المنتخب من وصايا الآباء للأبناء

وائل حافظ خلف

تصدير

بسم الله الرحمن الرحيم تصدير إن الحمد لله نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم). أما بعد: فهذه طاقة عطرة من وصايا آباء أَلِبَّاء: صلحاء وأتقياء، وعلماء وحكماء، وأدباء وشعراء ... يَقْدُمُهم الرسل والأنبياء. إنْ كُلٌّ إلا بَعَج بطنَه لولده [بَعَجَ بطنه له: أي: بالغ في نصحه]؛ كي يكملَ أدبُه، وتحسنَ رِعَتُه، ويصير من النجباء النبلاء ... فمِن الأبناء مَن اتبع فاستقام، وكان منهم كهيئة الأصم لا يسمع أُذُنًا جَمْشًا [أي: لا يقبل نصحًا] وعَشَا عن النصح عَشْوًا؛ فأضحى سَدْمَان ندمان. وقد انتخبتها - على عَجَل - من كتابي " مِن وصايا الآباء للأبناء " (¬1). ¬

_ (¬1) طَلَبَ إليَّ ذلك بعضُ الأفاضلِ فأَطْلَبْتُهُ. وقد نَصَصْنا كل وصية إلى بعض الكتب التي وقفنا عليها فيها. وأما التخريج المبسوط، وشرح الوصايا وبقية ما جمعنا وعَبَّدنا فلا حَطُوط ولا هبوط؛ فذلك في الأصل ولما يطبع. وأشترط أن لا أذكر إلا حديثًا ثابتًا عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأما الآثار فقد يوجد مقال في بعض أسانيدها، وأنت خبير بأن العلماء يتساهلون في إيراد أمثالها. والحمد لله أولا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا.

وهو جزء من سلسلة موسومة بـ"العِقد الثمين من وصايا أهل الحكمة والحصافة والدين ". ووصايا أولئك وإن كانت قليلة المباني، إلا أنها جمة المعاني .. وكلامهم يخرج كالضوء يتلالأ ينير القلوبَ ويجلو صدأها؛ لتعودَ كالمرآة المصقولة .. ويتدفق في النفوس كتدفق أمواه النهر تسري ساقية تَنَائِفَ وسَبَاسِبَ ومَهَامِهَ عِطاشًا لتُخرج نبتها كريمًا باسقًا، الأصل ثابتٌ، والفرع في السماء .. ويملأ جَعْبَةَ مَن كان خاليَ الوَفْضَةِ ليفيضَ مِن بعدُ على مَن وراءه .. وأنت - حفظك الله - قسيم في المعرفة بأنه لا يؤثر إلا المتأثر، ومَن نصح قلبه لله ومحضه؛ أقبل الله عليه بقلوب عباده وهيأها. فإذا كان اللسانُ قويمًا، وصاحبُهُ حَدُِثًا عليمًا؛ خط بالكلام على رَقِّ القلوب بمداد نوراني أذكى رائحة من المَيْعَة والحَبَق، فلا يزال يسطع فيها ويعبق؛ حتى يُفتح لها رِتاج ما استغلق عليها، وأعظم ذلك أن تلج باب الأنس بمعبودها، فالله طيب لا يقبل إلا طيبًا. وصدق أبو عثمانَ عمرو بنُ بحرٍ الجاحظُ [المتوفى سنة خمس وخمسين ومائتين] إذ يقول: (¬1) ((أحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره، ومعناه في ظاهر لفظه، وكأن الله (عز وجل) قد ألبسه من الجلالة، وغشاه من نور الحكمة، على حسب نية صاحبه، وتقوى قائله. ¬

_ (¬1) في كتابه" البيان والتبيين " (ج 1ص47) ط / دار الكتب العلمية.

فإذا كان المعنى شريفًا، واللفظ بليغًا، وكان صحيح الطبع، بعيدًا من الاستكراه، ومنزهًا عن الاختلال، مصونًا عن التكلف؛ صنع فى القلب صنيع الغيث في التربة الكريمة. ومتى فصلت الكلمة على هذه الشريطة، ونفذت من قائلها على هذه الصفة؛ أصحبها الله من التوفيق، ومنحها من التأييد ما لا يمتنع من تعظيمها به صدور الجبابرة، ولا يذهل عن فهمها عقول الجهلة. وقد قال عامر بن عبد القيس: ((الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تجاوز الآذان)). وقال الحسن وسمع متكلمًا يعظ فلم تقع موعظته بموضع من قلبه ولم يرق عندها، فقال له: ((يا هذا! إن بقلبك لشرًّا أو بقلبي)) انتهى. هذا، واللهَ - سبحانه وتعالى - أسأل أن يجعل عملي كله صالحًا، ولوجهه خالصًا، ولعباده نافعًا. وكتب وائل بنُ حافظ بنِ خلف بمنزلي الكائن بقرية العكريشة - مركز كفر الدوار- محافظة البحيرة - جمهورية مصر العربية. في عصر الخميس: التاسعَ عشرَ ِمن شوال 1430هـ الثامن من أُكتوبر (تشرين الأول) 2009م.

رسالة إلى والد

رسالة إلى والد أيُّهذا الأبُ الكريم! ابنك فلذة كبدك، إن يك صالحًا كريم الجِرِشَّى؛ فمثل ثواب عمله يكون لك؛ فإنه من كسبك. وهو أمانة لديك، فينبغي أن تقوم عليه في أدبه، وتنظر في أََوَده، وتلهمه حلمك، وتمنحه علمك، حتى يكمل عقله، ويستحكم فتله، ويقوى نظره وفكره؛ ((فكلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته)). ولله در مَن قال: أما تدري أبانا كل فرع ... يجاري بالخطى مَن أدبوه وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه وما نَوْلُك [أي: ما ينبغي لك] أن تمهل حتى يشتد الولد ويجمع جراميزه ويمتطي جواد الشباب، ولئن فعلت إنك لنادم ولات حين مندم، ثم تعذله، ورُبَّ لاَئِمٍ مُليمٌ .. وأعيذك بالله من أن تَقول لولدك يومًا: ((أعييتني بأُشُرٍ، فكيف بِدُرْدُرٍ)) [أي: لم تقبل النصح شابًّا، فكيف وقد بَدَتْ دَرَادُِرك كِبرًا؟!] .. أو أن يُقال لك: ((سبق السيفُ العَذَلَ)) [مَثَلٌ يُضرب لما قد فات ولا يُستدرك]. ثم احذر أن يخالف عملُك قولَك، فلسان الحال أفصح من لسان المقال، وخير المقال ما صدقته الفعال. فالزم هذا؛ ينجب ابنك ويحمدكَ، وإلا كنت يا صاح ملومًا، وتحملت من إثمه كفلاً وذَنُوبًا .. وصار هو وَصْمًا، يولد عارًا، وينتج شنارًا ... وهَلُمَّ جرًّا، مِن شُبَّ إلى دُبَّ [أي: من الشباب إلى أن يدب على العصا].

وأخيرًا: لا تغفل الدعاء لولدك، فقد قالوا: " الأدب من الآباء، والصلاح من الله عز وجل " والسلام،،،

شذور في الوصية بالأدب

شذور في الوصية بالأدب - قال ربنا (جل ثناؤه): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:12]. قال غير واحد: معنى قوله (تعالى ذكره): {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} أي: علموهم وأدبوهم. - رُوِيَ عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: ((مَا نَحَلَ والِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ)). أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"، والترمذي في "السنن" (1952)، والبيهقي في "السنن الكبير" (ج3/ص84) وضعفوه، وكذا ضعفه الذهبي وهو الصواب، وصححه الحاكم في "المستدرك" (4/ 263)!، ورمز له السيوطي بالصحة في "الجامع الصغير" (8118)!. - عن عثمان الحاطبي قال: سمعت ابن عمر (رضي الله عنهما) يقول لرجل: ((أدب ابنك؛ فإنك مسئول عن ولدك ماذا أدبته وماذا علمته؟، وإنه مسئول عن برك وطواعيته لك)). أخرجه الإمام البيهقي في "السنن الكبير" (ج3/ص84). - عن ضمرة بن ربيعة قال: سمعت سفيان الثوري (رحمه الله) يقول: ((كان يقال: حُسْنُ الأدبِ يطفئ غضبَ الربِّ عز وجل)) ا. هـ. أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (ج6/ص339/رقم9097). - عن أبي زكريا العنبري قال: ((علم بلا أدب، كنار بلا حطب. وأدب بلا علم، كروح بلا جسم)) رواه الإمام -

- السمعاني في أول كتابه "أدب الإملاء والاستملاء ". و"الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" للخطيب البغدادي (1/ 80). - قال ابن الْمُقَفَِّع: ((أَحَقُّ النَّاسِ بِالْعِلْمِ أَحْسَنُهُمْ تَأْدِيبًا)). - وقال أيضًا: ((أَفْضَلُ مَا يُورِثُ الآبَاءُ الْأَبْنَاءَ: الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، وَالْأَدَبُ النَّافِعُ، وَالْإِخْوَانُ الصَّالِحُونَ)) انتهى. "الأدب الصغير" (ص44 - 45) بتحقيقي. - عن حَبِيْب الْجَلاَّب قال: قيلَ لابن الْمبارك (رحمه الله): ما خَيْرُ ما أُعْطِيَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: ((غَرِيْزَةُ عَقْلٍ فِيْهِ)). قيل: فإن لم يكن؟ قال: ((أَدَبٌ حَسَنٌ)). قيل: فإن لم يكن؟ قال: ((أَخٌ صَالِحٌ يَسْتَشِيْرُهُ)). قيل: فإن لم يكن؟ قال: ((صَمْتٌ طَوِيْلٌ)). قيل: فإن لم يكن؟ قال: ((مَوْتٌ عَاجِلٌ)) ا. هـ أخرجه ابن حبان في "روضة العقلاء". - قال ابن قيم الجوزية (قدس الله روحه ونور ضريحه): ((أدب المرء عنوان سعادته وفلاحه، وقلة أدبه عنوان شقاوته وبواره. فما استُجْلِب خيرُ الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استجلب حرمانهما بمثل قلة الأدب)) ا. هـ "مدارج السالكين" (ج2/ص297 - 298).

خمس وصايا من وصايا نبينا الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم)

خمس وصايا من وصايا نبينا الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) والنبي (صلى الله عليه وسلم) أب لجميع المؤمنين؛ قال ربنا تبارك وتعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6]. وقد رُوِيَ عن أُبي بن كعب، وابن عباس (رضي الله عنهم) أنهما قرءا: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم}. وروى الإمام أبو داود (رحمه الله) في "سننه " (8) بسند جيد عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ((إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم ... )) الحديثَ. الوصية الأولى عن أَبي ذَرٍّ جُنْدَُبِ بنِ جُنَادَةَ (رضي الله عنه) قال: قلت: يارسولَ اللهِ! أوصني، فقال: ((اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ)) أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (ج5ص153،ص158،ص177)، والترمذي في "جامعه" (كتاب البر والصلة- باب ما جاء في معاشرة الناس- حديث رقم1987) وقال: "حديث حسن صحيح"، والدارمي في "سننه" (كتاب الرقاق- باب في حسن الخلق- حديث رقم (2791)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (ج1ص54حديث رَقْم178) وصححه على شرط الشيخين (!)، ووافقه الذهبي في "تلخيص المستدرك"، وله شواهد.

الوصية الثانية عن أبي العباسِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما) قَالَ: كُنْت خَلْفَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يَوْمًا، فَقَالَ: ((يا غلام! إنِّي أُُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَك، إذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لو اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوك بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَك، وَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْك، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ)). أخرجه الإمام أحمدُ في "المسند" [ج1ص293، 303، 307 - بأرقام (2669، 2763، 204 - ترقيم الشيخ أبي الأشبال أحمد شاكر]، والترمذي في "جامعه" [كتاب صفة القيامة والرقائق والورع-حديث رَقْم (2516)]، وقال: "حديث حسن صحيح"، وراجع "جامع العلوم والحِكَم" للحافظ ابن رجب الحنبلي (رحمه الله) شرح الحديث التاسع عشر (19). الوصية الثالثة عن أبي سعيد الخدري (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أن رجلاً جاءه فقال: أوصني. فقال: سألت عما سألت عنه رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) من قبلك، فقال: ((أوصيك بتقوى الله؛ فإنه رأس كل شيء. وعليك بالجهاد؛ فإنه رهبانية الإسلام. وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن؛ فإنه رَوْحك في السماء، وذكرك في الأرض)). أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (3/ 82). وانظر "فيض القدير" [الجزء الثالث-شرح الحديث رقم (2791)]، و"مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" للحافظ

نور الدين الهيثمي رحمه الله (4/ 215، 216)، و"السلسلة الصحيحة" للشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله (555). الوصية الرابعة عن أبي ذَرٍّ جُنْدَُِبِ بنِ جُنَادَةَ (رضي الله عنه) قال: أوصاني خليلي (صلى الله عليه وسلم) بخصال من الخير: ((أوصاني بأن لا أنظر إلى من هو فوقي، وأن أنظر إلى من هو دوني (¬1). وأوصاني بحب المساكين، والدُنُوِّ منهم. وأوصاني أن أَصِلَ رحمي وإن أَدْبَرَتْ. وأوصاني أن لا أخاف في الله لومة لائم. وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مُرًّا. وأوصاني أن أكثر من قول:" لا حول ولا قوة إلا بالله "؛ فإنها كنز من كنوز الجنة)). حديث صحيح: أخرجه ابن حبان (449 - إحسان) (2041 - موارد الظمآن) واللفظ له، وأحمد (5/ 159). الوصية الخامسة ¬

_ (¬1) هذا في أمر الدنيا؛ فإنه أجدر أن لا يزدري العبدُ نعمة اللهِ عليه، أما في أمر الآخرة فلينظر الإنسان إلى مَن هو فوقه. والله أعلم.

وصية نبي الله نوح (صلى الله عليه وسلم) لابنه

عن العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) صَلَاةَ الْفَجْرِ ثُمَّ وَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا، فَقَالَ: ((أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسَنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ)). حديث صحيح: أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (4/ 126، 127)، وعنه أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجة في "المقدمة" (42، 43، 44)، والدارمي في "المقدمة" (95)، والطبراني في "المعجم الكبير" (18/ 617، 618، ..... )، والآجُرِّي في "الشريعة" (92، 93، 94، 95)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2303، 2304، 2305، 2310)، وابن أبي عاصم في "السنة" (26، 27، 28، .... إلى 34) وغيرهم، وصححه الترمذي، وابن حبان (5)، والحاكم (1/ 95 - 97)، والبزار وغيرهم. وصية نبي الله نوح (صلى الله عليه وسلم) لابنه عن عبد الله بن عمرو بن العاصي [هذا هو الأولى في كتابة العاصي: إثبات الياء لا حذفها، وكذا حذيفة بن اليماني، وشداد بن الهادي. نبه على ذلك الإمام النووي في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج] (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ((إن نبيَّ الله نوحًا (صلى الله عليه

وسلم) لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاصٌ عليك الوصية (¬1):آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين: آمرك بـ" لا إله إلا الله "؛ فإن السماوات السبع، والأرَضين السبع، لو وُضعَتْ في كفة، ووُضِعَتْ " لا إله إلا الله" في كفة، رجحت بهن " لا إله إلا الله ". ولو أن السماوات السبع، والأرَضين السبع، كُنَّ حَلْقة مبهمة، فَصَمَتْهُنَّ " لا إله إلا الله ". و" سبحان الله وبحمده " (¬2)؛فإنها صلاة كل شيء وبها يُرزق الخلقُ. وأنهاك عن الشرك، والكبر)). أخرجه الإمام أحمد في " المسند " (2/ 169 - 170)،والبخاري في "الأدب المفرد" حديث رَقْم (548)، والحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (1/ 49) وصحح إسنادَه العمادُ ابنُ كثير (رحمه الله) في " البداية والنهاية ". وانظر "مجمع الزوائد " للحافظ نور الدين الهيثمي (رحمه الله) (4/ 219 - 220). ¬

_ (¬1) في رواية عند الإمامِ أحمدَ (2/ 225) وغيرِه: ((إن نوحًا لما حضرته الوفاة دعا ابنيه، فقال:" إني قاصر عليكما الوصية: آمركما باثنتين، وأنهاكما عن اثنتين .. " فذكر نحوه. (¬2) أي: وآمرك بـ" سبحان الله وبحمده ".

