المنهج الصحيح

عبد الله بن محمد الغنيمان

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يكن له كفؤا أحد، خلق الإنسان في كبد، ورفع السموات بلا عمد، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. وأشهد أن لا إله إلا الله الحق المبدئ المعيد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق فهدى به من يريد. أما بعد: فهذا المنهج الصحيح اجتهدت في تبويبه، وتنظيم أدلته وترتيبه. أسأل الله تعالى أن ينفع به، وأن يجعله عملا صالحا خالصا لوجهه، إنه مولى النعم، المنان بالفضل والكرم.

باب أول ما يجب لله على العبد

(1) باب أول ما يجب لله على العبد قال الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256]. وقال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [القتال: 19]. وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} [النحل: 36]. وقال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]. وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]. وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بعث معاذا إلى اليمن قال: «إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله فرض

عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم وترد على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس» متفق عليه (¬1). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله». رواه مسلم (¬2). وعن أبي مالك عن أبيه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه، وحسابه على الله». رواه مسلم (¬3). * * * * * ¬

(¬1) رواه البخاري في عدة مواضع من صحيحه منها: حديث (رقم 1395، و1458، و1496)، ومسلم في الإيمان (رقم 19). (¬2) مسلم في الإيمان (رقم 21). (¬3) مسلم في الإيمان (رقم 23).

باب دليل وحدانية الله تعالى

(2) باب دليل وحدانية الله تعالى في الخلق والتدبير والعبادة قال الله تعالى: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد: 16]. وقال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ} [الطور: 35 - 36]. وقال عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف: 172 - 173]. وقال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53]. وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأحقاف: 4]. وعن أبي سلام عن مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله

- صلى الله عليه وسلم - قال: «بخ بخ، خمس ما أثقلهن في الميزان: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، والولد الصالح يتوفى فيحتسبه والده». وقال: «بخ بخ لخمس من لقي الله مستيقنا بهن دخل الجنة؛ يؤمن بالله، واليوم الآخر، وبالجنة والنار، والبعث بعد الموت، والحساب». رواه الإمام أحمد (¬1). وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس شيء إلا وهو أطوع لله تعالى من ابن آدم». رواه الطبراني في الصغير (¬2). وعن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله، كيف يحيي الله الموتى؟. قال: «أما مررت بأرض من أرضك مجدبة، ثم مررت بها مخصبة؟». قال: نعم، قال: «كذلك النشور» الحديث رواه الإمام أحمد (¬3). * * * * * ¬

(¬1) المسند (3/ 443). (¬2) المعجم (2/ 132) (رقم 908). (¬3) المسند (4/ 11)، والطبراني 2/ 311.

باب الإيمان بالله تعالى

(3) باب الإيمان بالله تعالى قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 208]. وقال تعالى: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}] ٍالبقرة: 136]. وقال تعالى: {وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 47 - 51]. وقال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7]. فأخبر أن الذنوب بعضها كفر، وبعضها فسوق، وبعضها عصيان، وأخبر تعالى أنه كرهها كلها إلى المؤمنين، والطاعات كلها داخلة في الإيمان، ولهذا لم يفرق بينها.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يوما بارزا للناس، فأتاه رجل فقال: يا رسول الله، ما الإيمان؟ قال: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله، وتؤمن بالبعث الآخر». رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم (¬1). وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن المؤمن ليس باللعان، ولا الطعان، ولا الفاحش، ولا البذيء». رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد (¬2). عن أبي شريح رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن»، قيل: من يا رسول الله؟. قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه». رواه البخاري (¬3). وقال الحسن: "ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال". * * * * * ¬

(¬1) المسند (2/ 426)، والبخاري في الإيمان باب (رقم 38)، وفي التفسير، تفسير سورة لقمان، (رقم 4777)، ومسلم في الإيمان باب (رقم 38). (¬2) المسند (1/ 416)، والأدب المفرد (ص116). (¬3) البخاري في الأدب، الباب 29، (رقم 6016).

باب الإسلام والفرق بينه وبين الإيمان

(4) باب الإسلام والفرق بينه وبين الإيمان قال الله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: 35 - 36]. وقال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 14]. وقال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 35]. وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب قال: بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام؟. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا». قال: صدقت، فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟. قال: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن

بالقدر خيره وشره». قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان؟. قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك». قال: فأخبرني عن الساعة، قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السائل». قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: «أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان». قال: ثم انطلق، فلبثت مليا، ثم قال لي: «يا عمر، أتدري من السائل؟». قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم». رواه مسلم (¬1). وعن بهز بن حكيم رضي الله عنه عن أبيه عن جده قال: قلت: يا نبي الله، ما أتيتك حتى حلفت أكثر من عددهن - لأصابع يديه - أن لا آتيك، ولا آتي دينك، وإني كنت امرءاً لا أعقل شيئاً إلا ما علمني الله ورسوله، وإني سألتك بوجه الله بما بعثك الله؟ قال: «بالإسلام»، قال: وما آيات الإسلام؟ قال: «أن تقول: أسلمت وجهي لله، وتخليت، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة». رواه النسائي وابن ماجه (¬2). وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسما، فقلت: يا رسول الله، أعط فلانا فإنه مؤمن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أو مسلم»، أقولها ثلاثا ويرددها ثلاثا «أو ¬

(¬1) صحيح مسلم، كتاب الإيمان (رقم 8). وقد تقدم في باب الإيمان بالله. (¬2) المجتبي (رقم 2567)، وسنن ابن ماجه (رقم 2536)، وأخرجه الحاكم رقم (8774) وصححه ووافقه الذهبي.

مسلم»، ثم قال: «إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه الله في النار». متفق عليه (¬1). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم». رواه الترمذي والنسائي (¬2). * * * * * ¬

(¬1) البخاري في الإيمان (رقم 27)، ومسلم (رقم 150) واللفظ لمسلم. (¬2) الترمذي (رقم 2627)، وقال حديث حسن صحيح، والنسائي (رقم 5010).

باب الإيمان بالرسل

(5) باب الإيمان بالرسل قال الله تعالى: {آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7]. وقال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار». رواه مسلم (¬1). وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين». متفق عليه (¬2). * * * * * ¬

(¬1) رواه مسلم (رقم 153). (¬2) البخاري (رقم 14)، ومسلم (رقم 44).

باب

(6) باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15]. وقال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الأنفال: 2 - 3]. وعن أبي مالك عن أبيه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله». رواه مسلم (¬1). وهذا يدل على أن الإيمان قول وعمل وعلم، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، كما هو قول أهل السنة. * * * * * ¬

(¬1) مسلم (رقم 23).

