المنصوب على التقريب

إبراهيم بن سليمان البعيمي

مقدمة

المنصوب على التقريب إعداد د/ إبراهيم بن سليمان البعيمي الأستاذ المساعد في كلّيّة اللغة العربيّة مقدمة الحمد لله منزل الكتاب بلسان عربي مبين لم يجعل له عوجاً، أنزله على خير خلقه أفصح من نطق بالضاد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك نبي الهدى والرحمة نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه إلى يوم البعث. أمّا بعد: ففي ليلة من الليالي كنت أُهاتف زميلاً لي في القسم وتطرَّقَ الحديث بيننا إلى المنصوب على التقريب عند الكوفيين، وأنه من المصطلحات الطريفة الجديرة بإفرادها بالبحث فأشار عليَّ أن أنتدب لهذه المَهَمَّةِ قلمي وأكتب فيه ما يوضح ذلك المصطلح ويجليه للقُرّاء ولاسيمّا أنَّ كثيراً من طلبة العلم يخفى عليهم المراد منه فقلت: له عليك به، فاعتذر بما لديه من أعمال تشغله عن الكتابة فيه، فاستعنت بالله تعالى وأخذت أنقِّب عن ما دوِّن حوله فإذا أطول ما كُتب عنه لا يزيد عن وريقات معدودات في تعريفه أو عرض موجز لأحكامه دون بسط وتوضيح شاف لها، ثم رجعت إلى المصادر الأصيلة أستقرئها، وأستنبط منها ما أُهمل، أو أوجز في أحكامه؛ فإذا به بادئ الأمر يستحق أن يفرد ببحث، وبعد أن استوى الموضوع على سوقه من خلال القراءة والموازنة بين الآراء اتضح لي أنه كما قال جريرٌ عن شعر ذي الرُّمة: نقط عروس وأبعار ظباء، وأكبرت عندها البصريين وعلمت أنَّ سرَّ انتشار مذهبهم واستمراره؛ إنما هو من قوّة قواعدهم التي بنوا مذهبهم عليها، وأن العلماء المتأخرين وازنوا بين المذهبين فتبيَّن لهم رجحان المذهب البصري فأخذوا به.

من خلال هذا البحث أوضحت قواعد النصب على التقريب عند الكوفيين من مؤلفاتهم: تعريفه، وشروط إعماله عندهم، وموانعه، وأحكامه، والفرق بينه وبين الحال في مذهبهم، ثم الفرق بين الحال والقطع عندهم، وما يعمل وما لا يعمل من أسماء الإشارة، وتتبَّعت القرآن أستنبط منه الشواهد فتحقق لي منه والحمد لله ما لم أسبق إليه، وكذلك من كلام العرب المبثوث في المصادر الموثوق بها، ثم عرّجت على كتب البصريين أستقرئها، وأُوازن بينها وبين ما عند الكوفيين فأبرزت السبب المانع الذي جعل البصريين لا يقرّون بالتقريب ولا يقولون به رغم جعجعة ثعلب واتهامه سيبويه بأنه لا يعرف التقريب عندما يقول: "قال سيبويه: هذا زيد منطلقاً فأراد أن يخبر عن هذا بالانطلاق ولا يخبر عن زيد، ولكنه ذكر زيداً ليُعْلَمَ لمن الفعل. قال أبو العباس: وهذا لا يكون إلا تقريباً وهو لا يعرف التقريب"1. وذاك السبب هو الذي جعل القول بإعمال التقريب يموت وليداً؛ حتى إنَّ ابن شقير البغدادي تلميذ ثعلب لا يذكر التقريب في كتابه "المُحلَّى وجوه النصب"، بل يعده حالاً كما يقول البصريون، لا خبراً لاسم الإشارة كما يقول الكوفيون، وإن كان يستعمل مصطلح "قطع" بدل حال والقطع مصطلح كوفي يقابله عند البصريين الحال. وقد جعلت البحث في فصلين: الفصل الأول: التقريب عند الكوفيين وتحته مباحث: المبحث الأول: تعريفه. المبحث الثاني: شروط إعماله.

_ 1 مجالس ثعلب: 43.

المبحث الثالث: التقريب وضمير الفصل. المبحث الرابع: توسيط الخبر. المبحث الخامس: تقديم معمول الخبر عليه. المبحث السادس: مجيء الخبر معرفة. المبحث السابع: مجيء الخبر جملة. المبحث الثامن: دخول العوامل اللفظية على عامل التقريب. المبحث التاسع: حكم التقريب. المبحث العاشر: القياس في إعمال اسم الإشارة. المبحث الحادي عشر: العامل من أسماء الإشارة. المبحث الثاني عشر: التقريب والحال عند الكوفيين. المبحث الثالث عشر: الحال والقطع عند الفراء. الفصل الثاني: البصريون والتقريب. وتحته مباحث: المبحث الأول: التقريب عند سيبويه. المبحث الثاني: الحال والتقريب عند البصريين: وفيه مطلبان: المطلب الأول: أقسام الحال من حيث التبيين والتأكيد. المطلب الثاني: التقريب عند البصريين. المبحث الثالث: رأي البصريين في القريب. المبحث الرابع: عامل الحال المضمَّن عند البصريين.

الفصل الأول: التقريب عند الكوفيين

الفصل الأول: التقريب عند الكوفيين المبحث الأول: تعريفه. ... المنصوب على التقريب الفصل الأول: التقريب عند الكوفيين وتحته مباحث: المبحث الأول: تعريفه المنصوب على التقريب مصطلح كوفي يراد به: إعمال أسماء الإشارة في الجمل الاسمية عمل كان فيرتفع ما كان مبتدأً على أنه اسم للتقريب ويُنْصَبُ الخبر على أنه خبر له1 نحو: هذه الشمسُ طالعةً، وهذا الأسدُ مقبلاً وجعلوا منه قوله تعالى: {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} 2 حسب قراءة الجمهور بنصب {شَيْخاً} على الخبرية لاسم الإشارة وقوله تعالى: {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً} 3 وقوله تعالى: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَة} 4 وقوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيما} 5 وقوله تعالى: {هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} 6 بفتح

_ 1 ينظر في تعريف التقريب: دراسة في النحو الكوفي: 237، ومصطلحات النحو الكوفي: 94، ومعجم مصطلحات النحو والصرف: 247. 2 هود: 72، وقراءة النصب هي قراءة الجمهور، وقرأ برفع شيخ ابن مسعود والأعمش والمطوعي. ينظر: معاني القرآن للفراء: 2/23، ومعاني القرآن للأخفش: 2/356 ونسباها لابن مسعود، والمحتسب: 1/ 324 وعزاها للأعمش، اتحاف فضلاء البشر: 259 وعزاها للمطوعي. 3 الأنعام: 126. 4 الأعراف: 73. 5 الأنعام: 153 6 هود: 78، وقراءة الجمهور أطهرُ بالرفع، وقرأ بالنصب الحسن البصري وعيسى بن عمر كما في معاني القرآن للأخفش: 2/ 356، ورويت عن مروان بن الحكم وزيد بن علي وسعيد بن جبير ومحمد بن مروان والسُّدِّي. ينظر في هذه القراءة: إعراب القرآن للنحاس: 2/ 295، وشواذ القراءات لابن خالويه: 65، والمحتسب: 1/ 325.

