المقنع في فقه الإمام أحمد ت الأرناؤوط

موفق الدين ابن قدامة

حُقُوق الطبعُ مَحْفُوظَة الطبعة الأولى 1421 هـ - 2000 م الناشر مكتبَة السوادي للتوزيع ص. ب: 4898 - جدة: 21412 - ت: 6884212 فاكس: 6878664

تقديم عبد القادر الأرناؤوط

بِسمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحَيمِ تقديم الكتاب بقلم فضيلة المُحَدِّث المحقِّق الفقيه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط خادم السُّنَّة النبوية الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وبعد: فإن كتاب "المقنع في فقه الإِمام أحمد بن حنبل" للإمام العلاَّمة الفقيه موفق الدِّين بن قدامة المقدسي (¬1)، من خيرة كتب الفقه الحنبلي المختصرة المعتمدة من قبل علماء المذهب الحنبلي منذ عصر مؤلفه وإلى أيامنا، وقد تداولته أيدي العلماء وطلبة العلم دراسة وتدريساً، وتخرَّج به عدد كبير من طلبة العلم في الشام ومصر وغيرهما من أمصار الأمة الكبرى، ونسخت منة نسخ خطية كثيرة في بلدان مختلفة ولا سيما في الشام والصالحية، وقد امتدت إليه أيدي عدد من العلماء في العصر الحديث تنشره وتعرّف الناس به، ولقي القبول من قبل الكثير من ¬

_ (¬1) انظر ترجمته بقلمي عقب هذا التقديم.

المعاهد والكليات الشرعية الإسلامية في المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج، ولكنه لم ينل حظه من التحقيق والتدقيق والتعليق، فأحب ولدي وتلميذي العزيز (الأستاذ محمود الأرناؤوط) أن يقدمه للعلماء وطلبة العلم محقَّقاً مدقّقاً لأول مرة، وأشرك معه في تحقيقه (الأستاذ ياسين محمود الخطيب) وقاما معاً بتحقيقه تحقيقاً متقناً يشكران عليه، واعتمدا في عملهما نسختان خطيتان، وضبطا نصوصه، وخرَّجا أحاديثه، وعلقا عليه تعليقات مفيدة نافعة، فخرج الكتاب بذلك مستوفياً شروط النشر العلمي المتقن فيما أرى، فجزاهما الله تعالى خيراً ونفع بهما، وبارك لناشر الكتاب في ماله لإنفاقه على إصداره بهذا القدر من الإتقان. والله أسأل أن ينفع العلماء وطلبة العلم في بلدان الأُمَّة بهذه الطبعة الجديدة من هذا الكتاب القيّم، وأن تعتمد في الكليات والمعاهد الشرعية، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين. دمشق الشام في غرة ربيع الآخر لعام 1420 هـ خادم السُّنَّة النبوية عبد القادر الأرناؤوط * * *

ترجمة المؤلف

ترجمة المؤلف (*) هو الإمام الفقيه الزاهد شيخ الإسلام أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي. ولد في شعبان سنة (541) هـ ببلدة جمَّاعيل من أعمال نابلس قرب بيت المقدس من أرض فلسطين، وكان الصليبيون في ذلك الوقت قد استولوا على بيت المقدس وما حوله من البقاع، فهاجر والده أبو العباس أحمد ابن قدامة -رئيس ذلك البيت المبارك وتلك الشجرة الطيبة- بأسرته إلى دمشق مع ابنيه أبي عمر، وموفق الدين، وابن خالتهما الحافظ عبد الغني المقدسي، نحو سنة (551) هـ (¬1) فنزلوا في مسجد أبي صالح ¬

_ (*) ترجمته في "معجم البلدان" (2/ 160) و"مرآة الزمان" (8/ 627) (مخطوط) و"التكملة لوفيات النقلة" (3/ 107) و"ذيل الروضتين" ص (139) و"تاريخ الإسلام" (62/ 434) و"سير أعلام النبلاء" (22/ 165) و"دول الإسلام" (2/ 128) و"العبر" (5/ 79) و"المختصر المحتاج إليه" (2/ 134) و"الوافي بالوفيات" (17/ 37) و"فوات الوفيات" (2/ 158) و"ذيل طبقات الحنابلة" (2/ 133) و"ذيل التقييد" (2/ 27) و"النجوم الزاهرة" (6/ 256) و"المقصد الأرشد" (2/ 15) و"المنهج الأحمد" (4/ 148) و"القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية" (465) و"شذرات الذهب" (7/ 155) و"الأعلام" (4/ 67) و"معجم المؤلفين" (2/ 227) طبع مؤسسة الرسالة. (¬1) وللحافظ ضياء الدين المقدسي كتاب في سبب هجرة المقادسة إلى دمشق، وهو مخطوط لم يطبع بعد.

ظاهر باب شرقي بدمشق، ثم انتقلوا بعد سنتين من مسجد أبي صالح إلى جبل قاسيون في صالحية دمشق، وفي خلال هذه المدة كان موفق الدين يحفظ القرآن ويتلقى مبادئ علومه على أبيه أبي العباس -وكان من أهل العلم والفضل والزهد والصلاح- ثم تتلمذ على شيوخ دمشق وعلمائها، وحفظ "مختصر الخرقي" في فقه الإمام أحمد، وغيره من الكتب، وما زال يتقدم حتى بلغ العشرين من عمره، فقام برحلة إلى بغداد وبصحبته ابن خالته الحافظ عبد الغني المقدسي، وكانا في سِنٍّ واحدة، وأقاما مدة يسيرة عند الشيخ عبد القادر الجيلاني ببغداد، وكان الشيخ عبد القادر في التسعين من عمره، فقرأ موفق الدين عليه "مختصر الخرقي" قراءة فهم وتدقيق، لأنه كان يحفظه في دمشق كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، ثم توفي الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله، فلازم موفق الدين الشيخ أبا الفتح ابن المَنِّي، وقرأ عليه المذهب والخلاف، ولبث في بغداد أربع سنين، وسمع بها أيضاً من هبة الله بن الدقاق وغيره، ثم رجع إلى دمشق فأقام في أهله مدة وعاد إلى بغداد سنة (567) هـ، فأمضى سنة أخرى، سمع فيها من أبي الفتح بن المنِّي وعاد إلى دمشق وبقي فيها، وقصد الديار الحجازية سنة (574) هـ لأداء فريضة الحج، وعاد إلى دمشق، وشرع بتأليف كتابه العظيم "المغني" وهو شرح مطوَّل لكتاب "مختصر الخرقي" ويعد من مفاخر التأليف في الفقه الحنبلي خاصة والفقه الإسلامي بصورة عامة (¬1). وقد قال فيه سلطان العلماء العز بن عبد السلام: لم تطب ¬

_ (¬1) وقد قام بتحقيقه وتخريج نصوصه وضبط ألفاظه وإعداد فهارسه الأستاذ الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، بالاشتراك مع الأستاذ الدكتور عبد الفتاح الحلو، ونشرته دار هجر بالقاهرة، وهي أفضل طبعات الكتاب وأوسعها انتشاراً.

أقوال العلماء فيه

لي الفتيا حتى كانت عندي نسخة من "المغني". وكان طلبة العلم يتلقون الدروس عليه في الفقه والحديث وغير ذلك من العلوم، وقد تفقه عليه خلق كثير، منهم ابن أخيه شمس الدين بن أبي عمر وطبقته. وكان إلى ذلك يواصل التأليف والتصنيف في أنواع شتى من العلوم والفنون، لا سيما الفقه الذي حذقه وصنف فيه العديد من الكتب التي تشهد بعلو كعبه فيه، حتى أصبح عَلَماً يشار إليه بالبنان، وتتحدث بفضائله ومناقبه وعلومه الركبان. أقوال العلماء فيه: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من الموفق. وقال ابن الصلاح: ما رأيت مثل الموفق. وقال سبط ابن الجوزي: من رأى الموفق فكأنما رأى بعض الصحابة، وكان النور يخرج من وجهه. وكان إماماً في فنون كثيرة، ولم يكن في زمانه بعد أخيه أبي عمر والعماد أزهد ولا أورع ولا أعلم منه. وكان كثير الحياء، عزوفاً عن الدنيا وأهلها، هيناً، ليناً، متواضعاً، محباً للمساكين، حسن الأخلاق، جواداً، سخياً. وكان كثير العبادة، غزير الفضل، ثابت الذهن، شديد التثبت في علمه، دائم السكون، قليل الكلام، كثير العمل، يستأنس الإنسان برؤيته قبل كلامه. ومناقبه كثيرة.

مؤلفاته

وقد ألف الحافظ ضياء الدين المقدسي في سيرته كتاباً (¬1)، وكذلك الحافظ الذهبي (¬2). ولم يقتصر أمره -رحمه الله- على العلم والتقوى، بل كان مجاهداً في سبيل الله مع البطل المسلم المجاهد السلطان صلاح الدين الأيوبي، الذي جند المسلمين سنة (583) هـ لطرد الصليبيين وتطهير الأرض المقدسة من رجسهم، فقد ذكر من ثم للموفق أنه هو وأخوه أبو عمر وتلاميذهما وبعض أفراد أسرتهما كانوا تحت هذه الألوية المظفرة، وكان لهما ولتلاميذهما خيمة يتنقلون بها مع المجاهدين في سبيل الله حيثما حلّوا. وقد خلَّف -رحمه الله- من المصنفات المفيدة والمؤلفات النافعة في الفقه وغيره الشيء الكثير. منها: "العمدة" للمبتدئين، و"المقنع" للمتوسطين، و"الكافي" للمتقدمين، وذكر فيه من الأدلة ما يتوصل الطلبة للعمل بالدليل، و"المغني" شرح "مختصر الخرقي" وقد ذكر فيه مذاهب العلماء والأدلة ليعلم من كان عنده أهلية طرق الاجتهاد، و"روضة الناظر" في أصول الفقه، و"مختصر في غريب الحديث" و"البرهان في مسألة القرآن" و"القدر" و"فضائل الصحابة" و"المتحابين في الله" و"الرِّقَّة والبكاء" و"ذم الموسوسين" و"ذم التأويل" و"التبيين في نسب القرشيين" ¬

_ (¬1) وهو أيضاً في سيرة الحافظ عبد الغني المقدسي، وسيرة العماد إبراهيم، وسيرة الشيخ أبي عمر، وسماه: "سير المقادسة" ومنه نسخة خطية في دار الكتب الظاهرية بدمشق وهو جدير بالتحقيق والنشر. (¬2) انظر مقدمة الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف لكتاب "سير أعلام النبلاء" ص (82).

وفاته

و"مناسك الحج" و"لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد" (¬1) و"كتاب التوابين" (¬2)، وغيرها. توفي -رحمه الله- يوم عيد الفطر، سنة (620) هـ، ودفن في سفح جبل قاسيون بصالحية دمشق فوق جامع الحنابلة. خادم السنة النبوية عبد القادر الأرناؤوط * * * ¬

_ (¬1) وقد قمت بتحقيقه منذ سنوات طويلة، ونشرته مكتبة دار البيان بدمشق، ثم دار الهدى بالرياض. (¬2) وقد قمت بتحقيقه منذ سنوات طويلة، ونشرته مكتبة دار البيان بدمشق، ثم دار الكتب العلمية ببيروت.

مقدمة التحقيق

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة التحقيق الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا ورسولنا وقدوتنا وقرَّة أعيننا محمد وعلى آله وأصحابه الطَّيبين الطاهرين. وبعد: فإن كتاب "المقنع في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني" من أفضل كتب المذهب الحنبلي المختصرة، وقد صنَّفه الإمام العلاَّمة الفقيه موفق الدين بن قدامة المقدسي كبير فقهاء المقادسة في الشام في عصره، وأصبح العمدة في شؤون تدريس المذهب لفترة طويلة من الوقت، وكتبت له الشهرة فقام بشرح ألفاظه شرحاً وافياً الإمام شمس الدِّين محمد بن أبي الفتح البعلي وذلك في كتابه "المطلع على ألفاظ المقنع" (¬1). وقد اطلعنا على الطبعات السابقة من كتاب "المقنع" ونظرنا في الجهود المبذولة في إخراجها، ورأينا أنه لا بد من إعادة إخراج الكتاب إخراجاً جديداً محققاً تحقيقاً علمياً وفق مناهج التحقيق المتعارف عليها بين جماهير المحقّقين المتقنين في أيامنا. وللقيام بذلك كان لا بد لنا من البحث عن أصول خطية للكتاب، فوفقنا إلى الحصول على نسختين خطيتين من الكتاب من خزانة المصورات الخطية بمعهد المخطوطات العربية، وكلتاهما مما صوَّره ¬

_ (¬1) وقد قمنا بتحقيقه، وهو تحت الطبع، وسيصدر قريباً إن شاء الله تعالى.

المعهد من مكتبة شستربتي في دبلن بأيرلندا، وقابلنا النسخة المتوافرة بين أيدينا مما طبع من الكتاب سابقاً -وهي مصورة دار الكتب العلمية ببيروت عن الطبعة الصادرة منذ سنوات طويلة في مصر بعنايه الأستاذ الشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السُّنَّة المحمدية بالقاهرة- على النسختين الخطيتين، وأثبتا الفروق الجوهرية فيما بين النسخ الثلاثة، وتثبّتنا من صحة نصوص الكتاب، وضبطنا نصوصه بما يوافق صواب ما جاء في النسخ الثلاثة، وقد رمزنا للنسخة الجيدة من المخطوطتين بحرف (ش) وللنسخة المساعدة بحرف (م) وللنسخة المطبوعة بحرف (ط) مما أشير إليه من الفروق في حواشي الكتاب. ثم قمنا في عملنا بالتحقيق بما يلي: 1 - ضبط المشكل أمره من النصوص وتفصيلها. 2 - ترقيم الآيات الواردة في تصانيف النصوص. 3 - تخريج الأحاديث التي استشهد بها المؤلف مع بيان ما قاله العلماء المُحدِّثون في الحكم عليها. 4 - التعريف بالأعلام. 5 - ردّ النقول إلى مصادرها ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً. 6 - إعداد فهرس للمصادر والمراجع المعتمدة في تحقيق الكتاب وآخر لموضوعات الكتاب. هذا ما قمنا به في تحقيقنا للكتاب، فإن أحسنا فذلك مما عملنا له جاهدين، وإن أخطانا ووهمنا فذلك شأن الناس في كل زمان ومكان، من الوقوع في التقصير والوهم. وختاماً نتوجه بشكرنا الجزيل للأستاذ المحدِّث المحقِّق الفقيه الشيخ

عبد القادر الأرناؤوط خادم السُّنَّة النبوية بدمشق الشام، لتفضله بالتقديم للكتاب والتعريف بمؤلفه، فجزاه الله تعالى خيراً ونفع طلبة العلم من المسلمين به. ولمن كان السبب في طبع الكتاب وإخراجه في طبعته الجديدة هذه، والتي نرجو مخلصين أن تحظى بالقبول من العلماء وطلبة العلم إن شاء الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين. دمشق في الأول من شهر ربيع الأول لعام 1421 هـ. المحققان * * *

راموز الصفحة الأولى من مصورة النسخة (ش) المعتمدة في تحقيق الكتاب وإخراجه

راموز الصفحة الأخيرة من مصورة النسخة (ش) المعتمدة في تحقيق الكتاب وإخراجه

راموز الصفحة الأولى من مصورة النسخة (م) المعتمدة في تحقيق الكتاب وإخراجه

راموز الصفحة الأخيرة من مصورة النسخة (م) المعتمدة في تحقيق الكتاب وإخراجه

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [مقدمة المؤلِّف] (قال الشيخ الإِمام العالم الأوحد الصدر الكبير شيخ الإِسلام موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي قدَّس الله روحه ونوَّر ضريحه) (¬1): الحمد لله المحمود على كل حال، الدائم الباقي بلا زوالٍ، الموجد خلقه على غير مثال، العالم بعدد القطر وأمواج البحر وذَرَّات الرِّمَالِ، لا يَعْزُبُ عنه مِثْقَالُ ذَرَّةٍ في الأرض ولا في السماء ولا تحت أطباق الجبال، {عَالِمُ الْغَيْبِ (¬2) وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ}. وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى وآله خير آل، صلاة دائمة بالغدو والآصال. أما بعد: [فهذا كتاب في الفقه على مذهب الإِمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشَّيباني رضي الله عنه، اجتهدت في جمعه وترتيبه، وإِيجازه وتقريبه، وسطاً بين القصير والطويل، وجامعاً لأكثر الأحكام عريَّةً عن (¬3)] الدليل والتعليل، ليكثر علمه، ويَقِلَّ حجمه، ويَسْهُلَ حفظه وفهمه، ويكون (مقنعاً) لحافظيه، نافعاً للناظر فيه. ¬

_ (¬1) ما بين القوسين زيادة من "ش". (¬2) غير مقروء في "م" والمثبت يوافق "ش". (¬3) ما بين الرقمين مقروء بصعوبة في "م" واضح في "ش". وعريَّة: من العُرْي وهو خلاف اللبس (القاموس عري).

والله سبحانه (¬1) المسؤول أن يبلّغنا أمَلنا، ويُصلح قولنا وعَملنا، ويجعل سعينا مُقَرِّباً إِليه، ونافعاً برحمته لديه (¬2). * * * ¬

_ (¬1) سبحانه: ليست في "ط". (¬2) كذا في "م" وفي "ش": ونافعاً لديه بمنه وكرمه.

كتاب الطهارة

كتاب الطَّهَارَة باب المياه وهي ثلاثة أقسام: ماء طهور وهو الباقي على أصل خلقته، وما تغير بمكثه (¬1)، أو بطاهر لا يمكن صونه عنه كالطحلب وورق الشجر، أو لا يخالطه كالعود (1) والكافور والدّهن، وأما ما أصله [الماء كالملح البحري، أو ما تروّح بريح منتنة (¬2)] إِلى جانبه، أو سخن بالشمس أو بطاهر، فهذا كله طاهر مطهّر، يرفع الأحداث ويزيل الأنجاس، غير مكروه استعماله (¬3). وإِن سخن بنجاسة فهل يكره استعماله؟ على روايتين. فصل القسم الثاني: ماء طاهر غير مطهر، وهو ما خالطه طاهر فغير اسمه، أو غلب على أجزائه، أو طبخ فيه فغيَّره (¬4). فإِن غيَّر أحد أوصافه: لونه، أو طعمه، أو ريحه، أو استعمل في رفع حدث، أو طهارة مشروعة: كالتجديد، وغسل الجمعة، أو غمس فيه يده قائم من نون الليل قبل غسلها ثلاثاً فهل تُسلب طهوريته؟ على روايتين. ¬

_ (¬1) اللفظة غير مقروءة في "م" بسبب التصوير. (¬2) ما بين الرقمين كذا في "م" بيد أنه غير مقروء بسبب التصوير أيضاً. (¬3) كذا في "م" وفي "ش" و"ط": الاستعمال. (¬4) اللفظة ليست في "م" استدركت من "ش" و"ط".

فصل

وإِن أزيلت به النجاسة فانفصل متغيراً أو قبل زوالها فهو نجس. وإِن انفصل غير متغير بعد زوالها فهو طاهر إِن كان المحل أرضاً، وإِن كان غير الأرض فهو طاهر في أصح الوجهين. وهل يكون طهوراً؟ على وجهين. وإِن خلت بالطهارة منه امرأة فهو طهور، ولا يجوز للرجل الطهارة به في ظاهر المذهب. فصل القسم الثالث: ماء نجس: وهو ما تغير بمخالطة النجاسة، فإِن لم يتغير وهو يسير فهل ينجس؟ على روايتين. وإِن كان كثيراً فهو طاهر، إِلا أن تكون النجاسة بولاً أو عذرة مائعة ففيه روايتان: إِحداهما: لا ينجس. والأخرى: ينجس إِلا أن يكون مما لا يمكن نزحه لكثرته فلا ينجس. وإِذا انضم إِلى الماء النجس ماء طاهر كثير طهره إِن لم يبق فيه تغير. وإِن كان الماء النجس كثيراً فزال تغيره بنفسه أو بنزح بقي بعده (¬1) كثير طهر. وإِن كوثر بماء يسير أو بغير الماء فأزال التغير لم يطهر ويتخرج أن يطهر. والكثير ما بلغ قلتين، واليسير ما دونهما، وهما خمسمائة رطل بالعراقي. وعنه أربعمائة. وهل ذلك تقريب أو تحديد؟ على وجهين. وإِذا شك في نجاسة الماء أو كان نجساً فشك في طهارته بنى على اليقين. وإِن اشتبه الماء الطاهر بالنجس لم يتحر فيهما على الصحيح من المذهب، ويتيمم. ¬

_ (¬1) في "ش": بعد.

باب الآنية

وهل يشترط إِراقتهما أو خلطهما؟ على روايتين. وِإن اشتبه طاهر بطهور توضأ من كل واحد منهما وصلى صلاة واحدة. وإِذا اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة صلى في كل ثوب صلاة بعدد النجس وزاد صلاة. باب الآنية كل إِناء طاهر، ويباح اتخاذه واستعماله ولو كان ثميناً: كالجوهر ونحوه إِلا آنية الذهب والفضة والمضبب بهما فإِنه يحرم اتخاذها واستعمالها على الرجال والنساء؛ فإِن توضأ منهما فهل تصح طهارته؟ على وجهين. إِلا أن تكون الضبة يسيرة من الفضة كتشعيب القدح ونحوه فلا بأس بها إِذا لم يباشرها بالاستعمال. وثياب الكفار وأوانيهم طاهرة مباحة الاستعمال ما لم تعلم نجاستها. وعنه: ما ولي عوراتهم كالسراويل ونحوه لا يصلى فيه. وعنه: أن من لا تحل ذبيحتهم لا يستعمل ما استعملوه من آنيتهم إِلا بعد غسله، ولا يؤكل من طعامهم إِلا الفاكهة ونحوها. ولا يطهر جلد الميتة بالدباغ، وهل يجوز استعماله في اليابسات بعد الدبغ؟ على روايتين. وعنه: يطهر منها جلد ما كان طاهراً في حال (¬1) الحياة، ولا يطهر جلد غير المأكول بالذكاة. ولبن الميتة وإِنفحتها نجسة في ظاهر المذهب. وعظمها وقرنها وظفرها نجس، وصوفها وشعرها وريشها طاهر. ¬

_ (¬1) اللفظة زيادة من "ط"، ولفظة: الحياة آخر سطر في "م" ويمكن أن تقرأ: حياته.

باب الاستنجاء

باب الاستنجاء يستحب عند دخول الخلاء أن يقول: بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث، ومن الرجس النجس الشيطان الرجيم. ولا يدخله بشيء فيه ذكر الله تعالى (إِلا من حاجة) (¬1). ويقدم رجله اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج، ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض، ويعتمد على رجله اليسرى ولا يتكلم ولا يلبث فوق حاجته. وإِذا خرج قال: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني. وإِن كان في الفضاء أبعد واستتر وارتاد مكاناً رخواً، ولا يبول في شق ولا سرب ولا طريق ولا ظل نافع ولا تحت شجرة مثمرة، ولا يستقبل الشمس ولا القمر، ولا يجوز أن يستقبل القبلة في الفضاء. وفي استدبارها فيه واستقبالها في البنيان روايتان. فإِذا فرغ مسح بيده اليسرى من أصل ذكره إِلى رأسه، ثم ينتره ثلاثاً. ولا يمسح فرجه بيمينه ولا يستجمر بها، فإِن فعل أجزأه. ثم يتحوّل عن موضعه ثم يستجمر ثم يستنجي بالماء. ويجزئه أحدهما إِلا أن يعدو الخارج موضع العادة فلا يجزئ إِلا الماء. ويجوز الاستجمار بكل طاهر ينقي كالحجر والخشب والخرق، إِلا الروث والعظام والطعام وماله حرمة وما يتصل بحيوان، ولا يجزئ أقل من ثلاث مسحات إِما بحجر ذي شعب أو ثلاثة، فإِن لم ينق بها زاد حتى ينقّى، ويقطع على وتر. ¬

_ (¬1) ما بين قوسين ليس في الأصلين "م" و"ش".

باب السواك وسنة الوضوء

ويجب الاستنجاء من كل خارج إِلا الريح، فإِن توضأ قبله فهل يصح وضوؤه؟ على روايتين. وإِن تيمم قبله خُرِّج على الروايتين، وقيل لا يصح وجهاً واحداً. باب السِّوَاك وسُنَّةُ الوضوء السِّوَاكُ مسنون في جميع الأوقات إِلا للصائم بعد الزوال فلا يُستحب، ويتأكد استحبابه في ثلاثة (¬1) مواضع: عند الصلاة. والانتباه من النوم. وتغيّر رائحة الفم. ويستاك بعود لين ينقي الفم ولا يجرحه ولا يضره ولا يتفتت فيه، فإِن استاك بإِصبعه أو بخرقة فهل يصيب السنة؟ على وجهين. ويستاك عرضاً ويدّهن غبًّاً ويكتحل وتراً. ويجب الختان ما لم يخفه على نفسه. ويكره القزع: ويتيامن في سواكه وطهوره وانتعاله ودخوله المسجد. وسنن الوضوء عشر: السِّوَاك، والتسمية، وعنه أنها واجبة مع الذكر، وغسل الكفين، إِلا أن يكون قائماً من نوم الليل ففي وجوبه روايتان. والبدأة بالمضمضة، والاستنشاق، والمبالغة فيهما إِلا أن يكون صائماً، وتخليل اللحية، وتخليل الأصابع، والتيامن، وأخذ ماء جديد للأذنين، والغسلة الثانية والثالثة. ¬

_ (¬1) في "م": ثلاث وهو خطأ وهو كذا في "ش".

باب فروض الوضوء وصفته

باب فروض الوضوء وصفته وفروضه ستة: غسل الوجه والفم والأنف منه، وغسل اليدين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين، وترتيبه على ما ذكر الله تعالى، والموالاة على إِحدى الروايتين. وهي أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله. والنية شرط لطهارة الحدث كلها (¬1)، وهي أن يقصد رفع الحدث أو الطهارة لما لا يباح إِلا بها، فإِن نوى ما تسن له الطهارة أو التجديد فهل يرتفع حدثه؟ على روايتين: وإِن نوى غسلاً مسنوناً فهل يجزئ عن الواجب؟ على وجهين. وإِن اجتمعت أحداث توجب الوضوء أو الغسل فنوى بطهارته أحدها فهل يرتفع سائرها؟ على وجهين: ويجب تقديم النية على أول واجبات الطهارة، ويستحب تقديمها على مسنوناتها، واستصحاب ذكرها في جميعها، وإِن استصحب حكمها أجزأه. فصل وصفة الوضوء: أن ينوي، ثم يسمي ويغسل يديه ثلاثاً، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثاً، من غرفة، وإن شاء من ثلاث وإِن شاء من ست، وهما واجبان في الطهارتين، وعنه: أن الاستنشاق وحده واجب فيهما، وعنه: أنهما واجبان في الكبرى دون الصغرى. ثم يغسل وجهه ثلاثاً من منابت شعر الرأس إِلى ما انحدر من اللحيين ¬

_ (¬1) كذا في الأصلين "م"، "ش".

باب مسح الخفين

والذقن طولاً مع ما استرسل من اللحية، ومن الأذن إِلى الأذن عرضاً، فإِن كان فيه شعر خفيف يصف البشرة وجب غسلها معه، وإِن كان يسترها أجزأه غسل ظاهره. ويستحب تخليله، ثم يغسل يديه إِلى المرفقين ثلاثاً، ويدخل المرفقين في الغسل، ثم يمسح رأسه فيبدأ بيديه من مقدم رأسه، ثم يمرهما إِلى قفاه، ثم يردهما إِلى مقدمه. ويجب مسح جميعه مع الأذنين وعنه: يجزئ مسح أكثره ولا يستحب تكراره وعنه: يستحب. ثم يغسل رجليه ثلاثاً إِلى الكعبين، ويدخلهما في الغسل: ويخلل أصابعه فإِن كان أقطع غسل ما بقي من محل الفرض، فإِن لم يبق شيء سقط، ثم يرفع نظره إِلى السماء ويقول: أشهد أن لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسو له. وتباح معونته وتنشيف أعضائه ولا يستحب. باب مسح الخُفَّين يجوز المسح على الخُفَّين والجرموقين والجوربين والعمامة والجبائر. وفي المسح على القلانس وخمر النساء المدارة تحت حلوقهن روايتان. ومن شرطه أن يلبس الجميع بعد كمال الطهارة، إِلا الجبيرة على إِحدى الروايتين. ويمسح المقيم يوماً وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن إِلا الجبيرة فإِنه يمسح عليها إِلى حلها. وابتداء المدة من الحدث بعد اللبس. وعنه: من المسح بعده. ومن مسح مسافراً ثم أقام أتم مسح مقيم، وإِن مسح مقيماً ثم سافر أو شكَّ في ابتدائه أتم مسح مقيم. وعنه: يتم مسح مسافر.

باب نواقض الوضوء

ومن أحدث ثم سافر قبل المسح أتم مسح مسافر. ولا يجوز المسح إِلا على ما يستر محل الفرض ويثبت بنفسه، فإِن كان فيه خرق يبدو منه بعض القدم، أو كان واسعاً يرى منه الكعب، أو الجورب خفيفاً يصف القدم أو يسقط منه إِذا مشى، أو شد لفائف، لم يجز المسح عليه. وإِن لبس خُفَّاً فلم يحدث حتى لبس عليه آخر جاز المسح عليه. ويمسح أعلى الخف دون أسفله وعقبه فيضع يده على الأصابع ثم يمسح إِلى ساقه. ويجوز المسح على العمامة المُحَنّكة إِذا كانت ساترة لجميع الرأس إِلا ما جرت العادة بكشفه، ولا يجوز على غير المحنكة إِلا أن تكون ذات ذؤابة فيجوز في أحد الوجهين ويجزئه (¬1) مسح أكثرها وقيل لا يجزئ إِلا مسح جميعها. ويمسح على جميع الجبيرة إِذا لم تتجاوز قدر الحاجة، ومتى ظهر قدم الماسح أو رأسه أو انقضت مدة المسح استأنف الطهارة. وعنه: يجزئه مسح رأسه وغسل قدميه. ولا مدخل لحائل في الطهارة الكبرى إِلا الجبيرة. باب نواقض الوضوء وهي ثمانية: الأول: الخارج من السبيلين قليلاً كان أو كثيراً، نادراً أو معتاداً. الثاني: خروج النجاسات من سائر البدن فإِن كان غائطاً أو بولاً نقض قليلهما، وإِن كان غيرهما لم ينقض إِلا كثيرها وهو ما فحش في النفس، وحكي عنه أن قليلها ينقض. الثالث: زوال العقل إِلا النوم اليسير جالساً أو قائماً. ¬

_ (¬1) كذا في الأصلين، "م"، "ش" وفي "ط" يجزئ.

وعنه: أن نوم الراكع والساجد لا ينقض يسيره. الرابع: مس الذكر بيده أو ببطن كفه أو بظهره ولا ينقض مسه بذراعه، وفي مس الذكر المقطوع وجهان. وإِذا لمس قُبُل الخنثى المشكل وذكره انتقض وضوؤه، وإِن مس أحدهما لم ينتقض إِلا أن يمس الرجل ذكره لشهوة، وفي مس الدبر ومس المرأة فرجها روايتان. وعنه لا ينقض مس الفرج بحال. الخامس: أن تمس بشرته بشرة أنثى لشهوة، وعنه: لا ينقض، وعنه: ينقض لمسها بكل حال. ولا ينقض مس الشعر والسن والظفر والأمرد. وفي نقض وضوء الملموس روايتان. السادس: غسل الميت. السابع: أكل لحم الجزور لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "توضأوا من لحوم الإِبل ولا توضأوا من لحوم الغنم" (¬1). فإِن شرب من لبنها فعلى روايتين، وإِن أكل من كبدها أو طحالها فعلى وجهين. الثامن: الردة عن الإِسلام. ومن تيقن الطهارة وشكَّ في الحدث، أو تيقن الحدث وشكَّ في الطهارة (¬2)، بنى على اليقين، فإِن تيقنهما وشكَّ في السابق منهما نظر في حاله قبلهما: فإِن كان متطهراً فهو محدث، وإِن كان محدثاً فهو متطهر. ومن أحدث حرم (¬3) عليه الصلاة والطواف ومس المصحف. ¬

_ (¬1) ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 250) وعزاه الطبراني في "المعجم الكبير" وقال: وفيه جابر الجعفي، وثقه شعبة وسفيان وضعّفه الناس. (¬2) كذا في "ش" واللفظة سقطت من "م" ووضع عوضاً عنها في الهامش الوضوء. (¬3) في الأصلين "م"، "ش": حرم كما أثبتناه وهو جائز لأن الفاعل مؤنث مجازي وفصل بينه وبين الفعل فاصل. =

باب الغسل

باب الغسل وموجباته سبعة: الأول: خروج المنيِّ الدافق بلذة، فإِن خرج لغير ذلك لم يوجب. وإِن أحس بانتقاله فأمسك ذكره فلم يخرج فعلى روايتين: فإِن خرج بعد الغسل أو خرجت بقية المني لم يجب الغسل. وعنه يجب. وعنه: يجب إِذا خرج قبل البول دون ما بعده. الثاني: التقاء الختانين وهو تغييب الحَشَفة في الفرج قُبلاً كان أو دبراً من آدمي أو بهيمة حيٍّ أو مَيِّتٍ. الثّالث: إِسلام الكافر أصلياً كان أو مرتداً، وقال أبو بكر (¬1): لا غسل عليه. الرابع: الموت. الخامس: الحيض. السادس: النفاس، وفي الولادة العارية (¬2) عن الدم وجهان. ومن لزمه الغسل حرم عليه قراءة آية فصاعداً، وفي بعض آية روايتان. ويجوز له العبور (¬3) في المسجد. ويحرم عليه اللبث فيه إِلا أن يتوضأ. ¬

_ (¬1) هو أحمد بن محمد بن الحجَّاج بن عبد العزيز المَرُّوذِي أبو بكر، من كبار أصحاب الإِمام أحمد بن حنبل وحامل علمه، توفي سنة (275 هـ). انظر ترجمته ومصادرها في "المنهج الأحمد" (1/ 272 - 274) و"شذرات الذهب" (3/ 313). (¬2) العارية كذا في "م" و"ش" والعبارة مستدركة على الهامش فيهما، وزاد في "ش" وعلى الهامش أيضاً: ولادة من غير دم. (¬3) فوقها في "ش": كلمة: فقط.

فصل

فصل والأغسال المستحبة ثلاثة عشر غسلًا: للجمعة، والعيدين، والاستسقاء والكسوف، ومن غسل الميت، والمجنون والمغمى عليه إِذا أفاقا من غير احتلام، وغسل المستحاضة لكل صلاة، والغسل للإِحرام، ودخول مكة، والوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، ورمي الجمار، والطواف. فصل في صفة الغسل وهو ضربان: كامل: يأتي فيه بعشرة أشياء: النية، والتسمية، وغسل يديه ثلاثاً، وغسل ما به من أذى، والوضوء، ويحثي على رأسه ثلاثاً يروّي بها أصول الشعر، ويفيض الماء على سائر جسده ثلاثاً، ويبدأ بشقه الأيمن، ويدلك بدنه بيده، وينتقل من موضعه فيغسل قدميه. ومجزئ: وهو أن يغسل ما به من أذى وينوي ويعم بدنه بالغسل، ويتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع، فإِن أسبغ بدونهما أجزأه. وإِذا اغتسل ينوي الطهارتين أجزأ عنهما، وعنه لا يجزئه حتى يتوضأ عنهما. ويستحب للجنب إِذا أراد النوم أو الأكل (¬1) أو الوطء ثانياً أن يغسل فرجه ويتوضأ. ¬

_ (¬1) كذا في "ش" والكلمة لم تُتَّمّ في "م" وهو سهو.

باب التيمم

باب التيمم هو بدل لا يجوز إِلا بشرطين: أحدهما: دخول الوقت فلا يجوز لفرض قبل وقته، ولا لنفل في وقت النهي عنه. الثاني: العجز عن استعمال الماء لعدمه أو لضرر في استعماله من جرح، أو برد شديد، أو مرض يخشى زيادته أو تطاوله، أو عطش يخافه على نفسه أو رفيقه أو بهيمته، أو خشية على نفسه أو ماله في طلبه، أو تعذره إِلا بزيادة كثيرة على ثمن مثله، أو ثمن يعجز عن أدائه. وإِن كان بعض بدنه جريحاً تيمم له وغسل الباقي، وإِن وجد ماء يكفي بعض بدنه لزمه استعماله وتيمم للباقي إِن كان جنباً. وإِن كان محدثاً فهل يلزمه استعماله؟ على وجهين. ومن عدم الماء لزمه طلبه في رحله وما قرب منه، فإِن دُلَّ عليه قريباً لزمه قصده. وعنه لا يجب الطلب. وإِن نسي الماء بموضع يمكنه استعماله وتيمم لم يجزئه. ويجوز التيمم لجميع الأحداث وللنجاسة على جرح تضره إِزالتها. وإِن تيمم للنجاسة لعدم الماء وصلى فلا إِعادة عليه إِلا عند أبي الخطاب. وإِن تيمم في الحضر خوفاً من البرد وصلى ففي وجوب الإِعادة روايتان. ولو عدم الماء والتراب صلى على حسب حاله وفي الإعادة روايتان. ولا يجوز التيمم إِلا بتراب طاهر له غبار يعلق باليد فإِن خالطه ذو غبار لا يجوز التيمم به كالجص ونحوه فهو كالماء إِذا خالطته الطاهرات.

فصل

فصل وفرائض التيمم أربعة: مسح وجهه، ويديه إِلى كوعيه، والترتيب،. والموالاة على إِحدى الروايتين. ويجب تعيين النية لما يتيمم له من حدث أو غيره، فإِن نوى جميعها جاز، وإِن نوى أحدها لم يجزئه عن الآخر، وإِن نوى نفلاً أو أطلق النية للصلاة لم يصل إِلا نفلًا، وإِن نوى فرضاً فله فعله والجمع بين الصلاتين وقضاء الفوائت والتنفل إِلى آخر الوقت. ويبطل التيمم بخروج الوقت، ووجود الماء، ومبطلات الوضوء. فإِن تيمم وعليه ما يجوز المسح عليه ثم خلعه لم يبطل تيممه، وقال أصحابنا يبطل. وإِن وجد الماء بعد الصلاة لم تجب إِعادتها، وإِن وجده فيها بطلت. وعنه لا تبطل. ويستحب تأخير التيمم إِلى آخر الوقت لمن يرجو وجود الماء. وإِن تيمم أول الوقت وصلى أجزأه. والسنة في التيمم: أن ينوي ويسمي ويضرب بيديه مفرجتي الأصابع على التراب ضربةً واحدة، فيمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه. وقال القاضي (¬1): المسنون ضربتان يمسح بإِحداهما وجهه وبالأخرى يديه إِلى المرفقين، فيضع بطون أصابع اليسرى على ظهر أصابع اليمنى ويمرها إِلى مرفقه، ثم ¬

_ (¬1) سيرد التعريف به في الصفحة (460) من هذا الكتاب فانظره هناك.

باب إزالة النجاسة

يدير بطن كفه إِلى بطن الذراع ويمرّها عليه، ويمر إِبهام اليسرى على ظهر إِبهام اليمنى، ويمسح اليسرى باليمنى كذلك، ويمسح إِحدى الراحتين بالأخرى ويخلل الأصابع. ومن حبس في المصر صلى بالتيمم ولا إِعادة عليه. ولا يجوز لواجد الماء التيمم خوفاً من فوات المكتوبة ولا الجنازة. وعنه: يجوز للجنازة. وإِن اجتمع: جنب، وميت، ومن عليها غسل حيض، فبذل ما يكفي أحدهم لأولاهم به فهو للميت. وعنه أنه للحي. وأيهما يُقَدَّم؟ فيه وجهان. باب إِزالة النجاسة لا تجوز إِزالتها بغير الماء. وعنه ما يدل على أنها تزال بكل مائع طاهر مزيل للعين والأثر: كالخل وماء الورد وماء الشجر ونحوه. ويجب غسل نجاسة الكلب والخنزير سبعاً إِحداهن بالتراب، فإِن جعل مكانه أشناناً أو نحوه فَعَلى (¬1) وجهين. وفي سائر النجاسات ثلاث روايات: إِحداهن: يجب غسلها سبعاً، وهل يشترط التراب؟ على وجهين. والثانية: ثلاثاً. والثالثة: تُكاثِرُ (¬2) بالماء من غير عدد كالنجاسات كلها إِذا كانت على الأرض. ولا تَطْهُر الأرض النجسة بشمس ولا ريح، ولا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إِلا الخمرة إِذا انقلبت بنفسها، فإِن خُلّلت لم تطهر ¬

_ (¬1) كذا في الأصلين: "م" و"ش" وفي "ط": فهل يصح؟ على وجهين. (¬2) في "ش" يُكاثِرُ.

باب الحيض

وقيل تطهر. ولا تطهر الأدهان النجسة بالغسل (¬1). وقال أبو الخطاب يطهر بالغسل منها ما يتأتى غسله، وإِذا خفي موضع النجاسة لزمه غسل ما يتيقن به إِزالتها. ويجزئ في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام النضح، وإِذا تنجس أسفل الخف أو الحذاء وجب غسله. وعنه يجزئ دلكه بالأرض. وعنه يغسل من البول والغائط ويدلك من غيرهما. ولا يُعْفى عن يسير شيءٍ من النجاسات إِلا الدم وما تولد منه من القيح والصديد وأثر الاستنجاء. وعنه في المذي، والقيء، وريق البغل والحمار وسباع البهائم والطير وعرقها وبول الخفاش والنبيذ والمني أنه كالدم. وعنه في المذي أنه يجزئ فيه النضح. ولا ينجس الآدمي بالموت وما لا نفس له سائلة كالذباب وغيره. وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه طاهر، وعنه أنه نجس. ومني الآدمي طاهر، وعنه أنه نجس، ويجزئ فرك يابسه. وفي رطوبة فرج المرأة روايتان. وسباع البهائم والطير والبغل والحمار الأهلي نجسة، وعنه أنها طاهرة، وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر. باب الحيض وهو دم طبيعة وجبلة، ويمنع عشرة أشياء: فعلَ الصلاة، ووجوبها، وفعلَ الصيام، وقراءة القرآن، ومس المصحف، واللبث في المسجد، والطواف والوطء في الفرج، وسنة الطلاق، والاعتداد بالأشهر. ويوجب الغسل والبلوغ والاعتداد به، والنفاس مثله إِلا في الاعتداد. فإِذا انقطع الدم أبيح فعل الصيام والطلاق ولم يبح غيرهما حتى تغتسل. ¬

_ (¬1) ليست اللفظة في الأصلين "م" و"ش" وأثبتناها من "ط".

فصل

ويجوز الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج، فإِن وطئها في الفرج فعليه نصف دينار كفارة وعنه: ليس عليه إِلا التوبة. وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين، وأكثره خمسون سنة. وعنه: ستون في نساء العرب. والحامل لا تحيض. وأقل الحيض يوم وليلة وعنه يوم. وأكثره خمسة (¬1) عشر يَوْماً، وعنه سبعة عشر، وغالبه ست أو سبع (¬2)، وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً، وقيل خمسة عشر يوماً، ولا حد لأكثره. فصل والمبتدأة تجلس يوماً وليلة ثم تغتسل وتصلي، فإِن انقطع دمها لأكثره فما دون اغتسلت عند انقطاعه، وتفعل ذلك ثلاثاً، فإِن كان في الثلاث على قدر واحد صار عادة وانتقلت إِليه وأعادت ما صامته من الفرض فيه. وعنه: يصير عادة بمرتين. وإِن جاوز أكثر الحيض فهي مستحاضة، فإِن كان دمها متميزاً بعضه ثخين أسود منتن، وبعضه رقيق (3) أحمر، فحيضها زمن الدم الأسود وما عداه استحاضة، وإِن لم يكن متميزاً قعدت (¬3) من كل شهر غالب الحيض (وعنه) أقله و (عنه) أكثره (وعنه) عادة نسائها كأمها وأختها وعمتها وخالتها. وذكر أبو الخطاب في المبتدأة أول ما ترى الدم الروايات الأربع. وإِن استحيضت المعتادة رجعت إِلى عادتها وإِن كانت مميزة. ¬

_ (¬1) في "م" خمس وسبع وهو خطأ. (¬2) ست وسبع: كذا في "ش" و"م" وهو خطأ إِلا أن يكون نوى تغيير المعدود وجعله: ليالٍ بدل أيامٍ. (¬3) كلمات غير مقروءة في "ش" واضحة في "م".

فصل

وعنه يقدم التمييز وهو اختيار الخرقي (¬1). وِإن نسيت العادة عملت بالتمييز، فإِن لم يكن لها تمييز جلست غالب الحيض في كل شهر. وعنه أقله. وقيل فيها الروايات الأربع. وإِن علمت عدد أيامها ونسيت موضعها جَلَسَتْها مِنْ أول كل شهر في أحد الوجهين، وفي الآخر تجلسها بالتحري. وكذلك الحكم في كل موضع حيض من لا عَادَةَ لها ولا تمييز. وِإن علمت أيامها في وقت من الشهر كنصفه الأول جلستها فيه إِما من أوله أو بالتحري على اختلاف الوجهين. وِإن علمت موضع حيضها ونسيت عدده جلست فيه غالب الحيض أو أقله على اختلاف الروايتين. وإِن تغيرت العادة بزيادة أو تقدم أو تأخر أو انتقال فالمذهب أنها لا تنتقل (¬2) إِلى ما خرج عن العادة حتى يتكرر ثلاثاً أو مرتين على اختلاف الروايتين. قال الشيخ (¬3): وعندي أنها تصير إِليه من غير تكرار. وِإن طهرت في أثناء عادتها اغتسلت وصلّت، فإِن عاودها الدم في العادة فهل تلتفت إِليه؟ على روايتين. والصُّفرة والكُدرةُ في أيام الحيض من الحيض. ومن كانت ترى يوماً دماً ويوماً طهراً فإِنها تضم الدم إِلى الدم فيكون حيضاً والباقي طهراً إِلا أن يجاوز أكثر الحيض فهي (¬4) مستحاضة. فصل والمستحاضة تغسل فرجها وتعصبه وتتوضأ لوقت كل صلاة، وتصلي ما شاءت من الصلوات. وكذلك من به سلس البول والمذي والريح والجريحُ الذي لا يرقأ دمه والرعاف الدائم. ¬

_ (¬1) هو عمر بن الحسين بن عبد الله الخرقي أبو القاسم، مات سنة 334. انظر ترجمته في "المنهج الأحمد" (2/ 266) و"شذرات الذهب" (4/ 186). (¬2) في "ش" و"ط": تلتفت. (¬3) زيادة من "ش". (¬4) كذا في "م" وفي "ش" و"ط": فتكون.

فصل

وهل يباح وطء المستحاضة في الفرج من غير خوف العنت؟ على روايتين. فصل وأكثر النفاس أربعون يوماً ولا حد لأقله: أي وَقْتٍ رَأَتِ الطُّهْرَ فهي طاهر (¬1) تغتسل وتصلي. ويستحب أن لا يقربها في الفرج حتى تتم الأربعين، وإِذا انقطع دمها في مدة الأربعين ثم عاد فيها فهو نفاس. وعنه أنه مشكوك فيه تصوم وتصلي وتقضي الصوم المفروض. وإِن ولدت توأمين فأول النفاس من الأول وآخره منه. وعنه أنه من الأخير والأول أصح. * * * ¬

_ (¬1) طاهر: كذا في جميع الأصول وهو خطأ لأن جميع ما كان على وزن (فاعل) من الصفات فمؤنثه بالتاء. انظر الخضري على ابن عقل على ألفية ابن مالك بحث التأنيث.

كتاب الصلاة

كتاب الصلاة وهي واجبة على كل مسلم بالغ عاقل. إِلا الحائض والنفساء. وتجب على النائم ومن زال عقله بسكر أو إِغماء أو شرب دواء. ولا تجب على كافر ولا مجنون ولا تصح منهما. وإِذا صلى الكافر حُكِمَ بإِسلامه. ولا تجب على صبي وعنه تجب على من بَلَغَ عشراً ويؤمر بها لسبعٍ، ويُضْرَبُ على تركها لعشر، فإِن بلغ في أثنائها أو بعدها في وقتها لزمه إِعادتها. ولا يجوز لمن وجبت عليه الصلاة تأخيرها عن وقتها إِلا لمن ينوي الجمع أو لمشتغل بشرطها. ومن جحد وجوبها كفر، فإِن تركها تهاوناً لا جحوداً دُعِيَ إِلى فعلها، فإِن أبى حتى تضايق وقت التي بعدها وجب قتله. وعنه: لا يجب حتى يترك ثلاثاً ويضيق وقت الرابعة، ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثاً، فإِن تاب وإِلا قتل بالسيف. وهل يقتل حداً أو لكفره؟ على روايتين. باب الأذان والإِقامة هما مشروعان للصلوات الخمس دون غيرها، للرجال دون النساء. وهما فرض على الكفاية، إِن اتفق أهل بلد على تركهما قاتلهم الإِمام. ولا يجوز أخذ الأجرة عليهما في أظهر الروايتين، فإِن لم يوجد متطوع بهما رزق الإِمام من بيت المال من يقوم بهما.

وينبغي أن يكون المؤذن صَيِّتاً أميناً عالماً بالأوقات، فإِن تشاح فيه نفسان قدم أفضلهما في ذلك، ثم أفضلهما في دينه وعقله، ثم من يختاره الجيران، فإِذا استويا أقرع بينهما. والأذان خمس عشرة كلمة لا ترجيع فيه، والإِقامة إِحدى عشرة كلمة، فإِن رَجَّع في الأذان أو ثنى الإِقامة فلا بأس. ويقول في أذان الصبح: "الصلاة خير من النوم" مرتين. ويستحب أن يترسل في الأذان ويحدر في الإِقامة، ويؤذن قائماً متطهراً على موضع عال مستقبل القبلة، فإِذا بلغ الحَيْعَلَةَ التفت يميناً وشمالاً ولم يستدر، ويجعل إِصبعيه في أذنيه، ويتولاهما معاً، ويقيم في موضع أذانه إِلا أن يشق عليه. ولا يصح الأذان إِلا مرتباً متوالياً فإِن نَكَّسه أو فَرَّق بينه بسكوت طويل أو كلام كثيرٍ أو مُحَرَّم لم يعتدّ به. ولا يجوز إِلا بعد دخول الوقت، إِلا الفجر فإِنه يؤذن لها بعد نصف الليل. ويستحب أن يجلس بعد أذان المغرب جلسة خفيفة ثم يقيم. ومن جمع بين صلاتين أو قضى فوائت أذَّن وأقام للأولى ثم أقام لكل صلاة بعدها. وهل يجزئ أذان المميز للبالغين؟ على روايتن. وهل يعتد بأذان الفاسق والملحن؟ على وجهين. ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول إِلا في الحَيْعَلَة فإِنه يقول: "لا حول ولا قوة إِلا بالله العلي العظيم". ويقول بعد فراغه: "اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة (¬1) والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إِنك لا تخلف الميعاد". ¬

_ (¬1) الكلمة غير مقروءة في "ش".

باب شروط الصلاة

باب شروط الصلاة وهي ما يجب لها قبلها وهي ست: أولها: دخول الوقت. والئاني: الطهارة من الحدث. والصلوات المفروضات خمس: الظهر وهي الأولى ووقتها من زوال الشمس إِلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد الذي زالت عليه الشمس، والأفضل تعجيلها إِلا في شدة الحر والغيم لمن يصلي جماعة. ثم العصر وهي الوسطى ووقتها من خروج وقت الظهر إِلى اصفرار الشمس. وعنه إِلى أن يصير ظل كل شيء مثليه، ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الضرورة إِلى غروب الشمس، وتعجيلها أفضل بكل حال. ثم المغرب وهي الوتر ووقتها من مغيب الشمس إِلى مغيب الشفق الأحمر، والأفضل تعجيلها إِلا ليلة جَمْعٍ (¬1) لمن قصدها. ثم العشاء ووقتها من مغيب الشفق الأحمر إِلى ثلث الليل الأول، وعنه نصفه، ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الضرورة إِلى طلوع الفجر الثاني، وهو البياض المعترض في المشرق، ولا ظلمة بعده، وتأخيرها أفضل ما لم يشق. ثم الفجر ووقتها من طلوع الفجر الثاني إِلى طلوع الشمس، وتعجيلها أفضل. وعنه إِن أسفر المأمومون فالأفضل الإِسفار (¬2). ومن أدرك تكبيرة الإِحرام من صلاة في وقتها فقد أدركها، ومن شكَّ ¬

_ (¬1) جمع (بفتح الجيم وسكون الميم): مزدلفة. "تاج العروس" (جمع). (¬2) كذا في "م" و"ط"، وفي "ش": فالإِسفار أفضل.