من وصايا نبي الله داود لابنه سليمان

من وصايا نبي الله داود لابنه سليمان عن يحيى بن أبي كثير (رحمه الله) أن نبي الله داودَ قال لابنه سليمانَ (صلى الله عليهما وسلم): ((يا بُنيَّ! لا تستقل عدوًا واحدًا، ولا تستكثر ألف صديق، ولا تستبدل بأخ قديم أخًا مستحدثًا ما استقام لك)). {" عيون الأخبار " للإمام ابن قتيبة، و"العِقد الفريد" لابن عبد ربه}. وعن عبد الرحمن بن أبزى (رحمه الله) قال: قال داود النبى (صلى الله عليه وسلم): ((كن لليتيم كالأب الرحيم. واعلم أنك كما تزرع تحصد. ومَثَل المرأة الصالحة لبعلها (¬1) كالملك المتوج بالتاج المخوص بالذهب، كلما رآها قرت بها عيناه. ومثل المرأة السوء لبعلها، كالحمل الثقيل على الشيخ الكبير. واعلم أن خطبة الأحمق فى نادي قومه، كمثل المغني عند رأس الميت. ولا تعدن أخاك شيئًا ثم لا تنجزه؛ فتورث بينك وبينه عداوة. وتعوذ بالله من صاحب إن ذكرتَ الله لم يعنك، وإن نسيته لم يذكرك، وهو: الشيطان. واذكر ما تكره أن يُذكر منك فى نادي قومك، فلا تفعله إذا خلوت)). {أخرجه الإمام أبو القاسم الطبراني فى " المعجم الكبير" بسندين، ورجال أحدهما رجال الصحيح. انظر " مجمع الزوائد" للهيثمي (4/ 274،10/ 234)} ¬

_ (¬1) الَبعْل: الزوج، والجمع: البُعُولة، والبِعَال، والبُعُول. ويقال للمرأة أيضًا: بَعْل وبعلة، كزوج وزوجة.

من وصايا نبي الله سليمان بن داود لابنه

وعن الإمام المبارك عبد الله بن المبارك (رحمه الله) قال: قال داود لابنه سليمان (عليهما السلام): ((يا بني! إنما يُستدل على تقوى الرجل بثلاثة أشياء: - بحسن توكله على الله فيما أنابه. - وبحسن رضاه فيما آتاه. - وبحسن صبره فيما ابتلاه)) {أخرجه الإمام البيهقي (رحمه الله) في كتاب "الزهد الكبير" (966)}. من وصايا نبي اللهِ سليمانَ بنِ داودَ لابنه عن يحيى بن أبي كثير قال: قال سليمان بن داود لابنه: ((يا بني! إياك والنميمةَ؛ فإنها أحد من السيف. وإياك وغضب الملك الظلوم؛ فإنه كملك الموت. يا بني! إياك والمراء؛ فإن نفعه قليل، وهو يهيج العداوة بين الإخوان. يا بنى! خطيئة بني آدم فخرهم، والزنى عين الإثم. يا بني! إن الأحلام تصدق قليلاً وتكذب؛ فلا يحزنك. وعليك بكتاب الله فالزمه، وإياه فتأول. يا بني! إياك وكثرة الغضب؛ فإن كثرة الغضب تسحق {تستخف} فؤاد الرجل الحليم)) {" حلية الأولياء " لأبي نعيم. وأخرج الفقرةَ الأولى كلٌّ مِن: الإمام هناد بن السري فى " الزهد " وابن حبان في " روضة العقلاء" .. وأخرج الفقرة الثالثة البيهقي في "شعب الإيمان "}.

وعنه قال: قال سليمان لابنه: ((يا بني! عليك بالحبيب الأول؛ فإن الآخر لا يعدله)) {" الحلية " لأبي نعيم، و" الروضة" لابن حبان، و"شعب الإيمان " للبيهقي}. وعنه قال: قال سليمان لابنه: ((يا بني! لا تقطعن أمرًا حتى تؤامر مرشدًا؛ فإنك إذا فعلت ذلك لم تحزن عليه)). {" الحلية "، و" شعب الإيمان "}. وعنه قال: قال سليمان بن داود لابنه: ((يا بني! إن أردت أن تغيظ عدوك؛ فلا تبعد عصاك عن ابنك وأهلك)) {"الحلية "لأبي نعيم}. وعنه قال: قال سليمان لابنه: ((لا تكثر الغيرة على أهلك ولم تَرَ منها سوءًا؛ فترمى بالشر من أجلك وإن كانت منه بريئة)) {" السابق"}. وعنه قال: قال سليمان لابنه: ((يا بني! عليك بخشية الله (عز وجل)؛ فإنها غلبت كل شيء)) {" السابق"}. وعنه قال: قال سليمان لابنه: ((مَن عمل بالسوء فبنفسه بدأ) {"السابق"}. وعنه أن سليمان قال لابنه: ((يا بني! لا تعجب ممن هلك كيف هلك، ولكن اعجب ممن نجا كيف نجا؟!. يا بني! لا غنى أفضل من صحة جسم، ولا نعيم أفضل من قرة عين)) {" السابق"}.

من وصايا لقمان الحكيم (رضي الله عنه) لابنه

وعنه قال: قال سليمان لابنه: ((إن من عيش السوء نقلاً من منزل إلى منزل)) {" السابق"}. مِن وصايا لقمانَ الحكيمِ (رضي الله عنه) لابنه (¬1) قال ربنا (جل ثناؤه) في سورة لقمان: ((وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19))). ¬

_ (¬1) انظر كتابنا " لقمان الحكيم ". وهو دراسة مستفيضة عن لقمان (رضي الله عنه)، جمعنا فيها كل ما وقفنا عليه مما يُروى عنه من أحوال وأقوال، ووضعناه على ميزان النقد العلمي، وانتهينا آخرة إلى قريب من رأي الإمام الشوكاني (رحمه الله) الذي ارتآه في "فتح القدير".

ويُروى عن لقمان الحكيم (رضي الله عنه) [هذا هو الأولى: الترضي عن لقمان وكذا مريم، لا التصلية. قاله النووي في "الأذكار"] أنه قال لابنه: ((يا بني! اتخذ طاعة الله تجارة؛ تأتك الأرباح من غير بضاعة)) ["كتاب الزهد" للإمام أحمد بن حنبل، و"كتاب الزهد" لابن أبي عاصم، و"الزهد" لأبي بكر البيهقي]. وقال له: ((يا بني! إن الدنيا بحر عميق، قد غرق فيها ناس كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله، وحشوها إيمان بالله، وشراعها التوكل على الله؛ لعلك تنجو، ولا أراك ناجيًا)) ["كتاب الزهد" للإمام ابن المبارك، و"الزهد" للإمام أحمد، و "الزهد" للبيهقي]. وقال له: ((يا بني! إني حملت الحجارة، والحديد، وكل شيء ثقيل، فلم أحمل شيئا هو أثقل من جار السوء. يا بني! إني ذقت المر، فلم أذق شيئًا هو أمر من الفقر. يا بني! لا تُرسلْ رسولك جاهلاً، فان لم تجد حكيمًا فكن رسولَ نفسك. يا بني! إياك والكذبَ؛ فإنه شهي كلحم العصفور عما قليل يقلي صاحبه.

يا بني! احضر الجنائز ولا تحضر العرس؛ فإنَّ الجنائزَ تذكرك الآخرة والعرسَ تشهيك الدنيا. يا بني! لا تأكل شبعًا على شبع، فإنك إن تلقه للكلب خير من أن تأكله. يا بني! لا تكن حلوًا فتبلع، ولا مرًّا فتلفظ)) {عزاه في "الدر" لابن أبي شيبة، وأحمد، والبيهقي في "الشعب"}. وقال له: ((يا بني! لا تتعلم العلم لتباهي به العلماء، وتباري به السفهاء، وتماري به في المجالس. ولا تترك العلم زهادة فيه ورغبة في الجهالة. وإذا رأيت قومًا يذكرون الله فاجلس معهم؛ فإن تك عالمًا ينفعك علمك، وإن تك جاهلاً يعلموك، ولعل الله تعالى أن يطلع إليهم برحمة فيصيبك بها معهم. وإذا رأيت قومًا لا يذكرون الله فلا تجلس معهم؛ فإن تك عالمًا لا ينفعك علمك، وإن تك جاهلاً يزيدوك جهلاً – أو قال: غيًّا -، ولعل الله تعالى أن يطلع عليهم بسخطة فيصيبك بها معهم. يا بني! لا يغيظنك امرؤ رحب الذراعين يسفك دماء المؤمنين؛ فإن له عند الله (عز وجل) قاتلاً لا يموت)). ["الزهد" لابن

المبارك، و"الزهد" للإمام أحمد، ومقدمة "سنن الإمام الدارمي"، و"جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر، و"حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" لأبي نعيم في ترجمة شهر بن حوشب رحمه الله]. وقال له: ((يا بني! كذب مَن قال: "إن الشر يطفئ الشر"!، فإن كان صادقًا فليوقد نارًا إلى جنب نار، فلينظر هل تطفئ إحداهما الأخرى؟! وإلا فإن الخير يطفئ الشر كما يطفئ الماء النار)). ["روضة العقلاء" لابن حبان رحمه الله]. وقال له: ((يا بني! إذا أتيت نادي قومك فارمهم بسهم الإسلام – يعني: السلام – ثم اجلس بناحيتهم، ولا تنطق حتى تراهم قد نطقوا، فإن أفاضوا في ذكر الله فأجِلْ سهمك مع سهامهم، وإن أفاضوا في غير ذلك فتحول عنهم إلى غيرهم)). رواه ابن المبارك في "الزهد"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وأورده الإمام ابن كثير في "البداية والنهاية" وعزاه لابن أبي حاتم. وأورده أيضًا العلامة أبو العباس المبرد في كتابه النفيس القيم "الكامل في اللغة والأدب" (ج1ص102) ط/ مؤسسة المعارف – بيروت، وقال: ((قوله:

"فأجِلْ سهمك مع سهامهم": يعني: ادخُل معهم في أمرهم، فضربه مثلاً من دخول الرجل في قِداح الميسر)) انتهى. وقال له: ((يا بني! ليكن وجهك بسطًا، ولتكن كلمتك طيبة؛ تكن أحب إلى الناس من أن تعطيهم العطاء)) ["الزهد" لابن المبارك، "روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" لابن حبان]. وقال له: ((يا بني! جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك؛ فإن الله يُحْيي القلوب بنور الحكمة كما يُحيي الأرض المَيْتة بوابل السماء. ولا تجادلهم فيمقتوك. وخذ من الدنيا بلاغًا، ولا تدخل فيها دخولاً يضر بآخرتك، ولا ترفضها فتصير عيالاً على الناس. وصم صومًا يقطع شهوتك، ولا تصم صومًا يمنعك عن الصلاة؛ فإن الصلاة أحب إلى الله من الصيام)) ["الزهد" للإمام البيهقي، وأخرج الفقرة الأولى الإمام مالك في "الموطإِ"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله". وروى الوصية المتعلقة بالدنيا أبو نعيم في "الحلية" بنحو مما هنا في ترجمة أبي سليمان الداراني رحمه الله]. وقال له: ((يا بني! ارجُ اللهَ رجاء لا يجرئك على معصيته، وخَفِ الله خوفًا لا يؤيسك من رحمته)).

وفي رواية: ((يا بني! ارج الله رجاء لا تأمن فيه مكره، وخف الله مخافة لا تيأس فيها من رحمته)). فقال: يا أبت! وكيف أستطيع ذلك وإنما لي قلب واحد؟! قال: ((يا بني! إن المؤمن لذو قلبين: قلب يرجو به، وقلب يخاف به)) [رواه الإمام هناد بن السري في "الزهد"، وابن المبارك في "الزهد"، والإمام أحمد في "الزهد"، والإمام البيهقي في "الشعب" والرواية الأولى له]. وقال له: ((يا بني! لا تكونن أعجز من هذا الديك الذي يصوت بالأسحار وأنت نائم)) {"الشعب"}. وقال له: ((يا بني! عَوِّد لسانك: "اللهم اغفر لي"؛ فإن لله ساعة لا يرد فيها الدعاء)) [أورده الحافظ السيوطي في "الدر المنثور" وعزاه للحكيم الترمذي. ثم وقفت عليه عند البيهقي في "شعب الإيمان"].

وصية عمر بن الخطاب لابنه

وصية عمرَ بنِ الخطاب لابنه كتب عمرُ بنُ الخطابِ أميرُ المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين، وأحدُ العشرةِ المُبَشَّرين إلى ابنه عبد الله (رضي الله عنهما) فى غَيْبَةٍ غابها: ((أما بعد: فإنه مَن اتقى الله وَقَاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن شكره زاده، ومن أقرضه جَزَاه. فاجعل التقوى (*) جِلاءَ بصرك، وعِمَادَ ظهرك، فإنه لا عمل لمن لا نِيَّة له، ولا أَجْرَ لمن لا حسنة له، ولا خير لمن لا خشية له، ولا جديد لمن لا خَلَقَ له)) {"الأمالي" لأبي علي القالي، و"العِقد الفريد " لابن عبد ربه، و"مناقب عمر بن الخطاب " لابن الجوزي}. (*) حاشية: أصل التقوى: وَِقوى - بكسر أوله وقد يفتح - من الوقاية، أبدلت الواو تاء كـ"تراث"، و"تخمة". وهي: ما يستر الرأس، فهي اتخاذ وقاية تقيك مما تخافه وتحذره، فتقوى العبد لله أن يجعل بينه وبين ما يخشاه وقاية تقيه منه، وهي امتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه بفعل كل مأمور به، وترك كل منهي عنه، بحسب الطاقة، مَن فعل ذلك فهو من المتقين. ا. هـ من "دليل الفالحين". وقال الإمام أحمد: ((التقوى: ترك ما تهوى لما تخشى)). ولله در من قال: ((التقوى: أن يجدك الله حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك)).

وروى ابن أبي حاتم في "تفسيره" بسند صححه العماد ابن كثير في "التفسير" (2/ 51)، والطبراني في "المعجم الكبير" بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح والآخر ضعيف - كما قال الهيثمي في "المجمع" (6/ 326) - عن ابن مسعود (رضي الله عنه) في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} قال: ((أن يُطاع فلا يُعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفر)). وقد روى الإمام ابن أبي شيبة في كتاب "الإيمان" (ص39رقم99)، والإمام المبارك عبد الله بن المبارك في "الزهد" (1343)، والإمام هناد بن السري في "الزهد" (520)، والإمام البيهقي في "الزهد الكبير" (965) عن عاصم الأحول قال: لما وقعت فتنة ابن الأشعث قال طلق بن حبيب: ((اتقوا الفتنة بالتقوى)). فقال بكر بن عبد الله: أجمل لنا التقوى في يسير. فقال: ((التقوى: العمل بطاعة الله، على نور من الله، رجاء رحمة الله. والتقوى: ترك معاصي الله، على نور من الله، مخافة عذاب الله)) ا. هـ. وقد روى الإمام البيهقي في "الزهد الكبير" قبل هذا الأثر أثرين: الأول:

بسند فيه نظر عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه قال: قال رجل لأبي هريرة: ما التقوى؟ فقال أبو هريرة: هل أخذت طريقًا ذا شوك؟ قال الرجل: نعم. قال: فكيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوك عدلت عنه، أو جاوزته، أو قصرت عنه. فقال: ((ذاك التقوى)) ا. هـ وقد أخذ ابن المعتز هذا المعنى من أبي هريرة، فقال: خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى. الأثر الثاني: رواه البيهقي من طريق عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي، أن عمر بن عبد العزيز كان يقول: ((ليس تقوى الله بصيام الدهر ولا بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله، فمن رُزق بعد ذلك خيرًا؛ فهو خير إلى خير)).

وصية علي بن أبي طالب لابنه محمد

وصية عليِّ بن أبي طالب لابنه محمد كتب أميرُ المؤمنين ورابعُ الخلفاء الراشدين، وأحدُ العشرةِ المُبَشَّرين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) إلى ابنه محمد ابن الحنفية: ((يا بُنَيَّ! تفقه في الدين، وعَوِّد نفسك الصبر على المكروه، وكِلْ نفسك في أمورك كلها إلى الله (عز وجل)، وأخلص المسألة لربك؛ فإن بيده العطاء والحرمان. وأكثر الاستخارة له. واعلم أن مَن كانت مطيتُه الليلَ والنهار؛ فإنه يُسار به وإن كان لا يسير؛ فإن الله (تعالى) قد أبى إلا خراب الدنيا وعمارة الآخرة، فإن قدرت أن تزهد فيها زهدك كله فافعل ذلك. وإن كنت غيرَ قابلٍ نصيحتى إياك، فاعلم علمًا يقينًا أنك لن تبلغ أملك، ولن تعدو أجلك، وأنك في سبيل مَنْ كان قبلك. فأكرم نفسك عن كل دنية وإن ساقتك إلى الرغائب؛ فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضًا. وإياك أن تُوجِفَ بك مطايا الطمع وتقول: متى ما أُخِّرتُ نَزَعْتُ؛ فإن هذا أهلك مَن هلك قبلك. وأمسك عليك لسانك؛ فإن تلافيك ما فرط من صمتك أيسر عليك من إدراك ما فات من منطقك.