باب

(7) باب قول الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]. وقال الله تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [المائدة: 43]. قال ابن القيم في الآية الأولى: "أقسم سبحانه بنفسه المقدسة قسما مؤكدا بالنفي قبله على عدم إيمان الخلق حتى يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الأصول والفروع وأحكام الشرع وأحكام العباد والصفات وغيرها، ولم يثبت لهم الإيمان بمجرد التحكيم حتى ينتفي عنهم الحرج ـ وهو ضيق النفس ـ، وحتى ينضاف إلى ذلك الرضى به والتسليم لحكمه" (¬1). اهـ. وعن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير حدثه أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر، فأبى عليهم، فاختصموا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك»، فغضب الأنصاري، فقال: يا رسول الله، أن كان ابن عمتك، فتلون وجه نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: «يا زبير اسق، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر». ¬

(¬1) التبيان في أقسام القرآن (270) دار الفكر.

فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. متفق عليه (¬1). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد إذ دخل رجل على جمل، ثم أناخه في المسجد ثم عقله، ثم قال: أيكم محمد؟ والنبي - صلى الله عليه وسلم - متكئ بين ظهرانيهم، فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ. فقال له: ابن عبد المطلب، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قد أجبتك». فقال الرجل: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، فلا تجد علي في نفسك. قال: «سل عما بدا لك». قال: أسألك بربك ورب من قبلك، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟. قال: «اللهم نعم». قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟. قال: «اللهم نعم». قال: أنشد بالله، آلله أمرك أن نأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فنقسمها على فقرائنا؟. ¬

(¬1) رواه البخاري (رقم 2231)، ومسلم (رقم 2357).

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نعم». قال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر. متفق عليه، واللفظ للبخاري (¬1). وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به». قال النووي: حديث صحيح (¬2). * * * * * ¬

(¬1) رواه البخاري في العلم، باب 6 (رقم 63)، ومسلم (رقم 12). (¬2) أخرجه الخطيب في التاريخ 4/ 369، والبغوي في شرح السنة (رقم 104)، وابن أبي عاصم في السنة (رقم 15)، وانظر الأربعين النووية.

باب قيام الحجة بالرسل

(8) باب قيام الحجة بالرسل قال الله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]. وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: 92]. وقال تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ} [النحل: 89]. وقال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأنعام: 48 - 49]. وقال تعالى: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 8 - 10]. وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يجيء نوح وأمته فيقول الله تعالى: هل بلغت؟ فيقول: نعم أي رب، فيقول لأمته: هل

بلغكم؟ فيقولون: لا ما جاءنا من نبي، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته، فنشهد أنه قد بلغ ـ وهو قوله جل ذكره ـ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143]». رواه البخاري (¬1). وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا، فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان، ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر، وأعطيت الشفاعة». متفق عليه، واللفظ لمسلم (¬2). وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني ثم لم يؤمن بي، دخل النار». رواه أبو داود الطيالسي، وقال الهيثمي: رواه النسائي وابن أبي شيبة ورجاله رجال الصحيح (¬3). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار». رواه مسلم (¬4). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 3339). (¬2) البخاري (رقم 335)، ومسلم (رقم 521). (¬3) انظر: منحة المعبود (ص28)، وهو في المسند (4/ 396 و398). (¬4) مسلم (رقم 153).

باب الإيمان بالملائكة

(9) باب الإيمان بالملائكة قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر: 1] 0 وقال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 26 - 29]. وقال تعالى: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: 285]. وقال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 10 - 12]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الملائكة يتعاقبون، ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر والعصر، ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم، فيسألهم ـ وهو أعلم ـ فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم يصلون، وأتيناهم

يصلون». متفق عليه (¬1). وعنه رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد، يكتبون الأول فالأول، ومثل المُهَجِّر كمثل الذي يهدي بدنه، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كبشا، ثم دجاجة، ثم بيضة، وإذا خرج الإمام طووا صحفهم، ويسمعون الذكر». متفق عليه (¬2). وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها». فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: «يتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف» (¬3). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 555)، ومسلم (رقم 632). (¬2) البخاري (رقم 887)، ومسلم (رقم 850). (¬3) مسلم (رقم 119).

باب الإيمان بكتب الله تعالى

(10) باب الإيمان بكتب الله تعالى قال الله تعالى: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136]. وقال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89]. وقال تعالى: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285]. وعن سعيد بن المسيب قال: سمعت صهيبا يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما آمن بالقرآن من استحل محارمه». رواه الترمذي ورواه البيهقي بسند رجاله ثقات (¬1). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة». متفق عليه (¬2). * * * * * ¬

(¬1) الترمذي (رقم 2918)، وشعب الإيمان (1/ 198). (¬2) البخاري في فضائل القرآن في فاتحته (رقم 4982)، ومسلم في الإيمان (رقم 152).

باب من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة

(11) باب من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة قال الله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 19]. وقال تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 138]. وقال تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [إبراهيم: 52]. وقال عز وجل: {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [النمل: 92]. وقال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} [يس: 69 - 70]. وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1]. قال عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة في قوله: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بلغوا عن الله، فمن بلغته آية من كتاب

الله فقد بلغه أمر الله» (¬1). وقال ابن عباس: "من بلغه القرآن فهو له نذير من الناس". رواه ابن أبي حاتم (¬2). وقال محمد بن كعب في قوله تعالى: {وَمَنْ بَلَغَ} قال: "من بلغه القرآن فكأنما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وكلمه". رواه ابن أبي حاتم وابن جرير (¬3). وقال مقاتل: "من بلغه القرآن من الجن والإنس فهو نذير له" (¬4). وقال البغوي: "يعني من بلغه القرآن من العجم وغيرهم من الأمم إلى يوم القيامة" (¬5). * * * * * ¬

(¬1) تفسير عبد الرزاق (ص205)، وانظر ابن جرير (5/ 161). (¬2) تفسير ابن أبي حاتم (رقم 7163). (¬3) تفسير ابن أبي حاتم (رقم 7165)، وابن جرير (رقم 13120). (¬4) ذكره البغوي في تفسيره (3/ 134). (¬5) انظر/ تفسير البغوي (3/ 133).

باب الإيمان باليوم الآخر

(12) باب الإيمان باليوم الآخر قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 4]. وقال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281]. وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185]. وقال عز وجل: {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ * وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [الأنعام: 29 - 31]. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنكم ملاقوا الله حفاة، عراة، مشاة، غرلا». متفق عليه (¬1). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه ¬

(¬1) البخاري (رقم 3349)، ومسلم (رقم 2860).