باب ستر العورة

في دخول الوقتِ لم يصلِّ حتى يغلب على ظنه دخوله، فإِن أخبره بذلك مخبر عن يقين قَبِلَ قوله وإِن كان عن ظن لم يَقْبله. ومتى اجتهد وصلى فبان أنه وافق الوقت أو ما بعده أجزأه، وإِن وافق قبله لم يجزئه. ومن أدرك من الوقت قدر تكبيرة ثم جن أَوْ حاضت المرأة لزمه القضاء، وإِن بلغ صبي، أو أسلم كافر، أو أفاق مجنون، أو طهرت حائض، قبل طلوع الشمس بقدر تكبيرة لزمهم الصبح، وإِن كان (ذلك) (¬1) قبل غروب الشمس لزمهم الظهر والعصر، وإِن كان قبل طلوع الفجر لزمهم المغرب والعشاء. ومن فاتته صلاة لزمه قضاؤها على الفور مرتباً قَلَّت أو كَثُرَتْ. فإِن خشي فوات الحاضرة أو نسي الترتيب سقط وجوبه. باب سَتر العَوْرَة وهو الشرط الثالث. وسترها عن النظر بما لا يصف البشرة واجب. وعورة الرجل والأمة ما بين السرة والركبة، وعنه أنها الفرجان، والحرة كلها عورة إِلا الوجه. وفي الكفين روايتان. وأم الولد والمعتق بعضها كالأمة، وعنه كالحرة. ويستحب للرجل أن يصلي في ثوبين فإِن اقتصر على ستر العورة أجزأه إِذا كان على عاتقه شيء من اللباس. وقال القاضي يجزئه ستر العورة في النفل دون الفرض. ويستحب للمرأة أن تصلي في درع وخمار وملحفة فإِن اقتصرت على ستر عورتها أجزأها. وإِذا انكشف من العورة يسير لا (¬2) يفحش في النظر لم تبطل صلاته وإِن فحش بطلت. ¬

_ (¬1) زيادة من "ش". (¬2) كذا في "ش" وفي "م": لم.

ومن صلى في ثوب من حريرٍ أو مغصوب (¬1) لم تصح صلاته. وعنه تصح مع التحريم. ومن لم يجد إِلا ثوباً نجساً صلى فيه وأعاد على المنصوص. ويتخرج أن لا يعيد بناءً على من صلى في موضع نجس لا يمكنه الخروج منه فإِنه قال لا إِعادة عليه، ومن لم يجد إِلا ما يستر عورته سترها، فإِن لم يكف جميعها ستر الفرجين، فإِن لم يكفهما ستر أيهما شاء (¬2)، والأولى ستر الدبر على ظاهر كلامه، وقيل القبل أولى. وِإن بذلت له سترة لزمه قبولها إِذا كانت عارية. فإِن عدم بكل حال صلى جالساً يومي إِيماء. وإِن صلى قائماً جاز. وعنه أنه يصلي (¬3) قائماً ويسجد بالأرض. وإِن وجد السترة قريبة منه في أثناء الصلاة ستر وبنى، وإِن كانت بعيدة ستر وابتدأ. ويصلي العراة جماعة وإِمامهم في وسطهم فإِن كانوا رجالاً ونساء صلى كل نوع لأنفسهم، وإِن كانوا في ضيق صلى الرجال واستدبرهم النساء ثم صلى النساء واستدبرهن الرجال. ويكره في الصلاة السدل وهو أن يطرح على كتفيه ثوباً ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى، واشتمال الصماء وهو أن يضطبع بثوب ليس عليه غيره (¬4). وعنه أنه يكره وإِن كان عليه غيره. ويكره تغطية الوجه، والتلثم على الفم والأنف، وَلَفّ (¬5) الكم وشد الوسط بما يشبه شدّ (¬6) الزنار، وإِسبال شيء من ثيابه خيلاء. ¬

_ (¬1) كذا في "م" و"ش" وفي "ط": غصب. (¬2) أيهما شاء: العبارة غير مقروءة في "م" واضحة في "ش". (¬3) اللفظة مستدركة على هامش "م" وفي مكان سقوطها ضبّة تشير إِليه. (¬4) اللفظة مستدركة على هامش "ش". (¬5) كذا في الأصلين وفي "ط": وكفّ (بالكاف). (¬6) اللفظة ليست في "ط".

فصل

فصل ولا يجوز لبس ما فيه صورة حيوان في أحد الوجهين. ولا يجوز للرجل لبس ثياب الحرير أو ما غالبه الحرير ولا افتراشه إِلا من ضرورة فإِن استوى هو وما نسج معه فعلى وجهين. ويحرم لبس المنسوج بالذهب والمموه به فإِن استحال لونه فعلى وجهين. وإِن لبس الحرير لمرض أو حكة في الجرب أو ألبسه الصَّبِيَّ فعلى روايتين. ويباح حشو الجباب والفرش به ويحتمل أن يحرم. ويباح العَلَم الحرير في الثوب إِذا كان أربع أصابع فمادون. وقال [أبو بكر: يباح وإِن كان مذهباً وكذلك الرقاع ولبنة الجيب وسجف (¬1)] الفراء. ويكره للرجل لبس المزعفر والمعصفر. باب اجتناب النجاسات وهو الشرط الرابع. فمتى لاقى ببدنه أو ثوبه نجاسة غير معفو عنها أو حملها لم تصح صلاته. وإِن طيَّن الأرض النجسة أو بسط عليها شيئاً طاهراً صحت الصلاة عليها مع الكراهة. وقيل لا تصح. وإِن صلى على مكان طاهر من بساط طرفه نجس صحت صلاته إِلا أن يكون متعلقاً به بحيث ينجر معه إِذا مشى فلا تصح. ومتى وجد عليه نجاسة لا يعلم هل كانت في الصلاة أو لا فصلاته صحيحة، وإِن علم أنها كانت في الصلاة لكن جهلها أو نسيها فعلى روايتين، وإِذا جبر ساقه بعظم نجس فجبر لم يلزمه قلعه ¬

_ (¬1) فما دون. وقال: طمست الكلمة الأخيرة وبعض التي قبلها في "م" والجيب وسجف: كذلك مكانهما بياض فيها بسبب ذهاب المداد.

باب استقبال القبلة

إِذا خاف الضرر وإِن لم يخف لزمه (قلعه) (¬1)، وإِن سقطت سنه فأعادها بحرارتها فثبتت فهي طاهرة. وعنه أنها نجسة حكمها حكم العظم النجس إِذا جبرته ساقه. ولا تصح الصلاة في: المقبرة، والحمام، والحش، وأعطان الإِبل التي تقيم فيها وتأوي إِليها، والموضع المغصوب. وعنه تصح مع التحريم. وقال بعض أصحابنا حكم المجزرة والمزبلة وقارعة الطريق وأسطحتها كذلك، وتصح الصلاة إِليها إِلا المقبرة والحش في قول ابن حامد (¬2)، ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا على ظهرها وتصح النافلة إِذا كان بين يديه شيء منها. باب استقبال القِبْلَة وهو الشرط الخامس لصحة الصلاة إِلا في حال العجز والنافلة على الراحلة في السفر الطويل والقصير. وهل يجوز التنفل للماشي؟ على روايتين. فإِن أمكنه افتتاح الصلاة إِلى القبلة فهل يلزمه ذلك؟ على روايتين. والفرضُ في القبلة إِصابة العين لمن قرب منها وإِصابة الجهة لمن بعد عنها فإِن أمكنه ذلك بخبر ثقة عن يقين أو استدلال بمحاريب المسلمين لزمه العمل به، وإِن وجد محاريب لا يعلم هل هي للمسلمين أو لا لم يلتفت إِليها. وإِن اشتبهت عليه في السفر اجتهد في طلبها بالدلائل، وأثبتها القطب إِذا جعله وراء ظهره كان مستقبلاً للقبلة. والشمس والقمر ومنازلهما وما يقترن بها: كلها تطلع ¬

_ (¬1) ما بين قوسين ليس في "م" و"ش" زيادة من "ط". (¬2) هو الحسن بن حامد بن علي البغدادي أبو عبد الله، إمام الحنابلة في زمانه ومدرسهم وفقيههم. مات سنة (304) هـ. انظر "المنهج الأحمد" (2/ 314) و"شذرات الذهب" (5/ 17).

باب النية

من المشرق وتغرب في المغرب عن يمين المصلي. والرياح الجنوب تهب مستقبلة لبطن كتف المصلي اليسرى مارة إِلى يمينه، والشمال مقابلتها تهب إِلى مهب الجنوب، والدبور تهب [مستقبلة شطر وجه المصلي الأيمن والصبا مقابلتها (¬1)] تهب إِلى مهبها. وإِذا اختلف اجتهاد رجلين لم يتبع أحدهما صاحبه ويتبع الجاهل والأعمى أوثقهما في نفسه، وإِذا صلى البصير في حضر فأخطأ أو صلى (¬2) الأعمى بلا دليل أعاد، فإِن لم يجد الأعمى من يقلده صلى، وفي الإِعادة وجهان. وقال ابن حامد إِنْ أخطأ أعاد وإِن أصاب فعلى وجهين. ومن صلى بالاجتهاد [إِلى جهة (¬3)] ثم علم أنه قد [أخطأ القبلة فلا إِعادة عليه، وإِن أراد صلاة أخرى اجتهد لها فإِن تغير اجتهاده عمل بالثاني ولم يعد ما صلى بالأول. باب النِّيَّة وهو الشرط السادس للصلاة على كل حال. ويجب أن ينوي الصلاة بعينها إِن كانت معينة وإِلا أجزأته نية الصلاة. وهل تشترط نية القضاء في الفائتة ونية الفرضية في الفرض؟ على وجهين. ويأتي بالنية عند تكبيرة الإِحرام، فإن تقدمت قبل ذلك بالزمن اليسير جاز. ويجب أن يستصحب حكمها إِلى آخر الصلاة فإِن قطعها في أثنائها بطلت الصلاة، وإِن تردد في قطعها فعلى وجهين. وإِن أحرم بفرض فبان قبل وقته انقلب نفلًا، وإِن أحرم به في وقته ثم قلبه نفلًا جاز، ويحتمل أن لا يجوز إِلا لعذر (¬4)] مثل ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين ليس في "ش". (¬2) أو صلى: مكررة في "م" وهو سهو. (¬3) ما بين الرقمين ليس في "م" استدرك من "ش". (¬4) ما بين الرقمين سقط من "م" واستدرك من "ش" و"ط".

باب صفة الصلاة

أن يحرم منفرداً فيريد الصلاة في جماعة. وإِن انتقل من فرض إِلى فرض بطلت الصلاتان. ومن شرط الجماعة أن ينوي الإِمام والمأموم حالهما فإِن أحرم منفرداً ثم نوى الإِتمام لم يصح في أصح الروايتين. وإِن نوى الإِمامة صح في النفل ولم يصح في الفرض، ويحتمل أن يصح وهو أصح عندي، فإِن أحرم مأموماً ثم نوى الانفراد لعذر جاز وإِن كان لغير عذر لم يجز في إِحدى الروايتين. وِإن نوى الإِمامة لاستخلاف الإِمام له إِذا سبقه الحدث صح في ظاهر المذهب، وإِن سبق اثنان ببعض الصلاة فائتم أحدهما بصاحبه في قضاء ما فاتهما فعلى وجهين. وإِن كان لغير عذر لم يصح وإِن أحرم إِماماً لغيبة إِمام الحي ثم حضر في أثناء الصلاة فأحرم بهم وبنى على صلاة خليفته وصار الإِمام مأموماً، فهل يصح؟ على وجهين. باب صِفَةِ الصَّلاة السنة أن يقوم إِلى الصلاة إِذا قال المؤذن "قد قامت الصلاة" ثم يسوي الإِمام الصفوف ثم يقول "الله أكبر" لا يجزئه غيرها، فإِن لم يحسنها لزمه تعلمها فإِن خشي فوات الوقت كبر بلغته. ويجهر الإِمام بالتكبير كله ويسر غيره به وبالقراءة قدر ما يسمع نفسه. ويرفع يديه مع ابتداء التكبير ممدودة الأصابع مضمومة بعضها إِلى بعض إِلى حذو منكبيه أو إِلى فروع أذنيه، ثم يضع كف يده اليمنى على كوع (يده) (¬1) اليسرى ويجعلهما تحت سرته وينظر إِلى موضع سجوده ثم يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إِله غيرك". ثم يقول "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" ثم يقرأ "بسم الله الرحمن ¬

_ (¬1) يده ليست في "ش" استدركت من "ط".

الرحيم" وليست من الفاتحة. وعنه أنها منها ولا يجهر بشيء من ذلك. ثم يقرأ الفاتحة وفيها إِحدى عشرة تشديدة فإِن ترك ترتيبها أو تشديدة منها أو قطعها بذكر كثيرٍ أو سكوتٍ طويلٍ لزمه استئنافها، فإِذا قال ولا الضّالين وقال (¬1) آمين يجهر بها الإِمام والمأموم في صلاة الجهر فإِن لم يحسن الفاتحة وضاق الوقت عن تعلمها قرأ قدرها في عدد الحروف وقيل في عدد الآيات من غيرها، فإِن لم يحسن إِلا آية واحدة كررها بقدرها، فإِن لم يحسن شيئاً من القرآن لم يجز أن يترجم عنه بلغة أخرى ولزمه أن يقول: "سبحان الله والحمد لله ولا إِله إِلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إِلا بالله العلي العظيم" فإِن لم يحسن إِلا بعض ذلك كرره بقدرها، فإِن لم يحسن شيئاً من الذكر وقف بقدر القراءة. [ويستحب أن يسكت الإِمام عقب قراءة الفاتحة سكتة يستريح فيها ثم (¬2)] يقرأ بعد الفاتحة سورة تكون في الصبح من طوال المفصل وفي المغرب من قصاره، وفي الباقي من أوساطه. ويجهر الإِمام بالقراءة في الصبح والأولَيَيْنِ (¬3) من المغرب والعشاء. وإِن قرأ بقراءة تخرج عن مصحف عثمان رضي الله عنه لم تصح صلاته. وعنه تصح. ثم يرفع يديه ويركع مكبراً فيضع يديه على ركبتيه ويمد ظهره مستوياً ويجعل رأسه حيال ظهره لا يرفعه ولا يخفضه. ويجافي مرفقيه عن جنبيه، وقدر الإِجزاء بالانحناء بحيث يمكنه مس ركبتيه، ثم يقول سبحان ربي العظيم ثلاثاً وهو أدنى الكمال، ثم يرفع رأسه قائلاً: سمع الله لمن حمده، ويرفع يديه. فإِذا قام قال: ربنا ولك ¬

_ (¬1) في "ش" قال. (¬2) ما بين الرقمين ليس في "ش" واستدرك من "ط". (¬3) (الأوليين) سقطت من المتن في "ش" واستدركت في الهامش وفوق السطر إِشارة تدل على مكان سقوطها منه.

الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد. فإِن كان مأموماً لم يزد على ربنا ولك الحمد إِلا عند أبي الخطاب، ثم يكبر ويخرّ ساجداً ولا يرفع يديه، فيضع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه ويكون على أطراف أصابعه. والسجود على هذه الأعضاء واجب إِلا الأنف على إِحدى الروايتين. ولا يجب عليه مباشرة المصلى بشيء منها إِلا الجبهة على إِحدى الروايتين. ويجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، ويضع يديه حذو منكبيه، ويفرق بين ركبتيه، ويقول سبحان ربي الأعلى ثلاثاً ثم يرفع رأسه مكبراً ويجلس مفترشاً يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى، ثم يقول رب اغفر لي ثلاثاً، ثم يسجد الثانية كالأولى، ثم يرفع رأسه مكبراً ويقوم على صدور قدميه معتمداً على ركبتيه إِلا أن يشق عليه فيعتمد بالأرض. وعنه يجلس جلسة الاستراحة على قدميه وإِليتيه ثم ينهض. ثم يصلي الثانية كالأولى (¬1) إِلا في تكبيرة الإِحرام والاستفتاح، وفي الاستعاذة روايتان، ثم يجلس مفترشاً ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى يقبض منها الخنصر والبنصر ويحلق الإِبهام مع الوسطى ويشير بالسبابة في تشهده مراراً ويبسط اليسرى على الفخذ اليسرى ثم يتشهد فيقول: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إِله إِلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، هذا التشهد الأول، ثم يقول: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إِبراهيم إِنك حميد مجيد [وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إِبراهيم إِنك حميد مجيد (¬2)]. وإِن شاء قال كما صليت على إِبراهيم ¬

_ (¬1) كذا في "ط" وفي الأصلين "م" و"ش" كذلك. (¬2) ما بين الرقمين مستدرك على هامش "م" و"ش".

فصل

وعلى (¬1) آل إِبراهيم وكما باركت على إِبراهيم وآل إِبراهيم. ويستحب أن يتعوذ فيقول أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال. وإِن دعا بما ورد في الأخبار فلا بأس. ثم يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره كذلك، فإِن لم يقل ورحمة الله لم يجزئه. وقال القاضي: يجزئه ونصّ عليه أحمد في صلاة الجنازة وينوي بسلامة الخروج من الصلاة فإِن لم ينو جاز، وقال ابن حامد تبطل صلاته. وإِن كان في مغرب أو رباعية نهض مكبراً إِذا فرغ من التشهد الأول وصلى الثالثة والرابعة مثل الثانية إِلا أنه لا يجهر ولا يقرأ شيئاً بعد الفاتحة. ثم يجلس في التشهد الثاني متوركاً يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ويخرجهما (¬2) عن يمينه ويجعل إِليتيه على الأرض. والإِمرأة (¬3) في ذلك كالرجل إِلا أنها تجمع نفسها في الركوع والسجود وتجلس متربعة أو تسدل رجليها فتجعلهما في جانب يمينها. وهل يسن لها رفع اليدين؟ على روايتين. فصل ويكره الالتفات في الصلاة، ورفع بصره إِلى السماء، وافتراش الذراعين، والإِقعاء في الجلوس، وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه. وعنه أنه سنة. ويكره أن يصلي وهو حاقن أو بحضرة طعام تتوق نفسه إِليه، ويكره العبث، والتخصر، والتروّح، وفرقعة الأصابع وتشبيكها، وله رد المار بين يديه وعد الآي والتسبيح، وقتل الحية ¬

_ (¬1) زيادة من "ش". (¬2) في "ط": ويخرجها والمثبت من "م" و"ش". (¬3) اللفظة مستدركة على الهامش في "ش".

فصل

والعقرب والقملة، ولبس الثوب والعمامة ما لم يطل، فإِن طال الفعل في الصلاة أبطلها عمداً كان أو سهواً، إِلا أن يفعله متفرقاً. ويكره تكرار الفاتحة والجمع بين سور فِي الفرض ولا يكره في النفل، ولا تكره قراءة أواخر السور وأوساطها. وعنه يكره. وله أن يفتح على الإِمام إِذا أُرتج عليه. وإِذا نابه شيء مثل سهو إِمامه واستئذان إِنسان عليه سبح إِن كان رجلًا وإِن كانت امرأةً صفحت ببطن كفّها على ظهر الأخرى. وإِن بدره البصاق بصق فِي ثوبه وإِن كان في غير المسجد جاز أن يبصق عَنْ (¬1) يساره أو تحت قدميه. ويستحب أن يصلي إِلى سترة مثل أخرة الرحل، فإِن لم يجد خط خطاً فإِذا مر من ورائها شيء لم يكره وإِن لم يكن سترة فمر بين يديه الكلب الأسود البهيم بطلت صلاته، وفي المرأة والحمار روايتان. ويجوز له النظر في المصحف، وإِذا مرت به آية رحمة أن يسألها أو آية عذاب أن يستعيذ منها، وعنه يكره ذلك في الفرض. فصل أركان الصلاة اثنا عشر: القيام، وتكبيرة الإِحرام، وقراءة الفاتحة والركوع، والاعتدال عنه، والسجود، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة في هذه الأفعال، والتشهد الأخير، والجلوس له، والتسليمة الأولى والترتيب، من ترك شيئاً منها عمداً بطلت صلاته. و (واجباتها) تسعة: التكبير غير تكبير (¬2) الإِحرام، والتسميع، والتحميد في الرفع من الركوع، والتسبيح في الركوع والسجود مرة مرة، وسؤال المغفرة بين ¬

_ (¬1) كذا في "م" و"ش" وفي "ط": على. (¬2) في "ش" تكبيرة.

باب سجود السهو

السجدتين مرة، والتشهد الأول، والجلوس له (¬1)، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - والتسليمة الثانية في رواية، من ترك منها شيئاً عمداً بطلت صلاته ومن تركه سهواً سجد للسهو، وعنه أن هذه سنن لا تَبْطُل الصلاة بتركها. و (سنن الأقوال) اثنا عشر (¬2): الاستفتاح، والتعوذ، وقراءة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وقول آمين، وقراءة السورة، والجهر، والإِخفات، وقول "ملء السماء" بعد التحميد، وما زاد على التسبيحة الواحدة في الركوع والسجود، وعلى المرة في سؤال المغفرة، والتعوذ في التشهد الأخير، والقنوت في الوتر. فهذه سنن لا تَبْطُل الصلاة بتركها، ويجب السجود لها، وهل يشرع؟ على روايتين وما سوى هذا من سنن الأفعال لا تبطل الصلاة بتركه، ولا يشرع السجود له. باب سجود السهو ولا يشرع في العمد، ويشرع للسهو في زيادة ونقص وشك للنافلة والفرض، فأما الزيادة فمتى زاد فعلًا من جنس الصلاة قياماً أو قعوداً أو ركوعاً أو سجوداً عمداً بطلت الصلاة، وإِن كان سهواً سجد له، وإِن زاد ركعة فلم يعلم حتى فرغ منها سجد لها وإِن علم فيها جلس في الحال (1) فتشهد إِن لم (¬3) يكن تشهد وسجد وسلم، وإِن سبَّح به اثنان لزمه الرجوع، فإِن لم يرجع بطلت صلاته وصلاة من اتبعه عالماً، وِإن فارقه أو كان جاهلاً ¬

_ (¬1) والجلوس له: مستدركة على الهامش في "م". (¬2) الأفصح أن نقول: اثنتا عشرة إِلا إِذا قدرنا المعدود مذكراً كشيء أو قول فيصح. (¬3) اللفظان سقطا من "ش".

فصل

لم تبطل. والعمل المستكثر في العادة من غير جنس الصلاة يبطلها عمده وسهوه، ولا تبطل باليسير ولا يشرع له سجود، وإِن أكل أو شرب عمداً بطلت صلاته قل أو كثر، وإِن كان سهواً لم تبطل إِذا كان يسيراً. وإِن أتى بقول مشروع في غير موضعه: كالقراءة في السجود والقعود، والتشهد في القيام، وقراءة السورة في الأخريين لم تبطل الصلاة به، ولا يجب السجود لسهوه. وهل يشرع؟ على روايتين. فإِن سلم قبل إِتمام صلاته عمداً أبطلها، وإِن كان سهواً ثم ذكر قريباً أتمها وسجد، فإِن طال الفصل أو تكلم لغير مصلحة الصلاة بطلت، وإِن تكلم لمصلحتها ففيها ثلاث روايات: إِحداهن تبطل، والثانية لا تبطل (¬1)، والثالثة (¬2) تبطل صلاة المأمون دون الإِمام اختارها الخرقي، وإِن تكلم في صلب الصلاة بطلت. وعنه لا تبطل إِذا كان جاهلًا أو ساهياً (¬3) ويسجد له. وإِن قهقه أو نفخ أو انتحب فبان حرفان فهو كالكلام إِلا ما كان من خشية الله تعالى، قال أصحابنا في النحنحة مثل ذلك، وقد روي عن أبي عبد الله رحمه الله أنه كان يتنحنح في صلاته ولا يراها مبطلة للصلاة. فصل وأما النقص: فمتى ترك ركناً فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت التي تركه منها، وإِن (¬4) ذكره قبل ذلك عاد فأتى به وبما بعده، فإِن لم يعد بطلت صلاته، وإِن علم بعد السلام فهو كترك ركعة كاملة. ¬

_ (¬1) والثانية لا تبطل: لا "ش" وسقوطه سبب اضطراباً. (¬2) في "ش" الثانية وهو سهو. (¬3) كذا في "م" وفي "ش": ساهياً أو جاهلاً. (¬4) كذا في الأصلين.

فصل

وإِن نسي أربع سجدات من أربع ركعات وذكر في التشهد سجد سجدة فصحت ركعة له ويأتي بثلاث، وعنه تبطل صلاته. وإِن نسي التشهد الأول ونهض لزمه الرجوع ما لم ينتصب قائماً، فإِن استتم قائماً لم يرجع، وإِن رجع جاز، وإِن شرع في القراءة لم يجز له الرجوع. وعليه السجود لذلك كله. فصل وأما الشك: فمن شك في عدد الركعات بنى على اليقين. وعنه يبني على غالب ظنه، وظاهر المذهب أن المنفرد يبني على اليقين والإِمام يبني على غالب ظنه، فإِن استويا عنده بنى على اليقين. ومن شك في ترك ركن فهو كتركه. وإِن شك في ترك واجب فهل يلزمه السجود؟ على وجهين. وإِن شك في زيادة لم يسجد. وليس على المأموم سجود سهو إِلا أن يسهو إِمامه فيسجد معه. فإِن لم يسجد الإِمام فهل يسجد المأموم؟ على روايتين. فصل وسجود السهو لِما يُبْطل الصلاةَ واجبٌ، ومحله قبل السلام إِلا في السلام قبل إِتمام صلاته وفيما إِذا بنى الإِمام على غالب ظنه. وعنه أن الجميع قبل السلام. وعنه ما كان من زيادة فهو بعد السلام وما كان من نقص كان قبله. وإِن نسيه قبل السلام قضاه ما لم يطل الفصل، أو يخرج من المسجد. وعنه أنه يسجد وإِن بَعُدَ. ويكفيه لجميع السهو سجدتان إِلا أن يختلف محلهما ففيه وجهان: [أحدهما يجزئه سجدتان، والآخر يسجد لكل سهو سجدتين (¬1)]. ومتى سجد بعد السلام جلس فتشهد ثم ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين ليس في "م" واستدرك في "ش" على الهامش.

باب صلاة التطوع

سلم، وإِن ترك السجود الواجب قبل السلام عمداً بطلت الصلاة، وإِن ترك المشروع بعد السلام لم تبطل. باب صلاة التَّطوع وهي أفضل تطوع البدن، وآكدها صلاة الكسوف والاستسقاء ثم الوتر وليس بواجب، ووقته ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر، وأقله ركعة وأكثره إِحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ركعتين ويوتر بركعة، وإِن أوتر بتسع سرد ثمانياً وجلس فتشهد (¬1) ولم يسلم ثم صلى التاسعة وتشهد وسلم. وكذلك السبع. وإِن أوتر بخمس لم يجلس إِلا في آخرهن. وأدنى الكمال ثلاث ركعات بتسليمتين يقرأ في الأولى سبح وفي الثانية قل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة قل هو الله أحد. ويقنت فيها بعد الركوع فيقول: اللهم إِنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونتوب إِليك، ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله ونشكرك ولا نكفرك. اللهم إِياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإِليك نسعى ونحفد. نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إِن عذابك الجد بالكفار ملحق. اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا برحمتك (¬2). شر ما قضيت، إِنَّكَ تقضي ولا يقضى عليك، إِنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت. اللهم إِنا نعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك. وبك منك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. ¬

_ (¬1) زيادة من "ط". (¬2) زيادة من "ط".

وهل يمسح وجهه بيديه (¬1)؟ على روايتين. ولا يقنت في غير الوتر إِلا أن تنزل بالمسلمين نازلة فللإِمام خاصة القنوت في صلاة الفجر (¬2). ثم (السنن الراتبة) وهي عشر ركعات ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر (¬3) وهما آكدها. قال أبو الخطاب وأربع قبل العصر. ومن فاته شيء من هذه السنن سن له قضاؤه. ثم (التراويح) وهي عشرون ركعة يقوم بها في رمضان في جماعة ويوتر بعدها في الجماعة، فإِن كان له تهجد جعل الوتر بعده، فإِن أحب متابعة الإِمام فأوتر معه قام إِذا سلَّم الإِمام فشفعها بأخرى. ويكره التطوع بين التراويح. وفي التعقيب روايتان وهو أن يتطوع بعد التراويح والوتر في جماعة. وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار، وأفضلها وسط الليل، والنصف الأخير أفضل من الأول. وصلاة الليل مثنى مثنى، وإِن تطوع في النهار (¬4) بأربع فلا بأس والأفضل مثنى، وصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم، ويكون في حال القيام متربعاً. وأدنى (صلاة الضحى) ركعتان وأكثرها ثمان، ووقتها إِذا علت الشمس، وهل يصح التطوع بركعة؟ على روايتين. ¬

_ (¬1) كذا في "م" وفي "ش": وهل يمسح بيديه وجهه؟. (¬2) في "ش" الجهر. (¬3) عبارة: وركعتان قبل الفجر: كذا في "ش" وفي "م" استدركت على الهامش. (¬4) في النهار سقط من "ش".

فصل

فصل وسجود التلاوة صلاة، وهو سنة للقارئ والمستمع دون السامع، ويعتبر أن يكون القارئ يصلح إِماماً له، فإِن لم يسجد القارئ لم يسجد، وهو أربع عشرة سجدة: في الحج منها اثنتان، ويكبر إِذا سجد وإِذا رفع ويجلس ويسلم (¬1) ولا يتشهد، وإِن سجد في الصلاة رفع يديه نص عليه. قال القاضي لا يرفعهما. ولا يستحب [للإِمام السجود في صلاة لا يجهر فيها، فإِن فعل فالمأموم مخير بين اتباعه وتركه. ويستحب سجود الشكر عند تجدد النعم واندفاع النقم، ولا يسجد له في الصلاة (¬2)]. فصل (¬3) في أوقات النهي (¬4)، وهي خمسة: بعد طلوع الفجر حتى تطلع الشمس. وبعد العصر حتى تغرب الشمس. وعند طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح. وعند قيامها حتى تزول. وإِذا تضيفت للغروب حتى تغرب. ويجوز قضاء الفرائض فيها، وتجوز صلاة الجنازة وركعتا الطواف وإِعادة الجماعة إِذا أقيمت وهو في المسجد بعد الفجر والعصر. وهل ¬

_ (¬1) الكلمة سقطت من "ش". (¬2) ما بين الرقمين سقط من "م" وأثبتناه عن "ش". (¬3) سقط هذا الفصل بكامله من "م". (¬4) يريد النهي عن صلاة التطوع.

باب صلاة الجماعة

يجوز في الثلاثة الباقية؟ على روايتين. ولا يجوز التطوع بغيرها في شيء من هذه الأوقات الخمسة إِلا ما له سبب: كتحية المسجد، وسجود التلاوة، وصلاة الكسوف، وقضاء السنن الراتبة فإِنها على روايتين. باب صلاة الجماعة (¬1) وهي واجبة للصلوات الخمس على الرجال، لا شرط. وله فعلها في بيته في أصح الروايتين، ويستحب لأهل الثغر الاجتماع في مسجد واحد. والأفضل لغيرهم الصلاة في المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة إِلا بحضوره، ثم ما كان أكثر جماعة ثم، في المسجد العتيق. وهل الأولى قصد الأبعد أو الأقرب؟ على روايتين. ولا يؤم في مسجد قبل إِمامه الراتب إِلا بإِذنه، إِلا أن يتأخر لعذر، فإِن لم يعلم عذره انتُظر وروسل ما لم يخش خروج الوقت، فإِن صلى ثم أقيمت الصلاة وهو في المسجد استحب له (¬2) إِعادتها إِلا المغرب، وعنه يعيدها ويشفعها برابعة. ولا تكره إِعادة الجماعة في غير المساجد الثلاثة. وإِذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إِلا المكتوبة، وإِن أقيمت وهو في نافلة أتمها إِلا أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها، وعنه يتمها. ومن كبَّر قبل سلام الإِمام فقد أدرك الجماعة، ومن أدرك الركوع أدرك الركعة وأجزأته تكبيرة واحدة، والأفضل اثنتان. وما أدرك مع الإِمام فهو آخر صلاته وما يقضيه أولها يستفتح له ويتعوذ ويقرأ السورة. ولا تجب القراءة على المأموم، ويستحب أن يقرأ في سكتات الإِمام وما لا يجهر فيه أو لا يسمعه لبعده، فإن لم يسمعه لطرش ¬

_ (¬1) سقط هذا الفصل بكامله من "م" والمثبت يوافق "ش" و"ط". (¬2) الكلمة ليست في "ش".

فصل في الإمامة

فعلى وجهين. وهل يستفتح ويستعيذ فيما يجهر فيه الإِمام؟ على روايتين. ومن ركع أو سجد قبل إِمامه فعليه أن يرفع ليأتي به بعده، فإِن لم يفعل عمداً بطلت صلاته عند أصحابنا إِلا القاضي، فإِن ركع ورفع قبل ركوع إِمامه عالماً عمداً فهل تبطل صلاته؟ على وجهين. وإِن كان جاهلًا أو ناسياً لم تبطل صلاته. وهل تبطل تلك الركعة؟ على روايتين. فإِن ركع ورفع قبل ركوعه ثم سجد قبل رفعه بطلت صلاته، إِلا الجاهل والناسي تصح صلاتهما وتبطل تلك الركعة. ويستحب للإِمام تخفيف الصلاة مع إِتمامها، وتطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية. ولا يستحب انتظار داخل وهو في الركوع في إِحدى الروايتين، وإِذا استأذنت المرأة إِلى المسجد كره منعها، وبيتها خير لها. فصل في الإِمَامَة (¬1) السنة أن يؤمَّ القومَ أقرؤهم ثم أفقههم ثم أسنهم ثم أقدمهم هجرة ثم أشرفهم ثم أتقاهم ثم من تقع له (¬2) القرعة، وصاحب البيت وإِمام المسجد أحق بالإِمامة إِلا أن يكون بعضهم ذا سلطان، والحر أولى من العبد، والحاضر أولى من المسافر، والبصير أولى من الأعمى في أحد الوجهين. وهل تصح إِمامة الفاسق والأقلف؟ على روايتين، وفي إِمامة أقطع اليدين وجهان. ولا تصح خلف كافر ولا أخرس ولا من به سلس البول ولا عاجز عن الركوع والسجود والقعود. ولا تصح خلف عاجز عن القيام إِلا إِمام الحي المرجو زوال علته ويصلون وراءه جلوساً، فإِن صلوا ¬

_ (¬1) سقط هذا الفصل بكامله تقريباً من "م". (¬2) من هنا يبدأ القسم المستدرك "ش" و"ط".

فصل في الموقف

قياماً صحت صلاتهم في أحد الوجهين. وإِن ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياماً. ولا تصح إِمامة المرأة والخنثى للرجال ولا للخناثى، ولا إِمامة الصبي لبالغ إِلا في النفل على إِحدى الروايتين. ولا تصح إِمامة محدث ولا نجس يعلم ذلك فإِن جهل هو والمأموم حتى قضوا الصلاة صحت صلاة المأموم وحده. ولا تصح إِمامة الأمي وهو من لا يحسن الفاتحة أو يدغم حرفاً لا يدغم أو يبدل حرفاً أو يلحن فيها لحناً يحيل المعنى إِلا بمثله، وإِن قدر على إِصلاح ذلك لم تصح صلاته. وتكره إِمامة اللحان، والفأفاء الذي يكرر الفاء، والتمتام الذي يكرر التاء، ومن لا يفصح ببعض الحروف، وأن يؤم نساء أجانبَ لا رجل معهن أو قوماً أكثرهم له كارهون، ولا بأس بإِمامة ولد الزنا والجندي إِذا سلم دينهما. ويصح ائتمام من يؤدي الصلاة بمن يقضيها ويصح ائتمام المفترض بالمتنفل ومن يصلي الظهر بمن يصلي العصر في إِحدى الروايتين، والأخرى لا تصح فيهما (¬1). فصل في الموقف (¬2) السنة أن يقف المأمومون خلف الإِمام، فإِن وقفوا قُدَّامهُ لم يصح، وإِن وقفوا معه عن يمينه أو عن جانبه صح، فإِن كان واحداً وقف عن يمينه، وإِن وقف خلفه أو عن يساره لم يصح. وإن أمَّ امرأة وقفت خلفه، فإِن اجتمع أنواع يقدم الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء. وكذلك ¬

_ (¬1) هنا ينتهي القسم المستدرك. (¬2) حق هذا الفصل أن يأتي بعد باب صلاة الجماعة كما في "ط" و"ش" ولكنه أُخِّر في "م" إلى ما بعد صلاة الخوف فاقتضى التنبيه.

فصل

يفعل في تقديمهم إِلى الإمام إِذا اجتمعت جنائزهم. ومن لم يقف معه إِلا كافر أو امرأة أو محدث يعلم حدثه فهو فذ، وكذلك الصبي إِلا في النافلة. ومن جاء فوجد فرجة وقف فيها، فإِن لم يجد وقف عن يمين الإِمام، فإِن لم يمكنه فله أن ينبه من يقوم معه، فإِن صلى فذاً ركعة لم تصح. وإِن ركع فذا ثم دخل في الصف أو وقف معه آخر قبل رفع الإِمام صحت صلاته، وإِن رفع ولم يسجد صحت، وقيل إِن علم النهي لم تصح، وإِن فعله لغير عذر لم تصح. وإِذا كان المأموم يرى من وراء الإِمام صحت صلاته إِذا اتصلت الصفوف، وِإن لم ير من وراءه لم تصح، وعنه تصح إِذا كانا في المسجد ولا يكون الإِمام أعلى من المأموم، فإِن فعل وكان كثيراً فهل تصح صلاته؟ على وجهين. ويكره للإِمام أن يصلي في طاق القبلة أو أن يتطوع في موضع المكتوبة إِلا من حاجة. ويكره للمأمومين الوقوف بين السواري إِذا قطعت صفوفهم. ويكره للإِمام إِطالة القعود بعد الصلاة مستقبل القبلة، فإِن كان معه نساء لبث قليلاً لينصرف النساء. وإِذا صلت امرأة بالنساء قامت وسطهن في الصف. فصل ويعذر في الجمعة والجماعة المريض، ومن يدافع أحد الأخبثين، أو بحضرة طعام هو محتاج إِليه، والخائف من ضياع ماله أو فواته أو ضرر فيه، أو موت قريبه، أو على نفسه من ضرر أو سلطان أو ملازمة غريم ولا شيء معه، أو من فوات رفقته، أو من غلبة النعاس، أو الأذى بالمطر والوحل والريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة.

باب صلاة أهل الأعذار

باب صلاة أهل الأعذار ويصلي المريض كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمران بن حصين: "صل قائماً فإِن لم تستطع فقاعداً، فإِن لم تستطع فعلى جنب" (¬1). فإِن صلى على ظهره ورجلاه إِلى القبلة صحت صلاته على (¬2) أحد الوجهين. ويومئ بالركوع والسجود ويجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإِن عجز عنه أومأ بطَرْفه ولا تسقط الصلاة، وإِن قدر على القيام أو القعود في أثنائها (¬3) انتقل إِليه وأتمها. ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع والسجود أومأ بالركوع قائماً وبالسجود قاعداً، وإِذا قال ثقات من العلماء بالطب للمريض إِن صليت مستلقياً أمكن مداواتك فله ذلك. ولا تجوز الصلاة في السفينة قاعداً لقادر على القيام. وتجوز صلاة الفرض على الراحلة خشية التأذي بالوحل. وهل يجوز ذلك للمريض؟ على روايتين. فصل في قصر الصلاة ومن سافر سفراً مباحاً يبلغ ستة عشر فرسخاً فله قصر الرباعية خاصة إِلى ركعتين إِذا فارق بيوت قريته أو خيام قومه وهو أفضل من الإِتمام، وإِن أتم جاز. فإِن أحرم في الحضر ثم سافر، أو في السفر ثم أقام، أو ذكر صلاة حضر في سفر، أو صلاة سفر في حضر، أو ائتم (مسافر) (¬4) بمقيم، أو ¬

_ (¬1) رواه البخاري رقم (1117) في تقصير الصلاة: باب إِذا لم يطق قاعداً صلى على جنب من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه. (¬2) في "ش" و"م" في. (¬3) كذا في "ش" و"م" وفي "ط": في أثناء الصلاة. (¬4) كلمة مسافر ليست في "م" و"ش" زيدت من "ط".

فصل في الجمع

بمن يشك فيه، أو أحرم بصلاة يلزمه إِتمامها ففسدت وأعادها أو لم ينو القصر لزمه أن يتم. وقال أبو بكر لا يحتاج الجمع والقصر إِلى نية. ومن له طريقان بعيد وقريب فسلك البعيد أو ذكر صلاة سفر في آخر فله القصر، وإِذا نوى الإِقامة في بلد أكثر من إِحدى وعشرين صلاة أتم وإِلا قصر، وإِن أقام لقضاء حاجة أو حُبِسَ (ظلماً) (¬1) أو لم ينو الإِقامة قصر أبداً. والملاح الذي معه أهله ولَيس له نية الإِقامة ببلد ليس له الترخيص. فصل في الجمع يجوز الجمع بين الظهر والعصر والعشاءين في وقت إِحداهما لثلاثة أمور: السفر الطويل. والمرض الذي يلحقه بترك الجمع فيه مشقة وضعف. والمطر الذي يبل الثياب إِلا أن جمع المطر يختص العشاءين في أصح الوجهين. وهل يجوز لأجل الوحل والريح الشديدة الباردة، أو لمن يصلي في بيته أو في مسجد طريقه تحت ساباط؟ على وجهين. ويفعل الأرفق به من تأخير الأولى إِلى وقت الثانية وتقديم الثانية إِليها. وللجمع في وقت الأولى ثلاثة شروط: نية الجمع عند إِحرامها ويحتمل أن تجزئه النية قبل سلامها. وأن لا يفرق بينهما إِلا بقدر الإِقامة والوضوء، فإِن صلى السنة بينهما بطل الجمع بينهما (¬2) في إِحدى الروايتين. ¬

_ (¬1) كلمة ظلماً ليست في الأصلين زيدت من "ط". (¬2) بينهما زيادة من "ط".

فصل في صلاة الخوف

وأن يكون العذر موجوداً عند افتتاح الصلاتين وسلام الأولى. وإِن جمع في وقت الثانية كفاه نية الجمع في وقت الأولى ما لم يضق عن فعلها واستمرار العذر إِلى دخول وقت الثانية منهما (¬1) ولا يشترط غير ذلك. فصل في صلاة الخوف قال الإِمام أبو عبد الله رحمه الله تعالى: صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف من خمسة أوجه أو ستة (2)، كل ذلك جائز لمن فعله. فمن ذلك: الوجه الأول: إِذا كان العدو في جهة القبلة صف الإِمام المسلمين خلفه صفين فصلى بهم جميعاً إِلى أن يسجد فيسجد معه الصف الذي يليه، ويحرس الآخر حتى يقوم الإِمام إِلى الثانية فيسجد ويلحقه، فإِذا سجد في الثانية سجد معه الصف الذي حرس وحرس الآخر حتى يجلس الإِمام في التشهد فيسجد ويلحقه فيتشهد ويسلّم بهم. الوجه الثاني: إِذا كان في غير جهة القبلة جعل طائفة حذاء العدو وطائفة تصلي معه ركعة، فإِذا قاموا إِلى الثانية ثبت قائماً وأتمت لأنفسها أخرى وسلّمت ومضت إِلى العدو وجاءت الأخرى فصلت معه الركعة الثانية، فإِذا جلس للتشهد أتمت لأنفسها أخرى وتشهدت وسلم بهم. فإِن كانت الصلاة مغرباً صلى بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة، وإِن كانت رباعية غير مقصورة صلى بكل طائفة ركعتين وأتمت الأولى بالحمد لله في كل ركعة والأخرى تتم بالحمد لله وسورة، وهل تفارقه الأولى في التشهد الأول أو في الثالثة؟ على وجهين. وإِن فرقهم أربعاً فصلى بكل طائفة ركعة صحت صلاة الأوليين وبطلت صلاة الإِمام والأخريين إِن علمتا بطلان صلاته. ¬

_ (¬1) عبارة: (واستمرار العذر إِلى دخول وقت الثانية منهما) مستدركة على الهامش في "ش".

فصل

الوجه الثالث: أن يصلي بكل طائفة ركعة ثم تمضي إِلى العدو، وتأتي الأخرى فيصلي بها ركعة ويسلم وحده وتمضي هي إِلى العدو، ثم تأتي الأولى فتتم صلاتها. ثم تأتي الأخرى فتتم صلاتها. [الوجه الرابع: أن يصلي بكل طائفة صلاة ويسلم بها. الوجه الخامس: أن يصلي الرباعية المقصورة تامة ويصلي معه بكل طائفة ركعتين ولا تقضي شيئاً فتكون له تامة ولهم مقصورة. ويستحب أن يحمل معه في الصلاة من السلاح ما يدفع به عن نفسه ولا يثقله كالسيف والسكين، ويحتمل أن يجب ذلك (¬1)]. فصل (¬2) وإِذا اشتد الخوف صلوا رجالاً وركباناً إِلى القبلة وغيرها يومئون إِيماء على قدر الطاقة، فإِن أمكنهم افتتاح الصلاة إِلى القبلة فهل يلزمهم ذلك؟ على روايتين. ومن هرب من عدو هرباً مباحاً أو من سيل أو سبع ونحوه فله أن يصلي كذلك. وهل لطالبِ العدو الخائف فواته الصلاة كذلك؟ على روايتين. ومن أَمِنَ في الصلاة أتم صلاة آمِن، ومن ابتدأها آمناً فخاف أتم صلاة خائف، ومن صلى صلاة الخوف لسواد ظنه عدواً فبان أنه ليس بعدو أو بينه وبينه ما يمنعه فعليه الإِعادة. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين سقط من "م" وأثبتناه من "ش" و"ط". (¬2) هذا الفصل برمته سقط من "م".

باب صلاة الجمعة

باب صلاة الجمعة (¬1) وهي واجبة على كلِّ مسلم، مكلف، ذكر حر مستوطن ببناء ليس بينه وبين موضع الجمعة أكثر من فرسخ تقريباً (¬2)، إِذا لم يكن له عذر. ولا تجب على مسافر ولا عبد ولا امرأة ولا خنثى. ومن حضرها منهم أجزأته ولم تنعقد به ولم يجز أن يؤم فيها. وعنه في العبد أنها تجب عليه. ومن سقطت عنه لعذر إِذا حضرها وجبت عليه وانعقدت به. ومن صلى الظهر ممن عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإِمام لم تصح صلاته. والأفضل لمن لا تجب عليه أن لا يصلي الظهر حتى يصلي الإِمام. ولا يجوز لمن تلزمه الجمعة السفر في يومها بعد الزوال ويجوز قبله. وعنه لا يجوز، وعنه يجوز للجهاد خاصة. فصل (¬3) ويشترط لصحة الجمعة أربعة شروط: أحدها: الوقت، وأوله أول وقت صلاة العيد، وقال الخرقي يجوز فعلها في الساعة السادسة وآخره آخر وقت الظهر، فإِن خرج وقتها قبل فعلها صلوا ظهراً، وإِن خرج وقد صلوا ركعة أتموا جمعة، وإِن خرج قبل ركعة فهل يتمونها ظهراً أو يستأنفونها، على وجهين. الثاني: أن يكون بقرية يستوطنها أربعون من أهل وجوبها فلا تجوز إِقامتها في غير ذلك وتجوز إِقامتها في الأبنية المتفرقة إِذا شملها اسم واحد وفيما قارب البنيان من الصحراء. ¬

_ (¬1) هذا الباب برمته سقط من "م". (¬2) زيادة من "ط". (¬3) هذا الفصل برمته سقط من "م".

الثالث: حضور أربعين من أهل القرية في ظاهر المذهب، وعنه تنعقد بثلاثة فإِن نقصوا قبل إِتمامها استأنفوا ظهراً، ويحتمل أنهم إِن نقصوا قبل ركعة أتموا ظهراً، وإِن نقصوا بعد ركعة أتموا جمعة، ومن أدرك مع الإِمام منها ركعة أتمها جمعة ومن أدرك أقل من ذلك أتمها ظهراً إِذا كان قد نوى الظهر في قول الخرقي، وقال أبو إِسحاق بن شاقلا (¬1) ينوي جمعة ويتمها ظهراً. ومن أحرم مع الإِمام ثم زُحِمَ عن السجود سجد على ظهر إِنسان أو رجله، فإِن لم يمكنه سجد إِذا زال الزحام إِلا أن يخاف فوات الثانية فيتابع الإِمام فيها وتصير أولاه ويتمها جمعة، فإِن لم يتابعه عالمًا بتحريم ذلك بطلت صلاته، وإِن جهل تحريمه فسجد ثم أدرك الإِمام في التشهد أتى بركعة أخرى بعد سلامه وصحت جمعته، وعنه يتمها ظهراً. الرابع: أن يتقدمها خطبتان، ومن شرط صحتهما: حمد الله تعالى. والصلاة على رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وقراءة آية. والوصية بتقوى الله تعالى. وحضور العدد المشترط. وهل تشترط لهما الطهارة وأن يتولاهما من يتولى الصلاة؟ على روايتين. ¬

_ (¬1) هو إبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان بن شاقلا البزّاز أبو إسحاق. كان جليل القدر كثير الرواية، من كبار علماء الحنابلة، حسن الكلام في الأصول والفروع. مات سنة (369) هـ. انظر "المنهج الأحمد" (2/ 283 - 286) و"شذرات الذهب" (4/ 373).

فصل

ومن سننهما أن يخطب على منبر أو موضع عال ويسلم على المأمومين إِذا أقبل عليهم ثم يجلس إِلى فراغ الأذان ويجلس بين الخطبتين، ويخطب قائماً، ويعتمد على سيف أو قوس أو عصا، ويقصد تلقاء وجهه. ويقصر الخطبة ويدعو للمسلمين. ولا يشترط إِذن الإِمام، وعنه يشترط. فصل (¬1) وصلاة الجمعة ركعتان يجهر فيهما بالقراءة، ويستحب أن يقرأ في الأولى بسورة الجمعة وفي الثانية بالمنافقين، وتجوز إِقامة الجمعة في موضعين من البلد للحاجة، ولا يجوز مع عدمها، فإِن فعلوا فجمعة الإِمام هي الصحيحة فإن استوتا فالثانية باطلة فإِن وقعتا معاً أو جهلت الأولى بطلتا معاً، وإِذا وقع العيد يوم الجمعة فاجتزئ بالعيد وصلى ظهراً جاز إِلا للإِمام. وأقل السنة بعد الجمعة ركعتان وأكثرها ست ركعات. فصل (1) ويستحب أن يغتسل للجمعة في يومها، والأفضل فعله عند مضيه إِليها، ويتنظف ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه، ويبكر إِليها ماشياً ويدنو من الإِمام، ويشتغل بالصلاة والذكر، ويقرأ سورة الكهف في يومها ويكثر الدعاء والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه، ولا يتخطى رقاب الناس إِلا أن يكون إِماماً أو يرى فرجة فيتخطى إِليها وعنه يكره. ولا يقيم غيره فيجلس مكانه، إِلا من قدم صاحباً له فجلس (¬2) في موضع يحفظه له وإِن وجد مصلى مفروشاً فهل له رفعه؟ على وجهين. ومن قام من موضعه لعارض ¬

_ (¬1) الفصلان برمتهما سقطا من "م". (¬2) كذا في "ش" وفي "ط": فيجلس.

باب صلاة العيدين

لحقه ثم عاد إِليه فهو أحق به. ومن دخل والإِمام يخطب لم يجلس حتى يركع ركعتين يوجز فيهما. ولا يجوز الكلام والإِمام يخطب إِلا له أو لمن يكلمه، ويجوز الكلام قبل الخطبة وبعدها، وعنه يجوز فيها. باب صلاة العيدين (¬1) وهي فرض على الكفاية إِذا اتفق أهل بلد على تركها قاتلهم الإِمام. وأول وقتها إِذا ارتفعت الشمس وآخره إِذا زالت الشمس، فإِن لم يعلم بالعيد إِلا بعد الزوال خرج من الغد وصلى بهم. ويسن تقديم الأضحى (3) وتأخير الفطر والأكل في الفطر قبل الصلاة والإِمساك في الأضحى (¬2) حتى يصلي، والغسل والتبكير إِليها بعد الصبح ماشياً على أحسن هيئة إِلا المعتكف يخرج في ثياب اعتكافه أو إِماماً يتأخر إِلى وقت الصلاة. وإِذا غدا من طريق رجع من أخرى. وهل من شرطها الاستيطان وإِذن الإِمام والعدد المشترط للجمعة؟ على روايتين. وتسن في الصحراء، وتكره في الجامع إِلا من عذر. ويبدأ بالصلاة فيصلي ركعتين يكبر في الأولى بعد الاستفتاح وقبل التعوذ ستاً وفي الثانية بعد القيام من السجود خمساً يرفع يديه مع كل تكبيرة ويقول: " الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليماً كثيراً" (¬3). وِإن شاء قال غير ذلك، ثم يقرأ بعد الفاتحة في الأولى بسبح وفي ¬

_ (¬1) وهذا سقط من "م". (¬2) ما بين الرقمين مستدرك على هامش "ش". (¬3) زيادة من "ط".

باب صلاة الكسوف

الثانية بالغاشية ويجهر بالقراءة وتكون (¬1) بعد التكبير في الركعتين، وعنه يوالي بين القراءتين فإِذا سلم خطب خطبتين يجلس بينها يستفتح الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع يحثهم في خطبة الفطر على الصدقة ويبين لهم ما يخرجون، ويرغبهم في الأضحية في الأضحى ويبين لهم حكم الأضحية. والتكبيرات الزوائد والذكر بينهما. والخطبتان سنة ولا يتنفل قبل الصلاة ولا بعدها في موضعها. ومن كَبَّر قبل سلام الإِمام صلى ما فاته على صفته وإِن فاتته الصلاة استحب له أن يقضيها على صفتها، وعنه يقضيها أربعاً، وعنه أنه مخير بين ركعتين وأربع. ويسن التكبير في ليلتي العيدين وفي الأضحى يكبر عقيب كل فريضة في جماعة. وعنه أنه يكبر وإِن كان وحده من صلاة الفجر يوم عرفة إِلى العصر من آخر أيام التشريق إِلا المحرم فإِنه يكبر من صلاة الظهر يوم النحر. وإِن نسي التكبير قضاه ما لم يحدث أو يخرج من المسجد. وفي التكبير عقيب صلاة العيد وجهان. وصفة التكبير شفعاً: "الله أكبر الله أكبر، لا إِله إِلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد". باب صلاة الكُسُوف (¬2) وإِذا كسفت الشمس أو القمر فزع الناس إِلى الصلاة جماعة وفرادى بإِذن الإِمام وغير إِذنه وينادى لها: الصلاة جامعة. ثم يصلي ركعتين يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة طويلة ويجهر بالقراءة ثم يركع ركوعاً طويلاً ثم يرفع فيسمع ويحمد ثم يقرأ الفاتحة وسورة ويطيل وهو دون القيام الأول ثم يركع فيطيل وهو دون الركوع الأول ثم يرفع ثم يسجد سجدتين طويلتين ¬

_ (¬1) في "ط" يكون وهو خطأ لأن الفاعل ضمير يعود على مؤنث ذكر قبل الفعل. (¬2) سقط هذا الباب من "م".