واحفظ ما في الوعاء بشد الوِكَاء (¬1)؛ فحسن التدبير مع الاقتصاد أبقى لك من الكثير مع الفساد، والحرفة مع العفة خير من الغنى مع الفجور. والمرء أحفظ لسره، ولربما سعى فيما يضره. وإياك والاتكالَ على الأماني؛ فإنها بضائع النوكى (¬2)، وتثبط عن الآخرة والأولى. ومن خير حظ الدنيا القرين الصالح، فقارن أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشر تَبِنْ منهم. ولا يغلبن عليك سوء الظن؛ فإنه لن يدع بينك وبين خليل صُلْحًا. أذك قلبك بالأدب كما تذكى النار بالحطب. واعلم أن كفر النعمة لؤم، وصحبة الأحمق شؤم، ومِن الكرم منع الحُرَم. ومن حلم ساد، ومن تفهم ازداد. امْحَض (¬3) أخاك النصيحة، حسنةً كانت أو قبيحة. لا تصرم أخاك على ارتياب، ولا تقطعه دون استعتاب، وليس جزاء من سرك أن تسوءه. الرزق رزقان: رزق تطلبه، ورزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك. ¬

_ (¬1) الوِكَاء: مايُشَدُّ به رأس القِربة ونحوها. (¬2) النوكي: جمع الأَنْوَك، وهو الأحمق. (¬3) يقَال: مَحَضَ فلانًا النُّصْحَ مَحْضًا: إذا أخلصه إياه، وكل شيء أَخْلَصْتَه فقد مَحَضْتَه.

واعلم يا بني! أن ما لك من دنياك إلا ما أصلحت به مثواك، فأنفق من خيرك، ولا تكن خازنًا لغيرك، وإن جزعت على ما يفلت من يديك، فاجزع على مالم يصل إليك. ربما أخطأ البصير قصده، وأبصر الأعمى رشده. ولم يهلك امرؤ اقتصد، ولم يفتقر مَن زهد. من ائتمن الزمان خانه، ومن تعظم عليه أهانه. رأس الدين اليقين، وتمام الإخلاصِ اجتناب المعاصي، وخير المقال ما صدقته الفعال. سَلْ عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار. واحمل لصديقك عليك، واقبل عذر مَن اعتذر إليك. وأخر الشر ما استطعت، فإنك إن شئت تعجلته. لا يكن أخوك على قطيعتك أقوى منك على صلته، وعلى الإساءة أقوى منك على الإحسان. لا تُمَلِّكَنَّ المرأة من الأمر ما يجاوز نفسها؛ فإن المرأة ريحانة، وليست بِقَهْرَمَانة (¬1)؛ فإن ذلك أدوم لحالها، وأرخى لبالها. واغضض بصرها بسترك، واكففها بحجابك. وأكرم الذين بهم تَصُول، وإذا تطاولتَ بهم تَطُول. أسال الله (عز وجل) أن يُلْهمَك الشكر والرَّشَد، ويُقَوِّيك على العمل بكل خير، ويصرف عنك كل محذور برحمته. ¬

_ (¬1) القَهْرَمَان: هو: المسيطر الحفيظ على من تحت يديه.

وصية علي بن أبي طالب ابنه الحسن

والسلام عليك ورحمة الله وبركاته)). {"العِقد الفريد " لابن عبد ربه (رحمه الله)} وصية عليِّ بن أبي طالب ابنَه الحسن يُروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أنه قال لابنه الحسن (رضي الله عنه): ((يا بني! إن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل. ولا تكن عَبْدَ غيرِك وقد جعلك الله حرًّا؛ فإن اليسير من الله (سبحانه وتعالى) أكرم وأعظم من الكثير من غيره، وإن كان كلٌّ منه كثيرًا)) ["أدب الدنيا والدين" للإمام الماوردي]. من وصايا أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص لابنه وسعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين، وخال الرسول الأمين، وقد كان (صلى الله عليه وسلم) يفتخر بخُؤُولته، ويقول: ((هَذَا خَالِي، فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ)) أخرجه الترمذي (3752)، والحاكم (3/ 498).

من وصايا العباس بن عبد المطلب لابنه

قال سعد لابنه: ((يا بُنَيَّ! إياك والكبرَ. وليكن فيما تستعين به على تركه: علمك بالذي منه كنتَ، والذي إليه تصير. وكيف الكبر مع النطفة التي منها خُلِقْتَ، والرحم التي منها قُذِفتَ، والغذاء الذي به غُذِيت؟!)) {"العقد الفريد"}. وقال له عند الموت: ((يا بني! إنك لن تلقَ أحدًا هو أنصح لك مني: - إذا أردت أن تصلي فأحسن وضوءك، ثم صلِّ صلاة لا ترى أنك تصلي بعدها. - وإياك والطمع؛ فإنه فقر حاضر. - وعليك بالإياس؛ فإنه الغنى. - وإياك وما يُعتذر إليه من العمل والقول، واعمل ما بدا لك)). {"المعجم الكبير" للطبراني، وقال الهيثمي في "المجمع": رجاله رجال الصحيح}. من وصايا العباس بن عبد المطلب لابنه قال الصحابي الجليل العباس بن عبد المطلب (رضي الله عنه) عم رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم) لابنه عبد الله: ((يا بني! إني أرى أمير المؤمنين (يعني: عمرَ بن َ الخطاب (رضي الله عنه) يدنيك، ويقربك، ويختصك، ويخلو بك،

ويشاورك دون ناس من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فاحفظ عني ثلاثًا: - اتقِ الله ولا تفشين له سرًّا. - ولا يجربن عليك كذبًا. - ولا تغتابن عنده أحدًا)). قال عامر الشعبي (رحمه الله): فقلت لابن عباس (رضي الله عنهما): يا أبا عباس! كل واحدة خير من ألف، فقال: ((نعم، ومن عشرة آلاف)). {" فضائل الصحابة " للإمام أحمد،" والمعجم الكبير " للطبراني، و" تاريخ بغداد " للخطيب البغدادي}. وقال له: ((يا بني! لا تعلم العلم لثلاث خصال: - لا لترائي به. - ولا تماري به. - وتباهي به. ولا تدعْه لثلاث خصال: - رغبةً في الجهالة. - وزهادة في العلم. - واستحياء من التعلم)) {"الجامع"}. ولما حضرت عباسَ بنَ عبدِ المطلب الوفاةُ بعث إلى ابنه عبد الله، فقال له:

وصية الحسن بن علي (رضي الله عنهما) لابنه

((يا بني! إني موصيك بحب الله (عز وجل)، وحب طاعته، وخوف الله، وخوف معصيته. فإنك إذا أحببت الله وطاعته؛ نفعك كل أحد. وإذا خفت الله ومعصيته لم تضر أحدًا. وإذا كنت كذلك لم تكره الموت متى أتاك. وإني أستودعك الله يا بني)) ثم استقبل القبلة، فقال: " لا إله إلا الله"، ثم شخص بصره فمات. {"فضائل الصحابة" للإمام أحمد، و"شعب الإيمان" للإمام البيهقي}. وصية الحسن بن علي (رضي الله عنهما) لابنه قال الحسن بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهما) لابنه: ((يا بني! إذا جالست العلماء فكن على أن تسمع أحرصَ منك على أن تقول. وتعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الصمت. ولا تقطع على أحد حديثًا وإن طال حتى يمسك)). {" الأمالي" لأبي علي القالي، و" جامع بيان العلم " لابن عبد البر، وهو عنده معلق، وفيه:" قال الحسين بدل:"الحسن"}.

وصية الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود لابنه

وصية الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود لابنه عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه قال: لما حَضَرَتْ عبدَ اللهِ الوفاةُ، قلت له: يا أبت! أوصني. فقال (رضي الله عنه): (ابك من خطيئتك) {رواه الإمام البخاري في "التاريخ الصغير" بسند لا بأس به كما قال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (ج3/ص386) ط/ دار إحياء التراث العربي}. وأقول: في هذه الوصية فائدة لطلاب علم الحديث الشريف؛ إذ فيها إثبات سماع عبد الرحمن من أبيه عبد الله، وقد نفاه بعضهم. فكن منها على ذُِكر. من وصايا أنس بن مالك خادم رسول الله لبنيه عن ثمامة بن عبد الله بن أنس قال: كان أنس (رضي الله عنه) يقول لبنيه: ((يا بَنِيَّ! قيدوا العلم بالكتابة)) {"مقدمة سنن الإمام الدارمي"، و"المعجم الكبير" للطبراني، و"المستدرك على الصحيحين" للحاكم، و"جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر. وقد رُوِيَ هذا الكلام مرفوعًا إلى النبي من طرق}. وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن إبراهيم الأنصاري - من ولد أنس بن مالك، عن أبيه، عن جده أنس (رضي الله عنه) قال: ((يا بَنِيَّ! إياكم والسفلة)). قالوا: وما السفلة؟ قال: ((الذي لا يخاف الله عز وجل)). {"شعب الإيمان"}.

وصية الصحابي الجليل معاذ بن جبل ابنه

وصية الصحابي الجليل معاذ بن جبل ابنه عن معاوية بن قرة (رحمه الله) قال: قال معاذ بن جبل (رضي الله عنه) لابنه: ((يا بني! إذا صليت فصلِّ صلاة مودع لا تظن أنك تعود إليها أبدًا. واعلم يا بني! أن المؤمن يموت بين حسنتين: حسنة قدمها، وحسنة أخرها)) {"حلية الأولياء" لأبي نعيم}. من وصايا الصحابي الجليل عبادة بن الصامت لبنيه عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن أبيه قال: دخلت على أبي وهو مريض أتخايل فيه الموت، فقلت: يا أبتاه! أوصني، واجتهد لي. فقال: ((أجلسوني))، ثم قال: ((يا بني! إنك لن تطعم طعم الإيمان، ولن تبلغ حقيقة العلم بالله (تبارك وتعالى) حتى تؤمن بالقدر خيره وشره)). قال: قلت: يا أبتاه! فكيف لي أن أعلم ما خير القدر، وما شره؟ قال: ((تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك. يا بني! إني سمعت رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يقول:

((إن أول ما خلق الله (تبارك وتعالى) القلم، ثم قال: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة. يا بني! إن مت ولست على ذلك دخلت النار)) ["المسند" للإمام أحمد (5/ 317)، وانظر "سنن أبي داود" (كتاب السنة- باب في القدر- حديث رَقْم (4700)، و"جامع الترمذي" (كتاب تفسير القرآن-باب: ومن سورة ن - حديث رقم (3319)، و"الشريعة" للإمام الآجُرِّي (باب الإيمان بما جرى به القلم مما يكون أبدًا- حديث رقم (384)، و"السنة" لابن أبي عاصم (باب ذكر القلم أنه أول ما خلق الله تعالى وما جرى به القلم - أحاديث (102، 103، 104، 105، 107، 111)، و"الحلية" لأبي نعيم - ترجمة إبراهيم بن أبي عبلة]. ولما حضرت عبادة الوفاةُ، قال: ((أخرجوا فراشي إلى الصحن))، يعني: الدار، ثم قال: ((اجمعوا لي مواليَّ، وخدمي، وجيراني، ومن كان يدخل عليَّ))، فجمعوا له، فقال: ((إن يومي هذا لا أراه إلا آخر يوم يأتي عليَّ من الدنيا، وأول ليلة من الآخرة، وإنه لا أدري لعله قد فرط مني إليكم بيدي أو بلساني شيء، وهو - والذي نفس عبادة بيده - القصاص يوم القيامة، وأحرج على أحد منكم في نفسه شيء من ذلك إلا اقتص مني قبل أن تخرج نفسي)).

وصية عمير بن حبيب (رضي الله عنه) لبنيه

فقالوا: بل كنت والدًا، وكنت مؤدبًا. فقال: ((أغفرتم لي ما كان من ذلك؟)) قالوا: نعم. فقال: ((اللهم اشهد)). ثم قال: ((أما الآن فاحفظوا وصيتي: أُحَرِّج على كل إنسان منكم أن يبكي، فإذا خرجت نفسي فتوضئوا فأحسنوا الوضوء، ثم ليدخل كل إنسان منكم مسجده فيصلي ركعتين، ثم يستغفر لعبادة ولنفسه، فإن الله (تعالى) قال: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة:45]. ثم أسرعوا بي إلى حفرتي، ولا تتبعوني بنار)) {"الزهد" للإمام هناد بن السري}. وصية عمير بن حبيب (رضي الله عنه) لبنيه عن أبي جعفر الخَطْمي (رحمه الله) أن جده عمير بن حبيب - وكان بايع رسول الله - أوصى بنيه، فقال لهم: ((أي بَنِيَّ! إياكم ومخالطةَ السفهاء؛ فإن مجالستهم داء، وإنه من يَحْلُمْ عن السفيه يُسَرَّ بحِلمه، ومن يُجِبْه يندم، ومَن لا يَقَرَّ بقليل ما يأتى به السفيه؛ يَقَرَّ بالكثير. ومن يَصبر على ما يكره، يُدرك ما يحب.

وصية عقبة بن عامر (رضي الله عنه) لبنيه

وإذا أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر، فَلْيُوَطِّنْ نفسَه قبل ذلك على الأذى، وَلْيُوقِن بالثواب من الله (عز وجل)؛ فإنه مَن يُوقِنْ بالثواب من الله (عز وجل) لا يَجِدْ مَسَّ الأذى)). {" الزهد" للإمامِ أحمدَ، و"شعب الإيمان " للبيهقي، و"الأمالي" للقالي}. وصية عقبة بن عامر (رضي الله عنه) لبنيه لما حضرت عقبةَ الوفاةُ، قال لولده: ((يا بَنِيَّ! إني أنهاكم عن ثلاث، فاحتفظوا بها: - لا تقبلوا الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا من ثقة. - ولا تدينوا ولو لبستم العباء. - ولا تكتبوا شعرًا فتشغلوا به قلوبكم عن القرآن)). {" المعجم الكبير" للإمام الطبرانى رحمه الله} وصية عدي بن الخيار (رضي الله عنه) ابنه لما احتضر عدي بن الخيار (رضي الله عنه) - وهو من مسلمة الفتح، وكان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعظمونه - قال لابنه عبيد الله:

وصية كعب الأحبار لابنه

((يا بني! أذكرك الله أن لا تعمل بعدي عملاً يمعر وجهي، فإن عمل الأبناء يعرض على الآباء)) {أورده الحافظ ابن حجر العسقلاني في "الإصابة في تمييز الصحابة"، وعزاه لابن شاهين في كتاب "الجنائز"}. وصية كعب الأحبار لابنه قال كعب الأحبار (رحمه الله) لابنه: ((يا بني! إن سرك أن يغبطك الصافون المسبحون، فحافظ على صلاة الضحى؛ فإنها صلاة الأوابين، وهم المسبحون)). ["حلية الأولياء" لأبي نعيم. وقد جاء هذا الكلام مرفوعًا إلى النبي (صلى الله عليه وسلم): أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (1224)، والحاكم في "مستدركه" (1/ 314) وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي في "تلخيص المستدرك"، ورمز له السيوطي بالصحة في "الجامع الصغير" (9955)، وانظر "صحيح مسلم" (748)]. والأواب: هو المطيع. وقيل: هو: الرجاع إلى الله بالتوبة، يقال: آب إلى الله، إذا رجع عن ذنبه، فهو أواب مبالغة. ووقت صلاة الضحى يبدأ بارتفاع الشمس قدر رمح إلى قبيل الزوال، لكن أفضل وقت تؤدى فيه عند اشتداد الحر. ذلك، وقد ورد في فضلها والحث على المواظبة عليها أحاديثُ كثيرةٌ، وهاك بعضها: - -

