؟ هَذَا إذَا عَلِمْنَا أنَّ العُلُوْمَ الدِّنْيَوِيَّةَ مِنَ العُلُوْمِ المُبَاحَةِ، والحَالَةُ هَذِه فَهِيَ لا تَحْتَاجُ إلى رُسُوْخٍ في العِلْمِ، بَلْ هِي مِنْ شَأنِ عَامَّةِ النَّاسِ في حَيَاتهم الدِّنْيَوِيَّةِ، بَلْ هُنَالِكَ مِنْ آحَادِ العَامَّةِ مَنْ يُحْسِنُ مِنَ العُلُوْمِ الدِّنْيَوِيَّةِ مَا لا يُحْسِنُهُ كَثِيرٌ مِنَ العُلَماءِ! ثَانِيًا: لو أنَّنا لَوْ أخَذْنَا بِما اشْتَرَطَهُ الشَّوكَانيُّ رَحِمَهُ الله لتَعَطَّلَتْ كَثِيرٌ مِنْ مَصَالِحِ الدُّنْيَا، وعِمار الأرْضِ! ثَالثًا: لَيسَ بالضَّرُوْرِي أنَّ كُلَّ مَنْ تَعَلَّمَ العُلُوْمَ الدِّنْيَوِيَّةَ أنْ يَزِلَّ، أو تَتَحَوَّلَ ثِقَتُهُ، لأنَّ دَلِيلَ الشَّاهِدِ والحَالِ قَاضٍ بهَذَا! * * *

إلَّا أنَّنا مَعَ هَذَا؛ نُحَذِّرُ كَلَّ الحَذَرِ مِنَ النَّظَرِ إلى هَذِه العُلُوْمِ الدِّنْيَوِيَّةِ بعَينِ الإفْرَاطِ والانْبِهَارِ، أو الانْصَرَافِ بِها عَنْ تَعَلُّمِ وَاجِبَاتِ الأحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِمَّا لا يُعْذَرُ المُسْلِمُ بجَهْلِهَا، وإلَّا وَقَعْنَا فِيما حَذَّرَ مِنْهُ الشَّوكَانيُّ رَحِمَهُ الله، وهُوَ كَذَلِكَ! * * * ومِنْ آخِرِ نَحِسَاتِ أدْعِيَاءِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ هَذِه الأيام، أنَّ نَابِتَةً مِنْهُم لَمْ تَزَلْ تَنْفُخُ في رَوْعِ شَبَابِ المُسْلِمِينَ بَعْضَ العُلُوْمِ التَّجْرِيبِيَّةِ، الوَافِدَةِ مِنْ مُسْتَنْقَعَاتِ الفِكْرِ الغَرْبِي (الكَافِرِ)، ضَارِبِينَ بِعُلُوْمِ وكُتُبِ السَّلَفِ الصَّالِحِ عُرْضَ الحَائِطِ، مُزَاحِمِينَ مَا كَانَ عَلَيه المُسْلِمُوْنَ مِنْ الأمْرِ الأوَّلِ: إنَّها العُلُوْمُ الإدارِيَّةُ، والنَّفْسِيَّةُ (البَرْمجةُ العَصَبِيَّةُ اللُّغَوِيَّةُ)، وغَيرُها! * * * فَلَيتَ شِعْرِي؛ هَلْ نَسِيَ هُؤلاءِ (المُنْهَزِمُوْنَ) أنَّ الأمَّةَ الإسْلامِيَّةَ هَذِه الأيامَ في حَالٍ لا يُنَادَى وَليدُها؟ مِنْ جَهْلٍ بِدِييهِم، وتَفَرُّقٍ بَينَهُم، وضَعْفٍ لَدَيهِم ... ؟! فإنْ كَانُوا عَلَى عِلْمٍ بِهَذا؛ فلِمَاذا هَذِه العُلُوْمُ الدَّخِيلَةُ الَّتِي تُرَوَّجُ وتُسَوَّقُ بَينَ شَبَابِ المُسْلِمِينَ؛ حتَّى أخَذَتْ (للأسَفِ!) أخَادِيدَ في قُلُوْبِ بَعْضِ طُلابِ العِلْمِ؟!

قَالَ تَعَالى: {قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيرٌ} [البقرة: 61]، وقَالَ تَعَالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف 103 - 104]. وقَالَ عَبْدُ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ رَضِي اللهُ عَنْه: "كَيفَ أنْتُم إذا لَبِسَتْكُم فِتْنَةٌ يَهْرَمُ فيها الكَبِيرُ، ويَرْبُو فيها الصَّغِيرُ، ويَتَّخِذُها النَّاسُ سُنّة، فإذا غُيِّرَتْ قَالُوا: غُيِّرَتِ السُّنّة! قَالُوا: ومَتَى ذَلِكَ يا أبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: إذا كَثُرَتْ قُرَّاؤكُم، وقَلَّتْ فُقَهَاؤُكم، وكَثُرَتْ أمَرَاؤُكُم، وقَلَّتْ أُمَنَاؤُكُم، والْتُمِسَتِ الدُّنْيا بعَمَلِ الآخِرَةِ" (¬1) الدَّارِميُّ والحَاكِمُ. * * * فإنِّي أُعِيذُكَ باللهِ يا مَنْ تَسْعَى في نَشْرِ هَذِه العُلُوْمِ الدَّخِيلَةِ الهَجِينَةِ في بِلادِ المُسْلِمِينَ، مِمَّا يَلي: أوَّلًا - أنْ يَنَالَكَ نَصْيِبٌ مِنْ قَوْلِه - صلى الله عليه وسلم -: " ... ومَنْ سَن في الإسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، ¬

_ (¬1) أخْرَجَهُ الدارِميُّ في "مُسْنَدِه" (191)، والحاكِمُ في "المُسْتَدْرَكِ" (4/ 514)، وهُوَ صَحِيحٌ.

فَعَلِيه وِزْرُها ووِزْرُ مَنْ يَعْمَلُ بِها مِنْ غَيرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أوْزَارِهِم شَيئًا" (¬1) مُسْلم. وبَعْدَئِذٍ؛ فَلا تَنْسَ يَا رَعَاكَ اللهُ! مَا فَعَلَه المأمُوْنُ يَوْمَ عرِّبَتْ في عَهْدِه عُلُوْمُ اليُوْنانِ، والفَلاسِفَةِ مِنَ اليَهُوْدِ والنَّصَارَى والِهنْدِ: مِثْلُ الطِّبِّ، والحِسَابِ، والطَّبِيعَةِ، والهَيئَةِ، والمَنْطِقِ ... فَلَمّا دَرَسَها النَّاسُ، وتَنَاقَلُوْها فيمَا بَينَهُم؛ ظَهَرَتْ بِسَبَبِها البِدَعُ والأهْوَاءُ، وضَلَّ وابْتَعَدَ النَّاسُ عَنْ عِلْمِ النُّبوَّةِ ... فعِنْدَها كَانَ الضَّلالُ والانْحِرَافُ، والشَّرُّ الكَبِيرُ، والفَسَادُ العَرِيضُ! * * * لأجْلِ هَذا؛ كَانَ عَلَيكَ أنْ تَقِفَ بِخَوْفِكَ عِنْدَ هَذَا العِلْمِ، لا سِيَّما إذَا عَلِمْتَ أنَّ الَّذِينَ ضَلُّوا وأضَلُّوا بِهَذِه العُلُوْمِ الوَافِدَةِ وَقْتَئِذٍ: هُمُ مِنَ العُلَمَاءِ!، فَكَيفَ والحَالَةُ هَذِه إذا عَلِمَ الجَمِيعُ أنَّ مُعْظَمَ الَّذِينَ يَتَجَارَوْنَ وَرَاء هَذِه العُلُوْمِ النَّكدَةِ، ويَتَقَاطَرُوْنَ عَلَى دَوْرَاتِها: هُمُ الشَّبَابُ مِنْ أبْنَاءِ المُسْلِمِينَ؛ فاللهَ اللهَ فيهِم! ¬

_ (¬1) أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1017).

ثَانيًا - لا يَخْفَاكَ يَا رَعَاكَ اللهُ؛ أنَّ الأُمَّةَ بعَامَّة تَعِيشُ هَذِه الأيامَ جَهْلًا بدِينها، لِذَا كَانَ الأوْلَى بِنا أنْ نَسْعَى حَثِيثًا في عَوْدَةِ الأُمَّةِ إلى دِينها أوَّلًا، ثُمَّ إذا كَانَ في الأمْرِ مُتَّسَعٌ فَعِنْدَئِذٍ يَكُوْنُ للكَلامِ في مِثْلِ هَذِه العُلُوْمِ الوَافِدَةِ شَيءٌ مِنَ البَسْطِ والتَّحْرِيرِ! فَكُلُّ يَدٍّ مُدَّتْ إلَى هَذه العُلُوْمِ الوَافِدَةِ لِتَنْبُشَها بَعْدَ أنْ أُقْبِرَتْ، وأصْبَحَتْ عِظَامًا نَخِرَة، فَلَيسَ لَها أنْ تروِّجَها بَينَ أبْنَاءِ المسْلِمِينَ، ظنًّا مِنْها أنَّ الأسْمَاعَ في صَممٍ، وأنَّ العُيُوْنَ في سُبَات، وأنَّ الأقْلامَ والأنامِلَ لا تَجْتَمِعَانِ (¬1)؟! * * * ثَالثًا - ألَمْ يَأْنِ لَنا أنْ تَخْشَعَ قُلُوبُنا لمِا يَذْكُرُه أهْلُ هَذِه العُلُوْمِ التَّجْرِيبِيَّةِ مِنَ الغَرْبِ والشَّرْقِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ؟ فَلَمْ يَزَلْ هم حتَّى سَاعَتِي هَذِه وهُم يَصِيحُونَ بِخُطُوْرة هَذِه العُلُوْمِ في غَيرِ نَدْوَةٍ، أو لِقَاء، أو دَوْرَةٍ تَدْرِيبِيَّةِ! * * * ¬

_ (¬1) هُنَاكَ كَثِيرٌ مِنَ الكُتُبِ العِلْمِيةِ الرَّادَةِ عَلَى "البَرْمَجَةِ اللغَوِيةِ العَصَبِيَّةِ"، فَمِنْها: "البَرْمجَةُ اللغَوِيةُ العَصَبِيَّةُ" في طَبْعَتِه الثانِيَةِ للأخ أحْمَدَ الزَّهْرَاني، وهُو مِنْ أنْفَسِها وأجْوَدِها، وكَذَا "الفِكْرُ العَقَدِي الوَافِدُ ومَنْهَجِيَّةُ التَّعَامُلِ مَعَه" للأخْتِ فُوْزَ بِنْتِ عَبْدِ اللطِيفِ كُرْدِي، وهُو عِبَارة عَنْ مُذَكرَةٍ، كما أنه بَحْثٌ نَفيس جَيد في بَابِه.

العائق الرابع

* أمَّا العائِقُ الرَّابِعُ: فَهُوَ التَّخَصُّصُ (الجَامِعِيُّ!). ومَا أدْرَاكَ مَا هُوَ؟ إنَّه مِنَ التَّشَبُّهِ المَقِيتِ والمَوْرُوْثِ العِلْمِيِّ الوَافِدِ، يَوْمَ قَضتِ الأقْضِيَةُ في زَمَانِنا؛ بنبوْغِ نَوَابِتَ في صُفُوْفِ أهْلِ العِلْمِ قَدْ ألْبَسُوْهُم ثِيَابَ التَّخَصصِ، وتَوَّجُوْهُم ألْقَابًا وشَارَاتٍ مُهَلِّلَةً؛ فانْتَفَخُوا في العِلْمِ وهُم خَوَاءٌ، ونَابَذُوا التَّعَالَمُ وهُم سَوَاء، يَوْمَ قَصُرَتْ هِمَمُهُم وبَلَغَتْ عُلُوْمُهُم مِنَ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ جَوَانِبَ ونُتَفًا عِلْمِيَّةً، حَامِلِينَ في شَهَادَاتهمُ الجَامِعِيَّةِ تَجْزِئَةً وتَقْطِيعًا لعُلُوْمِ الشَّرِيعَةِ، وتَغْيِيبًا لطَائِفَةٍ مِنْها عَنْ أحْكَامِ فِقْهِ الوَاقِعِ، وقَضَايَا الأمَّةِ المَصِيرِيَّةِ؛ فَلا عِلْمَ بَلَغُوْه، ولا عَمَلَ نَالُوْه، ولا وَاقِعَ فَهِمُوْه! وإمَّا يَنْزِغَنَّكَ يا طَالِبَ العِلْمِ شَيءٌ مِنْ هَذَا الوَافِدِ الغَرْبِيِّ، فاسْتَعِذْ باللهِ السَّمِيعِ العَلِيمِ مِنْه، ولا تَطْرُقَنَّ لَه بَابًا فإنَّه مِنْ أبوْابِ الجُمُوْدِ العِلْمِيِّ! حَيثُ جَاءَ بتَدَسُّس إلى أمَّتِي بثِيَابِ التَّشْوِيه العِلْمِيِّ ليَلْتَبِطَ بِخُطَاهُ في مَسَارِحِ الجَامِعَاتِ الإسْلامِيَّةِ؛ ليُفْسِدَ حَرْثَ مَا بَقِيَ مِنَ العِلْمِ الشَّامِلِ، ويَهْلِكَ نَسْلَ مَا بَقِيَ مِنَ العَمَلِ الكَامِلِ. * * *

واعْلَمْ يَا رَعَاكَ اللهُ أنَّ التَّخَصُّصَ العِلْمِيَّ (الجَامِعِيَّ) قِسْمَانِ: مَحْمُوْدٌ، ومَذْمُوْمٌ. * فأمَّا التخَصُّصُ المَحْمُوْدُ: فَهُو مَنْ جَمَعَ صَاحِبُه بَينَ القَدْرِ الوَاجِبِ مِنَ العُلُوْمِ الشَّرْعِيَّةِ (الغَائِي مِنْها والآلِي) (¬1)، وبَينَ التَّوَسُّعِ والتَّفَنُّنِ في عِلْمٍ مَّا. وهَذَا؛ هُوَ الَّذِي أُتِيَ صَاحِبُه مِنَ العُلُوْمِ الشَّرْعِيَّةِ نَصِيبٌ وَافِرٌ تَبْرَأ بِه الذِّمَّةُ ويَسْقُطُ بِه الطَّلَبُ، مَعَ تَخَصُّصٍ وتَفَنُّنٍ في أحَدِ العُلُوْمِ الشَّرْعِيَّةِ. فَتَرَاهُ إذا كَانَ فَقِيهًا (مَثَلًا): قَدْ أخَذَ مِنْ عُلُوْمِ الغَايَةِ والآلَةِ: القَدْرَ الوَاجِبَ الَّذِي يُسَاعِدُه عَلَى فَهْمِ دِينه بعَامَّةٍ، وبالفِقْهِ بِخَاصَّةٍ، إلَّا أنه مَعَ هَذَا قَدْ اجْتَهَدَ في فَنِّ الفِقْهِ، وبَرَّزَ فيه؛ حَتَّى عُرِفَ بِهِ ولُقِّبَ باسْمِه. ...................... ... فَقِسْ عَلَى قَوْلِي يكنْ عَلامةً! فعِنْدَهَا؛ كَانَ التَّحْصيلُ العِلْمِيُّ عِنْدَ السَّلَفِ يَأخُذُ بعُلُوْمِ الشَّرِيعَةِ جُمْلَةً وتَفْصِيلًا، مَعَ تَفَاضُلٍ ونبوْغٍ في فَنٍّ دُوْنَ آخَرَ، فَهُمْ لا ¬

_ (¬1) عُلُوْمُ الغَايَةِ مِثْلُ: العَقِيدَةِ، والحدِيثِ، والفِقْهِ، والتفْسِيرِ. وعُلُوْمُ الآلَةِ مِثْلُ: النَّحْوِ، واللُّغَةِ، وأُصُوْلِ الفِقْهِ، ومُصْطَلَحِ الحدِيثِ، والمَنْطِقِ ... إلخ.