باب صلاة الاستسقاء

ثم يقوم إِلى الثانية فيفعل مثل ذلك ثم يتشهد ويسلم بهم. فإِن تجلى الكسوف فيها أتمها خفيفة، وإِن تجلى قبلها أو غابت الشمس كاسفة أو طلعت والقمر خاسف لم يصل. وإِن أتى في كل ركعة بثلاث ركوعات أو أربع فلا بأس، ولا يصلي لشيء من سائر الآيات إِلا الزلزلة الدائمة. باب صلاة الاستسقاء (¬1) وإِذا أجدبت الأرض وقحط المطر فزع الناس إِلى الصلاة. وصفتها في موضعها وأحكامها صفة صلاة العيد. وإِذا أراد الإِمام الخروج لها وعظ الناس وأمرهم بالتوبة من المعاصي والخروج من المظالم والصيام والصدقة وترك التشاحن ويعدهم يوماً يخرجون فيه ويتنظف لها ولا يتطيب ويخرج متواضعاً متخشعاً متذللاً متضرعاً ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ ويجوز خروج الصبيان. وقال ابن حامد (¬2) يستحب. وإِن خرج أهل الذمة لم يمنعوا ولم يختلطوا بالمسلمين فيصلي بهم، ثم يخطب خطبة واحدة يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد ويكثر فيها الاستغفار وقراءة الايات التي فيها الأمر به، ويرفع يديه فيدعو بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً غدقاً مجللاً سحاً عاماً طبقاً دائماً، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة، لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق، اللهم إِن بالعباد والبلاد من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكوه إِلا إِليك، اللهم أنبت لنا الزرع وأدرَّ لنا ¬

_ (¬1) سقط هذا الباب من "م" أيضاً وأثبت هو وسابقه كما في "ش". (¬2) هو الحسن بن حامد بن علي البغدادي أبو عبد الله، إمام الحنابلة في زمانه. مات سنة (403) هـ. انظر ترجمته في "المنهج الأحمد" (2/ 314) و"شذرات الذهب" (5/ 17).

الضرع، واسقنا من بركات السماء، وأنزل علينا مِنْ بركاتك، اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعُرْي واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك، اللهم إِنا نستغفرك إِنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً. ويستقبل القبلة في أثناء الخطبة ويحول رداءه فيجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ويفعل النَّاسُ كذلك ويتركونه حتى ينزعوه مع ثيابهم ويدعو سراً حال استقبال القبلة فيقول: اللهم إِنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إِجابتك وقد دعونا كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا. فإِن سقوا وإِلا عادوا ثانياً وثالثاً. وإِن سقوا قبل خروجهم شكروا الله تعالى وسألوه المزيد من فضله. وينادى لها الصلاة جامعة. وهل من شرطها إِذن الإِمام؟ على روايتين. ويستحب أن يقف في أول المطر ويخرج رحله وثيابه ليصيبها. وإِذا زادت المياه فخيف منها استحب أن يقول: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286]. * * *

كتاب الجنائز

كتاب الجنائز يستحب عيادة المريض، وتذكيره التوبة والوصية، فإِذا نزل به تعاهد بلَّ حلقه بماء أو شراب وندَّى شفتيه بقطنة ولقنه قول لا إِله إِلا الله مرة ولم يزد على ثلاث إِلا أن يتكلم بعده فيعيد تلقينه بلطف ومداراة. ويقرأ عنده سورة يس، ويوجهه إِلى القبلة، فإِذا مات أغمض عينيه وشد لحييه وليَّن مفاصله وخلع ثيابه، وسجاه بثوب يستره، وجعل على بطنه مرآة أو نحوها ووضعه على سرير غسله متوجهاً منحدراً نحو رجليه، ويسارع في قضاء دينه، وتفريق وصيته وتجهيزه، إِذا تيقن موته بانخساف صدغيه وميل أنفه وانفصال كفيه واسترخاء رجليه. فصل في غَسْل الميّت (¬1) غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فرض كفاية، وأولى الناس به وصيه ثم أبوه ثم جده ثم الأقرب فالأقرب من عصباته ثم ذوو أرحامه إِلا الصلاة فإِن الأمير أحق بها بعد وصيه. وغسل المرأة أحق الناس به الأقرب فالأقرب من نسائها. ولكل واحد من الزوجين غسل صاحبه في أصح الروايتين وكذلك السيد مع سريته. وللرجل والمرأة غسل من له دون سبع (¬2) سنين، وفيمن زاد على ذلك قبل البلوغ (¬3) وفي ابن السبع وجهان. ¬

_ (¬1) هذا الفصل سقط من "م". (¬2) في "ش" السبع والمثبت يوافق "ط". (¬3) عبارة: وفيمن زاد على ذلك قبل البلوغ: مستدركة على الهامش في "ش" =

وِإن مات رجل بين نسوة أو امرأة بين رجال أو خنثى مشكل يمم في أصح الروايتين وفي الأخرى يصب عليه الماء من فوق القميص ولا يمس. ولا يغسل مسلم كافراً ولا يدفنه إِلا أن لا يجد من يواريه غيره. وإِذا أخذ في غسله ستر عورته وجرده وقال القاضي يغسله في قميص خفيف واسع الكمين. ويستر الميت عن العيون ولا يحضره إِلا من يعين في غسله، ثم يرفع رأسه برفق إِلى قريب من الجلوس ويعصر بطنه عصراً رفيقاً، ويكثر صب الماء حينئذ ثم يلف على يده خرقة فينجيه بها (¬1). ولا يحل مس عورته. ويستحب أن لا يمس سائر بدنه إِلا بخرقة، ثم ينوي غسله ويسمى ويدخل إِصبعيه مبلولتين بالماء بين شفتيه فيمسح أسنانه، وفي منخريه فينظفهما ويوضؤه، ولا يدخل الماء في فيه، ولا أنفه، ويضرب السدر فيغسل برغوته رأسه وليحته وسائر بدنه، ثم يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر ثم يفيض الماء على جميع بدنه يفعل ذلك ثلاثاً يمر في كل مرة يده. فإِن لم ينق بالثلاث أو خرج منه شيء غسله إِلى خمس، فإِن زاد فإِلى سبع، ويجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً، والماء الحار والخلال والأشنان يستعمل إِن احتيج إِليه، ويقص شاربه ويقلم أظفاره ولا يسرح شعره ولا لحيته. ويضفر شعر المرأة ثلاثة قرون ويسدل من ورائها، ثم ينشفه بثوب فإِن خرج منه شيء بعد السبع حشاه بالقطن، فإِن لم يستمسك فبالطين الحر، ثم يغسل المحل ويوضأ، وإِن خرج منه شيء بعد وضعه في أكفانه لم يعد إِلى الغسل. ¬

_ = وهي فيه: وفي غسل من زاد على ذلك قبل البلوغ. (¬1) سقطت من المتن واستدركت على الهامش وهناك علامة تدل على مكان سقوطها فوق السطر.

فصل في الكفن

ويغسل المحرم بماء وسدر ولا يلبس المخيط ولا يخمر رأسه ولا يقرب طيباً. والشهيد لا يغسل إِلا أن يكون جنباً، بل ينزع عنه السلاح والجلود ويزمل في ثيابه. وإِن أَحَبَّ كفنه بغيرها، ولا يصلى عليه في أصح الروايتين، وإِن سقط من دابته، أو وجد ميتاً ولا أثر به، أو حمل فأكل أو طال بقاؤه غسل وصلي عليه. ومن قتل مظلوماً فهل يُلحق بالشهيد؟ على روايتين. وإِذا ولد السقط لأكثر من أربعة أشهر غسل وصلي عليه ومن تعذر غسله يمم. وعلى الغاسل ستر ما وراءه إِن لم يكن حسناً. فصل في الكفن (¬1) ويجب كفن الميت في ماله مقدماً على الدين وغيره، فإِن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته إِلا الزوج لا يلزمه كفن امرأته. ويستحب تكفين الرجل في ثلاث لفائف بيض يبسط بعضها فوق بعض بعد تجميرها ثم يوضع عليها مستلقياً ويجعل الحنوط فيما بينها ويجعل منه في قطن يجعل منه بين إِليتيه ويشد فوقه خرقة مشقوقة الطرف كالتبَّان تجمع إِليتيه ومثانته ويجعل الباقي على منافذ وجهه ومواضع سجوده. وإِن طيب جميع بدنه كان حسناً، ثم يرد طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن ويرد طرفها الآخر فوقه، ثم يفعل بالثانية والثالثة كذلك ويجعل ما عند رأسه أكثر مما عند رجليه ثم يعقدها. وتحل العقد في القبر ولا يخرق الكفن. وإِن كفن في قميص ومئزر ولفافة جاز. ¬

_ (¬1) الفصل كله مما سقط في "م".

فصل في الصلاة على الميت

وتكفن المرأة في خمسة أثواب إِزار، وخمار، وقميص، ولفافتين، والواجب من ذلك ثوب يستر جميعه. فصل في الصلاة على الميِّت (¬1) السنة أن يقوم الإِمام عند رأس الرجل ووسط المرأة ويقدم إِلى الإمام أفضلهم ويجعل وسط المرأة حذاء رأس الرجل. وقال القاضي: يسوي بين رؤَوسهم ويكبر أربع تكبيرات يقرأ في الأولى الفاتحة، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الثانية، ويدعو في الثالثة فيقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، إِنك تعلم منقلبنا ومثوانا، وأنت على كل شيء قدير. اللهم من أحييته منا فأحيه على الإِسلام والسنة، ومن توفيته فتوفه عليهما، اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله وأوسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله داراً خيراً من داره وزوجاً خيراً من زوجه وأدخله الجنة وأعِذْهُ من عذاب القبر وعذاب النار وافسح له في قبره ونور له فيه. وإِن كان صبياً قال: اللهم اجعله ذخراً لوالديه وفَرَطاً وأجْراً وشفيعاً مُجاباً. اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما وألحقه بصالح سلف المؤمنين واجعله في كفالة إِبراهيم وقه برحمتك عذاب الجحيم. ويقف بعد الرابعة قليلًا ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه، ويرفع يديه مع كل تكبيرة. ¬

_ (¬1) سقط هذا الفصل من "م".

فصل في حمل الميت ودفنه

والواجب من ذلك القيام والتكبيرات والفاتحة والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأدنى دعاء للميت والسلام. وإِن كبر الإِمام خمساً كبر بتكبيره. وعنه لا يتابع في زيادة على أربع. وعنه يتابع إِلى سبع. ومن فاته شيء من التكبير قضاه على صفته، وقال الخرقي يقضيه متتابعاً فإِن سلم ولم يقضه فعلى روايتين. ومن فاتته الصلاة على الجنازة صلى على القبر إِلى شهر ويُصَلَّى على الغائب بالنية، فإِن كان في أحد جانبي البلد لم يصل عليه بالنية في أصح الوجهين. ولا يصلي الإِمام على الغالّ، ولا على من قتل نفسه. وإِن وجد بعض الميت غُسل وصلي عليه. وعنه لا يُصلى على الجوارح، وإِن اختلط من يصلي عليه بمن لا يصلي عليه صلي على الجميع ينوي من يُصلى عليه. ولا بأس بالصلاة على الميت في المسجد وإِن لم يحضره غير النساء صلين عليه. فصل في حمل الميّت ودفنه (¬1) يستحب التربيع في حمله، وهو أن يضع قائمة السرير اليسرى المقدمة على كتفه اليمنى، ثم ينتقل إِلى المؤخرة، ثم يضع قائمة اليمنى المقدمة على كتفه اليسرى ثم ينتقل إِلى المؤخرة، وإِن حمل بين العمودين فحسن. ويستحب الإِسراع بها ويكون المشاة أمامها والركبان خلفها، ولا يجلس من تبعها حتى توضع وإِن جاءت وهو جالس لم يقم لها، ويدخل ¬

_ (¬1) سقط هذا الفصل من "م".

قبره من عند رجل القبر إِن كان أسهل عليهم، ولا يُسَجّى القبر إِلا أن يكون لامرأة. ويلحد له لحداً ويُنْصَبُ عليه اللبن نصباً ولا يدخله خشباً ولا شيئاً مسَّته النار. ويقول الذي يدخله: "بسم الله وعلى ملة رسول الله". ويضعه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، ويحثي التراب في القبر ثلاث حثيات ويهال عليه التراب. ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر مُسَنَّماً ويُرش عليه الماء، ولا بأس بتطيينه ويكره تجصيصه والبناء والكتابة عليه والجلوس والوطء عليه والاتكاء إِليه، ولا يدفن فيه اثنان إِلا لضرورة ويقدم الأفضل إِلى القبلة ويجعل بين كل اثنين حاجز من التراب. وِإن وقع في القبر ماله قيمة نبش وأخذ. وإِن كفن بثوب غصب أو بلع مال غيره غرم ذلك من تركته، وقيل ينبش ويؤخذ الكفن ويشق جوفه فيخرج. وِإن ماتت حامل لم يشق بطنها وتسطو عليه القوابل فيخرجنه، ويحتمل أن يشق بطنها إِذا غلب على الظن أنه يحيا. وِإن ماتت ذمية حامل من مسلم دفنت وحدها ويجعل ظهرها إِلى القبلة. ولا تكره القراءة على القبر في أصح الروايتين. وأي قُرْبَةٍ فعلها وجعلها للميت المسلم نفعه ذلك. ويستحب أن يصلح لأهل الميت طعام يبعث إِليهم، ولا يُصْلحون هم طعاماً للناس.

فصل

فصل (¬1) ويستحب للرجال زيارة القبور. وهل تكره للنساء؟ على روايتين. ويقول إِذا زارها أو مر بها: سلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإِنا إِن شاء الله بكم لاحقون (¬2)، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية. اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم،. ويستحب تعزية أهل الميت، ويكره الجلوس لها. ويقول في تعزية المسلم: "أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك". وفي تعزيته عن كافر: " أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك". وفي تعزية الكافر بمسلم: "أحسن الله عزاءك وغفر لميتك". وفي تعزيته عن كافر: " أخلف الله عليك ولا نقص عددك". ويجوز البكاء على الميت وأن يجعل المصاب على رأسه ثوباً يعرف به. ولا يجوز الندب ولا النياحة ولا شق الثياب ولطم الخدود وما أشبه ذلك. * * * ¬

_ (¬1) سقط هذا الفصل من "م". (¬2) في "ط": للاحقون.

كتاب الزكاة

كتاب الزكاة (¬1) تجب الزكاة في أربعة أصناف من المال: السائمة. وبهيمة الأنعام. والخارج من الأرض. والأثمان وعروض التجارة. ولا تجب في غير ذلك. وقال أصحابنا تجب في المتولد بين الوحشي والأهلي، وفي بقر الوحش روايتان. ولا تجب إِلا بشروط خمسة: الأول: الإِسلام. الثاني: والحرية. فلا تجب على كافر ولا عبد ولا مكاتب، فإِن ملَّك السيد عبده مالًا وقلنا إِنه يملكه فلا زكاة فيه، وإِن قلنا لا يملكه فزكاته على السيد. الثالث: ملك نصاب فإِن نقص عنه (¬2) فلا زكاة فيه إِلا أن يكون نقصاً يسيراً كالحبة والحبتين. وتجب فيما زاد على النصاب بالحساب إِلا في السائمة. ¬

_ (¬1) سقط من "م". (¬2) في "ط": عن نصاب.

الرابع: تمام الملك فلا زكاة في دين الكتابة، لا في السائمة الموقوفة، ولا في حصة المضارب من الربح قبل القسمة على أحد الوجهين فيهما، ومن كان له دين على مليء من صداق أو غيره زَكَّاهُ إِذا قبضه لما مضى، وفي الدين على غير المليء والمؤجل والمجحود والمغصوب والضائع روايتان: إِحداهما: هو كالدين على المليء. والثانية: لا زكاة فيه، قال الخرقي: واللقطة إِذا جاء ربها زكاها للحول الذي كان الملتقط ممنوعاً منها، ولا زكاة في مال مَنْ عليه دين ينقص النصاب إِلا في المواشي والحبوب في إِحدى الروايتين، والكفارة كالدين في أحد الوجهين. الخامس: مضي الحول شرط إِلا في الخارج من الأرض، فإِذا استفاد مالاً فلا زكاة فيه حتى يتم عليه الحول إِلا نتاج السائمة وربح التجارة فإن حوله حول أصله إِن كان نصاباً، وإِن لم يكن نصاباً فحوله من حين كمل (¬1) النصاب. وِإن ملك نصاباً صغاراً انعقد عليه الحول من حين ملكه، وعنه لا ينعقد حتى يبلغ سناً يجزئ مثله في الزكاة. ومتى نقص النصاب في بعض الحول أو باعه أو أبدله بغير جنسه انقطع الحول، إِلا أن يقصد بذلك الفرار من الزكاة عند قرب وجوبها فلا تسقط، وإِن أبدله بنصاب من جنسه بنى على حوله، ويتخرج أن ينقطع. وإِذا تم الحول وجبت الزكاة في عين المال، وعنه تجب في الذمة. ولا يعتبر في وجوبها إِمكان الأداء ولا تسقط بتلف المال، وعنه: أنها تسقط إِذا لم يفرط. ¬

_ (¬1) في الأصل "ش": كمال.

باب زكاة بهيمة الأنعام

وإِذا مضى حولان على نصاب لم يؤد زكاتهما فعليه زكاة واحدة إِن قلنا تجب في العين وزكاتان إِن قلنا تجب في الذمة إِلا ما كان زكاته الغنم من الإِبل فإِنّ عليه لكل حول زكاة، وِإن كان أكثر من نصاب فعليه زكاة جميعه لكل حول إِن قلنا تجب في الذمة وإِن قلنا تجب في العين نقص من زكاته في كل حول بقدر نقصه بها. وإِذا مات من عليه الزكاة أخذت من تركته، فإِن كان عليه دين اقتسموا بالحصص والله أعلم (¬1). باب زكاة بهيمة الأنعام (¬2) ولا تجب إِلا في السائمة (¬3)، وهي التي ترعى في أكثر الحول وهي ثلاثة أنواع: أحدها الإِبل: فلا زكاة فيها حتى تبلغ خمساً فتجب فيها شاة، فإِن أخرج بعيراً لم يجزئه، وفي العشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه، فإِذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض: وهي التي لها سنة فإِن عدمها أجزأه ابن لبون وهو الذي له سنتان فإِن عدمه أيضاً لزمه بنت مخاض، وفي ست وثلاثين بنت لبون، وفي ست وأربعين حُقَّة، وهي التي لها ثلاث سنين، وفي إِحدى وستين جذعة، وهي التي لها أربع سنين، وفي ست وسبعين بنْتَا لبون، وفي إِحدى وتسعين حقتان إِلى عشرين ومائة، فإِذا زادت واحدة ففيها ثلاث بنات لبون، ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة، فإِذا بلغت مائتين اتفق الفرضان: ¬

_ (¬1) عبارة: والله أعلم: ليست في "ط". (¬2) سقط من "م". (¬3) في "ط": إِلا في السائمة منها.

فصل

فإِن شاء أخرج أربع حقاق، وإِن شاء خمس بنات لبون، والمنصوص أنه يخرج الحقاق، وليس فيما بين الفريضتين شيء. [ومن وجبت عليه سن فعدمها أخرج سناً أسفل منها ومعها شاتان أو عشرون درهماً وإِن شاء أخرج أعلى منها وأخذ مثل ذلك من الساعي، فإِن عدم السن التي تليها انتقل إِلى الأخرى وجبرها بأربع شياه أو أربعين درهماً، وقال أبو الخطاب: لا ينتقل إِلا إِلى سن تلي الواجب، ولا مدخل للجبران في غير الإِبل (¬1)]. فصل (¬2) النوع الثاني: البقر ولا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين فيجب فيها تبيع أو تبيعة: وهي التي لها سنة. وفي أربعين مُسِنَّةٌ. وهي التي لها سنتان، وفي الستين تبيعان، ثم في كل ثلاثين تبيع، ثم في كل أربعين مُسِنَّةٌ. ولا يجزئ الذكر في الزكاة في غير هذا إِلا ابن لبون مكان بنت مخاض إِذا عدمها، إِلا أن يكون النصاب كله ذكوراً فيجزئ الذكور في الغنم وجهاً واحداً، وفي الإبل والبقر في أحد الوجهين. ويؤخذ من الصغار صغيرة ومن المراض مريضة. وقال أبو بكر لا تؤخذ إِلا كبيرة صحيحة على قدر قيمة المالين (¬3)، فإِن اجتمع صغار وكبار وصحاح ومراض وذكور وإِناث لم يؤخذ إِلا أنثى كبيرة صحيحة على قدر قيمة المالين. وإِن كانا نوعين كالبخاتي والعراب والبقر والجواميس والضأن والمعز أو كان فيه كرام ولئام وسمان ومهازيل أخذت الفريضة من أحدهما على قدر قيمة المالين. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مقروء بصعوبة في "ش". (¬2) سقط هذا الفصل أيضاً من "م". (¬3) كذا في "ط" وفي "ش" على قدر المال.

فصل

فصل (¬1) النوع الثالث: الغنم ولا زكاة فيها حتى تبلغ أربعين فتجب فيها شاة إِلى عشرين ومائة، فإِذا زادت واحدة ففيها شاتان إِلى مائتين، فإِذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه ثم في كل مائة شاة شاةٌ ويؤخذ من المعز الثني ومن الضأن الجذع، ولا يؤخذ تيس ولا هرمة ولا ذات عوار وهي المعيبة، ولا الرباء وهي التي تربي ولدها ولا الحامل ولا كرائم المال إِلا أن يشاء ربه. ولا يجوز إِخراج القيمة، وعنه يجوز، وإِن أخرج سناً أعلى من الفرض من جنسه جاز. فصل في الخلطة (¬2) وإِذا اختلط نفسان أو أكثر من أهل الزكاة في نصاب من الماشية حولاً لم يثبت لهما حكم الانفراد في بعض الحول (¬3) فحكمهما في الزكاة حكم الواحد سواء كانت خلطة أعيان: بأن يكون مشاعاً بينهما أو خلطة أوصاف بأن يكون مال كلِّ منهما متميزاً فخلطاه واشتركا في المُراح والمسرح والمشرب والمحلب والراعي والفحل فإِن اختل شرط منها أو ثبت لهما حكم الانفراد في بعض الحول زكيا زكاة المنفردين فيه، وإِن ثبت لأحدهما حكم الانفراد وحده فعليه زكاة المنفرد وعلى الآخر زكاة الخلطة، ثم يزكيان فيما بعد ذلك الحول زكاة الخلطة كلما تم حول أحدهما فعليه بقدر ماله منها. ¬

_ (¬1) سقط من "م". (¬2) سقط من "م". (¬3) كذا في "ط" وفي "ش": وفي بعضه.

ولو ملك رجل نصاباً شهراً ثم باع نصفه مشاعاً أو أعلم على بعضه وباعه مختلطاً فقال أبو بكر ينقطع الحول ويستأنفانه من حيث البيع، وقال ابن حامد لا ينقطع حول البائع وعليه إِذا تم حوله زكاة حصته، فإِن أخرجها من المال انقطع حول المشتري لنقصان النصاب وإِن أخرجها من غيره وقلنا الزكاة في العين: فكذلك، وإن قلنا في الذِّمة: فعليه عند تمام حوله زكاة نصيبه. وإِن أفرد بعضه وباعه ثم اختلطا انقطع الحول، وقال القاضي: يحتمل أن لا ينقطع إِذا كان زمناً يسيراً. وإِن ملك نصابين شهراً ثم باع أحدهما مشاعاً فعلى قياس قول أبي بكر يثبت للبائع حكم الانفراد وعليه عند تمام حوله زكاة المنفرد، وعلى قياس قول ابن حامد عليه زكاة خليط. فإِذا تم حول المشتري فعليه زكاة خليط وجهاً واحداً. وإِذا ملك نصاباً شهراً ثم ملك آخر لا يتغير به الفرض مثل أن يملك أربعين شاة في المحرم وأربعين في صفر فعليه زكاة الأول عند تمام حوله ولا شيء عليه في الثاني في أحد الوجهين، وفي الآخر عليه للثاني زكاة خلطة كالأجنبي في التي قبلها. وإِن كان الثاني يتغير به الفرض مثل أن تكون مائة شاة فعليه زكاته إِذا تم حوله وجهاً واحداً، وإِن كان الثاني يتغير به الفرض ولا يبلغ نصاباً مثل أن يملك ثلاثين من البقر في المحرم وعشراً في صفر فعليه في العشر إِذا تم حولها ربع مسنة، وإِن ملك مالًا يغير الفرض كخَمْس فلا شيء فيها في أحد الوجهين، وفي الثاني عليه سبع تبيع إِذا تم حولها. وإِذا كان لرجل ستون شاة كل عشرين خلطة مع عشرين لرجل آخر فعلى الجميع شاة نصفها على صاحب الستين ونصفها على خلطائه على كل واحد سدس شاة. وإِن كانت كل عشر منها مختلطة بعشر لآخر فعليه شاة ولا شيء على خلطائه لأنهم لم يختلطوا في نصاب.

باب زكاة الخارج من الأرض

وإِذا كانت ماشية الرجل مفترقة في بلدين لا تقصر بينهما الصلاة فهي كالمجتمعة وإِن كان بينهما مسافة القصر فكذلك عند أبي الخطاب. والمنصوص أن لكل مال حكم نفسه كما لو كانا لرجلين. ولا تؤثر الخلطة في غير السائمة، وعنه أنها تؤثر ويجوز للساعي أخذ الفرض من مال أي الخليطين شاء مع الحاجة وعدمها. ويرجع المأخوذ منه على خليطه بحصته من القيمة، فإِن اختلفا في القيمة فالقول قول المرجوع عليه إِذا عدمت البينة. وإِذا أخذ الساعي أكثر من الفرض ظلماً لم يرجع بالزيادة على خليطه، وإِن أخذه بقول بعض العلماء رجع عليه. باب زكاة الخارج من الأرض تجب الزكاة في الحبوب كلها، وفي كل ثمر يكال ويدخر كالتمر والزبيب واللوز والفستق والبندق. ولا تجب في سائر الثمر ولا في الخضر والبقول والزهر. وعنه أنها تجب في الزيتون وفي القطن والزعفران إِذا بلغا بالوزن نصاباً. وقال ابن حامد لا زكاة في حب البقول كحب الرشاد والأبازير كالكسفرة والكمون وبزر القثاء والخيار ونحوه. ويعتبر لوجوبها شرطان: أحدهما (¬1): أن تبلغ نصاباً قدره بعد التصفية في الحبوب والجفاف في الثمار خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً، والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي، فيكون ذلك ألفاً وستمائة رطل. إِلا الأرز والعلس نوع ¬

_ (¬1) مقروء بصعوبة في "م".

فصل

من الحنطة يدخر في قشره فإِن نصاب (¬1) كل واحد منهما مع قشره عشرة أوسق. وعنه أنه يعتبر نصاب ثمرة النخل والكرم رطباً ثم يؤخذ عشره يابساً، وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إِلى بعض في تكميل النصاب، فإِن كان له نخل يحمل في السنة حملين ضم أحدهما إِلى الآخر، وقال القاضي لا يضم. ولا يضم جنس إِلى آخر في تكميل النصاب، وعنه أن الحبوب يضم بعضها إِلى بعض، وعنه تضم الحنطة إِلى الشعير والقطنيات بعضها إِلى بعض. الثاني: أن يكون النصاب (¬2) مملوكاً له وقت وجوب الزكاة، ولا تجب فيما يكتسبه اللقاط، أو يأخذه بحصاده ولا فيما يجتنيه من المباح كالبطم والزعبل (¬3) وبزر قطونا ونحوه: وقال القاضي فيه الزكاة إِذا ثبت في أرضه. فصل ويجب العشر فيما سقي بغير مؤنة كالغيث والسيوح وما يشرب بعروقه. ونصف العشر فيما سقي بكلفة كالدوالي والنواضح. فإِن سقي نصف السنة بهذا ونصفها بهذا ففيه ثلاثة أرباع العشر. وإِن سقي بأحدهما أكثر من الآخر اعتبر أكثرهما نص عليه. وقال ابن حامد يؤخذ بالقسط. فإِن جهل المقدار وجب العشر. وإِذا اشتد الحب وبدا صلاح (¬4) الثمر وجبت الزكاة فإِن قطعها قبله فلا ¬

_ (¬1) في "ط": فنصاب. (¬2) الكلمة ليست في "م". (¬3) في "م" والزعتر. (¬4) في "ط": وبدا الصلاح في الثمر.

زكاة فيه إِلا أن يقطعها فراراً من الزكاة فتلزمه. ولا يستقر الوجوب إِلا بجعلها في الجرين فإِن تلفت قبله بغير تعدٍّ منه سقطت الزكاة سواء كانت قد خرصت أو لم تخرص. وإِذا ادعى تلفها قبل قوله بغير يمين. ويجب إِخراج زكاة الحب مصفى والثمر يابساً، فإِن احتيج إِلى قطعه قبل كماله لضعف الأصل ونحوه أو كان رطباً لا يجيء منه تمر أو عنباً لا يجيء منه زبيب، أخرج منه عنباً ورطباً. وقال القاضي يخير الساعي بين قسمه (¬1) مع رب المال قبل الجذاذ وبعده وبين بيعه منه أو من غيره. والمنصوص أنه لا يخرج إِلا يابساً وأنه لا يجوز شري (¬2) زكاته. وينبغي أن يبعث الإِمام ساعياً إِذا بدا الصلاح في (¬3) الثمر فيخرصه عليهم ليتصرفوا فيه. فإِن كان أنواعاً خرص كل نوع وحده وإِن كان نوعاً واحداً فله خرص كل شجرة وحدها، وله خرص الجميع دفعة واحدة. ويجب أن يترك في الخرص لرب المال الثلث أو الربع، فإِن لم يفعل فلرب المال الأكل بقدر ذلك ولا يحسب عليه. ويؤخذ العشر من كل نوع على حدته فإِن شق ذلك أخذ من الوسط. ويجب العشر على المستأجر دون المالك. ويجتمع العشر والخراج في كل أرض فتحت عنوة. ويجوز لأهل الذمة شري الأرض العشرية ولا عشر عليهم. وعنه عليهم عشران يسقط أحدهما بالإِسلام. ¬

_ (¬1) في "م" أخذه. (¬2) شري في "ط": شراء. (¬3) في "م" و"ط": بدا صلاح الثمر.

فصل

فصل وفي العسل العشر سواء أخذه من موات أو من ملكه. ونصابه عشرة أفراق كل فرق ستون رطلاً. فصل في المعدن ومن استخرج من معدن نصاباً من الأثمان أو ما قيمته نصاب من الجواهر والزئبق والصفر والقار والنفط والكحل والزرنيخ وسائر ما يسمى معدناً ففيه الزكاة في الحال ربع العشر من قيمته أو من عينها إِن كانت أثماناً. سواء استخرجه في دفعة أو دفعات لم يترك العمل بينها ترك إِهمال. ولا يجوز إِخراجها إِذا كانت أثماناً إِلا بعد السبك والتصفية. ولا زكاة فيما يخرج من البحر من اللؤلؤ والمرجان والعنبر ونحوه. وعنه فيه الزكاة. فصل وفي الركاز الخمس أي نوع كان من المال قل أو كثر لأهل الفيء. وعنه أنه زكاة وباقيه لواجده إِن وجده في موات أو أرض لا يعلم مالكها، وإِن علم مالكها أو كانت منتقلة إِليه فهو له أيضاً. وعنه أنه لمالكها أو لمن انتقلت عنه إِن اعترف به وإِلا فهو لأول مالك. وإِن وجده في أرض حربي ملكه، إِلا أن لا يقدر عليه إِلا بجماعة (من) (¬1) المسلمين فيكون غنيمة. ¬

_ (¬1) ما بين قوسين زيادة من "ط" و"م".

باب زكاة الأثمان

والرِّكاز ما وجد من دفن الجاهلية عليه علامتهم، فإِن كانت عليه علامة المسلمين أو لم تكن عليه علامة فهو لقطة. باب زكاة الأثمان وهي الذهب والفضة. ولا زكاة في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالًا فيجب فيه نصف مثقال، ولا في الفضة حتى تبلغ مائتي درهم فيجب فيها خمسة دراهم. ولا زكاة في مغشوشهما حتى يبلغ قدر ما فيه نصاباً، فإِن شك فيه خير بين سبكه وبين الإِخراج. ويخرج عن الجيد الصحيح من جنسه فإِن أخرج مكسراً أو بهرجاً زاد قدر ما بينهما من الفضل نص عليه. وهل يضم الذهب إِلى الفضة في تكميل النصاب أو يخرج أحدهما عن الآخر؟ على روايتين. ويكون الضم بالأجزاء، وقيل بالقيمة فيما فيه الحظ للمساكين، وتضم قيمة العروض إِلى كل واحد منهما. فصل ولا زكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال في ظاهر المذهب. فأما الحلي المحرم والآنية وما أعد للكراء أو النفقة ففيه الزكاة إِذا بلغ نصاباً والاعتبار بوزنه، إِلا ما كان مباح الصناعة فإِن الاعتبار في النصاب بوزنه وفي الإِخراج بقيمته. ويباح للرجال من الفضة الخاتم (¬1) وقبيعة السيف، وفي حلية المنطقة روايتان، وعلى قياسها الجوشن والخوذة والخف والران والحمائل، ومن الذهب قبيعة السيف وما دعت إِليه الضرورة كالأنف وما ربط به أسنانه. ¬

_ (¬1) في "م": الختام.

باب زكاة العروض

وقال أبو بكر يباح يسير الذهب. ويباح للنساء من الذهب والفضة كل ما جرت عادتهن بلبسه قل أو كثر. وقال ابن حامد: إِن بلغ ألف مثقال حرم، وفيه الزكاة. باب زكاة العُرُوض تجب الزكاة في عروض التجارة إِذا بلغت قيمتها نصاباً، ويؤخذ منها لا من العروض، ولا تصير للتجارة إِلا أن يملكها بفعله بنية التجارة بها، فإِن ملكها بإِرث أو ملكها بفعله بغير نية ثم نوى التجارة بها لم تصر للتجارة، وِإن كان عنده عرض للتجارة فنواه للقنية ثم نواه للتجارة لم يصر للتجارة، وعنه أن الْعَرُوضَ تَصير (¬1) للتجارة بمجرد النية. وتقوَّم العروض عند الحول بما هو أحظُّ للمساكين من عين أو ورق. ولا يعتبر ما اشتريت به وإِن اشترى عرضاً بنصاب من الأثمان أو من العروض بنى على حوله. وإِن اشتراه بنصاب من السائمة لم يبن علي حوله، وإِن ملك نصاباً من السائمة للتجارة فعليه زكاة التجارة دون السوم، فإِن لم تبلغ قيمتها نصاب التجارة فعليه زكاة السوم. وإِن اشترى أرضاً أو نخلاً للتجارة فأثمرت النخل وزرعت الأرض فعليه فيهما العشر ويزكي الأصل للتجارة. وقال القاضي يزكي الجميع زكاة القيمة ولا عشر عليه إِلا أن يسبق وجوب العشر حول التجارة فيخرجه. وإِذا أذن كل واحد من الشريكين لصاحبه في إِخراج زكاته فأخرجاها معاً ضمن كل واحد نصيب صاحبه، وإِن أخرجها أحدهما قبل الآخر ضمن الثاني نصيب الأول علم أو لم يعلم، ويتخرج أن لا ضمان عليه إِذا لم يعلم. ¬

_ (¬1) في "م": أن العرض يصير للتجارة.

باب زكاة الفطر

باب زكاة الفطر وهي واجبة على كل مسلم تلزمه مؤنة نفسه إِذا فضل عنده عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته صاع، وإِن كان مكاتباً، وإِن فضل بعض صاع فهل يلزمه إِخراجه؟ على روايتين. وتلزمه فطرة من يمونه من المسلمين فإِن لم يجد ما يؤدي عن جميعهم بدأ بنفسه ثم بامرأته ثم برفيقه ثم بولده ثم بأمه ثم بأبيه ثم بالأقرب فالأقرب (على ترتيب الميراث) (¬1). ويستحب أن يخرج عن الجنين ولا يجب، ومن تكفل بمؤنة شخص في رمضان لم تلزمه فطرته عند أبي الخطاب. والمنصوص أنها تلزمه. وإِذا كان العبد بين شركاء فعليهم صاع، وعنه: على كل واحد صاع، وكذلك الحكم فيمن بعضه حر، وإِن عجز زوج المرأة عن فطرتها فعليها، أو على سيدها إِن كانت أمة فطرتها، ويحتمل أن لا تجب، ومن كان له غائب أو آبق فعليه فطرته إِلا أن يشك في حياته فتسقط، وإِن علم حياته بعد ذلك أخرج لما مضى. ولا تلزم الزوج فطرة الناشز وقال أبو الخطاب تلزمه. ومن لزم غيره فطرته فأخرج عن نفسه بغير إِذنه فهل يجزئه؟ على وجهين. ولا يمنع الدَّين وجوب الفطرة إِلا أن يكون مطالباً به. ويجب بغروب الشمس من ليلة الفطر فمن أسلم بعد ذلك أو ملك عبداً أو زوجة أو ولد له ولد لم تلزمه فطرته، وإِن وجد ذلك قبل الغروب وجبت. ويجوز إِخراجها قبل العيد بيومين، والأفضل إِخراجها يوم العيد قبل الصلاة، وتجوز في سائر اليوم فإِن أخرها عنه أتم وعليه القضاء. ¬

_ (¬1) ما بين قوسين زيادة من "ط" وفي "م" من الميراث.

فصل

فصل والواجب في الفطرة: صاع من البر، أو الشعير، أو دقيقهما وسويقهما، والتمر والزبيب، ومن الأقط في إِحدى الروايتين، ولا يجزئ غير ذلك إِلا أن يعدمه فيخرج مما يقتات عند ابن حامد، وعند أبي بكر يخرج ما يقوم مقام المنصوص، ولا يخرج حباً معيباً ولا خبزاً. ويجزئ إِخراج صاع من أجناس. وأفضل المخرج التمر ثم ما هو أنفع للفقراء بعده، ويجوز أن يعطي الجماعة ما يلزم الواحد والواحد ما يلزم الجماعة. باب إِخراج الزكاة لا يجوز تأخيرها عن وقت وجوبها مع إِمكانه إِلا لضرر: مثل أن يخشى رجوع الساعي عليه ونحو ذلك، فإِن جحد وجوبها جهلًا به عرّف ذلك، فإِن أصر كفر وأخذت منه واستتيب ثلاثاً فإِن لم يتب قتل. ومن منعها بخلاً بها (¬1) أخذت منه وعزر، فإِن غيَّب ماله أو كتمه أو قاتل دونها وأمكن أخذها أخذت من غير زيادة، وقال أبو بكر يأخذها وشطر ماله، وإِن لم يمكن أخذها استتيب ثلاثاً فإِن تاب وأخرج وإِلا قتل وأخذت من تركته، وقال بعض أصحابنا إِن قاتل عليها كفر، وِإن ادعى ما يمنع وجوب الزكاة من نقصان الحول أو النصاب أو انتقاله عنه في بعض الحول ونحوه قبل قوله من غير يمين نص عليه. والصبي والمجنون يخرج عنهما وليهما. ¬

_ (¬1) زيادة من "ط" و"م".

ويستحب للإِنسان تفرقة زكاته بنفسه، وله دفعها إِلى الساعي (¬1)، وعنه يستحب أن يدفع إِليه العشر ويتولى هو تفريق الباقي، وعند أبي الخطاب دفعها إِلى الإِمام العادل أفضل. ولا يجوز إِخراجها إِلا بنية، إِلا أن يأخذها الإِمام (منه) (¬2) قهراً، وقال أبو الخطاب لا تجزئه أيضاً من غير نية؛ وإِن دفعها إِلى وكيله اعتبرت النية في (¬3) الموكل دون الوكيل. ويستحب أن يقول عند دفعها: " اللهم اجعلها مغنماً، ولا تجعلها مغرماً". ويقول الآخذ "آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت، وجعله لك طهوراً". ولا يجوز نقلها إِلى بلد تقصر إِليه الصلاة فإِن فعل فهل تجزئه؟ على روايتين. إِلا أن يكون في بلد (¬4) لا فقراء فيه فيفرقها في أقرب البلاد إِليه، فإِن كان في بلد وماله في آخر أخرج زكاة المال في بلده وفطرته في البلد الذي هو فيه. وإِذا حصل عند الإِمام ماشية استحب له وسم الإِبل في أفخاذها والغنم في آذانها، فإِن كانت زكاة كتب "لله" أو "زكاة". وإِن كانت جزية كتبت: "صغار" أو "جزية". ¬

_ (¬1) العبارة غير واضحة في "م" كلمة: وله سقطت منها. (¬2) سقط من "م" و"ط". (¬3) في "ط": من. (¬4) سقط من "م".

فصل

فصل ويجوز تعجيل الزكاة عن الحول إِذا كمل النصاب، ولا يجوز قبل ذلك. وفي تعجيلها لأكثر من حول (¬1) روايتان. وإِن عجَّلها عن النصاب وما يستفيده أجزأ (¬2) عن النصاب دون الزيادة، وإِن عجل عشر الثمرة قبل طلوغ الطلع والحصرم لم يجزئه. وإِن عجل زكاة النصاب فتم الحول وهو ناقص قدر ما عجله جاز، وإِذا عجل زكاة المائتين فنتجت عند الحول سخلة لزمته شاة ثالثة، وإِن عجلها فدفعها إِلى مستحقها فمات أو ارتد أو استغنى أجزأت عنه وإِن دفعها إِلى غني فافتقر عند الوجوب لم تجزئه، وإِن عجلها ثم هلك المال قبل الحول لم يرجع على المسكين، وقال ابن حامد: إِن كان الدافع الساعي أو أعلمه أنها زكاة معجلة رجع عليه. باب ذكر أهل الزكاة وهم ثمانية أصناف: الأول: الفقراء: وهم الذين لا يجدون ما يقع موقعاً من كفايتهم. الثاني: المساكين: وهم الذين يجدون معظم الكفاية. ومن ملك من غير الأثمان ما لا يقوم بكفايته فليس بغنى وإِن كثرت قيمته، وإِن كان من الأثمان فكذلك في إِحدى الروايتين، والأخرى إِذا ملك خمسين درهماً أو قيمتها (¬3) من الذهب فهو غني. الثالث: العاملون عليها: وهم الجباة لها والحافظون لها. ويشترط أن يكون العامل مسلماً أميناً من غير ذوي القربى، ولا يشترط حريته ولا ¬

_ (¬1) في "م": وفي تعجيلها لعامين. (¬2) في "م": أجزأه. (¬3) في "م" أو ما قيمتها.

فقره. وقال القاضي لا يشترط إِسلامه ولا كونه من غير ذوي القربى. وإِن تلفت الزكاة في يده من غير تفريط أعطي أجرته من بيت المال. الرابع: المؤلفة قلوبهم: وهم السادة المطاعون في عشائرهم ممن يرجى إِسلامه، أو يخشى شره، أو يرجى بعطيته قوة إِيمانه، أو إِسلام نظيره، أو جباية الزكاة ممن لا يعطيها، أو الدفع عن المسلمين، وعنه أن حكمهم انقطع. الخامس: الرقاب: وهم المكاتبون، ويجوز أن يفدي بها أسيراً مسلماً، نص (¬1) عليه. وهل يجوز أن يشتري منها رقبة يعتقها؟ على روايتن. السادس: الغارمون: وهم المدينون، وهم ضربان: ضرب غرم لإِصلاح ذات البين، وضرب غرم لإِصلاح نفسه في مباح. السابع: في سبيل الله: وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم. ولا يعطى منها في الحج. وعنه يعطى الفقير ما يحج به الفرض أو يستعين به فيه. الثامن: ابن السبيل: وهو المسافر المنقطع به دون المنشئ للسفر من بلده، فيعطى قدر ما يصل به إِلى بلده. ويعطى الفقير والمسكين ما يغنيه والعامل قدر أجرته والمكاتب والغارم ما يقضيان به دينهما، والمؤلف ما يحصل به التأليف، والغازي ما يحتاج إِليه لغزوه وإِن كثر، ولا يزاد أحد منهم على ذلك. ومن كان ذا عيال أخذ ما يكفيهم ولا يعطى أحد منهم مع الغِنى إِلا أربعة: العامل، والمؤلف والغارم لإِصلاح ذات البين، والغازي. ¬

_ (¬1) في "ط": يفدى به أسيرٌ مسلم.

فصل

وِإن فضل مع الغارم والمكاتب والغازي وابن السبيل شيء بعد حاجتهم لزمهم رده، والباقون يأخذون أخذاً مستقراً فلا يردون شيئاً. وظاهر كلام الخرقي في المكاتب أنه يأخذ أيضاً أخذاً مستقراً. وإِذا ادعى الفقر من عرف بالغنى أو ادعى إِنسان أنه غارم أو ابن سبيل أو مكاتب (¬1) لم يقبل إِلا ببينة. وإِن صدق المكاتب سيده أو الغارم غريمه فعلى وجهين. وإِن ادعى الفقر من لم يعرف بالغنى قبل قوله. وإِن رآه جلداً وذكر أن (¬2) لا كسب له أعطاه من غير يمين بعد أن يخبره أنه لاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب. وإِذا ادعى أن له عيالًا قُبِلَ وأُعطي، ويحتمل أن لا يقبل ذلك (¬3) إِلا ببينة ومن غرم أو سافر في معصية لم يدفع إِليه (شيءٌ) (¬4) فإِن تاب فعلى وجهين. [ويستحب صرفها في الأصناف كلها فإِن اقتصر على إِنسان واحد أجزأه. وعنه لا يجزئه إِلا ثلاثة من كل صنف إِلا العامل فإِنه يجوز أن يكون واحداً. ويستحب صرفها إِلى أقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم ويفرقها فيهم على قدر حاجتهم (¬5)]. ويجوز للسيد دفع زكاته إِلى مكاتبه وإِلى غريمه. فصل ولا يجوز دفعها إِلى كافر ولا عبد، ولا فقيرة لها زوج غني، ولا الوالدين وإِن علوا، ولا الولد وإِن سفل، ولا إِلى الزوجة، ولا إِلى بني هاشم ولا مواليهم. ويجوز لبني هاشم الأخذ من صدقة التطوع ووصايا ¬

_ (¬1) في "م": وإِن ادعى إِنسان أنه مكاتب أو غارم أو ابن سبيل. (¬2) في "م": أنه. (¬3) ذلك سقط من "م". (¬4) ما بين قوسين زيادة من "م". (¬5) ما بين الرقمين حصل فيه تقديم وتأخير في "م".

فصل

للفقراء والنذر. وفي الكفارة وجهان. وهل يجوز دفعها إِلى سائر من تلزم مؤنته من أقاربه أو إِلى الزوج أو بني المطلب؟ على روايتين. وإِن دفعها إِلى من لا يستحقها وهو لا يعلم ثم علم لم تجزئه، إِلا الغني إِن ظنه فقيراً في إِحدى الروايتين. فصل وصدقة التطوع مستحبة وهي أفضل في شهر رمضان وأوقات الحاجات. والصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة. وتستحب الصدقة بالفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه. وإِن تصدق بما ينقص مؤنة من تلزمه مؤنته أثم. ومن أراد الصدقة بماله كله وهو يعلم من نفسه حسن التوكل والصبر عن المسألة فله ذلك وإِن لم يثق من نفسه لم يجز له. ويكره لمن لا صبر له على الضيق أن ينقص نفسه عن (¬1) الكفاية التامة والله أعلم (¬2). * * * ¬

_ (¬1) في "م" على. (¬2) عبارة والله أعلم ليست في "م"، "ط".

كتاب الصيام

كتاب الصِّيام يجب صوم شهر رمضان برؤية الهلال، فإِن لم يُرَ مع الصَّحو أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً ثم صاموا، وإِن حال دون منظره غيم أو قتر ليلة الثلاثين وجب صيامه بنية رمضان في ظاهر المذهب. وعنه لا يجب. وعنه الناس تبع للإِمام فإِن صام صاموا. وإِذا [رُؤي الهلال نهاراً قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المقبلة. وإِذا (¬1)] رأى الهلال أهل بلد لزم الناس كلهم الصوم، ويقبل في هلال رمضان قول عدل واحد ولا يقبل في سائر الشهور إِلا عدلان. وإِذا صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يوماً فلم يروا الهلال أفطروا وإِن صاموا بشهادة واحد فعلى وجهين. وإِن صاموا لأجل الغيم لم يفطروا. ومن رأى هلال رمضان وحده وردت شهادته لزمه الصوم، وإِن رأى هلال شوال وحده لم يفطر. وإِذا اشتبهت الأشهر على الأسير تحرى وصام فإِن وافق الشهر أو ما بعده أجزأه وإِن وافق قبله لم يجزئه. ولا يجب الصوم إِلا على المسلم العاقل البالغ القادر على الصوم، ولا يجب على كافر ولا مجنون ولا صبي ولكن يؤمر به إِذا أطاقه ويضرب عليه ليعتاده. وإِذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار لزمهم الإِمساك والقضاء. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش".

وإِن أسلم كافر أو أفاق مجنون أو بلغ صبي فكذلك. وعنه لا يلزمهم شيء. وِإن بلغ الصبي صائماً أتم ولا قضاء عليه عند القاضي. وعند أبي الخطاب عليه القضاء. وإِن طهرت حائض أو نفساء أو قدم المسافر مفطراً فعليهم القضاء. وفي الإِمساك روايتان. ومن عجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً. والمريض إِذا خاف الضرر والمسافر، استحب لهما الفطر فإِن صاما أجزأهما. ولا يجوز أن يصوما في رمضان عن غيره. ومن نوى الصوم في سفره فله الفطر. وإِن نوى الحاضر صوم يوم ثم سافر في أثنائه فله الفطر. وعنه لا يجوز. والحامل والمرضع إِذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضتا. وإِن خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا لكل يوم مسكيناً. ومن نوى قبل الفجر ثم جن أو أغمي عليه جميع النهار لم يصح صومه، وإِن أفاق جزءاً منه صح صومه، وإِن نام جميع النهار صح صومه، ويلزم المغمى عليه القضاء دون المجنون. فصل ولا يصح صوم واجب إِلا أن ينويه من الليل معيّناً. وعنه لا يجب تعيين النية لرمضان، ولا يحتاج إِلى نية الفرضية. وقال ابن حامد يجب ذلك. ولو نوى إِن كان غداً من رمضان فهو فرضي وإِلا فهو نفل لم يجزئه. وعنه يجزئه. ومن نوى الإِفطار أفطر. ويصح صوم النفل بنية من النهار قبل الزوال وبعده. وقال القاضي لا يجزئ بعد الزوال.

باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة

باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة ومن أكل أو شرب أو استعط أو احتقن أو داوى الجائفة بما يصل إِلى جوفه أو اكتحل بما يصل إِلى حلقه أو أدخل إِلى جوفه شيئاً من أي موضع كان، أو داوى المأمومة، أو قطر في أذنه ما يصل إِلى دماغه، أو استقاء أو استمنى، أو قبل أو لمس فأمنى أو أمذى، أو كرر النظر فأنزل، أو حجم أو احتجم عامداً ذاكراً لصومه فسد صومه، وإِن فعله ناسياً أو مكرهاً لم يفسد. وإِن طار إِلى حلقه ذباب أو غبار، أو قطر في إِحليله، أو فكر فأنزل، أو احتلم، أو ذرعه القيء، أو أصبح وفي فيه طعام فلفظه، أو اغتسل، أو تمضمض أو استنشق فدخل الماء حلقه لم يفسد صومه. وإِن زاد على الثلاث أو بالغ فيهما فعلى وجهين ومن أكل شاكاً في طلوع الفجر فلا قضاء عليه، وإِن أكل شاكاً في غروب الشمس فعليه القضاء، وإِن أكل معتقداً أنه ليل فبان نهاراً فعليه القضاء. فصل وإِذا جامع في نهار رمضان في الفَرْج، قُبُلًا كان أو دُبُراً فعليه القضاء والكفارة عامداً كان أو ساهياً. وعنه لا كفارة عليه مع الإِكراه والنسيان. ولا يلزم المرأة كفارة مع العذر، وهل يلزمها مع عدمه على روايتين. وعنه كل أمر غلب عليه الصائم فليس عليه قضاء ولا غيره، وهذا يدل على إِسقاط القضاء والكفارة مع الإِكراه والنسيان. وإِن جامع دون الفرج فأنزل، أو وطئ بهيمة في الفرج أفطر. وفي الكفارة وجهان. وإِن جامع في يوم رأى الهلال في ليلته وردت شهادته

باب ما يكره وما يستحب وحكم القضاء

فعليه القضاء والكفارة، وإِن جامع في يومين ولم يكفر فهل تلزمه كفارة أو كفارتان؟ على وجهين. وإِن جامع ثم كفر ثم جامع في يومه فعليه كفارة ثانية نص عليه. وكذلك كل من لزمه الإِمساك إِذا جامع. ولو جامع وهو صحيح ثم مرض أو جن أو سافر لم تسقط عنه. وإِن نوى الصوم في سفره ثم جامع فلا كفارة عليه. وعنه عليه الكفارة. ولا تجب الكفارة بغير الجماع في صيام رمضان. والكفارة عتق رقبة، فإِن لم يستطع (¬1) فصيام شهرين متتابعين، فإِن لم يستطع فإِطعام ستين مسكيناً فإِن لم يجد سقطت عنه. وعنه لا تسقط. وعنه أن الكفارة على التخيير فبأيها كفر أجزأه. باب ما يكره وما يستحب وحكم القضاء يكره للصائم أن يجمع ريقه فيبتلعه وأن يبتلع النخامة وهل يفطر بهما؟ على وجهين. ويكره (له) (¬2) ذوق الطعام، وإِن وجد طعمه في حلقه أفطر، ويكره مضغ العلك الذي لا يتحلل منه أجزاء. ولا يجوز مضغ ما يتحل منه أجزاء إِلا أن لا يبتلع ريقه. ومتى وجد طعمه في حلقه أفطر. وتكره القُبْلة إِلا أن يكون ممن لا تحرك شهوته على إِحدى الروايتين. ويجب عليه اجتناب الكذب والغيبة والشتمِ فإِن شُتِم اسْتُحِبَّ أن يقول إِني صائم. فصل ويستحب تعجيل الإِفطار وتأخير السحور، وأن يفطر على التمر فإِن لم يجد فعلى الماء. وأن يقول عند فطره: ¬

_ (¬1) في "م" يجد. (¬2) زيادة من "ط".