الراء من أطهرَ وجَعْل الضمير (هنّ) ضميرَ فصل1، وقول جرير: هَذا ابْنُ عَمِّي في دِمَشْقَ خَلِيْفَةً ... لَوْ شِئْتُ سَاقَكُمُ إلَىَّ قَطِيْنا2 وقول رؤبة: مَنْ يَكُ ذا بَتٍّ فَهَذا بَتِّي ... مُقَيظٌ مُصَِّفٌ مُشتِّي3 يجوز عند النحاة النصب والرفع في: (مقيظ مصيِّف مشتِّي) فمن رفع فعلى تعدد الخبر، أو على أنه خبر لمبتدأ محذوف عند من لا يجيز تعدد الخبر، وتوجيه النصب إمّا على التقريب4 على رأي الكوفيين أو حال كما يقول البصريون وهو ما سنناقشه إن شاء الله تعالى لاحقاً. وقال السيوطي في الهمع: "وذهب الكوفيون إلى أن هذا وهذه إذا أريد بهما التقريب كانا من أخوات كان في احتياجهما إلى اسم مرفوع، وخبر منصوب، نحو: كيف أخاف الظلم وهذا الخليفةُ قادماً وكيف أخاف البرد وهذه الشمسُ طالعةً وكذلك كل ما كان فيه الاسم الواقع بعد أسماء الإشارة لا ثاني

_ 1 لم يرض البصريون بهذه القراءة؛ ولحّنوا من قرأها بالنصب؛ لأنها تجعل الضمير هنّ فصلاً، وهم يعربون الضمير هنا مبتدأ خبره أطهر، قال أبو عمرو بن العلاء: "حتبى ابن مروان في اللحن حين قرأ {هُنَّ أَطْهَر} بالفتح"قال سيبويه: 2/396 "وأما أهل المدينة فَيُنَ-زِّلُوْنَ هو هاهنا بمنزلته بين المعرفتين، ويجعلونها فصلاً في هذا الموضع، فزعم يونس أن أبا عمروٍ رآه لحناً، وقال: احتبى ابن مروان في ذِهِِ في اللحن. يقول لحن وهو رجل من أهل المدينة كما تقول اشتمل بالخطأ وذلك أنه قرأ: {هَؤُلاءِ بَنَاتِيْ هُنَّ أَطْهَرَ لَكُمْ} فنصب"اهـ. 2 البيت من الكامل وهو في ديوان جرير: 388، وانشده ابن شقيري المحلّى وجوه النصب 7، وابن الشجري في أماليه: 3/10. 3 بيتان من مشطور الرجز في ملاحق ديوان رؤبة: 189، وهما في معاني القرآن للفراء: 3/17، ومعاني القران للأخفش: 37، والأصول لابن السراج: 1/183، والمحلى لابن شقير 8. 4 ينظر المحلّى وجوه النصب: 8.

له في الوجود نحو هذا ابن صيّاد أشقى الناس فيعربون هذا تقريباً، والمرفوع اسم التقريب، والمنصوب خبر التقريب؛ لأن المعنى إنما هو عن الإخبار عن الخليفة بالقدوم، وعن الشمس بالطلوع، وأُتي باسم الإشارة تقريباً للقدوم والطلوع، ألا ترى أنك لم تشر إليهما وهما حاضران؟ وأيضاً فالخليفة والشمس معلومان فلا يحتاجان إلى تبيينهما بالإشارة إليهما، وتبيّن أن المرفوع بعد اسم الإشارة يخبر عنه بالمنصوب؛ لأنك لو أسقطت الإشارة لم يختلَّ المعنى كما لو أسقطت كان من كان زيد قائماً"1. من هذا النص يتضح لنا مراد الكوفيين بالتقريب وشروط الإعمال عندهم، إذ مراد الكوفيين من التقريب هو إعمال اسم الإشارة عمل كان، واحتياجها إلى اسم مرفوع وخبر منصوب.

_ 1 همع الهوامع: 2/ 71.

المبحث الثاني: شروط إعماله.

المبحث الثاني: شروط إعماله هم يشترطون لإعمال اسم الإشارة شروطاً: الأول: هو أن يكون الاسم الواقع بعد اسم الإشارة لا ثاني له في الوجود كالشمس والقمر والخليفة وما أشبه ذلك، أو أن يكون الاسم الواقع بعدها معبّراً به عن جنسه لا عن واحد بعينه كالمحلى بـ (أل) مثلاً كقولك ماكان من الأُسْدِ غير مخوف فهذا الأَسَدُ مخوفاً، ولكن الذي يظهر أنَّ الكوفيين لم يلتزموا بهذا الشرط؛ لأن ثعلباً يقول في أماليه: "وقال سيبويه: هذا زيدٌ منطلقاً فأراد أن يخبر عن هذا بالانطلاق، ولا يخبر عن زيد، ولكنه ذكر زيداً ليُعْلَمَ لمن الفعل قال أبو العباس: وهذا لا يكون إلا تقريباً، وهو لا يعرف التقريب، والتقريب مثل كان"1.

_ 1 مجالس ثعلب: 43.

فكما ترى اعتدَّ ثعلب بالتقريب هنا، وغمز سيبويه بأنه لا يعرف التقريب، والمثال المذكور لم تتحقق فيه شروطهم من كونه اسماً معبّراً به عن جنسه أوكونه لا ثاني له في الوجود، إذ زيد علم على ذات تتكرر التسمية به، وللبصريين أن يقولوا أنت لم تلتزم بما اشترطته على نفسك؛ إذ كيف تغمز سيبويه هنا بأنه لا يعرف التقريب بمثال لم تتحقق فيه الشروط. وهذا يدل على أنهم لم يلتزموا بذاك القيد التزاماً دقيقاً. الثاني: أن يكون اسم الإشارة دخوله كخروجه؛ في أن الجملة الاسمية تامّة بالمرفوع بعده والمنصوب، قال ثعلب في أماليه: "وكلما رأيت إدخال هذا وإخراجه واحداً فهو تقريب، مثل: من كان من الناس سعيداً فهذا الصيّاد شقيَّاً، وهو قولك فالصياد شقيٌّ فتسقط هذا وهو بمعناه"1. الثالث: ألا يتقدّم اسم التقريب على اسم الإشارة فلا يصح أن يقال: الشمس هذه طالعةً بنصب طالعة على التقريب قال ثعلب: "والتقريب مثل كان إلا أنه لا يقدّم في كان لأنه ردّ كلام فلا يكون قبله شيء"2، إلا إذا كان اسم التقريب ضميراً فيقدم على اسم الإشارة قال الفراء: "العرب إذا جاءت إلى اسم مكني قد وصف بهذا وهذان وهؤلاء فرَّقوا بين (ها) وبين (ذا) وجعلوا المكني بينهما، وذلك من جهة التقريب لا في غيرها ... فإذا كان الكلام على غير تقريب أو مع اسم ظاهر جعلوا (ها) موصولة بـ (ذا) فيقولون: هذا هو، وهذان هما إذا كان على خبر يكتفي كلُّ واحد بصاحبه بلا فعل، والتقريب لا بدَّ فيه من فعل لنقصانه، وأحبُّوا أن يفرِّقوا بذلك بين معنى التقريب وبين معنى الاسم الصحيح"3.

_ 1 المرجع السابق: 44. 2 المرجع السابق: 43. 3 معاني القرآن: 1/ 231،232.

وقال ثعلب أيضاً: "وإذا صاروا إلى المكني جعلوه بين (ها) و (ذا) فقالوا: ها أنا ذا قائماً وجاء في القرآن بإعادتها1، ويقولون هانحن ألاء وها نحن هؤلاء أعادوها وحذفوها، وهذا كله مع التقريب"2. ولعل الذي حملهم على القول بعدم تقدم اسم التقريب على اسم الإشارة إذا كان اسماً ظاهراً هو أن إعمال اسم الإشارة محمول على كان وكان لا يصح أن يتقدّم اسمها عليها، فكذلك ما حمل عليها، أما جواز تقدم اسم التقريب إذا كان ضميراً على اسم الإشارة فبسبب توسطه بين حرف التنبيه واسم الإشارة مما يجعله تقدم في اللفظ لا في المحل؛ لأن الضمير فَصَلَ بين حرف التنبيه واسم الإشارة، وهما في حكم المتلازمين فهو وإن تقدم لفظاً إلا أنه مؤخر محلاَّ؛ لأنه فَصل بين متلازمين3. وللبصريين الذين يجيزون أن يكون العامل في الحال في قولك ها أنا ذا قائماً إنما هو فعل محذوف وهو أُنَبِّهُ دل عليه حرف التنبيه (ها) أن يقولوا اسم التقريب في هذا المثال لم يتقدّم على عامله.

_ 1 أي بإعادة ها التنبيهية مع اسم الإشارة كما في قوله تعالى: {ها أَنْتُمْ هَؤلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيْمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} آل عمران 66، ومثال حذفها قوله تعالى: {ها أَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ ولا يُحِبُّونَكُمْ} آل عمران 119. 2 مجالس ثعلب: 43. 3 هناك خلاف بين سيبويه وابن مالك في نحو "ها أنا ذا" إذ يرى سيبويه أن (ها) في هذا الأسلوب ليست مقدمة من تأخير، وإنما هي حرف تنبيه جديد بدليل الجمع بينه وبين حرف التنبيه المتصل باسم الإشارة في نحو "ها أنتم هؤلاء"، قال فلو كانت (ها) هاهنا هي التي تكون أولا إذا قلت هؤلاء لم تُعَد (ها) هاهنا بعد أنتم، وقال ابن مالك إنّ "ها" الداخلة على الضمير هي التي مع اسم الإشارة وفصل بينهما بالضمير قال وقد تعاد بعد الفصل توكيداً.

