المنمق في أخبار قريش
محمد بن حبيب البغدادي
مقدمة المصحح
مقدمة المصحح بسم الله الرّحمن الرّحيم منذ خمسين سنة أو أكثر كان عند رجل من مجتهدي الإمامية بمدينة لكناؤ في شمال الهند كتاب المنمق المنسوب إلى محمد بن حبيب البغدادي المتوفى سنة 245 هـ/ 859 م، وكان اسم الرجل ناصر حسين، وكان يضن بالمنمق لندرته فإنه لا يوجد في المكاتب المعروفة في العالم نسخة أخرى له كما يشهد على ذلك بروكلمان في تاريخ أدب العرب [1] ، وفي سنة 1925 م سمع بعض رجال العلم في الهند عن المنمق، من بينهم الأستاذ الميمني السيد سليمان الندوي المغفور له مدير مجلة المعارف، فزاروا مكتبة المجتهد المذكور وقرأوا المنمق وعرفوا ما احتواه من المعارف القيمة، فنعتوه في المجالس ونوّهوا بذكره في المجلات العلمية، ثم طلبت دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد (الهند) من المجتهد ناصر حسين أن يسمح بنقله للنشر، فأبى، فتحركت سلطات حكومة النظام بحيدرآباد، فأتاه ما لا قبل له بدفعه، فأذن لدائرة المعارف في نقله، فنسخه رجل عالم فيما أخبروني من خريجي مدرسة فرنغي محل بلكناؤ تحت إشراف الدائرة في سنة 1932 م، فسارت الأيام سيرها ولم يطبع الكتاب ولم يزل محفوظا في خزانة الدائرة لأكثر من ثلاثين سنة، حتى طلب مني الدكتور محمد عبد المعيد خان مدير دائرة المعارف وأستاذ العربية بجامعة حيدرآباد في يوليو سنة 1963 م وأنا في حيدرآباد أبحث عن بعض الكتب المهمة لي أن أقوم بتصحيحه، فاعتذرت إليه واعتللت بأشغالي العلمية التي استغرقت كل
أوقاتي، فلم يستمع إلي ولم يزل يحثني حث صديق كريم حتى لم أجد غير التسليم سبيلا، وإني شاكر له ثقته لي. وفي مستهل أغسطس سنة 1963 م بدأت في مهمتي، وكان المدير ألزمني ختم التصحيح والتعليق في ثلاثة أشهر لأنه كان مأخوذا من قبل الحكومة بأن يتم الطبع قبل مضي السنة المالية وهي تنتهي في مارس، فلما تصفحت الكتاب شعرت بأنه لا يمكنني إتمامه في الموعد المحدد إلا أن أبذل أقصى مجهودي، فتركت سائر أشغالي ما عدا واجباتي التدريسية بالجامعة، وقصرت همتي على المنمق، ومع ذلك كان سيري بطيئا والسبب أن الكتب عندي لم تكن كافية لأداء حق التصحيح، والدائرة لا تعير كتبها، ومكتبة جامعة دهلي ليست غنية في الكتب، فضاع كثير من وقتي في طلب حل مشاكل الكتاب هنا وهناك بغير جدوى وفي انتظار بعض الكتب المهمة من مكاتب خارج العاصمة، كان هذا شأن المطبوعات، فأما المخطوطات فلم يكن عندي واحدة منها، فكم مضت عليّ ساعات القلق والحيرة في تصحيح كلمة محرفة أو اسم ممسوخ، وكم وددت أن أنساب قريش للزبير بن بكار وأنساب الأشراف للبلاذري وتاريخ دمشق لابن عساكر كانت في متناولي، فإني كنت واثقا ولا أزال أن فيها مفتاح كثير من مشاكل المنمق. وبعد أن قرأت الكتاب مستوعبا وفرغت من نسخ معظم حواشيه سافرت إلى لكناؤ في منتصف أكتوبر سنة 1963 م لمراجعة الأصل ولمقارنة نسختي به، وهذا الأصل وهو أصل فريد لا يوجد له ثان في أية مظنة من مظان الكتب كما قلت آنفا بالمكتبة الناصرية بلكناؤ، التي يتولاها ابن لناصر حسين المغفور له الذي أشرت إليه من قبل، وإن هذه المكتبة لمكتبة عامة منحتها حكومة أتربرديش مبلغا خطيرا لبناء عمارتها [1] بصفة كونها مكتبة مخطوطات ثمينة لإفادة الخاص والعام، أما الأمر فليس كذلك فإن الابن المتولي لا يزال يعتبرها [1] ملكا فرديا وورثة ورثها [2] من أبيه فلا يسمح لأحد بأن ينقل شيئا من كتب المكتبة أو يقابل بها نصا أو عبارة أو شعرا. فلما قابلته وطلبت
منه الإذن رفض طلبي وألقى بمعاذير تأباها المروءة والعقل، وقال إنه لا يستطيع أن يتفضل بأكثر من أن يأذن لي في مطالعة الكتاب، فجاء الكتاب وبدأت أقلب أوراقه وابن المجتهد بجانبي وبعض أعوانه على يميني ويساري لئلا أكتب منه شيئا، وكانت طائفة من الكلمات المحرفة في نسختي وأبياتها مستحضرة لي، فقابلتها بالأصل ووجدتها محرفة كما في نسختي، وتبين لي من هذا ومن تصفح عدد كبير من صفحاته أن نسختي نسخت موافقة للأصل وأن الناسخ ربما لم يخطئ في النسخ إلا قليلا. والأصل مكتوب بخط [1] النسخ كتابة غير رديئة واضحة في الجملة غير أن ناسخ الأصل أحيانا كتب الميم بحيث التبست بالحاء، والميم بحيث التبست باللام، والتاء بالنون وبالعكس، وتبين لي أيضا أن ناسخ نسختي نسخها بالاحتياط والاجتهاد وأن أكثر الأخطاء والتحريفات التي وجدت فيها جاءت من ناسخ الأصل. وفي منتصف نوفمبر سنة 1963 م بعثت إلى أستاذي المحقق الفاضل عبد العزيز الميمني، عضو المجمع [2] العلمي السوري، ورئيس قسم العربية بجامعة عليكره سابقا بعدة أبيات المنمق لم أستطع تمييزها، فتفضل ببعض التصحيحات، ومتعني بتوجيهات نافعة عن المنمق، وأعتذر في ختام خطابه قائلا: «وقل ما أعرف هؤلاء الشعراء وأبياتهم التي نقلتها في ورقتين ولا أقدر على التصفح والبحث، ولو تقدمت بكتابك في وسط أغسطس وجدت أنا في الوقت مراغما كثيرا وسعة» . وإني أنتهز هذه الفرصة لتقديم امتناني إليه وإلى صديقي: أبي المحفوظ معصوم الكريم أستاذ تاريخ الإسلام بالمدرسة العالية بكلكتا الذي ساعدني باجتهاداته في بعض [3] الكلمات المصحفة [3] أما محمد بن حبيب صاحب المنمق، فإنه من الموالي، والموالي حملة العلم في العصر العباسي كما كانوا في العصر الأموي، أمه حبيب [4] مولاة بني هاشم، من
أسرة العباس بن محمد وهي الأسرة الحاكمة، وكان محمد مؤدبا لولد العباس بن محمد والعباس هذا أخو خليفتين- أبي العباس السفاح وأبي جعفر المنصور- وقرأ ابن حبيب على ابن الأعرابي العالم الشهير الذي درس لأربعين سنة في بغداد عن حفظه، ولم ير قط في يده كتاب، وحضر حلقات عدة لأفاضل بغداد منهم هشام بن محمد الكلبي (م 6. 2/ 821) الباحث الكبير والجامع البارز في عصر الرشيد والمأمون الذي اشتهر بتأليف نحو مائة وخمسين مؤلفا في تاريخ العرب وأنسابهم وأيامهم وأشعارهم وأدبهم وما إلى ذلك، وهو أغزر مأخذ ابن حبيب في المنمق، ومنهم أبو عبيدة (م 9. 2/ 824) المحقق الكبير الذي غلب عليه التاريخ واللغة والغريب والذي ألف أكثر من مائة كتاب معظمها في نواح [1] مختلفة لتاريخ العرب في الجاهلية والإسلام، وهو الذي أول من صنف في غريب القرآن فأصبح لذلك هدف الطعن من منافسيه وحاسديه من أهل الحديث وغيرهم، ومنهم قطرب (م 6. 2/ 821) مؤلف أكثر من سبعة عشر كتابا والذي كان مثل ابن حبيب مؤدبا لولد كبير من كبراء الدولة، ومنهم أبو اليقظان (م 190/ 805) الذي تخصص بالنسب والتاريخ والمآثر والمثالب وخلف مؤلفات عديدة مفيدة، ولكن الذي غلب على ابن حبيب من بين شيوخه فهو هشام بن محمد الكلبي، ولا شك أنه كان عالما. كثير البحث، واسع الخبرة حتى جعله غزارة علمه، وتبحره في شتى نواحي المعارف عرضة طعن منافسيه من علماء الدولة، فأصبح ابن الكلبي أسوة ابن حبيب، فروى كتبه واقتبس منها على نطاق واسع في الكتب التي ألفها ومن بينها المنمق، وكما أن ابن الكلبي، ألف كمية ضخمة من الكتب في سائر أنواع العلوم السائدة غير الطبيعية ولا سيما في الأصناف التي كانت مختارة عند الجمهور، وعند الطبقات الحاكمة كالنسب والتاريخ والجغرافيا والشعر واللغة والقرآن والحديث- فكذلك ابن حبيب وهو من معجبي ابن الكلبي، ألف كتبا كثيرة في هذه المواضيع حاشا القرآن فإنه قلما تعرض أحد لتفسيره في ذلك العصر وهو عصر المأمون والمتوكل الذي كان فيه صراع عنيف بين المعتزلة وهم قادة الخواص وبين المحدّثين وهم قادة العوّام، أو تصدى لغريب القرآن إلا
طعن فيه المحدثون والمنافسون ونسبوه إلى البدعة وحاولوا إرغامه، لكن ابن حبيب لم يبلغ ذروة ابن الكلبي لا في تنوع المؤلفات ولا في كثرتها، فإن إزاء مائة وخمسين مؤلفا اشتهر بتأليفها ابن الكلبي، لم يزد كتب ابن حبيب بضعة وأربعين في النسب والتاريخ واللغة والشعر، ولو كان بعض مؤلفاته أغزر مادة وأجمع نادرة من مؤلفات ابن الكلبي، ومع أن عامة المحدثين وكثيرا من علماء الدولة طعنوا في ابن الكلبي وقدحوا في رواياته وضعّفوه وكذبوه لبروزه في سائر أنواع العلوم النقلية، ولتدخله في حقل القرآن والحديث ولاتصاله بالخلفاء، لم يتهم أحد ابن حبيب ولا شكّ [1] في صدقه لأنه لم يتعرض للقرآن ولأنه لم يكن محسودا ولم يكن له شهرة علمية كشهرة ابن الكلبي ولم يكن له جاه ولا منزلة في الدوائر الحاكمة ولدى طلاب العلم ولأنه كان يعيش معتزلا عن الناس ليست له حلقة التلامذة في الجامع ولأنه اشتغل بكسب رزقه كمؤدب وبكتبه في منزله. قال الخطيب في تاريخ بغداد 2/ 277 و 278: كان ابن حبيب عالما بالنسب وأخبار العرب موثقا في روايته. وفي إرشاد الأريب 6/ 473: ذكره المرزباني (297- 378/ 909- 988) فقال: وقال عبد الله بن جعفر: من علماء بغداد باللغة والشعر والأخبار والأنساب الثقات محمد بن حبيب ويكنى أبا جعفر وكان مؤدبا ولا يعرف أبوه وإنما نسب إلى أمه وهي حبيب وهو ممن يروي كتب ابن الأعرابي وابن الكلبي وقطرب وكتبه صحيحة، وله مصنفات في الأخبار منها المحبر والموشى وغيرهما. وفي الفهرست ص 150: كان من علماء بغداد بالأنساب والأخبار واللغة والشعر والقبائل وعمل قطعة من أشعار العرب، روى عن ابن الأعرابي وقطرب وأبي عبيدة وأبي اليقظان وغير هم وكان مؤدبا وكتبه صحيحة. وليلاحظ هنا أن هذه الآراء عن صحة كتب ابن حبيب ليست صحيحة صحة مطلقة، [2] فإنا نجد في المنمق أحيانا روايات ضعيفة يختارها بغير تحقيق، لأنها توافق هواه والهدف الذي يرمي إليه وهو إرضاء الأسرة الحاكمة، ففيه مثلا أحاديث عديدة واهية في مناقب قريش والعباس بن
عبد المطلب لم يوثقها نقدة الحديث وكذلك فيه تصريحات تناقض التي أوردها نفسه في المحبر وقد أشرت إليه في الحواشي. وإن كان ابن حبيب لم يشك فيما أعلم في صحة رواياته فإنه قدح في أمانته العلمية وذلك أنه كان يدخل مواد كتب المؤلفين الآخرين في كتبه دون أن يقر بذلك، قال المرزباني: وكان محمد بن حبيب يغير على كتب الناس فيدّعيها ويسقط أسماء هم، فمن ذلك الكتاب الذي ألفه إسماعيل بن [أبي] عبيد الله واسم أبي عبيد الله معاوية وكنيته هي الغالبة على اسمه، فلم يذكرها لئلا يعرف، وابتدأ، فساق كتاب الرجل من أوله إلى آخره فلم يخلطه بغيره ولم يغير منه حرفا ولا زاد فيه شيئا، فلما ختمه اتبع ذلك بذكر من لقب من الشعراء ببيت قاله ... وأحسب أن الذي حمله على ذلك أن كتاب إسماعيل هذا لم يكثر روايته ولا اتسع في أيدي الأدباء، فقدّر ابن حبيب أن أمره ينستر وأن إغارته عليه تميت ذكر صاحبه. وفي إسناد آخر للمرزباني: كان علي بن العباس الرومي يختلف إلى محمد بن حبيب لأن محمدا كان صديقا لأبيه العباس بن جورجس وكان يخص عليّا لما يرى من ذكائه، فحدث علّي عنه أنه كان إذا مر به شيء يستغرب ويستجيده يقول لي: يا أبا الحسن ضع هذا في تأمورك [1] . وكان كثير من أهل العلم الذين عاشوا في ظل الدولة أو تمنوا الاتصال بها والتمتع بجوائز الخلفاء والأمراء وبعز الجاه يؤلفون في المواضيع التي يقترحها الخلفاء وأمراؤهم أو التي تعجبهم أو توافق أهواءهم وآراءهم ونزعاتهم ثم يهدونها إليهم وينسبونها لهم، وكان من بين هذه المواضيع في أوائل العصر العباسي لتاريخ قريش وهم قبيلة الخلفاء ثم تاريخ الأسرة الحاكمة وهم بنو هاشم أهمية بالغة، فنرى المؤلفين منذ الربع الآخر للقرن الثاني إلى النصف الأول من القرن الثالث أنهم ألفوا عشرات من الكتب في تاريخ قريش في نواحيه المختلفة وحول شخصياتهم البارزة من سلالة عبد مناف وفي فضائل عبد المطلب والعباس وما إلى ذلك، وكان في طليعة هؤلاء المؤلفين عبد العزيز بن عمران القرشي المعروف بابن أبي ثابت الأعرج المدني (م 197/ 812) الذي انتقل من المدينة إلى بغداد واتصل بالوزير الكبير
للدولة يحيى بن خالد البرمكي وتخصص بالأنساب وتاريخ قريش. وأبو البختري وهب بن وهب المدني القرشي (م 200/ 815) المتخصص بالفقه والأنساب والأخبار والذي اتصل بالدولة وتولى القضاء من قبل الرشيد ثم إمارة المدينة، وهشام ابن الكلبي (م 206/ 821) وأبو عبيدة معمر (م 209/ 824) وقد عرفنا هذين من قبل، وإني ذاكر هنا الكتب التي ألفها هؤلاء الأربعة [1] في تاريخ قريش وأجداد الأسرة الحاكمة والتي اقتبس منها ابن حبيب في المنمق على نطاق واسع: 1- عبد العزيز بن عمران المعروف بابن أبي ثابت- كتاب الأحلاف- أي الأحلاف التي عقدتها قريش. 2- أبو البختري وهب بن وهب (1) كتاب صفة النبي (2) كتاب الفضائل الكبير وفيه فضائل قريش (3) كتاب نسب ولد إسماعيل وفيه تاريخ قريش وبني عبد المطلب. 3- هشام بن محمد الكلبي (1) كتاب حلف عبد المطلب وخزاعة. (2) كتاب حلف الفضول وقصة الغزال (3) كتاب المنافرات (4) كتاب بيوتات قريش (5) كتاب أخبار العباس بن عبد المطلب (6) كتاب شرف قصي بن كلاب وولده في الجاهلية والإسلام (7) كتاب ألقاب قريش. (8) كتاب نوافل قريش (9) كتاب صنائع قريش (10) جمهرة الأنساب. 4- أبو عبيدة معمر بن المثنى (1) كتاب المنافرات (2) كتاب الحمس من قريش (3) كتاب خبر البراض (4) كتاب القبائل (5) كتاب الأيام. إن أقدم مؤلف عربي ذكر مؤلفات ابن حبيب فيما أعلم هو ابن النديم (م 385/ 995) الذي يقول في الفهرست ص 155: وله (يعني ابن حبيب) من الكتب: كتاب الأمثال على أفعل (2) كتاب النسب (3) كتاب السعود والعمود (4) كتاب العمائر والربائع في النسب (5) كتاب الموشح (6) كتاب المؤتلف والمختلف في النسب (7) كتاب المحبّر (8) كتاب المقتنى (9) كتاب غريب الحديث (10) كتاب الأنواء (11) كتاب المشجر (12) كتاب الموشا
(الموشى) (13) كتاب من استجيبت دعوته (14) كتاب أخبار الشعراء وطبقاتهم (15) كتاب نقائض جرير وعمر بن لجأ [1] (16) كتاب نقائض جرير والفرزدق (17) كتاب المفوف [2] (18) كتاب تاريخ الخلفاء (19) كتاب من سمي ببيت قاله (20) كتاب مقاتل الفرسان (21) كتاب الشعراء وأنسابهم (22) كتاب العقل (23) كتاب كني [3] الشعراء. (24) كتاب السمات [4] (25) كتاب أمهات النبي صلى الله عليه وسلم (26) كتاب أيام جرير [5] التي ذكرها في شعره (27) كتاب أمهات أعيان بني عبد المطلب (28) كتاب المقتبس (29) كتاب أمهات السبعة [6] من قريش (30) كتاب الخيل (31) كتاب النبات (32) كتاب الأرحام التي بين رسول الله وبين أصحابه سوى العصبة (33) كتاب ألقاب اليمن [7] ومضر وربيعة (34) كتاب الألقاب (35) كتاب القبائل الكبير والأيام. لا نجد في هذه القائمة ذكر المنمق، ويأتي ياقوت (م 626/ 1228) على نحو قرن بعد ابن النديم فيذكر ابن حبيب في إرشاد الأريب ويذكر مؤلفاته نقلا عن الفهرست ويضيف إلى قائمة ابن النديم خمسة كتب أخرى في الشعر والشعراء فيصير عدد مؤلفاته أربعين مؤلفا، ويقول ياقوت إن لابن النديم كتاب الأمثال على أفعل ويسمى المنمق، وهذه الزيادة ليست في الفهرست كما تعلم وهو مأخذ ياقوت غير أنه يموت على ربع قرن بعد ياقوت في 650/ 1252 وهو مؤلف شهير في اللغة صنف قاموسا عظيما سماه التكملة وجمع فيه ما فات الجوهري صاحب الصحاح وذيل عليها
واعتمد في جمعه على زهاء ألف كتاب ذكر قسما منها في آخر التكملة ومن بينها الكتب الآتية لابن حبيب: المنمق، والمنمنم، والمحبر، والموشى، والمفوف، والمؤتلف والمختلف، وما جاء اسمان أحدهما أشهر من صاحبه، وكتاب الطير، وكتاب النخلة، [1]- هذه تسعة كتب منها أربعة في قائمة الفهرست، وياقوت، والخمسة الباقية جديدة فتبلغ بها عدة مؤلفات ابن حبيب خمسة وأربعين [2] مؤلفا والمطبوع منها فيما أعلم ستة وهي: المحبر، وكتاب المغتالين [3] ، ومن لقب ببيت شعر قاله، وكنى الشعراء، وألقابهم، وأمهات النبي. ويظهر لي أن المنمق الذي ذكره الصغاني هو ليس كتاب الأمثال على أفعل كما قيل في إرشاد الأريب، بل هو كتاب تاريخ قريش الذي نحن في صدده، والدليل على ذلك أن طائفة من الكلمات الغريبة التي جاءت في المنمق لم أجدها في قاموس آخر مع بحثي عنها، ولعل سبب غرابة الكتاب وندرته أن فيه روايات حول الصحابة وأكابر الإسلام الأولين لا يرضاها المسلمون فإنها تلقى ضوءا منكرا على بعض شئون حياتهم، فلم ينل الكتاب حظا عند الناس ولم يروه الرواة ولم ينسخه النساخ فكسدت سوقه ولم يشتهر. والعجب الآخر أننا لا نعرف اسم الراوي الذي يقدم لنا المنمق فإن الكتاب يبتدئ بهذه العبارة: أخبرنا أبو الحسن محمد بن العباس الحنبلي قال: أخبرنا محمد بن حبيب، فمن هذا الذي يخبرنا عن أبي الحسن؟ ويزعم هذا المخبر المجهول أن أبا الحسن محمد بن العباس سمع عن ابن حبيب وهذا مستحيل لأن أبا الحسن محمد بن العباس لم يكن موجودا في حياة ابن حبيب البتة فإنه ولد حوالي سنة 310 هـ/ 922 م ومات سنة 384 هـ/ 994 م وكان ابن حبيب قد توفي سنة 245 هـ/ 859 م نحو قرن ونصف قبل أبي الحسن، ويحتمل أن يكون هذا الإسناد منقوصا نقصه بعض النساخ ونستطيع أن نصلحه كما يلي: أخبرنا أبو الحسن محمد بن العباس عن أبيه عن أبي سعيد
السكري قال أخبرنا محمد بن حبيب، فإننا نستفيد من تاريخ بغداد للخطيب 3/ 122 أن أبا الحسن محمدا وهو جامع عظيم للتاريخ والحديث والتفسير كان يروي عن أبيه العباس والعباس هذا كان يحدث عن أبي سعيد السكري تلميذ ابن حبيب وروايته. وتحتوى نسختنا وهي نقل التي بالمكتبة الناصرية بلكناؤ على ثلاثمائة وخمسين صفحة الخمسة الأخيرة منها لأبي سعيد السكرى تلميذ ابن حبيب الذي أكثر النقل عن شيخه وهو يذكر فيها وفادة عبد المطلب لسيف ابن ذي يزن مع شخصيات بارزة أخرى من قريش حين تملك سيف على اليمن بنصرة الفرس وأشار فيها إلى تكهن سيف عن بعثة محمد النبي في قريش، أدخل السكري هذه القصة لأن شيخه كطائفة من المؤرخين العظام مثل الطبري أغفل عنها وهي تتعلق بقريش. أما مسطر النسخة فهو 4/ 3 9 ضرب در 8 وفي كل صفحة خمسة عشر سطرا بخط النسخ ويكثر فيها كما قلت من قبل الأخطاء والمحرفات. ولا يوجد فيها مقدمة ولا انتساب ولا فهرست وكذلك لا يوجد فيها تاريخ كتابتها، وإن أقدم تاريخ ختم الكتاب المكتوب في الصفحة الأخيرة منه لقارئه عبد الرحمن ابن يحيى الإدريسي هو 1199 هـ/ 1784 م، ونقدر أن نستدل من هذا التاريخ ومن كثرة الأخطاء فيه على أن أصله بالناصرية بلكناؤ ليس قديما جدا، ربما لا يكون أقدم من ثلاثمائة سنة، ويوجد في النسخة بياض بقدر أربعة أسطر (ص 502) تحت عنوان من حد من قريش، وإني بحثت عن هذا البياض في النسخة [1]
المنقولة عنها فإذا هو موجود فيها، يظهر أن ناسخا من نساخ الكتاب محا أسماء بعض الصحابة استنكارا لذكرهم فيمن ضرب في الخمر، وتشتمل النسخة على أخبار قريش كما صرح في أول صفحتها تحت اسم الكتاب- أي أخبارهم في الجاهلية وصدر الإسلام ولكن معظمها تتعلق بالجاهلية ولم يرد فيها ذكر القبائل الأخرى إلا ضمنا، وهذه الأخبار لا تتعدى خمسين سنة قبل ميلاد النبي ونحوها بعد الإسلام وهي تتضمن نواحي مختلفة من حياة قريش ولكنها ليست مرتبة حسب السنين أو الحوادث بل هي مجموعة روايات عن غير واحد من الرواة حول حوادث متفرقة في حياة قريش أو شخصياتهم البارزة، والنواحي التي استغرقت قسما كبيرا من الكتاب هي حروب الفجار وأحلاف قريش ودور لعبه فيهما أعيان قريش من بني عبد مناف، ومنافرات بني هاشم وبني عبد شمس وذكر ولاية الكعبة والصراع الذي جرى من أجلها بين الأسرتين، وذكر عمائدهما ثم حروب بني عدي بن كعب بن لؤي في الإسلام وهي الحروب التي جرت بين بني عمر بن الخطاب وبين بني جهم بن حذيفة وبني مطيع وجدهم واحد في منتصف القرن الأول، ويتخلل الكتاب أبيات لم أعثر على كثير منها في مراجعي. ومن مزايا المنمق أنه كتاب منفرد في بابه جامع لما لم يصلنا مجموعا حتى الآن في أخبار قريش وأنه يلقى ضوءا جديدا على بعض نواحيها الغامضة ويزيل عن أفقها بعض الغيوم. ومن مزاياه أنه لا يقتصر على روايات ابن الكلبي فحسب حول حادثة أو شخص بل أحيانا يورد عنهما روايات من رواة آخرين فنتمكن من المقارنة بينهما ومن إصلاح نقص وإزالة التباس أو إبهام يوجد في إحداهما. ومن مزاياه أن مؤلفه اجترأ على إيراد عدة أخبار تكشف القناع عن مساوي أكابر قريش المسلمين وزلاتهم كما نراها في فصول عقدها عن حروب بني عدي وعمن حد من الصحابة وأبنائهم في الخمر والسرق. ومن مزاياه أنه يحتوي على قسط وافر من مواد جديدة لم أطلع عليها في أمهات مراجعي المطبوعة كسيرة ابن هشام وطبقات ابن سعد والجزء الأول
المطبوع من أنساب الأشراف، ونسب قريش لمصعب الزبيري، وأخبار مكة للأزرقي، والمحبر، وشرح نهج البلاغة، ويظهر من إحصائي أن مواد أكثر من نصف الكتاب لا يشترك فيها مشترك من الكتب المطبوعة التي بأيدينا، أما المحبر وهو في خمسمائة صفحة فلا يزيد ما يشركه مع المنمق من المضمون أكثر من نحو خمسين صفحة. ومن عيوب الكتاب أنه مسودة لم تبيض ولم تنقح ولم تهذب وأحسب أن ابن حبيب جمعه كدفتر للمراجعة والاقتباس والاستفادة عند تأليف كتبه وأنه لم يجمعه كما هو للنشر والرواية. ويبدو أن الكتاب وقع بعد موته إلى أحد تلامذته فرواه كما وجده. ومنها أن أمارات العجلة وضعف التأليف وسوء صياغة العبارة ظاهرة في كل صفحة منه، فقلما تجد في نصوصه النثرية كلاما محكم السبك، متراصف النظم، منسوجا على منوال البلاغة وإني ذاكر فيما يلي ثلاثة أمثلة على ذلك: 1- وخرج بشر بن أبي خازم حتى تقدم سوق عكاظ فيجد الناس بعكاظ- ص 168. 2- ثم إن الناس تداعوا إلى السلم على أن يدي الفضل من القتلى الذين فيهم- أي الفريقين الفضل على الآخر، ص 183- يريد أن يقول: ثم إن الناس تداعوا إلى السلم على أن يدي من عليه الفضل في القتل الفضل إلى أهله. 3- وأجار لهم أموالهم بعدهم من الخروج عبد الله ابن معرور- ص 269. ومنها أنه يذكر أحيانا في الإسناد ونص الكتاب اسم رجل دون نسبه أو يأتي بكنية راو دون ذكر اسمه ونسبه أو يقتصر على ذكر نسبته مع أن عدة رواة يشتركون معه في الكنية فيسبب الالتباس والإبهام وأنا أسوق لك أمثلة: 1- قال أرطاة ص (103) لم يصرح من هو. 2- الشفاء بنت عبد الله ص (302) لم يسق نسب عبد الله.
3- قالت أم أبان ص (319) يعني بنت عثمان بن عفان ولم يذكر نسبهما. 4- بنو أبي عمرو ص (324) لم يصرح من هو. 5- قالت الجرهمية ص (282) لم يبين اسمها. 6- حدث الوقاصي ص (341) لم يذكر اسمه ولا نسبه. 7- قال أبو بكر ص (89، 109، 172، 424) لم يذكر اسمه وهنالك عدة رواة بهذه الكنية. أما قولي: إن المنمق مسودة لم تبيض ولم تنقح فتؤيده شهادة خارجية أيضا وذلك أننا إذا قارنا بينه وبين المحبر وموضوعه أيضا التاريخ، وبعض معارف هذا وذاك مشترك فإنا لا نجد في الآخر العيوب التي نسبنا إلى الأول من أمارات العجلة وضعف التأليف وابتذال العبارة والتلبيس في إيراد الرواة ولو أن المؤلف خلط بعض التخليط هنا أيضا [1] وإنا نجد في المنمق بعض التصريحات غير صحيحة إذا عارضناها بالمراجع الأخرى ولكن هذه التصريحات وردت صحيحة في المحبر- أي أن المؤلف انتبه لها وأصلحها حين ألّف المحبر، وهذه شهادة أخرى على صحة قولي. وأستدل من هذا أيضا على أن المحبر ألّف بعد المنمق، والمحتمل عندي أنه وضعه حوالي سنة 232 هـ/ 846 م في أواخر أيام الواثق العباسي أو بعيد وفاته وأنه جمع المنمق في أواخر أيام المعتصم الذي حكم من سنة 218 هـ/ 833 م إلى سنة 227 هـ 841 م أو بعد قليل من وفاته. وكان محمد بن حبيب مؤلفا مغمورا لا يعرفه إلا قليلون. ومع أن مؤلفاته كثيرة وفي مختلف نواحي العلم كالتاريخ والأنساب واللغة والشعر لم يرد ذكره وذكر ما حواه كتبه في أمهات المؤلفات المطبوعة إلا قليلا، وقد أهملها المؤلفون إهمالا وعني بمروياته قليل منهم ومن الأولين الطبري فإنه لم يقتبس من ابن حبيب شيئا في تاريخه والبلاذري الذي لم يذكره مرة واحدة في فتوح البلدان وذكره
مرتين فحسب في الجزء الأول المطبوع من أنساب الأشراف، ولهذا الإهمال أسباب، منها أن ابن حبيب في الغالب جامع يلتقط من الكتب المدونة ما يعجبه وما يستغربه وليس باحثا واسع النطاق كهشام بن محمد الكلبي، وأبي عبيدة معمر، وعوانة، والواقدي، وكان كتب هؤلاء موجودة وفي متناول المؤلفين الكبار في القرن الثالث والرابع فراجعوها واجتنوا منها وأغفلوا عما التقطه ابن حبيب من تلك، ومنها أن ابن حبيب لم ينل من الجاه والصيت في المجتمع وعند أرباب الدولة ما ناله مثلا هشام وأبو عبيدة والواقدي، وعاش عيش العزلة فلم تكن له حلقات الدرس في الجوامع ولم يكن له تلامذة كثيرون من العوام، والتلامذة كما تعرف من أكبر أسباب ذيوع شهرة عالم وإشاعة كتبه ولم يرزق ذلك ابن حبيب، فلم تزل كتبه مغمورة لا يعرفها إلا قليلون ولا يرويها إلا بعض تلامذته من بينهم تلميذه الأكبر أبو سعيد السكري، ومنها أنه أحيانا لا يستوفي الإسناد ولا يبين أسماء رواته كأنه يحاول التلبيس، ومنها أنه اتهم بإدخال كتب المؤلفين المستورين في كتبه فأعرض عنه المحتاط واتقاه الوقور. أما الذين عنوا به بعض العناية فهم غير المؤرخين البحت الذين وقفوا همتهم على سرد الحوادث المشهورة من تاريخ الجاهلية والإسلام حسب السنين والأسر الحاكمة وإنما هم غالبا أصحاب النسب والغريب والنوادر والأيام واللغة والشعر، فمنهم مثلا أبو الفرج الأصفهاني الذي يقتبس أحيانا النوادر والأشعار من كتب ابن حبيب وأئمة اللغة كالصغاني والزبيدي البلغرامي الهندي اللذين يقتبسان منه النسب والغريب واللغة والشعر في التكملة وتاج العروس. وفي الختام أود أن أبين الأهداف التي جعلتها نصب عيني عند كتابة الحواشي: 1- ضبط الأسماء الغير المألوفة وهي كثيرة في الكتاب، والألفاظ التي من شأنها أن تقرأ خطأ، وإني ضبطتها مستندا إلى تاج العروس ولم أصرح اسمه مراعاة للإيجاز واتقاء عن تكرار اسمه مرارا في الصفحة وإذا كان مأخذ الضبط غير تاج العروس أشرت إليه. 2- ضبط أسماء الأمكنة وصفتها.
3- تصحيح الأغلاط الهجائية والكلمات المحرفة بقدر المستطاع، وإذا لم يتضح لي كلمة اعترفت بعجزي. 4- مقارنة مواد المنمق بمثلها في الكتب الأخرى وتصحيح أغلاطها وإصلاح نقص مضمون المواد بها والإشارة إلى اختلاف نص الروايات المماثلة نثرا ونظما في المراجع الأخرى وإلى أخطائها إذا وجدت. 5- شرح غوامض النص واستعنت في هذا بأمهات القواميس لا سيما تاج العروس. خورشيد أحمد فاروق جامعة دهلي 4 سبتمبر سنة 1964 م
[مقدمة المؤلف فى نسب قريش وآبائهم]
[مقدمة المؤلف فى نسب قريش وآبائهم] بسم الله الرحمن الرحيم كتاب المنمّق في أخبار قريش لمحمد بن حبيب البغدادي أخبرنا أبو الحسن محمد بن العباس الحنبلي قال: أخبرنا محمد بن حبيب قال: أول ما ذكر من أحاديث قريش ما خصها الله به من الفضل والمن به على سائر الخلق وأنه بعث منها نبي الرحمة وأنزل عليه القرآن بلسانها، قال الله تعالى: وَما أَرْسَلْنا من رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ 14: 4 [1] ، فلغة قريش أفصح اللغات ونسبها أصح الأنساب، ومن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه قال: «ما افترقت فرقتان إلا كنت في خيرهما» وقوله الحق، وذلك أن الناس من لدن آدم إلى نوح عليهما الصلاة والسلام انقرضوا فكان النسل بعد لنوح، وافترقت بنو نوح فرقا شتى، وفضّل الله سام بن نوح على إخوته وجعل العرب من ولده والأنبياء أجمعين إلا إدريس، ثم افترقت بنو سام فرقا، ففضل الله أرفخشذ [2] بن سام على إخوته لما جعل في نسله من الأنبياء، فمنهم خليل الله [3] والذبيح [4] ونجي الله [5] وروح الله [6] وكلمته، وحبيب الله [7] صلى الله
عليهم أجمعين، ثم افترق ولد أرفخشذ فرقا فمنهم قحطان وجرهم [1] وحضرموت والسلف [2] والموذ [3] وعدنان، ففضل الله عدنان على قحطان وإخوته، ثم افترق بنو عدنان فرقا ففضل الله نزار بن معدّ بن عدنان عليهم، ثم افترق بنو نزار فرقا ففضل الله مضر [4] على سائرهم، ثم افترق بنو مضر فرقتين: إلياس والناس، وهو عيلان [5] ، ففضل الله إلياس على الناس، ثم افترق بنو إلياس فرقتين: مدركة وطابخة، ففضل الله مدركة على طابخة، ثم افترق بنو مدركة فرقتين: خزيمة [6] وهذيلا [7] ، ففضل الله خزيمة على هذيل، ثم افترق بنو خزيمة فرقا: أسدا [8] وكنانة والهون [9] ، ففضل الله كنانة على أخويه، ثم افترق بنو كنانة فرقا، فضل الله النضر على سائرهم، ثم افترق بنو النضر فرقتين: مالكا [10] ويخلد [11] ، ففضل الله مالكا [10] على يخلد، ثم افترق بنو مالك فرقتين: فهرا [12] والحرب، ففضل الله فهرا على الحرب، ثم افترق بنو فهر فرقا، ففضل الله غالبا على سائرهم، ثم افترق ولد غالب فرقا ثلاثا، ففضل الله لؤيًّا [13] على سائرهم، ثم افترق بنو لؤي فرقا، ففضل الله كعبا على إخوتهم، ثم افترق بنو كعب ثلاث فرق: عديّ وهصيص [14] ومرّة،
ففضل الله مرة على أخويه، ثم افترق بنو مرة ثلاث فرق: كلاب وو يقظة [1] ، ففضل الله كلابا على أخويه، ثم افترق بنو كلاب فرقتين: قصيا [2] وزهرة، ففضل الله قصيا على زهرة، ثم افترق بنو قصي أربع فرق عبد مناف وعبد الدار وعبد العزّى وعبد بني قصي، ففضل الله عبد مناف على سائرهم ثم افترق بنو عبد مناف أربع فرق: هاشم وعبد شمس والمطّلب ونوفل، ففضل الله هاشما على إخوته، ثم افترق بنو هاشم، فرقا فدرجوا كلهم وانقرضوا والبقية منهم لعبد المطلب بن هاشم فبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم وله أربعة أعمام: حمزة والعباس وأبو طالب وأبو لهب فاتبعه اثنان وخالفه اثنان، ففضل الله فرقة- التي تبعته على التي خالفته-. وقال الكلبي [3] في أسانيده: فضّل الله العرب على العجم لأنهم كانوا لا ينكحون البنات ولا الأخوات، وفضل الله مضر بن نزار على سائر العرب لأنهم [4] كانوا أعلمهم بسنة إبراهيم صلى الله عليه وعلى محمد وآله وألزمهم لمناسكه، وفضل الله قريشا على سائر مضر لأنهم [4] كانوا لا يظلمون الجار ولا يغير بعضهم على بعض، وفضل الله بني هاشم على قريش لأنهم [4] كانوا أوصلهم للأرحام وأكفهم [5] عن الآثام، وفضل الله بني عبد المطلب على سائر بني هاشم بولادة محمد صلى الله عليه وعلى آله، وفضل الله محمدا صلى الله عليه على سائر بني عبد المطلب لأنه [6] كان خيرهم وأبرهم وأصدقهم وأوصلهم صلى الله عليه وآله وسلم. وقال محمد بن سلّام الجمحي في أسانيده: إن النبي صلى الله عليه قال: «إن الله عز وجل اختار من الناس العرب، ثم اختار من العرب مضر، ثم اختار من مضر كنانة، ثم اختار من
كنانة قريشا، ثم اختار من قريش بني هاشم، ثم اختارني ممن أنا منه» [1] . وقال محمد بن سلام الجمحي في حديث آخر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني جبريل [2] عليه السلام فقال: لقد بلغت الأرض شرقها وغربها و [3] شمالها ويمينها [3] فما وجدت خيرا من قريش ولا وجدت في قريش خيرا من هاشم» . وأخبرني هشام [4] بن محمد الكلبي قال: حدثني أبو زفر الكلبي عن عمه عمارة بن جرير عن أثال [5] بن حضرمي الأسدي قال: سمعت أشياخنا يذكرون أن برّة بنت مر لما أهديت [6] إلى خزيمة بن مدركة رأت في المنام كأنها ولدت غلامين [7] من خلاف [7] بينهما سابياء [8] قالت: فبينا أنا أنظر إليهما إذ [9] أحدهما قمر يزهر والآخر أسد يزئر! فأخبرت بذلك خزيمة، فأتى كاهنة
كانت بمكة يقال لها سرحة [1] ، فقص عليها الرؤيا فقالت: إن صدقت رؤياها فتلدنّ منك غلاما يكون منه قوم لهم أنفس باسلة وألسنة سائلة، ثم تخلف عليها بعض ولدك فتلد منه غلاما يكون لولده [2] عدد وعدد [3] وقروم [4] مجد [5] وعز [5] إلى آخر الأبد، فولدت له أسد بن خزيمة ثم خلف عليها كنانة، فولدت له النضر. قال: وأتي كنانة وهو نائم [6] في الحجر [7] فقيل له: اختر يا أبا النضر بين الصهيل والهدر [8] أو عمارة الجدر و [9] عزّ الدهر! فقال: كلّا يا رب! فجعل الله ذلك كله في قريش. وروى جماعة من غير طريق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله اصطفى من العرب كنانة فكنانة عزة العرب» وقال صلى الله عليه وسلم: «أريت [10] جوّ بني كنانة فرأيت سرجا فيها سراج أعشاها، فأولت أن قريشا ذلك السراج» وأخبرني هشام بن محمد عن عبد الحميد المجد بن عبس الأنصاري عن بعض قومه عن الشعبي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أريت الجدود فرأيت جد قريش روضة خضراء [11] منها الماء، فأولت ذلك كثرة الأموال والتدفق بالنوال. ولما قدم صعصعة بن ناجية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وافدا مسلما سأله
رسول [الله] [1] صلى الله عليه وسلم عن علمه بمضر، فقال: كنانة وجهها الذي فيه سمعها وبصرها، وتميم كاهلها، وقيس أظفارها. قالوا: وسأل معاوية بن أبي سفيان ليلى الأخيلية عن مضر فقالت: فاخر بكنانة وحارب بقيس وكاثر بتميم. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قريش ملح هذه الأمة كالملح في الطعام! فهل يصلح الطعام إلا بالملح [2] . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اللهم! إنك جعلت هذا الإسلام الذي جئت به رحمة للعالمين وذكرا لقريش فتوكل لي بقريش» . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الناس تبع لقريش، مؤمنهم لمؤمنهم وفاجرهم لفاجرهم. وروي عنه أيضا أنه قال عليه السلام: «قريش صلب الناس! فلا يبقى أحد بغير صلب» . وقال أيضا: «قريش أئمة العرب في الخير والشر إلى يوم القيامة» . وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقدموا قريشا فتضلوا! ولا تخلّفوا عنها فتهلكوا! ولا تعلّموها فهي أعلم منكم» . وقال/ صلى الله عليه وسلم: «ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى- بآبائنا أنت وأمهاتنا! قال: فإني كائن لكم يوم القيامة على الحوض فرطا [3] وإني سائلكم عن القرآن وعن قومي! فلا تقدموا قريشا فتضلوا! ولا تخلفوا عنها فتهلكوا! ولا تعلموا قريشا فهم أعلم منكم! ولولا أن تبطر قريش لأعلمتها ما لها عند الله» . قال: وقدمت [4] أمامة [5] بنت يزيد بن عمرو بن الصعق [6] على معاوية فقال لها: خبّريني عن هذا الحي من مضر! فقالت: أما ناصية مضر فهذان [7] الحيان من ابن [8] خزيمة، وأما
أظفارها التي بها تحارش [1] فهذا الحي من قيس، فقال معاوية: فأين بنو تميم؟ قالت: تلك الكاهل المحمول عليها والكرش [2] المأكول فيها. قال: فحدثيني عن قيس مضر [3] ! قالت: أما جمجمة قيس فغطفان، وأما أضراسها [4] التي تأكل بها فبنو سليم، وأما خيشومها الذي تنفس فيه فبنو عامر. وقالت ليلى الأخيلية [5] لمعاوية وسألها [6] عن مضر فقالت: قريش قادتها وسادتها، وتميم كاهلها وكرشها، وقيس فرسانها وخطاطيفها [7] . وقال صعصعة بن ناجية لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله! أنا أبصر الناس بمضر! تميم هامتها [8] وكاهلها الشديد الذي تنوء [9] به وتحمل عليه، وكنانة وجهها الذي/ فيه سمعها وبصرها، وقيس فرسانها، ولجومها وأسد لسانها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقت» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم كتاب الله وعترتي [10] ! لن تضلوا ما تمسكتم بهما» . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن يغلب الله لي قريشا أغلب سائر العرب» . قالوا [11] : ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزاة بدر منصرفا إلى المدينة تلقاه الأوس والخزرج يهنئونه بفتح الله عليه فقال سلمة [12] بن سلامة بن
وقش [1] الأنصارى: بماذا تهنئونا؟ فو الله! إن قتلنا [2] إلا عجائز صلعا كالإبل [3] المعلقة [3] ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم- وسمعه «أولئك الملأ من قريش: أما! لو قد أسلموا ثم رأيتهم لهبتهم ولو أمروك لأطعتهم ثم لحقّرت أفعالك مع فعالهم» . قال: فلقد رأيتني في المدينة وإني لألقي الرجل منهم في الطريق فأتنحى [4] عن طريقه هيبة له حتى يمر ثم أقول: صدق الله ورسوله، فبقريش فضل الله العرب على سائر الأمم وخوّلهم إياهم وأورثهم ديارهم وأموالهم ومكّن لهم في الأرض، وقريش أوسط العرب بيتا وأطولها [5] عمادا وأثبتها [6] أوتادا وأوشجها [7] أصلا وأنضرها [8] عودا وأبسقها [9] فرعا [10] وكانوا في الجاهلية قبل أن يصل الله لهم ذلك بفضيلة النبوة يسمون أهل الله ويسمون سكان الله وأهل الحرمة وقطّان بيت الله، وقد قال عبد المطلب لأبرهة الأشرم صاحب الفيل حين سأله أن يرد عليه إبله فقال له الأشرم: هلا [11] سألتني الانصراف عن الذي قصدت له من هدم شرفك وهتك حرمتك؟ فجرى بينهما خطاب قد أثبتناه في حديث الفيل في آخر هذا الجزء، وقال عبد المطلب: (الرمل) نحن أهل الله في حرمته [12] ... لم تزل فينا على عهد قدم [13]
إن للبيت [1] لرباًّ مانعا ... من يرده [2] بأثام [3] يخترم [4] وقال الله عز وجلّ: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً من لَدُنَّا 28: 57 [5] . فمن مكارمهم في الجاهلية أنهم كانوا على حالة شركهم يترافدون على سقاية الحاجّ وإطعام أهل الموسم وحمل المنقطع به من الحاج ومعونته على بلاغ منزله، فكان القيّم بذلك في زمانه هاشم بن عبد مناف، فكانت قريش تجمع إليه الفضول من أموالها أيام الحج، ويقال: إنه كان عليه الربع من ذلك في ماله لما ذكرنا، وله يقول مطرود بن كعب الخزاعي: (الكامل) عمرو [6] العلى [7] هشم الثريد لقومه ... ورجال [8] مكة مسنتون [9] عجاف كانت [10] إليه الرحلتان كلاهما ... سفر الشتاء و [11] رحلة الأصياف
يا أيها الرجل المحوّل رحله ... هلا [1] نزلت بآل [1] عبد مناف هبلتك أمك لو نزلت [2] عليهم [3] ... ضمنوك [4] من جوع [5] ومن إقراف [6] ثم قام به بعده ابنه عبد المطلب فزاد في سنة أبيه وأضعف في مكارم قريش، فكان إذا كان أيام الحج أعدّ للحجاج الطعام ووضع [7] الأعلاف للوحوش وكان يسمى «مطعم الناس في السهل، والوحوش والسباع في الجبل» . ومن مكارم قريش أن بيت الله كان في أيديهم ومفاتيحه كانت إليهم، لا يفتحه أحد من أهل الشرق والغرب غيرهم، فهذه مكارم فضلوا بها العرب والعجم، وقال الله تعالى يذكر عن قول إبراهيم: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ من ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً من النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ 14: 37 [8] فمكثوا في الجاهلية كذلك مع مكارم كثيرة هذه من مشهوراتها حتى وصل الله تبارك وتعالى لهم ذلك بالإسلام والنبوة والخلافة، وكانت قريش في الجاهلية أصراما [9] متفرقين في كنانة فجمعهم قصى بن كلاب من كل أوب [10] بمكة فسموا قريشا، والتقرش التجمع، وفي ذلك يقول الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب: (الخفيف) ولنا نشرها وطيب ثراها ... وبنا سميت قريش قريشا
وفيهم يقول حذافة [1] العدوي: (الطويل) أبوكم [2] قصي [2] كان [3] يدعى مجمّعا به جمّع الله القبائل من فهر/ وذكر هشام بن محمد عن بشر الكلبي عن أبيه قال: كان يقال لقريش قبل قصي بن كلاب: بنو النضر، وكانوا متفرقين في ظهر مكة [4] ، لم يكن بالأبطح [5] أحد منهم، فلما أدرك قصي بن كلاب واجتمعت عليه خزاعة وبنو بكر بن عبد مناة بن كنانة وصوفة [6] فمنهم الغوث بن مرّ [7] بعث إلى أخيه من أمه رزاح [8] بن ربيعة بن حرام [9] بن ضنّة [10] بن [11] عبد بن كبير [11] بن عذرة [12] وأم قصي فاطمة بنت سعد بن سيل [13] وهو خير [14] بن حمالة [15] بن عوف (بن
غنم-[1] بن عامر- وهو الجادر، أول من بنى جدار الكعبة- ابن عمرو بن جعثمة [2] بن يشكر [3] بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نصر بن زهران بن كعب بن الحارث بن معد بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد، ولسعد بن سيل [4] يقول هون [5] بن أبي عمرو العذري: (الرمل) ما أرى في الناس [6] شخصا واحدا [6] ... [7] كلهم مثلك سعد [7] بن سيل [4] فارس أضبط [8] فيه هوج [9] ... فإذا ما لقي [10] البأس نزل فارس يستدرج الخيل كما ... استدرج [11] الحر القطامي الحجل [12] وكان جعثمة خرج أيام خرجت الأزد من مأرب فنزل في بني الديل [13] بن بكر بن عبد مناة بن كنانة فحالفهم وزوّجهم [14] وزوجوه،
وكانت [1] فاطمة أم قصي عند كلاب بن مرة فولدت له زهرة، ثم مكث دهرا حتى شيّخ وذهب بصره./ ثم ولدت له قصيا [2] ، قال هشام [3] سمّي قصيا لأن أمه تقصّت به إلى الشام، وقدم ربيعة بن حرام [4] العذري حاجا فتزوجها، فحملت قصيا غلاما معها إلى الشام فولدت لربيعة رزاحا [5] وحنّا [6] ، فجرى بين قصي وبين غلام من عذرة كلام فنفاه العذري وقال: والله ما أنت منا! فأتى أمه فقال لها: من أبي؟ فقالت: ربيعة أبوك، فقال: لو كنت ابنه ما نفيت، قالت: فأبوك والله خير منه وأكرم، أبوك كلاب بن مرة من أهل الحرم، قال فو الله لا أقيم ههنا أبدا! قالت: فأقم حتى يأتي [7] ابّان [8] الحج! فلما حضر ذلك بعثته مع قوم من قضاعة وزهرة حي، فأتاه وكان زهرة أشعر وقصي أشعر فقال له قصي: أنا أخوك، فقال زهرة: ادن مني! فلمسه وقال: أعرف والله الصوت والشبه! ثم إن زهرة مات وأدرك قصي فأراد أن يجمع قومه بني النضر ببطن مكة فاجتمعت عليه خزاعة وبكر وصوفة [9] فكثروه، فبعث إلى أخيه رزاح، فأقبل في جمع من الشام وأفناء [10] قضاعة حتى أتى مكة، وكانت صوفة هم يدفعون بالناس [11] ، فقام رزاح على الثنية [12] ثم قال: أجز قصي! فأجاز بالناس، فلم تزل الإفاضة في بني قصي إلى اليوم، ثم أدخل بطون قريش كلها الأبطح [13] إلا محارب بن فهر والحارث بن فهر
وتيم الأدرم [1] بن غالب [2] ومعيص بن عامر بن لؤي،/ فهؤلاء يدعون الظواهر فأقاموا بظهر مكة. إلا أن رهطا من بني الحارث بن فهر وهم رهط أبي عبيدة بن الجراح نزلوا الأبطح، فهم مع المطيّبين، وكان أول مال أصابه قصي [3] بن كلاب أنه كان رجل من عظماء الحبشة أقبل إلى مكة بتجارة فباعها ثم انصرف يريد أهله فتبعه قصي وقتله وأخذ ماله فتزوج حبّى [4] بنت حليل [5] بن حبشيّة [6] فولدت له أربعة نفر: عبد الدار، وعبد العزى، وعبد مناف، وعبد بني قصي، وكان قصي يقول: ولد لي أربعة نفر فسميت اثنين بإلهي وواحدا بداري وواحدا بنفسي، وكان قصي شريف أهل مكة لا ينازعه احد في الشرف، فابتنى دار الندوة [7] ، ففيها كانت تكون أمور قريش فيما ينوبهم وفيما أرادوا من نكاح أو حرب أو مشورة [8] وما عساه [8] ينوبهم حتى إن كانت الجارية لتبلغ [9] أن تدرع فلا يشق درعها إلا فيها [10] تيمنا بها وتعظيما لها وتشريفا لأمرها وشأنها قال: فلما كبر قصي ورقّ [11] جعل الحجابة والندوة والسقاية والرفادة واللواء لعبد الدار وكان أكبر ولده وكان ضعيفا مسنا، فخصه بذلك ليلحقه باخوته، وكانت الرفادة خراجا [12] تخرجه قريش من أموالها
لضيافة [1] الحاج، فلما هلك قصي أقام عبد مناف على أمر قصي وقام بأمر قريش فأسندت إليه قريش بعد موت أبيه أمورها واختطّ بمكة رباعا واتخذ أموالا بعد الذي كان قصي قطع لقومه، فهلك عبد مناف يوم هلك فكان ما سميّنا لعبد الدار، ثم إن بني عبد مناف أرادوا أخذ ذلك منهم وقالوا: نحن أحق به، فأبت عليهم بنو عبد الدار فتفرقت قريش وتباينت عند ذلك وتشتّت أمرها وتفرقت كلمتها، وكان مع بني عبد مناف بنو أسد بن عبد العزى وبنو زهرة بن كلاب وبنو تيم [2] بن مرة وبنو الحارث بن فهر، وكان مع بني عبد الدار بنو سهم بن عمرو وبنو جمح [3] بن عمرو وبنو مخزوم بن يقظة [4] وبنو عدي بن كعب، وخرجت بنو عامر بن لؤي من الفريقين جميعا، فبنو عبد مناف وخلفاؤهم يقال لهم: المطيّبون، [5] وبنو [5] عبد الدار وحلفاؤهم يقال لهم: الأحلاف، فأخرجت عاتكة بنت عبد المطلب جفنة فيها طيب، فغمسوا أيديهم فيه فسموا المطيبين، ونحر الآخرون جزرا [6] فغمسوا أيديهم في دمها فسموا الأحلاف ولعقة الدم،/ لأن الأسود بن حارثة العدوي لعق من الدم ولعقت معه بنو عدي، فلما كادوا يفشلون [7] وعبّيت [8] كل قبيلة لقبيلة فعبّيت [9] بنو عبد مناف لبني سهم وبنو عبد الدار لبني أسد وبنو مخزوم لبني تيم [10] وبنو جمح لبني زهرة وبنو عدي لبني الحارث بن فهر، ثم إنهم مشوا في
الصلح على أن تعطى بنو عبد مناف السقاية وبنو أسد الرفادة وتركت الحجابة والندوة واللواء لبني عبد الدار، وقد كان المطيبون انطلقوا إلى كاهنة بمكة فقصوا عليها قصتهم وقصة أصحابهم، فقالت: صنعتم صنع النساء بغمسكم أيديكم في الطيب وصنعوا صنع الرجال بغمسهم أيديهم في الدم، قال أبو المنذر [1] : فجرى بين القوم الشر حتى كادوا يقتتلون، فصارت الحجابة واللواء لبني عثمان بن عبد الدار وليها يومئذ منهم أبو طلحة بن عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدار وصارت الندوة إلى عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، فلما كان زمن معاوية باع [2] دار الندوة [2] عكرمة بن عامر بن هاشم من معاوية بمائة ألف درهم فهي اليوم للامارة [3] ، وإنما سميت الندوة لأن قريشا كانوا ينتدون فيها/ الخير والشر ويتيمنون [4] بها لأنها دار قصي، وقال ابن قيس [5] الرقيات: (الخفيف) [6] إنها بين عامر بن لؤي ... حين تدعى وبين عبد مناف ولها في المطيبين جدود [7] ... ثم نالت ذوائب [8] الأحلاف وذكروا أن أكثم [9] بن صيفي قال: دخلت البطحاء بطحاء مكة، فإذا أنا ببني عبد المطلب يخترقونها كأنهم أبرجة الفضة، وكأن عمائمهم نوق الرجال ألوية، يلحفون الأرض بالحبرات [10] ، فقال أكثم: يا بني تميم! إذا
أراد الله أن ينشئ دولة أنبت لها مثل هؤلاء [1] ، هذا غرس الله لا غرس الرجال. قال هشام [2] : لم يكن في العرب عدة بني عبد المطلب أشرف [3] منهم ولا أجسم [4] ، ليس منهم رجل إلا أشم العرنين يشرب أنفه قبل شفتيه [5] ويأكل الجذع [6] ويشرب الفرق [7] وقال قرّة بن حجل [8] بن عبد المطلب يوم أجنادين [9] : (الكامل) اعدد ضرارا [10] إن عددت فتى الندى ... والليث حمزة واعدد العباسا واعدد زبيرا والمقوم [11] بعده ... والصتم [12] حجلا والفتى الدرفاسا [13]
وأبا عتيبة [1] فاعددنه ثامنا ... والقرم [2] عبد منافنا الجسّاسا [3] والقرم [4] غيداقا [5] تعد [6] جحاجحا [7] ... سادوا على رغم العدو الناسا والحارث الفياض ولي ماجدا ... أيام نازعه الهمام الكاسا ما في الأنام عمومة كعمومتي ... حقا [8] ولا كأناسنا آناسا قال: الفرق [9] محركة الراء ستة عشر رطلا، والفرق مسكنة الراء مائة وعشرون رطلا، ومنه قالت عائشة رحمها الله: «كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة بذلك الإناء» وأشارت إلى ظرف يسع فرقا. ولم يسلم من أعيان بني عبد المطلب إلا حمزة والعباس رحمهما الله، قال والعقب من بني عبد المطلب للعباس وأبي طالب والحارث وأبي لهب، وقد كان للزبير والمقوم وحجل أولاد لأصلابهم [10] فهلكوا وكان ضرار بن عبد المطلب من فتيان قريش جمالا وعقلا وهيبة وسخاء وإن أمه نتيلة [11] أضلته، فكاد
عقلها يذهب جزعا عليه وكانت كثيرة المال، فجعلت تنشد في المواسم وتقول: (الرجز) أضللته أبيض لوذعيا [1] ... لم [2] يك مجلودا [3] ولا دعيّا وقالت: (الرجز) أضللته أبيض كالخصاف [4] ... للفتية الغر بني مناف ثم لعمري منتهى الأضياف ... هذي [5] لفهر [5] سنة الإيلاف [6] / فجعلت لمن جاء به هنيدة [7] ونذرت أن تكسو البيت إن رده الله عليها، فمر بها حسان بن ثابت حاجا في نفر من قومه فرأى [8] جزعها عليه، فقال [9] : (الطويل) وأم ضرار تنشد [10] الناس والها ... فيا لبني النجار ماذا أضلّت ولو أن ما تلقى [11] نتيلة غدوة [12] ... بجانب [13] رضوى [14] مثله ما استقلت
فضائل العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه
فأتاها به رجل من جذام، فوفت له بجعلها وكست البيت ثيابا بيضا وجعلت تقول: (الرجز) الحمد لله ولي الحمد ... والذي هوّن من وجدي إذ رد ذو العرش على ولدي ... من بعد [1] ان جوّلت في [2] معد [3] اشكره ثم أفي بعهدي فضائل العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال هشام الكلبي أخبرني أبو السائب المخزومي عن أبيه قال: كان للعباس بن عبد المطلب ثوب لعاري بني هاشم وجفنة لجائعهم [4] ومقطرة [5] لسفيههم- أو ربما قال: لجاهلهم- وكان يمنع جاره ويبذل ماله ويعطي النابية [6] في قومه، وكان نديما لأبي سفيان بن حرب في الجاهلية، فجاور رجل من بني سليم رجلا من أفناء [7] العرب فلم يحمد جواره فقال في ذلك العباس بن مرداس السلمي: (البسيط) إن كان جارك لم تنفعك ذمته ... حتى [8] سقيت بكأس الموت [9] أنفاسا فبالفناء [10] فناء [11] الله اعتصم [12] ... لم يغش ناديه فحشا ولا بأسا
وآت [1] القباب [2] فكن من أهلها صددا [3] ... تلق [4] ابن حرب وتلق المرء عباسا قرما [5] قريش [6] وحلّا [6] في ذؤابتها [7] ... [8] بالمجد والحزم ما حازا وما ساسا [8] وقال هشام عن أبيه عن أسامة بن زيد عن أبيه عن دحية [9] بن خليفة الكلبي قال: «أهديت إلى النبي صلى الله عليه وسلم رطبا خلسا [10] وزبيبا وتينا من الشام، فوضعت بين يديه على نطع [11] فقال: اللهم أدخل عليّ أحبّ أهل بيتي إليك! فدخل العباس، فقال رسول الله صلى الله عليه: ههنا يا عم! وأقعده معه، ثم قال: قد جاء الله بأحب أهلي اليه، دونك فاطعم من هذا الطعام» . قال هشام وحدثني أبي عن أبي صالح عن ابن الكعب بن مالك عن أبيه قال: «بينا أنا ذات يوم جالس عند النبي صلى الله عليه إذ بالعباس فقال: يا رسول الله! عجبا لقريش انتهى إلى الشبهة منهم يتحدثون فإذا نظروا إليّ أرموا [12] فلم ينطقوا وعرفت الكراهة في وجوههم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي بعثني بالحق نبيا! لا يستكمل رجل منهم الإيمان حتى يعرف
فضلك يا عمي» . قال هشام: حدثني أبي عن أبي صالح عن جعدة [1] بن هبيرة عن سعد بن أبي وقاص قال: «اجتمع نفر من المهاجرين أنا أحدهم حين ثقل النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله اعهد إلينا عهدا نأخذ به بعدك! قال: أنا مخلّف فيكم عمي وصنو أبي فما أنتم صانعون؟ قال سعد: فو الله ما ألقى في روعنا الذي كان» . ومن فضل العباس أنه لم يحل لأحد من الحاج المبيت بمكة ليالي منى [2] إلا العباس وحده. قال هشام [3] وحدثني أبي [4] . عن الصلت بن [5] عبد الله عن المغيرة [5] بن نوفل بن الحارث قال: «مررت بجابر بن عبد الله الأنصاري وعنده جماعة من الناس فسلمت عليه، فقال: من الرجل؟ فقلت: المغيرة بن نوفل الهاشمي، فقال: بأبي أنتم وأمي يا بني هاشم! كيف تفلح هذه الأمة أو ترجو شفاعة نبيها وقد ترك فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه فضيعوه واستأثروا [6] عليه» . قال هشام عن أبيه: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمع إليه نساؤه وأهل بيته وعمه العباس فقال النساء: به ذات الجنب فهلم فلنلدّه! فلما أفاق قال: أترون أن بي ذات الجنب، أنا أكرم على الله من أن يعذبني بها، لا جرم لا يبقى في البيت أحد إلا لدّ إلا عمي العباس! فجعل يلد [7] بعضهم بعضا» . هشام قال أخبرني أبي عن عكرمة مولى عباس قال: «قال العباس لرسول الله صلى الله عليه: بأبي أنت وأمي! ما لنا إذا رآنا رجال قريش وهم في حديث قطعوه وأخذوا في غيره؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من حفظني فيكم حفظه الله» . هشام قال حدثني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: «مررت بأبي أجول [8] على
حديث الإيلاف
قوم من بني أمية فقالوا: انه ليتبختر في مشيه [1] تبختر رجل ما يشك أنه مغفور له ولعل ما ينفعه قرابته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى [2] النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ما يزال الرجل من قريش يسمعني ما أكره- وأخبره بالكلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيرجو شفاعتي من أسلم من الترك والديلم ولا يرجوها عمي، أما علموا أنه من آذاك فقد آذاني ومن آذاني عذّبه الله عذابا شديدا، ثم قال: إنا لم نزل يا عم نحن وهذا الحي من عبد شمس يجمعنا نسب واحد حتى فرق بيننا وبينهم عبد المطلب فكنا أمحضهم أنسابا وأعظمهم أخطارا» . وذكر الكلبي أنه لما دفن عبد الله بن العباس سمعوا قائلا يقرأ: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ 89: 27 [3] الآية إلى آخر السورة. الكلبي [4] قال حدثني عوانة عمن أخبره أن علي بن أبي طالب عليه السلام سئل عن بني هاشم وبني أمية فقال: بنو هاشم أصبح وأفصح وأسمح، وبنو أمية أمكر وأفجر. أبو العباس الحميري عن أسباط بن محمد عن هشام بن سعد المديني عن عبد الله بن العباس فيه ماء [5] كان للعباس ميزاب على طريق عمر بن الخطاب فلبس عمر ثيابه يوم جمعة وقد كان ذبح للعباس فرخان فلما وافى عمر الميزاب [5] صب فيه ماء فأصاب ثوب عمر [5] ، فأمر بقلع الميزاب فأتاه العباس فقال له: أقلعت ميزابي ولم يكن جديرا بذلك؟ فو الله إنه للموضع الذي وضعه رسول الله فيه! فقال عمر للعباس: عزمت عليك لما صعدت على ظهري حتى تضعه موضعه! ففعل ذلك العباس. حديث الإيلاف حدثنا أبو بكر الحلواني قال حدثنا أبو سعيد [6] السكّري قال أخبرنا أبو جعفر محمد بن حبيب عن ابن الكلبي قال: كان من حديث الإيلاف أن قريشا
كانت تجارا وكانت تجاراتهم لا تعدو [1] مكة، إنما يتقدم عليهم الأعاجم بالسلع فيشترون منهم ثم يتبايعونه بينهم ويبيعون من حولهم من العرب، فكانت تجارتهم كذلك حتى ركب هاشم بن عبد مناف إلى الشام فنزل بقيصر واسم هاشم يومئذ عمرو، فكان يذبح كل يوم شاة فيصنع جفنة ثريد ويدعو من حوله فيأكلون، وكان هاشم (فيما-[2] ) زعموا أحسن الناس عصبا وأجمله فذكر لقيصر وقيل: ها هنا رجل من قريش يهشم الخبز ثم يصب عليه المرق ويفرغ عليه اللحم، وإنما كانت الأعاجم تضع [3] المرق في الصحاف ثم تأتدم [4] بالخبز فلذلك سمي عمرو هاشما، وبلغ ذلك قيصر فدعا به، فلما رآه وكلمه أعجب به [وكان] [5] يرسل إليه فيدخل عليه، فلما رأى مكانه منه قال له هاشم: أيها الملك! إن لي قوما [6] وهم تجار العرب فان رأيت أن تكتب لهم كتابا تؤمّنهم وتؤمّن تجارتهم فيقدموا عليك بما يستطرف من أدم الحجاز وثيابه [7] فيكونوا يبيعونه عندكم فهو أرخص عليكم. فكتب له كتابا بأمان من أتى منهم [فأقبل هاشم بذلك الكتاب فجعل كلما مر بحي من العرب بطريق الشام أخذ] [8] من أشرافهم إيلافا والإيلاف [9] أن
يأمنوا عندهم في أرضهم بغير حلف [1] وإنما هو أمان الناس [2] وعلى أن قريشا تحمل لهم [3] بضائع فيكفونهم حملانها ويردون [4] إليهم رأس مالهم وربحهم، فأخذ [5] هاشم الإيلاف ممن بينه وبين الشام حتى قدم مكة، فأتاهم بأعظم شيء أتوا به [6] فخرجوا بتجارة عظيمة وخرج هاشم يجوّزهم ويوفيهم إيلافهم الذي أخذ لهم من العرب، فلم يبرح يوفيهم ذلك ويجمع بينهم وبين أشراف العرب حتى ورد بهم الشام وأحلهم قراها [7] ، فمات في ذلك السفر بغزّة [8] من الشام فقال الحارث بن حنش [9] من بني سليم وهو أخو هاشم وعبد شمس والمطلب بني عبد مناف من أمهم، أمهم جميعا عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان [10] بن ثعلبة بن بهثة [11] بن سليم: (البسيط) إن أخي هاشما ليس أخا واحد ... والله ما هاشم بناقص كاسد [12] والخير في ثوبه وحفرة اللاحد [13] ... الآخذ [14] الإلف [14] والوافد [15] للقاعد
وقال مطرود الخزاعي: (الكامل) مات الندى بالشام لما أن ثوى [1] ... أودى [2] بغزة هاشم لا يبعد لا يبعدن ربّ الفناء [3] نعوده ... عود السقيم يجود بين العوّد فجفانه رذم [4] لمن ينتابه ... والنصر منه [5] باللسان وباليد فلما مات هاشم خرج المطلب بن عبد مناف إلى اليمن فأخذ من ملوكهم عهدا لمن تجر قبلهم [6] من قريش، ثم أقبل يأخذ الإيلاف ممن مر به من العرب حتى أتى مكة على مثل ما كان هاشم أخذ، وكان المطلب أكبر ولد عبد مناف وكان يسمى الفيض وهلك [7] المطلب بردمان [8] من اليمن وهو راجع من [9] اليمن، وخرج عبد شمس بن عبد مناف إلى ملك الحبشة فأخذ منه كتابا وعهدا لمن تجر قبله من قريش، ثم أخذ الإيلاف ممن بينه وبين العرب حتى بلغ مكة، وهلك عبد شمس بمكة فقبر بالحجون [10] ، وكان أكبر من هاشم، وخرج [11] نوفل بن عبد مناف وكان أصغر ولد عبد مناف وكان لأم
وحده [1] وأمه واقدة بنت أبي عدي [2] من بني هوازن [3] بن منصور بن عكرمة بن خفصة [4] بن قيس ابن عيلان [5] ، فخرج إلى العراق فأخذ عهدا من كسرى لتجار قريش، ثم أقبل يأخذ الإيلاف ممن مر [6] به من العرب حتى قدم مكة ثم رجع إلى العراق فمات بسلمان [7] من أرض العراق. وكان بنو عبد مناف هؤلاء أول من رفع الله به قريشا لم تر العرب مثلهم قط أسمح ولا أحلم ولا أعقل ولا أجمل، إنما كانوا نجوما من النجوم، فقال مطرود الخزعي يرثيهم وكان يتبعهم ويكون في كنفهم واسم عبد مناف المغيرة: (السريع) إن المغيرات [8] وأبناءهم ... لخير [9] أحياء وأموات أربعة [10] كلهم سيد ... أبناء سادات لسادات أخلصهم عبد مناف فهم ... من لوم من لام بمنجات قبر بسلمان وقبر برد ... مان وقبر عند غزّات [11]
وميت مات قريبا لدى ... الحجون [1] من شرق البنيّات [2] يا ليلة هيجت ليلاتي ... إحدى لياليّ القسيات هيجت لي أحزان ما قد مضى ... لما تذكرت المنيّات [3] لمّا تذكّرت منافا بني [4] ... عبد مناف بت [5] حاجاتي ومر [6] مطرود برجل كان مجاورا في بني سهم [7] هو وبنات له وامرأته في سنة شديدة فحولوه وضاقوا [8] به ذرعا وأمروه أن ينتقل عنهم، فخرج يحمل متاعه هو وامرأته وولده لا يؤذيه أحد، فقال مطرود: (الكامل) يا أيها الضيف المحوّل رحله ... هلا حللت [9] بآل عبد مناف هبلتك أمك لو حللت إليهم ... ضمنوك من جوع [10] ومن إقراف [11] الآخذون [12] العهد في آفاقها ... والراحلون برحلة الإيلاف
ويقاتلون الريح كل شتوة [1] ... حتى تغيب الشمس في الرجاف [2] لم تر عيني مثلهم وهم الألى ... كسبوا فعال التلد والأطراف ويقول [3] مطرود يوما بعد ذلك بعد ما مات بنو عبد مناف وهو خارج فتلقاه عبد المطلب ومطرود على بعير أعجف ورحل [4] خلق بهيئة سوء، فآواه إلى رحله وكساه كسوة حسنة وأعطاه راحلة فارهة ورحلا فاخرا، فقال مطرود: (الكامل) يا شيبة [5] الحمد الذي [6] تثنى له [7] ... أيامه [8] من خير ذخر الذاخر المجد ما حجت إياد [9] بيته ... ودعا [10] هديل فوق غصن ناضر [10] آوى فأحسن ثم متّع رجلتي ... بنجيبة سرح [11] ورحل فاخر والله لا أنساكم وفعالكم ... حتى أغيّب في سفاة [12] القابر
قصة زهرة وأمية
فلأحبونّك ما حبوت أباكم ... من مدحة فلج وقول سائر البدر شيبة أو هلال طالع ... وقف الحجيج له بواد غائر ومطرود يقول أيضا: (الرمل) لا يلومن منافا لائم ... منهم الفيض [1] ومنهم هاشم وأخي الأبيض منهم نوفل ... سبط الكفين سيف صارم ميّت الحرم عظيم ذكره ... عبد شمس حين عض الآزم [2] ويروى: عبد شمس سوم من لا سائم قال: وسألت ابن الأعرابي عن سوم من لا سائم، فقال: لا أعرفه. قصة زهرة وأمية وكان أول فرقة دخلت بين قريش أن أمية بن عبد شمس كان رجلا حلوا جميلا وكان يمر بوهب بن عبد مناف بن زهرة وعند وهب يومئذ امرأتان إحداهما ضعيفة [3] بنت هاشم بن عبد مناف [4] وهي أم عبد يغوث وعبيد [يغوث] [5] ابني وهب بن عبد مناف وعنده برة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي، وهي أم آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جعل يمر به فيكثر، وجد من ذلك في نفسه وعاد فقال له: يا ابن عم! مرورك عليّ يؤذيني فاتخذ غير طريقي طريقا، فقال: لا والله! لا أمر إلا حيث أهوى، وإن وهب بن عبد مناف جلس له بالسيف فضرب أليته، وكان أمية عظيم الألية فقدّها، فانصرف وغضبت بنو عبد مناف فقالوا لبني زهرة:
لنخرجنكم من مكة، ارتحلوا! فقامت بنو زهرة ترتحل ليلا فسمع الصوت قيس بن عدي السهمي وهو برأس الجبل في ليلة حارة شديدة الحر ومعه نفر من قومه وبنو زهرة أخواله وأم عدي بن سعد بن سهم بن قيس بن عدي تماضر [1] بنت زهرة، فلما سمع قيس بن عدي الرحيل والصوت قال: ما هذا؟ قيل: زهرة أخرجتها بنو عبد مناف، فقام فصاح: أصبح ليل! ألا إن الظاعن مقيم! وعرفت بنو زهرة صوته فنزلوا، فغدا ومعه ابنا هصيص [2] سهم وجمح، فلما رأت ذلك بنو عبد مناف قالوا: والله لا يدخل بيننا وبين إخوتنا أحد! فتركوهم ولم يحركوا منهم أحدا، فقال وهب بن عبد مناف بن زهرة: (البسيط) . مهلا أميّ [3] فإن البغي مهلكة ... لا تجشمنّك [4] يوم شره نكر [5] تبدو [6] كواكبه والشمس طالعة ... يصب في الكأس منه [7] الصاب والمقر لا تحسبنا كأقوام عبثت بهم ... لن يأنفوا الذل حتى تؤنف الخمر أنا ابن عبد مناف غير كاتمة ... والفحل للفحل موسوم به أثر أنا ابن عبد مناف غير متهم ... ثم ابن زهرة لم يوجد له خطر وعمي [8] الحارث الموفي بذمته ... لا بني علاج [9] غداة استنفرت فهر [10]
وهذا أمر المطيبين