فصل

اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت سبحانك اللهم وبحمدك. اللهم تقبل مني إِنك أنت السميع العلم. ويستحب التتابع في قضاء رمضان ولا يجب. فصل ولا يجوز تأخير قضاء رمضان إِلى رمضان آخر من غير عذر، فإِن فعل فعليه القضاء وإِطعام مسكين لكل يوم، وإِن أخَّره لعذر فلا شيء عليه وإِن مات. وإِن آخره لغير عذر فمات قبل رمضان آخر أُطْعِمَ عنه لكل يوم مسكينٌ وإِن مات بعد أن أدركه رمضان آخر فهل يُطعم (عنه) (¬1) كل (¬2) يوم مسكين أو اثنان؟ على وجهين، وإِن مات وعليه صوم أو حج أو اعتكاف منذور فَعَلَهُ عنه وليه (¬3)، وإِن (¬4) كانت عليه صلاة منذورة فعلى روايتين. باب صوم التطوع وأفضله صيام داود عليه السلام كان يصوم يوماً ويفطر يوماً. ويستحب صيام أيام البيض من كل شهر، وصوم الاثنين والخميس. ومن صام شهر رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر. وصيام يوم عاشوراء كفارة سنة، ويوم عرفة كفارة سنتين، ولا يستحب لمن كان ¬

_ (¬1) ما بين قوسين زيادة عن "م". (¬2) في "م": لكل. (¬3) عبارة: وإِن مات وعليه. . وليه؛ كذا في "ش"، "ط" وفي "م": وإِن مات وعليه صوم منذور أو حج أو اعتكاف فَعَلَهُ عنه وليه. (¬4) في "م": ومَنْ.

بعرفة. ويستحب صوم عشر ذي الحجة وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم. ويكره إِفراد رجب بالصوم وإِفراد يوم الجمعة ويوم السبت ويوم الشك ويوم النيروز والمهرجان إِلا أن يوافق عادة. ولا يجوز صوم يومي العيدين عن فرض ولا (عن) (¬1) تطوع وإِن قصد صيامهما كان عاصياً ولم يجزئه عن فرض ولا يجوز صيام أيام التشريق (¬2) تطوعاً، وفي صومها عن فرض روايتان. ومن دخل في صوم (6) أو صلاة تطوعاً (6) استحب له إِتمامه ولم يجب، فإِن أفسده فلا قضاء عليه. وتطلب ليلة القدر في العشر الأخير من رمضان، وليالي الوتر آكد، وأرْجاها ليلة سبع وعشرين، ويدعو فيها بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله إِن وافقتها فبم أدعو؟ قال قولي: "اللهم إِنك عفو تحب العفو فاعف عني". * * * ¬

_ (¬1) ما بين قوسين زيادة عن "ط". (¬2) أول سطر بياض في "م" ومثله ما وضع بين الرقمين: (6 - 6).

كتاب الاعتكاف

كتاب الاعتكاف وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى. وهو سُنَّةٌ إِلا أن ينذره فيجب. ويصح بغير صوم. وعنه لا يصح، فعلى هذا لا يصح في ليلة مفردة ولا (في) بعض يوم. ولا يجوز الاعتكاف من المرأة بغير إِذن زوجها ولا للعبد بغير إِذن سيده، وإِن شرعا فيه بغير إِذن فلهما تحليلهما وإِن كان بإِذن فلهما تحليلهما إِن كان تطوعاً وإِلا فلا. وللمكاتب أن يعتكف ويحج بغير إِذن، ومن بعضه حر إِن كان بينهما مهايأة فله أن يعتكف ويحج في نوبته وإِلا فلا. ولا يصح الاعتكاف إِلا في مسجد يجمع فيه، إِلا المرأة لها الاعتكاف في كل مسجد إِلا مسجد بيتها. والأفضل الاعتكاف في الجامع إِذا كانت الجمعة تتخلله. ومن نذر (¬1) الاعتكاف أو الصلاة في مسجد فله فعله في غيره، إِلا المساجد الثلاثة، وأفضلها المسجد الحرام ثم مسجد المدينة ثم الأقصى، فإِذا نذره في الأفضل لم يجز في غيره، وإِن نذره في غيره فله فعله فيه. ومن نذر الاعتكاف شهراً بعينه (¬2) لزمه الشروع قبل دخول ليلته إِلى انقضائه، وإِن نذر شهراً مطلقاً لزمه شهر متتابع، وإِن نذر أياماً معدودة فله تفريقها إِلا عند القاضي، وإِن نذر أياماً وليالي متتابعة لزمه ما يتخللها من ليل أو نهار. ¬

_ (¬1) سقط من "م". (¬2) في "م": (اعتكاف شهر بعينه) ولم تظهر في التصوير بوضوح تام ومثلها عبارة: (ومن نذر شهراً) في السطر التالي له.

فصل

فصل ولا يجوز للمعتكف الخروج إِلا لما لا بد منه: كحاجة الإِنسان، والطهارة، والجمعة، والنفير المتعين، والشهادة الواجبة، والخوف من فتنة أو مرض، والحيض، والنفاس، وعدة الوفاة ونحوه، ولا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة إِلا أن يشترط فيجوز، وعنه له ذلك من غير شرط، وله السؤال عن المريض في طريقه ما لم يعرّج والدخول إِلى مسجد يتم اعتكافه فيه، فإِن خرج لما لا بد منه خروجاً معتاداً كحاجة الإِنسان والطهارة فلا شيء فيه، وإِن خرج لغير المعتاد في المتتابع وتطاول خُيِّر بين استئنافه فيه مع كفارة يمين، وإِن فعله في معين (¬1) قضى. وفي الكفارة وجهان، وإِن خرج لما له منه بد في المتتابع لزمه استئنافه، وإِن فعله في معين فعليه كفارة، وفي الاستئناف وجهان. وِإن وطئ المعتكف في الفرج فسد اعتكافه، ولا كفارة عليه إِلا لترك نذره، وقال أبو بكر عليه كفارة يمين، وقال القاضي عليه كفارة الظهار، وإِن باشر دون الفرج فأنزل فسد اعتكافه، وإِلا فلا. ويستحب للمعتكف التشاغل بفعل (¬2) القُرَب واجتناب ما لا يعنيه، ولا يستحب له إِقراء القرآن والعلم والمناظرة فيه، إِلا عند أبي الخطاب إِذا قصد به الطاعة. * * * ¬

_ (¬1) في "م": متعين. (¬2) مكانه بياض في "م" والمثبت يوافق "ش" و"ط".

كتاب المناسك

كتاب المناسك يجب الحج والعمرة في العمر (¬1) مرة واحدة بخمسة شروط: الإِسلام. والعقل: فلا يجب على كافر ولا مجنون ولا يصح منهما. والبلوغُ. والحرية. فلا يجب على صبي ولا على (¬2) عبد ويصح منهما, ولا يجزئهما إِن بلغ الصبي أو عتق العبد إِلا أن يبلغ ويعتق في الحج قبل الخروج من عرفة. وفي العمرة قبل طوافها فيجزئهما، ويحرم الصبي المميز بإِذن وليه وغير المميز يحرم عنه وليه ويفعل عنه ما يعجز عنه من عمله. ونفقة الحج وكفاراته في مال وليه، وعنه في مال الصبي. وليس للعبد الإِحرام إِلا بإِذن سيده، ولا للمرأة الإِحرام نفلًا إِلا بإِذن زوجها، فإِن فعلا فلهما تحليلهما ويكونان كالمحصر، وإِن أحرما بإِذن لم يجز تحليلهما, وليس للزوج منع امرأته من حج الفرض ولا تحليلها إِن أحرمت به. ¬

_ (¬1) في العمر سقط من "ط". (¬2) على سقط من "م".

فصل الشرط الخامس: الاستطاعة، وهو أن يملك زاداً وراحلة صالحة لمثله بآلتها الصالحة لمثله أو ما يقدر به على تحصيل ذلك فاضلًا عما يحتاج إِليه من مسكن وخادم وقضاء دينه ومؤنته ومؤنة عياله على الدوام، ولا يصير مستطيعاً ببذل غيره بحال، فمن كملت له هذه الشروط وجب عليه الحج على الفور، فإِن عجز عن السعي [إِليه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر من بلده، وقد أجزأ عنه وإِن عوفي. ومن أمكنه السعي إِليه لزمه ذلك إِذا كان في وقت المسير ووجد طريقاً آمناً لا خفارة فيه يوجد فيه الماء والعلف على المعتاد، وعنه أن إِمكان المسير وتخلية الطريق من شرائط الوجوب. وقال ابن حامد إِن كانت الخفارة لا تجحف مسألة لزمه بذلها. ومن وجب عليه الحج فتوفي قبله أُخْرج عنه من جميع ماله حجة وعمرة، فإِن ضاق ماله عن ذلك أو كان عليه دَين أخذ للحج بحصته وحج به من حيث يبلغ (¬1)]. فصل [ويشترط لوجوب الحج على المرأة وجود محرمها وهو زوجها أو من تحرم عليه على التأييد بنسب أو سبب مباح إِذا كان بالغاً عاقلًا، وعنه أن المَحْرَم من شرائط لزوم الأداء، وإِن مات المحرم في الطريق مضت في حجها ولم تصر محصرة، ولا يجوز لمن يحج عن نفسه أن يحج عن غيره، ولا نذره ولا نافلة، فإِن فعل انصرف إِلى حجة الإِسلام، وعنه يقع ما نواه. وهل يجوز لمن يقدر على الحج بنفسه أن يستنيب في حج التطوع؟ على روايتين (¬2)]. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين غير مقروء في "م". (¬2) ما بين الرقمين مقروء بصعوبة أيضاً في "م".

باب المواقيت

باب المواقيت وميقات أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام ومصر والمغرب الجحفة، وأهل اليمن يلملم وأهل نجد قرن، وأهل المشرق ذات عرق. وهذه المواقيت لأهلها ولمن مر عليها من غيرهم ومن منزله دون الميقات فميقاته من موضعه. وأهل مكة إِذا أرادوا العمرة فمن الحل، ومن أراد الحج فمن مكة. ومن لم يكن طريقه (3) على ميقات فإِذا حاذى أقرب المواقيت إِليه أحرم. ولا يجوز لمن أراد دخول مكة تجاوز الميقات بغير إِحرام إِلا لقتال مباح أو حاجة متكررة كالحطاب ونحوه، ثم إِن بدا له النسك أحرم من موضعه (2)، ومن جاوزه مريداً للنسك رجع فأحرم منه، فإِن أحرم من موضعه (¬1) فعليه دم وإِن رجع إِلى الميقات، والاختيار أن لا يحرم قبل ميقاته. ولا يحرم بالحج قبل أشهره فإِن فعل فهو محرم. وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة (¬2). ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على هامش الأصل في "ش". (¬2) ما بين الرقمين مقروء بصعوبة في "م". وقد جمع أحدهم المواقيت بقوله: عرق العراق يلملم اليمن ... وبذي الحليفة يُحرم المدني والشام جحفةٌ إِن مررت بها ... ولأهل نجد قرنُ فاستبِنِ (انظر إِرشاد المسالك -كتاب الحج). .

باب الإحرام

باب الإِحرام يستحب لمن أراد الإِحرام أن يغتسل ويتنظف ويتطيب ويلبس ثوبين أبيضين نظيفين وإِزاراً ورداءً ويتجرد عن المخيط ويصلي ركعتين ويحرم عقيبهما، وينوي الإِحرام بنسك معين، ولا ينعقد إِلا بالنية ويشترط فيقول: "اللهم إِني أريد النسك الفلاني فيسره لي وتقبله مني. فإِن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني". وهو مخير بين التمتع والإِفراد والقران، وأفضلها التمتع ثم الإِفراد. وعنه إِن ساق الهدي فالقران أفضل ثم التمتع. وصفة التمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ثم يحرم بالحج من مكة أو من قريب منها في عامه. والإِفراد أن يحرم بالحج منفرداً. والقران أن يحرم بهما جميعاً، أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج. ولو أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة لم يصح إِحرامه بها. ويجب على المتمتع والقارن دم نسك إِذا لم يكونا من حاضري المسجد الحرام وهم أهل مكة، ومن كان منها دون مسافة القصر. ومن كان قارناً أو مفرداً أحببنا له أن يفسخ بطواف وسعي ويجعلها عمرة لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بذلك، إِلا أن يكون قد ساق معه هدياً فيكون على إِحرامه. وإِن (¬1) ساق المتمتع هدياً لم يكن له أن يحل. والمرأة إِذا دخلت متمتعة فحاضت فخشيت فوات الحج أحرمت بالحج وصارت قارنة. ¬

_ (¬1) في "م" و"ط": ولو.

باب محظورات الإحرام

ومن أحرم مطلقاً صحَّ وله صرفه إِلى ما شاء، وإِن أحرم بمثل ما أحرم به فلان انعقد إِحرامه بمثله، وإِن أحرم بحجتين أو عمرتين انعقد بإِحداهما، وإِن أحرم بنسك ونسيه جعله عمرة. وقال القاضي يصرفه إِلى أيهما شاء. وإِن أحرم عن رجلين وقع عن نفسه، وإِن أحرم عن أحدهما لا بعينه وقع عن أحدهما (2)، وقال أبو الخطاب له صرفه إِلى أيهما شاء (¬1). وإِذا استوى على راحلته لبى تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك. إِن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". والتلبية سنة، ويستحب رفع الصوت بها والإِكثار منها والدعاء بعدها. ويلبي إِذا على نشزاً، أو هبط وادياً، وفي دبر الصلوات المكتوبات وإِقبال الليل والنهار، وإِذا التقت الرفاق. ولا ترفع المرأة صوتها إِلا بقدر ما تسمع رفيقتها. باب محظورات الإِحرام وهي تسع: الأول: حلق الشعر. الثاني: تقليم الأظفار: فمن حلق أو قلم ثلاثة فعليه دم. وعنه لا يجب إِلا في أربعة (¬2) فصاعداً. وفيما دون ذلك في كل واحد مد من طعام، وعنه قبضة، وعنه درهم. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين استدرك على الهامش في "ش" وكتب عقيبه صح. (¬2) في "ش" و"ط" أربع وهو خطأ، لأن الظفر مذكر، ويجب معه تأنيث الأعداد من ثلاثة إِلى تسعة.

فصل

وإِن حلق رأسه بإِذنه فالفدية عليه، وإِن كان مكرهاً أو نائماً فالفدية على الحالق، وإِن حلق محرم رأس حلال فلا فدية عليه. وقطع الشعر ونتفه كحلقه، وشعر الرأس والبدن واحد، وعنه لكل واحد حكم مفرد. وإِن خرج في عينه شعر فقلعه، أو نزل شعره فغطى عينيه فقصه، أو انكسر ظفره فقصه، أو قلع جلداً عليه شعر فلا فدية عليه. فصل الثالث: تغطية الرأس: فمتى غطاه بعمامة، أو خرقة، أو قرطاس فيه دواء أو غيره، أو عصبه، أو طينه بطين أو حناء أو غيره فعليه الفدية، وإِن استظل بالمحمل ففيه روايتان، وإِن حمل على رأسه شيئاً أو نصب حياله ثوباً أو استظل بخيمة أو شجرة أو بيت فلا شيء عليه. وفي تغطية الوجه روايتان. فصل الرابع: لبس المخيط والخفين: إِلا أن لا يجد إِزاراً فليلبس السراويل (¬1)، أو نعلين فليلبس الخفين ولا يقطعهما ولا فدية عليه. ولا يعقد عليه منطقة ولا رداء ولا غيره إِلا إِزاره وهميانه الذي فيه نفقته إِذا لم يثبت إِلا بالعقد. وإِن طرح على كتفيه قباء فعليه الفدية، وقال الخرقي لا فدية عليه إِلا أن يدخل يديه في كميه، ويتقلد بالسيف عند الضرورة. ¬

_ (¬1) غير مقروء في "م".

فصل

فصل الخامس: الطيب: فيحرم عليه [تطييب بدنه أو ثيابه، وشم الأدهان المطيبة والادّهان بها، وشمّ المسك والكافور والعنبر والزعفران والورس والتبخر بالعود ونحوه، وأكل ما فيه طيب يظهر طعمه أو ريحه، وإِن مس من الطيب ما لا يعلق بيده فلا فدية عليه، وله ثم العود والفواكه والشيح والخزامى، وفي شم الريحان والنرجس والورد والبنفسج والبرم ونحوها والادّهان بدهن غير مطيب في رأسه روايتان. وإِن جلس عند العطار أو في موضع ليشم الطيب فشمه فعليه الفدية وإِلا فلا (¬1)]. فصل السادس: قتل صيد البر واصطياده: وهو ما كان وحشياً مأكولاً أو متولداً منه ومن غيره، فمن أتلفه أو تلف في يده أو أتلف جزءاً منه فعليه جزاؤه، ويضمن ما دل عليه أو أشار إِليه، أو أعان على ذبحه، أو كان له أثر في ذبحه مثل أن يعيره سكيناً، إِلا أن يكون القاتل محرماً فيكون جزاؤه بينهما. ويحرم عليه الأكل من ذلك كله، وأكل ما صيد لأجله ولا يحرم عليه الأكل من غير ذلك. وإِن أتلف بيض صيد أو نقله إِلى موضع آخر ففسد فعليه ضمانه بقيمته. ولا يملك الصيد بغير الإِرث وقيل لا يملكه به أيضاً. وإِن أمسك صيداً حتى تحلل ثم تلف أو ذبحه ضمنه وكان ميتة، وقال أبو الخطاب له أكله. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مقروء بصعوبة في "م".

فصل

وإِن أحرم وفي يده صيد، أو دخل الحرم بصيد لزمه إِزالة يده المشاهدة دون الحكمية عنه فإِن لم يفعل فتلف ضمنه. وإِن أرسله إِنسان من يده قهراً فلا ضمان على المرسل. وإِن قتل صيداً صائلاً عليه دفعاً عن نفسه أو بتخليصه من سبع أو شبكة ليطلقه لم يضمنه، وقيل يضمنه فيهما. ولا تأثير للحرم ولا للإِحرام في تحريم حيوان إِنسي ولا محرم الأكل إِلا القمل على المحرم (¬1) في رواية. وأي شيء تصدق به كان خيراً منه. ولا يحرم صيد البحر على المحرم، وفي إِباحته في الحرم روايتان. ويضمن الجراد بقيمته، فإِن انفرش في طريقه فقتله بالمشي عليه ففي الجزاء وجهان. وعنه لا ضمان في الجراد. ومن اضْطُر إِلى أكل الصيد أو احتاج إِلى شيء من هذه المحظورات فله فعله وعليه الفداء. فصل السابع: عقد النكاح: لا يصح منه. وفي الرجعة روايتان. ولا فدية عليه في شيء منهما. فصل الثامن: الجماع في الفرج قبلًا كان أو دبراً من آدميٍ أو غيره: فمتى فعل ذلك قبل التحلل الأول فسد نسكه عامداً كان أو ناسياً، وعليهما المضي في فاسده والقضاء على الفور من حيث أحرما أولاً، ونفقة المرأة ¬

_ (¬1) على المحرم: مستدرك في الهامش في "ش".

فصل

في القضاء عليها إِن طاوعت، وإِن أكرهت فعلى الزوج، ويتفرقان في القضاء من الموضع الذي أصابها فيه إِلى أن يحلا. وهل هو واجب أو مستحب؟ على وجهين. وإِن جامع بعد التحلل الأول لم يفسد حجه ويمضي إِلى التنعيم فيحرم ليطوف وهو محرم. وهل تلزمه بدنة أو شاة؟ على روايتين. فصل التاسع: المباشرة فيما دون الفرج لشهوة: فإِن فعل فأنزل فعليه بدنة، وهل يفسد نسكه؟ على روايتين، وإِن لم ينزل لم يفسد. فصل والمرأة إِحرامها في وجهها، ويحرم عليها ما يحرم على الرجل إِلا في اللباس وتظليل المحمل، ولا تلبس القفازين والخلخال ونحوه، ولا تكتحل بالإِثمد، ويجوز لبس المعصفر والكحلي والخضاب بالحناء والنظر في المرآة لهما جميعاً. باب الفِدْيَة وهي على ثلاثة أضرب: أحدها: ما هو على التخيير، وهو نوعان: أحدهما: يخير فيه بين صيام ثلاثة أيام أو إِطعام ستة مساكين لكل مسكين مد بر أو نصف صاع تمر أو شعير أو ذبح شاة، وهي فدية حلق الرأس وتقليم الأظفار وتغطية الرأس واللبس والطيب. وعنه يجب الدم إِلا أن يفعله لعذر فيخير.

فصل

الثاني: جزاء الصيد يخير فيه بين المثل أو تقويمه بدراهم يشتري بها طعاماً فيطعم كل مسكين مداً أو يصوم عن كل مد يوماً، وإِن كان مما لا مثل له خير بين الإِطعام والصيام. وعنه أن جزاء الصيد على الترتيب: فيجب المثل، فإِن لم يجده لزمه الإِطعام، فإِن لم يجده صام. فصل الضرب الثاني على الترتيب، وهو ثلاثة أنواع: أحدها دم المتعة والقران، فيجب الهدي فإِن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، والأفضل أن يكون آخرها يوم عرفة وسبعة إِذا رجع إِلى أهله، فإِن صامها قبل ذلك أجزأه، فإِن لم يصم قبل يوم النحر صام أيام منى. وعنه لا يصومها (¬1)، ويصوم بعد ذلك عشرة أيام وعليه دم. وعنه إِن ترك الصوم لعذر لم يلزمه إِلا قضاؤه، وإِن تركه لغير عذر فعليه مع فِعْلِهِ دم، وقال أبو الخطاب إِن أخَّر الهدي والصوم لعذر لم يلزمه إِلا قضاؤه، وِإن أخَّر الهدي لغير عذر فهل يلزمه دم آخر؟ على روايتين. قال وعندي أنه لا يلزمه مع الصوم دم بحال، ولا يجب التتابع في الصيام، ومتى وجب عليه الصوم فشرع فيه ثم قدر على الهدي لم يلزمه الانتقال إِليه إِلا أن يشاء، وإِن وجب ولم يشرع فهل يلزمه الانتقال إِليه؟ على روايتين. ¬

_ (¬1) في "م": لا يَصمْها وهو خطأ والصواب كذا كما جاء في "ش" و"ط" لأن لا هنا نافية وليست ناهية.

فصل

النوع الثاني المحصر يلزمه الهدي، فإِن لم يجد صام عشرة أيام ثم حل. النوع الثالث فدية الوطء تجب به بدنة، فإِن لم يجدها صام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إِذا رجع كدم المتعة لقضاء الصحابة (رضي الله عنهم) (¬1) به. وقال القاضي إِن لم يجد البدنة أخرج بقرة، فإِن لم يجد فسبعاً من الغنم فإِن لم يجد أخرج بقيمتها طعاماً، فإِن لم يجد صام عن كل مد يوماً، وظاهر كلام الخرقي أنه مخير في هذه الخمسة فبأيها كفر أجزأه. ويجب بالوطء في الفرج بدنة إِن كان في الحج وشاة إِن كان في العمرة. ويجب على المرأة مثل ذلك إِن كانت مطاوعة، وإِن كانت مكرهة فلا فدية عليها، وقيل يلزمها كفارة يتحملها الزوج عنها. فصل الضرب الثالث: الدماء الواجبة للفوات أو لترك واجب أو للمباشرة (¬2) في غير الفرج، فما أوجب منه بدنة فحكمها حكم البدنة الواجبة بالوطء في الفرج، وما عداه فقال القاضي: ما وجب لترك واجب ملحق بدم المتعة، وما وجب للمباشرة ملحق بفدية الأذى. ومتى أنزل بالمباشرة دون الفرج فعليه بدنة، وإِن لم ينزل فعليه شاة. وعنه بدنة. وِإن كرر النظر فأنزل أو استمنى فعليه دم، هل هو بدنة أو شاة؟ على روايتين. وإِن مذى بذلك فعليه شاة، وإِن فكر فأنزل فلا فدية عليه. ¬

_ (¬1) ما بين قوسين زيادة من "ط". (¬2) كذا في "م" و"ش" وفي "ط": للوطء.

فصل

فصل ومن كرر محظوراً من جنس، مثل أن حلق ثم حلق أو وطئ ثم وطئ (¬1) قبل التكفير عن الأول فكفارة واحدة، [وإِن كفر عن الأول لزمته (¬2)] للثاني كفارة، وإِن قتل صيداً بعد صيد فعليه جزاؤهما. وعنه عليه جزاء واحد. وإِن فعل محظوراً من أجناس فعليه لكل واحد فداء، وعنه عليه فدية واحدة. وإِن حلق أو قلم أو وطئ أو قتل صيداً عامداً أو مخطئاً فعليه الكفارة، وعنه في الصيد لا كفارة إِلا في العمد، ويخرّج في الحلق مثله. وإِن لبس أو تطيب أو غطى رأسه ناسياً فلا كفارة فيه، وعنه عليه الكفارة، ومن رفض إِحرامه ثم فعل محظوراً فعليه فداؤه. ومن تطيب قبل إِحرامه في بدنه فله استدامة ذلك في إِحرامه، وليس له لبس ثوب مطيب، وإِن أحرم وعليه قميص خلعه ولم يشقه، فإِن استدام لبسه فعليه الفدية، وإِن لبس ثوباً كان مطيباً وانقطع ريح الطيب منه وكان بحيث إِذا رش فيه ماء فاح ريحه فعليه الفدية. فصل وكل هدي أو إِطعام فهو لمساكين الحرم [إِن قدر على إِيصاله إِليهم (¬3)]، إِلا فدية الأذى واللبس ونحوهما إِذا وجد سببهما في الحل فيفرقها حيث وجد سببها. ودم الإِحصار يخرجه حيث أُحْصِر، وأما الصيام فيجزئه بكل مكان. وكل دم ذكرناه يجزئه فيه شاة أو سبع بدنة، ومن وجبت عليه بدنة أجزأته بقرة. ¬

_ (¬1) ثم وطئ: سقط من "م" وهو كذا في "ش" و"ط". (¬2) ما بين الرقمين سقط من "م" أيضاً. (¬3) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش" وفي آخره صح.

باب جزاء الصيد

باب جزاء الصيد وهو ضربان: أحدهما: (له) مثل من النَّعَم فيجب فيه مثله. وهو نوعان: أحدهما قضت فيه الصحابة رضي الله عنهم ففيه ما قضت: ففي النعامة بدنة، وفي حمار الوحش وبقرته والأيل والثيتل والوعل بقرة، وفي الضبع كبش، وفي الغزال والثعلب عنز، وفي الوبر والضب جدي، وفي اليربوع جفرة لها أربعة أشهر، وفي الأرنب عناق، وفي الحمام وهو كل ما عب وهدر شاة، وقال الكسائي (¬1): كل مطوق حمام. النوع الثاني ما لم تقض فيه الصحابة رضي الله عنهم فيرجع فيه إِلى قول عدلين من أهل الخبرة، ويجوز أن يكون القاتل أحدهما، ويجب في كل واحد من الكبير والصغير, والصحيح والمعيب مثله، إِلا الماخض تُفْدى بقيمة مثلها. وقال أبو الخطاب يجب فيها مثلها، ويجوز فداء أعور من عين بأعور من أخرى، وفداء الذكر بالأنثى، وفي فدائها به وجهان. فصل الضرب الثاني: ما لا مثل له وهو سائر الطير ففيه قيمته (¬2)، إِلا ما كان أكبر من الحمام فهل يجب فيه قيمته أو شاة؟ على وجهين. ومن ¬

_ (¬1) هو علي بن حمزة الكسائي أبو الحسن، الإِمام الكبير، أحد القراء السبعة، مات سنة (189) هـ. انظر "معرفة القراء الكبار" (120) و"شذرات الذهب" (4072). (¬2) كذا في "ش" و"م" وفي "ط": يجب فيه قيمته وهو سائر الطير.

باب صيد الحرم ونباته

أتلف جزءاً من صيد ففيه ما نقص من قيمته أو قيمة مثله إِن كان مثلياً، وإِن نَفَّر صيداً فتلف بشيء ضمنه، وإِن جرحه فغاب ولم يعلم خبره فعليه ما نقصه. وكذلك إِن وجده ميتاً ولم يعلم موته بجنايته. وإِن اندمل غير ممتنع فعليه جزاء جميعه. وإِن نتف ريشه فعاد فلا شيء عليه. وقيل عليه قيمة الريش. وكل ما قتل صيداً حكم عليه. وإِن اشترك جماعة في قتل صيد فعليهم جزاء واحد. وعنه على كل واحد جزاء. وعنه إِن كفروا بالمال فكفارة واحدة، وإِن كفروا بالصيام فعلى كل واحد كفارة (¬1). باب صيد الحَرَم ونباته وهو حرام على الحلال والمحرم، فمن أتلف من صيده شيئاً فعليه ما على المحرم في مثله، وإِن رمى الحلال من الحل صيداً في الحرم، أو أرسل كلبه عليه، أو قتل صيداً على غصن في الحرم أصله في الحل، أو أمسك طائراً في الحل فهلك فراخه في الحرم ضمن في أصح الروايتين، وإِن قتل في (¬2) الحرم صيداً في الحل بسهمه أو كلبه أو صيداً على غصن في الحل أصله في الحرم أو أمسك حمامة في الحرم فهلك فراخها في الحل لم يضمن في أصح الروايتين، وإِن أرسل كلبه من الحل على صيد في الحل فقتل صيداً في الحرم فعلى وجهين، وإِن فعل ذلك بسهمه ضمنه. فصل ويحرم قلع شجر الحرم وحشيشه، إِلا اليابس والإِذخر وما زرعه الآدمي، وفي جواز الرعي وجهان، ومن قلعه ضَمِنَ الشجرة الكبيرة ¬

_ (¬1) هذا الفصل: الضرب الثاني. . إِلخ مقروء بصعوبة في "م". (¬2) في "م": من.

فصل

ببقرة، والصغيرة بشاة، والحشيش بقيمته، والغصن بما نقص، فإِن استخلف سقط الضمان في أحد الوجهين، ومن قطع غصناً في الحل أصله في الحرم ضمنه فإِن قطعه في الحرم وأصله في الحل لم يضمنه في أحد الوجهين. فصل ويحرم صيد المدينة وشجرها وحشيشها، إِلا ما تدعو الحاجة إِليه من شجرها للرحل والعارضة والقائمة ونحوها من حشيشها للعلف، ومن أدخل إِليها صيداً فله إِمساكه وذبحه، ولا جزاء في صيد المدينة، وعنه جزاؤه سلب القاتل لمن أخذه. وحد حرمها ما بين ثور إِلى عير، وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حول المدينة اثني عشر ميلاً حمى. باب ذكر الحجّ ودخول مكة يستحب أن يدخل مكة من أعلاها من ثنية كداء، ثم يدخل المسجد من باب بني شيبة، فإِذا رأى البيت رفع يديه وكبر وقال: "اللهم أنت السلام ومنك السلام حَيِّنا ربَّنا بالسلام. اللهم زد هذا البيت تعظيماً وتشريفاً وتكريماً ومهابة وبرّاً، وزد من عظَّمه وشرَّفه ممن حجه واعتمره تعظيماُ وتشريفاُ وتكريماُ ومهابة وبراُ. الحمد لله رب العالمين كثيراُ كما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، والحمد لله الذي بلغني بيته ورآني لذلك أهلًا، والحمد لله على كل حال. اللهم إِنك دعوت إِلى حج بيتك الحرام، وقد جئتك لذلك. اللهم تقبل مني واعفُ عني وأصلح لي شأني كله لا إِله إِلا أنت" يرفع بذلك صوته. ثم يبتدئ بطواف العمرة إِن كان معتمراً أو طواف القدوم إِن كان مفرداً

أو قارناً، ويضطبع بردائه فيجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر، ثم يبتدئ من الحجر الأسود فيحاذيه بجميع بدنه ثم يستلمه ويقبله، وإِن شاء استلمه وقَبَّل يده، وإِن شاء أشار إِليه ويقول: "بسم الله والله أكبر إِيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - " كلما استلمه. ثم يأخذ على يمينه ويجعل البيت على يساره، فإِذا أتى على الركن اليماني استلمه وقبل يده. ويطوف سبعاً يرمل في الثلاثة الأول منها، وهو إِسراع المشي مع تقارب الخطا، ولا يثب وثباً، ويمشي أربعاً، وكلما حاذى الحجر والركن اليماني استلمهما أو أشار إِليهما، ويقول كما حاذى الحجر: "الله أكبر ولا إِله إِلا الله". وبين الركنين: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار". وفي سائر الطواف: "اللهم اجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً، رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم وأنت الأعز الأكرم" ويدعو بما أحب. وليس على النساء ولا أهل مكة رمل ولا اضطباع، وليس في غير هذا الطواف رمل ولا اضطباع. ومن طاف راكباً أو محمولًا أجزأه. وعنه لا يجزئه إِلا لِعُذْرٍ، ولا يجزئ عن الحامل، وإِن طاف منكساً، أو على جدار الحِجْر، أو شاذروان الكعبة، أو ترك شيئاً من الطواف وإِن قل أو لم ينْوِه لم يجزئه،

وإِن طاف محدثاً أو نجساً أو عرياناً لم يجزئه. وعنه يجزئه ويجبره بدم. وإِن أحدث في بعض طوافه أو قطعه بفصل طويل ابتدأه، وإِن كان يسيراً أو أقيمت الصلاة أو حضرت جنازة صلى وبنى. ويتخرج أن الموالاة سنة. ثم يصلي ركعتين والأفضل أن يكون خلف المقام يقرأ فيهما {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} بعد "الفاتحة" ثم يعود إِلى الركن فيستلمه، ثم يخرج إِلى الصفا من بابه. ويسعى سبعاً يبدأ بالصفا فيرقى عليه حتى يرى البيت فيستقبله ويكبر ثلاثاً ويقول: "الحمد لله على ما هدانا. لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير. لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. لا إِله إِلا الله ولا نعبد إِلا إِياه مخلصين له الدين وله كره الكافرون" ثم يلبي ويدعو بما أحب. ثم ينزل من الصفا ويمشي حتى يأتي العلم فيسعى سعياً شديداً إِلى العلم، ثم يمشي حتى يأتي المروة فيفعل عليها مثل ما فعل على الصفا، ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه يفعل ذلك سبعاً، يحتسب بالذهاب سعية وبالرجوع سعية، يفتتح بالصفا ويختم بالمروة. وإِن بدأ بالمروة لم يحتسب بذلك الشرط، ويستحب أن يسعى طاهراً مستتراً متوالياً. وعنه أن ذلك من شرائطه. والمرأة لا ترقى ولا ترمل، فإِذا فرغ من السعي، فإِن كان معتمراً قصَّر من شعره وتحلل، إِلا أن يكون المتمتع قد ساق هدياً فلا يحل حتى يحج، ومن كان متمتعاً قطع التلبية إِذا وصل البيت.

باب صفة الحج

باب صفة الحجّ يستحب للمتمتع الذي حل وغيره من المحلين بمكة الإِحرام بالحج يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة من مكة، ومن حيث أحرم [من الحرم (¬1)] جاز. ثم يخرج إِلى منى فيصلي بها الظهر ويبيت بها، فإِذا طلعت الشمس سار إِلى عرفة فأقام بنمرة حتى تزول الشمس، ثم يخطب الإِمام خطبة يعلمهم فيها الوقوف ووقته والدفع منه والمبيت بمزدلفة، ثم ينزل فيصلي بهم الظهر والعصر يجمع بينهما بأذان وإِقامتين، ثم يروح إِلى الموقف. وعرفة كلها موقف إِلا بطن عُرْنَةَ وهي (¬2) من الجبل المشرف على عرنة إِلى (¬3) الجبال المقابلة له إِلى ما يلي حوائط بني عامر، ويستحب أن يقف عند الصخرات وجبل الرحمة راكباً، وقيل الراجل أفضل، ويكثر من الدعاء ومن قوله: "لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير (¬4) وهو على كل شيء قدير. اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، ويسر لي أمري". ووقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة إِلى طلوع الفجر يوم النحر، فمن حَصَّل بعرفة في شيء من هذا الوقت وهو عاقل (فقد) (¬5) تَمَّ حجه، ومن فاته ذلك فاته الحج. ومن وقف بها نهاراً ودفع قبل غروب الشمس فعليه دم، وإِن وافاها ليلاً فوقف بها فلا دم عليه. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش". (¬2) كذا في الأصلين "ش" و"م" وفي "ط": هو. (¬3) كذا في الأصلين "ش" و"م" وفي "ط" من وهو خطأ. (¬4) بيده الخير: ليس في "ط". (¬5) ما بين قوسين زيادة من "ط".

ثم يدفع بعد غروب الشمس إِلى مزدلفة وعليه السكينة والوقار (¬1)، فإِذا وجد فجوة أسرع، فإِذا وصل مزدلفة صلى المغرب والعشاء قبل حط الرحال، فإِن صلى المغرب في الطريق ترك السنة وأجزأه، ومن فاتته الصلاة مع الإِمام بمزدلفة أو بعرفة جمع وحده، ثم يبيت بها، فإِن دفع قبل نصف الليل فعليه دم، وإِن دفع بعده فلا شيء عليه، وإِن جاء بعد الفجر فعليه دم. وحدُّ المزدلفة ما بين المأزمين ووادي محسر، فإِذا أصبح بها صلى الصبح بغلس (¬2)، ثم يأتي المشعر الحرام فيرقى عليه أو يقف عنده ويحمد الله تعالى ويكبره ويدعو فيقول: "اللهم كما وقفتنا فيه وأريتنا إِياه فوفقنا لذكرك كما هديتنا واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 198 - 199]. إِلى أن يسفر". ثم يدفع قبل طلوع الشمس، فإِذا بلغ محسراً أسرع قدر رمية حجر. ثم يأخذ حصى الجمار من طريقه أو من مزدلفة ومن حيث أخذه جاز، ويكون أكبر من الحمص ودون البندق وعدده سبعون حصاة. فإِذا وصل منى وحدُّها: من وادي محسر إِلى العقبة بدأ بجمرة العقبة فرماها بسبع حصيات واحدة بعد واحدة. ويكبر مع كل حصاة. ويرفع يده حتى يرى بياض إِبطيه. ولا يقف عندها. ويقطع التلبية مع ابتداء الرمي. فإِن رمى بذهب أو فضة أو غير الحصا أو حجر رُمي به لم يجزئه. ¬

_ (¬1) والوقار: ليس في "ط" ولا في "م". (¬2) لفظ (بغلس): ليس في "م" ولا في "ط".

فصل

ويرمي بعد طلوع الشمس فإِن رمى بعد نصف الليل أجزأه. ثم ينحر هدياً إِنكان معه. ويحلق أو يقصر من جميع شعره، وعنه يجزئه بعضه كالمسح. والمرأة تقصر من شعرها قدر الأنملة. ثم قد حل له كل شيء إِلا النساء. وعنه إِلا الوطء في الفرج. والحلق والتقصير نسك إِن أخَّره عن أيام منى فهل يلزمه دم؟ على روايتين. وعنه أنه إِطلاق من محظور لا شيء في تركه. ويحصل التحلل بالرمي وحده، فإِن قدم الحلق على الرمي أو النحر جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه، وإِن كان عالماً فهل عليه دم؟ على روايتين. ثم يخطب الإِمام خطبة يعلمهم فيها النحر والإِفاضة والرمي، ثم يفيض إِلى مكة ويطوف للزيارة، ويُعَيِّنه بالنية وهو الطواف الواجب الذي به تمام الحج، وأول وقته بعد نصف الليل من ليلة النحر، والأفضل فعله يوم النحر، فإِن آخره عنه وعن أيام منى جاز، ثم يسعى بين الصفا والمروة إِن كان متمتعاً أو لم يكن سعى مع طواف القدوم، فإن كان قد سعى لم يسع، ثم قد حل له كل شيء. ثم يأتي زمزم فيشرب منها لما أحب ويتضلع منه ويقول: "بسم الله، اللهم اجعله لنا علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، ورِيّاً وشِبَعاً وشفاء من كل داء. واغسل به قلبي، واملأه من خشيتك (وحكمتك) (¬1) ". فصل ثم يرجع إِلى منى ولا يبيت بمكة ليالي منى، ويرمي الجمرات بها في أيام التشريق بعد الزوال كل جمرة بسبع حصيات [واحدة بعد واحدة (¬2)]، ¬

_ (¬1) ما بين قوسين زيادة من "ط". (¬2) ما بين الرقمين زيادة من "م".

ويبدأ بالجمرة الأولى وهي أبعدهن من مكة وتلى مسجد الخيف فيجعلها عن يساره ويرميها بسبع، ثم يتقدم قليلًا فيقف يدعو الله ويطيل، ثم يأتي الوُسْطى فيجعلها عن يمينه ويرميها بسبع ويقف عندها فيدعو، ثم يرمي جمرة العقبة بسبع ويجعلها عن يمينه ويستبطن الوادي ولا يقف عندها، ويستقبل القبلة في الجمرات كلها. والترتيب شرط في الرمي، وفي عدد الحصى روايتان إِحداهما سبع والأخرى يجزئه خمس، فإِن أحل بحصاة واجبة من الأولى لم يصح رمي الثانية فإِن لم يعلم من أي الجمار تركه بنى على اليقين. وإِن أخَّر الرمي كله فرماه في آخر أيام التشريق جاز، ويرتبه بنيته، وإِن أخَّره عن أيام التشريق أو ترك المبيت بمنى في لياليها فعليه دم، وفي حصاة أو ليلة واحدة ما في حلق شعره، وليس على أهل سقاية الحاج والرعاء مبيت بمنى، فإِن غربت الشمس وهم بمنى لزم الرعاء المبيت دون أهل السقاية. ويخطب الإِمام في اليوم الثاني من أيام التشريق خطبة يعلمهم فيها حكم التعجيل والتأخير وتوديعهم، فمن أحب أن يتعجل في يومين خرج قبل غروب الشمس، فإِن غربت وهو بمنى لزمه المبيت والرمي من الغد. فإِذا أتى مكة لم يخرج حتى يودع البيت بالطواف، فإِذا فرغ من جميع أموره، فإِن ودع ثم اشتغل في تجارة أو أقام أعاد الوداع، [ومن أخَّر طواف الزيارة فطافه عند الخروج أجزأه عن طواف الوداع (¬1)]، فإِن خرج قبل الوداع رجع إِليه، فإِن لم يمكنه فعليه دم، إِلا الحائض والنفساء لا وداع عليهما، وإِذا فرغ من الوداع وقف في الملتزم بين الركن والباب فقال: ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش" وعلى آخره صح.

فصل في صفة العمرة

"اللهم هذا بيتك، وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك، حملتني على ما سخرت لي من خلقك، وسيرتني في بلادك، حتى بلغتني بنعمتك إِلى بيتك، وأعنتني على أداء نسكي. فإِن كنت رضيت عني فازدد عني رضاً، وإِلا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري، فإذا أوان انصرافي إِن أذنت لي، غير مستبدل بك ولا بيتك، ولا راغب عنك ولا عن بيتك. اللهم فأصحبني العافية في بدني، والصحة في جسمي، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني، واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة، إِنك على كل شيء قدير" ويدعو بما أحب ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، إِلا أن المرأة إِذا كانت حائضاً لم تدخل المسجد بل وقفت على بابه فدعت بذلك (¬1). فإِذا فرغ من الحج استحب له زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبر صاحبيه رضي الله عنهما. فصل في صفة العُمْرَة من كان في الحرم خرج إِلى الحل فأحرم منه (2، والأفضل أن يحرم من التنعيم (¬2)، فإِن أحرم من الحرم لم يجز وينعقد وعليه دم، ثم يطوف ويسعى، ثم يحلق أو يقصر، ثم قد حل له. وهل يحل قبل الحلق والتقصير؟ على روايتين (¬3). وتجزئ عمرة القارن، والعمرة من التنعيم عن عمرة الإِسلام في أصح الروايتين. ¬

_ (¬1) سقط من "ط". (¬2) ما بين الرقمين سقط من "م". (¬3) سقط من "م" أيضاً.

فصل

فصل أركان الحج: الوقوف بعرفة. وطواف الزيارة. وعنه أنها أربعة: الوقوف. والإِحرام. والطواف. والسعي. وعنه أنها ثلاثة وأن السعي سنة، واختار القاضي أنه واجب وليس بركن. وواجباته سبعة: الإِحرام من الميقات. والوقوف بعرفة إِلى الليل. والمبيت بمزدلفة إِلى بعد نصف الليل. والمبيت بمنى. والرمي. والحلق. وطواف الوداع. وما عدا هذا سنن. وأركان العمرة: الطواف. وفي الإِحرام والسعي روايتان. وواجباتها: الحلق في إِحدى الروايتين. فمن ترك ركناً لم يتم نسكه إِلا به. ومن ترك واجباً فعليه دم. ومن ترك سنة فلا شيء عليه. باب الفوات الإِحصار ومن طلع عليه الفجر يوم النحر ولم يقف بعرفة فقد فاته الحج. ويتحلل بطوافٍ وسعي. وعنه أنه ينقلب إِحرامه لعمرة ولا قضاء عليه إِلا أن يكون فرضاٍ. وعنه عليه القضاء. وهل يلزمه هدي؟ على روايتين: إِحداهما عليه هدي يذبحه في حجة القضاء إِن قلنا عليه قضاء. وإِلا ذبحه في عامه. وإِن أخطأ الناس فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم، وإِن أخطأ بعضهم فقد فاته الحج.

باب الهدي والأضاحي

ومن أحرم فحصره عدو ولم يكن له طريق إِلى الحج ذبح هدياً في موضعه وحل، فإِن لم يجد هدياً (¬1) صام عشرة أيام ثم حل، ولو نوى التحلل قبل ذلك لم يحل، وفي وجوب القضاء على المحصر روايتان. فإِن صد عن عرفة دون البيت تحلل بعمرة ولا شيء عليه. ومن أحصر بمرض أو ذهاب نفقة لم يكن له التحلل، فإِن فاته الحج تحلل بعمرة. ويحتمل أنه يجوز له التحلل كمن حصره العدو. ومن شرط في ابتداء إِحرامه أن محلي حيث حبستني فله التحلل بجميع ذلك ولا شيء عليه. باب الهدي والأضاحي والأفضل فيهما الإِبل ثم البقر ثم الغنم. والذكر والأنثى سواء. ولا يجزئ إِلا الجذع من الضأن وهو ما له ستة أشهر والثنى مما سواه. وثنى الإِبل ما كمل له خمس سنين: ومن البقر ما له سنتان ومن المعز ما له سنة. وتجزئ الشاة عن واحد البدنة والبقرة عن سبعة، سواء أراد جميعهم القربة أو بعضهم والباقون اللحم. ولا يجزئ فيهما العوراء البين عورها -وهي التي انخسفت عينها-، ولا العجفاء التي لا تنقي -وهي الهزيلة التي لا منع فيها- والعرجاء البين ظَلَعُها فلا (¬2) تقدر على المشي مع الغنم، والمريضة البين مرضها، والعضباء وهي التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها، وتكره المعيبة الأذن بخرق ¬

_ (¬1) سقط من "م". (¬2) في "م": "ولا".

أو شق أو قطع لأقل من النصف وتجزئ الجماء والبتراء والخصي. وقال ابن حامد: لا تجزئ الجماء. والسنة نحو الإِبل قائمة معقولة يدها اليسرى، فيطعنها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر. وتذبح البقر والغنم. ويقول عند ذلك: بسم الله والله أكبر اللهم هذا منك ولك. ولا يستحب أن يذبحها غير مسلم، فإِن ذبحها بيده كان أفضل، فإِن لم يفعل استحب له (¬1) أن يشهدها. ووقت الذبح يوم العيد بعد الصلاة أو قدرها إِلى آخر يومين من أيام التشريق ولا يجزئ في ليلتهما في قول الخرقي، وقال غيره يجزئ، فإِن فات الوقت ذبح الواجب قضاء وسقط التطوع. ويتعين الهدي بقوله هذا هدي أو تقليده وإِشعاره مع النية. والأضحية بقوله هذه أضحية، ولو نوى حال الشراء لم يتعين بذلك، وإِذا تعينت لم يجز بيعها ولا هبتها إِلا أن يبدلها بخير منها. وقال أبو الخطاب لا يجوز أيضاً، وله ركوبها عند الحاجة ما لم يضر بها. وإِن ولدت ذبح ولدها معها. ولا يشرب من لبنها إِلا ما فضل عن ولدها. ويجز صوفها ووبرها ويتصدق به إِن كان أنفع لها. ولا يعطى الجازر بأجرته شيئاً منها. وله أن ينتفع بجلدها وجلها ولا يبيعه ولا شيئاً منها. وإِن ذبحها فسرقت فلا شيء عليه فيها، وإِن ذبحها ذابح في وقتها بغير إِذن أجزأت ولا ضمان على ذابحها. وِإن أتلفها أجنبي فعليه قيمتها، وإِن أتلفها صاحبها ضمنها بأكثر الأمرين من مثلها أو قيمتها فإِن ضمنها بمثلها وأخرج فضل القيمة جاز، ويشتري به شاة أو سبع بدنة، فإِن لم يبلغ ¬

_ (¬1) زيادة من "ط".

فصل

اشترى به لحماً فتصدق به أو يتصدق بالفضل. وإِن تلفت بغير تفريطه لم يضمنها. وإِن عطب الهدي في الطريق نحوه بموضعه وصبغ نعله التي في عنقه في دمه وضرب بها صفحته ليعرفه الفقراء فيأخذوه ولا يأكل منه هو ولا أحد من رفقته. وإِن تعيبت ذبحها وأجزأته إِلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين كالفدية والمنذور في الذمة فإِن عليه بدله. وهل له استرجاع هذا العاطب والمعيب؟ على روايتين. وكذلك إِن ضلت فذبح بدلها ثم وجدها. فصل سوق الهدي مسنون لا يجب إِلا بالنذر. ويستحب أن يقفه بعرفة ويجمع فيه الحل والحرم ولا يجب ذلك. ويسن إِشعار البدنة فيشق صفحة سنامها حتى يسيل الدم ويقلدها ويقلد الغنم النعل وآذان القرب والعرى. وإِذا نذر هدياً مطلقاً فأقل ما يجزئه شاة أو سبع بدنة، وإِن نذر بدنة أجزأته بقرة فإِن عين بنذره أجزأه ما عينه صغيراً كان (¬1) أو كبيراً من الحيوان وغيره، وعليه إِيصاله إِلى فقراء الحرم إِلا أن يعيّنه لموضع سواه. ويستحب أن يأكل من هديه. ولا يأكل من واجب إِلا من دم المتعة والقران. فصل والأضحية سنة مؤكدة. ولا تجب إِلا بالنذر. وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها. والسنة: أن يأكل ثلثها، ويهدي ثلثها ويتصدق بثلثها، فإِن أكل أكثر جاز وإِن أكلها كلها ضمن أقل ما يجزئ في الصدقة منها. ¬

_ (¬1) زيادة من "ط".

فصل

ومن أراد أن يضحي ودخل العَشْر فلا يأخذ من شعره وبشرته شيئاً. وهل ذلك حرام؟ على وجهين. فصل والعقيقة سنة مؤكدة، والمشروع أن يذبح عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة يوم سابعه، ويحلق رأسه ويتصدق بوزنه وَرِقاً، فإِن فات (¬1) ففي أربع عشرة، فإِن فات ففي إِحدى وعشرين (¬2)، وينزعها أعضاء ولا يكسر عظمها، وحكمها حكم الأضحية. ولا تسن القرعة وهي ذبح أول ولد الناقة، ولا العتيرة وهي ذبيحة رجب. * * * ¬

_ (¬1) كلمة "فات" لا "م". (¬2) زاد بعد عشرين كلمة (يوماً) في "ط" وزيادتها غير لازمة لذلك لم نثبتها.