يَقْبَلُوْنَ في مَعَالمَ وقَوَاعِدَ وأسُس عُلُوْمِ الشَّرِيعَةِ نَصْيبًا دَانِيًا، ولا تَفَاضُلًا شَائِنًا، بَلْ تَرَاهُمْ قَدْ أخَذُوا مِنَ العُلوْمِ الشَّرْعِيَّةِ القَدْرَ الوَاجِبَ (الغَائِي مِنْها والآلِي)، مَعَ تَوَسُّعٍ في بَعْضِها، أو كُلِّها لا سِيَّما المُجْتَهِدونَ مِنْهُم. ومِنْه تَعْلَمُ قَوْلَ المتقَدِّمِينَ: فُلانٌ أُصُوْلِيٌّ، فَقِيهٌ، نَحْوِيٌّ، لُغَوِيٌّ، مفَسِّرٌ، مُحَدِّث، قَارِئٌ، مُشَارِك (¬1) ... ! لَخْ. * * * * وأمَّا التَّخَصُّصُ المَذْمُوْمُ: فَهُوَ مَنْ لم يَجْمَعْ صَاحِبُه بَينَ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، اللَّهُمَّ إنَّه تَوَسَّعَ وتَفَنَّنَ في عِلْمِ ما (الغَائِي مِنْها أو الآلِي)، دُوْنَ غَيرِه مِنَ العُلُوْمِ الشَّرْعِيَّةِ. فَتَرَاهُ إذا كَانَ فَقِيهًا (مَثَلًا): لَمْ يَأْخُذْ مِنْ عُلُوْمِ الآلَةِ، وعُلُوْمِ الغَايَةِ: القَدْرَ الوَاجِبَ الَّذِي يُسَاعِدُه عَلَى فَهْمِ دِينه بِعَامَّة، وبالفِقْهِ بِخَاصَّةٍ؛ بَلْ غَايَةُ مَا عِنْدَه أنه يُحْسِنُ مَسَائِلَ الفِقْهِ! ¬

_ (¬1) أي: أنه قَدْ أخَذَ مِنَ العُلُوْمِ الشَّرْعِيةِ الحدَّ الأدْنَى ممَّا يَسْقُطُ به وَاجِبُ العِلْمِ؛ بحَيثُ أصْبَحَ عِنْدَه شُمُوْلِية في العُلُوْمِ الشَرْعِيةِ، ومَعَ هَذا تَجِدُه قَدْ بَرَّزَ وظَهَرَ واشْتَهَرَ في فَنٍّ أو أكْثَرَ، فَعِنْدَئِذٍ يُلَقَّبُ عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ بأشْهَرِها مِنْ فنوْنِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ: كالفَقِيهِ، أو الأُصُوْلِي، أو النَّحْوِي، أو المفَسرِ، أو المُحَدِّثِ، وهَكَذَا.

ومِنْه تَعْلَمُ قَوْلَ المتأخِّرِينَ: فُلانٌ أصُوْلي فَقِيه، مُحَدِّث، نَحْوِي، مفَسِّرٌ، قَارِئ، دَعَوِي، وَاعِظٌ ... إلخ، فَعِنْدَ ذَلِكَ كَانَ كَلامِي هُنَا عَنْ أصْحَابِ هَذَا التَّخَصُّصِ، فكُنْ عَلَى ذُكْرٍ! * * * ومنْ بَعْدُ، فإنَّ أصْحَابَ التَّخَصُّصِ العِلْمِيِّ (المَذْمُوْمِ) لَمْ يَنْفَكُّوا عَنْ أخْطَاءَ شَرْعِيَّةٍ وآثَارٍ سيِّئةٍ، قَدْ دَفَعَتِ الأمَّةَ الإسْلامِيَّةَ (لاسِيَّما هَذِه الأيام) إلى مَفَاوِزَ مُهْلِكَةٍ، ومَزَالِقَ عِلْمِيَّةٍ، يَكْفي بَعْضُها لمِسْخِ مَا بَقِيَ مِنْ تراثِ أمَّتِنا الإسْلامِيَّةِ، فمِنْ ذَلِكَ: أوَّلًا: أنَّ التَّخَصُّصَ العِلْمِيَّ الحادِثَ بِقِسْمَيهِ (الغَائِي والآلِي)، كَمَا هُوَ جَارٍ في خِطَّةِ تَعْلِيمِ بِلادِ المُسْلِمِينَ الآنَ، قَدْ أخَذَ مُنْحىً خَطِيرًا في تَقْطِيعِ أوَاصِرِ التَّرَابُطِ بَينَ عُلُوْمِ الشَّرِيعَةِ، وتَقْسِيمِها إلى أجْزَاءَ عِلْمِيَّةٍ ومُتَفَرِّقَاتٍ مُتَنَاثِرة هُنَا وهُنَاكَ، لا يَجْمَعُها جَامِعٌ بَتةً؛ فَعِنْدَها كَانَ الأثَرُ السَّيِّئُ عَلَى الحيَاةِ العِلْمِيَّةِ والأحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَدَى طُلابِ العِلْمِ هَذِه الأيامَ. يُوَضِّحُهُ؛ أنه لما أزِفَتِ الآزِفَةُ، وأقْبَلَتِ الفِتَنُ في مَسَارِبَ مُهْلِكَةٍ، مُنْقَادَة لتُعِيدَها حَرْبًا صَلِيبِيَّةً يهوْدِيَّةً عَلَى الإسْلامِ والمُسْلِمِينَ في بِلادِ فِلِسْطِينَ وأفْغَانِسْتَانَ والعِرَاقِ وغَيرِها، وكَذَا مَا هُنَاكَ مِنْ هُجُوْمٍ سَافِرٍ عَلَى أخْلاقِ

المُسْلِمِينَ، ومَنَاهِجِهِم الشَّرْعِيَّةِ، إلِى غَيرِ ذَلِكَ مِنْ قَضَايا الأمَّةِ العَصْرِيَّةِ ... ونَحْنُ مَعَ هَذَا كُلِّهِ لَمْ نَزَلْ نرى كَثِيرًا مِنْ أرْبَابِ التَّخَصُّصِ يَعْتَذِرُوْنَ عَنْ تَخَاذُلهِم وتراجُعِهِم عَنْ عَدَمِ المُشَارَكَةِ في الذَّبِّ عَنْ قضايا أمَّتِهِم بِحُجَّةِ النَّزْعَةِ البَائِسَةِ الَّتِي رَاجَتْ في سُوْقِ أهْلِ العِلْمِ باسْمِ: التَّخَصُّصِ العِلْمِيِّ! يُوَضِّحُه: أنَّ الفَقِيه مِنْهُم (مَثَلًا) مِمَّنْ لَهُ مُجْمُوْعَةٌ مِنَ التَّآلِيفِ الفِقْهِيَّةِ، والتَّحْقِيقَاتِ الجَامِعِيَّةِ الَّتِي نَالَتْ مَرْتبةَ الشَّرَفِ ... مَا زَالَ يَعْتَذِرُ عَنِ المُشَارَكَةِ في قَضَايا أمَّتِه الإسْلامِيَّة: بأنَّ مَا يَدُوْرُ هُنَا لَيسَ مِنْ تَخَصُّصِهِ، وهَذَا مَا نَجِدُه في الأعَمِّ الأغْلَبِ مِنْهُم! هَذَا إذَا عَلِمْتَ (للأسَفِ) إنَّ أمْثَالَ هَذَا الفَقِيهِ مِنْ أهْلِ زَمَانِنا قَدْ تجاوَزَتْ أعْدَادُهُم المِئَاتِ. وقِسْ عَلَى هَذَا: صَاحِبَ العَقِيدَةِ، والتَّفْسِيرِ والحَدِيثِ، واللُّغَةِ وغَيرِهِم. * * * ومَهْمَا يَكُنْ؛ فَلا تَعْجَبْ يَا طَالِبَ العِلْمِ إذَا عَلِمْتَ أنَّ القَوْمَ كَانُوا صَرْعَى التَّخَصُّصَاتِ العِلْمِيَّةِ، ونَتَاجَ الوَافِدِ الغَرْبِيِّ، واللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا يَصِفُوْنَ!

كَمَا كَانَ مِنْ آخِرِ سَوَالِبِ التَّخَصُّصِ الجَامِعِيِّ هَذِه الشَّارَاتُ والألْقَابُ (الجَامِعِيَّةُ!) (¬1)؛ الَّتِي دَفَعَتْ طَائِفَةً مِنَ المُنْتَسِبِينَ إلِى قَبِيلِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ، مِمَّنْ تَشَاغَلُوا بِهَذِه الأسْمَاءِ، وانْسَاقُوا جَرْيًا وَرَاءها السِّنِينَ الخَوَالِيا، إلى دُخُوْلاتِ العَطَالَةِ المُغَلَّفَةِ باسْمِ: (الحَصَانَةِ الجَامِعِيَّةِ)، فَماذَا كَانَ؟! وَيَكْأَنَّ القَوْمَ؛ لَمْ يَنْصُرُوا حَقًّا، ولَمْ يَكْسِرُوْا بَاطِلًا: فَلا أمْرًا بِمَعْرُوْفٍ ولا نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ، ولا جِهَادًا ولا اجْتِهَادًا؛ بَلْ رَأينا مِنْ بَعْضِهِم مَنْ كَانَ مجُدًّا في الطَّلَبِ والطَّاعَةِ؛ حَتَّى إذا أوْحَى إلَيه شَيَاطِينُ الإنْسِ والجِنِّ بأهَمِّيَةِ هَذِه الشَّارَاتِ والألْقَابِ ... إذا بِهِ يُصْبِحُ فَاتِرَ العَزِيمَةِ، ذَابِلَ الطَّاعَةِ، قَلِيلَ الاجْتِهَادِ والمُجَاهَدَةِ؛ أمَّا إذا سَألْتَ عَنْ الزهد وجَلَدِ الطَّاعَةِ، وهَيبَةِ أهْلِ العِلْمِ ووَرَعِهِم: فَلا تَسْأَلْ؟ فتِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ، إلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي، وقَلِيلٌ مَا هُم! وهَكَذَا حَتَّى أصبَحَ أهْلُ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ في هَامِشِ الذَّاكِرَةِ الإعْلامِيَّةِ، وفي زَوَايا الجَامِعَاتِ العِلْمِيَّةِ، وذَلِكَ (للأسَفِ) باسْمِ: التَّخَصُّصِ الجَامِعِيِّ! * * * ¬

_ (¬1) كـ (الدكْتُوْرَاه)، و (الماجِسْتِير)، و (البَكَلَرْيُوس)، وغَيرِها.

ثَانيًا: اعْلَمْ أنَّ فَهْمَ عُلُوْمِ الآلَةِ عَلَى قِسْمَينِ: القِسْمُ الأوَّلُ: فَهْمٌ وَاجِب، وهُوَ مَا يَسْقُطُ بِه الطَّلَبُ وتَبْرَأُ بِه الذِّمَّةُ، وهُوَ القَدْرُ الَّذِي يَشْتَرِكُ فيهِ عَامَّةُ أهْلِ العِلْمِ، وهَذَا القِسْمُ لا يجوْزُ لطَالِبِ العِلْمِ القُصُوْرُ فيه ... كما أنَّه سِلاحُ طُلابِ العِلْمِ في التَّعَامُلِ مَعَ كُتُبِ أهْلِ العِلْمِ الفِقْهِيَّةِ مِنْهَا والعَقِيدَةِ والحَدِيثِ والتَّفْسِيرِ وغَيرِها، فبِهَذا القَدْرِ مِنْها يَسْتَطِيعُ مَعْرِفَةَ لُغَةِ واصْطِلاحِ القَوْمِ في فُنُوْنِهِم، ومَا زَادَ عَلَى هَذا الحَدِّ فَهُو فُضْلَةٌ لا يَحْتَاجُه إلَّا مَنْ رَامَ مَرَاتِبَ الاجْتِهَادِ! القِسْمُ الثانِي: فَهْمٌ مُسْتَحَبٌّ، وهُو الإحَاطَةُ بَغَالِبِ عُلُوْمِ الآلَةِ المُخْتَصَرَاتِ مِنْها والمُطَوَّلاتِ؛ بِحَيثُ لا يَتْرُكُ مِنْها شَارِدَةً ولا وَارِدَةً إلَّا وَقَدْ أحَاطَ بِها في الجُمْلَةِ، وهَذا القِسْمُ في حَقِيقَتِه هُوَ مِنْ مَسَالِكِ طُلابِ مَنَازِلِ الاجْتِهَادِ، مِمَّنْ عَلَتْ هِمَّتُهُم وتَاقَتْ نُفُوْسُهُم لِيقِفُوا في مَصَافِ أئِمَّةِ الاجْتِهَادِ، كالأئِمَّةِ الأرْبَعَةِ وغَيرِهِم. * * * يَقُوْلُ ابنُ القَيَّمِ رَحِمَه اللهُ فيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ والكَلامِ عَنْه، مَا ذَكَرَهُ في كِتَابِهِ "مِفْتَاحِ دَارِ السَّعَادَةِ" (1/ 485): "ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُوْلُ: إنَّ عُلُوْمَ

العَرَبِيَّةِ مِنَ التَّصْرِيفِ، والنَّحْوِ، واللُّغَةِ، والمَعَاني، والبَيَانِ، ونَحْوِها تَعَلُّمُها فَرْضُ كِفَايَةٍ لِتَوَقُّفِ فَهْمِ كَلامِ اللهِ ورَسُوْلِه عَلَيها؟! ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُوْلُ: تَعَلُّمُ أصُوْل، الفِقْهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ؛ لأنه العِلْمُ الَّذِي يُعْرَفُ به الدَّلِيلُ ومَرْتبتُه، وكَيفيةُ الاسْتِدَلالِ؟! ثُمَّ قَالَ رَحِمَه اللهُ: إنَّ الفَرْضَ الَّذِي يَعُمُّ وُجُوبه كُلَّ أحَدٍ: هُوَ عِلْمُ الإيمانِ وشَرَائِعِ الإسْلامِ، فَهَذا هُوَ الوَاجِبُ، وأمَّا مَا عَدَاهُ فإنْ تَوَقَّفَتْ مَعْرِفته عَلَيه فَهُو مِنْ بَابِ مَا لا يَتِمُّ الوَاجِبُ إلَّا بِه، ويَكُوْنُ الوَاجِبُ مِنْه القَدْرَ المُوْصِلَ إلَيه دُوْنَ المسَائِلِ الَّتِي هِيَ فَضْلَةٌ لا يَفْتَقِرُ مَعْرِفَةُ الخِطَابِ وفَهْمُه إلَيها. فَلا يُطْلَقُ القَوْلُ بأنَّ عِلْمَ العَرَبِيَّةِ وَاجِبٌ عَلى الإطْلاقِ؛ إذْ الكَثِيرُ مِنْه، ومِنْ مَسَائِلِه وبُحُوْثِه لا يَتَوَقَّفُ فَهْمُ كَلامِ اللهِ ورَسُوْلِه عَلَيها، وكَذا أُصُوْلُ الفِقْهِ؛ القَدْرُ الَّذِي يَتَوَقَّفُ فَهْمُ الخِطَابِ عَلَيهِ مِنْه تَجِبُ مَعْرِفَتُه دُوْنَ المسَائِلِ المُقَرَّر والأبْحَاثِ الَّتِي هِيَ فَضْلَةٌ؛ فَكَيفَ يُقَالُ إنَّ تَعَلُّمَها وَاجِبٌ؟! وبالجُمْلَةِ؛ فالمطْلُوْبُ الوَاجِبُ مِنَ العَبْدِ مِنَ العُلُوْمِ والأعْمالِ مَا إذا تَوَقَّفَ عَلى شَيءٍ مِنْهَا؛ كَانَ ذَلِكَ الشَّيءُ وَاجِبًا وُجُوْبَ الوَسَائِلِ، ومَعْلُوْمٌ أنَّ