الرابع: ألاّ يتقدم الخبر على اسم الإشارة فلا يصح أن يقال شقيّاً هذا الصياد لما في عموم قول ثعلب السابق "فلا يكون قبله شيء"؛ ولأن من قواعد الكوفيين عدم جواز تقدم الحال على عاملها، إن كان صاحبها اسماً ظاهراً؛ لأنه يؤدّي إلى تقدم المضمر على المظهر بسبب العائد، ويجيزون تقدمها إن كان صاحبها ضميراً، وهذه من مسائل الخلاف التي ناقشها ابن الأنباري1. والعلة التي فرّوا منها هناك متحققة هنا وهي تقدم المضمر على المظهر.

_ 1 ينظر الإنصاف المسألة الحادية والثلاثون: 250، وينظر أسرار العربية: 192.

المبحث الثالث: التقريب وضمير الفصل.

المبحث الثالث: التقريب وضمير الفصل الكوفيون يمنعون الجمع بين التقريب وضمير الفصل فلا يصحّ عندهم أن يقال: هذا هو زيدٌ قائماً بنصب قائماً وإنما يقال هذا هو زيدٌ قائمٌ بالرفع، قال ثعلب: "إلا أنه لا يدخل العماد مع التقريب من قبل أن العماد جواب والتقريب جواب فلا يجتمعان"1 وقال أيضاً: "وقال أبو العباس قال سيبويه احتبى ابن جويّة في اللحن في قوله: {هُنَّ أطْهَرَ لَكُمْ} لأنه يذهب إلى أنه حالٌ قال والحال لا يدخل عليه العماد، وذهب أهل الكوفة الكسائي والفراء إلى أنّ العماد لايدخل مع هذا لأنه تقريب، وهم يسمُّون هذا زيد القائم تقريباً أي قرب الفعل به"2. ويشكل على المذهبين معاً قوله تعالى: {هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أطْهَرَ لَكُمْ} 3 بنصب أطهرَ فالكوفيون لا يقولون بالتقريب مع وجود ضمير الفصل، أما البصريون فقد حكموا على قراءة النصب باللحن4 قال سيبويه: "وكان الخليل يقول: والله

_ 1 مجالس ثعلب: 43. 2 المرجع السابق: 359. 3 هود: 78. 4 ينظر رأي البصريين في الكتاب: 2/397، ومعاني القرآن للأخفش: 2/356، وطبقات فحول الشعراء: 1/20.

إنه لعظيم جعلهم هو فصلاً في المعرفة وتصييرهم إيّاها بمنزلة (ما) إذا كانت ما لغواً؛ لأن هو بمنزلة أبوه ولكنهم جعلوها في ذلك الموضع لغواً كما جعلوا ما في بعض المواضع بمنزلة ليس، وإنما قياسها أن تكون بمنزلة كأنما وإنما"1.

_ 1 الكتاب 2/ 397.

المبحث الرابع: توسيط الخبر.

المبحث الرابع: توسيط الخبر أما توسيط الخبر فقد اختلفوا فيه فأجازه الكسائي ومنعه الفراء قال أبو حيان: "واختلفوا في توسيط خبر التقريب فأجازه الكسائي ومنعه الفراء"1 وللمجيز أن يستدل بقول حسَّان رضي الله عنه: أَتَرْضَى بِأنَّا لَمْ تَجِفَّ دِمَاؤُنا ... وَهَذا عَرُوْساً بِاليَمَامَةِ خَالِدُ2 إذ نصب عروساً خبراً للتقريب ورفع خالداً اسماً للتقريب.

_ 1 ارتشاف الضرب: 2/ 73. 2 البيت من الطويل وهو في ملاحق ديوان حسّان: 381، وروايته فيه برفع عروس واستشهد به ابن السراج في الأصول 1/ 153:على جواز رفع "عروس" ونصبه قال: "وينشد هذا البيت على وجهين - ثم أورد البيت - وقال فينصب عروس ويرفع" وهو في شرح اللمع 372، وتثقيف اللسان:78، وتصحيح التصحيف: 379 بالنصب.

المبحث الخامس: تقديم معمول الخبر عليه.

المبحث الخامس: تقديم معمول الخبر عليه يجوز في المنصوب على التقريب أن يتقدم عليه معموله كما رأينا في قوله تعالى: {هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ آيةً} 1 فـ (لكم) متعلق بـ (آية) وقد تقدّم عليه وكذلك بيت جرير السابق. هَذا ابْنُ عَمِّي في دِمَشْقَ خَلِيْفَةً فـ (في دمشق) متعلق بـ (خليفة) وقد تقدّم عليه.

_ 1 الأعراف: 73.

المبحث السادس: مجيء الخبر معرفة.

المبحث السادس: مجيء الخبر معرفة لا يشترط الكوفيون في الخبر التنكير بل يجوز عندهم أن يكون الخبر معرفة قال أبو حيّان: "وأجازوا التعريف في الخبر فيقولون: وهذا الخليفة القادم"1 وألمح إلى ذلك ثعلبٌ دون تصريح عندما قال: "وقال الكسائي: سمعت العرب تقول: هذا زيد إياه بعينه فجعله مثل كان"2 فزيد اسم التقريب، وإيّاه خبر التقريب وهو ضمير أعرف المعارف وقال الفراء: "والعرب تنصب الاسم المعرفة في هذا وذلك وأخواتهما"3، وقال ثعلب أيضاً: "وهم يسمُّون هذا زيدٌ القائمَ تقريباً، أي قرب الفعل به"4 فاسم التقريب وخبره هنا معرفتان.

_ 1 ارتشاف الضرب: 2/ 73. 2 مجالس ثعلب: 43. 3 معاني القرآن: 2/ 168. 4 مجالس ثعلب: 359.

المبحث السابع: مجيء الخبر جملة.

المبحث السابع: مجيء الخبر جملة هل يصح في التقريب أن يكون خبره جمل؟ لم يتعرض الكوفيون لهذه المسألة لا بإثبات ولا بنفي، وإن كنت أرى الجواز إذ ما المانع من ذلك ويجعل منه قوله تعالى: {هَذا كِتابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُوْنَ} 1 بجعل جملة (ينطق) هي خبر التقريب، والمعربون للقرآن أجازوا فيها أن تكون حالاً، وأن تكون خبراً لاسم الإشارة و (كتابنا) بدل أو عطف بيان، أوجملة (ينطق) خبر ثانٍ، والجار والمجرور (بالحق) حال، وجعلوا العامل في الحال اسم الإشارة قال المنتجب: "وقوله: {هَذا كِتَابُنَا يَنْطِقُ} هذا مبتدأ، وكتابنا خبره، وينطق يجوز أن يكون خبراً بعد خبر، وأن يكون هو الخبر،

_ 1 الجاثية: 29.

وكتابنا بدل من هذا أو عطف بيان له، وأن يكون في موضع الحال من الكتاب والعامل في (هذا) معنى الفعل"1. فبما أنه جاز في جملة (ينطق) أن تكون حالاً على مذهب البصريين، والعامل في الحال حينئذٍ اسم الإشارة، فما المانع أن تكون على مذهب الكوفيين خبراً للتقريب ولاسيما أن شروط التقريب عندهم منطبقة هنا إذ الكتاب لا ثاني له في الوجود، وهو معرفة بإضافته إلى الضمير، والمراد هنا - والله أعلم - إعلام الأمم بأن كتاب الله شاهد عليها وليس المراد إعلامهم بأن هذا هو كتاب الله لأنهم كانوا يجهلون ذلك، فشروط التقريب هنا متحققة، فما المانع من جعله خبراً للتقريب، ومن ثَمّ القول بصحة أن يكون خبر التقريب جملة. وكذلك قوله تعالى: {وَتلْكَ حُدُوْدُ اللهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْم يَعْلَمُوْنَ} 2 وقوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} 3 وقوله تعالى: {تِلْكَ الرّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} 4 وقوله تعالى: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} 5 وقوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاها إبْرَاهِيْمَ عَلَى قَوْمِهِ} 6 وقوله تعالى: {تِلْكَ القُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أنْبَائِهَا} 7، وقوله تعالى: {هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُوْنِهِ آلِهَةً} 8 وقوله تعالى: {وَتِلْكَ القُرَى أهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} 9.