- قال النبي (صلى الله عليه وسلم): ((يصبح على كل سُلامى [أي: مفصل] من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزيء من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى)) رواه مسلم (720/ 84)، وأحمد (5/ 167)، وأبو داود (1286) من حديث أبي ذر (رضي الله عنه). - وفي الحديث القدسي: ((يا ابن آدم اكفني [أي: صلِّ لي] أول النهار بأربع ركعات، أَكْفِكَ بهن آخرَ يومك)) رواه الإمام أحمد (4/ 153، 201) من حديث عقبة بن عامر (رضي الله عنه) وإسناده صحيح، ورواه أحمد (5/ 286،287)، وأبو داود (1289)، والدارمي (1451) وابن حبان (2533 - إحسان) من حديث نُعيم بن هَمَّار (رضي الله عنه)، وصحح إسناده الإمام النووي في "المجموع"، ووافقه الألباني وزاد "على شرط مسلم". وراجع "الترغيب والترهيب" [كتاب النوافل-الترغيب في صلاة الضحى]، و"المجمع" (2/ 235 - 236)، و"فيض القدير" (4/ 603). - -

- وبعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعثًا فأعظموا الغنيمة وأسرعوا الكرة، فقال رجل: يا رسول الله! ما رأينا بعثًا قط أسرع كرة ولا أعظم غنيمة من هذا البعث، فقال (صلى الله عليه وسلم): ((ألا أخبركم بأسرع كرة منهم وأعظم غنيمة؟ رجل توضأ فأحسن الوضوء، ثم عمد إلى المسجد فصلى فيه الغداة، ثم عقب بصلاة الضحوة؛ فقد أسرع الكرة وأعظم الغنيمة)) رواه أبو يعلى (11/ 6559) وقال المنذري في "الترغيب": "رجال إسناده رجال الصحيح"، وتبعه الهيثمي في "المجمع" (2/ 235)، وصححه ابن حبان (2535)، وراجع "الصحيحة" (2531). - وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ((من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه؛ فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين)) رواه الإمام أحمد (5/ 268)، وأبو داود (558) من حديث أبي أمامة (رضي الله عنه)، وسكت عنه أبو داود (رحمه الله)، ووافقه الحافظ المنذري في "ترغيبه" وقد قال في مقدمة الكتاب: ((كل حديث -

وصية زين العابدين علي بن الحسين لابنه

- عزوته إلى أبي داود وسكتُّ عنه فهو كما ذكر أبو داود، ولا ينزل عن درجة الحسن، وقد يكون على شرط الشيخين أو أحدهما)) اهـ، وحسنه الشيخ ناصر الدين الألباني (رحمه الله). وصية زين العابدين علي بن الحسين لابنه عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (رحمه الله) قال: أوصاني أبي، فقال: ((لا تصحبن خمسة، ولا تحادثهم، ولا ترافقهم في طريق)). قلت: جُعِلتُ فداك يا أبت! مَن هؤلاء الخمسة؟ قال: ((لا تصحبن فاسقًا؛ فإنه بائعك بأكلة فما دونها)). قلت: يا أبت! وما دونها؟! قال: ((يطمع فيها ثم لا ينالها)). قلت: يا أبت! ومَن الثاني؟ قال: ((لا تصحبن البخيل؛ فإنه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه)). قلت: يا أبت! ومن الثالث؟ قال: ((لا تصحبن كذابًا؛ فإنه بمنزلة السراب، يبعد منك القريب، ويقرب منك البعيد)). قلت: يا أبت! ومَن الرابع؟

من وصايا محمد بن علي الباقر لابنه جعفر

قال: ((لا تصحبن أحمقَ؛ فإنه يريد أن ينفعك فيضرك)). قلت: يا أبت! ومَن الخامس؟ قال: ((لا تصحبن قاطع رحم؛ فإني وجدته ملعونًا في كتاب الله في ثلاثة مواضعَ)). {"حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" لأبي نعيم}. من وصايا محمد بن علي الباقر لابنه جعفر عن سفيانَ الثوريِّ، عن جعفر بن محمد قال: قال لي أبي: ((يا بُنيَّ! إن سب أبي بكرٍ وعمرَ من الكبائر، فلا تُصَلِّ خلف من يقع فيهما)). ... {" تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي- ترجمة عبد الله بن الحسن بن نصر أبي عبد الرحمن الواسطي (5053)، وانظر تعليقنا على هذه الوصية في الأصل}. وقال محمد الباقر لابنه جعفر (رحمهم الله) أيضًا: ((يابني! إن الله خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة: - خبأ رضاه في طاعته، فلا تَحْقِرَنَّ شيئًا من الطاعة؛ فلعل رضاه فيه. - وخبأ سخطه في معصيته؛ فلا تحقرن شيئًا من المعاصي؛ فلعل سخطه فيه.

وصية جعفر الصادق (رحمه الله) لابنه موسى

- وخبأ أولياءه في خلقه، فلا تحقرن أحدًا من خلقه؛ فلعله فى ذلك)). {"مجمع الأمثال " لأبي الفضل الميداني} (¬1) وصية جعفر الصادق (رحمه الله) لابنه موسى عن بعض أصحاب جعفر بن محمد الصادق (رحمه الله) قال: دخلت على جعفر وموسى بين يديه، وهو يوصيه بهذه الوصية، فكان مما حفظت منها أن قال: ((يا بُنيَّ! اقبل وصيتي، واحفظ مقالتي، فإنك إن حفظتها تعش سعيدًا، وتمت حميدًا. يا بني! من رضي بما قُسم له استغنى، ومن مد عينه إلى ما في يد غيره مات فقيرًا. ومَن لم يرضَ بما قسمه الله له اتهم الله في قضائه. ومن استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره، ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه. يا بني! مَن كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته، ومَن سَلَّ سيف البغي قُتل به، ومن احتفر لأخيه بئرًا سقط فيها. ومن داخل السفهاء حقر، ومن خالط العلماء وقر، ومن دخل مداخل السوء اتهم. ¬

_ (¬1) رُوي هذا الكلام أيضًا عن ذي النون المصري (رحمه الله)، أخرجه البيهقي في " الزهد الكبير ".

وصية عبد الله بن الحسن (رحمه الله) ابنه محمدا

يا بني! إياك أن تُزري بالرجال فيزرَى بك، وإياك والدخول فيما لا يعنيك فتذل لذلك. يا بني! قل الحق لك أو عليك؛ تستشان من بين أقرانك. يا بني! كن لكتاب الله تاليًا، وللسلام فاشيًا، وبالمعروف آمرًا، وعن المنكر ناهيًا، ولمن قطعك واصلاً، ولمن سكت عنك مبتدئًا، ولمن سألك معطيًا. وإياك والنميمةَ؛ فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال. وإياك والتعرض لعيوب الناس؛ فمنزلة المتعرض لعيوب الناس بمنزلة الهدف. يا بني! إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه، فإن للجود معادنَ، وللمعادن أصولاً، وللأصول فروعًا، وللفروع ثمرًا، ولا يطيب ثمر إلا بأصول، ولا أصل ثابت إلا معدن طيب. يا بني! إن زرت فزر الأخيار، ولا تزر الفجار؛ فإنهم صخرة لا يتفجر ماؤها، وشجرة لا يخضر ورقها، وأرض لا يظهر عشبها)). {"حلية الأولياء " لأبي نعيم}. وصية عبد الله بن الحسن (رحمه الله) ابنه محمدًا قال عبد الله بن الحسن (رحمه الله) لابنه محمد: ((يا بنى! احذر الجاهل وإن كان لك ناصحًا كما تحذر العاقل إذا كان لك عدوًا.

من وصايا عبد الملك بن مروان لبنيه

ويوشك الجاهل أن تورطك مشورته في بعض اغترارك، فَيَسْبِق إليك مكر العاقل. وإياك ومعاداة الرجال؛ فإنها لا تعدمك مكر حليَم، أو مباذاة (وفي رواية: معاندة) جاهل)). {"العقد الفريد" لابن عبد ربه، و" روضة العقلاء" لابن حبان الجملة الأخيرة}. من وصايا عبد الملك بن مروان لبنيه قال عبد الملك بن مروان لبنيه: ((كفوا الأذى، وابذلوا المعروف، واعفوا إذا قدرتم، ولا تبخلوا إذا سُئلتم، ولا تُلحفوا (¬1) إذا سَألتم؛ فإنه مَن ضَيَّق ضُيِّق عليه، ومَن أعطى أخلف الله عليه)) {"العِقد الفريد "}. وقال أيضًا لبنيه: ((يا بَنِيَّ! تعلموا العلم؛ فإن كنتم سَادةً فُقْتُم، وإن كنتم وسطًا سُدْتُم، وإن كنتم سُوقة عِشْتُم)). {" أدب الدنيا والدين" للإمام الماوردي}. وقال أيضًا: ((يا بَنِيَّ! تعلموا العلم، فإن استغنيتم كان لكم كمالاً، وإن افتقرتم كان لكم مالاً)) {"جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر (رحمه الله)}. ¬

_ (¬1) ألحف السائل، أي أَلَحَّ، يقال: ليس للمُلْحف مِثْلُ الرَّدِّ.

وصية عروة بن الزبير (رحمه الله) لبنيه

وصية عروة بن الزبير (رحمه الله) لبنيه كان عروة بن الزبير (رحمه الله) يجمع بنيه، فيقول: ((يا بَنِيَّ! إن أزهد الناس في عالم أهله، فهلموا فاطلبوا العلم؛ فإن تكونوا صغار قوم لا يُحتاج إليكم، فعسى أن تكونوا كبار قوم آخرين لا يُستغنى عنكم. واسَوْءَتا! ماذا أقبح من شيخ جاهل؟! (¬1). يا بَنِيَّ! لا يُهْدِيَنَّ أحدكم إلى ربه ما يستحي أن يُهديه إلى حريمه؛ فإن الله أكرم الكرماء، وأحق من اختير له. يا بني! إذا رأيتم خَلَّةً رائعة من شر من رجل فاحذروه، وإن كان عند الناس رَجُلَ صدق؛ فإن لها عنده أخوات. وإذا رأيتم خلة رائعة من خير من رجل فلا تقطعوا إنَاتَكم منه، وإن كان عند الناس رَجُلَ سوءٍ؛ فإن لها عنده أخوات .. يا بني! الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم)). {" الأمالي" لأبي علي القالي، و"مقدمة سنن الدارمي"، و"جامع بيان العلم " لابن عبد البر، و" شعب الإيمان " للبيهقي}. ¬

_ (¬1) قالوا:" الجاهل صغير وإن كان شيخًا، والعالم كبير وإن كان حدثًا"، ولله در من قال: تعلم فليس المرء يولد عالمًا ... وليس أخو علم كمن هو جاهل وإن كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفت عليه المحافل

وصية طاوس بن كيسان (رحمه الله) لابنه

وصية طاوس بن كيسان (رحمه الله) لابنه عن عبد الله بن طاوس قال: قال لي أبي: ((يا بني! صاحب العقلاء تنسب إليهم وإن لم تكن منهم. ولا تصاحب الجهال فتنسب إليهم وإن لم تكن منهم (¬1). واعلم أن لكل شيء غاية، وغاية المرء حسن الخلق)). {" حلية الأولياء" لأبي نعيم}. وصية عمرَ بنِ عبد العزيز (رحمه الله) لابنه عن عمر بن حفص قال: حدثني عبد العزيز بن عمر قال: قال لي أبي: ((يا بني! إذا سمعت كلمة من امرىء مسلم فلا تحملها على شيء من الشر ما وجدت لها محملاً من الخير)). {" الحلية "}. من وصايا وَهْبِ بن مُنَبِّهٍ لابنه قال وهب بن منبه (رحمه الله) لابنه: ((يا بُنَيَّ! عليك بالحكمة فإنَّ الخيرَ في الحكمةِ كُلَّهُ وَتُشَرِّفُ الصَّغِيرَ عَلَى الْكَبِيرِ وَالْعَبْدَ عَلَى الْحُرِّ وَتَزِيدُ السَّيِّدَ سُؤْدُدًا وَتُجْلِسُ الْفَقِيرَ مَجَالِسَ الْمُلُوكِ)) {"السنن" للإمام الدارمي رحمه الله}. وقال له: ¬

_ (¬1) راجع كتابي "بلوغ الغاية من تهذيب بداية الهداية " القسم الثالث- القول في آداب الصحبة.

من وصايا أكثم بن صيفي لبنيه

((يا بُنَيَّ! لا تُجَادِلَنَّ العلماءَ فَتَهُوْنَ عليهم فَيَرْفِضُوكَ، ولا تُمَارِيَنَّ السُّفَهَاءَ فَيَجْهَلُوا عَلَيْكَ وَيَشْتُمُوكَ؛ فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِالْعُلَمَاءِ مِنْ صَبَرَ وَرَأَى رَأيَهُمْ، وَيَنْجُو مِنَ السُّفَهَاءِ مَنْ صَمَتَ وَسَكَتَ عَنْهُمْ. وَلاَ تَحْسَبَنَّ أَنَّكَ إِذَا مَارَيْتَ الْفَقِيهَ إِلاَّ زِدْتَهُ غَيْظًا دَائِبًا عَلَيْك. وَلاَ تَحْمَيَنَّ مِنْ قَلِيلٍ تَسْمَعُهُ؛ فَيُوقِعَكَ فِي كَثِيرٍ تَكْرَهُهُ. وَلاَ تَفْضَحْ نَفْسَكَ لِتُشْفِيَ غَيْظَكَ. فَإِنْ جَهِلَ عَلَيْكَ جَاهِلٌ فَلْيَنْفَعَنَّ إِيَّاكَ حِلْمُكَ. وَإِنَّكَ إِذَا لَمْ تُحْسِنْ حَتَّى يُحْسَنَ إِلَيْكَ، فَمَا أَجْرُكَ؟ وَمَا فَضْلُكَ عَلَى غَيْرِكَ؟ فَإِذَا أردتَ الأجْرَ والفضيلةَ فَأَحْسِنْ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ، وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَانْفَعْ مَنْ لَمْ يَنْفَعْكَ، فَانْتَظِرْ ثَوَابَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ؛ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ الْكَامِلَةَ الَّتِي لاَ يُرِيدُ صَاحِبُهَا عَلَيْهَا ثَوَابًا فِي الدُّنْيَا)) {"الروضة"}. من وصايا أكثم بن صيفي لبنيه قال أكثم بن صيفي لبنيه: ((يا بني! ذللوا أخلاقكم للمطالب، وقوموها على المحامد، وعلموها المكارم. ولا تقيموا على خلق تذمونه مِن غيركم، وصلوا من رغب إليكم، وتخلقوا بالجود يلبسكم المحبة، ولا تعتقدوا البخل فتتعجلوا الفقر)). وقال لهم أيضًا: ((يا بَني! لا يحملنكم جمال النساء عن صَرَاحَة النسب؛ فإن المناكح الكريمة مَدْرَجَةٌ للشرف)).

وصية خالد بن صفوان لابنه

{" أدب الدنيا والدين" للإمام الماوردي رحمه الله} وصية خالد بن صفوان لابنه قال خالد بن صفوان لابنه: )) كن أحسن ما تكون في الظاهر حالاً، أقل ما تكون في الباطن مآلاً. ودع من أعمال السر ما لا يصلح لك في العلانية. يا بنى! أوصيك باثنتين لن تزال بخير ما تمسكت بهما: درهمك لمعاشك، ودينك لمعادك)). {" العِقد الفريد " لابن عبد ربه}. وصية عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي لابنه سفيان قال الإمام سفيان بن عيينة (رحمه الله): لما بلغت خمس عشرة سنة، قال لي أبي: ((يا بني! قد انقطعت عنك شرائع الصبا، فاختلط بالخير تكن من أهله، ولا تزايله فتبين منه. ولا يغرنك مَن مدحك بما تعلم أنت خلافه من نفسك؛ فإنه ما مِن أحد يقول في أحد من الخير ما لم يعلم منه إذا رضي، إلا قال فيه مِن الشر على قدر ما مدحه إذا سخط. واستأنس بالوحدة مِن جلساء السوء، تسلم من غِبِّ عواقبهم. ولا تنقل أحسن ظني بك إلى أسوإِ ظني بمن هو دونك. واعلم أنه لن يسعد بالعلماء إلا مَن أطاعهم، فأطعهم تسعد، واخدمهم تقتبس من علمهم)).