ذَلِكَ التَّوَقُّفَ يَخْتَلِفُ باخْتِلافِ الأشْخَاصِ والأزْمَانِ والألْسِنَةِ والأذْهَانِ، فَلَيسَ لِذَلِكَ حَدٌّ مُقَدَّرٌ، واللهُ أعْلَمُ" انْتَهَى. ويَقُوْلُ الإمَامُ الذَّهَبِيُّ رَحِمَه اللهُ أيضًا في كِتَابِهِ "زَغَلِ العِلْمِ" (41) مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ والكَلامِ عَنْه: "أُصُوْلُ الفِقْهِ لا حَاجَةَ لَكَ بِه يَا مُقَلِّدُ، ويَا مَنْ يَزْعُمُ أنَّ الاجْتِهَادَ قَدْ انْقَطَعَ! ومَا بَقِيَ مُجْتهِدٌ ولا فَائِدَةَ في أُصُوْلِ الفِقْهِ، إلَّا أنْ يَصِيرَ مُحَصِّلُهُ مُجُتهِدًا بِه، فإذَا عَرَفَه ولَمْ يَفُكَّ تَقْلِيدَ إمَامِهِ لَمْ يَصْنَعْ شَيئًا؛ بَلْ أتْعَبَ نَفْسَه ورَكَّبَ عَلَى نَفْسِه الحُجَّةَ في مَسَائِلَ، وإنْ كَانَ يَقْرَأُ لِتَحْصِيلِ الوَظَائِفِ وليقالَ، فَهَذَا مِنَ الوَبَالِ، وهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الخَبَالِ" انْتَهَى. * * * فانْظُرْ يَا رَعَاكَ اللهُ إلى قَوْلِه: "ومَا بَقِيَ مُجْتهِدٌ ولا فَائِدَةَ في أُصُوْلِ الفِقْهِ، إلَّا أنْ يَصِيرَ مُحَصِّلُهُ مُجْتهِدًا بِه"، لتَعْلَمَ أنَّ كَثِيرًا مِنْ أهْلِ التَّخَصُّصِ في أُصُوْلِ الفِقْهِ قَدْ غَالَوْا وكَابَرُوا هَذَا العِلْمَ، وهَمْ مَعَ هَذَا لا يَتَجَاوَزُنَ في قِرَاءاتهم كُتُبَ الفِقْهِ المُدَوَّنَةِ، هَذَا إذَا عَلِمْنا أنَّ الاجْتِهَادَ المُطْلَقَ في زَمَانِنا مُنْدَثِرٌ بَينَ أهْلِه مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ؛ فَلا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا بالله!

ومِنْ خِلالِ مَا مَضى؛ نَسْتَطِيعُ أنْ نَقِفَ عَلَى بَعْضِ الأخْطَاءِ العِلْمِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ حَصِيلَةَ المتخَصِّصِينَ في عُلُوْمِ الآلَةِ باخْتِصَارٍ: 1 - أنَّ التَّخَصُّصَ والتَّفَنُّنَ في عُلُوْمِ الآلَةِ لا يَكُوْنُ إلَّا لمِنْ رَامَ دَرَجَةَ الاجْتِهَادِ، وإلَّا وَقَعْنَا في حَيصَ بَيصَ، وهَذَا لا نَجِدُه عِنْدَ أهْلِ التَّخَصُّصِ مِنْ أهْلِ زَمَانِنا! 2 - أنَّ كَثِيرًا مِنَ المُتخَصِّصِينَ في أُصُوْلِ الفِقْهِ (مَثَلًا) مِنْ أهْلِ مِصْرِنا في هَذِه البِلادِ (حَفِظَها اللهُ مِنْ كُلِّ سُوْءٍ) نرَاهُم لا يَقْرَؤُوْنَ مِنْ كُتُبِ الفِقْهِ غَالِبًا إلَّا كُتُبَ الفِقْهِ الحَنْبَلِيَّةِ ابْتِدَاءً مِنْ "زَادِ المُسْتَقْنِعِ"، وانْتِهَاءً بـ "المُغْنِي"، ومَهْمَا اتَّسَعَتْ قِرَاءتهم لكُتُبِ الفِقْهِ الأُخْرَى، فإنَّهم أبْعَدُ مَا يَكُوْنُوْنَ عَنْ مَرَاتِبِ الاجْتِهَادِ. * * * وهَذَا في حَدِّ ذَاتِه يُعْتبر تَضْيِيعًا للأوْقَاتِ، وتَبْدِيدًا للطَّاقَةِ لَدَى طُلابِ التَّخَصصِ؛ حَيثُ نَجِدُهُم يَسْتكْثِرُوْنَ مِنْ قِرَاءةِ كُتُبِ "أُصُوْلِ الفِقْهِ" سَوَاءٌ عِنْدَ الأحْنَافِ، أو المَالِكِيَّةِ، أو الشَّافِعِيَّةِ، أو الحَنَابِلَةِ، ورُبَّما جَمَعُوْا بَينَها، كُلُّ هَذَا (للأسَفِ) عَلَى حِسَابِ الفِقْهِ الشَّرْعِيِّ العَامِّ، والخِلافِ العَالِي!

ثَالثًا: إذَا عَلِمْنا أنَّ عُلُوْمَ الغَايَةِ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، وأنَّ عُلُوْمَ الآلَةِ مِنْ الوَسَائِلِ، والحَالَةُ هَذِه كَانَ مِنَ الخَطأ البَيِّن، والفَسَادِ الوَاضِحِ أنْ نُغَلِّبَ جَانِبَ الوَسَائِلِ عَلَى المَقَاصِدِ، وإلَّا كنَّا مُغَالِينَ مُتكلِّفينَ! * * * ومَا أحْسَنَ مَا ذَكَرَهُ العَلامَةُ ابنُ خُلْدُون رَحِمَهُ اللهُ في كِتَابِهِ "المُقَدِّمةِ" (1/ 622): "وأمَّا العُلُوْمُ الَّتِي هِيَ آلَةٌ لِغَيرِها: مِثْلُ العَرَبِيَّةِ والمَنْطِقِ وأمْثَالهِما؛ فَلا يَنْبَغِي أنْ يُنْظَرَ فيها إلَّا مِنْ حَيثُ هِي آلَةٌ لِذَلِكَ الغَيرِ فَقَطُ، ولا يُوَسَّعُ فيها الكَلامُ، ولا تُفَرَّعُ المَسَائِلُ؛ لأنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُ بها عَنِ المَقْصُوْدِ، فكُلَّمَا خَرَجَتْ عَنِ المَقْصُوْدِ، صَارَ الاشْتِغَالُ بِهَا لَغْوًا، ورُبَّمَا يَكُوْنُ ذَلِكَ عَائِقًا عَنْ تَحْصيلِ العُلُوْمِ المَقْصُوْدَةِ بالذَّاتِ لِطُوْلِ وَسَائِلِها؛ مَعَ أنَّ شَأنَها أهَمُّ، والعُمُرُ يَقْصُرُ عَنْ تَحْصِيلِ الجَمِيعِ عَلَى هَذِه الصوْرة، فَيَكُوْنُ الاشْتِغَالُ بِهَذِه العُلُوْمِ الآلِيَّةِ تَضْيِيعًا للعُمُرِ وشُغُلًا بِمَا لا يُغْنِي! وهَذَا كَمَا فَعَلَهُ المُتَأخِّرُوْنَ في صِنَاعَةِ النَّحْوِ، وصِنَاعَةِ المَنْطِقِ، لا بَلْ وأُصُوْلِ الفِقْهِ؛ لأنَّهُم أوْسَعُوا دَائِرَةَ الكَلامِ فيها نَقْلًا واسْتِدْلالًا، وأكْثَرُوا مِنَ التَّفَارِيعِ والمَسَائِلِ بِمَا أخْرَجَها عَنْ كُوْنِها آلَةً، ورُبَّما ذَكَرُوا مَسَائِلَ لا حَاجَةَ بِها في العُلُوْمِ المَقْصُوْدَةِ بالذَّاتِ، فإذَا قَطَعُوا العُمُرَ في تَحْصِيلِ الوَسَائِلِ

فَمَتَى يَظْفَرُوْنَ بالمَقَاصِدِ؟ فلِهَذَا يَجِبُ عَلَى المُعَلِّمِينَ لِهَذِه العُلُوْمِ الآلِيَّةِ أنْ لا يَسْتَبْحِرُوا في شَأنِهَا، ولا يَسْتكثِرُوا مِنْ مَسَائِلِها، ويُنبِّهُ المُتَعَلِّمَ عَلَى الغَرَضِ مِنْها" انْتَهَى بتَصَرُّفٍ واخْتِصَارِ. * * * رَابعًا: أنَّ العُلاقَةَ بَينَ عُلُوْمِ الغَايَةِ والآلَةِ عُلاقَةٌ طَرْدِيَّة، لا سِيَّما مِنْ جِهَةِ الوَسَائِلِ، فعِنْدَئِذٍ كُلَّمَا ازْدَادَ طَالِبُ العِلْمِ مِنْ عُلُوْمِ الآلَةِ، كَانَ عَلَيه أنْ يَزْدَادَ مِنْ عُلُوْمِ الغَايَةِ ضَرُوْرَةً، وإلَّا كَانَ هَذَا تَنَاقُضًا بَيِّنًا، وخَلَلًا وَاضِحًا في الطَّلَبِ والقَصْدِ. ومِنْه نَعْرِفُ حِينَئِذٍ: الحِنْثَ العَظِيمَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ يَتَنَاقَلْهُ أهْلُ التَّخَصُّصِ العِلْمِيِّ هَذِه الأيَّامِ، يَوْمَ نَرَاهُم لا يَتَقَيَّدُوْنَ بِهَذِه القَاعِدَةِ الطَّرْدِيَّةِ بَينَ عُلُوْمِ الغَايَةِ والآلَةِ، فتجِدُ أحَدَهُم قَدْ طَالَ بِهِ العُمُرُ في تَحْصِيلِ: أُصُوْلِ الفِقْهِ (مَثَلًا) وهُوَ لا يُحْسِنُ مِنَ الفِقْهِ إلَّا مَا يُحْسِنُه طُلابُ العِلْمِ المُبْتَدِئِينَ، أو مُقَلِّدُو المَذْهَبِ. وهَذَا الصَّنِيع مِنْهُم مِمَّا يَزِيدُنا يَقِينًا بأنَّ التَّخَصُّصَ العِلْمِيَّ: زَغَلٌ في العِلْمِ، ودَسِيسَةٌ في الطَّلَبِ، واللهُ المُوَفِّقُ والهادِي إلى سَوَاءِ السَّبِيلِ! * * *

وآخَرُوْنَ مِنْ وَرَائِهِم قَدْ تَخصَّصُوا في التَّخَصُّصِ (؟!)، حَيثُ تَجِدُ بعْضَهَم قَدْ تَخصَّصَ في عُلُوْمِ القُرانِ مَثْلًا، إلَّا أنَّه لا يُحسِنُ مِنْ عُلُومِ القُرْانِ إلَّا: دِرَاسَةَ مَنَاهِجِ المؤلِّفِينَ في التَّفْسِيرِ، وطَرَائِقِ التَّفْسير الصَّحِيحِ مِنْها والبَاطِلِ، وعِلْمِ القِرَاءاتِ، وإعْجَازِ القُرآنِ، ولرُبَّما لَيسَ لبَعْضِهِم مِنَ العِلْمِ إلَّا تحْقِيقَ مَخْطُوْطَةٍ لبَعْضِ عُلُوْمِ القُرانِ ... كُلُّ ذَلِكَ للأسَفِ كَانَ مِنْهم عَلى حِسَابِ فَهْمِهِم وعِلْمِهِم لتَفْسِيرِ القُرآنِ بخَاصَّةٍ، نَاهِيكَ عَلى حِسَابِ عُلُوْمِ الشَّرِيعَةِ بعَامَّةٍ! * * * أمَّا محُدِّثُو زَمَانِنا فَأمرٌ لا يُنَادَى وَليدُه، فَأكثرهُم للأسَفِ إلَّا مَا رَحِمَ اللهُ، لا يُحسِنُ مِنْ عُلُومِ الحدِيثِ إلَّا: مُصْطَلَحَ الحَدِيثِ، ابتِدَاءً بالبَيقُونيَّةِ، ومُرُورًا بنُخْبةِ الفِكْرِ، وانتِهَاءً بمُقَدِّمَةِ ابنِ الصَّلاحِ، ومَا حَامَ في حِماهَا، مِنْ شَرْحٍ، واخْتِصَارٍ، وتَقْييدٍ وتَوضِيحٍ، ونُكتٍ، واسْتِدْرَاكٍ، ونَظْمٍ ... ! إلَخْ. وقَدْ زَادَ الطِّينَ بِلَّةً، أنَّ أكثَرَ مُحَدِّثِي زَمَانِنا (زَعَمُوا) لَيسَ لهُم مِنْ عُلُوْمِ الحدِيثِ: إلَّا تَخرِيجَ الحدِيثِ، ودِرَاسَةَ مَنَاهِجِ المُحَدِّثِينَ في كُتُبِهِم، ولرُبَّما لَيسَ لبَعْضِهِم مِنَ العِلْمِ إلَّا تحْقِيقَ مَخْطُوْطَةٍ لبَعْض عُلُوْمِ الحَدِيثِ ...

العائق الخامس

كُلُّ ذَلِكَ للأسَفِ كَانَ مِنْهم عَلى حِسَابِ فَهْمِهِم وعِلْمِهِم وحِفْظِهِم للحَدِيثِ النَّبويِّ بخَاصَّةٍ، نَاهِيكَ عَلى حِسَابِ عُلُوْمِ الشَّرِيعَةِ بعَامَّةٍ! ونَفَرٌ آخَرُ مِنْهُم ممَّنْ مَسَّتْهُ وَخْزَاتُ التَّخَصُّصِ: قَدْ أشْغَلَ نَفْسَه وطُلابَه ببَعْضِ الدَّوْرَاتِ الإدَارِيَّةِ، والبَرامِجِ العَصِبيَّةِ، واللهُ المُسْتَعَانُ عَلى مَا يَصفُوْنَ! * * * * أما العائِقُ الخامِسُ: فَهُوَ فُضُوْلُ المُبَاحَاتِ، ومَا أدْرَاكَ مَا فُضُوْلُ المُبَاحَاتِ؟ إنَّهَا المُهْلِكَاتُ، فإذَا كَانَ المَاءُ والنَّارُ لا يَجْتَمِعَانِ، فكَذِلَكَ طَلَبُ العِلْمِ لا يَجْتَمِعُ مَعَ فُضُوْلِ المُبَاحَاتِ، ولا يَكَادُ! وحَسْبُكَ مِنْها: فُضُوْلُ النَّظَرِ، والكَلامِ، والطَّعامِ، والنوْمِ، ومُخَالَطَةِ النَّاسِ، فإنَّ التَّوَسُّع في هَذِه المُبَاحَاتِ بَرِيدُكَ يَا طَالِبَ العِلْمِ إلى الانْقِطَاعِ أو الفُتُوْرِ، كَما أنَّها مَجْلَبَةٌ للمَعَاصِي! فَيَا للأَسَفِ!؛ لَقَدْ تَوَسَّع كَثِيرٌ مِنْ طُلابِ العِلْمِ مِنْ أهْلِ زَمَانِنا في فُضُوْلِ المُبَاحَاتِ؛ مِمَّا أبْعَدَهُم عَنِ التَّحْصِيلِ، ورُبَّمَا انْقَطَعَ بِهِم الطَّلَبُ، وهُم بَعْدُ لَمْ يَتَغَرْغَرُوا بالعِلْمِ!