وسلم -: «تحشرون حفاة، عراة، غرلا»، قالت عائشة رضي الله عنها: فقلت: يا رسول الله، الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض، فقال: «الأمر أشد من أن يهمهم ذاك». متفق عليه (¬1). وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: "بينما أنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال: يا عدي، هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها، قال: «فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله». قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دُعّار طي الذين قد سعَّروا البلاد. «ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى»، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: «كسرى بن هرمز، ولئن طالبت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فيقول: ألم أرسل إليك رسولا فبلغك؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أعطك مالا وأفضل عليك؟ فيقول: بلى، فينظر عن يمينه ولا يرى إلا جهنم، وينظر يساره فلا يرى إلا جهنم، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد تمرة فبكلمة طيبة». قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة ولا تخاف إلا الله تعالى، وكنت فيمن أفتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - يخرج ملئ كفه". متفق عليه، واللفظ للبخاري (¬2). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 6527)، ومسلم (رقم 2859). (¬2) البخاري (رقم 1413)، ومسلم (رقم 1016).

باب الإيمان بالبعث

(13) باب الإيمان بالبعث قال الله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن: 7]. وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سبأ: 3]. وقال تعالى: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ} [المطففين: 4]. وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع؛ يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن بالموت، والبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر». رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم (¬1). * * * * * ¬

(¬1) الترمذي (رقم 2145)، وابن ماجه (رقم 81)، والحاكم في المستدرك (1/ 33).

باب الإيمان بنعيم القبر وعذابه

(14) باب الإيمان بنعيم القبر وعذابه قال الله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46]. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة». متفق عليه (¬1). وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أهل القبور يعذبون في قبورهم عذابا تسمعه البهائم». متفق عليه (¬2). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 1379)، ومسلم (رقم 2866). (¬2) البخاري في الدعوات، باب التعوذ من عذاب القبر، ومسلم (رقم 586).

باب ما يسأل عنه العبد في قبره

(15) باب ما يسأل عنه العبد في قبره قال الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27]. وعن أنس رضي الله عنه أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم، فيأتيه ملكان فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل ـ يعني: محمدا - صلى الله عليه وسلم - ـ. قال: فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله مقعدا في الجنة، فيراهما جميعا. وأما الكافر أو المنافق فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين». متفق عليه، واللفظ للبخاري (¬1). وعنه رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فيقول: ما كنت تعبد؟ فإن هداه الله قال: كنت أعبد الله، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله، فما يسأل عن شيء غيرها بعد، فينطلق به إلى بيت كان له في النار، فيقال: هذا بيتك كان لك في النار، ولكن الله عصمك ورحمك فأبدلك به بيتا في الجنة فيراه، فيقول: دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي، فيقال له: اسكن. ¬

(¬1) البخاري (رقم 1338)، ومسلم (رقم 2871).

قال: وإن الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك فينهره فيقول له: ما كنت تعبد؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: لا دريت ولا تليت، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: كنت أقول ما يقوله الناس، فيضربه بمطراق بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها الخلق غير الثقلين». رواه أبو داود (¬1). وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ} [إبراهيم: 27]، قال: «نزلت في عذاب القبر». متفق عليه (¬2). * * * * * ¬

(¬1) السنن (رقم 4751). (¬2) البخاري (رقم 1369)، ومسلم (رقم 2871).

باب الإيمان بالحشر

(16) باب الإيمان بالحشر قال الله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: 22]. وقال تعالى: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [ق: 44]. وقال تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 47]. وقال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [البقرة: 203]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين، وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار، تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، تصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا». متفق عليه (¬1). وعن أنس رضي الله عنه: "أن رجلا قال: يا نبي الله، كيف يحشر الكافر، على وجهه؟ قال: «أليس الذي أمشاه على رجلين قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة». قال قتادة: بلى وعزة ربنا". متفق عليه (¬2). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 6522)، ومسلم (رقم 2861). (¬2) البخاري (رقم 6523)، ومسلم (رقم 2806).

باب السؤال يوم القيامة

(17) باب السؤال يوم القيامة قال الله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف: 6]. وقال تعالى: {وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 93]. وقال تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92 - 93]. وقال تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 65]. وقال تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص: 62]. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم». رواه الترمذي وقال: غريب (¬1). وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه». رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬2). * * * * * ¬

(¬1) جامع الترمذي (رقم 2416). (¬2) الترمذي (رقم 2417).

باب

(18) باب قول الله تعالى: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا} [الإسراء: 13]. قال الله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49]. وقال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8]. عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك». فقلت: يا رسول الله، أليس قد قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}؟ [الانشقاق: 7 - 8] فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما ذلك العرض، وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب». متفق عليه (¬1). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 103)، ومسلم (رقم 2876).

باب الإيمان بالميزان

(19) باب الإيمان بالميزان قال الله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 8 - 9]. وقال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرؤوا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}». متفق عليه (¬1). وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «توضع الموازين يوم القيامة فيؤتى بالرجل فيوضع في كفة، فيوضع ما أحصى عليه فتمايل به الميزان»، قال: «فيبعث به إلى النار، فإذا أدبر به إذا صائح يصيح من عند الرحمن يقول: لا تعجلوا لا تعجلوا فإنه قد بقي له، فيؤتى ببطاقة فيها: لا إله إلا الله، فتوضع مع الرجل في كفة حتى تميل به الميزان». رواه الإمام أحمد وسنده حسن (¬2). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه ¬

(¬1) البخاري (رقم 4729)، ومسلم (رقم 2785). (¬2) المسند (2/ 221).

وسلم -: «كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم». متفق عليه (¬1). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 6406)، ومسلم (رقم 2694).

باب الإيمان بالحوض

(20) باب الإيمان بالحوض قال الله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 1 - 2]. عن أنس رضي الله عنه قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا في المسجد إذا غفي إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسما. قلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: «أنزلت عليَّ آنفا سورة» فقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}. [الكوثر: 1 - 3]. ثم قال: «أتدرون ما الكوثر»؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير، وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم، فيختلج العبد منهم، فأقول: ربي، من أمتي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك». رواه مسلم، والإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي (¬1). ¬

(¬1) مسلم (رقم 400)، المسند (3/ 102)، وسنن أبي داود (رقم 784)، والنسائي (رقم 902).