وصية علقمة العطاردي لابنه

قال الإمام الهمام، الثقة الثبت شيخ الإسلام، الحِبْل اللوذعي، الحصيف الألمعي ... سفيان بن عيينة (قدس الله سره): ((فجعلتُ وصية أبي هذه قِبلةً أميل إليها، ولا أميل عنها، ولا أعدل عنها)). {" الزهد الكبير " للبيهقي، و" كتاب العيال" لابن أبي الدنيا}. وصية علقمة العُطَارِدي لابنه عن سفيان بن عيينة (رحمه الله) قال: قال علقمة بن لَبِيد العُطَارِدي لابنه: ((يا بني! إذا نزغتك إلى صحبة الرجال حاجة، فاصحب مَنْ إن صحبته زانك، وإن خدمته صانك، وإن أصابتك خصاصة مانك (¬1)، وإن قُلْتَ صَدَّقَ قولَك، وإن صُلت شد صولك، وإن مددت يدك بفضل مدها، وإن رأى منك حسنة عَدَّها، وإن رأى منك سيئة سدها، وإن سألته أعطاك، وإن سكتَّ عنه ابتداك، وإن نزلت بك إحداى الملمات آساك، مَنْ لايأتيك منه البوائق (¬2)، ولا تختلف عليك منه الطرائق، ولا يخذلك عند الحقائق، وإن حاول حويلاً آمرك (¬3)، وإن تنازعتما مُنْفِسًا (¬4) آثرك)). {"عيون الأخبار" لابن قتيبة (رحمه الله)}. ¬

_ (¬1) الخصاصة: الفقر والحاجة وسوء الحال، ومانك: أي: حمل مؤنتك وقام بكفايتك. (¬2) البوائق: الدواهي والغوائل والشرور، المفرد: البائقة. (¬3) يقال: حاول الشيء، إذا أراده ورامه، والاسم: الحويل. وآمرك: أي: شاورك. (¬4) النفيس والمُنْفِس: كل شيء له خطر وقدر.

وصية أبي الأسود الدؤلي لابنه

وصية أبي الأسود الدُّؤَلي لابنه قال أبو الأسود الدؤلي (رحمه الله) لابنه: ((يا بني! إن كنتَ في قوم فلا تتكلم بكلام مَنْ هو فوقك فَيَمْقُتُوك، ولا بكلام مَن هو دونك فَيَزْدَرُوك)) {"أدب الدنيا والدين" للإمام الماوردي}. وصية عبد الله بن الأهتم لابنه وصى عبد الله بن الأهتم ابنه فقال: ((يا بني! لا تطلب الحوائج من غير أهلها، ولا تطلبها فى غير حينها، ولا تطلب ما لست له مُسْتَحِقًّا؛ فإنك إن فعلت ذلك كنت بالحرمان حَقِيقًا)). {" أدب الدنيا والدين " للإمام الماوردي (رحمه الله)}. وصية سعيد بن العاصي لابنه قال سعيد بن العاصي لابنه: ((اقتصد فى مزاحك؛ فإن الإفراط فيه يذهب البهاء، ويُجَرِّئ عليك السفهاء، وإن التقصير فيه يَفُضُّ عنك المؤانسين، ويُوحش منك المصاحبين)). {"أدب الدنيا والدين"}.

وصية ضيغم لبنيه

وعن أبي بكر المدني قال: قال سعيد بن العاصي: ((يا بني! إن المكارم لو كانت سهلة يسيرة لسابقكم إليها اللئام، ولكنها كريهة مرة لا يصبر عليها إلا مَن عرف فضلها، ورجا ثوابها)). {" شعب الإيمان " للإمام البيهقي}. وصية ضيغم لبنيه قال مالك بن ضيغم: لما احتُضِر أبي قلنا له: ألا تُوصي؟ قال: ((بلى: أوصيكم بما أوصى به إبراهيمُ بنيه ويعقوبُ: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:132]. وأوصيكم بصلة الرحم، وحسن الجوار، وفعل ما استطعتم من المعروف، وادفنوني مع المساكين)). {"عيون الأخبار" للإمام ابن قتيبة رحمه الله "}. وصية أسماء بن خارجة لابنته عند التزوج لما أراد أسماء بن خارجة الفزاري أن يُهدي ابنته إلى زوجها، قال لها: ((يا بنية! كان النساء أحق بأدبكِ مني، ولا بد لي من تأديبك. يا بنية! كوني لزوجك أمة يكن لك عبدًا، ولا تدني منه فيملك، ولا تباعدي عنه فتثقلي عليه. وكوني كما قلتُ لأمك:

من وصايا يحيى بن خالد لابنه جعفر

خذي العفو منى تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضبُ فإني رأيت الحب في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهبُ {"العيال" لابن أبي الدنيا، و " شعب الإيمان للبيهقي، وانظر " الإحياء " للغزالي (2/ 66) ط/ دار الكتب العلمية، (3/ 78) ط مكتبة مصر}. من وصايا يحيى بن خالد لابنه جعفر أوصى يحيى بن خالد ابنه جعفرًا، فقال: ((يا بني! خذ من كل علم بحظ؛ فإنك إن لم تفعل جهلت، وإن جهلت شيئًا من العلم عاديته لما جهلت، وعزيز عليَّ أن تعادي شيئًا من العلم)). {"جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر. وأورده ابن الجوزي في كتاب "الأذكياء" بلفظ" الأدب" بدل "العلم"}. وقال له أيضًا: ((لا ترد على أحد جوابًا حتى تفهم كلامه؛ فإن ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره، ويؤكد الجهل عليك. ولكن افهم عنه، فإذا فهمت فأجبه. ولا تتعجل بالجواب قبل الاستفهام. ولا تستح أن تفهم إذا لم تفهم؛ فإن الجواب قبل الفهم حمق. وإذا جهلت قبل أن تسأل فاسأل؛ فيبدو لك، واستفهامك أحمد بك، وخير لك من السكوت على العِي)) {"الجامع"}.

وصية سعد الخير لابنه

وصية سعد الخير لابنه عن عبد الملك بن عمير (رحمه الله) أن سعد الخير كان يقول لابنه: ((أظهر اليأس فإنه غنى. وإياك وطلب ما عند الناس؛ فإنه فقر حاضر. وإياك وما يعتذر منه. وأسبغ الوضوء. وصلِّ صلاة مودع عسى أن لا تصلي غيرها. وإن استطعت أن تكون اليوم خيرًا منك أمس، وغدًا خيرًا منك اليوم؛ فافعل (¬1))). {أخرجه الإمام البيهقي في " الزهد الكبير"}. وصية المنصور لابنه المهدي قال المنصور أمير المؤمنين لابنه المهدي: ((اعلم أن رضاء الناس غاية لا تدرك، فتحبب إليهم بالإحسان جهدك، وتودد إليهم بالإفضال، واقصد بإفضالك موضع الحاجة منهم)). {أخرجه ابن حبان في" روضة العقلاء ونزهة الفضلاء"}. وصية أديب لابنه قال العجلي: قال بعض الأدباء لابنه: ¬

_ (¬1) ولله در من قال:" من استوى يوماه فهو مغبون"، ويُروى هذا الكلام مرفوعًا، ولا يثبت من قول الرسول (صلى الله عليه وسلم).

وصية حكيم لابنه (1)

((يا بني! إذا دخلت المصر فاستكثر من الصديق، فأما العدو فلا يَهُمنَّك، وإياك والخطب؛ فإنها مشوار كثير العِثار)) {"عيون الأخبار" للإمام ابن قتيبة}. وصية حكيم لابنه (1) قال بعض الحكماء لابنه: ((يا بني! عليك بالترحيب والبشر، وإياك والتقطيب والكبر؛ فإن الأحرار أحب إليهم أن يُلْقَوْا بما يحبون ويُحرموا، من أن يلقوا بما يكرهون ويعطوا)). {" العقد الفريد". وورد في "رسائل الجاحظ" بلفظ: ((وقد قال بعض الحكماء: غاية الأحرار أن يلقوا بما يحبون ويحرموا أحب إليهم من أن يلقوا ما يكرهون ويعطوا))}. وصية حكيم لابنه (2) قال حكيم لابنه: ((يا بني! كن جَوادًا بالمال في موضع الحق، ضَنِينًا بالأسرار عن جميع الخلق؛ فإن أَحْمَدَ جُودِ المَرْء: الإنفاقُ في وجه البِرِّ، والبخل بمكتوم السِّرِّ)) {" أدب الدنيا والدين" للماوردي}.

وصية حكيم لابنه (3)

وصية حكيم لابنه (3) أوصى بعض الحكماء ولده فقال له: ((يا بني! عليك بطلب العلم، وجمع المال. فإن الناس طائفتان: خاصة، وعامة. فالخاصة: تكرمك للعلم. والعامة: تكرمك للمال)). {"المستطرف في كل فن مستظرف" لشهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهي الشافعي}. وصية أعرابي ابنه (1) عن عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا قال: حدثني بعض أهل العلم قال: قال رجل من العرب لابنه: ((أي بني! إنه مَن خاف الموت بادر بالفوت، ومَن لم يلجم نفسه عن الشهوات أسرعت به التبعات، والجنة والنار أمامك)) {"الزهد الكبير" للإمام البيهقي}. وصية أعرابي ابنه (2) حكى الأصمعي (رحمه الله) أن أعرابيًّا قال لابنه: ((يا بني! العقل بلا أدب كالشجر العاقر. ومع الأدب دِعَامة أَيَّدَ اللهُ بها الألبابَ، وحلية زَيَّنَ الله بها عواطل الأحساب.

وصية أعرابي ابنه (3)

فالعاقل لا يستغني - وإن صَحَّتْ غريزتُهُ - عن الأدبِ الْمُخْرِجِ زهرته كما لا تستغني الأرض - وإن عَذُبَتْ تُرْبَتُهَا عن الماء المخرج ثمرتها)). {" أدب الدنيا والدين"}. وصية أعرابي ابنه (3) قال أعرابي لابنه: ((يا بني! إنه قد أسمعك الداعي، وأعذر إليك الطالب، وانتهى الأمر فيك إلى حده، ولا أعرف أعظم رزية ممن ضيع اليقين وأخطأه الأمل)) {"العقد الفريد"}. وصية أعرابي ابنه لما أرد الزواج قال الفراء: سمعت الكلابي يقول: قال بعضهم لولده: ((يا بني! لا تتخذها حَنَّانة، ولا أَنَّانة، ولا مَنَّانة، ولا عُشْبَة الدار، ولا كُبَّة القفا)) {"الأمالي" لأبي علي القالي]. - الحَنَّانة: التي لها ولد مِنْ سواه، فهي تَحِنُّ عليهم. - والأنَّانة: التي مات عنها زوجها، فهي إذا رأت الزوج الثاني أَنَّتْ، وقالت: ((رحم الله فلانًا))، لزوجها الأول. - والمنَّانة: التي لها مال، فهي تَمُنُّ على زوجها كلما أهوى إلى شيء من مالها. - -

- وقوله: ((عُشْبَة الدار)) يريد: الهَجينة. وعشبة الدار: التي تَنْبُت في دِمنة الدار (¬1) وحولها عشب في بياض الأرض، فهي أفخم منه وأضخم؛ لأنها غَذَتْهَا الدِّمْنَةُ، وذلك أطيب للأكل رَطْبًا وَيَبَسًا؛ لأنه نبت في أرض طيبة، وهذه نبتت في دمنة فهي منتنة رطْبة، وإذا يَبِسَتْ صارت حُتَاتًا وذهب قُفُّها في الدمنة فلم يمكن جَمْعُهُ، وذلك يُجْمَعُ قُفُّهُ؛ لأنه في أرض طيبة. قال أبو العباس أحمد بن يحيى: ((القف: ما يَبِس من البَقْل، وسقط على الأرض في موضع نباته)). - وقوله: ((كُبَّة القفا)) هي التي يأتي زوجُها أو ابنُها القومَ، فإذا انصرف من عندهم قال رجلٌ مِن جُبَنَاء القوم: قد واللهِ كان بيني وبين امرأةِ هذا الْمُوَلِّى أو أُمِّه أَمْرٌ!)). وقال الإمام الماوردي (رحمه الله): - الحنانة: التي تَحِنُّ لزوج كان لها. - والمنانة: التي تَمُنُّ على زوجها بمالها. - والأنانة: التي تَئِنُّ كسلاً وتمارضًا. ¬

_ (¬1) أصل الدِّمن: ما تُدَمِّنه الإبل والغنم من أبعارها وأبوالها، أي: تُلَبِّده في مرابضها، فربما نبت فيها النبات الحسن النضير. وفي الحديث الضعيف [وهو صحيح المعنى وإن كان غير صحيح المبنى]: ((إياكم وخضراءَ الدِّمَن)). قيل: وما خضراء الدِّمَن؟ قال: ((المرأة الحسناء في الْمَنْبَت السُّوء)). شَبَّه المرأة بما ينبت في الدِّمن من الكلإِ، يُرى له غضارة وهو وَبِيءُ الْمَرْعَى مُنْتِن الأصل. وقال أبو عبيد في "غريب الحديث": ((أراد فساد النسب إذا خيف أن تكون لغير رِشْدة. وإنما جعلها خضراء الدِّمَن؛ تشبيهًا بالبقلة الناضرة في دِمنة البعير. "اللسان".

وصية رجل لبنيه

وصية رجل لبنيه قال رجل لبنيه: ((يا بَنِيَّ! لو أن رجلاً منكم أراد حاجةً احتاج فيها إلى أن يتهيأ لها، لقدر على عارية ثوب جاره ودابته، ولكن لا يقدر على لسانٍ يستعيره؛ فأصلحوا ألسنتكم)) {"كتاب العيال" لابن أبي الدنيا، و"رسائل الجاحظ"}. من وصايا المهلب لبنيه قال المهلب لبنيه: ((يا بني! تباذلوا تحابوا؛ فإن بني الأم يختلفون، فكيف بنو العلات؟! وإن البِرَّ ينسأ في الأجل، ويزيد في العدد. وإن القطيعة تُورث القلة، وتُعْقِب النار بعد الذِّلَّة. واتقوا زلة اللسان؛ فإن الرجل تزل رجله فينتعش، ويزل لسانه فيهلِك. وعليكم في الحرب بالمكيدة؛ فإنها أبلغ من النجدة، فإن القتال إذا وقع وقع القضاء، فإن ظَفَرَ فقد سَعِد، وإن ظُفِرَ به لم يقولوا: فَرَّط)) {"البيان والتبيين" للجاحظ}. وقال لهم أيضًا:

وصية أبي حازم سلمة بن دينار لابنه

((إياكم أن تجلسوا في الأسواق إلا عند زرَّاد أو ورَّاق)) أراد: الزراد للحرب، والورق للعلم. {"العقد الفريد"، و"الحيوان" للجاحظ (ج1ص52) طبعة الأستاذ عبد السلام هارون رحمه الله}. وصية أبي حازم سلمة بن دينار لابنه قال سلمة بن دينار - والد الإمام الكبير حماد بن سلمة (رحمهما الله) -: ((يا بني! لا تقتدِ بمن لا يخاف الله بظهر الغيب، ولا يعفو عن العيب، ولا يصلح عند الشيب)) {"الحلية"}. وصية مسعر بن كدام لابنه في ترك المراء والمزاح عن جعفر بن عون وابن عيينة قالا: سمعنا مسعر بن كدام يقول لابنه كدام: إِنِّي نَحَلْتُكَ يَا كِدَامُ نَصِيْحَةً ... فَاسْمَعْ مَقَالَ أَبٍ عَلَيْكَ شَفِيْقِ أَمَّا الْمُزَاحُ مَعَ الْمُرَاءِ فَذَرْهُمَا ... خُلُقَانِ لاَ أَرْضَاهُمَا لِصَدِيْقِ إِنِّي بَلَوْتُهُمَا فَلَمْ أَحْمَدْهُمَا ... لِمُجَاوِرٍ جَارًا وَلاَ لِشَقِيْقِ وَالْجَهْلُ يُزْرِي بِالْفَتَى فِي قَوْمِهِ ... وَعُرُوْقُهُ فِي النَّاسِ أَيُّ عُرُوْقِ {"روضة العقلاء"، و" شعب الإيمان "، و" حلية الأولياء"، و"جامع بيان العلم وفضله"}.