فالحذَرَ الحذَرَ يَا طَالِبَ العِلْمِ مِنْ فُضُوْلِ المُبَاحَاتِ، يَقُوْلُ ابنُ الجوْزِي رَحِمَهُ اللهُ في "صَيدِ الخاطِرِ" (214): "واعْلَمْ أنَّ فَتْحَ بَابِ المُبَاحَاتِ رُبما جَرَّ أذَىً كَثِيرًا في الدِّينِ! ". وَيقُوْلُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ في "بَدَائِعِ الفَوَائِدِ" (2/ 229): "إمْسَاكُ فُضُوْلِ النَّظَرِ، والكَلامِ، والطَّعامِ، ومُخَالَطَةِ النَّاسِ؛ فإنَّ الشَّيطَانَ إنَّمَا يَتَسَلَّطُ عَلَى ابنِ آدَمَ، وَينَالُ غَرَضَه مِنْه مِنْ هَذِه الأبوَابِ الأرْبَعَةِ! ". وقَالَ أيضًا رَحِمَهُ اللهُ في "الفَوَائِدِ" (146): "قَسْوَةُ القَلْبِ في أرْبَعَةِ أشْيَاءٍ إذَا جَاوَزَتْ قَدْرَ الحاجَةِ: الأكْلُ، والنَّوْمُ، والكَلامُ، والمُخَالَطَةُ! ". * * * فكَانَ مْنَ خَالِصَةِ الذِّكْرَى أنْ يَحْذَرَ طَالِبُ العِلْمِ مِنْ فُضُوْلِ المُبَاحَاتِ، وأنْ يَطْوِيَ بِسَاطَهَا طَيًّا، لا سِيَّما ممَّنْ رَامَ مَرَاتِبَ العُلَماءِ، ومَنَازِلَ الحُكَماءِ! فاحْذَرْ يا طَالِبَ العِلْمِ: أنْ يَمَسَّكَ قَرْحُ التَّرفِ والسَّرَفِ؛ فَإنَّهُما مَذْمُوْمَانِ شَرْعًا وعُرْفًا، وإيَّاكَ والتَّنَعُّمَ؛ فَإنَّه يوْرِثُ التَّخَنُّثَ (عَيَاذًا بالله!)، فَإنِّي رَأيتُ ثَلاثتَهَا مجَامِعَ الفُضُوْلِ والتَّبَسُّطِ، ومَنَابعَ التَّرهُّلِ والرِّقَّةِ، فاحْذَرْ،

وإلّا فالطَّرِيقُ مَسْدُوْدَةٌ والبُلْغَةُ مَفْقُوْدَةٌ، فَدْوْنَ ما تَتَمَنَّى خَرْطُ القَتَادِ! * * * فَهَذِه انْتِقَاءَاتٌ مختصَرَاتٌ مِنْ مَأثُوْرَاتِ سَلَفِنَا الصَّالِحِ، تَأخُذُ بحُجَزِ طُلابِ العِلْمِ مِنْ مُوَاقَعَةِ: فُضُوْلِ الكَلامِ، والطَّعامِ، والنَّظَرِ، والنَّوْمِ، والمُخَالَطَةِ، فتأمَّلها فإنَّها عَزِيزَة! * فأما فُضُوْلُ الكَلامِ: فَقَدْ قَالَ تَعَالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]. وقَدْ نَصَّ كَثِير مِنَ السَّلَفِ عَلى أنَّ المَلَكَ يَكْتُبُ كُلَّ شَيءٍ مما يَقُوْلُهُ العَبْدُ: خَيرًا كَانَ أو شَرًّا أو مُبَاحًا! وإلَيهِ ذَهَبَ ابنُ عَبَّاسٍ، والحَسَنُ البَصْرِيُّ، وقَتَادَةُ السُّدُوْسِيُّ وغَيرُهُم. يَقُوْلُ ابنُ عَبَّاسِ رَضِي الله عَنْهُما في مَعْنَى هَذِهِ الآيَةِ: "يُكْتَبُ كُلُّ مَا تكلَّمَ بِه مِنْ خَيرٍ أو شَرٍّ؛ حَتَّى إنَّه ليُكْتَبُ قَوْلُهُ: أكَلْتُ، شَرِبْتُ، ذَهَبْتُ، جِئْتُ رَأيتُ".

وقَدْ ذُكِرَ أنَّ الإمَامَ أحمَدَ رَحِمَهُ الله كَانَ يَئِنُّ في مَرَضِهِ، فَبَلَغَهُ عَنْ طَاوُوْسَ أنه قَالَ: يَكْتُبُ المَلَكُ كُل شَيءٍ حَتَّى الأنينَ، فَلَمْ يَئِنْ أحمْدُ، حَتَّى مَاتَ رَحِمَهُ الله" (¬1). وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله واليَوْمِ الآخِرِ، فلْيَقُلْ خَيرًا، أو ليَصْمُتْ" (¬2) مُتَّفَق عَلَيهِ. وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "كَفَى بالمرْءِ كَذِبًا أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ" (¬3) مُسْلِم في المُقَدِّمَةِ. وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ" (¬4) أحمَدُ والتِّرمذِيُّ. وهَذَا ابنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ الله يَسُوْقُ لَنَا في شَرْحِ هَذَا الحَدِيثِ دُرَرًا غَوَالي، إذْ يَقُوْلُ في "جَامِعِ العُلُوْمِ والحِكَمِ" (1/ 287): "ومَعْنَى هَذَا ¬

_ (¬1) انْظُرْ "تَفْسِيرَ القُرْآنِ العَظِيمِ" لابنِ كَثِير (6/ 98). (¬2) أخْرَجَهُ البُخارِيُّ (6018)، ومُسْلِم (47). (¬3) أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (5). (¬4) أخْرَجَهُ أحمَدُ (1/ 201)، والتِّرمذِيُّ (2318)، وهُوَ صَحِيحٌ.

الحدِيثِ أنَّ مِنْ حُسْنِ إسْلامِهِ تَرْكَ ما لا يعْنيهِ: مِنْ قَوْلٍ أو فِعْلٍ، واقْتَصَرَ عَلى مَا يَعْنيهِ مِنَ الأقْوَالِ والأفْعَالِ. ومَعْنَى: يَعْنيهِ أنَّه تَتَعَلَّقُ عِنَايَتُهُ بِه، ويَكُوْنُ مِنْ مَقْصدِه ومَطْلُوْبِهِ، والعِنَايَةُ شِدَّةُ الاهْتِمامِ بالشَّيءِ؛ يُقَالُ: عَنَاهُ يَعْنيهِ إذَا اهْتَمَّ بِهِ وطَلَبَهُ، ولَيسَ المُرَادُ أنَّه يَتْرُكُ مَا لا عِنَايَةَ لَه بِه ولا إرَادَةً بحُكْمِ الهَوَى وطَلَبِ النَّفْسِ؟! بَلْ بِحُكْمِ الشَّرْعِ والإسْلامِ، ولهذَا جَعَلَهُ مِنْ حُسْنِ الإسْلامِ" انْتَهَى. * * * ومِنْ بَابَةِ الحذَرِ مِنْ فُضُوْلِ الكَلامِ؛ مَا ذَكَرَتْهُ خَوْلَةُ بِنْتُ قَيسٍ الأنصَارِيَّةُ رَضِيَ الله عَنْهَا، قَالَتْ: جَاءنَا رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ الله، بَلَغَنِي عَنْكَ أنَّكَ تُحَدِّثُ أنَّ لَكَ يَوْمَ القِيَامَةِ حَوْضًا مَا بَينَ كَذَا إلى كَذَا؟ قَالَ: "أجَلْ، وأحَبُّ النَّاسِ إليَّ أنْ يَرْوَى مِنْهُ قَوْمُكِ"، قَالَتْ: فَقَدَّمْتُ إلَيْهِ بُرْمَةً (قِدْرٌ مِنْ حَجَرٍ) فِيهَا خُبْرَةٌ -أو خَزِيرَةٌ- (طَعَامٌ مِنْ لحْمٍ) فَوَضَعَ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ في البُرْمَةِ ليَأكُلَ، فاحْتَرَقَتْ أصَابِعُهُ، فَقَالَ: "حَسِّ"،

(كَلِمَةُ تَوَجُّعٍ مما أصَابَهُ)، ثُمَّ قَالَ: "ابنُ آدَمَ إنْ أصَابَهُ البَرْدُ، قَالَ حَسِّ، وإنْ أصَابَهُ الحَرُّ، قَالَ: حَسِّ" (¬1) أحمَدُ. فَانْظُرْ؛ إلى كَرَاهَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - منْ فُضُوْلِ الكَلامِ، ومَا لا فَائِدَةَ فِيهِ، ولَوْ كَانَ تَأفُّفًا في تَوَجُّعٍ! بَلْ مَا فَائِدَةُ قَوْلِكَ يا طَالِبَ العِلْمِ: "حَسّ"، عِنْدَ قَرْصِ بَرْدٍ، أو إزْعَاج حرٍّ؟ فاللَّهُمَّ ارْحَمْنَا، آمِينَ! * * * قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِي الله عَنْهُ: "رَحِمَ الله امْرَأً أمْسَكَ فَضْلَ القَوْلِ، وقَدَّمَ فَضْلَ العَمَلِ" (¬2). وقَدْ كَانَ مَالِكُ بنُ آنسٍ رَحِمَهُ الله يُعِيبُ كَثْرَةَ الكَلامِ، ويَقُوْلُ: "لا يُوْجَدُ (فُضُوْلُ الكَلامِ) إلَّا في النِّسَاءِ، والضُّعَفَاءِ! " (¬3)، أي: ضُعَفَاءَ الرِّجَالِ في الدِّينِ، أو العَقْلِ. ¬

_ (¬1) أخْرَجَهُ أحمَدُ (45/ 296)، ورِجَالُه رِجَالُ الصَّحِيحِ. (¬2) انْظُرْ "عُيُوْنَ الأخْبَارِ" لابنِ قتيبَةَ (1/ 380). (¬3) انْظُرْ "الآدَابَ الشَّرعِيَّةَ" لابنِ مُفْلِح (1/ 66).

ثُمَّ اعْلَمْ أنَّ فُضُوْلَ الكَلامِ في قَانُوْنِ السَّلَفِ: هُوَ كُلُّ كَلِمَةٍ تَخرُجُ مِنَ العَبْدِ لَيسَتْ مِنَ الفَائِدَةِ في شَيءٍ، وهَذَا مَا ذَكَرَهُ عَطَاءُ بنُ أبي رَبَاحٍ رَحِمَهُ الله، إذْ يَقُوْلُ: "كَانُوا (السَّلَفُ) يَكْرَهُوْنَ فُضُوْلَ الكَلامِ، وكَانُوا يَعُدُّوْنَ فُضُوْلَ الكَلامِ: مَا عَدَا كِتَابَ الله أنْ تَقْرَأهُ، أو أمْرًا بالمعْرُوْفِ أو نَهيًا عَنْ مُنْكَرٍ، أو أنْ تَنْطِقَ في مَعِيشَتِكَ بِما لابُدَّ لَكَ مِنْه! " (¬1). * * * ومِنْ محَاسِنَ غُبَّارَاتِ الزَّمَنِ الأوَّلِ: أنَّ الرَّبِيع بنَ خُثيمٍ رَحِمَهُ الله؛ حِينَما جَاءتْهُ ابْنَتُهُ وعِنْدَهُ أصْحَابُه، فَقَالَتْ: يا أبتَاهُ أذْهَبُ ألْعَبُ؟ فَقَالَ: لا! فَقَالَ القَوْمُ: يَا أبا يَزِيدَ ائْذَنْ لها تَلْعَبُ! قَالَ: يُوْجَدُ ذَلِكَ في صَحِيفَتِي أنِّي قُلْتُ لها: الْعَبِي، ولَكِنْ اذْهَبِي فَقُوْلي خَيرًا! (¬2) انْتَهَى. قُلْتُ: هَذَا سَنَدٌ عَالٍ، ووَرَعٌ عَالٍ، لكِنَّ الله عَفُوٌّ كَرِيم! * * * أمَّا إنْ سَألْتَ عَنْ هَلاكِ النَّاسِ، فَهُو ما ذَكَرَهُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ رَحِمَهُ الله: ¬

_ (¬1) انْظُرْ "الآدَابَ الشَّرعِيةَ" لابنِ مُفْلِح (1/ 62). (¬2) انْظُرْ "الزُهْدَ" للإمَامِ أحمَدَ (461).

"إنَّما أهْلَكَ النَّاسَ: فُضُوْلُ الكَلامِ، وفُضُوْلُ المَالِ! " (¬1). أمَّا عَنْ قَسْوَةُ القَلْبِ، فكَما ذَكَرَهُ الفُضَيلُ بنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ الله؛ أنَّه قَالَ: "شَيئَانِ يُقَسِّيَانِ القَلْبَ: كَثْرَةُ الكَلامِ، وكَثْرَةُ الأكْلِ! " (¬2). * * * * أمَّا فُضُوْلُ الطعَامِ: فكَما قَالَ تَعَالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]. قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: جَمَعَ الله الطِّبَّ كُلَّهُ في نِصْفِ آيَةٍ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}. فأمَّا الإسْرَافُ المَذْمُوْمُ في الآيَةِ فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيخُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ الله في "تَفْسِيره" (249)، إذْ يَقُوْلُ: " {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا}: أي ممَّا رَزَقَكُمُ الله مِنَ الطَّيَباتِ، {وَلَا تُسْرِفُوا}: في ذَلِكَ، والإسْرَافُ: إمَّا أنْ يَكُوْنَ بالزِّيَادَةِ ¬

_ (¬1) انْظُرْ "الآدَابَ الشَّرعِيَّةَ" لابنِ مُفْلِحٍ (3/ 261). (¬2) انْظُرْ "رَوْضَةَ العُقَلاءِ" لابنِ حِبَّانَ (43).

عَلى القَدْرِ الكَافي والشَّرَه في المأكُوْلاتِ الَّتِي تَضُرُّ بالجِسْمِ، وإمَّا يَكُوْنَ بزِيَادَةِ التَّرَفُّهِ والتَّنَوُّعِ في المأكَلِ والمَشْرَبِ واللِّبَاسِ، وإمَّا بتَجَاوُزِ الحَلالِ إلى الحَرَامِ" انْتَهَى. وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابنِ آدَمَ أكَلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فإنْ كَانَ لا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لطَعامِهِ، وثُلُث لشَرَابِهِ، وثُلُث لنَفَسِهِ" (¬1) أحمَدُ والتِّرمذِيُّ. * * * ولا تَحْسِبَنَّ يَا رَعَاكَ الله أنَّ مَا كَانَ عَلَيهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصْحَابُه في حَيَاتهمْ مِنْ طُوْلِ جُوْعٍ، وقِلَّةِ زَادٍ: بأنَّهُم أقَلُّ فَضْلٍ مِنْ غَيرِهِم، وأنْقَصٌ حَالٍ ممَنْ دُوْنَهُم؟! كَلَّا! بَلْ كَانُوا في أفْضَلِ حَالٍ، وأكْمَلِ مَالٍ، وهَذَا مَا ذَكَرَهُ ابنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ الله في "جَامِعِ العُلُوْمِ والحِكَمِ" (2/ 475)، إذْ يَقُوْلُ عَنْهُم: "كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصْحَابُه يجوْعُوْنَ كَثِيرًا، ويَتَقَلَّلُوْنَ مِنْ أكْلِ الشَّهَوَاتِ، وإنْ كَانَ ذَلِكَ لعَدَمِ وُجُوْدِ الطَّعَامِ؛ إلَّا أنَّ الله لا يخْتَارُ لرَسُوْلِهِ إلَّا أكْمَلَ الأحْوَالِ ¬

_ (¬1) أخْرَجَهُ أحمَدُ (4/ 132)، والتِّرمذِيُّ (2380)، وهُوَ صَحِيحٌ.