باب الإيمان بالصراط

(21) باب الإيمان بالصراط قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 71 - 72]. وفي حديث أبي هريرة وأبي سعيد الطويل: «ويضرب جسر جهنم فأكون أول من يجيز، ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم، وبه كلاليب مثل شوك السعدان، أما رأيتم شوك السعدان؟»، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «فإنها مثل شوك السعدان، غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله تعالى، فتخطف الناس بأعمالهم، منهم الموبق بعمله، ومنهم المخردل ثم ينجو ... » وذكر الحديث. متفق عليه (¬1). وقال ابن مسعود رضي الله عنه: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}، قال: "الصراط على جهنم مثل حد السيف، فتمر الطبقة الأولى كالبرق، والثانية كالريح، والثالثة كأجود الخيل، والرابعة كأجود البهائم، ثم يمرون والملائكة يقولون: اللهم سلم سلم". رواه ابن جرير (¬2). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 2411، 2412)، ومسلم (رقم 182، 183). (¬2) تفسير الطبري (16/ 110).

باب الإيمان بالجنة والنار وأبديتهما

(22) باب الإيمان بالجنة والنار وأبديتهما قال الله تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21]. وقال تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24]. وقال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 106 - 108]. وعن عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت على النار فرأيت أكثر أهلها النساء». متفق عليه (¬1). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح، ثم ينادي مناد: يا أهل الجنة لا موت، ¬

(¬1) البخاري (رقم 3241)، ومسلم (رقم 2737).

يا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم، وأهل النار حزنا إلى حزنهم». متفق عليه (¬1). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 6548)، ومسلم (رقم 2850).

باب الإيمان بالقدر

(23) باب الإيمان بالقدر قال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ * وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} [القمر: 49 - 53]. وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59]. وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 22 - 23]. قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه لابنه: "يا بني، إنك لن تجد طعم الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة». يا بني إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من مات على غير هذا فليس مني» ". رواه أبو داود (¬1). ¬

(¬1) السنن (رقم 4700).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء». رواه مسلم (¬1). وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كل شيء بقدر، حتى العجز والكيس». رواه مسلم (¬2). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خلق الله تبارك وتعالى كل دابة، وكتب أجلها ورزقها وأثرها». رواه أبو يعلي، والدينوري في المجالسة، والطحاوي، وسنده صحيح (¬3). * * * * * ¬

(¬1) مسلم (رقم 2653). (¬2) مسلم (رقم 2653). (¬3) معاني الآثار (3/ 308).

باب بيان أن الهدى والضلال بيد الله تعالى

(24) باب بيان أن الهدى والضلال بيد الله تعالى قال الله تعالى: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام: 39]. وقال تبارك وتعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: 8]. وقال تبارك وتعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125]. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد، يصرفه حيث يشاء». ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك». رواه مسلم (¬1). وعن عامر بن واثلة أنه سمع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: "الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وُعظ بغيره". فأتى رجلا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقال له: حذيفة بن أسيد الغفاري فحدثه بذلك من قول ابن مسعود فقال: "وكيف يشقى ¬

(¬1) مسلم (رقم 2654).

رجل بغير عمل؟ ". فقال له الرجل: "أتعجب من ذلك؟ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم يقول: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك ثم يقول: يا رب، أجله، فيقول ربك ما شاء، ويكتب الملك ثم يقول: يا رب، رزقه، فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده، فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص». رواه مسلم (¬1). * * * * * ¬

(¬1) مسلم (رقم 2654).

باب

(25) باب قول الله تعالى: {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [الفتح: 6]. وقوله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران: 154]. وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل وفاته بثلاث يقول: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن». رواه مسلم (¬1). وعنه رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يبعث كل عبد على ما مات عليه». رواه مسلم (¬2). * * * * * ¬

(¬1) مسلم (رقم 2877). (¬2) مسلم (رقم 2878).

باب وجوب التسليم للقدر وتحريم الاعتراض

(26) باب وجوب التسليم للقدر وتحريم الاعتراض قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن: 11]. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رجلا أتى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبي الله، أي العمل أفضل؟. قال: «الإيمان بالله وتصديق به، وجهاد في سبيله». قال: أريد أهون من ذلك يا رسول الله، قال: «السماحة والصبر». قال: أريد أهون من ذلك يا رسول الله، قال: «لا تتهم الله تعالى في شيء قضى لك به». رواه الإمام أحمد، قال البوصيري: رواه الطبراني في معجمه بإسنادين أحدهما حسن (¬1). وعن صهيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له». رواه مسلم (¬2). * * * * * ¬

(¬1) إتحاف الخيرة (1/ 48). (¬2) مسلم (رقم 2999).

باب خلق أفعال العباد

(27) باب خلق أفعال العباد قال الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62]. وقال تبارك وتعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17]. وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96]. وقال الله تعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 13 - 14]. وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يصنع كل صانع وصنعته». رواه البخاري في خلق أفعال العباد، وابن أبي عاصم وغيرهما (¬1). * * * * * ¬

(¬1) خلق أفعال العباد (رقم 117)، والسنة لابن أبي عاصم (رقم 358).

باب المشيئة والإرادة

(28) باب المشيئة والإرادة قال الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان: 30]. وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [الأنعام: 35]. وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: 125]. وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]. وعن أبي قتادة رضي الله عنه حين ناموا عن الصلاة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله قبض أرواحكم حين شاء، وردها حين شاء»، فقضوا حوائجهم، وتوضؤوا إلى أن طلعت الشمس، وابيضت فصلى. رواه البخاري (¬1). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 595).

باب لوازم الإيمان وبطلان مذهب المرجئة

(29) باب لوازم الإيمان وبطلان مذهب المرجئة قال الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177]. وعن أبي شريح رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن»، قيل: من يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه». متفق عليه (¬1). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته» قال: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: «يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت». متفق عليه (¬2). وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لوفد عبد القيس: «وآمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. ¬

(¬1) البخاري (رقم 6019)، ومسلم (رقم 48). (¬2) البخاري (رقم 5185)، ومسلم (رقم 47).

قال: «شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وتعطوا الخمس من المغنم». متفق عليه (¬1). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن». رواه البخاري ومسلم (¬2). وعن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله، كيف يحيي الله الموتى؟ قال: «أما مررت بأرض من أرضك مجدبة ثم مررت بها مخصبة؟»، قلت: نعم، قال: «كذلك النشور»، قلت: يا رسول الله، وما الإيمان؟ قال: «أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما، وأن تحرق بالنار أحب إليك من أن تشرك بالله، وأن تحب غير ذي نسب لا تحبه إلا لله، فإذا كنت كذلك فقد دخل حب الإيمان في قلبك كما دخل حب الماء للظمآن في اليوم القائظ». قلت: يا رسول الله، كيف لي بأن أعلم أني مؤمن؟ قال: «ما من أمتي أو هذه الأمة عبد يعمل حسنة، فيعلم أنها حسنة، وأن الله عز وجل جازيه بها خيرا، ولا يعمل سيئة، فيعلم أنها سيئة ويستغفر الله عز وجل منها، ويعلم أنه لا يغفر إلا هو، إلا وهو مؤمن». رواه الإمام أحمد (¬3). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 53)، ومسلم (رقم 17). (¬2) البخاري (رقم 2475)، ومسلم (رقم 57). (¬3) المسند (4/ 11).