وصية الحارث بن عباس السلمي لابنه

وصية الحارث بن عباس السُّلَمي لابنه، وهى وصية نفيسة غاية قال الحارث بن عباس بن مرداس السُّلمي يوصي ابنه: احفظ بُنَيَّ وصيةً أوصيكها ... إن كنت تؤمن بالكتاب المُنْزَلِ أكرم خليل أبيك حيث لقيته ... ولقد عَقَقْتَ أباك إن لم تفعلِ والجارَ أكرمْ جارَ بيتك ما دنا ... حتى يبين ثَواءكم في المنزلِ والضيفَ إنَّ له عليك وسيلةً ... لايَتْرُكَنَّكَ ضُحْكَةً للنُّزَّلِ ورفيقَ رَحْلِكِ لا تُجَهِّل إنما ... جهل الرفيق على الرفيق النَّيْطَلِ واشْغَبْ بخَصْمِكَ إنَّ خصمك مِشْغَبٌ ... وإذا علوت على الخصوم فَأَجْمِلِ واستوصِ خيرًا بالعشيرة كلها ... ما حَمَّلوك من المثاقل فاحْمِلِ يَصِلوا جناحك يا بني وإنما ... يعلو الشواهقَ ذو الجناح الأَجْدَلِ إن امرأ لا يستعد رجاله ... لرجال آخرَ غيرِه كالأعزلِ وإذا أتتك عصابة في شبهة ... يتحاكمون إليك يومًا فاعْدِلِ واصْدُقْ إذا حَدَّثْتَ يومًا معشرًا ... وإذا عَيِيتَ بِأَصْلِ عِلْمٍ فاسألِ وذرِ المَجَاهل إنها مشئومة ... وإن امرؤ أهدى النصيحة فاقْبَلِ {" ذيل الأمالي والنوادر" لأبي علي القالي}. وصية أبي الأخفش الكناني لابنه قال أبو الأخفش الكناني لابن له: أبُنَيَّ لا تَكُ مَا حَيِيْتَ مُمَارِيًا ... وَدَعِ السَّفَاهَةَ إِنَّهَا لاَ تَنْفَعُ لاَ تَحْمِلَنَّ ضَغِيْنَةً لِقَرَابَةٍ ... إِنَّ الضَّغِيْنَةَ لِلْقَرَابَةِ تَقْطَعُ لاَ تَحْسَبَنَّ الْحِلْمَ مِنْكَ مَذَلَّةً .. إِنَّ الْحَلِيْمَ هُوَ الأَعَزُّ الأَمْنَعُ {" روضة العقلاء" للإمام ابن حبان رحمه الله}

وصية عتبة بن أبي سفيان لابنه

وصية عتبة بن أبي سفيان لابنه عن العتبي قال: قال الوليد بن عتبة بن أبي سفيان: كنت أساير أبي ورجل يقع في رجل (¬1)، فالتفت إليَّ أبي، فقال: ((يا بني! نَزِّه سمعك عن استماع الخَنَا (¬2) كما تُنَزِّه لسانك عن الكلام به؛ فإن المستمع شريك القائل (¬3). ولقد نظر إلى أخبث ما في وعائه فأفرغه في وعائك، ولو رُدَّتْ كلمةُ جاهل في فيه؛ لسَعِدَ رادُّها كما شقي قائُلها)). ("عيون الأخبار " للإمام ابن قتيبة رحمه الله). وصية زيد بن أسلم لابنه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (رحمه الله) قال: كان أبي يقول: ¬

_ (¬1) قال في " المصباح المنير":" وقع فلان في فلان وُقُوعًا وَوَقِيعة: سَبَّهُ وَثَلَبَهُ"، وفي "اللسان":" الوقيعة في الناس: الغيبة، وَوَقَع فيهم وقوعًا ووقيعة: اغتابهم، وهو رجل وَقَّاع وَوَقَّاعة أي: يغتاب الناس. وقد أظهر الوقيعة في فلان، إذا عابه". (¬2) الخنا: الفحش وقبيح الكلام. (¬3) والدليل على أن المستمع شريك القائل إذا أقره ولم ينكر عليه، قول ربنا (تعالى ذكره): {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء:140]، أي: إنكم إن قعدتم معهم مثلهم في الإثم. فالحذرَ الحذرَ. فسمعك صن عن سماع القبيح كصون اللسان عن النطق به فإنك عند سماع القبيح ... شريك لقائله فانتبه

وصية الهيثم بن صالح ابنه

((أي بني! كيف تعجبك نفسك وأنت لا تشاء أن ترى مِن عباد الله مَن هو خير منك إلا رأيته؟! يا بني! لا تَرَ أنك خيرًا مِن أحد يقول: " لا إله إلا الله " حتى تدخلَ الجنة ويدخلَ النار، فإذا دخلت الجنة ودخل النار؛ تبين لك أنك خير منه)). (" حلية الأولياء" لأبي نعيم رحمه الله). وصية الهيثم بن صالح ابنه قال الهيثم بن صالح لابنه وكان خطيبًا: ((يا بني! إذا أقللت من الكلام أكثرت من الصواب، وإذا أكثرت من الكلام أقللت من الصواب)). قال: يا أبه! فإن أكثرت وأكثرت (يعني: كلامًا وصوابًا)؟ فقال: ((يا بني! ما رأيت موعوظًا أحق بأن يكون واعظًا منك)) {"البيان والتبيين" للجاحظ}. وصية عبيد الله بن أبي المهاجر لبنيه عن إبراهيم بن شيبان قال: سمعت إسماعيل بن عبيد الله يقول: لما حضرت أبي الوفاةُ جمع بنيه، وقال:

وصية الأشعث بن قيس لبنيه

((يا بَنِيَّ! عليكم بتقوى الله. وعليكم بالقرآن فتعاهدوه. وعليكم بالصدق، حتى لو قَتَلَ أحدُكم قتيلاً ثم سُئل عنه أَقَرَّ به، والله! ما كذبت كذْبةً منذ قرأت القرآن. يا بَنيَّ! وعليكم بسلامة الصدور لعامة المسلمين، فو الله! لقد رأيتنى وأنا لا أخرج مِن بابي وما ألقى مسلمًا ًإلا والذى في نفسه له كالذى في نفسي لنفسي، أفترون أني لا أحب لنفسي إلا خيرًا؟)) {" الحلية "} وصية الأشعث بن قيس لبنيه قال الأشعث بن قيس (رضي الله عنه) لبنيه: ((يا بَنِيَّ! لا تَذلوا فى أعراضكم، وانخدعوا فى أموالكم، ولتَخِفَّ بطونكمٍ من أموال الناس، وظهوركم من دمائهم؛ فإن لكل امرئ تَبِعَةً. وإياكم وما يُعتذر منه أو يُستحَى؛ فإنما يُعتذر مِن ذنب، ويستحى مِن عيب. وأصلحوا المال لجفوة السلطان، وتغير الزمان. وكفوا عند الحاجة عن المسألة؛ فإنه كفى بالرد منعًا. وأجملوا فى الطلب، حتى يوافق الرزق قدرًا. وامنعوا النساء مِن غير الأَكْفَاء، فإنكم أهل بيت يتأسى بكم الكريم، ويتشرف بكم اللئيم.

وصية محمد بن السعدي ابنه عروة

وكونوا فى عوام الناس مالم يضطرب الحَبْل، فإذا اضطرب الحبل (¬1) فالحقوا بعشائركم)). (" العقد الفريد" لابن عبد ربه رحمه الله) وصية محمد بن السعدي ابنه عروة قال محمد بن السعدي لابنه عروة لما ولي اليمن: ((إذا غضبت فانظر إلى السماء فوقك، وإلى الأرض تحتك؛ ثم عَظِّم خالقَهما)) {"الروضة"}. وصية سليمان بن طرخان التيمي ابنه المعتمر عن محمد بن عبد الأعلى قال: سمعت المعتمر بن سليمان (رحمه الله) يقول: كتب إليَّ أبي وأنا بالكوفة: ((يا بني! انظر في المصحف، واكتب العلم؛ فإن المال يفنى، والعلم يبقى)) {"شعب الإيمان" للإمام البيهقي}. وصية أبي قيس ابن معد يكرب قال أبو قَيْس ابن مَعْدِ يكرِب، وكان له أَحَدَ عَشَرَ ذَكَرًا: ((يَا بَنِيَّ! اطْلُبُوْا هَذَا الْمَالَ أَجْمَلَ الطَّلَبِ، وَاصْرِفُوْهُ فِي أَحْسَنِ مَذْهَبٍ، صِلُوْا بِهِ الأَرْحَامَ، وَاصْطَّنِعُوْا بِهِ الأَقْوَامَ، وَاجْعَلُوْهُ جُنَّةً لأَعْرَاضِكُمْ، تَحْسُنْ فِي النَّاسِ قَالَتُكُم؛ فَإِنَّ ¬

_ (¬1) الحَبْل: العهد والأمان.

وصية مسلم بن قتيبة لابنه

جَمْعَهُ كَمَالُ الأَدَبِ، وَبَذْلُهُ كَمَالُ الْمُرُوْءَةِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيُسَوِّدُ غَيْرَ السَّيِّدِ، وَيُقَوِّي غَيْرَ الأَيِّدِ [الأَيِّد: القوي]، وَحَتَّى إِنَّهُ لَيَكُوْنُ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ نَبِيْهَاً، وَفِي أَعْيُنِهِمْ مَهِيْبَاً. وَمَنْ جَمَعَ مَالاً فَلَمْ يَصُنْ عِرْضًا، وَلَمْ يُعْطِ سَائِلاً؛ بَحَثَ النَّاسُ عَنْ أَصْلِهِ، فَإِنْ كَانَ مَدْخُوْلاً هَتَكُوْهُ، وَإِنْ كَانَ صَحِيْحَاً نَسَبُوْهُ: إِمَّا إلى عرْضِ دَنِيَّةٍ، وإِمَّا إلى لَوْص لئيم حَتَّى يهجنوه [يقال: أَلاَصَه على كذا: إذا أداره على الشيء الذي يرومه منه])) {"روضة العقلاء"}. وصية مسلم بن قتيبة لابنه عن الأصمعي والعتبي قالا: قال مسلم بن بن قتيبة لابنه: ((لا تطلبن حاجتك إلى واحد من ثلاثة: - لا تطلبها إلى الكذاب؛ فإنه يقربها وهي بعيدة، ويبعدها وهي قريبة. - ولاتطلبها إلى الأحمق؛ فإنه يريد أن ينفعك وهو يضرك. - ولا تطلبها إلى رجل له عند قوم مَأْكلة؛ فإنه يجعل حاجته وِقَاءً لحاجتك)) (" الأمالي" لأبي على القالي رحمه الله).

وصية أم الإمام محمد بن المنكدر له في ترك المزاح

وصية أم الإمام محمد بن المنكدر له في ترك المزاح قال محمد بن المنكدر (رحمه الله): قالت لي أمي وأنا غلام: ((لا تمازح الغلمان؛ فتهون عليهم، أو يجترئوا عليك)). {"روضة العقلاء"}. وصية أم الإمام سفيان الثوري له قال وكيع بن الجراح: قالت أم سفيان الثوري لسفيان: ((يا بني! اطلب العلم وأنا أكفيك من مغزلي. يا بني! إذا كتبت عشرة أحاديث (وفي رواية: عشرة أحرف) فانظر هل ترى في نفسك زيادة في مشيك وحلمك ووقارك؟ فإن لم تَرَ ذلك فاعلم أنه لا يضرك ولا ينفعك)) {"تاريخ جرجان" للسهمي رقم (743)، و"صفة الصفوة"]. وصية أم الإمام مالك بن أنس له عن ابن أبي أويس قال: سمعت خالي مالك بن أنس يقول: كانت أمي تلبسني الثياب، وتعممني وأنا صبي، وتوجهني إلى ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وتقول: ((يا بني! ائت مجلس ربيعة؛ فتعلم مِن سمته وأدبه، قبل أن تتعلم مِن حديثه وفقهه)) {"التمهيد لما في الموطإِ من المعاني والأسانيد" لابن عبد البر (ج2/ص5) ط/ دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. ط2}.

وصية أعرابية ابنها

وصية أعرابية ابنها عن العتبي قال: سمعت أعرابية توصي ابنًا لها، فقالت: ((عليك بحفظ السر، وإياك والنميمة؛ فإنها لا تترك مودة إلا أفسدتها، ولا ضغينة إلا أوقدتها)). ["روضة العقلاء" لابن حبان"]. وصية عابدة لابنها قال نوح: رأيت امرأة تأتي أبا عبد الله البراثي فتجلس تسمع كلامه ولا تكاد تتكلم، ولا تسأل عن شيء، فقلت لها ذات يوم: لا أراك - يرحمك الله - تتكلمين، ولا تسألين عن شيء! فقالت: ... "قليل الكلام خير من كثيره إلا ما كان من ذكر الله (عز وجل)، والمنصت أفهم للموعظة، ولن ينصحك امرؤ لا ينصح نفسه، وجملة الأمر يا أخي: إن أردت الله بطاعة، أرادك الله برحمة، وإن سلكت سبيل المعرضين فلا تلم إلا نفسك إذا صرت غدًا في زمرة الخاسرين ". قال: ثم استبكت فقامت. وسمعتها تعظ ابنها يومًا وتقول: ((ويحك يا بني! احذر بطالات الليل والنهار، فتنقضي الأعمار، وأنت غير ناظر لنفسك، ولا مستعد لسفرك. ويحك يا بني! ما من الجنة عِوض، ولا في ركوب المعاصي ثمن من حلول النار. ويحك يا بني! مهد لنفسك قبل أن يحال بينك وبين ذلك، وجِد قبل أن يجد الأمر بك، واحذر سطوات الدهر، وكيد الملعون عند

وصية أم أعرابية لابنها وقد أراد سفرا

هجوم الدنيا بالفتن، وتقبلها بالعبر، فعند ذلك يهتم التقي كيف ينجو من مصائبها)). ثم قالت: ((بؤسًا لك يا بني! إن عصيت الله وقد عرفته وعرفت إحسانه، وأطعت إبليس وقد عرفته وعرفت طغيانه)). (" صفة الصفوة" لابن الجوزى). وصية أم أعرابية لابنها وقد أراد سفرًا عن الأصمعي قال: سمعت أعرابية توصي ابنها وقد أراد سفرًا، فقالت له: ((يا بني! احفظ وصيتي، ومحض نصيحتى، وأنا أسال الله توفيقه لك؛ فإن قليل توفيقه لك أجدى عليك من كثير نصحي. يا بني! أوصيك بتقوى الله. وإياك والنمائم؛ فإنها تزرع الضغائن، وتنبت الشحائن، وتفرق بين المحبين. يا بني! إياك والبخل بمالك، والجود بعرضك، والبذل لدينك. بل كن بمالك جوادًا، ولعرضك صائنًا، ولدينك موقيًا. يا بني! إذا هُززت فاهتز، وإذا هَززت فاهزز كريمًا؛ فإنك تجد طيب مهزته، ولا تهزز لئيمًا؛ فإنه صخرة لا ينفجر ماؤها.

وصية أمامة بنت الحارث زوج عوف بن محلم الشيباني لابنتها عند الزفاف

يا بني! مَثِّلْ لنفسك ماتستحسنه من غيرك مثالاً، ثم اتخذه إمامًا. وانظر إلى ما كرهته لغيرك فاجتنبه ودعه (¬1). واعلم يا بني! أن مَن جمع بين الحياء والسخاء؛ فقد استجاد الحلة إزارها ورداءها)). ثم أنشأت تقول: صاف الكرام وكن لعرضك صائنًا ... واعلم بأن أخا الحفاظ أخوك الناس ما استغنيت عنهم أنت أخوهم ... فإذا افتقرت إليهم رفضوك! (" الشعب "، و" صفة الصفوة "لابن الجوزى بتصرف). وصية أمامةَ بنتِ الحارث زوجِ عوفِ بن مُحَلِّم الشيبانيّ لابنتها عند الزفاف وهي وصية تطرب السامع، وتشنف المسامع، ينبغي لكل أم لَبَّةٍ (¬2) حصيفة أن تتلوها على مسامع ابنتها عند الزفاف. فقد ذكروا أن الحارث بن عمرو ملك كِنْدَةَ لما بلغه جمالُ ابنة عوف بن مُحَلِّم الشيباني، وكمالُها، وقوةُ عقلها، دعا امرأة مِن كندة يُقال ¬

_ (¬1) يُروى أن نبي الله عيسى (صلى الله عليه وسلم) قيل له: مَن أدبك؟ فقال: ((ما أدبني أحد، ولكن رأيت جهل الجاهل فاجتنبته)) قال الإمام أبو حامد الغزالي:" ولقد صدق (على نبينا وعليه الصلاة والسلام) .. فلو اجتنب الناس ما يكرهونه من غيرهم؛ لكملت آدابهم، واستغنوا عن المؤدِّبين " ا. هـ (¬2) أُمٌّ لَبَّةٌ: أي مُحِبَّةٌ عاطفةٌ.