وأفْضَلِها؛ ولهذَا كَانَ ابنُ عُمَرَ يَتَشَبَّهُ بِهِم في ذَلِكَ مَعْ قُدْرَتهِ عَلى الطَّعَامِ، وكَذَلِكَ أبُوهُ مِنْ قَبْلِهِ" انْتَهَى. وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "خَيرُ القُرُوْنِ قَرْني، ثُمَّ الْذِينَ يَلُونهُم، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُوْنَهُم، ثُمَّ يَأتي قَوْمٌ يَشْهَدُوْنَ ولا يُسْتَشْهَدُوْنَ، ويَنْذُرُوْنَ ولا يُوْفُوْنَ، ويَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمنُ" (¬1) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. لِذَا كَانَ السَّلَفُ يحذِّرُوْنَ مِنَ السِّمْنَةِ والبِطْنَةِ، وهَذَا مَا ذَكَرَه ابنُ رَجَبٍ نَفْسُه (ص 471) عَنْ سَلَمَةَ بنِ سَعِيدٍ قَالَ: "إنْ كَانَ الرَّجُلُ ليُعيَّرُ بالبِطْنَةِ، كَما يُعَيَّرُ بالذَّنْبِ يَعْمَلُهُ". قُلْتُ: هَذا التَّعْيِيرُ فِيما إذَا كَانَ الرَّجُلُ سَبَبًا في سِمْنَتِه؛ لا سِيَّما إذَا كَانَ أكُوْلًا ذَا شَرَهٍ، وإلَّا: لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا! * * * كَما كَانَ السَّلَفُ يَكْرَهُوْنَ أنْ يُرْسِلَ المُسْلِمُ عَنَانَ بَطْنِهِ وَرَاءَ ما يَشْتَهِي ويَهْوَى! وهَذَا مَا ذُكِرَ عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْهُ، أنَّه لمَّا دَخَلَ عَلى ابْنِهِ ¬

_ (¬1) أخْرَجَهُ البُخارِيُّ (2615)، ومُسْلِم (2535).

عَبْدِ الله، وإذَا عِنْدَهُ لحْمٌ، فَقَالَ لَه: مَا هَذَا اللَّحْمُ؟ فَقَالَ: اشْتَهَيتُهُ، قَالَ: أوَ كُلمَّا اشْتَهيتَ شَيئًا أكَلْتَهُ؟ كَفَى بالمرْءِ سَرَفًا أنْ يَأكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَاهُ! (¬1) انْتَهَى. وأبْلَغُ مِنْهُ مَا قَالَهُ أيضًا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْهُ؛ حِينَ خَطَبَ يَوْمًا فَقَالَ: "إيَّاكُمْ والبِطْنَةَ، فإنَّها مَكْسَلَةٌ عَنِ الصَّلاةِ، مُؤذِيَةٌ للجِسْمِ، وعَلَيكُم بالقَصدِ في قُوْتِكِم، فإنَّه أبْعَدُ مِنَ الأشَرِ، وأصَحُّ للبَدَنِ، وأقْوَى عَلى العِبَادَةِ، وأنَّ امْرأً لَنْ يُهْلَكَ حَتَّى يُؤثِرَ شَهْوَتَهُ عَلى دِينهِ! " (¬2). وقَالَ أيضًا عَمْرُو بنُ قَيسٍ رَحِمَهُ الله: "إيَّاكُم والبِطْنَةَ؛ فَإنَّها تُقَسِّي القَلْبَ" (¬3). * * * وهَذَا مَا يُؤكِّدُهُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ الله في كِتَابِهِ البَدِيعِ "بَدَائِعِ الفَوَائِدِ" (2/ 820) إذْ يَقُوْلُ: "وأمَّا فُضُوْلُ الطَّعَامِ فَهْوَ دَاعٍ إلى أنْوَاعٍ كَثِيرةٍ مِنَ الشَّرِّ؛ فإنَّه يحرِّكُ الجوَارِحَ إلى المَعَاصِي، ويُثْقِلُهَا عَنِ الطَّاعَاتِ -وحَسْبُكَ ¬

_ (¬1) انْظُرْ "الزُّهْدَ" للإمَامِ أحمَدَ (181). (¬2) انْظُرْ "الآدَابَ الشَّرعِيَّةَ" لابنِ مُفْلِحٍ (3/ 184). (¬3) انْظُرْ "جَامِعَ العُلُوْمِ والحِكَمِ" لابنِ رَجَبٍ (2/ 471).

بهَذَينَ شَرًّا- فَكَمْ مِنْ مَعْصِيَةٍ جَلَبَهَا الشِّبَعُ وفُضُوْلُ الطَّعَامِ، وكَمْ مِنْ طَاعَة حَالَ دُوْنَها، فَمَنْ وُقِيَ شَرَّ بَطْنِهِ فَقَدْ وُقِيَ شَرًّا عَظِيمًا، والشَّيطَانُ أعْظَمُ مَا يَتَحَكَّمُ مِنَ الإنْسَانِ إذَا مَلأ بَطْنَهُ مِنَ الطَّعَامِ! ثُمَّ قَالَ: ولَوْ لم يَكُنْ في التَّملِّي مِنَ الطَّعَامِ إلَّا أنَّه يَدْعُو إلى الغَفْلَةِ عَنْ ذِكْرِ الله عَزَّ وجَلَّ، وإذَا غَفَلَ القَلْبُ عَنِ الذِّكْرِ سَاعَةً وَاحِدَةً جَثَمَ عَلَيهِ الشَّيطَانُ ووَعَدَهُ ومَنَّاهُ وشَهَّاهُ، وهَامَ بِه في كُلِّ وَادٍ، فإنَّ النَّفْسَ إذا شَبِعَتْ تحَرَّكَتْ وجَالَتْ وطَافَتْ عَلى أبْوَابِ الشَّهَوَاتِ، وإذَا جَاعَتْ سَكَنَتْ وخَشَعَتْ وذَلَّتْ! " انْتَهَى. وكَذَا يَقُوْلُ ابنُ الجَوْزِيُّ رَحِمَهُ الله في "صَيدِ الخَاطِرِ" (451): "فأمَّا التَّوَسُّع في المطَاعِمِ؛ فإنَّه سَبَبُ النَّوْمِ، والشِّبَعُ يُعْمِي القَلْبَ، ويُهْزِلُ البَدَنَ ويُضْعِفُهُ". * * * ومِنْ طَرِيفِ حَبْسِ النَّفْسِ عَنْ فُضُوْلِ الطَّعَامِ، وحَبْسِها عَلى مُلازَمَةِ العِلْمِ، مَا ذَكَرَهُ ابنُ الجَوْزِيُّ رَحِمَهُ الله في "صَيدِ الخَاطِرِ" (278): أنَّ بَعْضَ الفُقَهَاءِ قَالَ: بَقِيتُ سِنِينَ اشْتَهِي الهَرِيسَةَ لا أقْدِرُ عَلَيها؛ لأنَّ وَقْتَ بَيعِهَا وَقْتَ سَماعِ الدَّرْسِ! " انْتَهَى.

اللَّهُمَّ؛ ارْحَمْ ضَعْفَنَا، وأجْبِرْ كَسْرَنَا، ومَنْ يُطِيقُ هَذَا؟ لكنَّنا نَعْلَمُ يَقِينًا أنَّ القَوْمَ في صِدْقٍ مَعَ الله، وحَالٍ مَعَ العِلْمِ مَا يَعْجَبُ المرْءُ مِنْهُ؛ حتَّى إنَّ الرَّجُلَ الصَّادِقَ مِنْ أهْلِ زَمَانِنَا في طَلَبِ العِلْمِ ليَتَصَاغَرُ أمَامَهُمْ، فَكَيفَ السَّبِيلُ والحَالَةُ هَذِه لمَنْ يَطْلُبُ العِلْمَ عَلى فَتْرةٍ في دِرَاسَةٍ، أو جَاهٍ في شُهْرَةٍ، أو مُمارَاةٍ في تَعَالمٍ؟! * * * ومَهْما جَاءَ مِنْ أثر هُنَا؛ إلَّا أنَّ الاعْتِدَالَ والقَصْدَ في الأكْلِ: هُوَ مَطْلَبٌ شَرعِيٌّ، ومَأرَبٌ صِحِّيٌّ، فالغُلُوُّ والتَّفْرِيطُ لَيسَ مِنْ جَادَّةِ سَلَفِنَا الصَّالِحِ، وخَيرُ الأمُوْرِ أوْسَاطُهَا، كَما ذَكَرَه عُمَرُ رَضِيَ الله عَنْهُ وغَيرُهُ. أمَّا مَنِ ابْتُليَ بِشَيءٍ مِنَ البِطْنَةِ أو السِّمْنَةِ؛ فَعَلَيهِ بالحِمْيَةِ الشَّرعِيَّةِ، وذَلِكَ بالصِّيَامِ، أو التَّدَرُّجِ في تَقْلِيلِ الطَّعَامِ والشَّرابِ، وعَدَمِ التَّرسُّلِ في كُلِّ ما تَشْتَهِيهِ النَّفْسُ وتَهوَاهُ! * * * ومَا أخْرَجَهُ الطَّبرانيُّ في "المُعْجَمِ الأوْسَطِ" وغَيرِه: "صُوْمُوا تَصِحُّوا" لا يَصِحُّ بِمَرَّةٍ!

ودع عَنْكَ مَا يُسَمَّى: (بالرِّجِيمِ) الَّذِي تَبَارَى في حَلَبَتِهِ أكْثَرُ أهْلِ زَمَانِنا مَا بَينَ: جَرِيح وطَرِيحٍ، وبَينَ كَالٍ ومُعْتَلٍّ؛ حَيثُ أخَذَ مِنْهُم مَآخِذَ وطَرَائِقَ شَتَّى: سَوَاءٌ في طَرِيقَةِ تَوْظِيفِهِ، أو تَنْوِيعِ أسْمائِهِ؛ حَتَّى إنَّه صَرَفَ كَثِيرًا مِنْ أهْلِ السِّمْنَةِ عَنِ الحِمْيَةِ الشَّرْعِيَّةِ، كَما أنَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ نَصِيبٌ، ونَعُوْذُ بالله مِنَ الشَّيطَانِ (الرَّجِيمِ)! * * * وقَدْ نَصَّ ابنُ قُدَامَةَ المَقْدِسيُّ في كِتَابِه "مُخْتَصَرِ مِنْهَاجِ القَاصِدِينَ" (177) عَلى طَرِيقَةِ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ؛ إذْ يَقُوْلُ رَحِمهُ الله: "وطَرِيقُ الرِّيَاضَةِ في كَسْرِ شَهْوَةِ البَطْنِ أنَّ مَنْ تَعَوَّدَ اسْتِدَامَةَ الشِّبَعِ؛ فَيَنْبَغِي لَه أنْ يُقَلِّلَ مِنْ مَطْعَمِهِ يَسِيرًا يَسِيرًا مَعَ الزَّمَانِ إلى أنْ يَقِفَ عَلى حَدِّ التَّوَسُّطِ الَّذِي أشرْنَا إلَيهِ، وخَيرُ الأمُوْرِ أوْسَاطُها. فالأوْلى تَنَاوُلُ مَا لا يَمْنَعُ مِنَ العِبَادَاتِ، ويَكُوْنُ سَببًا لبَقَاءِ القُوَّةِ، فَلا يُحِسُّ المُتَنَاوِلُ بجُوْعٍ ولا شِبَعٍ؛ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ البَدَنُ، وتَجْتَمِعُ الهِمَّةُ، ويَصْفُو الفِكْرُ، ومَتَى زَادَ الأكْلُ أوْرَثَهُ كَثْرَةَ النَّوْمِ، وبَلادَةَ الذِّهْنِ" انْتَهَى. * * *

* أمَّا فُضُوْلُ النَّظَرِ: قَالَ تَعَالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131]. قَالَ ابنُ كَثِير رَحِمَهُ الله في "تَفْسِيره" (5/ 326): "يَقُوْلُ تَعَالى لنَبِيّهِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ الله وسَلامُهُ عَلَيهِ: لا تَنْظُرْ إلى هَؤلاءِ المُتْرَفِينَ، وأشْبَاهِهِم ونُظَرائِهِم، ومَا هُمْ فِيهِ مِنَ النِّعَمِ، فَإنَّما هُوَ زَهْرَةٌ زَائِلَةٌ، ونعْمَةٌ حَائِلَةٌ، لنَخْتَبِرَهُم بذَلِكَ، وقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُوْرُ" انْتَهَى. ويَقُوْلُ ابنُ سَعْدِي رَحِمَهُ الله في "تَفْسِيرِه" (466) في مَعْنَى هَذِهِ الآيةِ: "أي: ولا تَمُدَّ عَينيكَ مُعْجَبًا، ولا تكرِّرَ النَّظَرَ مُسْتَحْسِنًا إلى أحْوَالِ الدُّنْيَا والمُمَتَّعِينَ بِها مِنَ المآكِلِ والمَشَارِبِ اللَّذِيذَةِ، والمَلابِسِ الفَاخِرَةِ، والبُيُوْتِ الُمزخْرَفَةِ، والنِّسَاءِ المُجَمَّلَةِ؛ فإنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ زَهْرَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا تَبْتَهِجُ بها نُفُوْسُ المُغْتَرِّينَ، وتَأخُذُ إعْجَابًا بأبْصَارِ المُعْرِضِينَ، ويَتَمَتَّعُ بها -بقَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الآخِرَةِ- القَوْمُ الظَّالمُوْنَ، ثُمَّ تَذْهَبُ سَرِيعًا وتَمْضِي جَمِيعًا، وتَقْتُلُ مُحِبِّيهَا وعُشَّاقَهَا؛ فَيَنْدَمُوْنَ حَيثَ لا تَنْفَعُ النَّدَامَةُ، ويَعْلَمُوْنَ مَا هُم عَلَيهِ إذَا قَامُوْا يَوْمَ القِيَامَةِ؟

وإنَّما جَعَلَهَا الله فِتْنَةً واخْتِبَارًا ليَعْلَمَ مَنْ يَقِفَ عِنْدَهَا ويَغْتَرَّ بِها، ومَنْ هُوَ أحْسَنُ عَمَلًا" انْتَهَى. * * * وقَالَ ابنُ تَيمِيَةَ رَحِمَهُ الله في كِتَابِ "مختصَرِ الفَتَاوَى المِصْرِيَّةِ" (35) في مَعْنَى هَذِه الآيةِ: "النَّظَرُ إلى الأشْجَارِ والخيلِ والبَهَائِمِ إذَا كَانَ عَلى وَجْهِ اسْتِحْسَانِ الدُّنْيَا والرِّيَاسَةِ والمَالِ فَهُوَ مَذْمُوْمٌ. لَقَوْلِ الله تَعَالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيرٌ وَأَبْقَى}. وأمَّا إذَا كَانَ عَلى وَجْهٍ لا يُنقِصُ الدِّينَ، وإنَّما فِيهِ رَاحَةٌ للنَّفْسِ فَقَطُ، كالنَّظَرِ إلى الأزْهَارِ، فَهَذَا مِنَ البَاطِلِ الَّذِي يُسْتَعَانُ بِه عَلى الحقِّ" انْتَهَى. * * * وهَذَا ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ الله نَجِدُهُ في "بَدَائِعِ الفَوَائِدِ" (2/ 817)، يُحذِّرُ مِنْ فُضُوْلِ النَّظَرِ مُبيِّنًا غَوَائِلَهُ، وآثَارَهَ السَّيَئةِ، بقَوْلِهِ: "فُضُوْلُ النَّظَرِ يَدْعُو إلى الاسْتِحْسَانِ، ووُقُوْعِ صُوْرَةِ المَنْظُوْرِ إلَيهِ في القَلْبِ، والاشْتِغَالِ بِهِ، والفِكْرِ في الظَّفَرِ بِهِ، فَمَبْدَأُ الفِتْنَةِ مِنْ فُضُوْلِ النَّظَرِ ... فالحَوَادِثُ العِظَامُ إنَّما

كُلُّهَا مِنْ فُضُوْلِ النَّظَرِ، فَكَمْ نَظْرَةٍ أعْقَبَتْ حَسَرَاتٍ لا حَسْرَةً، كَما قَالَ الشَّاعِرُ: كُلُّ الحَوَادِثِ مَبْدَأُهَا مِنَ النَّظَرِ ... ومُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ كَمْ نَظْرَةٍ فَتكَتْ في قَلْبِ صَاحِبِهَا ... فَتْكَ السِّهَامِ بَلا قَوْسٍ ولا وَتَرِ وقَالَ الآخَرُ: وكُنْتَ مَتَى أرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِدًا ... لقَلْبِكَ يَوْمًا أتْعَبَتْكَ المَنَاظِرُ رَأيتُ الَّذِي لا كُلُّهُ أنْتَ قَادِرٌ ... عَلَيهِ ولا عَنْ بَعْضِهِ أنْتَ صَابِرُ * * * وهَذَا أبو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ الله عَنْهُ يحذِّرُ مَوَاطِنَ النَّظَرِ بِقْوْلِهِ: "إيَّاكُمْ والسُّوْقَ، فإنَّها تُلْغِي وتُلْهِي" (¬1)، نَعَمْ؛ لأنَّ السُّوْقَ مَوْرِدُ النَّظَرِ إلى الصُّوَرِ، ومَثَارَةُ التَّلَفُّتِ إلى الزِّينَةِ والفِتْنَةِ! وقَدْ عَدَّ بَعْضُ السَّلَفِ كَثْرَةَ الالْتِفَاتِ مِنْ خَوَارِمِ المُروْءَةِ، وهَذَا مَا ذَكَرَهُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ رَحِمَهُ الله: "لَيسَ مِنَ المُروْءَةِ كَثْرَةُ الالْتِفَاتِ في الطَّرِيقِ! " (¬2). ¬

_ (¬1) انْظُرْ "الزُّهْدَ" للإمَامِ أحمَدَ (168). (¬2) انْظُرْ "بَهْجَةَ المَجَالِسِ" لابنِ عَبْدِ البرِّ (1/ 644).