أتتهم قبل قرن الشمس مشعلة ... شهب الفوارس يعشى دونها البصر فانهلت منهم للموت طائفة ... وفرّ أولاهم واستدرك الخفر ببطن مكة إذ تحوي سوائمهم ... بنو جذيمة إنّ الغنم مبتدر فهذا أول شيء دخل بينهم وهذا أمر المطيبين وذلك أن بني عبد مناف لما رأوا شرفهم وكثرتهم أرادوا أخذ البيت من بني عبد الدار فأرسلوا إلى أبي طلحة وهو عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار أن أرسل إلينا بمفتاح الكعبة! فخرج [1] من مكانه حتى أتى [2] بني سهم وأم سهم تماضر بنت زهرة وأم عدي بن سعد بن سهم هند بنت عبد الدار بن قصي فعاذ بهم من بني عبد مناف فقاموا معه في ذلك وقالوا: والله لنمنعنه! وأصبحت بنو عبد مناف فقالوا: والله لنأخذنها منهم! وأصبحت قريش في ذلك فرقا، منهم من يقول: عبد مناف أولى بالبيت، ومنهم من يقول: عبد الدار أولى، فلما كثر في ذلك القول عمدت أم حكيم بنت عبد المطلب بن هاشم- ويقال: بل عاتكة [3] أثبت من أم حكيم وهو المجتمع عليه- فأخذت جفنة عظيمة فملأتها خلوقا ثم أقبلت بها تحملها حتى وضعتها في الحجر [4] فقالت: من تطيب من هذه الجفنة فهو منا! فقامت أسد فتطيبت وقامت الحارث بن فهر فتطيبت وتطيبت زهرة [بن كلاب] [5] وتيم بن مرة، فهذه خمس قبائل يسمون المطيبين: عبد مناف وأسد بن عبد العزى وزهرة والحارث بن فهر وتيم بن مرة، وتعمد بنو سهم فنحروا جزرا [6] ثم غمسوا
أيديهم في دمها وقالوا: من غمس يده فيه فهو منا! فغمست جمح [وسهم] [1] وعبد الدار ومخزوم وعدي بن كعب ثم دخلوا [2] البيت وتحالفوا بالله أن لا يسلم أحد منا أحدا وخلطوا نعالهم بفناء الكعبة فسموا الأحلاف، وهم خمس قبائل: عبد الدار وسهم وجمح ومخزوم وعدي بن كعب، فلخلطهم نعالهم وتحالفهم في البيت يقول عبد الله بن الزبعرى بن قيس بن عدي بن سعد ابن سهم حين خرج عثمان بن طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار وخالد [بن الوليد] [3] بن المغيرة [4] مهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنشد عثمان بن طلحة: (الطويل) . أناشد [5] عثمان بن طلحة حلفنا ... [6] وملقى نعال القوم عند المقبل [6] وما عقد الآباء من كل حلفة ... وما خالد من مثلها بمحلّل أمفتاح بيت غير بيتك تبتغي ... وما دونها من سائر الأمر مقفل وقال أبو طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار: (الوافر) أبي [7] لي أن عز [8] بني هصيص [9] ... أقام وأنني لهم حليف وإنهم إذا عمدوا [10] لأمر ... ورائي لا ألف [11] ولا ضعيف وقالت الأحلاف واجتمعت: من يكفينا بني عبد مناف؟ فقالت بنو سهم: نحن نكفيهم! إن قاتلوا قاتلناهم، وإن وفدوا وفدنا، وإن فعلوا فعلنا، فلذلك يقول ابن الزبعري وهو يفتخر: (الطويل)
ذكر حلف الفضول
أنا ابن الألى [1] جازوا منافا بعزها [2] ... وجار [3] مناف في العباد قليل لقاء لقاء إن لقوا ووفادة ... وفعلا بفعل والكفيل كفيل وقالت جمح: نحن لزهرة، وقالت عبد الدار: نحن لأسد، وقالت مخزوم: نحن لتيم، وقالت عدي: نحن للحارث بن فهر، فكاد الناس يقتتلون، وهمّ بعضهم ببعض، ثم تناهت قريش بأحلامها فكفوا. وسكتوا فهذا أمر المطيبين والأحلاف ذكر حلف الفضول وكان من شأن حلف الفضول أنه كان حلفا لم يسمع الناس بحلف قط كان أكرم منه ولا أفضل منه، وبدؤه أن رجلا من بني زبيد جاء بتجارة له مكة فاشتراها منه العاص بن وائل بن هاشم بن سعد بن سهم فمطله بحقه، وأكثر الزبيدي الاختلاف [إليه-[4]] [5] فلم يعطه [5] شيئا، فتمهل الزبيدي حتى إذا جلست قريش مجالسها وقامت أسواقها قام على أبي قبيس [6] فنادى بأعلى صوته: (البسيط) . يا [7] آل فهر [7] لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الأهل [8] والنفر
ومحرم شعث [1] لم يقض عمرته ... يا آل فهر وبين الحجر [2] والحجر هل [3] مخفر من بني سهم بخفرته ... [4] أم ذاهب في ضلال مال معتمر [3] إن الحرام لمن تمت حرامته ... ولا حرام لثوب [5] الفاجر الغدر ثم نزل، وأعظمت قريش ما قال وما فعل، ثم خشوا العقوبة وتكلمت في ذلك المجالس [6] ، ثم إن بني هاشم وبني المطلب وبني زهرة وبني تيم [7] اجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان [8] فصنع لهم طعاما وتحالفوا بينهم [أن-[9]] لا يظلم بمكة أحد إلا كنا جميعا مع المظلوم على الظالم حتى نأخذ له مظلمته ممن ظلمه شريف أو وضيع منا أو من غيرنا، ثم خرجوا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن حضر ذلك الحلف ودخل فيه قبل أن يوحي إليه بخمس سنين، فكان يقول وهو بالمدينة: لقد حضرت في دار عبد الله بن جدعان حلفا من حلف الفضول ما أحب أني نقضته وإن [10] لي حمر النعم، ولو دعيت إليه [11] اليوم لأجبت. وإنما سمي «حلف الفضول» لأنه حلف خرج من
حلف المطيبين والأحلاف، فكان فضلا بينهما عليهما، وقد حكي أنه [1] سمي «حلف الفضول» لأن قريشا لما سمعت بما تحالفوا عليه قالوا: هذه والله الفضول! وخرجوا [من-] [2] مكانهم حتى تحالفوا، فانطلقوا إلى العاص ابن وائل فقالوا: والله لا نفارقك حتى تؤدي إليه [3] حقه! فأعطى الرجل حقه، فمكثوا كذلك [4] لا يظلم أحد أحدا بمكة إلا أخذوا [5] له [4] . وكان [6] عتبة بن ربيعة بن عبد شمس يقول: لو أن رجلا خرج من قومه لكنت أخرج [7] من عبد شمس حتى أدخل في حلف الفضول، وليست عبد شمس [8] في حلف الفضول. وقدم [9] رجل من ثمالة [10] فباع سلعة له من أبي بن خلف بن وهب-] [11] بن حذافة بن جمح فظلمه وفجر به وكان سيىء المخالطة ظلوما، فأتى إلى أهل حلف الفضول فأخبرهم، فقالوا له: اذهب إليه فأخبره أنك قد أتيتنا! فإن أعطاك حقك وإلا فارجع إلينا! فأتاه فقال له: إني قد أتيت حلف الفضول فأمروني أن أرجع إليك فأخبرك أني قد أتيتهم وقد رجعت إليك فما تقول؟ فأخرج له أبي حقه فأعطاه إياه، فقال في ذلك الثمالي وهو لميس [12] بن سعد البارقي: (الطويل)
أيفجر بي [1] ببطن مكة ظالما ... أبيّ ولا قومي لديّ [2] ولا صحبي وناديت قومي بارقا [3] لتجيبني ... وكم دون قومي من فياف ومن سهب [4] ويأبى لكم حلف الفضول ظلامتي ... بني جمح والحق يؤخذ بالغصب وتقدم إلى [5] مكة [5] رجل تاجر من خثعم معه ابنة له يقال لها: القتول [6] فعلقها نبيه [7] بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم، فلم يبرح حتى نقلها إليه وغلب عليها أباها، فقيل لأبيها: عليك بحلف الفضول! فأتاهم فشكا [8] ذلك إليهم، فأتوا نبيه بن الحجاج فقالوا: أخرج ابنة هذا الرجل! وهو يومئذ منتبذ [9] بناحية مكة وهي [10] معه، فقال: يا قومي متعوني بها الليلة! فقالوا: لا والله ولا ساعة! فأخرجها وأعطوها أباها وركب الخثعمي معهم، فلذلك [11] يقول [12] نبيه: (الخفيف) راح صحبي ولم أحيّ القتولا ... لم أودعهم [13] وداعا جميلا لا تخالي أني عشية راح ال ... ركب هنتم عليّ أن لا أقولا
وخشيت الفضول [1] حين أتوني [1] ... قد أراني ولا أخاف الفضولا انني والذي تحج له شم ... ط أياد وهللوا تهليلا لبراء [2] مني [3] قتيل [4] [5] إلى النا ... س و [5] وهل يبتغون [6] إلا القتولا [7] اجلّ أربي [8] إلا الحديث فلا ان ... فك [9] أربي [10] الحديث والتقبيلا أتلوى [11] بها كما تتلوى [12] ... حية الماء بالاناء [13] طويلا [14] ومبيت بذي المجاز ثلاثا ... ومنىً كان حجنا تحليلا ثم عدّوا [15] حذاء [16] نخلة [17] لايد ... رك منهم أدنى رعيل [18] رعيلا ونساء أوانس خفرات ... وشباب أسهرت ليلا طويلا
غير هجن ولا لئام [1] ولن ... تعدم [2] منهم مبرّزا بهلولا [3] ولها يقول أيضا نبيه بن الحجاج: (الكامل) . حي الدريرة [4] إذ نأت ... منا على عدوائها [5] لا بالفراق تنيلنا ... شيئا ولا بلقائها أخذت بشاشة [6] قلبه ... [7] ونأت بمكنوناتها [7] [8] حلت تهامة حلة ... من بيتها ووطائها [8] رفعوا المظلة [9] فوقها [10] ... واستعذبوا من مائها / لولا الفضول وأنه ... لا أمن من عدوائها [11] لدنوت من أبياتها ... ولطفت حول خبائها ولجئتها أمشي بلا ... هاد إلى ظلمائها فشربت فضلة ريقها ... ولبدت [12] في أحشائها
وكان نبيه بن الحجاج من فرسان قريش وكان مقلا، وكانت عنده امرأتان من قريش، إحداهما أم عمرو بنت أسيد [1] بن أبي العيص بن أمية والأخرى بنت مالك بن عميلة [2] بن السبّاق بن عبد الدار بن قصي، وكان إنما يطعمهما [3] ما يكتسب يوما بيوم بسوق مكة، فاجتمعتا على أن تسألاه الطلاق، فلما رجع إليهما قالتا له: إنا والله قد صبرنا لك حتى طال الأمر بنا واشتدت المعيشة عليك! فنسألك أن تفارقنا، فقال في ذلك: (الخفيف) تلك عرساي تنطقان بهجر [4] ... وتقولان قول زور وهتر [5] تسألان [6] الطلاق أن رأتاني ... قل مالي قد [7] جئتماني بنكر فعسى [8] أن يكثر المال عندي ... ويخلّى [9] من المغارم ظهري ونجرّ [10] الذيول في نعمة زول [11] ... وتقولان ضع عصاك لدهر وترى أعبد لنا وأواق [12] ... ومناصيف [13] من ولائد [14] عشر
وهذا حديث الغزال غزال الكعبة
ويكأن [1] من يكن له نشب يحب ... بب ومن يفتقر يعض [2] عيش ضرّ ويجنّب سر [3] النجيّ [4] ولكن ... ن [5] أخا المال محضر [5] كل سرّ ونكح [6] بعد ذلك بيسير ابنة قمطة [7] الرومي وكان تاجرا بمكة عظيم المال فأعطاه قمطة على ذلك قوسرة [8] مملوءة مالا من ورق، فتجر وكثر ماله وعظم بمكة شأنه حتى قتل يوم بدر كافرا. قال أبو عبيدة [9] : إن [صاحب-] [10] هذه القصة كان نبيه بن الحجاج من فتيان قريش وهذه القصيدة التي مع القصة [11] لعمرو بن نفيل [12] وكان عمرو بن نفيل [13] مقتيا والمقتي الذي يخلف على امرأة أبيه بعده وهو الضيزن وهذا حديث الغزال غزال الكعبة وكان من حديث الغزال أن مقيس [14] بن عبد قيس بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم كان بيته مألفا لشباب قريش ينفقون عنده ويشربون، منهم أبو لهب والحكم بن أبي العاص والحارث بن عامر بن نوفل والفاكه بن المغيرة
ومليح [1] بن الحارث بن السبّاق بن عبد الدار وأبو إهاب بن عزيز [2] بن قيس بن ربيعة بن زيد بن عبد الله بن دارم و [3] قيس بن سويد وكان قيس أخا عامر بن نوفل بن عبد مناف لأمه، وأمهما كهيفة [4] من بني جندل بن أبير [5] بن نهشل وكان حليفا لهم، وأبو مسافع الأشعري حليف بني مخزوم، وديك ودييك [6] / من خزاعة يخدمانهم [7] ، واجتمعوا في بيت مقيس وله قينتان [8] يقال لهما أسماء وعثمة، فتغنت أسماء وقد نفذ شرابهم [9] بشعر رجل من بليّ: (الطويل) أبوهة [10] كري الكأس بين صحابتي ... فإن نداماي لديك عطاش [11] فإن يك يوم [12] لم يتم نعيمه ... وزال ضحاه فالدموع رشاش فيا رب يوم قد شهدت وليلة ... لها نشوات جمّة ومعاش خلوت بها قد مات نحس نجومها ... نداماي فيها عامر وخداش قال أبو المنذر: عامر وخداش ابنا زهير بن جناب الكلبي: (الطويل) إذا غلبت لبّيهما الخمر وانتشت ... مفاصل لذات معا ومشاش [13]
وجدتهما لم تظهر الخمر فيهما [1] ... إذا قيل أحلام الرجال فراش وقد كان قال لهم: ديك ودييك، إن عيرا قد أقبلت من الشام تحمل خمرا، فأناخت بالأبطح فقال أبو لهب: ويلكم أما [2] عندكم نفقة؟ قالوا: لا والله! قال: فعليكم بغزال الكعبة! فإنما هو غزال أبي [3] ، فقاموا فانطلقوا [4] وهم يهابون وقد أصابتهم ليلة باردة ذات ظلمة ومطر حتى انتهوا إلى الكعبة وليس حولها أحد، فحمل أبو مسافع وأبو لهب الحارث بن عامر على ظهريهما حتى ألقياه على الكعبة، فضرب الغزال فوقع، فتناوله أبو لهب ثم أقبلوا به، فقال/ أبو لهب: قد علمتم أن الغزال غزال أبي ولي ربعه، فأتوا منزل ديك ودييك [5] فكسروه فأخذوا الذهب وعينيه وكانتا من ياقوت، وطرحوا ظرفه وكان على خشب في منزل شيخ [6] من بني عامر بن لؤي، فأخذ أبو لهب العنق والرأس والقرنين ودفع القرطين إليهم وقال: هذان لأسماء وعثمة، وانطلق فلم يقربهم، وذهب القوم فاشتروا كل خمر كانت بالأبطح، ثم أقبلوا [7] به إلى أصحابهم فشربوا وقرّطوا الشنف والقرط القينتين، فمكثت قريش أياما ثم افتقدوا الغزال، فتكلموا فيه وأعظموه [8] ، وكان أشدهم فيه كلاما وأجدّهم [9] عبد الله بن جدعان، وتكلمت قريش فلم يبلغ أحد مبالغته وكان يقوم
فيقول: أشهد أنه لم يجترئ [1] عليكم غيركم ولم يسرق الغزال غيركم، وأيم الله لئن لم ينه حلماؤكم سفهاءكم لتنزلنّ بكم النقمة! فلما أكثر قال له حفص بن المغيرة: قد أكثرت في أمر الغزال ولست أولى قريش به، إنما هو غزال عبد المطلب وهذا الزبير بن عبد المطلب وأبو طالب لا يتكلمان وما أبو لهب عندي بخليّ منه فأكفف! فغضب الزبير وأبو طالب فقالا: لا تزال [2] تناضل [3] من دونه كأنك تعرف صاحبه وأيم الله لئن ثقفناه [4] لنقطّعنّ يده! فمكثوا يشربون شهرا أو أكثر، ثم إن العباس بن عبد المطلب مرّ وهو غلام شاب آخر النهار في حاجة له بعد ذلك بشهر بدور بني سهم وقد لغط القوم وثملوا وهم يرفعون أصواتهم، فأصغى لهم فسمع بعضهم يقول للقينتين: غنيا [5] بقول أبي مسافع: (البسيط) إن الغزال الذي كنتم وحليته ... تقنونه لخطوب الدهر والغير طافت به عصبة من شر قومهم ... أهل العلى والندى والبيت ذي الستر فاستقسموا فيه بالأزلام علّكم ... أن تخبروا بمكان الرأس والأثر إني وإن أجنبيا كنت عن وطني ... فإن حلفي إلى عمران أو عمر [6] ريحانة القوم لا أبغي بحلفهم ... حلفا ولا غيرهم حيا من البشر فغنتا [7] . وأقبل العباس فقال: يا أبا طالب! هل لك في سرقة الغزال؟ قال: ومن هم؟ قال: هم في بيت [8] مقيس ولم أرهم فتعالوا فاسمعوا! فأقبل أبو طالب والزبير وابن جدعان ومخرمة بن نوفل والعوّام بن خويلد حتى دنوا من
الباب فسمعوهم يقولون: غنينا! فقال أبو مسافع: غنيهم بشعري هذا: (البسيط) أبلغ بني النضر أعلاها وأسفلها ... أن الغزال وبيت الله والركن أمست قيان بني سهم تقسّمه ... لم يغل عند نداماهن في الثمن ظللن [1] يجري فتيق المسك بينهم ... على مفارقهم فنّا على فنن وقهوة [2] قرقف [3] يغلي التجار بها ... حانية [4] عتّقت في الدنّ مذ زمن فقال أبو طالب: هؤلاء [5] لا شك أصحاب الغزال، وإن دخلتم الساعة أصبتموهم سكارى لا يعقلون عنكم ولا يفقهون ولا نحب [6] أن ندخل عليهم إلا ومعنا من الأحلاف الذين تحالفوا بعد الحلف الأول من نحتج عليهم بهم، ولم تكن عبد شمس ولا نوفل دخلوا [7] في ذلك الحلف، فأخروا ذلك إلى غد، فلما أصبحوا غدوا إلى بني سهم وقالوا: يا بني سهم! تعلمون [8] أن غزال ربكم سرقه ندماء مقيس وهم [9] في بيته، فادخلوا معنا نفتشه! فقاموا معهم فلما دخلوا وجدوا مقيسا غائبا ووجدوا جثة الغزال وهو غمده الذي يكون [10] فيه [وكان-] [11] أديما عربيا، فقالوا: ما نبغي عليه بينة غير هذا، وأخذوا قينتيه فلزموهما، فإذا إحداهما [12] مقرّطة قرط الغزال
والأخرى مشنّفة بشنفه، فقالت [1] : أنحن آمنتان ونخبركم الخبر؟ قالوا: نعم، فأخبرتا [2] فسمتا أبا لهب، فاتهموه لأنه غبر [3] عنهم تلك الأيام، فلم يأتهم فطلبوه [4] فتغيب [5] ، فبلغهم أن الغزال كسر في بيت ديك ودييك [6] ، فهرب ديك وأخذ دييك [6] وضبطوه من خلفه ومد يده ابن جدعان وأنحى عليه الشفرة وكانت كليلة فحزّ كوعه [7] حتى قطعها، فلم يلبث إلا يوما حتى مات، ثم إن المطيبين نافروا الأحلاف وقالوا: لا نرضى حتى نقطع أيديهم أو يؤدوا الغزال بعينه أو يؤدى كل رجل منهم مائة ناقة، فمكثوا بذلك، ثم إن الحارث [8] بن عامر أخرج [9] وقد ألبس حلة/ لمطعم بن عدي وقد أهل بعمرة وطاف بالبيت لا يكلمه أحد، ثم خرج على وجهه فمكث عشر سنين لا يدخل مكة [10] ، فقال أبو إهاب بن عزيز [11] : ما يمنعكم أن تصنعوا بي ما صنعتم بصاحبكم أمن أجل أني حليف تستخفون بي؟ فلم يجيبوا إلى ما أراد، فقال يعاتبهم: (المتقارب)
لعل بني نوفل [1] أصبحوا ... تحرقهم إرة [2] المصطلي كان فتىً لم يجب قبلنا ... وأنهاك [3] نوفل أن توكلي أمطعم [4] مجدكم أول ... فأنتم على الأثر الأول أتطعم [5] تيما وأشياعها [6] ... هبلت وزدت على المهبل ضبائر [7] من لحمنا [8] بغضة ... وتقعد حسل [9] ولم توكل حسل بن عامر [10] بن لؤي، فلما سمعوا بهذا الشعر غضبوا فألبسوه حلة وأخرجوه مهلا بعمرة، فلقي أبا مسافع فقال: يا أبا مسافع! أين قولك: (البسيط) إني وإن أجنبيّا كنت عن وطني ... فإن حلفي إلى عمران أو عمر ما أرى عمران وعمر صنعا بك شيئا [11] ، وأيم الله أن لو كان حلفك إلى
هذا يعني [1] مطعما أو نوفلا [2] لأمن روعك [2] وبرز وجهك، قال: فما مدحته حين آمنك؟ قال: بلى قد قلت، وقال أبو إهاب: (المتقارب) أبلّغ قصيّا إذا جئتها ... فأي فتىً ولدت نوفل [3] إذا شرب الخمر أغلى بها ... وإن جهدت لومه العذّل دعاه إلى الشنف شنف الغزا ... ل حبّ لخمصانة [4] عيطل [5] لعثمة حين تراءت له ... وأسماء عاطلة أجمل فقال ابن جدعان وكان أشد القوم في أمره وكان لا يقوى إلا بأبي طالب والزبير ومخرمة [6] فأتاهم فقال: يا هؤلاء [7] ! سرقة غزالكم آمنون وأنتم جلوس، فقام أبو طالب قياما شديدا حتى غيّب [8] الرجلان وخافوا عليهم القتل فقال أبو إهاب: (البسيط) يا للرجال لأحلام مضلّلة ... لو كان ينفعها حزم وتجريب دار ابن جدعان مأوى [9] كل باغية ... فكيف يجمع [10] فيها البر والحوب [11] ما لي أرى أسدا [12] تغلي صدورهم ... كأنما وهنت منها الظنابيب [13]
وبيت [1] فضل لعبد الدار [2] دونكم ... وأنتم نفر سود جعابيب الجعبوب الدنيّ النذل. وإنما عرض بقيان [3] ابن جدعان، فقامت بنو أمية فأعانوا الأحلاف حتى كادوا يقوون، فأقبل عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو سفيان بن حرب وسعيد بن العاص وأسيد بن أبي العيص ونفر من شيوخ قريش فحدثوا وذكروا الغزال وحث بعضهم بعضا على أن ينصروا الأحلاف، فقال [4] أبو أحيحة [4] : أطيعوني ولا تعرضوا [5] إلى أمر هذا الغزال فإن عندي منه علما، قالوا: ما علمك؟ / قال: حدثني أبي عن أبيه أن قبيلتين من العرب نزلوا مكة فأهلكوا في شأن ظبي [6] قتله رجل منهم، فاستؤصل أحرارهم ورقيقهم، قالوا: ما سمعنا بهذا، قال: بلى وعندي به شعر قاله عبد شمس، قالوا: فأنشدنا، فأنشدهم: (الرمل) يا رجالات قصي بلد ... من يرد منه ملذّات الظلم يقرع السن وشيكا ندما ... حين لا ينفع عذر من ندم طهّروا الأثواب لا تلتحفوا ... دون دين الله منها بنقم ثم قوموا عصبا في شأنه ... بوقار البر في الشهر الأصم هل سمعتم ببقايا عرب ... عطبوا فيه وحيّ من عجم هلكوا في ظبية يتبعها ... شادن أحوى له طرف أحمّ [7]
عاقه [1] عنها فما يتبعها ... حيث آوته إلى جنب الحرم فرماه بظهار [2] ريشه ... فاشتوى [3] منه فأطعم وقسم قالوا له: كيف كان هلاكهم؟ قال: أقبلت حية مثل الجبل فجعلت تنفخ [4] عليهم فتلقى من جوفها أمثال الرماح من نار فجعلوا يحترقون حتى هلكوا جميعا، قالوا: أنى يكون هذا، قال: أما سمعتم بقول عبد شمس: (الرمل) فأتاه حية من خلفه ... أحجن [5] النابين وثّاب خضمّ [6] فرماه بشهاب ثاقب ... مثل ما أبصرت [7] بالليل الضرم [8] قالوا: فوالله ما ندخل في شيء من شأنه! فعند ذلك وهن أمر الأحلاف حتى صالحوهم صلحا على خمسين خمسين ناقة، فدفعت إلى أبي طالب والزبير، فرفدوا بها الكعبة والحجاج، ومن لم يعط [9] خمسين ناقة لم يزل خائفا حتى بعث [10] الله النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان أيام بدر أقبل أبو مسافع وأصحابه الذين هربوا فقالوا: يا معشر قريش! لم تنفوننا وتطردوننا؟ ما لنا عندكم إن نقاتل محمدا وأصحابه، فإن قتلنا فهو ما تريدون وإن بقينا فهو عوض مما صنعنا، فأقبلوا فشهدوا بدرا، فقتل أبو مسافع والحارث بن عامر وأفلت أبو إهاب، وقد كان الحارث بن عامر يجالس النبي صلى الله عليه وسلم
قبل أن يخرج ويعجبه حديثه فقالت قريش: قد صبا، فقتل يوم بدر كافرا وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقتلوه دعوه لأيتام بني نوفل! فقتله خبيب [1] بن عدي الأنصاري فقتل به بعد وصلب بالتنعيم [2] ، فذلك قول حسان بن ثابت: (البسيط) يا حار قد كنت لولا [ما-] [3] رميت به ... لله درك في عز وفي حسب جللت قومك مخزاة ومنقصة ... ما إن يجلّلها حي من العرب يا سالب البيت ذي الأركان حليته ... أين [4] الغزال فلن يخفى [5] لمستلب [6] وطلبت قريش الحكم بن أبي العاص أولا فمنعته بنو أمية، فبلغ أبا لهب أن قريشا تأتيه فتوارى/ وكان له عشر خالات من خزاعة قد ولدن فيهم فأكثرن، فبسط [7] بسطة ونادى فيهم، فأقبل إليهم من بني خالاته جمع كثير فلم يقربه أحد وقالوا: دعوه لإخوته! فقال شيبان بن جابر السلمي حين أراد أن يحالف بني هاشم ويذكر أمر أبي لهب: (الطويل) . أحالفكم حلفا شديدا عقوده ... كحلف بني عمرو أباك ابن هاشم [8] على النصر ما دامت بنجد وثيمة [9] ... وما سجعت قمرية بالكراتم [10]
حديث الفيل
هم منعوا الشيخ المنافيّ [1] بعد ما ... رأى حمة [2] الإزميل فوق البراجم [3] الإزميل الشفرة [4] والوثيمة [5] الحجر، ووجدوا ظرف الغزال في منزل العامري الشيخ الأعمى فقال: لا علم لي بما صنعوا، أنا أعمى، فقتلوه حديث الفيل كان من حديث الفيل أن نفرا من كنانة خرجوا قبل اليمن، فلما دخلوا صنعاء إذا هم ببيت قد بني كبنيان الكعبة بناه أبرهة الأشرم الحبشي وسماه قليس [6] ، فدخل أولئك النفر ذلك البيت فتغوّط بعضهم فيه فارتحلوا فانطلقوا، فوجد ذلك الأثر فغضب أبرهة وقال: من فعل هذا؟ قالوا له: نفر من أهل بيت العرب، فحلف بدينه أن لا يتركهم حتى يخرّب بلدهم ويهدم بيتهم، فأرسل فجمع فسّاق العرب وطخاريرهم [7] وكان أكثر من تبعه خثعم وكانوا لا يحجون البيت ولا يحرّمون الحرم واتبعه أيضا بنو منبّه بن كعب بن الحارث بن كعب وكانوا لا يحرمون الحرم ولا يحجون البيت، وكان منهم الأسود بن مقصود [8] الذي يقول: (الرجز) يا فرس اعدي بيه ... إذا سمعت التلبية وكان قبل ذلك يقطع على الحاج والعمار سبيلهم، وكان ممن اتبع الأشرم نفيل بن حبيب الخثعمي في بشر كثير من خثعم وقال الأشرم الخبيث:
إذا قضيت قضائي من تهامة سرت حتى أغير على أهل نجد، وصادف ذلك قوله طرفة بن العبد [وهو] [1] يومئذ بنجران، فلما رأى تلك العدّة وسمع ما يقول الأشرم إنه يغير على نجد قال أبياتا فبعث بها إلى قتادة بن مسلمة الحنفي، وهي هذه: (الطويل) ألا أبلغا قتادة الخير آية ... فإن الحذر [2] لا بد [منه-] [3] منجّيكا بنجران ما قضّى الملوك قضاءهم ... فليت غرابا في السماء يناديكا فرقان آت كعبة الله منهم ... وآخر إن لم تقطع البحر آتيكا [4] وقال كلثوم بن عميس [5] من بني عامر بن عبد مناة بن كنانة وأخذه الأشرم وكبله عنده فقال وهو في الحديد: (الطويل) ألا ليت إن الله أسمع دعوة ... وأرسل بين الأخشبين [6] مناديا أتتكم جموع الأشرم الفيل فيهم ... وسود رجال يركبون السعاليا [7] ورجل [8] جسام [9] لا يكتّ [10] عديدهم ... يهزّون واللات الحراب الصواديا [11] أتوكم أتوكم تبشع [12] الأرض منهم ... كما سال شؤبوب [13] فأبشع واديا
وأقبل معهم رجلان من بني سليم وكانا [1] خليعين فلحقا بنجران فأقبلا معهم يقال لأحدهما محمد وللآخر قيس ابنا خزاعي بن حزابة بن مرّة ابن هلال، فدعا الأشرم قيس بن خزاعي فقال: امدحني واذكر مسيري فقال: (الكامل) حيّ المدام وكأسها ... للاشرم الملك الحلاحل [2] أنبئت [3] أنك قد خرجت ... فقلت ذكر غير خامل أولاد حبشة حوله ... متلحفون على المراجل [4] بيض الوجوه وسودها ... أشعارهم مثل الفلافل قال ابن إسحاق: يريد على المنابر [5] ، وخرج الأشرم حتى نزل منزلا له من نجران وصادفه يوم عيد لا يأكل فيه إلا الخصي، فأمر بالخصي فطبخت وقدّمت إلى الناس فتحامتها العرب إلا خثعم فإنها أكلتها وقالت للاشرم [6] : أيها الملك! إن من معك من مضر أبوا أن يأكلوا [7] من هذه الخصي شيئا وهم يعيروننا بها [8] لأكلنا إياها [8] ، فغضب الأشرم وأرسل فأخذ له ناس من مضر فأخذ فيهم قيس بن خزاعي [9] وأخوه وقد كان أمرهم أن يسجدوا للصليب فلم يسجد له من معه من مضر، فلما وقفوا بين يديه قال قيس بن خزاعي: (الطويل المخروم) إن تك من عود كريم نصابه ... فأنت أبيت اللعن أكرم من مشى
ونحن أبيت اللعن في دين قومنا ... فلا نعبد الصلب [1] ولا نأكل الخصي فقال الأشرم: صدق، كل قوم ودينهم، خلّوا سبيلهم، فلذلك يقول عبد الله بن ثور بن عباب [2] بن البكاء [3] بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة يعير [4] خثعم: (الطويل المخروم) رحنا وراحت خثعم في شبابها [5] ... إلى منزل ثان [6] كثير الحواطب [7] وجاءوا لناديهم بشيزى [8] عريضة ... كأن الخصي فيها رؤوس الأرانب وبعث الأشرم محمد بن خزاعي عينا له في نفر فأشرفوا جبلا وأرسل الله عليهم صاعقة فهلكوا أجمعون، فقال قيس أخوه يرثيه وكان محمد يكنى أبا خزاعي: (الكامل) . يا با خزاعي [1-] [9] لخيل أدركت [معا-] [10] ... أولى تطاعم من سلىً متمزق [11] هلا وقاه الموت أن قميصه ... زغف [12] مضاعفة [13] كنهي [14] الأبرق [15]
أهلي فداؤك آبيا ومسالما ... ولد [1] الندى إذ [2] الندى لم يرزق وأقبل [3] الأشرم حتى مر بالأزد فأرسل [4] إليهم خيلا فهزموا خيله، فقال عبد شمس بن مسروح الأزدي: (الطويل المخروم) نحن منعنا الجيش [5] حوزة أرضنا ... وما كان منا خطبهم بقريب إذا ما رمونا رشق إزب [6] أتيتهم ... بكل طوال الساعدين نجيب [7] وما فتية [8] حتى افاتت [9] سهامهم ... وما رجعوا من مالنا بنصيب ثم سار حتى نزل بالطائف وقيل له إن ههنا بيتا للعرب تعظمه، فلما نزل بهم خرج إليه مسعود بن معتّب الثقفي وكان منكرا [10] وأهدى له خمرا وزبيبا وأدما، ثم قال: أيها الملك! إن هذا البيت ليس بالبيت الذي تريده [11] إنما البيت الأعظم الذي تريد هو الذي صنع أهله ما صنعوا أمامك، وإنما نحن في مملكتك فامض! فإذا فرغت رأيت [12] فينا رأيك، فمضى وتركه، وسمعت به قريش فخرجوا وتركوا مكة، فلم يبق بها أحد يذكر [13] إلا خاف [13] على نفسه إلا عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وعمرو بن عائذ بن
عمران بن مخزوم، فكانا [1] يطعمان كل يوم، وأرسل [2] الأشرم الأسود بن مقصود [3] في خيل، فأخذ إبلا لقريش بناحية بئر فيها مائتا ناقة لعبد المطلب ثم أرسل رسولا [4] فقال: أنظر من بقي بمكة! فأتى فنظر ثم رجع إليه فقال: وجدت بها الناس كلهم ولم أجد أحدا، قال: وجدت رجلا لم أر مثل طوله وجماله ووجدت رجلا لم أر مثل قصره، والجميل هو عبد المطلب والقصير عمرو بن عائذ، قال: فاذهب واتني بالطويل! فذهب فأتى بعبد المطلب، فلما دخل عليه أعجبه وومقه [5] وأمر له بمنبر فجلس عليه وكلمه وسأله فازداد به عجبا، ثم قال له: سلني ما أحببت! قال: إنك أخذت إبلا لي فردها عليّ! قال: والله لقد زهدت فيك بعد عجب بك! قال عبد المطلب: ولم ذاك أيها الملك؟ قال: جئت أهدم شرفك وحرمتك فتركت أن تسألني الكف عنها وسألتني مالك، قال: أما والله لحرمتي أعجب إليّ وأعظم/ عندي من مالي! ولكن لحرمتي رب إن شاء أن يمنعها منعها، وإن تركها فهو أعلم، وإن هذه الإبل لي خاصة فأنا أخاف عليها فاعمل فيها! فأمر بإبله فردت عليه، وقام عبد المطلب وقال: (الرجز) يا رب [6] اخز الأسود [7] بن مقصود [8] ... الآخذ الهجمة [9] ذات التقليد [10]
بين حراء [1] فثبير [2] فالبيد [3] ... [4] اخفر به رب وأنت محمود [4] وقام عبد المطلب بفناء مكة يدعو فقال: (الكامل) يا رب [5] إن العبد ... يمنع رحله فامنع رحالك [6] لا يغلبن صليبهم ... ومحالهم [7] [8] ربي محالك [8] إن أنت تتركهم ... وكعبتنا [9] فشيء ما بدا لك ولبسوا أداتهم وجلّلوا فيلهم، ثم أقبلوا حتى إذا طعنوا في المغمس [10] ليدخلوا في الحرم رجع الفيل فكرّوه، فلما دنا رجع فكروا به وزجروه فبرك، فجعلوا يدخلون الحديد في أنفه حتى خرموه ولا يتحرك، وذلك يوم جمعة فباتوا ليلة السبت حتى إذا طلعت الشمس سمعوا مثل خوات [11] البرد، ثم طلعت
عليهم طير أكبر [1] من الجراد جاءت من البحر حتى إذا كانت على رؤوسهم خرق الله عليهم الريح، وقذفتهم الطير بحجارة في أرجلها، فتركوا أبنيتهم ومتاعهم وخلّوا عن الفيل وخرجوا هاربين، وجعلت تلك الحجارة لا يقع منها شيء على عضو إلا خرقه حتى ينقطع [2] العظم، فمات من مات مكانه وأفلت من/ أفلت، فجعل ذلك الذي أصابهم جدريّا وحصبة فمات أكثر ممن نجا، ومات من ذلك القرح الأشرم وابنه النجاشي وكان هو [على-] [3] مقدمته، ومات الأسود بن مقصود وقيس بن خزاعي في المعركة، وأفلت نفيل بن حبيب وأفلت أخنس الفقيمي [4] . فكان من أدلّاء الفيل وكان أكرههم لذلك. فقال عمرو بن الوحيد بن كلاب: (الطويل) سطا الله بالحبشان والفيل سطوة ... أرى كل قلب واهيا فهو خائف ويوم ذباب السيف [5] كان نذيره ... ويوم على جنب المغمس [6] كاسف [7] أميرهم رجل من الطير لم يكن ... نقافا [8] لها بين [9] الحجارة واكف كأن شآبيب [10] السماء هويّة ... وقد أشعلت بالمجلبين [11] النفانف [12] النفنف ما بين أعلى الجبل إلى أسفله والنفنف ما بين طرف الأرض إلى آخرها.
ندقهم [1] من خلفهم وأمامهم ... وعارضهم فوج من الريح قاصف يخالسنهم أنفاسهم ونفوسهم ... ولم ينج إلا التابعون الروادف [2] كأنهم غب العقاب [3] هشيمة ... من الصيف تذريه الرياح الرفارف وكان شفاء لو ثوى في عقابها ... نفيل وللآجال آت وصارف فأجابه نفيل بن حبيب الخثعمي فقال: (البسيط) ماذا يريك عقابي لو ظفرت به ... يا ابن الوحيد من الآيات والعبر قلنا المغمس [4] يوما ثم ليلته ... في عالج كثؤاج [5] النيب والبقر حتى رأينا شعاع الشمس تستره ... طير كرجل جراد طار منتشر يرميننا مقبلات ثم مدبرة ... بحاصب من سواد [6] الأفق كالمطر وأشعل [7] الحبش لا تلوي على أحد ... وعارضتنا زحوف [8] الريح عن يسر كبّا لأذقاننا والريح تدبرنا ... لا نتقي [9] الشر من ريح ولا حجر فزلّ منا شديد لا طباخ [10] به ... ومات أكثر ذاك الجيش بالعسر [11] كأنهم نجلات [12] الضأن نائمة ... وبالمتون من الحبشان كالدبر
وقال أيضا نفيل بن حبيب: (الوافر) ألا حيّيت عينا [1] يا ردينا ... وقرّي بالإياب إليك عينا فلو أبصرتنا والجيش يرمى ... بحسبان [2] رثيت [3] لنا ردينا حمدت الله إذ أبصرت طيرا ... وسفي حجارة تسفي علينا [4] وأمطرنا بلا ماء ولكن ... عذاب نقيمة [5] اردفن حينا [6] فكل الناس يسأل عن نفيل ... كأن عليّ للحبشان [7] دينا وقال في ذلك قيس بن الأسلت: (المتقارب) [و] [8] من نعم الله أموالنا ... وأبناؤنا ولدينا نعم ومن منه [9] يوم فيل الحبو ... ش إذ [10] كلما بعثوه رزم [11]
حلف عدي وبني سهم
محاجنهم [1] تحت أقرابه [2] ... وقد خرموا [3] أنفه فانشرم [4] فولى سريعا لأدراجه ... وقد هزموا جمعه فانهزم حلف عدي وبني سهم وكان من شأن ما جرّ حلف عدي بن كعب وحلف بني سهم أن عبد شمس بن عبد مناف كانت له بختية ولم تكن بمكة بختية غيرها ففقدها [5] وبغاها، فشق عليه مذهبها وضلالها منه، فمكث يبتغيها إذ قام قائم على أبي قبيس حين هدأ الناس وقال بأعلى صوته: (الرجز) والله ما كانت لنا هديّة ... يا عبد شمس باغي البختيّة وما لنا عندكم بغية ... لا دية لنا ولا عطيّة لكنها بختية غويّة ... تعرضت حينا لنا عشيّة شربا لنا بينهم تحية ... تدور كأس بينهم رويّة فنحرت صاغرة قميئة [6] ... لفتية أوجههم وضيّة فلتبعد البختية الشقية [7] ... فلن تراها آخر المنية فأصبح عبد شمس وقد غاضبه [8] ما سمع، فجعل ذودا لمن [9] دله على خبرها، فأتاه [10] ابن أخت لبني عدي بن كعب من بني عبد بن معيص بن عامر فقال
حديث قصي بن كلاب وجمعه قريشا وإدخالهم الأبطح
له: إن الذي نحر بختيتك عامر بن عبد الله بن عويج [1] بن عدي بن/ كعب وآية ذلك أن جلدها مدفون في حفرة في حجرة بيته، فخرج [2] عبد شمس في ولده وناس من أهله حتى دخلوا منزل عامر بن عبد الله فوجدوا الأمر كما قال الرجل، فأخذ عامرا ثم ذهب به إلى منزله وقال: لأقطعن يده ولآخذن ماله! فمشت إليه بنو عدي بن كعب فصالحوه على أن يأخذ كل مال لعامر وأن يخرج من مكة ففعلوا، فبعث فأخذ كل مال لعامر وخلى سبيله! ثم قال: اخرجوا من مكة فارتحلوا وتعرض بنو سهم لهم وأنزلوهم بين أظهرهم وقالوا: والله لا تخرجون! وأم سهم بن عمرو [3] الألوف بنت عدي بن كعب، فأقاموا وهم حلف بني سهم حتى جاء الإسلام فقال عامر بن عبد الله: (الوافر) فدى لبني الألوف أبي وأمي ... وقد غصّت من الكرب الحلوق وأسلمنا الموالي عن حباه ... فلا رحم تعود ولا صديق هم منعوا الجلاء وبوءونا [4] ... منازل لا يخاف بها مضيق وكانوا دوننا لبني قصي ... فليس إلى ورائهم طريق حديث قصي بن كلاب [5] وجمعه قريشا وإدخالهم الأبطح هشام عن بشر الكلبي عن أبيه قال: كان يقال لقريش قبل قصي بن كلاب بنو النضر وكانوا متفرقين في ظهر مكة [6] ولم يكن بالأبطح [7] أحد منهم، فلما أدرك قصي واجتمعت عليه خزاعة وبنو بكر بن عبد مناة بن كنانة وصوفة وهم الغوث بن مر [8] بعث إلى أخيه/ من أمه رزاح [9] بن ربيعة بن
حرام بن ضنة [1] بن عبد بن كبير بن عذرة، وأم قصي فاطمة بنت سعد بن سيل [2] من الأزد، واسم سيل خير بن حمالة [3] بن عوف بن عامر وهو الجادر [4] أول من بنى جدار الكعبة ابن عمرو بن جعثمة [5] بن مبشر بن [6] صعب بن دهمان [7] بن نصر بن زهران بن كعب الحارث بن كعب بن عبد الله ابن مالك بن الأزد، وكان جعثمة خرج أيام خرجت الأزد من مأرب ونزل في بني الدّيل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة فحالفهم [8] وتزوج فيهم، وكانت فاطمة أم قصي عند كلاب بن مرة فولدت له زهرة، ثم مكث [9] دهرا حتى شيّخ وذهب بصره ثم ولدت قصيا قال هشام: وإنما سمي قصيا لأن أمه تقصيت به إلى الشام وقدم ربيعة بن حرام [10] العذري حاجا فتزوجها، فحملت قصيا غلاما معها إلى الشام، فولدت لربيعة رزاحا وحنّا [11] فجرى بين قصي وبين غلام من بني عذرة كلام فنفاه العذري وقال: والله ما أنت منا! فأتى أمه وقال لها: من أبي؟ قالت: أبوك ربيعة، قال: لو كنت ابنه منه ما نفيت، قالت: فأبوك والله يا بني أكرم منه! أبوك كلاب بن مرة من أهل الحرم، قال: فو الله لا أقيم ههنا أبدا! قالت فأقم حتى يجيء إبّان الحج! فلما حضر ذلك بعثته مع قوم من قضاعة وزهرة حي [12] فأتاه وكان زهرة فيما زعموا
حديث الأركاح
أشعر وقصي أشعر أيضا فقال قصي: أنا أخوك، فقال: ادن، فلمسه [1] وقال: أعرف والله الصوت والشبه، ثم إن زهرة مات وأدرك قصي، فأراد أن يجمع قومه بني النضر ببطن مكة، فاجتمعت عليه خزاعة وبكر وصوفة، فكثروه وبعث إلى أخيه رزاح فأقبل في جمع من الشام/ وأفناء قضاعة حتى أتى مكة، فكانت صوفة هم يدفعون بالناس فقام رزاح على الثنية [2] فقال: أجز قصي، فأجاز بالناس فلم تزل الإفاضة [3] في بني قصي إلى اليوم، وأدخل بطون قريش كلها الأبطح إلا محارب بن فهر والحارث بن فهر وتيم الأدرم بن غالب ومعيص [4] بن عامر بن لؤي وهؤلاء [5] يدعون الظواهر، فأقاموا بظهر مكة، إلا أن رهطا من بني الحارث بن فهر نزلوا الأبطح وهم رهط أبي عبيدة بن الجراح فهم معهم، واسم قصي زيد وهو أيضا مجمّع لجمعه قريشا وذلك قول حذافة بن غانم: (الطويل) أبوكم قصي كان يدعى مجمّعا ... به جمّع الله القبائل من فهر حديث الأركاح قال الكلبي: كان هاشم [6] بن عبد مناف أوصى إلى أخيه المطلب بن عبد مناف فبنو المطلب وبنو هاشم يد إلى اليوم، وبنو عبد شمس وبنو نوفل يد إلى اليوم، فلما هلك المطلب وثب نوفل بن عبد مناف على ساحات كانت لهاشم وهي الأركاح فوهبها لابنه عبد المطلب فأخذها، فاستنصر عبد المطلب قومه فلم يجبه [7] منهم كبير [8] أحد، فلما رأى عبد المطلب خذلان قومه بعث
إلى أخواله من بني النجار، وكانت أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد أحد بني عامر بن غنم بن عدي بن النجار بن ثعلبة بن عمرو من الخزرج، وكان في كتاب عبد المطلب بن هاشم إليهم هذا الشعر: (البسيط) يا طول ليلي وأحزاني وأشغالي ... هل من رسول إلى النجار أخوالي ينبئ [1] عديا وذبيانا [2] ومازنها ... ومالكا [3] عصمة الجيران [4] عن حالي قد كنت فيكم ولا أخشى ظلامة ذي ... ظلم عزيزا منيعا ناعم البال حتى ارتحلت إلى قومي وأزعجني ... عن ذاك [5] مطّلب عمي بترحال قد كنت ما كان حيا ناعما جذلا ... أمشي العرضنة [6] سحّابا بأذيال فغاب مطلب في قعر مظلمة ... وقام [7] نوفل كي يعدو [8] على مالي أأن رأى رجلا غابت عمومته ... وغاب أخواله عنه بلا وال [9] أنحى عليه ولم يحفظ له رحما ... ما أمنع المرء بين العم والخال فاستنفروا وامنعوا ضيم ابن أختكم [10] ... لا تخذلوه فما أنتم بخذّال [11] ما مثلكم في بني قحطان قاطبة ... حيّ لجار وإنعام وإفضال أنتم ليان [12] لمن لانت عريكته ... سلم لكم [13] وسمام الأبلخ [14] الغالي [15]
فأقبلوا على كل صعب وذلول [1] حتى انتهوا إلى مكة فكلموا نوفلا حتى رد على عبد المطلب أركاحه فأنشأ عبد المطلب يقول: (الوافر) . تأبّى [2] مازن وبنو عدي ... وذبيان [3] بن تيم اللات ضيمي وذادت [4] مالك حتى تناهى [5] ... ونكب بعد نوفل [6] عن حريمي بهم رد الإله علّي ركحي ... فكانوا في التنصر [7] دون قومي وقال أيضا عبد المطلب لأخواله بني النجار: (السريع) أبلغ بني النجار إن جئتهم ... أني منهم وابنهم والخميس [8] رأيتهم قوما إذا جئتم ... هووا لقائي وأحبوا حسيس [9] قال فأخبرني ابن الكلبي [10] قال: لما بعث عبد المطلب إلى أخواله بني النجار أقبل منهم ثمانون رجلا قد تقلدوا وتنكّبوا القسي وعلقوا التراس في مناكبهم فأناخوا بفناء الكعبة، فلما رآهم [11] نوفل قال: ما أشخص هؤلاء إلا الشر، فخافهم فردّ على ابن أخيه الأركاح وأحسن إليه، فقال شمر [12] بن عويمر [13] الكناني [14] : يمدح بني النجار لنصرهم عبد المطلب على عمه:
حلف خزاعة لعبد المطلب
(الطويل) لعمري لأخوال ابن هاشم نصرة [1] ... من أعمامه الأدنين [2] أحسن [3] أفضل [4] أجابوا على نأي [5] دعاء ابن أختهم ... وقد رامه بالظلم والغدر نوفل [6] فما برحوا حتى تدارك حقه ... وردّ عليه بعد ما كاد يؤكل جزى [7] الله خيرا عصبة خزرجية ... تواصوا على بر وذو البر أفضل حلف خزاعة لعبد المطلب وكان سبب حلف خزاعة لعبد المطلب أن نفرا من خزاعة قالوا فيما بينهم: والله ما رأينا في هذا الورى [8] أحدا أحسن وجها ولا أتم خلقا ولا أعظم حلما من عبد المطلب/ وقد ظلمه عمه حتى استنصر أخواله، وقد ولدناه كما ولده بنو النجار فلو أنا بذلنا له نصرتنا وحالفناه [9] ! فأجمع رأيهم على ذلك فأتوا عبد المطلب فقالوا: يا أبا الحارث! إن كان بنو النجار ولدوك فقد ولدناك ونحن بعد وأنت متجاورون في الدار فهلم فلنحالفك! فأجابهم فأقبل بديل [10] أبو ورقاء بن بديل العدوي و [11] سفيان بن عمرو، وأبو بشر القميري [12] وهاجر
ابن عمير بن عبد العزى القميري [1] وهاجر بن عبد مناف بن ضاطر [2] وعبد العزى ابن قطن [3] المصطلقي وخلف بن أسعد الملحي وعمرو بن مالك بن مؤمل الحبتري [4] في جماعة من قومهم، فدخلوا دار الندوة [5] فكتبوا بينهم كتابا، وأقبل عبد المطلب في سبعة نفر من بني المطلب والأرقم بن نضلة بن هاشم وكان من رجال قريش والضحاك وعمرو ابنا صيفي بن هاشم ولم يحضره أحد من بني عبد شمس ولا نوفل لليد التي منهم، وعلقوا الكتاب في الكعبة، فقال هاجر حين بعثوا عبد المطلب: والله لئن قلتم ذلك لقد رأيت رؤيا بيثرب ليكونن لولده شأن! قالوا: وما رأيت؟ قال: رأيت كأن بني عبد المطلب يمشون فوق رؤس نخل يثرب ويطرحون التمر إلى الناس، فليكونن لهم شأن وليكونن ذلك من يثرب، قال هاجر فقلت: والله ما لعبد المطلب إلا غلام يقال له الحارث! قال: فحالفوه [6] ، وتزوج عبد المطلب يومئذ لبنى بنت هاجر بن ضاطر فولدت له أبا لهب، وتزوج ممنعة [7] بنت عمرو بن مالك بن مؤمل الحبتري فولدت له الغيداق [8] ، قال: وكتبوا كتابا كتبه لهم أبو قيس بن عبد مناف بن زهرة، وكان بنو زهرة يكرمون عبد المطلب لصهره فكان الكتاب: هذا ما تحالف عليه عبد المطلب ورجالات [9] بني عمرو من خزاعة ومن معهم من أسلم ومالك، تحالفوا على التناصر والمؤاساة حلفا جامعا غير مفرق الأشياخ على الأشياخ والأصاغر على الأكابر والشاهد على الغائب، تعاهدوا
وتعاقدوا ما شرقت الشمس [1] على ثبير [2] ، وما حن بفلاة بعير، وما قام [3] الأخشبان [4] وما عمر بمكة إنسان [5] ، حلف أبد [5] لطول أمد، يزيده طلوع الشمس شدا وظلم الليل مدا، عقده عبد المطلب بن هاشم ورجال بني عمرو، فصاروا يدا دون بني النضر، فعلى [6] عبد المطلب [النصرة-] [7] لهم على كل طالب وتر في بر أو بحر أو سهل أو وعر، وعلى بني عمرو النصرة لعبد المطلب وولده على جميع العرب [في] [8] [9] الشرق أو الغرب [9] [10] أو الحزن أو السهب [10] ، وجعلوا الله على ذلك كفيلا وكفى بالله حميلا [11] ، ثم علقوا الكتاب في الكعبة، فقال عبد المطلب: (الطويل) سأوصي زبيرا إن توافت منيتي ... بإمساك ما بيني وبين بني عمرو وأن يحفظ الحلف الذي سن [12] شيخه [13] ... ولا يلحدن [14] فيه بظلم ولا غدر هم حفظوا الإل [15] القديم وحالفوا ... أباك فكانوا دون قومك من فهر
قال: وأوصى عبد المطلب إلى ابنه [1] الزبير، وأوصى الزبير إلى أبي طالب وأوصى أبو طالب إلى العباس، وفي تصديق ذلك [2] قول عمرو بن سالم [3] للنبي صلى الله عليه حين أغارت عليهم بنو بكر [4] فقتلوا من قتلوا من خزاعة: (الرجز) لا همّ إني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا [5] إنا ولدناه فكان ولدا [6] ... ثمّت أسلمنا ولم ننزع يدا قال أبو سعيد: أنشدنا أبو بكر تمام هذه القصيدة، قال: حدثنا به عبد الكريم بن الهيثمي بن زياد باسناده في حديث طويل: (الرجز) إن قريشا أخلفتك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكدا وزعموا أن لست تدعو لهدى [7] ... وجعلوا لي بكداء [8] مرصدا وهم أذل وأقل عددا ... وهم أتونا [9] بالوتير [10] هجّدا
منافرة عبد المطلب وحرب بن أمية
فقتلونا ركعا وسجدا ... فانصر رسول الله نصرا أيدا [1] وادع عباد الله يأتوا مددا ... فيهم رسول الله قد تجردا أبيض مثل البدر يسمو [2] صعدا [3] ... في فيلق كالبحر يأتي [4] مزبدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نصرت يا عمرو بن سالم. ومما يصدق حلف بني هاشم وخزاعة قول شيبان بن جابر السلمي وأقبل إلى [5] المقوم بن عبد المطلب يحالفه [6] فقال [7] : (الطويل) أحالفكم حلفا شديدا عقوده ... كحلف بني عمرو أباك بن هاشم على النصر ما دامت بنجد وثيمة [8] ... وما سجعت قمرية بالكراتم [9] هم منعوا الشيخ المنافيّ بعد ما ... رأى حمة الإزميل فوق البراجم [10] منافرة [11] عبد المطلب وحرب بن أمية قال أبو المنذر [12] : كان رجل من اليهود من أهل نجران يقال له أذينة [13] في جوار عبد المطلب/ بن هاشم، وكان يتسوق في أسواق تهامة بماله،
وأن حرب بن أمية غاظه ذلك فألب عليه فتيانا من قريش وقال لهم: هذا العلج الذي يقطع الأرض إليكم ويخوض بلادكم بماله من غير جوار ولا أمان [1] ! والله لو قتلتموه ما خفتم أحدا يطلب بدمه، قال: فشد هاشم [2] بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي عليه وصخر بن عامر [3] بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة فقتلاه، وكان معهما ابن مطرود بن كعب الخزاعي، قال: فجعل عبد المطلب لا يعرف له قاتلا حتى كان بعد فعلم من اين أتى، فأتى حرب بن أمية فأنّبه لصنيعه وطلب بدم جاره، فأبى حرب ذلك عليه وانتهى بهما التماحك [4] واللجاج إلى المنافرة، فجعلوا بينهما النجاشي ملك الحبشة، فأبى أن ينفذ [5] بينهما فجعلا بينهما نفيل بن عبد العزى بن رياح [6] بن عبد الله بن قرط بن رزاح [7] بن عدي بن كعب فأتياه فقال حرب [8] بن أمية: يا أبا عمرو! أتنافر رجلا هو أطول منك قامة وأوسم [منك] [9] وسامة وأعظم منك هامة وأقل منك لامة، وأكثر منك ولدا وأجزل منك صفدا [10] وأطول منك مذودا [11] ، وأني لأقول هذا وإن فيك
لخطالا [1] : إنك لبعيد الغضب رفيع الصيت في العرب، جلد المريرة [2] تحبك العشيرة، ولكنك نافرت منفرا [3] . قال: فنفر عبد المطلب على حرب، فغضب حرب من ذلك وأغلظ لنفيل وقال: من انتكاس الدهر أن جعلناك حكما، فأنشأ نفيل يقول: (البسيط) ليهنأ [4] قوما لهم في الناس سابقة ... حمل المئين وسبق ما لهم [5] ورع [6] أعطاهم الله نورا يستضاء به ... إذا الكواكب أخطا نوءها النجع [7] وهم عروق [8] الثرى منهم أرومتنا ... ما جادى [9] اليوم في تربائهم [10] ضرع [11] ما إن ينال البلى [12] أركان منزلهم [13] ... ولا يحل بأعلى نيقهم [14] صدع [15] أولاد شيبة [16] أهل المجد قد علمت ... عليا معدّ إذا ما هزهز [17] الورع [18]
وهبت الريح بالصراد [1] فانطلقت ... تزجي جهاما [2] سريعا سيره ملع [3] وشيبة الحمد نور يستضاء به ... إذا تخطّا إلى المشبوبة [4] الفزع وراحت الشول [5] جدبا في مراتعها ... حول الفنيق [6] رسيلا [7] ما له تبع يا حرب ما بلغت مسعاتكم هبعا [8] ... تسقي الحجيج وماذا يحمل [9] الهبع [10] أبوكما واحد والفرع بينكما ... منه الخشاش [11] ومنه الناضر [12] الينع فاعرف لقوم هم الأرباب فوقكم ... لا يدركنّك شر [13] [ماله [14]] دفع [15] هم الرّبى من قريش في أرومتها ... والمطعمون [16] إذا ما مسها القشع وقال في ذلك الأرقم بن نضلة بن هاشم يذكر منافرة هاشم وأمية: (الطويل) وقبلك ما أردى أمية هاشم ... فأورده عمرو إلى شر مورد
منافرة عبد المطلب وثقيف
فيا حرب قد جاريت غير مقصر [1] ... شآك [2] إلى الغايات طلّاع انجد قال: فأراد حرب بن أمية إخراج بني [عدي-] [3] بن كعب من مكة فاجتمعت لذلك بنو عبد شمس بن عبد مناف وبنو نوفل بن عبد مناف وغضب لعبد المطلب بنو هاشم وبنو المطلب وبنو زهرة وغضبت بنو سهم لبني عدي لأنهم من الأحلاف فمنعوهم، فلما رأى ذلك حرب بن أمية كف عنهم . منافرة عبد المطلب وثقيف قال الكلبي: كان لعبد المطلب بن هاشم مال [4] بالطائف يقال له ذو الهرم [5] فادعته ثقيف وجاءوا فاحتفروا، فخاصمهم فيه عبد المطلب إلى الكاهن بالشام يقال [6] عزّى سلمة [7] العذرى، وخرج مع عبد المطلب نفر من قومه وكان معه ولده الحارث ولا ولد له يومئذ غيره وخرج [8] الثقفي الذي يخاصم عبد المطلب واسمه جندب بن الحارث في نفر من ثقيف فساروا جميعا، فلما كانوا في بعض الطريق نفد ماء عبد المطلب وأصحابه، فطلب عبد المطلب إلى الثقفيين أن يسقوه من مائهم فأبوا، فلما بلغ من القوم العطش كل مبلغ وظنوا أنه الهلاك نزل عبد المطلب وأصحابه وأناخوا إبلهم وهم يرون أنه الموت،
ففجر الله لهم عينا من تحت جران [1] بعير عبد المطلب، فحمد الله عبد المطلب على ذلك وعلم أنه من الله تعالى فشربوا من الماء ريّهم وتزودوا منه حاجتهم، قال: ونفد ماء الثقفيين فطلبوا إلى عبد المطلب أن يسقيهم، فقال له الحارث ابنه: والله لئن فعلت لأضعن سيفي في إهابي [2] ثم لأنتحين عليه حتى يخرج من ظهري، فقال له: يا بني! اسقهم ولا تفعل ذلك بنفسك، قال: فسقاهم عبد المطلب، ثم انطلقوا إلى الكاهن وقد خبأوا له خبيئا وهو رأس جرادة فجعلوه في خربة [3] مزادة [4] وعلقوه في قلادة كلب لهم يقال له سوّار، قال: فلما أتوا الكاهن إذا هم ببقرتين/ تسوقان بحزجا [5] بينهما كلتاهما توأمة [6] تزعم أنه ولدها، وذلك أنهما ولدتا في ليلة واحدة فأكل النمر إحدى البحزجين فهما يرأمان [7] الباقي، فلما وقفتا [8] بين يدي الكاهن قال: هل تدرون ما تقول هاتان البقرتان؟ قالوا: لا، قال: يختصمان في هذا البحزج ويطلبان بحزجا آخر ذهب به ذو جسد أربد وشدق رمع [9] وناب معق [10] وحلق صعق [11] ، فما للصغرى في ولد الكبرى من حق، فقضى به لكبرى من البقرتين، فلما ذهبتا
من عنده أقبل على عبد المطلب وأصحابه فقال: حاجتكم؟ قالوا: إنا قد خبأنا خبيئا فأنبئنا عنه، قال: نعم، خبأتم لي شيئا طار، فسطع فتصوّب [1] فوقع فالأرض منه بلقع [2] ، قالوا: لاده [3] أي بيّن، قال: هو شيء طار، فاستطار ذو ذنب جرار، ورأس كالمسمار [4] ، وساق كالمنشار، قالوا: لاده قال: إن لاده فلاده [5] ، هو رأس جرادة، في خربة [6] مزادة، في عنق سوار ذي القلادة، قالوا له: قد أصبت، فانتسبا له وقالا له: أخبرنا في ما اختصمنا، قال: أحلف بالضياء والظلم، والبيت ذي الحرم، أن المال [7] ذا الهرم، للقرشي ذي الكرم، قال، فغضب الثقفيون، فقال جندب بن الحارث [8] : اقض لأرفعنا مكانا، وأعظمنا جفانا، وأشدنا طعنا، فقال عبد المطلب: اقض لصاحب الخيرات الكبر [9] ، ومن كان أبوه سيد مضر، وساقي الحجيج إذا كثر، فقال الكاهن: (الرجز) أما ورب القلص [10] الرواسم [11] ... يحملن أزوالا [12] بقيّ [13] طاسم [14]
منافرة هاشم بن عبد مناف وأمية بن عبد شمس
إن سناء [1] المجد والمكارم [2] ... في شيبة الحمد [3] الندي [4] ابن هاشم فقال عبد المطلب: اقض بين قومي وقومه أيهم [5] أفضل، فقال: (الرجز) إن مقالي فاسمعوا شهادة ... أن بني النضر كرام سادة من مضر الحمراء في القلادة ... أهل سناء وملوك قادة زيارة البيت لهم عبادة [6] ثم قال: إن ثقيفا عبد آبق فأخذ فعتق، ثم ولد فأبّق [7] فليس له في النسب من حق.... أبّق [8] أي كثر ولده، والبق من هذا أخذ، ففضّل عبد المطلب عليه وقومه على قومه . منافرة هاشم بن عبد مناف وأمية بن عبد شمس قال: كان هاشم بن عبد مناف قد أتى الشام فأقام به حينا ثم أقبل منه يريد مكة ومعه الغرائر مملوءة خبزا قد هشمته، ومعه الإبل تحمل الغرائر حتى قدم مكة، وذلك في سنة شديدة قد جاع فيها الناس وهلكت فيها أموالهم وأنفسهم فعمد هاشم إلى الإبل التي كانت تحمل الغرائر فنحرها وأقام الطهاة فطبخوا، ثم أخرج الخبز الهشيم فملأ منه الجفان ثم أمر بالقدور فكفئت [9] عليها، فأطعم الناس أهل مكة وغيرهم فكان ذلك أول خصبهم، فقال في
ذلك رجل من قريش وهو حذافة [1] بن غانم العدوي: (الكامل) عمرو العلى هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف [2] وقال في ذلك وهب [3] بن عبد بن قصي بن كلاب: (الوافر) تحمّل هاشم ما ضاق عنه ... وأعيا أن يقوم به ابن بيض [4] أتاهم بالغرائر متأقات [5] ... من أرض الشام بالبر النفيض [6] فأوسع أهل مكة من هشيم ... وشاب الخبز باللحم الغريض [7] فظل القوم بين مكلّلات ... من الشيزى [8] وحائرها [9] يفيض [10] ويروى: من الشيزى جابرها [11] . وكان أمية بن عبد شمس مكثرا، فتكلف أن يصنع ما صنع هاشم فعجز عنه وقصر، فشمت به ناس من قريش وسخروا منه وعابوه بما صنع ثم قصر فهاج ذلك بينه وبين
هاشم شرا ومفاخرة ومخاصمة [1] حتى دعاه إلى المنافرة وألب أمية إخوته ووبخوه وحرّبوه، وكره ذلك هاشم لسنه، حتى أكثرت قريش في ذلك وذموه [2] ، فقال له هاشم: أما إذا أبيت إلا المنافرة فأنا أنافرك على خمسين ناقة سوداء الحدقة ننحرها بمكة والجلاء عن مكة عشر سنين، قال: فرضيا بذلك وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي وخرج أبو همهمة [3] بن عبد العزى عامرة [4] بن عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر وكانت أمة [5] بنت أبي همهمة عند أمية بن عبد شمس فخرج معهما كالشاهد، فقالوا: لو خبأنا له خبيئا نبلوه به قبل التحاكم إليه، قال: فوجدوا أطباق جمجمة [6] بالية فأمسكها معه/ أبو همهمة ثم أتوا الكاهن وكان منزله بعسفان [7] فأناخوا الإبل ببابه وقالوا: إنا قد خبأنا لك خبيئا فأنبئنا به قبل التحاكم إليك فقال: أحلف بالنور والظلمة، وما بتهامة [8] من بهمة [9] ، وما بنجد [10] من أكمة [11] ، لقد خبأتم لي أطباق جمجمة، مع الفلندح [12] أبي همهمة، قالوا: أصبت فاحكم بين هاشم بن عبد مناف وبين أمية بن عبد شمس أيهما أشرف فقال: والقمر الباهر، والكوكب الزاهر، والغمام الماطر، وما بالجو من طائر، وما اهتدى بعلم مسافر، منجد [13] أو
منافرة عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم والحارث ابن أسد بن عبد العزى
غائر، لقد سبق هاشم أمية إلى المفاخر، أول منها [1] وآخر. قال: فأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعمها من حضر وخرج أمية إلى الشام فأقام به عشر سنين، ومن ثم يقال إن أمية استلحق أبا عمرو ابنه وهو ذكوان وهو رجل من أهل صفورية [2] ، فخلف أبو عمرو على امرأة أبيه بعده فأولدها أبان وهو أبو معيط [3] ويقال استلحق ذكوان أيضا أبان . منافرة عائذ [4] بن عبد الله بن عمر بن مخزوم والحارث ابن أسد بن عبد العزى قال: تنازع عائذ [4] بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم والحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي في الشرف/ والمجد أيهما أشرف وأمجد فجعلا بينهما كاهنا كان يقوم بعسفان وجعلا للمنفّر خمسين من الإبل وجعلا الإبل على يد المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ثم شخصوا إليه، فلما كانوا قريبا منه وجد رجل من بني أسد بن عبد العزى يقال له زر [5] بن حبيش [6] بيضة نعام، فقال: هل لكم أن نخبأ له هذه البيضة؟ فإن أصابها علمنا أنه مصيب فيكما، قالا: نعم، فأمسكها معه ثم أتوه فأناخوا ببابه [7] وعقلوا الإبل بفنائه ثم نادوه، فخرج إليهم فقالوا: أخبرنا في أي شيء جئناك، فقال: حلفت برب السماء ومرسل العماء [8] فينبعن بالماء! إن جئتموني إلا لطلب السناء، فقالوا: صدقت قد خبأنا لك خبيئا فأنبئنا [9] ما هو؟ قال: خبأتم لي
شيئا مدملقا [1] كالفهر [2] لونه لون الدر، يزلّ من فوقه الذر، قالوا: لاده [3] ، قال: حلفت برب مكة واليمامة، ومن سلك بطن تهامة، لحج أو إقامة لقد خبأتم لي بيضة نعامة مع زر ذي العمامة قالوا: صدقت، فانتسبا له، وقالوا: احكم بيننا أينا أولى بالمجد والشرف، قال: حلفت بأظب [4] عفر [5] ، بلماعة [6] قفر، يردن بين سلم [7] وسدر [8] ! ان سناء المجد ثم الفخر، لفي عائذ [9] إلى آخر الدهر. قال: فأخذ عائذ [9] الإبل فنحرها وأطعمها وأنشأ يقول: (البسيط) إني امرؤ من ذرى فهر إذا نسبوا ... إذ أنت من ثمد يا حار منسوب تنازع المجد قوما لست [10] مدركهم [11] ... ما خود الرأل [12] أو ما حنت [13] النيب [14] فارجع ذميما فقد لاقيت داهية ... وقد شأوتك [15] والمغلوب مغلوب
منافرة مالك بن عميلة وعميرة بن هاجر الخزاعي
منافرة مالك بن عميلة وعميرة بن هاجر الخزاعي قال هشام: كان لمالك بن عميلة بن السباق بن عبد الدار بن قصي فرس قد سبق عليه وكان لعميرة بن هاجر بن عمير بن عبد العزى بن نمير [1] الخزاعي فرس قد سبق عليه، فوقفا بمكة فتذاكر الخيل فقال عميرة: فرسي أجود من فرسك، فتراهنا [2] على فرسيهما وجعلا الرهن على يدي عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار أيهما سبق فله مائة من الإبل، فأرسلا فرسيهما من أجياد [3] فأقبل فرس عميرة سابقا، فعرض له قاسط بن شريح بن عثمان بن عبد الدار فحبسه، فطلب عميرة السبق فأبى عليه حتى كاد يقع الشر بينهما، فتداعيا إلى المنافرة إلى الكاهن فأيهما فضّل الكاهن فله مائة من الإبل والفرس، فتواثقا وخرجا مع كل واحد منهما نفر من قومه، وقاد كل واحد منهما عشرين بعيرا للكاهن، فنهى أرطاة [4] بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي مالك بن عميلة أن ينافره فأبى وخرجا نحوه ومعهما علقمة بن الفغواء الخزاعي ثم من بني نصر، فقالوا: لو خبأنا له خبيئا نبلوه به! فوجدوا في طريقهم جثة نسر فأخذوها ثم أتوا الكاهن وهو عزى سلمة العذري سلمة اسمه/ وعزى [5] اسم شيطانه فأناخوا الإبل ببابه، وخرج إليهم فقالوا: قد خبأنا لك خبيئا فأنبئنا ما هو؟ وقد جعلوه في عكم [6] لهم من شعر ودفعوه إلى علقمة، قال: خبأتم لي ذا جناح أعنق [7] ، طويل الرجل أبرق [8] ، إذا تغلغل [9] حلّق [10] ، وإذا انقض فتّق [11] ، ذا مخلب
مذلق [1] ، يعيش حتى يخلق [2] ، قال: بين، فقال: أحلف بالنور والقمر، والسنا والدهر، والرياح والفطر! لقد خبأتم لي جثة نسر، في عكم من شعر، مع الفتى من بني نصر، قالوا: صدقت، فاقض بين مالك بن عميلة وابن هاجر فقال: (الرجز) أحلف بالمروة والمشاعر ... ومنحر [3] البدن [4] لدى الحزاور [5] وكل من حج على عذافر [6] ... من بين مطفور [7] وبين ناشر يؤمّ بيت الله ذي الستائر ... أن سنا المجدّ والمفاخر لفي الفتى عميرة بن هاجر ... فارجع أخا الدار بجد عاثر فسار عميرة إلى الإبل فنحرها، وأخذ الإبل والفرس، وأنشأ مالك يقول: (الطويل) شآني [8] لما أن جريت ابن هاجر ... فأشمت أعدائي وأخرجت من مالي فيا ليتني من قبل حلي ورحلتي ... إلى الكاهن الطاغوت قطّعت أوصالي بعضب حسام ذي شقائق مرهف ... ولم يك سرّاء [9] عميرة من مالي ضللت كما ضلت بليل [10] فلا ترى ... قلامة ظفر في معرّس نزّال وقال أرطاة [11] في ذلك لمالك: (الطويل)
منافرة بني مخزوم وبني أمية
ندمت نئيشا [1] أن تكون أطعتني ... على حين لا يجدي عليك التندم (نئيشا: بعد الفوت، ومنه قوله تعالى: وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ 34: 52) فجاريت قرما من قروم كريمة ... فقّصرت إذ أعيا عليك التقدم منافرة بني مخزوم وبني أمية قال: اجتمع عند الحجر قوم من بني مخزوم وقوم من بني أمية فتذاكروا العز والمنعة، فقال رجل من بني كنانة كان حليفا لبني مخزوم: بنو مخزوم أعزّ وأمنع، وقال رجل من بني زبيد وكان حليفا لبني أمية: بنو أمية أعزّ وأمنع، فجرى بينهما الكلام حتى غضب الوليد بن المغيرة المخزومي وأسيد [2] بن أبي العيص وتفاخرا فجرى بينهما اللجاج فقال الوليد: أنا خير منك أما وأبا وأثبت منك في قريش نسبا، فقال أسيد: أنا خير منك منصبا وأثبت منك في قريش نسبا وأنت رجل من كنانة من بني شجع [3] دخيل [4] في قريش نزيع [5] في بني مخزوم وأنا غرة بني عبد مناف وذؤابة [6] قصي، فتعال أفاخرك، ثم قال أسيد: (الطويل) لست بشجعيّ ولكن نسبتي ... إلى غرة لا قول من يتنحل فلو كنت منا لم تعث في فسادنا ... وجاملتنا والحازم المتجمل وإلا تدع ما بيننا من عداوة ... تكن لكم لوم أغرّ محجّل قال: فتداعيا إلى المنافرة وكذلك كانت العرب تفعل وقالا: يحكم بيننا سطيح [7] فليس من أحد من واحد من الفريقين فنرضى [8] بما حكم بيننا
فتراضيا به وجعلا بينهما/ خمسين من الإبل للمنفّر على صاحبه، قال: فخرجا نحوه وخرج معهما نفر من قومهما حتى أتوا سطيحا وهو يومئذ بصعدة [1] باليمن فوجدوا في طريقهم مخلب ليث فجعلوه في مزود مع غلام أسود كان لأسيد بن أبي العيص وقالوا: نخبأه له ونسأله عنه [2] فإن أصاب [3] نتحاكم [4] إليه، فأتوه فأناخوا ببابه، وعقلوا الإبل عن الرجلين بفنائه، قال: فوثب رجل من بني مخزوم وقال يا سطيح: (الرجز) إليك حينا يا سطيح نعمد ... يقودنا جمعا إليك الفدفد [5] لسنا إلى غيرك حقا نقصد ... ما إن لنا عنك هديت عندد [6] فعجّل الحكم ولا تردّد قال: فخرج إليهم سطيح، فقالوا: إنا قد خبأنا لك خبيئا فأنبئنا عنه حتى نتحاكم إليك بعد، فقال: خبأتم لي عودا وما هو بعود، بل حجرا وليس بالجلمود، فقالوا: بينّ، فقال: هو أخنف [7] محدد، في مكتل أو مزود، مخلب ليث أربد، مع الغلام الأسود. قالوا: صدقت فاحكم بين الوليد بن المغيرة وبين أسيد بن أبي العيص، فقال: بالنجود أحلف وبالتهائم، ثم بيت الله ذي الدعائم، وكل من حج على شداقم [8] إني بما جئتم به لعالم، إن ابن مخزوم أخو المكارم، فارجع يا أسيد بأنف راغم [9] . ثم أقبل عليهما فقال: أما أنت
منافرة بني قصي وبني مخزوم
يا وليد! فمثلك مثل جبل موزّر [1] ، فيه الماء والشجر، وفيه للناس معتصر [2] ومنعة الحي والوزر [3] ، للخير سباق وللشر حذر. وأما أنت يا أسيد! فمثلك مثل جبل وعر، فيه للمقتبسين جمر، لا ورد ولا صدر، الخير عندك نزر، والشر عندك أمر، فلج الوليد وظفر، وخاب أسيد وخسر. فأخذ سطيح ما كان جعل له من الإبل وقام الوليد إلى الإبل فنحرها وأطعمها الناس فأكلوا وحملوا . منافرة بني قصي وبني مخزوم معروف بن الخرّبوذ [4] عن بشير بن تميم قال: جعل نفر من قريش مجلسا فقال أبو ربيعة [5] بن المغيرة وابنه المغيرة وبنو المغيرة: ومنا سويد ابن هرمى [6] من بني عامر بن عبيد بن عمر بن مخزوم، فقال أسيد بن أبي العيص بن أمية: إليك [7] ، إنما [8] بنو قصي أشرف إنما، شرف عبد الله بن عمر لأن أمه برّة بنت قصي، فبها نال ما نال، ثم عدّد رجال قصي، ثم قال: فينا السقاية والحجابة والندوة والرفادة واللواء، فتداعوا إلى المنافرة فقال أسيد: إن نفّرتك أخرجتك من مالك، وإن نفرتني أخرجتني من مالي، فتراضيا بكاهن من خزاعة فقال ابن أبي همهمة وأمه تماضر [9] بنت أبي عمرو بن عبد مناف: مهلا يا أبا ربيعة! فأبى، وخرجوا وساقوا إبلا ينحرها المنفّر، فوجدوا في طريقهم حمامة أو يمامة [10] فدفعوها إلى أسامة عبد أبي همهمة،
فجعلها في ريش ظليم، فلما أتوا الكاهن قالوا: ما خبأنا لك؟ فقال:/ إما [1] غمامة تتبعها غمامة، فبرقت بأرض تهامة، فطفا من وبلها كل طلح [2] وثمامة [3] ، لقد خبأتم لي فرخ حمامة، أو أختها يمامة، في زف [4] نعامة، مع غلامكم أسامة. قالوا: احكم، فقال: أما ورب الواطدات [5] الشم، والجرول [6] السود بهن الصمّ، وما جرت جارية [7] في يم أن أسيدا لهو الخضم [8] ، لا تنكروا الفضل له في العمّ [9] . أما ورب السماء والأرض والماء وما لاح لنا [10] من حراء [11] ، لقد سبق أسيد أبا ربيعة بغير مراء، قالوا: أقصيّ أفضل أم مخزوم؟ قال: أما ورب العاديات [12] الضبّج [13] ، ما يعدل الحرّ بعبد نحنح [14] ، بمن أحل قومه بالأبطح. فنحر أسيد الجزر ورجع فأخذ مال أبي ربيعة، وكانت أخت أسيد عند [1] أبي جهل فكلمت أخاها حتى رد على أبي ربيعة ماله.