باب أقسام التوحيد

(30) باب أقسام التوحيد قال الله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ} [الناس: 1 - 3]. وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: 9]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21 - 22]. وقال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس: 31 - 32]. وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [يونس: 22 - 23].

وقال تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163]. وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180]. وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل: «اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد، أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وأخرت، وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت». متفق عليه (¬1). وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال رجل: يا رسول الله، أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: «أن تدعو لله ندا وهو خلقك»، قال: ثم أي؟ قال: «أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك»، قال: ثم أي؟ قال: «وأن تزاني حليلة جارك»، فأنزل الله عز وجل تصديقها: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا}. متفق عليه (¬2). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 1120)، ومسلم (رقم 769). (¬2) البخاري (رقم 4477)، ومسلم (رقم 86).

باب بيان معنى الإله

(31) باب بيان معنى الإله وهو المعبود الذي تألهه القلوب حبا وذلا وخوفا قال الله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163]. وقال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 59]. وقال عز وجل: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [الأعراف: 65]. وقال تعالى: {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الطور: 43]. وعن أبي واقد الليثي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج إلى حنين مر بشجرة للمشركين يقال لها: ذات أنواط، يعلقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط؟ فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم -: «سبحان الله، هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم». رواه الإمام أحمد، وعبد الرزاق، وأبو يعلى، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح (¬1). * * * * * ¬

(¬1) المسند (5/ 218)، المصنف (رقم 20763)، ومسند أبي يعلى (رقم 1441)، والترمذي (رقم 2181).

باب وجوب حب الله تعالى

(32) باب وجوب حب الله تعالى وأن من أحب معه غيره فقد وقع في الشرك الأكبر قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165]. وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24]. وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني بحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي». رواه الترمذي وقال: حسن غريب، وكذلك قال الحافظ المزي، ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (¬1). وعن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود بالكفر كما يكره أن يقذف في النار». متفق عليه (¬2). ¬

(¬1) جامع الترمذي (رقم 3789). (¬2) البخاري (رقم 16)، مسلم (رقم 43).

وذكر ابن إسحاق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته: «أحبوا ما أحب الله، وأحبوا الله من كل قلوبكم». رواه البيهقي (¬1). * * * * * ¬

(¬1) شعب الإيمان (رقم 408).

باب تفسير العبادة

(33) باب تفسير العبادة قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21 - 22]. وقال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]. وقال تعالى في قصة موسى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 22]. أي: ما أنعمت 'لي في تربيتي في بيتك لا يساوي شيئا مقابل أن جعلت بني إسرائيل عبيدا لك ولقومك، تصرفهم في مشاق أعمالكم. قال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]. وعن أبي أيوب رضي الله عنه أن أعرابيا عرض لرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو في سفر فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها ثم قال: يا رسول الله، أو يا محمد، أخبرني بما يقربني من الجنة، وما يباعدني من النار، قال: فكف النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم نظر في أصحابه، ثم قال: «لقد وفق، أو لقد هدي»، قال: كيف؟ قلت: قال: فأعاد، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم،

دع الناقة». متفق عليه، واللفظ لمسلم (¬1). وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بني الإسلام على خمس، على أن يعبد الله ويكفر بما دونه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان». متفق عليه، واللفظ لمسلم (¬2). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 1396)، ومسلم (رقم 13). (¬2) البخاري (رقم 8)، مسلم (رقم 16).

باب

(34) باب قول الله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} [الشورى: 13]. وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31]. وقال تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]. وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا، فهو رد». متفق عليه، واللفظ لمسلم (¬1). أمره: دينه وشرعه. وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمَّر عليكم عبد، وأنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة». رواه أبو داود، والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬2). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 2697)، ومسلم (1718). (¬2) السنن (رقم 4607)، والجامع (رقم 2676).

باب تفسير لا إله إلا الله

(35) باب تفسير لا إله إلا الله قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64]. وقال تعالى: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آَلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الأحقاف: 21 - 22]. وقال تعالى: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 4 - 5]. وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف: 26 - 27]. وقال تعالى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الأعراف: 70]. وعن سعيد بن المسيب عن أبيه رضي الله عنه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد عنده أبا جهل وعبد الله

بن أبي أمية بن المغيرة، فقال: «أي عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله»، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب؟. فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرضها عليه ويعودان لتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: أنا على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لأستغفرن لك ما لم أنه عنك»، فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113]. وأنزل الله في أبي طالب: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص 56]. متفق عليه (¬1). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 1360)، مسلم (رقم 24).

باب معنى الشرك

(36) باب معنى الشرك وهو أن يجعل لغير الله شيئا من العبادة فالشرك تشبيه المخلوق بالخالق بما هو من خصائص الإلهية. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 3]. وقال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31]. وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} [الروم: 33]. وقال تعالى: {قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 96 - 98]. وقال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65]. وقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ

تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64]. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندا وهو خلقك»، قال: قلت: إن ذلك لعظيم، قلت: ثم أي؟، قال: «أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك» قلت: ثم أي؟ قال: «ثم أن تزاني حليلة جارك». متفق عليه (¬1). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 4477)، ومسلم (رقم 86).

باب أنواع الشرك

(37) باب أنواع الشرك قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 116]. وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165]. وقال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31]. وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18]. وقال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس: 106]. وقال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117]. وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ

كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا، أو مؤمن قتل مؤمنا متعمدا». رواه أبو الدرداء، وابن حبان في صحيحه، والحاكم، والبيهقي (¬1). وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال: «أيها الناس، اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل»، وقال له من شاء أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل؟ قال: «قولوا: اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه». رواه الإمام أحمد (¬2). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه». رواه مسلم (¬3). * * * * * ¬

(¬1) سنن أبي داود (رقم 4270)، الإحسان (رقم 5980)، المستدرك (4/ 351)، وسنن البيهقي (8/ 21). (¬2) المسند (4/ 403). (¬3) مسلم (رقم 2985).