ومِثْلُهُ أيضًا كَثْرَةُ الالْتِفَاتِ بَعْدَ الانْصَرَافِ مِنَ الصَّلاةِ؛ حَيثُ نَجِدُ بَعْضًا مِنَ المُصَلِّينَ (للأسَفِ!) إذا سَلَّمَ مِنْ صَلاتِه؛ لا يَسْأمُ مِنَ الالْتِفَاتِ يَمِينًا وشِمَالًا، ويُقَلِّبُ نَاظِرَيهِ في وُجُوْهِ المُصَلِّينَ! * * * وهُنَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ نَوَادِرِ التَّوَرُّعِ وغَضِّ البَصَرِ، وهُوَ أنَّ رَجُلًا سَألَ دَاوُدَ الطَّائيَّ رَحِمَهُ الله، فَقَالَ: لَوْ أمَرْتَ بِما في سَقْفِ البَيتِ مِنَ العَنْكَبُوْتِ فنُظِّفْ؟! فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ الطَّائيُّ: أمَّا عَلِمْتَ أنَّ مُجَاهِدًا كَانَ العَنْكَبُوْتُ في دَارهِ ثَلاثِينَ سَنَةً لم يَشْعُرْ بِهِ (¬1)؟! قُلْتُ: أي: مَا زَالَتِ العَنَاكِبُ تَنْسِجُ بِيُوْتَها وتَعِيشُ عَلى سَقْفِ بَيتهِ مُنْذُ ثَلاثِينَ، وهُوَ لا يَعْلَمُ ولا يَنْظُرُ! والعَجَبُ مَوْصُولًا لا يَنْقَطِعُ؛ إذَا عَلِمْنَا أنَّ القَوْمَ في حَالٍ مَعَ الله تَعَالى، وفي انْقِطَاعٍ عَنِ الدُّنْيَا ممَّا كَانَ سَبَبًا في صَرْفِ هِمَمِهِم عَنْ فُضُوْلِ النَّظَرِ، فإنْ فَهِمْتَ هَذَا مِنْهُم، وإلَّا تجَاوَزْهُ إلى مَا تَسْتَطِيعُ؟! ¬

_ (¬1) انْظُرْ "الزُّهْدَ" للإمَامِ أحمَدَ (255).

وهَذَا لَوْنٌ آخَرُ في وَرَعِ القَوْمِ وعُلُوِّ هِمَمِهِم، وهو أنَّ يَحْيَى بنَ يَحْيَى اللَّيثيَّ فَقِيهَ الأنْدَلُسِ رَحِمَهُ الله لمَّا رَحَلَ إلى المَدِينَةِ النَّبوِيَّةِ ليَطْلُبَ العِلْمَ عِنْدَ الإمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ الله، فَبَينَما هُوَ جَالِسٌ إذْ مَرَّ عَلى بَابِ مَالِكٍ الفِيلُ! فَخَرَجَ كُلُّ مَنْ كَانَ في مَجْلِسِهِ لِرُؤْيَةِ الفِيلِ، سِوَى يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وبَقِيَ مَكَانَهُ! فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: لِمَ لا تَخْرُجُ فَتَرَى الفِيلَ؛ لأنَّه لا يَكُوْنُ في الأنْدَلُسِ؟ فَقَالَ يَحْيَى: إنَّما جِئْتُ مِنْ بَلَدِي لأنْظُرَ إلَيكَ، وأتعَلَّمَ مِنْ هَدْيِكَ وعِلْمِكَ، ولم أجِئ لأنْظُرَ إلى الفِيلِ، فأُعْجِبَ بِهِ مَالِكٌ، وسَمَّاهُ: عَاقِلَ الأنْدَلُسِ (¬1)! فافَهَمْ هَذَا أيضًا، وإلَّا تجاوَزْهُ، فالعُقُوْلُ قَاصِرَةٌ، والِهمَمُ مُتَقَاصِرَةٌ، والله المُسْتَعَانُ وعَلَيهِ التُّكلانُ! * * * ¬

_ (¬1) انْظُرْ "جَذْوَةَ المُقْتَبِسِ" للحُمَيدِيِّ (382)، و"تَرْتِيبَ المَدَارِكِ" للقَاضِي عِيَاضٍ (2/ 540)، و"سِيَرَ الأعْلامِ" للذَّهَبِيِّ (10/ 521) بتَصرُّفٍ.

* أمَّا فُضُوْلُ النَّوْمِ: فَقَدْ قَالَ الله تَعَالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 17، 18]. أي: كَانُوا يُكَابِدُوْنَ قِيَامَ اللَّيلِ فَلا يَنَامُوْنَ مِنَ اللَّيلِ إلَّا أقَلَّهُ، بَلْ لا تمَرُّ عَلَيهِم لَيلَةٌ إلَّا أخَذُوْا حَظَّهُمْ مِنَ الصَّلاةِ، لِذَا كَانَ طُوْلُ النَّوْمِ وفُضُوْلُهُ مَانِعًا عَنِ القِيَامِ، وقَاطِعًا لتَحْصِيلِ الخَيرِ! قَالَ وَهْبُ بنُ مُنبِّهٍ رَحِمَهُ الله: "لَيسَ مِنْ بَنِي آدَمَ أحَبُّ إلى شَيطَانِهِ مِنَ الأكُوْلِ النَّوَامِ! " (¬1). وفَوْقَ ذَلِكَ كَانَ السَّلَفُ رَحِمَهُمُ الله: يَرَوْنَ كَثْرَةَ النَّوْمِ والطَّعَامِ ذَنْبًا مُتَوَقِّفٌ عَلى التَّوْبَةِ، وهَذَا مَا قَالَهُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ الله: "تُوبوا إلى الله مِنْ كَثْرَةِ النَّوْمِ والطَّعَامِ! ". * * * أمَّا مَنْهَجُ السَّلَفِ في النَّوْمِ فكَانَ قَصْدًا في اعْتِدَالٍ، فَلا يَنَامُوْنَ تَكَثُّرًا ولا تَشَهِّيًا، بَلْ يَنَامُوْنَ إذَا غَلَبَهُمُ النُّوْمُ وجَثَمَ، وإذَا نَامُوا أخَذُوا حَظًّا مِنَ ¬

_ (¬1) انْظُرْ "الزُّهْدَ" للإمَامِ أحمَدَ (517).

الكِفَايَةَ بِقَدْرِ مَا يُعِينَهُم عَلى عَمَلِ الدِّينِ والدُّنْيَا! وهَذَا مَا نصَّ عَلَيهِ ابنُ قُدَامَةَ المَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ الله في "مخُتصَرِ مِنْهَاجِ القَاصِدِينَ" (59)، إذْ يَقُوْلُ: "ويَنْبَغِي أنْ لا يَنَامَ حَتَّى يَغْلِبَهُ النَّوْمُ، فَقَدْ كَانَ السَّلَفُ لا يَنَامُوْنَ إلَّا غَلَبَةً". * * * * أمَّا فُضُوْلُ المُخَالَطَةِ: لا شَكَّ أنَّ العُزْلَةَ والخَلْوَةَ بذِكْرِ الله تَعَالى، ومُحَاسَبَةَ النَّفْسِ في الخَلَوَاتِ مِنَ العُبُوْدِيَّةِ الَّتِي أمَرَنَا الله بِها، فَفِي القُرْآنِ والسُّنَّةِ الشَّيءُ الكَثِيرُ مِنَ الأوَامِرِ والشَّوَاهِدِ الدَّاعِيَةِ إلى ذِكْرِ الله تَعَالى، والتَّفَكُّرِ في خَلْقِهِ وآلائِهِ، ومُحَاسَبَةِ النَّفْسِ! * * * فَقَدَ ذَكَرَ ابنُ قُدَامَةَ المَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ الله في "مخُتصَرِ مِنْهَاجِ القَاصِدِينَ" (114)، أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: "خُذُوا حَظَّكُم مِنَ العُزْلَةِ". وكَذَا قَالَ مَسْرُوْقٌ رَحِمَهُ الله: "إنَّ المرْءَ لحقِيقٌ أنْ يَكُوْنَ لَهُ مَجَالِسُ يَخْلُو فِيهَا

فَيذْكُرَ فِيهَا ذُنُوْبَهُ، فَيَسْتَغْفِرَ منْها" (¬1). * * * وهَذَا شَيخُ الإسْلام ابنُ تَيمِيَّةَ رَحِمَهُ الله، يَقُوْلُ في "مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى" (10/ 405، 426): "وأمَّا اعْتِزَالُ النَّاسِ في فُضُوْلِ المُبَاحَاتِ ومَا لا يَنْفَعُ -وذَلِكَ بالزُّهْدِ فِيهِ- فَذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ". وقَالَ أيضًا: "ولا بُدَّ للعَبْدِ مِنْ أوْقَاتٍ يَنْفَرِدُ بها بنَفْسِهِ في دُعَائِه وذِكْرِه، وصَلاتِه وتَفَكُّرِه، ومُحَاسَبَةِ نَفْسِهِ وإصْلاحِ قَلْبِهِ" انْتَهَى. * * * لِذَا كَانَ فُضُوْلُ المُخَالَطَةِ بَريدًا لقَسْوَةِ القَلْبِ، وقَاطِعًا لطَرِيقِ الخَيرِ والتَّفَكُّرِ، وطَلَبِ التَّوْبَةِ، نَاهِيكَ مَطَالِبَ العِلْمِ ومَدَارِجَ العُلَماءِ! وهَذَا مَا ذَكَرَهُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ الله في "بَدَائِعِ الفَوَائِدِ" (2/ 821) بِقَوْلِهِ: "إنَّ فُضُوْلَ المُخَالَطَةِ: هِيَ الدَّاءُ العُضَالُ الجالِبُ لِكُلِّ شَر، وكَمْ سَلَبَتِ المُخَالَطَةُ والمُعَاشَرَةُ مِنْ نِعْمَةٍ؟ وكَمْ زَرَعَتْ مِنْ عَدَاوَةٍ؟ وكَمْ غَرَسَتْ في القُلْبِ مِنْ حَزَازَاتٍ تَزُولُ الجِبَالُ الرَّاسِيَاتُ وهِيَ في القُلُوْبِ لا تَزُوْلُ؟! ¬

_ (¬1) انْظُرْ "الزُّهْدَ" للإمَامِ أحمَدَ: (458).

فَفُضُوْلُ المُخَالَطَةِ فِيهِ خَسَارَةُ الدُّنْيَا والآخِرَةِ، وإنَّما يَنْبَغِي للعَبْدِ أنْ يَأخُذَ مِنَ المُخَالَطَةِ بمِقْدَارِ الحَاجَةِ" انْتَهَى. * * * ثُمَّ؛ إيَّاكَ يَا طَالِبَ العِلْمِ: أنَّ تَظُنَّ بأنَّ الجُلُوْسَ مَعَ الصَّالحِينَ خَيرٌ كُلُّهُ، وفَضْلٌ جُلُّهُ، دُوْنَ تَقْيِيدٍ بحَالٍ أو اعْتِبَارٍ بمَقَالٍ؟! وهَذَا مَا قَرَّرَهُ ابنُ القَيِّمِ في كِتَابِهِ "الفَوَائِدِ" (80)، إذْ ذَكَرَ بَعْضَ آفَاتِ الاجْتِماعِ مَعَ الصَّالحِينَ مَا يَعِزُّ وُجُوْدُهُ عِنْدَ غَيرِهِ رَحِمَهُ الله؛ إذْ يَقُوْلُ: "الاجْتِماعُ بالإخْوَانِ قِسْمانِ: أحَدُهُمَا: اجْتِماعٌ عَلى مُؤانَسَةِ الطَّبع، وشُغْلِ الوَقْتِ؛ فَهَذَا مَضَرَّتُه أرْجَحُ مِنْ مَنْفَعَتِه، وأقَلُّ مَا فِيهِ أنْ يُفْسِدَ القَلْبَ، ويُضيِّعَ الوَقْتَ. الثاني: الاجْتِماعُ بِهِم عَلى التَّعَاوُنِ عَلى أسْبَابِ النَّجَاةِ، والتَّوَاصِي بالحَقِّ والصَّبْرِ؛ فَهَذَا أعْظَمُ الغَنِيمَةِ وأنْفَعِهَا؛ ولَكِنْ فِيهِ ثَلاثُ آفَاتٍ: أحَدُهَا: تَزَيُّنُ بَعْضِهِم لبَعْضٍ. الثانِيَةُ: الكَلامُ والخُلْطَةُ أكْثَرَ مِنَ الحَاجَةِ.

والثَّالِثَةُ: أنْ يَصِيرَ ذَلِكَ شَهْوَةً وعَادَةً يَنْقَطِعُ بِها عَنِ المَقْصوْدِ" انْتَهى. قُلْتُ: إذَا لم يُفَتِّشْ طَالِبُ العِلْمِ عَنْ مَوَاطِنِ جُلُوْسِهِ، ومَبَاغِي جُلَسَائِهِ، كَما ذَكَرَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ الله، وإلَّا كَانَتْ مُخَالَطتهُ بالصَّالحِينَ آفةً قَدْ تَأخُذُهُ إلى أوْدِيَةِ غَفْلةٍ عَنْ طلَبِ العِلْمِ الَّذِي يُرِيدُ، وهُوَ لا يَعْلَمُ، والله أعْلَمُ. * * * ومِنْ مَحَاسِنِ النَّصَائِح السَّنِيَّةِ الخَاصَّةِ لطُلابِ العِلْمِ، مَا ذَكَرَهَا ابنُ القَيِّمِ عَنْ شَيخِهِ ابنِ تَيمِيَّةَ في "مَدَارِجِ السَّالِكِينَ" (2/ 202): "قَالَ لِي شَيخُ الإسْلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ - قَدَّسَ اللهُ رُوْحَهُ - في شَيءٍ مِنَ المُبَاحِ: هَذَا يُنَافي المَرَاتِبَ العَالِيَةَ، وإنْ لَمْ يَكُنْ تَرْكُه شَرطًا في النَّجَاةِ". * * * وأخِيرًا؛ فإنَّني أُوْصِي نَفْسِي، وطُلابَ العِلْمِ أنْ يَأخُذُوا حَظَّهُم مِنْ كُتُبِ "الزُّهْدِ" قِرَاءةً وإقْرَاءً، ودَرْسًا ومُدَارَسَةً، هَذَا إذَا عَلِمْنا أنَّ السَّلَفَ كَانَتْ مَجالِسُهُمْ لا تَنْقَطِعُ عنِ رِوَايَاتِ كُتُبِ "الزُّهْدِ" تَألِيفًا وتحْدِيثًا وقِراءةً، بَلْ مَا تجَمَّلَ تَارِيخُهُمْ إلَّا بِما ذُكِرَ عَنْهُمْ مِنْ زُهْدِيَّاتٍ وتَقْوَى كَانَتْ مَاثِلَةً: في تألُّهٍ في عِبَادَةٍ، وإيمانٍ في اسْتقَامَةٍ، ووَرَعٍ في خَشْيَةٍ، وصَبْر في يَقِينٍ!