_ 1 الفريد في إعراب القرآن المجيد: 4/ 287. 2 البقرة: 230. 3 البقرة: 252. 4 البقرة: 253. 5 أل عمران: 140. 6 الأنعام: 83. 7 الأعراف: 101. 8 الكهف: 15. 9 الكهف: 59.

في هذه الآيات أعرب المفسرون للقرآن اسم الإشارة مبتدأ، والمعرفة بعده أجازوا فيها أن تكون خبراً أو بياناً أو بدلاً والجملة الفعلية أجازوا فيها أن تكون هي الخبر عند من قال بالبدلية أو البيان وأن تكون حالاً أو خبراً بعد خبر عند من يعرب الاسم المعرفة بعد الإشارة خبراً1.

_ 1 ينظر: الدر المصون: 2/ 456، 535: 3 / 404: 5/ 24، 397: 7/ 453، 514.

المبحث الثامن: دخول العوامل اللفظية على عامل التقريب.

المبحث الثامن: دخول العوامل اللفظية على عامل التقريب. ... المبحث الثامن: دخول العوامل اللفظية على العامل في التقريب العامل في التقريب عند الكوفيين اسم الإشارة، فهل تجري عليه أحكام الأسماء من دخول العوامل اللفظية عليه؟ قبل الإجابة على هذا السؤال نتأمَّل قوله تعالى: {وَأنَّ هَذا صراطِي مُسْتَقِيْماً فَاتَّبِعُوهُ} 1، وقوله تعالى: {إنَّ هَذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً واحِدَةً وَأنا ربُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} 2 وقوله تعالى: {وإنَّ هَذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وَأنا رَبُّكُمْ فَاتَّقُوْنِ} 3 فاسم الإشارة في هذه المواضع اسم إنّ و {صِراطِي} و {أمَّتُكُمْ} خبران لـ (إن) وبهما تتم الجملة الإسنادية، والباقي فضلة، وهو ما جعله البصريون حالاً، والكوفيون جعلوا خبر إن اسماً للتقريب والمنصوب بعده خبر التقريب، ولا يصح أن يكون {مُسْتقِيْماً} و {أمَّةً} خبران لـ (إن) لكون الكلمتين منصوبتين، ولأنه سيجعل اسم الإشارة لغواً. ولهذا أقول لا يمنع دخول العوامل اللفظية عند الكوفيين على العامل في التقريب من إعماله ما دامت شروط الإعمال متحققةً، وهم يحملون الإعمال هنا على إعمال الأفعال الناقصة التي دخلت عليها العوامل اللفظية المختصة بالأفعال

_ 1الأنعام 135. 2 الأنبياء: 92، وقراءة الجمهور بنصب أمة، وقرأ برفعها: الحسن البصري ينظر: معاني القرآن للفراء: 2/210، وإعراب القرآن للنحاس: 3/ 79، والمحتسب: 2/65. 3 المؤمنون: 52.

ولم يمنع ذلك من إعمالها ـوهو قياس مع الفارق- كقولك لم يكن زيدٌ حاضراً وكقولك تعالى: {وَلَمْ أكُ بَغِيّاً} 1 فتحمل عوامل الأسماء على عوامل الأفعال وتصبح عاملة في ما بعدها معمولة لما قبلها.

المبحث التاسع: حكم التقريب.

المبحث التاسع: حكم التقريب: وخبر التقريب بعد استيفاء تلك الشروط وانتفاء تيك الموانع حكمه جواز النصب، إذ يجوز فيه أيضاً الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف والتقدير هو قائم، أو على تعدد الخبر عند من يجيز ذلك، أو على جعل اسم التقريب عطف بيان من اسم الإشارة أو بدل منه وما كان خبراً للتقريب هو خبر المبتدأ. قال سيبويه: "هذا باب ما يجوز فيه الرفع مما ينتصب في المعرفة وذلك قولك هذا عبد الله منطلقٌ حدثنا بذلك يونس وأبو الخطاب عمّن يوثق به من العرب وزعم الخليل أن رفعه يكون على وجهين فوجه أنك حين قلت هذا عبد الله أضمرت هذا أو هو كأنك قلت هذا منطلق، أو هو منطلق، والوجه الآخر: أن تجعلهما جميعاً خبراً لهذا"2 وزاد السيرافي الوجهين الآخرين أعني القول بالبدلية أو عطف البيان3. وقال ابن يعيش: "ويجوز الرفع في قولك منطلقاً من قولك هذا عبد الله منطلقاً قال سيبويه هو عربي جيّد حكاه يونس وأبو الخطاب عمّن يوثق به من العرب"4.

_ 1 مريم: 20. 2 الكتاب 2/ 83. 3 ما زاده السيرافي هو القول بالبدلية أو عطف البيان وسبقت الإشارة إليهما في صلب هذا البحث. ينظر كتاب سيبويه طبعة بولاق 1/258. 4 شرح المفصل: 2/ 58.

وقال ابن شقير: معلقاً على بيت جرير السابق: "نصب خليفة على القطع من المعرفة بالألف واللام، ولو رفع على معنى: هذا ابن عمي هذا خليفةٌ لجاز، وعلى هذا يَقْرَأُ مَنْ قَرَأَ {وَإنَّ هَذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةٌ وَّاحِدَةٌ} فإن جُعل (هذا) اسماً، و (ابن عمي) صفته جاز الرفع ومثل هذا قول الراجز: مَنْ يَكُ ذَا بَتٍّ فَهَذا بَتِّي ... مُقَيّظٌ مَصَيِّفٌ مَشَتِّي معناه هذا بتِّي هذا مقيِّظٌ، هذا مصيّفٌ، وأما قول النابغة. تَوَهَّمْتُ آياتٍ لَهَا فَعَرَفْتُهَا ... لِسِتَّةِ أَعْوامٍ وذا العامُ سابِعُ رفع (العام) بالابتداء، و (سابع) خبره ... وأما قول الله تبارك وتعالى: {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيْدٌ} رفع (عتيد) لأنه خبر نكرةٍ كما تقول هذا شيء عتيد عندي"1. من خلال هذا النص نلمح أن الإعمال بعد استيفاء الشروط جائز لا واجب، كما نلمح التزام تعريف اسم التقريب؛ لأنه علل عدم نصب عتيد في الآية الكريمة بسبب كون الاسم الواقع بعد اسم الإشارة نكرة تامة وهي (ما) التي فسّرها بـ (شيء) ، وعليه فلا تصح أن تكون اسماً للتقريب.

_ 1 المحلى وجوه النصب 7،8.

المبحث العاشر: القياس في إعمال اسم الإشارة.

المبحث العاشر: القياس في إعمال اسم الإشارة يبدو أن الكوفيين قاسوا اسم الإشارة في تجويزهم إعماله عمل كان على بعض الأفعال التي حُملت على صار في الإعمال كـ (آض وآل ورجع وعاد وحار واستحال وتحوَّل وارتدَّ وقعد وغدا وراح) أو على أضحى وأمسى كـ (أسحر وأفجر وأظهر) بل توسَّع بعض النحاة في هذا الباب فأدخل كل فعل يجيء المنصوب به بعد المرفوع لا يستغني عنه كقام زيد كريماً وذهب عمرو متحدثاُ وعاش خالد مجاهداً1 فالكوفيون قاسوا اسم الإشارة على تلك الأفعال

_ 1 ينظر في هذه الأفعال: ارتشاف الضرب: 2/ 73، وهمع الهوامع: 2/ 68، والأشموني: 1/ 229.

ولاسيّما إن لحظوا معنى فعلين في اسم الإشارة وهما: الفعل (أُنَبِّهُ) الذي أفادت معناه الهاء، والفعل (أُشِيْرُ) الذي أفاد معناه اسم الإشارة فأعملوا أحدهما في التقريب، والبصريون يقولون إن العامل في الحال في نحو هذا زيد منطلقاً إنما هو أحد هذين الفعلين أعني: أُنَبِّهُ وأشير الذين أفاد معناهما اسم الإشارة.