كتاب الجهاد

كتاب الجهاد وهو فرض كفاية، ولا يجب إِلا على ذكر حر مكلف مستطيع، وهو الصحيح الواجد لزاده وما يحمله إِذا كان بعيداً. واقل ما يفعل مرة في كل عام إِلا أن تدعو حاجة إِلى تأخيره، ومن حضر الصف من أهل فرض الجهاد وحصر العدو بلده تعين عليه. وأفضل ما يتطوع به الجهاد، وغزو البحر أفضل من غزو البر، ويُغْزى مع كل بر وفاجر، ويقاتل كل قوم من يليهم من العدو. وتمام الرباط أربعون يوماً (¬1)، وهو لزوم الثغر للجهاد، ولا يستحب نقل أهله إِليه، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل" (¬2). وتجب الهجرة على من يعجز عن إِظهار دينه في دار الحرب، ويستحب لمن قدر عليه. ولا يجاهد من عليه دين لا وفاء له، ومن أحدُ أبويه مسلمٌ إِلا بإِذن غريمه وأبيه، إِلا أن يتعين عليه الجهاد فإِنه لا طاعة لهما في ترك فريضة، ولا يحل للمسلمين الفرار من ضعفهم إِلا متحرفين لقتال أو متحيزين إِلى ¬

_ (¬1) في "م": ليلة. (¬2) زيادة من "م". والحديث رواه الترمذي رقم (1667) في الجهاد: باب ما جاء في فضل المرابط، والنسائي (406) في الجهاد: باب فضل الرباط، وقال الأستاذ المحدِّث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في تعليقه على "جامع الأصول" (4699)، وهو حديث حسن وله شواهد بمعناه.

فئة، وإِن زاد الكفار فلهم الفرار إِلا أن يغلب على ظنهم الظفر. وإِن ألقي في مركبهم نار فعلوا ما يرون السلامة فيه، فإِن شكوا فعلوا ما شاءوا من المقام أو إِلقاء نفوسهم في الماء، وعنه يلزمهم المقام. فصل ويجوز تبيين الكفار، ورميهم بالمنجنيق، وقطع المياه عنهم، وهدم حصونهم. ولا يجوز إِحراق نخل [ولا تغريقه (¬1)]، ولا عقر دابة ولا شاة إِلا لأكل يحتاج إِليه. وفي حرق شجرهم وزرعهم وقطعه روايتان: إِحداهما يجوز إِن لم يضر بالمسلمين. والأخرى لا يجوز إِلا أن لا يقدر عليهم إِلا به أو يكونوا يفعلونه بنا. وكذلك رميهم بالنار، وفتح الماء ليغرقهم. وإِذا ظُفِرَ بهم لم يُقْتل صبي ولا امرأة، ولا واهب، ولا شيخٌ فانٍ وَلاَ زَمِنٌ، ولا أعمى لا رأي لهم إِلا أن يقاتلوا، فإِن تترسوا بهم جاز رميهم ويقصد المقاتلة، وإِن تترسوا بمسلمين لم يجز رميهم إِلا أن يخاف على المسلمين فيرميهم ويقصد الكفار. ومن أسر أسيراً لم يجز له قتله حتى يأتي به الإِمام إِلا أن يمتنع من المسير معه ولا يمكنه إِكراهه، ويخير الأمير في الأسرى بين القتل والاسترقاق والمن والفداء بمسلم أو مال، وعنه لا يجوز بمال إِلا غير الكتابي ففي استرقاقه روايتان. ولا يجوز أن يختار إِلا الأصلح للمسلمين، فإِن أسلموا رَقُّوا في الحال (¬2). ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين سقط من "م". (¬2) رقوا في الحال: كذا في "ش" و"ط" وفي "م": خيروا بين الاسترقاق والمنّ.

باب ما يلزم الإمام والجيش

ومن سُبِي من أطفالهم منفرداً أو مع أحد أبويه فهو مسلم، وإِن سبي مع أبويه فهو على دينهما. ولا ينفسخ النكاح باسترقاق الزوجين، وإِن سبيت المرأة وحدها انفسخ نكاحها وحلت لسابيها. وهل يجوز بيع من استرق منهم للمشركين؟ على روايتين. ولا يفرق في البيع بين ذوي رحم محرم إِلا بعد البلوغ على إِحدى الروايتين. وإِذا حصر الإِمام حصناً لزمه مصابرته إِذا رأى المصلحة فيه، فإِن أسلموا، أو من أسلم منهم، أحرز دمه وماله وأولاده الصغار، وإِن سألوا الموادعة بمال أو غيره جاز وإِن كانت المصلحة فيه، وإِن نزلوا على حكم حاكم جاز إِذا كان مسلماً حراً بالغاً عاقلًا من أهل الاجتهاد، ولا يحكم إِلا بما فيه حظ للمسلمين من القتل والسبي والفداء، فإِن حكم بالمن لزم قبوله في أحد الوجهين، وإِن حكم بقتل أو سبي فاسلموا عصموا دماءهم. وفي استرقاقهم وجهان. باب ما يلزم الإِمام والجيش يلزم الإِمام عند مسير الجيش تعاهد الخيل والرجال، فما لا يصلح للحرب يمنعه من الدخول، ويمنع المخذِّل والمرجف والنساء إِلا طاعنة في السن لسقي الماء ومعالجة الجرحى، ولا يستعين بمشرك إِلا عند الحاجة إِليه، ويرفق بهم في السير، ويعد لهم الزاد، ويقوي نفوسهم بما يخيل إِليهم من أسباب النصر، ويعرّف عليهم العرفاء، ويعقد لهم الألوية والرايات، ويجعل لكل طائفة شعاراً يتداعون به عند الحرب. ويتخير لهم المنازل، ويتبع مكامنها فيحفظها ويبث العيون على العدو حتى لا يخفى عليه أمرهم. ويمنع جيشه من الفساد والمعاصي وَيَعِدُ ذا الصبر بالأجر والنفل. ويشاور ذا الرأي. ويَصُفُّ جيشه ويجعل في كل جنبه كفؤاً. ولا يميل مع قريبه وذي مذهبه على غيره.

فصل

ويجوز له أن يبذل جعلا لمن يديه على طريق أو قلعة أو ماء. ويجب أن يكون معلوماً إِلا أن يكون من مال الكفار فيجوز مجهولًا، فإِن جعل له جارية منهم فماتت قبل الفتح فلا شيء له، وإِن أسلمت قبل الفتح فله قيمتها، وإِن أسلمت بعده سلمت إِليه إِلا أن يكون كافراً فله قيمتها، فإِن فتحت صلحاً ولم يشترطوا الجارية فله قيمتها، فإِن أبى إِلا الجارية وامتنعوا من بذلها فسخ الصلح، ويحتمل أن لا يكون له إِلا قيمتها. وله أن يُنْفَل في البداة الربع بعد الخمس وفي الرجعة الثلث بعده، وذلك إِذا دخل الجيش بعث سرية تغير، فإِذا رجع بعث أخرى فما أتت به أخرج خمسه وأعطى السرية ما جعل لها وقسم الباقي للجيش والسَّرية معاً (¬1). فصل ويلزم الجيش طاعة الأمير، والنصح له، والصبر معه. ولا يجوز لأحد أن يتعلف ولا يحتطب ولا يبارز ولا يخرج من المعسكر ولا يحدث حدثاً إِلا بإِذنه. فإِن دعا كافر إِلى البراز استحب لمن يعلم من نفسه القوة والشجاعة مبارزته بإذن الأمير، فإِن شرط الكافر أن لا يقاتله غير الخارج إِليه فله شرطه، فإِن انهزم المسلم أو أثخن بالجراح جاز الدفع عنه، وإِن قتله المسلم فله سلبه، وكل من قتل قتيلًا فله سلبه غير مخموس إِذا قتله حال الحرب منهمكاً على القتال غير مثخن وغرر بنفسه في قتله، وعنه لا يستحقه إِلا من شرط له، فإِن قطع أربعته وقتله آخر فسلبه للقاطع، وإِن ¬

_ (¬1) للجيش والسرية معاً: كذا في "ش" و"م" وفي "ط": في السرية والجيش معاً.

باب قسمة الغنائم

قتله اثنان فسلبه غنيمة، [وقال القاضي: هو لهما، وإِن أسره فقتله الإِمام فسلبه غنيمة، وقال القاضي: هو لمن أسره، وإِن قطع يده ورجله وقتله آخر فسلبه غنيمة (¬1)]، وقيل هو للقاتل. والسلب ما كان عليه من ثياب وحلي وسلاح والدابة بآلتها، وعنه أن الدابة ليست من السلب ونفقته وخيمته ورحله غنيمة. ولا يجوز الغزو إِلا بإِذن الأمير إِلا أن يفجأهم عدو يخافون كَلَبه، فإِن دخل قوم لا منعة لهم دار الحرب بغير إِذنه فغنموا فغنيمتهم فيء، وعنه هي لهم بعد الخمس، وعنه هي لهم لا خمس فيها، ومن أخذ من دار الحرب طعاماً أو علفاً فله أكله وعلف دابته بغير إِذن وليس له بيعه، فإِن باعه رد ثمنه في المغنم، وإِن فضل معه منه شيء فأدخله البلد رده في الغنيمة إِلا أن يكون يسيراً فله أكله في إِحدى الروايتين، ومن أخذ سلاحاً فله أن يقاتل به حتى تنقضي الحرب ثم يرده، وليس له ركوب الفرس في إِحدى الروايتين. باب قِسْمَةُ الغنائم الغنيمة كل مال أخذ من المشركين قهراً بالقتال، وإِن أخذ منهم مال مسلم فأدركه صاحبه قبل قسمه فهو أحق به، وإِن أدركه مقسوماً فهو أحق به بثمنه، وعنه لا حق له فيه، وإِن أخذه منهم أحد الرعية بثمن فصاحبه أحق به بثمنه، وإِن أخذ بغير عوض فهو أحق به بغير شيء. [ويملك الكفار أموال المسلمين بالقهر ذكره القاضي (¬2)]. وقال أبو الخطاب ظاهر كلام أحمد رحمه الله تعالى أنهم لا يملكونها. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش" وفي آخره صح. (¬2) ما بين الرقمين كذا في "ش"، "م".

وما أُخذ من دار الحرب من ركاز أو مباح له قيمة فهو غنيمة، وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار الحرب، ويجوز قسمها فيها، وهي لمن شهد الوقعة من أهل القتال، قاتل أو لم يقاتل من تجار العسكر وأجرائهم (من) (¬1) الذين يستعدون للقتال، فأما المريض العاجز عن القتال والمخذّل والمرجف والفرس الضعيف العجيف فلا حق له، وإِذا لحق مدد أو هرب أسير فأدركوا الحرب قبل تقضيها أسهم لهم، وإِن جاءوا بعد إِحراز الغنيمة فلا شيء لهم، وإِذا أراد القسمة بدأ بالأسلاب فدفعها إِلى أهلها، ثم أخرج أجرة الذين جمعوا الغنيمة وحملوها وحفظوها، ثم يخمس الباقي فيقسم خُمْسَةُ على خمسة أسهم. سهم لله تعالى وللرسول - صلى الله عليه وسلم - يصرف مصرف الفيء. وسهم لذوي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطلب حيث كانوا للذكر مثل حظ الأنثيين غنيهم وفقيرهم فيه سواء. وسهم لليتامى الفقراء. وسهم للمساكين. وسهم لأبناء السبيل من المسلمين. ثم يعطي النفل بعد ذلك، ويرضخ لمن لا سهم له وهم العبيد والنساء والصبيان، وفي الكافر روايتان: إِحداهما يرضخ له. والأخرى يسهم له. ولا يبلغ بالرضخ للراجل سهم راجل ولا للفارس سهم فارس، فإِن تغير حالهم قبل تقضي الحرب أسهم لهم. وإِن غزا العبد على فرس لسيده قُسِم للفرس ورُضِخ للعبد، ثم يقسم باقي الغنيمة للراجل سهم وللفارس ¬

_ (¬1) اللفظ (من) زيادة من "ط".

ثلاثة أسهم: سهم له وسهمان لفرسه، إِلا أن يكون فرسه هجيناً أو برذوناً فيكون له سهم، وعنه له سهمان كالعربي، ولا يسهم لأكثر من فرسين، ولا يسهم لغير الخيل، وقال الخرقي من غزا على بعير لا يقدر على غيره قسم له ولبعيره سهمان. ومن دخل دار الحرب راجلًا ثم ملك فرساً أو استعاره، أو استأجره، وشهد به الوقعة، فله سهم فارس، فإِن دخل فارساً فنفق فرسه، أو شرد حتى تقضى الحرب فله سهم راجل، ومن غصب فرساً فقاتل عليه فسهم الفرس لمالكه. وإِذا قال الإِمام من أخذ شيئاً فهو له أو فضَّل بعض الغانمين على بعض لم يجز في إِحدى الروايتين، ويجوز في الأخرى، ومن استُؤْجِر للجهاد ممن لا يلزمه من العبيد والكفار فليس له إِلا الأجرة، ومن مات بعد انقضاء الحرب فسهمه لوارثه، ويشارك الجيش سراياه فيما غنمت ويشاركونه فيما غنم. وإِذا قسمت الغنيمة في أرض الحرب فتبايعوها ثم غلب عليها العدو فهي من مال المشتري في إِحدى الروايتين اختارها الخَلاَّلُ وصاحبه (¬1)، والأخرى من مال البائع اختارها الخرقي، ومن وطئ جارية من المغنم ممن له فيها حق أو لولده أُدِّب ولم يبلغ به الحدّ وعليه مهرها، إِلا أن تلد منه فيكون عليه قيمتها وتصير أم ولد له والولدُ حر ثابت النسب، ومن أعتق منهم عبداً عتق عليه قدر حقه وقُوِّم عليه باقيه إِن كان موسراً، وكذلك إِن كان فيهم من يعتق عليه، والغالّ من الغنيمة يحرق رحله كله إِلا السلاح والمصحف (¬2) والحيوان، وما أخذ من الفدية أو أهداه الكفار لأمير الجيش أو بعض قواده فهو غنيمة. ¬

_ (¬1) الخلال وصاحبه: هما: أحمد بن هارون أبو بكر المعرف بالخلاَّل المتوفى سنة (311) هـ وعبد العزيز بن جعفر أبو بكر المتوفى سنة (363) هـ. (¬2) كذا في الأصلين "ش" و"م" وفي "ط": إِلا المصحف والسلاح.

باب حكم الأرضين المغنومة

باب حكم الأرضين المغنومة وهي على (¬1) ثلاثة أضرب: أحدها: ما فتح عنوة، وهي ما أجلي عنها أهلها بالسيف، فيخير الإِمام بين قسمها ووقفها للمسلمين (¬2)، ويضرب عليها خراجاً مستمراً يؤخذ ممن هي في يده يكون أجرة لها، وعنه تفسير وقفاً بالاسْتِيلاَءِ نَفْسِهِ، وعنه تقسم بين الغانمين. الثاني: ما جلا عنها أهلها خوفاً فتصير وقفاً بالظهور عليها نفسه، وعنه حكمها حكم العنوة. الثالث: ما صولحوا عليه وهو ضربان: أحدهما: أن يصالحهم على أن الأرض لنا ونقرها معهم بالخراج، فهذه تفسير وقفاً أيضاً. الثاني: أن يصالحهم على أنها لهم ولنا الخراج عليها فهذه ملك لهم، خراجها كالجزية إِن أسلموا سقط عنهم، وإِن انتقلت إِلى مسلم فلا خراج عليه، ويقرون فيها بغير جزية لأنهم في غير دار الإِسلام بخلاف التي قبلها، والمرجع في الخراج والجزية إِلى اجتهاد الإِمام في الزيادة (4) والنقصان على قدر الطاقة، وعنه يرجع إِلى ما ضربه عمر رضي الله تعالى عنه ولا يزاد ولا ينقص، وعنه تجوز الزيادة (¬3) دون النقص، قال أحمد وأبو عبيد رحمهما الله تعالى: أعلى وأصح حديث في أرض السواد حديث ¬

_ (¬1) على زيادة من "م" و"ط". (¬2) كذا في "ش"، "م" وفي "ط": ووقفها على المسلمين. (¬3) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش".

باب الفيء

عمرو بن ميمون (¬1) يعني أن عمر رضي الله تعالى عنه وضع على كل جريب درهماً وقفيزاً، وقدر القفيز (¬2) ثمانية أرطال يعني بالمكي فيكون ستة عشر رطلًا بالعراقي، والجريب عشر قصبات في عشر قصبات، والقصبة ستة أذرع وهو ذراع وسط وقبضة وإِبهام قائمة، وما لا يناله الماء مما لا يمكن زرعه فلا خراج عليه، فإِن أمكن زرعه عاماً بعد عام وجب نصف خراجه في كل عام. والخراج على المالك دون المستأجر، وهو كالدين يحبس به الموسر ويُنْظَر به المعسر، ومن عجز عن عمارة أرضه أجبر على إِجارتها أو رفع يده عنها، ويجوز له أن يرشو العامل ويهدي له ليدفع عنه الظلم في خراجه ولا يجوز ذلك (¬3) ليدع له منه شيئاً، وإِن رأى الإِمام المصلحة في إِسقاط الخراج عن إِنسان جاز. باب الفيء وهو ما أخذ من مال مشرك بغير قتال: كالجزية، والخراج، والعشر وما تركوه فزعاً، وخمس خمس الغنيمة. ومال من مات لا وارث له، فيصرف في المصالح. ويبدأ بالأهم فالأهم: من سد الثغور وكفاية أهلها، وما يحتاج إِليه من يدفع عن المسلمين. ثم الأهم فالأهم: من سد البثوق، وكري الأنهار، وعمل القناطر، وأرزاق القضاة وغير ذلك. ولا يخمس. وقال الخرقي يخمس فيصرف خمسه إِلى أهل الخمس وباقيه للمصالح، وإِن فضل منه فضل قسم بين المسلمين. ويبدأ بالمهاجرين، ¬

_ (¬1) في "م": "عبد الله بن ميمون" وهو خطأ. (¬2) في "م" والقفيز. (¬3) في "م": ولا يجوز له ذلك.

باب الأمان

ويقدم الأقرب فالأقرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم الأنصار، ثم سائر المسلمين. وهل يفاضل بينهم على روايتين. ومن مات بعد حلول وقت العطاء دفع إِلى ورثته حقه. ومن مات من أجناد المسلمين دفع إِلى امرأته وأولاده الصغار كفايتهم، فإِذا بلغ ذكورهم فاختاروا أن يكونوا في المقاتلة فرض لهم، وإِن لم يختاروا تركوا. باب الأمان يصح أمان المسلم المكلف ذكراً كان أو أنثى حراً أو عبداً مطلقاً أو أسيراً. وفي أمان الصبي المميز روايتان. ويصح أمان الإِمام لجميع المشركين. وأمان الأمير لمن جعل بإِزائه، وأمان أحد الرعية للواحد والعشرة والقافلة. ومن قال لكافر أنت آمن أو لا بأس عليك أو أجرتك أو قف أو ألق سلاحك أو مترس فقد أمَّنه، ومن جاء بمشرك فادَّعى أنه أمَّنه فأنكره فالقول قوله، وعنه قول الأسير، وعنه قول من يدل الحال على صدقه. ومن أعطى أماناً ليفتح حصناً ففتحه واشتبه عليه فيهم حَرُمَ قتلهم واسترقاقهم، وقال أبو بكر يخرج واحد بالقرعة ويسترق الباقون. ويجوز عقد الأمان للرسول والمستأمن ويقيمون مدة الهدنة بغير جزية، وقال أبو الخطاب لا يقيمون سنة (¬1) إِلا بجزية، ومن دخل دار الإِسلام بغير أمان فادعى أنه رسول أو تاجر ومعه متاع يبيعه قبل منه، وإِن كان جاسوساً خير الإِمام فيه كالأسير، وإِن كان ممن ضل الطريق أو حملته الريح في مركب إِلينا فهو لمن أخذه، وعنه يكون فيئاً للمسلمين. وإِذا أودع المستأمن ماله مسلماً أو أقرضه إِياه ثم عاد إِلى دار الحرب ¬

_ (¬1) في "ط": سنة واحدة.

باب الهدنة

بقي الأمان في ماله ويبعث إِليه إِن طلبه، وإِن مات فهو لوارثه فإِن لم يكن له وارث فهو فيء. وإِن أسر الكفار مسلماً فاطلقوه بشرط أن يقيم عندهم مدة لزمه الوفاء لهم، وإِن لم يشترطوا شيئاً أو شرطوا كونه رقيقاً فله أن يقتل ويسرق ويهرب، وإِن أطلقوه بشرط أن يبعث إِليهم مالاً وإِن عجز عاد إِليهم لزمه الوفاء إِلا أن يكون امرأة فلا ترجع إِليهم، وقال الخرقي رحمه الله لا يرجع الرجل أيضاً. باب الهُدْنَة ولا يصح عقد الهدنة والذّمة إِلا من الإِمام أو نائبه، فمتى رأى المصلحة في عقد الهدنة جاز له عقدها مدة معلومة وإِن طالت، وعنه لا يجوز في أكثر من عشر سنين، فإِن زاد على عشر بطل في الزيادة، وفي العشر وجهان. وإِن هادنهم مطلقاً لم يصح، وإِن شرط شرطاً فاسداً: كنقضها متى شاء، ورد النساء إِليهم أو صداقهن، أو سلاحهم، أو إِدخالهم الحرم بطل الشرط، وفي العقد وجهان. وإِن شرط رد من جاء من الرجال مسلماً جاز ولا يمنعهم أخذه ولا يجبره على ذلك، وله أن يأمره بقتالهم والفرار منهم، وعلى الإِمام حماية من هادنه من المسلمين دون غيرهم، وإِن سباهم كفار آخرون لم يجز لنا شراؤهم، وإِن خاف نقض العهد منهم نبذ إِليهم عهدهم. باب عقد الذّمة لا يجوز عقدها إِلا لأهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى ومن يوافقهم في التدين بالتوراة والإِنجيل كالسامرة والفرنج، ومن له شبهة كتاب وهم المجوس، وعنه يجوز عقدها لجميع الكفار إِلا عبدة الأوثان من العرب، فأما الصابئ فينظر فيه: فإِن انتسب إِلى أحد الكتابين فهو من أهله وإِلا

فلا، ومن تهود أو تنصر بعد بعث نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أو ولد بين أبوين لا تقبل الجزية من أحدهما فعلى وجهين. ولا تؤخذ الجزية من نصارى بني تغلب، وتؤخذ الزكاة من أموالهم مثل ما تؤخذ من المسلمين، ويؤخذ ذلك من نسائهم وصبيانهم ومجانينهم ومصرفه مصرف الجزية، وقال الخرقي مصرف الزكاة، ولا يؤخذ من كتابي غيرهم، وقال القاضي: تؤخذ من نصارى العرب ويهودهم. ولا جزية على صبي ولا امرأة ولا مجنون ولا زَمِن ولا أعمى ولا عبد ولا فقير يعجز عنها، ومن بلغ أو أفاق أو استغنى فهو من أهلها بالعقد الأول، ويؤخذ منه في آخر الحول بقدر ما أدرك، ومن كان يجن ويفيق لفقت إِفاقته فإِذا بلغت حولًا أخذت منه، ويحتمل أن تؤخذ في آخر كل حول بقدر إِفاقته منه. وتقسم الجزية بينهم فيجعل على الغني ثمانية وأربعون درهماً وعلى المتوسط أربعة وعشرون وعلى الفقير اثنا عشر. والغني منهم من عده الناس غنياً في ظاهر المذهب. ومتى بذلوا الواجب عليهم لزم قَبُولُه وحَرُم قتالهم، ومن أسلم بعد الحول سقطت عنه الجزية، وإِن مات أخذت من تركته، وقال القاضي: تسقط. وإِن اجتمعت عليه جزية سنين استوفيت كلها. وتؤخذ الجزية في (آخر) (¬1) الحول، ويمتهنون عند أخذها، ويطال قيامهم وتجر أيديهم، ويجوز أن يشرط عليهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين، وتبين قدر أيام الضيافة وقدر الطعام والإِدام والعلف وعدد من يضاف، ولا تجب من غير شرط، وقيل تجب. ¬

_ (¬1) ما بين قوسين زيادة من "م".

باب أحكام الذمة

وإِذا تولى إِمام فعرف قدر جزيتهم وما شرط عليهم أقرهم عليه، وإِن لم يعرف رجع إِلى قولهم فإِن بان له كذبهم رجع عليهم، وعند أبي الخطاب أنه يستأنف العقد معهم. وإِذا عقد الذمة كتب أسماءهم وأسماء آبائهم وحلاهم ودينهم، وجعل لكل طائفة عريفاً يكشف حال من بلغ واستغنى وأسلم وسافر ونقض العهد وخرق شيئاً من أحكام الذمة. باب أحكام الذِّمَّة يلزم الإِمام أن يأخذهم بأحكام المسلمين في ضمان النفس والمال والعرض وإِقامة الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه دون ما يعتقدون حله. ويلزمهم التميز عن المسلمين في شعورهم: بحذف مقادم رؤوسهم وترك الفرق، وكناهم: فلا يتكنوا بكنى المسلمين كأبي القاسم وأبي عبد الله، وركوبهم: بترك الركوب على السروج وركوبهم عرضاً على الأُكُف، ولباسهم: فيلبسون ثوباً يخالف ثيابهم كالعسلي والأدكن، وشد الخرق في قلانسهم وعمائمهم، وتؤمر النصارى بشد الزنار فوق ثيابهم، ويجعل في رقابهم خواتيم الرصاص أو جلجل يدخل معهم الحمام، ولا يجوز تصديرهم في المجالس ولا بدايتهم بالسلام، وإِن سلم أحدهم قيل له وعليكم، وفي تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم روايتان. ويمنعون تعلية البنيان على المسلمين وفي مساواتهم وجهان، وإِن ملكوا داراً عالية من مسلم لم يجب نقضها. ويمنعون من إِحداث الكنائس والبيع، ولا يمنعون من رم شعثها، وفي بناء ما استهدم منها روايتان.

فصل

ويمنعون إِظهار المنكر وضرب الناقوس والجهر بكتابهم، وإِن صولحوا في بلادهم على إِعطاء الجزية لم يمنعوا شيئاً من ذلك. ويمنعون دخول الحرم، فإِن قدم رسول لا بد له من لقاء الإِمام خرج إِليه ولم يأذن له، فإِن دخل عزر وهدد فإِن مرض في الحرم أو مات أخرج، فإِن دفن نبش، إِلا أن يكون قد بلي. ويمنعون الإِقامة بالحجاز كالمدينة واليمامة وخيبر، فإِن دخلوا لتجارة لم يقيموا في موضع واحد أكثر من أربعة أيام، فإِن مرض لم يخرج حتى يبرأ، وإِن مات دفن به، ولا يمنعون من تيماء وفيد ونحوهما. وهل لهم دخول المساجد بإِذن مسلم؟ على روايتين. فصل وإِن اعتبر ذمي إِلى غير بلده ثم عاد فعليه نصف العشر، فإِن اعتبر حربي إِلينا أخذ منه العشر، ولا يؤخذ من أقل من عشرة دنانير، ويؤخذ كل عام مرة، وقال أبو حامد: يؤخذ من الحربي كما دخل إِلينا. وعلى الإِمام حفظهم، والمنع من أذاهم، واستنقاذ من أسر منهم. وإِذا تحاكموا إِلى الحاكم مع مسلم لزمه الحكم بينهم، وإِن تحاكم بعضهم مع بعض أو استعدى بعضهم على بعض خُيِّر بين الحكم بينهم وبين تركهم، ولا يحكم إِلا بحكم الإِسلام. وإِن تبايعوا بيوعاً فاسدة وتقابضوا لم ينقض فعلهم، وإِن لم يتقابضوا فسخه (الحاكم) (¬1) سواء كان قد حكم بينهم حاكمهم أم لا. وإِن تهوّد نصراني أو تنصَّر يهودي لم يقر ولا يقبل منه إِلا الإِسلام أو ¬

_ (¬1) ما بين قوسين زيادة من "ط".

فصل في نقض العهد

الدين الذي كان عليه، ويحتمل أن لا يقبل منه إِلا الإِسلام، فإِن أبي هدد وحبس ويحتمل أن يقتل، وعنه أنه يقر، وإِن انتقل إِلى غير دين أهل الكتاب، أو انتقل المجوسي إِلى غير دين أهل الكتاب لم يقر، وأمر أن يسلم فإِن أبى قتل. وإِن انتقل غير الكتابي إِلى دين أهل الكتاب أقر، ويحتمل أن لا يقبل منه إِلا الإِسلام، وإِن تمجس الوثني فهل يقر؟ على روايتين. فصل في نقض العهد وإِذا امتنع الذمي من بذل الجزية أو التزام أحكام الملة انتقض عهده، وإِن تعدى على مسلم بقتل أو قذف أو زنا أو قطع طريق أو تجسس أو إِيواء جاسوس أو ذكر الله تعالى أو كتابه أو رسوله بسوء فعلى روايتين. وإِن أظهر منكراً أو رفع صوته بكتابه ونحوه لم ينتقض عهده، وظاهر كلام الخرقي أنه ينتقض عهده إِن كان مشروطاً عليهم (¬1)، ولا ينتقض عهد نسائه وأولاده بنقض عهده، وإِذا انتقض عهده خُيِّر الإِمام فيه كالأسير الحربي، وماله فيء عند الخرقي، وقال أبو بكر يكون لورثته. * * * ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"ط" وسقط اللفظ من "م".

كتاب البيع

كتاب البيع وهو: مبادلة المال بالمال لغرض التملك. وله صورتان: إِحداهما الإِيجاب والقبول، فيقول البائع: بعتك أو ملكتك ونحوهما، ويقول المشتري: ابتعت أو قبلت أو ما في معناهما، فإِن تقدم القبول الإِيجاب جاز في إِحدى الروايتين، وإِن تراخى القبول عن الإِيجاب صح ما دام في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه وإِلا فلا. والثانية المعاطاة مثل أن يقول أعطني بهذا الدينار خبزاً فيعطيه ما يرضيه، أو يقول البائع خذ هذا بدرهم فيأخذه. وقال القاضي: لا يصح هذا إِلا في الشيء اليسير. فصل ولا يصح إِلا بشروط سبعة: أحدها: التراضي به، وهو أن يأتيا به اختياراً، فإِن كان أحدهما مكرهاً لم يصح إِلا أن يكره بحق كالذي يكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه. فصل الثاني: أن يكون العاقد جائز التصرف، وهو المكلف الرشيد، إِلا الصبي المميز والسفيه فإِنه يصح تصرفهما بإِذن وليهما في إِحدى الروايتين (¬1)، ولا يصح بغير إِذنه إِلا في الشيء اليسير. ¬

_ (¬1) قوله في إِحدى الروايتين سقط من "ط".

فصل الثالث: أن يكون المبيع مالًا، وهو ما فيه منفعة مباحة لغير ضرورة (¬1)، فيجوز: بيع البغل، والحمار، ودود القز وبزره، والنحل منفرداً وفي كواراته، ويجوز بيع الهر والفيل وسباع البهائم التي تصلح للصيد في إِحدى الروايتين إِلا الكلب اختارها الخرقي، والأخرى لا يجوز اختارها أبو بكر. ويجوز بيع العبد المرتد والمريض، وفي بيع الجاني والقاتل في المحاربة ولبن الآدميات وجهان، وفي جواز بيع المصحف وكراهة شرائه وإِبداله روايتان. ولا يجوز بيع الحشرات والميتة ولا شيء منها ولا سباع البهائم التي لا تصلح للصيد ولا الكلب ولا السرجين النجس, ولا الأدهان النجسة، وعنه يجوز بيعها لكافر يعلم نجاستها، وفي جواز الاستصباح بها روايتان، ويُخَرَّج على ذلك جواز بيعها. فصل الرابع: أن يكون مملوكاً له أو مأذوناً له في بيعه، فإِن باع مُلْكَ غيره بغير إِذنه أو اشترى بعين ماله شيئاً بغير إِذنه لم يصح، وعنه يصح ويقف على إِجازة المالك، وإِن اشترى له في ذمته بغير إِذنه صح، فإِن أجازه من اشترى له ملكه وإِلا لزم من اشتراه، ولا يجوز أن يبيع ما لا يملكه ليمضي ويشتريه ويسلمه، ولا يصح بيع ما فتح عنوة ولم يقسم: كأرض الشام والعراق ومصر ونحوها إِلا المساكن وأرضاً من العراق فتحت صلحاً وهي ¬

_ (¬1) لغير ضرورة: كذا في "ش" و"ط" وفي "م": من غير ضرورة.

الحيرة وألليس وبانقيا وأرض بني صلوبا، لأن عمر رضي الله عنه وقفها على المسلمين وأقرها في أيدي أربابها بالخراج الذي ضربه أجرة لها في كل عام ولم يقدر مدتها لعموم المصلحة فيها، وتجوز إِجارتها، وعن أحمد رحمه الله تعالى أنه كره بيعها وأجاز شراءها، ولا يجوز بيع رباع مكة ولا إِجارتها، وعنه يجوز ذلك، ولا يجوز بيع كل ماء عد كمياه العيون ونقع البئر ولا ما في المعادن الجارية كالملح والقار والنفط ولا ما ينبت في أرضه من الكلأ والشوك، ومن أخذ منه شيئاً ملكه إِلا أنه لا يجوز له دخول ملك غيره بغير إِذنه، وعنه يجوز بيع ذلك. فصل الخامس: أن يكون مقدوراً على تسليمه، فلا يجوز بيع الآبق، ولا الشارد، ولا الطير في الهواء، ولا السمك في الماء، ولا المغصوب إِلا من غاصبه أو من يقدر عليه (¬1). فصل السادس: أن يكون معلوماً برؤية أو صفة تحصل بها معرفته، فإِن اشترى ما لم يَرَه ولم يوصف له أو رآه ولم يعلم ما هو أو ذكر له من صفته ما لا يكفي في السَّلم لم يصح البيع، وعنه يصح وللمشتري خيار الرؤية، وإِن ذكر له من صفته ما يكفي في السَّلم أو رآه ثم عقد بعد ذلك بزمن لا يتغير فيه ظاهراً صح في أصح الروايتين، ثم إِن وجده لم يتغير فلا خيار له، وإِن وجده متغيراً فله الفسخ، والقول في ذلك قول المشتري مع يمينه. ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"م" وفي "ط": "على أخذه".

ولا يجوز بيع الحمل في البطن، واللبن في الضرع، والمسك في الفأر، والنوى في التمر، ولا الصوف على الظهر، وعنه يجوز بشرط جزه في الحال. ولا يجوز بيع الملامسة: وهو أن يقول: بعتك ثوبي هذا على أنك متى لمسته فهو عليك بكذا، أو يقول أي ثوب لمسته فهو لك بكذا. ولا بيع المنابذة، وهو أن يقول: أي ثوب نبذته إِلي فهو علي بكذا. ولا بيع الحصاة، وهو أن يقول: ارم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا، أو يقول: بعتك من هذه الأرض بقدر ما تبلغ هذه الحصاة إِذا رميتها بكذا. ولا يجوز أن يبيع عبداً من عبيده، ولا شاة من قطيع، ولا شجرة من بستان، ولا هؤلاء العبيد إِلا واحداً غير معين، ولا هذا القطيع إِلا شاة، وإِن استثنى معيناً من ذلك جاز، وإِن باعه قفيزاً من هذه الصبرة صح، وإِن باعه الصبرة إِلا قفيزاً أو ثمرة الشجر إِلا صاعاً لم يصح، وعنه يصح. وإِن باعه أرضاً إِلا جريباً أو جريباً من أرض يعلمان جربانها صح، وكان مشاعاً فيها، وإِلا لم يصح. (2) وإِن باعه حيواناً مأكولاً إِلا رأسه وجلده وأطرافه صح، وإِن استثنى حمله أو شحمه (¬1) لم يصح، ويصح بيع ما مأكوله في جوفه وبيع الباقلاء والجوز واللوز في قشريه والحب المشتد في سنبله. فصل السابع: أن يكون الثمن معلوماً، فإِن باعه السلعة برقمها أو بألف ذهباً وفضة أو بما ينقطع به السعر، أو بما باع به فلان. أو بدينار مطلق وفي البلد نقود لم يصح، وإِن كان فيه نقد واحد انصرف إِليه، وإِن قال بعتك ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش".

بعشرة صحاحاً، أو إِحدى عشرة مكسرة، أو بعشرة نقداً أو عشرين نسيئة لم يصح، ويحتمل أن يصح. وإِن باعه الصبرة كل قفيز بدرهم والقطيع كل شاة بدرهم والثوب كل ذراع بدرهم صح. وإِن باعه من الصبرة كل قفيز بدرهم لم يصح، وإِن باعه بمائة درهم إِلا ديناراً لم يصح ذكره القاضي، ويجيء على قول الخرقي أنه يصح. فصل في تفريق الصَّفْقَة وهو أن يجمع بين ما يجوز بيعه وما لا يجوز بيعه، وله ثلاث صور: إِحداها: باع معلوماً ومجهولاً فلا يصح. الثانية: باع مشاعاً بينه وبين غيره كعبد مشترك بينهما أو ما ينقسم عليه الثمن بالأجزاء: كقفيزين متساويين لهما فيصح في نصيبه بقسطه في الصحيح من المذهب، وللمشتري الخيار إِذا لم يكن عالماً. الثالثة: باع عبده وعبد غيره بغير إِذنه أو عبداً وحراً أو خلاً وخمراً ففيه روايتان: أولاهما لا يصح، والأخرى يصح في عبده وفي الخل بقسطه، وإِن باع عبده وعبد غيره بإِذنه بثمن واحد فهل يصح؟ على وجهين، وإِن جمع بين بيع وإِجارة وصرف صح فيهما، ويقسط العوض عليهما في أحد الوجهين، وإِن جمع بين كتابة وبيع فكاتب عبده وباعه شيئاً صفقة واحدة بطل البيع وفي الكتابة وجهان. فصل ولا يصح البيع ممن تلزمه الجمعة بعد ندائها، ويصح النكاح وسائر العقود في أصح الوجهين.

ولا يصح بيع العصير لمن يتخذه خمراً، ولا بيع السلاح في الفتنة، ولا لأهل الحرب ويحتمل أن يصح مع التحريم. ولا يصح بيع عبد مسلم لكافر إِلا أن يكون ممن يعتق عليه فيصح في إِحدى الروايتين. وإِن أسلم عبد الذمي أجبر على إِزالة ملكه عنه وليس له كتابته، وقال القاضي: له ذلك. ولا يجوز بيع الرجل على بيع أخيه وهو أن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة أنا أعطيك مثلها بتسعة، ولا شراؤه على شراء أخيه وهو أن يقول لمن بَاعَ سلعة بتسعة عندي فيها عشرة ليفسخ البيع (ويعقد معه) (¬1)، فإِن فعل فهل يصح البيع؟ على وجهين. وفي بيع الحاضر للبادي روايتان: إِحداهما يصح، والأخرى لا يصح بخمسة شروط: أن يحضر البادي لبيع سلعته، بسعر يومها، جاهلاً بسعرها، ويقصده الحاضر، وبالناس حاجة إِليها (¬2)، فإِن اختل شرط منها صح البيع، وأما شراؤه له فيصح رواية واحدة. ومن باع سلعة: بنسيئة لم يجز أن يشتريها بأقل مما باعها نقداً إِلا أن تكون قد تغيرت صفتها. وإِن اشتراها أبوه أو ابنه جاز. وإِن باع ما يجري فيه الربا نسيئة ثم اشترى منه بثمنه قبل قبضه من جنسه أو ما لا يجوز بيعه به نسيئة لم يجز. ¬

_ (¬1) ويعقد معه: زيادة من "م". (¬2) في "م": وأن يكون بالمسلمين حاجة إِليها.

باب الشروط في البيع

باب الشُّروط في البيع وهي ضربان: صحيح وهو ثلاثة أنواع: أحدها شرط مقتضى البيع، كالتقابض وحلول الثمن ونحوه فلا يؤثر فيه. والثاني شرط من مصلحة العقد، كاشتراط صفة في الثمن: كتأجيله، أو الرهن، أو الضمين به، أو صفة في المبيع نحو كون العبد كاتباً أو خصياً أو صانعاً أو مسلماً، والأمة بكراً والدابة هملاجة، والفهد صيوداً فيصح، فإِن وفى به وإِلا فلصاحبه الفسخ، وإِن شرطها ثيباً كافرة فبانت بكراً مسلمة فلا فسخ له، ويحتمل أن له الفسخ لأن له فيه قصداً، وإِن شرط الطائر مصوتاً أو أنه يجيء من مسافة معلومة صح، وقال القاضي: لا يصح. الثالث أن يشترط البائع نفعاً معلوماً في المبيع كسكنى الدار شهراً وحملان البعير إِلى موضع معلوم، أو يشترط المشتري نفع البائع في المبيع كحمل الحطب وتكسيره وخياطة الثوب وتفصيله فيصح، وذكر الخرقي في جز الرطبة إِن شرطه على البائع لم يصح فيخرج ههنا مثله، وإِن جمع بين شرطين لم يصح. فصل الضرب الثاني فاسد وهو ثلاثة أنواع: أحدها أن يشترط أحدهما على صاحبه عقداً آخر كسلف أو قرض أو بيع أو إِجارة أو صرف للثمن أو غيره فهذا يبطل البيع، ويحتمل أن يبطل الشرط وحده.

فصل

الثاني شرط ما ينافي مقتضى (¬1) البيع نحو أن يشترط أن لا خسارة عليه أو متى نفق المبيع وإِلا رده أو أن لا يبيع ولا يهب ولا يعتق، أو إِن أعتق فالولاء له أو يشترط أن يفعل ذلك فهو باطل في نفسه. وهل يبطل البيع؟ على روايتين، إِلا إِذا شرط العتق ففي صحته روايتان: إِحداهما يصح ويجبر عليه إِن أباه، وعنه فيمن باع جارية وشرط على المشتري إِن باعها فهو أحق بها بالثمن أن البيع جائز، ومعناه والله أعلم أنه جائز مع فساد الشرط. وإِن شرط رهناً فاسداً ونحوه فهل يبطل؟ على وجهين. الثالث أن يشترط شرطاً يعلق البيع كقوله بعتك إِن جئتني بكذا أو إِن رضي فلان، أو يقول المرتهن إِن جئتك بحقك في محله وإِلا فالرهن لك فلا يصح البيع، إِلا بيع العربون وهو أن يشتري شيئاً ويعطي البائع درهماً ويقول إِن أخذته وإِلا فالدرهم لك فقال أحمد رضي الله عنه يصح لأن عمر رضي الله عنه فعله، وعند أبي الخطاب لا يصح، وإِن قال بعتك على أن تنقدني الثمن إِلى ثلاث وإِلا فلا بيع بيننا فالبيع صحيح نص عليه، وإِن باعه وشرط البراءة من كل عيب لم يبرأ، وعنه يبرأ إِلا أن يكون البائع علم العيب فكتمه. فصل وإِن باعه داراً على أنها عشرة أذرع فبانت أحد عشر فالبيع باطل، وعنه أنه صحيح والزائد للبائع ولكل واحد منهما الفسخ فإِن اتفقا على إِمضائه جاز وإِن بانت تسعة فهو باطل، وعنه أنه صحيح والنقص على البائع وللمشتري الخيار بين الفسخ وأخذ المبيع بقسطه من الثمن، فإِن اتفقا على تعويضه عنه جاز. ¬

_ (¬1) لفظ "مقتضى": سقط من "ط".

باب الخيار في البيع

باب الخَيَار في البيع وهو على سبعة أقسام: أحدها خيار المجلس: ويثبت في البيع، والصلح بمعناه، والإِجارة، ويثبت في الصرف، والسَّلم، وعنه لا يثبت فيهما، ولا يثبت في سائر العقود إِلا في المساقاة والحوالة والسبق في أحد الوجهين. ولكل واحد من المتبايعين الخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما إِلا أن يتبايعا على أن لا خيار بينهما أو يسقطا الخيار بعده فيسقط في إِحدى الروايتين، وإِن أسقطه أحدهما بقي خيار صاحبه. فصل الثاني خيار الشرط: وهو أن يشترطا في العقد خيار مدة معلومة فيثبت فيها وإِن طالت، ولا يجوز مجهولًا في ظاهر المذهب، وعنه يجوز، وهما على خيارهما إِلى أن يقطعاه أو تنتهي مدته، ولا يثبت إِلا في البيع والصلح بمعناه، والإِجارة في الذمة أو على مدة لا تلي العقد، وإِن شرطاه إِلى الغد لم يدخل في المدة، وعنه يدخل، وإِن شرطاه مدة فابتداؤها من حين العقد، ويحتمل أن يكون من حين التفرق. وإِن شرط الخيار لغيره جاز وكان توكيلاً له فيه، وإِن شرط الخيار لأحدهما دون صاحبه جاز لمن له الخيار الفسخ من غير حضور صاحبه ولا رضاه، وإِن مضت المدة ولم يفسخا بطل خيارهما، وينتقل الملك إِلى المشتري بالعقد نفسه (¬1) في أظهر الروايتين، فما حصل من كسب أو نماء ¬

_ (¬1) في سائر النسخ: "في نفس العقد"، والمثبت هو الصحيح. وكثيراً ما يتردد التركيب بهذه الصيغة وهو مخالف لقواعد اللغة ففي حال التوكيد المعنوي بالنفس =

فصل

منفصل فهو له أمضيا العقد أو فسخاه، وليس لواحد منهما التصرف في المبيع في مدة الخيار إِلا بما يحصل به تجربة المبيع، وإِن تصرفا ببيع أو هبة ونحوهما لم ينفذ تصرفهما ويكون تصرف البائع فسخاً للبيع، وتصرف المشتري إِسقاطاً لخياره في أحد الوجهين، وفي الآخر البيع والخيار بحالهما، وإِن استخدم المبيع لم يبطل خياره في أصح الروايتين، وكذلك إِن قبلته الجارية، ويحتمل أن يبطل إِن لم يمنعها، وإِن أعتقه المشتري نفذ عتقه وبطل خيارهما، وكذلك إِن تلف المبيع، وعنه لا يبطل خيار البائع وله الفسخ والرجوع بالقيمة. وحكم الوقف حكم البيع في أحد (¬1) الوجهين، وفي الآخر حكمه حكم العتق. وإِن وطئ المشتري الجارية فأحبلها صارت أم ولده وولده حر ثابت النسب، وإِن وطئها البائع فكذلك إِن قلنا البيع ينفسخ بوطئه، وإِن قلنا لا ينفسخ فعليه المهر وولده رقيق إِلا إِذا قلنا الملك له، ولا حد فيه على كل حال، وقال أصحابنا عليه الحد إِذا علم زوال ملكه وإِن البيع لا ينفسخ بالوطء وهو المنصوص، ومن مات منهما بطل خياره ولم يورث، ويتخرج أن يورث كالأجل (¬2). فصل الثالث خيار الغبن ويثبت في ثلاث صور: إِحداها: إِذا تلقى الركبان فاشترى منهم وباع لهم فلهم الخيار إِذا ¬

_ = أو العين أو الذات وجب أن يأتي التوكيد بعد المؤكد وفيه ضمير يعود على المؤكد. (¬1) في "م": أصح. (¬2) في "الكافي": "ويتخرج أن يورث قياساً على الأجل في الثمن".

فصل

هبطوا السوق وعلموا أنهم قد غبنوا غبناً يخرج عن العادة. والثانية: في النجش وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ليغر المشتري فله الخيار إِذا غبن. والثالثة: المسترسل إِذا غبن الغبن المذكور، وعنه أن النجش وتلقي الركبان باطلان. فصل الرابع خيار التدليس: بما يزيد به الثمن كتصرية اللبن في الضرع، وتحمير وجه الجارية، وتسويد شعرها، وتجعيده، وجمع ماء الرحى وإِرساله عند عرضها، فهذا يثبت للمشتري خيار الرد، ويرد مع المصراة عوض اللبن صاعاً من تمر فإِن لم يجد التمر فقيمته في موضعه سواء كانت ناقة أو بقرة أو شاة، فإِن كان اللبن بحاله لم يتغير رده وأجزأه ويحتمل أن لا يجزئه إِلا التمر، ومتى علم التصرية (بعد العقد) (¬1) فله الرد، وقال القاضي ليس له ردها إِلا بعد ثلاث، وإِن صار لبنها عادة لم يكن له الرد في قياس قوله، وإِذا اشترى أمة متزوجة فطلقها الزوج لم يملك الرد، وإِن كانت التصرية في غير بهيمة الأنعام فلا رد له في أحد الوجهين، وفي الآخر له الرد ولا يلزمه بدل اللبن. ولا يحل للبائع تدليس سلعته، ولا كتمان عيبها، فإِن فعل فالبيع صحيح. وقال أبو بكر إِن دلس العيب فالبيع باطل، قيل له فما تقول في التصرية فلم يذكر جواباً. ¬

_ (¬1) ما بين قوسين زيادة من "م".

فصل

فصل الخامس خيار العيب: وهو النقص كالمرض وذهاب جارحة أو سن أو زيادتها ونحو ذلك، وعيوب الرقيق من فعله كالزنا والسرقة والإِباق والبول في الفراش إِذا كان من مميز، فمن اشترى معيباً لم يعلم عيبه فله الخيار بين الرد والإِمساك مع الأرش: وهو قسط ما بين قيمة الصحيح والمعيب من الثمن، وما كسب فهو للمشتري وكذلك نماؤه المنفصل، وعنه لا يرده إِلا مع نمائه، ووطء الثيب لا يمنع الرد، وعنه يمنع. وإِن وطئ البكر أو تعيبت عنده فله الأرش، وعنه أنه مخير بين الأرش وبين رده وأرش العيب الحادث عنده ويأخذ الثمن، قال الخرقي: إِلا أن يكون البائع دلس العيب فيلزمه رد الثمن كاملاً، وقال القاضي: ولو تلف المبيع عنده ثم علم أن البائع دلّس العيب رجع بالثمن كله نص عليه في رواية حنبل، ويحتمل أن يلزمه عوض العين إِذا تلفت وأرش البكر إِذا وطئها لقوله عليه الصلاة والسلام: "الخراج بالضمان" (¬1)، وكما يجب عوض لبن المصراة على المشتري. وإِن أعتق العبد أو تلف المبيع رجع بأرشه، وكذلك إِن باعه غير عالم بعيبه، نص عليه، وكذلك إِن وهبه. وإِن فعله عالماً بعيبه فلا شيء له، وذكر أبو الخطاب رواية أخرى فيمن باعه ليس له شيء إِلا أن يرد عليه المبيع فيكون له حينئذ الرد أو الأرش، وإِن باع بعضه فله أرش الباقي، وفي أرش المبيع الروايتان. وقال الخرقي: له رد ملكه منه بقسطه من الثمن وأرش العيب بقدر ملكه فيه، وإِن صبغه أو نسجه فله الأرش، وعنه له الرد ويكون شريكاً بصبغه ونسجه، وإِن اشترى ما مأكوله في جوفه (¬2) ¬

_ (¬1) رواه أحمد في "المسند" (6/ 49 و 237) وأصحاب السنن من حديث عائشة رضي الله عنها وفيه كلام. (¬2) في جوفه: سقط من "م".

فكسره فوجده فاسداً فإِن لم يكن له مكسورًا قيمة كبيض الدجاج رجع بالثمن كله، وإِن كان له مكسوراً قيمة كبيض النعام وجوز الهند فله أرشه، وعنه أنه يخير بين أرشه وبين رده ورد ما نقصه وأخذ الثمن، وعنه ليس له رد ولا أرش في ذلك كله. ومن علم العيب فأخَّر الرد لم يبطل خياره إِلا أن يوجد منه ما يدل على الرضاء من التصرف ونحوه، وعنه أنه على الفور ولا يفتقر الرد إِلى رضاء ولا قضاء ولا حضور صاحبه، وإِن اشترى اثنان شيئاً وشرطا الخيار أو وجداه معيباً فرضي أحدهما فللآخر الفسغ في نصيبه، وعنه ليس له ذلك. وإِن اشترى واحد معيبين صفقة واحدة فليس له إِلا ردهما أو إِمساكهما، وإِن تلف أحدهما فله رد الباقي بقسطه، والقول في قيمة التالف قوله مع يمينه، وإِن كان أحدهما معيباً فله رده بقسطه (¬1)، وعنه لا يجوز له إِلا ردهما أو إِمساكهما، وإِن كان المبيع مما ينقصه التفريق: كمصراعي باب: وزوجي خف، أو [ممن يحرم التفريق بينهما (¬2)] كجارية وولدها فليس له رد أحدهما، وإِن اختلفا في العيب هل كان عند البائع أو حدث عند المشتري ففي أيهما يقبل قوله؟ روايتان. إِلا أن لا يحتمل إِلا قول أحدهما فالقول قوله بغير يمين، ومن باع عبداً تلزمه عقوبة من قصاص أو غيره يعلم المشتري ذلك فلا شيء له، وإِن علم بعد البيع (¬3) فله الرد أو الأَرْشُ، فإِن لم يعلم حتى قتل فله الأَرْشُ، وإِن كانت الجناية موجبة للمال والسيد معسر قدم حق المجني عليه وللمشتري الخيار، وإِن كان السيد موسراً تعلق الأرْشُ بذمته والبيع لازم. ¬

_ (¬1) في "م": رد الباقي بقسطه. (¬2) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش" وفي "م": أو ما لا يجوز التفريق بَيْنَهما. (¬3) في "م": بعد العيب.