والحَالَةُ هَذِه الَّتِي نَعِيشُ؛ كَانَ لِزَامًا علَينَا أنْ نَأخُذَ حَظًّا مِنَ النَّظَرِ في كُتُبِ "الزُّهْدِ"، لا سِيَّما وأنَّ الدُّنْيَا (هَذِه الأيامَ)، قَدْ أخَذَتْ زُخْرُفَهَا، وتَزَيَّنَتْ لأهْلِهَا، واهْتَزَّتْ ورَبَتْ لِذِي عَينٍ، والله خَيرٌ حَافِظًا! فَهَيَّا إلى مَوْعُوْدِ قِرَاءةِ كُتُب "الزُّهْدِ"، وأخُصُّ مِنْهَا؛ كِتَابَ "الزُّهْدِ" للإمَامِ أحمَدَ (241)، ووَكِيع (197) وغَيرِهِما. فَيَا طَالِبَ العِلْمِ: لا يَرَاكَ الله في هَذ الدُّنْيَا إلا زَاهِدًا، أو مُقْتَصِدًا، فَما الدُّنْيَا إلَّا كَما قَالَ أحمَدُ بنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ الله: "طَعَامٌ دُوْنَ طَعَامٍ، وشَرَابٌ دُوْنَ شرَابٍ، ولِبَاسٌ دُوْنَ لِبَاسٍ، وصَبْرُ أيامٍ قَلاِئلَ! "، ذَكَرَه ابنُ تَيمِيَّةَ وغَيرُه. وجِمَاعُ "الزُّهْدِ" إنْ سَألْتَ، فَهُوَ كَما قالَهُ ابنُ تَيمِيَّةَ رَحِمَهُ الله في "مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى" (10/ 21، 641): هُوَ تَرْكُ الرَّغْبَةِ فِيما لا يَنْفَعُ في الدَّارِ الآخِرَةِ، وهُوَ فُضُوْلُ المُبَاحَاتِ الَّتي لا يُسْتَعَانُ بِها عَلى طَاعَةِ الله، مَعَ ثِقَةِ القَلْبِ بِما عِنْدَ الله" انْتَهَى. * * * وأخْتِمُ بِهَذِه النَّصِيحَةِ مِنْ قَوْلِ الحسَنِ البَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ: "كَانَ الرَّجُلُ إذَا طَلَبَ العِلْمَ؛ لَمْ يَلْبَثْ أنْ يُرَى ذَلِكَ في تَخَشُّعِهِ، وبَصَرِه، ويَدِه،

وصَلاتِه، وزُهْدِه، وإنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُصِيبَ البَابَ مِنْ أبْوَابِ العِلْمِ فَيَعْمَلَ بِه؛ فَيَكُوْنَ خَيرًا لَه مِنَ الدُّنْيا ومَا فيها" (¬1). * * * كَما أضِفْ هُنَا أنَّ بَرنامَجَنا في (المَنْهَجِ العِلْمِيِّ)، كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى طَرِيقة خَاصَّةٍ مَعَ طُلابِنا (لَيسَ إلا!)، لِذَا لمَّا لمَسْنا ثَمَرَتَه عَلَى طُلابِنَا، وتَنَافُسَهُم فيه، أرْتَأينا نَشْرَهَا لعُمُوْمِ الفَائِدَةِ لَدَى أبْنَاءِ المُسْلِمِينَ؛ عَلَّهَا تَنْشُرُ مَوَاتَ أفْئِدَة أُخْرَى رَانَ عَلَيها الجَهْلُ، واسْتَعْبَدَتْهَا لُعَاعَةٌ مِنْ دُنْيا زَائِلَةٍ، واللهُ المُوفِّقُ والهادِي إلى سَوَاءِ السَّبِيلِ. وخِتَامًا؛ فَقَدْ ألْقَى القَلَمُ عَصَاهُ، واسْتَقَرَّ بِه النَّوَى، فَمَا أجَادَ بِه فَمِنْ فَضْلِ رَبي، ومَا أخَطأ فيه فَمنِّي والشَيطَانِ، واللهُ ورَسُوْلُه مِنْهُ بَرِيئانِ! والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ، والصلاةُ والسَّلامُ عَلَى عَبْدِه ورَسُوْلِهِ الأمِينِ * * * ¬

_ (¬1) "الزُّهْدُ" للحَسَنِ البَصْرِيِّ (92)، و"أخْلاقُ العُلَمَاء" للآجُرِّيَ (89).

الإجازات العلمية

الإجَازاتُ العِلْمِيَّةُ

أهمية الإجازات العلمية

الإجَازَاتُ العِلْمِيَّةُ الحمْدُ للهِ الَّذِي حمى هَذِه الشَّرِيعَةَ الغَرَّاءَ بِأئِمَّةٍ أمْجَاد، قيدُوا شَوَارِدَهَا، وجَمَعُوا أوَابِدَهَا بِسَلاسِلِ الإسْنَادِ؛ فتمَّتِ الهِدَايَةُ بِاتّصَالِ الرّوَايَةِ، وكَمُلَتِ العِنَايةُ ببِلُوْغِ الغَايَةِ مِنَ الدِّرَايَةِ، وصَارَتِ الأسَانِيدُ المتصِلَةُ لمَعَاهِدِ العُلُوْمِ كَالسّوَارِ، يَرْوِيهَا الأكابِرُ عَنِ الأكَابِرِ، ومنْهُ أضْحَى الإسْنَادُ مِنَ الدِّينِ، وقُرْبَةً إلى رَبِّ العَالمينَ. والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى عَبْده ورَسُوْلِهِ الأمِينِ، وعَلَى آلِهِ، وصَحْبِهِ الغُرّ الميَامِينَ، ومَنْ تَبِعَهُم بِإحْسَانٍ إلى يَوْمِ الدّينِ. أمَّا بَعْدُ: فَاعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ أن الإجَازَةَ جَائِزَةٌ عَنْدَ فُقَهَاءِ الشَّرْعِ، وعُلَمِاءِ الحَدِيثِ، قَرْنًا فَقَرْنًا، وعَصْرًا فَعَصْرًا إلى زَمَانِنَا هَذَا. وفي الإجَازة كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى كُلِّ ذِي بَصِيرة وبَصَرٍ: دَوَامُ مَا قَدْ رُوِيَ وذُكِرَ، وبَقَاءُ مَا قَدْ كُتِبَ ونُثِرَ؛ فَهِيَ أنْسَابُ الكُتُبِ، ولَوْلَاهَا لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ، لِذَا كَانَ يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيهَا، والسُّكَوْنُ إِلَيهَا. فَإذَا عُلِمَ هَذَا فَقَدْ مَنَّ الله تَعَالَى عَليَّ بلِقَاءِ عَدَدٍ مِنَ المَشَايخِ الأعْلامِ؛ حَيثُ

أسماء أهل الإجازة

أخَذْتُ عَنْهُم باللِّقَاءِ والدَّرْسِ والمُلازَمَةِ والإجَازَةِ الخَاصَّةِ والعَامَّةِ لِكُتُبِ ومُصَنَّفَاتِ أهْلِ الإسْلامِ؛ ووَجَدْتُ روَايَاتِهم قَدْ اتَّصلَتْ بِالمُصَنِّفِينَ، وسُلْسِلَتْ بِعُلمَاءِ الدِّينِ المُحَقِّقِينَ. * * * فكَانَتْ هَذِه بَعْضُ أسْماءِ ممَّنْ تَشَرَّفْتُ بأخْذِ الإجَازَةِ عَنْهُم، حَيثُ ذَكَرْتُ طَائِفَة وأرْجَيتُ أخْرَى سَيَأتي ذِكْرُهُا مُفَصَّلا إنْ شَاءَ اللهُ في كِتَابي: "الوَجَازَةِ في الأثْبَاتِ والإجَازَةِ"، فَمِنْ هَؤلاءِ: 1 - الشَّيخُ المُعَمَّرُ، المُسْنِدُ الكَبِيرُ، شَيخُ الحَنَابِلَةِ: عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ العَقِيلُ، حَيثُ أجَازَني مُنَاوَلةً إجَازَةً عَامَّة، وخَاصَّة في ثَبَتِه: "فَتْحِ الجَلِيلِ فِي تَرْجَمَةِ وثَبَتِ شَيخ الحنابِلَةِ ابنِ عَقِيلٍ". 2 - وكَذَا الشَّيخ المُحَدِّثُ السَّلَفِيُّ، المُسْنِدُ الكَبِيرُ: أبو خَالِدٍ عَبْدُ الوَكِيلِ ابنُ الشَّيخِ المُحَدِّثِ والمُسْنِدِ الكَبِير عَبْدِ الحقِّ الهَاشِميِّ. 3 - وكَذَا الشَّيخُ المُحَدِّثُ السَّلَفِيُّ المُعَمَّرُ: عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَعِيد الكِنَانيُّ الزَّهْرَانيُّ. 4 - وكَذَا الشَّيخُ المُسْنِدُ المُعَمَّرُ المُدَرِّسُ بالحَرَمِ المَكِّي: عَبْدُ الفَتْاحِ بنُ حُسَينٍ رَاوَه المَكِّيُّ رَحِمَهُ اللهُ، المتوَفَّى سَنَةَ (5/ 2 / 1424)، حَيثُ أجَازَني

مُنَاوَلةً إجَازَةً عَامَّةً، وخَاصَّةً في ثَبَتِهِ: "المَصَاعِدِ الرَّاوِيَةِ إلى الأسانِيدِ والكُتُبِ والمُتُون المَرْضِيَّةِ". 5 - وكَذَا الشَّيخُ المُحَدِّثُ السَّلَفِيُّ، المُحَقِّقُ المُدَقِّقُ: أبو بَكْرٍ مُحَمَّدُ زُهَيرُ بنُ مُصْطَفَى بنِ أحْمَدَ الشَّاوِيشُ الحُسَينِيُّ الهَاشِمِيُّ المَيدَانيُّ الدِّمِشْقِيُّ، ثُمَّ الحَازِميُّ البَيرُوتيُّ، المَوْلُوْدُ سَنَةَ (1344). 6 - وكَذَا الشَّيخُ المحَدِّثُ السَّلَفِيُّ: صُبْحِي بنُ جَاسِمِ بنِ حُميدٍ الحُسَيني البَدْريُّ السَّامُرَّائي حَفِظهُ اللهُ، نَزِيلُ بَغْدَادَ، الموْلُودُ سَنَة (1355). 7 - وكَذَا الشَّيخُ القاضِي: إسْماعِيلُ بنُ عَلي الأكْوَعُ اليَمِني. 8 - وكَذَا الشَّيخُ المُحدِّثُ السَّلَفِيُّ: محُمَّدُ بنُ الأمِينِ بنِ أحمَدَ بُو خُبْزة الحسَنِي التُّطْوانيُّ المَغْرِبيُّ حَفظهُ اللهُ، المَوْلُوْدُ سَنَةَ (1351). 9 - وكَذَا الشَّيخ المفسِّرُ الهُمامُ، النَّحْوِيُّ الإمَامُ: مُحَمَّدُ الأمِينِ بنُ عَبْدِ اللهِ الهرَرِيُّ الأرْمِيُّ الأثْيُوْبي، نَزِيلُ مَكَّةَ، المَوْلُودُ سَنَةَ (1348)، وقَدْ أجَازَني مُنَاوَلةً إجَازَةً عَامَّةً وخَاصَّةً فِي ثَبَتِهِ: "مَجْمَع الأَسانِيدِ ومُظْفَّرِ المَقَاصِيدِ". 10 - وكَذَا الشَّيخُ المُحَدِّثُ اللُّغَوِي النَّاظِمُ الإمامُ السَّلَفِيُّ: مُحَمَّدُ بنُ الشَّيخِ عَلي بنِ آدَمَ بنِ مُوْسى الأتْيُوْبِيُّ الوَلَّوِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ، وقَدْ أجَازَني مُنَاوَلةً إجَازَةً عَامَّةً وخَاصَّة فِي ثَبَتِهِ: "مَوَاهِبُ الصَّمَدِ لِعَبْدِهِ مُحَمَّدٍ فِي أسانِيدِ

كُتُبِ العِلْمِ المُمَجَّدِ"، في مَنْزِلِه العَامِرِ بمَكَّةَ المُكَرَّمَةِ. 11 - وكَذَا الشَّيخُ المُحَدِّثُ الِهنْدِي السَّلَفِيُّ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ الفِرْيُوَائِي، نَزِيلُ الرِّيَاضِ. 12 - وكَذَا المُسْنِدُ الكَبِيرُ، جَامِعُ الإِجَازَاتِ الشَّهِيرُ الشَّيخُ: صَالِحُ أحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأرْكَانِيُّ المَكِّيُّ، ثمّ الرَّابِغِيُّ الأثَرِيُّ السَّلَفِيُّ رَحِمَهُ اللهُ، المتوَفَّى سَنَةَ (1418). 13 - وكَذَا الشَّيخُ العَلامَةُ السَّلَفِيُّ المُسْنِدُ المُحَدِّثُ: يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ عَظِيم آبادِي المَكِّيُّ، حَيثُ أجَازَني مُنَاوَلةً إجَازَةً عَامَّةً وخَاصَّةً فِي ثَبَتِهِ: "النَّجْمِ البَادِي". 14 - وكَذَا الشَّيخُ المُعَمَّرُ الكَبِيرُ: عَبْدُ اللهِ بنُ أحْمَدَ بنِ مُحْسِنٍ اليَافِعِي النَّاخِبِيِّ، نَزِيلُ جُدَّةَ، المتوَفَّى سَنَةَ (24/ 5 / 1428)، وقَدْ أجَازَني الشَّيخُ النَّاخِبِيُّ حَفِظَهُ اللهُ مُنَاوَلةً إجَازَةً عَامَّهً فِي جَمِيعِ مُؤَلَّفَاتِهِ ومَرْوِيَّاتِهِ، وأَسَانِيده، وخَاصَّةً فِي ثَبَتِهِ المُخْتَصَرِ: "إجَازَةٍ عَامَّةٍ في الأسَانِيدِ والمَرْوِيَّاتِ". 15 - وكَذَا الشَّيخُ المُعمَّرُ القَاضي الشَّيخُ: محَمَّدُ بنُ إسْماعيلَ بنِ محمَّدٍ العَمْرَانيُّ اليَمنيُّ، الموْلُودُ بصَنْعَاء سَنَة (1340). 16 - وكَذَا الشَّيخُ السَّلَفِيُّ المُحَدِّثُ أبو الأشْبَالِ صَغِيرُ أحْمدُ شَاغِفَ.