منافرة بني لؤي بن غالب
منافرة بني لؤي بن غالب قال أبو فراس محمد بن فراس بن محمد بن عطاء بن خولي الشامي قال حدثني أبو حفص أخو أبي العلاء العامري قال: حدثني إبراهيم بن عبد الملك العامري من بني حبيل [1] قال: ولد للؤي بن غالب ابن يقال له عمرو ومات صغيرا وكان من أمره/ أنه خرج مع أخيه عامر بن لؤي في سفر فلما أقبل إلى مكة تخلّف عمر في طريقه عن عامر فنهشته أفعى فقتلته، فاتهمت بنو لؤي عامرا بقتله، فأرادوا قتله، فنهاهم ذوو [2] الرأي منهم فسألوه الدية، فقال: لا أدي [3] من لم أقتل، فأجمع رأيهم على إتيان سطيح الذئبي [4] في أمره، فقال لهم عامر: إن قال سطيح: إني قتلته، ولم أقتله لتقتلونني به، وإن قال: إني لم أقتله، وقد قتلته أتدعون دم أخيكم؟ قالوا: فما الرأي؟ قال: افعلوا في سفركم فعلا، فإن أخبركم به صدق في صاحبكم، فخرجوا من مكة، فلما ساروا عشرا نحروا بكرا [5] واصطادوا عليه نسرا فأخذوا من خوافي ريشه عشرا ثم ساروا بعد العشر شهرا، ثم نحروا بكرا واصطادوا عليه نسرا وأخذوا من خوافي ريشه عشرا. ثم قدموا على سطيح، فقيل له: هؤلاء بنو لؤي بن غالب بالباب، فقال: ائذنوا لبني لؤي، فدخلوا عليه فقال: بنو لؤي أهل سناء وشرف وسؤدد ورفعة [6] والأمر كائن فيهم غدا، ثم قال: خرجتم من بلادكم وقد شجر بينكم أمر فسرتم من بلادكم عشرا، ثم نحرتم بكرا، واصطدتم عليه نسرا، وأخذتم من خوافيه عشرا، ما قتل عامر عمرا [7] ، ولكن نهشته أفعى. فقال لهم عامر: أخلق بالرجل أن يكون
منافرة عتبة بن ربيعة والفاكه بن المغيرة المخزومي
صدق، إنه كان تخلف عني في موضع كذا وكذا، فأتوا الموضع فوجدوا رأسه وأعظمه على جحر الأفعى . منافرة عتبة بن ربيعة والفاكه بن المغيرة المخزومي حدثني أبو السكين [1] زكريا بن عمر بن حصن الطائي قال: حدثني عم أبي زحر بن حصن [2] عن جده حميد [3] بن حارثة، قال أبو سعيد السكّري وحدثني أيضا أبو السكين الطائي قال أبو بكر- يعني الحلواني- وحدثني أيضا أبو بكر محمد بن أحمد قال حدثنا أبو السكين الطائي بإسناده قال: كانت هند بنت عتبة بن ربيعة عند الفاكه بن المغيرة المخزومي وكان الفاكه من فتيان قريش وكان له بيت للضيافة يغشاه الناس فيه عن غير إذن، فخلا البيت ذات يوم فقال هو وهند فيه ثم خرج الفاكه لبعض حاجته فأقبل رجل ممن كان يغشى البيت فولجه، فلما رأى المرأة ولىّ هاربا وناداه الفاكه وأقبل إلى هند فضربها [4] برجله وقال لها: من هذا الذي كان عندك؟ قالت: ما رأيت أحدا ولا انتبهت حتى أنبهتني، فقال لها: الحقي بأبيك، وخاض فيها الناس فقال لها أبوها: يا بنية [5] ! أنبئي نبأك، فإن كان الرجل عليك صادقا دسست عليه [6] من يقتله فانقطعت [7] القالة عنك، وإن يكن كاذبا حاكمته إلى بعض كهان اليمن، فحلفت بما كانوا يحلفون به إنه لكاذب، فقال عتبة للفاكه: إنك قد رميت ابنتي بأمر عظيم فحاكمني إلى بعض كهان العرب، فخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم وخرج عتبة في جماعة من بني عبد مناف وخرج معهم هند [8] ونسوة معها، فلما شارفوا البلاد تغيرت حال هند فقال لها أبوها: إني
قد أرى ما/ بك من تغير الحال وما ذلك إلا لمكروه عندك، قالت: لا والله يا أبتاه! ما ذاك لمكروه [1] عندي، ولكني أعلم أنكم تأتون بشرا يخطئ ويصيب ولا آمنه أن يسيمني [2] ميسما يكون علّي سبّة إلى يوم القيامة، فقال لها: إني سوف أختبره من قبل أن ننظر في أمرك، فأخذ حبة من حنطة فأدخلها في إحليل فرسه وأوكى [3] عليها بسير [4] ، فلما صبّحوا الكاهن نحر لهم وأكرمهم، فلما قعدوا قال له عتبة: إني قد خبأت لك خبيئا فانظر ما هو؟ قال: ثمرة في كمرة [5] ، قال: أريد أبين من هذا، قال: حبة من برّ في إحليل مهر، قال: صدقت، أنظر في أمر هؤلاء النسوة فجعل يدنو [6] من إحداهن [7] ويضرب كتفها ويقول: انهضي، حتى دنا من هند فضرب كتفها وقال: انهضي غير رسحاء [8] ولا زانية، ولتلدنّ ملكا يقال له معاوية، فنهض إليها الفاكه فأخذ بيدها فنترت [9] يدها من يده، وقالت: إليك، فو الله لأحرصنّ على أن يكون ذلك من غيرك! فتزوجها أبو سفيان بعده فجاءت بمعاوية. قال أبو جعفر [10] . قال لي أبو السكين الطائي [11] : رحل أبو بكر بن عياش من الكوفة إلى البادية حتى لقي عم أبي فسأله عن هذا الحديث.
حديث بني سهم في قتلهم الحيات
حديث بني سهم في قتلهم الحيات محمد بن حبيب عن هشام عن ابن الخرّبوذ قال: كانت بنو سهم بن عمرو أعز أهل مكة وأكثره عددا وكانت لهم صخرة عند الجبل الذي يقال له مسلم فكانوا إذا أرادوا [1] / نادى مناديهم: يا صباحاه! ويقولون: أصبح ليل، فتقول قريش: ما لهؤلاء المشائيم [2] ما يريدون؟ ويتشاءمون بهم، وكان منهم قوم يقال لهم بنو الغيطلة [3] وكان الشرف والبغي فيهم وهي الغيلطة بنت مالك بن الحارث من بني كنانة ثم من بني شنوق [4] بن مرّة تزوجها قيس بن سعد بن سهم فولدت له الحارث وحذافة، وكان فيهم العدو [5] والبغي، قال: فقتل رجل منهم حية فأصبح ميتا على فراشه، قال: فغضبوا فقاموا إلى كل حية في تلك الدار فقتلوهن فأصبحوا [6] موتى على فراشهم [7] ، فتتبعوهن في الأودية والشعاب فقتلوهن فأصبحوا وقد مات منهم بعدة ما قتلوا من الحيات، قال: فصرخ صارخ منهم: ابرزوا لنا يا معشر الجن! قال: فهتف هاتف من الجن فقال: (الخفيف) يا لسهم قتلتم عبقريا ... فصحنّاكم بموت ذريع يا لسهم كثرتم فبطرتم ... والمنايا تنال كل رفيع قال: فنزعوا وكفوا. قال الكلبي: وفيهم نزلت أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ 102: 1- 2 [8] وقال ابن الخربوذ: جعلوا يعدّون من مات منهم أيام الحيات وهذا قبل الوحي وذلك أنه وقع بينهم وبين عبد مناف بن قصي شر فقالوا: نحن أعدّ منكم، فجعلوا يعدون من مات منهم بالحيات فنزلت هذه الآية
حديث بغي بني السباق على اهل مكة
فيهم بعد على لسان النبي صلى الله عليه حديث بغي بني السباق على اهل مكة قال أبو محمد المرهبي عن شيخ من أهل مكة من بني جمح عن أشياخه قال: كان أول من/ أهلكه الله بمكة من قريش بنو السباق بن عبد الدار، فلما طال بغيهم سمعوا صوتا في جوف الليل على أبي قبيس [1] وهو يقول: (البسيط) أنظر إليك بني السباق إنهم ... عما قليل بلا عين ولا أثر [2] هذي [3] إياد وكانوا أهل مأثرة ... فأهلكت إذ بغت ظلما على مضر فمكثوا سنة ثم هلكوا، فلم يبق منهم عين ولا أثر إلا رجل واحد [4] بالشام له عقب حديث خضاب عبد المطلب بالوسمة [5] ذكر الكلبي أن أول من خضب بالوسمة من أهل مكة عبد المطلب وذلك أنه قدم اليمن ونزل عل بعض ملوكها فنظر إلى شيبه فقال: يا عبد المطلب! هل لك في تغيير [6] هذا البياض فتعود شابا؟ قال: ذلك إليك، فخضبه بالحناء ثم علاه بالوسمة، فلما أراد الانصراف زوّده منه شيئا كثيرا، فلما أقبل ودنا من مكة اختضب ودخل مكة وكأن رأسه ولحيته حنك [7]
ذكر ما كان بين قريش وكنانة يوم ذات نكيف
الغراب، فقالت نتيلة [1] بنت جناب [2] النمرية أم العباس: يا شيبة الحمد! ما أحسن هذا الخضاب لو دام! فقال عبد المطلب: (الطويل) لو دام لي هذا السواد حمدته ... فكان بديلا من شباب قد انصرم تمتّعت منه والحياة قصيرة ... ولا بد من موت نتيلة [3] أو هرم وماذا الذي يجدي على المرء خفضه ... ونعمته يوما إذا عرشه انهدم فموت جهيز [4] عاجل لا شوى [5] له ... أحب إلينا [6] من مقالتهم [7] حكم قولهم حكم أي انتهى [8] سنه، يقال حكم الرجل إذا انتهى [8] سنه وعقل، فخضب أهل مكة بعد [هـ] ذكر ما كان بين قريش وكنانة يوم ذات نكيف [9] كان الذي هاج إخراج قريش بني ليث من تهامة أن أهل تهامة أصابتهم سنة فسارت بنو ليث حتى نزلوا بأسفل تهامة ومما يلي يلملم [10] ويلي اليمن، وكان لهم جار من القارة [11] يقال له عوّاف كان له شرف وكان حليفا لهشام بن المغيرة والعاص بن وائل فخرج بلعاء بن قيس في أصحابه مغيرا على بعض
العرب وخلف أخاه [1] قتادة بن قيس فيمن [2] بقي من قومه، فخرج قتادة يوما يدور في بيوت الحي وهم متجاورون فرأى إبلا رواتع لجارهم القاريّ عوّاف فهمّ بالغارة عليها لما أصابهم من السنة، فشاور عمير بن عامر بن الملّوح ومعبد بن عامر بن الملّوح فزجراه عن ذلك أشد الزجر وقالا: لا تغر على جارك فإن له قوما [3] يغضبون له ويحوطونه: أبو عثمان هشام بن [4] المغيرة والعاص بن وائل [5] وأشباه لهما، فأسكت وأطرق إطراق الحية وافترقوا فقال عمير بن الملوح لأخيه معبد: ترى إطراقه ما أحراه أن يواثب الرجل، قال: إذا يركبنا من ذلك ما نكره، فلما أمسى دعا رجلا من قومه يقال له فلان بن صدوف [6] الليثي ورجلا من بني زبيد كان [7] لهم جارا فدعاهما إلى الغارة على إبل [8] القاري فأجاباه إلى ذلك، فلم يشعر القاري بشيء حتى أتوه فطردوا [9] أذواده [10] / وكانت ثلاثين وقتلوا ابنا له شابا كان [11] قد أشرف [12] لهم، فلما انتهوا بالإبل إلى دارهم أمر قتادة بعشر منها فنحرت وقسم لحومها في الحي وعمد إلى الباقي فقسمها في قومه ما بين بعير وبعيرين، وأرسل منها إلى عمير ومعبد ابني عامر بن الملوح [13] فأبيا أن يأخذا منها شيئا وخطّآ [14] رأيه وقالا:
سيكون لما فعلت عاقبة سوء فقال: وما يكون؟ وخرج عوّاف حتى دخل على هشام والعاص فأخبر هما بما صنع به قتادة وبقتل ابنه، فبعث هشام والعاص إلى عمير ومعبد ابني عامر بن الملّوح في الذي فعل قتادة بجارهما وسألاهما القود من قتادة بابن القاري وأن يرد عليه قيمة ما ذهب منه من إبله، فقالا: إن بلعاء غائب فلا تعجلا علينا حتى يقدم، فلم يلبث بلعاء أن قدم، فبعث إليه هشام والعاص يقولان له: ادفع إلينا قتادة حتى نقتله بابن القاري، فأبى بلعاء وامتنع. فاجتمعت قريش على قتالهم وحبشوا يومئذ الأحابيش والأحابيش بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة والقارة بنو الهون بن خزيمة وهم عضل [1] والديش [2] وهم القارة وبطونها كلها وبنو المصطلق من خزاعة، وذلك لأنهم كانوا حلفاء لبني الحارث بن مناة فدخلوا معهم، فلما التقوا بذات نكيف وهو من ناحية يلملم وقائد الناس يومئذ المطلب بن عبد مناف وهو في ألف من بني عبد مناف والأحابيش ومع بني عبد مناف حلفاؤها من قريش وقائد الأحابيش حطمط [3] بن سعد أحد/ بني الحارث بن عبد مناة وأبو حارثة والحبيش بن عمرو وهما رؤساء بني الحارث بن عبد مناة وفي بني بكر بلعاء بن قيس وإخوته جثّامة [4] وحميصة [5] وقتادة بنو قيس وهم أكثر من قريش عددا، فلما التقوا اقتتلوا قتالا شديدا، وكانوا لما التقوا وتصافوا قال بلعاء لقومه: ارموهم فإذا فنيت النبل سلّوا [6] السيوف مكرا بالقوم، فقالت القارة وكانت رماة: أنصف القارة من راماها، فذهبت مثلا [7] ، فاقتتل الناس يومئذ قتالا شديدا وجعل
المطلب بن عبد مناف يحث [1] قومه وجعل حطمط يحضّ أصحابه فحطموا جفون السيوف، فانهزمت بنو بكر فقتلوا وهم منهزمون قتلا ذريعا، ومطعم بن عدي يومئذ مصلت بالسيف في آثارهم يقول: لا تدعوا لهم زفرا [2] واستأصلوا شوكتهم، وجعل حرب بن أمية يحض أصحابه ويقول: لا تبقوا عليهم [3] ، فقتلت قريش يومئذ بني بكر، قتلا ذريعا حتى دخلوا الحرم متعوذين به وأخرجت قريش بني بكر. وبارز يومئذ عبيد بن السّفاح بن الحويرث أخو القارة قتادة بن قيس أخا بلعاء فطعنه عبيد طعنة ارتثّ [4] منها ولم يمت حتى تفرّق القوم من حربهم فمات بعد ذلك فقالت امرأة من بني بكر: (الكامل) عضّت بنو بكر بأير أبيهم ... يوم اللقاء ذات نكيف إذ فرّ كل معقّص [5] ذو لمة [5] ... من كل ضبع [6] عاجز ونحيف وقتل مع قتادة رجل من بني شجع [7] يقال له: أسود ورجل من بني جندع [8] يقال له هلال/ ثم اجتمعت قريش والأحابيش جميعا فأخرجوا بني ليث من تهامة [9] ، فسارت بنو ليث حتى نزلوا في بني جعفر وحالفوا طفيل بن مالك بن جعفر، فقال لهم: إني قد حالفتكم وإني أمنعكم ممن أرادكم وفيكم عرام [10] ، فتقدموا إليهم [أن-] [11] لا يبسطوا أيديهم، قالوا: حسبنا [12] ذلك، فأقامت بنو ليث في بنى عامر ثلاث سنين فعدا رجل من بني أبي بكر بن كلاب
حديث يوم المشلل
على بعير لبلعاء فسرقه، وركب فيه طفيل فوجده قد نحر فغرم له مكانه بعيرين، ثم إن طفيلا خافهم وخاف أن يقع بينهم وبين قومه شر فأراد أن يعذر إليهم ويتبرأ من عقده لهم وجواره وذلك في الحرم فأراد أن ينسلخ أشهر الحرام، فأرسلت ليلى بنت [1] طفيل إلى بلعاء تخبره الذي يريد أبوها أن يصنعه بهم، فذكر ذلك بلعاء لأصحابه فأجمعوا أمرهم أن ينظروا، فإذا بقي من الشهر ليلة سرّحوا نساءهم وأثقالهم ونعمهم نحو تهامة وأن يقيم الرجال في الدار حتى إذا أمسوا وجنّهم الليل أغاروا عليهم، ففعلوا ذلك حين انسلخ الشهر، ثم أغاروا من ليلتهم تلك على بني جعفر وبني هلال فقتلوا منهم واستاقوا نعما ثم انصرفوا راجعين إلى تهامة، فقال طفيل: لا يطلبنهم أحد، فلم يطلب، فقال في ذلك بلعاء بن قيس: (الوافر) أيوعدني [2] أبو ليلى طفيل ... ويهدي لي مع القلص الكلاما أتو عدني وأنت ببطن نجد ... فلا نجدا [3] أخاف ولا تهاما وطئنا [4] نجدكم حتى تركنا ... حزون النجد نحسبها سخاما [5] حديث يوم المشلل [6] قال فلما نزلت بنو ليث المشلل مرجعهم من نجد وقد صنعوا ببني عامر ما صنعوا أراد هشام بن [7] المغيرة والعاص بن وائل [8] أن يسيرا [9] إليهم في جمع من قريش ومن حبشوا من الأحابيش، ثم قال هشام والعاص لوجوه
قريش: امشوا معنا إلى أبي أحيحة [1] سعيد بن العاص، فمشى معهم رجال من بني عبد مناف فيهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة والمطلب بن الأسد وأبو حذيفة بن المغيرة وأبو أمية بن المغيرة ونبيه [2] ومنبّه ابنا الحجاج فذكروا له نزول بني ليث المشلّل وما أجمعوا عليه من المسير إليهم وسألوه أن يسير معهم في بني عبد شمس، فقال أبو أحيحة: قد عرفتم أن بني ليث أخوالي وأنا أستحيي أن تحدث العرب أني سرت إليهم أقاتلهم ولست أسير معكم ولا أحد من بني عبد شمس، ثم قال سعيد لهشام والعاص ومن معهما من قريش: إنكم [3] تريدون أن تسيروا [4] سيرا تتحدث به العرب غدا، تأتون قوما قد أخرجوا وطردوا من نجد ثم تريدون أن تخرجوهم من تهامة فأين يذهبون؟ قال هشام بن المغيرة: حيث شاءوا، إلا إنهم لا يجاوروننا وقد فعلوا ما فعلوا، قال سعيد: إن الحرب دول [5] وسجال وأنا لا آمن [6] أن يدالوا عليكم فتكون الفضيحة، فأيكم يتولى حمل اللواء عند السيوف إذا اختلفت بين الرجال فلا يزول به فاترا واهنا [7] ، فإنما هلاك القوم لواؤهم، فهاب القوم ما قال واسكتوا، وقال العاص بن وائل [8] : أنا أتولى حمله، قال سعيد: وتحلف عند إساف [9] أن لا تفر؟ [قال: نعم-] [10] ، قالوا: فأخذه العاص فحمله ثم أتى إلى إساف فحلف عنده ألا يفر أو يموت، ثم سار إلى بني ليث في جمع من
كنانة والأحابيش عضل والديش [1] والقارة، فلما التقوا ونظر بعضهم إلى بعض ناداهم العاص بن وائل [2] : اثبتوا فإنه لا سبيل لكم إلى الذهاب فاقتتلوا قتالا شديدا، وكان في بني سعد بن ليث غلام يقال له خالد بن مالك وكان نديما لبلعاء بن قيس وكان خالد بن مالك قد فر يوم فخ [3] يوم أغارت عليهم بنو عامر فحلف بلعاء ألا يكلمه حتى يدرك يوما يرى مشهده فيه مجزيا، فحمل خالد بن مالك على العاص بن وائل [2] فطعنه فصرعه وأخذ اللواء من يده، فلما رأت قريش اللواء قد أخذ وصرع صاحبهم هربت قريش وجمع بني كنانة والأحابيش، وأصابت منهم بنو ليث ما شاءت، وبلغ أبا أحيحة ما صنع العاص بن وائل [2] فقال: يا للعار [4] ! لم يحام عليه قومه، وهربوا عن اللواء ولم يعودوا [5] إلى حمله، وقال سعيد: هذا الذي خفت عليكم وأعلمتكم أن الحرب دول وسجال، فأبيتم أن تقبلوا كلامي، فما أقبح أن لو حضرت معكم ثم هربت أحاول [6] دخول منزلي! وقال قدامة بن قيس الزبيدي حليف بلعاء وهو يذكر ما أصاب في بني عامر وما أصاب في قريش، وكان بدء محالفته بلعاء أن بلعاء قامر قدامة بالقداح فقمره ماله كله، فطلب قدامة إلى بلعاء أن يقامره في يده وخمسين من الإبل فلاعبه بلعاء فقمره يده، فأراد بلعاء أن يقطعها، فقال له قدامة: هل لك يا بلعاء فيما هو خير لك من قطعها تعيرنيها على أن لا أفارقك ولا تنوبك نائبة [7] فيها تلف الأنفس إلا وقيتك بنفسي فأنت رجل تكثر محاربة الرجال؟ فرضي بلعاء بذلك فتركها عارية على أن يأخذ يده بلعاء متى شاء، فكان قدامة مع بلعاء لا يفارقه حيث ما كان، فلما كان يوم المشلل نظر بلعاء إلى قدامة واقفا إلى جنبه فقال: اما أن ترد عليّ يدي التي أعرتك وإما أن تحمل على القوم لتجيئني بفداء بها، فحمل قدامة
وهذا يوم بدر
فلم يرجع حتى قتل منهم وأسر أسيرا، فذلك حيث يقول قدامة لبلعاء: (البسيط) عاف الظلامة لما سيم مظلمة ... وكرّ بالخيل معقودا نواصيها من بعد ما صلقت في جعفر [1] صلقا [2] ... يخرجن في النقع [3] محمّرا هواديها [4] حتى نقمن الذي ضمّن من عدو ... يحطمن قاصية من بعد دانيها وهذا يوم بدر [5] قال ثم انصرفوا راجعين حتى نزلوا ماء بدر فاقتسموا ما أصابوا، فأما بنو ليث فانصرفت ولم تقم على الماء وأما بنو الديل فأقامت، فخرج حيّ من حكم في طلبه فلحقوا ببني الديل على ماء بدر فارتجعوا ما كان في أيديهم وقتلوا منهم ثلاثة رهط، فلما كان يوم المشلل سارت حكم على حاميتها، فأخبر بهم بلعاء بن قيس فأرسل إليهم أخاه جثّامة في فوارس من بني ليث في طلبهم فلحقوهم فاقتتلوا ساعة، ثم ان حكما طلبت إلى جثامة أن يجيرهم حتى يأتي بهم بلعاء ففعل ذلك بهم، فلما أتى بهم بلعاء قام به أبو لقيط [6] بن صخر فطلب إليه أن يهبهم [7] له فيقتلهم بما كانوا قتلوا من بني الديل فوهبهم له، ثم قدم عمرو بن عبد العزى بن البياع [8] الليثي فنزل على ابن أخته أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية، فبينا عمرو بن عبد العزى قاعد مع سعيد بن
العاص على باب داره إذ مر به العاص بن وائل [1] فعبد العزي وحبيبا ابني عبد شمس وكأن بين عبد العزى بن البياع وبين العاص بن وائل وعبد العزى وحبيب ابني عبد شمس إخاء، فكان عبد العزى بن البياع قد أمر ابنه عمرا أن يلقى العاص بن وائل [1] فعبد العزى وحبيبا [2] ابني عبد شمس لإخاء [3] كان بينه وبينهم، فلما أبصروا عمرو بن عبد العزى قاعدا مع سعيد بن العاص رأوا غلاما صبيحا شابا، قالوا: يا أبا أحيحة! من هذا الغلام عندك لا نعرفه؟ قال: هذا غلام يزعم أنه أعزّ أهل تهامة، هذا عمرو بن عبد العزى بن البياع واسم البياع عبد شمس فقالوا: وأبيك انه لخالك! فقال الغلام عمرو عند ذلك: لقد علم أهل تهامة أنني أعزهم قبل أن يولد سعيد، قد عرف لنا أهل تهامة ذلك وانقادوا لنا، فغضبوا من ذلك حتى عرف [4] الغضب في وجوههم وخاف أبو أحيحة الشر فقال للعاص بن وائل ولعبد العزى بن عبد شمس: قد كان أبو عمرو لكم صديقا، قالا: نعم، قد كان ذلك/ والقلوب تتغير [5] وسينقض ذلك الخشين [6] ، أبلغ أباك إذا قدمت إليه: إنا قد برئنا [7] إليه من إخاء كان بيننا وبينه، فقال الغلام: ومن أنتم وعمن أبلغه؟ فانتسبوا له وتسموا، فقال: أفعل، فلما أمسى خاف أبو أحيحة أن يقتل [8] فحمله على بعير ثم ركب معه حتى بلّغه مأمنه، فلما انتهى عمرو إلى أبيه سأله عن سعيد: كيف وجدت لطفه؟ وسأله عن العاص بن وائل [9] وعن عبد العزى وحبيب ابني عبد شمس، فأخبره الخبر كله وما كان منه ومنهم وأنه
لم ير في القوم مثل سعيد حلما وشرفا. وذلك جميعه في [1] الشهر الحرام [1] ، فلما أمسى عمرو بن عبد العزى جمع فوارس من بني ليث فأخبرهم بالذي قيل له وطلب إليهم أن يتبعوه فيغير بهم في جوف مكة، فأبوا عليه وقالوا: ويحك في الشهر الحرام وفي الحرم! وعظّموا عليه، فقال: والله لئن لم تتبعوني لا قتلن نفسي، فلما رأوا [2] ذلك أقبلوا معه حتى انتهى إلى مكة ليلا فسأل عن العاص بن وائل وعن عبد العزى وحبيب ابني عبد شمس فقيل له: إنهم في رهط من قريش يتحدثون بأجياد [3] ، فانطلقوا نحوهم فلم يشعر القوم بشيء حتى أغاروا عليهم، فقتلوا رجلين من بني عبد شمس: الربيع وعمرا [4] ، وأفلت العاص بن وائل وصاحباه عبد العزى وحبيب ابني عبد شمس في سائر القوم حتى دخلوا منازلهم، واشتد ذلك على قريش وغضبت بنو عبد شمس على أبي أحيحة وقالوا: قد عرفت أن الغلام كان على أن يغير علينا فلم تحذّرنا فنأخذ له أهبة القتال حتى أتونا متفضلين في ملئنا [5] ، في نادينا، فقال: ما شعرت بهذا ولقد خالفني ما فعلوا- أي ساءني، فأقاموا/ ما أقاموا، ثم إن عمرو بن العاص غضب لأبيه غضبا شديدا وهو غلام شاب، فركب في فوارس من قريش فطلب بني سعد بن ليث ليصيب منهم ثأره، فلقي رجلين من بني سعد بن ليث فحياهما ثم قال: ممن أنتما؟ وهو يريد أن [6] يستدل بهما [6] على بني سعد، فقالا: سعديان، فقال: لا أطلب أثرا بعد عين، فقدّمهما فضرب أعناقهما، ثم انصرف إلى مكة راجعا وكان اسم الرجلين سعدا وعمرا.
حديث يوم فخ
حديث يوم فخ [1] ثم إن بني ليث ركبوا في طلب العاص في جمع، فلما بلغ قريشا مسيرهم خرجوا إليهم حتى لقوهم بفخ، فكان بينهم قتال من غير أن يقتل أحد من الفريقين بل كانت جراحات بينهما، ثم ركب سعيد بن العاص وعفان ابن أبي العاص في رهط من مشيخة قريش، فلم يزالوا بالفريقين حتى رضوا وحكّموا سعيد بن العاص ورضوا بما حكم به بينهم، فحكم أن يعدّ القتلى [2] [3] فجعلهم قصاصا بعضهم [3] من بعض وحمل هو من [4] ماله خاصة ما كان من جراحات [5] ، فرضي القوم بما حكم به سعيد، وكانت القتلى رجلين من قريش من بني عبد شمس أحدهما الربيع والآخر عمرو، وكانت القتلى من بني ليث رجلين وكان أرش [6] الجراحات من الفريقين جميعا ألفا وثلاثمائة ناقة فأداها سعيد بن العاص من ماله ثم كانت وقعة محارب بن فهر وبني ضمرة [7] قال: كان سبب الوقعة بين بني ضمرة بن بكر وبين محارب بن فهر، وبدأ [8] ذلك أن رجلا من بني ضمرة يقال له مسعود أقبل بإبل له يريد أن يسقيها فأتى بها حوضا لأبي عثمان المحاربي/ وقد مدر [9] أبو عثمان حوضه فهو ينتظر إبله أن ترد، وأقبل الضمري بإبله فشرع إبله في الحوض فسقاها، فلما رأى ذلك أبو عثمان من فعل الضمري أمر به أن يؤخذ، فهرب وأعجزهم
هربا حين رأى الشر وكان لا يدرك، وأمر الفهري بالإبل فحبست على الماء حتى انتصف النهار وحلبت ذات اللبن منها وجعلت الإبل تنازع إلى الصدر وتحان فقال أبو عثمان الفهري: من كانت له حاجة في النهبة فلينتهب إبل الضمري، فقد عرضها للنهب فانتهبت، وكان الضمري ينتظر [1] إبله قريبا حيث يظن أن الإبل تمر عليه إذا صدرت، فلما أبطأت [2] أشرف فإذا الإبل قد انتهبت فسعى نحو إبله، وقومه يستصرخهم على أبي عثمان الفهري وهم قريب، فوجد الحي خلوفا [3] ، لم يجد في الحي أحدا غير عمرو بن خالد، فأقبلا جميعا حتى انتهيا إلى أبيات بني محارب بن فهر فأصابا مع غلام منهم نابا من إبلهم، فلما رآهما أبو عثمان أقبل يسعى نحوهما فلما [4] كان قريبا منهما عرض له حجر فنكت إبهامه وهو يسعى ففلق ظفره، فتناول ذلك الحجر فرمى به عمرو بن خالد فأصاب جبهته فشجه، فانصرف عمرو مشجوجا لم يظفر بشيء مما سار إليه، فقال أبو عثمان الفهري في ذلك: (الوافر) منعنا الشرب ضمرة يوم جاءت ... لتجعل شربها في حوض فهر فلما رجع عمرو بن خالد إلى قومه وقد شج وانتهبت الإبل جمع قومه وأغار على بني محارب، فأصاب من نعمهم مثل ما أصيب من نعمه، وقتل ثلاثة نفر: الحكم ومرة بن الحكم وهما/ ابنا أخي أبي عثمان وجار لهم من أهل اليمن يقال له ربيعة، وأصاب منهم [5] سلاحا وخيلا، فشق على أبي عثمان ذلك وعلى أصحابه فجمع لهم أبو عثمان جمعا كثيفا ثم أغار على بني ضمرة، فقتل أربعة وجرح عشرين وأصاب نعما وخيلا وسلاحا، ثم رجع إلى قومه، فقالت له امرأته وهي كنانية: ورب المشعرين! لا تدعك كنانة حتى تغير
حديث القسامة
عليك، فقال: لا يفعلون، فأغار عمرو بن خالد على بني محارب بن فهر فوجد أبا عثمان قد تحرز منه فأصاب قتيلا واحدا ولم يصب مالا ثم رجع، وكانت آخر حرب كانت بين قريش وبين كنانة في ابن لحفص بن الأخيف [1] وهو [2] بعد هذا حديث القسامة [3] وكان سبب حديث القسامة فيما ذكروا أن خداش بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل [4] بن عامر بن لؤي كان خرج إلى اليمن تاجرا ومعه عامر [5] بن علقمة بن المطلب [6] بن عبد مناف صاحبا وأجيرا وكان غلاما حدثا، فلما كان ببعض الطريق لقوا ركبا فسألوهم [7] حبلا لبعض حاجتهم، فقذف عامر بن علقمة إليهم حبلا كان معهم لخداش بن عبد الله فانطلقوا به، فقال خداش وكان شيخا مذكّيا [8] لعامر: أعطيتهم حبلي بغير أمري، فتراجعا حتى كان بينهما بعض القول فرفع خداش عصا في يده، فضرب بها عامر بن علقمة فشجه، ومنهم من يقول: وقعت على كليته، فمرض منها عامر حتى خشي على نفسه، فمر بحي من العرب فانتسب لهم وأخبرهم أن خداش بن عبد الله قد ضربه هذه الضربة وإني لا أراها إلا قاتلتي، فإن مت ولم أرجع إليكم فبلغوا ذلك قومي من بني عبد مناف وأعلموهم أمري وإن أعش فسأمر عليكم وأعلمكم ذلك، فلم ينشب أن
مات منها، وقدم خداش فسأل عنه، فقال: أصابه قدره، فصدّقوه ولم يظنوا غير ذلك، فمكثوا حتى قدم حاج العرب في الموسم فأقبل أولئك الحي الذين عهد إليهم عامر ما عهد يسألون عن نادي بني عبد مناف، فأشير لهم إليهم فجاؤهم فأخبروهم خبر عامر وخداش يطوف بالبيت لا يعلم بما كان، فقام رجال بني عبد مناف إلى صفة [1] زمزم فأخذوا عمدا [2] عنها وعمدوا إلى خداش وهو يطوف بالبيت فضربوه بها حتى برد وقال الناس: الله الله يا بني عبد مناف! وقال خداش: الله الله ما لي ولكم، قالوا: قتلت صاحبنا، قال: والله ما قتلته، فلما قال لهم ذلك تناهوا عنه وتناصفوا فيه حتى صار أمرهم إلى أن قيل خداش يحلف خمسين رجلا من بني عامر بن لؤي أنه لبريء من دمه ثم يعقلونه [3] بعد لكم، فرضيت بنو عبد مناف ذلك، فلما تقدم رجال من بني عامر بن لؤي ليحلفوا عند الكعبة وفيهم حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس أقبلت أمه حتى أخذت بيده وقالت: والله لا يحلف معكم اليوم على هذا، وانطلقت به، فأدخلوا مكانه رجلا ثم حلفوا عند الركن أن خداشا من دمه بريء ثم ودوه، فلم يحل الحول على رجل واحد من الذين حلفوا [4] وصارت عامة رباعهم لحويطب بن عبد العزى وراثة وهلك القوم، فبذلك كان حويطب أعظم ربعا بمكة وأكثرهم، وقال أبو طالب في ذلك لخداش [5] بن عبد الله: (الطويل) أفي فضل حبل لا أبا لك [6] ضربة ... بمنسأة [7] قد جاء حبل بأحبل [8]
حديث ابتداع قريش التحمس
هلم إلى حكم ابن صخرة [1] إنه ... سيحكم فيما بيننا ثم يعدل كما كان يقضي في أمور تنوبنا ... فيعمد للأمر الجليل ويفصل حديث ابتداع قريش التحمس [2] قال: كانت قريش ابتدعت أمر الحمس [3] رأيا رأوه وأداروه بينهم فقالوا: نحن بنو إبراهيم وأهل الحرمة وولاة البيت وقطان [4] مكة وسكانها [5] فليس لأحد من العرب مثل حقنا ولا مثل منزلتنا، ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا، فلا تعظموا شيئا من الحل كما تعظمون الحرم فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحرمتكم [6] وقالوا: قد عظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم، فتركوا الوقوف بعرفة والإفاضة منها وهم يعلمون ويقرون أنها من المشاعر ودين إبراهيم عليه السلام ويرون [7] لسائر العرب أن يقفوا [8] عليها وأن يفيضوا منها، إلا أنهم قالوا: نحن أهل الحرم فلا ينبغي لنا أن [9] نخرج من الحرمة ولا أن نعظم غيرها [9] كما نعظمها، نحن الحمس والحمس أهل الحرم، ثم جعلوا لمن ولدوا من العرب [10] من ساكني الحل والحرم مثل الذي
لهم بولادتهم إياهم، يحل لهم ما يحل لهم ويحرم عليهم ما يحرم عليهم، وكانت كنانة وخزاعة وبنو عامر بن/ صعصعة قد دخلوا معهم في ذلك كله إلا بكر بن عبد مناة، ثم ابتدعوا في ذلك أمورا لم تكن حتى قالوا: ما ينبغي للحمس أن يأقطوا [1] الأقط ولا يسلأوا [2] السمن وهم حرم ولا يدخلوا بيوتا من شعر ولا يستظلوا إن استظلوا إلا في بيوت الأدم ما كانوا حرما، ثم رفعوا [في-] [3] ذلك فقالوا: ما ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل في الحرم إذا جاءوا حجاجا أو عمارا ولا [أن-] [4] يطوفوا بالبيت إذا جاءوا أول طوافهم [5] إلا في ثياب الحمس فان لم يجدوا منها شيئا طافوا عراة، فان تكرم منهم متكرم [6] من رجل أو امرأة ولم يجد [ثياب-] [7] الحمس وطاف في ثيابه التي جاء بها من الحل ألقاها إذا فرغ من طوافه ثم لم ينتفع بها ولم يمسها هو ولا أحد غيره أبدا، فكانت العرب سمى تلك الثياب اللقى [8] ، فحملوا على ذلك العرب فدانت به فوقفوا على عرفات وأفاضوا منها وطافوا بالبيت عراة وأخذوا بما شرعوا لهم من ذلك، فكان أهل الحل يأتون حجاجا أو عمارا فإذا دخلوا الحرم وضعوا أزوادهم التي جاءوا بها وابتاعوا من طعام الحرم والتمسوا ثيابا من ثياب الحمس إما عارية وإما باجارة فطافوا فيها فان لم يجدوا طافوا عراة، أما الرجال فيطوفون عراة
قصة أسد شنوءة وبني عدي عن الواقدي وهو يوم نخلة
وأما النساء فتضع إحداهن ثيابها كلها إلا درعا عنها ثم تطوف فيه، فقالت امرأة من العرب بنت الأصهب الخثعمية [1] وهي تطوف بالبيت: (الرجز) اليوم يبدو [2] بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله [3] / ومن طاف منهم في ثيابه التي جاء فيها من الحل ألقاها فلم ينتفع بها هو ولا غيره، وقال بعض الشعراء [4] يذكر شيئا تركه وهو يحبه فلا يقربه: (الطويل) كفى حزنا كرى عليه [5] كأنه ... لقى [6] بين أيدي الطائفين حريم [هو-] [7] ثوب ملقى من ثياب أهل الحل أراد [بقوله] [7] تركت ذلك كما تركت ثياب الحل قصة أسد شنوءة وبني عدي عن الواقدي وهو يوم نخلة [8] قال: كانت أسد شنوءة أصابت رجلا من عدي بن كعب، ولم يكن من قريش قبيلة إلا وفيها سيد يقوم بأمرها ويطلب بثأرها إلا عدي بن كعب فلما أصابت الأسد ذلك الرجل مشى عمر بن الخطاب وهو يومئذ غلام شاب حديث السن إلى عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وهو يومئذ شيخ بني عبد مناف وشيخ قريش فكلمه وقال: إنك إن أسلمتنا ظلّ دمنا في الأسد فقال عتبة: لن نظلمك [9] ولن نخذلك ولكنا نقوم معك حتى تأخذ مظلمتك وتصيب ثأرك،
قصة عمر بن الخطاب مع عمارة بن لوليد عن الواقدي
فقام عتبة بن ربيعة في قريش فقال: يا معشر قريش! والله لئن تخاذلتم عن مثل هذا منكم لا تزال العرب تقتطع منكم رجلا فتذهب به، فقامت معه قريش ثم خرج بمن تبعه منهم وخرجت معهم بنو عدي فيهم عمر وزيد ابنا الخطاب غلامان شابان وجمعت لهم الأسد فالتقوا بنخلة فاقتتلوا قتالا شديدا حتى فشت الجراحة في القبيلتين، ثم إن القوم تداعوا إلى الصلح [1] فعقلت الأسد ذلك الرجل وانصرف القوم بعضهم عن بعض قصة عمر بن الخطاب مع عمارة بن لوليد عن الواقدي قال: كان عمر بن الخطاب خرج مع عمارة بن الوليد بن المغيرة أجيرا إلى الشام أو إلى اليمن وكان عمارة رجلا بذاخا [2] مطرفا [3] وقبل ذلك خرج برجل من العرب يقال له صباح فعبث به وألقاه بالطريق فلما نزلا منزلا من الطريق في يوم حار قال عمارة لعمر: اصنع لي طعاما، فذبح عمر له شاة فطبخها، ثم ثرد له خبزا وأفرغ عليه المرقة واللحم ثم جاء به فقال له عمارة واعتل عليه ليعبث به وكان عمر رجلا شهما [4] ، وكان عمارة من أخواله، أم عمر حنتمة [5] بنت هاشم بن المغيرة «أتطعمني الشحم الحار في اليوم الحار على الخبز الحار؟ ما أردت إلا قتلي» ، وقام له ليضربه فاخترط [6] عمر السيف، فلما رأى عمارة الجد وأيقن أنه ضاربه بسيفه عدا حتى [7] أعجزه، فقال عمر بن الخطاب: (الرجز) والله لولا شعبة من الكرم ... وسطة في الحي من خال وعم
حديث ابن الحفص بن الأخيف عن الواقدي:
لضمني الشر إلى خير [1] الخظمّ [2] ... مطرح صباح إلى جنب العلم وما أساء عملا وما ظلم ... من خلط الخبز بشحم [3] من غنم حديث ابن الحفص بن الأخيف [4] عن الواقدي: قال: كان ابن لحفص بن الأخيف [5] أحد [6] بني معيص [7] بن عامر ابن لؤي خرج إلى ضجنان [8] وهو يومئذ منازل بني بكر بن كنانة وبضجنان يومئذ سيد بني بكر عامر بن يزيد بن عامر بن الملوح يبغي ضالة له/ وكان ابن حفص ذلك غلاما نظيفا ظريفا [9] حدثا في رأسه ذؤابة وعليه حلة خراقانية [10] فمر بعامر بن يزيد وهو يبغي ضالته تلك وعمرو بن يزيد في نادي قومه فأعجبه ظرفه فقال: ممن أنت يا غلام؟ قال: أنا ابن لحفص بن الأخيف [11] القرشي، فلما ولى الغلام قال عامر بن يزيد: يا بني بكر! أما لكم في قريش من دم؟ قالوا: بلى، والله إن لنا فيهم لدماء قال: ما كان رجل يقتل هذا الغلام بقتيله إلا كان قد استوفى دمه، فقام إلى الغلام رجل من بني بكر قد
حديث يوم شهورة
كان له دم في قريش فقتله، فلما بلغ ذلك قريشا تكلمت فيه فركب إليهم عامر بن يزيد فقال: يا معشر قريش! قد كانت لنا فيكم دماء تجافينا عنها ثم أصيب هذا الغلام ببعضها [1] فان شئت من [1] شئتم ان تدونا [2] ونديكم [3] فعلنا وإلا فإنما هو دم بدم، فقال رجل من قريش وهان عليهم دم ذلك الغلام: صدق عامر دم بدم، فلهوا عنه [4] فلم يطلبوه [4] وتركوه، فبينا عامر بن يزيد بن الملوح يوما يسير بمر الظهران [5] في حاجة إذ لقيه مكرز [6] بن حفص بن الأخيف [7] أخو الغلام فعرفه فأناخ به وعلى عامر بن يزيد سيفه ثم علاه بالسيف حتى قتله، ثم أخذ سيف عامر وقد كان في عنقه [8] فخاض به بطنه [8] ، ثم أتى به ليلا فعلقه بأستار الكعبة فلما أصبح الناس رأت قريش سيف عامر فعرفوه وقالوا: هذا والله سيف عامر قتله مكرز بن حفص حديث يوم شهورة [9] كان من حديث يوم شهورة وكان من أعظم أيام بني كنانة أن قريشا خرجت من مكة/ ورأسهم مكرز بن حفص بن الأخيف [5] أخو بني معيص ومعه بنو الديل [10] وليث ابني بكر فأغار في أرض بليّ [11] ولخم فملأ يديه ثم
انصرف حتى إذا كان بذنب ينبع [1] وجد نسوة لجهينة مجاورات في حي من بني ضمرة يقال لهم بنو عبّاد فقال راجزهن: (الرجز) أصبح جارات بني عباد ... عوانيا [2] يرسفن في الأقياد مال بني ضمرة في الفساد قال: وورد [3] بهن الجيش ذات السليم [4] على بني صخر وقد أتى بني صخر الخبر وهم بذنب يليل [5] فاحتسبهم بنو صخر عشية وسألوهم النسوة، فأبوا [6] فحبسوهم ليلتهم، ولم يكن بينهم قتال واستمدت بنو صخر من حولهم من ضمرة، فلما أصبحوا سار الجيش وأراد مكرز بن حفص إرسال النسوة، وإن أحد بني أبي رافع إخوة البرّاض شد على مكرز فضرب عجز بغلته تحته بالسيف، فرمت بمكرز وعطف عليه بعض أصحابه فاستردفه، فألحقه، بأصحابه وقال: (الطويل) لقد علمت كعب بن ضمرة إذ غدت ... سيوفهم يخضبن كفا ومفرقا بأني على الضراء [7] أسيّت [8] مكرزا ... وقد بلغت نفس الجبان المخنقا [9] جمعت له الرجلين ركضا إليهم ... نموت جميعا أو تؤوب فنلحقا يقولون دعه قد أتى الموت دونه ... فقلت أبيت اليوم أن نتفرقا فعطف بنو فهر وليث والديل فرموا بني ضمرة بالنبل وضمرة حسر،
فقتل [1] من بني ضمرة عبيد بن حذيفة بن صخر بن كعب بن خرد [2] بسهم ونزف كلثوم بن معبد بن صخر، وانهزمت ضمرة وعطف هبيب [3] بن معبد بن صخر على القتيل والجريح، فقال له كلثوم: ادع، فنادى يال ضمرة! فقال: أقصر لله أبوك، فقال: يال كعب: فقال! أقصر لله أبوك، فقال: يال جابر! فقال: أقصر لله أبوك، فقال: يال خرد بن جابر! فقال: ادع الآن وادع أسماء الرجال وأزوار [4] النساء، فعطف الحارث بن قيس بن كعب بن خرد وهو من الحرقية وأمه من الحرقيات وعطف قيس بن خالد بن مالك بن خرد فعطفت [5] ضمرة، وقد قال رجل من بني قيس بن جدي: يا حار ليس ابنا [6] معبد لك والأنصاب [7] لتتركنها، فقال قيس: عض بظر أمّه من لم يضرب حين نابت إليه ضمرة، فحمل على القوم فلقيه شريك بن بشر القرشي فضربه قيس بن خالد بن مالك فلم يصنع شيئا وضربه شريك فسحا [8] جلدة رأسه حتى طرحها على وجهه، ثم وثب قيس فأخذ شريكا فاحتمله فصرعه وجاء فروة بن هبيب وهو ابن أخت قيس، أمه عفرة بنت خالد فحسر المغفر عن شريك فذبحه، ثم جاء أخو شريك ثائرا [9] به فاحتمله قيس فصرعه وجاء فروة أيضا فقتله وقتلت منهم بنو ضمرة سبعة، فلما اختلط القوم تنحّت الديل وليث، وقال نوفل الديلي وهو [من] [10] بيت بني الديل يال بكر [11] بكرا بكرا: احفظوا، فخلى بين ضمرة وبين فهر، فلما انهزمت بنو فهر سارت الديل وليث وخافوا القتال فسلك نوفل
على بني عوف بن جدي على ماء من ماء يليل [1] فمنعوه وحملوه على الإبل، فقال خارجة بن خشاف [2] الضمري: (الطويل) تفاقد قوم منّعوا أمس نوفلا ... لمشي [3] الروايا [4] [5] بالمزاد المثقل [5] فيا لهف نفسي والتلهف ضلة [6] ... على نوفل منهم وأصحاب نوفل وقال الحارث بن قيس: (الكامل) يممت كلثوما وصاحبه ... بعراضة [7] السيتين [8] والأزر [9] ومرقرق [10] كالرجع [11] أخلصه ... صقل الصياقل زين بالأثر فشفيت نفسي من سراتهم ... وأزحت ما في الصدر من غمر [12] إذ يحلفون لأتركنّهما ... وحلفت بالأنصاب والستر أسلمته لرماح جلجل [13] إذ ... تقد الظبات توقّد الجمر إني لأجعل في الأولى علموا ... نبلي وأعدل عن بني بكر
وهم الصديق على عجارفهم ... وهم الإزاء [1] لساعة الصبر ومكبس [2] باد نواجذه ... أضجعته بمتابع [3] حشر [4] فتركته للضبع منزله ... سنن القيان يلثن بالنخر ما إن نهيت ولا شعرت ولا ... أن كان يوم قتالهم أمري فتركته نضج الدماء به ... كالزعفران ببلده النحر حتى أتانا شطركم ظهرا ... مستصرخا يحتث بالنفر [5] ورأيتم جاراتكم [6] عجلى [7] ... تخشى [8] الزجاج [9] وشدة الزجر فلقوكم بكتيبة [10] نجدية ... خشناء ذات أسنة [11] خضر فسلكت فهر حتى إذا كانوا بالفرع [12] من هرشى [13] ذلك اليوم لقوا مخلد بن حذيفة بن صخر أخا المقتول فقتلوه ثم ساروا حتى وجدوا على ماء
يدعى ذا الأسلة [1] من ودان [2] رجلا من بني ملحة بن جدي [3] فقتلوه فآبوا بثلاثة، وبقي لهم فضل أربعة فخرجت ضمرة حتى نزلت معهم الحرم خوفا من أن يتناولهم فهر في الحل ويلجأوا [4] إلى الحرم، وقد كان بنو فهر قتلوا بنتا لإماء [5] بن رحضة [6] الغفاري يقال لها فاطمة فاستوهبت بنو صخر دمها فأصابوا [7] بها دما وعقلوا للقوم ثلاثة بثلاثمائة ناقة حمراء، ثم خطوا خططا ثلاثة وقالوا: من قام على واحدة فعليه بكرة ومن قام على اثنتين فاثنتان من أجاز الثلاثة فثلاث، وإن فتاة متزوجة من بني ضمرة وثبت الثلاث فهوى إليها زوجها ليحبسها فقال أخوها: والله لتخلين يدها أو لتفارقنك يمينك! فخلاها، فأعطتهم ضمرة ثلاثمائة ناقة، وقال الفهري [8] يوم أصابوا بنت إماء بن رحضة الغفاري: (الرجز) . يوم طويل من ظبي [9] الغطارس [10] ... وأنا من طول الحياة بائس [11] وقال أبو جلذية بن سفيان في يوم شهورة: (الطويل) كفيت بني الجذعاء مشهد ما قط [12] ... وهبت لهم منه ثناء ومشهدا
ينو عمهم حرب [1] وأسعى لحربهم [1] ... كما سرّهم مني وإن كنت أوحدا إذا وضعت [2] خرد يدا في ملمة ... وضعت بني الجذعاء في جنبها يدا وقلت لخرد عارضين [3] فإن يكن ... لكم يومكم هذا فإن لنا غدا تركنا بني فهر أيامى نساؤهم ... وأيتام ولدان وفلّا مطرّدا [4] إلينا يقودون الجياد ومن يقد ... إلينا ندعه لا يعلّق مقودا وقال أيضا في ذلك اليوم: (الرجز) يدعون خردا وأجيب فيها ... كفاك يعنيني الذي يعنيها وقال الحارث بن قيس أخو بني كعب بن خرد وكان جرح فجعلت امرأته تداويه وتضحك من جزعه: (الطويل) لو شهدت أصحاب قيس بن خالد ... وأسود لم تضحك من الكلم زينب ولكنها غابت [5] وحنط [5] قومها ... وفضّ عليها الزعفران وزرنب [6] فدى للألى أدعو إلى الموت حسرا ... بأسفل ذي ودان [7] أمّي والأب صددنا ولو شئنا لنالت رماحنا ... أسيد بن جحش وهو في القوم مذنب ولكن عفونا إذ قدرنا عليهم ... على حنق يوما وذو الذنب يعتب ستثنى مع الأقوام غزوة نوفل ... إذا ضم أهل المأزمين [8] المحصّب [9]
حديث القرية عن الكلبي
فحسبك [1] من قتلى كرام رزيتهم ... شصائص [2] من أنياب فهر [3] وأسقب [4] وقلت لقومي يا اضربوا لا أبا لكم ... فقد جعلت باقي الودادة تذهب فلما ضربنا نكب الضرب أزمة ... من الكرب عنا لم تكد تتنكب وصابر منا حيث خرّ ابن معبد ... فوارس هيجا كلهم متلبب [5] دعونا بني بكر إلى الود بيننا ... وبكر لنا بالود سم مقشب [6] ندافعهم بالرمح [7] يوما وليلة ... وللمرء [8] يوم رشده متغيب حديث القرية [9] عن الكلبي قال: حدثني معروف بن الخربوذ قال: كان من شأن القرية [9] وهي بناحية الرجيع [10] ماء لهذيل أن حرب بن أمية بن عبد شمس ومرداس بن أبي عامر السلمي اشترياها من خويلد بن واثلة بن مطحل [11] الهذلي، فقال مرداس: (البسيط) إني انتخبت لها [12] حربا وإخوته ... كيما يقال ولّى العهد مرداس
ثم المقدّم دون الناس حاجته [1] ... إني لعقد شديد العقد دسّاس [2] فعمدا فنقّياهما، فبينا هما يقلعان ما فيها [3] إذ استخرجا حية بيضاء فابتدراها بسيوطهما [4] فقتلاها، فعدى عليهما مكانهما، فأما مرداس فخنق حتى مات مكانه، فدفن بالقريّة، وحمل حرب إلى مكة فمرض فقال لبنيه وكانوا معه: أدركوا الجانّ فاسقوه وتعاهدوه فان يعش يعش أبوكم فأخذوا الجانّ فجعلوا يتعاهدونه ويسقونه الماء وحرب في مثل ذلك فمات الجانّ، فأتى آت بني حرب وحرب في آخر رمق فقال: مات الجانّ، فقال بعض بني حرب: بعد، فقال حرب: بعد أبوك، ثم مات مكانه، فسمعوا باكية تبكي الجانّ وتذكر حربا واسم الجانّ عمرو: (الرجز) ويل لحرب [5] فارسا ... مطاعنا مخالسا ويل أم عمرو فارسا ... إذ لبسوا القوانسا كلاهما أصبحت منه ... في الحياة يائسا أخرب حرب حصنه ... وهدّم الكنائسا لنقتلن بقتله ... جحاجحا [6] عنابسا لنقعدن لركبهم ... ونجلس المجالسا العنابس أبو حرب بن أمية وعنبسة بن أمية وهو أبو سفيان وكان أكبر بني أمية وحرب بن أمية وسفيان بن أمية، فعطلت القرية وتفرق [7] الناس منها
حتى إذا كان زمن عمر بن الخطاب وثب عليها كليب بن عهمة أخو بني ظفر بن الحارث بن بهثة [1] بن سليم، فقال عباس بن مرداس يخاصمه: (الكامل) أكليب ما لك كل يوم ظالما ... والظلم أنكد وجهه ملعون قد كان قومك يحسبونك سيدا [2] ... وإخال أنك سيد معيون [3] فإذا رجعت الى نسائك فادّهن ... إن المسالم ناعم مدهون إن القريّة قد تبين شأنها ... لو كان ينفع عندك التبيين أظلمتنا ثم انطلقت تحدها [4] ... وأبو يزيد [5] بجوّها مدفون فافعل بقومك ما أراد بوائل [6] ... يوم الغدير [7] سميّك [8] المطعون وأظن أنك سوف تلقى مثلها ... في صفحتيك سنانها المسنون وقال أمية بن عبد شمس يرثى حربا: (الوافر) [و-] [9] لو قتلوا بحرب ألف ألف ... من الجنان والأنس الكرام رأيتهم له وغلا [10] وقلنا ... أرونا مثل حرب في الأنام الوغل ما حل عن الغربال من قماش [11] الطعام، وإنما سموا بنو أمية
حديث بغي بني السبيعة عن الكلبي
الأربعة [1] العنابس بأبي سفيان وهو عنبسة بن أمية حيث قيدوا أنفسهم والعنابس الأسد واحدها عنبس حديث بغي بني السبيعة عن الكلبي قال ابن الخربود: ثم بغى بعد بني السباق بنو السبيعة بنت الأحب بن زبينة [2] بن جذيمة بن عوف بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن تزوجها عبد مناف بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة فولدت له خالدا وهو الشرقي من ولده أبو الغشم وكان الشرقي عارما [3] صاحب بغي وشر وكان أبو الغشم هو الذي حلّ درع العامرية [4] بعكاظ، وهو اليوم الذي يقال له فجار [5] المرأة فكثر بغيهم، فسمعوا صوتا من الجن في الليل على جبل من جبال مكة وهو يقول: (الوافر) [و] [6] قل لبني السبيعة قد بغيتم ... فذوقوا غب ذلك عن قليل كما ذاقت بنو السبّاق لما ... بغوا والبغي مأكلة وبيل قال: فتناهوا عن ذلك فلهم بقية، ولخالد تقول أمه السبيعة: (الكامل) أبنيّ لا تظلم بمكة ... لا صغير ولا الكبيرا حديث الفاكه عن الواقدي قال: كان من حديث الفاكه بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم
حديث قيس بن نشبة وجواره للعباس بن عبد المطلب
وعوف بن عبد عوف بن [عبد بن-] [1] الحارث بن زهرة وعفان بن أبي العاص ابن أمية وكانوا خرجوا تجارا إلى اليمن ومع عفان ابنه عثمان ومع عوف بن عبد عوف ابنه عبد الرحمن، فلما أقبلوا حملوا مال رجل من بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة إلى ورثته كان هلك باليمن، فادعاه رجل منهم يقال له خالد بن هشام ولقيهم بأرض بني جذيمة قبل أن يصلوا إلى أهل الميت، فطلبه منهم فأبوا عليه، فقاتلهم بمن معه من قومه على المال ليأخذوه وقاتلوه، فقتل عوف والفاكه، ونجا عفان وابنه عثمان، وأصابوا مال الفاكه ومال عوف بن عبد عوف فانطلقوا به فكان عبد الرحمن بن عوف فيما يذكرون قد أصاب خالد بن هشام الجذمي قاتل أبيه، فتهيأت قريش لغزو بني جذيمة ثم إن [2] بني جذيمة قالوا لقريش: ما كان مصاب أصحابكم عن ملأ منا، عدا عليهم قوم بجهالة فأصابوهم ولم نعلم- أو كما قالوا- نحن نعقل لكم ما كان قبلنا من دم أو مال، فقبلت قريش العقل ووضعت الحرب عنها حديث قيس بن نشبة [3] وجواره للعباس بن عبد المطلب حدثني أحمد بن إبراهيم عن أبي حفص السلمي وهو من ولد الأقيصر [4] بن قيس بن نشبة بن عامر وإليه يلتقي نسب أبي حفص والعباس بن مرداس بن أبي عامر قال: كان قيس بن نشبة دخل مكة فباع إبلا له من رجل من قريش فلواه حقه فكان يقوم ويقول: (الرجز) يال فهر كيف هذا في الحرم ... في حرمة البيت [5] وأخلاق [5] الكرم أظلم لا يمنع مني من ظلم
وبلغ الخبر العباس بن مرداس فقال أبياتا وبعث بها مع الحاج إلى قيس بن نشبة بن أبي عامر: (البسيط) إن كان جارك لم تنفعك ذمته ... حتى سقيت بكأس الذل أنفاسا فأت البيوت فكن من أهلها صددا [1] ... تلقى ابن حرب [2] وتلقى المرأ عباسا ساقي الحجيج وهذا ياسر فلج ... والمجد يورث أخماسا وأسداسا فلما ظهر هذا الشعر قال أبو سفيان: إنه قد جعل المجد أخماسا وأسداسا فصير الأخماس للعباس وصير لي الأسداس، فعليك بالعباس، فذهب إلى العباس فأخذ له بحقه وقال له: إنا لك جار كلما دخلت مكة فما ذهب لك فهو عليّ، وقال العباس بن عبد المطلب في ذلك: (الطويل) حفظت لقيس حقه وذمامه ... وأسعطت [3] فيه الرغم من كان راغما سأنصره ما كان حيا وإن أمت ... أحض عليه للتناصر هاشما وكان بينه وبين بني هاشم تلك الخلة [4] حتى بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم، قال فوفد قيس بن نشبة على النبي صلى الله عليه وكان قيس قد قرأ الكتب، قال للنبي صلى الله عليه: إنه لم يبعث الله نبيا قط الا وسيطا في قومه مرضيا وقد علمنا أنك وسيط في قومك مرضي عندهم ولكن أتأذن فأسألك عما كانت تسأل عنه الأنبياء؟ قال: نعم، قال: أتعرف كحل [5] ؟ قال: هي السماء، قال: أتعرف محل؟ قال: نعم، هي الأرض، قال: لمن هما؟ قال: لله تعالى، ولله الأمر من قبل ومن بعد، فأسلم قيس بن نشبة وأنشأ يقول: (الكامل)
حديث رقيقة
تابعت دين محمد ورضيته ... فإن الرضا لأمانتي ولديني ذاك امرؤ نازعته قول العدى [1] ... وعقدت منه يمينه بيميني قد كنت آمله وأنظر دهره ... فالله قدّر أنه يهديني أعني ابن آمنة الأمين ومن به ... أرجو السلامة من عذاب الهون قال: فكان رسول الله صلى الله عليه يسميه خير بني سليم، وكان إذا فقده يقول: ما فعل خيركم يا بني سليم حديث رقيقة [2] يعقوب بن محمد الزهري قال: حدثني عبد العزيز بن عمران بن حويصة [3] قال تحدث مخرمة بن نوفل أن أمه رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم وكانت لدة عبد المطلب قالت [4] : تتابعت على قريش سنون أقحلت [5] الفرع [6] وأرّقت العظم فبينا أنا راقدة اللهم أو مهوّمة [7] إذا هاتف/ يصرخ بصوت صحل [8] يقول: يا معشر قريش! إن هذا النبي المبعوث منكم وإن هذا إبّان نجومه [9] [10] فحيّهل بالحيا والخصب، ألا! فانظروا منكم رجلا أوسطكم نسبا طوالا عظاما أبيض بضا [11] أشم العرنين سهل الخدين، له فخر
يكظم عليه وسن [1] تهدى إليه، ألا فليخرج [2] هو وولده ثم ليدلف [3] إليه من كل بطن رجل، الا! ثم ليشنوا [4] عليهم من الماء وليمسوا من الطيب وليستلموا [5] الركن وليرتقوا أبا قبيس [6] فيستسقي [7] الرجل وليؤمّن القوم، ألا! فغثتم [8] إذا ما شئتم وعشتم، وأصبحت علم الله مفزعة [9] مذعورة قد قف [10] جلدي ووله قلبي، فاقتصصت رؤياي وجلت [11] في شعاب مكة فورب الحرمة [12] والحرم إن بقي بها أبطحي إلا قال: هذا شيبة الحمد [13] ، هذا شيبة الحمد فتتأمت عنده قريش وانقض إليه من كل بطن رجل فشنوا ومسوا واستلموا، ثم ارتقى أبا قبيس وطفق القوم يدفّون حوله ما إن يدريك سعيهم مهلة حتى قر بذروته واستكفوا جنابيه ومعه رسول الله صلى الله عليه وهو يومئذ غلام قد أيفع [14] اللهم أو كرب، فقام عبد المطلب يقول: اللهم ساد الخلة وكاشف الكربة أنت عالم غير معلم مسئول غير مبخل وهذه
عبادك [1] وإماؤك [2] بعذرات [3] حرمك يشكون إليك سنيّهم التي أكلت الظلف والخف فاسمعن، اللهم وأمطر لنا غيثا مريعا [4] مغدقا! فما راموا [5] والبيت حتى انفجرت السماء بمائها [6] وكظ الوادي بثجيجه [7] ، فلسمعت شيخان [8] قريش وجلتها تقول: هنيئا لك أبا البطحاء! هنيئا لك! وفي ذلك تقول رقيقة: (البسيط) بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا ... وقد فقدنا [9] الحيا واجلوّذ [10] المطر فجاد بالماء جونيّ [11] له سبل [12] ... جار [13] فعاشت به الأنعام والشجر منا من الله بالميمون طائره [14] ... وخير من بشّرت يوما به مضر مبارك الأمر [15] يستسقى الغمام به ... ما في الأنام له عدل ولا خطر قال ابن حبيب وذكر هشام بن الكلبي قال: حدثني الوليد بن
حديث الصائح على أبي قبيس
[عبد الله بن] [1] جميع [2] عن ابن لعبد الرحمن بن موهب حليف بني زهرة قال: حدثني مخرمة بن نوفل بن أهيب [3] الزهري قال: سمعت أمي رقيقة بنت أبي صيفيّ وكانت لدة عبد المطلب- وذكر الحديث حديث الصائح [4] على أبي قبيس هشام عن أبيه عن عبد المجيد عن أبي عبس أبيه عن جده قال أخبرني عم لي قال: سمعت قريش صائحا [5] في بعض الليل على أبي قبيس يقول: (الطويل) إن يسلم السعدان يصبح محمد ... بمكة لا يخشى خلاف المخالف فلما أصبحوا قال أبو سفيان بن حرب وأشراف قريش: من السعود؟ سعد تميم؟ سعد هوازن؟ سعد هذيم [6] ؟ سعد بكر؟ فعدّوا سعودا، فلما كان في الليلة الثانية/ سمعوا صوته على أبي قبيس وهو يقول: (الطويل) يا سعد سعد الأوس [7] كن أنت ناصرا ... ويا سعد سعد الخزرجين [8] الغطارف [9] أجيبا إلى دين الهدى وتمنيا ... على الله في الفردوس منية عارف فإن ثواب الله للطالب الهدى ... جنان من الفردوس ذات رفارف [10]
قصة أصل مال عبد الله بن جدعان
[1] قصة أصل مال عبد الله [1] بن جدعان هشام قال حدثني الوليد بن عبد الله بن جميع حليف بني زهرة قال سمعت عامر بن واثلة أبا الطفيل قال قال أشياخ من قريش لعبد الله بن جدعان: يا أبا زهير! من أين أصل مالك هذا؟ وكان من أكثر الناس مالا، قال فقال: على الخبير سقطتم، خرجت مع قوم من قريش إلى الشام فبينا نحن في بعض أسواقها إذ أقبل رجل قد كاد يسد الأفق من عظمه، فقال: من يبلغني أرض جرهم وأوقر ركابيه ذهبا، فلم يجبه أحد من أشياخنا بشيء، قال: فانصرف ثم عاد في اليوم الثاني فقال كما قال في اليوم الأول وانصرف ولم يجبه أحد، ثم عاد في اليوم الثالث فقال كما قال، فلما رأيت سكوت الناس عنه قلت: أنا أبلغك أرض جرهم، قال ابن جدعان وانا أعني ببلاد [2] جرهم أرض مكة، قال: فحملت على إبلي أذبح له في كل يوم شاة وفي كل جمعة جزورا/ حتى انتهينا إلى مكة فقلت: هذه أرض جرهم، قال: إنك صادق ولكن امض وانطلق، فأخذني في جبال وأودية ما رأيتها قط حتى انتهى إلى كهف في الجبل قد ردم [3] بالحجارة فقال أنخ بي ههنا، فأنخت به، ثم قال لي: انقض هذا الكهف حجرا حجرا، ففعلت، ودخلت الكهف فإذا فيه ثلاثة أسرة على اثنين منها رجلان ميتان والثالث ليس عليه أحد، وإذا ذهب كثير وإجانة [4] في ناحية [5] الكهف فيها لطوخ [6] فقال: يا هذا! إني ميت كما مات هذان وسيخرج مني صوت شديد فلا يهولنك وإذا إجانة فيها لطوخ، وإذا قارورة فيها ريشة على السرير الخالي، وإذا ذهب كثير في ناحية الكهف،
حديث نعي عبد الله بن جدعان
فطرح ثيابا كانت عليه وقال: [1] اطلني بهذا [1] الذي في الإجانة [2] ، فطليته [3] من قرنه إلى قدمه، ثم أدرجته في ثياب كانت معه ثم جلس على السرير وأخذ الريشة فلعط بها على أنفه ثم صاح صيحة ما سمعت قط أشد منها وسقط ميتا كأنه لم يزل مذ كان، قال: وقد كان قال لي: خذ من هذا الذهب حاجتك ورد الكهف كما كان وإياك أن تعود إلى ما ههنا فإنك إن عدت ذهب مالك ونفسك، ففعلت ما قال فهذا كان أصل مالي حديث نعي عبد الله بن جدعان هشام [4] عن معروف بن الخربوذ المكي قال أخبرني عامر بن واثلة أبو الطفيل قال حدثني شيخ من أهل مكة عن الأعشى بن النباش بن زرارة [5] التميمي من بني أسيّد [6] بن عمرو بن تميم حليف بني عبد الدار قال: خرجت مع نفر من قريش نريد الشام في ميرة [7] لنا، فنزلنا بواد يقال له وادي غول فعرّسنا به، فنظرت إلى شيخ على صخرة وهو يقول: (الطويل) ألا هلك السيّال غيث بني فهر ... وذو الباع والمجد الرفيع وذو الفخر قال: وأصحابي نيام، فقلت: والله لأجيبنه وقلت: (الطويل) ألا أيها الناعي أخا الجود والفخر ... من المرء تنعاه لنا من بني فهر فقال: (الطويل)
نعيت ابن [1] جدعان بن [2] عمرو أخا الندى ... وذا الحسب القدموس [3] والمنصب الغمر [4] مررت بنسوان يخمّشن أوجها ... صباحا ملاحا بين زمزم والحجر [5] فقلت: (الطويل) لعمري لقد نوّهت بالسيد الذي ... له الفضل معروفا على ولد النضر متى إنما عهدي به مذ عروبة [6] ... وتسعة أيام لغرّة ذا الشهر فقال: (الطويل) ثوى منذ أيام ثلاث كوامل ... مع الليل وافته المنايا وفي الفجر قال: فاستيقظ أصحابي وقالوا: من تخاطب؟ فقلت هذا نعى لي ابن جدعان، فقالوا: والله لو ترك أحد لشرف وكثرة مال وجود لترك ابن جدعان، فقال الشيخ: (الوافر) أرى الأيام لا تبقي عزيزا ... لعزّته ولا تبقي ذليلا قال فقلت أنا: (الوافر) لا تبقي من الثقلين شفرا [7] ... ولا تبقي الجبال ولا السهولا وحفظنا تلك الساعة وذلك اليوم فوجدناه كما قال.