باب بيان شرك المشركين السابقين

(38) باب بيان شرك المشركين السابقين قال الله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18]. وقال تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنعام: 100]. وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} [سبأ: 40]. وقال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: 6]. روى الدرامي عن مجاهد قال: حدثني مولاي أن أهله بعثوا معه بقدح فيه زبد ولبن إلى آلهتهم، قال: فمنعني أن آكل الزبد لمخافتها، قال: فجاء كلب فأكل الزبد وشرب اللبن، ثم بال على الصنم وهو أساف ونائلة. قال هارون: "كان الرجل في الجاهلية إذا سافر حمل معه أربعة أحجار، ثلاثة لقدره والرابع يعبده، ويربي كلبه ويقتل ولده". وذكر عن أبي رجاء قال: كنا في الجاهلية إذا أصبنا حجرا حسنا عبدناه، وإن

لم نصب حجرا جمعنا كثيبة من رمل، ثم جئنا بالناقة الصفي فتفاج فنحلبها على الكثيبة حتى نرويها، ثم نعبد تلك الكثيبة ما أقمنا في ذلك المكان". قال أبو محمد: الصفي الكثيرة اللبن، فتفاج: أي الناقة إذا فرجت بين رجليها، والفج: الطريق الواسع، وجمعه: فجاج (¬1). * * * * * ¬

(¬1) سنن الدرامي (رقم 3، 4).

باب الخوف والرجاء

(39) باب الخوف والرجاء وقال الله تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر: 49 - 50]. وقال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28]. وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 98]. وقال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281]. وقال الله عز وجل: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156]. وعن أنس رضي الله عنه قال: "خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة ما سمعت مثلها قط، فقال: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا»، فغطى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوههم ولهم خنين". متفق عليه (¬1). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا ¬

(¬1) البخاري (رقم 93)، ومسلم (رقم 2359).

إن سلعة الله الجنة». رواه الترمذي وقال: حديث حسن (¬1). وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبي فإذا امرأة من السبي تبتغي إذ وجدت صبيا في السبي فأخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟»، قلنا: لا والله، فقال: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها». متفق عليه (¬2). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لما خلق الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي». متفق عليه (¬3). * * * * * ¬

(¬1) الجامع (رقم 2450). (¬2) البخاري (رقم 5999)، ومسلم (رقم 2754)، واللفظ لمسلم. (¬3) البخاري (رقم 3194)، ومسلم (رقم 2751).

باب الشفاعة

(40) باب الشفاعة قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]. وقال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26]. وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 22 - 23]. وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} [طه: 109]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: «لقد ظننت يا أبا هريرة ألا يسألني عن هذا الحديث أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله، خالصا من قلبه أو نفسه». رواه البخاري (¬1). وعنه رضي الله عنه قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أنزل الله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قال: «يا معشر قريش ـ أو كلمة نحوها ـ اشتروا أنفسكم لا أغنى عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية ¬

(¬1) البخاري (رقم 99).

عمة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئا». متفق عليه، واللفظ للبخاري (¬1). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 2753)، ومسلم (رقم 204).

باب الرياء من الشرك

(41) باب الرياء من الشرك قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]. وقال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: 2]. وقال تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47]. وعن محمود بن لبيد رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: «الرياء، يقول الله يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم، اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء». رواه الإمام أحمد (¬1). وعن أبي سعيد بن أبي فضالة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ليوم لا ريب فيه، نادى فيه مناد: من كان أشرك في عمل عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من عند غير الله، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك». رواه الإمام أحمد، والترمذي وقال: حسن غريب، وابن ماجه، وابن حبان (¬2). ¬

(¬1) المسند (5/ 428، 429)، ورواه الطبراني في الكبير (رقم 4301). (¬2) المسند (4/ 215)، الترمذي (رقم 3154)، الإحسان (رقم 404)، 7345)، ابن ماجه (رقم 4203).

قال يحيى بن كثير: "إن الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به إلى ربه عز وجل، فيقول الرب عز وجل: اجعلوه في سجين، فإنه لم يرد به وجهي". ذكره أحمد بن مروان في كتاب المجالسة. * * * * *

باب أنواع الكفر

(42) باب أنواع الكفر قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34]. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} [الأعراف: 40]. وقال تعالى: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} [الكهف: 35 - 37]. وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية: 32]. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 147]. وقال تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ

الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33]. وقال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [الأنعام: 30]. وقال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31]. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابا: لو كانت لك الدنيا وما فيها أكنت مفتديا بها؟ فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك ـ وأحسبه قال: ولا أدخلك النار ـ فأبيت إلا الشرك». متفق عليه (¬1). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 3334)، ومسلم (رقم 2805).

باب الشرك بعبادة الدنيا

(43) باب الشرك بعبادة الدنيا قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15 - 16]. وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تعس عبد الدينار وعبد الدرهم، والقطيفة والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض». رواه البخاري (¬1). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 2886).

باب النفاق وأقسامه

(44) باب النفاق وأقسامه قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 8 - 9]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة: 51 - 52]. وقال تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 138 - 139]. وقال تعالى: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [الفتح: 6]. وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ

مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [المجادلة: 14 - 16]. وقال تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة: 67]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» (¬1). متفق عليه. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، فمن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها». متفق عليه (¬2). وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أخوف ما أخاف عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان». رواه الفريابي، والطبراني، والبيهقي، وسنده حسن (¬3). وعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه ¬

(¬1) البخاري (رقم 33)، مسلم (رقم 59). (¬2) البخاري (رقم 34)، مسلم (رقم 58). (¬3) صفة المنافق (رقم 24)، شعب الإيمان (رقم 1775).

وسلم - أنه كان يقول: «أكثر منافقي أمتي قراؤها». رواه أحمد، والبخاري في خلق أفعال العباد، والفريابي، وسنده حسن (¬1). * * * * * ¬

(¬1) المسند (2/ 175، 4/ 151، 155)، خلق أفعال العباد (رقم 611، 613، 614)، صفة المنافق (رقم 32، 33، 35، 37).

باب إن المشرك والكافر والمنافق

(45) باب إن المشرك والكافر والمنافق إذا ماتوا على الأكبر أنهم مخلدون في النار قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 6]. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: 140]. وقال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179]. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسند ظهره إلى قبة أدم فقال: «ألا لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد». رواه مسلم (¬1). وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: «هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا؟»، قلنا: لا، قال: «فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما»، ثم قال: «يناد مناد: ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر وغبرات من أهل ¬

(¬1) مسلم (رقم 221).

الكتاب، ثم يؤتي بجهنم تعرض كأنها سراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيرا ابن الله، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولدا، فما تريدون؟ قالوا نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا، فيتساقطون في جهنم. ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولوا: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولدا، فما تريدون؟ فيقولون: أن تسقينا، فيقال: اشربوا، فيتساقطون في جهنم». متفق عليه (¬1). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 4581، 7437)، مسلم (رقم 183).