فصل

فصل السادس خيار يثبت في التولية والشركة والمرابحة والمواضعة: ولابد في جميعها من معرفة المشتري رأس المال. ومعنى التولية البيع برأس المال [فيقول: وليتكه أو بعتكه برأس ماله (¬1)]، أو بما اشتريته، أو برقمه. والشركة بيع بعضه بقسطه من الثمن، ويصح بقوله: أشركتك في نصفه أو ثلثه. والمرابحة: أن يبيعه بربح فيقول رأس مالي فيه مئة بعتكه بها وربح عشرة أو على أن أربح في كل عشرة درهماً. والمواضعة: أن يقول بعتكه بها ووضيعة درهم من كل عشرة فيلزم المشتري تسعون درهماً، وإِن قال ووضيعة درهم لكل عشرة لزمه تسعون وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءاً من درهم. ومتى اشتراه بثمن مؤجل أو ممن لا تقبل شهادته له أو بأكثر من ثمنه حيلة، أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن ولم يبين ذلك للمشتري في تخبيره بالثمن فللمشتري الخيار بين الرد والإِمساك وما (¬2) يزاد في الثمن أو يحط منه في مدة الخيار أو يؤخذ أَرْشاً لعيب أو جناية عليه يلحق برأس المال ويخبر به، وإِن جنى ففداه المشتري أو زِيد في الثمن أو حُطَّ منه بعد لزومه لم يلحق به، وإِن اشترى ثوباً بعشرة وقَصَرَه بعشرة أخبر به على وجهه، وإِن قال تحصل ذلك علي بعشرين فهل يجوز؟ على وجهين. وإِن عمل فيه بنفسه عملاً يساوي عشرة لم يجز ذلك وجهاً واحداً، وإِن ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش". (¬2) في "م" و"ط": الإِمساك والرد.

فصل

اشتراه بعشرة ثم باعه بخمسة عشر ثم اشتراه بعشرة أخبر بذلك على وجهه، وإِن قال اشتريته بعشرة جاز؛ وقال أصحابنا يحط الربح من الثمن الثاني ويخبر أنه اشتراه بخمسة. فصل السابع خيار يثبت لاختلاف المتبايعين، ومتى اختلفا في قدر الثمن تحالفا: فيبدأ بيمين البائع فيحلف ما بعته بكذا وإِنما بعتكه (¬1) بكذا ثم يحلف المشتري ما اشتريته بكذا وإِنما اشتريته بكذا، فإِن نكل أحدهما لزمه ما قال صاحبه، وإِن تحالفا فرضي أحدهما بقول صاحبه أقر العقد وإِلا فلكل واحد منهما الفسخ، وإِن كانت السلعة تالفة رجعا إِلى قيمة مثلها، فإِن اختلفا في صفتها فالقول قول المشتري، وعنه لا يتحالفان إِذا كانت تالفة والقول قول المشتري مع يمينه، وإِن ماتا فورثتهما بمنزلتهما. ومتى فسخ المظلوم منهما انفسخ العقد ظاهراً وباطناً، وإِن فسخ الظالم لم ينفسخ في حقه باطناً وعليه إِثم الغاصب. وِإن اختلفا في صفة الثمن تحالفا إِلا أن يكون للبلد نقد معلوم فيرجع إِليه. وإِن اختلفا في أجل أو شرط فالقول قول من ينفيه، وعنه يتحالفان، إِلا أن يكون شرطاً فاسداً فالقول قول من ينفيه، فإِن قال بعتني هذين قال بل أحدهما [فالقول قول البائع (¬2)]، فإِن قال بعتني هذا قال بل هذا حلف كل واحد على ما أنكره ولم يثبت بيع واحد منهما. وإِن قال البائع لا أسلم المبيع حتى أقبض ثمنه، قال المشتري لا أسلمه حتى أقبض المبيع، والثمن عين، جعل بينهما عدل يقبض منهما ¬

_ (¬1) في "م": بعته. (¬2) ما بين الرقمين مثبت على الهامش في "ش" وفي آخره صح.

فصل

ويسلم إِليهما، وإِن كان ديناً أجبر البائع على التسليم ثم يجبر المشتري على تسليم الثمن إِن كان حاضراً مَعَهُ (¬1)، وإِن كان غائباً بعيداً أو المشتري معسراً فللبائع الفسخ، وإِن كان في البلد حجر على المشتري في ماله كله حتى يسلمه، وإِن كان غائباً عن البلد قريباً احتمل أن يثبت للبائع الفسخ واحتمل أن يحجر على المشتري ويثبت الخيار للخلف في الصفة وتَغَيُّر ما تقدمت رؤيته وقد ذكرناه. فصل ومن اشترى مكيلًا أو موزوناً لم يجز بيعه حتى يقبضه، وإِن تلف قبل قبضه فهو من مال البائع إِلا أن يتلفه آدمي فيخير المشتري بين الفسخ وبين إِمضائه (¬2) ومطالبة متلفه بمثله (¬3)، وعنه في الصبرة المتعينة أنه يجوز بيعها قبل قبضها، فإِن تلفت فهي من مال المشتري، وما عدا المكيل والموزون يجوز التصرف فيه قبل قبضه وإن تلف فهو من مال المشتري وذكر أبو الخطاب فيه رواية أخرى أنه كالكيل والموزون. في ذلك. ويحصل القبض فيما بيع بالكيل والوزن بكيله ووزنه، وفي الصبرة وفيما ينقل بالنقل، وفيما يتناول بالتناول، وفيما عدا ذلك بالتخلية، وعنه إِن قبض جميع الأشياء بالتخلية مع التمييز. والإِقالة فسخ يجوز في المبيع قبل قبضه، ولا يستحق بها شفعة، ولا يجوز إِلا بمثل الثمن، وعنه أنها بيع فلا يثبت فيها ذلك إِلا بمثل الثمن في أحد الوجهين. ¬

_ (¬1) ليست في "م"، "ط". (¬2) كذا في "ش" وفي "م"، "ط" بين فسخ العقد وبين إِمضائه. (¬3) في "م": ببدله.

باب الربا والصرف

باب الرِّبَا والصَّرْف وهو نوعان: ربا الفضل، وربا النسيئة. فأما ربا الفضل فيحرم في الجنس الواحد من كل مكيل أو موزون وإِن كان يسيراً كتمرة بتمرتين وحبة بحبتين، وعنه لا يحرم إِلا في الجنس الواحد من الذهب والفضة وكل مطعوم، وعنه لا يحرم إِلا في ذلك إِذا كان مكيلًا أو موزوناً. ولا يباع ما أصله الكيل بشيء من جنسه وزناً، ولا ما أصله الوزن كيلًا، فإِن اختلف الجنس جاز بيع بعضه ببعض كيلًا ووزناً وجزافاً. والجنس ما له اسم خاص يشمل أنواعاً كالذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، وفروع الأجناس أجناس: كالأدقة والأخباز والأدهان، واللحم أجناس باختلاف أصوله، وعنه جنس واحد وكذلك اللبن، وعنه في اللحم أنه أربعة أجناس: لحم الأنعام. ولحم الوحش. ولحم الطير. ولحم دواب الماء. واللحم والشحم والإِلية (¬1) والكبد أجناس. ولا يجوز بيع لحم بحيوان من جنسه، وفي بيعه بغير جنسه وجهان. ولا يجوز بيع حب بدقيقه ولا سويقه في أصح الروايتين، ولا يجوز بيع نيئه بمطبوخه ولا أصله بعصيره ولا خالصه بمشوبه ولا رطبه بيابسه، ¬

_ (¬1) والإِلية: ليست في "م"، "ط".

ويجوز بيع دقيقه بدقيقه إِذا استويا في النعومة ومطبوخه بمطبوخه وخبزه بخبزه إِذا استويا في النشاف وعصيره بعصيره ورطبه برطبه. ولا يجوز بيع المحاقلة: وهو بيع الحب في سنبله بجنسه، وفي بيعه بغير جنسه وجهان. ولا المزابنة وهي بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر، إِلا في العرايا وهي بيع الرطب في رؤوس النخل خرصاً بمثله من التمر كيلاً فيما دون خمسة أوسق لمن به حاجة إِلى أكل الرطب ولا ثمن معه. ويعطيه من التمر مثل ما يؤَول إِليه ما في النخل عند الجفاف، وعنه يعطيه مثل رطبه، ولا يجوز في سائر الثمار في أحد الوجهين. ولا يجوز بيع جنس فيه الربا بعضه ببعض، ومع أحدهما أو معهما من غير جنسهما كمد عجوة ودرهم بمدين أو بدرهمين أو بمد ودرهم، وعنه يجوز بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره، أو يكون مع كل واحد منهما من غير جنسه، وإِن باع نوعي جنس بنوع واحد منه كدينار قراضة وصحيح بصحيحين جاز أومأ إِليه أحمد وذكره أبو بكر، وعند القاضي هي كالتي قبلها. ولا يجوز بيع تمر منزوع النوى بما نواه فيه، وفي بيع النوى بتمر فيه النوى، واللبن بشاة ذات لبن، والصوف بنعجة عليها صوف روايتان. والمرجع في الكيل والوزن إِلى عرف أهل الحجاز في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما لا عرف له به ففيه وجهان: أحدهما يعتبر عرفه في موضعه. والآخر يرد إِلى أقرب الأشياء شبهاً بِهِ بالحجاز.

فصل

فصل وأما ربا النسيئة فكل شيئين ليس أحدهما ثمناً عِلَّة رِبا الفضل فيهما واحدة كالمكيل بالمكيل والموزون بالموزون لا يجوز النسأ فيهما، وإِن تفرقا قبل التقابض بطل العقد، وإِن باع مكيلاً بموزون جاز التفرق قبل القبض، وفي النسأ روايتان. وما لا يدخله ربا الفضل كالثياب والحيوان يجوز النسأ فيهما وعنه لا يجوز في الجنس الواحد كالحيوان بالحيوان ويجوز في الجنسين كالثياب بالحيوان، ولا يجوز بيع الكالئ بالكالئ وهو بيع الدين بالدين. فصل ومتى افترق المتصارفان قبل التقابض، أو افترقا عن مجلس السلم قبل قبض رأس ماله بطل العقد، وإِن قبض البعض ثم افترقا بطل في الجميع في أحد الوجهين، وفي الآخر يبطل فيما لم يقبض، وإِن تقابضا ثم افترقا فوجد أحدهما ما قبضه رديئاً فرده بطل العقد في إِحدى الروايتين، والأخرى إِن قبض عوضه في مجلس الرد لم يبطل، وإِن رد بعضه وقلنا يبطل في المردود فهل يبطل في غيره؟ على وجهين. والدراهم والدنانير تتعين بالتعيين في العقد، في أظهر الروايتين فلا يجوز إِبدالها، وإِن وجدها معيبة خير بين الإِمساك والفسخ، ويتخرج أن يمسك ويطالب بالأرْش، وإِن خرجت مغصوبة بطل العقد. والأخرى لا تتعين ولا يثبت فيها ذلك. ويحرم الربا بين المسلم والحربي وبين المسلمين في دار الحرب كما يحرم بين المسلمين في دار الإِسلام.

باب بيع الأصول والثمار

باب بيع الأصول والثمار ومن باع داراً تناول البيع أرضها وبناءها وما يتصل بها لمصلحتها كالسلاليم والرفوف المسمرة والأبواب المنصوبة والخوابي المدفونة والرحى المنصوبة، ولا يدخل ما هو مودع فيها من الكنز والأحجار المدفونة، ولا المنفصل منها كالحبل والدلو والبكرة والقفل والفرش، إِلا ما كان من مصالحها كالمفتاح، وحجر الرحى الفوقاني فعلى وجهين. وإِن باع أرضاً بحقوقها دخل غراسها وبناؤها في البيع، وإِن لم يقل "بحقوقها" فعلى وجهين، وِإن كان فيها زرع يجز مرة بعد أخرى كالرطبة والبقول أو تكرر ثمرته كالقثاء والباذنجان فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة واللقطة الأولى (¬1) الظاهرة من القثاء والباذنجان للبائع إِلا أن يشترطه المبتاع، وإِن كان فيها زرع لا يحصد إِلا مرة كالبر والشعير فهو للبائع مُبْقَىً إِلى الحصاد إِلا أن يشترطه المبتاع. فصل ومن باء نخلاً مؤبراً وهو ما تشقق طلعه فالثمر للبائع متروكاً في رؤوس النخل إِلى الجذاذ إِلا أن يشترطه المبتاع، وكذلك الشجر إِذا كان فيه ثَمَر (¬2) باد: كالعنب والتين والتوت والرمان والجوز، وما ظهر من نوره كالمشمش والتفاح والسفرجل واللوز، وما خرج من أكمامه كالورد والقطن وما قبل ذلك فهو للمشتري، والورق للمشتري بكل حال، ويحتمل في ورق التوت المقصود أخذه أنه إِن تفتح فهو للبائع وإِن كان حباً ¬

_ (¬1) لفظة (الأولى) ليست في "ط". (¬2) لفظة "ثمر" لم ترد في "ط" بلفظه.

فصل

فهو للمشتري، وإِن ظهر بعض الثمرة فهو للبائع وما لم يظهر فهو للمشتري، وقال ابن حامد: الكل للبائع. وإِن احتاج الزرع أو الثمرة إِلى سقي لم يلزم المشتري ولم يملك منع البائع منه. فصل ولا يجوز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها ولا الزرع قبل اشتداد حبه إِلا بشرط القطع في الحال، ولا بيع الرطبة والبقول إِلا بشرط جزه، ولا القثاء ونحوه إِلا لقطة لقطة إِلا أن يبيع أصله، والحصاد واللقاط على المشتري فإِن باعه مطلقاً أو بشرط التبقية لم يصح، وإِن اشترط القطع ثم تركه حتى بدا صلاح الثمرة أو طالت الجزة أو حدثت ثمرة أخرى فلم تتميز أو اشترى عرية ليأكلها رطباً فأثمرت بطل البيع، وعنه لا يبطل ويشتركان في الزيادة، وعنه يتصدقان بها. وإِذا بدا صلاح في الثمرة واشتد الحب جاز بيعه مطلقاً وبشرط التبقية، وللمشتري تبقيته إِلى الحصاد والجذاذ، ويلزم البائع سقيه إِن احتاج إِلى (¬1) ذلك، وإِن تضرر الأصل، وإِن تلفت بجائحة من السماء رجع على البائع، وعنه إِن أتلفت الثلث فصاعداً ضمنه البائع وإِلا فلا، وإِن أتلفه آدمي خُيِّر المشتري بين الفسخ والإِمضاء ومطالبة المتلف، وصلاح بعض ثمرة الشجرة صلاح لجميعها وهل يكون صلاحاً لسائر (¬2) النوع الذي في البستان؟ على روايتين. وبدو الصلاح في ثمر النخل أن يحمر أو يصفر، وفي العنب أن يتموه، وفي سائر الثمر أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله. ¬

_ (¬1) لفظ "إلى" ليس في "ط". (¬2) كذا في "م" و"ش" وفي "ط": "لجميع".

فصل

فصل ومن باع عبداً له مال فماله للبائع إِلا أن يشترطه المبتاع، فإِن كان قصده المال اشترط علمه وسائر شروط المبيع. وإِن لم يكن قصده المال لم يشترط. فإِن كان عليه ثياب فقال أحمد رحمه الله تعالى ما كان للجمال فهو للبائع وما كان للبس المعتاد فهو للمشتري. باب السَّلَم وهو نوع من البيع يصح بألفاظه (¬1) وبلفظ السَّلم والسَّلف. ولا يصح إِلا بشروط سبعة: أحدها: أن يكون فيما يمكن ضبط صفاته كالمكيل والموزون والمذروع. فأما المعدود والمختلف كالحيوان والفواكه والبقول والجلود والرؤوس ونحوها ففيه روايتان. وفي الأواني المختلفة الرؤوس والأوساط كالقماقم والأسطال الضيقة الرؤوس وما يجمع أخلاطاً متميزة كالثياب المنسوجة من نوعين وجهان، ولا يصح فيما لا ينضبط كالجواهر كلها والحوامل من الحيوان والمغشوش من الأثمان وغيرها وما يجمع أخلاطاً غير متميزة كالغالية والند والمعاجين، ويصح فيما يترك فيه شيء غير مقصود لمصلحته كالجبن والعجين وخل التمر والسكنجبين ونحوها. فصل الشرط الثاني: أن يصفه بما يختلف به الثمن ظاهراً فيذكر جنسه ونوعه وقدره وبلده وحداثته وقدمه وجودته ورداءته، وما لا يختلف به الثمن لا يحتاج إِلى ذكره. ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"م" وفي "ط": بلفظه.

فصل

فإِن شرط الأجود لم يصح، وإِن شرط الأردأ فعلى وجهين، وإِذا جاءه بدون ما وصف (له) (¬1) أو نوع آخر فله أخذه ولا يلزمه وإِن جاءه بجنس آخر لم يجز له أخذه، وإِن جاءه بأجود منه من نوعه لزمه قبوله، فإِن قال خذه وزدني درهماً لم يجز، وإِن جاءه بزيادة في القدر فقال ذلك صح. فصل الثالث: أن يذكر قدره بالكيل في المكيل، والوزن في الموزون، والذرع في المذروع، فإِن أسلم في المكيل وزناً وفي الموزون كيلًا لم يصح، [وعنه يصح (¬2)]. ولابد أن يكون المكيال معلوماً، فإِن شرط مِكْيالًا بعينه أو صنجة بعينها غير معلومة لم يصح، وفي المعدود المختلف غير الحيوان روايتان: إِحداهما يسلم فيه عدداً. والأخرى وزناً. وقيل يسلم في الجوز والبيض عدداً وفي الفواكه والبقول وزناً. فصل الرابع: أن يشرط أجلًا معلوماً له وقع في الثمن: كالشهر ونحوه، فإِن اسلم حالًا أو إِلى أجل قريب كاليوم ونحوه لم يصح إِلا أن يسلم في شيء يأخذ منه كل يوم أجزاء معلومة فيصح، وإِن أسلم في جنس إِلى أجلين أو في جنسين إِلى أجل صح، ولابد أن يكون الأجل مُقَدَّراً بزمن معلوم فإِن ¬

_ (¬1) لفظ له زيادة من "م" و"ط". (¬2) ما بين الرقمين مستدرك فوق السطر في "ش".

فصل

أسلم إِلى الحصاد أو الجذاذ أو شرط الخيار إِليه فعلى روايتين، وإِذا جاءه بالسَّلم قبل محله ولا ضرر في قبضه لزمه قبضه وإِلا فلا. فصل الخامس: أن يكون المُسَلَّم فيه عَامُّ الوجودِ في محلِّه، فإِن كان لا يوجد فيه أو لا يوجد إِلا نادراً: كالسَّلم في العنب والرطب إِلى غير وقته لم يصح، وإِن أسلم في ثمرة بستان بعينه أو قرية صغيرة لم يصح، وإِن اسلم إِلى محل يوجد فيه عامّاً فانقطع خُيِّر بين الصبر وبين الفسخ والرجوع برأس ماله أو عوضه إِن كان معدوماً في أحد الوجهين، وفي الآخر ينفسخ بالمتعذر نفسه (¬1). فصل السادس: أن يقبض رأس المال في مجلس العقد، وهل يشترط كونه معلوم الصفة والقدر كالمسلم فيه؟ على وجهين. وإِن أسلم ثمناً واحداً في جنسين لم يجز حتى يبين كل جنس. فصل السابع: أن يسلم في الذمة، فإِن أسلم في عين لم يصح. ولا يشترط ذكر مكان الإِيفاء إِلا أن يكون موضع العقد لا يمكن الوفاء فيه كالبرية فيشترط ذكره ويكون الوفاء في مكان العقد، فإِن شرط الوفاء فيه كان تأكيداً، وإِن شرطه في غيره صح، وعنه لا يصح، ولا يصح بيع المُسَلَّم فيه قبل قبضه ولا هبته ولا أخذ غيره مكانه ولا الحوالة به، ويجوز بيع ¬

_ (¬1) في الأصول: "بنفس المتعذر" وقد أشرنا إِلى عدم صحة ذلك.

باب القرض

الدَّين المستقر لمن هو في ذمته بشرط، أن يقبض عوضه في المجلس، ولا يجوز لغيره. وتجوز الإِقالة في السَّلَم، وتجوز في بعضه في إِحدى الروايتين إِذا قبض رأس مال السلم أو عوضه في مجلس الإِقالة، وإِن انفسخ العقد بإقَالَةٍ أو غيرها لم يجز أن يأخذ عن الثمن عوضاً من غير جنسه، وإِن كان لرجل سَلَمٌ وعليه سَلَمٌ (¬1) من جنسه فقال لغريمه اقبض سلمي لنفسك ففعل لم يصح قبضه لنفسه، وهل يقع قبضه للآمر؟ على وجهين. وإِن قال اقبضه لي ثم اقبضه لنفسك صح، وإِن قال أنا أقبضه لنفسي وخذه بالكيل الذي تشاهده، فهل يجوز؟ على روايتين. وإِن اكتاله ثم تركه في المكيال وسلمه إِلى غريمه فقبضه صح القبض لهما، وإِن قبض المُسَلَّم فيه جُزَافاً فالقول قوله في قدره، وإِن قبضه كيلاً أو وزناً ثم ادعى غلطاً لم يقبل قوله في أحد الوجهين، وهل يجوز الرهن والكفيل بالمسلم فيه؟ على روايتين. باب القَرْض وهو من المرافق المندوب إِليها، ويصح في كل عين يجوز بيعها إِلا بني آدم، والجواهر ونحوها مما لا يصح السلم فيه في أحد الوجهين فيهما، ويثبت الملك فيه بالقبض فلا يملك المقرض استرجاعه، وله طلب بدله، فإِن رده المقترض عليه لزمه قبوله ما لم يتعيب أو يكن فلوساً أو مكسرة فيحرمها السلطان فتكون له القيمة وقت القرض، ويجب رد المثل في المكيل والموزون، والقيمة في الجواهر ونحوها، وفيما سوى ذلك وجهان، ويثبت العوض في الذمة حالاً وإِن أجَّلَهُ، ويجوز شرط ¬

_ (¬1) قوله وعليه سَلَم سقط من "ط".

باب الرهن

الرهن والضمين فيه ولا يجوز شرط ما يجر نفعاً نحو أن يسكنه داره أو يقضيه خيراً منه أو في بلد آخر. ويحتمل جواز هذا الشرط. وإِن فعله بغير شرط أو قضى خيراً (2)، أو أهدى له هدية بعد الوفاء، جاز لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسلف بكراً فرد خيراً منه (¬1) وقال: "خيركم أحسنكم قضاء" (¬2) وإِن فعله قبل الوفاء لم يجز إلا أن تكون العادة جارية بينهما به قبل القرض. وإِذا أقرضه أثماناً فطالبه بها ببلد آخر لزمته، وإِن أقرضه غيرها لم تلزمه فإِن طالبه بالقيمة لزمه أداؤها. باب الرَّهْنِ وهو وثيقة بالحق لازم في حق الراهن، جائز في حق المرتهن، يجوز عقده مع الحق وبعده، ولا يجوز قبله إِلا عند أبي الخطاب. ويصح رهن كل عين يجوز بيعها إِلا المكاتب إِذا قلنا استدامة القبض شرط لم يجز رهنه. ويجوز رهن ما يسرع إِليه الفساد بدين مؤجل ويباع ويجعل ثمنه رهناً. ويجوز رهن المشاع، ثم إِن رضي الشريك والمرتهن بكونه في يد أحدهما أو غيرهما جاز وإِن اختلفا جعله الحاكم في يد أمين أمانة أو بأجرة. ويجوز رهن المبيع غير المكيل والموزون قبل قبضه إِلا على ثمنه في أحد الوجهين. وما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه إِلا الثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع في أحد الوجهين. ولا يجوز رهن العبد المسلم لكافر إِلا عند أبي الخطاب إِذا شرطا كونه في يد مسلم. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش" وفي آخره صح. (¬2) رواه مسلم رقم (1601) (122) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ولا يلزم الرهن إِلا بالقبض واستدامته شرط في اللزوم فإِن أخرجه المرتهن باختياره إِلى الراهن زال لزومه، فإِن رده إِليه عاد اللزوم، ولو رهنه عصيراً فتخمر زال لزومه، فإِن تخلل عاد لزومه بحكم العقد السابق. وعنه أن القبض واستدامته في المتعين ليس بشرط، فمتى امتنع الراهن من تقبيضه أُجبر عليه. وتَصَرُّف الراهن في الرهن لا يصح إِلا العتق فإِنه ينفذ ويؤخذ منه قيمته (¬1) رهناً مكانه ويحتمل أن لا ينفذ عتق المعسر. وقال القاضي: له تزويج الأمة، ويمنع الزوج وطأها، ومهرها رهن معها، والأول أصح. وإِن وطئ الجارية فأولدها خرجت من الرهن وأخذت منه قيمتها فجعلت رهناً وإِن أذن المرتهن له في بيع الرهن أو هبته ونحو ذلك ففعل صح وبطل الرهن، إِلا أن يأذن له في بيعه بشرط أن يجعل ثمنه رهناً أو يعجل دينه من ثمنه. ونماء الرهن وكسبه وأَرْش الجناية عليه من الرهن ومؤنته على الراهن، وكفنه إِن مات وأجرة مخزنه إِن كان مخزوناً، وهو أمانة في يد المرتهن إِن تلف بغير تعد منه فلا شيء عليه ولا يسقط بهلاكه شيء من دينه. وِإن تلف بعضه فباقيه رهن بجميع الدين ولا ينفك شيء من الرهن حتى يقضي جميع الدين. وِإن رهنه عند رجلين فوفى أحدهما انفك في نصيبه. وإِن رهنه رجلان شيئاً فوفاه أحدهما انفك في نصيبه. وإِذا حل الدين وامتنع من وفائه: فإِن كان الراهن أذن للمرتهن أو للعدل في بيعه باعه وَوَفَّى الدين، وإِلا رفع الأمر إِلى الحاكم فيجبره على وفاء الدين أو بيع الرهن، فإِن لم يفعل باعه الحاكم وقضى دينه. ¬

_ (¬1) لفظ: قيمته لا "م".

فصل

فصل وإِذا شرط في الرهن جعله على يد عدل صح وقام قبضه مقام قبض المرتهن. وإِن شرط جعله في يد اثنين لم يكن لأحدهما الانفراد بحفظه وليس للراهن ولا للمرتهن إِذا لم يتفقا ولا للحاكم نقله عن يد العدل إِلا أن تتغير حاله وله رده عليهما، ولا يملك رده إِلى أحدهما، فإِن فعل فعليه رده إِلى يده فإِن لم يفعل ضمن حق الآخر، وإِن أذنا له في البيع لم يبع إِلا بنقد البلد، فإِن كان فيه نقود باع بجنس الدين، فإِن لم يكن فيها جنس الدين باع بما يرى أنه أصلح. وإِن قبض الثمن فتلف في يده فهو من ضمان الراهن وإِن استحق المبيع رجع المشتري على الراهن، وإِن ادعى دفع الثمن إِلى المرتهن فأنكر ولم يكن قضاه ببينة ضمن. وعنه لا يضمن إِلا أن يكون أُمِرَ بالإشْهاد فلم يفعل، وهكذا الحكم في الوكيل، وإِن شرط أن يبيعه المرتهن أو العدل صح، وإِن عزلهما صح عزله، ويحتمل أن لا يصح، وإِن شرط أن لا يبيعه عند الحلول أو إِن جاءه بحقه وإِلا فالرهن له لم يصح الشرط، وفي صحة الرهن روايتان. فصل إِذا اختلفا في قدر الدين أو الرهن أو رده، أو قال أقبضتك عصيراً قال بل خمراً فالقول قول الراهن، وإِن أقر الراهن أنه أعتق العبد قبل رهنه عتق وأُخِذَتْ منه قيمته رهناً (مَكَانَهُ) (¬1)، وإِن أقر أنه كان جنى أو أنه باعه أو غصبه، قُبِل على نفسه ولم يقبل على المرتهن إِلا أن يصدقه. ¬

_ (¬1) مكانه: زيادة من "م".

فصل

فصل وإِذا كان الرهن مركوباً أو محلوباً فللمرتهن أن يركب ويحلب بقدر نفقته متحرياً للعدل في ذلك، وإِن أنفق على الرهن بغير إِذن الراهن مع إِمكانه فهو متبرع، وإِن عجز عن استئذانه ولم يستأذن الحاكم فعلى روايتين وكذلك الحكم في الوديعة وفي نفقة الجِمال إِذا هرب الجمّال وتركها في يد المكتري، وإِن انهدمت الدار فعمرها المرتهن بغير إِذن الراهن لم يرجع به رواية واحدة. فصل وإِذا جنى الرهن جناية موجبة للمال تعلق أَرْشها برقبته، ولسيده فداؤه بالأقل من قيمته، أو أرش جنايته، أو بيعه في الجناية، أو يسلمه إِلى ولي الجناية فيملكه، وعنه إِن اختار فداءه لزمه جميع الأرْش فإِن فداه فهو رهن بحاله، وإِن سلمه بطل الرهن، فإِن لم يستغرق الأرْش قيمته بيع منه يقدره وباقيه رهن، وقيل يباع جميعه ويكون باقي ثمنه رهناً، وإِن اختار المرتهن فداءه ففداه بإِذن الراهن رجع به، وإِن فداه بغير إِذنه فهل يرجع به؟ على روايتين. وإِن جنى عليه جناية موجبة للقصاص فلسيده القصاص، فإِن اقتص فعليه قيمة أقلها قيمة تجعل مكانه، وكذلك إِن جنى على سيده فاقتص منه هو أو ورثته، وِإن عفا السيد على مَال [أو كانت موجبة للمال فما قبض منه جعل مكانه، فإِن عفا السيد عن المال (¬1)] صح في حقه ولم يصح في حق المرتهن، فإِذا انفك الرهن رد إِلى الجاني، وقال أبو الخطاب: يصح وعليه قيمته. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين ليس في "ش" وليس في "ط".

باب الضمان

وإِن وطئ المرتهن الجارية من غير شبهة فعليه الحد والمهر وولده رقيق، وإِن وطئها بإِذن الراهن وادعى الجهالة وكان مثله يجهل ذلك فلا حد عليه ولا مهر وولده حر لا تلزمه قيمته. باب الضمان وهو ضم ذمة الضامن إِلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق، ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما في الحياة والموت، فإِن برئت ذمة المضمون عنه برئ الضامن، وإِن برئ الضامن أو أقر ببراءته لم يبرأ المضمون عنه، ولو ضمن ذمي لذمي عن ذمي خمراً فأسلم المضمون له أو المضمون عنه برئ هو والضامن معاً. ولا يصح إِلا من جائز التصرف، ولا يصح من مجنون ولا صبي ولا سفيه، ولا من عبد بغير إِذن سيده، ويحتمل أن يصح ويتبع به بعد العتق، وإِن ضمن بإِذن سيده صح، وهل يتعلق برقبته أو ذمة سيده؟ على روايتين. ولا يصح إِلا برضاء الضامن، ولا يعتبر رضاء المضمون له ولا المضمون عنه، ولا معرفة الضامن لهما، ولا كون الحق معلوماً ولا واجباً إِذا كان مآله إِلى الوجوب، فلو قال ضمنت لك ما على فلان أو ما تداينه به صح. ويصح ضمان دين الضامن ودين الميت المفلس وغيره، ولا تبرأ ذمته قبل القضاء في أصح الروايتين، ويصح ضمان عهدة المبيع عن البائع للمشتري وعن المشتري للبائع، ولا يصح ضمان دين الكتابة في أصح الروايتين، ولا يصح ضمان الأمانات كالوديعة ونحوها إِلا أن يضمن التعدي فيها، وأما الأعيان المضمونة كالغُصُوب العواري والمقبوض على وجه السوم فيصح ضمانها، وإِن قضى الضامن الدين متبرعاً لم يرجع

فصل في الكفالة

بشيء، وإِن نوى الرجوع وكان الضمان والقضاء بغير إِذن المضمون عنه فهل يرجع؟ على روايتين. وإِن أذن في أحدهما فله الرجوع بأقل الأمرين مما قضى أو قدر الدين، وإِن أنكر المضمون له القضاء وحلف لم يرجع الضامن على المضمون عنه سواء صدَّقه أو كذَّبه، وإِن اعترف بالقضاء وأنكر المضمون عنه لم يُسمع إِنكاره، وإِن قضى المؤجل قبل أجله لم يرجع حتى يحل، [وإِن مات المضمون عنه أو الضامن فهل يحل الدَّيْنُ عليه؟ على روايتين. وأيهما حل عليه (¬1)] لم يحل على الآخر. ويصح ضمان الحالّ مؤجَّلًا وإِن ضمن المؤجل حَالًا لم يلزمه قبل أجله في أصح الوجهين. فصل في الكَفَالة وهي التزام إِحضار المكفول به، وتصح ببدن من عليه دين وبالأعيان المضمونة، ولا تصح ببدن من عليه حد أو قصاص ولا بغير معين كأحد هذين. وِإن كفل بجزء شائع من إِنسان أو عضو، أو كفل بإِنسان على أنه جاء به وإِلا فهو كفيل بآخر أو ضامن ما عليه صح في أحد الوجهين. ولا يصح إِلا برضاء الكفيل، وفي رضاء المكفول به وجهان، ومتى أحضر المكفول به وسلمه برئ إِلا أن يحضره قبل الأجل وفي قبضه ضرر. وإِن مات المكفول به أو تلفت العين بفعل الله تعالى أو سلَّم نفسه برئ الكفيل. وإِن تعذر إِحضاره مع بقائه لزم الكفيل الدين أو عوض العين. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش" وفي آخره صح.

باب الحوالة

وإِن غاب أُمْهِلَ الكفيل بقدر ما يمضي فيحضره، فإِن تعذر إِحضاره ضمن ما عليه، وإِذا طالب الكفيل المكفول به بالحضور معه لزمه ذلك إِن كانت الكفالة بإِذنه، أو طالبه صاحب الحق بإِحضاره وإِلا فلا، وإِذا كفل اثنان برجل فسلَّمه أحدهما لم يبرأ الآخر، وإِن كفل واحد لاثنين فأبرأه أحدهما لم يبرأ من الآخر. باب الحَوَالة والحوالة تنقل الحق من ذمة المحيل إِلى ذمة المحال عليه فلا يملك المحتال الرجوع عليه بحال. ولا تصح إِلا بثلاثة شروط: أحدها: أن يحيل على دين مستقر، فإِن أحال على مال الكتابة أو السَّلَم أو الصداق قبل الدخول لم يصح، وإِن أحال المكاتب سيده أو الزوج امرأته صح. والثاني: اتفاق الدينين في الجنس والصفة والحلول والتأجيل. والثالث: أن يحيل برضائه ولا يعتبر رضاء المحال عليه ولا رضاء المحتال إِن كان المحال عليه مَلِيئاً، وإِن ظنه مَلِيئاً فبانَ مفلساً ولم يكن رضي بالحوالة رجع عليه وإِلا فلا، ويحتمل أن يرجع. وإِذا أحال المشتري البائع بالثمن، أو أحال البائع عليه به فبان البيع باطلًا فالحوالة باطلة، وإِن فسخ البيع بعيب أو إِقالة لم تبطل الحوالة. وللبائع أن يحيل المشتري على من أحاله المشتري عليه في الصورة الأولى، وللمشتري أن يحيل المحتال عليه على البائع في الثانية، ويحتمل أن يبطل إِن لم يكن قبضها، وإِذا قال: أحلتك. قال: بل وكلتني. أو قال وكلتك. قال: بل أحلتني فالقول قول مدعي الوكالة، وإِن اتفقا على أنه قال أحلتك وادعى أحدهما أنه أريد بها الوكالة وأنكر الآخر ففي أيهما

باب الصلح

يقبل قوله؟ وجهان. فإِن قال أحلتك بدينك فالقول قول مدعي الحوالة وجهاً واحداً. باب الصُّلْح الصلح في الأموال قسمان أحدهما: صلح على الإِقرار. وهو نوعان: أحدهما الصلح على جنس الحق، مثل أن يقر له بدين فيضع عنه بعضه أو بعين فيهب له بعضها ويأخذ الباقي فيصح إِن لم يكن بشرط، مثل أن يقول: على أن تعطيني الباقي أو يمنعه حقه بدونه، ولا يصح ذلك ممن لا يملك التبرع كالمكاتب والمأذون له وولي اليتيم إِلا في حال الإِنكار وعدم البينة. ولو صالح عن المؤجل ببعضه حالًا لم يصح، وإِن وضع بعض الحالّ وأجل باقيه صح الإِسقاط دون التأجيل. وإِن صالح عن الحق بأكثر منه من جنسه: مثل أن يصالح عن دية الخطأ، أو عن قيمة متلف بأكثر منها من جنسها لم يصح، وإِن صالحه بعرض قيمته أكثر منها صح فيهما. وإِن صالحه عن بيت على أن يسكنه سنة أو يبني له فوقه غرفة لم يصح، وإِن قال أقر لي بديني وأعطيك منه مئة ففعل صح الإِقرار ولم يصح الصلح. فإِن صالح إِنساناً ليقر له بالعبودية أو امرأة لتقر له بالزوجية لم يصح، وإِن دفع المدعى عليه العبودية إِلى المدعي مالًا صلحاً عن دعواه صح. النوع الثاني أن يصالح عن الحق بغير جنسه فهو معاوضة، فإِن كان بأثمان عن أثمان فهو صرف، وإِن كان بغير الأثمان فهو بيع، وإِن كان

فصل

بمنفعة كسكنى دار فهو إِجارة تبطل بتلف المال كسائر الإِجارات، وإِن صالحت المرأة بتزويج نفسها صح، فإِن كان الصلح عن عيب في مبيعها فبان أنه ليس بِعَيْبٍ رجعت بأَرْشِهِ لَا بِمَهْرِها، فإِن صالح عما في الذمة بشيء في الذمة لم يجز التفرق قبل القبض لأنه بيع دين بدين، ويصح الصلح عن المجهول بمعلوم إِذا كان مما لا يمكن معرفته للحاجة. القسم الثاني: أن يدعي عليه عيناً أو ديناً فينكره ثم يصالحه على مال فيصح، ويكون بيعاً في حق المدعي حتى إِن وجد بما أخذه عيباً فله رده وفسخ الصلح، وإِن كان شقصاً مشفوعاً ثبتت فيه الشفعة ويكون إِبراء في حق الآخر فلا يرد ما صالح عنه بعيب ولا يؤخذ بشفعة، ومتى كان أحدهما عالماً بكذب نفسه فالصلح باطل في حقه وما أخذه حرام عليه، وإِن صالح عن المُنْكِرِ أجنبي بغير إِذنه صح ولم يرجع عليه في أصح الوجهين، وإِن صالح الأجنبي لنفسه لتكون المطالبة له غير معترف بصحة الدعوى أو معترفاً بها عالماً بعجزه عن استنقاذها (¬1) لم يصح، وإِن ظن القدرة عليه صح، ثم إِن عجز عن ذلك فهو مخير بين فسخ الصلح وبين إِمضائه. فصل يصح الصلح عن القصاص بديات وبكل ما يثبت مهراً، ولو صالح سارقاً ليطلقه، أو شاهداً ليكتم شهادته، أو شفيعاً عن شفعته، أو مقذوفاً عن حده، لم يصح الصلح، وتسقط الشفعة، وفي الحد وجهان. وِإن صالحه على أن يجري على أرضه أو سطحه ماء معلوماً صح، ويجوز أن يشتري ممراً في دار وموضعاً في حائطه يفتحه باباً وبقعة يحفرها ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"م" وفي "ط": استيفائها.

بئراً وعلو بيت يبني عليه بنياناً موصوفاً، فإِن كان البيت غير مبني لم يجز في أحد الوجهين، وفي الآخر يجوز إِذا وصف العلو والسفل، وإِن حصل في هوائه أغصان شجرة غيره فطالبه بإِزالتها لزمه، فإِن أبى فله قطعها، فإِن صالحه عن ذلك بعوض لم يجز، وإِن اتفقا على أن الثمرة له أو بينهما جاز ولم يلزم. ولا يجوز أن يشرع إِلى طريق نافذ جَنَاحاً ولا ساباطاً ولا دُكَّاناً ولا أن يفعل ذلك في ملك إِنسان ولا درب غير نافذ إِلا بإِذن أهله، فإِن صالح عن ذلك بعوض جاز في أحد الوجهين، وإِذا كان ظهر داره في درب غير نافذ ففتح فيه لغير الاستطراق جاز ويحتمل أن لا يجوز، فإِن فتحه للاستطراق لم يجز إِلا بإِذنهم في أحد الوجهين، وإِن صالحهم جاز، ولو أن بابه في آخر الدرب ملك نقله إِلى أوله ولم يملك نقله إِلى داخل منه في أحد الوجهين. وليس له أن يفتح في حائط جاره ولا في الحائط المشترك روزنة ولا طاقاً إِلا بإِذن صاحبه، وليس له وضع خشبة عليه إِلا عند الضرورة بأن لا يمكنه التسقيف إِلا به، وعنه ليس له وضع خشبة على جدار المسجد، وهذا تنبيه على أنه لا يضع على جدار جاره. وإِن كان بينهما حائط فانْهَدَمَ فطالب أحدهما صاحبه (¬1) ببنائه معه أجبر عليه، وعنه لا يجبر لكن ليس له منعه من بنائه، فإِن بناه بآلته فهو بينهما، وإِن بناه بآلة من عنده فهو له وليس للآخر الانتفاع به، فإِن طلب ذلك خُيِّرَ الباني بين أخذ نصف قيمته منه وبين أخذ آلته. وإِن كان بينهما نهر أو بئر أو دولاب أو ناعورة أو قناة واحتاج إِلى عمارة ففي إِجبار الممتنع روايتان، وليس لأحدهما منع صاحبه من عمارته فإِذا عمره فالماء بينهما على الشركة. ¬

_ (¬1) الكلمة سقطت من "م".

كتاب الحجر

كتاب الحَجْر وهو على ضربين (¬1): حجر لحق الغير فذكر منه ههنا الحجر على المفلس، ومن لزمه دين مؤجل لم يطالب به قبل أجله، ولم يحجر عليه من أجْلِهِ، فإِن أراد سفراً يحل الدين قبل مدته فلغريمه منعه إِلا أن يوثقه برهن أو كفيل، وإِن كان لا يحل قبله ففي منعه روايتان. وإِن كان حالًا وله مال يفي بدينه لم يحجر عليه ويأمره الحاكم بوفائه، فإِن أبى حبسه، فإِن أصر باع ماله وقضى دينه، وإِن ادعى الإِعسار وكان دينه عن عوض كالبيع والقرض أو عرف له مال سابق حبس إِلا أن يقيم البينة على نفاد ماله وإِعساره، وهل يحلف معها؟ على وجهين، فإِن لم يكن كذلك حلف وخلى سبيله. وإِن كان له مال لا يفي بدينه فسأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه (¬2) لزمته إِجابتهم ويستحب إِظهاره والإِشهاد عليه. فصل ويتعلق بالحجر عليه أربعة أحكام: أحدها: تعلق حق الغرماء بماله فلا يقبل إِقراره عليه، ولا يصح تصرفه فيه، إِلا العتق على إِحدى الروايتين، وإِن تصرف في ذمته بشراء أو ضمان أو إِقرار صح وتبع به بعد فك الحجر عنه، وإِن جنى شارك المجنى عليه الغرماء، وإِن جنى عبده قدم المجني عليه بثمنه. ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"م" وفي "ط": وهو ضربان. (¬2) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": عليهم وهو خطأ.

فصل الثاني: أن من وجد عنده عيناً باعها إِياه فهو أحق بها، بشرط أن يكون المفلس حياً ولم ينقد من ثمنها شيئاً، والسلعة بحالها لم يتلف بعضها، ولم تتغير صفتها بما يزيل اسمها: كنسج الغزل وخبز الدقيق، ولم يتعلق بها حق من شفعة أو جناية أو رهن ونحوه، ولم تزد زيادةً مُتصلة كالسِّمَن وتَعَلُّم صنعة، وعنه أن الزيادة لا تمنع الرجوع، فأما الزيادة المنفصلة والنقص بهزال أو نسيان صنعة فلا يمنع الرجوع، والزيادة للمفلس، وعنه للبائع. وإِن صبغ الثوب أو قصره لم يمنع الرجوع والزيادة للمفلس، وإِن غرس الأرض وبنى فيها فله الرجوع ودفع قيمة الغراس والبناء فيملكه إِلا أن يختار المفلس والغرماء القلع ومشاركته بالنقص، وإِن أبوا القلع وأبى دفع القيمة سقط الرجوع. فصل الحكم الثالث: بيع الحاكم ماله وقسم ثمنه، وينبغي أن يحضره ويحضر الغرماء ويبيع كل شيء في سوقه ويترك له من ماله ما تدعو إِليه حاجته من مسكن وخادم وينفق عليه بالمعروف إِلى أن يفرغ من قسمه بين غرمائه، ويبدأ ببيع ما يسرع إِليه الفساد ثم بالحيوان ثم بالأثاث ثم بالعقار، ويعطى المنادي أجرته من المال، ويبدأ بالمجني عليه فيدفع إِليه الأقل من الأَرْش أو ثمن الجاني، ثم بمن له رهن فيخص بثمنه، وإِن فَضَلَ له فَضْلُ ضرب به مع الغرماء، وإِن فضل منه فضل رُدَّ على المال. ثم بمن له عين مال يأخذها، ثم يقسم الباقي بين باقي الغرماء على قدر

ديونهم، فإِن كان فيهم من له دين مؤجل لم يحل، وعنه أنه يحل فيشاركهم. ومن مات وعليه دين مؤجل لم يحل إِذا وثق الورثة، وعنه أنه يحل، وإِن ظهر غريم بعد قسم ماله رجع على الغرماء بقسطه، وإِن بقيت (¬1) على المفلس بقية وله صنعة فهل يجبر على إِيجار نفسه لقضائها؟ على روايتين. ولا ينفك عنه الحجر إِلا بحكم حاكم، فإِذا فك عنه الحجر فلزمته ديون وحجر عليه شارك غرماء الحجر الأول غرماء الحجر الثاني. وإِن كان للمفلس حق له به شاهد فأبى أن يحلف معه لم يكن لغرمائه أن يحلفوا. فصل الحكم الرابع: انقطاع المطالبة عن المُفْلس، فمن أقرضه شيئاً أو باعه لم يملك مطالبته حتى يفك الحجر عنه. فصل الضرب الثاني [من ضروب الحجر] (¬2): المحجور عليه لِحَظِّه: وهو الصبي والمجنون والسفيه، فلا يصح تصرفهم قبل الإِذن، ومن دفع إِليهم ماله ببيع أو قرض رجع فيه ما كان باقياً، وإِن تلف فهو من ضمان مالكه علم بالحجر أو لم يعلم. وإِن جَنَوْا فعليهم أَرْش الجناية. ومتى عقل المجنون وبلغ الصبي ورشدا انفك الحجر عنهما بغير حكم ¬

_ (¬1) في "ط": بقي وهو جائز لأن الفاعل مؤنث مجازي وفُصل بينه وبين الفعل بفاصل. (¬2) زيادة على الأصل للتوضيح.

حاكم ودفع إِليهما مالهما، ولا ينفك قبل ذلك بحال. والبلوغ يحصل بالاحتلام أو بلوغ خمس عشرة سنة أو نبات الشعر الخشن حول القبل، وتزيد الجارية بالحيض والحمل (¬1). والرشد الصلاح في المال، ولا يدفع إِليه ماله حتى يختبر، فإِن كان من أولاد التجار فبأن يتكرر منه البيع والشراء فلا يغبن، وإِن كان من أولاد الرؤساء والكتاب فبأن يستوفي على وكيله فيما وكله فيه. والجارية بشرائها القطن واستجادته ودفعها الأجرة إِلى الغزالات والاستيفاء عليهن. وأن يحفظ ما في يده عن صرفه فيما لا فائدة له فيه كالقمار والغناء وشراء المحرمات ونحوه. وعنه لا يدفع إِلى الجارية مالها بعد رشدها حتى تتزوج أو تلد أو تقيم في بيت الزوج سنة ووقت الاختيار قبل البلوغ، وعنه بعده. فصل ولا تثبت الولاية على الصبي والمجنون إِلا للأب ثم لوصيه ثم للحاكم، ولا يجوز لوليهما أن يتصرف في مالهما إِلا على وجه الحظ لهما، فإِن تبرع أو حابى أو زاد على النفقة عليهما أو على من تلزمهما مؤنته بالمعروف ضمن. ولا يجوز أن يشتري من مالهما شيئاً لنفسه ولا يبيعهما إِلا الأب، ولوليهما مكاتبة رقيقهما وعتقه على مال، وتزويج إِمائهما، والسفر بمالهما والمضاربة به، والربح كله لليتيم، وله دفعه مضاربة بجزء من الربح وبيعه نسأ وقرضه برهن وشراء العقار لهما وبناؤه بما جرت عادة أهل بلده به إِذا رأى المصلحة في ذلك كله، وله شراء الأضحية لليتيم الموسر ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"م" وفي "ط": بالحمل والحيض.

نص عليه، وتركه في المكتب وأداء الأجرة عنه، ولا يبيع عقارهم إِلا لضرورة أو غبطةٍ وهو أن يزاد في ثمنه الثلث فصاعداً، وإِن وصَّى لأحدهما بمن يعتق عليه ولا تلزمه نفقته لإِعسار الموصى له أو لغير ذلك، وجب على الولي قبول الوصية وإِلا لم يجز له قبولها. فصل ومن فك عنه الحجر فعاود السفه أعيد الحجر عليه، ولا ينظر في ماله إِلا الحاكم، ولا ينفك عنه الحجر إِلا بحكمه، وقيل ينفك بمجرد رشده. ويستحب إِظهار الحجر عليه والإِشهاد عليه لتُجْتَنَب معاملته، ويصح تزويجه بإِذن وليه، وقال القاضي يصح من غير إِذنه، وهل يصح عتقه؟ على روايتين. وإِن أقر بحد أو قصاص أو نسب أو طلق زوجته أخذ به، وإِن أقر بمال لم يلزمه في حال حجره، ويحتمل أن لا يلزمه مطلقاً، وحكم تصرف وليه حكم تصرف ولي الصبي والمجنون. فصل وللولي أن يأكل من مال المُولى عليه بقدر عمله إِذا احتاج إِليه، وهل يلزمه عوض ذلك إِذا أيسر؟ على روايتين. وكذلك يُخَرَّج في الناظر في الوقف، ومتى زال الحجر فادَّعى على الولي تعدياً أو ما يوجب ضماناً فالقول قول الولي، وكذلك القول قوله في دفع المال إِليه بعد رشده، [ويحتمل أن لا يقبل قوله في دفع المال إِليه إِلا ببينة (¬1)]، وهل للزوج أن يحجر على امرأته في التبرع بما زاد على الثلث من مالها؟ على روايتين. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين زيادة من "ط".

باب الوكالة

فصل في الإِذن يجوز لولي الصّبي المميز أن يأذن له في التجارة في إِحدى الروايتين، ويجوز ذلك لسيد العبد، ولا ينفك عنهما الحجر إِلا فيما أُذِنَ لهما فيه وفي النوع الذي أمرا به، وإِن أذن له في جميع أنواع التجارة لم يجز له أن يؤجر نفسه ولا يتوكل لغيره، وهل له أن يُوَكِّل فيما يتولى مثله بنفسه؟ على روايتين. وإِن رآه سيده أو وليه يتجر فلم ينهه لم يصر مأذوناً له، وما استدان العبد فهو في رقبته يفديه سيده أو يسلمه، وعنه يتعلق بذمته ويتبع به بعد العتق، إِلا المأذون له هل يتعلق برقبته أو بذمة سيده؟ على روايتين. وإِذا باع السيد عبده المأذون له (¬1) شيئاً لم يصح في أحد الوجهين، ويصح في الآخر إِذا كان عليه دين (¬2) بقدر قيمته، ويصح إِقرار المأذون في قدر ما أذن له فيه، وإِن حجر عليه وفي يده مال ثم أذن له فأقر به صح، ولا يبطل الإِذن بالإِباق، ولا يصح تبرع المأذون له بهبة الدراهم وكسوة الثياب، ويجوز هديته للمأكول وإِعارة دابته، وهل لغير المأذون الصدقة من قوته بالرغيف إِذا لم يضر به ونحوه؟ على روايتين. وهل للمرأة الصدقة من بيت زوجها بغير إِذنه بنحو ذلك؟ على روايتين. باب الوكالة تصح الوكالة بكل قول يدل على الإِذن، وكل قول أو فعل يدل على القبول، ويصح القبول على الفور والتراخي: بأن يوكله في بيع شيء فيبيعه بعد سنة أو يبلغه أنه وكله منذ شهر فيقول قبلت، ولا يجوز التوكيل ¬

_ (¬1) له: ليست في "م" ولا في "ش" زيادة من "ط". (¬2) كلمة "دين" سقطت من "م".

والتوكل في شيء إِلا ممن يصح تصرفه فيه (¬1) ويجوز التوكيل في كل حق آدمي من العقود والفسوخ والعتق والطلاق والرجعة وتملك المباحات من الصيد والحشيش ونحوه إِلا الظهار واللعان والأيمان، ويجوز أن يوكل من يقبل له النكاح ومن يزوج وليته إِذا كان الوكيل ممن يصح منه ذلك لنفسه وموليته، ويصح في كل حق لله تعالى تدخله النيابة من العبادات والحدود في إِثباتها واستيفائها، ويجوز الاستيفاء في حضرة الموكل وغيبته، إِلا القصاص وحد القذف عند بعض أصحابنا لا يجوز في غيبته، ولا يجوز للوكيل التوكيل فيما يتولى مثله بنفسه إِلا بإِذن الموكل، وعنه يجوز، وكذلك الوصي والحاكم، ويجوز توكيله فيما لا يتولى مثله بنفسه أو يعجز عنه لكثرته، ويجوز توكيل عبد غيره بإِذن سيده ولا يجوز بغير إِذنه، وإِن وكله بإِذنه في شراء نفسه من سيده فعلى وجهين. والوكالة عقد جائز من الطرفين لكل منهما فسخها، وتبطل بالموت والجنون والحجر للسفيه، وكذلك كل عقد جائز كالشركة والمضاربة، ولا تبطل بالسكر والإِغماء والتعدي. وهل تبطل بالردة وحرية عبده؟ على وجهين. وهل ينعزل الوكيل بالموت والعزل قبل علمه؟ على روايتين. وإِذا وكل اثنين لم يجز لأحدهما الانفراد بالتصرف إِلا أن يُجْعَلَ ذلك إِليه، ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع لنفسه، وعنه يجوز إِذا زاد على مبلغ ثمنه في النداء أو وكل من يبيع وكان هو أحد المشترين. وهل يجوز أن يبيعه لولده أو والده أو مكاتبه؟ على وجهين، ولا يجوز أن يبيع نسأ ولا بغير نقد البلد، ويحتمل أن يجوز كالمضارب، وإِن باع بدون ثمن المثل أو بأنقص مما قدره له صح وضمن النقص، ويحتمل أن لا يصح، وإِن باع بأكثر منه صح سواء أكانت الزيادة من جنس الثمن الذي ¬

_ (¬1) كلمة فيه ليست في "ط".