قصة ركانة
قصة ركانة [1] قال هشام عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه [أنه-] [2] عرض على ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف الإسلام ودعاه إلى الله وكان ركانة من أشد العرب لم يصرع قط، فقال: لا أسلم حتى تدعو الشجرة فتقبل إليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وهو بظهر مكة للشجرة: أقبل باذن الله، وكانت طلحة [3] أو سمرة [4] فأقبلت [5] ، وركانة يقول: ما رأيت كاليوم سحرا أعظم من هذا مرها فلترجع، فقال لها رسول الله صلى الله عليه: ارجعي باذن الله، فرجعت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلم، قال: لا والله حتى تدعو نصفها فيقبل إليك ويبقى نصفها في موضعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنصفها: أقبل باذن الله، فأقبل وركانة يقول: ما رأيت كاليوم سحرا أعظم من هذا مرها فلترجع، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجعي باذن الله، فرجعت إلى مكانها، فقال له رسول الله صلى الله عليه: أسلم، فقال له ركانة: لا، حتى تصارعني فان صرعتني أسلمت، وإن صرعتك كففت عن هذا المنطق، قال: فصارعه النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه وأسلم ركانة بعد ذلك حديث من ترك عبادة الأصنام من قريش قال: كان الذين [6] تركوا عبادة الأصنام والتمسوا دين إبراهيم عليه السلام قبل مبعث النبي صلى الله عليه: عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد
العزى بن قصي وورقة [1] بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وزيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح [2] بن عدي بن كعب وعبيد الله [3] بن جحش بن رئاب [4] أحد بني غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة حليف بني أمية بن عبد شمس، وقال بعض هؤلاء لبعض: أتعلمون [5] والله ما قومكم على شيء؟ لقد أخطئوا [6] دين إبراهيم عليه السلام ما حجر نطيف به لا يضر ولا ينفع ولا يبصر ولا يسمع، يا قوم! التمسوا لأنفسكم فإنكم والله ما أنتم على شيء، فتفرقوا في البلدان يطلبون الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام، فأما ورقة بن نوفل فتنصر واستحكم في النصرانية وتعلم [7] الكتب، وأما زيد بن عمرو بن نفيل فوقف ولم يدخل في اليهودية [8] ولا النصرانية [9] وفارق دين قومه واعتزل الأوثان والميت والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان، ونهى عن قتل المؤدة/ وقال: أعبد رب إبراهيم عليه السلام، وبادى [10] قومه بعيب [11] ما هم عليه ويقول: اللهم! إني لو أعلم أي الوجوه أحب إليك عبدتك له ولكن لا أعلم، ثم [12] يسجد على راحته، وكان زيد أول من عاب
قصة عثمان بن الحويرث مع قيصر عن هشام وأبي عمرو الشيباني وغيرهما
على قريش ما هم فيه من عبادة الأوثان ثم خرج يلتمس دين إبراهيم [1] عليه السلام فجال بلاد الشام حتى أتى [2] البلقاء [3] وإنما سميت ببالق بن ماب [4] بن لوط، فقال له راهب بها عالم: إنك لتطلبن [5] دينا ما تجد أحدا يحملك عليه اليوم وقد أظلك خروج نبي في بلادك يدعو إليه، وقد كان شامّ اليهود والنصارى فلم يرض دينهم، فأقبل لقول الراهب مسرعا إلى بلاد مكة، فلما توسط أرض لخم ويقال أرض جذام عدوا عليه فقتلوه، ويقال إن زيدا هذا يحشر أمة وحده- والله أعلم، وأما عبيد الله [6] بن جحش فانه أسلم وهاجر إلى الحبشة وتنصر بها ومات على النصرانية قصة عثمان بن الحويرث [7] مع قيصر عن هشام وأبي عمرو الشيباني وغيرهما كان من شأن عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى أنه انطلق حتى قدم على ابن جفنة ملك الشام فقال له: هل لك أن تدين [8] لك قريش قال: نعم، قال: فاكتب لي، ملكني عليهم، قال: على أن تدين لك، قال في موضع آخر من حديثه في كتاب أبي عمرو الشيباني أيضا: اكتب لي كتابا وملكني عليهم، فكتب له وملكه وجعل له خرجا [9] على كل قبيلة، فأقبل
بكتاب ابن جفنة [1] حتى قدم مكة، فلما قدم على قريش أنكرت ذلك فركب منهم/ رجال إلى ابن جفنة [1] ، فلما قدموا عليه كلموه وقالوا: ان عثمان امرؤ سفيه وليس مثلك يصنع بنا مثل هذا الذي صنعت ونحن عارفون بحقك ونحن أهل حق وأهل البنية [2] فعمد ابن جفنة [1] فأخرج عثمان وطرده، فانطلق عثمان حتى قدم على قيصر فأراد كلامه، فبلغ ذلك ابن جفنة فبعث الى البواب والترجمان [أن-] [3] لا يدخلاه ولا يخبرا قيصر أمره وأمرهما أن يخالفا بكلامه حتى لا يرفع به رأسا، فخرج قيصر ذات يوم راكبا فاعترض له عثمان فصاح إليه وصرخ وكلمه، فقال قيصر: ما يقول؟ قال الترجمان: هذا إنسان مجنون يقول: إن في أرضي مالا على رأس جبل وإن أعطيتني مالا ضربت ذلك الجبل لك حتى يخرج المال منه، وكذب الترجمان عليه لكتاب ابن جفنة، فانطلق قيصر وتركه يتلدد [4] بأرض الروم، فلما رأى عثمان الذي صنع به لم يدر كيف يصنع، فبينا هو قاعد عند معلم يعلم ناسا من الروم الكتاب فلما قعد عثمان معه واستمكن من حديثه تمثل المعلم بيتا من شعر هذا وقد ملأ عيني [5] من حضر، فأخذ عثمان بثوبه وعرف انه عربي فقال له: والله لا أتركك حتى تخبرني من أنت! وإنك لعربي وإني لرجل من قومك، فلما رأى ذلك المعلم قال: ويلك لا تكلمني فإن ابن جفنة قد كتب فيك الى كل بواب وترجمان فليس ههنا أحد يغني عنك شيئا ولكنك إن أعطيتني موثقا دللتك على ما ينفعك فأعطاه/ فقال له: إذا مر عليك الملك فقل له كذا كذا كلمة علمه إياها من دينهم فإذا دعاك [6] الترجمان فالزمه وشق ثوبك وقل: هذا الذي أهلكني فادع لي ترجمانا آخر [7] غيره، فلما مر به الملك فعل مثل الذي أمره به فدعا الملك ترجمانا غيره حين فعل الأول
ما فعل فقال له عثمان: إني من أهل الكعبة [1] ومن أهل بيت الله الحرام الذي تحج إليه العرب وإني كلمت ابن جفنة أن يجعل لي على قومي سلطانا فأقتسرهم على دينك فبغي عليّ رجال من قومي فرشوه فأخرجني وإني جئت إليك، فكتب الى الترجمان أن يبغيني شرا لأن لا ترفع بي رأسا، هذا من شأني، فإن كتبت لي كتابا وجعلت لي عليهم سلطانا قسرت لك العرب حتى يكونوا على دينك، فكتب له قيصر عند ذلك وكساه وحمله على بغله مسرجة بسرج من ذهب وقال له: لا سلطان لابن جفنة عليك، ودفع إليه كتابا مختوما وقال أشعارا بأرض الروم هلكت وأشعارا يروي بعضها منها قوله (الطويل) . لما دنونا من مدينة قيصر ... أحسّت نفوس القوم بعض الوساوس فأقبل عثمان بالكتاب حتى قدم على ابن جفنة فدفعه إليه فقال ابن جفنة: خذ من وجدت ههنا من قومك، فأخذ رجالا من قريش منهم سعيد ابن العاص بن أمية وأبو ذئب [2] بن ربيعة أحد بني عامر بن لؤي أخذهم تجارا بالشام فسجنهم، فأما أبو ذئب [3] فمات في الحديد، وأما سعيد فمكث حتى افتداه عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وأبو أمية بن المغيرة، ومنهم من يقول: إنما افتداه هشام بن المغيرة وأبو أمية بن المغيرة، وكانت تحت سعيد بن العاص أخت لهما ابنة [4] المغيرة فامتدحهما سعيد بن العاص بشعره، ومات عثمان بن الحويرث من قبل أن يخرج من عند ابن جفنة، فقال كثير من الناس سقاه سما وحسده وظن أنه غالبه على ملكه، فبلغ ذلك قومه فقال ورقة بن نوفل وهو ابن عم عثمان بن الحويرث أخ أبيه يرثي عثمان: (الكامل)
هل أتى [1] ابنتي عثمان أن أباهما ... حانت منيته بجنب المرصد [2] ركب البريد مخاطر عن نفسه ... ميت المظنة [3] للبريد [4] المقصد فلأبكين [5] عثمان حق بكائه [6] ... ولأنشدن [7] عمرا [8] وإن لم ينشد بل ليت شعري عنك يا ابن حويرث ... أسقيت سما في الإناء المصعد [9] أم كان حتفا سيق ثم لحينه ... إن المنية للحمام [10] لتهتدي قد كان زينا في الحياة لقومه ... عثمان أمسى في ضريح [11] ملحد ولقد برى جسمي وقلت لقومنا ... لما أتاني موته لا تبعد أمسى ابن جفنة في الحياة مملكا ... وصفيّ نفسي في ضريح مؤصد [12]
والله ربي إن سلمت لآثرن [1] ... فيه [2] بضربة [3] جازم لم يقصد [4] قال: واسم الملك الجفني عمرو بن أبي شمّر أخو الحارث بن أبي شمر، فلما سمع بذلك عمرو أمر/ بقدر من حديد، فقال: أغلوا فيها الحميم، وقال: والذي أحلف به لا تزال على النار حتى أغلي فيها ورقة بن نوفل والله لئن لم يأتني [5] به قومه لآخذن [6] رجلا من قريش بالشام [7] فلا يفارق [7] الحديد حتى يؤتى [8] به، فسمع بذلك ورقة، فخرج حتى لحق بأرض طيء فمكث زمانا ثم لحق بالبحرين، فلما قدم البحرين قال له رجل نصراني: سوف أدلك على شيء إذ قلته للملك أعفاك، فعلّم النصراني ورقة فقال: إذا قدمت على الملك فلا يعلمن من أنت وتخلص إليه فإذا خلصت إليه فخذ بثوبه وقل: أعوذ بالمسيح من هذا الملك، فأقبل إليه حتى دخل عليه فقال: إني امتدحتك أيها الملك! فأنشده وحدثه، ثم أخذ بثوبه وهو يرعد وأنشده قوله: (الوافر) ألا من مبلغ عمرا [9] رسولا ... فإني من مخافته مشيح [10] [11] أفرّ إلى [11] بني ثعل [12] بن عمرو ... وحولي من بني جرم [13] نبوح [14]
أعوذ برب بيت الظلم منه ... وبالرحمن إذ شرق المسيح [1] تركت لك البلاد وماء بحرين [2] ... لأنزح [3] عنك لو نفع النزوح قال: قد أجرتك لعلك ورقة بن نوفل، قال: نعم، قال: قد أجرتك وأجرت قومك أطفئوا [4] النار، ودخلت النصرانية في قلب ورقة بن نوفل يومئذ، فلما قدم مكة وأومنت قريش قالت بنو عامر بن لؤي: كيف بدم أبي ذئب [4] ؟ وإنما قتله عثمان بن الحويرث وصفده بالحديد حتى مات، وأم أبي ذئب [5] أم حبيب بنت العاص بن أمية الأكبر وكان سعيد [5] خاله، فانطلق سعيد بن العاص فرهن بني عامر ابنه أبان بن سعيد فأراد أن لا يطل دم أخيه، فقال هذا لكم حتى أرضيكم من أبي ذئب [6] ، فخالفه رجال من بني قصي وشايعه الآخرون وكان فيمن فارقه الأسود بن المطلب بن أسد، أبو زمعة فقال له: يا سعيد! ما لنا ولدم رجل مات بالشام في سجن ملك من الملوك، فلذلك قال الأسود: (الوافر) ألا من مبلغ عنى سعيدا ... فحسبك من مواليك التلافي وقال ورقة بن نوفل يعني أبا زمعة: (الوافر) ألا أبلغ لديك أبا عقيل ... فما بيني وبينك من وداد تعيب أمانتي وتذم أهلي [7] ... وتأكلني إلى حضر [8] وباد [9]
قصة أيام الفجار وهي متصلة بأحاديث قريش وذكر ما هاج الفجار الأول عن أبي البختري
[1] فأيا ما وأي [1] كان أبغى ... وأسعى في العشيرة بالفساد فلا لاقى سرورا من مليك ... ولا زالت يداه [2] في [3] صفاد قصة أيام الفجار وهي متصلة بأحاديث قريش وذكر ما هاج الفجار الأول عن أبي البختري [4] حدث أبو البختري عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي وجزة السعدي قال كان الذي هاج الفجار الأول بين قريش وقيس عيلان أن أوس بن الحدثان النصري/ باع من رجل من كنانة ذودا له إلى عام قابل يوافي السوق فوافى سنة بعد سنة ولا يعطيه وأعدم الكناني، فوافى [5] النصري سوق عكاظ بقرد فوقّفه في السوق ثم قال: من يبيعني [6] مثل قردي هذا بما لي على فلان الكناني؟ يريد أن يخزي الكناني بذلك، فمر رجل من بني كنانة فضرب القرد بالسيف فقتله آنفا مما فعل النصري، فصرخ النصري في قيس وصرخ
ذكر ما هاج الفجار الثاني وهو فجار الفخر ويروي فجار الرجل
الكناني في بني كنانة فتحاور الناس حتى كاد يكون بينهم قتال ثم تداعوا إلى الصلح ويسر الخطب في أنفسهم وكف بعضهم عن بعض، ثم هاج الفجار الثاني. ذكر ما هاج الفجار الثاني وهو فجار الفخر ويروي فجار الرجل [1] قال: كان الذي هاج هذا الفجار أن رجلا [2] من بني غفار بن مليل [3] بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة يقال له أبو منيعة وكان عارما [4] منيعا في نفسه قدم سوق عكاظ فمد رجله ثم قال: (الرجز) قومي [5] بنو مدركة بن خندف ... من يطعنوا في عينه لا تطرف ومن يكونوا [6] قومه [7] يغطرف [8] ... كأنهم لجة بحر [9] مسدف [10] أنا والله أعز العرب فمن زعم أنه أعز مني فليضرب هذه بالسيف،
فضربها رجل من بني قشير فخدش بها خدشا غير كبير فتحاور الناس عند ذلك حتى كاد يكون بينهم قتال، ثم تراجع الناس ورأوا أنه لم يكن كبير قتال ولا جراح فقال ابن الضريبة النصري [1] : (الخفيف) سائلي [2] أم مالك أيّ قوم ... معشري في سوالف الأعصار نحن كنا الملوك من أهل نجد ... وحماة الذمار عند الذمار [3] ومنعنا الحجاز من كل حي ... ومنعنا [4] الفخار يوم الفخار [4] وقال لقيط ضربها رجل من بني نصر بن معاوية وقال: (الرجز) نحن بنو دهمان [5] ذو [6] التغطرف [7] ... بحر بحور [8] زاخر لم ينزف من يأته من العباد يغرف ... نحن ضربنا قدم [9] المخندف [10] إذ مدّها في أشهر المعرّف [11] ... فخرا على الناس خلاف الموقف ضربة حرّ مثل عط [12] الشعف [13] ... مجهرة [14] حقا برغم الأنف
ذكر ما هاج الفجار الثالث
بصارم يفري الشئون مرهف ... يمر في السنور [1] المضعّف ذكر ما هاج الفجار الثالث قال: كان أول الفجار أن امرأة من العرب من ولد عكرمة بن خصفة بن قيس ثم من بني عامر بن صعصعة وافت عكاظ وكانت امرأة جميلة طويلة عظيمة فأطاف بها فتيان أهل مكة ينظرون إليها وعليها برقع مسيّر [2] على وجهها فسألوها أن تبدي عن وجهها فأبت عليهم، وكان النساء إذ ذاك لا يلبسن الأزر، إنما تخرج المرأة فضلا [3] في درع بغير إزار، فلما امتنعت عليهم وقد رأوا خلقها وشمائلها لزموها، فقعدت تشتري بعض حاجتها فجاء فتى من أولئك الفتيان يقال له ابو الغشم بن عبد العزى بن عامر بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مرة وهي قاعدة فحلّ [4] أسفل درعها بشوكة/ إلى ظهرها، فلما فرغت من حاجتها قامت فإذا هي عريانة، فضحك الفتية منها وقالوا: منعتنا وجهك فقد نظرنا إلى سفلتك [5] ، فكشفت المرأة عن وجهها فإذ وجه وضيء فكانوا [أشد-] [6] إغراما [عما-] [6] كانوا بها، وصاحت: يا لقيس انظروا ما فعل بي، فاجتمع الناس واجتمع إليها عشيرتها ودنا بعضهم من بعض، ثم ترادوا بعد شيء من مناوشة وقتال لا ذكر له [7] ،
ذكر ما هاج الفجار الرابع وهو فجار البراض
وكان هذا أول ما كان فسمى الفجار لما كانوا يعظمون من الدماء ويعظمون من الإحرام وقطع الأرحام فالقرابات وعكاظ بين نخلة والطائف وذو المجاز خلف عرفة ومجنة بمرّ الظهران [1] ، وهذه أسواق العرب وقريش ولم يكن فيها شيء أعظم من عكاظ ذكر ما هاج الفجار الرابع وهو فجار البرّاض قال: وكان البرّاض وهو رافع [2] بن قيس قد حالف بني سهم، فعدا على رجل من هذيل فقتله، فقام الهذليون إلى بني سهم يطلبون دم صاحبهم، فقالت بنو سهم: قد خلعنا وتبرأنا من جريريته، فقالت هذيل: من يعرف هذا؟ فقال العاص بن وائل [3] : أنا خلعته كما يخلع الكلب، فأسكت الهذليون، ولم يروا وجه طلب، فأتى حرب بن أمية يطلب أن يحالفه، فقال حرب: إني قد رأيت حلفاءك خلعوك وكرهوك، فقال البرّاض: وأنت إن رأيت مني مثل ما رأوا فأنت بالخيار إن شئت أقمت على حلفك وإن شئت تبرّأت مني، قال حرب: ما بهذا بأس، فحالفه حرب بن أمية فعدا على رجل من خزاعة فقتله وهرب في البلاد فطلب الخزاعيون دمه فلم يقدروا عليه، فأقام باليمن سنة ثم دنا من مكة فإذا الهذليون يطلبونه وإذا الخزاعيون يطلبونه وقد خلع، فقال: ما وجه خير من النعمان بن المنذر، نلحق به [فانطلق-] [4] حتى قدم الحيرة فقدم على وفود العرب قد وفدوا على النعمان بن المنذر، فأقام يطلب الإذن معهم فلم يصل إلى النعمان حتى طال
عليه المقام وجفي، وحان بعثة النعمان بلطيمة [1] [كان-] [2] يبعث بها إلى عكاظ، فخرج النعمان فجلس للناس بفنائه بالحيرة وعنده وفود العرب، وكانت عيرات النعمان ولطائمه [3] التي توافي سوق المواسم إذا دخل تهامة [4] لم تهج حتى عدا النعمان على أخ بلعاء بن قيس فقتله، فجعل بلعاء بن قيس يتعرض [5] للطائم [6] التي للنعمان بتهامة فينهبها، قد فعل ذلك بها مرتين، فخاف النعمان على لطيمته، فقال يومئذ: من يجيز [7] هذه العير؟ فوثب البرّاض وعليه بردة له فلتة [8] يعني صغيرة ومعه سيف له قد أكل غمده من حدة فقال: أنا أجيزها لك، فقال الرحال [9] عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب: أنت تجيزها على أهل الشيح والقيصوم؟ وإنما أنت كالكلب الخليع، أنت أضيق استا [10] من ذلك، ولكني أيها الملك! أجيزها لك على [11] الحيين [12] كليهما، قال فقال البراض: أنت تجيزها على أهل تهامة [13] ، فلم يلتفت النعمان إلى البراض وازدراه ودفع اللطيمة إلى الرحال/ وخرج الرحال بالعير،
وخرج البراض في أثره حتى إذا كان في بعض الطريق أدركه البراض فتقدم أمام عيره وأخرج الأزلام يستقسم بها، فمر به الرحال فقال له: ما تصنع؟ فقال: إني أستخير في قتلك، فضحك الرحال ولم يره شيئا، ثم سار الرحال حتى انتهى إلى أهله دوين الجريب [1] على ماء يقال له أواره [2] فأنزل اللطيمة وسرح [3] الظهر [4] ، وقد كان البراض يبتغي غرّته فلا يصيبها منه حتى صادفه نصف النهار ذلك اليوم في قبة من أدم وحده فدخل عليه فضربه بالسيف حتى برد [وكتب [5] إلى أهل مكة وهم بعكاظ: (البسيط) لا شك [6] يجني على المولى فيحملها ... إذا بحي أبت يحملها الجاني [7] أما بعد ذلكم فإني قتلت عروة بن عتبة الرحّال بأواره يوم السبت، حين وضح الهلال [8] من شهر ذي الحجة فررت [9] ، ومن أجرى [10] ما حضر فقد أجرى [11] ما عليه، إن غدا حيث يثور الريح ينكثني الأمر لك القبيح،
انتهى [1] بجريرة للنعمان-[1]] ثم خرج يعدو [2] حتى انتهى إلى خيبر [3] ، فأقام فيها أياما يعتزي [4] إلى فزارة ويصيب من ثمر [5] خيبر، فمكث ما شاء الله أن يمكث وقد خرج رجلان من قيس أحدهما من غطفان [6] والآخر من غنى يدعي [7] أسد بن جوين [8] على أثره إلى خيبر فلقياه بخيبر فلما رءاهما نسبهما فانتسبا له إلى سعد بن قيس بن عيلان وإلى غطفان فاعتزى هو إلى فزارة فقالا له: هل أحسست رجلا يقال له البراض من بني بكر؟ فقال البراض: سألتما عن لص عاد خليع ليس [9] أحد من أهل خيبر يدخله داره ولكن أقيما ههنا وتلطفا له عسى أن تظفرا به، قالا: نعم، ثم مكث ذلك اليوم وجاءهما فقال: قد دللت عليه فأيكما أجرى مقدما؟ قال أحدهما: أنا، وهو أسد بن جوين الغنوي، فقال البراض: انطلق، وقال للآخر:/ إياك أن تريم المكان [10] ، ثم أخرجه حتى أدخله خربة من خربات يهود ثم قال: يا أخا غنى! جرد سيفك وأعطنيه حتى أذوقه، فأخذ بقائم السيف فسله والغمد في يد الغنوي فرفع البراض السيف فضربه به حتى قتله، ثم رجع إلى صاحبه فقال: ما رأيت أجبن ولا أكهم من صاحبك، إني أدخلته حتى نظر إليه ثم
أخطأه هكذا [1] ، فأراه الآن قد ذهب إلى أقصى خيبر وإن يخطئنا [2] الآن فمتى نقدر عليه، فانطلق معي أنت، فقال الغطفاني: انطلق بي حيث أحببت، فخرج حتى انتهى به إلى خربة أخرى فصنع به مثل ما صنع بصاحبه فقتلهما جميعا، ثم رجع إلى منزلهما فأخذ راحلتيهما ومتاعيهما ثم هرب، وخرج [3] رجل من اليهود يريد تلك الخربة لحاجته فوجد [4] الغنوي مقتولا، فخرج إلى الأخرى فوجد [4] الغطفاني مقتولا، فخرج فزعا مذعورا إلى قومه، فخرجوا فنظروا إلى القتيلين وطلبوا البراض، ونذر [5] بهم فهرب من ساعته وفرق من يهود خيبر أن يظفروا به ويقولوا: هذا لص عاد يجاورنا حتى طرد [6] طريق نجد إلى مكة وخاف على قومه من قيس فقال وحذرهم قوي فإذا ركب فيهم بشر بن أبي خازم [7] فأخبره بقتل الرحال والغطفاني والغنوي واستكتمه وأمره أن ينهي بهذا الخبر إلى عبد الله بن جدعان وهشام بن المغيرة وحرب بن أمية ونوفل بن معاوية وبلعاء بن قيس فخرج بشر بن/ أبي خازم [7] حتى قدم [8] سوق عكاظ فوجد [9] الناس بعكاظ قد حضروا السوق [10] والناس محرمون للحج، فذكر بشر بن أبي خازم [7] الحديث للنفر الذين أمره بهم للبراض، فقالت قريش فيما بينهم: نخشى من قيس ونخشى ألا تقوم السوق
في هذه السنة فانطلقوا بنا إلى أبي براء عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب فنخبره بعض الخبر ونكتم [1] بعضا ونقول: كان بين أهل نجد وتهامة حدث ولم تأتنا لذلك جلية [2] أمر، فاحجز [3] بين الناس وأقم لهم السوق، ولا ينصرفنّ ولم تقم السوق وقد ضربوا آباط الإبل من كل موضع، ونقول: كن على قومك ونحن على قومنا، فخرجوا حتى جاءوا أبا براء فذكروا له ما أجمعوا عليه أن يقولوا، فأجابهم إلى ما أحبوا، وقال: أنا أكفيكم ذلك وأقيم السوق، ورجع القوم فقال بعضهم لبعض: ما هذا برأي أن نقيم ههنا ونخشى أن تخبر قيس فيناهضونا ههنا على غير عدة وهم مستعدون [4] فيكثرونا [5] في هذا الموسم فيصيبوا منا الحقوا بحرمكم، فخرجت قريش مولّية [6] إلى الحرم منكشفين، وجاء قيسا الخبر آخر ذلك اليوم، فقال أبو براء: ما كنا من قريش إلا في خدعة، فخرجوا في آثارهم وقريش على حاميتها وهي تبادر إلى حرمها حتى دخلوا الحرم من الليل، ونزعت قيس عنهم ولهم عدد كثير، وقال رجل من بني عامر بن صعصعة يقال له الأدرم [7] بن شعيب ونادى بأعلى صوته:/ إن ميعاد ما بيننا وبينكم هذه الليالي من قابل فإنا لا نأتلي [8] في جمع وقال: (البسيط)
لقد وعدنا قريشا وهي كارهة ... بأن تجيء [1] إلى ضرب أراعيل [2] وقال خداش [3] بن زهير: (البسيط) يا شدة [4] ما شددنا غير كاذبة ... على سخينة [5] لولا الليل والحرم إذ يتقينا [6] هشام بالوليد ولو ... أنا ثقفنا [7] هشاما شالت [8] الخدم ولم تقم تلك السنة سوق عكاظ و [9] جمعت قريش وكنانة الأحابيش كلها ومن لحق بها من أسد بن خزيمة مع مهير [10] بن أبي خازم أخي بشر الشاعر، وسلّحت قريش الرجال وكانوا قوما تجارا فترافدوا وجمعوا أموالا عظاما، فكانوا يطعمون الخزير في دورهم الأحابيش ومن ضوى [11] إليهم لنصرهم ولا مثل
لما [1] فعل عبد الله بن جدعان فإنه سلح مائة رجل بأداة كاملة، وسلح هشام بن المغيرة رجالا وأعان بمال عظيم وحمل حرب بن أمية رجالا وسلحهم وقدم عليهم بشر بن أبي خازم في قومه [2] ولم يحضرها من بني تميم أحد إلا بحلف في قريش آل زرارة وآل أبي إهاب وأمية بن أبي عبيدة بن [3] همام بن الحارث بن بكر بن زيد بن مالك بن حنظلة وهو حليف بني نوفل بن عبد مناف وهو أبو يعلي بن منية ومنية بنت الحارث بن شبيب من بني مازن بن منصور، وجعلوا لكل قبيلة رأسا يجمع أمرهم، فعلى [4] بني عبد مناف حرب بن أمية/ ومعه أخواه سفيان وأبو سفيان وهو عنبسة ابنا أمية. [من ههنا رواية أبي عبيدة-] [5] وعلى [6] بني هاشم الزبير بن عبد المطلب ومعه النبي صلى الله عليه والعباس بن عبد المطلب، ومعهم بنو المطلب عليهم يزيد بن هاشم بن المطلب وأمه الشفاء بنت هاشم بن عبد مناف، وعلى [6] حرب بن أمية بنو نوفل ابن عبد مناف عليهم مطعم بن عدي بن نوفل، وعلي بني أسد بن عبد العزى خويلد بن أسد وعثمان بن الحويرث بن أسد، وعلى بني زهرة مخرمة بن نوفل ابن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وعلى بني مخزوم هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر [7] بن [8] مخزوم، وعلى جمح أمية بن خلف بن وهب بن حذافة ابن جمح، وعلى بني عدي زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى، وعلي بني
عامر بن لؤي عمرو بن عبد شمس أبو سهيل بن عمرو، وعلى بني محارب ابن فهر ضرار بن الخطاب بن مرداس، وعلى بني الحارث بن فهر عبد الله ابن الجراح أبو أبي عبيدة بن [1] الجراح، [آخر رواية أبي عبيدة [2] من ههنا إلى موضع العلامة ليس عند أبي بكر] وعلى [3] بني مخزوم هشام بن المغيرة، وعلى [3] بني سهم العاص بن وائل، وعلى [3] بني جمح معمر بن حبيب [4] ، وعلى [3] بني عبد الدار بن قصي عامر بن عكرمة بن هاشم بن عبد مناف ابن عبد الدار بن قصي أسقط أبو عبيدة عامرا وذكره وهب فقال عامر وقال معمر عكرمة نفسه ابن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي [إلى ههنا ليس عنده-] [5] وعلى [3] بني تيم عبد الله بن جدعان بن عمرو، وعلى [3] الأحابيش وهم الحارث بن عبد مناة وعضل [6] / والقارة والديش والمصطلق من خزاعة لحلفهم بلحارث بن عبد مناة الحليس [7] بن يزيد أخو بني الحارث بن عبد مناة وسفيان بن عويف فهما قائداهم، وعلى [3] بني بكر بن عبد مناة بلعاء بن قيس بن عبد الله بن عمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث، وعلى [3] بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة عمرو بن قيس جذل الطعام، وعلى [3] بني أسد بشر بن أبي خازم، وأمر الناس إلى حرب بن أمية، وقيل خرجوا متساندين ويقال إلى ابن جدعان، وتجمعت [8] قيس وتجمعت [9] هوازن وسليم جميعا [10] وثقيف
وأحلافها من جسر بن محارب وغيرهم ممن لحق بهم فأوعبت [1] غير كلاب وكعب فإنهما لم يشهدا يوما من أيام الفجار إلا يوم نخلة [2] ثم توافوا على قرن الحول في الليالي التي وأعدت فيها قيس قريشا من العام المقبل، فسبقت هوازن قريشا فنزلوا شمطة [3] من عكاظ متساندين على كل قبيلة منهم سيدها، فكان أبو أسماء بن الضريبة وعطية بن عفيف النصريان علي بني نصر والخيسق [4] الجشمي على بني جشم وبني سعد بن بكر، وكان وهب بن معتب بن مالك الثقفي وأخوه مسعود على ثقيف، وكان على بني عامر بن ربيعة وكعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وعلى حلفائهم [5] [من-] [6] جسر بن محارب وعلى الأبناء [7] أبناء [8] صعصعة، سلمة بن سعلاء [9] أحد بني البكاء [10] ومعه خالد بن هوذة وعلى بني هلال بن عامر بن [صعصعة-] [11]
ربيعة بن أبي ظبيان بن ربيعة بن أبي ربيعة بن نهيك [1] بن هلال بن عامر، هذا قول أبي عبيدة، وقال أبو البختري وهو [2] أثبت أن أبا براء لم يكن ليتخلف ولا [أن-] [3] تتخلف كلاب وهم الموتورون دون قبائل [4] قيس لعروة بن عتبة بن جعفر، قال أبو البختري كان على الأحابيش من قد ذكرناه في النسخة في أول الحديث، فهؤلاء الرؤساء كانوا متساندين غير أن المستعين لهم حرب بن أمية، وابن جدعان وهشام وحرب أعظمهم [5] شأنا لقصي وعبد مناف، قال فحدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه عن عائشة قالت قلت: يا رسول الله! عبد الله بن جدعان كان يحمل الكلّ، ويقري الضيف، ويعطي السائل، ويطعم الطعام فقال رسول [الله-[6]] صلى الله عليه: مات في الجاهلية هو في النار، ثم تقول عائشة: وكان ابن جدعان من أشرف قريش، ما كان من أمر يحزب [7] قريشا [8] إلا يكون له عبد الله بن جدعان [8] ، ثم تقول: كان حرب الفجار ولم يك يوم في العرب أذكر منها [9] ، مكث الناس سنة يجمعون ويتعبّون للقتال، فخرجت قريش من دار عبد الله بن جدعان ورأس الناس يومئذ عبد الله بن جدعان، قادهم وسلح الرجال وقسم الأموال، ثم كان حلف الفضول فكان في دار ابن جدعان، ثم تقول عائشة: أشهد أني [10] سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول: لقد حضرت حلفا في دار ابن جدعان ما أحب أني غدرت به وإن لي حمر النعم،
قال: وتجمعت [1] قيس واستعانت بثقيف وجمعوا [2] الجموع وقادوا [3] الخيل فكانت خيلهم كثيرة يومئذ، قال: فحدثني عبد الله بن يزيد الهذلي عن يعقوب بن عتبة قال: سار في ثقيف مسعود بن معتب ووهب بن معتب فاستجلبا ثقيفا ومن أطاعهما وبعثت قيس في كل قبيلة من قيس رجلا ليستجلبها فكان في بني عامر أبو براء وكان في جشم دريد بن الضمة، وكان في بني نصر سبيع [4] بن ربيعة وفي سليم عباس بن حيّ الأصم الرعلي [5] ، فاجتمعوا ونزلوا عكاظ قبل قريش بيومين، فاختلفوا في الرئاسة [6] ، فقالت بنو عامر: نرأس أبا براء عامر بن مالك بن جعفر، وقالت بنو نصر بن معاوية وسعد بن بكر وثقيف: نرأس سبيع بن ربيعة بن معاوية النصري، وقالت بنو جشم: بل نرأس دريد بن الصمة، حتى كادوا يقتتلون بينهم فمشى [7] بينهم أبو براء فقال: اجعلوا من ذلك من شئتم، فأنا أول من أطاعه وأجاب، فكف القوم ورضوا وجعلوا على بني عامر أبا براء وعلى بني نصر وسعد بن بكر وثقيف مسعود بن معتب الثقفي وهو رأس ثقيف وأمره إلى سبيع بن ربيعة، وعلى غطفان عوف بن حارثة المري، وعلى بني سليم عباس بن حي الرعلي أبا أنس، وعلى فهم وعدوان [8] كدام [9] بن عمير، فهؤلاء الرؤساء القادة، قال: وكانت تحت مسعود بن معتب سبيعة [10] بنت عبد شمس بن عبد مناف ولها منه عروة بن مسعود والأسود بن مسعود فكان يجمع الكبول والجوامع، فتقول
له: ما تصنع بهذا؟ فيقول: أرجو [1] والله أن أملأ منها قومك،/ قالت: أنت وذاك، أما والله لئن رأيتهم لتعرفن غير ذلك، فلما انهزمت ثقيف انهزم مسعود، فخرج منهزما لا يعرج على شيء حتى دخل على امرأته سبيعة، فجعل أنفه بين [2] ثدييها، ثم قال: أنا بالله ثم بك، فقالت: كلا زعمت ... [3] فلما نزلوا عكاظ وأقاموا اليوم الثاني قال سبيع بن ربيعة النصري: يا معشر قريش! ما كان مسيركم إلى قريش بشيء، قالوا: ولم؟ قال: لا ترون لهم جمعا العام، قال أبو براء فما تكره من ذلك؟ تقوم سوقنا وننصرف والغلبة لنا، قال رجل من بني أسد بن [4] خزيمة يسمع كلامه: بلى والله لتوافين كنانة ولا تتخلف ولا ترى غير ذلك، فتقاولا حتى تراهنا مائة بعير لمائة بعير فتواثقا على ذلك، فلم يتفرقوا من مجلسهم حتى أوفى موف [5] فقال: قد طلع من مكة الدهم [6] وجاءت الكتائب يتلو [7] بعضها بعضا، فقام الأسدي مسرورا وهو يرتجز: (الرجز) يا قوم قد وافى [8] عكاظ الموسم ... تسعون ألفا كلهم ملأم [9] فقال مسعود بن معتب لقيس حين عرف أن قريشا قد جاءت: دعوني أنظر لكم في القوم فإن يكن في القوم عبد الله بن جدعان فلم يتخلف عنكم
من كنانة أحد، فلم يرعه إلا بعبد الله بن جدعان على جمل معتجرا ببردة [1] حبرة [2] فرجع مسعود بن معتب إلى قيس فقال: أتتكم قريش بأجمعها وتهيأ الناس وصفوا صفوفهم، وقام حرب بن أمية يسوّي صفوف كنانة ومعه إخوته سفيان وأبو سفيان وهو عنبسة بن أمية وأبو/ العاص بن أمية يومئذ سموا العنابس وقد لبس حرب بن أمية در عين وقيد نفسه ولبس سفيان درعين وقيد نفسه ولبس أبو سفيان در عين وقيد نفسه ولبس أبو العاص در عين وقيد نفسه، وكان معهم العباس بن عبد المطلب في العنابس يومئذ قيد نفسه معهم أيضا، وقالوا: لن نبرح حتى نموت أو نظهر عليهم، وصفّت قيس صفوفها وكان الذي يسوي صفوفها أبو براء عامر بن مالك بن جعفر وأخذ الراية حرب بن أمية وأخذ راية قيس أبو براء، وخرج الحليس [3] بن يزيد أحد بني عبد مناة وهو يومئذ سيد الأحابيش فدعا إلى المبارزة، فخرج إليه أبو حرب بن عقيل بن خويلد بن عوف بن عقيل [4] بن كعب بن ربيعة فتطاعنا ساعة حتى كسر العقيلي عضد الحليس بن يزيد ثم تحاجزا ونهض الناس بعضهم إلى بعض فاقتتلوا قتالا شديدا وأبو العاص يرتجز ويقول: (الرجز) هذا أوان الضرب في الأدبار ... بكل عضب صارم مذكار [5] فكانت الدبرة [6] أول النهار لقيس على كنانة حتى انهزمت من قريش بنو زهرة وبنو عدي وقتل معمر بن حبيب ورجال من بني عامر بن لؤي فانهزمت طائفة من قريش وثبت حرب بن أمية وإخوته وسائر قبائل قريش والأحابيش، أما بنو بكر فإن بلعاء بن قيس اعتزل بهم إلى جبل عكاظ حين رأوا أن
الدولة [1] لقيس على قريش، وقال: دعوا قريشا أبعد الله فو الله نهيته لا يفلت منهم رجل فكان حكيم بن حزام/ يحدث يقول: شهدت عكاظ فبنو بكر [2] كانوا أشد علينا من قيس انكشفوا علينا وتركونا، وكان سعيد بن يربوع يقول: رأيتنا يومئذ وما أتينا أول النهار إلا من بني بكر انكشفوا عنا وتركونا، فلما كان وسط النهار ظهرت عليهم كنانة فقتلوهم قتلا ذريعا، وشركت [3] كنانة يومئذ بنو الحارث بن عبد مناة كانت تتقدم [4] الناس وكانت قريش من ورائهم ولم تكن [5] مع بلحارث [6] فقتل يومئذ تحت رايتهم مائة رجل صبروا لهم، وانهزمت قيس، وقتل من أشرافهم [7] عباس الرعلي [7] في بشر من بني سليم، وانهزمت ثقيف وبنو عامر، وقتل يومئذ من بني عامر عشرة، فلما رأى ذلك شيخ [8] من بني نصر صاح يا معشر بني كنانة! أسرفتم في القتل، فأجابه عبد الله بن جدعان: إنا معشر سرف، ولما رأى أشراف قيس ما تصنع قبائل قيس من الفرار عقل رجال منهم أنفسهم منهم سبيع بن ربيعة وغيره ثم اضطجع وقال: يا معشر بني نصر! قاتلوا عني أو ذروا، فعطف عليه بنو نصر وبنو جشم وبنو سعد بن بكر وفهم، وهربت قبائل قيس غيرهم [9] ، فقاتلوا حتى انتصف النهار، ثم إن عتبة بن ربيعة نادى [10] وإنه يومئذ لشاب ما كملت له ثلاثون سنة: يا معشر قريش! علام تقتلون أنفسكم؟ إن هذا ليس برأي،
فعجب منه يومئذ لحداثة [1] سنه [2] من ثم من ذوي الأسنان، لم يهتد ولم يدع إلى ما دعا إليه من الصلح ثم أرسل/ إلى قيس: آتيكم فأكلمكم، قالوا: نعم، ولم تكره ذلك قيس، وكانت الدبرة [3] عليها [4] آخر النهار، فمشى بينهم عتبة حتى اصطلحوا وقال لقيس: انصرفوا [5] فيعد [6] هذا الأمر إلى أحسنه وأجمله فإنكم في شهر حرام وقد عوّرتم [7] متجركم وانقطعت موادكم وخاف من قاربكم، قالت قيس: لا ننصرف أبدا ونحن موتورون ولو متنا من آخرنا، قال عتبة: فالقوم قد وتروا وقد قتلوا نحوا مما قتلتم وجرحوا كلما [8] جرحتم، قالت قيس: قتلانا أكثر من قتلاهم، قال عتبة: فإني أدعوكم إلى خطة هي لكم صلاح ونصفة، عدّوا [9] القتلى [10] فإن كان لكم الفضل ودينا [11] فضلكم، وإن كان لهم وديتم [12] فضلهم، قال أبو براء: لا يرد هذه الخطة أحد إلا أخذ شرا منها، نحن نفعل، وأجابوا فاستوثق من رؤساء قيس من أبي براء وسبيع بن ربيعة، ثم انطق إلى حرب بن أمية وابن جدعان وهشام بن المغيرة فاستوثق منهم، وتحاجز الناس وأمنوا وعدوا القتلى فوجدوا لقيس فضل
باقي الفجار الرابع عن أبي عبيدة
عشرين رجلا فودتهم [1] فرهن يومئذ حرب بن أمية ابنه أبا سفيان بن حرب ورهن الحارث بن علقمة بن كلدة ابنه النضر بن الحارث ورهن سفيان ابن عويف ابنه الحارث في ديات القوم عشرين دية حتى يؤدوها [2] وانصرف الناس كل وجه [وهم-] [3] يقولون: حجز [4] بين الناس عتبة بن [5] ربيعة فلم يزل يذكر بها آخر الأبد، مع أنه كان ذا حلم واتداع [6] في العشيرة، ووضعت الحرب أوزارها فيما بينهم وتعاهدوا وتعاقدوا أن لا يؤذي بعضهم بعضا فيما كان بينهم من أمر البراض وعروة والغطفاني والغنوي، وانصرفت قريش فترافدوا [7] في الديات فبعثوا بها إلى قيس وافتكّوا أصحابهم، وقدم أبو براء معتمرا بعد ذلك فلقيه ابن جدعان فقال: أبا براء! ما كان أثقل على موقفك يومئذ؟ فقال أبو براء: ما زلت أرى أن الأمر لا يلتحم حتى رأيتك، فلما رأيتك علمت أن الأمر سيلتحم وقد آل ذلك إلى خير وصلح. قال فحدثني الضحاك بن عثمان بن عبد الله بن عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه بالفجار وقد حضر، قال: فذكر رسول الله صلى الله عليه الفجار وقال: قد حضرته مع عمومتي ورميت فيه بأسهم وما أحب أني لم أكن فعلت، وكان يوم حضر صلى الله عليه ابن عشرين سنة وكان الفجار بعد الفيل بعشرين سنة باقي الفجار الرابع عن أبي عبيدة [8] قال: وأما أبو عبيدة فذكر أن فجار البراض بين كنانة وقيس كان أربعة
ثم يوم العبلاء
أيام في كل سنة يوما فكان أوله يوم شمطة [1] من عكاظ وعلى الفريقين الرؤساء الذين ذكرناهم [2] غير أبي براء، فكانت هوازن من وراء المسيل وقريش من دون المسيل وبنو كنانة في بطن الوادي وقال لهم حرب بن أمية: إن أبيحت قريش فلا تبرحوا مكانكم، وتعبّت [3] هوازن وأخذوا مصافهم، وتعبّت [3] قريش وكان على إحدى المجنبتين ابن جدعان وعلى الأخرى كريز [4] بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وحرب بن أمية في القلب، فكانت الدبرة أول النهار لكنانة على هوزان حتى إذا كان آخر النهار وصبرت فاستحر القتل في قريش، فلما رأى ذلك الذين في الوادي من كنانة مالوا إلى قريش وتركوا مكانهم، فلما فعلوا ذلك استحر القتل بهم وصبروا، فقتل تحت رايتهم ثمانون [5] رجلا، وقال آخرون: لما رأت ذلك بنو بكر بن عبد مناة قال بلعاء بن قيس: استبقاء لقومه [الحقوا برخم-] [6] فاعتزل [7] بهم إلى جبل يقال له رخم، وقال: دعوهم فوددت أنه لم يفلت منه أحد، فكان يوم شمطة لهوازن على كنانة ولم يقتل من قريش أحد يذكر، وزالت قريش آخر النهار بانزيال بني بكر ثم يوم العبلاء [8] قال أبو عبيدة: تجمّع [9] هؤلاء وأولئك فالتقوا على قرن الحول في اليوم
ثم يوم شرب
الأول من يوم عكاظ والتقوا بالعبلاء وهو أعبل [1] إلى جنب عكاظ، ورؤساؤهم الذين كانوا عليهم يوم شمطة بأعيانهم، فكانت الدبرة فيه أيضا لهوازن على كنانة ثم يوم شرب [2] قال: ثم تجمع [3] الفريقان على قرن الحول في اليوم الثاني من يومي عكاظ فالتقوا بشرب من عكاظ وعليهم رؤساؤهم الذين كانوا قبل ولم يكن يوم أعظم منه، فحمل يومئذ ابن جدعان ألفا على ألف بعير فالتقوا، وقد كان لهوازن على كنانة يومان على قرن الحول بالحريرة [4] وهي حرة إلى جنب عكاظ مما يلي مهب جنوبها ثم تقبل تريد مكة من مهب صباها حتى تنقطع دوين قرن، وكان رؤساؤهم الذين كانوا إلا بلعاء فإنه مات وكان بعده الرئيس عليهم جثامة [5] بن قيس وقتل يومئذ سفيان [6] بن أمية ومن/ كنانة ثمانية رهط قتلهم عمر بن أسيد بن مالك بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وقتل ورقاء بن الحارث بن مالك بن ربيعة عمر بن عامر أبا كنف وابني إياس وعمرو بن [7] أيوب وقد ذكرهم خداش بن زهير في شعره. فهذه أيام الفجار الخمسة التي تزاحفوا فيها في أربع سنين أولهن يوم نخلة حين تبعتهم هوازن، فكان كفافا لا على هؤلاء ولا على هؤلاء، ثم يوم شمطة فكان لهوازن على كنانة، ثم يوم عكاظ الأول وهو يوم العبلاء كان لهوازن على كنانة، ثم يوم عكاظ الثاني وهو يوم شرب كان لبني كنانة على
هوازن ولم يكن بينهم يوم أعظم منه، ثم يوم الحريرة وهو آخر يوم [1] من أيامهم [2] ، قال: ثم كان الرجل [منهم-] [3] يلقى الرجل والرجلين أو أكثر من ذلك أو أقل فيقتتلون [4] فربما قتل بعضهم بعضا فلقي ابن محمية أخو بني الديل بن بكر أبا خراش [5] زهير [6] بالصفاح [7] ، فقال زهير: إني حرام جئت معتمرا، فقال: لا تلقى الدهر إلا قلت: معتمر، وقتله ثم ندم وقال: (الرجز) لاهم إن العامري المعتمر ... لم آت فيه عذرة المعتذر ثم إن الناس تداعوا إلى السلم على أن يدي الفضل من القتلى الذين فيهم أي الفريقين الفضل [8] على الآخر فتواعدوا عكاظ ليعددوا [9] القتلى وتعاقدوا وتواثقوا أن يتموا على ذلك وجعلوا بينهم أمانا يلتقون فيه لذلك، فأبى ذلك وهب بن معتب وخالف قومه [10] وجعل لا يرضى بذلك حتى يدركوا بآثارهم، فقال في ذلك أمية بن حرثان [11] بن سكر: (الكامل)
المرء وهب وهب آل معتب ... ملّ الغواة وأنت لما تملل تسعى توقّدها وتجزل وقدها [1] ... وإذا [2] تعاطى الصلح قومك [2] تأتلي [3] واندّس [4] وهب حتى مكرت هوازن بكنانة وهم على وشك [5] من الصلح، فبعثت خيلا عليها سلمة بن سعلاء [6] البكائي [7] وخالد بن هوذة، وفيهم ناس من بني هلال رئيسهم ربيعة بن أبي ظبيان وناس من بني نصر عليهم مالك بن عوف فأغاروا على بني ليث [8] بصحراء الغميم [8] وهم غارّون فقاتلوهم وجعل مالك يقاتل ويرتجز وهو يومئذ أمرد: (الرجز) . امرد يهدي حلمه شيب اللحى وهذا أول يوم ذكر فيه مالك بن عوف، فقتلت بنو مدلج يومئذ عبيد بن عوف البكائي وسبيع بن المؤمل من [9] جسر [بن-[10]] محارب، ثم انهزمت بنو ليث فاستحر القتل ببني الملوح بن يعمر، فقتلوا منهم ثلاثين رجلا وسبوا نساء وساقوا نعما، ثم أقبلوا فعرضت لهم خزاعة وطمعوا فيهم فقاتلوهم
فلما رأوا أنهم لا بد لهم بهم قالوا: عوضونا من غنيمتكم عراضة [1] ، فأبوا فخلوا سربهم، فقال مالك بن عوف: (الطويل) نحن جلبنا [2] الخيل من بطن ليّة [3] ... وجلذان [4] قبا [5] حافيات ووقحا [6] تواعد [7] ضيطارو [8] خزاعة [9] حربنا [10] ... وما حرب [11] ضيطار [12] يقلب مسطحا [13] ثم إن الناس تداعوا إلى الصلح ورهنوا رهنا بالوفاء بديات من كان له الفضل في القتلى وتم الصلح ووضعت الحرب أوزارها هذا آخر الفجار الرابع عن أبي عبيدة.
ذكر حلف الفضول عن حبيب عن أبي البختري
ذكر حلف الفضول [1] عن حبيب [2] عن أبي [3] البختري قال: حدثني الضحاك [4] بن عثمان [5] بن عبد الله بن عروة بن الزبير قال: سمعت حكيم [6] بن حزام يقول: كان حلف الفضول منصرف قريش من الفجار ورسول الله صلى الله عليه يومئذ ابن عشرين سنة وبينه وبين الفيل عشرون سنه، قالوا: وكان الفجار في شوال وكان الحلف في ذي القعدة وكان هذا الحلف أشرف حلف [7] جرى، وكان أول من تكلم فيه ودعا إليه الزبير ابن عبد المطلب بن هاشم وذلك أن الرجل من العرب أو غيرها من العجم ممن كان يقدم بالتجارة ربما ظلم [8] بمكة، وكان الذي جر ذلك أن رجلا من بني زبيد قدم بسلعة فباعها من العاص بن وائل السهمي فظلمه ثمنها، فناشده الزبيدي في حقه قبله [فلم يعطه-] [9] فأتى الزبيدي الأحلاف: عبد الدار ومخزوما [10] وجمح وسهما [11] وعديا [12] ، فأبوا أن يعينوه وزبروه وزجروه، فلما رأى الزبيدي الشر وافى على أبي قبيس [13] قبل طلوع الشمس وقريش في
حلفت لنعقدن [7] حلفا عليهم ... وإن كنا جميعا أهل دار
أنديتهم حول الكعبة وصاح: (البسيط) يا للرجال لمظلوم بضاعته [1] ... ببطن مكة نأى الحي والنفر إن الحرام لمن تمت [2] حرامته ... ولا حرام لثوبي لا بس الغدر [3] قال: فمشى في ذلك الزبير بن عبد المطلب وقال: ما لهذا منزل، فاجتمعت بنو هاشم وزهرة وتيم في دار عبد الله بن جدعان فصنع [4] لهم طعاما فحالفوا في ذي القعدة/ في شهر حرام قياما يتماسحون [5] صعدا وتعاقدوا وتعاهدوا بالله [6] قائلين لنكونن [6] مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه ما بل بحر صوفة، وفي التأسي في المعاش فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول، وقال الزبير بن عبد المطلب فيه شعرا: (الوافر) حلفت لنعقدن [7] حلفا عليهم ... وإن كنا جميعا أهل دار نسميه الفضول إذا عقدنا ... يعز به الغريب لدى [8] الجوار [9] إذا رام العدو له حرابا ... أقمنا بالسيوف ذوي الازورار [10] ويعلم من حوالي البيت أنا ... أباة الضيم نهجر كل عار قال: فحدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن
عوف عن عبد الرحمن بن أزهر عن جبير بن مطعم قال قال رسول الله صلى الله عليه: «ما أحب أن لي بحلف حضرته في دار ابن جدعان حمر النعم وأن أغدر به، هاشم وزهرة وتيم تحالفوا أن يكونوا مع المظلوم ما بل بحر صوفة، ولو دعيت به [1] لأجبت وهو حلف الفضول» ، قال أبو البختري وحدثني معمر عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم قال قال عبد الملك بن مروان لمحمد بن جبير: ما تقول في هذا الحلف- يعني حلف الفضول؟ وعبد الملك يضحك، فقلت: لست منه يا أمير المؤمنين، فقال عبد الملك: أما أنا وأنت فلسنا فيه، فقلت: صدق قول أمير المؤمنين وقلت: فإن ابن الزبير يدعيه، قال: هو والله مبطل، قال أبو البختري: فحدثني الضحاك بن عثمان عن يحيى بن عروة عن أبيه عن حكيم بن حزام/ قال: كان قصي قد جعل الندوة واللواء والرفادة إلى ابنه عبد الدار لأن عبد الدار كان مضعوفا [2] من بين إخوته، وكان إخوته قد شرفوا وقاموا بأنفسهم، فخصه بهذه الخصال ليلحق بهم لا أنه كان أفضلهم عنده ولا أشرفهم، فكان من منجبي [3] الحمقى فكنّ في يده، فلما حضر [4] لعبد الدار جعلهن إلى عمر بن عبد الدار، فقال أمية بن عبد شمس لعمر بن عبد الدار: طب نفسا عن واحدة من هذه الثلاث، فأبى فقال أمية: إذا لأذرعك [5] ، فاستصرخ عمر بن عبد الدار قريشا فقالت بنو مخزوم وجمح وسهم وعدي [6] : نحن نمنع لك هذه الخصال ونحالفك [7] عليها، قال: نعم، فتحالفوا ومنعوها له، قال حكيم: وأقمنا بني أسد وعبد مناف وزهرة وتيم والحارث بن فهر ولم يكن بيننا حلف حتى رجعت
أمر المطيبين والأحلاف رواية ابن الكلبي
قريش من الفجار، فاجتمعت بنو هاشم وتيم وزهرة وأسد [1] والحارث بن فهر على أن يتحالفوا ويمنعوا بمكة كل مظلوم ويسموا ذلك الحلف حلف الفضول، وجمعهم ابن جدعان في داره وصنع لهم طعاما، فتحالفوا بالله قائلين [2] : لا ننقض [3] هذا الحلف ما بلّ بحر صوفة وأن لا ندع بمكة مظلوما، قال حكيم: ونظرت إلى رسول الله صلى الله عليه قد حضر ذلك الحلف يومئذ في دار ابن جدعان، وكان الذي كتبه بينهم الزبير بن عبد المطلب، قال حكيم: فلم يكن في قريش حلف إلا الحلف الأول: بنو/ مخزوم وجمح وسهم وعدي وبنو عبد الدار، وهذا الحلف، قالوا: وكانت شيوخ من قريش من بني هاشم وزهرة وتيم يقولون: لم يكن بيننا حلف قط حتى كان هذا الحلف حلف الفضول، وكانت الأحلاف قبل قد تحالفت، ولهذا [4] الحديث رواية ثالثة، وهي عن أبي البختري عن الضحاك بن عثمان عن يحيى بن عروة [5] وابتداء هذا الإسناد [5] : حدثني الضحاك بن عثمان أمر المطيبين والأحلاف [6] رواية ابن الكلبي قالوا: وكان قصي شريف أهل مكة وكان لا ينازع فيها، فأبتنى [7] دار ندوة، ففيها كان يكون أمر قريش وما أرادوا من نكاح أو حرب أو مشورة فيما ينوبهم حتى إن كانت الجارية [8] لتبلغ [9] أن تدرّع فما يشق درعها إلا فيها تيمنا وتشريفا لشأنها، فلما كبر قصي ورقّ جعل الحجابة والندوة والرفادة
والسقاية واللواء لعبد الدار وكان بكره [1] وكان ضعيفا [2] فخصه بذلك ليلحقه بسائر إخوته، وكانت الرفادة خرجا تخرجه قريش لضيافة الحاج، فلما هلك قصي قام عبد مناف على أمر قصي وأمر قريش إليه فأقام أمره بعده واختطّ بمكة رباعا بعد الذي كان قطع لقومه، فهلك عبد مناف فكان ما سمينا لبني عبد الدار، ثم إن بني عبد مناف أرادوا أخذ ذلك منهم وقالوا: نحن أحق به، فأبى بنو عبد الدار فتفرقت قريش في ذلك، وكان مع بني عبد مناف زهرة وتيم بن مرة وبنو أسد بن عبد العزى والحارث بن فهر، وكان مع بني عبد الدار سهم وجمح ومخزوم وعدي، وخرجت عامر بن لؤي عن أمر الفريقين جميعا، فبنو عبد مناف وحلفاؤهم المطيبون وعبد الدار وحلفاؤهم الأحلاف، فأخرجت عاتكة بنت عبد المطلب جفنة فيها طيب فغمسوا أيديهم فيها ونحر الآخرون جزرا [3] فغمسوا أيديهم في دمها فسموا الأحلاف، ولعق رجل من بني عدي يقال له الأسود بن حارثة لعقة من دم ولعقوا منه فسموا لعقة الدم، فلما كادوا يقتتلون وعبيت [4] كل قبيلة لقبيلة فعبيت [5] بنو عبد مناف لسهم وعبد الدار لأسد ومخزوم لتيم وجمح لزهرة وعدي للحارث بن فهر، ثم إنهم مشوا في الصلح [6] فاصطلحوا على أن يعطوا بني عبد مناف السقاية وبني أسد الرفادة وتركت الحجابة والندوة واللواء لبني عبد الدار وليها يومئذ منهم أبو طلحة بن عبد العزى بن عثمان [7] بن عبد الدار وصارت دار الندوة [8] لعامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، فاشتراها معاوية من [9]
حديث موت الوليد بن المغيرة ووصيته
عكرمة بن عامر بن هاشم بمائة ألف درهم، فهي للإمارة اليوم، قال أبو جعفر [1] : مما فضل الله به العباس بن عبد المطلب مع فضائله أنه لم يكن يحل لأحد أن يبيت بمكة ليالي مني في الحج إلا [2] العباس، أطلق ذلك له دون الناس من أجل السقاية حديث موت الوليد بن المغيرة ووصيته هشام [3] قال حدثنا زياد بن عبد الله بن الطفيل البكائي [4] عن محمد بن إسحاق وإسحاق بن عمّار وهو ابن الجصاص الراوية قال: وزعم آخرون أن الوليد بن المغيرة مر ذات يوم يجر برديه بين أبواب بني قمير بن حبشية [5] ابن سلول [6] بن كعب بن عمرو بن خزاعة، فرماه رجل منهم بسهم فأصاب عضلة ساقه، وهي التي أشار إليها جبريل [7] فزعموا أنها عظمت حتى صارت مثل القربة العظيمة وامتلأت قيحا ودما، فبينا هو ذات ليلة نائم [8] وعنده ابنته إذا انفجرت رجله، فقالت ابنته: أي أبتاه! قد انشقت القربة، فقال: يا بني! ليست بالقربة ولكنها رجل أبيك. قال: فحدثني زياد البكائي [9] عن محمد بن إسحاق بإسناده قال: فلما حضرت الوليد الوفاة دعا بنيه وكانوا ثلاثة وهم هشام وخالد والمغيرة [10] بنو
الوليد، قال: وحدثني أبي قال: فدعا ولده هشاما وخالدا والوليد والفاكه [1] وأبا قيس وقيسا [1] وعبد شمس وعمارة فقال لهم: يا بني! إني أوصيكم بثلاث فلا تضيعوهن: دمي في خزاعة فلا تطلنه [2] والله! إني لأعلم أنهم منه براء ولكن أخشى [3] أن تسبوا [4] به بعد اليوم، ورباي [5] في ثقيف فلا تدعوه حتى تأخذوه، وعقري [6] عند أبي أزيهر [7] الدوسي فلا يفوتنكم به وكان أبو أزيهر قد زوجه ابنة له ثم أمسكها عنه فلم يدخلها عليه حتى مات. رجع حديث [ابن-] [8] الكلبي قال فقال لهم: دمي في خزاعة فلا يطل، ورباي [9] في ثقيف فلا تدعوا حتى تأخذوه، ونهبي ودم أخي الفاكه بن المغيرة في بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة فلا يفوتنكم، وللمقوقس [10] أسقف [11] دمشق عليّ ألف دينار قد علمها خالد، وعقري عند أبي أزيهر فإنه زوجني ابنته وأخذ مني مهرها ثم أمسكها واستخف بحقي وبشر في فلا يفوتنكم به، فهذه وصيتي فأنفذوها، فقال له بنوه: والله! ما نعلم أحدا من العرب أوصى بنيه بشر مما أوصيت به، فبعث خالد بن الوليد إلى المقوقس بألف دينار، قال البكائي في حديثه: فلما هلك الوليد بن المغيرة وثبت بنو مخزوم على خزاعة يلتمسون عقله فقالوا: إنما قتله سهم صاحبه، وكان لبني كعب بن عمرو
حلف [1] من عبد المطلب بن [2] هاشم، فأبت عليهم [3] خزاعة حتى تقاولوا أشعارا وغلظ الأمر بينهم، وكان الذي أصاب الوليد [سهمه [4] رجلا من كعب بن عمرو من خزاعة، قال ابن الكلبي: ووثبت بنو مخزوم مع بني الوليد إلى خزاعة يلتمسون دية الوليد وقالوا: إنما قتله صاحبكم، فأبت خزاعة عليهم ذلك وأنكروا أن يكون صاحبهم مات من تلك الجراحة حتى تقاولوا أشعارا وغلظ الأمر بينهم، قال فحدثني إسحاق بن عمّار [5] قال: قال هشام بن الوليد في ذلك: (الوافر) أذاهبة بنو كعب بن عمرو ... ولما يقتلوا بدم الوليد فإلا تعقلوه تعرفونا ... لدى الأطناب [6] مزدجر الأسود فلما وقع الشر بينهم أقر به بعض خزاعة فقال الجون [7] الخزاعي ويقال بل قالها نبهان بن [8] هلال بن عبد مناف بن ضاطر بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة وربيعة هو لحى وعمرو هو جميع خزاعة: (الطويل) نحن عقرنا بالصعيد وليدكم ... وما مثلها من رهطه ببعيد كبا هو [9] للخدين والأنف صاغرا ... وأهون علينا هالكا بوليد فإن أنت يا مخزوم حاولت أرشنا ... فلم تجر طير بينكم بسعود أبينا التي يرجون منا وعندنا ... جلاد لدى الأطناب حق عتيد
إذا ما دعوا غبشان [1] يوم كريهة ... وحفوا نواحي غابهم [2] بأسود غلبنا وأوردنا السمام عدونا ... بضرب يرد [3] الوغد [4] غير حميد فقال عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي: (الطويل) ألم تر أن العبد يشتم ربه ... فيترك حينا ثم يهشم حاجبه فإني زعيم أن تسيروا وتهربوا ... وأن تتركوا الظهران [5] تعوي ثعالبه وأن تتركوا ماء بجزعة [6] أطرقا [7] ... وأن تسألوا [8] أي الأراك [9] أطايبه وإنا أناس ما تطل دماؤنا ... ولا يتعالى صاعدا من نحاربه [10] فأجابه الجون بن أبي الجون: (الطويل) والله لا يؤتى الوليد ظلامة ... ولما تروا يوما تزول كواكبه ويصرع منكم مسمن بعد مسمن ... وتفتح بعد الموت قسرا [11] مشاربه
إذا ما أكلتم خبزكم وسخينكم [1] ... فكلكم باكي الوليد ونادبه رماه ابن ضراب فلم يخط سهمه ... غذيذة [2] رمى إن تره فوق حالبه فخر صريعا مجلعبا [3] لوجهه ... وقمن عليه يصطرخن أقاربه وقال الجون بن أبي الجون يذكر حلفه [4] من بني عبد المطلب ويصيب من بني مخزوم: (الطويل) من يجعل القرد [5] الوحيد [6] إذا انتمى ... إلى العز مهنأ الفنيق المخاطر [7] لهم أوجه [8] سود قباح كأنها ... وجوه تيوس [9] لبلبت [10] في الحظائر [11] وقال الحارث بن هشام بن المغيرة في ذلك للأحابيش [12] حلفاء قريش يحرضهم، والأحابيش الحارث بن عبد مناة بن كنانة وعضل [13] والقارة والحيا والمصطلق من خزاعة: (الوافر) ألا من مبلغ الليلين [14] عني ... مواليها ودورهم [15] المجالي
تعرض دوننا ظلما قمير ... إلينا والخصوم إلى انفصال وتطمع بالصلاح بنو قمير ... ولم تفزع بجيش أو جلال ويجري بيننا كردوس [1] خيل [2] ... بحمل [3] البيض والأسل [4] النهال [5] ويصرع [6] بيننا قتلى كرام ... تقصد [7] فيهم حطم العوالي قال البكائي: ثم إن الناس ترادوا وعرفوا إنما يخشى القوم السبة فأعطتهم خزاعة بعض العقل وانصرفوا عن بعض، وقال عبد الله بن الزبعرى [8] لبسر [9] بن سفيان القميري [10] : (الطويل) ألا أبلغا بسر بن سفيان آية ... يبلغها [11] عني الخبير المفرّد وهي قصيدة في شعره، فلما سمع بسر بن سفيان قول ابن الزبعرى أخذ بيد ابنه وقريش جلوس في الحجر [12] فقال: يا معشر قريش! أنتم أعز الناس علينا حربا وأحب الناس إلينا سلما وقد اتهمتمونا من قتل الوليد بما اتهمتمونا به وإنا لم نفده [13] ولم نطله، وهذا ابني لكم رهن بالدية، فأخذه خالد بن الوليد وقال: قد قبلنا، فانطلق بالغلام إلى منزله فأطعمه وكساه حلة وطيبة ثم قال: انطلق إلى أبيك فإن كان لنا عليه حق فسيريحه [14] علينا، فلما
أتى [1] الغلام أباه ذكر له ما قال، فقال: افعل، والله لأريحن عليه حقه، وكانت الدية تؤدى مقطعة في سنين، فأداها عاما، ثم حج رسول الله صلى الله عليه حجة الوداع وقد بقي من الدية شيء، فوضعه صلى الله عليه فيما وضع من دماء الجاهلية، فلم يؤد شيئا بعد ذلك، فلما اصطلح القوم قال الجون بن أبي الجون أو عمرو بن عبد مناة بن حبتر [2] الخزاعي: (الطويل) ألا قالت الحسناء يوم لقيتها ... مقالة نصح لامرء [3] غير جاهل تقول [4] لنا لما اصطلحنا تعجبا ... لما قد حملنا للوليد وقائل [5] وقالت [6] أتؤتون الوليد ظلامة ... ولما تروا يوما كثير البلابل فنحن خلطنا الحرب بالسلم فاستوت ... فأمّ هواه كل حاف وناعل [7] تمنى عليّ أمس حين تجردت ... سراتهم يغلون غلي المراجل بنو عبد مناة وكنانة يدعون بني علي لأن علي بن مسعود الغساني حضنهم فنسبوا إليه: (الطويل) ولو قدموا ما أصدروا لتكشفت ... قبائلهم عن كل أروع باسل طويل الذراع أكثر الله خيره ... فشب شبابا في بيان ونائل [8] فماذا أردنا بيننا من جلاله ... ومن نسب من بعد ذلك فاعل ثم لم ينته الجون حتى افتخر بقتل الوليد وذكر أنهم أصابوه، وذلك باطل كله، فلحق بالوليد وبولده وبقومه من ذلك ما حذروا منه، فقال الجون: (الوافر)
ألا زعم المغيرة [1] أن كعبا [2] ... بمكة فيهم قدر كثير فلا تعجب مغير بأن ترانا ... بها يمشي المعلهج [3] والجهير [4] بها آباؤنا وبها ولدنا ... كما أرسي بمنبته [5] ثبير [6] وما قال المغيرة ذاك إلا ... ليعلم شأننا أو يستثير [7] فإن دم الوليد أطل إنا ... نطل دماء [8] أنت بها خبير رماه [9] الفاتك الميمون سهما ... ذعافا [10] وهو ممتلئ بهير [11] فخر [12] يبطن مكة مسلحبّا [13] ... يشبّه [14] عند وجبته [15] بعير سيكفيني مطال أبي هشام [16] ... جلاد [17] جعدة الأوبار خور [18]
حديث قتل أبي أزيهر الدوسي
تنافرنا وأنت لعبد شجع [1] ... لئيم البيت محتده [2] قصير حديث قتل أبي أزيهر الدوسي حدثنا أبو سعيد [3] عن ابن حبيب عن هشام عن أبيه قال: كان من حديث أبي أزيهر بن أنيس [4] بن الخيسق [5] بن/ مالك بن سعد بن كعب بن الحارث بن عبد الله بن عامر وهو الغطريف بن بكر بن يشكر بن مبشر ابن صعب بن دهمان بن نصر بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب ابن مالك بن نصر بن الأزد أنه كان حليفا لأبي سفيان بن حرب وكانت دوس أخواله، وكان لا يعرف إلا بالدوسي، فكان يقعد [6] هو وأبو سفيان في أيامهما [7] في قبة لهما فيصلحان بين من حضر ذلك المكان الذي هما به، وكان أبو أزيهر قد زوج ابنته عاتكة أبا سفيان، فولدت له محمدا وعنبسة، وزوج زينب بنت أبي أزيهر عتبة بن ربيعة فولدت له ربيعة ونعمان، ثم خلف عليها أبو حبيب بن مهشّم [8] بن المغيرة فولدت له، وزوج ابنة له أخرى الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم [9] ثم أمسكها [9] عنه، فلم يدخلها عليه حتى مات، [10] قال: وكان بلغ [10] أبا أزيهر بعد ما زوجه وأخذ المهر منه أنه
غليظ على النساء يضربهن، فحبس أبو أزيهر ابنته [1] عنه وأمسك المهر [قال-] [2] ابن حبيب: وذكر إبراهيم بن عبد الرحمن بن نعيم الأزدري عن أشياخ الأزد أنها كانت هديت إليه، فلما هديت إليه قال: أنا أشرف أم أبوك؟ قالت: لا بل أبي لأن أبي سيد أهل السراة [3] وأن العرب يصدرون عن رأيه وإنما أنت سيد بني أبيك وفيهم من ينازعك الشرف، فرفع يده فلطمها، فهربت إلى أبيها، فحلف أن لا يراها وأمسك المهر، قال ابن الكلبي: فلما نزل الناس سوق ذي المجاز وهو سوق من أسواق العرب فنزل أبو أزيهر [4] على أبي سفيان [4] بن حرب/ فأتى بنو الوليد فقتلوه، وكان الذي قتله هشام بن الوليد، وكانت عند أبي سفيان بنت [أبي-] [5] أزيهر، وكان أبو أزيهر شريفا في قومه فقتله بعقر [6] الوليد الذي كان عنده لوصية أبيه إياه، وذلك بعد ما هاجر رسول الله صلى الله عليه وانقضى أمر بدر وأصيب [به-[7] من أصيب من أشراف قريش من المشركين ... ابن الكلبي [8] قال: وإن رسول الله صلى الله عليه دعا حسان بن ثابت فقال له: يا حسان! إنه قد حدث بين المطيبين وأحلافهم شر فقتل فقل في مقتل أبي أزيهر شعرا تحرض به المطيبين على الأحلاف، والمطيّبون خمسة [أبطن] [7] : بنو عبد مناف قاطبة وهم [بنو] [7] هاشم وعبد شمس والمطلب ونوفل بنو عبد مناف وبنو أسد بن عبد العزى وبنو زهرة بن كلاب وبنو تيم بن مرة وبنو الحارث بن فهر، والأحلاف خمسة [أبطن-] [7] وهم لعقة الدم: بنو عبد الدار بن قصي وبنو مخزوم بن يقظة، وبنو جمح بن عمرو وبنو سهم بن عمرو بن هصيص وبنو
عدي بن كعب، واعتزلت بنو عامر بن لؤي ومحارب [بن فهر-] [1] وبنو الأدرم بن غالب الفريقين فكانت بنو عبد الدار تبعا [2] لبني أسد ومخزوم لتيم، وجمح لزهرة وعدي لبني الحارث بن فهر وسهم لبني عبد مناف، قال، وانبعث حسان يحرض في دم أبي أزيهر ويعير أبا سفيان خفرته ويجبنه فقال: (الطويل) غدا [3] أهل حضني [4] ذي المجاز [5] ... بسحرة [6] وجار [7] ابن حرب بالمغمس [8] ما يغدو [9] كساك هشام بن الوليد ثيابه [10] فأبل ... وأخلق [11] مثلها جددا [12] بعد
قضى وطرا منه [1] فأصبح ماجدا [2] ... وأصبحت رخوا [3] ما تخب [4] وما تعدو [5] فلو أن أشياخا [6] ببدر شهوده [7] ... لبلّ نحور القوم [8] معتبط [9] ورد وما منع [10] العير الضروط [11] ذماره [12] ... وما منعت مخزاة والدها [13] هند فلما بلغ قوله يزيد بن أبي سفيان خرج فجمع بني عبد مناف وصاح في المطيبين فاجتمعوا وأبو سفيان بذي المجاز قال: أيها الناس! أخفر أبو سفيان في جاره وصهره فهو ثائر [14] ، فتهيأ يزيد واجتمع [15] بهم وبرز بهم، فلما رأت ذلك الأحلاف اجتمعوا فخيموا قريبا [16] ، فلما رأى ذلك أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب خرج على فرس له حتى أتى أبا سفيان بن حرب فأخبره
الخبر [1] وكان أبو سفيان حليما منكرا [2] يحب قومه حبا شديدا، وخشي أن يكون في قريش حرب في أبي أزيهر فدعا بفرسه فطرح عليها لبدا ثم قعد عليه وأخذ الرمح ثم أقبل إلى مكة وبهما الجمعان وجعل أبو سفيان بن الحارث يقول في الطريق لأبي سفيان بن حرب: فداك أبي وأمي! احجز بين الناس، فجعل لا يجيبه إلى شيء حتى قدم عليهم، فوقف بين الجمعين وقد تهيئوا للقتال، فنظر فإذا اللواء مع ابنه يزيد وهو في الحديد مع قومه المطيبين، فنزع اللواء من يده وضرب به بيضته ضربة هدّه منها، ثم قال: قبحك الله! أتريد أن تضرب قريشا بعضها ببعض في رجل من الأزد [3] سنؤتيهم العقل إن قبلوه، ثم نادى بأعلى صوته: أيها الناس/ إن خلفنا عدونا شامت- يعني النبي صلى الله عليه- ومتى نفرغ مما بيننا وبينه ننظر فيما بيننا وبينكم، فلينصرف [4] كل إنسان منكم إلى منزله، فتفرقوا وأصلح ذلك الأمر، وبلغ أبا سفيان قول حسان فقال: يريد حسان أن يضرب بعضنا ببعض في رجل من دوس فبئس [5] والله ما ظن. قال: ولما أسلم أهل الطائف كلم رسول الله صلى الله عليه خالد [6] في ربا الوليد الذي كان في ثقيف لما كان أبوه أوصاه به، ولم يكن في أبي أزيهر ثأر نعلمه حجز الإسلام بين الناس إلا أن ضرار بن الخطاب بن مرداس الفهري [7] خرج في نفر من قريش إلى أرض دوس [8] ، فنزل على امرأة يقال لها أم غيلان مولاة لدوس وكانت تمشط النساء وتجهز العرائس [9] فأرادت
دوس قتلهم بأبي أزيهر، فقامت دونهم أم غيلان ونسوة عندها حتى منعتهم. قال البكائي: وأرسل أبو سفيان إلى مأتى ناقة فعقل بها أبا أزيهر، ثم بعث بها مع رهط من قريش فيهم ضرار بن الخطاب إلى قوم أبي أزيهر بالسراة [1] فأتوا بالدية رهط أبي أزيهر فقبلوا الدية منهم، ثم أمهلوا حتى إذا أرادوا الانصراف شدت عليهم الغطاريف، وهم أهل الحارث بن عبد الله بن عامر الغطريف والنمر ودوس، فقتلوا بعضهم ونجا بعضهم، فهرب ضرار بن الخطاب واستجار بامرأة من دوس يقال لها أم غيلان فأدخلته منزلها وأجارته، وأقبلت الأزد فلما رأتهم أخرجت بناتها حسّرا دونه، فلما جاءت دوس تطلبه قالت: إني قد أجرته وحرماتكم حسر دونه، فإن شئتم [2] فاهتكوا الستر [3] واستحلوا حرمته، فتركوه لها فانصرف وهو يقول: (الطويل) جزى الله عنا أم غيلان صالحا ... ونسوتها إذ هنّ [4] شعث عواطل فهن دفعن الموت بعد اقترابه [5] ... وقد برزت للثائرين [6] المقاتل دعت دعوة دوسا فسالت شعابها ... برجل وأردفها [7] الشروج [8] القوابل وعمرا [9] جزاه الله خيرا فما ونى [10] ... وما بردت [11] منه لديّ المفاصل فجردت سيفي ثم قمت بنصله ... وعن أي نفس بعد نفسي أقاتل
وذكروا أن حسان بن ثابت قال: (الكامل) يا دوس إن أبا أزيهر أصبحت ... أصداؤه [1] رهن المضيح فاقدحي [2] حربا يشيب لها الوليد فإنما ... يأتي الدنية كل عبد نحنح [3] وابكي [4] أخاك بكل أسمر ذابل ... وبكل أبيض كالعقيقة [5] مصفح [6] وطمرة [7] مرطى [8] الجراء كأنها ... سيد [9] بمقفرة وسهب [10] أفيح [11] إن تقتلوا مائة به فدنية ... بأبي أزيهر من رجال الأبطح [12] فلم ترض الأزد بذلك حتى غاورت [13] قريشا، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وجعلوا يضعون الرصد في العير [14] فيقتلون من قدروا [15] عليه حتى رضوا منهم، فخرج [16] لهم في كل قتب فدخل أو فخرج دينار فرضيت [17] بذلك الأزد [18] فقال الدوسي (الطويل)
/ ألا أبلغا حسان أعني [1] ابن ثابت ... بأنا ثأرنا من قتيل المضيّح [2] ثلاثين من أبناء فهر بن مالك ... وعشرين إلا واحدا لم يتيح تركنا سراة الحي تيما وعامرا ... وسهما ومخزوما كشاء مذبح ولا بد من أخرى على أبطحيّهم ... تقربها عين الشجي المدبح [3] فدونكها يا ابن الفريعة [4] شزّبا [5] ... شماطيط [6] أمثال القطا [7] المتروح [8] تنسّى هشام بن الوليد ورهطه ... سخينة بيع الأتحمي [9] المسيح [10] السخينة هم قريش كانوا يعيرون بها [11] لأكل الخزير، وقال سراقة الأكبر بن مرداس فيما جعلت قريش للأزد عليهم من الخرج بعد أن [12] قتلت الأزد منهم وسمي بعض من قتلوا: (الوافر) لقد علمت بنو أسد بأنّا ... تقحمنا المشاعر [13] معلمينا [14] تركنا بعككا [15] وابني هشام ... وحربا [16] والمسيب [17] إذ لقينا
وعوفا بعده العوّام رهنا ... ولم نك من قريش أو جرينا [1] تركنا تسعة للطير منهم ... بمكة والسباع مطرّحينا [2] فلما أن قضينا الدين قالوا ... نريد السلم قلنا قد رضينا وضعنا الخرج موظوفا عليهم ... يؤدون الاتاوة [3] آخرينا لنا في العير [4] دينار مسمى ... به حزّ الحلاقم يتقونا ولولا ذاك ما جالت [5] قريش ... شمالا في البلاد [6] أو يمينا فلم يزل ذلك عليهم يؤدونه إلى الأزد حتى ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وطرحه فيما طرح من سنن الجاهلية، وقتل المسيب بن عابد بن عبد الله ابن عمر بن مخزوم وكان لقيهم أبو صفيح [7] الدوسي خال أبي أزيهر فقتلهم. وأما قول الوليد لبنيه: ونهبي في بني جذيمة ودم أخي [8] ، فكان الوليد أقبل من أرض الحبشة في تجارة ومعه ركب من قريش فيهم عوف بن عبد [9] عوف بن عبد [بن-] [10] الحارث بن زهرة أبو عبد الرحمن بن عوف بن عفان بن أبي العاص بن أمية ومع عوف ابنه عبد الرحمن ومع عفان ابنه عثمان، وقال ابن الكلبي: كانوا أقبلوا من اليمين وقد حملوا مال رجل من بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة إلى ورثته وكان هلك باليمن، فادعاه رجل منهم يقال له خالد بن هشام ولقيهم بأرض بني جذيمة قبل أن يصلوا إلى ورثة الميت فطلبه منهم، فأبوا عليه فقاتلهم بمن معه من قومه على المال ليأخذوه فقاتلوه، فقتل الفاكه بن المغيرة وعوف، ونجا عفان وابنه عثمان وأخذوا مال الفاكه
ومال عوف بن عبد [1] عوف فانطلقوا به، وكان عبد الرحمن فيما يذكرون قد أصاب خالد بن هشام الجذمي قاتل أبيه، وأفلت الوليد فانتهبوا ماله وأسروا [2] نفرا من قريش من بني المغيرة ونفرا من قريش فيهم مالك ابن عميلة [3] بن السباق بن عبد الدار بن قصي، قال البكائي في شأن الفاكه ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ومقتله، قال: فبعث هشام بن المغيرة بفداء أصحابه ففكوا، ولم يفك مالك بن عميلة فيمن فك، فقال في ذلك مالك يعاتب هشاما: (الكامل) لا تنسين أبا الوليد بلاءنا ... وصنيعنا في سالف الأيام ولنا من الأموال غير رغائب ... ولنا نصاب المجد والأحلام إما يكن زمن أحال بأهله ... إذ [4] كان حين نبا فغير لئام [5] وأما عبد الرحمن بن عوف فكان فيما يذكرون قد أصاب خالد بن هشام أخا بني جذيمة الذي قتل أباه فقتله، فقال عبد الرحمن بن عوف حين قتله بأبيه أبياتا، ثم إن ضرار بن الخطاب خرج إلى خالد بن عبيد بن جابر وهو أبو قارظ أحد بني الحارث بن عبد مناة وكان حليفا لبني زهرة فقال: خذ لنا عيرنا ودماءنا [6] وما أخذ منا، فقال: أعينكم عليهم ولا أعينهم عليكم، فقال ضرار بن الخطاب في ذلك: (المتقارب) دعوت إلى خطة [7] خالدا ... من المجد ضيعها خالد ثم إن قريشا تهيأت لغزو بني جذيمة، فلما بلغهم ذلك قالوا لقريش: ما كان مصاب أصحابكم عن ملأ منا، وإنما عدا عليهم قوم بجهالة فأصابوهم
ولم نعلم- أو كما قالوا، فنحن نعقل لكم ما كان قبلنا من دم أو مال، فقبلت قريش العقل ووضعت الحرب عنها، فلما كان بعد ذلك بزمان بعث رسول الله صلى الله عليه خالد بن الوليد إلى بني جذيمة بن عامر فقاتلهم على ماء لهم يقال له الغميصاء [1] فقتل منهم أربعمائة غلام، قال: ولما قتل هشام بن الوليد أبا أزيهر أرسلت/ بنو المغيرة يسألون وينظرون ما تصنع بنو عبد مناف وما تجمع [2] عليه، فأتاهم عينهم [3] فأخبرهم بما كان من غضبهم [4] ، فدعا أبو سفيان في بني عبد مناف فاجتمعوا إليه، فقام ابان بن سعيد بن العاص بن أمية فقال: يا أبا سفيان! أيكون [5] شر قريش فيما بينها في كبش أصلع [6] من الأزد يخذلهم [7] عنه، فقال أبو سفيان: يا أبان! أتريد أن تفرق عني الدعوة، أما والله [8] ، إني لأنا إذا حميت. فقال أبان: احم حيث تنفعك الحمية ولكن خير مما تريد [أن-] [9] تعطي بخفرتك [10] وتؤدي [11] عن حميك [12] وتستصلح عشيرتك، فرجع أبو سفيان وهو يقول: لا ينتطح في قتله عنزان وهؤلاء [13] بنو أبي أحيحة [14] حموا لخؤولتهم [15] فيهم، وكانت صفية بنت المغيرة وهي أكبر
من هند عند أبي أحيحة [1] وكانت عنده أيضا هند أختها، فولدتا ولد أبي أحيحة [1] كلهم إلا خالد بن سعيد [2] وأم صفية بنت المغيرة صخرة البجلية [3] : وأم هند ريطة بنت سعيد بن سهم [4] قال: ولم يجمع أحد من قريش أختين إلا أبو أحيحة، قال: وطغى [5] سعيد [6] بن صفيح [7] الدوسي جد أبي أزيهر الدوسي [8] بجير بن العوام بن خويلد باليمامة، التقيا تاجرين فغره جد أبي أزيهر حتى قدمه فضرب عنقه وقال: هذا بأبي أزيهر، فقال بجير قبل أن يضرب عنقه: دعني حتى أقول شعرا، فتركه: (الطويل) ألكني إلى ليلى بآية [9] أومأ [10] ... برجع [11] لسان [12] خاف عينا فلجلجا [13] وآية ما أني وجدت أخا القلى ... وشر الأخلاء الخليل الممزجا [14] / وأبيض لذ الخمر صرفا صبحته ... إذا اتخذ الصبح القميص المفرجا وجدت عليه مغرما فحملته ... وفرجت ما أن خال ألّا يفرجا ثم قدمه فضرب عنقه، وولد [15] أبو أزيهر أبا حنأة [16] وجنادة [17]
حديث يوم الغميصاء
وعبد الله فولد أبو حنأة [1] شميلة [2] فتزوجها مجاشع بن [3] مسعود السلمي، فأصابته رمية [4] يوم الجمل فمات بعد ذلك، وكان مع عائشة [5] رضي الله عنها، فتزوجها بعده عبد الله بن العباس بالبصرة حين أمره [6] عليها علي بن أبي طالب عليه السلام، وذلك قول أبو فسوة [7] : (الطويل) فلو [8] كنت من زهران [9] قرّبت مجلسي ... ولكنني مولى جميل بن معمر [10] يعني جميل بن معمر الجمحي حديث يوم الغميصاء [11] كان رسول الله صلى الله عليه وجه خالد بن الوليد إلى الأحابيش وهم [12] الهون [13] بن خزيمة [14] والحيا من خزاعة وبنو مالك بن كنانة وهم
بأسفل مكة، فقالت امرأة [1] من بني جذيمة وقد أكثر القتل فيهم: (الطويل) والله لولا غوّث القوم أسلموا [2] ... للاقت سليم يوم ذلك ناطحا [3] لماصعهم [4] بشر [5] وأصحاب جحدم ... ومرة حتى يترك [6] البرك [7] صائحا [8] فكائن ترى يوم الغميصاء من فتى ... أصيب ولم يجرح وقد كان جارحا ألظّت [9] بخطاب [10] الأيامى وطلقت ... غداتئذ من كان منهن ناكحا وإن خالدا أسر منهم أسارى، فكان فيهم شاب [11] من بني جذيمة، فقال لبعض من يحرسه وهو مكتوف: انطلق بي [12] إلى هذا [13] السبي من النساء أسلّم على امرأة منهن، فذهب به فقال حين وقف على النساء: أسلمى
حبيش [1] على نفد [2] العيش، فقالت المرأة: وأنت فحييت [3] عشرا وسبعا وترا وثمانيا تترى، فقال الفتى: (الطويل) أريتك [4] إذ طالبتكم [5] فوجدتكم [6] ... بحلية [7] أو أدركتكم بالخوانق [8] ألم يك حقا [9] أن يزوّد [10] وامق ... تكلف إدلاج السرى [11] والودائق [12] وقد [13] قلت إذ أهلي لأهلك جيرة ... أثيبي [14] بودّ قبل إحدى الصوافق [15]
أثيبي [1] بود قبل أن تشحط النوى ... وينأى أمير [2] بالحبيب المفارق قال: فلما قدم الفتى فضربت عنقه جاءت فخرت عليه حتى ماتت معه، فقال غلام من بني جذيمة في ذلك اليوم وهو يسوق [3] أمه وأختيه [4] : (الرجز) ارفعن [5] أطراف الذيول [6] وأمشينّ [7] ... مشي حيّات كأن لم يفزعن [8] إن تمنع اليوم الثلاث [9] تمنعن [10] وقال غلمة [11] من بني جذيمة يقال لهم بنو مساحق [حين سمعوا بخالد، فقال أحدهم-] [12] : (الرجز) قد علمت بيضاء [13] صفراء [14] الإطل [15] ... يحوزها [16] ذو ثلة [17] وذو إبل لأغنين [18] اليوم ما أغنى رجل
وقال الآخر: (الرجز) قد علمت صفراء [1] تلهى العرسا ... لا تملأ اللحيين [2] منها نهسا [3] لأضربنّ القومّ [4] ضربا وعسا [5] ... ضرب المحلين [6] مخاضا [7] قعسا [8] ويروى: ضرب المجرين [9] ، وهو أجود، وقال الثالث: (الرجز) أقسمت ما إن خادر [10] ذو لبدة [11] ... شثن [12] البنان في غداة بردة جهم المحيا ذو شبال وردة ... يرزم [13] بين أيكة [14] وجحدة [15] ضار [16] بآحاد [17] الرجال وحدة ... بأصدق الغداة مني نجدة وذكر في إسناده عن عبد الله بن أبي حدرد [18] الأسلمي قال: كنت مع خالد يوم الغميصاء فأسرت غلاما منهم وجمعت يديه إلى عنقه، فلما مر بنسوة
منه غير بعيد قال لي: اجعل طريقي على النسوة فان لي حاجة إن خف ذلك عليك، فأقبلت به نحوهن، فلما أن كان منهن بالمكان الذي يسمعن كلامه قال: أسلمى حبيش على نفد العيش، قالت: وأنت فأسلم شعيث سقاك ربي الغيث، فقال الفتى [1] : (الطويل) رأيتك في الأيام كنت لقيتكم ... بحلية أو أيامنا بالخوانق ألم يك حقا أن ينول [2] عاشق ... تكلف إدلاج السرى والودائق [3] فلا ذنب لي قد قلت قبل فراقكم ... أثيبي بنيل قبل إحدى الصوافق أثيبي بنيل قبل أن تشحط النوى ... وينأى الأمير بالحبيب المفارق فإني ما ضيعت سر [4] أمانة ... ولا راق [5] عيني عنك بعدك رائق [6] سوى ما نثت [7] قول العشيرة بينها ... على الظن منها ذاك [8] بعد التوامق [9] فأجابته وقالت: وأنت فحييت [10] عشرا وتسعا وترا وثمانيا تترى، ثم انصرف فضربت عنقه، فلما رأته حبيش [11] أقبلت فأكبت عليه ولم تزل تشهق حتى ماتت، وقد كان القوم تأهبوا لحرب خالد بن الوليد فصاح بهم خالد أن ضعوا السلاح، فان الناس قد أسلموا فقال رجل منهم يقال له جحدم: يا بني جذيمة! إنه خالد بن الوليد فو الله ما بعد وضع السلاح [إلا-] [12] الإسار
حديث سهيل بن عمرو في الردة
ولا بعد الإسار إلا حز [1] الأعناق، والله لا أضع سلاحي أبدا، فأخذه رجال من قومه، وقالوا: يا جحدم! أتريد أن تسفك دماءنا [2] ، إن الناس قد أسلموا ووضعت الحرب أوزارها وأمن الناس، فلم يزالوا به حتى وضع سلاحه ووضع قومه السلاح، ثم وضع خالد فيهم السيف فأكثر القتل وبلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال حتى انه ليدي لهم مبلغة الكلب، حتى لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه علي بن أبي طالب عليه السلام، وبقيت معه بقية من المال فقال لهم حين فرغ: [هل-[3]] بقي لكم دم أو مال لم يود لكم [4] ؟ قالوا: لا، قال: فأني أعطيكم هذه البقية من المال احتياطا لرسول الله صلى الله عليه مما لا يعلم ومما لا تعلمون، ففعل ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه فأخبره الخبر، فقال: أصبت وأحسنت، قال: فكان بين خالد وعبد الرحمن في ذلك كلام فقال له عبد الرحمن: عملت [5] بأمر الجاهلية في الإسلام، فقال خالد: إنما ثأرت بأبيك [6] ، فقال عبد الرحمن: كذبت، قد قتلت قاتل أبي، ولكنك ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة حديث سهيل بن عمرو في الردّة ابن الكلبي قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه همّ أهل مكة بمنع الصدقة فقام [7] سهيل بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي فيهم خطيبا فقال: يا معشر قريش! يا أهل مكة! قد علمتم اني أكثر أهل مكة جارية [8] في البحر
حديث النبي صلى الله عليه وأبي لهب
وقتبا [1] في البر فأدوا الصدقة فإن كان ما تريدون رددت عليكم ما أديتم من مالي وإلا لم تكونوا قد شنتم [2] الإسلام وهجنتموه، فقبلوا [3] قوله، فأكمل الله الإسلام وخلف فيهم نبيه صلى الله عليه، وكان ذلك تأويل قول رسول الله صلى الله عليه لعمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم بدر حين أخذ سهيل بن عمرو أسيرا وكان خطيب أهل مكة في استنفارهم إلى أبي سفيان إلى العير [4] فقال عمر: دعني يا رسول الله! أنزع ثنيتيه فلا يقوم عليك خطيبا أبدا، فقال رسول الله صلى الله عليه: دعه، فلعله يقوم مقاما يسرك الله به، فكان هذا مقامه، وكان سهيل بن عمرو أعلم، والأعلم المشقوق الشفة. حديث النبي صلى الله عليه وأبي لهب قال الكلبي: لما أنزل الله عز وجل وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ 26: 214 [5] خرج حتى قام على المروة فقال: يال فهر! فجاءته قريش فقال أبو لهب: هذه فهر عندك، فقال: يال غالب! / فرجع بنو محارب وبنو الحارث، ثم قال: يال لؤي بن غالب! فرجع بنو تيم الأدرم بن غالب، فقال يال كعب بن لؤي! فرجع بنو عامر بن لؤي، فقال: يال مرة بن كعب! فرجع بنو عدي وبنو سهم وبنو جمح، فقال: يال كلاب! فرجع بنو مخزوم وبنو تيم، فقال: يال قصي! فرجع بنو زهرة، فقال: يال عبد مناف! فرجع بنو عبد الدار وبنو أسد بن عبد العزى، فقال أبو لهب: هذه بنو عبد مناف عندك، فقال: إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين وأنتم الأقربون من قريش وأني لا أملك من الله حظا ولا من الآخرة نصيبا إلا أن تقولوا لا إله إلا الله، فأشهد بها لكم عند ربكم وتدين لكم بها العرب، فقال أبو لهب: تبا لك! ألهذا [6]
حديث الرحلتين
دعوتنا؟ فأنزل الله عز وجل تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ 111: 1 [1] حديث الرحلتين الكلبي قال: كانت قريش تعودت رحلتين إحداهما في الشتاء إلى اليمن والأخرى في الصيف إلى الشام، فمكثوا بذلك حتى اشتد عليهم الجهد وأخصب تبالة [2] وجرش [3] وأهل ساحل البحر من اليمن، فحمل أهل الساحل في البحر وحمل أهل البر على الإبل فأرفأ [4] أهل الساحل بجدة وأهل البر بالمحصب [5] فامتار أهل مكة ما شاءوا وكفاهم الله الرحلتين اللتين كانوا يرحلون إلى اليمن والشام، فأنزل الله عز وجل لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ 106: 1- 2 [6] وقوله «آمَنَهُمْ من خَوْفٍ» 106: 4 يريد خوف العدو وخوف الجذام، فليس في الأرض قرشي [7] مجذم [8] وإيلاف قريش يعني دأب قريش رحلة الشتاء والصيف فأصابت قريشا سنوات ذهبن بالأموال، فخرج هاشم إلى الشام فأمر بخبز كثير فخبز له فحمله في الغرائر على الإبل حتى وافى مكة فهشم ذلك الخبز ونحر تلك الإبل ثم طبخها وألقى تلك القدور على ذلك الخبز فأطعم أهل مكة وأشبعهم، وكان ذلك أول الحيا [9] فقال في ذلك
وهب بن عبد بن قصي بن كلاب [1] : (الوافر) تحمل هاشم [2] ما ضاق عنه ... وأعيا أن يقوم به ابن بيض أتاهم بالغرائر متأقات ... من أرض الشام بالبر النقيض [3] فأوسع أهل مكة من هشيم ... وشاب الخبز باللحم الغريض فظل القوم بين مكللات ... من الشيزي وحائرها يفيض [4] فحسده أمية فكان منه ما كتبناه [5] في منافرتهما، فيقال إن أول عداوة وقعت بين هاشم وأمية بذلك السبب، وقال عبد المطلب: (المتقارب) . أعود بمالي لهزلي قريش ... وقد دانت [6] الحمس [7] سوّالها وبذلي لها الطعم عند المحول [8] ... إذا أجدبت [9] توى [10] مالها إذا همّ بالجود بعد الأباء ... فلا يأخذ النفس [11] عقالها [12] وكان عبد المطلب أحسن قريش وجها وأمدها جسما وأحلمها حلما وأجودها كفا لم يره ملك قط إلا شفّعه.