باب بيان أن المعاصي تنقص التوحيد

(46) باب بيان أن المعاصي تنقص التوحيد وقد تكون سببا لذهابه قال الله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21]. وقال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 28]. وقال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 124 - 125]. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليها فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن، ولا يغل أحدكم حين يغل وهو مؤمن، فإياكم إياكم». متفق عليه، واللفظ لمسلم (¬1). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 2475)، مسلم (رقم 57).

باب أن الطاعات تزيد التوحيد

(47) باب أن الطاعات تزيد التوحيد قال الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة: 124]. وقال تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم: 76]. وقال تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22]. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17]. وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، والحياء شعبة الإيمان». متفق عليه (¬1). وعنه رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا». رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح (¬2). وعن عمر بن عبسة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله، ما الإسلام؟ ¬

(¬1) البخاري (رقم 9)، ومسلم (رقم 35). (¬2) المسند (2/ 50، 472، 527)، السنن لأبي داود (رقم 4682)، الجامع (رقم 1162).

قال: «أن تسلم قلبك لله عز وجل، وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك»، وقال: فأي الإسلام أفضل؟ قال: «الإيمان»، قال: وما الإيمان؟ قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت»، قال: فأي الإيمان أفضل؟ قال: «الهجرة»، قال: وما الهجرة؟ قال: «أن تهجر السوء»، قال: فأي الهجرة أفضل؟ قال: «الجهاد»، قال: وما الجهاد؟ قال: «أن تقاتل الكفار إذا لقيتهم»، قال: أي الجهاد أفضل؟ قال: «من عقر جواده، وأهريق دمه». قال: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثم عملان هما أفضل الأعمال إلا من عمل مثلهما: حجة مبرورة أو عمرة». رواه عبد بن حميد وسنده صحيح (¬1). * * * * * ¬

(¬1) المسند الجامع (رقم 10778).

باب وجوب الإخلاص لله تعالى في جميع الأعمال

(48) باب وجوب الإخلاص لله تعالى في جميع الأعمال قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5]. وقال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 2 - 3]. وقال تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: 11]. وقال تعالى: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر: 65]. وقال تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [غافر: 14]. وقال تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114]. عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه». متفق عليه (¬1). ¬

(¬1) البخاري (رقم 1)، مسلم (رقم 1907).

وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، فقال القوم: ما له، ما له. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أرب ما له» فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم، ذرها» كأنه على راحلته. متفق عليه (¬1). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 1396)، ومسلم (رقم 13).

باب جزاء الإخلاص

(49) باب جزاء الإخلاص قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت: 30 - 31]. وقال تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24]. وقال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 146]. وعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده لا شريك له، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، فارقها والله عنه راض». رواه ابن ماجه، والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم (¬1). وفيه حديث الثلاثة الذين آووا إلى الغار. * * * * * ¬

(¬1) سنن ابن ماجه (رقم 70)، المستدرك (2/ 332).

باب تفسير شهادة أن محمدا رسول الله

(50) باب تفسير شهادة أن محمدا رسول الله ومعناها: تصديقه وطاعته ومتابعته قال الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: 92]. وقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80]. وقال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]. وقال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163]. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان». متفق عليه (¬1). وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله وأني محمدا رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن بالموت، وبالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر». رواه الترمذي، وأحمد، وسنده صحيح (¬2). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 8)، مسلم (رقم 16). (¬2) الجامع (رقم 2145).

باب لا يعلم الغيب إلا الله تعالى

(51) باب لا يعلم الغيب إلا الله تعالى قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [فاطر: 38]. وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59]. وقال تعالى: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [هود: 31]. وقال تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65]. وقال تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 188]. * * * * *

باب وجوب محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم -

(52) باب وجوب محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والفرق بينها وبين محبة الله تعالى قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24]. وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157]. وقال تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2].

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين». رواه البخاري ومسلم (¬1). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده». رواه البخاري (¬2). وعن عبد الله بن هشام رضي الله عنه قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك». فقال: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الآن يا عمر». رواه البخاري (¬3). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 15)، مسلم (رقم 44). (¬2) البخاري (رقم 14). (¬3) البخاري (رقم 3694).

باب وجوب تولي المؤمنين ومحبتهم لله تعالى

(53) باب وجوب تولي المؤمنين ومحبتهم لله تعالى قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71]. وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». متفق عليه (¬1). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم». رواه مسلم (¬2). وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: "بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والسمع والطاعة، والنصح لكل مسلم". متفق عليه، واللفظ للبخاري (¬3). ¬

(¬1) البخاري (رقم 13)، مسلم (رقم 45). (¬2) مسلم (رقم 54). (¬3) البخاري (رقم 57، 2157)، ومسلم (رقم 56).

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر». متفق عليه (¬1). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 48)، مسلم (رقم 64).

باب وجوب الإيمان بصفات الله

(54) باب وجوب الإيمان بصفات الله قال الله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28]. وقال تعالى: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [سبأ: 2]. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58]. وقال تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]. وقال تعالى: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: 7]. وقال تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المجادلة: 22]. وقال تعالى: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} [التوبة: 46]. وقال تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3]. وقال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22]. وقال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27].

وقال تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]. وقال تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48]. وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ} [المنافقون: 8]. وقال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]. وقال تعالى: {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ} [آل عمران: 55]. وقال تعالى: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة: 13]. وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]. وقال تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]. وقال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67]. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: فما

لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وعجزهم؟! فقال الله عز وجل: للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكن واحدة منكما ملؤها، فأما النار فلا تمتلئ فيضع قدمه عليها فتقول: قط قط، فهناك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعض». متفق عليه (¬1). وعن أبي مسعود قال: جاء رجل من أهل الكتاب فقال: يا أبا القاسم، أبلغك أن الله تعالى يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والخلائق على إصبع، والشجر على إصبع، والثرى على إصبع. فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه، فأنزل الله عز وجل: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر]. متفق عليه (¬2). وعن أبي رزين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ضحك ربنا عز وجل من قنوط عباده وقرب غيره»، قال: قلت: أو يضحك الرب عز وجل؟ قال: «نعم»، قلت: لن نعدم من رب يضحك خيرا. رواه الإمام أحمد وابن ماجه (¬3). قال شيخ الإسلام: حديث حسن. * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 4849)، مسلم (رقم 1846). (¬2) البخاري (رقم 4811)، مسلم (رقم 1786). (¬3) المسند (4/ 11، 12)، سنن ابن ماجه (رقم 181).