أمر به أو لم تكن، وإِن قال بعه بدرهم فباعه بدينار صح في أحد الوجهين، وإِن قال: بعه بألف نسأ فباعه بألف حالة صح إِن كان لا يستضر بحفظ الثمن في الحال، وإِن وكله في الشراء فاشترى بأكثر من ثمن المثل أو بأكثر مما قدره له أو وكله في بيع شيء فباع نصفه بدون ثمن الكل لم يصح، وإِن اشتراه بما قدره له مؤجلًا أو قال اشتر لي شاة بدينار فاشترى شاتين تساوي إِحداهما ديناراً، أو اشترى شاة تساوي ديناراً بأقل منه صح وإِلا لم يصح. وليس له شراء معيب فإِن وجد بما اشترى عيباً فله الرد، فإِن قال البائع موكلك قد رضي بالعيب فالقول قول الوكيل مع يمينه أنه لا يعلم ذلك، فإِن رده فصدق الموكل البائع في الرضى بالعيب فهل يصح الرد؟ على وجهين. وإِن وكله في شراء معين فاشتراه ووجده معيباً فهل له رده قبل إِعلام الموكل؟ على وجهين. فإِن قال اشتر لي بعين هذا الثمن فاشترى له في ذمته لم يلزم الموكل، وإِن قال اشتر لي في ذمتك وانقد الثمن فاشترى بعينه صح. وإِن أمره ببيعه في سوق بثمن فباعه به في آخر صح، وإِن قال بعه لزيد فباعه من غيره لم يصح، وإِن وكله في بيع شيء ملك تسليمه ولم يملك قبض ثمنه صح إِلا بقرينة، فإِن تعذر قبضه لم يلزم الوكيل شيء، وإِن وكله في بيع فاسد أو كل قليل وكثير لم يصح، وإِن وكله في بيع ماله كله صح، وإِن قال اشتر ما شئت أو عبداً بما شئت لم يصح حتى يذكر النوع وقدر الثمن، وعنه ما يدل على أنه يصح، وإِن وكله في الخصومة لم يكن وكيلًا في القبض، وإِن وكله في القبض كان وكيلًا في الخصومة في أحد الوجهين، وإِن وكله في قبض الحق من إِنسان لم يكن له قبضه من وارثه، وإِن قال اقبض حقي الذي قبله فله القبض من وارثه، فإِن قال اقبضه اليوم لم يملك قبضه غداً، وإِن وكله في الإِيداع فأودع ولم يشهد لم يضمن، وإِن وكله في قضاء دين فقضاه ولم يشهد فأنكره الغريم ضمن إِلا أن يقضيه بحضرة الموكل.

فصل

فصل والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف في يده بغير تفريط، والقول قوله مع يمينه في الهلاك ونفي التفريط، وإِن قال بعت الثوب وقبضت الثمن فتلف فالقول قوله، وإِن اختلفا في رده إِلى الموكل فالقول قوله إِن كان متطوعاً، وإِن كان بِجُعْل فعلى وجهين، وكذلك يُخَرَّج في الأجير والمرتهن، وإِن قال أذنت لي في البيع نسأ وفي الشراء بخمسة فأنكره فعلى وجهين، وإِن قال وكلتني أن أتزوج لك فلانة ففعلت وصدقته المرأة فأنكره فالقول قول المنكر بغير يمين، وهل يلزم الوكيل نصف الصداق؟ على وجهين. ويجوز التوكيل بجعل وبغيره، فلو قال بع ثوبي بعشرة فما زاد فلك صح. نص عليه. فصل فإِن كان عليه حق لإِنسان فادعى رَجُلٌ (¬1) أنه وكيل صاحبه في قبضه فصدقه (¬2) لم يلزمه الدفع إِليه وإِن كذبه لم يستحلف، فإِن دفع إِليه فأنكر صاحب الحق الوكالة حلف ورجع على الدافع وحده، وإِن كان المدفوع وديعة فوجدها أخذها، فإِن تلفت فله تضمين من شاء منهما ولا يرجع من ضمنه على الآخر. وإِن كان ادعى أن صاحب الحق أحاله به ففي وجوب الدفع إِليه مع التصديق واليمين مع الإِنكار وجهان. وإِن ادعى أنه مات وأنا وارثه لزمه الدفع إِليه مع التصديق واليمين مع الإِنكار. * * * ¬

_ (¬1) رجل: ليست في "ط". (¬2) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": فَقَبَضَهُ.

كتاب الشركة

كتاب الشركة وهي على خمسة أضرب: أحدها شركة العنان: وهي أن يشترك اثنان بماليهما ليعملا فيه ببدنيهما وربحه لهما فينفذ تصرف كل واحد منهما فيهما بحكم الملك في نصيبه والوكالة في نصيب شريكه. ولا تصح إِلا بشرطين: أحدهما: أن يكون رأس المال دراهم أو دنانير، وعنه تصح بالعروض ويجعل رأس المال قيمتها وقت العقد، وهل تصح بالمغشوش والفلوس؟ على وجهين. والثاني: أن يشرطا لكل واحد جزءاً من الربح مشاعاً معلوماً، فإِن قالا: الربح بيننا فهو بينهما نصفين. فإِن لم يذكرا الربح أو شرطا لأحدهما جزءاً مجهولًا أو دراهم معلومة، أو ربح أحد الثوبين لم يصح. وكذلك الحكم في المساقاة والمزارعة، ولا يشترط أن يخلطا المالين ولا أن يكونا من جنس واحد. وما يشتريه كل واحد منهما بعد عقد الشركة فهو بينهما. وإِن تلف أحد المالين فهو من ضمانهما والوضيعة على قدر المال. فصل ويجوز لكل واحد منهما أن يبيع ويشتري ويقبض ويقبّض ويطالب بالدين ويخاصم فيه ويحيل ويحتال ويرد بالعيب ويقر به ويقايل ويفعل كل ما هو من مصلحة تجارتهما.

وليس له أن يكاتب الرقيق ولا يزوجه ولا يعتقه بمال ولا يهب ولا يقرض ولا يحابي ولا يضارب إِلا بالمال ويأخذ به سفتجة ولا يعطيها إِلا بإِذن شريكه. وهل له أن يودع أو يبيع نسأ أو يبضع أو يوكل فيما يتولى مثله أو يرهن أو يرتهن؟ على وجهين. وليس له أن يستدين على الشركة. فإِن فعل فهو عليه وربحه له إِلا أن يأذن شريكه. وإِن أخر حقه من الدين جاز. وإِن تقاسما الدين في الذمة لم يصح في إِحدى الروايتين. وإِن أبرأ من الدين لزم في حقه دون صاحبه. وكذلك إِن أقر بمال. وقال القاضي: يقبل إِقراره على مال الشركة. وعلى كل واحد منهما أن يتولى ما جرت العادة أن يتولاه من نشر الثوب وطيه وختم الكيس وإِحرازه. فإِن استأجر من يفعل ذلك فالأجرة عليه. وما جرت العادة أن يستنيب فيه فله أن يستأجر من يفعله. فإِن فعله ليأخذ أجرته فهل له ذلك؟ على وجهين. فصل والشروط في الشركة ضربان: صحيح: مثل أن يشترط أن لا يتجر إِلا في نوع من المتاع أو بلد بعينه أو لا يبيع إِلا بنقد معلوم أو لا يسافر بالمال ولا يبيع إِلا من فلان. وفاسد: مثل أن يشترط ما يعود بجهالة الربح أو ضمان المال أو أن عليه من الوضيعة أكثر من قدر ماله (¬1) أو أن يوليه ما يختار من السلع، أو يرتفق بها، أو لا يفسخ الشركة مدة بعينها، فما يعود بجهالة الربح يفسد به العقد، ويُخَرَّج في سائرها روايتان. ¬

_ (¬1) في "ط": ثمنه.

وإِذا فسد العقد قسم الربح على قدر المالين. وهل يرجع أحدهما بأجرة عمله؟ على وجهين. فصل الثاني المضاربة: وهي (¬1) أن يدفع ماله إِلى آخر ليَتَّجِرَ (¬2) فيه والربح بينهما. فإِن قال: خذه واتجر به والربح كله لي فهو إِيضاع، وإِن قال: والربح كله لك فهو قرض. وإِن قال: والربح بيننا فهو بينهما نصفين. وإِن قال: خذه مضاربة والربح كله لك أو لي لم يصح. وإِن قال: لك ثلث الربح صح والباقي لرب المال. وإِن قال ولي ثلث الربح فهل يصح؟ على وجهين. وإِن اختلفا لمن الجزء المشروط فهو للعامل. وكذلك حكم المساقاة والمزارعة. وحكم المضاربة حكم الشركة فيما للعامل أن يفعله أو لا يفعله، وما يلزمه فعله، وفي الشروط. وإِن فسدت فالربح لرب المال وللعامل الأجرة. وعنه له الأقل من الأجرة أو ما شرط له من الربح. وإِن شرطا تأقيت المضاربة فهل تفسد؟ على روايتين. وإِن قال بع هذا العَرَض وضارب بثمنه أو اقبض وديعتي وضارب بها، أو إِذا قدم الحاج فضارب بها صح. وإِن قال: ضارب بالدين الذي عليك لم يصح. وإِن أخرج مالًا ليعمل فيه هو وآخر والربح بينهما صح ذكره الخِرَقي. ¬

_ (¬1) وهي: كذا في "ش" و"ط" وفي "م": "وهو" وهو صحيح أيضاً. (¬2) في "م": يتجر بدون لام التعليل.

وقال القاضي إِذا شرط المضارب أن يعمل معه رب المال لم يصح وإِن شرط عمل غلامه فعلى وجهين. فصل وليس للعامل شراء من يعتق على رب المال، فإِن فعل صح وعتق وضمن ثمنه، وعنه يضمن قيمته علم أو لم يعلم، وقال أبو بكر إِن لم يعلم لم يضمن ويحتمل أن لا يصح البيع، وإِن اشترى امرأته صح وانفسخ نكاحه، [فإِن كان قبل الدخول فعلى العامل نصف الصداق (¬1)]، فإِن اشترى من يعتق على نفسه ولم يظهر ربح لم يعتق، وإِن ظهر ربح فهل يعتق؟ على وجهين. وليس للمضارب أن يضارب لآخر إِذا كان فيه ضرر على الأول، فإِن فعل رد نصيبه من الربح في شركة الأول، وليس لرب المال أن يشتري من مال المضاربة شيئاً لنفسه، وعنه يصح، وكذلك شراء السيد من عبده المأذون. وإِن اشترى أحد الشريكين نصيب شريكه صح، وإِن اشترى الجميع بطل في نصيبه، وفي نصيب شريكه وجهان، ويتخرَّج أن يصح في الجميع. وليس للمضارب نفقة إِلا بشرط، فإِن شرطها له وأطلق فله جميع نفقته من المأكول والملبوس بالمعروف، فإِن اختلفا رجع في القوت إِلى الإِطعام في الكفارة، وفي الملبوس إِلى أقل ملبوس مثله، وإِن أذن له في التسري فاشترى جارية ملكها وصار ثمنها قرضاً، نص عليه. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين زيادة من "ط".

وليس للمضارب ربح حتى يستوفي رأس المال [وهل يُمْلَكُ الربح بالظهور على روايتين (¬1)]، وإِن اشترى سلعتين فربح في إِحداهما وخسر في الأخرى أو تلفت جبرت الوضيعة من الربح، وإِن تلف بعض رأس المال قبل التصرف فيه انفسخت فيه المضاربة وإِن تلف المال ثم اشترى سلعة للمضاربة فهي له وثمنها عليه إِلا أن يجيزه رب المال. وإِن تلف بعد الشراء فالمضاربة بحالها والثمن على رب المال، وإِذا ظهر الربح لم يكن له أخذ شيء منه إِلا بإِذن رب المال. [وهل يملك العامل حصته من الربح قبل القسمة؟ على روايتين (¬2)]. وإِن طلب العامل البيع فأبى رب المال أجبر إِن كان فيه ربح وإِلا فلا، وإِن انفسخ القراض والمال عرض فرضي رب المال أن يأخذ بماله عرضاً أو طلب البيع فله ذلك، وإِن كان ديناً لزم العامل تقاضيه وإِن قارض في المرض فالربح من رأس المال، وإِن زاد على أجرة المثل ويقدم به على سائر الغرماء. وإِن مات المضارب ولم يعرف مال المضاربة فهو دين في تركته وكذلك الوديعة. فصل والعامل أمين، والقول قوله فيما يدعيه من هلاك وخسران، وما يذكر أنه اشتراه لنفسه أو للقراض، وما يدعي عليه من خيانة، والقول قول رب المال في رده إِليه، وفي الجزء المشروط للعامل، وفي الإِذن في البيع نسأ أو الشراء بكذا، وحكي عنه أن القول قول العامل إِن ادعى أجرة المثل، ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك في هامش "ش" بخط مغاير ولم يذكر في "م" و"ط". (¬2) ما بين الرقمين زيادة من "م" و"ط".

وإِن قال العامل ربحت ألفاً ثم خسرتها أو هلكت قُبِلَ قوله، وإِن قال غلطت (¬1) لم يقبل قوله. فصل الثالث شركة الوجوه: وهو أن يشتركا على أن يشتريا بجاههما ديناً فما ربحا فهو بينهما، فكل واحد منهما وكيل صاحبه كفيل عنه بالثمن، والملك بينهما على ما شرطاه، والوضيعة على قدر ملكيهما فيه والربح بينهما على ما شرطاه ويحتمل أن يكون على قدر ملكيهما، وهما في التصرفات كشريكي العِنَان. فصل الرابع شركة الأبدان: وهي أن يشتركا فيما يكسبان بأبدانهما فهي شركة صحيحة. وما يتقبله أحدهما من العمل يصير في ضمانهما يطالبان به ويلزمهما عمله. وهل يصح على اختلاف الصنائع؟ على وجهين. وتصح في الاحتشاش والاصطياد والتلصص على دار الحرب وسائر المباحات. وإِن مرض أحدهما فالكسب بينهما، فإِن طالبه الصحيح أن يقيم مقامه لزمه ذلك. وإِذا اشتركا ليحملا على دابتيهما والأجرة بينهما صح، فإِن تقبلا حمل شيء فحملاه عليهما صحت الشركة والأجرة على ما شرطاه. وإِن أجَّراهما بأعيانهما فلكل واحد منهما أجرة دابته. وإِن جمعا بين شركة العنان والأبدان والوجوه والمضاربة صح. ¬

_ (¬1) في "م": "غلط".

باب المساقاة

فصل الخامس شركة المفاوضة: وهي أن يُدْخِلا في الشركة الأكساب النادرة: كوجدان لقطة أو ركاز، وما يحصل لهما من ميراث، وما يلزم أحدهما من ضمان غصب أو أَرْش جناية، ونحو ذلك فهذه شركة فاسدة. باب المُسَاقَاة تجوز المساقاة في النخل وكل شجر له ثمر مأكول ببعض ثمرته، وتصح بلفظ المساقاة والمعاملة وما في معناهما. وتصح بلفظ الإِجارة في أحد الوجهين، وقد نص أحمد رحمه الله تعالى في رواية جماعة فيمن قال: أجرتك هذه الأرض بثلث ما يخرج منها أنه يصح، وهذه مزارعة بلفظ الإِجارة ذكره أبو الخطاب. وقال أكثر أصحابنا هي إِجارة والأول أقيس وأصح. وهل تصح على ثمرة موجودة؟ على روايتين. وإِن ساقاه على شجر يغرسه ويعمل عليه حتى يثمر بجزء من الثمرة صح. والمساقاة عقد جائز في ظاهر كلامه لا يفتقر إِلى ذكر مدة. ولكل واحد منهما فسخها، فمتى انفسخت بعد ظهور الثمرة فهي بينهما، وإِن فسخ العامل قبل ظهورها فلا شيء له، وإِن فسخ رب المال فعليه للعامل أجرة عمله، وقيل هي عقد لازم تفتقر (¬1) إِلى ضرب مدة تكمل الثمرة فيها فإِن جعلا مدة لا تكمل فيها لم تصح. وهل للعامل أجرة؟ على وجهين. وإِن جعلا مدة قد تكمل فيها وقد ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": لا تفتقر.

فصل

لا تكمل فهل تصح؟ على وجهين. فإِن قلنا لا تصح فهل للعامل أجرة؟ على وجهين. وإِن مات العامل تمم الوارث، فإِن أبى استؤجر على العمل من تركته، فإِن تعذرت فلرب المال الفسخ، فإِن فسخ بعد ظهور الثمرة فهو بينهما، وإِن فسخ قبله فهل للعامل أجرة؟ على وجهين. وكذلك إِن هرب العامل فلم يوجد له ما ينفق عليها فإِن عمل فيها رب المال بإِذن حاكم أو إِشهاد رجع به وإِلا فلا. فصل ويلزم العامل ما فيه صلاح الثمرة وزيادتها من السقي والحرث والزبار والتلقيح والتشميس وإِصلاح طرق الماء وموضع التشميس ونحوه، وعلى رب المال ما فيه حفظ الأصل من سد الحيطان وإِجراء الأنهار وحفر البئر والدولاب وما يديره، وقيل ما يتكرر كل عام فهو على العامل وما لا فلا. وحكم العامل حكم المضارب فيما يقبل قوله فيه وما يرد، وإِن ثبتت خيانته ضم إِليه من يشارفه فإِن لم يمكن حفظه استؤجر من ماله من يعمل العمل. وإِذا شرط إِن سقي سيحاً فله الربع، وإِن سقى بكلفة فله النصف أو إِن زرعها شعيراً فله الربع، وإِن زرعها حنطة فله النصف لم يصح في أحد الوجهين. وإِن قال ما زرعت من شعير فلي ربعه، وما زرعت من حنطة فلي نصفه، أو ساقيتك على هذا البستان بالنصف على أن أساقيك الآخر بالربع (¬1) لم يصح وجها واحداً. ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": النصف.

فصل في المزارعة

فصل في المُزَارَعَة وتجوز المزارعة بجزء معلوم يجعل للعامل من الزرع، فإِن كان في الأرض شجر فزارعه الأرض وساقاه على الشجر صح، ولا يشترط كون البذر من رب الأرض وظاهر المذهب اشتراطه، وإِن شرط أن يأخذ رب الأرض مثل بذره ويقتسما الباقي أو شرطا لأحدهما قفزاناً معلومة أو دراهم معلومة أو زرع ناحية معينة من الأرض فسدت المزارعة والمساقاة ومتى فسدت فالزرع لصاحب البذر وعليه أجرة صاحبه. وحكم المزارعة حكم المساقاة فيما ذكرنا. والحصاد على العامل نص عليه. وكذلك الجذاذ. وعنه أن الجذاذ عليهما. وإِذا قال المزارع أنا أزرع الأرض ببذري وعواملي وتسقيها بمائك والزرع بيننا فهل يصح؟ على روايتين. وإِن زارع شريكه في نصيبه صح. باب الإِجارة وهي عقد على المنافع تنعقد بلفظ الإِجارة والكراء وما في معناهما، وفي لفظ البيع وجهان. ولا تصح إِلا بشروط ثلاثة: أحدها معرفة المنفعة: إِما بالعرف كسكنى الدار شهراً وخدمة العبد سنة، وإِما بالوصف كحمل زبرة حديد وزنها كذا إِلى موضع معين، وبناء حائط يذكر طوله وعرضه وسمكه وآلته، وإِجارة أرض معينة لزرع كذا، أو غرس أو بناء معلوم، وإِذا استأجر للركوب ذكر المركوب فرساً أو بعيراً ونحوه، فإِن كان للحمل لم يحتج إِلى ذكره.

فصل

فصل والثاني معرفة الأجرة: بما يحصل به معرفة الثمن إِلا أنه يصح أن يستأجر الأجير بطعامه وكسوته وكذلك الظئر، ويستحب أن تعطى عند الفطام عبداً أو وليدة إِذا كان المسترضع موسراً. وإِن دفع ثوبه إِلى خياط أو قصار ليعملاه ولهما عادة بأجرة صح ولهما ذلك، وإِن لم يعقدا عقد إِجارة، وكذلك دخول الحمام والركوب في سفينة الملاح، وتجوز إِجارة دار بسكنى دار وخدمة عبد وتزويج امرأة، وتجوز إِجارة الحلي بأجرة من جنسه وقيل لا تصح. وإِن قال إِن خطت هذا الثوب اليوم فلك درهم وإِن خطته غدا فلك نصف درهم فهل يصح؟ على روايتين. وإِن قال إِن خطته رومياً فلك درهم وإِن خطته فارسياً فلك نصف درهم فعلى وجهين. وإِن أكراه دابة وقال إِن رددتها اليوم فكراؤها خمسة: وإن رددتها غداً فكراؤها عشرة فقال أحمد رضي الله عنه لا بأس به، وقال القاضي يصح في اليوم الأول دون الثاني، وإِن أكراه دابة عشرة أيام بعشرة دراهم فما زاد فله بكل يوم درهم فقال أحمد رضي الله تعالى عنه هو جائز وقال القاضي يصح في العشرة وحدها ونص أحمد رحمه الله تعالى على أنه لا يجوز أن يكترى لمدة غزاته، وإِن سمى لكل يوم شيئاً معلوماً فجائز، وإِن أكراه كل شهر بدرهم أو كل دلو بتمرة فالمنصوص أنه يصح وكل ما دخل شهر لزمهما حكم الإِجارة، ولكل واحد منهما (¬1) الفسخ عند تقضي كل شهر، وقال أبو بكر وابن حامد لا يصح. ¬

_ (¬1) منهما: زيادة من "ط".

فصل

فصل الثالث أن تكون المنفعة مباحة مقصودة: فلا تجوز الإِجارة على الزنا والزمر والغناء، ولا إِجارة الدار لتجعل كنيسة أو بيت نار أو لبيع الخمر، ولا يصح الاستئجار على حمل الميتة والخمر، وعنه يصح ويكره أكل أجرته. فصل والإِجارة على ضربين: أحدهما إِجارة عينٌ. فتجوز إِجارة كل عين يمكن استيفاء المنفعة المباحة منها مع بقائها، فيجوز له استئجار حائط ليضع عليه أطراف خشبه، وحيوان ليصيد به إِلا الكلب. واستئجار كتاب لِيَقْرأ فيه إِلا المصحف في أحد الوجهين، واستئجار النقد للتحلي والوزن لا غير، فإِن أطلق الإِجارة لم يصح في أحد الوجهين، ويصح في الآخر، وينتفع بها في ذلك، ويجوز استئجار ولده لخدمته وامرأته لرضاع ولده وحضانته. ولا يصح إِلا بشروط خمسة: أحدها: أن يعقد على نفع العين دون أجزائها، فلا تصح إِجارة الطعام للأكل، ولا الشمع ليشعله، ولا حيوان لأخذ لبنه إِلا في الظئر ونقع البئر يدخل تبعاً. الثاني: معرفة العين برؤية أو صفة في أحد الوجهين وتصح في الآخر بدونه، وللمستأجر خيار الرؤية. الثالث: القدرة على التسليم، فلا تصح إِجارة الآبق والشارد ولا المغصوب ممن لا يقدر على التسليم، فلا تصح إِجارة الآبق والشارد ولا

فصل

المغصوب ممن لا يقدر على أخذه، ولا تجوز إِجارة المشاع مفرداً لغير شريكه، وعنه ما يدل على جوازه. الرابع: اشتمال العين على المنفعة، فلا تجوز إِجارة بهيمة زمنة للحمل ولا أرض لا تنبت للزرع. الخامس: كون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مأذوناً له فيها، فيجوز للمستأجر إِجارة العين لمن يقوم مقامه، ويجوز للمؤجر وغيره بمثل الأجرة وزيادة، وعنه لا يجوز بزيادة، وعنه إِن جدد فيها عمارة جازت الزيادة وإِلا فلا، وللمستعير إِجارتها إِذا أذن له المعير مدة بعينها، وتجوز إِجارة الوقف، فإِن مات المؤجر فانتقل إِلى من بعده لم تنفسخ الإِجارة في أحد الوجهين، وللثاني حصته من الأجرة (¬1) فإِذا أجر الوليُّ اليتيمَ، أو السيدُ العبدَ، ثم بلغ الصبي وعتق العبد لم تنفسخ الإِجارة، ويحتمل أن تنفسخ. فصل وإِجارة العين تنقسم قسمين: أحدهما: أن تكون على مدة معلومة (¬2) كإِجارة الدار شهراً والأرض عاماً والعبد للخدمة أو للرعي مدة معلومة ويسمى الأجير فيها الأجير الخاص، ويشترط أن تكون المدة معلومة يغلب على الظن بقاء العين فيها وإِن طالت، ولا يشترط أن تلي العقد فلو أجره سنة خمس في سنة أربع صح سواء كانت العين مشغولة وقت العقد أو لم تكن، وإِذا آجره في أثناء شهر سنة استوفى شهراً بالعدد وباقيها بالأهلة، وعنه يستوفى الجميع ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"م" وفي "ط": "من الربح". (¬2) زيادة من "ط".

فصل

بالعدد، وكذلك الحكم في كل ما تعتبر فيه الأشهر: كعدة الوفاة، وشهري صيام الكفارة. القسم الثاني: إِجارتها لعمل معلوم كإِجارة الدابة للركوب إِلى موضع معين، أو بقر لحرث مكان، أو دياس زرع، أو استئجار عبد ليدله على طريق، أو رحى لطحن قفزان معلومة، فيشترط معرفة العمل وضبطه بما لا يختلف. فصل الضرب الثاني: عقد على منفعة في الذمة مضبوطة بصفات كالسَّلم: كخياطة ثوب، وبناء دار، وحمل إِلى موضع معين، ولا يكون الأجير فيها إِلا آدمياً جائز التصرف، ويسمى الأجير المشترك. ولا يجوز الجمع بين تقدير المدة والعمل كقوله استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب في يوم ويحتمل أن يصح، ولا تصح الإِجارة على عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة كالحج والأذان ونحوهما، وعنه تصح فإِن استأجره ليحجمه صح، ويكره للحر أكل أجرته ويطعمه الرقيق والبهائم، وقال القاضي لا تصح. فصل وللمستأجر استيفاء المنفعة بنفسه وبمثله، ولا يجوز بما هو أكثر ضرراً منه ولا بمن يخالف ضرره ضرره، وله أن يستوفي المنفعة وما دونهما في الضرر من جنسها، فإِذا اكترى لزرع الحنطة فله زرع الشعير ونحوه، وليس له زرع الدخن ونحوه، ولا يملك الغرس ولا البناء، وإِن اكتراها لأحدهما لم يملك الآخر، فإِن اكتراها للغرس ملك الزرع وإِن اكترى دابة للركوب

فصل

أو الحمل لم يملك الآخر، وإِن اكتراها لحمل الحديد أو القطن لم يملك حمل الآخر، وإِن فعل فعليه أجرة المثل، وإِن اكتراها لحمولة شيء فزاد عليه أو إِلى موضع فجاوزه فعليه الأجرة المذكورة وأجرة المثل للزائد ذكره الخرقي، وقال أبو بكر عليه أجرة المثل للجميع، وإِن تلفت ضمن قيمتها إِلا أن تكون في يد صاحبها فيضمن نصف قيمتها في أحد الوجهين. فصل ويلزم المؤجر كل ما يتمكن به من النفع: كزمام الجمل، ورحله، وحزامه والشد عليه، وشد الأحمال والمحامل، والرفع، والحط، ولزوم البعير (¬1) لينزل لصلاة الفرض ومفاتيح الدار، وعمارتها، وما جرت عادته به، فأما تفريغ البالوعة والكنف فيلزم المستأجر إِذا تسلمها فارغة. فصل والإِجارة عقد لازم من الطرفين ليس لأحدهما فسخها، وإِن بدا له قبل تقضي المدة فعليه الأجرة، وإِن حوله المالك قبل تقضيها لم يكن له أجرة لما سكن، نص عليه، ويحتمل أن له من الأجرة بقسطه. وِإن هرب الأجير حتى انقضت المدة انفسخت الإِجارة، وإِن كانت على عمل خُيِّر المستأجر بين الفسخ والصبر. وإِن هرب الجمّال أو مات وترك الجمال أنفق عليها الحاكم من مال الجمّال أو أذن للمستأجر في النفقة عليها (¬2)، فإِذا انقضت الإِجارة باعها الحاكم ووفى المنفق وحفظ باقي ثمنها لصاحبه. ¬

_ (¬1) عبارة ولزوم البعير مستدركة على الهامش في "م". (¬2) زيادة من "ط".

فصل

وتنفسخ الإِجارة بتلف العين المعقود عليها، وموت الصبي المرتضع، وموت الراكب إِذا لم يكن له من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة، وانقلاع الضرس الذي اكترى لقلعه أو برئه ونحو هذا. وإِن اكترى داراً فانهدمت، أو أرضاً للزرع فانقطع ماؤها انفسخت الإِجارة فيما بقي من المدة في أحد الوجهين، وفي الآخر يثبت للمستأجر خيار الفسخ ولا تنفسخ بموت المكري والمكتري ولا بعذر لأحدهما: مثل أن يكتري للحج فتضيع نفقته. أو دكاناً فيحترق متاعه. وإِن غصبت العين خير المستأجر بين الفسخ ومطالبة الغاصب بأجرة المثل، فإِن فسخ فعليه أجرة ما مضى، وقال الخرقي: فإِن جاء أمر غالب يحجز المستأجر عن منفعة ما وقع عليه العقد فعليه من الأجرة بقدر مدة انتفاعه. ومن استؤجر لعمل شيء فمرض أقيم مقامه من يعمله والأجرة عليه. وإِن وجد العين معيبة أو حدث بها عيب فله الفسخ وعليه أجرة ما مضى، ويجوز بيع العين المستأجرة ولا تنفسخ الإِجارة إِلا أن يشتريها المستأجر فتفسخ على إِحدى الروايتين. فصل ولا ضمان على الأجير الخاص -وهو الذي يسلم نفسه إِلى المستأجر- فيما يَتْلَف في يده إِلا أن يتعدى، ويضمن الأجير المشترك ما جنت يده من تخريق الثوب وغلطه في تفصيله، ولا ضمان عليه فيما تلف من حرزه، أو بغير فعله، ولا أجرة له فيما عمل فيه، وعنه يضمن. ولا ضمان على حجَّام ولا ختَّان ولا بزاغ ولا طبيب إِذا عرف منهم حذق ولم تجن أيديهم، ولا ضمان على الراعي إِذا لم يتعد.

فصل

وإِذا حبس الصانع الثوب على أجرته فتلف ضمنه، وإِن أتلف الثوب بعد عمله خُيِّر مالكه بين تضمينه إِياه غير معمول ولا أجرة له وبين تضمينه إِياه معمولاً ويدفع إِليه أجرته. وإِذا ضرب المستاجر الدابة بقدر العادة أو كبحها باللجام (¬1) أو الرائض الدابة لم يضمن ما تلف به، وكذلك المعلم إِذا ضرب الصبي، أو الزوج امرأته في النشوز. وِإن قال أذنت لي في تفصيله قباء قال بل قميصاً فالقول قول الخياط نص عليه. فصل وتجب الأجرة بالعقد نفسه (¬2) إِلا أن يتفقا على تأخيرها، ولا يجب تسليم أجرة العمل في الذمة حتى يتسلمه. وإِذا انقضت الإِجارة وفي الأرض غراس أو بناء لم يشترط قلعه عند انقضائها وخُيِّر المالك بين أخذه بالقيمة أو تركه بالأجرة أو قلعه وضمان نقصه، وإِن شرط قلعه لزم ذلك ولم تجب تسوية الأرض إِلا بشرط، وإِن كان فيها زرع بقاؤه بتفريط المستأجر فللمالك أخذه بالقيمة وتركه بالأجرة، وإِن كان بغير تفريط لزم تركه بالأجرة. وإِذا تسلم العين في الإِجارة الفاسدة حتى انقضت المدة فعليه أجرة المثل سكن أو لم يسكن، وإِذا اكترى بدراهم وأعطاه عنها دنانير ثم انفسخ العقد رجع المستأجر بالدراهم. ¬

_ (¬1) سقطت الكلمة من "م" و"ط". (¬2) في الأصول: بنفس العقد وما أثبتناه هو الفصيح.

باب السبق

باب السبق تجوز المسابقة على الدواب والأقدام وسائر الحيوانات والسفن والمزاريق وغيرها، ولا يجوز بعوض إِلا في الخيل والإِبل والسهام بشروط خمسة: أحدها: تعيين المركوب والرماة سواء كانا اثنين أو جماعتين، ولا يشترط تعيين الراكبين ولا القوسين. الثاني: أن يكون المركوب والقوسان من نوع واحد فلا يجوز بين عربي وهجين ولا بين قوس عربية وفارسية (¬1) ويحتمل الجواز. الثالث: تحديد المسافة والغاية ومدى الرمي بما جرت به العادة. الرابع: كون العوض معلوماً. الخامس: الخروج عن شبه القمار بأن لا يخرج جميعهم فإِن كان الجعل من الإِمام أو أحد غيرهما أو من أحدهما على أن من سبق أخذه جاز، فإِن جاءا معاً فلا شيء لهما، فإِن سبق المخرج أحرز سبقه ولم يأخذ من الآخر شيئاً، وإِن سبق الآخر أحرز سبق صاحبه. فإِن أخرجا معاً لم يجز إِلا أن يدخلا بينهما محللاً يكافئ فرسه فرسيهما، أو بعيره بعيريهما، أو رميه رميهما، فإِن سبق أحدهما أحرز السبقين، وإِن سبق معه المحلل فسبقُ الآخر بينهما. وإِن قال المخرج من سبق فله عشرة ومن صَلَّى فله كذلك لم يصح إِذا كانا اثنين، وإِن قال ومن صَلَّى فله خمسة صح. وإِن شرطا أن السابق يطعم السبق أصحابه وغيرهم لم يصح الشرط، وفي صحة المسابقة وجهان. ¬

_ (¬1) في "م": قوس عربي وفارسي وما في "ش" و"ط" أفصح لأن القوس مؤنث وقد يذكر (القاموس - قوس).

فصل

فصل والمسابقة جعالة لكل واحد منهما فسخها، إِلا أن يظهر لأحدهما الفضل فيكون له الفسخ دون صاحبه، وتنفسخ بموت أحد المتعاقدين، وقيل هي عقد لازم ليس لأحدهما فسخها لكنها تنفسخ بموت أحد المركوبين وأحد الراميين [ولا تنفسخ بموت الراكبين (¬1)] ولا تلف أحد القوسين، ويقوم وارث الميت مقامه فإِن لم يكن له وارث أقام الحاكم مقامه من تركته. والسبق في الخيل بالرأس إِذا تماثلت الأعناف، وفي مختلفي العنق والإِبل بالكتف، ولا يجوز أن يجنب أحدهما مع فرسه فرساً يحرضه على العدو، ولا يصيح به في وقت سباقه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "لا جلب ولا جَنب" (¬2). فصل في المناضلة ويشترط لها شروط أربعة: أحدها: أن تكون على من يحسن الرمي فإِن كان في أحد الحزبين من لا يحسن الرمي بطل العقد فيه وأخرج من الحزب الآخر مثله، ولهم الفسخ إِن أحبوا. الثاني: معرفة عدد الرشق وعدد الإِصابة. الثالث: معرفة الرمي هل هو مفاضلة أو مبادرة. فالمبادرة أن [يقولا: من سبق إِلى خمس إِصابات من عشرين رمية فقد سبق فأيهما سبق إِليها مع (¬3)] تساويهما في الرمي فهو السابق، ولا يلزم إِتمام الرمي. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين ليس في "ش" وفي "م": ولا تبطل بدل: ولا تنفسخ. (¬2) رواه النسائي في "المجتبى" (6/ 91 و 189 و 190) وأحمد في "المسند" (4/ 429 و 441 و 443) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه. (¬3) ما بين الرقمين مستدرك في "ش" على الهامش بخط مغاير مما يدل كما أشار في =

والمفاضلة أن يقولا: أينا فضل صاحبه بخمس إِصابات من عشرين رمية فقد سبق (¬1)، فأيهما فضل بذلك فهو السابق. وإِذا أطلق الإِصابة تناولها على أي صفة كانت، فإِن قالا: "خواصل" كان تأكيداً لأنه اسم لها كيف كانت، وإِن قالا: "خواسق" وهو ما خرق الغرض وثبت فيه، أو "خوازق" وهو ما خزقه ولم يثبت فيه، أو "خواصر" وهو ما وقع في أحد جانبي الغرض تقيدت بذلك، وإِن شرطا إِصابة موضع من الغرض كالدائرة فيه تقيد به. والرابع: معرفة قدر الغرض وطوله وعرضه وسمكه وارتفاعه من الأرض. وإِن تشاحا في المبتدئ بالرمي أقرع بينهما وقيل يقدم من له مزية بإِخراج السبق. وإِذا بدأ أحدهما في وجه بدأ الآخر في الثاني. والسنة أن يكون لهما غرضان إِذا بدأ أحدهما بغرض بدأ الآخر بالثاني، وإِذا أطارت الريح الغرض فوقع السهم موضعه فإِن كان شرطهم "خواصل" احتسب به، وإِن كان "خواسق" لم يحتسب له به ولا عليه، وإِن عرض عارض من كسر قوس أو قطع وتر أو ريح شديدة لم يحتسب عليه بالسهم، وإِن عرض مطر أو ظلمة جاز تأخير الرمي، ويكره للأمين والشهود مدح أحدهما لما فيه من كسر قلب صاحبه. هذا آخر الجزء الثالث من أجزاء المصنف رحمه الله. * * * ¬

_ = الصفحة ذاتها على أن "ش" مقابلة على عدة نسخ. (¬1) لفظ: فقد ليس في "م".

كتاب العارية

كتاب العَارِّية (¬1) وهي هبة منفعة تجوز في كل المنافع إِلا منافع البضع، ولا تجوز إِعارة العبد المسلم لكافر، وتكره إِعارة الأمة الشابة لرجل غير محرمها واستعارة والديه للخدمة، وللمعير الرجوع متى شاء ما لم يأذن في شغله بشيء يستضر المستعير برجوعه مثل أن يعيره سفينة لحمل متاعه فليس له الرجوع ما دامت في لجة البحر، وإِن أعاره أرضاً للدفن لم يرجع حتى يبلى الميت، وإِن أعاره حائطاً ليضع عليه أطراف خشبه لم يرجع مادام عليه، فإِن سقط عنه لهدم أو غيره لم يملك رده. وإِن أعاره أرضاً للزرع لم يرجع إِلى الحصاد إِلا أن يكون مما يحصد قصيلاً فيحصده، وإِن أعارها للغرس والبناء وشرط عليه القلع في وقت أو عند رجوعه (ثم رجع) (¬2) لزمه القلع ولا يلزمه تسوية الأرض إِلا بشرط، وإِن لم يشرط عليه القلع لم يلزمه إِلا أن يضمن له المعير النقص، فإِن قلع فعليه تسوية الأرض، وإِن أبى القلع فللمعير أخذه بقيمته، فإِن أبى ذلك بيعا لهما، فإِن أبيا البيع ترك بحاله وللمعير التصرف في أرضه على وجه لا يضر بالشجر، وللمستعير الدخول للسقي والإِصلاح وأخذ الثمرة، ولم يذكر أصحابنا عليه أجرة من حين الرجوع وذكروا عليه أجرة في الزرع وهذا مثله فيخرج فيهما، وفي سائر المسائل وجهان. وإِن غرس أو بنى بعد الرجوع أو بعد الوقت فهو غاصب يأتي حكمه. ¬

_ (¬1) مقابل العنوان في "ش": فيها إِشعار مقابلة حيث ذكر في الحاشية وبخط مغاير أيضاً: ثم بلغ المقابلة ثانياً في عدة نسخ وصحّح حسب الطاقة. (¬2) ما بين القوسين زيادة من "م" و"ط".

فصل

وإِن حمل السيل بذراً إِلى أرضٍ فنبت فيها فهو لصاحبه يبقى إِلى الحصاد بأجرة مثله، وقال القاضي لا أجرة له، ويحتمل أن لصاحب الأرض أخذه بقيمته، فإِن حمل غرس رجل فنبت في أرض غيره فهل يكون كغرس الشفيع أو كغرس الغاصب؟ على وجهين. فصل وحكم المستعير في استيفاء المنفعة حكم المستأجر، والعارية مضمونة بقيمتها يوم التلف وإِن شرط نفي ضمانها. وكل ما كان أمانة لا يصير مضموناً بشرطه، وما كان مضموناً لا ينتفي ضمانه بشرطه وعن أحمد رحمه الله تعالى أنه ذُكِرَ له ذلك فقال المسلمون على شروطهم، فيدل على نفي الضمان بشرطه، وإِن تلفت أجزاؤها بالاستعمال كخمل المنشفة فعلى وجهين. وليس للمستعير أن يعير، فإِن فعل فَتَلِفَتْ عند الثاني فله تضمين أيهما شاء، ويستقر الضمان على الثاني. وعلى المستعير مؤنة رد العارية، فإِن رد الدابة إِلى اصطبل المالك أو غلامه لم يبرأ من الضمان إِلا أن يردها إِلى من جرت عادته بجريان ذلك على يده كالسائس ونحوه. فصل إِذا اختلفا: فقال: أجرتك. قال: بل أعرتني، عقيب العقد فالقول قول الراكب، وإِن كان بعد مضي مدة لها أجرة فالقول قول المالك فيما مضى من المدة دون ما بقي منها، وهل يستحق أجرة المثل أو المُدَّعى إِن زاد عليها؟ على وجهين. وإِن قال: أعرتك. قال: بل أجرتني والبهيمة تالفة فالقول قول المالك، وإِن قال أعرتني أو أجرتني قال بل غصبتني فالقول قول المالك وقيل قول الغاصب. * * *

كتاب الغصب

كتاب الغَصْبِ وهو الاستيلاء على مال الغير قهراً بغير حق. وتضمن أم الولد والعقار بالغصب، وعنه ما يدل على أن العقار لا يضمن بالغصب، وإِن غصب كلباً فيه نفع أو خمر ذمي لزمه رده، وإِن أتلفه لم تلزمه قيمته، وإِن غصب جلد ميتة فهل يلزمه رده؟ على وجهين. فإِن دبغه وقلنا بطهارته لزمه رده. وإِن استولى على حر لم يضمنه بذلك إِلا أن يكون صغيراً ففيه وجهان، فإِن قلنا لا يضمنه فهل يضمن ثيابه وحليه؟ على وجهين. وإِن استعمل الحر كرهاً فعليه أجرته، وإِن حبسه مدة فهل تلزمه أجرته؟ على وجهين. فصل ويلزمُهُ (¬1) رد المغصوب إِن قدر على رده وإِن غرم عليه أضعاف قيمته، وإِن خلطه بما يتميز منه لزمه تخليصه ورده، وإِن بنى عليه لزمه رده إِلا أن يكون قد بلي، وإِن سمر بالمسامير باباً لزمه قلعها وردها. وإِن زرع الأرض فردها بعد أخذ الزرع فعليه أجرتها، وإِن أدركها ربها والزرع قائم خير بين تركه إِلى الحصاد بأجرته وبين أخذه بعوضه، وهل ذلك قيمته أو نفقته؟ على وجهين. ويحتمل أن يكون الزرع للغاصب وعليه الأجرة، وإِن غرسها أو بنى فيها أخذ بقلع غرسه وبنائه وتسوية الأرض وأَرْش نقصها وأجرتها. ¬

_ (¬1) ويلزمه: كذا في "ش" و"م" وفي "ط": يلزم.

وإِن غصب لوحاً فرقع به سفينة لم يقلع حتى ترسي، وإِن غصب خيطاً فخاط به جرح حيوان وخيف عليه من قلعه فعليه قيمته، إِلا أن يكون الحيوان مأكولاً للغاصب فهل يلزمه رده ويذبح الحيوان؟ على وجهين. وإِن مات الحيوان لزمه رده إِلا أن يكون آدمياً. فصل وإِن زاد لزمه رده بزيادته سواء كانت متصلة كالسِّمَن وتعلم صنعة، أو منفصلة كالولد والكسب، ولو غصب جارحاً فصاد به أو شبكة أو شركاً فأمسك شيئاً أو فرساً فصاد عليه (¬1) أو غنم فهو لمالكه، وإِن غصب ثوباً فقصره، أو غزلاً فنسجه، أو فضة أو حديداً فضربه، أو خشباً فنجره، أو شاة فذبحها وشواها رد ذلك بزيادته وأَرْش نقصه ولا شيء له، وعنه يكون شريكاً بالزيادة، وقال أبو بكر يملكه وعليه قيمته. وإِن غصب أرضاً فحفر فيها بئراً ووضع ترابها في أرض مالكها لم يملك طمها إِذا أبرأه المالك من ضمان ما يتلف بها في أحد الوجهين. وإِن غصب حباً فزرعه أو بيضاً فصار فراخاً، أو نوىً فصار غَرْساً رده ولاشيء له، ويتخرج فيه مثل الذي قبله. فصل وإِن نقص لزمه ضمان نقصه بقيمته رقيقاً كان أو غيره، وعنه أن الرقيق يضمن مما يضمن به في الإِتلاف، ويتخرج أن يضمنه بأكثر الأمرين منهما، وإِن غصبه وجنى عليه ضمنه بأكثر الأمرين، وإِن جنى عليه غير الغاصب فله تضمين الغاصب بأكثر الأمرين ويرجع الغاصب على الجاني ¬

_ (¬1) في "م": به.

بأرش الجناية، وله تضمين الجاني أَرْش الجناية وتضمين الغاصب ما بقي من النقص. وإِن غصب عبداً فخصاه لزمه رده ورد قيمته، وعنه في عين الدابة من الخيل والبغال والحمير ربع قيمتها والأول أصح، وإِن نقصت العين لتغير الأسعار لم يضمن نص عليه، وإِن نقصت القيمة لمرض ثم عادت ببرئه لم يلزمه شيء. وإِن زاد من جهة أخرى مثل إِن تعلم صنعة فعادت القيمة ضمن النقص، وإِن زادت القيمة لسِمَن أو نحوه ثم نقصت ضمن الزيادة، وإِن عاد مثل الزيادة الأولى من جنسها لم يضمنها في أحد الوجهين، وإِن كانت من غير جنس الأولى لم يسقط ضمانها، وإِن غصب عبداً مفرطاً في السمن فهزل فزادت قيمته رده ولا شيء عليه، وإِن نقص المغصوب نقصاً غير مستقر [كحنطة ابتلت وعفنت (¬1)] خُيِّر بين أخذ مثلها وبين تركها حتى يستقر فسادها ويأخذها وأَرْش نقصها؛ وإِن جنى المغصوب فعليه أَرْش جنايته سواء أجنى على سيده أو غيره، وجنايته على الغاصب وعلى ماله هدر. ويضمن زوائد الغصب كالولد والثمرة إِذا تلفت أو نقصت كالأصل. فصل وإِن خلط المغصوب بماله على وجه لا يتميز منه مثل إِن خلط حنطة أو زيتاً بمثله لزمه مثله منه في أحد الوجهين، وفي الآخر يلزمه مثله من حيث شاء، وإِن خلطه بدونه أو خير منه أو بغير جنسه لزمه مثله في قياس التي قبلها، وظاهر كلامه أنهما شريكان بقدر ملكيهما. وإِن غصب ثوباً فصبغه أو سويقاً فلته بزيت فنقصت قيمتها أو قيمة ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "م".

أحدهما ضمن النقص، فإِن لم تنقص (ولم تزد) (¬1) أو زادت قيمتها فهما شريكان بقدر ملكيهما (¬2)، وإِن زادت قيمة أحدهما فالزيادة لصاحبه، فإِن أراد أحدهما قلع الصبغ لم يجبر الآخر عليه ويحتمل أن يجبر إِذا ضمن الغاصب النقص، وإِن وهب الصبغ للمالك أو وهبه تزويق الدار ونحوها فهل يلزم المالك قبولها؟ على وجهين. وإِن غصب صبغاً فصبغ به ثوباً أو زيتاً فلتَّ به سويقاً احتمل أن يكون كذلك واحتمل أن يلزمه قيمته أو مثله إِن كان مثلياً. وإِن غصب ثوباً وصبغاً فصبغه به رده وأَرْش نقصه ولا شيء له في زيادته (ويتخرج فيه مثل الذي قبله) (¬3). فصل وإِن وطئ الجارية فعليه الحد والمهر -وإِن كانت مطاوعة- وأرش البكارة، وعنه لا يلزمه مهر الثيب، وإِن ولدت فالولد رقيق للسيد ويضمن نقص الولادة، وإِن باعها [أو وهبها (¬4)] لعالم بالغصب فوطئها فللمالك تضمين أيهما شاء نقصها ومهرها وأجرتها وقيمة ولدها إِن تلف، فإِن ضُمِّن الغاصب رجع على الآخر، ولا يرجع الآخر عليه، وإِن لم يعلما بالغصب فضمنهما رجعا على الغاصب، وإِن ولدت من أحدهما فالولد حر ويفديه بمثله في صفاته تقريباً ويحتمل أن يعتبر مثله في القيمة، وعنه يضمنه بقيمته (في صفاته) (¬5) ويرجع به على الغاصب وإِن تلفت فعليه قيمتها، ولا ¬

_ (¬1) زيادة من "م". (¬2) في "م": ماليهما. (¬3) ما بين قوسين زيادة من "ط". (¬4) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش". (¬5) ما بين قوسين زيادة من "م".

يرجع بها إِن كان مشترياً، ويرجع بها المنتهب وعنه أنّ ما حصلت له به منفعة كالأجرة والمهر وأرش البكارة لا يرجع به، وإِن ضمن الغاصب رجع على المشتري بما لا يرجع المشتري عليه (¬1)، وإِن ولدت من زوج فمات الولد ضَمِنَهُ بقيمته، وهل يرجعُ بها على الغاصب؟ على روايتين. وإِن أعارها فتلفت عند المستعير استقر ضمان قيمتها عليه وضمان الأجرة على الغاصب. وإذا اشترى أرضاً فغرسها أو بنى فيها فخرجت مستحقه وقَلَعَ غرسَهُ وبناءه رجع المشتري على البائع بما غرمه. ذكره القاضي في القسمة. وإِن أُطعم المغصوب لعالم بالغصب استقر الضمان عليه، وإِن لم يعلم وقال له الغاصب كله فإِنه طعامي استقر الضمان على الغاصب، وإِن لم يقل ففي أيِّهِمَا يستقر الضمان عليه؟ وجهان. وإِن أطعمه لمالكه ولم يعلم لم يبرأ، نص عليه في رجل له عند رجل تبعة فأوصلها إِليه على أنها صلة أو هدية ولم يعلم كيف هذا؟ يعني أنه لا يبرأ، وإِن رهنه عند مالكه أو أودعه إِياه أو أجره أو استأجره على قصارته وخياطته لم يبرأ إِلا أن يعلم، وإِن أعاره إِياه برئ علم أو لم يعلم. ومن اشترى عبداً فأعتقه فادعى رجل أن البائع غصبه منه فصدَّقه أحدهما لم يقبل على الآخر، وإِن صدَّقاه مع العبد لم يبطل العتق ويستقر الضمان على المشتري، ويحتمل أن يبطل العتق إِذا صدقوه كلهم. فصل وإِن تلف المغصوب ضمنه بمثله إِن كان مكيلاً أو موزوناً إِلا الفاكهة الرطبة واللبن والصوف والشعر ونحوه فإِنه يضمنه بقيمته، وإِن أعوز المثل ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": به عليه.

فعليه قيمة مثله يوم إِعوازه، وقال القاضي يضمنه بقيمته يوم القبض، وعنه تلزمه قيمته يوم تلفه وإِن لم يكن مثلياً ضمنه بقيمته يوم تلفه في بلده من نقده، ويتخرج أن يضمنه بقيمته يوم غصبه، فإِن كان مصوغاً أو تبراً تخالف قيمته وزنه قومه بغير جنسه، فإِن كان محلى بالنقدين معاً قومه بما شاء منهما [وأعطاه بالقيمة عَرَضَاً (¬1)]، وإِن تلف بعض المغصوب فنقصت قيمة باقيه كزوجي خف تلف أحدهما فعليه رد الباقي وقيمة التالف وأَرْش النقص، وقيل لا يلزمه أَرْش النقص. وإن غصب عبداً فأبِق أو فرساً فشرد أو شيئاً تعذر رّدُّه مع بقائه ضَمِنَ قيمته، فإِن قدر عليه بعدُ ردَّه وأخذ القيمة. وإِن غصب عصيراً فتخمر فعليه قيمته، فإِن انقلب خلاً رده وما نقص من قيمة العصير. فصل وإِن كانت للمغصوب أجرة فعلى الغاصب أجرة مثله مدة مقامه في يده؛ وعنه التوقف عَنْ ذلك، وقال أبو بكر: هذا قول قديم رجع عنه. وإِن تلف المغصوب فعليه أجرته إِلى وقت تلفه، وإِن غصب شيئاً فعجز عن رده فأدى قيمته فعليه أجرته إِلى وقت أداء القيمة، وفيما بعده وجهان. فصل وتصرفات الغاصب الحكمية كالحج وسائر العبادات والعقود كالبيع والنكاح ونحوها باطلة في إِحدى الروايتين، والأخرى صحيحة. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش".