سبب تزوج عبد المطلب في بني زهرة وتزويجه عبد الله ابنه أيضا في بني زهرة
سبب تزوج عبد المطلب في بني زهرة وتزويجه [1] عبد الله ابنه أيضا في بني زهرة قال: كان عبد المطلب إذا ورد باليمن نزل على عظيم [2] من عظمائها فنزل عليه مرة من المرّ [3] فوجد عنده رجلا قد أمهل له في العمر وقد قرأ الكتب فقال له: يا عبد المطلب! ائذن لي في أن أفتش منك مكانا، فقال: ما كل مكان مني آذن لك في تفتيشه، قال: إنما هو منخرك، قال: فدونك، قال: فنظر في اليار [4] في منخره- واليار الشعر [5] وهو تغة [6] يمانية- فقال: أرى نبوة وأرى ملكا، وأرى أحدهما في بني زهرة، فانصرف عبد المطلب فتزوج هالة بنت أهيب [7] بن عبد مناة بن زهرة [وزوج ابنه عبد الله آمنة بنت وهب-] [8] فولدت محمدا صلى الله عليه فجعل الله في بني عبد المطلب النبوة والخلافة والله أعلم حيث وضع ذلك، قال: فلما انطلق عبد المطلب بابنه يتزوج آمنة بنت وهب بن عبد مناة بن زهرة وقد كان عبد المطلب أرسل إليها يخطبها على ابنه فأجابوه فمضى بابنه فمر على امرأة من خثعم يقال لها فاطمة بنت مر [9] بمكة وكانت من أجمل الناس وأشبهم [10] وأعفهم [11] قد قرأت الكتب وكان شباب قريش يتحدثون إليها، فرأت نور
النبوة في وجه عبد الله فقالت: يا فتى! من أنت؟ قال: أنا عبد الله بن عبد المطلب، قالت: هل لك أن تقع علي وأعطيك مائة من الإبل؟ / فنظر إليها وقال: (الرجز) أما الحرام فالممات دونه ... والحل لا حل فأستبينه فكيف بالأمر الذي تنوينه [1] ؟ ثم مضى مع أبيه فزوجه آمنة بنت وهب الزهري، فأقام عندها ثلاثا وكانت تلك السنة إذا دخل الرجل [2] على امرأته [2] في أهلها ... ثم ذكر [3] ما عرضت عليه الخثعمية من الإبل مع ما رأى من جمالها، فأقبل إليها فلم ير منها من الإقبال عليه [4] آخرا كما رأى منها أولا وقال: هل لك فيما قلت لي؟ قالت: لا، كان ذلك مرة فاليوم لا، فذهبت مثلا [وقالت-] [5] أي شيء صنعت بعدي؟ قال: انطلق بي أبي فزوجني آمنة فأقمت عندها ثلاثا، قالت: إني والله لست [6] بصاحبة ريبة [7] ولكني رأيت نور النبوة في وجهك، فأردت أن يكون في وأبى [8] الله إلا أن يجعله حيث جعله، وبلغ شباب قريش ما عرضت الخثعمية على عبد الله وتأبّيه عليها، فذكروا ذلك [لها-] [9] فأنشأت تقول: (الكامل)
إني رأيت مخيلة [1] نشأت [2] ... فتلألأت بحناتم [3] القطر [4] فلمائها [5] نور يضيء له ... ما حوله كإضاءة الفجر فرأيت سقياها حيا بلد ... وقعت به وعمارة القفر ورأيتها [6] شرفا أبوء به ... ما كل قادح زنده يوري إن الذي قد كنت آمله ... مما عرضت له من الأمر لم يدعني زهر [7] إليه ولا ... ألا أكون عفيفة الستر وقالت أيضا: (الطويل) بني هاشم قد غادرت من أخيكم ... أمينة [8] إذ للباه يعتلجان [9] / كما غادر المصباح بعد خبوّه [10] ... فتائل [11] قد ميثت [12] له بدهان وما كل ما يحوى الفتى من تلاده [13] ... بحزم [14] ولا ما فاته لتوان [15] فأجمل إذا طالبت أمرا فإنه ... سيكفيكه جدان يصطرعان [16]
حديث نصرة طليب النبي صلى الله عليه
سيكفيكه إما يد مقفعلة [1] ... وإما يد مبسوطة ببنان ولما قضت منه أمينة ما قضت [2] ... نبا بصري عنه وكلّ لساني ولما قضت منه أمينة ما قضت [3] ... حوت منه فخرا ما لذلك ثاني حديث نصرة طليب [4] النبي صلى الله عليه قال ابن الكلبي: كانت وقعت بين قريش بمكة واقعة [5] في أول ما بعث الله نبيه صلى الله عليه فشتم عوف بن صبرة [6] السهمي النبي صلى الله عليه، فأخذ طليب بن عمير بن وهب بن عبد بن قصي وأم طليب أروى [7] بنت عبد المطلب لحي جمل فضرب به عوفا حتى سقط، فأتوا [8] أمه أروى [9] يشكونه إليها فقالت: (الرجز) إن طليبا نصر ابن خاله ... آساه [10] في ذي دمه وماله فكان طليب هذا أول من نصر رسول الله صلى الله عليه وكان ذلك أول دم أريق في نصرة رسول الله صلى الله عليه، ثم صحبه طليب وشهد بدرا وقتل بأجنادين [11] شهيدا رحمه الله.
قصة هشام بن المغيرة وضباعة
قصة هشام بن المغيرة وضباعة [1] الهيثم [2] وابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن المطلب بن أبي وداعة [3] أن/ المطلب حدث ابن عباس قال: كانت ضباعة بنت عامر بن قرط بن سلمة بن قشير [4] بن كعب تحت هوذة [5] بن علي بن ثمامة [6] الحنفي فهلك عنها، فأصابت منه مالا كثيرا ثم رجعت إلى بلاد قومها فخطبها عبد الله بن جدعان التيمي إلى أبيها فزوجه إياها، فأتاه ابن عم لها يقال له حزن بن عبد الله بن سلمة بن قشير فقال: زوّجني ضباعة، قال: قد زوجتها ابن جدعان، قال: فحلف ابن عمها أن لا يصل إليها أبدا وليقتلنها دونه، قال: فكتب أبوها إلى ابن جدعان يذكر ذلك له فكتب إليه ابن جدعان: والله! لئن فعلت هذا لأرفعن لك راية غدر بسوق عكاظ، فقال أبوها لابن عمه: قد جاء من الأمر ما قد ترى فلا بد من الوفاء لهذا الرجل، فجهزها وحملها إليه وركب حزن في أثرها وأخذ الرمح فتبعها حتى انتهى إليها فوضع السنان بين كتفيها ثم قال: يا ضباعة! أقوم يقتنون المال تجرا أحب إليك أم قوم حلول [7] ؟ قالت: لا بل قوم حلول، قال: أما والله! إن لو قلت غير هذا لأنفذته [8] من بين ثدييك، ثم انصرف عنها، وهديت إلى ابن جدعان، فكانت عنده ما شاء الله أن تكون، قال: فبينا هي تطوف بالكعبة وكان لها جمال وشباب إذ رآها هشام بن المغيرة المخزومي فأعجبته فكلمها عند
البيت وقال [1] : لقد رضيت أن يكون هذا الشباب والجمال عند شيخ كبير، فلو سألته الفرقة لتزوجتك، وكان هشام رجلا/ جميلا مكثرا، قال: فرجعت إلى ابن جدعان فقالت: إني امرأة شابة وأنت شيخ كبير، فقال لها: ما بدا لك في هذا؟ أما! إني قد أخبرت أن هشاما كلمك وأنت تطوفين بالبيت وإني أعطي الله عهدا ألا أفارقك حتى تحلفي ألا تزوجي هشاما، فيوم تفعلين ذلك فعليك أن تطوفي بالبيت عريانة وأن تنحري كذا وكذا [2] بدنة وأن تغزلي [3] وبرا بين الأخشبين [4] من مكة وأنت من الحمس [5] ولا يحل لك أن تغزلي الوبر، قال الهيثم: والحمس [6] قريش وكنانة وخزاعة ومن ولدت قريش من أفناء العرب، فأرسلت إلى هشام تخبره بالذي أخذ عليها، فأرسل إليها: أما ما ذكرت من طوافك بالبيت عريانة فاني أسال قريشا أن يخلوا لك المسجد فتطوفي قبل الفجر بسدفة [7] من الليل فلا يراك أحد، وأما الإبل التي تنحرينها [8] فلك الله أن أنحرها عنك، وأما ما ذكرت من غزل الوبر فإنه دين [9] وضعه نفر من قريش ليس دينا جاءت به نبوة، فقالت لعبد الله بن جدعان: نعم لك أن أصنع [10] ما قلت وأخذت [11] على إن تزوجت هشاما، فطلقها فتزوجت هشاما، فكلم هشام قريشا، وسألهم أن يخلوا [12] لها المسجد
هذا حديث النسأة من كنانة
ففعلوا، قال الكلبي: فقال المطلب بن أبي وداعة: كنت [1] غلاما من غلمان قريش فأقبلت من باب المسجد وأنا أنظر إليها، فوضعت ثيابها وطافت بالبيت أسبوعا وهي تقول: (الرجز) اليوم يبدو [2] نصفه أو كله ... وما بدا منه [3] فلا أحله حتى فرغت ونحر عنها ما ذكرت من الإبل وغزلت ذلك الوبر، فولدت لهشام سلمة بن هشام، فكان من خيار المسلمين، قال فبينا هي ذات ليلة قائمة إذ سمع هشام صوت صائحة فقال: ما هذا؟ فقيل عبد الله بن جدعان التيمي مات، فقالت [4] ضباعة [5] : أما والله! لنعم زوج العربية كان، فقال هشام: إي والله! وابنة العم القريبة، ثم مات هشام بعد ذلك عنها، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها إلى ابنها سلمة بن هشام فقال: يا سلمة! زوجني ضباعة، فقال: حتى استأمرها يا رسول الله! فاستأمرها فقال: يا ضباعة! إن رسول الله صلى الله عليه خطبك إلي، قالت: ويلك! فما قلت له؟ قال: قلت: حتى استأمرها، قالت: أتستأمرني في رسول الله صلى الله عليه؟ قبح الله رأيك! ارجع لا يكون رسول الله صلى الله عليه قد بدا له، قال: فجاء [6] ، وقد ذكر لرسول الله صلى الله عليه [عنها-] [7] كبرة [8] فقال: يا رسول الله! قد استأمرت فأمرتني أن أفعل، قال: فسكت عنه النبي صلى الله عليه هذا حديث النسأة [9] من كنانة أبو البختري قال حدثني الضحاك بن عثمان عن إبراهيم بن عبد
الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة قال: كانت النسأة في القلمس [1] الكناني ثم في ولده من بعده فكانوا ينسئون الشهر فكانوا يحجون في كل شهر عامين، يحجون [2] في المحرم عامين وفي صفر عامين وفي/ ربيع الأول عامين وفي شهر ربيع الآخر عامين وفي جمادى الأولى عامين وفي جمادى الآخرة [3] عامين وفي شعبان عامين وفي رمضان عامين وفي شوال عامين ثم ذي القعدة عامين ثم ذي الحجة عامين، فكانوا إذا حجوا في شهر لم يحفظوا [4] أن يجعلوا [5] يوم التروية [6] ويوم عرفة [7] ويوم النحر [8] كهيئة من الشهر، ويقوموا [9] ثلاثا، فان كان الحج في المحرم قام سوق عكاظ صبيحة ذي الحجة فتقوم عشرين يوما بعكاظ، فإذا مضت [10] العشرون انصرفوا إلى مجنة فأقاموا بها عشرا وأسواقهم قائمة، فإذا رأوا [11] الهلال انصرفوا إلى ذي المجاز فأقاموا بها ثماني ليال أسواقهم قائمة ثم يتفرقون وكان ذلك آخر أسواقهم وكانوا لا يبيعون يوم عرفة ولا في أيام منى ولا يبتاعون وكانوا يرون أن أفجر الفجور العمرة في شهور الحج، وكانت قريش وغيرها من العرب لا
هذا حلف قريش الأحابيش
يحضرون سوق المجاز إلّا محرمين [1] بالحج، وكانوا يعظمون أن يأتوا شيئا من المحارم أو [2] يغير بعض على بعض لأنها أشهر حرم، وإنما سمي الفجار لما صنع فيه من الفجور هذا حلف قريش الأحابيش [3] قال عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز الزهري الذي يقال له ابن أبي ثابت [4] : كان الذي بدأ حلف الأحابيش أن رجلا من بني الحارث عبد مناة بن كنانة هبط/ مكة فباع سلعة له ثم أوى إلى دار من دور بني مخزوم فاستسقى فخرجت إليه امرأة من قريش، فقال: هلا كنت أمرت بعض الحفدة؟ فقالت: تركتنا بنو بكر نعاما [5] ذا مثل حماد [6] انا أن نترك في حرمنا، قال: فخرج الرجل حتى أتى بني الحارث بن عبد مناة فقال: يا بني الحارث! ذلت قريش لبني بكر، فإن كان عندكم نصر فنصر، فقالوا: ادعوا إخوانكم بني المصطلق والحيا بن سعد بن عمرو، فركبوا إليهم فجاؤوا بهم وسمعت بهم بنو الهون بن خزيمة فركبت معهم وذلك بعد خروج بني أسد من تهامة [7] فخرجوا حتى اجتمعوا بذنب حبشي [8] وهو جبل بأسفل مكة
فتحالفوا بالله القائلين [1] إنا ليد تهدّ الهد وتحقن الدم ما أرسى حبشي، قال ابن أبي ثابت الزهري: ولما غلب قصي على مكة وغلبت قريش وكثرت وتفرق عنها من كان ينصرها من قضاعة وأسد قلت قريش وخافت بكرا فبعث عبد مناف إلى الهون بن خزيمة والحارث بن عبد مناة فأجابوهم فبعثت بنو الحارث إلى المصطلق والحيا فأجابوهم، فأقبلت الهون يقودها أبو ضرار بن مالك وأقبلت الحارث يقودها شيظن [2] بن عمرو أخو بني أحمر وخرج عبد مناف إليهم فحالفهم، فقال غالب بن يثيع [3] : (الخفيف) بات شحب [4] وبات عبد مناف ... بيننا يقعدان للأحلاف قال فقالت الأحابيش لما كثرت و [5] عزت إن من [5] أردنا أن ندخل منه من قريش دخلنا فدخلت القارة وهم بنو الديش [6] بن محلم [7] بن غالب ابن يثيع [8] بن الهون بن خزيمة [9] في بني زهرة بن كلاب، ودخل أيضا فيهم قارظ ثم أراد بعضهم أن تخرج إلى الشام، فحالفوا أناسا من خزاعة ليأمنوا بهم، فأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها من بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ 16: 92
تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى من أُمَّةٍ- 16: 92 [1] قال: فبلغهم [2] الخبر بالجحفة [3] فرجعوا إلى مكة، قال: وإنما سموا [4] الأحابيش لتحالفهم بحبشي وهو من مكة على عشرة أميال من ناحية الرمضة [5] . قال حماد الرواية: كان الذي قاد بني الحارث وحالف قصيا عامر بن عوف وكان يقال له مسك الذنب ويقال بل حالفه [6] عبد مناف وزوجه ابنته [7] ريطة، وقال حذافة [8] بن غانم أحد بني عدي بن كعب يمدح بني قصي ويخص أبا طالب: (الطويل) أبو عتبة [9] الملقي إلّي حباءه [10] ... أغر هجان [11] اللون من نفر زهر [12]
ذكر ما جاء في أحلاف قريش وثقيف ودوس
وساقي [1] الحجيج [2] ثم للشيخ [3] هاشم ... وعبد مناف ذلك [4] السيد الغمر [4] أبوهم قصي كان يدعى مجمعا ... به جمع الله القبائل [5] من فهر وأنكح [6] عوفا [7] بنته [8] ليجيرنا [9] ... من أعدائنا إذ أسلمتنا بنو بكر [10] ذكر ما جاء في أحلاف قريش وثقيف ودوس قال [11] : كان سبب حلف ثقيف [12] في قريش أن قريشا حين كثرت رغبت في وجّ وهو وادي الطائف فقالت لثقيف: نشرككم في الحرم وأشركونا في وجّ فقالت ثقيف: كيف نشرككم في واد نزله أبونا وحفره بيده في الصخر
لم يحفره بالحديد وفيه يقول: (الهزج) فأرميها بجلمود [1] ... وترميني بجلمود فأفنيها وتفنيني ... وكل هالك مودي [2] قال: وأنتم لم تجعلوا الحرم إنما جعله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقالت قريش: لا تدخلوا حرمنا علينا ولا ندخل عليكم وجّكم، فلما خشوا الحرب وخشيت ثقيف من قريش وخزاعة وبني بكر بن عبد مناة حالفت قريشا ودعت إخوتها من دوس، قال: فلما حالفت قريش ثقيفا قالت قريش لثقيف: نطلب من دوس ما طلبنا منكم من الشركة في الدار، فقالت ثقيف: بل دوس تحالفكم، فركب عبد ياليل بن [3] معتب ومسعود بن عمرو وهما من ثقيف ثم من الأحلاف في نفر حتى أتوا دوسا فقالوا لهم: إن قريشا طلبت منا أن ندخلهم في وجّ وأن يدخلونا في الحرم، فأبينا ذلك عليهم ثم حالفناهم فرغبوا إلى ما عندكم فأدخلوهم وليدخلوكم وحالفوهم، فحالفت/ دوس قريشا، قال: فلما بعث نجدة [4] الحروري حزاقا [5] الحروري أحد بني حنيفة يصدق الأزد فقتلته دوس، قال عبد الملك بن مروان لابنة حزاق ودخلت عليه: أقتلت دوس أباك؟ قالت: قتلوه في الجبل ولو أصحروا ما قاموا له، فقال المحرز بن أبي هريرة الدوسي: هم والله! في السهل أقتل منهم في الجبل، فقال لها عبد الملك: أنشديني ما قلت في أبيك، فقالت: (الطويل)
أسائل ركبان [1] اليمامة هل رأوا ... حزاقا [2] وعيني كالحجاة [3] من القطر فمن يغتنم [4] أنعام [5] فيح [6] ومصمتا [7] ... وقتل حزاق [8] لم يزل عالي الذكر فإن [9] لم [10] أنل من دوس ثأري بفتية ... مصاليت [11] لم يكسرهم حرب الدهر فإن قريشا كان مقتل حازق [12] ... من إخوتهم فاطلب به فاطر الحجر [13] فقال عبد الملك بن مروان: قد رأيتم ما صنع عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي وهو أحد قريش وليس من قرونها [14] ولا بيوتها ولا ملكها ولا قدمها،
حلف ابني علاج
يريد بذلك بعثه [1] عمر بن عبيد الله [2] إلى نجدة الحروري [3] وقتله أبا فديك وهو عبد الله بن ثور الحروري. وقال ابن شهاب الزهري: أهدى رجل من المشركين للنبي صلى الله عليه هدية فأثابه [4] منها، فسخط فقال رسول الله صلى الله عليه: «لا جرم لا أقبل بعدها زبد [5] مشرك إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي» والزبد الهدية. والذين حالفوا في قريش من دوس [هم-] [6] بنو سلامان بن مفرج وبنو منهب [7] وبنو مالك وعامة نبيش [8] ولم يحالف سائر [9] دوس. حلف ابني علاج قال عبد العزيز بن عمران: كان أول حلف دخل [فيه-] [6] قريش [10] حلف ابني علاج وهما شريق [11] وعمرو ابنا علاج من ثقيف من الأحلاف وهو شريق بن وهب بن عبد العزى بن علاج وإخوتهم بنو جارية بن عبد العزى وكان حلفهما أنهما قتلا عمرو بن غيرة [12] المالكي من ثقيف ثم دخلا فحالفا آل الحارث بن زهرة بن كلاب وأقاما سنة ثم رجع عمرو إلى الطائف فقال: اخترت قومي وقتلهم إياي [13] أو عفوهم على حلف الهون والمذلة،
حلف حارثة بن الأوقص عن ابن أبي ثابت
وأراد أن يرجع شريق بعفوهم عن عمرو، فقال عمرو: (الطويل) رغبت عن الحلف الذي قد رأمته [1] ... وراجعت أصلي يا شريق ومولدي فهلك عمرو وولده ولم يدرك الإسلام منهم رجل، ودخل آل علاج كلهم في ذلك الحلف، فقال وهب بن مناف [2] بن زهرة حين صنع بأمية بن عبد شمس ما صنع- وكان ضربه بالسيف وهي قصة أخرى قد كتبتها في أول الكتاب [3] ، يذكر [4] حلف بني علاج آل الحارث بن زهرة: / وعمي [5] الحارث الموفى بذمته لابني علاج غداة أخفرت [6] فهر حلف حارثة بن الأوقص [7] عن ابن أبي ثابت [8] قال ثم حلف على أثر حلف ابني علاج حارثة بن الأوقص [9] السلمي وكان من أمره أن حارثة كان رجلا متعبدا [10] فقال بيتا من شعر: (الطويل) ألا كل شيء بين زرو [11] ومنور ... يصير إلى ذات الإله فحسب وكان حارثة يتمثله إذا طاف بضمار [12] وكان بيتا فيه صنم لهم [13] فقيل
حلف جحش بن رئاب
له إن بيتا بمكة يتعبد له أهله وكل من جاء من العرب، قال: فهو أولى من هذا البيت، لأخرجن [1] إليه، قالوا: إنك لا تستطيع أن تقيم به إلا [2] أن تحلف أهله، قال: فخرج حتى قدم مكة فحالف أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وكان حارثة يتعبد حول البيت، ثم ولد له، فكان حكيم أشبه ولده به، فاستعملته قريش على سفهائها فقال عدي بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس وكان من فتيان قريش ويقال الحارث بن أمية الأصغر يقول ذلك: (الوافر) أطوّف بالأباطح كل يوم ... مخافة [3] أن يشردني [4] حكيم فهذا أول حلف دخل مكة ثم كانت بعده الأحلاف حلف جحش [5] بن رئاب [6] قال: وكان حلف جحش [5] بن رئاب [7] من بني غنم بن دودان [8] بن أسد بن خزيمة، وكان من أمره أن فضالة بن عبد مرارة الأسدي قتل هلال بن أمية الخزاعي فقتلت خزاعة فضالة بصاحبنا، فاستغاثت بنو أسد بكنانة فأبوا أن يعينوهم، فخرجت بنو أسد جالية فحالفت غطفان، فذكروا أن رسول الله صلى الله عليه قال: غفار وأسلم من مزينة وجهينة خير من الحليفين أسد وغطفان فهما الحليفان، فجاء [9] رئاب [7] بن يعمر [10] أبو جحش [5] إلى مكة فطلب الحلف في قريش فدعته بنو أسد بن عبد العزى فحالفها، فقيل له
أتحالف أشأم بطن في قريش فنقض الحلف منهم، وحلف بني عبد مناف وقال عبد العزيز [1] : زعم بعض الناس أنه حالف بني أمية خاصة دون بني عبد مناف، قال: وسار عبد الملك بن مروان بمكة وتبعه عروة بن الزبير فأنشده عروة قول أبي أحمد [2] بن جحش: (الكامل) أبني أمية كيف أظلم فيكم ... وأنا ابنكم وحليفكم في العسر [3] ولقد دعاني غيركم فأبيته ... وخبأتكم لنوائب الدهر وعقدت حبلي في حبالكم ... عند الجمار عشية النحر فوصلتم رحمي بحقن دمي ... ومنعتم عظمي من الكسر لكم الوفاء وأنتم أهل له ... إذ في بيوت سواكم الغدر منع الرقاد فيما أغمض [4] ساعة ... همّ يضيق [5] بذكره [6] صدري [7] وذلك أن أبا سفيان بن حرب لما هاجر بنو جحش أراد بيع دورهم بمكة فقال أبو أحمد يرققه ويذكره الحلف، فلما أمضى بيع دورهم قال يهجوه فلم يلتفت أبو سفيان إلى ترقيقه ولم يحفل [8] بهجائه [9] وأمضى بيع دورهم، وكانت دور بني جحش خلت منهم لأنهم هاجروا، فقال عبد الملك: من الذين دعوه [10] يا أبا عبد الله [11] ؟ قال: قد علمتهم أمير المؤمنين! قال: فزدني
ثم حلف قارظ
بهم [1] علما، فقال: نحن دعوناهم فأبوا وحالفوا إليكم، فقال: صدقت ثم حلف قارظ قال: كان حلف آل قارظ وهم من بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة أنهم حالفوا الأحابيش وأن خالد بن الحارث بن عبيد بن تيم بن عمرو بن الحارث بن مبذول بن الحارث بن عبد مناة بن كنانة وهو أبو قارظ دخل مكة وكان جميلا حسانا [2] بليغ اللسان شاعرا، فقالت قريش: حليفنا وعقيدنا وأخونا وناصرنا [3] وملتقى أكفنا كلنا يده عليهم، فكلهم دعاه إلى أن ينزله أو يزوجه، فقال: إني لأكره أن آتي [4] بعضكم دون بعض فأمهلوني ثلاثا، فخرج إلى حراء [5] فتعبد تلك الثلاث في رأسه ثم نزل وقد عزم/ وأجمع على أن يحالف أول رجل يلقاه من قريش، فكان أول من لقيه عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب، فعقد ثوبه بثوبه وأخذ بيده ثم خرجا حتى دخلا المسجد الحرام فوقفا عند البيت فشد له الحلف حلف بني شيبان السلميين [6] قال: وكان حلف بني شيبان السلميين وهو شيبان بن دبية [7] بن حرمس [8] السلمي وكان من أمر حلفهم أن الغيداق [9] بن عبد المطلب كان لأم ليس له أخ لأمه من بني عبد المطلب وكان أخوه لأمه عوف بن عبد
حلف آل سويد
عوف [1] ابن عبد بن الحارث بن زهرة وأمهما ممنعة [2] بنت عمرو بن مالك بن مؤمل بن سويد بن أسعد بن مشنوء من خزاعة، فلما هلك عبد المطلب منع بنو عبد المطلب الغيداق ميراثه من أبيه عبد المطلب فكلم أخاه لأمه عوفا فيهم فقال: لا أقوى عليهم ولا تعينني قبيلتي، فخرج إلى شيبان وهو نازل من مكة بموضع يقال له المفجر [3] فيه بئر يقال لها كرادم فقد تزوج أم حكيم بنت الزبير بن عبد المطلب وهي أم معبد وعبيد وعباد بني شيبان وكان شيبان نديما لعوف فعقد له الحلف بينه وبين الغيداق، فأعطاه إخوته ميراثه وثبت حلفا فيهم حلف آل سويد قال: وكان سبب حلف آل سويد بن ربيعة بن زيد [4] بن عبد الله بن دارم التميمي أن [5] المنذر بن امرئ القيس [5] اللخمي [6] استرضع [7] زرارة [8] ابن عدس [9] بن زيد [10] بن عبد الله بن دارم ابنا له يقال له مالك فشب فيهم، وكان سويد بن ربيعة بن زيد [11] بن عبد الله بن دارم صهر زرارة تحته ابنة لزرارة ولدت له سبع بنين فخرج مالك بن المنذر يتصيد [12] فأخفق [13]
فانصرف ومر بإبل سويد فأمر ببكرة منها سمينة [1] فنحرت واشتويت [2] وسويد نائم فانتبه سويد فأخذ عصا وشد على مالك فضرب رأسه وهو لا يعرفه، فمات الفتى من ضربته، فلما رأى ذلك هرب إلى مكة وعلم أنه لا يأمن، فحالف [3] بني نوفل بن عبد مناف، وإن زرارة تنحى مخافة [4] عمرو بن المنذر [4] وكانت طيء تطلب زرارة بدخل [5] ، فلما بلغ طيئا صنيع تميم بأخي الملك فقال [6] عمرو [7] بن عتاب بن ثعلبة بن ردمان يحض عمرو بن المنذر على زرارة: (الكامل) . أبلغ [8] أبا قابوس أنّ [9] ... المرء لم يخلق صباره [10] وحوادث الأيام لا ... يبقى [11] لها إلّا الحجاره ما إن [12] عجزة أمه [13] ... بالسفح أسفل من أواره [14] تسفي الرياح خلال [15] ... كشحيه وقد سلبوا إزاره
فاقتل زرارة لا أرى ... في القوم أمثل من زراره قال: فلما بلغ هذا الشعر عمرا [1] ركب فأتى منزل زرارة فلم يصبه فأخذ امرأته وهي حبلى فبقر بطنها وانصرف، وإن زرارة قال له قومه: والله! ما أنت بصاحب أخيه فأته فأتاه، فقال: ائتني بولد سويد بن ربيعة، فأتاه ببنيه فذبحهم، ثم غزاهم عمرو بن المنذر بعد، فأوقد لهم نارا بأوارة وحلف ليحرقن من بني تميم مائة إنسان، فأحرق ثمانية وتسعين رجلا وامرأة وهي الحمراء بنت ضمرة بن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم ورجلا من البراجم [2] شم ريح القتار [3] ، فجاء يوضع [4] بعيره وهو لا يعلم ما كان من إحراق عمرو من أحرق وإنما ظنه قتار ركب يشتوون، فأناخ بعيره وأقبل يعدو [5] فقال له عمرو: ما جاء بك؟ قال: حب الطعام قد أقويت [6] ثلاثا لم أذق طعاما، فلما سطح القتار ظننت أنه قتار طعام، فقال له عمرو: ممن أنت؟ فقال: من البراجم، فقال عمرو: إن الشقي راكب [7] البراجم، فذهبت مثلا وأمر به فقذف في النار، فسمي عمرو بن المنذر [8] محرقا لإحراقه هؤلاء، فهذا كان سبب حلف سويد لبني نوفل بن عبد مناف.
حلف مرثد بن أبي مرثد الغنوي
حلف مرثد [1] بن أبي مرثد الغنوي كان حلف مرثد بن أبي مرثد الغنوي أن كنّاز [2] بن حصين الغنوي ثم أحد بني حلان [3] وهو أبو مرثد وكان صاحب قنص، قتل رجلا من غنى من بني عتريف [4] فأسلمته بنو حلان إلى بني عتريف، فبات عندهم أسيرا فدب إليه مرثد بشعلة من نار فأحرق بها إساره [5] ، ثم خرجا من ليلتهما [6] حتى تغيبا في غار [7] ثم لحقا بمكة فحالفا حمزة بن عبد المطلب، وكان حمزة صاحب قنص، قال: فأنشدني مقدم بن الحجاج الغنوي بيتا لأبي هريرة صاحب النبي صلى الله عليه: (الطويل) فقل في طوال ليلة وعنائها [8] ... على أنه من ملة الكفر نجاني قال مقدم: ليس هذا البيت لأبي هريرة، قاله كنّاز بن حصين ليلة أفلت . حلف بني نسيب بن الحارث قال: كان حلف بني نسيب بن الحارث بن عمر بن مازن بن منصور فمنهم عتبة بن غزوان بن جابر بن وهيب [9] بن نسيب بن الحارث في بني نوفل بن عبد مناف، ولست أدري ما سبب حلفهم غير أني أظن أنه للرحم
حلف آل عاصم وآل سباع
التي بينهم، قالوا: حالف تميم بن أوس بن حارثة [1] اللخمي وهو تميم الداري الحارث بن عبد المطلب، ولست أدري ما سبب حلفه. حلف آل عاصم وآل سباع [2] قال: كان حلف آل عاصم وهم من بني سعد بن بياضة بن سبيع [3] ابن خثعمة [4] بن سعد بن مليح [5] بن عمرو [6] من [7] خزاعة أيضا أنهم كانوا جميعا حلفا لعوف بن عبد عوف بن/ عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب وأخوهم لأمهم خباب بن الأرت مولى عوف بن عبد عوف وخباب الذي شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه واستعمله و [8] كعب بن زيد [9] على مقاسم بدر، وكان الذي دعاهم إلى حلف عوف أخوهم لأمهم خباب بن الأرت وهي أمة كانت ختانة وهي التي أراد حمزة بن عبد المطلب بقوله يوم أحد لسباع بن عبد العزى: هلم إلي يا ابن مقطعة البظور! قال: ودخل حلف هؤلاء الخزاعيين في زهرة أبو [10] بشر فكان منهم كرامة البشرى الشاعر من خزاعة وليسوا بحلفاء ولكنهم انضموا إليهم بسبب إخوتهم . حلف آل عبد الله بن مسعود الهذلي [11] وكان أمره أن مسعودا أبا عبد الله بن مسعود قدم مكة بفرس عربي وناقة
مهرية [1] فقال: من يأخذ مني هذين وأعقد حلفي إليه؟ فإني موثم والمؤثم المطلوب بالدم فأخذهما منه عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب وزوجه أم عبد بنت الحارث فولدت عبد الله وعتبة ابني مسعود وعقد حلفه، قال: وحالف وهب بن رباح الأشعري أبا عمرو بن عوف بن عبد عوف بن الحارث بن زهرة، قال: ولا أدري ما كان سبب حلفه. وكان سبب حلف آل عبد عمرو من خزاعة [2] أن عبد عمرو بن نضلة [3] بن مالك بن سليم [4] بن غبشان [5] بن ملكان [6] بن أفصى/ تزوج إلى عبد بن الحارث بن زهرة ابنته [7] نعم [8] وعقد بينه وبينه حلفا فولدت نعم ذا الشمالين بن عبد عمرو [9] بن نضلة [10] وريطة [11] بنت عبد عمرو [9] فتزوج مظعون [بن حبيب بن] [12] وهب بن حذافة بن جمح ريطة فولدت له عثمان [13] وقدامة وعبد الله وزينب بني مظعون وزينب هي أم عبد الله وحفصة ولدي [14] عمر بن الخطاب، وكانت ريطة تلقب مسخنة، وآل مظعون يسبون بها.
حلف آل صعير بن عذرة
حلف آل صعير [1] بن عذرة وذلك أن صعير [2] بن حزان [3] بن كاهل بن عبد بن عذرة بن سعد قدم مكة فحالف بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ثم رفض حلفهم وحالف آل بني عبد مناف بن زهرة وعقد بينه وبينهم حلفا، فمن ولده خالد بن عرفطة [4] بن صعير، ولخالد بن عرفطة صحبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان خالد بن عرفطة على المسلمين يوم القادسية [5] ، وذلك أن سعد بن أبي وقاص كان عليلا فولاه ذلك، وقال صعير [2] حين فارق بني المغيرة: (الطويل) فإن يتبدل [6] ود بكر بودّنا ... تجد بدلا يا ابن المغيرة أعورا تجد كذبا فيهم مقيما وبغضة [7] ... وكلبا عقورا أنبح [8] الناس أحذرا قال: وكان حلف آل أنمار من القارة في بني زهرة أيضا [9] ، وما أدري ما سبب حلفهم، قال: وحالف أبو مسافع الأشعري آل عمران بن مخزوم وقد/ انقرض ولم يدع عقبا، ولا أدري ما كان سبب حلفهم.
حلف عمرو بن الأعظم
حلف عمرو بن الأعظم قال: وكان في بني مخزوم ثم في بني المغيرة من الحلف [حلف-] [1] آل عمرو بن الأعظم من الحيا من خزاعة وهم آل علباء [2] وهم بنو الربعة وهي بنت الحارث بن عبد المطلب هي أمهم، ولست أعرف سبب حلفهم . حلف أبي أسامة [3] قال: وكان فيهم من الحلف أن أبا أسامة [3] الجشمي [4] حالف السائب ابن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم [5] ولست أدري ما سبب حلفه، وقال في حديثه يرفعه نظر رسول الله صلى الله عليه إلى أبي أسامة فقال: الحليف مثل أبي أسامة [6] . حلف النباش [7] بن زرارة قال: وكان حلف النباش بن زرارة من بني أسيد [8] بن عمرو بن تميم في بني نوفل بن عبد مناف، ولست أدري ما سبب حلفه، والنباش أبو هالة زوج خديجة بنت خويلد قبل رسول الله صلى الله عليه، فولدت له هالة [9] وهندا وهما رجلان، فلهند ولادة في آل خالد بن حزام بن خويلد بن أسد أصابت المنذر بن عبد الله الحزامي.
حلف مسعود بن عمرو
حلف مسعود بن عمرو قال [1] : قال ابن شهاب [2] : حالف آل مسعود بن عمرو من القارة آل عبد الله بن جدعان/ التيمي، فلما حضرته الوفاة قال: يا [3] أبا مساحق [3] ، وهو أبو زهير أيضا وكانت له كنيتان [4] إنه لا ولد لك ولا ينبغي لنا أن نقيم مع من [5] لا ولد له فأردد إلينا حلفنا، فرده إليهم وبرئ إليهم منه، فحالفوا بني نوفل بن أهيب [6] بن عبد مناف بن زهرة، قال: ثم ولد لعبد الله بن جدعان بعد وفاته من الضيربه [7] بنت أبي قيس بن عبد مناف بن زهرة أبو مليكة [8] بن جدعان. قال: فهذا كل حلف انتهى إلينا أنه كان جاهليا في قريش، فما كان سوى ذلك فهو دعاوة [9] في الإسلام لصداقة [10] أو أرحام [11] أو [12] جوار أو [12] أصهار.
من دخل في قريش في الإسلام بغير حلف إلا بصهر أو بصداقة أو برحم أو بجوار أو ولاء
من [1] دخل في قريش في الإسلام بغير حلف إلا بصهر أو بصداقة أو برحم أو بجوار [2] أو ولاء [3] فمن أولئك [4] في بني هاشم آل أبي مسروح بن عمرو هم من بني سعد بن بكر دخلوا لصهرهم إلى العباس والمقوم [5] ابني عبد المطلب، كانت عند أبي مسروح ابنة المقوم فولدت له عبد الله بن أبي مسروح، فتزوج عبد الله بنت العباس بن عبد المطلب. ومنهم جعونة [6] بن شعوب من بني ليث دخلوا في بني هاشم لصداقة كانت بين أبي بكر بن جعونة وبين العباس بن عبد المطلب. ومنهم في خزاعة آل كثير [7] بن الصلت [8] الكندي وآل أبي عمر الغفاري أدخلهم [9] جميعا المهدي أمير المؤمنين في خلافته. وكان آل كثير ابن الصلت في بني جمح. ومن أولئك في بني عبد شمس آل عمرو بن أمية الضمري [10] دخلوا في بني أمية لأن عمرو بن أمية الضمري تزوج سخيلة [11] بنت عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب.
ومن أولئك في بني نوفل بن عبد مناف
ومنهم آل هبيرة من بني قمير [1] حلف عليهم محمد بن عبد الملك بن عبد الله بن عنبسة بن عمرو بن عثمان في خلافة المهدي فكتبهم معهم. ومنهم آل سلمة وعمرو ابني الأزرق وكان دخولهم في بني عبد شمس أن سلمة تزوج آمنة بنت عفان أخت عثمان رضي الله عنه لأبيه والأزرق عبد رومي كان للحارث بن كلدة الثقفي، فنزل مع أبي بكرة ومع المنبعث يوم الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا، فأعتقهم لإسلامهم [2] . ومنهم ابن أخت النمر من كندة منهم السائب بن يزيد ليسوا بحلفاء ولم نعلم سبب دخولهم في بني عبد شمس. ومنهم آل هانئ ينسبون إلى [3] همدان ويدعون حلف عثمان بن عفان رضي الله عنه وإنما هم موال له. ومنهم آل قعين [4] من بني أسد بن خزيمة وآل علباء [5] من بني أسد وهم رهط ابن عبد الرحمن بن أقيش [6] ليس لهم حلف إنما دخلوا بسبب جحش بن رئاب [7] . ومن أولئك في بني نوفل بن عبد مناف بنو أبي تجزأة [8] وآل [أبي-] [9] فكيهة وهما أخوان ابنا يسار غلام
عمارة بن الوليد بن المغيرة، وهم ينسبون إلى الأشعريين من اليمن، ولأبي تجزأة [1] يقول عمارة بن الوليد: (الطويل) تزوج أبا تجزاة [2] من يك أهله ... بمكة يرحل [3] وهو للظل آلف وأخوهما لأمهما صياح [4] غلام عمارة بن الوليد الذي [5] قتله عمارة في أمر اليهودي وكانت له قصة وهي هذه: كان عمارة رجلا مترفا جبارا فنزل في بعض أسفاره بمنزل [6] شديد الحر [6] ، فقام صياح وذبح شاة وخبز وطبخ ثم ثرد له فلما قدم إليه طعامه قال له عمارة: مرق حار وخبز حار في يوم حار ما أردت إلا قتلي، ثم قتله، ولذلك يقول كعب بن سعد الغنوي: (الطويل) [7] كمنزل صياح ومهلك سالم [7] ... ولست لميت هالك بوصيل [8] ومنهم آل أبي ثور ينسبون إلى [9] بني تميم وهم الخيار بن عدي ابن نوفل بن عبد مناف، قال عبد العزيز [10] : أدخل [11] إلى عبد الله بن جعفر الزهري من ولد المسور بن مخرمة [12] أبو ثور غلام الخيار بن عدي. ومنهم آل الحارث بن معاوية بن الحويرث المراديين من اليمن، قال: وأظن مدخلهم فيهم بنكاح عبد الرحمن بن معاوية بن الحويرث حفصة بنت
ومن أولئك في بني الحارث بن عبد المطلب
أزهر بن عجير [1] بن [عبد-] [2] يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف ومنهم حلف آل سيحان المحاربي من جسر وذلك أن بني عبد مناف يقوونه وأنا أزعم أنهم عداد [3] ، دلني على ذلك قول عبد الرحمن بن سيحان [4] حين ضربه مروان بن الحكم وهو عامل معاوية على المدينة في الخمر ثمانين، فكتب معاوية بن أبي سفيان إلى مروان: أما بعد فإنك ضربت عبد الرحمن بن سيحان في نبيذ أهل الشام الذي يستعملونه وليس بحرام حين كان حلفه إلى أبي سفيان وأيم الله! لو كان حليفا [5] للحكم [6] ما ضربته فأبطل عنه الحدّ [7] قبل أن أضرب معه من أخذت معه، عبد الرحمن بن الحكم، فأبطله عنه مروان، فقال عبد الرحمن ابن سيحان: (الطويل) إني امرؤ عقدي [8] إلى أفضل الورى [9] ... عديدا إذا ارفضّت عصا المتحلف [10] فبقوله عرف أنه عديد منهم [11] ... وليس بحليف حين أقرّ به في شعره . ومن أولئك في بني الحارث بن عبد المطلب عبد الله بن سعيد بن القسب [12] من أزدشنوءة، قال: وأظن أنه دخل
ومن أولئك من بني عبد الدار بن قصي
فيهم [1] بنكاحه بحينة [2] بنت الحارث بن المطلب قد درج وليس له عقب، قال: ودخل في بني المطلب بن عبد مناف آل جهيم من السكاسك [3] دخلوا بصهر لهم فيهم . ومن أولئك من بني عبد الدار بن قصي آل علاط [4] البهزيون [5] من بني سليم بن منصور رهط حجاج بن علاط/ وكان مدخلهم فيهم أنها كانت عند الحجاج صفية بنت أبي طلحة ابن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، فولدت له معرض [6] بن الحجاج وأخاله، فدخلوا في بني عبد الدار بالصهر، وليس لهم حلف. ومنهم آل يعلى بن منية [7] من بني تميم ومنية أمه، وهو يعلى بن أمية [8] ، ولا أعرف سبب دخولهم في بني عبد الدار . ومن أولئك في بني أسد بن عبد العزى بن قصي آل حاطب بن أبي بلتعة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد شهد بدرا، ومنهم رجل من عنس من اليمن كان ملصقا في بني أسد بغير حلف فادعاه عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة، قال [9] : وهو من ولد الحارث بن أسد بن عبد العزى.