لها: عصام، ذات عقل ولسان، وأدب وبيان، وقال لها: اذهبي حتى تعلمي لي علم ابنة عوف. فمضت حتى انتهت إلى أمها، وهي أمامة بنت الحارث، فأعلمتها بما قَدمَتْ له. فأرسلت أمامة إلى ابنتها، وقالت: أي بنية! هذه خالتك، أتتك لتنظر إليك، فلا تستري عنها شيئًا إن أرادت النظر من وجه أو خلق، وناطقيها إن استنطقتك. فدخلت إليها، فنظرت إلى ما لم تر قط مثله! فخرجت مِن عندها وهى تقول: ((ترك الخِداع مَنْ كَشَفَ القناع))، فأرسلتها مثلاً. ثم انطلقت إلى الحارث، فلما رآها مقبلة قال لها: ما وراءك يا عصام؟ قالت: ((صَرَّح المَحْضُ عن الزبد)) (¬1). رأيت جبهة كالمرآة المصقولة، يزينها شعر حالك كأذناب الخيل، إن أَرْسَلَتْه خِلْتَه (¬2) السلاسل؛ وإن مشطته قلتَ: عناقيد جَلاَها الوابل. وحاجبين (¬3) كأنما خُطَّا بقلم، أو سُوِّدا بِحُمَم (¬4). تقوسا علي مثل عين ظَبْيَةٍ عَبْهَرَة (¬5). ¬

_ (¬1) تعنى بالزبد: رغوة اللبن، وبالصريح: اللبن الذي تحته المحض، وهذا مثل يُضرب للصدق يحصل بعد الخبر المظنون." لسان العرب". (¬2) أي: ظننتَه وحسبتَه. (¬3) أي: ورأيت حاجبين. (¬4) الحُمَمُ: الفَحْمُ. (¬5) أي ممتلئة الجسم.

بينهما أنف كحَدِّ السيف الصَّنيع (ِ (¬1)، حَفَّتْ به وَجْنَتَان كالأرجُوان (¬2)، في بياض كالجُمَان (¬3). شُق فيه فم كالخاتم، لذيذة المبتسم، فيه ثنايا غر ذات أشَر (¬4). تَقَلَّب فيه لسان، ذو فصاحة وبيان، بعقل وافر، وجواب حاضر. تلتقي فيه شفتان حَمْروان، تجلبان ريقًا كالشهد إذا دلك. في رقبة بيضاء كالفضة، رُكبت في صدر كصدر تمثال دُمْية. وعَضُدان مُدْمَجَان، يتصل بهما ذراعان، ليس فيهما عظم يُمَسُّ، ولا عرق يُجَسُّ. رُكبت فيهما كفان دقيقان قصبهما لين عصبهما، تعقد إن شئتَ منهما الأنامل ... [ثم ذكرت أوصافًا لا يجمل ذكرها فى مثل كتابنا هذا]. فأرسل الملك إلى أبيها فخطبها، فزوجها إياه، وبعث بصداقها، فجهزت. فلما أراد أن يحملوها إلى زوجها، قالت لها أمها: ((أي بنية! إن الوصية لو تُرِكَتْ لفضلِ أدبٍ، تُرِكَتْ لذلك منك، ولكنها تذكرة للغافل، ومعونة للعاقل. ¬

_ (¬1) سيف صَنيع: أي: مَجْلُوٌّ. (¬2) الأرجوان: شجر له نور أحمر أحسن ما يكون، وكل لون يشبهه فهو أرجوان. (¬3) الجُمَان: جمع الجُمَانة، وهي: حبة تُعْمَل من الفضة كالدُّرَّة. (¬4) تأشير الأسنان: تحزيزها وتحديد أطرافها، يقال: أَشَرت المرأة أسنانها تَأْشِرُهَا أَشْرًا. والتأشير ضربان: خلقة، وتصنعًا، والأخير منهي عنه شرعًا، والله أعلم.

ولو أن امرأة استغنت عن الخروج لغنى أبويها، وشدة حاجتهما إليها؛ كنتِ أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خُلِقْنَ، ولهن خُلِقَ الرجال. أي بنية! إنك فارقت الجو الذي منه خَرَجْتِ، وخَلَّفْتِ العُشَّ الذي فيه دَرَجْتِ، إلى وَكْر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك رقيبًا ومليكًا. فكوني له أَمَةً يَكُنْ لكِ عبدًا وَشيكًا. يا بنية! احملي عنى خصالاً عَشْرًا، تكن لك ذخرًا وذِكْرًا. - الصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة. - والتعهد لموقع عينه، والتفقد لموضع أنفه؛ فلا تقع عينُه منكِ على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح. والكحل أحسن الحسن الموجود، والماء أطيب الطيب المفقود. - والتعهد لوقت طعامه، والهدوء عنه عند منامه؛ فإن حرارةَ الجوع ِ مَلْهَبة، وتنغيصَ النوم مبغضة. - والاحتفاظ ببيته وماله، والإرعاء على نفسه وِحشمه وعياله، وملاك الأمر في المال حسنُ التقدير، وفي العيال والحَشَم حسن التدبير. - ولا تفشي له سرًّا، ولا تعصي له أمرًا؛ فإنك إن أفشيتِ سره لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره أَوْغَرْتِ صدره.

كتاب طاهر بن الحسين لابنه عبد الله

ثم اتقي مع ذلك الفرح إن كان تَرِحًا (¬1)، والاكتئاب عنده إن كان فرحًا؛ فإن الخصلة الأولي من التَقصير، والثانية مِن التكدير. وكوني أشدَّ ما تكونين له إعظامًا؛ يكن أشدَّ ما يكون إكرامًا. وأشد ما تكونين له موافقة؛ يكن أطولَ ما تكونين له مرافقة. واعلمي أنك لا تَصِلِين إلى ما تُحبين حتى تُؤْثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك، فيما أحببتِ وكرهت، والله يَخير لك)). فَحُمِلَتْ فَسُلَّمَتْ إليه، فَعَظُم مَوْقِعُهَا منه، وولدتَ له الملوك السبعة الذين ملكوا بعده اليمن. {" مجمع الأمثال "للميداني، و" العِقد الفريد" لابن عبد ربه}. كتاب طاهر بن الحسين لابنه عبد الله وأختم هذا الكتابَ بذكر كتابِ طاهر بن الحسين لابنه عبد الله لما ولاه المأمونُ الرَّقَّةَ ومصرَ وما بينهما، وهو كتاب نفيس غاية قد ضُمِّنَ الدُّرَّ إلا أنه كَلِمُ، وحسبك دلالة على نفاسته قول ابنِ خلدون (رحمه الله) [المتوفى سنة ثمان وثمانمائة من الهجرة] في "المقدمة" (ص322 - بتحقيقي) من كلامه على السياسة وكيف يقوم للسلطان أمره ويستقيم ملكه: ((ومن أحسن ما كتب في ذلك وأودع كتاب طاهر بن الحسين لابنه عبد الله بن طاهر لما ولاه المأمون الرَّقَّةَ ومصرَ وما بينهما، فكتب إليه أبوه طاهر كتابه المشهور، عهد إليه فيه، ¬

_ (¬1) التَّرَح: نقيض الفرح.

ووصاه بجميع ما يحتاج إليه في دولته وسلطانه من الآداب الدينية والخلقية، والسياسة الشرعية والملوكية، وحثه على مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم بما لا يستغني عنه ملك ولا سُوقَة)) ثم ساقه بتمامه، وقال عَقِيبه: ((هذا أحسن ما وقفت عليه في هذه السياسة)). وقال الإمام العَلاَّمَة الحَبْر الفَهَّامة أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ الطبريُّ (رحمه الله) [المتوفى سنة عشر وثلاثمائة] بعد أن أورده في "تاريخ الأمم والملوك" [(ج5/ص156 - 161) ط/ دار الكتب العلمية – بيروت- لبنان]، قال: ((وذُكر أن طاهرًا لما عهد إلى ابنه عبد الله هذا العهد تنازعه الناس وكتبوه، وتدارسوه وشاع أمره، حتى بلغ المأمونَ، فدعا به وقُرئ عليه، فقال: ((ما بَقَّى أبو الطيب (يعني: طاهرًا) شيئًا من أمر الدين والدنيا والتدبير والرأي والسياسة وإصلاح الملك والرعية وحفظ البَيْضَة وطاعة الخلفاء وتقويم الخلافة إلا وقد أحكمه، وأوصى به وتقدم)). وأمر أن يُكتب بذلك إلى جميع العمال في نواحي الأعمال. وتوجه عبد الله إلى عمله فسار بسيرته، واتبع أمره، وعمل بما عهد إليه)) انتهى. وهاك نص الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم.

أما بعد: فعليك بتقوى الله وحده لا شريك له وخشيته، ومراقبته (عز وجل)، ومزايلة سخطه. واحفظ رعيتك في الليل والنهار. والزم ما ألبسك الله من العافية بالذكر لمعادك وما أنت صائر إليه وموقوف عليه ومسئول عنه، والعمل في ذلك كله بما يعصمك من الله (عز وجل)، وينجيك يوم القيامة من عقابه وأليم عذابه. فإن الله (سبحانه) قد أحسن إليك، وأوجب الرأفةَ عليك بمن استرعاك أمرهم من عباده، وألزمك العدلَ فيهم، والقيامَ بحقه وحدوده عليهم، والذبَّ عنهم، والدفع عن حريمهم وبَيْضتهم، والحَقْنَ لدمائهم، والأمن لسبيلهم، وإدخال الراحة عليهم في معايشهم. ومُؤاخِذُك بما فرض عليك من ذلك، ومُوقفك عليه، وسَائلك عنه، ومُثيبك عليه بما قدمت وأخرت. فَفَرِّغْ لذلك فهمَك وعقلَك وبصرَك ورؤيتك، ولا يذهلك عنه ذاهل، ولا يشغلك عنه شاغلٌ، وإنه رأسُ أمرِك ومِلاكُ شأنِك، وأول ما يوفقك الله به لرشدك. وليكن أوَّلُ ما تُلْزِمُ به نفسَك، وتنسب إليه فعالك، المواظبةَ على ما فرض الله (عز وجل) عليك من الصلوات الخمس والجماعة عليها بالناس قِبَلَك في مواقيتها، وتُوقعها على سننها، من إسباغ الوضوء لها وافتتاح ذكر الله (عز وجل) فيها، ورتل في قراءتك، وتمكن في ركوعك وسجودك وتشهدك، ولتصرف فيه رأيك ونيتك،

واحضض عليه جماعة ممن معك وتحت يدك، وادأب عليها؛ فإنها كما قال الله (عز وجل): {تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45])). ((ثم اتبع ذلك بالأخذ بسنن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والمثابرة على خلائقه، واقتفاء أثر السلف الصالح من بعده)). ((وإذا ورد عليك أمر فاستعن عليه باستخارة الله (عز وجل) وتقواه، وبلزوم ما أنزل الله (عز وجل) في كتابه من أمره ونهيه وحلاله وحرامه، وائتمام ما جاءت به الآثار عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ثم قُمْ فيه بالحق لله (عز وجل)، ولا تميلن عن العدل فيما أحببت أو كرهت لقريب من الناس أو لبعيد)). ((وآثر الفقهَ وأهلَهُ، والدينَ وحملتَهُ، وكتاب الله (عز وجل) والعاملين به، فإن أفضل ما يتزين به المرء الفقه في الدين، والطلب له، والحث عليه، والمعرفة بما يتقرب به إلى الله (عز وجل)؛ فإنه الدليل على الخير كله والقائد إليه والآمر به، والناهي عن المعاصي والموبقات كلها. ومع توفيق الله (عز وجل) يزداد المرء معرفة وإجلالاً له، ودَرَكًا للدرجات العلى في المعاد، مع ما في ظهوره للناس من التوقير لأمرك، والهيبة لسلطانك، والأنسة بك، والثقة بعدلك)). ((وعليك بالاقتصاد في الأمور كلها، فليس شيء أبين نفعًا، ولا

أخص أمنًا، ولا أجمع فضلاً منه. والقصد داعية إلى الرشد، والرشد دليل على التوفيق، والتوفيق قائد إلى السعادة، وقِوام الدين والسنن الهادية بالاقتصاد، فآثِره في دنياك كلها)). ((ولا تقصر في طلب الآخرة والأجر والأعمال الصالحة والسنن المعروفة ومعالم الرشد والإعانة، والاستكثار من البر والسعي له إذا كان يُطلب به وجهُ اللهِ (تعالى) ومرضاته، ومرافقة أولياء الله في دار كرامته. واعلم أن القصد في شأن الدنيا يورث العز ويحصن من الذنوب، وأنك لن تحوط نفسك من قائل، ولا تنصلح أمورك بأفضل منه، فأته واهتدِ به؛ تتم أمورك وتَزِد مقدرتك وتصلح عامتك وخاصتك. وأحسن ظنك بالله (عز وجل)؛ تستقم لك رعيتك، والتمس الوسيلة إليه في الأمور كلها؛ تستدم به النعمة عليك)). ((ولا تتهمن أحدًا من الناس فيما توليه من عملك قبل أن تكشف أمره؛ فإن إيقاعَ التهمِ بالبُرَآء، والظنون السيئة بهم، آثَمُ إثمٍ. فاجعل من شأنك حسن الظن بأصحابك، واطرد عنك سوء الظن بهم، وارفضه فيهم؛ يُعِنْك ذلك على استطاعتهم ورياضتهم. ولا تتخذنَّ عدوَ اللهِ الشيطانَ في أمرك معمدًا، فإنه إنما يكتفي

بالقليل من وَهَنِك ويدخل عليك من الغم بسوء الظن بهم ما ينقص لذاذة عيشك. واعلم أنك تجد بحسن الظن قوةً وراحة، وتكتفي به ما أحببت كفايته من أمورك، وتدعو به الناس إلى محبتك والاستقامة في الأمور كلِّها. ولا يمنعك حسنُ الظن بأصحابك، والرأفة برعيتك، أن تستعمل المسألةَ والبحثَ عن أمورك، والمباشرةَ لأمور الأولياء، وحياطة الرعية، والنظر في حوائجهم، وحمل مئوناتهم، أيسر عندك مما سوى ذلك، فإنه أقوم للدين وأحيا للسنة)). ((وأخلص نيتك في جميع هذا، وتفرد بتقويم نفسك تفردَ مَن يعلم أنه مَسئولٌ عما صنع ومَجْزِيٌّ بما أحسن، ومُؤاخَذٌ بما أساء؛ فإن الله (عز وجل) جعل الدين حرزًا وعزًّا، ورفع من اتبعه وعززه)). ((واسلك بمن تسوسه وترعاه نهج الدين وطريقه الأهدى. وأقم حدود الله (تعالى) في أصحاب الجرائم على قدر منازلهم، وما استحقوه، ولا تعطل ذلك ولا تتهاون به، ولا تؤخر عقوبة أهل العقوبة، فإن في تفريطك في ذلك ما يفسد عليك حسن ظنك. واعتزم على أمرك في ذلك بالسنن المعروفة، وجانب البدع والشبهات يسلم لك دينك، وتتم لك مروءتك)).

((وإذا عاهدت عهدًا فأوفِ به، وإذا وعدت الخير فأنجزه. واقبل الحسنة وادفع بها. واغمض عن عيب كل ذي عيب من رعيتك، واشدد لسانك عن قول الكذب والزور، وابغض أهل النميمة، فإن أولَ فساد أمورك في عاجلها وآجلها: تقريبُ الكذوب، والجراءة على الكذب؛ لأن الكذب رأس المآثم، والزور والنميمة خاتمتها؛ لأن النميمة لا يسلم صاحبها، وقائلها لا يسلم له صاحب ولا يستقيم له أمر. وأحبب أهل الصلاح والصدق، وأَعِزَّ الأشراف بالحق، وَأَعِن الضعفاء، وصل الرحم، وابتغِ بذلك وجهَ الله (تعالى)، وإعزازَ [وأعززْ] أمره، والتمس فيه ثوابه والدار الآخرة. واجتنب سوء الأهواء والجَوْر، واصرف عنهما رأيك، وأظهر براءتك من ذلك لرعيتك، وأنعم بالعدل سياستهم، وقم بالحق فيهم، وبالمعرفة التي تنتهي بك إلى سبيل الهدى. واملك نفسك عند الغضب، وآثر الحلم والوقار، وإياك والحدة والطيش والغرور فيما أنت بسبيله)). ((وإياك أن تقول: أنا مُسلَّط أفعلُ ما أشاء؛ فإن ذلك سريع إلى نقص الرأي وقلة اليقين بالله (عز وجل). وأخلص لله وحده النية فيه واليقين به.