17 - وكَذَا الشَّيخُ: أبو عَبْدِ العَزِيزِ عَبْدُ اللهِ بنُ أحْمَدَ بنِ عَليٍّ بَخِيتٌ. 18 - وكَذَا الشَّيخُ المحَدِّثُ: عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ آلِ سَعْدٍ المُطَيرِيُّ، حَيثُ أجَازَني إجَازَةً عَامَّةً فِي كُلِّ مَا تَصِحُّ لَهُ رِوَايَتُه فِي ثَبَتِهِ: "العُجالَةِ ببَعْضِ أسَانِيدِي إلى كتُبِ الإسنَادِ والرِّوَايَةِ". 19 - وكَذَا الشَّيخُ الرُّحْلَةُ المُحَقِّقُ الحَنْبَليُّ المُسْنِدُ: مُحَمَّدُ بنُ نَاصِرٍ العَجْمِيُّ. 20 - وكَذَا الشَّيخُ المسنِدُ الرُّحْلَةُ: يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْعَشْلي؛ حَيثُ أجَازَني إجَازَةً عَامةً وخَاصَّةً فِي ثَبَتِهِ الكَبِيرِ: "مُعْجَمِ المَعَاجِمِ والمَشْيَخاتِ". 21 - وكَذَا الشَّيخُ المُفسِّرُ النَّحْوِيُّ: أبو مُسْلِمٍ مُوْسَى بنُ سُلَيمانَ بنِ إِبْرَاهِيمَ النَّوَاجِيُّ؛ حَيثُ قرأتُ عَلَيه القُرْآنَ كَامِلًا بِقِرَاءَتَي: حَفْصٍ، وقَالُونَ. 22 - وكَذَا الشَّيخُ المحَدّثُ الأثَرِيُّ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ الفِقِيهُ الغَامِديُّ الأزْدِيُّ. 23 - وكَذَا الشَّيخُ: أبو عَلَوِي حَامِدُ بنُ عَلَوِي الكَاف. 24 - وكَذَا الشَّيخُ النَّحْوِيُّ المُعَمَّرُ: حَمَدُّو الشِنْقِيطِيُّ المَدَنِيُّ.

وهُنَاكَ (ولله الحَمْدُ) غَيرُ مَا ذُكِرَ مِنَ الإجَازَاتِ العِلْمِيَّةِ، إلَّا أنَّني اكتَفَيتُ بذِكْرِ جُملة مِنْ أجِلَّةِ أهْلِ الأجَايِزِ، واللهُ أعْلَمُ. * * * كما أنَّنِي أخَذْتُ الإجَازة العَامَّةَ لأهْلِ العَصْرِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أهْلِ العِلْمِ ممَّنْ أدْرَكْتُهُم، كَما أجَازَهَا جَماهِيرُ أهْلِ العِلْمِ والرِّوَايَةِ؛ فَمِنْ هَؤلاءِ: 25 - الشَّيخُ: سُلَيمانُ بنُ عَبْدِ الرَّحمنِ بنِ محُمَّدٍ الصَّنِيعُ (1389). 26 - الشَّيخُ: محُمدُ إبْرَاهِيمُ الخَتَنيُّ المدَنيُّ (1389). 27 - الشَّيخُ: عَلَوْيُّ بنُ عَبَّاس المَالِكيُّ المكِّيُّ (1391). 28 - الشَّيخُ: سَالمُ بنُ أحمَدَ آلِ جَنْدَانُ (1395). 29 - الشَّيخُ: سُلَيمانُ بنُ عَبْدِ الرَّحمنِ بنِ مُحمَّدٍ الحَمْدَانُ (1397). 30 - الشَّيخُ: قَاسِمُ بنُ أحمَدَ البَحْرُ (1397). 31 - الشَّيخُ: حَسَنُ بنُ محُمَّدٍ المشَّاطُ (1399). 32 - الشَّيخُ: محُمَّدُ صَالِحُ الخَطِيبُ بنُ أحمَدَ بنِ عَبْدِ الرَّحمنِ الحَسَنِيُّ الدِّمِشْقِيُّ (1401). 33 - الشَّيخُ: عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيدٍ اللَّحْجِيُّ المكِّيُّ (1410). 34 - الشَّيخَةُ: عَائِشَةُ بِنْتُ طَاهِرِ بنِ عُمَرَ سُنْبُل المَدَنِيَّةُ (1415).

شروط الإجازة، والمجاز

35 - الشَّيخُ: إبْرَاهيمُ بنُ عُمَرَ بنِ عَقِيلٍ (1415). 36 - الشَّيخُ: أحمَدُ مشهُورُ الحَدَّادُ (1416). 37 - الشَّيخُ: عَبْدُ المالِكِ بنُ عَبْدِ القَادِرِ بنِ عَليٍّ الدَّرْنَاوِيُّ، الشَّهِيرُ بالطَّرَابُلُسيِّ المكِّيُّ (9/ 2 / 1417). * * * فَأقُوْلُ وبالله التَّوفيقُ: وبما أنَّ اللهَ تَعَالى قَدْ مَنَّ عليَّ بإجَازَاتٍ عَامَّةٍ في جَمِيعِ فُنُونِ عُلُومِ الشَّرِيعَةِ الإسلامِيَّةِ، فإنِّي لَنْ أحَجِّرَ وَاسِعًا في إجَازَةِ طَلَبَةِ العِلْمِ؛ لا سِيَّما الَّذِينَ أخَذُوْا طَرِيقًا إلى (المَنْهَجِ العِلْمِيِّ) قِرَاءةً وشَرْحًا، وذَلِكَ بالشَّرْطِ المُعْتَبَرِ عِنْدَ أهلِ الحَدِيثِ والأثَرِ! وقَدْ ذَكَرْتُ مَا للإجازَةِ مِنْ شُرُوْطٍ وآدَابَ، مِنْ خِلالِ مَبَاحِثَ ومَسَائِلَ نَفِيسَةٍ، كَما هُوَ مَذْكُوْر في كِتَابي "الوَجَازَةِ في الأثْبَاتِ والإجَازَةِ" (¬1). * * * ¬

_ (¬1) مَلْحُوظةٌ: أيُّ اسْتِفْسَار عنِ الإجَازَاتِ مِنَ الشَّيخِ، فَعَنْ طَرِيقِ مَوْقِعِ: (www.thiab.com)، نَافِذَةِ المُرَاسَلَةِ، وشُكْرًا (المُشْرِفُ عَلى المَوْقِعِ).

اللطائف العلمية

اللَّطَائِفُ العِلْمِيَّةُ • إذَا أحْدَثَ اللهُ لَكَ عِلْمًا فأحْدِثْ لَهُ عِبَادَةً، ولا يَكُنْ هَمُّكَ أنْ تُحَدِّثَ بِهِ. • إذَا أخْطَأ العالم "لا أدْرِي" فَقَدْ أُصِيْبَتْ مَقَاتِلُهُ. • إذَا رَأيْتُم العَالِمَ مُحِبًا لدُنْيَاه؛ فاتَّهِمُوْهُ عَلَى دِيْنِكِم، فإنَّ كُلَّ مُحِبٍّ لشَيْءٍ يَحُوْطُ ما أحَبَّ. • إذَا رَأيْتُم العَالِمَ يَلُوْذُ ببَابِ السَّلاطِيْنِ فاعْلَمُوا أنَّه لِصٌّ، وإذا رَأيْتُمُوْهُ يَلُوْذُ ببَابِ الأغْنِيَاءِ فاعْلَمُوا أنَّه مُرَاءٍ. • ازْدِحَامُ العُلُوْمِ مَضَلَّةُ الفُهُوْمِ. • إنَّ خَيْرَ الأمَرَاءِ مَنْ أحَبَّ العُلَمَاءَ، وإنَّ شَرَّ العُلَمَاءِ مَنْ أحَبَّ الأمَرَاءَ. • إنَّكَ لا تَفْقَهُ حَتَّى لا تُبَالِي فِي يَدَيْ مَنْ كَانَتِ الدُّنْيا. • تَعَلَّمْ لا أدْرِي، فإنَّكَ إنْ قُلْتَ: لا أدْرِي، عَلَّمُوْكَ حَتَّى تَدْرِي، وإنْ قُلْتَ: أدْرِي، سَألُوْكَ حَتَّى لا تَدْرِي. • الجَهْلُ "بلا أدْرِي" الجَهْلُ كُلُّهُ. • حِفْظُ حَرْفَيْنِ خَيْرٌ مِنْ سَمَاعِ وِقْرَيْنِ، وفَهْمُ حَرْفَيْنِ خَيْرٌ مِنْ حِفْظِ وِقْرَيْنِ. • زَيِّنُوا العِلْمَ، ولا تَتَزَيَّنُوا بِه.

• عِلْمُ المُنَافِقِ فِي قَوْلِه، وعِلْمُ المُؤْمِنِ فِي عَمَلِه. • العِلْمُ دِيْنٌ فانْظُرُوا عَمَّنْ تَأخُذُوْنَ دِيْنَكُم. • العِلْمُ ذَكَرٌ يُحِبُّهُ ذُكُوْرَةُ الرِّجَالِ، ويَكْرَهُهُ مُؤنَّثُوْهُم. • العِلْمَ رَحِمٌ بَيْنَ أهْلِهِ. • العِلْمُ يَهْتِفُ بالعَمَلِ، فإنْ أجَابَهُ وإلاَّ ارْتَحَلَ. • قِيْمَةُ كُلِّ امْرئٍ مَا يُحْسِنُ. • قِيْمَةُ كُلِّ امْرئٍ مَا يَطْلُبُ. • كُتُبِ السَّلَفِ: هِي السَّمُعُ والبَصَرُ؛ فَحَرَامٌ عَلَى طَالِبِ العِلْمِ أنْ يَتَبَصَّرَّ عِلْمًا دُوْنَها، أو يَتَسَمَّعَ عَمَلاً غَيْرَها. • كُنْ رَابَعَ أرْبَعَةٍ: عَالِمًا، أو مُتَعَلَّمًا، أو مُسْتَمِعًا، أو مُحِبًّا، ولا تَكُنْ الخَامِسَ فَتَهْلَكَ. • لا أدْرِي: نِصْفُ العِلْمِ. • لا تُكَابِرَ العِلْمَ، فإنَّمَا هُوَ أوْدِيَةٌ، فأيُّها أخَذَتْ فِيْه قَبْلَ أنْ تَبْلُغَهُ قُطِعَ بِكَ، ولَكِنْ خُذْهُ مَعَ اللَّيَالِيَ والأيَّامِ. • لا يُسْتَطَاعُ العِلْمُ بِرَاحَةِ الجَسَدِ. • مَنْ حُرِمَ الدَّلِيْلَ، ضَلَّ السَّبِيْلَ.

• مَنْ طَلَبَ الرَّاحَةَ تَرَكَ الرَّاحَةَ. • مَنْ كَانَ مُسَّتَنًّا؛ فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، فإنَّ الحَيَّ لا تُؤْمَنُ عَلَيْه الفِتْنَةُ. • مَنْ لَمْ يُتْقِنْ الأُصُوْلَ؛ حُرِمَ الوُصُوْلَ.

ثبت المراجع

ثَبَتُ المَرَاجِع " القُرْانُ الكَرِيمِ". 1 - "أخْلاقُ العُلَمَاءِ" للآجُرِّي. 2 - "الزُّهْدُ" لأحْمَدَ. 3 - "أدَبُ الدُّنْيا والدِّينِ" للمَاوَرْدِيِّ. 4 - "اقْتِضاءُ الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ" لابنِ تَيمِيَّةَ. 5 - "اقْتِضاءُ العِلْمِ العَمَلَ" للخَطِيبِ البَغْدَادِيِّ. 6 - "الآدَابُ الشَّرْعِيَّةُ" لابنِ مُفْلِحٍ. 7 - "البِدَايَةُ والنِّهَايَةُ" لابنِ كَثِيرٍ. 8 - "البَرْمَجة اللُّغَوِيَّةُ العَصَبِيَّةُ" لأحْمَدَ الزَّهْرَانِيِّ. 9 - "الجامِعُ لآدَابِ الرَّاوي" للخَطِيبِ البَغْدَادِيِّ. 10 - "الجَلِيسُ الصَّالِحُ" لسِبْطِ ابنِ الجَوْزِيِّ. 11 - "الحِلْيَةُ" لأبِي نُعَيمٍ. 12 - "الزُّهْدُ" للحَسَنِ البَصْرِيِّ. 13 - "السِّلْسِلَةُ الصَّحِيحَةُ" للألْبَانِيِّ.

14 - "السِّلْسِلَةُ الضعِيفَةُ" للألْبَانِيِّ. 15 - "الفَقِيهُ والمتفَقِّهُ" للخَطِيبِ البَغْدَادِيِّ. 16 - "الفَوَائِدُ" لابنِ القَيِّمِ. 17 - "الكَامِلُ" لابنِ عَدِيٍّ. 18 - "المُجَالَسَةُ" لأبِي بَكْرٍ الدِّينوَرِيَ. 19 - "المَدْخَلُ" لابنِ بَدْرَانَ. 20 - "المَدْخَلُ" للبَيهَقِيِّ. 21 - "المُقَدِّمةُ" لابنِ خُلْدُون. 22 - "بَدَائِعُ الفَوَائِدِ" لابنِ القَيِّمِ. 23 - "بَهْجَةُ المَجَالِسِ" لابنِ عَبْدِ البرِّ. 24 - "بَيَانُ العِلْمِ الأصِيلِ" لعَبْدِ الكَرِيمِ الحُمَيدِ. 25 - "تاريخُ دَارِ السَّلامِ" للخَطِيبِ البَغْدَادِيِّ. 26 - "تاريخُ دِمِشْقٍ" لابنِ عَسَاكرٍ. 27 - "تَذْكِرَةُ السَّامِعِ والمتكَلِّمِ" لابنِ جَمَاعَةَ. 28 - "تَرْتِيبُ المَدَارِكِ" للقَاضِي عِيَاضٍ. 29 - "تَعْلِيمُ المُتَعَلِّمِ طَرِيقَ التَّعَلُّمِ" للزَّرْنُوْجِيِّ.

30 - "تَفْسِيرُ القُرْآنِ العَظِيمِ" لابنِ كَثِيرٍ. 31 - "جَامِعُ العُلُوْمِ والحِكَمِ" لابنِ رَجَبٍ. 32 - "جامعُ بَيَانِ العِلْمِ وفَضلِه" لابنِ عَبْدِ البرِّ. 33 - "جَذْوَةُ المُقْتَبِسِ" للحُمَيدِيِّ. 34 - "حِلْيَةُ طَالِبِ العِلْمِ" لبكرٍ أبو زيد. 35 - "دِيوَانُ الشَّافِعِيِّ". 36 - "رَوْضَةُ العُقَلاءِ" لابنِ حِبَّانَ. 37 - "زَادُ المَعَادِ" لابنِ القَيِّمِ. 38 - "زَغَلُ العِلْمِ" للذَّهَبِيِّ. 39 - "سُنَنُ ابنِ ماجَه". 40 - "سُنَنُ أبي دَاوُدَ". 41 - "سُنَنُ التِّرْمذِيِّ". 42 - "سُنَنُ النَّسائيِّ". 43 - "سِيَرُ أعْلامِ النُّبلاءِ" للذَّهَبِيِّ. 44 - "شَرْحُ حَدِيثِ أبِي الدَّرْدَاءِ" لابنِ رَجَبٍ الحنْبِليِّ. 45 - "شَرْحُ حَدِيثِ مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ" لابنِ رَجَبٍ الحَنْبَليِّ.

46 - "صَحِيحُ البُخَارِيِّ". 47 - "صحِيحُ مُسْلِمٍ". 48 - "صَحِيحُ وضَعِيفً السُّنَنِ" للألبانيِّ. 49 - "صَفَحَاتٌ مِنْ صَبْرِ العُلَمَاءِ" لأبِي غُدَّةَ. 50 - "صَيدُ الخَاطِرِ" لابنِ الجوْزِيِّ. 51 - "طَبقَاتُ الشَّافِعِيَّةِ" للسُّبْكِيِّ. 52 - "عُيُوْنُ الأخْبَارِ" لابنِ قتيبةَ. 53 - "مَجْمُوْعُ الفَتَاوَى" لابنِ تَيمِيَّةَ. 54 - "مَجْمُوْعُ رَسَائِلِ ابنِ رَجَبٍ" جَمْعُ أبي مُصْعَبٍ الحَلْوَانِيُّ. 55 - "مَدَارِجُ السالِكِينَ" لابنِ القَيِّمِ. 56 - "مُسْتَدْرَكُ الحَاكِمِ". 57 - "مُسْنَدُ أحْمَدُ". 58 - "مِفْتَاحُ دَارِ السَّعَادَةِ" لابْنِ القَيِّمِ. 59 - "مُقَدِّمَةُ المَجْرُوْحِينِ" لابنِ حِبَّانَ. * * *

§1/1