ومن أولئك في بني زهرة بن كلاب
ومن أولئك في بني زهرة بن كلاب آل يزيد [1] من الجدرة [2] من الأزد دخلوا في زهرة بنكاح عبد الله بن يزيد [3] ابنة الأسود بن عوف بن عبد عوف بن عبد [4] [بن-] [5] الحارث بن زهرة، وليس لهم حلف، ومنهم آل أبي بشر من [6] خزاعة منهم كرامة البشرى الشاعر دخلوا بسبب أخوتهم إلى سباع بن عبد العزى من خزاعة. ومنهم آل عبد بن القاري [7] وهم بنو الهون بن خزيمة بن مدركة/ منهم مسعود بن عمرو القاري صاحب النبي صلى الله عليه شهد بدرا وقتل بخيبر، قال [8] : سمعت من يحقق حلفهم، وسمعت من يوهنه، ويقول: إنما دخلوا بأرحامهم وأصهارهم في بني زهرة. ومنهم آل شرحبيل بن حسنة وهو شرحبيل بن سفيان بن معمر ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح وكانت أمه حسنة من الأشعريين وكانت عند سفيان بن معمر فتبنى [9] ابنها شرحبيل وولدت له محمد بن سفيان فكانت هي وهما وسفيان من مهاجرة الحبشة [10] ، وقال بعض الناس: هو محمد بن الحارث بن معمر فحرم محمد على نفسه اللحم أو يرى النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل من أرض الحبشة حتى إذا كان بين جدة وعسفان [11] يريد النبي صلى الله
عليه وسلم نزل به الموت فقال: إني لأكره أن ألقى الله عز وجل وقد حرّمت شيئا مما أحل، فدعا بلحم فأكله هو وسفيان أخوه، فخاصم بنو حطاب وحاطب الجمحيون عبيد الله بن شرحبيل وكان موسعا عليه فسبوه بأمه، فقال: لست منكم، أنا رجل من الغوث بن مر أخو [1] تميم [2] بن مر، وهم الذين كانت العرب تقول لهم إذا دفعوا بين المأزمين [3] : أجيزي صوفة [4] ، قال: وأخبرني عفان بن شبة قال: كانت أم الغوث [5] تلد النساء [5] فحلفت لئن ولدت غلاما لتعبدنه البيت الحرام، فكان أول ما ولدت الغوث بن مر [6] فكان أكبر بنيها [7] فربطته حول البيت، فمرت به أخته تكمة [8] بنت مر وهي أم غطفان وسليم وهما أخوان لأم، فقالت: والله! ما صار أخي إلا صوفة من حر الشمس، فسمي صوفة لذلك، فكانوا يجيزون بالناس الحج [9] فكانت العرب نقول لهم: أجيزي [10] صوفة. فقال: رزاح [11] بن ربيعة العذري أخو قصي وزهرة لأمهما يذكر ذلك: (الوافر)
ومن أولئك في بني تيم
أخذت الحج من عدوان [1] غصبا [2] ... ولو أدركت صوفة لاشتفيت إذا يجنى عليه [3] بذلت نصري ... ويفعل مثل ذلك إن جنيت ثم رجع الحديث إلى ذكر شرحبيل، قال: فركب عبيد الله بن شرحبيل إلى معاوية فقال: أنا رجل من الغوث بن مر، فقال: انظر ما تقول، قال: نسبي منهم فانقل ديواني، قال: فأين أجعله؟ قال: في بني زهرة قال: فنقله وأظن نقله [4] إلى زهرة خاصة لصداقة كانت بينه وبين عبد الرحمن بن زهرة . ومن أولئك في بني تيم آل علقمة بن وقاص الليثيون، وكان مدخلهم فيهم أن علقمة بن وقاص تزوج ابنة لعبيد الله بن عثمان أخت طلحة بن عبيد الله في الإسلام فدخلوا فيهم لصهرهم. ومنهم آل أبي يحيى، وهم موال ينتسبون إلى حكم [5] من اليمن/ ومنهم آل الطفيل بن الأرت، دخلوا في تيم برحمهم لعائشة [6] أم المؤمنين. ومنهم صهيب بن سنان بن يزيد بن النمر بن قاسط وكان [7] من ساكني شاطئ الفرات من قرية يقال لها الثني [8] فاستبته الروم صغيرا في عيال من
ومن أولئك في بني مخزوم
بني الخزرج من النمر فنشأ في الروم حتى كبر، فابتاعته كلب فجاؤوا به إلى عكاظ فابتاعه عبد الله بن جدعان أعجمي اللسان فأعتقه وهو أخو مالك [1] بن سنان عامل كسرى على الأبلة [2] وقال مالك حين سرق صهيب: (الرجز) [3] أنشد بالله [3] الغلام النمري ... دجّ [4] وأهلي بالثني [5] قال: هكذا جاء، وسمعته من غير واحد ينشده كذا . ومن أولئك في بني مخزوم آل الفضيل بن عفيف بن كليب بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو. ومنهم آل خراش [6] بن أمية: دخلوا في صدر الإسلام بسبب نكاح خراش بن أمية قذة [7] بنت عرفجة بن عثمان بن عبد الله [8] بن عمر بن مخزوم. ومنهم حي من بني سامة بن لؤي أدخلهم فيهم إبراهيم بن هشام المخزومي بفرض فرضه لهم هشام بن عبد الملك. ومنهم آل أبي ياسر من بني تميم دخلوا بفرض من عبد الملك بن مروان
ومن أولئك في بني عدي بن كعب
افترضه [1] لهم هشام بن إسماعيل. ومنهم آل عمار بن ياسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وكان أمرهم أن ياسرا وهو رجل من عنس [2] من اليمن قدم مكة هو وأخواه الحارث ومالك يطلبون أخا لهم، فخرج الحارث ومالك وأقام ياسر فتزوج سمية بنت خيط [3] جارية أبي حذيفة [4] فولدت له عمار بن ياسر رضي الله عنه ثم خلف عليها الأزرق [5] غلام الحارث بن كلدة، وهو ممن أعتق بالإسلام يوم الطائف، فولدت له عمرا وسلمة ابني الأزرق فهما أخوان لأم وأعتق أبو حذيفة عمارا فنسبه في عنس صحيح، وهو مولى لآل أبي حذيفة ابن المغيرة. ومنهم أبرهة بن الصباح [6] ، يقال [إنه-] [7] من حمير، و [هو-] [7] حبشي أسلم ولم تصبه [8] منّة [9] من أحد . ومن أولئك في بني عدي بن كعب آل بكير الليثيون دخلوا بفرض فرضه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهم يزعمون أنهم كانوا جيرانا لعمر بن الخطاب رحمه الله وهذا أثبت [10] لأنهم
قد حضروا [1] بدرا وهم يعدون في بدريي [2] بني عدي. ومنهم آل عامر بن ربيعة وهم آل قريط وهم من عنز بن وائل [3] إخوة بكر بن وائل [3] ، وكان مدخلهم فيهم أن عامرا هاجر إلى النبي صلى الله عليه وشهد بدرا وكان لعمر صديقا ففرض له في قومه في بدريي [4] بني عدي، وأثبت من هذا أن الخطاب تبناه وأنه ورث الخطّاب مع ولده، فلما أنزل الله عز وجل في قصة زيد بن حارثة ما أنزل [5] نسب إلى أبيه ربيعة وكان ربيعة قد هلك وتركه صغيرا. ومنهم آل واقد بن عبد الله التميمي وهو من بني عرين بن ثعلبة بن يربوع وكان واقد قد هاجر وشهد بدرا وكان لعمر صديقا ففرض له مع قومه من بني عدي ويبطل هذا أنه يعد مع بدريي [6] [بني-] [7] عدي بن كعب ويقال كان حليفا [8] جنى [9] جناية في قومه فلحق بمكة وحالف بني عدي. ومنهم آل رافع وهم ينسبون إلى لخم ورافع مولى لعمر بن الخطاب رضي الله عنه. ومنهم آل نمير أصحاب حضير [10] ، منهم أبو نمير الشاعر ينتسبون إلى همدان [11] ، وهم موالي لعمر بن الخطاب ومن بعضهم عركز [12] الفائد فادعى
ومن أولئك في بني جمح
إلى همدان وانتفى من ولاء عمر . ومن أولئك في بني جمح آل أبي يسار وأبي فكيهة وأبي تجزأة [1] عبيد [2] عمارة بن الوليد، وكان صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف تزوج ابنة لأبي يسار، فقال عبد الملك بن مروان لمحمد بن صفوان بن [3] عبد الله بن صفوان [3] لما قدم [4] عليه: من أمك؟ فقال: بنت أبي يسار، فقال علقمة بن وقاص: أبصر بالنكاح من أبيك حين تزوج ابنة عبد الله بن عثمان [و-] [5] أخت طلحة بن عبيد الله . ومن أولئك في بني سهم ولم يكن لهم حلف في الجاهلية آل عبد الرحمن بن يزيد بن عبد الله بن عمرو بن حبيب وهم يدعون إلى غطفان، وبعض الناس يزعم أنهم من بلى [6] من إراشة [7] وتزعم بنو عبس أن أبا يزيد عبد الله بن عمر كان عبدا لهم فارسيا فأبق منه فسمي [8] ملاصا [9] ليلة أبق، قال: ولم يكن في بني عامر بن لؤي حلف في الجاهلية، ودخل فيهم في الإسلام بدعاوة [10] بنو جناب الحميريون وهم من ثمود اليمامة، ودخل فيهم آل عمران بن أبي أنس وهم يزعمون أنهم من الأشعريين من بني أسعد وأن أبا أنس نوفل بن بجاد [11] ، وبنو عامر بن لؤي يزعمون أن أبا أنس عبد لعبد الله بن سعد بن أبي سرح، ودخل فيهم آل شريح وهم يدعون أنهم
من لخم وجاءوا بنسبهم [1] من الشام بكتاب من بعض قضاة الشام إلى محمد بن عبد العزيز الزهري و [هو-] [2] يومئذ يلي قضاء المدينة، ولصحيح [3] نسبهم أن شريحا كان عبدا لأبي عمرو بن حماس [4] الديلي: قال عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز الزهري [5] : وكان مما انتهى إلينا مما جاء عن النبي صلى الله عليه من تثبيت الحلف حلف الجاهلية ومن المواقيت التي أراد [6] أنه لا حلف بعدها، قال: قال عروة بن الزبير ورفعه إلى النبي صلى الله عليه قال: «لا حلف في الإسلام وما كان في الجاهلية فلا يزيده الإسلام/ إلا شدة» . قال: وحدثني خالي عدي بن ثابت أن الأوس أرادت أن تحالف سليما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حلف في الإسلام ولا يزيد الإسلام حلف الجاهلية إلا شدة» . وحدث عن زيد بن أسلم عن الأعمش عن الشعبي قال قال رسول الله صلى عليه: «لا حلف في الإسلام وحلف الجاهلية مشدود» فهذا ما انتهى إلى عبد العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم في تثبيت حلف الجاهلية وتوهين حلف الإسلام، قال: أحدث بنو الغزالة من بني سليم ثم من بني بهز حدثا في قومهم قتلوا قتيلا ثم خرجوا فركبوا الحرة فهبطوا [7] على أبي جليد [8] فحالفوه وكان منزله بالستارة [9] ، فطلبهم قومهم حتى جاءوهم [10] فمنعهم ابن أبي جليد، فقال: حالف [11] أبي وأنا أعقل عنهم [12] ، فقال رجل من بني
بهز [1] : (الرجز) جئت بها يا ابن أبي جليد ... حناكلا [2] مثل الوبار [3] السود فقال ابن أبي جليد: (الرجز) جئت [4] بها طامية [5] ذراها [6] ... يحب منها كل من يراها قال: فلما كان زمن عثمان رحمه الله خاصمت بهز ابن أبي جليد في حلفهم وقالوا: حالفوا والنبي صلى الله عليه بمكة فهذا حلف في الإسلام، فقضى أن كل حلف كان ورسول الله صلى الله عليه بمكة فهو جاهلي، وما كان في الهجرة فهو إسلامي وأن لا حلف في الإسلام. وقد حالف [أبو-] [7] ربيعة جد إسحاق بن مسلم بن أبي ربيعة/ العقيلي في جعفي [8] ، فادعت جعفي أن نسبه منهم، فأنكرت ذلك بنو عقيل وقالوا: حالفوا في الإسلام وأنكرت ذلك جعفي، فقالوا: بل كان حلفهم في الجاهلية فقضى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: أن كل حلف كان قبل نزول «لإيلاف قريش» فهو جاهلي وكل حلف كان بعد نزولها فهو منقوض، يريد علي بن أبي طالب عليه السلام بذلك أن من عقد [9] [حلفا-] [7] لا يدخل في قريش بعد نزولها وهو [10] مردود عليه، قال عبد العزيز [11] : وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كل حلف كان
قبل الحديبية [1] فهو مشدود [2] وكل حلف كان بعدها فهو منقوض [3] ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وادع قريشا كتب بينه وبينهم وأنه من أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدها دخل ومن أحب أن يدخل في عهد محمد صلى الله عليه وعقده دخل، قال: وقال ابن عباس: كل حلف كان قبل نزول قول الله عز وجل وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ 4: 33 [4] مشدود [5] وكل حلف كان بعدها فهو منقوض [6] ، قال: وقال محمد بن عبد الرحمن بن عبد القاري: نزلت في الحلف يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ 5: 1 [7] إلى آخر الآية، قال: وقال محمد بن علي عن أبيه عن يزيد بن ركانة [8] قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر/ قريش! ادخلوا دار الندوة ولا يدخلن أحد ألّا أنتم، فقالوا: يا رسول الله! إن فينا غيرنا، قال: من؟ قالوا: عتبة بن غزوان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حليف القوم منهم وابن أخت القوم منهم ومولى القوم منهم» قال: وحدث بمثله عن حزام بن هشام عن أبيه عن النبي صلى الله عليه. قال: وقد دخل في أحلاف قريش من ليس لهم بحليف، منهم الحضارمة [9] وكان أمرهم أن كسرى بعث بلطيمة [10] إلى عكاظ فتعرضت [11] له
بنو تميم وبنو شيبان فاقتطعوها فبعث إليهم كسرى خيلا واستعمل عليهم وهرز [1] ، فخرجوا حتى لقيتهم [2] تميم وشيبان بذي قار [3] فقتلوا فارسا [وهرز-] [4] واقتطعوها [5] ، فباعوهم [6] في اليمامة والبحرين وعمان، ووردوا [7] ببزر مهر [8] فباعوه وكان صنعا [9] فابتاعه صخر بن رزن الدئلي، ثم قدم عليه رجل من حضرموت وخرج به إلى حضرموت فافتداه بأربعة آلاف درهم وقدم به، فسمي [10] الحضرمي لقدومه من حضرموت فقال صخر بن رزن: (الكامل) ومطية أفنيت محفد [11] رحلها ... وأبت عليها سفرتي ورحيلي أبغي الفكاك لزرمهر إنه ... حدث علينا فاعلمن جليل فعتق الحضرمي ونزل مكة وكثر ماله وولد نساء حسانا ورجالا فأنجبهم، فتزوج بنوه حيث أحبوا وهم يدعون حلف حرب بن أمية، وليس لهم حلف من أحد من قريش، وقال غير عبد العزيز [12] : كان أمر الحضرمي أن كلثوم بن رزن/ وأخاه الأسود بن رزن بن يعمر بن نفاثة [13] بن عدي بن
الديل [1] خرج تاجرا الى حضرموت فرأى بها عبدا فارسيا نجارا يقال له زرمهر [2] لرجل من حضرموت يكنى أبا رفاعة فأعجب به وبعقله فخدعه حتى أبق به، فقدم مكة فأقام يعمل بها وذكر مكانه لمولاه فأقبل في طلبه حتى أخذه، فلم يزل ابن رزن حتى اشتراه منه ودفع إليه بعض الثمن واشترط عليه أنه متى أتاه بثمنه دفع العبد إليه، فجاء وأعطاه ذلك، وخرج أبو رفاعة راجعا إلى حضرموت، فلم يزل ابن رزن حتى جمع بقية ثمن العبد ثم خرج متوجها إليه وهو يقول: (الكامل) أبلغ لديك أبا رفاعة أنه ... من حضرموت فبلغن رسولي إني وجدك ما دنيت ولم أزل ... أبغي الفكاك له بكل [3] سبيل ومطية أفنيت محفد رحلها ... وأبت عليها سفرتي ورحيلي أبغي الفكاك لزرّمهر إنه ... رزأ [4] علينا فاعلمن جليل فدفع الثمن إلى مولاه وقبضه وأقبل به إلى مكة فتركه يعمل بها فقال أهلها: الحضرمي، حتى غلب، فلم يكن يعرف إلا به، ثم أعتقه مولاه فعمل لنفسه [5] حتى أيسر وكثر ماله. ولجأ إلى أبي سفيان بن حرب فجاوره، وانقطع إليه وكانت بنو نفاثة فيما يقال حلفاء لحرب بن أمية فانضم إليه بذلك السبب ومنهم- قال عبد العزيز- كان فيمن صار في أحلاف قريش وليس لهم حلف آل مالك الدار مولى عمر بن الخطاب وهم ينتسبون إلى جبلان [6] من اليمن
وإنما دخلوا في أحلاف قريش حين جحدوا ولاء [1] عمر [1] وطلبوا [2] من المهدي في خلافته أن تكون دعوتهم في أحلاف قريش فأجابهم إلى ذلك، فكتبوا منهم، وهم موالي عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ومنهم آل أبي عون الدوسيون وهم ممن لم يحالف وهم بنو نبيش [3] وإنما دخلوا بسبب إخوتهم. قال: ودخل في الأحلاف بسبب دوس آل أبي ذباب [4] وليسوا من دوس إنما هم بنو الحارث بن [5] عمرو وليس لهم حلف، قال: ودخل فيهم آل معيقيب [6] بن أبي فاطمة مولى سعيد بن العاص، وهم ينسبون إلى بني الحارث بن عامر. قال: وكانت بين أحياء من قريش أحلاف، وكانت بين أحياء من العرب أحلاف، وكانت بين أحياء من العرب [7] بعضها في بعض أحلاف، وذلك سوى ما كتبناه في صدر كتابنا هذا، فتقطعت تلك الأحلاف وتركت وقد كتبنا ما حفظنا منها، فمن ذلك حلف عدي بن كعب إلى سهم وذلك أن صدّاد [8] بن عبد بن أذاة [9] بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح [10] بن عدي بن كعب سرق ناقة لعبد شمس بن عبد مناف فوثبت بنو عبد مناف على صداد يريدون قطع يده، فحالفت بنو عدي سهما وهم بنو أختهم أم سهم
ومن ذلك حلف بني الحارث بن فهر وعبد مناف
وجمح ابني عمرو بن هصيص [1] الألوف [2] بنت عدي بن كعب فقال عامر بن عبد الله: (الوافر) فدى لبني سهيم [3] أبي وأمي ... إذا غصت من الكرب الحلوق قال [4] : هكذا جاء هذا البيت [5] ، فمنعت بنو سهم بني [6] عدي من بني عبد مناف، ثم إن حارثة جد مطيع بن الأسود بن حارثة العدوي شرب هو ونفر من بني سهم فيهم جد عمرو بن هصيص [7] السهمي، فضربه حارثة ضربة أمته [8] ، [9] فانقطع ذلك الحلف الذي كان بين عدي وسهم عند هذه الضربة [9] ومن ذلك حلف بني الحارث بن فهر وعبد مناف قال: تزوج عبد العزى بن عامرة [10] بن عميرة [11] بن وديعة بن الحارث ابن فهر حية [12] بنت عبد مناف بن قصي وكانت من ساكني الليث [13] وأجمة [14]
ومن ذلك حلف الأوس وقريش ولم يتم
أدام [1] فولدت له أبا همهمة [2] فلما نبت [3] قال لأبيه: ما مقامنا بأرض ليس فيها بنو عبد مناف؟ فقال: وما رغبتك [4] إلى أخوالك [4] وهم ساكنو [5] الحرم؟ قال: فأما سرت إليهم إما لحقت بهم، قال: فالحق جذ الله نسلك! فلحق أبو همهمة [6] بأخواله فحالف فيهم ونكح ابنة [7] أبي عمرو بن عبد مناف وهي بنت خاله، وقدم بنو الحارث بن فهر فحالفوا معه، فثبت حلف بني الحارث بن فهر إلى يوم الناس هذا وانقرض أبو همهمة ولا ولد له [8] ومن ذلك حلف الأوس وقريش ولم يتم قال: خرجت الأوس جالية من الخزرج حتى نزلت على قريش بمكة فحالفتها فلما حالفتها قال الوليد بن المغيرة: والله! ما نزل قوم قط على قوم إلا أخذوا شرفهم وورثوا ديارهم فاقطعوا حلف الأوس، فقالوا: بأي شيء؟ قالوا: إن في القوم حشمة، فقولوا: إنا قد نسينا شيئا لم نذكره لكم، إنا قوم إذا طاف النساء بالبيت فرأى الرجل امرأة تعجبه قبلها ولمسها بيده، فلما قالوا ذلك للأوس نفروا وقالوا: اقطعوا الحلف بيننا وبينكم، فقطعوه، ثم انقطع هذا الحلف بين قريش والأوس إلا ما كان بين عتبة بن أبي وقاص الزهري وبين عتبة بن المنذر بن أحيحة [9] بن الجلاح [10] فإنه ثبت ذلك الحلف، فاتخذ
عتبة بن أبي وقاص دارا بقبا [1] فكان ينزلها ويكون فيها وهي الدار التي خلف بئر غرس [2] على اليمين المبنية [3] بالقصة [4] . قال: وقال ابن أبي عبيدة: خرجت بنو عبد الأشهل وظفر [5] وبنو معاوية وأهل راتج [6] إلى مكة ليحالفوا [7] قريشا وأظهروا أنهم يريدون العمرة وكان من أراد حجا أو عمرة لم يتعرض [8] له وكانوا إذا أحرموا علقوا الحبال برؤوس الآطام وعلقوا فيها الكرانيف [9] ، فإذا رؤيت قال الناس: قد أحرم بنو فلان، فربطوا في رؤوس آطامهم الحبال وعلقوا فيها الكرانيف، فقال الناس: قد أحرمت بنو عبد الأشهل بالعمرة، وأجار [10] لهم أموالهم [11] بعد خروجهم [11] عبد الله بن معرور [12] أخو بني سلمة [13] ثم أحد بني عبيد [14] وكانت أمه امرأة من بني
عبد الأشهل، فقال قيس بن الخطيم [1] هذه القصيدة حين ساروا إلى مكة: (الوافر) ألمّ خيال ليلى أم عمرو ... ولم يلمم [2] بنا إلّا لأمر زجرنا النخل والآطام حتى ... إذا هي لم تطاوعنا [3] لزجر همننا بالإقامة ثم سرنا ... كسير حذيفة [4] الخير بن بدر بذم الكاهنين وذم عمرو [5] ... بآية ما تناسوا كل وقر [6] تقول ظعينتي لما استقلت ... أتترك ما جمعت صريم [7] سحر فقلت لها دعيني إن مالي ... يروح إذا غلبتهم ويسري فلست [8] بحاضر [9] إن لم ترونا ... نجالدكم كأنا شرب خمر وتحمل جمعكم [10] عنا قريش ... كأن بنانهم تفريك بسر [11] تلاقوا عشرة الأحلاف طرا ... فشدوا كسر عزمهم بجبر ملكنا العز قد علمت معد ... فلم نذلل بيثرب غير شهر خذلناهم [12] وأسلمنا الموالي ... وفارقنا الصريخ لغير فقر
ومن ذلك [حلف-] مرداس بن أبي عامر و] حرب بن أمية
فإن نلحق بأبرهة اليماني ... ونعمان [1] يوجهنا [2] وعمرو فلما حالفوهم مكثوا أياما، ثم قدم أبو جهل بن هشام من سفر له فبلغه شأنهم، فقال لقريش: ما أصبتم حين حالفتموهم إنهم أهل غدر وجلب [3] ، ولقلما دخل قوم على قوم إلا أخرجوهم من بلدهم وغلبوهم على دارهم، فقالوا له: فما المخرج من حلفهم؟ قال: أنا أكفيكم ذلك إنهم لمن أشد العرب غيرة وقزازة [4] فلعلي آتيهم من قبل ذلك، ثم خرج حتى جاءهم فقال: إنكم حالفتم قومي وأنا غائب عنكم فجئتكم لأحالفكم وأذكر لكم من أمرنا أمرا تكونون منه على رؤوس [5] أموركم، إنا قوم نخرج نساءنا إلى أسواقنا فيبعن [6] وابتعن [7] ولا يزال الرجل منا يدرك المرأة منهن إذا أعجبته فيضرب عجيزتها فإن كنتم [8] طيبي الأنفس [9] أن تفعل نساؤكم كما تفعل نساؤنا حالفناكم وإن كرهتم ذلك فردوا إلينا حلفنا، قالوا: إنا لا نقر بهذا وقد رددنا إليكم حلفكم، فانقطع ذلك الحلف وكان هذا سبب انقطاعه ومن ذلك [حلف-] [10] مرداس بن أبي عامر و] [11] حرب بن أمية قال: حالف مرداس [12] بن أبي عامر السلمي حرب بن أمية بن
من ذلك حلف بني عامر بن لؤي وعدي بن عمرو
عبد شمس وأبا العاص بن أمية بن عبد شمس، فقال مرداس في ذلك: (الوافر) لهم نسب وحالفهم أبونا ... بمكة حيث تختلف الزجاج [1] وقال أيضا: (البسيط) إني أخذت [2] بني حرب وإخوته ... إني بحبل شديد العقد دساس إني أقوم [3] قبل الأمر حجته ... كيما [4] يقال ولي الأمر مرداس قال: ثم تقطع هذا الحلف من ذلك حلف بني عامر بن لؤي وعدي بن عمرو وكان أول حلف بني عامر بن لؤي وعدي بن عمرو [5] وأخيه كعب ابن عمرو بن عامر بن ثعلبة بن مازن بن الأسد أنهم أقاموا فيهم حتى إذا كان بعد الفيل خرج حويطب بن عبد العزى في نفر من قومهم فنزلوا مكة، فلم يحلوا [6] منزلا إلا بطن الوادي فخيموه ثم نزلوا فيه، وقطعوا الحلف من بني عدي بن عمرو، ولم يكونوا من الأحلاف ولا من المطيبين ولا من الفضول، ورجعت [7] بنو عبد بن معيص حين خرجت منها [8] مالك بن حسل فاحتلفت بنو معيص والأدرم [9] بن غالب ومحارب بن فهر حلفا فهم [10] حتى الساعة يسمّون ببني فهر وقطعوا حلف بني عدي، ثم تقطع حلف بني معيص من
ما جاء في حلف المطيبين والأحلاف في رواية ابن أبي ثابت
عدي بن عمرو وثبت حلف عبد بن معيص وتيم بن غالب وبني محارب بن فهر فهم حتى الساعة يسمّون ببني [1] فهر ما جاء في حلف المطيبين والأحلاف في رواية ابن أبي ثابت قال: وكان أمر المطيّبين والأحلاف أن قريشا لما بنت الكعبة جزأوها [2] أربعة أجزاء فصار لبني عبد مناف ما بين الحجر الأسود إلى ركن الحجر [3] فناء البيت أجمع، وصار لأسد وعبد الدار وزهرة الحجر كله، وصار لمخزوم وتيم دبر البيت، وصار لسائر قريش ما بين الركن اليماني إلى الركن الأسود، فلما بنوه وفرغوا منه تنافسوا في الركن من يرفعه فقالت بنو عبد مناف: هو حيزنا، وقالت قريش: ليس الركن مما اقتسمنا، وأرادوا فيه الشر حتى حكموا أول من يطلع عليهم من قريش من باب السيل وهو باب آل شيبة، فطلع عليهم رسول الله صلى الله عليه فحكموه فأخذ ردائه فوضعه ثم رفع الحجر بيده صلى الله عليه، وقال لكل ربع: خذوا بطرف من أطراف الثوب، فرفعوه جميعا ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الحجر فبناه بيده عليه السلام، فلما فرغوا من البنيان وعمروا البيت والسقاية قالت بنو عبد مناف [4] : بيد إخواننا [5] عبد الدار خلال ليست بأيدينا، بأيديهم الرفادة واللواء والندوة والحجابة، وليس بأيدينا إلا السقاية، فقالوا [6] لهم: هلم أعطونا بعض ما في أيديكم، فقال بنو عبد الدار: لا نعطيكم ما ورثناه عن أبينا وجدّنا مذ كنا، قالت بنو عبد مناف: فحاكمونا إلى من/ أردتم، قالوا:
نحاكمكم إلى جابر بن محمد [1] بن وائلة بن شيبان بن محارب بن فهر وهو أبو كرز [2] بن جابر صاحب النبي صلى الله عليه المقتول يوم الفتح، فاختصموا إليه وكان يقال له [3] عابد فهر، فقالت بنو عبد مناف: [من-] [4] وراثة أبينا قصي ليست بأيدينا إلا السقاية، وقالت بنو عبد الدار: وراثة أبينا [5] وما ولّاه أبوه دون [6] سائر [7] بنيه، فقال جابر: البخت متبع والعدل [8] ملزوم والسابق أولى أن تشركوهم [9] ، تشركوا اصبروا أن تفككوا، فلما منعهم قالت بنو عبد مناف: أعطوا بني أسد الرفادة وشأنكم بما بقي، فقالت بنو عبد الدار: لا نحل عقدا ولا ننبذ [10] سببا ولا نعق أبا، فلما أبوا عليهم تداعت قريش حتى رأوا [11] ما طلبت بنو عبد مناف ورغبوا في الولاية معهم فتحالفوا فاحتلفت بنو عبد مناف وأسد وزهرة وتيم والحارث بن فهر وأخرجت أم حكيم بنت عبد المطلب لهم جام جزع [12] فيها طيب فغمسوا فيها أيديهم فكانوا المطيّبين، واحتلفت بنو عبد الدار ومخزوم وعدي وجمح وسهم فأخرجت بنو عبد الدار جفنة [13] فيها دم فغمسوا فيها أيديهم، فسموا اللعقة وهم الأحلاف، ثم عقدوا
ما جاء في حلف الفضول رواية ابن أبي ثابت وهو بعد حلف المطيبين
حلفهم وأعدوا للقتال ثم تراجعوا فقالت بنو كلاب: إخواننا وهم أدنى من غيرهم أن نقتلهم ونقطعهم وإن يقتلونا يقتلهم غيرهم، فكفوا عن القتال وتركوهم على ما في أيديهم وقد كانوا حين جاءوا إلى القتال جزأوهم [1] فجزأوا [2] عبد مناف معها الحارث بن فهر بابني هصيص: سهم وجمح، وجزأوا [3] عبد الدار باسر وجزأوا [3] زهرة بمخزوم وجزأوا [3] عديا بتيم. وقال ابن الزبعرى حين أسلم عثمان بن طلحة بن [4] أبي طلحة العبدري وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص يذكّرهم ذلك الحلف: (الطويل) أناشد [5] عثمان بن طلحة حلفنا ... وملقى النعال عن يمين المقبل أمفتاح بيت غير بيتك تبتغي ... فباب الذي تبغي من الأمر مقفل وما عقد الآباء من كل حلفة ... وما خالد عن مثلها بمحلل [6] وقال في ذلك عكرمة بن عامر العبدري: (الطويل) فو الله لا نأتي الذي قد [7] أردتم ... ونحن جميع أو نخضب بالدم ونحن ولاة البيت لا تنكرونه ... فكيف على علم البرية نظلم [8] ما جاء في حلف الفضول رواية ابن أبي ثابت [9] وهو بعد حلف المطيّبين قال: أقام المطيّبون والأحلاف بعد تحالفهم دهرا طويلا ثم إن رجلا من بني زبيد من اليمن قدم مكة بسلعته فباعها من رجل من بني سهم يقال له حذيفة بن قيس بن سعد بن سهم فظلمه السهمي ومنعه حقه، فاستغاث
بقريش فلم يغثه أحد، فقيل للزبيدي: ائت [1] الأحلاف، فأتاهم وكلمهم فلم يعينوه وقالوا: إن أغثناه وقع بيننا وبين إخوتنا شر، فتركوه [2] فأقام أياما ثم قدم حنظلة بن الشرقي [3] أحد بلقين [4] بن جسر [5] فجاور [6] بمكة عبد الله بن جدعان التيمي ومعه إبل له، فشد عليه بعض بطون قريش فانتحر منها، فبلغ ذلك حنظلة فأتاهم [7] بثلاثة جزائر وقال لهم: انتحروها إلى التي انتحرتم فأنتم أهله، فاستحيوا ثم عادوا فأخذوا [8] سائر إبله فذهبوا بها فأنشأ يقول: (الطويل) ألا حنت المرقال [9] واشتاق [10] ربها ... تذكر أرماما [11] واذكر معشري وباتت وبات الهم تحت جرانها [12] ... ضمورا بأن الوحش لو لم تجزر ولو علمت صرف البيوع لسرها [13] ... بمكة أن تبتاع [14] حمضا [15] بإذخر [16]
لسرك [1] : لو كننا بجنبي عنيزة [2] ... وحمض وضمران الجناب وصعتر [3] وأني لأرجو [4] ملحها [5] في بطونكم ... وما بسطت [6] من جلد [7] أشعث أغبر فأما اجتوت [8] أرضا فإني اجتويتها ... وإن على التبّ [9] لو لم أغير جزاء سنمار جزوها وربها ... وباللات والعزى جزاء المكفّر أجدّ بني الشرقي [10] أدبر [11] انهم ... متى يعلقوا [12] جارا من الناس [13] يغدر إذ قلت أوف [14] أدركته دروكه [15] ... فيا مؤذي [16] الجيران بالبغي [17] أقصر قال: وكان سنمار رجلا من أهل فارس ويقال من الروم بنى [18] قصر
القادسية أو العذيب [1] لكسرى فلما فرغ منه ويقال بل هو بني شنيف [2] ومارد بتيماء [3] فقتله عادياء اليهودي حين فرغ منه، وتزعم الأوس أنه بنى واقم [4] أطم حضير [5] الكتائب فقتله حين فرغ منه، قال أبو جعفر [6] : ويقال إن سنمار بني لأحيحة بن الجلاح الأوسي أطمة الضحيان [7] فقال له: إني لأعرف منه حجرا لو زعزع لسقط الحصن، قال: أفيعرفه غيرك؟ قال: فاصعد فأرنيه، قال فصعد فأشرف ليريه فنكسه أحيحة فرمى [8] به إلى أسفل، ويقال إن سنمار بني الخورنق لبهرام جور بن كسرى وكان في حجر ذي القرنين [9] اللخمي فلما فرغ [10] منه تعجبوا لحسنه، فقال: لو علمت أنكم تؤتونني أجري لبنيت لكم بناء يدور مع الشمس، قالوا له: نراك تحسن، تبني أحسن من هذا وأجود ولم تبنه، فرموا به من فوقه إلى أسفل، فضربته العرب مثلا. ثم رجع إلى الحديث، فلما رأى الزبيدي ذلك أوفى [11] على أبي
قبيس [1] ، فصاح بأعلى صوته: (البسيط) يا للرجال لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي [2] الأهل والنفر؟ [3] إن الحرام لمن تمت حرامته ... ولا حرام لثوبي لابس الغدر فلما رأت ذلك قريش أعظموه، فانطلقت هاشم وزهرة وتيم فدخلوا على عبد الله بن جدعان، فذكروا له ما رأوا [4] من الظلم وتحالفوا بينهم على دفع الظلم وأخذ الحق من كل ظالم قال فقال سعيد بن المسيب: تحالفوا بينهم بالله القائلين [5] إنا ليد [6] على الظالم حتى نأخذ منه الحق ما بل بحر صوفة وعلى التأسي في المعاش، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه: «لقد شهدت حلفا في دار ابن جدعان [7] ما أحب أني نقضته [7] و [لو كان-] [8] لي حمر النعم ولو دعيت اليوم إليه لأجبت» وإنما سمي حلفهم حلف الفضول لأنهم [9] خرجوا فضلا من المطيّبين والأحلاف قال: وسمعت من يقول: سمي حلف الفضول لأنهم [9] تحالفوا ألا يتركوا عند أحد فضلا بظلمه أحدا [10] إلا أخذوه منه، ويقال: إن قريشا قالت: هذا فضول منهم، فسمي بذلك أصحاب حلف الفضول [11] ، قال: ونزلت وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ 4: 33 [12] في حلف الفضول
خاصة قال: وكان من أمر حلف الفضول أن رجلا من خثعم قدم مكة ومعه ابنه له حسناء يقال لها الدريرة [1] فأخذها نبيه بن الحجاج فخرج بها إلى الرمضة [2] وغلب عليها فمشى أبوها إلى بني سهم فلم يعينوه ومشى إلى قبائل [3] قريش فأبوا، فقال له قائل [4] : لو أتيت حلف الفضول، فجاءهم فخرجوا معه حتى جاءوه فقالوا: اردد ابنته إليه فقال: متعوني بها الليلة، قالوا: لا نقوم والله حتى تأتي بها، فأسلمها إليهم فدفعوها إلى أبيها، فقال نبيه [5] : (الكامل) حي الدريرة إذ نأت ... منا على عدوائها [6] لا بالفراق تنيلني ... شيئا ولا بلقائها إلّا مواعد [7] جمة ... تلقى على استغنائها أخذت بشاشة قلبه ... ونأت فكيف بنأيها [8] رفعوا المحلة نحوهم ... واستعذبوا من مائها لولا الفضول وإنه ... لا أمن من عدوائها لأتيتها أمشي بلا ... هاد إلى ظلمائها فلطفت [9] حول خبائها ... ولبدت [10] في أحشائها وسلى بمكة تخبري ... أني من أهل وفائها ذمما [11] وأفضلهم يدا ... حسبي على أكفائها
قال [1] : وكان من حلف الفضول أن لميس [2] بن سعد البارقي [3] من الأزد قدم مكة بتجارة له فاشتراها أبي بن خلف الجمحي ثم ظلمه فيها، فاستعان عليه فلم يجد أحدا يعينه فقيل له ائت أهل حلف الفضول، فخرج إليهم فكلمهم، فقالوا: اذهب إليه فقل له يقول لك الفضول: أسلم حقه إليه، فإن فعل وإلا فارجع إلينا فأخبرنا وأخبره أنك راجع إلينا، فخرج إليه وبلغه الرسالة، فأعطاه حقه فقال لهم في ذلك: (الطويل) أيهضمني [4] مالي بمكة ظالما ... أبي ولا قومي لديّ ولا صحبي وناديت قومي بارقا [5] لتجيبني ... وكم دون قومي من فياف ومن سهب [6] وتأبى [7] لكم حلف الفضول ظلامتي ... بني جمح [8] والحق يؤخذ بالغصب قال: وإنه [9] بلغني أن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس قال وهو يذكر حلف الفضول: وا عجبا والله لو أن رجلا خرج من قومه ونسبه لحلف لخرجت من قومي إلى حلف الفضول، قال: وحدثت عن المليكي [10] في حديث رفعه أن رسول الله صلى الله عليه قال: «لقد حضرت في دار ابن جدعان حلفا في الجاهلية ولو دعيت الى مثله [11] لأجبت أن ترد المظالم [12] إلى أهلها ولا
قصة من كان يلي حجابة البيت وكيف كان سببها حتى وصلت إلى قريش
يغر [1] ظالم مظلوما . قصة من كان يلي حجابة البيت وكيف كان سببها حتى وصلت إلى قريش قال عيسى بن دأب الكناني: كان مفتاح [2] البيت في أيدي جرهم وإن رجلا منهم يقال له إساف [3] بن يعلى [4] عشق امرأة منه يقال لها: نائلة بنت مزيد [5] أو زيد فأصابا من البيت خلوة، ففجرا فيه فمسخا حجرين فأخرجا فنصبا عند الكعبة ليعتبر الناس بذلك، ثم إن قريشا بعد نقلتهما فجعلت إسافا على الصفا ونائلة [6] على المروة وعبدوهما مع ما كانوا يعبدون من الأصنام. وذكر ابن الكلبي أن [بني-] [7] جرهم وقع فيها أمراض فمات منها في ليلة واحدة ثمانون [كهلا-] [8] سوى الشباب، فجلوا عن مكة ولحقوا بإضم [9] والأشعر والأجرد جبلي [10] جهينة، فيقال: إن الله أهلكهم بالذر، وقالت الجرهمية: (الرجز) أهلكنا الذر زمان يقدم [11] ... بالبغي منا وركوب المأثم
ويقال: إن سيل إضم جحفهم [1] فذهب بهم، ثم وليت حجابة البيت إياد فكان أمر البيت إلى رجل منهم يقال له وكيع بن سلمة بن زهر [2] بن إياد وبنى صرحا بأسفل مكة عند سوق الحناطيين [3] اليوم وجعل فيه أمة له يقال لها الحزورة فبها سميت حزورة [4] مكة، وجعل فيها سلّما فكان يرقاه ويقول بزعمه: إني أناجي الله عز وجل، وكان ينطق بكثير من الخير يقوله وقد أكثر فيه علماء العرب، فكان أكثر ما [5] قيل [6] فيه إنه [7] كان صدّيقا من الصدّيقين وكان [8] يتكهن ويقول: ومرضعة [9] وفاطمة ووادعة [10] وقاصمة والقطيعة والفجيعة وصلة الرحم وحسن الكلم زعم ربكم ليجزين بالخير ثوابا وبالشر عقابا، وكان يقول: من في الأرض عبيد لمن في السماء، هلكت جرهم وربلت [11] إياد وكذلك الصلاح والفساد، حتى إذا حضرته الوفاة جمع إيادا ثم قال: اسمعوا وصيتي، الكلام كلمتان، والأمر بعد البيان، من رشد فاتبعوه ومن غوى فارفضوه، وكل شاة معلقة برجلها [12] ، فكان أول من قالها فأرسلها مثلا، فمات وكيع ونعي على رؤوس [13] الجبال، فقال بشر [14] بن الحجير [15] :
(المتقارب) ونحن إياد عباد الإله ... ورهط مناجيه في سلم ونحن ولاة حجاب العتيق ... زمان النخاع [1] على جرهم ذكر ابن الكلبي أن الله سلط على الذين يلون البيت من جرهم دوابا شبيهة بالنغف [2] فهلك منهم ثمانون كهلا في ليلة واحدة سوى الشباب حتى جلوا من مكة إلى إضم وقامت نائحة [3] وكيع على أبي قبيس وقالت: (الوافر) ألا هلك الوكيع أخو إياد ... سلام المرسلين على وكيع مناجي الله مات فلا خلود ... وكل شريف قوم في خضوع [4] ثم إن مضر ربلت بعد إياد، فكان أول من ربل منها عدوان وفهم [5] وإن رجلا من إياد ورجلا من مضر خرجا يتصيدان فمرت بهما أرنب فاكتنفاها ليرميانها فرماها الايادي، فزل سهمه فنظم قلب المضري فقتله، فبلغ الخبر مضر، فقالوا: إنما أخطأه، فأبت فهم وعدوان إلا قتله فتناوش الناس بينهم المديد [6] وهو مكان فهمّت [7] مضر من إياد ظفرا، فقالت لهم إياد: أجلوا لنا ثلاثا [8] فانا لا [8] نساكنكم بأرضكم، فأجلوهم ثلاثا فظعنوا قبل المشرق، فلما
ساروا يوما تبعتهم فهم وعدوان حتى أدركوهم، فقالوا: ردوا علينا نساء مضر المتزوجات فيكم، فقالوا: لا تقطعوا قرابتنا، اعرضوا على النساء فأية [1] امرأة اختارت قومها رددتموها، وإن أحبت الذهاب مع زوجها أعرضتم لنا عنها، قالوا: نعم، فكان فيمن اختار أهله امرأة من خزاعة. وقد كانت إياد حين أرادت الظعن في آخر ليلة عمدوا إلى الركن فحملوه على بعيرهم فلم يقم البعير فحولوه على آخر فلم يقم فجعلوا لا يحملونه على شيء إلا رزم [2] ، فدفنوه تحت شجرة وانطلقوا، فلما فقدته مضر عظم في أنفسهم، فقالت الخزاعية لقومها: خذوا على فهم وعدوان وجميع مضر إن دللتموهم عليه ليولينّكم البيت، فجاؤوا فهما وعدوان فقالوا: أرأيتم إن دللناكم على الركن أتجعلوننا [3] ولاته؟ قالوا: نعم، وقالت مضر جميعا: نعم، فدلتهم عليه فابتحثوه فأعادوه في مكانه و [4] ولوها إياه [4] ، فلم يبرح في أيدي خزاعة حتى قدم قصي فكان من أمره الذي كان، وهو الذي كتبناه في أمر قصي وأخيه رزاح العذري، ثم إن قصيا تزوج حبّى [5] بنت حليل [6] بن حبشية [7] ، وكان مفتاح البيت إلى [8] حليل فأقام قصي بمكة مع أقنانه [9] فولدت له حبّى [10] عبد مناف وعبد الدار وعبد العزى وعبدا بني قصي، ثم إن خزاعة أخذ فيها موت شديد بمكة ورعاف عمّهم ذلك فخرجوا
إلى ما حولها فنزلوا [1] الظهران [2] فلما خرجوا رفع عنهم الموت وانقطع عنهم الرعاف، وأقام حليل بن حبشية حاجب البيت في نفر من قومه بمكة فيهم أبو غبشان [3] وأخرج بنيه [4] فيمن أخرج من قومه فيهم المخترش [5] وهلال وعامر وعبد، وهم [6] بنو حليل، ثم إن حليلا مات، وأوصى بالحجابة من بعده إلى المخترش [7] ، ودفع المفاتيح الى حبّى [8] امرأة قصي وأمرها أن تبعث بها إلى أخيها المخترش [7] بن حليل فتدفع إليه ما كان بيديه من الحجابة وغيرها، وأشرك معها في الوصية أبا غبشان الملكاني [9] وابنها عبد الدار بن قصي، فلما رأى قصي أن حليلا قد مات وبنوه غيّب والمفاتيح في يد امرأته وابنه طلب إلى حبّى أن تدفع المفاتيح إلى ابنها عبد الدار وقال: إن رجع إخوتك إلى مكة أصابهم هذا الداء [10] فلم يزل يحمل عليها بنيها [11] وقال: اطلبوا إلى أمكم توليكم حجابة أبيكم حتى سلست [12] له بذلك، وقالت كيف أصنع بأبي
غبشان وهو وصي معي شاهد علي؟ فقال: أنا [1] قصي كفيتك أبا غبشان وأرضيه حتى يكتم ذلك ويخبر الناس إنما أوصى حليل بالمفاتحى إلى ابن ابنته [2] عبد الدار بن قصي، ففعلت وإن قصي بن كلاب دعا أبا غبشان الملكاني [3] فقال له: هل لك أن تدع هذا الأمر الذي أوصى به إلى حبّى وعبد الدار فتخلى بينهما وبينه فتصيب عرضا من الدنيا؟ فطابت نفس أبي غبشان وأجابهم إلى ذلك، فأعطاه قصي أثوابا وأبعرة، فقال الناس: أخسر صفقة من أبي غبشان، فذهبت مثلا، ولم يكن أبو [4] غبشان وارثا لحليل ولا وليا، إنما كان وصيا فقال: فخان وصيته وصيرت حبّى إلى ابنها عبد الدار حجابة البيت ودفعت المفاتيح إليه فلم يزل في ولد عبد الدار، فلما فتح الله مكة على نبيّه صلى الله عليه وسلم أمر عثمان بن أبي طلحة بن عثمان بن عبد الدار أن يأتيه بمفتاح الكعبة، ويقال إنه أراد أن يدفعه صلى الله عليه للعباس بن عبد المطلب يضم إليه الحجابة مع السقاية، فأتى [5] عثمان أمه فأبت أن تدفعه إلى ابنها، فقال لها: إن الأمر على غير ما تظنين، فدفعته إليه فأتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعه إليه وقال: خذه يا رسول الله! بأمانة الله، ففتح النبي صلى الله عليه البيت وصلى فيه ثم أنزل الله عز وجل: إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها 4: 58 [6] فرده النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان، ويقال في رواية أبي عمرو الشيباني إن حجابة البيت صارت إلى خزاعة لأن ربيعة [7] بن حارث بن [8]
عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن تزوج مهيرة [1] . بنت عمرو بن الحارث بن مضاض [2] الجرهمي، فولدت له عمرو بن ربيعة فلما شب عمرو وساد وشرف طلب الحجابة حجابة البيت، فعند ذلك نشبت الحرب بينهم وبين جرهم، وذكروا [3] أن عمرو بن ربيعة عاش ثلاثمائة سنة وخمسا وأربعين سنة، وبلغ ولده في حياته ألف مقاتل [و-] [4] من ولده كعب وعدي وسعد ومليح [5] وعوف بني عمرو، فكانت بينهم حرب طويلة- أو [6] قال: شديدة [7]- ثم إن خزاعة غلبوا جرهما [8] على البيت وخرجت جرهم حتى نزلت وادي إضم فهلكوا فيه، وكان عمرو بن ربيعة أول من غيرّ دين إبراهيم عليه السلام وإنه خرج إلى الشام واستخلف على البيت رجلا من بني عبد [بن-] [9] ضخم يقال له آكل المروة وعمرو يومئذ وأهل مكة على دين إبراهيم عليه السلام، فلما قدم الشام نزل البلقاء [10] فوجد أقواما يعبدون أوثانا، فقال: ما هذه الأنصاب التي أراكم تعبدون؟ فقالوا: أربابا نتخذها فنستنصر بها على عدونا فننصر ونستشفي بها من المرض فنشفى، فوقع قولهم في نفسه فقال: هبوا لي منها ربا أتخذه [11] ببلدي فإني صاحب بيت الله الحرام، وإليّ وفد
العرب من كل أوب فأعطوه صنما يقال له هبل [1] ، فحمله حتى نصبه للناس بمكة ودعا الناس إلى عبادته ووضع للناس دينا ابتدعه لم يسبقه اليه أحد، فسيّب [2] السائبة [3] وبحّر [4] البحيرة ووصل الوصيلة [5] وحّمى الحامي [6] ، فبايعته العرب على ذلك، فذكروا والله أعلم أن إسافا [7] كان رجلا من بني قطوراء [8] أحبّ [9] امرأة من جرهم يقال لها نائلة [10] ففجر بها في الكعبة فمسخهما الله حجرين، فغضب عمرو من ذلك فأخرج بني مضاض وكانوا أخواله وكانوا أخرجوهم خروجا من مكة، فلحقوا باليمن فتفرقوا في القبائل [11] ، فقال
بكر [1] بن غالب بن عمرو بن الحارث بن مضاض وهو يذكر مكة بعد ما خرج منها: (الطويل) كأن لم يكن بين الحجون [2] إلى الصفا [3] ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر بلى نحن أهلها فأبادنا [4] ... صروف [5] الليالي والجدود العواثر وأخرجنا [6] عمرو سواها لبلدة ... بها الذئب يعوي والعدو المحاصر [7] وقال أيضا: (الطويل) وكنا ولاة البيت والقاطن الذي ... إليه يوفي نذره كل محرم سكنا به [8] قبل الظباء وراثة ... لنا من بني هيّ [9] بن بيّ بن جرهم
فأزعجنا عنه وكنا عقيده [1] ... قبائل من كعب [2] وعوف وأسلم وقال حليل [3] بن حبشية: (الرجز) واد حرام طيره ووحشه [4] ... نحن وليناه [5] فلا نغشه وابن مضاض قائم [6] يمشه [7] وقال حليل أيضا: (الرجز) نحن بنو عمرو ولاة المشعر ... نذب بالمعروف أهل المنكر حمسا ولسنا نهزة للمحضر [8] فأجابه نصر بن الأحب العدواني: (الرجز) إن الخنا منكم وقول المنكر ... والصدق منا تحت وقع [9] الكوثر [10] جئناكم بالزحف في السّنوّر [11] ... بكل ماض في اللقاء مشهر [12] قال: ثم صار البيت إلى عبد الدار بالقصة الأولى.
سبب إسلام خالد وعمرو ابني سعيد
سبب إسلام خالد وعمرو ابني سعيد ذكر العباس عن عبد الله بن الهاشمي [1] قال: كان سبب ذلك أن خالد بن سعيد بن العاص رأى رؤيا [2] قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم كأن ظلمة غشيت مكة فلم يبصر لها سهلا ولا جبلا، ثم رأى نورا سطع من زمزم كهيئة المصباح ثم علا فسمع هاتفا في النور يقول: سبحانه سبحانه! هلك ابن مارد بحطمة [3] الغضا [4] بين أذرح [5] والأكمة [6] ، سبحانه سبحانه! بعث النبي الأمي، سبحانه سبحانه! كذبه أهل هذه القرية، وتعذب [7] مرتين وتهلك في الثالثة، وعلا النور حتى رأيت نخل يثرب وفيه الأعذاق [8] ، فأتى خالد بن سعيد أخاه عمرا وكان صفيّة [9] من بين إخوته، فقصّ عليه رؤياه، فقال له عمرو: يا أخي! إن صدقت رؤياك ليحدثن في ولد عبد المطلب حدث شريف، وكانا شريكين في تجارتهما يقيم أحدهما عاما ويسافر الآخر، فخرج عمرو إلى الشام في نوبته [10] وبعث الله محمدا صلى الله عليه فآمن به خالد، وسمع بأخيه مقبلا فلقيه في موضع لم يكن يلقاه في مثله [11] ، فلما بصر به عمرو راعه ذلك وقال: يا أخي! استقبلتني في موضع لم تكن لتستقبلني في
مثله فهل حدث حدث؟ قال: لم يحدث إلا خير، ثم خلا به فقال: يا أخي! أما تذكر الرؤيا [1] التي كنت قصصتها عليك؟ قال: ما، اذكرني لها، قال: فقد بعث الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب نبيا يدعوا إلى الله، فآمن عمرو ودخلا جميعا مؤمنين يكتمان [2] إيمانهما قال: ودخل النبي صلى الله عليه على سعيد بن العاص في مرضه الذي [3] مات فيه وقد أغمي عليه وفي يد النبي صلى الله عليه خرقة فوضعها على جبهة سعيد فأفاق [4] سعيد، فبصر بالنبي صلى الله عليه عند رأسه فقال: أنت الذي تعيب آلهتنا وتسفه أحلامنا، لئن رفع الله سعيدا ليجلينك عن مكة، ورجله في حجر خالد ورأسه في حجر عمرو، فنبذا رأسه ورجله وقالا: لا رفع الله صرعتك! ثم التفتا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالا: قد آمنا بك وصدقناك، فيقال إن هذه الآية نزلت فيهما لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ من حَادَّ الله وَرَسُولَهُ 58: 22 [5] إلى آخر الآية، فأمر سعيد بحبسهما فحبسا واشتد وجعه، فقال: أخرجوني إلى مالي بالطائف، فأخرجوه فمات بأرض يقال لها: الظريبة [6] ، وأبان بن سعيد أخوهما لم يسلم يومئذ، فأنشأ يقول: (الطويل) ألا ليت ميتا بالظريبة شاهد ... لما يفتري [7] في الدين عمرو وخالد [8] أضافا إلى دين [8] جميعا فأصبحا ... يعينان من أعدائنا من نكايد [9] فأجابه عمرو وقال: (الطويل)
حروب بني عدي بن كعب بن لؤي في الإسلام
أخي ما أخي لا شاتم أنا عرضه ... ولا هو عن سوء المقالة [1] مقصر [2] يقول إذا شكت [3] عليه أموره ... ألا ليت ميتا بالظريبة [4] ينشر فدع [5] عنك ميتا قد مضى لسبيله ... وأقبل إلى الحي [6] الذي هو أفقر فلما أشرف النبي صلى الله عليه على الطائف [7] إذا هو بقبر مشيد وعلى يمينه أبو بكر رضي الله عنه وعلى يساره [8] خالد بن سعيد رحمه الله، فقال أبو بكر: بأبي وأمي! هذا قبر أبي أحيحة سعيد بن العاص المشرك لا رحمه الله! فقال خالد: بل أبو قحافة [9] فلا رحمه الله! فو الله ما كان يقري ضيفا، ولا يمنع ضيما [10] ! وما يسرني أن أبا قحافة أبي وأن أبا أحيحة في أعلى علّيين، فضحك رسول الله صلى الله عليه وقال: يا أبا بكر! لا تسبوا الأموات فتغضبوا الأحياء . حروب بني عدّي بن كعب بن لؤي في الإسلام إبراهيم بن المنذر بن عبد الله الحزامي [11] قال حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي عن سعيد بن عبد الكريم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد ابن الخطاب عن أبيه قال: كان من حديث الحرب التي كانت بين عدي
ابن كعب في الإسلام أن أبا الجهم [1] بن حذيفة بن غانم كان من رجال قريش في الجاهلية وكان يوازن عمر بن الخطاب قبل إسلامه في [2] غيلته [3] لرسول [4] الله صلى الله عليه ومعاداته، فأكرم الله عمر بما أكرمه من الإسلام واستجاب فيه دعوة نبيه عليه السلام وأعزّ به دينه وأبطأ أبو الجهم عن الإسلام حتى أسلم يوم الفتح [5] ، ثم انتقل إلى المدينة ولزم النبي صلى الله عليه، وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه أتي بخميصتين [6] سوداوين فلبس إحداهما [7] وبعث بالأخرى إلى أبي الجهم، وكانت خميصة رسول الله صلى الله عليه ذات علم فكان إذا قام إلى الصلاة نظر إلى علمها فكرهها لذلك وبعث بها إلى أبي الجهم بعد ما لبسها لبسات وأرسل إلى خميصة أبي الجهم فلبسها بعد ما لبسها أبو الجهم لبسات، وكان أبو الجهم في خلافة عمر يجلس في موضع البلاط [8] بالمدينة في أشياخ من نظرائه من أهل مكة يتحدثون، فكان الفتى من فتيان قريش يمر بهم فيرمونه بعيوب آبائه وأمهاته في الجاهلية، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فنهاهم عن ذلك المجلس، فلما قتل عثمان بن عفان خرج به نفر من قريش ليلا ليصلوا عليه ويدفنوه فأتاهم جبلة بن عمرو الساعدي فمنعهم الصلاة عليه، فقال أبو الجهم وهو في القوم: والله! لئن لم تصلوا عليه لقد صلى عليه رسول الله صلى الله عليه، وكانت تحت أبي الجهم خولة بنت القعقاع بن معبد بن زرارة بن عدس [9] فولدت له محمد بن أبي الجهم، وكان
له حميد [1] بن أبي الجهم وأمه حبيبة [2] بنت الجنيد بن جمانة [3] بن قيس بن زهير بن جذيمة العبسي، وكان له صخر وصخير [4] من أم ولد [5] ، وكان له عبد الرحمن من أم ولد، وعبد الله الأصغر وسليمان من أم ولد يقال لها زجاجة [6] وهي أخيذة [7] من غسان، وكان بنو أبي الجهم أشداء [8] جلداء [9] ذوي شر وعرام [10] ، ولم يكن يتعرض لهم أحد إلا آذوه، فكان السلطان منهم في مؤونة ومشقة، وقد كان عمرو بن الزبير يمد حبلا فيعترض به الطريق وهو في أيدي حبشانة، فإذا مر إنسان علقوه فيسقط على وجهه، فمر الحسن بن علي عليه السلام فقال له حبشانة: يا ابن رسول الله! نحن مأمورون، فقال رضي الله عنه: سفيه لو يجد مسافها، وعدل عنهم إلى طريق آخر فمر بهم أبو الجهم وهو مكفوف فعلقوه فسقط، فلما أتى منزله جمع بنيه ثم أخرج ذكره فبزق عليه وقال: لو خرج من هذا حر [11] ما فعل بي ما فعل، فمشى بنوه إلى دار عمرو [12] فأشعلوا بابه بالنار يلتمسون أن يخرج إليهم، فلم يفعل، فخرج إليهم مروان بن الحكم وهو أمير المدينة في خلاف معاوية حاجا فبينا هو يسير يوما في مركبه في بعض الطريق دنا منه عبد الله بن مطيع ابن الأسود فكلمه بشيء فرد عليه مروان فأجابه ابن مطيع فأغلظ له في القول، فأقبل مصعب بن
عبد الرحمن بن عوف وهو يومئذ على شرط مروان فضرب وجه ناقة ابن مطيع بسوطه وقال: تنح، فتنحى، وأقبل صخير بن أبي الجهم يتخلل الموكب حتى دنا من مصعب فخطم [1] أنفه بالسوط ثم ولّى وهو على ناقة له مهرية [2] بكرة [3] وأمسك مصعب على أنفه ثم دنا من مروان فأخبره الخبر واستعداه على صخير، فوقف مروان وغضب غضبا شديدا وقال: عليّ به، والله لأقطعن يده! فقال ابن مطيع: لقد أردت أن تكثر جذمي [4] قريش، فاتبعه قوم فلم يقدروا [5] عليه ولم يتعلقوا به حتى نجا، فلما انتهى القوم إلى مكة وقضوا حجهم بعث عبد الله بن مطيع جارية له يقال لها خيرة ذات ميسم وعقل ولسان وكان ابتاعها بأربعة آلاف درهم إلى عبد الملك بن مروان وهو يومئذ غلام بطرفة [6] وقال لها: تعرضي لصاحب الشرط، فإن كلمك فكلميه وضاحكيه، فانطلقت الجارية ففعلت ما أمرت به، فلما مرت بمصعب بن عبد الرحمن سألها لمن هي وما أمرها؟ فأجابته وراجعته الكلام، فأعجبته فبعث إلى عبد الله بن مطيع يسومه بها، فبعث بها إليه فقبضها مصعب وبعث إليه بثمنها، فأبى أن يقبله وقال: إن مثلي لا يبيع مثلك، فلما حضر الصدر [7] ركب عبد الله بن مطيع وعبد الله بن صفوان بن أمية الجمحي إلى مصعب ابن عبد الرحمن فاستوهباه الضربة [8] التي يطلب بها صخير بن أبي الجهم
فوهبها [1] لهما، فلما قدموا المدينة أرسل في ذلك صخير بن أبي الجهم أبياتا من رجز فبلغت مصعبا فندم على ما كان منه ولم يجد بدا من التمام عليه، وذلك قول صخير بن أبي الجهم: (الرجز) نحن خطمنا [2] بالقضيب مصعبا ... يوم كسرنا أنفه ليغضبا لعل حربا بيننا أن تنشبا [3] ... لأن عبدا قد تعالى [4] مرقبا وكان في القوم هجينا مغربا [5] ... ضربته بالسوط حتى أندبا وما أبالي قول من تعصبا ... إذا مشت [6] حولي عديّ غضبا [7] وارتكبت [8] خيرة منه مركبا ... ولعبت منه وتلهو [9] ملعبا ثم أبينا عاتبا إن يعتبا [10] ... فلا يجد إلا السلاح مذهبا ثم إن خولة [11] بنت القعقاع كبرت وسقمت ووجعت مفاصلها وثقلت رجلاها فأتاها أبو الجهم بعد ما تطاول وجعها ذات يوم يعودها، فقالت له: إني مسحورة وإن زجاجة [12] هي التي سحرتني، وقد قيل لي إن شفائي في مخ ساقيها إن ادهنت به، وإلى أن فعلت لم يكن دون شفائي شيء، فقال أبو الجهم وكانت فيه بقية من عمية [13] الجاهلية: نعم لك ذلك وقلّ لك، ثم
خرج من عندها ونمى الخبر إلى أم ولده إلى ابنيها عبد الله وسليمان [1] فأتيا أباهما فذكر له الذي بلغهما من ذلك فوجدا رأيه عليه، وأخبرهما أنه فاعل، فعظّما عليه وذكّراه الله تعالى والإسلام والحق، فأبى وقال [2] : ليست أمكما عندي كخولة ولا أنتما عندي كولدها، فلما أعياهما انطلقا إلى خولة وكلماها وقالا لها: إنك لم تسحري وإنما الذي بك داء من الأدواء التي تعرض للناس، وهذا من قول النساء وقول من لا رأي له ولا عقل، فاتقي [3] الله وكفي عنا ولا تحملي أبانا على ما لا ينبغي أن يركبنا به، فقالت لهما: أمكما سحرتني وقد كنت أظن ثم حقق ظني ما أتيت به من الخبر، فانصرفا عنها وأتيا إخوتهما فذكرا لهم ما قال أبوهما وما قالت خولة وسألاهم [4] أن يكفوهما عما هما عليه من سوء رأيهما، فقال محمد وهو ابن خولة: ما يأمرنا أبونا وأمنا بشيء حسن ولا قبيح إلا أطعناهما فيه، وتابعه إخوته الآخرون صخر وصخير وعبد الرحمن على قوله وكانوا على مثل رأيه، وأما حميد فكان غائبا بالعراق، فأغلظا لهم القول وقالا [5] : إن كنا [6] عذرنا شيخا كبيرا أو امرأة كبيرة سقيمة سفيهة لرأيهما [7] رأي النساء فما عذركم عندنا، والله لا يكون هذا أبدا حتى نقتل وو الله لا نقتل حتى يقتل بعضكم فلا تبقوا إلا على أنفسكم، ونشب الشر بين بني أبي الجهم وشغلوا عن الناس وصار بأسهم بينهم، وخرج عبد الله وسليمان ابنا أبي الجهم فأتيا عبد الله بن عمر بن الخطاب فقصّا عليه القصّة وسألاه أن يمنعهما وينصرهما، فقال: سبحان الله! هذا أمر لا يكون، منع الإسلام هذا ونحوه، فجعلا يعيدان عليه الحديث فيخبرانه بما قالا وقيل لهما،
فلا [1] يصدق بأن ذلك يكون، فخرجا من عنده فلقيهما المسور [2] ابن مخرمة [3] الزهري فسألهما عن شأنهما، فأخبراه الخبر وذكرا له ما كلماه عبد الله وما رد عليهما، فقال لهما: إن ابن عمر قد [4] نزل عن الدخول [4] في اختلاف أمة محمد صلى الله عليه وسلم فكيف يدخل في اختلاف بني أبي الجهم، اعمدا إلى من هو أشرع إليكما منه وإلى ما تريدان، فانطلقا حتى دخلا على عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب فقصّا عليه قصتهما إلى أن بلغا [5] ذلك الموطن فأفزعه ما أتيا [6] به وقال: مهلا انظر في هذا الأمر وأتثبت [7] فيه وأعلم حقه من باطله، فدعا ابنه عمر بن عبد الرحمن وهو ابن الثقفية [8] وكان يقال له المصوّر من حسنه وجماله وكان قد وفد على معاوية وأقام عنده شهرا ثم قام إليه يوما فقال: يا أمير المؤمنين! اقض لي حاجتي، فقال له معاوية: أقضي لك أنك أحسن الناس وجها، ثم قضى له حاجته ووصله وأحسن جائزته، فقال له عبد الرحمن: يا بني! انطلق إلى عمك أبي الجهم فسل عنه وعن حاله وعن صاحبته ووجعها [9] ثم ادخل على ابنة القعقاع فسلم عليها واقعد إليها وسلها عن وجعها وما تجد ثم أحص [10] ما يردان عليك من القول، ثم أقبل إليّ، فانطلق الفتى ففعل ما أمره به أبوه، فلما سأل أبا الجهم عن امرأته قال: إنها لسقيمة لا تحرك يدا ولا رجلا ولا تقلب إلا ما قلبت وقد [11] قيل لها إنها مسحورة وإن شفاءها قريب مني، ثم دخل إلى خولة فسلم عليها وجلس
إليها واستخبرها عن وجعها فجاءته بمثل ذلك وقالت له: سحرتني، وقد وعدني أبو الجهم أن يذبحها وينزع لي مخ ساقيها فأدهن به، فانصرف عمر بن عبد الرحمن فزعا مروعا لما سمع ولم يكن بلغه الأمر قبل، فأبلغ أباه ما قال وما قيل له وعبد الله وسليمان جالسان عنده فقال لهما عبد الرحمن: ما أرى الأمر إلا حقا وأيم الله! لا يصلون إلى ما يريدون منكما ومن أمكما أبدا إن شاء الله، وأمرهما بأن [1] يحملا [2] أمهما وما كان لهما من أهل ومال ثم ينتقلا إليه، ففعلا فأنزلهما في دار مولاه عبيد بن حنين وهو مولى أمه لبابة بنت أبي لبابة [3] الأنصارية وكانت [4] من سبي عين التمر [5] الذين سباهم خالد بن الوليد في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وكان عبيد بن حنين لبيبا فقيها علامة، وكان عبد الرحمن بن زيد حين ولي مكة ولاه قضاء [6] أهل مكة، وانطلق عبد الله وسليمان ابنا أبي الجهم إلى عاصم بن عمر بن الخطاب فقصّا عليه أمرهما وأخبراه بما كان من رأي عبد الرحمن فيهما فقال لهما: وأنا معكما ولن [7] يصل إليكما شيء تكرهانه، وانطلقا إلى زيد بن عمر بن الخطاب وأمهم [أم-] [8] كلثوم بنت علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فأخبراها الخبر وسألاه النصر، فأجابهما وقال: لا هضيمة [9] عليكما ولا ضيم [10] ، وأتيا بني عبد الله بن عمر بن الخطاب الأكابر عمر ومحمدا وعثمان وأبا بكر وأمهم أسماء بنت عطارد بن حاجب بن
زرارة [1] فأخبراهم الخبر وسألاهم النصر فوعدوهما ذلك، وأتيا ابني سعيد [2] بن زيد بن عمرو بن نفيل: زيدا [3] وعبد الله، وأمهما جليسة بنت سويد بن صامت الأنصارية ومحمدا وإبراهيم ابني سعيد [4] وأمهما حزمة بنت قيس الفهرية أخت الضحاك بن قيس فوعدوهما النصر، وأتيا بني سراقة وبني المؤمل فأجمعوا على نصرهما ومعونتهما، ولما رأى بنو أبي الجهم الأكابر ما فعل أخواهم انطلقوا إلى عبد الله بن مطيع بن الأسود فأخبروه خبر أخويهم واستنجادهما بني الخطاب وغيرهم من قومهم ومن ظاهرهما [5] منهم، وكان بنو أبي الجهم يد عبد الله بن مطيع وناهضته [6] في كل مهمة نزلت به وأمر أراده، فقال لهم: أما ما أردتم بذات حرمتكم وأم ولد أبيكم فإني لا [7] أرى أن أعلم [7] علمه ولا أن أدخل معكم فيه وأما غير ذلك فو الله لو أن أخي وابن أمي وأبي عاداكم لنصرتكم عليه، ثم مشوا في رهطهم بني عويج [8] بن عدي فلما علموا أن عبد الله بن مطيع قد تابعهم وشايعهم مالوا إليه ثم لم يتغادر منهم أحد منهم سليمان [9] بن أبي حثمة [10] بن حذيفة وحكيم بن مؤرق [11] بن حذيفة وهما أخوان لأمهما الشفاء [12] بنت عبد الله [بن شمس بن خلف بن صداد بن
عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب-] [1] عبد الرحمن بن حفص ابن خارجة بن حذافة بن غانم [و-] [2] عبد الرحمن بن مسعود بن الأسود ابن حارثة ونافع بن عبد عمرو بن عبد الله بن نضلة [3] بن عوف وإبراهيم ابن نعيم وصالح [4] بن النعمان بن عدي الذي استعمله [5] عمر بن الخطاب على دستميسان [6] صاحب الجوسق المتهدم [7] ولم يستعمل أحدا فيما علمناه من بني عدي غيره فافترقت بنو عدي فرقتين ووقع الشر ونشبت العداوة بينهم وكان كهولهم يقعدون في منازلهم ويخرج شبابهم ليلا فيجتلدون بالعصي ويرمون بالحجارة ولا يفترقون إلا عن شجاج [8] وجراح وكسر أيد وأرجل، فطال ذلك
البلاء بينهم وكانوا إذا لم يخرجوا يرتمون ليلا من السطوح بالنبل والحجارة وكان من أشد وقعة كانت بينهم ليلة التقوا فيها بحرة وأقم [1] ففقئت عين نافع بن عبد عمرو وكسرت رجل صالح بن النعمان وثقل على بني أبي الجهم الأكابر موازرة بني الخطاب رهطهم [2] [و-] [3] إخوتهم وأرادوا أن يستظهروا ببعضهم فأتوا واقد بن عبد الله [4] وسالم بن عبد الله وهما يومئذ فتيان حدثان فذكرا لهما تظاهر العشيرة عليهم وشكوا بني عبيد الله بن عمر وقالوا: كنا بهم واثقين لقرابتنا بهم من قبل الخؤولة مع الذي كنا عليه من المودة والملاطفة فصاروا [5] علينا ألبا [6] واحدا وأعوانا وكان بين بني عبد الله وبني عبيد الله بعض ما يكون بين بني العم فقارباهم في القول والهوى ولم يقدرا [7] على المعونة لهيبة أبيهما، فانصرفوا عنهم راضين، وأقبل حميد بن أبي الجهم من العراق ومعه الحر بن عبيد الله بن عمر [8] أمه أم ولد وكان بنو عبد الله يدفعونه، فأعانا عبد الله [9] وسليمان [10] فقال عبد الله بن أبي الجهم يذكر ما كان بينهم بحرة واقم: (الطويل) رددنا بني العجماء [11] عنا وبغيهم ... وأحمر عاد في الغواة الأشائم [12]
بحول من الله العزيز وقوة ... ونصر على ذي البغي حامي [1] المآثم [2] وذكر ابن زيد [3] ذي الفضائل [4] إنه ... له عادة يجري بدفع المظالم أقام لنا منه قناة صليبة ... ولم يستمع فينا مقالة لائم [5] وأحضر فينا عاصم [6] الخير نصره ... وما خار [7] فرد مستغيث [8] كعاصم وزيد [9] أتيناه فهش ولم يخم [10] ... لدن أن ندبناه ابن خير الفواطم [11] وآل سعيد [12] قد أثابوا بعزهم ... وآل عبيد الله [13] زين المواسم فإن تلقني يوما تجدني مؤيدا ... بنصر الإله والكهول الخضارم [14] سراقة [15] حولي والمؤمل كلها ... وفيهم قديما سابقات المكارم أبينا فلم نعط العدو [16] ظلامة ... ونحمي حمانا بالسيوف الصوارم ألم ينهكم ما قد أصاب سراتكم ... معا إذ لقيناكم بحرة وأقم لقيتم رجالا لم يهابوا قراعكم ... ولم ينكلوا في المأزق [17] المتلاحم
فأجابه صخر بن أبي الجهم: (الطويل) ألا أبلغا عني عبيدا [1] بأنه ... سيرجع عما قال مرجع نادم أفارقت عزّا كنت أوسط أهله ... وصرت إلى خزي [2] وذل ملازم متى تدع في الخطاب [3] لأمك منهم ... بحق يقين القول لا قول زاعم وليس ابن زيد [4] بالمناضل عنكم ... ولا عاصم [5] والحلم مرسوس عاصم ولا بمهين عرضه [6] بحمائكم [7] ... ونصركم منا ابن [8] خير الفواطم وأما السعيديون [9] والبر منهم ... وأبناء [10] ذات المجد من آل دارم فنحن بهم أوفى ويعطف ودهم ... شوابك أرحام النساء الأكارم ونفزع في جل الأمور محالة ... إلى واقد [11] ذي الفضل منا وسالم [12] وإني امرؤ لم أدع غير مكذب ... مجاهرة في الغانمين ابن غانم [13] وحولي من الأكفاء أكرم أسرة ... إذا عد في الأحياء أهل المكارم
بنو نضلة [1] الأخيار لا حي مثلهم ... وآل نعيم [2] والذرى [3] والغلاصم [4] أتنسون ما لاقيتم من شقائكم [5] ... وجبنكم [6] منا بحرة وأقم [7] ثم التقوا ليلة عند أحجار الزيت [8] فافترقوا عن شجاج وجراح وآثار قبيحة، فقال في ذلك صخر بن أبي الجهم: (الرمل) ازجروا طير حروب للموالي [9] ... أبنحس [10] اطلعن [11] أم بسعد قد جرت نحسا لكم واحتوينا ال ... فوز منها مسعدين [12] كل جدّ إن نكن ملنا عليكم بعضب [13] ... وعلوناكم بأرعن [14] معدّ [15] فعلى [16] غير قلي وكينة [17] ... نسب منكم يصير [18] لبعد
هل رأيتم كابن هند [1] قرشيا [2] ... لاه [3] در الأحوذي [4] ابن هند [5] هو فيها يوم شب للظاها [6] ... كعفرني [7] ذي زوائد [8] [و-] [9] ورد [10] ومن الإعجاب [إذ-] [11] أن حميدا [12] ... ذا ندى أقبل في شد ومد [13] من يكن زوّد حمدا [و-] [11] حميدا ... فله زاد [14] أتى [من] غير [14] حمد ساق من نحو العراقين [15] إلينا ... بين حر بابلي [16] وعبد وعبيد [17] يتمنى [18] لوفاتي [19] ... من لكم يا ابن زجاجة [20] بعدي
إن مت تذكر غناء بمكاني [1] ... وتجد يا ابن زجاجة فقدي فأجابه عبد الله وقال: (الرمل) قال صخر الغي جهلا وما ين ... فك يأتي جهله من غير عمد ذرو قول مفند جاء [2] منه ... وله حذو المكافأة عندي تلك حرب لكم وعليكم ... وهما الأمران ليسا برشد [3] ليس فيها حين يحضر جمع ... مرشد يهدي لأمر ويهدي طيرنا طير السعود ومنها ... نحكم تجري [4] لكم لا بسعد بابن [5] هند ما فخرتم علينا ... ولقد لاقى التباب ابن هند إذ تولى الجمع منكم شلالا [6] ... من شباب مترفين [7] ومرد كافر نعمى حميد وقد كا ... ن بجد الحي ساعة جد كف عنه القوم حيث تردّى ... بئس شكر المرهق [8] المتردي ولقد ذقتم هناك نكالا ... ولقيناكم بحد وحرد [9] ثم إن عبد الله بن مطيع ركب ذات يوم يطلع غنما له وبلغ ذلك عبد الله [10] وسليمان ابني أبي الجهم فخرجا يرصدانه لرجعته، وأتى الخبر إخوتهما فخرجوا إليهما وتداعى الفريقان وانصرف ابن مطيع، فالتقوا بالبقيع [11] فاقتتلوا، وتنوول ابن مطيع بعصا، فنالت مؤخرة السرج فكسرته، وأقبل
زيد بن عمر بن الخطاب ليحجز وينهى بعضهم عن بعض فخالطهم فضربه رجل منهم في الظلمة وهولا يعرفه ضربة على رأسه شجته [1] ، فصرع [2] وتنادى القوم زيدا زيدا، فتفرقوا وسقط في أيديهم، وأقبل عبد الله بن مطيع فلما رآه صريعا نزل ثم أكب عليه فناداه: يا زيد! بأبي أنت وأمي- مرتين أو ثلاثا، ثم أجابه فكب ابن مطيع ثم حمله عل بغلته حتى أداه إلى منزله فدووي زيد من شجته تلك حتى أفاق [3] وقيل قد برئ [4] ، وكان يسأل من ضربه فلا يسمونه [5] ، قال الحزامي: وسمعت أن خالد بن أسلم مولى عمر [6] بن الخطاب رضي الله عنه أصابه برمية وهو لا يعرفه، وهو أثبت من الأول، فقال في ذلك عبد الله بن عامر بن ربيعة [7] العنزي حليف آل الخطاب: (الرجز) إن عديا ليلة البقيع ... تفرقوا [8] عن رجل صريع مقابل [9] في الحسب الرفيع ... أدركه شؤم بني مطيع وقال عاصم بن عمر لأخيه زيد يذكر ما كانوا فيه: (الطويل) مضى عجب من أمر [ما-] [10] كان بيننا ... وما نحن فيه بعد من ذاك [11] أعجب تعدى [12] جناة الشر [من-] [10] بعد إلفه ... رجونا وفينا فرقة وتحزّب
مشائيم جلابون للشر مصحرا ... وللغي في أهل الغواية مجلب إذا ما رأينا صدعهم لم يلائموا [1] ... ولم يك فيهم للمزايل مرأب ويأبى لهم فيها شراسة أنفس ... وكلهم مر النحيزة [2] مصعب فيا زيد صبرا حسبة [3] وتعرضا [4] ... لأجر ففي الأجر المعرض مركب ولا تكتمن [5] ما [6] نالك اليوم إن في ... شبابك من يسعى بذاك [7] ويطلب ولا تأخذن [8] عقلا [9] من القوم إنني ... أرى الجرح يبقى والمعاقل [10] تذهب كأنك لم تنصب [11] ولم تلق أزمة [12] ... إذا أنت أدركت الذي كنت [13] تطلب وقال محمد بن إياس بن البكير [14] حليف بني عدي بن كعب: (الرمل) إن ليلي طال والليل قصير ... طال حتى كاد صبح لا ينير ذكر أيام عرتنا منكرات ... حدثت فيها أمور وأمور زاد فيها الغي جهلا فترامى ... وتولى الحلم ذلا ما يحور [15] فالذي يأمر بالغي مطاع ... والذي يأمر بالعرف دحير [16]
لقحت حرب عدي عن حبال [1] ... فرحى حربهم اليوم تدور إن صخرا وصخيرا أرهقانا [2] ... مفظعات عقبة [3] الشر الشرور [4] قذفتنا بهم في كل يوم ... قلع مستردفات وصخور ثم إن الشجة انتقضت بزيد بن عمر فلم يزل منها مريضا وأصابه بطن [5] فهلك رحمه الله، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه وأمه أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رحمة الله عليهم وكانت تحت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام، مرضا جميعا وثقلا ونزل بهما وأن رجالا مشوا بينهما لينظروا أيهما يموت قبل صاحبه فيرث [6] منه الآخر وأنهما قبضا في ساعة واحدة، ولم يدر أيهما قبض قبل صاحبه فلم يتوارثا. وذكر عمرو بن جرير البجلي أن زيدا صمخ [7] في صلاة الغداة فخرجت أمه وهي تقول: يا ويلاه! ما لقيت من صلاة الغداة، وذلك أن أباها وزوجها وابنها كل [واحد منهم-] [8] قتل في صلاة الغداة، ثم وقعت عليه فرفعا ميتين، فحضر جنازتيهما الحسن بن علي عليهما الصلاة والسلام وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال ابن عمر للحسن عليه السلام: تقدم فصل على أختك وابن أختك، فقال الحسن لعبد الله بل تقدم فصل على أمك وأخيك، فتقدم ابن عمر فصلى عليهما صلاة واحدة وكبر أربعا. وقال محمد بن إياس بن
البكير [1] يرثي زيدا ويذكر أمرهم: (الوافر) ألا يا ليت أمي لم تلدني [2] ... ولم أك في الغواة لدى البقيع ولم أر مصرع ابن [3] الخير زيد ... وهدّ به [4] هنالك من صريع هو الرجل [5] الذي عظمت وجلت ... مصيبته على الحي الجميع كريم في النجار [6] تكنفته [7] ... عروق المجد والحسب الرفيع شفيع الجود ما للجود حقا ... سواه إذا تولى من شفيع أصاب الحي حي بني عدي ... مجللة [8] من الخطب الفظيع [9] وخصهم لشقاء به خصوصا [10] ... لما يأتون من سوء الصنيع بشؤم بني حذيفة [11] إن فيهم ... معا نكدا وشؤم بني المطيع وكم من ملتقى خضبت حصاه ... كلوم القوم من علق [12] نجيع [13] ثم إن معاوية بن أبي سفيان لما تتابعت عليه أخبارهم أعظم الذي أتاه من ذلك وبعث إلى أبي الجهم بن حذيفة فأتاه بالشام فاحتفى به [14] وأكرمه وعتبة فيما بلغه عن بنيه وقومه وعزم عليه ليكفنّهم عما كانوا عليه حتى يصلح الذي بينهم ويعود إلى الأمر الجميل، وبعث إليه بمائة ألف درهم جائزة، فلما
وصلت إليه استقلها وقال: اللهم غيّر! ثم انصرف إلى المدينة قاطعا ذلك الأمر، واصطلح القوم وكف بعضهم عن بعض. ولما هلك معاوية واستخلف يزيد وفد عليه أبو الجهم فيمن وفد عليه من قريش، فلما أراد أن يأمر بجائزته سأل كم كان معاوية أعطاه؟ فقيل له مائة ألف، فحط عنها عشرة آلاف وبعث إليه تسعين ألفا، فلما وصلت إليه استقلها وقال: اللهم غير! فلما هلك يزيد وفد أبو الجهم على عبد الله بن الزبير ليفرض له فأمر له بخمسة آلاف درهم، فلما وصلت إليه قال: اللهم لا تغير! فإنك إن غيرت جئتنا بقردة وخنازير، وقال الحزامي [1] : وسمعت أن ابن الزبير أعطاه عشرة آلاف درهم. قال الحزامي: ولما خرج عبد الله بن الزبير وغلب على مكة وسار الحسين [2] بن علي عليهما السلام إلى العراق بلغ يزيد بن معاوية أن عبد الله ابن مطيع قد أراد أن يثور بالمدينة وأشفق من ذلك فكتب إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وهو يومئذ عامله على المدينة يأمره أن يأخذ ابن مطيع فيحبسه في السجن قبله ويكتب إليه بذلك ليكتب إليه برأيه فيه، فأخذه الوليد فحبسه في السجن، فلبث [3] فيه أياما، ثم إن عبد الله بن عمر بن الخطاب أقبل حتى جلس في موضع الجنائز بباب المسجد، فاجتمعت إليه رجال بني عدي بن كعب في أمر ابن مطيع، ثم بعث إلى الوليد بن عتبة أن ائتنا [4] نذكر لك بعض شأننا، فأتاه الوليد فجلس فتكلم عبد الله بن عمر فحمد الله وأثنى عليه وتشهد ثم أقبل على الوليد فقال: استعينوا بالله والحق على إقامة دينكم وما تحاولون من صلاح دنياكم ولا تطلبوا إقامة ذلك وإصلاحه بظلم البراء وإذلال الصلحاء وإخافتهم، فإنكم إن استقمتم أعانكم الله وإن جرتم وكلتم إلى أنفسكم، كفوا عن صاحبنا وخلوا سبيله فإنا لا نعلم عليه حقا فتحبسوه
عليه، فإن زعمتم بأنكم حبستموه على الظن والتهم فإنا لا نرضى أن ندع صاحبنا مظلوما مضيما [1] فقال الوليد: إنما أخذناه فحبسناه بأمر أمير المؤمنين فننظر وتنظرون ونكتب [2] وتكتبون فإنه لا يكون إلا ما تحبون، فقال أبو الجهم: ننظر وتنظرون ونكتب وتكتبون وابن العجماء [3] محبوس في السجن، أما والله حتى لا يبقى [4] منا ومنكم إلا الأراذل لا يكون [5] ذلك، فقام الوليد فانصرف، وخرج فتيان من بني عدي بن كعب فاقتحموا السجن، فلما سمع ابن مطيع أصواتهم ظن أن الوليد قد بعث إليه من يقتله، فوثب يلتمس شيئا يمتنع به ويقاتل، فلم يجد إلا صخرة ملء الكف، فأخذها ودخل أصحابه عليه فلما عرفهم طرحها وكبر واحتملوه فأخرجوه فلحق بابن الزبير. وبلغنا أن أبا الجهم بن حذيفة أدرك بنيان الكعبة حين بناها عبد الله بن الزبير فعمل فيها مع من كان يعمل فيها من رجال قريش ثم قال: قد عملت في بنيان الكعبة مرتين مرة في الجاهلية بقوة غلام وفي الإسلام بقوة كبير فان، وقال أذينة [6] بن [7] معبد الليثي يمدح بني عدي بن كعب ويذكر تخليصهم [8] عبد الله بن مطيع من السجن: (البسيط) عزت عدي بن كعب في الكياد [9] ومن ... كانت عديّ له أهلا وأنصارا نجّت عدي أخاها بعد ما خصفت [10] ... له المنية أنيابا وأظفارا تأبى الإمارة إلا ضيم سادتها ... والله يأبى [11] لها بالضيم إقرارا
ومن يكن من عدي ينتزح [1] بهم ... عن الأذى أو نزيلا فيهم جارا فكم ترى فيهم يوما إذا حضروا ... ذوي بصائر [2] في الخيرات أبرارا وسادة فضلوا مجد ومكرمة ... ساسوا مع الحلم أحسابا وأخطارا يعم بذلهم الأحياء قاطبة ... كالنيل [3] يركب بلدانا وأمصارا بهم ينال أخوهم بعد همته ... وتقتضي بهم الأوتار [4] أوطارا [5] وذكر الحزامي عن ابن شهاب [6] أن أبا الجهم بن حذيفة قال: ليلة أتى بابنه محمد بن أبي الجهم مقتولا حين قتله مسرف [7] وذلك أن مسلم بن عقبة المرّي لما قتل أهل الحرة [8] وظفر بالمدينة أخذ الناس بالبيعة ليزيد ابن معاوية [9] على أنهم [9] عبيد قنّ ليزيد، فأبى ابن أبي الجهم أن يبايع على أنه عبده، فقدّمه فضرب عنقه، فلما رأى الناس ذلك بايعوا على ذلك، وأتى [10] بعلي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب فقال له: بايع على أنك عبد قن، فثار الحصين بن نمير الكندي ثم السكسكي وكان معه من كندة أربعة آلاف فقال: والله لا يبايع ابن أختنا على هذا أبدا، فخشي أبو مسلم أن ينتشر عليه أمره، فبايعه على أنه ابن عمر أمير المؤمنين، ورده مسلم إلى منزله على بغلته وسأله أن يرفع إليه حوائجه، وبايع سائر الناس عل أنهم عبيد- والله ما وترت [11] قط إلا الليلة، وعنده ناس من بني أمية فيهم ختنه
على ابنته أمية بن عمرو بن سعيد وعنده يومئذ سعدى [1] بنت أبي الجهم فقال أبو الجهم: إنكم يا بني أمية تظنون أن دمي في بني مرة [2] لا [3] والله ما دمي هنالك، ولا أجد لي ولكم مثلا إلا ما قال القائل [4] : (الطويل) ونحن لأفراس أبوهن واحد ... عتاق جياد ليس فيهن مجمر [5] وما لكم فضل علينا نعده [6] ... سوى أنكم قلتم لنا نحن أكثر ولستم بأثرى في العديد لأننا ... صغار وقد يربو الصغير فيكبر قال: فلما خرجت بنو أمية في خرجتهم الآخرة إلى الشام جمع حميد بن أبي الجهم رجالا من قريش وغيرهم فأدخلهم دار أبيه أبي الجهم بن حذيفة وقال تصيبون ثأركم من بني أمية يريد بدماء من قتل مسلم بن عقبة يوم الحرة منهم فجمعهم حتى كانوا [7] قريبا من مائة رجل، منهم عبيد الله بن علي بن أبي طالب عليهما السلام وعبد الله بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وسلمة بن عمر بن أبي سلمة ومحمد بن معقل بن سنان الأشجعي وعمر بن شويفع بن عثمان بن حكيم السلمي حليف بني عبد شمس ويحيى بن عبد الرحمن بن سعد في رجال كثير فأدخلهم الدار عشاء عليهم الحديد، فأقبل أبو الجهم من صلاة العشاء وهو يومئذ ابن مائة سنة ونيف، فقال: أصبح غدا أكرم قريش واستسمن ولا تقتلن [8] بأخيك إلا رجلا سمينا، ثم دخل البيت وصبر ساعة لا يسمع الهائعة [9] فخرج خرجة فنادى: حميد- أي حميد!