باب وجوب الإيمان بأسماء الله

(55) باب وجوب الإيمان بأسماء الله قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180]. وقال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * ... } [الحشر: 22] إلى آخر السورة. وقال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]. وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110]. وقال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 17]. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 104]. وقال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 96]. وقال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 99]. وقال تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 166].

وقال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134]. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 24]. وقال تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء: 81]. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء: 86]. وقال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا} [النساء: 126]. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. وقال تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} [النساء: 45]. وقال تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3]. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40]. وقال تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج: 62]. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [الحج: 63].

وقال تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحج: 64]. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143]. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 20]. وقال تعالى: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج: 13 - 16]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن لله تسعة وتسعين اسما مئة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة». متفق عليه (¬1). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 2736)، مسلم (رقم 2677).

باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو الرسول

أبواب نواقض الإيمان (56) باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو الرسول فقد كفر قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: 65 - 66]. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما أرينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنة، ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل في المجلس: كذبت ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ونزل القرآن. قال عبد الله بن عمر: فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنكبه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «{أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ما يزيده». رواه ابن جرير بسند صحيح (¬1). * * * * * ¬

(¬1) تفسير الطبري ({قم 16911)، تحقيق محمود شاكر.

باب من استهزأ بشيء من دين الله فقط كفر

(57) باب من استهزأ بشيء من دين الله فقط كفر قال الله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة: 14 - 16]. وقال تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأنعام: 10]. وقال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ} [المؤمنون: 109 - 110]. وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: لما أمرنا بالصدقة كنا نتحامل، فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون، إن الله لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رئيا، فنزلت الآية: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 79]. متفق عليه (¬1). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 1415)، مسلم (رقم 1018).

باب من سب الله فقد كفر ووجب قتله

(58) باب من سب الله فقد كفر ووجب قتله قال الله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 108]. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [الأحزاب: 57]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يقول الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار». متفق عليه (¬1). وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له ولدا ثم يعافيهم ويرزقهم». متفق عليه (¬2). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا ¬

(¬1) البخاري (رقم 4826)، مسلم (رقم 2246). (¬2) البخاري (رقم 6099)، مسلم (رقم 2804).

أحد». رواه البخاري (¬1). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إذا وقع السب لله من مسلم وجب قتله بالإجماع؛ لأنه بذلك كافر مرتد، بل أسوأ من الكافر". * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 3193).

باب فيمن سب الدهر

(59) باب فيمن سب الدهر قال الله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: 24]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قال الله: يسب بنو آدم الدهر، وأنا الدهر، بيدي الليل والنهار». متفق عليه (¬1). * * * * * ¬

(¬1) تقدم في الباب الذي قبله.

باب من سب الرسول فقد كفر ووجب قتله

(60) باب من سب الرسول فقد كفر ووجب قتله قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [الأحزاب: 57]. وقال تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: 64 - 66]. وعن علي رضي الله عنه أن يهودية كانت تشتم النبي - صلى الله عليه وسلم - فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دمها. رواه أبو داود غيره (¬1). وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، فلما كانت ليلة جعلت تقع في النبي - صلى الله عليه وسلم - وتشتمه، فأخذ المغول (¬2) فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها، فلما أصبح ذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فجمع الناس فقال: «أنشد الله رجلا فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام»، فقام الأعمى يتخطى الناس هو يتدلدل حتى قعد بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أنا صاحبها، كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا ¬

(¬1) السنن (رقم 4362). (¬2) المغول بالغين المعجمة وهو السكين.

تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، لما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليه حتى قتلتها. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألا اشهدوا أن دمها هدر». رواه أبو داود والحاكم وصححه، وقال الحافظ: رواته ثقات (¬1). * * * * * ¬

(¬1) السنن (رقم 4361)، والمجتبي (رقم 4084)، والمستدرك (4/ 35).

باب حكم من سب أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -

(61) باب حكم من سب أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أو رماهن بالفاحشة قال الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]. وقال تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [النور: 26]. قال أبو يعلى: من قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه فقد كفر بلا خلاف. قال شيخ الإسلام: "وقد حكى الإجماع على هذا غير واحد، وصرح غير واحد من الأئمة بهذا الحكم. والصحيح أن من قذف واحدة من أمهات المؤمنين فهو كقذف عائشة رضي الله عنها؛ لأن فيه عار وغضاضة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأذى له أعظم من أذاه بنكاحهن بعده". وأما من سب واحدة منهن فهو كسب الصحابة، واختلف فيه بين مكفر ومفسق. * * * * *

باب فيمن سب صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

(62) باب فيمن سب صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]. وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29]. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه». متفق عليه (¬1). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر». رواه مسلم (¬2). * * * * * ¬

(¬1) البخاري (رقم 3673)، مسلم (رقم 2541). (¬2) مسلم (رقم 77).

باب من أشرك بالله فقد كفر

(63) باب من أشرك بالله فقد كفر قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 116]. وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72]. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت مشركا أو يقتل مؤمنا متعمدا». رواه أبو داود، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد (¬1). وعن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من لقي الله لا يشرك به شيئا لم تضره خطيئة، ومن مات وهو يشرك بالله شيئا لم تنفعه معه حسنته». رواه الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، ولكن الراوي عن عبد الله بن عمرو لم يسم (¬2). * * * * * ¬

(¬1) السنن (رقم 4270)، الإحسان (رقم 5980)، المستدرك (4/ 351). (¬2) المسند (4/ 170).

باب ما جاء في السحر

(64) باب ما جاء في السحر قال الله تعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69]. وقال تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102]. وقال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: 102]. وقال ابن جريج: لا يجترئ على السحر إلا كافر. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: من أتى كاهنا أو ساحرا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -. رواه البزار بسند جيد، ورجح الدارقطني وقفه (¬1). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «اجتنبوا السبع الموبقات»، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات». متفق عليه (¬2). قال في الإقناع: ويكفر بتعلمه السحر وتعليمه، سواء اعتقد تحريمه أو إباحته. ¬

(¬1) مسند البزار (رقم 1873). (¬2) البخاري (رقم 2866)، مسلم (رقم 89).

باب من تولى الكفار فقد كفر

(65) باب من تولى الكفار فقد كفر قال الله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22]. وقال تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران: 28]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 57]. والآيات في هذا كثيرة. وعن جرير بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية إلى خثعم، فاعتصم ناس بالسجود فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر لهم بنصف العقل، وقال: «أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين»، قالوا: يا رسول الله ولم؟ قال: «لا تراءى ناراهما». رواه الترمذي، وأبو داود (¬1). * * * * * ¬

(¬1) سنن الترمذي (رقم 1604)، وسنن أبي داود (رقم 2645).

§1/1