المبحث الحادي عشر: العامل من أسماء الإشارة.

المبحث الحادي عشر: العامل من أسماء الإشارة قد يتساءل المرء هل العمل في التقريب خاص بـ (هذا وهذه وهنَّ وهؤلاء) المختصة بالمشار إليه القريب أو يشمل جميع أسماء الإشارة ما كان منها مختصاً بالمشار إليه القريب، والمشار إليه البعيد كـ (ذلك) و (تلك) . للإجابة على هذا التساؤل لا بدّ لنا من الوقوف على نصين للفراء قال في الأول مفسّراً قوله تعالى: {ذَلِكَ الكِتابُ لا رَيبَ فِيْهِ هُدَىً لِّلْمُتَّقِيْنَ} 1 قال: " يصلح فيه ذلك من جهتين، وتصلح فيه هذا من جهة، فأما أحد الوجهين من ذلك فعلى معنى: هذه الحروف يا أحمد ذلك الكتاب الذي وعدتك أن أوحيه إليك، والآخر أن يكون ذلك على معنى يصلح فيه هذا؛ لأن قوله هذا وذلك يصلحان في كل مكان إذا ذكر ثم أتبعته بأحدهما بالإخبار عنه ألا ترى أنك تقول قد قدم فلان فيقول السامع قد بلغنا ذلك، وقد بلغنا هذا الخبر، فصلحت فيه هذا لأنه قد قَرُبَ من جوابه فصار كالحاضر الذي تشير إليه، وصلحت فيه ذلك لانقضائه والمنقضي كالغائب، ولو كان شيئاً قائماً يرى لم يجز مكان ذلك هذا، ولا مكان هذا ذلك "2. ثم أخذ الفراء يوجه إعراب الآية فقال في إعراب هدىً: "وأما قوله تعالى

_ 1 البقرة: 2. 2 معاني القرآن: 1/ 10.

: {هُدَىً لِلْمُتَّقِيْنَ} فإنه رفع من وجهين ونصب من وجهين"1 فذكر أوجه الرفع، وقال عن أوجه النصب: "فأما النصب في أحد الوجهين فأن يجعل الكتاب خبراً لذلك فتنصب على القطع لأن هدى نكرة اتصلت بمعرفة قد تمّ خبرها فنصبتها؛ لأن النكرة لا تكون دليلاً على المعرفة، وإن شئت نصبت هدىً على القطع من الهاء التي في فيه كأنك قلت لا شكّ فيه هادياً"2. ومراد الفراء بقوله: "فتنصب على القطع أي على الحال فالقطع عنده الحال وهو من مصطلحات الفراء. وقد ألحَّ الفراء على مسألة النصب على الحال في آيات كثيرة منها قوله تعالى3: {طس تِلْكَ آياتُ القُرْآنِ وكتابٍ مُّبِيْن هُدًى وَّبُشْرَىً للمُؤْمِنِيْنَ} 4 وقوله تعالى5: {ألم تِلْكَ آياتُ الكِتَابِ الحَكِيْمِ هُدَىً وَّرَحْمَة للْمُحْسِنِيْنَ} 6. وعلى هذا فهل الفراء أعرب تلك الآيات حالاً لأنه يرى أنها لا يصح فيها النصب على التقريب لما بين (ذلك) المشتملة على اللام التي يشار بها للبعيد، والنصب على التقريب من التنافي في المعنى فبين اللام والتقريب تنافٍ إذ اللام تبعيد لا تقريب هذا هو الظاهر ويؤيده قوله: "ولو كان شيئاً قائماً يرى لم يجز مكان ذلك هذا، ولا مكان هذا ذلك" وإن كانت عبارته السالفة "لأن هذا وذلك يصلحان في كل كلام ذكرته ثم أتبعته بأحدهما بالإخبار عنه… لأنه قد قَرُبَ من جوابه فصار كالحاضر الذي تشير إليه" توحي بأنه يرى أن هذا وذلك يتقارضان فتحلُّ إحداهما محلّ الأخرى دون تفريق بين ما جعل للبعيد وما جعل

_ 1 المرجع السابق: 1/ 11. 2 المرجع السابق: 1/ 12. 3 المرجع السابق: 2/ 286. 4 النمل: 1 و2. 5 معاني القرآن: 2/326. 6 لقمان: 1و2و3.

للقريب على حدّ قول خُفَافِ ابن نُدْبَهَ: أَقُوْلُ لَهُ وَالرُّمْحُ يَأْطُرُ مَتْنَهُ ... تَأَمَّلْ خُفَافاً إنَّنِي أَنَا ذَلِكا1 والنص الثاني هو إعراب الفراء قوله تعالى: {ذَلِكَ عِيْسَى ابْنُ مِرْيَمَ قَوْلَ الحَقِّ} 2 بنصب {قَوْلَ} 3 على التقريب في أحد وجهي النصب الجائزين في الآية وهي مسبوقة باسم الإشارة ذلك المشار بها للبعيد قال: "وقد قرأتِ القُرَّاءُ بالنصب {قَوْلَ الحَقِّ} وهو كثير يريدون به حقاً، وإن نَصَبْتَ القولَ وهو في النية من نعت عيسى كان صواباً كأنك قلت هذا عبد الله أخاه بعينه، والعرب تنصب الاسم المعرفة في هذا وذلك وأخواتهما فيقولون هذا عبد الله الأسدَ عادياً كما يقولون أسداً عادياً"4. فجعل (قولَ) منصوباً على أنه مفعول مطلق في الوجه الأول، ومنصوباً على التقريب في الوجه الثاني، والعامل في التقريب هنا اسم الإشارة (ذلك) المختصة بالبعيد، وجعل عادياً حالاً من الأسد لا من عبد الله، وقوله والعرب تنصب الاسم المعرفة في هذا وذلك وأخواتهما دليل على أنه لم يفرّق بين هذا وذلك. والذي يبدو لي أن الفراء لم يكن مُتحَمِّساً للتقريب، لأنَّ إلحاحه على الحال في الشواهد القرآنية المحتوية على أسماء الإشارة أكثر من إلحاحه على التقريب.

_ 1 البيت من الطويل في ديوان خفاف ضمن شعراء إسلاميون: 482، وهو في المنصف: 3/41، والخصائص: 2/186، والإنصاف:720. 2 مريم: 34. 3 قرأها بالنصب ابن عامر، وعاصم بن أبي النجود، وهي التي يقرأ بها اليوم بالمشرق الإسلامي، وقرأها بالرفع ابن كثير، ونافع، والكسائي، وأبو عمرو. 4 معاني القرآن: 2/ 168.

المبحث الثاني عشر: التقريب والحال عند الكوفيين.

المبحث الثاني عشر التقريب والحال عند الكوفيين المصطلح النحوي بين الكوفيين والبصريين كثيراً ما يختلف، ولكن الغالب أن يكون اختلافاً في التسمية فقط كالترجمة للبدل، والمجرى وغير المجرى للمصروف والممنوع من الصرف، والمكني للضمير والتفسير للتمييز، والعماد لضمير الفصل؛ ولهذا قد يقال هل المنصوب على التقريب هو الحال والاختلاف في تسمية المصطلح؟ نقول: لا. بل الحال شيء آخر، وهم يسمون الحال قطعاً وحالاً، فالقطع عند الكوفيين هو جزء من الحال، والبصريون لا يقرُّون بالقطع ولا يقولون به قال أبو حيّان: "وهذا كله منصوب عند البصريين على الحال، ولم يثبت البصريون النصب على القطع، والاستدلال على بطلان ما ذهب إليه الكوفيون مذكور في مبسوطات النحو"1 والمنصوب على التقريب عند الكوفيين شيء ثانٍ، غير القطع وغير الحال فالتقريب إذن شيء جديد؛ لأن الفراء يقول في النص السابق "هذا عبد الله الأسدَ عادياً". وإعراب عادياً حال من الأسد، والأسد هو المنصوب على التقريب، فبينهما فرق عنده إذن.

_ 1 البحر المحيط: 1/ 202.

المبحث الثالث عشر: الحال والقطع عند الفراء.