اعضض ببظر أمك، ما لي لا أسمع الهائعة [1] ، قال: يا أبتاه! لا تعجل فو الله! إني لفي طلبهم والتماسهم، ثم رجع فلبث ساعة فأبت نفسه أن تقره، فخرج فنادى: أي حميد، اعضض ببظر أمك: (الوافر) [و-] [2] لو كنت القتيل وكان [3] حيا ... لقاتل لا أنف [4] ولا سؤوم فلم يزل ذلك شأنهم يمشون في الأزقة يبتغون الغرة منهم ولا يجدونها حتى أرسلت بنو أمية حسان بن كعب المحنث مولى أبي الجهم فقالوا: اعلم لنا ما في دار أبي الجهم، فانطلق حتى أبصر الكتيبة في سقيفة الدار، فرجع إلى القوم يولول، فقال: الداهية في دار أبي الجهم فاسلكوا بطحان [5] ، فسلكوا تلك الطريق وأغار حميد على دار يعقوب [6] بن طلحة بالبلاط وفيها حمس أهل الشام وعلى دار ابن عامر [7] برومة [8] فانتهب ذلك كله ثم إن ابن الزبير لما بلغه ذلك كتب [9] إلى حميد أنه بلغني أنه لم يكن بالمدينة أحد حي غيرك فانتدب فيمن اتبعك من الناس، فاتبع آثارهم فإنهم يتساقطون تساقط الينّع [10] فاطلبهم ما بينك وبين وادي القرى [11] فأصب [12]
منهم ومن أموالهم ما قدرت عليه، فبينا هو يتجهز إذ أتاه كتاب [1] منه آخر أن أبطئ عنهم يومك حتى [2] أكتب إليك [2] ، فإنه أخبر [3] أن عمرا وعمر [4] ابني عثمان قد لويا أعناقهما على ابن الزبير، فحمله ذلك على الانصراف عن بني أمية. ابن شهاب قال: اقتتل محمد بن أبي الجهم وأبو يسار [5] بن عبد الرحمن ابن شيبة بن ربيعة فصرعه محمد بن أبي الجهم فوطئ على بطنه فأسلحه، فسجنه مروان بن الحكم وهو يومئذ أمير المدينة فقال: أسلحت سيدنا ورجلا منا فو الله لا تنفلت مني حتى أسلحك، فأوطأ بطنه الرجال، فصاح محمد: يا مروان! إن استى [6] مؤكاة ولست من أستاهكم، فقالت أم أبان [7] : لا توطئ بطنه فإنه والله ما كان يسلح، فأرسله. قال: وخطب مروان بن الحكم إلى أبي الجهم ابنته سعدى على أخيه يحيى بن الحكم وكان ممن مشى في ذلك مليكة بنت خارجة بن سنان بن أبي حارثة وسارية بنت عوف أخت سعدى وأم يحيى فأبى أبو الجهم، وعمرو [8] بن سعيد والي المدينة يومئذ، فأرسل ابن قطن مولى [9] أبي الجهم فأمره أن يطلع رأى أبي الجهم في ابنه [10] أمية بن عمرو [10] وخشي أن يرده كما رد مروان، فذهب ابن قطن فاطلع رأي أبي الجهم، فقال أبو الجهم: سأنظر قي ذلك، ودعا أبو الجهم
ابنه حميدا فقال له: [1] ابن أبي أحيحة [1] أحب إليك أم [2] ابن خالتك يحيى بن الحكم؟ فقال له: أنت أبصر وأعلم، ثم جرت الرسل بينهم حتى وعدهم أبو الجهم، فأرسل إلى عبد الله وعاصم ابني عمر [3] وعبد الله بن مطيع في رجال من بني عدي بن كعب، وجاء عمرو بن سعيد في رجال من بني آل سعيد وبني أمية فجلس مع أبي الجهم على السرير وقال: هل تنتظرون من أحد؟ فقال أبو الجهم: ننتظر محمد بن أبي الجهم، اذهب يا غلام! فادع لنا محمدا، فذهب إليه، فقال: لا والله لا أشهدها ولا نكاحها، وعبد الله بن مطيع عند رجليه وصخر بن أبي الجهم عند رأسه فأرسل إلى محمد أني أعزم عليك أن تأتينه، فأقبل يمشي حتى قام بين الناس وقال: انكح أيها الرجل ابنتك، فو الله لا أدخل في شيء من ذلك ولا أشهد نكاحها، وذلك لشيء كان بينه وبين عمرو بن سعيد، ثم تكلم عمرو فذكر ما كان بين أبي الجهم وبين آل سعيد بن [4] العاص وعظم من بيت أبي الجهم وشرفه، ثم تكلم أبو الجهم فذكر عنهم حتى قال: كنتم بيت قومكم وكان شبهكم فيهم شبه الدخنة في قشرها فأخذ ابن مطيع برجله وقال: حسبك يرحمك الله! قال: دعني يا عبد الله بن مطيع! فاني والله ما أنا من الذين [5] ينفسون [6] على العشيرة ولا يتشوفون [7] لهم، فلم يزل ذلك من ابن مطيع حتى رده عن بعض ما يقول، فجعل عمرو بن سعيد ينظر إلى صخر بن أبي الجهم ويقول: يا صخر! انظر إلى هذا وما يصنع ثم أنكحه. ابن شهاب قال: قدم أبو الجهم بن حذيفة على معاوية وقد كان بينه
وبين ثقيف ملاحاة فقال له معاوية: يا أبا الجهم! ما لك ولثقيف يشكونك [1] إلي؟ فقال [2] : ما أعجبك! والله لا أصالحهم حتى يقولوا قريش وثقيف وليتا [3] وج [4] ولا يحبون منا إلا أحمق ولا يحبهم منا إلا أحمق وبذلك [5] نعتبرك من حمقانا [5] وقال في قدمة قدمها عليه أخرى [6] وافدا: يا أبا الجهم! ألم أفرغ من حاجتك؟ قال: بلى غير شيء واحد ذكرته لا بد لي منه، قال: فهلمه، قال: إن بني بكر [7] يتكثرون علينا بأرضنا [8] فابعث إلى بني سامة بن لؤي فاخطط لهم دون الخندق فاجعلهم جناب بني بكر وارزقهم من القرى: خيبر [9] وفدك [10] ووادي [11] القرى، قال: نعم، وماذا زعمت أيضا؟ قال: وإن ثقيفا يتكثرون علينا بوجّ فأكثر من الروم والفرس فأكثر من الروم والفرس حتى تأكلهم بهم، فقال معاوية: مرحبا بك وأهلا! فو الله إن كنت لأحب موافقتك على ما سألتني، أما بنو بكر فقد ملأتكم [12] مقاتلة [13] وكتائب [14] حتى أن الواحد
منكم [1] ليغضب مغضبة [1] فيرسل إلى [2] أحدهم فيقاد [3] فيصنع به ما أراد، فارجع فاطلع، فان ابتغيت الزيادة [4] زدتك، وإن رضيت فالله يرضيك [5] ، وأما ثقيف فقد رأيت ما صنعت فيهم أخرجتهم من قرار أرضهم وألحقتهم بالشواهق من السراة، وقالوا: افرض لنا بالعراق، فأبيت [6] ذلك عليهم، وقلت: لا والله إلا بالشام أرض المطواعين لأريحك ونفسي منهم حتى جعلت أموالهم كلها لقريش وملأت الأرض فرسا وبرذونا، فارجع فاطلع، فان رأيت ما يرضيك فالله يرضيك إلا فاكتب إليّ أزدك. الحزامي قال ابن شهاب: لقي إسماعيل بن [خالد بن-] [7] عقبة بن أبي معيط عيسى بن عبد الله بن شتيم [8] فشجه بالهراوة شجة مأمومة [9] ، ثم مر على سالم مولى ابن مطيع فانتزع سالم منه الهراوة التي شج بها [10] عيسى بن عبد الله [10] فشجه بها، ثم إن بني عقبة بن أبي معيط ثاروا إلى دار بني مسعود بن العجماء [11] التي بالسوق وفيها سالم أبو الغيث [12] فأخبروا بني عدي [12] بحصارهم سالما، فالتقوا بالسوق فاقتتلوا واشتد قتالهم، ثم حجز بينهم فلبثوا حينا، ثم إن عبد الله بن مطيع خرج إلى السوق فعرض له إسماعيل بن خالد [13] بالسيف صلتا حتى ضربه في رأسه ضربة بلغت العظم، ثم إن بني
أمية أتوا بإسماعيل إلى ابن مطيع، فقالوا: ها هو ذا نرضيك ونمكنك منه، فقال ابن مطيع: ما أنا بفاعل حتى أشاور [1] أبا الجهم، فأرسل إلى أبي الجهم ما ترى فيه فإنهم قد أمكنوني من حقي، فأرسل إليه أبو الجهم: إن كانوا أعطوك يده تقطعها فاقبل منهم واقبضه حتى ترى فيه رأيك، وأرى إن فعلوا ذلك أن تكسوه حلّة وقميصا وتعفو عنه [2] وترسله، فأعطوه ذلك، فأرسله عشية ذلك اليوم وكساه حلّة، فلبث الناس سنين ثم إن [ابن-] [3] سليمان بن [4] مطيع قدم من مصر فدخل حمام ابن عقبة [5] فوجد فيه الحارث بن عبد الرحمن بن الحكم فتلاحيا [6] فلج السباب [7] بينهما، فقال له الحارث [8] : ألا أراك تسبني وقد ضربنا عمك [9] الضربة التي صارت مثل حر البقرة، فقال الآخر [10] : لا أستطيع لعمري أسابك بعد هذا، فلما خرج [ابن-] [11] سليمان من الحمام دخل على حميد بن أبي الجهم فقال: ألم تر ما لقيت من الحارث بن عبد الرحمن؟ ثم أخبره بما كان بينهما في الحمام وما قال له، فخرجا حتى دخلا على محمد بن أبي الجهم فقص عليه الخبر، فقال له محمد: أبعدك الله وأبعد عمك! فقد والله كنت أظن أنهم سيعتدونها عليكم، أرسل يا [12] حميد! إلى سيفي القائم القاعد فأعطه هذا فليضرب خالد [13] بن
عقبة [1] اليوم- وكان يوم جمعة- في صدره، حتى إذا مر بدار أبي الجهم خرج عليه ابن سليمان بن مطيع فضربه بالسيف مثل ضربة إسماعيل [2] عبد الله بن مطيع، وقال في ذلك محمد [3] بن أبي الجهم: (المتقارب) لسيفان سيف لمأمومة [4] ... وسيف هو القائم [5] القاعد فخذها برأسك مأمومة ... وإياك إياك يا خالد وقال ابن سليمان بن مطيع: (البسيط) أنا الغلام الذي أثرّت ذا أثر [6] ... في رأس شيخك [7] حتى أعنت [8] العصبا أنا الذي رد إسماعيل مختبلا ... لا يسمع الرعد إلا مات أو كربا [9] وجدّ القتال يومئذ بين بني أمية وبين [10] عدي بن كعب [10] ، فنصر بني عقبة من آل عثمان سعيد والوليد ابنا عثمان [11] ، ونصرهم بنو أبي عمرو [12] وبنو الحضرمي [13] كلهم وخالفوا بني أبي الجهم عبد الله وسليمان وصخرا وصخيرا على بني مطيع، فكانوا يوم الدار يوم جاسوا إليه أربعة أو خمسة آلاف
نسب شرحبيل بن حسنة في قريش
حتى إذا كانت العصر أرسلت إليهم أم المؤمنين [1] : والله لتصرفن عنها أو [2] أخرجن نهارا، فخرج مروان بالناس فحجز بينهم، فقال في ذلك عبد الله بن الحارث بن [3] أمية [4] : (الوافر) [و-] [5] ليس بناصر المولى أبان ... ولا عمرو [6] قفا جمل شرود وقد ولدت لينفعها يزيدا [7] ... فما ولدت سوى ألم شديد ومروان يناجيهم علينا ... وعمرو [8] ذلك الرجل الرقود وقد خذلت قبائل آل شمس ... وآزرنا سعيد والوليد [9] نسب شرحبيل بن حسنة في قريش الحزامي عن عبد الله بن إبراهيم بن قدامة الجمحي قال حدثني أبي عن أبيه أن شرحبيل/ بن حسنة كان ينسب إلى سفيان [بن-] [5] معمر بن حبيب [10] إلى أن حدث لولده ميراث بمصر [11] فقال لهم الحارث [12] بن
حاطب بن معمر: إنه قد حدث ما ترون، فان كان [1] نسبكم إلينا [1] على ما تدّعون فالأمر بيننا وبين هذا المال وإلا برئتم [2] من نسبنا فان شئتم [3] شركناكم فيه، فاختاروا [4] المال وانقطعوا وتركوا ذلك النسب، فأقاموا حتى كان وسط الزمان، قال: فلقي جماعة منهم قدامة بن إبراهيم بن محمد بن حاطب فذكروا [5] له النسب الذي كانوا عليه وسألوه الرجوع فقال: مرحبا بكم ما أعرفني بما ذكرتم ولي في هذا الأمر شريك لا أقطع أمرا دونه- يريد أخاه عثمان بن إبراهيم وهو يومئذ بالكوفة وكان يسكنها، فقال قدامة: أنا كاتب إليه وذاكر أمركم له، فكتب [6] وانصرف القوم وفشا الخبر في بني أخواتهم فقالوا: ما كفاكم ما صنعتم، كل يوم نحن منكم في نبوة [7] وتنقل، فكفوا عن طلب ذلك، ورجع الكتاب من عثمان بن إبراهيم إلى أخيه قدامة: قد قرأت كتابك وفهمت ما فيه وليس إلى الرجوع في شيء خرج منه عمك الحارث بن حاطب سبيل [8] قاله عنه، فهذا كان آخر ما كان من أمرهم، وقد انتهى إلي في غير هذا الحديث أن آل المعلى بن لوذان [9] الأنصاريين قد كانوا ادعوهم [10] وخاصموا فيهم، ولا أدري لعل ذلك كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
قصة الأصنام بمكة
قصة الأصنام بمكة قال: وكان عمرو بن ربيعة وهو خزاعة كاهنا له رئي [1] من الجن وكان عمرو يكنى أبا ثمامة فأتاه رئيه فقال: أجب أبا ثمامة، فقال: لبيك من تهامة، فقال له: ارحل بلا ملالة، قال له، جير ولا إقامة، قال: ائت صف جدة [2] ، فيها أصناما معدة، فأورد بها تهامة، ولا تهب ثم ادع العرب إلى عبادتها تجب. فأتى عمرو ساحل جدة فوجد بها ودا [3] وسواعا [4] ويغوث ويعوق ونسرا وهي الأصنام التي عبدت على عهد إدريس ونوح عليهما السلام، ثم إن الطوفان طرحها هناك فسفى [5] عليها الرمل فواراها، واستثارها عمرو وحملها إلى تهامة وحضر الموسم فدعا العرب إلى عبادتها فأجابوه، فأخذ عوف بن كنانة بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة [6] بن كلب ودا فنصبه بدومة الجندل وكان لقضاعة، وأخذ الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة سواعا فكان برهاط [7] تعبده مضر، وأخذ أنعم [8] بن عمرو [9] المرادي يغوث فكان بأكمة [10] من اليمن يقال لها مذحج [11] تعبده
مذحج ومن والاها، وأخذ مالك [1] بن مرثد بن جشم [2] بن حاشد بن جشم بن خيران [3] بن نوف [4] بن همدان [5] يعوق فكان بقرية يقال لها خيوان [6] تعبده همدان ومن والاها، وأخذ معد يكرب أحد حمير وأحد ذي رعين [7] نسرا فكان بموضع من أرض سبأ يقال له بلخع [8] تعبده حمير ومن والاها. وذكر عن رسول/ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رفعت لي النار فرأيت عمرو بن لحي [9] ولحي هو ربيعة رجلا قصيرا أحمر أزرق يجر قصبه [10] في النار، فقلت: من هذا؟ فقيل عمرو بن لحي أول من بحر البحيرة ووصل الوصيلة وسيب السائبة [11] وحمى الحامي [12] وغيّر دين إسماعيل عليه السلام ودعا العرب إلى عبادة الأصنام والأوثان» فالبحيرة إذا نتجت الناقة خمسة أبطن عمدوا [13] إلى الخامس إذا لم تكن سقبا [14] فتشق أذنها [15] فتلك البحيرة [16] ،
ولا يجزّ [1] لها وبر ولا يذكر اسم الله عليها، وأما السائبة [2] فما سيبوا من أموالهم لآلهتهم، وأما الوصيلة فهي الشاة إذا وضعت سبعة أبطن عمدوا [3] إلى السابع، فان كان ذكرا ذبح [4] وإن كانت أنثى تركت في الشاء [5] وإن كان ذكرا وأنثى قيل قد وصلت أخاها فتركا جميعا محرّمين منفعتهما للرجال دون النساء، وأما الحامي [6] فالفحل من الإبل إذا صار جد أب قالوا: حمى هذا ظهره، فتركوه لا يركب ولا يحمل عليه، ولا تمنع البحيرة ولا السائبة [2] ولا الوصيلة ولا الحامي [6] ماء [7] ولا مرعى وإن كان لغير أهلها، وألبانها للرجال دون النساء، فإذا مات شيء منها كان الرجال والنساء في لحومها سواء [8] ، ذكر ابن الكلبي قال: بينما الناس سائرون حول الكعبة إذا هم بخلق يطوف ما قد تراءى [9] رأسه [10] فأجفل الناس هاربين فناداهم: لا تروعوا [11] / فأقبلوا إليه وهو يقول: (الرجز) لاهم رب البيت ذي المناكب [12] ... أنت وهبت الفتية السلاهب [13] وهجمة [14] يحار فيها الحالب ... وثلة [15] مثل الجراد السارب
متاع أيام وكل ذاهب ونظروا فإذا هي امرأة فقالوا لها: ما أنت إنسية أم جنية؟ قالت: بل إنسانة من جرهم: (الرجز) أهلكنا الذر زمان يقدم [1] ... بمجحفات [2] وبموت لهذم [3] حتى تركنا برقاق [4] أهيم [5] ... للغي منا وركوب المأثم ثم قالت: من ينحر لي كل يوم جزورا ويعد لي زادا وبعيرا ويبلغني بلادا فوزا أعطه مالا كثيرا، فانتدب لها رجلان من جهينة بن زيد فسارا بها ليالي وأياما حتى انتهت إلى جبل جهينة فأتت على قرية نمل وذر فقالت: يا هذان! ههنا هلك قومي فاحتفروا هذا المكان، فاحتفروا عن مال كثير من ذهب وفضة فأوقرا بعيريهما، وقالت لهما: إياكما أن تلتفتا فيختلس ما معكما، وأقبل الذر حتى غشيها فمضيا غير بعيد والتفتا فاختلس ما كانا احتملا، فنادياها: هل من ماء؟ فقالت: نعم، في موضع هذه [6] الهضاب [7] ، وقالت وقد غشيها الذر: (الرجز) يا ويلتي يا ويلتا من أجلي ... أرى صغار الذر تبغي هبلى [8] سلطن يفرين على محملي ... لما رأيت أنه لا بد لي من منعة أحرز فيها معقلي
رئاسات قريش
/ ودخل الذر منخريها ومسمعيها [1] فخرت لشقها فهلكت، ووجد الجهنيان الماء حيث قالت، والماء يقال له مسيحة [2] وهو بناحية فرش ملل [3] الى جانب مشعل [4] فهو اليوم لجهينة . رئاسات [5] قريش كانت الرئاسة [6] أيام عبد مناف لعبد مناف بن قصي وكان القائم [7] بأمور قريش والمنظور إليه منها، ثم أفضى ذلك بعده إلى هاشم ابنه فولي [8] ذلك بحسن القيام فلم يكن له نظير من قريش ولا مساو، ثم صارت الرئاسة [6] لعبد المطلب وفي كل قريش رؤساء غير أنهم كانوا يعرفون [9] لعبد المطلب فضله وتقدمه وشرفه، فلما مات عبد المطلب صارت الرئاسة [6] لحرب بن أمية بن عبد شمس، فلما مات حرب تفرقت الرئاسات [10] والشرف في بني عبد مناف وغيرهم من قريش، فكان في بني هاشم للزبير وأبي طالب والعباس وحمزة بني عبد المطلب، وفي بني المطلب لعبد يزيد بن هاشم بن
حديث الزبير والأعرابي
المطلب وهو المحض [1] لا قذى فيه، وفي بني أمية لأبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية، وكان في بني نوفل بن عبد مناف للمطعم بن عدي بن نوفل، وكان في بني أسد بن عبد العزى لخويلد بن أسد وعثمان بن الحويرث بن أسد، ولبني عبد الدار عكرمة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، ولبني زهرة مخرمة بن نوفل بن أهيب [2] بن عبد مناف بن زهرة، ولتيم بن مرة عبد الله بن جدعان بن عمرو، ولبني مخزوم هشام بن المغيرة، وكان شريفا عظيم القدر في قريش حتى جعلوا موته تأريخا، ولبني عدي بن كعب عمرو بن نفيل بن عبد العزى، ولبني سهم العاص بن وائل ولبني جمح أمية بن خلف، ولبني عامر بن لؤي عمرو بن عبد شمس أبو يزيد سهيل الأعلم، ولبني محارب بن فهر ضرار بن الخطاب بن مرداس، ولبني الحارث بن فهر عبد الله بن الجراح أبو أبي عبيدة بن الجراح . حديث الزبير والأعرابي قال: كان لرجل من الأعراب على الزبير بن العوام حق فجاء يطلب الزبير فوقع به وشتمه وقالت صفية وهي بفناء [3] بيتها جالسة: لا تقل ذا فإنه قاضيك حقك وموفيك، فقال: والله! لئن لقيته لأوذينه، فلقي الأعرابي الزبير فأقذع له في القول وظلمه، فضربه الزبير حتى [4] أنه لم يستطيع [4] أن يقوم، فحمله أصحابه حتى أتوا به صفية وهي جالسة ببابها فقالت: (الرجز) كيف رأيت زبرا ... أأقطا [5] أم تمرا أم حضرميا [6] مرا
ما كان في قريش من الرؤيا الصادقة ومنها رؤيا عبد المطلب في حفر زمزم
ما كان في قريش من الرؤيا [1] الصادقة ومنها رؤيا عبد المطلب في حفر زمزم / ذكر عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن الزهري قال: بينا عبد المطلب نائم [2] وقد ولد له ابنه الحارث وأدرك أتي في المنام وقيل له احفر زمزم خبيئة [3] الشيخ الأعظم [4] ، فاستيقظ، وقال: اللهم بين لي، فأتى في المنام مرة أخرى فقيل له احفر تكتم [5] بين الفرث [6] والدم [في [7]] مبحث الغراب في قرية النمل مستقبلة الأنصاب الحمر، فقام عبد المطلب يمشي حتى جلس في المسجد الحرام ينتظر ما سمى له من الآيات فذبحت بقرة بالحزورة [8] فانفلتت [9] من جازرها بالحشاشة [10] حتى غلب عليها الموت في المسجد الحرام
في موضع زمزم، فجزرت تلك البقرة في مكانها حتى إذا احتمل لحمها أقبل غراب يبحث فهوى [1] حتى وقع في الفرث [2] فبحث عن قرية النمل، فقام عبد المطلب يحفر فجاءت قريش فقالت لعبد المطلب: ما هذا الصنيع [3] ؟ إنا لم نكن نزنك [4] بالجهل، [لم [5]] تحفر في مسجدنا؟ وحكي عن عبد الأعلى بن أبي المساور [6] عن عكرمة عن ابن عباس قال: أتى عبد المطلب في المنام فقيل له احفر برة فقال وما برة [7] قال: مضنونة: ضن بها عن الناس وأعطيتموها، فلما أصبح جمع قومه فأخبرهم، قالوا: فهلا سألت ما هي؟ قال: فلما كان من الليل/ أتى في منامه فقيل له: احفر فقال: أي موضع وأين موضعها؟ قيل: مسلك الذر وموقع الغراب بين الفرث والدم، فلما أصبح جمع قومه وأخبرهم، فقالوا: هذا موضع نصب [8] خزاعة ولا يدعونك، كان ولده غيبا إلا الحارث فقام هو والحارث يحفران فحفرا حتى استخرجا سيوفا قلعية ملفوفة في عباء، ثم حفرا حتى استخرجا غزالا من ذهب في أذنيه قرطان، ثم حفرا حتى استخرجا حلية من ذهب، ثم حفرا حتى استنبطا الماء، فأتى قومه فقالوا: يا عبد المطلب! احذ الغنم، [9] فقال: ايتوني بقداح ثلاثة: أسود وأبيض وأحمر، فجعل الأسود لقومه والأبيض لنفسه والأحمر للبيت، فضرب بها فخرج الأسود على الغزال فصار لقومه، ويقال إنهم قالوا: احذنا مما وجدت، فقال عبد المطلب: بل هي
رؤيا أم حكيم وهي البيضاء بنت عبد المطلب
لبيت الله، ثم حفر حتى بلغ القرار فأبحر [1] وخرق جبلها كيلا تنزح [2] ثم بنى عليها حوضا وجعل هو والحارث ينزعان فيملآن الحوض فيشرب عنه الحاج، فحسده ناس من قريش فجعلوا إذا كان الليل كسروا الحوض، فإذا أصبح عبد المطلب أصلحه، فلما أكثروا إفساده دعا عبد المطلب ربه فأتي في منامه فقيل له: قل: اللهم! إني لا أحلها لمغتسل ولكن هي لشارب حلّ وبلّ [3] ، ثم كفيتهم، فقام عبد المطلب حين اجتمعت قريش في المسجد فنادى كما أمر في المنام ثم انصرف، فلم يكن يفسد حوضه ذلك أحد من قريش إلا رمي في جسده بداء حتى تركوا حوضه وسقايته رؤيا [4] أم حكيم وهي البيضاء [5] بنت عبد المطلب قال: ولما ولدت أم حكيم أروى بنت كريز [6] بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس سمعت قائلا يقول في المنام: رب قمس [7] صميم لمسود [8] حليم ومقسم كريم وشاعر عذوم [9] في بطن أم حكيم، فولدت عثمان بن عفان فهو القمس الحليم، والمقسم هو المطرف [10] عبد الله بن عمرو بن عثمان وكان أجمل أهل زمانه، والشاعر العذوم هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط [11] ، ورأى
زهرة بن كلاب بن مرة وكان لا يكاد يولد له فتزوج عقيلة بنت عبد العزى بن غيرة الثقفي فولدت [1] بين ذكور ثلاثة ماتوا صغارا فحلف إن ولدت له جارية ليدفنها [2] حية، فولدت له جارية فأمر بها أن تدفن، فقالت له قريش: إنما كانت العرب تفعل هذا خشية الإملاق وأنت كثير المال، فأخبرهم بأمره فيها وأمر بها أن تدفن فغيبتها أمها، فأتى زهرة في المنام فقيل له: رب فتى وفارس ودود وسيد مسود صنديد [3] ومطعم في زمن الجحود [4] في بطن ذي الجارية الوئيد [5] ، فانتبه فاستبقاها وسماها السوداء فتزوجت عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة فولدت له، قال: ولما ولدت عميرة [6] سلمى بنت عمرو بن زيد [7] بن لبيد أم عبد المطلب سمعت في المنام قائلا يقول: رب قدوم [8] زهر وصدق وبر ومسعر مبير [9] في بطن سلمى بنت عمرو، فولدت سلمى عبد المطلب فكان كذاك [10] سيدا مسودا حتى مات، ورأت ماوية [11] بنت حوزة [12] بن عمرو/ بن مرة لما ولدت عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج السلمية سمعت قائلا [13] يقول في المنام: كم من قيل [14] مجر وملك بحر [15] وسيد
رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب
غمر [1] ونجيب صقر في بطن بنت مر، فتزوجها عبد مناف بن قصي فولدت هاشما وعبد شمس والمطلب بني عبد مناف. قال: ولما ولدت نعجة [2] بنت عبيد بن روّاس [3] سمع أبوها قائلا [4] يقول في المنام: رب عدد وبأس، وكماة [5] أحماس [6] ، وسادة غير أنكاس [7] : لين وشماس [8] في بطن بنت عبيد بن رواس، فتزوجها عبد شمس بن عبد مناف فولدت له أمية الأكبر وحبيبا . رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب كانت عاتكة رأت رؤيا قبل قدوم ضمضم [9] بن عمرو وكانت رأت هذه الرؤيا فأعظمتها وفزعت لها، فأرسلت إلى أخيها العباس فقالت: يا أخي! قد والله رأيت الليلة رؤيا رأيت راكبا أقبل على بعير حتى وقف بالأبطح ثم صرخ بأعلى صوته: يا ل غدر! انفروا إلى مصارعكم في ثلاث، صرخ بها ثلاث مرات، فإذا الناس قد اجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه إذ مثل بعيره على ظهر الكعبة فصرخ مثلها ثلاثا، ثم مثل بعيره على أبي قبيس ثم صرخ مثلها ثلاثا، ثم أخذ صخرة من أبي قبيس فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل انقضت فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار من
رؤيا جهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب
دورها إلا دخلتها [1] فلذة [2] ، فذكر عن عمرو بن العاص/ أنه قال: رأيت كل هذا ولقد رأيت في دارنا فلقة [3] من الصخرة التي ألقيت من أبي قبيس، فلقد كان في ذلك عبرة ولكن لم يرد الله إسلامنا يومئذ ولكنه أخر إسلامنا إلى ما أراد، فكان تأويلها استنفار ضمضم بن عمرو إياهم، وقتل أشرافهم ببدر [4] وتمت رؤياها بمكة، فقال أبو جهل: يا بني هاشم! أما كفاكم أن تنبأ رجالكم حتى تنبّت نساؤكم . رؤيا جهيم [5] بن الصلت بن مخرمة بن المطلب قال الواقدي: لما انتهت قريش إلى الجحفة [6] عشاء نام [7] جهيم بن أبي الصلت فقال: أراني بين النائم واليقظان أنظر إلى رجل أقبل على فرس معه بعير له حتى وقف عليّ فقال: قتل عتبة وشيبة وزمعة بن الأسود وأمية بن خلف وأبو البختري [8] وأبو الحكم [9] ونوفل بن خويلد في رجال سماهم من أشراف قريش وأسر سهيل بن عمرو [10] ، قال: فيقول [11] قائل منهم: والله إني لأظنكم [12]
رؤيا آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة
تخرجون إلى مصارعكم، قال: ثم أراه ضرب في لبة بعيره، ثم أرسله في العسكر، فما بقي خباء [1] من أخبية العسكر إلا أصابه بعض دمه، فكان تأويلها كما رآها يوم بدر . رؤيا آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة ذكروا أنها باتت في الحجر [2] فرأت قائلا يقول لها: احكمي عقدا فقد رزقت [3] ولدا تسميه أحمد [4] ، فولدت سيد ولد آدم صلى الله عليه، قال السكري [5] عن غير/ أبن حبيب: وقالت آمنة لما رده أظآره [6] : (الرجز) ألا رعاه فارجعن رعاه ... رعاه إن ربه مولاه فقد أراني الله لا [7] سواه ... نورا فلن يخلفني رؤياه لن يخلف الفجر لمن رآه سبب إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ذكر في إسناده إبراهيم بن سعيد عن محمد بن إسحاق عن رجل من أسلم قال: مرّ أبو جهل برسول الله صلى الله عليه وهو جالس عند الصفا فآذاه وشتمه ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه والتضعيف له، فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه ومولاة لعبد الله بن جدعان فوق الصفا في مسكن لها تسمع ذلك، ثم انصرف عنه فعمد إلى ناد من قريش عند الكعبة فجلس معهم فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحا قوسه راجعا من
ومن حديث بني هشام
قنص له وكان صاحب قنص يرميه ويخرج [1] له، وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلا وقف وسلّم وتحدّث معهم وكان أعز قريش وأشدها شكيمة [2] ، فلما مر بالمولاة وقد قام رسول الله صلى الله عليه ورجع إلى بيته قالت له: يا أبا عمارة! لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا قبل أن تأتي من أبي الحكم [3] بن [4] هشام وجده هاهنا جالسا فسبه وآذاه وبلغ منه ما يكره ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد، فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله من كرامته فخرج سريعا لا يقف على أحد كما كان/ يصنع يريد الطواف بالكعبة معدا لأبي جهل إذا لقيه، فلما دخل المسجد نظر إليه جالسا في القوم فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع قوسه فضربه بها ضربة شجّه [شجة-] [5] منكرة [6] ، ثم قال: أتشتمه وأنا [7] على دينه أقول ما يقول؟ فرد على إن استطعت، فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل عليه، فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة فأني والله لقد سببت ابن أخيه سبّا [8] قبيحا، وتم حمزة رضي الله عنه على إسلامه، فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه قد عزّ وامتنع وأن حمزة سيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه وذهبت شجة أبي جهل هدرا . ومن حديث [9] بني هشام ذكر ابن الكلبي عن أبيه قال: أخبرني رجل من بني سليم من أهل البصرة عن أبيه وعمّه قالا: خرجنا حاجّين في الجاهلية وقد أصابت الناس
ومن أخبارهم أيضا
سنة فأتينا مكة فقضينا حجّنا وطلبنا طعاما نشتريه فلم نجده ولا أحدا يضيف، فأتينا تلك المواسم فإذا لا طعام يباع ولا أحد يطعم، فمكثنا ثلاثا أو أربعا، قال: فبينا نحن في المسجد الحرام إذ نحن بنحو من مائة رجل قد خرجوا من المسجد فقلنا: أين يريد هؤلاء؟ قالوا: الطعام، فقلت لأخي: مر بنا [1] فو الله ما نريد إلا الطعام، فدخلوا/ شعب بني مخزوم فإذا دار عظيمة فيها بيت عظيم له بابان وإذا سرير عليه رجل آدم خفيف العارضين مسنون الوجه [2] عليه حلة سوداء بيده قضيب وإذا جفان ما يبصر [3] الدرمك [4] مما عليها من الكبد والسنام، قال: فكنا أول من دخل وآخر [5] من خرج فشبعت قبل أخي فقلت: قم لا أشبع الله بطنك! قال: فرفع الذي على السرير رأسه وقال: لا يقوم [6] امرؤ حتى يشبع فإنما جعل الطعام ليؤكل، قال: وإذا هو أحول، قال: فخرجنا من الباب الآخر فإذا جزر موقوفة، فقلنا: ما هذه الجزر؟ فقيل لما رأيتم آنفا، فقلنا: من هذا؟ قالوا: هذا عمرو بن هشام هذا أبو الحكم [7] . ومن أخبارهم [8] أيضا أخبرني أبو القاسم أحمد بن محمد بن إسحاق المسيبي قال حدثني أبي عن شيخ عن أصحابنا له قدر قال حدثني الوقاصى [9] عن الزهري عن أبي حية
حديث دار الندوة
عن أبي ذر [1] قال: قدمت مكة معتمرا فقلت: أما مضيف؟ قالوا: بلى كثير وأقربهم منزلا الحارث [2] بن هشام، قال فأتيت بابه فقلت: أما من قرى؟ فقالت الجارية: بلى، ودخلت فأخرجت لي زبيبا في يدها، فقلت: صيّرية على طبق، فعلمت أني ضيف، فقالت: ادخل، فإذا أنا بالحارث على كرسي وبين يديه جفان فيها خبز ولحم وأنطاع [3] عليها زبيب، فقال لي: أصب، فأكلت ثم قال لي: هذا لك ما أقمت، فأقمت ثلاثا ثم رجعت إلى المدينة، / فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم خبره فقال صلى الله عليه وسلم: إنه سريّ [4] ابن [5] سرى وددت أنه أسلم . حديث دار الندوة [6] ومن [7] أحاديث قريش أن ناسا من بني قصي دخلوا دار الندوة [6] لبعض أمرهم فأراد عبد الله بن الزبعرى [8] أن يدخل معهم [9] فيسمع من مشورتهم فمنعوه فكتب [10] شعرا في باب دار الندوة [6] مما [11] يلي الكعبة، فلما أن خرجت بنو قصي إذا هم [12] بالكتاب فقرءوه [13] فإذ فيه: (البسيط)
ألهي قصيا عن المجد الأساطير ... ورشوة مثلما [1] ترشي السماسير [2] توارثوا في نصاب اللوم أوّلهم ... فلا يعد لهم مجد ولا خير [3] فقال رجل من قصي: انطلقوا بنا إلى الخبيث! حتى [4] نواخذه على سيئته [4] ، فقال بعض القوم: لا تفعلوا [5] ! لكن أرسلوا إلى قومه فإن قبلوكم [6] بما تريدون فسبيل ذلك وإلا رأيتم رأيكم وكنتم قد أعذرتم فيما بينكم وبينهم، وكان الذي قال هذا القول الأخير أبو طالب بن عبد المطلب وكانت بنو سهم رهطا [لهم-] [7] حرمة [و-] [7] أهل عز وجد وبأس ومنعة، وكانوا يعدون لبني عبد مناف قاطبة إذا كان بين المطيبين والأحلاف وحشة [8] أو تنازع أو اختلاف، فأرسل القوم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس إلى بني سهم في هجاء ابن الزبعرى إياهم فإذا هم في ناديهم، فقال: إن قومكم قد أرسلوني إليكم في هذا السفيه [9] الذي قد هجاهم في غير/ جرم اجترموه إليه وقد بلغهم خبر ابن الزبعري قبل أن يأتيهم عتبة، فقال عتبة: إن [10] كان صنع ما صنع عن رأيكم فبئس الرأي رأيكم، وإن كان فعل ما فعل عن غير رأي منكم فادفعوا إليهم هذا السفيه، فقال القوم: نبرأ إلى الله أن يكون هذا
عن رأينا ولا محبتنا ولا علمنا، قال: فأسلموه إلينا، فقال القوم: إن شئتم [1] فعلنا على أنه إن هجانا هاج منكم تسلموه إلينا، فقال عتبة: ما يمنعني أن أفعل ما تقولون إلا أن الزبير بن عبد المطلب غائب بالطائف وقد علمت أنه سيفزع لهذا الأمر ولم أكن أجعل الزبير خطرا لا بن الزبعرى، فقال رجل من القوم: أيها القوم! ادفعوه إليهم فلعمري! إن لكم مثل ما عليكم، فكثر الكلام واللغط، وفي القوم يومئذ نبيه [2] ومنبه ابنا الحجاج بن عامر السهميان وعليهما حلتان اشترياهما [3] قبل ذلك من لطيمة [4] كان كسرى بعث بها إلى النعمان [5] فبعث النعمان بها [6] لتباع [7] بسوق عكاظ، فاعترضت لها بنو يربوع بن حنظلة فأخذوها فباعوها بسوق عكاظ، فلما رأى العاص بن وائل [8] كثرة الكلام واللغط دعا برمة فأوثق بها ابن الزبعرى ثم دفعه إلى عتبة بن ربيعة فأقبل به مربوطا حتى أتى به قومه، فأقاموا عند الحجر الأسود، فقال ابن الزبعرى يمدح العاص بن وائل [8] : (الرمل) بلّغا سهما جميعا كلها ... سيدا منها ومن [9] لما يسد / منطقا يمضي إلى جلهم ... أنكم أنتم أزري [10] وعضد ثم عد القول إن أفهمته ... عند من يحفظ أيمان العهد
ذلك العاص ابن سلمى [1] إنه ... رفع الذكر فقل فيه وزد نبت [2] العائل [3] في أكنافه ... منبت [4] العيص [5] من السدر [6] الزبد [7] ففداه الموت إن حاوله ... شكس [8] شيمة [9] جلد الكبد وقال عبد الله بن الزبعرى يمدح قصيا ويستعطفها: (الطويل) ألا أبلغا عني قصيا رسالة ... فأنتم سنام المجد من آل غالب وأنتم ثمال [10] الناس في كل شتوة ... إذا عضهم دهر شديد المناكب وقد علمت عليا معدّ بأنكم ... ثمالهم في المضلعات [11] النوائب [12] فإن تطلقوني تطلقوا ذا قرابة ... ومثن عليكم صادقا غير كاذب فأبلغ أبا سفيان عني رسالة ... وأبلغ أسيدا [13] ذا الندى والمكاسب
تزفين قريش أولادهم
وأبلغ أبا العاصي [1] ولا تنس [2] زمعة [3] ... ومطعم [4] لا تنس [5] لجام المشاغب [6] بأنكم في العسر واليسر خيرنا ... إذا كان يوم مزمهرّ [7] الكواكب تزفين [8] قريش أولادهم قالت سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد تزفين عبد المطلب ابنها: (الرجز) إن بنيّ ليس فيه لعثمه [9] ... ولم يلده مدع ولا أمه / يعرف فيه الخير من توسمه ... أروع ضحاك بعيد هممه إن أخر الله عن [10] بني الحمه [11] ... يزحم [12] من زحامه فيزحمه أقول [13] حقا لا كقول الأثمه وقال عبد المطلب يزفن ابنه العباس: (الرجز) ظني بعباس بنيّ إن كبر ... أن يسقي الحاج إذا الحاج كثر وكانت أم عبد الله بن العباس وهي لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية تزفن ابنها فتقول: (الرجز)
ثكلت نفسي فثكلت بكري [1] ... إن لم يسد [2] فهرا وغير فهر بالحسب العد [3] وبذل الوفر ... حتى يوارى في ضريح [4] القبر وقالت هند بنت أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب تزفن ابنها عبد الله بن الحارث بن نوفل: (الرجز) والله ورب الكعبة ... لأنكحن ببّه [5] جارية في نقبه [6] ... مكرمة محبة تحب من أحبه وقالت صفية بنت عبد المطلب تزفن ابنها الزبير بن العوام: (الرجز) وأبيك [7] زبر ما [7] بنكس أحمق ... لكنه صقر [8] كريم معرق حامي الحقيقة [9] ماجد ذو مصدق [10] ... يضرب [11] الكبش [12] سواء [13] المفرق وليس بالواني [14] ولا بالأخرق / وقالت أيضا تزفن عبد الله بن الزبير: (الرجز)
إن ابني الأصغر حب حنكل [1] ... أخاف أن يعصيني ويبخل يا رب أمتعني ببكري الأول ... الماجد الفياض والمؤمل وقالت هند بنت عتبة تزفن ابنها معاوية [2] بن أبي سفيان: (الرجز) إن بنيّ معرق كريم ... محبب في أهله حليم ليس بفحاش ولا لئيم ... ولا بطخرور [3] ولا سؤوم صخر بني فهر به زعيم ... لا يخلف الظن ولا يخيم [4] وقالت أيضا تزفن ابنها عتبة: (الرجز) إن بني من رجال الحمس [5] ... كريم أصل وكريم النفس [6] ليس بوجاب الفؤاد [7] نكس [8] ... عتبة بدر وأبوه شمس وقالت فاطمة بنت نعجة [9] الخزاعية تزفن ابنها سعيد بن زيد بن عمرو [10] بن نفيل بن عبد العزى: (الرجز) إن بني سيد العشيره ... عف صليب حسن السريره جزل النوال كفه مطيره ... يعطي على الميسور والعسيره وقالت ميسون بنت بحدل [11] تزفن ابنها يزيد بن معاوية: (الرجز)
إن يزيد خير شبان العرب ... أحلمهم عند الرضى [1] وفي الغضب / يبدر بالبذل وإن سيل وهب ... تفديه نفسي ثم أمي وأب وأسرتي كلهم من العطب وقالت ماوية بنت كعب بن القين تزفن ابنها سامة بن لؤي: (الرجز) [و-] [2] إن ظني ببني خير ظن ... أن يشتري الحمد ويغلي في الثمن ويهزم الجيش إذا الجيش ارجحن [3] ... ويروي الهيمان [4] من محض اللبن ويملأ الشيزى [5] من الواري [6] الكدن [7] ... أن نبه القوم إذا ما قيل كان هو المدعو لا هن وهن وقال الزبير بن عبد المطلب يزفن النبي صلى الله عليه: (الرجز) محمد بن عبدم [8] ... عشت بعيش أنعم [9] لا زلت في عيش عم ... ودولة [10] ومغنم [11] يغنيك [12] عن كل العم ... وعشت حتى تهرم [13] وقال أيضا يزفن العباس أخاه: (الرجز)
إن أخي العباس عف ذو كرم ... فيه عن [1] العوراء إن قلت صمم يرتاح للمجد ويؤفي بالذمم ... وينحر الكوماء في اليوم الشبم [2] أكرم بأعراقك من خال وعم وقال يزفن ضرار بن عبد المطلب أخاه: (الرجز) / ظني بميّاس [3] ضرار خير ظن ... أن يشتري الحمد باغلاء [4] الثمن ينحر للأضياف ربات السمن ... أشرف [5] من ذي يزن [6] وذي جدن [7] وقال ايضا يزفن ابنته ضباعة [8] : (الرجز) يا حبذا ضباعة ... مكرمة مطاعة لا تسرق البضاعة ... لا تعرف الخلاعة وقال أيضا يزفن ابنته أم الحكم: (الرجز) يا حبذا أم الحكم ... كأنها رئم [9] أحم [10] يا [11] بعلها ماذا قسم [12] ... ساهم فيها فسهم [13] وقال أيضا: (الرجز)
إن ابنتي بيضاء من بيض زهر ... كأنها بيضة دعص [1] في وكر تعجب من طاف بأركان الحجر وقال أيضا: (الرجز) إن ابنتي لحرة ذات حسب ... لا تمنع النار ولا فضل الحطب وقالت أم البنين الوحيدية [2] تزفن ابنها العباس بن علي بن أبي طالب عليهما السلام: (الرجز) أعيذه بالواحد ... من عين كل حاسد قائم والقاعد ... مسلمهم والجاحد / صادرهم والوارد ... مولودهم والوالد وقالت أم حبيب بنت العاص بن أمية تزفن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل: (الرجز) احفظ جبيرا رب في السريه ... لا تقعدني مقعدا [3] شقيه وباركن [4] يا رب في بنيه وقالت أيضا: (الرجز) احفظ جبيرا من سيوف فارس ... وجنّبنه عارض الوساوس واحفظه من كل زحير [5] حادس [6] ... زيّنن [7] رب به المجالس
وقالت ضباعة بنت عامر [1] تزفن ابنها سلمة [2] بن هشام بن المغيرة: (الرجز) نمى به إلى الذرى هشام ... قدما [3] وآباء [4] له كرام جحاجح [5] خضارم [6] عظام ... من آل مخزوم هم النظام [7] الفرع والهامة [8] والسنام وقالت أم حكيم بنت عبد المطلب وهي البيضاء تزفن ابن ابنتها عثمان بن عفان: (الرجز) ظني به صدق وبر ... يأمر [9] ويأتمر من فتية بيض صبر ... يحمون عورات الدبر ويضرب الكبش النعر [10] ... يضربه حتى يخر بكل مصقول هبر [11]
حديث الصائح في الليل بمرثية هشام
حديث الصائح [1] في الليل بمرثية هشام [2] قال ابن الخربوذ [3] المكي سمعت قريش صائحا [4] في الليل من الجن وهو يقول: (البسيط) أودى هشام وقد كانت تلوذ به [5] ... أبناء فهر [6] إذا ما عضها الزمن من لليتامى وللأضياف إذ نزلوا ... وقد أتى دونه الأحداث والكفن / تبكي عليه ملاح [7] كلما طلعت ... شمس النهار ويبكي شجوه [8] البدن [9] أعني ابن ريطة [10] من سهم أبوتها ... ما في قناتهم صدع ولا أبن [11] حديث يوم ذي ضال وهو يوم القصيبة [12] حكى أبو موسى [13] عن عبد الله بن عمرو المدني عن عبد الرحمن بن محمد التيمي من ولد أبي بكر- رضي الله عنه- قال وحدثني أبو الحسن [14] عليّ بن محمد قال حدثنيه أبي عن مشايخه وأهله، قال أبو بكر وحدثنيه أبو
سعيد السكري قال حدثني به علي بن محمد النوفلي قال حدثنيه أبي عن مشايخه قالوا: خرج الحارث بن عبد المطلب في نيف وعشرين ومائة من قريش وغيرهم من حلفائهم يريدون الشام في تجارة، فلما انصرف نزل بموضع يقال له ذو ضال ويدعى القصيبة وهو ماء لبني سعد تميم، فوافق نزوله الماء أن أغار [1] رجلان [2] من عجل وشيبان يقال لأحدهما عمرو والآخر عوف فيمن معهما من قومهما فأغاروا على الماء وأهله خلوف [3] ليس غير النساء والصيبان فسبوا وساقوا المال، فجاءت امرأة من بني سعد يقال لها عاتكة قد سقط نصيفها [4] عن رأسها إلى الحارث وأصحابه فناشدتهم رحم خندف لما أغاثوها، فندب الحارث أصحابه فأجابوه، فقاتلهم قتالا شديدا فأنكر العجليون والشيبانيون لغاتهم فقالوا: والله! ما أنتم من بني سعد فمن أنتم؟ قال لهم الحارث: نحن قريش، قالوا: يا معشر [5] قريش! ما لنا ولكم، نحن قوم من أهل دينكم ونحج حرمكم وبيتكم، قال الحارث: فلا تؤثمونا في/ ديننا، فإن في ديننا منع الجار، لكم النعم وخلوا السبايا، فأبوا، فقاتلهم أشد القتال وجرح الحارث يومئذ عشرين جراحة وأسر عمرا أحد الرئيسين وانهزم القوم وأصاب الحارث قتيلا من بني سعد وقد كان متخلفا مع النساء فدفع الحارث إلى السعديين [6] الرئيس الذي أسره بقتيله الذي قتل منهم ثم أنشأ يقول: (البسيط) أبلغ قريشا إذا ما جئتها [7] منا [8] ... أن الشجاعة منها والندى خلق
لولا فوارس من كعب [1] ذوو شرف ... يوم القصيبة لما احمرت الحدق [2] أمست نساء بني سعد يقودهم ... ليث لأقرانه في الحرب معتنق فكم ترى يوم ذاكم من مولولة [3] ... إنسان مقلتها في دمعها غرق لما رأونا بذي ضال [4] نقيم لهم ... ضربا لها له أمهات الهام تنفلق ولت جماعة شيبان ينقّلها ... جرد مقدّحة [5] أقرابها [6] لحق [7] وأفلت المرء عوف غير منفلت ... يعدو به سابح الرجلين منطلق وأصبح المرء عمرو [8] بعد صولته ... بهم ذليلا أسيرا قيده قلق وقالت عاتكة السعدية: (الطويل) جزى [9] الله خيرا والجزاء بكفه [10] ... فوارس حيي عبد شمس وهاشم وأهل «العلى تيم بن مرة إنهم ... ولاة المساعي [11] والأمور العظائم / هم ذببوا [12] عنا ربيعة كلها ... بصم [13] القنا والمرهفات الصوارم وأصبح عمرو عانيا [14] في ديارنا ... أسير تعنّيه [15] حلاق الأداهم [16]
قدوم أوس بن حجر مكة ونزوله على أبي جهل
فلا تكفروا [1] سعد خراطيم [2] غالب [3] ... قريش العلى ما حج أهل المواسم وقدم الحارث على عبد المطلب بمكة [4] وخبّر ما كان منه فسرّ بذلك ونحر الجزر وأطعم الناس . قدوم أوس بن حجر مكة ونزوله على أبي جهل قال قدم أوس بن حجر التميمي مكة على أبي جهل بن هشام المخزومي فمدحه فقال له أوس: إني أحب أن أنظر إلى قومك، فبعث أبو جهل إلى فتيان قومه أن لا يحضر أحد منكم المسجد إلا في أجود ما يقدر عليه من الثياب، فلبسوا القطر [5] والأتحمى [6] والمورّس من البياض، فجعل أوس لا يرى حلة حسنة ولا ثوبا فاخرا فيسأل عنه إلا قالوا: من بني المغيرة [7] فعظم بنو المغيرة عنده وازداد فيهم رغبة، ثم أمر أبو جهل بطعام فصنع فدعا أوسا وقومه فتقدموا ثم خرجوا إلى المسجد فبينما هم في الطواف إذ طلع عبد المطلب بن هاشم في محفة حوله بنوه، فنظر أوس إلى شيخ أبيض كأنه فضة طول وجهه ذراع وإذا فتيان يحملون محفته بيض طول كأنهم الرماح لم ير صورا تشبهها، فجعل ينظر إليهم وجعل أبو جهل يشغله بالحديث عنهم وجعل أوس يتطلع [8] / إليهم لما يرى من هيئة الشيخ وحسنه وكمال صورته وما يرى من تمام فتيته وشطاطهم [9] وحسن وجوههم وكمال هيئتهم فقال: يا أبا الحكم! من هذا الشيخ وهؤلاء الفتية؟ والله! ما رأيت شيخا أجمل ولا أكمل ولا أطول ولا
حلف جحش بن رئاب أمية ومصاهرته عبد المطلب
فتية أفصح ولا أصبح وأرجح، قال أبو جهل: قد رأيته، هذا عبد المطلب وبنوه هذا من لا تعتقد معه قريش شرفا ما بقي فلا أبقاه الله حلف جحش [1] بن رئاب [2] أمية ومصاهرته عبد المطلب قال: لما قدم جحش [1] بن [3] رئاب [2] بن يعمر الأسدي [4] مكة حالف أمية بن عبد شمس فقيل له تركت أشرف منهم وأعظم عند قريش قدرا عبد المطلب بن هاشم، قال: أما والله! لئن فاتني حلفه لا يفوتني صهره، فخطب أميمة بنت عبد المطلب فزوجه إياها . حديث مجلس القلادة قال: كان أشراف من أشراف قريش وغيرهم يجتمعون في مجلس فيه أبناء المهاجرين وكان ذلك المجلس يسمى القلادة يشبه بالقلادة المنظومة بالجواهر لحسنه وجماله وشرف أهله، وكان معاوية إذا قدم عليه قادم سأله عن مجلس القلادة عناية منه به، فذكروا أنه حلت [5] لتاجر على ابن أبي عتيق [6] ستة آلاف درهم فأتاه يقتضيه، فقال له ابن أبي عتيق: ما هي/ عندي ولكن إذ قعدت في مجلس القلادة فسلني عن بيت بني عبد مناف، فجاء ابن أبي عتيق حتى جلس إلى جانب الحسن بن علي ابن أبي طالب عليهما السلام، فقال التاجر لابن أبي عتيق: يا أبا محمد! أخبرني عن بيت بني عبد مناف، فقال له: آل حرب، أشركوا فأشرك الناس وأسلموا فأسلم الناس، قال: ثم من؟ عافاك الله! قال: بنو العاص، أكثر الناس شهيدا ورجلا شريفا، قال الرجل: يا سبحان الله! فأين بنو عبد المطلب؟ قال له: يا أحمق! إنما سألتني عن بيوت الآدميين ولو سألتني عن
وجوه [1] الملائكة لأخبرتك عن بني عبد المطلب، فيهم رسول الله صلى الله عليه وفيهم أسد الله [2] وفيهم الطيار في الجنة، فقال الحسن عليه السلام أقسم بالله عليك! إن لك حاجة يا أبا محمد؟ قال: إي والله! عليّ لهذا الرجل ستة آلاف، قال: قد قضاها الله عنك، هي علينا دونك، فلم تزل ذلك المجلس ملتئما يحضره عبد الله بن العباس وعبيد الله بن عدي بن الخيار بن نوفل وعبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي وأبو يسار [3] [ابن-] [4] عبد الرحمن بن عبيد الله بن شيبة بن ربيعة بن عبد شمس وموسى بن طلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عبد القاري، ويجلس معهم فيه سراة الناس وأشرافهم، فقال [5] معاوية: لن تبرح المدينة عامرة ما دام مجلس القلادة، فاجتمعوا ليلة كما كانوا يجتمعون فقال [6] عبيد الله [6] بن عدي وذكروا الصحابة فقال: ما رأيت كبلاغة علي عليه السلام وفقهه، فقال أبو يسار: كأنك لم تر معاوية،/ فو الله ما رأى معاوية إلا إنسان ولا قلبه إلا إنسان- وأطنب في معاوية، فقال له عبيد الله بن عبد الله بن عمر: كأنك لم ترى عمر وعدله وكماله، فقال عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة [7] كأنكم لا ترون فضلا إلا في المهاجرين فو الله ما عدا أن أسلموا [8] فما كانوا، ألم تر الحارث بن هشام [9] ؟ فقال موسى بن طلحة: وإنك لههنا تذكرهم مع
المهاجرين فو الله ما هم إلا عبيدهم اعتقوهم [1] عتاقة بعد أن أحاطوا بهم [2] وقدروا عليهم، وتواثبا فحال القوم دونهما وحلف عبد الرحمن ليخبرن مروان بن الحكم أنه جعله عبدا وجعل معاوية عبدا، فجاء موسى بيت عائشة رضي الله عنها وخشي مروان وحده، ففتحت له بريرة [3] الباب، فدخل وعائشة نائمة [4] ، وكانت عائشة خالته من الرضاعة، كانت أسماء [5] أرضعت موسى بن طلحة وكانت عنده بنت [6] عبد الرحمن بن أبي بكر أخيها، فلما صلى الصبح وعائشة لا تدري بمكانه، وصلى مروان فجلس [7] على المنبر وقال: أين هذا الذي يزعم أن أمير المؤمنين عبد عتيق لأفعلن ولأفعلن، وكانت عائشة لا تتكلم [8] حتى تطلع الشمس، فلما طلعت الشمس قال: يا بريرة! ما بال [9] مروان وما يقول؟ فطلع عليها موسى فقال: إياي يعني، وأخبرها الخبر، فقالت: وا ثكلاه [10] أينكر [10] مروان أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أظل عليهم عفوه ثم وهب لهم أنفسهم؟ فيا مريوان [11] ! ورفعت صوتها وقالت: انطلق إلى منزلك، فقال لها: اني أخاف/ مروان، فقالت: [12] أهو يتعرض لك [12] جهده! فخرج موسى وبلغ مروان قول عائشة فكتب [13] بذلك الأمر كله إلى معاوية، فلما قرأه معاوية قال: فسد والله مجلس القلادة، لعن الله مروان! وكتب إليه أن لعنك الله ولعن خطبتك وجلوسك على منبر رسول
مقتل عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وعلته
الله صلى الله عليه وسلم تخبر أن زاعما زعم أنا عبيد، فإذا بلغك كتابي هذا فلا تذكرن من هذا الحديث شيئا ولا تعرض له [1] بذكر واكفف عن صاحبه، وتفرقوا من تلك الليلة فلم يعودوا لذلك المجلس . مقتل عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وعلته [2] ذكر ابن الكلبي عن خالد بن سعيد [3] عن أبيه أن معاوية لما أراد أن يبايع [4] ليزيد قال لأهل الشام: إن أمير المؤمنين قد كبرت سنه ودنا من أجله وقد أردت أن أولي الأمر رجلا بعدي فما ترون؟ فقالوا: عليك بعبد الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة، وكان فاضلا، فسكت معاوية وأضمرها في نفسه، ثم إن عبد الرحمن اشتكى فدعا معاوية ابن أثال [5] وكان من عظماء الروم وكان متطببا يختلف إلى معاوية فقال: ائت عبد الرحمن فاحتل [6] له، فأتى عبد الرحمن فسقاه شربة فانخرق عبد الرحمن ومات، فقال حين بلغه موته: لا جدّ إلا من أقعص [7] عنك من تكره، فبلغ ابن أخيه خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد الخبر فقال لمولى له يقال له نافع وكان روميا وكان من أشدّ الناس قلبا وخالد/ بن المهاجر يومئذ بمكة وكان سيء الرأي في عمه عبد الرحمن وذلك أن المهاجر كان مع علي كرم الله وجهه فقتل يوم صفين [8] وكان خالد بن المهاجر مع بني هاشم في الشعب زمن ابن الزبير فقال لمولاه نافع: انطلق معي،
فخرجا حتى أتيا دمشق ليلا وسألا [1] عن أبي أثال فقيل هو عند معاوية وإنما يخرج في جوف الليل، فجلسا له حتى خرج في جماعة فشد خالد فانفرجوا له فضربه بالسيف فقتله وانصرفا فاستخفيا، فلما أصبح معاوية قصوا عليه القصة فقال: هذا والله خالد بن المهاجر! وأمر بطلبه فطلبوه حتى وجدوه [2] هو ونافع، فلما أدخل على معاوية قال: أقتلته؟ لا جزاك الله من زائر خيرا! فقال خالد: قتل المأمور وبقي الآمر، فقال معاوية: والله لو كان تشهّد مرة واحدة لقتلتك، فقال خالد: أما والله! لو كنا على السواء، فقال معاوية: أما والله! لو كنا على السواء كنت معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية وكنت خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة وكانت داري بين المأزمين [3] ينشق عنها الوادي [4] وكانت دارك بأجياد [5] أسفلها حجر [6] وأعلاها مدر [7] ، وأمر بنافع فضرب مائة سوط [8] ولم يضرب خالدا، ثم أمر بهما فأخرجا من دمشق وقضى في ابن أثال باثني عشر ألفا، فودتها بنو مخزوم، فأخذ معاوية منها ستة آلاف فأدخلها بيت المال، فلم تزل الدية كذلك للمعاهدين حتى ولي عمر بن عبد العزيز رحمه الله فأبطل النصف الذي/ كان يأخذه السلطان،
فدخل كعب بن جعيل [1] التغلبي [2] وكان صديقا لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد على معاوية، فقال معاوية [3] : إن هذا كان صديقا لعبد الرحمن فما الذي قلت فيه؟ قال: قلت: (الوافر) ألا تبكي وما ظلمت قريش ... بأعوال البكاء على فتاها ولو سألت دمشق وأرض حمص ... وبصرى [4] من أباح لكم قراها [5] فسيف الله أدخلها المنايا ... وهدّم حصنها وحمى [6] حماها وأسكنها معاوية بن حرب [7] ... وكانت أرضه أرضا سواها قال ابن الكلبي: كان عروة بن الزبير كثيرا ما يعير خالد بن المهاجر بقتل عمه عبد الرحمن ولم يثأر [8] به، فلما قتل خالد بن أثال أنشأ يقول: (الطويل) قضي لابن سيف الله بالحق سيفه ... وعطل من حمل التراقي [9] رواحله فان كان حقا فهو حق أصابه ... وإن كان ظنا فهو بالظن فاعله سل ابن أثال هل ثأرت ابن خالد ... فهذا ابن جرموز [10] فهل أنت قاتله فقال عروة: أين ابن جرموز حتى أقتله.
حلف المقداد بن الأسود بن عبد يغوث
حلف المقداد بن الأسود بن عبد يغوث ذكر هشام أن عمرو بن ثعلبة البهراني [1] أبا المقداد صاحب رسول الله صلى الله عليه أصاب دما في قومه فلحق بحضرموت وتزوج امرأة من الصّدف [2] / من بطن يقال لهم بنو شكل [3] ولها ولد ستة أو سبعة من ابن عم لها، فولدت له المقداد فجرى بين إخوته لأمه وبين أبي شمر [4] حجر [5] بن مرة وكان قيلا من أقيال حضرموت يقال له الاذمري [6] كلام فشد المقداد على أبي شمر فضربه بالسيف على رجله فعرج، وهرب المقداد إلى مكة، وغنم أبو شمر وأصحابه أصحاب المقداد، فقال أبو شمر [7] : (الطويل) ونحن هزمنا الجيش [8] جيش ابن ضجعم [9] ... ونحن قتلنا عامرا وابن مالك ونحن قتلنا من يريد خيارنا ... ونحن أتانا سبي سعد وماسك وأفلتنا المقداد والليل دامس [10] ... كأن على أثوابه حيض عارك [11]
الندماء من قريش
فان ينجك اليوم الفرار فلم يزل ... بك الفر مني هيبة في فؤادك فدخل المقداد مكة فنظر إلى الرجل يطوف بالبيت متقلدا سيفين فقال: ما تقلد هذا سيفين إلا وهو منيع، فسأل عنه فقيل هذا الأسود بن [1] عبد يغوث بن عبد مناف بن زهرة، فأتاه المقداد وأخبره وسأل أن يحالفه وأن يجيره، ففعل الأسود فكان يقال المقداد بن [1] الأسود حتى أمر النبي صلى الله عليه بأن [2] ينسبهم إلى آبائهم، أراد ضجعم [3] بن حماطة [4] بن سعد بن سليح بن بهراء ومالك بن سليح كانا رئيسين يومئذ وسعد بن سليح وماسك بن سليح . الندماء من قريش [5] / كان عبد المطلب نديما لحرب بن أمية حتى تنافر إلى نفيل بن عبد العزى، فلما نفّر عبد المطلب تفرقا، ومات عبد المطلب قبل الفجار وهو ابن مائة وعشرين سنة، فنادم حرب [6] بن [أمية-[7]] عبد الله بن جدعان التيمي، وكان أبو أحيحة [8] سعيد بن العاص [9] بن أمية نديما للوليد بن المغيرة
المخزومي، وكان معمر [1] بن حبيب [بن وهب-] [2] بن حذاقة بن جمح نديما لأمية بن خلف الجمحي، وكان عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية نديما للأسود [3] بن عبد يغوث الزهري، وكان أبو طالب بن عبد المطلب نديما لمسافر بن أبي عمرو بن أمية فمات مسافر فنادم أبو طالب بعده عمرو بن عبد ود بن نضر [4] بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، قتله [5] علي بن أبي طالب عليه السلام يوم الخندق، وكان عتيبة بن ربيعة بن عبد شمس نديما لمطعم [6] بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، وكان أبو سفيان بن حرب نديما للعباس بن عبد المطلب، وكان الفاكه بن المغيرة نديما لعوف بن عبد عوف بن الحارث [7] بن زهرة [8] ، وكان زيد بن عمرو بن نفيل ابن عبد العزى نديما لورقة [9] بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، وكان شيبة ابن ربيعة بن عبد شمس نديما لعثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى، وكان العاص بن سعيد بن العاص بن أمية نديما للعاص بن هشام بن المغيرة المخزومي/ وكانا يدعيان أحمقي قريش، قتل علّي عليه السلام العاص بن هشام [10] يوم بدر وكان خرج بديلا لأبي لهب، وذلك أن قريشا لما خرجوا إلى عيرهم أخرجوا بني هاشم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مكرهين، فمن لم يخرج منهم أخرج بدله رجلا، وكان أبو لهب قامر العاص بن هشام
فقمره أبو لهب ماله فكان له عبدا فجعله قينا [1] ثم أخرجه بديلا فقتل يوم بدر، وكان أبو لهب نديما [2] للحارث بن نوفل [2] بن عبد مناف بن قصي، وكان الوليد بن عتبة بن ربيعة نديما للعاص بن منبه بن الحجاج السهمي فقتلهما علي رضي الله عنه يوم بدر، وكان ضرار بن الخطاب بن مرداس الفهري نديما لهبيرة بن أبي وهب المخزومي، وكان أبو جهل وهو عمرو بن هشام بن المغيرة نديما للطريد وهو الحكم بن أبي العاص بن أمية، وكان الحارث بن هشام بن المغيرة نديما لحكيم بن حزام بن خويلد، وكان حكيم ولدته أمه في الكعبة، وكان العاص بن وائل [3] بن هاشم [4] ابن سعيد [5] بن سهم نديما لهشام بن المغيرة أبي أبي جهل بن هشام، وكان نبيه [6] بن الحجاج بن عامر السهمي نديما للنضر بن الحارث أحد بني عبد الدار، قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر صبرا، وكان زنديقا مؤذيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي نديما لحنظلة بن أبي سفيان، قتل حنظلة يوم بدر كافرا، وكان الزبير بن عبد المطلب/ نديما لمالك [7] بن عميلة [8] بن السبّاق [9] بن عبد الدار، وكان الأرقم بن نضلة بن هاشم بن عبد مناف نديما لسويد بن هرمي [10] بن عامر الجمحي، وكان سويد أول من
وضع [1] الأرائك [2] وسقى اللبن والعسل بمكة لا عقب له، وكان الحارث بن حرب بن أمية نديما للعوام [3] بن خويلد بن أسد، وكان الحارث بن أسد بن عبد العزى نديما لعبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، وكان أبو البختري العاص بن هاشم بن الحارث بن أسد نديما لطلحة بن أبي طلحة بن عبد الدار، قتل أبا البختري المجذر [4] بن ذياد [5] البلوي يوم بدر وقتل علي عليه السلام طلحة يوم أحد، وكان منبه بن الحجاج بن عامر السهمي نديما لطعيمة [6] بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، قتل طعيمة يوم بدر، وكان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب نديما لعمرو بن العاص بن وائل [7] السهمي، وكان أبو أمية بن المغيرة المخزومي نديما لأبي وداعة [8] بن ضبيرة [9] بن سعيد [10] بن سهم وكانا يسقيان العسل بمكة بعد سويد بن هرمي، وكان أبو قيس بن عبد مناف بن زهرة نديما لقيس [11] بن عدي بن سهم وله يقول الشاعر: (الرجز) في بيته في بيته يؤتى الندى ... كأنه في العز قيس بن عدى
الحكام من قريش
وكان يأتي الخمار وفي يده مقرعة [1] فيعرض عليه خمرة فان كان جيدا وإلا قال: أجد خمرك، ويقرع رأسه وينصرف، العدة ثمانية وخمسون رجلا . / الحكام من قريش [2] فمن بني هاشم عبد المطلب بن هاشم والزبير وأبو طالب ابنا عبد المطلب ومن بني أمية حرب بن أمية وأبو سفيان صخر بن حرب، ومن بني زهرة بن كلاب العلاء بن جارية [3] الثقفي حليف بني زهرة، ومن بني مخزوم العدل وهو الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ومن بني سهم قيس بن عدي بن سعد بن سهم والعاص بن وائل [4] بن هاشم بن سعيد [5] بن سهم، ومن بني عدي بن كعب نفيل بن عبد العزى بن رياح [6] بن عبد الله ابن قرط [7] بن رزاح [8] بن عدي بن كعب . أزواد الركب من قريش [9] وكانوا إذا سافروا لم يختبز معهم أحد ولم يطبخ [10] وهم الأسود [11] بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي ومسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد
حديث مسافر وهند
شمس وأبو أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وزمعة [1] بن الأسود بن المطلب بن أسد . حديث مسافر وهند كان مسافر بن [2] أبي عمرو يتعشق هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس فوفد [3] على النعمان بن المنذر اللخمي فأكرمه ونادمه، فقدم عليه قادم فأعلمه أن هند تزوجت أبا سفيان، فمرض غما وسقى [4] بطنه فكشح [5] بالنار، فلما نظر [6] الطبيب الذي يكويه إلى المكاوي وصبر مسافر جعل يضرط، فقال مسافر: (البسيط) قد يضرط العلج والمكواة في النار / فذهبت مثلا، وقال مسافر [7] : (الطويل)
ألا إن هندا [1] أصبحت منك محرما [2] ... وأصبحت من أدنى حموّتها حما وأصبحت كالمسلوب [3] جفن سلاحه ... يقلب بالكفين قوسا وأسهما ثم خرج متوجها إلى مكة فمات بهبالة [4] فقال أبو طالب [5] يرثيه: (الخفيف) ليت شعري مسافر بن أبي عمرو [6] ... وليت يقولها المحزون كم رأينا من صاحب صدق ... وابن عم عدت [7] عليه المنون فتعزّيت بالجلادة والصبر ... وإني بصاحبي لضنين [8] فهل [9] القوم راجعون إلينا ... وخليلي في مرمس مدفون بورك الميت الغريب كما بو ... رك نضر [10] الريحان والزيتون
أجواد قريش
مدره [1] يدرأ [2] الخصوم [3] بأيد ... وبوجه يزينه [4] العرنين ليت شعري هل أصبحنّ من الحز ... ن لقلبي فما لقيت بحينى [5] ميت ذرو [6] على هبالة قد حالت ... صحار من دونه ومتون [7] غير أني إذا ذكرت لقلبي ... فاض دمعي وفاض مني الشئون أجواد قريش [8] هاشم بن عبد مناف وقد كتبنا حديثه في أول الكتاب، وأمية بن عبد شمس/ وقد بذّه هاشم ومر حديثهما، ومن بني تيم بن مرة شارب الذهب وهو عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم وكان المطاعيم، وأبوه السيال وهو عمرو بن كعب بن سعد بن تيم وكان جوادا مطعاما، وعبد الله بن جدعان [9] بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم وكان قومه قد حجروا عليه [10] لما أسن، فكان إذا أعطى أشياء استرجعه قومه من المعطي، فلما رأى ذلك كان يقول للسائل [11] يسأله: اجلس قريبا مني حيث تنالك يدي فأني سألطمك
فإذا فعلت فقل: لا أرضى حتى ألطم عبد الله كما لطمني حتى ترضى من مالي بحكمك، وله يقول عبيد الله بن قيس الرقيات: (الخفيف) والذي إن أشار نحوك [1] لطما ... تبع اللطم نائل [2] وعطاء وكان له مناديان يناديان أحدهما بأسفل مكة والآخر بأعلى مكة وكان المناديان أبا سفيان بن عبد الأسد وأبا قحافة [3] ، وكان أحدهما ينادي: ألا من أراد الشحم واللحم فليأت دار عبد الله بن جدعان، وهو أول من أطعم الفالوذ [4] بمكة، وله يقول الشاعر [5] : (الوافر) له داع بمكة مشمعلّ [6] ... وآخر فوق دارته [7] ينادي إلى ردح [8] من الشيزى [9] عليها [10] ... لباب البر يلبك [11] بالشهاد [12] ومن بني مخزوم هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وكان
شريفا مطعاما/ وجعلت قريش موته تاريخا، وله يقول الشاعر [1] : (الوافر) وأصبح بطن مكة مقشعرا [2] ... كأنّ الأرض ليس بها هشام وابناه أبو جهل والحارث كانا جوادين، وللحارث حديث [3] قد مضى وخلف [4] بن وهب بن [5] حذافة بن جمح، وعبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف وعمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف، وكان خلف جوادا وابنه أمية جوادا وابنه صفوان جوادا وابنه عبد الله بن صفوان بن أمية جوادا وابنه [6] عمرو بن عبد الله بن صفان بن أمية [6] كان جوادا، فعمرو جواد ابن [7] جواد ابن [7] جواد [ابن جواد ابن جواد-] [8] فكان أعرق الناس في الجود عمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف إلا ما كان من قيس جواد ابن سعد [9] جواد ابن عبادة جواد ابن دليم [10] جواد ابن حارثة جواد ابن حزيمة [11] جواد ابن ثعلبة جواد ابن طريف [12] جواد ابن الخزرج، فإنه جواد ابن [7] جواد ابن [7] جواد ابن [7] جواد ابن [7] جواد ابن [7] جواد ابن [7] جواد ابن [7] جواد، فهذا أعرق الناس في الجود، وعمرو [13] أعرق قريش في الجود،
وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، وسأله رجل برحم بينه وبينه فقال له: هذا حائطي [1] بمكان كذا وكذا وقد أعطيت به ستمائة ألف درهم يراح إليّ بالمال العشية فإن شئت فالمال وإن شئت فالحائط [2] ، [و-] [3] عبيد الله [4] بن العباس بن عبد المطلب وذكر عن جوده أن صيرفيا/ أفلس بالمدينة فلزمه غرماؤه، فسألهم النفس [5] ليحتال لهم فقالوا: لسنا ندعك أو يكفل بك عبيد الله [6] بن العباس. فأتوا بابه فاستأذنوا عليه فأذن لهم ويده في حوض يخوض [7] فيه البزر [8] للغنم فقال له الصيرفي: إن لهؤلاء القوم عليّ تسعة آلاف [9] دينار وقد سألتهم أن ينفسوني حتى أضطرب لهم فسألوني كفيلا فأعطيتهموه فأبوا أن يرضوا إلا بك، فأحب أن تضمنني، فقال لهم: هاتوا صكاككم، فدفعوها إليه فخرقها وأمر بقضائهم من ماله. وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب وكان مما ذكر من جوده عليه السلام أن مولى لعبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي قدم عليه فقال: إنا نسمع عن عبد الله بن جعفر بأشياء لم يسمع بمثلها عن أحد قط، فقال له عبد الله بن مطيع: صدق [10] كل ما [10] تسمعه عنه ففيه أكثر من ذلك، فقال: إني لأحب أن أرى بعض ذلك، فقال: هات صحيفة، فجاء بها فقال: اكتب ذكر حق فلان بن فلان على عبد الله بن جعفر ثلاثمائة دينار حالّة ثم اذهب إليه فسلم عليه وقل
له: [هذا-] [1] ذكر حق لي يا أبا جعفر عليك، فمضى إليه وفعل ذلك وألاح له بالصحيفة فقال له عليه السلام عنه: لك أنت؟ قال: نعم، قال: كم؟ قال: ثلاثمائة دينار، قال: يا غلام! ادفعها إليه، ولم يأخذ الصحيفة، فجاء مولى عبد الله بن مطيع بالدنانير إليه وحدثه الأمر وقال: والله! ما رأيت أعجب من هذا، فقال له ابن مطيع:/ احتفظ بالدنانير، ثم تركه عشرا وقال له: اذهب إليه فقل له مثل ما قلت، فقال له [2] المولى: جعلت فداك توهمني في المرة الأولى الآن أليس يعرف أني [3] صاحبه، قال: اذهب كما أقول لك، فذهب فجرى [4] بينهما من الكلام مثل الكلام الأول فأمر له بها، فجاء إلى ابن مطيع وهو يكثر التعجب، فقال له ابن مطيع: احتفظ بها، فلما مضى له شهر قال له ابن مطيع: اذهب فعد إليه، فلما عاد إليه قال له كما قال له في المرتين فأمر له بها، فجائها إلى ابن مطيع فقال له ابن مطيع: اجمع كل ما أخذت فأت به فأتاه به فركب ابن مطيع إليه ومعه مولاه والمال فقال له: يا أبا جعفر! اتق الله وانظر لنفسك وذمتك فان لك معادا، فقال: وما ذلك؟ فقال له: أتاك مولاي هذا بصكّ يذكر أن له فيه عليك ثلاثمائة دينار ولم يكن بينك وبينه معاملة فلا تزيد على أن تقول له: أنت كم هو؟ أعطه إياه، حتى أخذ منك تسعمائة دينار، قال: كأنك تقول: لا أعرف ما لي مما عليّ، قال: إن ذلك لكذلك، قال: مالي درهم إلا وأنا أعرفه وقد علمت أن ذاك ليس عليّ ولكني خيّرت نفسي في أن أقول: لا ليس لك، ويقول: هو بل لي، فيسمع سامع بذلك فأكون بين مصدق ومكذب وبين دفع [5] ذلك إليه فكان دفع ذلك إليه أخف عليّ، قال ابن مطيع:/ اتق الله وانظر لنفسك، يا غلام! هات ما معك، فجاءه بالمال فقال له ابن جعفر عليهما السلام: ما هذا؟ قال: هذا مالك، قال: يغفر
الله لك! أيرجع إليّ شيء خرج مني؟ هو لك حلالا طيبا. قال: وجاءت عجوز إلى ابن جعفر عليهما السلام بدجاجة قد سمنتها، فقالت: يا أبا جعفر! إني قد سمنت هذه الدجاجة حتى بلغت غايتها، فأحببت أن تأكلها، قال: اقبضوها، يا غلام! ادفع إليها ألف درهم، فقالت: أبقاك الله! قال: زدها ألفا، فقالت حفظك الله! قال: زدها ألفا، قالت: أمتعني الله بك، قال: زدها ألفا، قالت: جعلني الله فداك، قال: زدها ألفا، قالت: حسبك يا مسرف! قال: لو ثبت لثبت لك.. وروى عن ابن سيرين أن دهقانا كلم ابن جعفر في أن يكلم له عليا عليه السلام في حاجة فكلمه فيها عبد الله فقضاها، فأرسل الدهقان إلى عبد الله بأربعين ألفا فردها عليه وقال: إنا أهل البيت لا نأخذ على معروفنا جزاء. قال: واستأمن عبد الله بن جعفر عبد الملك بن مروان لعبيد الله بن قيس الرقيات وكان مدح ابن الزبير وحضّ على عبد الملك، فلما مات مصعب استأمن له فآمنه ودخل عليه ابن قيس فاستأذنه أن ينشده فأذن له، فأنشده كلمته التي يقول فيها: (الكامل) اسمع أمير المؤمني ... ن لمدحتي وثنائها [1] أنت ابن معتلج البطا ... ح كديها [2] فكدائها [3] / فقال له عبد الملك [4] : (الخفيف) إنما مصعب شهاب من الل ... هـ تجلت عن وجهه الظلماء
قال: يا أمير المؤمنين! أنا الذي أقول: (الخفيف) ما نقموا من بني أمية إلا ... أنهم يحلمون إن غضبوا فقال له عبد الملك: [1] : (الخفيف) كيف نومي على الفراش ولما ... تشمل الشام غارة شعواء قد آمنتك ولكن [2] لا والله ما تأخذ مع الناس عطاء أبدا، فلما خرج قال ابن جعفر لابن قيس: قد سمعت قسمه فلا عليك عمّر [3] نفسك، قال ستين سنة، قال: كم عطاؤك؟ قال: ألفان، فأمر له بمائة ألف درهم وعشرين ألف درهم، وكان ابن قيس يومئذ ابن نحو من ستين سنة. قال: وقدم عبد الله بن جعفر عليهما السلام على يزيد بن معاوية فقال له: كم كان معاوية أمير المؤمنين أعطاك حين وفدت عليه؟ قال: ألف ألف درهم، قال: فلك ألفا ألف درهم، قال: فداك أبي وأمي [4] : فقال يزيد: قلت: فداك أبي وأمي، قال: نعم ولم أقل لأحد قبلك إلا لرسول الله صلى الله عليه ولا أقولهما لأحد بعدك، قال: فان لك ضعفها أربعة آلاف ألف درهم، فقيل لزيد: أعطيت عبد الله بن جعفر أربعة آلاف ألف! فقال: ويحكم! إنما أعطيت الناس، عبد الله لا يمسك درهما، فلما خرج من عنده وودّعه رأى ببابه ناقة سوداء، فقال له بديح [5] : هذه تعجب بها أهل المدينة،
فقال: خذها، فأبي/ الغلام أن يدفعها، فرجع إلى يزيد وقال: ناقة سوداء ببابك أحب بديح أن يعجب بها أهل المدينة، فقال: يا غلام! ادفعها إليه وكل ناقة سوداء قبلكم، فكانت سبعمائة سودا، وكتب له إلى [عامل-] [1] أذرعات [2] يحملها كلها له زيتا، فلم يجده لكلها [3] فأعطي ثمنه، فقال هشام بن عبد الملك لبديح: كم وصل به إلى المدينة من السبعمائة ناقة؟ قال بديح: ثلاثون ناقة. وسأل بديحا هشام بن عبد الملك عن عبد الله بن جعفر فقال: لو وصفته عمري لما خرجت [4] إلا مقصرا عن وصف سخائه وكرمه، قال: فأخبرنا عنه، قال جاءه من قريش رجل فسأله أن يسوق عنه مهره، قال: وكم؟ قال: هو خمسون دينارا، فقال: يا بديح! هات الكيس، فجئت به، فقال: عد له، ولم يكن الناس يزنون، فعددت وطربت ورجّعت [5] ، فلما بلغت الخمسين وقفت، فقال: امض، فمضيت حتى أتيت على الكيس، فقال: ليت [6] الكيس بقي وبقي صوتك، فقال هشام: فكم كان في الكيس؟ قال أربعمائة دينار، قال له: فمن الرجل؟ فقال: لا أخبرك، قال: ولم؟ قال: أخاف أن تأخذ منه، فقال: يا خبيث! يعطيه عبد الله وآخذها أنا منه، فقال: إي والله! إنك لتفعل. وذكروا أن ابن جعفر أراد سفرا فأمر رجلا أن يجهزه، ففعل وجاء بحسابه، فقال له ابن جعفر: ما تصنع بالحساب؟ قال: لتقرأه وتعرفه أبقاك الله! / فقال: لا حاجة لي به إن كان لك فضل فأخبرنا به حتى نعطيكه وإن كان لنا عندك فضل فأخبرنا حتى نأمرك فيه بما نرى، قال: أني أحب أن تقرأه، فقرأه فكان
أول شيء قرأه: حبل بخمسين درهما، فقال: لقد غليت [1] الحبال [2] ، قال: إنه أبرق [3] ، فقال ابن جعفر: إن كان أبرق فأجيزوه، فهو إلى اليوم مثل بالمدينة: وذكروا [4] أن رجلا من الحاج مات بعيره فأتى مروان وهو على المدينة فشكا إليه فلم يصنع شيئا، فأتى عبد الله بن جعفر فقال: (الطويل) أبا جعفر إن الحجيج ترحلوا ... وليس لرحلي فاعلمن بعير أبا جعفر ضن الأمير بماله ... وأنت على ما في يديك أمير أبا جعفر من حي صدق مبارك ... صلاتهم للمسلمين ظهير وقد قدّم إلى ابن جعفر نجيب مرحول وعليه قراب [5] فقال: شأنك النجيب وما عليه واحتفظ [6] بالسيف فاني أخذته بألف دينار، فقال الرجل: (الطويل) حباني [7] عبد الله نفسي فداؤه ... بأعيس [8] موّار [9] وسباط [10] مشافره وأبيض من ماء الحديد كأنه ... شهاب بدا والليل داج عساكره ومن الأجواد السفّاح، وهو عبد الله الأصغر بن علي بن عبد الله بن العباس ومحمد بن جعفر بن عبيد الله وسعيد بن العاص بن أمية/ وكان ينحر في كل يوم جزرا [11] يطعمها وكان ممدحا، وعبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وكان من فتيان قريش، وحمزة بن عبد الله بن
الزبير بن العوام وكان جوادا ممدحا وله يقول موسى شهوات: (الرمل) حمزة المبتاع بالمال الندى ... ويرى في بيعه أن قد غبن ويعقوب بن طلحة بن عبيد الله [1] التيمي، وعمر بن عبيد الله [2] بن معمر بن عثمان التيمي وله أحاديث في الجود، فمنها أن عبد الملك بن مروان أراد أن يضع منه وذلك أنه كان عاملا لعبد الله بن الزبير على البصرة فأفشى فيها من الجود ما تحدّث به الناس في الآفاق، فلما أفضى الأمر إلى عبد الملك قدم عليه فسايره وكان على بعير أشف [3] من بعيره فاستشرفه الناس فغاظ [4] ذلك عبد الملك فأمر له بالخروج إلى المدينة والمقام بها لما فيها من أشراف قريش، فلما بلغ أهل المدينة قدومه خرجوا يتلقونه منها على أميال، فنزل يمشي ونزل الناس معه فلم يزل راجلا وهم معه رجال حتى دخل المدينة، فلما دخلها قسم الكسي بينهم، فلم يدخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد لصلاة الظهر من ذلك اليوم إلا في كسوة عمر، فبلغ ذلك عبد الملك فقال: أردت أن أضع منه فأبت نفسه إلا ارتفاعا، فيقال إنهم قالوا له: أتمشي وأنت أكثر الناس دابة؟ فقال: لا أركب بها/ قرشي يمشي، ويقال إن الذي حمل عبد الملك على فعله به أنه كان ضابطا بعمله لابن الزبير فولاه البصرة فلم يحمد [5] ضبطه لها، فقال له: أنت لابن الزبير سيف مشحوذ [6] ولي شفرة كليلة، والله لأبعثنك إلى بلدة يتضاءل [7] بها شخصك، فوجهه إلى المدينة فكان منه الذي اقتصصت.