واعلم أن الملك لله (سبحانه وتعالى)، يؤتيه مَن يشاء وينزعه ممن يشاء. ولن تجد تغير النعمة وحلول النقمة إلى أحد أسرع منه إلى جهلة النعمة مِن أصحاب السلطان والمبسوط لهم في الدولة إذا كفروا نِعَم الله وإحسانه، واستطالوا بما أعطاهم الله (عز وجل) من فضله)). ((ودع عنك شَرَهَ نفسِك، ولتكن ذخائرُك وكنوزُك التي تدخر وتكنز: البِرَّ والتقوى، واستصلاحَ الرعية، وعمارة بلادهم، والتفقد لأمورهم، والحفظ لدمائهم، والإغاثة لملهوفهم)). ((واعلم أن الأموال إذا اكتُنِزَتْ وادُّخِرَت في الخزائن لا تنمو، وإذا كانت في صلاح الرعية وإعطاء حقوقهم وكف الأذية عنهم؛ نمت وزكت، وصلحت بها العامة، وترتبت بها الولاية، وطاب بها الزمان، واعتُقِدَ فيها العز والمنفعة. فليكن كَنزُ خزائنك تفريقَ الأموال في عمارة الإسلام وأهله، ووفر منه على أولياء أمير المؤمنين قِبَلَك حقوقهم، وأوفِ من ذلك حصصهم، وتعهد ما يصلح أمورهم ومعاشهم، فإنك إذا فعلت ذلك قَرَّتِ النعمة لك، واستوجبت المزيد من الله (تعالى)، وكنت بذلك على جباية أموال رعيتك وخراجك أقدر، وكان الجميعُ لما شملهم من عدلك وإحسانك أَسْلَسَ لطاعتك.

وطِبْ نفسًا بكل ما أردت، وأجهد نفسك فيما حمدتُ (حددتُ) لك في هذا الباب، وليعظم حقك فيه، وإنما يبقى من المال ما أُنفق في سبيل الله وفي سبيل حقه. واعرف للشاكرين حقهم، وأثبهم عليه)). ((وإياك أن تنسيك الدنيا وغرورُها هولَ الآخرة فتتهاون بما يحق عليك؛ فإن التهاون يورث التفريط، والتفريط يورث البوار. وليكن عملك لله (عز وجل) وفيه، وارجُ الثوابَ منه، فإن الله (سبحانه) قد أسبغ عليك فضلَه. واعتصم بالشكر، وعليه فاعتمد، يزدك اللهُ خيرًا وإحسانًا؛ فإن الله (عز وجل) يثيب بقدر شكر الشاكرين وإحسان المحسنين)). ((ولا تُحَقِّرَنَّ ذنبًا، ولا تُمالئن حاسدًا، ولا تَرحمن فاجرًا، ولا تَصلن كفورًا، ولا تُداهنن عدوًا، ولا تُصدقن نمامًا، ولا تَأمنن غدارًا، ولا تُوالين فاسقًا، ولا تَتبعن غاويًا، ولا تَحمدن مُرائيًا، ولا تحقرن إنسانًا، ولا تَردن سائلاً فقيرًا، ولا تُحسنن باطلاً، ولا تُلاحظن مضحكًا، ولا تُخلفن وعدًا، ولا تَزهون فخرًا، ولا تُظهرن غضبًا، ولا تُباينن رجاء، ولا تَمشين مرحًا، ولا تُزكين سفيهًا، ولا تُفرطن في طلب الآخرة، ولا تَرفعن للنمام عينًا، ولا تغمضن عن ظالم رهبة منه أو محاباة، ولا تطلبن ثواب الآخرة في الدنيا)). ((وأكثر مشاورة الفقهاء، واستعمل نفسك بالحلم، وخذ عن أهل

التجارِب وذوي العقل والرأي والحكمة، ولا تُدخلن في مشورتك أهلَ الرَّفْه والبخل، ولا تسمعن لهم قولاً؛ فإن ضررَهم أكثرُ من نفعهم)). ((وليس شيء أسرع فسادًا لما استقبلت فيه أمر رعيتك من الشح. واعلم أنك إذا كنت حريصًا كنت كثيرَ الأخذ قليلَ العطية، وإذا كنت كذلك لم يستقم أمرك إلا قليلاً، فإن رعيتك إنما تعقد على محبتك بالكف عن أموالهم وترك الجَوْر عليهم. وَوَالِ مَن صافاك مِن أوليائك بالإفضال عليهم وحسن العطية لهم. واجتنب الشح، واعلم أنه أول ما عَصى الإنسانُ به ربَّه، وأن العاصي بمنزلة الخزي، وهو قول الله (عز وجل): {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9]، [التغابن:16]. فَسَهِّل طريق الجود بالحق، واجعل للمسلمين كلِّهم في فيئك حظًا ونصيبًا. وأيقن أن الجود أفضل أعمال العباد، فأَعِدَّه لنفسك خُلُقًا، وارضَ به عملاً ومذهبًا. وتفقد الجند في دواوينهم ومكاتبهم، وَأَدِرَّ عليهم أرزاقهم، ووسع عليهم في معايشهم، يذهب الله (عز وجل) بذلك فاقتهم، فيقوى لك أمرهم، وتزيد قلوبهم فى طاعتك وأمرك خلوصًا وانشراحًا، وحَسْب ذي السلطان من السعادة أن يكون على جنده ورعيته ذا رحمة في عدله وعطيته وإنصافه وعنايته وشفقته وبره وتوسعته،

فزايل مكروه أحد البابين باستشعار فضل الباب الآخر، ولزوم العمل به؛ تلقَ - إن شاء الله تعالى - به نجاحًا وصلاحًا وفلاحًا. ((واعلم أن القضاء من الله (تعالى) بالمكان الذي ليس فوقه شيء من الأمور؛ لأنه ميزان الله الذي تعدل عليه أحوال الناس في الأرض. وبإقامة العدل في القضاء والعمل تصلح أحوال الرعية، وتُؤمن السبل، ويَنتصف المظلومُ، وتأخذ الناس حقوقهم، وتحسن المعيشة، ويُؤدَى حق الطاعة، ويَرزق الله العافية والسلامة، ويُقيم الدينَ، ويُجْرِي السننَ والشرائعَ في مجاريها. واشتد في أمر الله (عز وجل)، وتورع عن النَّطَف، وامضِ لإقامة الحدود، وأقلل العجلة، وابعد عن الضجر والقلق، واقنع بالقسم، وانتفع بتجرِبتك، وانتبه في صحتك، واسدُد في منطقك، وأَنْصِف الخصم، وقف عند الشبهة، وأَبْلِغ في الحجة، ولا يأخذك في أحد من رعيتك محاباة ولا مجاملة ولا لومة لائم، وتَثَبَّتْ وَتَأَنَّ وراقب وانظر وتفكر وتدبر واعتبر، وتواضع لربك، وارفق بجميع الرعية، وسلط الحق على نفسك، ولا تسرعن إلى سفك دم، فإن الدماء من الله (عز وجل) بمكان عظيم، (فإياك) فلا تبغِ انتهاكًا لها بغير حقها)). ((وانظر هذا الخراج الذي استقامت عليه الرعية، وجعله الله للإسلام عزًّا ورفعةً، ولأهله توسعةً ومَنَعَةً، ولعدوه كبتًا وغيظًا،

ولأهل الكفر من معاديهم ذُلاً وصَغَارًا، فوزعه بين أصحابه بالحق والعدل والتسوية والعموم، ولا تدفعن شيئًا منه عن شريف لشرفه، ولا عن غني لغناه، ولا عن كاتب لك، ولا عن أحد من خاصتك ولا حاشيتك، ولا تأخذن منه فوق الاحتمال له. ولا تكلف أمرًا فيه شطط. واحمل الناس كلَّهم على أمر الحق؛ فإن ذلك أجمع لألفتهم وألزم لرضاء العامة)). ((واعلم أنك جُعِلْتَ بولايتك خازنًا وحافظًا وراعيًا، وإنما سُمي أهل عملك رعيتك لأنك راعيهم وقَيِّمُهم. فخذ منهم ما أعطوك من عفوهم ونفذه في قِوَام أمرهم وصلاحهم وتقويم أَوَدِهم. واستعمل عليهم أولي الرأي والتدبير والتجرِبة والخبرة بالعلم والعدل بالسياسة والعفاف. ووسع عليهم في الرزق؛ فإن ذلك من الحقوق اللازمة لك فيما تقلدت وأُسْنِد إليك، فلا يشغلك عنه شاغل ولا يصرفك عنه صارف، فإنك متى آثرته وقمت فيه بالواجب؛ استدعيت به زيادة النعمة من ربك، وحسن الأحدوثة في عملك، واستجررت به المحبة من رعيتك، وأعنت على الصلاح فَدَّرَتِ الخيراتُ ببلدك، وفشت العمارة بناحيتك، وظهر الخصب في كورك، وكثر خراجك، وتوفرت أموالك، وقَوَيْتَ بذلك على ارتياض جندك، وإرضاء العامة بإفاضة العطاء فيهم من نفسك، وكنت محمودَ السياسة

مرضي العدل في ذلك عند عدوك، وكنت في أمورك كلِّها ذا عدل وآلة وقوة وعُدَّة. فتنافس فيها ولا تقدم عليها شيئًا؛ تحمد عاقبة أمرك إن شاء الله تعالى)). ((واجعل في كل كورة من عملك أمينًا يخبرك خبر عمالك ويكتب إليك بسيرهم وأعمالهم، حتى كأنك مع كل عامل في عمله معاينًا لأموره كلِّها. وإذا أردت أن تأمرهم بأمر فانظر في عواقب ما أردت من ذلك، فإن رأيت السلامة فيه والعافية ورجوت فيه حسن الدفاع والصنع فَأَمْضِه، وإلا فتوقف عنه، وراجع أهل البصر والعلم به، ثم خذ فيه عدته، فإنه ربما نظر الرجل في أمره وقد أتاه على ما يهوى، فأغواه ذلك وأعجبه، فإن لم ينظر في عواقبه أهلكه، ونقض عليه أمره. فاستعمل الحزم في كل ما أردت وباشره بعد عون الله (عز وجل) بالقوة. وأكثر من استخارة ربك في جميع أمورك)). ((وافرغ من عمل يومك ولا تؤخره لغدك، وأكثر مباشرته بنفسك، فإن لغد أمورًا وحوادثَ تلهيك عن عمل يومك الذي أخرت. واعلم أن اليوم إذا مضى ذهب بما فيه، فإذا أخرت عمله اجتمع عليك عمل يومين فيشغلك ذلك حتى تمرض منه، وإذا أمضيت لكل يوم عمله أرحت بدنك ونفسك، وجمعت أمر سلطانك)).

((وانظر أحرار الناس وذوي الفضل منهم ممن بلوت صفاءَ طويتهم، وشهدت مودتهم لك، ومظاهرتهم بالنصح والمحافظة على أمرك، فاستخلصهم وأحسن إليهم. وتعاهد أهل البيوتات ممن قد دَخَلَتْ عليهم الحاجةُ واحتمل مؤنتهم، وأصلح حالهم حتى لا يجدوا لخَلَّتهم منافرًا، وأفرد نفسك بالنظر في أمور الفقراءِ والمساكين ومَن لا يقدر على رفع مظلمته إليك، والمُحْتَقَرِ الذي لا علم له بطلب حقه، فَسَلْ عنه أحفى مسألة، وَكِلْ بأمثاله أهلَ الصلاحِ في رعيتك، وَمُرْهم برفع حوائجهم وخلالهم إليك لتنظر فيما يصلح الله به أمرهم. وتعاهد ذوي البأساء ويُتْمَاهم وأراملَهم، واجعل لهم أرزاقًا من بيت المال اقتداءً بأمير المؤمنين أعزه الله (تعالى) في العطف عليهم والصلة لهم، ليصلح الله بذلك عيشهم، ويرزقك به بركة وزيادة. وَأَجْرِ للأَضِرَّاء مِن بيت المال، وَقَدِّم حملةَ القرآن منهم والحافظين لأكثره في الجراية على غيرهم. وانصب لمرضى المسلمين دورًا تأويهم وقُوَّامًا يرفقون بهم، وأطباء يعالجون أسقامهم، وأسعفهم بشهواتهم مالم يُؤَدِّ ذلك إلى سَرَفٍ في بيت المال)). ((واعلم أن الناس إذا أُعطوا حقوقَهم وأفضل أمانيِّهم لم يرضهم ذلك ولم تطب أنفسهم دون رفع حوائجهم إلى ولاتهم؛ طمعًا في نيل الزيادة وفضل الرفق بهم. وربما تبرَّم المتصفحُ لأمور الناس لكثرة

ما يَرِد عليه، ويشغل ذكره وفكره منها ما يناله به من مؤونة ومشقة. وليس مَن يرغب في العدل ويعرف محاسنَ أموره في العاجل وفضلَ ثواب الآجل كالذي يستقل ما يقرِّبه من الله (تعالى)، وتُلْتَمَسُ به رحمتُه)). ((وَأَكْثِر الإذن للناس عليك وأَرِهم وجهك، وسَكِّن لهم حواسك، واخفض لهم جناحك، وأظهر لهم بِشْرَك، ولِنْ لهم في المسألة والنطق، واعطف عليهم بجودك وفضلك. وإذا أعطيت فأعطِ بسماحةٍ وطيبِ نفسٍ والتماس للصنيعة والأجر من غير تكدير ولا امتنان؛ فإن العطية على ذلك تجارة مربحة إن شاء الله تعالى)). ((واعتبر بما ترى مِن أمور الدنيا ومَن مضى مِن قبلك مِن أهل السلطان والرياسة في القرون الخالية والأمم البائدة)). ((ثم اعتصم في أحوالك كلِّها بالله (سبحانه وتعالى)، والوقوف عند محبته والعمل بشريعته وسنته، وبإقامة دينه وكتابه، واجتنب ما فارق ذلك وخالفه ودعا إلى سخط الله عز وجل)). ((واعرف ما يجمع عمالُك من الأموال، وما ينفقون منها. ولا تجمع حرامًا، ولا تنفق إسرافًا)). ((وَأَكْثِرْ مجالسةَ العلماءِ ومشاورتَهم ومخالطتَهم، وليكن هواك اتباعَ السنن وإقامتها، وإيثار مكارم الأخلاق ومعاليها. وليكن أكرم دخلائك وخاصتك عليك مَن إذا رأى عيبًا لم تمنعه هيبتُك من إنهاء

ذلك إليك في ستر، وإعلامك بما فيه من النقص، فإن أولئك أنصح أوليائك ومظاهريك)). ((وانظر عمالَك الذين بحضرتك وكُتَّابَك، فَوَقِّتْ لكل رجل منهم في كل يوم وقتًا يدخل فيه بكتبه ومؤامرته وما عنده من حوائج عمالك وأمور الدولة ورعيتك. ثم فَرِّغْ لما يُورد عليك من ذلك سمعَك وبصرك وفهمك وعقلك، وكرر النظرَ فيه والتدبرَ له، فما كان موافقًا للحق والحزم فأَمْضِه، واستخر الله (عز وجل) فيه، وما كان مخالفًا لذلك فاصرفه إلى المسألة عنه، والتثبت منه)). ((ولا تمنن على رعيتك ولا غيرهم بمعروف تؤتيه إليهم. ولا تقبل من أحد إلا الوفاء والاستقامة والعون في أمور المسلمين، ولا تضعن المعروف إلا على ذلك)). ((وتفهم كتابي إليك، وأمعن النظر فيه والعمل به. واستعن بالله على جميع أمورك واستخره؛ فإن الله (عز وجل) مع الصلاح وأهله. وليكن أعظم سيرتك وأفضل رغبتك ما كان لله (عز وجل) رضًا، ولدينه نظامًا، ولأهله عزًّا وتمكينًا، وللملة والذمة عدلاً وصلاحًا. وأنا أسأل الله (عز وجل) أن يحسن عونك وتوفيقك ورشدك وكِلاءتك، وأن يُنزل عليك فضله ورحمته بتمام فضله عليك وكرامته لك؛ حتى يجعلك أفضلَ مثالك نصيبًا، وأوفرهم حظًّا،

وأسناهم ذكرًا وأمرًا، وأن يهلك عدوك ومَن ناوأك وبغى عليك، ويرزقك من رعيتك العافية، ويحجز الشيطان عنك وساوسه، حتى يستعلي أمرك بالعز والقوة والتوفيق؛ إنه قريب مجيب. والسلام)). وهذا آخر ما قصدت اختياره في هذه العجالة، ومَن أراد المزيد فعليه بمراجعة الأصل، والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات. وكتب وائل بن حافظ بن خلف غفر الله له ولوالديه، وأحسن إليهما وإليه.

§1/1