المبحث الثالث عشر: الحال والقطع عند الفراء. ... المبحث الثالث عشر: القطع والحال عند الفراء الفراء يستعمل مصطلح القطع كثيراً ويريد به الحال1، ويستعمل كذلك مصطلح الحال كما هو عند البصريين ولكنه قليل، وقد يجمع بينهما لمعنى واحد قال في توجيه نصب {نَزَّاعَةً} من قوله تعالى: {كَلاَّ إنَّهَا لَظَى نَزَّاعَة لِّلشَّوَى} 1 نصبه

_ 1 ينظر معاني القرآن: 1/ 7، 12 - 2/ 286، 338، 344، 345، 346 - 3 / 6، 11، 12، 83، 104، 132. 2 المعارج:15، 16.

على القطع وعلى الحال1، ويستعمل مصطلح قطع ويريد به النصب بفعل محذوف قال في توجيه نصب {مَطْوِيّاتٍ} من قوله تعالى: {وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٍ بِيَمِيْنِهِ} 2 قال: "ومن قال مطوياتٍ رفع السموات بالباء التي في بيمينه كأنه قال: والسموات في يمينه، وينصب المطويات على الحال أو على القطع والحال أجود"3، ويستعمل مصطلح قطع ويريد به الاستئناف قال في توجيه رفع {خَالِصَةً لَّك} من قوله تعالى: {وَامْرَأةً مُّؤْمِنَةً إن وَّهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أن يَّسْتنْكِحَهَا خَالِصَة لَكَ مِنْ دُوْنِ المُؤْمِنِيْنَ} 4 قال: "ولو رفعت خالصة على الاستئناف كان صواباً كما قال: {لَمْ يَلْبَثُوا إلاَّ سَاعَةً مَّنْ نَهَارٍ بَلاغٌ} أي هذا بلاغ، وما كان من سنة الله وصبغة الله وشبهه فإنه منصوب لاتصاله بما قبله على مذهب حقاً وشبهه والرفع جائز لأنه كالجواب ألا ترى أن الرجل يقول قد قام عبد الله فتقول حقاً إذا وصلته، وإذا نويت الاستئناف رفعته وقطعته مما قبله، وهذا محض القطع الذي تسمعه من النحويين"5. وحاول أبو حيّان التفريق بين مصطلحي الحال والقطع عند الفراء فقال: "وفرَّق الفراء فزعم أن ما كان فيما قبله دليل عليه فهو المنصوب على القطع، وما لا فمنصوب على الحال"6.

_ 1 معاني القرآن 1/ 309. وتبعه كذلك أبو بكر ابن الأنباري في شرح القصائد السبع الطوال:24 في توجيه بيت امرئ القيس وقوفاً بها صحبي عليّ مطيّهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجلّد. 2 الزمر: 67. 3 معاني القرآن: 2/ 425. 4 الأحزاب: 50. 5 معاني القرآن: 2/ 344. 6 البحر المحيط: 1/ 201.

وقال أيضاً في إعراب {مَثَلاً} من قوله تعالى: {مَاذا أرَادَ الله بِهَذَا مَثلاً} 1 قال: "وأجاز الكوفيون أن يكون منصوباً على القطع، ومعنى هذا أنه كان يجوز أن يعرب بإعراب الاسم الذي قبله، فإذا لم تتبعه وقطعته عنه نصب على القطع ... كذا قالوا ماذا أراد الله بهذا المثل فلما لم يجر على إعراب هذا انتصب على القطع"2. وأورد ابن شقير3 المصطلحين على أنهما متمايزان وجعل القطع هو ما يجوز فيه أن يعرب بإعراب الاسم الذي قبله؛ فإذا لم يتبعه المتكلم في الإعراب وقطعه عنه نصبه على القطع، ويرى ابن شقير أن مصطلح الحال هو ما لا يجوز فيه الإتباع وقال عنه: "والحال لاتكون إلا نكرة"4.

_ 1 البقرة: 26. 2 البحر المحيط: 1/ 201. 3 المحلى وجوه النصب: 7-10. 4 المرجع السابق: 10.

الفصل الثاني: البصريون والتقريب.

الفصل الثاني: البصريون والتقريب. المبحث الأول: التقريب عند سيبويه. ... الفصل الثاني: البصريون والتقريب وتحته مباحث المبحث الأول: التقريب عند سيبويه هل كان سيبويه يعرف مصطلح تقريب كما يراد منه عند الكوفيين، أم لا؟ للإجابة عن هذا التساؤل لا بدّ لنا من الوقوف على هذا النص. قال سيبويه: "وأما الأسماء المبهمة فنحو هذا، وهذه، وهذان، وهاتان، وهؤلاء، وذلك، وتلك، وذانك، وتانك، وأولئك وما أشبه ذلك. واعلم أن المبهمة

توصف بالأسماء التي فيها الألف واللام، والصفات التي فيها الألف واللام جميعاً؛ وإنما وصفت بالأسماء التي فيها الألف واللام؛ لأنها والمبهمة كشيء واحد، والصفات التي فيها الألف واللام هي في هذا الموضع بمنزلة الأسماء، وليست بمنزلة الصفات في زيد وعمرو إذا قلت مررت بزيد الطويل لأني لا أريد أن أجعل هذا اسماً خاصاً، ولا صفة له يعرف بها، وكأنك أردت أن تقول مررت بالرجل، ولكنك إنما ذكرت هذا لتقرِّب به وتشير إليه"1 اهـ من هذا النص فهم بعض الباحثين أن سيبويه يعرف مصطلح التقريب، فقال: "سيبويه يستعمل هذا اللفظ - أي التقريب - ويبين دلالته المعنوية"2. والذي يظهر لي أن هذا إغراب في فهم هذا النص؛ لأن مراد سيبويه أن يقول إن اسم الإشارة ربما أتي به وُصْلَةً لوصف ما فيه الألف واللام، والإشارة إليه بالعهد الحضوري لا بالعهد الذهني وهو مراده بقوله "ولكنك إنما ذكرت هذا لتقرَّب به الشيء وتشير إليه" وللوقوف على حقيقة المعنى المراد نتأمَّل قول الأعلم شارحاً عبارة سيبويه قال: "الاسم المبهم مخالف لغيره في النعت؛ وذلك أنه ينعت بأسماء الأجناس كقولك مررت بهذا الرجل وركبت هذا الفرس؛ وذلك أن غير المبهم يحتاج إلى النعت إذا شاركه غيره في لفظه فيبان من غيره بذكر شيء فيه دون غيره مما يحلّى به، والمبهم إنما دخل وُصْلَةً لخروج ما فيه الألف واللام عن العهد إلى الحضور"3. والبصريون يستعملون كلمة تقريب ولا يريدون منها إعمال اسم الإشارة عمل كان كما هو عند الكوفيين وإنما يعنون معناها اللغوي قال الأعلم: "ثم اتفق قُرْبُ زيد منك فأردت أن تنبه المخاطب عليه وتقرّبه له فأدخلت هذا"4.

_ 1 الكتاب 2/ 5-8. 2 المصطلح النحوي: 133. 3 النكت في تفسير كتاب سيبويه: 1/ 442. 4 المرجع السابق: 1/481.

المبحث الثاني: الحال والتقريب عند البصريين

المبحث الثاني: الحال والتقريب عند البصريين المطلب الأول: أقسام الحال من حيث التبيين والتأكيد. ... المبحث الثاني: الحال والتقريب عند البصريين وفيه مطلبان: المطلب الأول: أقسام الحال من حيث التبيين والتأكيد الحال تنقسم بحسب التبيين والتأكيد إلى قسمين كبيرين حال مؤسسة وهي التي لا يستفاد معناها إلا بذكرها كجاء سعد ضاحكاً، وحال مؤكدة وهي التي يستفاد معناها بدون ذكرها؛ وذلك بأن يدلّ عاملها عليها نحو لا تعث في الأرض مفسداً أو يدل صاحبها عليها كقوله تعالى: {إلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيْعاً} 1 أو تكون الجملة السابقة عليها هي التي تدل على معناها هذا أبوك عطوفاً. ووقع القسمان بعد اسم الإشارة كقولك في الحال المؤسسة هذا زيدٌ منطلقاً، وكقولك في الحال المؤكدة هذا أبوك رحيماً.

_ 1 يونس: 4.

المطلب الثاني: التقريب عند البصريين.