وكانت لأبي حزابة [1] التميمي جارية يقال لها بسباسة وكان يحبها [2] فاضطر إلى بيعها فاشتراها منه [3] عمر بن عبيد الله [3] بمال كثير، فلما دفع إليه المال وقبضها ذهبت لتدخل [4] فتعلق بثوبها ثم قال: (الطويل) تذكر من بسباسة اليوم حاجة ... أتت كمدا من حاجة المتذكر ولولا قعود الدهر بي عنك لم يكن ... يفرقنا شيء سوى الموت فاعذري أبوء [5] بحزن من فراقك موجع ... أناجي به قلبا طويل التفكر عليك سلام لا زيارة بيننا ... ولا وصل إلا أن يشأ ابن معمر فقال: قد شئنا [6] هي لك وثمنها. وخالد بن عبد الله بن أسيد بن أبي العيص بن أمية وكان جواد أهل الشام شريفا ممدحا. وطلحة الندى بن عبد الله بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة وكان طلحة هذا يأتيه الرجل يسأله فيقعده ثم يأتي آخر فيقعده ثم يأتي ثالث فإذا/ كانوا بعدد ما عليه من الثياب دخل ورمى بردائه إلى الأول وبقميصه إلى الثاني فإذا صار إلى الثالث قال: ناولوني ثوبا، ثم [7] بإزاره إليه، قال: وكانت بنو أمية ترسله على السعايات [8] على أسد وغطفان فيجيء
بالأموال الكثيرة ثم تسوغه [1] الثمن من ذلك فيحبو [2] ويمنح [3] ويعطي ويقسم، فأقبل يوما فقيل لأعرابي قريب عهد بعلّة قد أضربه الدهر: ألا تتعرض [4] لهذا القرشي فانه قد يصنع الخير، قال: فتعرض له في كسي له أحمر، فلما أقبل عليه قال له: أعني على الدهر، قال: نعم، ثم أقبل على وكيله فقال: كم معك؟ قال [5] : فضلة من المال قال: صبّها في كسائه، فصبّها فأثقلته حتى أقعدته، قال: فتأمله طويلا، ثم بكى فقال له: ما يبكيك؟ أاستقللت ما أعطيتك؟ قال: لا ولكني فكرت فيما تأكل الأرض من كرمك فبكيت. وذكر مصعب بن عبد الله أن امرأة طلحة هذا [6] قالت لطلحة: ما رأيت كأصدقائك ما كنت موسرا فهم في منزلك وبفناءك [7] فإذا التوى عليك الزمان اجتنبوك، فقال: ما زدت إلا أن امتدحتهم إذا كنت لهم محتملا آنسوا [8] وجملوا [9] وإذا عجزت عنهم خففوا وعذروا. وطلحة بن عبد الله [10] بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم وهو طلحة الدراهم وكان معطاء وله يقول/ الحزين الكناني [11] : (المتقارب)
فإن تك يا طلح أعطيتني ... عذافرة [1] تستخف [2] الضفارا [3] فما كان نفعك [4] لي مرة ... ولا مرتين ولكن مرارا أبوك الذي صدّق المصطفى ... وسار مع المصطفى حيث سارا وأمك بيضاء تيمية [5] ... إذا عددا [6] الناس كانت [7] نضارا [8] وطلحة الخير وهو طلحة بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وأمّه أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله بن عثمان وكان مطعاما ولم يعقب والأزرق وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ولّاه ابن الزبير اليمن فأعطى بها أموالا كثيرة حتى عزله عنها وله يقول أبو دهبل [9] الجمحي: (البسيط) أعطى أميرا ومنزوعا وما نزعت ... عنه المكارم تغشاه وما نزعا وله يقول أبو دهبل [10] : (الكامل) عقم النساء فما يلدن شبيهه [11] ... إن النساء بمثله عقم غض [12] الكلام من الحياء كأنه [13] ... ضمن [14] وليس بجسمه سقم
متهلّل [1] بنعم مباعد [2] لا ... سيّان منه الوفر والعدم إن البيوت [3] معادن فنجاره [4] ... ذهب وكل جدوده [5] ضخم والحكم بن المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب [6] بن عبيد المخزومي [7] / وكان جوادا ممدحا. والمغيرة الأعور ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي بذّ [8] أجواد الكوفة بالطعام حتى خلوه وإياه، وكان بها زمن [9] يطعم عيسى بن موسى بن طلحة التيمي وعبد الملك بن بشر بن مروان بن الحكم وخالد بن خالد بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط وبنو عمارة ابن عقبة بن أبي معيط [10] فبذهم كلهم [10] الأعور، فبسط الأنطاع بالكوفة وألقى عليها الحيس [11] فيأكل منه الراكب والقائم والقاعد، فأمسك كل من كان يطعم بالكوفة، وله يقول الأقيشر [12] الأسدي: (الطويل)
أتاك البحر طم على قريش ... مغيرى [1] فقد راع [2] ابن بشر [3] وراع [4] الجدى جدي التيم [5] لما ... رأى المعروف منه غير نزر [6] ومن أوتار [7] عقبة قد شفاني ... ورهط الحاطبي ورهط صخر فلا يغررك حسن الزي [8] منهم ... ولا سرج [9] ببزيون [10] ونمر [11] أراد بالحاطبي محمد [12] بن [الحاطب بن-] [13] الحارث بن معمر بن حبيب الجمحي وكان مطعاما وأراد بصخر صخير [14] بن أبي الجهم العدوي وكان
حكام المفاخرات والمنافرات من قريش
مطعاما. ومن الأجواد نهشل بن عمرو بن عبد الله بن وهب الفهري وكان مطعاما . حكام المفاخرات والمنافرات من قريش / قال ابن الكلبي: كان في قريش أربعة نفر يتحاكمون إليهم في عقولهم ويحكمون بين الناس في المفاخرة وكلّ قد أدرك الإسلام، منهم عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب، ومخرمة بن نوفل بن أهيب [1] بن عبد مناف بن زهرة، وحويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن نصر بن مالك بن حسل [2] بن عامر بن لؤي، وأبو الجهم بن حذيفة بن غانم العدوي، وكان أبغضهم إليهم عقيل بن أبي طالب لأن الثلاثة كانوا يعدون محاسن الرجلين إذا تنافرا إليهم فأيهما كان أكثر محاسن فضلوه، وكان عقيل يعد المساوي فأيهما كان أكثر مساوي أخره فيقول الرجلان: وددنا أنّا لم نأته [3] ، أظهر من مساوينا ما كان خافيا عن الناس . المؤذون [4] لرسول الله صلى الله عليه وسلم أبو لهب عبد العزّى بن عبد المطلب، والحكم هو الطريد بن أبي العاص ابن أمية، وعقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية، والنضر بن الحارث بن كلدة [5] من بني عبد الدار . المستهزؤن [6] من قريش ماتوا كفارا بميتات مختلفات [7] العاص بن وائل [8] بن هاشم السهمي، والحارث بن قيس بن عدي
السهمي وهو/ صاحب الأوثان كلما مر بحجر أحسن من الذي عنده أخذه وألقى ما عنده وفيه نزلت: أَفَرَأَيْتَ من اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ 45: 23 [1] والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى والوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم والأسود بن عبد يغوث بن وهب [2] بن عبد مناف بن زهرة. فأما [3] سبب موتهم فإن العاص بن وائل [3] خرج في يوم مطير على راحلته ومعه ابنان له يتنزه ويتغدى [4] ، فنزل شعبا من تلك الشعاب، فلما وضع قدمه على الأرض صاح، فطافوا فلم يروا شيئا، فانتفخت رجله حتى صارت مثل عنق البعير، فمات من لدغة الأرض، وأما الحارث بن قيس فانه أكل حوتا مالحا فأخذه العطش فلم يزل يشرب الماء حتى قدّ [5] فمات وهو يقول: قتلني رب محمد، وأما الأسود بن المطلب فكان له ابن بارّ به يقال له زمعة وكان متجره إلى الشام، فكان إذا خرج من عند أبيه في سفر قال: أسير كذا وكذا وآتي البلد يوم كذا وكذا ثم خرج يوم كذا وكذا، فلا يخرم [6] مما يقول شيئا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا عليه أن يعمى بصره ويثكله ولده، فخرج في ذلك اليوم الذي وعده فيه ابنه زمعة القدوم ومعه غلام له، فأتاه جبريل عليه السلام/ وهو قاعد في ظل شجرة فجعل يضرب رأسه وجبهته [7] بورقة خضراء فذهب بصره ويضرب وجهه بالشوك، فاستغاث غلامه فقال: ما أرى أحدا يصنع بك شيئا إلا نفسك، فأعمى الله بصره وأثكله ولده.
زنادقة قريش
وأما الوليد فمر على رجل من خزاعة وعنده نبل [1] قد راشها فتعلق به سهم، وقد تقدم ذكر قصّة الوليد وموته في الكتاب [2] . وأما الأسود بن عبد يغوث فخرج من عند أهله فأصابته السموم فاسودّ، فأتى أهله فلم يعرفوه وأغلقوا دونه فمات وهو يقول: قتلني رب محمد. وحكى إبراهيم بن سعد أن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت فمر الأسود بن المطلب فرمى وجهه بورقة خضراء فعمي، ومرّ به الأسود بن عبد يغوث الزهري فأشار إلى بطنه فاستسقى ومات حبنا، الحبن الاستسقاء. ومرّ الوليد [3] فأشار إلى أثر جرح في أسفل كعبه كان أصابه قبل ذلك بسنين وهو يجر إبله [4] فمر برجل من خزاعة [5] فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدشه خدشا وليس بشيء، فلما أشار إليه جبريل عليه السلام انتقض ذلك الخدش فقتله، ومر به العاص بن وائل فأشار إلى أخمص [6] رجله فخرج على حمار له وهو يريد الطائف [7] فربض به حماره على شبرقة [8] فدخلت في أخمصه منها شوكة فقتلته . زنادقة [9] قريش / صخر بن حرب أسلم وعقبة بن أبي معيط ضرب عنقه رسول الله صلى
المطعمون من قريش بحرب [يوم بدر-]
الله عليه وسلم صبرا منصرفه من بدر بالصفراء [1] وأبيّ بن خلف قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يوم أحد طعنه بالحربة [2] ولم يقتل بيده عليه السلام غير أبيّ هذا، وأبو عزة [3] ضرب عنقه بيده عليه السلام يوم أحد وقد كان عليه السلام أسره يوم بدر فشكا إليه العيال والفاقة فرق له عليه السلام ومن عليه وأخذ عليه عهدا أن لا يخرج عليه، فخرج يوم أحد يحضّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنقه بيده، والنضر بن الحارث بن كلدة أخو بني عبد الدار، وقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا صبرا وكان له مؤذيا، ونبيه [4] ومنبه ابنا الحجاج بن عامر السهميان قتلا يوم بدر، والعاص بن وائل السهمي والوليد بن المغيرة المخزومي، تعلموا الزندقة من نصارى الحيرة . المطعمون من قريش بحرب [يوم بدر-] [5] أبو جهل وهو عمرو بن هشام بن [6] المغيرة نحر أول يوم عشرا، ثم نحر أمية بن خلف تسعا، ثم نحر سهيل بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي عشرا، ثم شيبة بن ربيعة نحر عشرا، ثم نحر منبه ونبيه ابنا الحجاج عشرا، ثم نحر أبو البختري [7] العاص بن هشام بن الحارث بن أسد عشرا، ثم نحر العباس بن عبد المطلب وكان أخرج/ إلى بدر كارها عشرا، وذكر محمد بن عمر [8] أن قريشا لم تطعم من الطعام العباس لعلمها [9] بهواه وميله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه أخرج مكرها.
الحمقى من قريش وأخبارهم ومن أنجب منهم ولم ينجب
الحمقى من قريش وأخبارهم ومن أنجب منهم ولم ينجب [1] عبد الدار بن قصي منجب، وكريز [2] بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس لم ينجب، وكان كريز هذا قد قتلت أباه ربيعة بنو جشم بن معاوية بن بكر من هوازن، قتله صريح بن نضلة بن طريف بن كلفة بن الأحمر من بني عصمة، فكان كريز يصعد أبا قبيس فيرمي بسهم في الهواء وقد عصب [3] عصبة، وابنه عامر بن كريز بن ربيعة منجب، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه ولى ابنه عبد الله بن عامر البصرة فاستأذن عامر عثمان في زيارة ابنه، فأذن له فشخص إليه، فلما صعد عبد الله المنبر [4] وكان خطيبا أخذ عامر يذكر نفسه وجعل يقول لمن يليه: أترون أميركم هذا من هذا خرج [5] ؟ فلم يدعه عبد الله يقيم وأحسن جهازه وسرحه إلى المدينة خوف [6] الفضيحة، والعاص بن سعيد بن العاص بن أمية منجب قتل يوم الفجار، والعاص بن هشام بن المغيرة منجب قتل يوم بدر كافرا وكان قامر أبا لهب فقمره ماله ونفسه فصيره قينا، فلما خرجت قريش لتمنع عيرها [7] من رسول الله صلى الله عليه أخرجوا بني هاشم مكرهين/ فمن لم يخرج أخرج بدله رجلا فأخرجه أبو لهب بديلا فقتل يوم بدر كافرا. وكان العاص بن سعيد والعاص بن هشام يدعيان أحمقي قريش، وسهيل [8] بن عمرو أحد [9] بني عامر بن لؤي منجب، ومحمد بن حاطب بن الحارث بن معمّر بن حبيب الجمحي، كان معاوية بن أبي
سفيان طلق ميسون بنت بحدل [1] الكلبية أم يزيد ابنه فأتاه محمد بن حاطب فقال له معاوية: ما حاجتك يا أبن حاطب؟ قال: جئت خاطبا، قال: ومن ذكرت؟ قال: ميسون بنت بحدل الكلبية أم يزيد، فسكت معاوية، قال: ما تقول أمير المؤمنين في هذا؟ قال: أقول: إنك حمار، فخرج من عنده فما زال يقول: قال: إنك حمار، قال: إنك حمار، حتى دخل إلى منزله، وعمرو بن حريث المخزومي لم ينجب، وعتبة بن أبي سفيان لم ينجب وولّاه معاوية مصر فكان يخرج إلى النيل ومعه أشراف أهل عمله يريهم كيف يسبح مكتوفا، وعمرو بن سهيل بن عمرو لم ينجب. وعبد الله بن معاوية لم يعقب [2] . ومعاوية بن مروان بن الحكم منجب، قال: بينا معاوية هذا ينتظر عبد الملك بن مروان بدمشق على باب طحّان وحماره يدور بالرحى وفي عنقه جلج فقال للطحان: لم جعلت هذا الجلج في عنق حمارك؟ قال: ربما أدركتني الفترة فأغفل عنه، فإذ لم أسمع الجلجل علمت أنه قد قام فصحت به، قال: أرأيت إن قام ثم قال/ برأسه [3] هكذا وهكذا وحرك رأسه ما يدريك؟ قال: فمن أين للحمار مثل عقل الأمير! قال: وكان خالد بن يزيد بن معاوية يهزأ بمعاوية بن مروان هذا فقال له يوما: إن أمير المؤمنين قد ولى إخوته لأبيه: ولى عبد العزيز مصر وبشرا العراق ومحمدا الجزيرة [4] ، فلو سألته أن يوليك! قال: ما أسأله؟ قال: سله بيت لهيا [5] وهي قرية بدمشق، قال: فدخل عليه فقال: يا أمير المؤمنين! ألست ابن أمك؟ قال: بلى وأحب الناس إليّ، قال: قد وليت إخوتك ولم تولني، قال سل يا أبا المغيرة ما شئت [6] ، فقال معاوية: دار لهيا، قال عبد الملك: متى لقيت خالدا؟ قال: أمس، قال: فلا تكلمه، قال: ودخل خالد بعقب هذا الكلام فقال: كيف أصبحت يا أبا المغيرة؟ قال: قد
نهانا هذا عن كلامك، قال: وكانت الخيرة [1] بنت أنيف [2] بن زبّان [3] الكلبي عند معاوية هذا فلما بنى بها وأصبح غدا عليه عبد الملك يهنئه [4] ومعه أنيف أبوها، فقال له عبد الملك: كيف رأيت أهلك؟ قال: آذتنا بدمائها الليلة، فقال أبوها أنيف: إنها من نسوة يخبأن [5] ذلك [6] لأزواجهن [7] ، لعن الله وملائكته من غرّني منك! قال: وكانت كلب تسمى أبا بكر [بن-] [8] عبد الملك بن مروان مبقّت [9] الأصفر لحمقه [10] ، وبكار [11] بن عبد الملك بن مروان وهو أبو بكر لم ينجب، قال السكري: أحسبه أراد/ معاوية بن مروان هذا وكذا [12] كان أخبرنا به، قال: كان عبد الملك بن مروان ينهي بكارا أن يجالس خالد بن يزيد بن معاوية لما يعلم من حمقه، فجلس إليه ذات يوم فقال خالد: هذا والله المردد في قريش أمه فلانة وأمها فلانة وامرأته فلانة، فقال بكار: أنا والله كما قال الشاعر: (البسيط) مردد في بني اللخناء ترديدا
فبلغ [1] عبد الملك فغضب وقال: ألم أنهك عن مجالسة خالد؟ قال: وطار لبكار هذا بازى [2] فبعث [3] إلى صاحب باب مدينة دمشق: أغلق باب المدينة فإن بازى قد طار لا يخرج [4] . وعبد الله بن قيس بن مخرمة بن المطلب وكان بنو المطلب يدعون النوكى وكان عمر بن عبد العزيز ولىّ عبد الله هذا مكّة فكتب إلى عمر بن عبد العزيز فبدأ بنفسه: من عبد الله بن قيس إلى عمر أمير المؤمنين، فقيل له: ويحك! تبدأ [5] بنفسك قبل أمير المؤمنين، قال: إن لنا الكبر عليهم، فلما بلغ عمر كتابه وقوله قال: إنه والله أحمق من أهل بيت حمق. والأحوص بن جعفر بن عمرو بن حريث لم ينجب، وكان تزوج امرأة من قريش فوقع بينه وبين إخوتها خصومة في أمرها، فوكلّت أحدهم بخصومته، فقدم إلى ابن أبي ليلى [6] القاضي فجرى الكلام بين يدي القاضي فقال الأحوص: أصلحك الله! أما والله خصيتيها/ في يدي فليصنعوا ما أحبوا، فقال إخوتها: لا نخاصمك والله بعدها أبدا، وكان الأحوص هذا يجالس حمزة بن بيض [7] وجميل بن حمران ومالك بن عيينة بن أسماء [8] بن خارجة والمغيرة بن أعشى بن [9] أبي ربيعة فقال بعضهم: تعالوا، نضحك من الأحوص، فغدا عليهم فقال ابن بيض: أتشتكي شيئا؟ قال: لا والله! قال:
أسماء من حد من قريش
فما بال وجهك أصفر؟ ثم لقي جميلا فقال له مثل ذلك، ثم لقي مالكا [1] فقال له مثل ذلك ثم لقي المغيرة فقال له مثل ذلك، فرجع إلى منزله، قال: أي بني الخيبة أنا شاك ولا تعلمونني اطرحوا عليّ الثياب فإني وجع وابعثوا إلى الطبيب ليعالجني، فتمارض وعاده أصحابه فجعل لا يتكلم [2] ، فقال أهله: وخبرتمونا [3] هو والله لما به، فأقبل شرّاعة [4] بن عبيد بن الزندبوذ الفارسي وكانت فيه مجانة فارس وكان مولى لبني تيم الله بن ثعلبة، وكان أملح أهل الكوفة، فاستأذن عليه فقال أهله: لإن لم يتكلم إذا رأى شرّاعة إنه للموت، ومعه صاحب له فكلمه فلم يجبه، فمس عرقه [5] لم ير شيئا ولم ير على وجهه أثر لعلّة، فنظر شراعة إلى صاحبه فقال: كنا أمس بالحيرة فأخذنا الخمر ثلاثين قنينة [6] بدرهم والخمر يومئذ ثلاثة قناني بدرهم، فرفع الأحوص رأسه وقال: الكاذب في حرّ أمه [7] أيرى، واستوى جالسا/ فنثر أهله على شرّاعة السكر، فقال شراعة: اجلس لا جلست ولا أفلحت وهات شرابك، فجاء به فشربا يومهما . أسماء من حدّ من قريش حدّ رسول الله صلى الله عليه مسطح [8] بن أثاثة [9] بن عباد بن المطلب بن عبد مناف وهو ابن خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قذفه عائشة رضي الله عنها بالإفك، وحدّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه سليط [10] بن عمرو بن
عبد شمس بن عبد ود أحد بني سامة بن لؤي في الخمر شهد عليه قوم بشربها، وحدّ عمر أيضا عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار وكان افترى على وهب بن ربيعة بن الأسود، وحدّ عمر أيضا ربيعة بن أمية بن خلف الجمحي في الخمر وكان خليعا ماجنا فغضب ولحق بالروم فتنصّر فمات بها نصرانيا، وكان لقيه رجل من المسلمين ممن غزا الروم فعرفه فقال له: ويلك يا ربيعة! أتنصرت بعد وصرت أعجميا بعد أن كنت عربيا وبدلت الإنجيل بالقرآن؟ قال: نعم قال: فما بقي في صدرك من القرآن؟ قال: آية واحدة رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ 15: 2 [1] فقال: ويلك! هلكت والله. وحدّ عمر أيضا ابنه أبا شحمة [2] ابن عمر، وكان زنى [3] بربيبة لعمر فضربه حدا، فقال له وهو يضربه: يا أبتاه! قتلتني، فقال/ له، عمر: يا بني! إذا لقيت ربك فأعلمه أن أباك يقيم الحدود، وحدّ عمر أيضا ابنه عبيد الله المقتول بصفين في الخمر، فحلف عبيد الله بعد ذلك أن لا يأكل عنبا ولا شيئا يخرج من العنب ولا تمرا ولا شيئا يخرج من التمر، وحدّ عمر أيضا قدامة [4] بن مظعون الجمحي في الخمر وكان شهد عليه بشربها الجارود [5] العبدي وبالقيء [6] منها علقمة بن عبد الله الخصي التميمي، وحدّ عمر أيضا أبا جندل [7] بن سهيل بن عمرو أحد بني عامر بن لؤي في الخمر، وحدّ عمر أيضا مخرمة بن نوفل بن عبد مناف بن زهرة في فرية [8] افتراها [9] على رجل من قريش فقامت عليه بها البينة عند عمر، وحدّ عمر أيضا أبا الجهم بن حذيفة بن غانم العدوي في مثل هذا، وحدّ عمر أيضا النعمان [بن
عدي-] [1] بن نضلة [2] بن عبد العزى [3] بن [حرثان بن-] [4] عوف بن عبيد بن عويج [5] بن عدي بن كعب وكان عمر استعمله على ميسان [6] فعشق بها امرأة فارسية وهو القائل: (الطويل) ألا هل أتى الحسناء أن حليلها ... بميسان يسقى في زجاج وحنتم [7] إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني ... ولا تسقني بالأصغر المتثلّم إذا شئت غنتني دهاقين قرية ... وصناجة [8] تجذو [9] على كل منسم [10] لعل أمير المؤمنين يسوؤه [11] ... تنادمنا بالجوسق [12] المتهدم / فلما بلغ عمر قوله قال: إي والله! إنه ليسوءني ويسوء ربي [13] والله وأحدّك أيضا، وحدّ عمر أيضا في فرية على رجل، وحدّ أبو عبيدة بن الجراح وهو عامل على الشام أبا جندل [14] بن سهيل بن عمرو أحد بني عامر بن لؤي في الخمر أيضا وكان جندل مستهترا بالخمر، وحدّ أبو عبيدة ضرار بن الخطاب الفهري، وحدّ عمر أيضا الصلت بن العاص بن وابصة بن خالد بن
عبد الله بن عمر بن مخزوم في الخمر فأنف وغضب ولحق بالروم فتنصّر ومات بها نصرانيا وله عقب بالروم. وحدّ عثمان بن عفان رضي الله عنه عاصم بن عمر بن الخطاب في الخمر، وذلك أن الحسين بن علي رضي الله عنهما رقي [1] عليه وشهد [2] عليه عند عثمان فكانت أول عداوة دخلت بين آل عمر وآل علي رضي الله عنه، وحدّ عثمان أيضا هاشم بن عتبة بن أبي وقاص في الخمر بشهادة قوم من أهل الكوفة، وحدّ عثمان أيضا المسيب بن حزن [3] بن أبي وهب المخزومي في الخمر وهو أبو سعيد بن المسيب الفقيه، واستعمل معاوية بن أبي سفيان عبد الله بن خالد بن أسيد [4] بن أبي العيص على الطائف فأتي بعنبسة بن أبي سفيان سكران من الخمر فحدّه، فغضب معاوية لذلك وعزله، وحدّ سعيد ابن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية وهو عامل معاوية على المدينة عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص في الخمر، وحدّ مروان بن الحكم وهو عامل معاوية عبد الرحمن أخاه في افترائه على الأنصار بكتاب معاوية، وحدّ مروان/ أيضا وهو عامل المدينة محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق إذ أتى به سكران من الخمر، فبعث إلى عائشة [5] ليستشيرها فبعثت إليه: هذا حد الله فشأنك به، فحدّه، وحدّ مروان أيضا سهيل بن عبد الرحمن بن عوف في الخمر، وحدّ مروان أيضا ابن أبي عتيق واسمه عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر في الخمر، فلقيه أبو قتادة [6] بن ربعي الأنصاري بعد ما ضرب فقال: يا ابن أخي! ما صنع بك في خليلة [7]
ضربوك؟ فقال: كلا والله يا عمرو [1] ! إنها لصهباء من داروم [2] أو بابلية أو من بلاس [3] بلد بها الخمور، فقال أبو قتادة: فلا أراهم إذا ظلموك، وحدّ عبد الله بن خالد بن أسيد عمر بن سعد بن ابن وقاص فغضب فوفد على معاوية فشكا إليه عبد الله بن خالد وما ركبه به وأخبره أنه ظلمه وسأله أن يقتصّ له منه وأن يأخذ له من حقّه [4] ، فقال معاوية: يا ابن أخي! وجدته والله صلاته [5] من بني عبد شمس، فقال عمر: يا أمير المؤمنين! بك والله بدا حين ضرب أخاك عنبسة بالطائف [6] ثم لم تنتقم منه، وحدّ مروان بن الحكم المسور [7] بن مخرمة [8] بن نوفل [بن أهيب-] [9] بن عبد مناف بن زهرة في افترائه على يزيد بن معاوية وهو خليفة فكتب يزيد إلى مروان أن يضرب المسور حدا وقال: حدّه كما حدّ أبوه، فقال في ذلك أبو حرة الضمري [10] : (الطويل) أيشربها صرفا يفض ختامها ... أبو خالد ويجلد الحدّ مسورا [11] وحد عمرو [12] بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص عبد العزيز بن
مروان في الخمر/ فقال يحيى بن الحكم بن أبي العاص: (الطويل) وددت [1] وبيت الله أني فديته ... وعبد العزيز وهو يجلد في الخمر وحدّ عبد الله بن الزبير حين بويع خالد بن المهاجر بن الوليد المخزومي في خمر وجدت معه، وحد عبد الملك بن مروان هاشم بن المسور بن مخرمة وكان افترى على رجل من قريش بالمدينة فكتب عامل عبد الملك على المدينة يخبر عبد الملك بذلك، فكتب إليه حدّه كما حدّ أبوه وجدّه قبله، وحدّ عبد الملك أيضا يحيى بن عبد الرحمن بن الحكم وكان عامله على المدينة كتب إليه يستأذنه فيه فكتب إليه: حدّه فإنه فاسق ابن محدود، فحدّه، وحدّ أبو بكر بن عمرو بن حزم الأنصاري وهو عامل عبد الملك على المدينة هشام بن عروة بن الزبير في فرية على رجل من بني أسد بن عبد العزى، وحدّ عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري وهو عامل المدينة للوليد بن عبد الملك هشام بن عروة بن الزبير في فرية افتراها على رجل من بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وضرب إبراهيم بن هشام وهو على المدينة مصعب بن عروة بن الزبير حدّا في الخمر، وحدّ أيضا حمزة بن مصعب بن الزبير في الخمر، وحدّ أيضا عبد الله بن عروة بن الزبير في الخمر، وحدّ عمر بن عبد العزيز يعقوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن/ المغيرة وكان افترى [2] على أخيه أيوب بن سلمة، وحدّ إبراهيم بن هشام أو محمد بن هشام وهو عامل هشام بن عبد الملك على المدينة إسماعيل بن عثمان بن الأرقم ثم المخزومي في الخمر، وحدّ عمر بن عبد العزيز إسحاق بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب في الخمر، فقال إسحاق لعمر: وددت يا عمر أن الناس كلهم جلدوا، يريد بذاك أباه عبد العزيز لأنه حدّ في الخمر، وحد عثمان بن عفان ... إلى مروان وهو عامل معاوية ... ... [3]
كذابو قريش
كذّابو قريش ..... [1] عبد الله بن عنبسة بن سعيد بن العاص بن أمية، وأيوب بن سلمة بن الوليد المخزومي، وإبراهيم بن عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي، وعاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب وكان يقال إنه لا يخرج الدجال وواحد من هؤلاء حي لأنهم دجالون والدجال الكذاب . أبناء الحبشيات من قريش [2] نضلة بن هاشم بن عبد مناف بن قصي أمّه صهال [3] ، ونفيل بن عبد العزى/ العدوي أمه صهال [4] أيضا، وعمرو بن ربيعة بن حبيب من بني عامر بن لؤي أمه أيضا صهال [5] هذه، والخطاب بن نفيل العدوي أمه حية [6] ، والحارث بن [عبد الله بن-] [7] أبي ربيعة المخزومي أمه سبحاء، وعثمان [8] بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى، وصفوان [9] بن أميّة بن خلف
أبناء السنديات
الجمحي، وهشام بن عقبة بن أبي معيط، ومالك بن عبيد الله [1] بن عثمان الأموي، وعمير [2] بن جدعان التيمي، والعباس [3] بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وأحمد بن أبي عبد الملك بن أبي مروان بن أبي عفان من ولد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأحمد بن محمد بن صالح المخزومي والأرقمي ولم يعرف اسمه [4] ، والعباس بن المعتصم، وهبة الله [5] بن إبراهيم بن المهدي، ومحمد بن عبد الله بن إسحاق بن المهدي الملقب بنفّاطة [6] ، والعباس بن محمد بن عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب . أبناء السنديات قال هشام: محمد بن علي ابن الحنفيّة رضي الله عنهما، وزعم خراش بن إسماعيل العجلي أنها من بني حنيفة كانوا مجاورين في بني أسد فأغار عليهم قوم من العرب في سلطان أبي بكر رضي الله عنه، فأخذوا خولة فقدموا بها المدينة فاشتراها أسامة بن زيد ثم اشتراها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وولد [7] علي رضي الله عنه، يقولون: أقبل بنو أبيها فقالوا: هذه امرأة منا فأمهرها مهور نسائنا، ثم تزوجها فأولدها محمدا وحده، وعلي [8] بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وسعيد بن هشام بن عبد/ الملك بن مروان وزيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وإسحاق بن
أبناء النبطيات من قريش
المهدي هو محمد أمير المؤمنين وأمه مخرمة [1] الأذن تدعى سكر [2] . أبناء النبطيات من قريش مسلم بن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنهما أمه خليلة [3] من آل فهريدي [4] ، وعمر بن عمارة بن عقبة بن أبي معيط، وزياد بن أبيه أمه نبطية [5] من كسكر [6] ، وعقيل بن جعدة بن هبيرة المخزومي أمه نبطية من أهل سورا [7] كان أخوها سماك بالكوفة، وسلمة [بن هشام [8]] بن العاص بن هشام [9] أمه نبطية من دومة الجندل . أبناء اليهوديات من قريش صيفي وأبو صيفي [10] ابنا هاشم [11] بن عبد مناف، ومخرمة بن المطلب ابن عبد مناف أمهم واحدة [12] من أهل خيبر، وقيس بن مخرمة بن المطلب
أبناء النصرانيات من قريش
ومسافع بن عبد مناف بن عمير [1] بن [أهيب-] [2] الجمحي أمهما واحدة [3] من أهل خيبر، أبو عزة الجمحي الشاعر وهو عمرو بن عبد الله [4] ، والخيار بن عدي [5] بن نوفل بن عبد مناف والحصين بن سفيان بن أمية بن عبد شمس أمهم [6] واحدة يقال لها الرباب [7] من أهل يثرب، وأمها [6] شريفة يهودية، وعاصم [8] بن الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وعمرو بن قدامة بن مظعون أمه من يهود الأنصار، وتويت [9] بن حبيب بن أسد بن عبد العزى أمه [10] من يهود/ الأنصار، وعيسى بن عمارة بن عقبة بن أبي معيط أمه يهودية من أهل دوران [11] ، وهاشم وعامر ابنا عتبة بن [12] نوفل الزهري وأمهما يهودية نبطية يقال لها قامى وهي جدة حماد بن يونس الزهري . أبناء النصرانيات من قريش [13] الحارث [14] بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي أمه حبشية نصرانية
الكواسجة الثط من قريش
تدعى [1] سبحاء، وعثمان [2] بن عنبسة بن أبي سفيان بن حرب بن أمية، والعباس بن الوليد بن عبد الملك بن مروان . الكواسجة الثط من قريش [3] عبد الله بن جدعان التيمي، وعبد الله بن الزبير بن العوام، عكرمة بن أبي جهل بن هشام، وعبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، ومحمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، والعباس بن عبيد الله بن العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب . العميان من قريش [4] كلاب بن مرة بن كعب بن كعب بن لؤي، وزهرة بن كلاب بن مرة، وعبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، والعباس بن عبد المطلب، وعبد الله بن العباس بن عبد المطلب، وأمية بن عبد شمس، وأبو سفيان وهو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس، والحكم بن أبي العاص بن أمية، ومخرمة بن نوفل بن عبد مناف بن زهرة، وسعيد بن يربوع المخزومي، والفاكه بن المغيرة المخزومي، وأبو قحافة وهو عبد الله بن عثمان/ التيمي، وعمرو بن أم مكتوم وهي أمه وهو عمرو [5] بن قيس بن زائدة [6] بن الأصم أخو بني عامر بن لؤي، والحارث بن العباس بن عبد المطلب، ومطعم بن
العوران من قريش
عدي بن نوفل بن عبد مناف، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، وأبو الجهم بن حذيفة بن غانم العدوي، وهارون ابن سليمان [1] بن المنصور أمير المؤمنين، وموسى بن موسى الهادي أمير المؤمنين . العوران من قريش [2] ابو سفيان بن حرب ثم عمي بعد، وأمية بن عبد شمس ثم [3] عمي بعد وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وعتبة بن أبي سفيان، وسعيد [4] بن عثمان بن عفان، والمغيرة بن عبد الرحمن [بن-] [5] الحارث [6] بن هشام المخزومي، والواثق هارون بن محمد بن هارون بن محمد بن المنصور . الحولان من قريش [7] عمر بن الخطاب الفاروق رضي الله عنه، وأبو لهب بن عبد المطلب، وأبو جهل بن هشام، وزياد [8] بن أبيه، وهشام بن عبد الملك بن مروان، وأبان بن عثمان بن عفان، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وعمرو بن عتبة بن أبي سفيان بن حرب يقال منه، وعبيد الله [9] بن عبد الرحمن ابن سمرة [10] بن حبيب بن عبد شمس، وعبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي.
الفقم من قريش
الفقم من قريش [1] عمرو [2] بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص، ويزيد بن عبد الملك بن مروان، ويزيد [3] بن هشام بن عبد الملك، وعمرو بن الزبير بن العوام . العرجان من قريش [4] عبد الله بن جدعان التيمي، وأبو طالب بن عبد المطلب، وعبد الحميد [5] بن عبد الرحمن العدوي، وسليمان بن عبد الملك بن مروان . أسماء خيل قريش كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أفراس منها الظرب [6] ولزاز [7] والسّكب [8] والمرتجز [9] سمّي بذلك لحسن صهيله، وكان السكب كميتا أغر محجلا مطلق اليمنى [10] وذو اللمة [11] واللّحيف [12] ، وفرس حمزة بن عبد المطلب
رضي الله عنه يقال له الورد [1] وفيه يقول حمزة: (الخفيف) . ليس عندي إلا سلاح [2] وورد ... قارح [3] من بنات ذي العقّال [4] أتقي دونه المنايا [5] بنفسي ... وهو دوني يغشى [6] صدور العوالي [7] جرشع [8] ما أصابت الحرب منه ... حين تحمى أبطالها لا يبالي [9] وطرير [10] كأنه قرن ثور ... ذاك لا غير ذاكم جلّ مالي / فإذا ما هلكت كان تراثي ... وسخالا [11] محمودة من سخالي [12] وكانت لجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فرس شقراء [13] يقال لها سبحة [14] استشهد عليها يوم مؤتة [15] عرقبها، فهي أول فرس عرقب في
الإسلام، فيقال إن الخوارج إنما استنت في العرقبة بذلك، وكان أول من ارتبط فرسا في سبيل الله سعد بن معاذ، وأول من عدا به فرس في سبيل الله المقداد [1] حليف بني زهرة بن كلاب، وكان للزبير بن العوام فرس يقال لها اليعسوب وفرس شهد عليه خيبر يقال له معروف [2] ، وفرس يدعى ذا الخمار [3] شهد عليه يوم الجمل، وفرس يقال لها ذات البغال، فرس عبيد الله [4] ابن عمر بن الخطاب اللطيم [5] ، وكان فرس المقداد يقال له ذو العتق [6] شهد عليه بدرا، وله فرس آخر [7] شهد عليه يوم سرح المدينة يقال له بعزجة [8] إنما أدخلت المقداد في قريش لأن موالي القوم منهم وحليفهم منهم [كما أثر-] [9] عن رسول الله صلى الله عليه، فرس أبي جهل: محاج [10] وفرس أبيّ بن خلف الجمحي: العود [11] ، وكان يقول للنبي صلى الله عليه بمكة كثيرا: يا محمد! العود أعلفه كل يوم مديا [12] أقتلك عليه، فيقول له النبي صلى الله عليه بل
أقتلك عليه إن شاء الله، فقتله النبي صلى الله عليه بيده وهو على العود،/ فرس مسافع [1] بن عبد العزى أحد بني عامر بن لؤي: النعامة وفيه يقول: (الطويل) [و-] [2] والله لا أنسى [3] النعامة ليلة ... ولا يومها [4] حتى أوسد معصمي [5] مسحة [6] غيطان الفضاء ولقوة [7] ... إذا طوطئت [8] كأنها حمى ميسم [9] فرس محرز [10] بن نضلة حليف بني عبد شمس: السرحان شهد عليه يوم السرح، وفرس عتبة بن أبي سفيان الفيض فرّ عليه يوم صفين، فقال عبد الرحمن بن الحكم: (الوافر) لعمرو أبيك والأبناء تنمي ... لقد أبعدت يا عتب الفرارا أإن أعطيت سابغة ومهرا ... يسمى الفيض ينهمر انهمارا تركت السادة الأخيار لما ... رأيت الحرب قد نتجت حوارا [11] فرس عبيد الله بن عمر بن الخطاب اللطيم [12] وفيه قال: (الطويل)
إذا كان سيفي ذو الوشاح ومركبي ... اللطيم فلم يطلل دم أنا طالبه فرس عقبة بن أبي معيط: جناح، وفرس خالد بن الوليد بن المغيرة: العيار [1] ، وقال مضرس بن أنس المحاربي: (الكامل) ولقد شهدت الخيل يوم يمامة ... يهدى المقانب [2] فارس العيار [1] فرس ضرار [3] بن الخطاب الفهري: الحواء [4] ، وفرس قطبة [5] بن عبد/ العزى بن عبد مناف بن اسعد بن جابر أخي بني تيم بن الأدرم بن غالب: البلقاء [6] وكان من فرسان قريش، وفرس مسلمة [7] بن عبد الملك بن مروان: الرطل [8] ، وفرس الوليد [9] بن عبد الملك بن بن مروان: البطان بن الحرون [10] بن الأثاثي [11] بن الخزز [12] بن ذي الصوفة بن أعوج [13] ، وكان
سيوف قريش
لمروان بن محمد الأشقر وكان أعور وهو من نسل فرس هشام بن عبد الملك الذائد [1] بن [2] البطين بن البطان بن الحرون بن الأثاثي . سيوف قريش سيف رسول الله صلى الله عليه ذو الفقار [3] كان للعاص بن منبه بن الحجاج بن عامر السهمي فقتله [4] علي رضي الله عنه يوم بدر وجاء بسيفه إلى رسول الله صلى الله عليه فنفله إياه وفيه يقول: (الرجز) لا سيف إلا ذو الفقار ... ولا فتى إلّا علي سيف حمزة بن عبد المطلب اللياح [5] ، وقال رضي الله عنه يوم أحد وقتل عثمان بن أبي طلحة ومعه اللواء: (البسيط) قد ذاق عثمان يوم الحر [6] من أحد ... وقع اللياح فأودى [7] وهو مذموم وذاق عتبة [8] في بدر وقيعته [9] ... تبا لمصرع شيخ ثمّ مذموم / وجمع فهر [10] وقد جاءت مسوّمة ... لوذاد عنها وقاع الموت تسويم سيف عبد المطلب بن هاشم: العطشان وقال: (البسيط) من خانه سيفه في يوم ملحمة [11] ... فإن عطشان لم ينكل ولم يخن
كم قطّ من ساعد يوما وجمجمة ... ومغفر قردماني [1] ومن بدن سيف عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي العيص: ولول [2] وقال يوم الجمل: (الرجز) أنا ابن عتاب وسيفي [3] ولول ... والموت دون الجمل المجلّل سيف هبيرة بن أبي وهب المخزومي: الهذلول [4] وقال: (الطويل) كم من كميّ قد سلبت سلاحه ... وغادره الهذلول يكبو مجدلا وحرب عقام قد شهدت مراسلها ... وطاعنت فيها يا هنيدة مقبلا سيف الحارث بن هشام بن المغيرة: الأخيرس [5] ، وقال في زمن عمر بالشام: (الطويل) فما جنّبت خيلى بفحل [6] ولا ونت ... ولا لمت يوم الروع وقع الأخيرس [7] سيف عكرمة بن أبي جهل: النزيف [8] ، وقال يوم بدر: حين قتل ابني عفراء [9] ورجلا من الأنصار، وضرب معاذ بن عمرو بن الجموح على عاتقه فقطع منكبه بيده حتى تعلقت بجلدة بخاصرته: (الطويل)
من كان أمسى حامدا لي سرّه [1] ... بأن أصبحت أمّاهما [2] وسط يثرب / مفّجعة تبكي غلامين غودرا ... فتبكين في قتلى لهم لم تحسب وقبلهما أودى [3] النزيف سميدعا [4] ... له في سناء المجد بيت ومنصب ويا ابن الجموح قد ربعت [5] بضربة [6] ... ففرقت منها بين رأس ومنكب سيف عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذو الوشاح كانت نعله [7] فضة، وكان عبيد الله بن عمر يوم صفين مع معاوية فقتله رجل من بكر بن وائل [8] من بني عايش [9] من أهل البصرة يقال له محرز بن الصحصح [10] وأخذ السيف، فلما استقام الأمر لمعاوية أخذ به من تيم الله [11] فأخذ وبعث به إلى بني عمر بن الخطاب بالمدينة وقال عبيد الله: (الطويل) إذا كان سيفي ذو الوشاح ومركبي ال ... لطيم فلم يطلل دم أنا طالبه سيعلم من أمسى عدوا مكاشحا ... بأني له ما دمت حيا [11] أطالبه سيف عمرو بن عبد ودّ العامري المقتول يوم الخندق: الملد [12] وقال عمرو: (البسيط) إن الملد لسيف ما ضربت به ... يوما من الدهر إلا حزّ أو كسرا
كم من كبير سقاه الموت ضاخية [1] ... ويافع قط لم يدرك [به-] [2] كبرا [3] سيف ضرار [4] بن الخطاب الفهري السحاب وقال: (البسيط) فما السحاب غداة الحر [5] من أحد ... بناكل الحد [6] إذ عاينت غسانا [7] / غادرت منهم بجنب القاع [8] ملحمة ... صرعى فما عدلوا يا [9] مي [10] قتلانا فلو رأيتهم والخيل [11] تثبتهم ... والبيض تأخذهم مثنى ووحدانا أيقنت [12] أن بني فهر [13] وإخوتهم ... كانوا لدى القاع يوم الروع فرسانا سيف عمرو بن العاص بن وائل [14] السهمي: اللحج [15] ، وقال في حروب الشام: (الرجز)
أضربهم باللج ... حتى يخلّوا الفرج لمن مشى ودجّ [1] سيف عمر بن سعد بن أبي وقاص: الملاء [2] ، وقال أبو النويعم العامري يرثيه حين قتله المختار بن أبي عبيد [3] : (الطويل) لله عينا من رأى مثله فتى ... إذا الحرب شبت واستطار [4] لها شرر تجرّد فيها والملاء بكفه ... ليخمد [5] منها ما تشذر [6] واستعر سيف خالد بن يزيد بن معاوية: الغمر [7] وفيه قال: (الطويل) ومنزلة لا يأمن القوم بالضحى ... ولا بالعشي من جوانبها جنبا قطعت بها مستبطنا تحت ريطتي [8] ... وفوق قميصي الغمر ذا شطب [9] عضبا كان لخالد بن الوليد بن المغيرة ثلاثة أسياف: المرسب [10] وهو ذو القرط وآخر يقال له الأدلق [11] وآخر يقال له القرطبي [12] ، وقال في يوم مؤتة [13] : (الرجز)
أنا أبو سلمان [1] سيفي [2] المرسب ... ابن الوليد منجب لمنجب / أعلو [3] به كل امرئ مكذب ... بأحمد المطهّر المطّيّب وقال وقتل بطريقا من بطارقة الروم: (الرجز) ضربت بالمرسب رأس البطريق ... علوت منه مجمع العروق [4] بصارم ذي هبّة [5] فتيق [6] وقال: (المتقارب) وذي القرط قد قتلت [7] من رجال [7] ... كهول طماطم [8] والأعرب [9] وقال: (الرجز) أضربهم بالأدلق ... ضرب غلام محنق [10] بصارم ذي رونق وقال: (البسيط) علوت بالقرطبي [11] رأس ابن ضارية ... عمرو فأصبح وسط الجر متلولا [12] سيف زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى: لسان الكلب،
صار لابنه عبد الله [1] وبه [1] قتل هدبة [2] بن خشرم [3] فقال المسور بن زيادة لما قتل به هدبة: (الوافر) لسان الكلب قطّ وريد ثأري [4] ... فأذهب غلتي وشفيت نفسي قال: لما قدم جعفر بن أبي طالب رحمة الله عليه على النجاشي أعطاه سيفا يقال له الغمام فقاتل به يوم مؤتة وهو يقول: (الرجز) قد علمت فهر وفهر حاكمه [5] ... إني منها في الذرى والغلصمة [6] كم قط من شاكلة [7] وجمجمة [8] / سيف عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب: الشقيق أراده معاوية على بيعه وأثمن له به فأبى وقال: (الطويل) آليت لا أشرى الشقيق برغبة ... معاويّ إني بالشقيق ضنين وقال جرير للفرزدق حين دفع إليه سليمان بن عبد الملك أسيرا روميا ليضرب عنقه [9] فلم يصنع سيفه شيئا: (الطويل) فلو بشقيق النوفلي [10] ضربته ... لقسمته والسيف ليس بنا كل
ولكن بسيف القين شيخك غالب [1] ... ضربت به يا شر حاف وناعل سيف خالد بن سعيد بن العاص بن أمية: ذعلوق [2] ، قال بالشام وهو يقاتل الروم: (الرجز) أبي سعيد ووشاحي ذعلوق ... أعلو [3] به هامة كل بطريق ما ابتل [4] من لحيتي [4] يوما بالريق كان لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوى سيفان: الفائز والخليل: (الرجز) أضرب بالفائز والخليل ... ضرب كريم ماجد بهلول [5] ينوي رضا الرحمن والرسول ... حتى أموت أو أرى سبيلي سيف خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد المخزومي ذو الكف وقال: حين قتل ابن أثال طبيب معاوية وكان يكنى أبا الورد: (الطويل) / سل ابن أثال هل علوت قذاله [6] ... بذي الكف [7] حتى خر غير موسّد ولو عض سيفي بابن هند [8] لساغ لي ... شرابي ولم أحفل [9] متى قام عوّدي وسيف أبي دهبل [10] الجمحي وهب بن وهب [11] بن زمعة بن أسد بن
فرسان قريش
خلف: المستلب وقال: (الرجز) انا أبو دهبل [1] وهب بن وهب [1] ... أورثني المجد أب من بعد أب رمحي رديني [2] وسيفي المستلب سيف محمد بن أبي الجهم العدوي: القائم [3] القاعد، وقال فيه محمد بن أبي الجهم: (المتقارب) لسيفان [4] سيف لمأمومة [5] ... وسيف هو القائم [6] القاعد فخذها برأسك مأمومة ... وإياك إياك يا خالد [7] فرسان قريش حمزة بن عبد المطلب، والزبير بن العوّام بن خويلد، وهبيرة بن أبي وهب [بن عمرو-] [8] بن عائذ [9] بن عمران بن مخزوم، وخالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وعكرمة بن أبي جهل بن هشام بن المغيرة، وعمرو فارس يليل [10] بن عبد ود بن أبي قيس [11] من بني عامر بن لؤي كان
أسماء من قطعت قريش يده من قريش في السرق
فارس قريش، قتله علي بن أبي طالب عليه السلام يوم الخندق وهو ابن أربعين ومائة سنة وهو ذو الثدية [1] ، وبسر بن أبي أرطاة بن عويمر بن عمران العامري قاتل ابني [2] عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب/ وقطفة [3] بن ربيعة أخو بني سامة بن لؤي وقطبة [3] العاقد فارس البلقاء البيضاء الناصية ابن عبد العزى بن عبد العزى بن مناف أحد بني تيم الأدرم بن غالب، وضرار بن الخطاب بن مرداس الفهري وحبيب بن مسلمة الفهري، والحارث بن هشام المخزومي، وأبيّ بن خلف الجمحي، وأبو لبيد [4] بن عبدة [5] بن جابر بن وهب أخو بني عامر بن لؤي، وأبو العجلان [6] بن الحليس [7] بن سيار بن نزار بن معيص [8] بن عامر كان فارس الناس يوم ذي دوران [9] على جهينة [10] ، والوليد بن يزيد بن عبد الملك، وإبراهيم بن عائشة العباسي، والمعتصم أمير المؤمنين . أسماء من قطعت قريش يده من قريش في السرق مدرك بن عوف بن عبيد بن عمر بن مخزوم سرق في الجاهلية مرارا فقطعت قريش يده ثم عاد فسرق فرجموه حتى مات، والخيار بن عدي بن
بيوتات قريش
نوفل بن عبد مناف سرق في الجاهلية فقطعت يده، ومليح [1] بن شريح بن الحارث بن السباق بن عبد الدار قطعت يده في أمر غزال الكعبة، ومقيس [2] بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم قطعت يده في أمر الغزال، وعبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم قطعت يده/ في الجاهلية في سرقة إبل، ووابصة بن خالد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم . بيوتات قريش [3] كان الشرف والرئاسة [4] من قريش في بني قصي لا ينازعون ولا يفخر عليهم فاخر فلم يزالوا وينقاد لهم، وكانت [لقريش في-] [5] الجاهلية ست مآثر [6] كلها لبني قصي دون سائر [7] قريش: الحجابة والسقاية والرفادة واللواء والندوة والرئاسة [8] فكان عبد المطلب يقوم بما كان هاشم يقوم به، فلما هلك عبد المطلب وهلك حرب بن أمية تفرقت الرئاسات [9] والشرف ففي عبد مناف: الزبير وأبو طالب وحمزة والعباس بنو عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وأبو أحيحة سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وعبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف، وعبد يزيد هو المحض لا قذى فيه، والمطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، وفي أسد بن عبد العزى بن قصي خويلد بن أسد وعثمان بن الحويرث بن أسد، ومآثر [10] [قريش-] [11] في الإسلام ثلاث: النبوة والخلافة والشورى، فاثنتان لبني عبد مناف خاصة
من حرم السكر والخمر والأزلام في الجاهلية من قريش
ويشركهم في الثالثة زهرة وتيم وعدي وأسد وهي الشورى/ وخلصت الخلافة لبني عبد مناف بعد الشيخين رحمهما الله . من حرّم السكر والخمر والأزلام [1] في الجاهلية من قريش [2] عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وشيبة [3] بن ربيعة بن عبد شمس، وكان يتحنف [4] بحراء [5] ، وورقة [6] بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، وأبو أمية بن المغيرة والحارث بن عبيد المخزوميان، وزيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى العدوي وكان يتحنف بحراء ولا يأكل ما ذبح للأصنام، وعامر بن حذيم [7] الجمحي، وعبد الله بن جدعان التيمي، ومقيس [8] بن قيس بن عدي السهمي، وعثمان بن عفان- رضي الله عنه- بن أبي العاص بن أمية، والوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وضرب فيها هشام [9] ابنه . المؤلفة قلوبهم من قريش [10] أبو سفيان صخر بن حرب، وابنه معاوية، وحكيم بن طليق بن سفيان بن أمية، وخالد بن أسيد [11] بن أبي العيص بن أمية، والحارث بن هشام/ بن المغيرة المخزومي، وسعيد بن يربوع المخزومي، وصفوان بن أمية بن
حواريو رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش
خلف الجمحي، وسهيل بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي، وحويطب بن عبد العزى بن أبي قيس العامري، وحكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، والعلاء بن جارية الثقفي حليف بني زهرة بن كلاب، أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل واحد من هؤلاء مائة ناقة إلا سعيد بن يربوع وحويطب بن عبد العزى فإنه أعطى كل واحد منهما خمسين ناقة . حواريو رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش [1] حكى [2] المسيّبي [3] عن عبد الله [4] بن معاذ الصنعاني [5] عن معمر [6] قال: أبو بكر وعمر وعلي وحمزة وأبو عبيدة بن الجراح وعثمان بن عفان وعثمان بن مظعون الجمحي وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، وحكى ابن الكلبي: ان الزبير وحده حواري . الموصوفون بالجمال من قريش / أبو لهب وهو عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم وإنما كناه أبا لهب [7] لتلهب وجهه وكان أحول، والسجاد محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب وكان إذا أراد الحج فمر بالمدينة استشرفته النساء والعبدان والإماء ينظرون اليه، قال أبو مسكين [8] المدني: فسألته أين جسمك من جسم أبيك؟
المشبهون برسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش
فقال: كنت أقوم مع أبي علي بن عبد الله فيكون رأسي مع طرف منكبه، وكان أبي يقول: كنت أقوم مع أبي عبد الله بن عباس فيكون رأسي في ذلك الموضع منه، وقال عبد الله أقوم مع أبي العباس فيكون رأسي في ذلك الموضع منه، قال أبو بكر [1] : والمذهب وهو العباس [2] بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب وهو أيضا الأعنق وكان عنقه كإبريق فضة حسنا وتماما وكان سخيا، مدحه الأخطل فأمر له بألف دينار وإنه مر على فرس له فتعينته امرأة فتقطّر [3] به فرسه فمات، والمطرف وهو عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان وابنه الديباج وهو محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، والمطرف أيضا عمرو بن الزبير العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، والمصور وهو عمر بن عبد الرحمن بن الخطاب بن نفيل، ووفد وهو غلام على معاوية فأقام عنده شهرا فقال له يوما: يا أمير المؤمنين! اقضي حاجتي، فقال له معاوية: قضيت لك أنك أحسن الناس/ وجها [4] ، وقضى حوائجه وأجزل جائزته [5] . المشبهون برسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش [6] كان الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما يشبه بالنبي صلى الله عليه ما بين أعلى رأسه إلى سرّته، وكان الحسين عليه السلام يشبه ما بين سرته إلى قدميه، وجعفر بن أبي طالب وقال له صلى الله عليه: أشبهت خلقي وخلقي، ومحمد بن جعفر بن أبي طالب، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وولد معه في الليلة التي ولد فيها صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، ومسلم بن معتب بن أبي لهب، والسائب [7] بن
أول من كان بين هاشميين
عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف، وقثم [1] بن العباس بن عبد المطلب، وكابس بن ربيعة بن مالك بن عدي بن الأسود بن جشم بن ربيعة بن الحارث بن سامة بن لؤي بن غالب، وكان عبد الله بن عامر بن كريز [2] كتب إلى معاوية وهو عامله على البصرة يخبره أن بالبصرة رجلا من بني ناجية [3] يشبه برسول الله صلى الله عليه فكتب [4] إليه، يأمره بإشخاصه إليه فلما قدم على معاوية ورآه معاوية مقبلا قام عن سريره وقبل بين عينيه [و-] [5] سأله ممن أنت؟ فقال: من بني سامة بن لؤي، فقال: كيف كتب إلي أنك من بني ناجية، فقال: والله يا أمير المؤمنين ما ولدتني وإن الناس لينسبونني إليها [6] ، فأقطعه المرغاب [7] [وهو-] [5] نهر يخرج [8] من نهر معقل [9] على ثلاثة فراسخ من البصرة . أول من كان بين هاشميين [10] طالب وعقيل وجعفر وعلي بنو أبي طالب وأمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف وأبوهم أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم . أول رجل ولدته ثلاث هاشميات [11] عبد الله بن عبد الله [12] بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب
من كان خاله وعمه خليفة
وأمه خالدة [1] بنت معتب بن أبي لهب بن عبد المطلب وأمها عاتكة بنت أبي سفيان وهو المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب وأمها أم عمرو بنت المقوم بن عبد المطلب . من كان خاله وعمه خليفة [2] لم يكن غير اثنين عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان بن حرب بن أمية ويحيى بن عروة بن الزبير بن العوام، فأما عثمان فأمه زينب بنت الزبير وعمه معاوية وخاله عبد الله بن الزبير، وأما يحيى بن عروة فأمه أم يحيى بنت الحكم بن أبي العاص بن أمية فعمه عبد الله بن الزبير وخاله مروان بن الحكم . امرأة من قريش شهد أبوها وجدّها وزوجها بدرا فهي أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه، جدها أبو أمها سيّد البشر محمد صلى الله عليه وسلم وأبوها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وزوجها عمر بن الخطاب رحمه الله، ورجل من قريش استشهد أبوه وعمه وجده أبو أمه وعم أمه وعم أبي أمه وخاله زيد بن عمر بن الخطاب استشهد أبوه عمر وعمه زيد بن الخطاب في الردة، وجده أبو أمه علي بن أبي طالب وعم أمه جعفر بن أبي طالب وعم أبي أمه حمزة بن عبد المطلب وخاله الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام . هذا آخر كتاب المنمق عن ابن حبيب قال أبو سعيد السكري [3] وليس هذا عن ابن حبيب:
وفادة قريش إلى سيف بن ذي يزن وفيهم أشرافهم
وفادة قريش إلى سيف بن ذي يزن [1] وفيهم أشرافهم حدثنا أبو سعيد السكري قال حدثنا أبو بكر محمد بن المغيرة بن بسّام قال حدثنا علي بن زريق [2] قال حدثني عبد الله بن ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: غزا سيف بن ذي يزن النجاشي [3] أغار عليهم فقتل منهم مقتلة عظيمة، وسبى سبايا كثيرة، ورجع إلى بلاده فكانت العرب ترحل اليه/ من الآفاق يهنئونه والشعراء يمدحونه، فرحل إليه وفد قريش فيهم عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وأمية بن عبد شمس بن عبد مناف وعبد الله بن جدعان التيمي ورياح بن عبد الله [4] حتى وصلوا إلى بابه فاستأذنوا [5] لهم الإذن فأذن لهم، فدخلوا عليه وهو في قصر يقال له غمدان، وفيه يقول أمية بن أبي الصلت الثقفي: (البسيط) اشرب [6] هنيئا عليك التاج مرتفعا [7] ... في رأس غمدان دار منك محلالا [8]
فدخل القوم عليه وهو مضمّخ بالعنبر [1] يلصف [2] وبيض [3] المسك من مفرقه [4] متّزر ببردة [5] مرتد بأخرى، بين يديه سيفه وعن يمينه وشماله الملوك والمقاول [6] فاستأذنه عبد المطلب ليتكلم فقال له الملك: إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فتكلم، فقال عبد المطلب: إن الله أحلّك أيها الملك محلا شامخا [7] باذخا وأنبتك منبتا طابت أرومته وعزت جرثومته وثبت [8] أصله وسمك فرعه في خير موطن وأكرم معدن، وأنت أبيت اللعن ناب [9] العرب الذي لا ينقدّ وربيعها وخصبها [10] الذي يحيا حياؤها [11] به وأنت رأس العرب وعمادها الذي عليه الاعتماد ومعقلها [12] الذي إليه يلجأ العباد، سلفك خير سلف وأنت لنا منه خير خلف، لن يخمد [13] ذكر من أنت/ سلفه ولن يهلك من أنت خلفه، نحن أيها الملك أهل حرم الله وسكان [14] بيته [15] أشخصنا إليك منعك الذي اجتاحنا ودفعك الكرب الذي فدحنا [15] فنحن لا وفد التهنئة
لا وفد المرزية [1] ، فقال [2] له الملك: من أنت أيها المتكلم؟ قال: أنا عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، قال له الملك: ابن أختنا [3] ، قال: نعم، أيها الملك، قال له الملك: أهلا وسهلا وناقة ورحلا [4] ومستناخا [5] سهلا وملكا ربحلا [6] ، يعطي عطاء جزلا، قد سمع الملك مقالتكم وقبل وسيلتكم وعرف مكانكم وقرابتكم، فأهل [7] الليل والنهار أنتم، لكم الكرامة ما أقمتم، والحباء [8] إذا ظعنتم، ثم انطلق [9] بالقوم إلى دار الضيافة قد يجري [10] عليهم ما يجري على مثلهم، فمكثوا شهرا لا يسأل عنهم حتى إذا كان بعد أرسل إلى عبد المطلب فجاءه حتى إذا دخل عليه أخلى [11] له مجلسه [12] وقربه إلى نفسه، وقال: أيها الشيخ! إني لمفوض إليك من [13] [سر-] [14] علمي ما لو غيرك يكون لم أبح [15] له به ولكني وجدتك معدنه [16] فليكن عندك مطويا [17] حتى يأذن الله
فيه، فأني أجد في الكتاب المكنون والعلم المخزون الذي اخترناه [1] لأنفسنا واحتجبناه دون غيرنا خبرا عظيما وخطرا جسيما فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة للناس كافة ولقومك/ عامة ولك خاصة، قال عبد المطلب: مثلك أيها الملك سر [2] وبر فما هو فداك جميع أهل الوبر [3] زمرا بعد زمر [3] قال له الملك: إذا ولد بتهامة غلام بين كتفيه شامة كانت له الإمامة إلى يوم القيامة، قال له عبد المطلب: أبيت اللعن! لقد أتيت بخبر [4] لم يأت به أحد قبلك، ولولا هيبة الملك وجلاله وإعظامه وإكرامه لسألت الملك من بشارته إياي ما أزداد به [5] سرورا [6] ، قال له الملك: هذا [7] حينه الذي يولد فيه أو قد ولد اسمه محمد أنجل العينين خدلج الساقين كأن وجهه فلقة قمر، يموت عنه أبوه وأمه ويكفله جده وعمه، قد ولدناه [8] مرارا والله باعثه جهارا وجاعل له منا [9] أنصارا يعز بهم أولياءه، ويذل بهم أعداءه، يفتح بهم [10] خزائن الأرض ويضرب [بهم-] [11] الناس عن عرض، ويكسر الأوثان ويزجر [12] الشيطان ويعبد الرحمن، يأمر بالمعروف ويفعله وينهى عن المنكر ويبطله، كلامه فصل وحكمه عدل، قال له عبد المطلب: عز [13] جدك وعلا كعبك [14] ودام ملكك
وطال عمرك! فهل [1] الملك سارّي بأوضاح فقد أوضح بعض الإيضاح فقال [2] له الملك: ورب البيت ذي الحجب [3] والعلامات والنصب [4] إنك لجده غير الكذب، قال: فخر عبد المطلب/ بين يدي الملك ساجدا، قال له الملك: ارفع رأسك أيها الشيخ! فرفع رأسه فقال له الملك: شرح [5] صدرك وعلا [6] ذكرك [7] ! هل أحسست بشيء مما قلته لك؟ قال له عبد المطلب: كان لي ابن وكان عاشر عشرة أصغرهم سنا وكنت عليه رفيقا وبه معجبا وإني زوجته امرأة من كرائم [8] قومي [9] وهي آمنة بنت وهب الزهرية فجاءت بغلام مات عنه أبوه وأمه قد أتت عليه سنتان [10] وفيه ما وصفت من العلامات وكفلته أنا [11] وعمه، قال له الملك: الأمر على ما وصفت لك أيها الشيخ! احتفظ بابنك واحذر عليه اليهود، فأنهم أعدى [12] الناس له ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا، فاطو [13] ما ذكرت لك عن هؤلاء الرهط الذين معك من قومك لا يأخذهم النفاسة [14] أن تكون لك الرئاسة [15] ، فيبتغون لك الغوائل [16]
وينصبون لك الحبائل [1] وهم فاعلون وأبناؤهم [2] ، وإن عزهم فيه لقاهر وهلكهم فيه لظاهر [3] ، ولولا أني أعلم أن الموت مجتاحي [4] قبل مبعثه لتحولت بخيلي ورجلي إلى يثرب حتى أتخذها دارا [5] ، فاني [6] أجد في الكتاب الناطق والعلم السابق أن بيثرب استحكام أمره وإعلان ذكره وأهل نصره وموضع قبره، وأجدني قد دخلت له في قلبي محبة ومقه [7] ولولا [8] أني أقيه [9] الآفات وأحذر عليه العاهات لأوطأت عقبه على حداثة سنه العرب [10] ، ولكني صارف ذلك إليك عن غير [11] تقصير [12] بمن معك، ثم أمر لكل رجل منهم بعشرة أعبد سود وعشر إماء سود ولبنة [13] ذهب وكرشا [14] مملوءة عنبرا
ولطيم مسك، وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك [1] ، فكانت قريش تنافسه وكان عبد المطلب يقول: معاشر قريش! لو عرفتم بشارة الملك إياي لهان هذا عندكم. تم الكتاب والحمد لله رب العالمين صلاة على خير خلقه محمد وآله رحم الله من نظر فيه ودعا لصاحبه بطول البقاء ولكاتبه بصلاح حال الدارين وكفاه المهيمن فيهما ولجميع المسلمين [2]- آمين. وقد وقع الفراغ من طبع كتاب المنمق للمرة الأولى يوم الخميس الحادي عشر من شهر ربيع الآخر سنة 1384 هـ 20 أغسطس سنة 1964 م في مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية حيدرآباد الدكن بالهند. وطبع للمرة الثانية في بيروت مقابلا على الطبعة الأولى الهندية، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.