المطلب الثاني: التقريب عند البصريين البصريون لا يقرّون بالتقريب ولا يقولون به ويجعلون ما كان منصوباً على التقريب عند الكوفيين حالاً مؤسسة أو حالا مؤكدة لمضمون الجملة قبلها قال سيبويه: "فأما المبني على الأسماء المبهمة فقولك هذا عبد الله منطلقاً وهؤلاء قومك منطلقين وهذا عبد الله معروفاً، فهذا اسم مبتدأ يبنى عليه ما بعده وهو عبد الله ولم يكن ليكون هذا كلاماً حتى يبنى عليه أو يبنى على ما قبله ... والمعنى أنك تريد أن تنبه له منطلقاً لا تريد أن تعرّفه عبد الله لأنك ظننت أنه يجهله فكأنك قلت انظر إليه منطلقاُ فمنطلق حالٌ قد صار فيها عبد الله"1. وقال الأعلم شارحاً عبارة سيبويه السابقة: "واعلم أن العامل في الحال في قولك هذا زيد منطلقاً الإشارة، أو التنبيه فالتقدير انظر إليه منطلقاً، وإن أعملت

_ 1 الكتاب: 2/78.

الإشارة فالتقدير أشير إليه منطلقاً والمقصد أنك أردت أن تنبِّه المخاطب لزيد في حال انطلاقه فلا بدّ من ذكر منطلقاً لأن الفائدة تنعقد به، ولم ترد أن تعرّفه إياه، وأنت تقدّر أنه يجهله كما تقول هذا زيد إذا أردت هذا المعنى، والأصل في هذه المسألة: زيد منطلق، ثمّ اتفق قُرْبُ زيد منك فأردت أن تنبه المخاطب عليه وتقرِّبه له فأدخلت (هذا) ، وهو اسم فلا بد له من موضع إعراب لإصلاح اللفظ فرفع بالابتداء لأنه أول الكلام، وجعل زيد خبره فاكتفى به، ونصب منطلقاً على الحال ولا يستغنى عنها لأنها خبر في المعنى كما لايستغنى عن رجل في قولك يا أيها الرجل وإن كان صفة؛ لأنه المقصود بالنداء في الأصل"1. وقال المبرّد موضحاً العامل في الحال الواقعة بعد اسم الإشارة: "وتقول هذا زيد راكباً وذاك عبد الله قائماً، فإن قال قائل: ما الذي ينصب الحال وأنت لم تذكر فعلاً قيل له (هذا) إنما هو تنبيه كأنك قلت أنبِّه له راكباً، وإذا قلت ذاك عبد الله قائماً (ذاك) للإشارة كأنك قلت: أشير لك إليه راكباً فلا يجوز أن يعمل في الحال إلا فعل أو شيء في معنى الفعل لأنها مفعول فيها"2.

_ 1 النكت في تفسير كتاب سيبويه: 1/ 481. 2 المقتضب: 4/ 168.

المبحث الثالث: رأي البصريين في القريب.

المبحث الثالث: رأي البصريين في القريب. ... المبحث الثالث: رأي البصريين في التقريب من خلال هذه النصوص يبدو لنا جلياً المانع الذي جعل البصريين لا يقولون بالتقريب رغم طرافة الفكرة لو أسعفتها القواعد فهم نظروا إلى أن أسماء الإشارة لها محل من الإعراب بكونها اسماً من الأسماء، والأسماء لها محل من الإعراب سواء كانت في صدارة الجملة أم في وسطها أم في آخرها على خلاف الأفعال التي إذا تصدّرت الجمل فليس لها محل من الإعراب، وبناءً على هذا فاسم الإشارة سيكون مبتدأً والمرفوع الذي بعده خبره وهو ما عدّه الكوفيون

اسم التقريب؛ وبهذا ستكون الجملة تمّت إسناداً مبتدأ وخبر، والمنصوب سيكون حالاً لتمام الجملة قبل مجيئه، ولكنه حال لا يستغنى عنه؛ لأنه خبر في المعنى؛ ولأن الفائدة لا تنعقد إلا به قال سيبويه: "فهذا اسم مبتدأ يبنى عليه ما بعده وهو عبد الله ولم يكن ليكون هذا كلاماً حتى يبنى عليه أو يبنى على ما قبله"1. وأوضح الأعلم المانع من القول بالنصب على التقريب أشد إيضاح في نصه السابق حيث قال: "فأدخلت هذا وهو اسم فلا بدّ له من موضع إعراب لإصلاح اللفظ، فرفع بالابتداء لأنه أول الكلام وجعل زيد خبره فاكتفي به، ونصب منطلقاً على الحال ولا يستغني عنها لأنها خبر في المعنى". أما آض، وآل، ورجع، وعاد، وحار، واستحال، وتحوَّل، وارتدَّ، وقعد، وغدا، وراح، وسواها مِمَّا حملت على كان في الإعمال وارتضاها العلماء فهي أفعالٌ، ليس لها محل من الإعراب إذا كانت في صدارة الجُمَل، بخلاف هذا وأخواتها فهي أسماء لابدّ أن يكون لها محل من الإعراب فالقياس هنا مع الفارق. ثم إن العرب تنصب الحال وقبله حرف تنبيهٍ فقط دون أن يأتي بعد حرف التنبيه اسم إشارة نحو ها أنا قائماً روى أبو عبد الله بن الجرّاح في كتابه المسمّى: (من اسمه عمرو من الشعراء) النص التالي: «كان عمرو بن معديكرب في مسجد الكوفة يحدّث بأيّامه في الجاهلية إذ: قال فلقيت أنس بن مدركة الخثعمي فطعنته فقتلته، وأنسٌ في القوم فقال: حِلاًّ أبا ثور ها أنا جالساً أسمعك فقال: اسكت ويحك نوزع هذه المرازبة"2. والشاهد هنا: قول أنس بن مدركة: ها أنا جالساً فهل يَعُدُّ الكوفيون (ها) من عوامل التقريب؟ ويلحقونها بـ (كان وأخواتها) ولاسيما أن مراد

_ 1 الكتاب: 2/ 78. 2 من اسمه عمرو من الشعراء: 142.

أنس من عبارته الدلالة على القرب، لم يقل الكوفيون بذلك فيقال لهم: ما الفرق بين هذه العبارة وقولنا ها أنا ذا جالساً؟ أوليس المراد من العبارتين الدلالة على القرب؟ لماذا تعربون ها أنا جالساً حالاً، وتعربون ها أنا ذا جالساً تقريباً؟ وكذلك يحتج على الكوفيين بأن العرب أوقعت الحال بعد الضمائر كقوله تعالى: {وَهْوَ الحَقُّ مُصَدّقاً لِّمَا مَعَهُمْ} 1 وقول سالم بن دارة: أَنَا ابْنُ دَارَةَ مَعْرُوْفاً بِهَا نَسَبِيْ ... وَهَلْ بِدَارَةَ يَا لَلنَّاسِ مِنْ عَارِ2 فهل يقال أيضاً إن الضمير هنا محمول على كان في الإعمال؟ لم يقل بذلك أحد من النحويين. فيقال ما الفرق إذن بين أسماء الإشارة والضمائر أوليست كلها أسماء وكلها معارف، إن كان الإعمال عندكم للتنبيه فقد رفضتم نص أنس بن مدركة، وإن كان الإعمال للاسم فقد رفضتم بيت ابن دارة.

_ 1 البقرة: 91. 2 البيت من البسيط وهو لسالم بن دارة في الكتاب: 2/ 79، وابن يعيش: 2/ 64، والأشموني: 1/ 255.

المبحث الرابع: عامل الحال المضمن عند البصريين.

المبحث الرابع: عامل الحال المضمَّن عند البصريين والعامل في الحال عند البصريين في قولك هذا زيد منطلقاً ما في اسم الإشارة من معنى فعل سواء أُعْمِلَ الفعل أُنَبِهُ الذي أفادته (ها) التنبيه أو أعمل الفعل أُشِيْرُ الذي أفاده اسم الإشارة قال المبرد: "وتقول هذا زيد راكباً وذاك عبد الله قائماً فإن قال قائل: ما الذي ينصب الحال وأنت لم تذكر فعلاً؟ قيل له (هذا) إنما هو تنبيه كأنك قلت أنبِّه له راكباً، وإذا قلت ذاك عبد الله قائماً (ذاك) للإشارة كأنك قلت أشير لك إليه راكباً فلا يجوز أن يعمل في الحال إلا فعل أو شيء في معنى الفعل, لأنها مفعول فيها"1.

_ 1 المقتضب: 4/ 168.

وأجاب ابن يعيش عن اختلاف العامل في الحال وصاحبها فقال: "فإن قيل فأنتم قد قررتم أن العامل في الحال يكون هو العامل في ذي الحال، والحال هاهنا في قولك هذا زيد منطلقاً من زيد، والعامل فيه الابتداء من حيث هو خبر، والابتداء لا يعمل نصباً فالجواب أن هذا كلام محمول على معناه دون لفظه، والتقدير أشير إليه أو أنبه له"1. وقال ابن مالك: "والأكثر أن يكون العامل في الحال هو العامل في صاحبها ... ومن ورود الحال وعاملها غير عامل صاحبها قولهم: ها قائماً ذا زيد فَنَصَبَ الحالَ حرفُ التنبيه وليس له عمل في صاحبها"2. وقال ابن جني أيضاً: "ألا ترى أنه قد يجوز أن يكون العامل في الحال هو غير العامل في صاحب الحال ومن ذلك قول الله سبحانه: {وَهُوَ الحَقُّ مُصَدِّقاً} فـ {مُصَدِّقاً} حال من {الحَقِّ} والناصب له غير الرافع للحق…وكذلك عامة ما يجوز فيه وجهان أو أوجه ينبغي أن يكون جميع ذلك مجوّزاً فيه ولا يمنعك قوّة القوي من إجازة الضعيف أيضاً فإن العرب تفعل ذلك تأنسياً لك بإجازة الوجه الأضعف لتصحّ به طريقك وترحب به خناقك إذا لم تجد وجهاً غيره"3.

_ 1 شرح المفصل: 2/ 58. 2 شرح التسهيل: 2/354. 3 الخصائص: 3/ 60.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... فهرس المراجع والمصادر 1- إتحاف فضلاء البشر لأحمد الدمياطي /مراجعه محمد علي الصباغ / دار الندوة بيروت. 2- ارتشاف الضرب من لسان العرب لأثير الدين أبي حيان /تح د. مصطفى النماس/ النسر الذهبي / القاهرة 1404هـ. 3- أسرار العربية لأبي البركات بن الأنباري / تح محمد بهجت البيطار / مجمع اللغة بدمشق: 1377هـ. 4- الاشتقاق لابن دريد / تح عبد السلام محمد هارون / مكتبة الخانجي / القاهرة: 1378 هـ. 5- الأصول لابن السراج / تح عبد الحسين الفتلي / مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى 1405 هـ. 6- إعراب القرآن للنحاس / تح زهير غازي زاهد / عالم الكتب بيروت 1405هـ. 7- أمالي ابن الشجري / تح د: محمود الطناحي / مكتبة الخانجي الطبعة الأولى 1413هـ. 8- الإنصاف في مسائل الخلاف لأبي البركات بن الأنباري / تح محمد محي الدين عبد الحميد / دار الفكر بيروت. 9- البحر المحيط لأثير الدين أبي حيان / المكتبة التجارية مكة المكرمة 1412. 10- تثقيف اللسان وتلقيح الجنان لابن مكي الصقلي /تح مصطفى عبد القادر عطا / دار الكتب العلمية الطبعة الأولى:1410 هـ. 11- تصحيح التصحيف وتحرير التحريف لصلاح الدين الصفدي / تح السيد الشرقاوي / مكتبة الخانجي الطبعة الأولى 1407هـ. 12- الجنى الداني في حروف المعاني للمرادي / تح فخر الدين قباوه ومحمد نديم الفاضل / دار الآفاق بيروت 1403. 13- جواهر الأدب في معرفة كلام العرب لعلاء الدين الإربلي / تح د/أميل بديع يعقوب / دار النفائس بيروت 1412هـ.

14- الخصائص لأبي الفتح بن جني / تح محمد على النجار / دار الكتب المصرية 1371هـ. 15- دراسة في النحو الكوفي: للمختار أحمد ديره / دار قتيبة بيروت 1411هـ. 16- الدر المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي / تح د. أحمد الخراط / دار القلم دمشق 1406هـ. 17- ديوان جرير بشرح محمد ين حبيب / تح د: نعمان مجمد طه / دار المعارف الطبعة الثالثة. 18- ديوان حسان بن ثابت / رواية الأثرم، ومحمد بن حبيب / تح د. سيد حنفي حسنين / الهيئة المصرية العامة للكتاب 1974م. 19- ديوان رؤبة بن العجاج / جمع وليم بن الورد / دار الآفاق الجديدة بيروت الطبعة الثانية 1400 هـ. 20- السبعة في القراءات لابن مجاهد / تح د. شوقي ضيف / دار المعارف الطبعة الثالثة 1980م. 21- شرح التسهيل لابن مالك / تح د. عبد الرحمن السيد، ود محمد بدوي مختون / هجر بالقاهرة 1410هـ. 22- شرح القصائد السبع الطوال لأبي بكر بن الأنباري / تح عبد السلام هارون / دار المعارف 1382هـ. 23- شرح اللمع للثمانيني / تح د: فتحي علي حسانين (مخطوط) رسالة دكتوراه في الأزهر. 24- شرح المفصل لابن يعيش / المطبعة المنيرية بالقاهرة 1928م. 25- الفريد في إعراب القرآن المجيد للمنتجب الهمداني / تح د. محمد فهمي النمر، وفؤاد مخيمر / دار الثقافة الدوحة 1411هـ. 26- الكتاب لسيبويه / تح عبد السلام هارون / الهيئة المصرية العامة للكتاب 1977م. 27- الكشف عن وجوه القراءات السبع / لمكي بن أبي طالب / تح محي الدين رمضان / مؤسسة الرسالة بيروت 1407هـ.

28- المبسوط في القراءات العشر للأصبهاني / تح سبيع حمزة حاكمي / دار القبلة جدة: 1408هـ. 29- مجالس ثعلب لأبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب / تح عبد السلام هارون / دار المعارف الطبعة الثالثة 1960م. 30- المحتسب لابن جني / تح علي النجدي ناصف وزملائه / لجنة إحياء التراث الإسلامي بالقاهرة 1386هـ. 31- المحلّى "وجوه النصب" لابن شقير / تح فائز فارس /مؤسسة الرسالة 1408هـ. 32- مختصر في شواذ القراءات لابن خالويه/مكتبة المتنبي بالقاهرة. 33- مصطلحات النحو الكوفي للدكتور عبد الله بن حمد الخثران / هجر للطباعة والتوزيع 1411هـ. 34- المصطلح النحوي نشأته وتطوره للدكتور عوض بن حمد القوزي / عمادة شئون المكتبات جامعة الملك سعود 1401 هـ. 35- معاني القرآن للأخفش / تح د0 فائز فارس / دار البشير 1401هـ. 36- معاني القرآن للفراء / عالم الكتب بيروت. 37- معاني القرآن وإعرابه المنسوب للزجاج / تح د. عبد الجليل عبده شلبي / عالم الكتب 1408هـ. 38 - معجم مصطلحات النحو والصرف والعروض والقافية للدكتور محمد إبراهيم عبادة / دار المعارف لا ط، لا ت. 39- مغني اللبيب لابن هشام الأنصاري / تح د: مازن المبارك ومحمد على حمد الله / دار الفكر الطبعة الخامسة 1979 م. 40- المقتضب لأبي العباس المبرد / تح محمد عبد الخالق عضيمة / وزارة الأوقاف المصرية 1399هـ. 41- من اسمه عمرو من الشعراء لأبي عبد الله محمد بن داود بن الجرّاح / تح د عبد العزيز بن ناصر المانع / مكتبة الخانجي 1412هـ. 42- منهج السالك إلى ألفية ابن مالك لعلي بن محمد الأشموني / عيسى البابي الحلبي.

43- النشر في القراءات العشر لابن الجزري / تصحيح علي محمد الضباع / دار الكتب بيروت. 44- النكت في تفسير كتاب سيبويه / للأعلم الشنتمري / تح زهير عبد المحسن سلطان / معهد المخطوطات بالكويت 1407هـ. 45- همع الهوامع للسيوطي / تح عبد العال سالم مكرم / دار البحوث العلمية 1394هـ.

§1/1