فإِن اتجر بالدراهم فالربح لمالكها، وإِن اشترى في ذمته ثم نقدها فكذلك، وعنه أنَّ الربح للمشتري، وإِن اختلفا في قيمة المغصوب أو قدره أو صناعة فيه فالقول قول الغاصب، وإِن اختلفا في رده أو عيب فالقول قول المالك، وإِن بقيت في يده غُصُوبٌ لا يعرف أربابها تصدق بها عنهم بشرط الضمان كاللقطة. فصل ومن أتلف مالاً محترماً لغيره ضمنه، وإِن فتح قفصاً عن طائره أو حل قيد عبده أو رباط فرسه أو وكاء زق مائع أو جامد فأذابته الشمس أو بقي بعد حله قاعداً فألقته الريح فاندفق ضمنه، وقال القاضي: لا يضمن ما ألقته الريح. وإِن ربط دابة في طريق فأتلفت، أو اقتنى كلباً عقوراً فعقر، أو خرق ثوباً ضمن إِلا أن يكون دخل منزله بغير إِذنه، وقيل في الكلب روايتان في الجملة. وإِن أجج ناراً في ملكه أو سقى أرضه فتعدى إِلى ملك غيره فأتلفه ضمن إِذا كان قد أسرف فيه أو فرط وإِلا فلا، وإِن حفر في فنائه بئراً لنفسه ضمن ما تلف بها، وإِن حفرها في سابلة لنفع المسلمين لم يضمن في أصح الروايتين، وإِن بسط في مسجد حصيراً أو علق فيه قنديلاً لم يضمن ما تلف به. وإِن جلس في مسجد أو طريق واسع فعثر به حيوان لم يضمن في أحد الوجهين، وإِن أخرج جناحاً أو ميزاباً إِلى الطريق فسقط على شيء أتلفه ضمن. وإِن مال حائطه فلم يهدمه حتى أتلف شيئاً لم يضمنه نصق عليه، وأومأ

باب الشفعة

في موضع أنه إِن تقدم إِليه بنقضه وأشهد عليه فلم يفعل ضمن، وما أتلفت البهيمة فلا ضمان على صاحبها إِلا أن تكون في يد إِنسان كالراكب والسائق والقائد فيضمن ما جنت يدها أو فمها دون ما جنت رجلها، وما أفسدت من الزرع والشجر ليلاً، ولا يضمن ما أفسدت من ذلك نهاراً، ومن صال عليه آدمي أو غيره فقتله دفعاً عن نفسه لم يضمنه، [وإِن اصطدم نفسان فماتا أو فارسان فماتت دابتاهما فعلى كل واحد دية الآخر وعليه قيمة دابة صاحبه (¬1)]، وإِن اصطدمت سفينتان فغرقتا ضمن كل واحد منهما سفينة الآخر وما فيها، فإِن كانت إِحداهما منحدرة فعلى صاحبها ضمان المصعدة إِلا أن يكون غلبه ريح (¬2) فلم يقدر على ضبطها، ومن أتلف مزماراً أو طنبوراً أو صليباً أو كسر إِناء فضة أو ذهب أو إِناء خمر لم يضمنه، وعنه يضمن آنية الخمر إِن كان ينتفع بها في غيره. باب الشُفْعَة وهي استحقاق الإِنسان انتزاع حصة شريكة من يد مشتريها، ولا يحل الاحتيال لإِسقاطها. ولا تثبت إِلا بشروط خمسة: أحدها: أن يكون (¬3) مبيعاً، ولا شفعة فيما انتقل بغير عوض بحال، ولا فيما عوضه غير المال كالصداق، وعِوَض الخلع، والصلح عن دم العمد في أحد الوجهين. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين سقط من "م" و"ط". (¬2) عبارة: غلبه ريح سقطت من "م". (¬3) كلمة يكون سقطت من "م".

فصل

فصل الثاني: أن يكون شقصاً مشاعاً من عقار ينقسم، فأما المقسوم المحدد فلا شفعة لجاره فيه، ولا شفعة فيما لا تجب قسمته كالحمار الصغير والبئر والطرق والعراص الضيقة وما ليس بعقار كالشجر والحيوان والبناء المفرد في إِحدى الروايتين، إِلا أن البناء والغراس يؤخذ تبعاً للأرض، ولا تؤخذ الثمرة والزرع تبعاً في أحد الوجهين. فصل الثالث: المطالبة بها على الفور ساعة يعلم نص عليه، وقال القاضي له طلبها في المجلس وإِن طال، فإِن أخره سقطت شفعته إِلا أن يعلم وهو غائب فيشهد على الطلب بها، ثم إِن أخر الطلب بعد الإِشهاد عند إِمكانه أو لم يشهد ولكن سار في طلبها فعلى وجهين، وإِن ترك الطلب والإِشهاد لعجزه عنهما كالمريض والمحبوس ومن لا يجد من يشهده، أو لإِظهارهم زيادة في الثمن أو نقصاً في المبيع، أو أنه موهوب له، أو أن المشتري غيره، أو أخبره من لا يقبل خبره فلم يصدقه فهو على شفعته، وإِن أخبره من يقبل خبره فلم يصدقه أو قال للمشتري بعني ما اشتريت أو صالحني سقطت شفعته، وإِن دلّ في البيع أو توكل لأحد المتبايعين أو جعل له الخيار فاختار إِمضاء البيع فهو على شفعته، وإِن أسقط شفعته قبل البيع لم تسقط ويحتمل أن تسقط، وإِن ترك الولي شفعة للصبي فيها حظ لم تسقط وله الأخذ بها إِذا كبر، وإِن تركها لعدم الحظ فيها سقطت ذكره ابن حامد، وقال القاضي: يحتمل أن لا تسقط.

فصل

فصل الرابع: أن يأخذ جميع المبيع، فإِن طلب أَخْذ البعض سقطت شفعته، فإِن كانا شفيعين فالشفعة بينهما على قدر ملكيهما، وعنه على عدد الرؤوس، فإِن ترك أحدهما شفعته لم يكن للآخر أن يأخذ إِلا الكل أو يترك، فإِن كان المشتري شريكاً فالشفعة بينه وبين الآخر، فإِن ترك شفعته ليوجب الكل على شريكه لم يكن له ذلك، وإِن كانت داراً بين اثنين فباع أحدهما نصيبه لأجنبي صفقتين ثم علم شريكه فله أن يأخذ بالبيعين، وله أن يأخذ بأحدهما فإِن أخذ بالثاني شاركه المشتري في شفعته في أحد الوجهين، فإِن أخذ بالأول لم يشاركه، وإِن أخذ بهما لم يشاركه في شفعة الأول، وهل يشاركه في شفعة الثاني؟ على وجهين. وإِن اشترى اثنان حق واحد فللشفيع أخذ حق أحدهما، وإن باع شقصاً وسيفاً فللشفيع أخذ حق أحدهما، وإِن اشترى واحد حق اثنين أو اشترى واحد شقصين من أرضين صفقة واحدة فللشفيع أخذ أحدهما على أصح الوجهين، وإن باع شقصاً وسيفاً فللشفيع أخذ الشقص بحصته من الثمن، ويحتمل أن لا يجوز، وإِن تلف بعض المبيع فله أخذ الباقي بحصته من الثمن. وقال ابن حامد: إِن كان تلفه بفعل الله تعالى فليس له أخذه إِلا بجميع الثمن. فصل الخامس: أن يكون للشفيع ملك سابق، فإِن اشترى اثنان داراً صفقة واحدة فلا شفعة لأحدهما على صاحبه، فإِن ادعى كل واحد منهما السبق فتحالفا أو تعارضت بيِّنَاتهما فلا شفعة لهما، ولا شفعة بشركة الوقف في أحد الوجهين.

فصل

فصل وإِن تصرف المشتري في المبيع قبل الطلب بوقف أو هبة سقطت الشفعة نص عليها، وقال أبو بكر: لا تسقط. وإِن باع فللشفيع الأخذ بأي البيعين شاء، فإِن أخذ بالأول رجع الثاني على الأول، وإِن فُسِخ البيع بعيب أو إِقالة أو تحالف فللشفيع أخذه، ويأخذه في التحالف بما حلف عليه البائع، وإِن أجره أخذه الشفيع وله الأجرة من يوم أخذه، وإِن استغله فالغلة له، وإِن أخذه الشفيع وفيه زرع أو ثمرة ظاهرة فهي للمشتري مبقاة إِلى الحصاد والجذاذ، وإِن قاسم المشتري وكيل الشفيع أو قاسم الشفيع لكونه أظهر له زيادة في الثمن أو نحوه وغرس أو بنى فللشفيع أن يدفع إِليه قيمة الغراس والبناء ويملكه أو يقلعه ويضمن النقص، فإِن اختار أخذه فأراد المشتري قلعه فله ذلك إِذا لم يكن فيه ضرر. وإِن باع الشفيع ملكه قبل العلم لم تسقط شفعته في أحد الوجهين، وللمشتري الشفعة فيما باعه الشفيع في أصح الوجهين، وإِن مات الشفيع بطلت الشفعة إِلا أن يكون بعد طلبها فتكون لورثته (¬1). فصل ويأخذ الشفيع بالثمن الذي وقع العقد عليه، فإِن عجز عنه أو عن بعضه سقطت شفعته، وما يحط من الثمن أو يزاد فيه في مدة الخيار يلحق به، وما كان بعد ذلك لا يلحق به، وإِن كان مؤجلاً أخذه الشفيع بالأجل إِن كان مليئاً وإِلا أقام كفيلاً مليئاً وأخذ به، وإِن كان الثمن عَرَضاً أعطاه مثله إِن ¬

_ (¬1) في "م" و"ط": لوارثه.

فصل

كان ذا مثل وإِلا قيمته، وإِن اختلفا في قدر الثمن فالقول قول المشتري إِلا أن يكون للشفيع بينة، وإِن قال المشتري اشتريته بألف وأقام البائع بينة أنه باعه بألفين فللشفيع أخذه بألف، فإِن قال المشتري غلطت (¬1) فهل يقبل قوله مع يمينه؟ على وجهين. وإِن ادعى أنك اشتريته بألف قال بل اتهبته أو ورثته فالقول قوله مع يمينه، فإِن نكل عنها أو قامت للشفيع بينة فله أخذه ويقال للمشتري: إِما أن تقبل الثمن وإِما أن تبرئ منه، وإِن كان عِوَضاً في الخلع أو النِّكاح أو عن دم عمد فقال القاضي (¬2): يأخذه بقيمته، وقال غيره: يأخذه بالدية ومهر المثل. فصل ولا شفعة في بيع الخيار قبل انقضائه نص عليه، ويحتمل أن يجب، وإِن أقر البائع بالبيع وأنكر المشتري فهل تجب الشفعة؟ على وجهين. وعهدة الشفيع على المشتري وعهدة المشتري على البائع، فإِن أبى المشتري قبض المبيع أجبره الحاكم عليه، وقال أبو الخطاب: قياس المذهب أن يأخذه الشفيع من يد البائع، وإِذا ورث اثنان شقصاً عن أبيهما فباع أحدهما نصيبه فالشفعة بين أخيه وشريك أبيه. ولا شفعة لكافر على مسلم. وهل تجب الشفعة للمضارب على رب المال أو لرب المال على المضارب فيما يشتريه للمضاربة؟ على وجهين. ¬

_ (¬1) في "م": غلط. (¬2) عبارة: فقال القاضي سقطت من "ط".

باب الوديعة

باب الوديعة وهي أمانة لا ضمان عليه فيها إِلا بعد أن يتعدى، وإِن تلفت من بين ماله لم يضمن في أصح الروايتين، ويلزمه حفظها في حرز مثلها فإِن عين صاحبها حرزاً فجعلها في دونه ضمن، وإِن أحرزها بمثله أو فوقه لم يضمن، وقيل يضمن إِلا أن يفعله لحاجة. وإِن نهاه عن إِخراجها فأخرجها لغشيان شيء الغالب منه الثَّواء لم يضمن، وإِن تركها فتلفت ضمن وإِن أخرجها لغير خوف ضمن، فإِن قال لا تخرجها ولو خفت عليها فأخرجها عند الخوف أو تركها لم يضمن، ولو أودعه بهيمة فلم يعلفها حتى ماتت ضمن إِلا أن ينهاه المالك عن علفها. فإِن قال اترك الوديعة في جيبك فتركها في كمه ضمن، وإِن قال اتركها في كمك فتركها في جيبه لم يضمن، فإِن تركها في يده احتمل وجهين. وإِن دفع الوديعة إِلى من يحفظ ماله كزوجته وعبده لم يضمن، وإِن دفعها إِلى أجنبي أو حاكم ضمن وليس للمالك مطالبة الأجنبي، وقال القاضي له ذلك. وإِن أراد سفراً أو خاف عليها عنده ردها إِلى مالكها، فإِن لم يجده حملها معه إِن كان أحفظ لها وإِلا دفعها إِلى الحاكم، فإِن تعذر ذلك أودعها ثقة أو دفنها وأعلم بها ثقة يسكن تلك الدار، فإِن دفنها ولم يُعْلِم بها أحداً أو أعلم بها من لا يسكن الدار ضمنها. وإِن تعدى فيها فركب الدابة لغير نفعها ولبس الثوب وأخرج الدراهم لينفقها ثم ردها أو جحدها ثم أقر بها أو كسر ختم كيسها أو خلطها بما لا تتميز منه ضمنها، وإِن خلطها بمتميز أو ركب الدابة ليسقيها لم يضمن، وإِن أخذ درهماً ثم رده فضاع الكل ضمنه وحده، وعنه يضمن الجميع،

فصل

وإِن رد بدله متميزاً فكذلك، وإِن كان غير متميز ضمن الجميع، ويحتمل أن لا يضمن غيره. وإِن أودعه صبيٌّ وديعة ضمنها ولم يبرأ إِلا بالتسليم إِلى وليه، وإِن أودع الصبيَّ وديعة فتلفت بتفريطه لم يضمن، وإِن أتلفها لم يضمن، وقال القاضي: يضمن، وإِن أودع عبداً وديعة فأتلفها ضمنها في رقبته. فصل والمودع أمين، والقول قوله فيما يدعيه من رد وتلف وإِذن في دفعها إِلى إِنسان وما يُدَّعى عليه من خيانة وتفريط، وإِن قال لم تودعني ثم أقر بها أو ثبتت ببينة فادعى الرد أو التلف لم يقبل وإِن أقام به بينة، ويحتمل أن تقبل ببينته. وإِن قال مالَكَ عندي شيء، قبل قوله في الرد والتلف. وإِن مات المودع وادعى وارثه الرد لم يقبل إِلا ببينة، وإِن تلفت عنده قبل إِمكان ردها لم يضمنها، وبعده يضمنها في أحد الوجهين. وإِذا ادعى الوديعة اثنان فأقر بها لأحدهما فهي له مع يمينه، ويحلف المودع أيضاً، وإِن أقر بها لهما فهي لهما ويحلف لكل واحد منهما، فإِن قال لا أعرف صاحبها حلف أنه لا يعلم ويقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذها. وإن أودعه اثنان مكيلاً أو موزوناً فطلب أحدهما نصيبه سلمه إِليه، وإِن غصبت الوديعة فهل للمودع المطالبة بها؟ على وجهين. * * *

باب إحياء الموات

باب إِحياء المَوَات وهي الأرض الداثرة التي لا يعلم أنها ملكت، فإِن كان فيها آثار الملك ولا يعلم لها مالك فعلى روايتين. ومن أحيا أرضاً ميتة فهي له مسلماً كان أو كافراً بإِذن الإِمام وغير إِذنه في دار الإِسلام وغيرها؛ إِلا ما أحياه مسلم من أرض الكفار التي صولحوا عليها وما قرب من العامر وتعلق بمصالحه لم تملك بالإِحياء، وإِن لم يتعلق بمصالحه فعلى روايتين. ولا تملك المعادن الظاهرة كالملح والقار والنفط والكحل والجص بالإِحياء، وليس للإِمام إِقطاعه، فإِن كان بقرب الساحل موضع إِذا حصل فيه الماء صار ملحاً ملكه بالإِحياء وللإِمام إِقطاعه، وإِذا ملك المُحْيا ملكه بما فيه من المعادن الباطنة كمعادن الذهب والفضة، وإِن ظهر فيه عين ماء أو معدن جار أو كلأ أو شجر فهو أحق به، وهل يملكه؟ على روايتين. وما فضل من مائه لزمه بذله لبهائم غيره، وهل يلزمه بذله لزرع غيره؟ على روايتين. فصل وإِحياء الأرض أن يحوزها بحائط أو يجري لها ماء، وإِن حفر بئراً عادية ملك حريمها خمسين ذراعاً، وإِن لم تكن عادية فحريمها خمسة وعشرون ذراعاً، وعند القاضي حريمها قدر رشائها من كل جانب، (وقيل قدر ما يحتاج إِليه من نزفِ ما بها) (¬1)، وقيل إِحياء الأرض ما عُدَّ إِحياءً وهو عمارتها بما تتهيأ به لما يراد منها من زرع أو بناء، وقيل ما يتكرر ¬

_ (¬1) ما بين قوسين زيادة من "م" و (نزف) غير مقروءة والسياق يقتضي أن تقرأ هكذا.

فصل

كل عام كالسقي والحرث فليس بإِحياء وما لا يتكرر فهو إِحياء. ومن تحجَّر مواتاً لم يملكه وهو أحق به ووارثه من بعده ومن ينقله إِليه وليس له بيعه، وقيل له ذلك. فإِن لم يتم إِحياؤه قيل له إِما أن تحييه أو تتركه، فإِن طلب الإِمهال أمهل الشهرين والثلاثة، فإِن أحياه غيره فهل يملكه؟ على وجهين. فصل وللإِمام إِقطاع موات لمن يحييه، ولا يملكه بالإِقطاع بل يصير كالمتحجر الشارع في الإِحياء، وله إِقطاع الجلوس في الطرق الواسعة ورحاب المساجد ما لم يضيق على الناس، ولا يُملك ذلك بالإِحياء، ويكون المُقْطَعُ أحق بالجلوس فيها، فإِن لم يقطعها فلمن سبق إِلى (¬1) الجلوس فيها، ويكون أحق بها ما لم ينقل قماشه عنها، فإِن أطال الجلوس فيها فهل يزال؟ على وجهين. فإِن سبق اثنان أقرع بينهما، وقيل يقدم الإِمام من رأى منهما، ومن سبق إِلى معدن فهو أحق بما ينال منه، وهل يمنع إِذا طال مقامه؟ على وجهين. ومن سبق إِلى مباح كصيد وعنبر وحطب وثمر وما ينبذه الناس رغبة عنه فهو أحق به، وإِن سبق إِليه اثنان قُسِم بينهما. وإِذا كان الماء في نهر غير مملوك كمياه الأمطار فلمن شقَّ (¬2) في أعلاه أن يسقي ويحبس الماء حتى يصل إِلى كعبه ثم يرسل إِلى من يليه، فإِن ¬

_ (¬1) في "م": فلمن سبق إِليها الجلوس فيها. (¬2) لفظ "شق" زيادة في "م" وحدها.

باب الجعالة

أراد إِنسان إِحياء أرض بسقيها منه جاز ما لم يضر بأهل الأرض الشاربة منه. وللإِمام أن يحمي (¬1) أرضاً من الموات ترعى فيها دواب المسلمين التي يقوم بحفظها ما لم يضيق على الناس وليس ذلك لغيره، وما حماه النبي - صلى الله عليه وسلم - فليس لأحد نقضه، وما حماه غيره من الأئمة فهل يجوز نقضه؟ على وجهين. باب الجعالة وهي أن يقول: من رد عبدي أو لقطتي أو بنى لي هذا الحائط فله كذا، فمن فعله بعد أن بلغه الجعل استحقه، وإِن فعله جماعة فهو بينهم، ومن فعله قبل ذلك لم يستحقه سواء أرده قبل بلوغ الجعل أو بعده، وتصح على مدة مجهولة وعمل (¬2) مجهول إِذا كان العوض معلوماً، وهي عقد جائز لكل واحد منهما فسخها، فمتى فسخها العامل لم يستحق شيئاً، وإِن فسخها الجاعل بعد الشروع فعليه للعامل أجرة عمله، وإِن اختلفا في أصل الجعل أو قدره فالقول قول الجاعل، ومن عمل لغيره عملاً بغير جعل فلا شيء له إِلا في رد الآبق فإِن له بالشرع ديناراً أو اثني عشر درهماً، وعنه إِن رده من خارج المصر فله أربعون درهماً ويأخذ منه ما أنفق عليه في قوته، وإِن هرب منه في طريقه. فإِن مات السيد استحق ذلك في تركته. ¬

_ (¬1) في "م": يحيى وهو جائز. (¬2) وعمل: كذا في "ش" و"ط" وفي "م": وعوض والمعنى مضطرب في "م" فالمثبت أجود وأصح.

باب اللقطة

باب اللقطة وهي المال الضائع من ربه. وينقسم ثلاثة أقسام: أحدها: ما لا تتبعه الهمة كالسوط والشسع والرغيف فيملك بأخذه بلا تعريف. الثاني: الضوالّ التي تمتنع من صغار السباع: كالإِبل والبقر والخيل والبغال والظباء والطير والفهود ونحوها فلا يجوز التقاطها، ومن أخذها ضمنها، فإِن دفعها إِلى نائب الإِمام زال عنه الضمان. الثالث: سائر الأموال كالأثمان والمتاع والغنم والفصلان والعجاجيل والأفلاء، فمن لا يأمن نفسه عليها ليس له أخذها، فإِن فعل ضمنها ولم يملكها وإِن عَرَّفها. ومن أمن نفسه عليها وقوي على تعريفها فله أخذها، والأفضل تركها. وعند أبي الخطاب رحمه الله تعالى إِن وجدها بمضيعة فالأفضل أخذها، ومتى أخذها ثم ردها إِلى موضعها أو فرط فيها ضمنها. وهي على ثلاثة أضرب. حيوان: فيتخير بين أكله وعليه قيمته، وبين بيعه وحفظ ثمنه، وبين حفظه والإِنفاق عليه من ماله. وهل يرجع بذلك؟ على وجهين. الثاني: ما يخشى فساده فيتخير بين بيعه وأكله إِلا أن يمكن تجفيفه كالعنب فيفعل ما يرى الحظ فيه لمالكه وغرامة التجفيف منه، وعنه يبيع اليسير ويدفع الكثير إِلى الحاكم. الثالث: سائر المال فيلزمه حفظه ويعرِّف الجميع بالنداء عليه في مجامع الناس كالأسواق وأبواب المساجد في أوقات الصلوات حولاً كاملاً: من ضاع منه شيء أو نفقة وأجرة المنادي عليه، وقال أبو الخطاب ما لا يملك بالتعريف وما يقصد حفظه لمالكه يرجع بالأجرة عليه، فإِن لم

فصل

يعرف دخل في ملكه بعد الحول حكماً كالميراث، وعند أبي الخطاب لا يملكه حتى يختار ذلك. وعن أحمد رحمه الله تعالى لا يملك إِلا الأثمان وهي ظاهر المذهب، وهل له الصدقة بغيرها؟ على روايتين. وعنه لا تملك لقطة الحرم بحال. فصل ولا يجوز له التصرف في اللقطة حتى يعرف وعاءها ووكاءها وقدرها وجنسها وصفتها (¬1) ويستحب ذلك عند وجدانها والإِشهاد عليها فمتى جاء طالبها فوصفها لزم دفعها إِليه بنمائها المتصل، وزيادتها المنفصلة لمالكها قبل الحول ولواجدها بعده في أصح الوجهين. وإِن تلفت أو نقصت قبل الحول لم يضمنها، وإِن كان بعده ضمنها. وإِن وصفها اثنان قسمت بينهما في أحد الوجهين، وفي الآخر يقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذها، وإِن أقام آخر بينة أنها له أخذها من الواصف فإِن تلفت ضمنها من شاء من الواصف أو الدافع إِليه إِلا أن يدفعها بحكم حاكم فلا ضمان عليه، ومتى ضمن الدافع رجع على الواصف. فصل ولا فرق بين كون الملتقط: غنياً أو فقيراً، مسلماً أو كافراً، عدلاً أو فاسقاً يأمن نفسه عليها، وقيل يضم إِلى الفاسق أمين في تعريفها وحفظها. وإِن وجدها صبيٌّ أو سفيه قام وليه بتعريفها. فإِذا عرفها فهي لواجدها، وإِن وجدها عبد فلسيده. أخذها منه وتركها معه يتولى تعريفها إِذا كان عدلاً، وإِن لم يأمن العبد سيده عليها لزمه سَتْرُها عنه، فإِن أتلفها ¬

_ (¬1) الكلمة ليست في "ط".

باب اللقيط

قبل الحول فهي في رقبته، وإِن أتلفها بعده فهي في ذمته والمكاتب كالحر، ومن بعضه حر فهي بينه وبين سيده إِلا أن يكون بينهما مهايأة فهل تدخل في المهايأة؟ على وجهين. باب اللقيط وهو الطفل المنبوذ. وهو حر ينفق عليه من بيت المال إِن لم يكن معه ما ينفق عليه. ويحكم بإِسلامه إِلا أن يوجد في بلد الكفار ولا مسلم فيه فيكون كافراً، فإِن كان فيه مسلم فعلى وجهين. وما وجد معه من فراش تحته أو ثياب أو مال في جيبه أو تحت فراشه أو حيوان مشدود بثيابه فهو له، وإِن كان مدفوناً أو مطروحاً قريباً منه فعلى وجهين. وأولى الناس بحضانته واجده إِن كان أميناً، وله الإِنفاق عليه مما وجد معه بغير إِذن حاكم، وعنه ما يدل على أنه لا ينفق عليه إِلا بإِذنه. وإِن كان فاسقاً أو رقيقاً أو كافراً -واللقيط مسلم- أو بدوياً ينتقل في المواضع أو وجده في الحضر فأراد نقله إِلى البادية لم يقر في يده. [وإِن التقطه في البادية مقيم في حله أو من يريد نقله إِلى الحضر أُقر معه. وإِن التقطه في الحضر من يريد النقلة إِلى بلد آخر فهل يقر في يده؟ على وجهين (¬1)]. وإِن التقطه اثنان قدم الموسر منهما على المعسر والمقيم على المسافر، فإِن تساويا وتشاحا أُقرع بينهما، فإِن اختلفا في الملتقط منهما ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين حصل فيه تقديم وتأخير في "ش" مما أدى إِلى اضطراب المعنى والمثبت يوافق "م" و"ط".

فصل

قدم من له بينة، فإِن لم يكن لهما بينة قدم صاحب اليد، فإِن كان في أيديهما أقرع بينهما، وإِن لم يكن لهما يد فوصفه أحدهما قدم وإِلا سلمه الحاكم إِلى من يرى منهما أو من غيرهما. فصل وميراث اللقيط وديته إِن قُتل لبيت المال. وإِن قَتَل عمداً فوليه الإِمام إِن شاء اقتص وإِن شاء أخذ الدية. وإِن قطع طرفه عمداً انتظر بلوغه إِلا أن يكون فقيراً مجنوناً فللإِمام العفو على مال ينفق عليه. وإِن ادعى الجاني عليه أو قاذفه رقه وكذَّبه اللقيط بعد بلوغه فالقول قول اللقيط. وإِن ادعى إِنسان أنه مملوك (¬1) لم يقبل إِلا ببينة تشهد أن أمته ولدته في ملكه ويحتمل أن لا يعتبر قولها في ملكه. وإِن أقر بالرق بعد بلوغه لم يقبل، وعنه يقبل، وقال القاضي: يقبل فيما عليه رواية واحدة. وهل يقبل في غيره؟ على روايتين. وإِن قال إِني كافر لم يقبل قوله وحكمه حكم المرتد، وقيل يقبل قوله إِلا أن يكون قد نطق بالإِسلام وهو يعقله. فصل وإِن أقر إِنسان أنه ولده ألحق به مسلماً أو كافراً رجلاً كان أو امرأة حياً كان اللقيط أو ميتاً، ولا يتبع الكافر في دينه إِلا أن يقيم بينة أنه ولد على فراشه، وعنه لا يلحق بامرأة ذات زوج، وعنه إِن كان لها إِخوة أو نسب معروف لم يلحق بها وإِلا لحق. ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": مملوكه.

وإن ادعاه اثنان أو أكثر لأحدهم بينة قدم بها، وإِن تساووا في بَيِّنةٍ أو عدمها عُرِض معهما على القافة، أو مع أقاربهما إِن ماتا فإِن ألحقته بأحدهما لحق به، وإِن ألحقته بهما لحق بهما ولا يلحق بأكثر من أم واحدة، وإِن ادعاه أكثر من اثنين فألحق بهم لحق بهم وإِن كثروا، وقال ابن حامد لا يلحق بأكثر من اثنين، وإِن نفته القافة عنهم أو أشكل عليهم أو لم يوجد قافة ضاع نسبه في أحد الوجهين، وفي الآخر يترك حتى يبلغ فينتسب إِلى من شاء منهم أومأ إِليه أحمد رحمه الله. وكذلك الحكم إِن وطئ اثنان امرأة بشبهة أو جارية مشتركة بينهما في طهر واحد أو وُطِئَتْ زوجة رجل أو أم ولده بشبهة وأتت بولد يمكن أن يكون منه فادعى الزوج أنه من الواطئ أُري القافة معهما، ولا يقبل قول القائف إِلا أن يكون ذكراً عدلاً مجرباً في الإِصابة. * * *

كتاب الوقف

كتاب الوقف وهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، وفيه روايتان: إِحداهما: أنه يحصل بالقول والفعل الدال عليه مثل أن يبني مسجداً ويأذن للناس في الصلاة فيه، أو يجعل أرضه مقبرة ويأذن لهم في الدفن فيها، أو سقاية ويشرعها لهم. والأخرى لا يصح إِلا بالقول، وصريحه: وقفت، وحبَّست، وسبَّلت، وكنايته: تصدقت، وحرمت، وأبدت، فلا يصح الوقف بالكناية إِلا أن ينويه أو يقرن بها أحد الألفاظ الباقية، أو حكم الوقف فيقول: تصدقت صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو محرمة أو مؤبدة أو لا تباع ولا توهب ولا تورث، ولا يصح إِلا بشروط أربعة: أحدها: أن يكون في عين يجوز بيعها ويمكن الانتفاع بها دائماً مع بقاء عينها: كالعقار، والحيوان، والأثاث، والسلاح. ويصح وقف المشاع، ويصح وقف الحلي على اللبس والعارية، وعنه لا يصح. ولا يصح الوقف في الذمة كعبد ودار، ولا غير معين كأحد هذين، ولا وقف ما لا يجوز بيعه كأم الولد والكلب، ولا ما لا ينتفع به مع بقائه دائماً كالأثمار (¬1) والمطعوم والرياحين. الثاني: أن يكون على بر كالمساكين والمساجد والقناطر والأقارب مسلمين كانوا أو من أهل الذمة، ولا يصح على الكنائس وبيوت النار ¬

_ (¬1) في الأصول كلها: الأثمان ولا يناسب السياق والصواب ما أثبتناه.

وكتابة التوراة والإِنجيل، ولا على حربي ولا مرتد، ولا يصح على نفسه في إِحدى الروايتين. وإِن وقف على غيره واستثنى الأكل منه مدة حياته صح (¬1). الثالث: أن يقف على معين يملك، ولا يصح على مجهول كرجل ومسجد، ولا على حيوان لا يملك كالعبد والحَمْل والملك والبهيمة. الرابع: أن يقف ناجزاً فإِن علقه على شرط لم يصح إِلا أن يقول: هو وقف بعد موتي فيصح في قول الخرقي، وقال أبو الخطاب لا يصح. فصل ولا يشترط القبول إِلا أن يكون على آدمي ومعين ففيه وجهان: أحدهما: يشترط ذلك فإِن لم يقبله أورده بطل في حقه دون من بعده وكان كما لو وقف على من لا يجوز ثم على من يجوز يصرف في الحال إِلى من بعده. وفيه وجه آخر أنه إِن كان من لا يجوز يعرف انقراضه كرجل معين صرف إِلى مصرف الوقف المنقطع إِلى أن ينقرض ثم يصرف إِلى من بعده، وإِن وقف على جهة تنقطع ولم يذكر له مالاً، أو على من يجوز، ثم على من لا يجوز أو قال: وقفت وسكت، انصرف بعد انقراض من يجوز الوقف عليه إِلى ورثة الواقف وقفا عليهم في إِحدى الروايتين، والأخرى إِلى أقرب عصبته، وهل يختص به فقراؤهم؟ على وجهين. وقال القاضي في موضع يكون وقفاً على المساكين، وإِن قال وقفته سنة لم يصح، ¬

_ (¬1) بعد (صَحَّ) في "م" سها الناسخ فأعاد من أول كتاب الوقف إِلى قول المصنف.

ويحتمل أن يصح ويصرف بعدها مصرف المنقطع. ولا يشترط إِخراج الوقف عن يده في إِحدى الروايتين. فصل ويملك الموقوف عليه الوقف. وعنه لا يملكه ويملك صوفه ولبنه وثمرته ونفعه. وليس له وطء الجارية فإِن فعل فلا حد عليه ولا مهر، وإِن أتت بولد فهو حر وعليه قيمته يشتري بها ما يقوم مقامه وتصير أم ولده تعتق بموته وتجب قيمتها في تركته ويشتري بها مثلها تكون وقفاً. وإِن وطئها أجنبي بشبهة فأتت بولد فالولد (¬1) حر وعليه المهر لأهل الوقف وقيمة الولد، وإِن تلفت فعليه قيمتها يشتري بها مثلهما، ويحتمل أن يملك قيمة الولد ههنا ولا يلزمه قيمته إِن أولدها. وله تزويج الجارية وأخذ مهرها، وولدها وقف معها ويحتمل أن يملكه. وإِن جنى الوقف خطأ فالأرْش على الموقوف عليه ويحتمل أن يكون في كسبه. وإِذا وقف على ثلاثة، ثم على المساكين، فمن مات منهم رجع نصيبه إِلى الآخرين. فصل ويرجع إِلى شرط الواقف في قَسْمِهِ على الموقوف عليه، وفي التقديم والتأخير، والجمع والترتيب، والتسوية والتفضيل، وإِخراج من شاء بصفة وإِدخاله بصفة، وفي الناظر فيه، والإِنفاق عليه، وسائر أحواله، فإِن لم يشترط ناظراً فالنظر للموقوف عليه وقيل للحاكم، وينفق عليه من ¬

_ (¬1) كلمة: فالولد سقطت من "م".

غلته وإِن وقف على ولده ثم على المساكين فهو لولده الذكور والإِناث بالسَّوِيَّةِ ولا يدخل فيه ولد البنات. وهل يدخل فيه ولد البنين؟ على روايتين. وإِن وقف على عقبه أو ولد ولده أو ذريته دخل فيه ولد البنين، ونقل عنه لا يدخل فيه ولد البنات، ونقل عنه في الوصية يدخلون فيه، وذهب إِليه بعض أصحابنا وهذا مثله. وقال أبو بكر وابن حامد رحمهما الله تعالى: يدخلون في الوقف إِلا أن يقول على ولد ولدي لصلبي فلا يدخلون، وإِن وقف على بنيه أو بني فلان فهو للذكور خاصة إِلا أن يكونوا قبيلة فيدخل فيه النساء دون أولادهن من غيرهم. وإِن وقف على قرابته أو قرابة فلان فهو للذكر والأنثى من أولاده وأولاد أبيه وجد أبيه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُجاوز بسهم ذوي القربى بني هاشم (¬1). وعنه إِن كان يصل قرابته من قِبَل أمهُ في حياته صُرف إِليهم وإِلا فلا، وأهل بيته بمنزلة قرابته، وقال الخرقي: يعطى من قبل أبيه وأمه، وقومه ونسباؤه كقرابته. والعترة هم العشيرة. وذوو رحمه كل قرابة له من جهة الآباء والأمهات. والأيامى والعُزَّاب من لا زوج له من الرجال والنساء، ويحتمل أن يختص الأيامى بالنساء والعُزَّاب بالرجال. فأما الأرامل فهن النساء اللاتي فارقهن أزواجهن، وقيل هو للرجال والنساء. وإِن وقف على أهل قريته أو قرابته لم يدخل فيهم من يخالف دينه، وفيه وجه آخر أن المسلم يدخل وإِن كان الواقف كافراً. ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": لم يجاوز بني هاشم بسهم ذوي القربى. ولا خلل في المعنى.

وإِن وقف على مواليه وله موالٍ من فوق ومن أسفلَ تناول جميعهم، وقال ابن حامد: يختص الموالي من فوق، وإِذا وقف على جماعة يمكن حصرهم واستيعابهم وجب تعميمهم والتسوية بينهم وَإلاَّ جَازَ تفضيل بعضهم على بعض والاقتصار على واحد منهم ويحتمل أن لا يجزئه أقل من ثلاثة، [فإِن كانوا من أهل الزكاة (¬1)] لم يدفع إِلى واحد منهم أكثر من القدر الذي يدفع إِليه من الزكاة [إِذا كان الوقف على صنف من أصناف الزكاة (¬2)] والوصية كالوقف في هذا الفصل. فصل والوقف عقد لازم لا يجوز فسخه بإِقالة ولا غيرها، ولا يجوز بيعه إِلا أن تتعطل منافعه فيباع ويصرف ثمنه في مثله. وكذلك الفرس الحبيس إِذا لم يصلح للغزو بيع واشتُرِيَ بثمنه ما يصلح للجهاد وكذلك المسجد إِذا لم ينتفع به في موضعه، وعنه لا تباع المساجد لكن تنقل آلتها إِلى مسجد آخر ويجوز بيع بعض آلته وصرفها في عمارتها، وما فضل من حصره وزيته جاز صرفه إِلى مسجد آخر والصدقة به على فقراء المسلمين. ولا يجوز غرس شجرة في المسجد، فإِن كانت مغروسة فيه جاز الأكل منها، قال أبو الخطاب رحمه الله إِذا لم يكن بالمسجد حاجة إِلى ثمنها، فإِن احتاج صرف ذلك في عمارته. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين سقط من "ش" و"م" زيد من "ط". (¬2) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش" بخط مغاير وفي آخره صح.

باب الهبة والعطية

باب الهبة والعطية وهي تمليك في حياته بغير عوض، فإِن شرط فيها عوضاً معلوماً صارت بيعاً، وعنه يغلب فيها حكم الهبة. وإِن شرط ثواباً مجهولاً لم يصح. وعنه أنه قال يرضيه بشيء. فعلى هذا إِن لم يرض فله الرجوع فيها أو في عوضها إِن كانت تالفة. وتحصل الهبة بما يتعارفه الناس هبة من الإِيجاب والقبول والمعاطاة المقترنة بما يدل عليها، وتلزم بالقبض، وعنه تلزم في غير المكيل والموزون بمجرد الهبة. ولا يصح القبض إِلا بإذن الواهب إِلا ما كان في يد المتهب فيكفي مضي زمن يتأتى قبضه فيه (¬1)، وعنه لايصح حتى (¬2) يأذن في القبض. وإِن مات الواهب قام وارثه مقامه في الإِذن والرجوع. وإِن أبرأ (¬3) الغريم غريمه من دينه أو وهبه له، أو أحله منه، برئت ذمته وإِن رد ذلك ولم يقبله. وتصح هبة المشاع وكل ما يجوز بيعه، ولا تصح هبة المجهول ولا ما لا يقدر على تسليمه. ولا يجوز تعليقها على شرط، ولا شرط ما ينافي ¬

_ (¬1) قبضه فيه: كذا في "ش" وفي "ط": فيه قبضه وسقط الجار والمجرور (فيه) من "م". (¬2) (وعنه لا يصح حتى) العبارة ليست في "م" وأثبت عوضاً عنها كلام لا معنى له وبعيد عن السياق وهو بخط مغاير. ومثلها عبارة: (في الإِذن والرجوع). (¬3) في "م" فَكَّ. وهي من الكلمات المضافة بخط مغاير ومثلها أيضاً عبارة: (برئت ذمته وإِن ردَّ ذلك ولم) وقل الأمر نفسه بالنسبة لعبارة: (ولا تصح هبة المجهول ولا) ويستمر ذلك في أوائل أسطر هذا الفصل في الصفحة: (90 بم).

فصل

مقتضاها نحو أن لا يبيعها ولا يهبها، ولا توقيتها كقوله وهبتك هذا سنة إِلا في العُمْرِي وهو أن يقول أعمرتك هذه الدار أو أرقبتكها أو جعلتها لك عمرك أو حياتك فإِنه يصح وتكون للمعمر ولورثته من بعده. وإِن شرط رجوعها إِلى المعمر عند موته أو قال هي لآخرنا موتاً صح الشرط، وعنه لا يصح وتكون للمعمر ولورثته. فصل والمشروع في عطية الأولاد القسمة بينهم على قدر ميراثهم فإِن خص بعضهم أو فضله فعليه التسوية بالرجوع أو إِعطاء الآخر حتى يستووا، فإِن مات قبل ذلك ثبت للمعطى، وعنه لا يثبت وللباقين الرجوع اختاره أبو عبد الله بن بطة (¬1). وإِن سوى بينهم في الوقف أو وقف ثلثه في مرضه على بعضهم جاز، نص عليه. وقياس المذهب أن لا يجوز. ولا يجوز لواهب أن يرجع في هبته إِلا الأب، وعنه ليس له الرجوع، وعنه له الرجوع إِلا أن يتعلق به (¬2) حق أو رغبة نحو أن يتزوج الولد أو يفلس، وإِن نقصت العين أو زادت زيادة منفصلة لم تمنع الرجوع والزيادة للابن ويحتمل أنها للأب، وهل تمنع المتصلة الرجوع؟ على روايتين. وإِن باعه المتهب ثم رجع إِليه بفسخ أو إِقالة فهل له الرجوع؟ على وجهين. وإِن رجع إِليه ببيع أو هبة لم يملك الرجوع، وإِن وهبه المتهب ¬

_ (¬1) هو عبيد الله بن محمد بن محمد بن حَمْدان العكبري، المعروف بابن بطَّة، من كبار علماء الحنابلة، مات سنة (387) هـ. انظر "المنهج الأحمد" (2912) و"شذرات الذهب" (4634). (¬2) في "ط": بها.

فصل

لابنه لم يملك أبوه الرجوع إِلا أن يرجع هو، وإِن كاتَبَهُ أو رهنه لم يملك الرجوع إِلا أن ينفك الرهن وتنفسخ الكتابة. وعن أحمد رحمه الله تعالى في المرأة تهب زوجها مهرها إِن كان سألها ذلك، رده إِليها رضيت أو كرهت، لأنها لا تهب له إِلا مخافة غضبه أو إِضرار بها بأن يتزوج عليها. فصل وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ويتملكه مع حاجته وعدمها في صغر الابن وكبره إِذا لم تتعلق حاجة الابن به، وإِن تصرف فيه قبل تملكه ببيع أو عتق أو إِبراء من دين لم يصح تصرفه، وإِن وطئ جارية ابنه فأحبلها صارت أم ولد له وولده حر لا تلزمه قيمته ولا مهر ولا حد، وفي التعزير وجهان. وليس للابن مطالبة أبيه بدين ولا قيمة متلف ولا أرْش جناية ولا غير ذلك، والهدية والصدقة نوعان من الهبة. فصل في عطية المريض أما المريض غير مرض الموت أو مرضاً غير مخوف: كالرمد، ووجع الضرس، والصداع ونحوه، فعطاياه كعطايا الصحيح سواء تصح في جميع ماله، وإِن كان مرض الموت المخوف: كالبرسام وذات الجنب، والرعاف الدائم، والقيام المتدارك، والفالج في ابتدائه والسل في انتهائه، وما قال عدلان من أهل الطب إِنه مخوف، فعطاياه كالوصية في أنها لا تجوز لوارث ولا تجوز لأجنبي بزيادة على الثلث إِلا بإِجازة الورثة، مثل الهبة والعتق والكتابة والمحاباة. فأما الأمراض الممتدة كالسل والجذام والفالج في دوامه: فإِن صار

فصل

صاحبها صاحب فراش فهي مخوفة وإِلا فلا، وقال أبو بكر فيه وجه آخر أن عطيته من الثلث. ومن كان بين الصفين عند التحام الحرب أو في لجة البحر عند هيجانه، أو وقع الطاعون ببلده، أو قُدِّم ليقتص منه، أو الحامل عند المخاض فهو كالمريض، قال الخرقي: وكذلك الحامل إِذا صار لها ستة أشهر، وقيل عن أحمد رحمه الله تعالى ما يدل على أن عطايا هؤلاء من المال كله. وإِن عجز الثلث عن التبرعات المنجزة بدئ بالأول فالأول منها، فإِن تساوت قسم بين الجميع بالحصص، وعنه يقدم العتق. وأما معاوضة المريض بثمن المثل فتصح من رأس المال وإِن كانت مع وارث، ويحتمل أن لا تصح لوارث، وإِن حابى وارثه فقال القاضي يبطل في قدر ما حاباه ويصح فيما عداه، وللمشتري الخيار، لأن الصفقة تبعضت في حقه، فإِن كان له شفيع فله أخذه فإِن أخذه فلا خيار للمشتري، وإِن باع المريض أجنبياً، وحاباه (¬1) وكان شفيعه وارثاً فله الأخذ بالشفعة لأن المحاباة لغيره، ويعتبر الثلث عند الموت، فلو أعتق عبداً لا يملك غيره ثم ملك ما لا يخرج من ثلثه تبين أنه عتق كله، وإِن صار عليه دين يستغرقه لم يعتق منه شيء. فصل وتفارق العطية الوصية في أربعة أشياء: أحدها: أنه يبدأ بالأول فالأول منها، والوصايا يسوَّى بين المتقدم والمتأخر منها. والثاني: أنه لا يملك الرجوع في العطية بخلاف الوصية. ¬

_ (¬1) كذا في "ش" وفي "م" و"ط": أو حاباه.

الثالث: أنه يعتبر قبوله للعطية عند وجودها والوصية بخلافه. الرابع: أن المُلْك يثبت في العطية من حينها ويكون مراعى، فإِذا خرج من الثلث عند الموت تبين أن الملك كان ثابتاً من حينه، فلو أعتق في مرضه عبداً أو وهبه لإِنسان ثم كسب في حياة سيده شيئاً ثم مات سيده فخرج من الثلث كان كسبه له إِن كان معتقاً وللموهوب له إِن كان موهوباً، وإِن خرج بعضه فلهما من كسبه بقدر ذلك، فلو أعتق عبداً لا مال له سِوَاهُ فكسب مثل قيمته قبل موت سيده فقد عتق منه شيء، وله من كسبه شيء، ولورثة سيده شيئان، فصار العبد وكسبه نصفين يعتق منه نصفه وله نصف كسبه ولورثته نصفهما، وإِن كسب مِثْلَيْ قيمته صار له شيئان، وعتق منه شيء، وللورثة شيئان، فيعتق ثلاثة أخماسه، وله ثلاثة أخماس كسبه والباقي للورثة، وإِن كسب نصف قيمته عتق منه شيء وله نصف شيء من كسبه وللورثة شيئان فيعتق منه ثلاثة أسباعه وله ثلاثة أسباع كسبه والباقي للورثة، وإِن كان موهوباً لإِنسان فله من العبد بقدر ما عتق منه وبقدره من كسبه. وإِن أعتق جارية ثم وطئها وَمَهْرُ مثلها نصف قيمتها فهو كما لو كسبت نصف قيمتها، يعتق منها ثلاثة أسباعها، ولو وهبها مريضاً آخر لا مال (¬1) له أيضاً فوهبها الثاني للأول وصحت هبة الأول في شيء وعاد إِليه بالهبة الثانية ثلثه بقي لورثة الآخر ثلثا شيء، وللأول شيئان فلهم ثلاثة أرباعها ولورثة الثاني ربعها. وإِن باع مريض قفيزاً لا يملك غيره يساوي ثلاثين بقفيز يساوي عشرة فاسقط قيمة الرديء من قيمة الجيد، ثم انسبْ الثلث إِلى الباقي وهو عشرة من عشرين، تجده نصفها، فيصح البيع في نصف الجيد، بنصف الرديء، ويبطل فيما بقي. ¬

_ (¬1) في "ط": لا ملك.

فصل

وإِن أصدق امرأة عشرة لا مال له غيرها وصداق مثلها خمسة فماتت قبله ثم مات فلها بالصداق خمسة وشيء بالمحاباة رجع إِليه نصف ذلك بموتها صار له سبعة ونصف إِلا نصف شيء يعدل شيئين، اجبرها بنصف شيء، وقابل يخرج الشيء ثلاثة، فلورثته ستة ولورثتها أربعة، وإِن مات قبلها ورثته وسقطت المحاباة نص عليه، وعنه تعتبر المحاباة من الثلث؛ وقال أبو بكر: هذا قول قديم رجع عنه. فصل ولو ملك ابن عمه فأقر في مرضه أنه أعتقه في صحته عتق ولم يرثه، ذكره أبو الخطاب لأنه لو ورثه كان إِقرارُه لوارث وكذلك على قياسه لو اشترى ذا رحمه المحرم في مرضه، وهو وارثه أو وصّى له به، أو وهب له فقبله في مرضه. وقال القاضي يعتق ويرث. ولو أعتق أمته وتزوجها في مرضه لم ترثه على قياس الأول، وقال القاضي: ترثه. ولو أعتقها وقيمتها مئة ثم تزوجها وأصدقها مئتين لا مال له سواهما، وهي مهر مثلها، ثم مات، صح العتق، ولم تستحق الصداق لئلا يفضي إِلى بطلان عتقها ثم يبطل صداقها. وقال القاضي تستحق المئتين. ولو تبرع بثلث ماله ثم اشترى أباه من الثلثين فقال القاضي يصح الشراء ولا يعتق، فإِذا مات عتق على الورثة إِن كانوا ممن يعتق عليهم، ولا يرث لأنه لم يعتق في حياته. * * *

كتاب الوصايا

كتاب الوَصَايا وهي الأمر بالتصرف بعد الموت. والوصية بالمال هي التبرع به بعد الموت. وتصح من البالغ الرشيد عدلاً كان أو فاسقاً، رجلاً أو امرأة، مسلماً أو كافراً ومن السفيه في أصح الوجهين، ومن الصبي العاقل إِذا جاوز العشر، ولا تصح ممن له دون السبع وفيما بينهما (¬1) روايتان، ولا تصح من غير عاقل كالطفل والمجنون والمبرسم وفي السكران وجهان، وتصح وصية الأخرس بالإِشارة، ولا تصح وصية ممن (¬2) اعتقل لسانه بها، ويحتمل أن تصح. وإِن وجدت وصية بخطه صحت ويحتمل أن لا تصح حتى يشهد عليها. فصل والوصية مستحبة لمن ترك خيراً وهو المال الكثير بخمس ماله، ويكره لغيره إِن كان له ورثة، فأما من لاَ وَارِثَ له فتجوز وصيته بجميع ماله، وعنه لا يجوز إِلا الثلث. ولا تجوز لمن له وارث (¬3) بزيادة على الثلث لأجنبي، ولا لوارثه بشيء إِلا بإِجازة الورثة (¬4)، إِلا أن يوصى لكل وارث ¬

_ (¬1) في "ط": بينها. (¬2) في "ط": من. (¬3) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": وصية من له وارث. (¬4) العبارة مضطربة في "م" والمثبت يوافق "ش" و"ط".

بمعين بقدر ميراثه فهل يصح؟ على وجهين. وإِن لم يف الثلث بالوصايا تحاصوا فيه وأدخل النقص على كل واحد بقدر وصيته، وعنه يقدم العتق. وإِن أجاز الورثة الوصية جازت، وإِجازتهم تنفيذ في الصحيح من المذهب، لا تفتقر إِلى (¬1) شروط الهبة، ولا تثبت أحكامها فيها، فلو كان المجيز أباً للمجاز له لم يكن له الرجوع فيه، ولو كان المجاز عتقاً كان الولاء للموصي يختص به عصبته، ولو كان وقفاً على المجيزين صح، وعنه ما يدل على أن الإِجازة هبة فتنعكس هذه الأحكام، ومن أُوصِيَ له وهو في الظاهر وارث فصار عند الموت غير وارث صحت الوصية له، وإِن أوصي له وهو غير وارث فصار وارثاً بطلت لأن اعتبار الوصية بالموت، ولا تصح إِجازتهم وردهم إِلا بعد موت الموصي وما قَبْلَ ذلك لا عبرة به، ومن أجاز الوصية ثم قال إِنما أجزت لأنني ظننت المال قليلاً فالقول قوله مع يمينه وله الرجوع بما زاد على ما ظنه في أظهر الوجهين إِلا أن يقوم عليه بينة، وإِن كان المجاز عيناً فقال ظننت باقي المال كثيراً لم يقبل قوله في أظهر الوجهين. ولا يثبت الملك للمُوصى له إِلا بالقبول بعد الموت، فأما قبوله ورده قبل الموت فلا عبرة به، فإِن مات المُوصى له قبل موت الموصي بطلت الوصية، وإِن ردها بعد موته بطلت أيضاً، وإِن مات بعده وقبل الرد والقبول قام وارثه مقامه، ذكره الخرقي، وقال القاضي: تبطل الوصية على قياس قوله، وإِن قبلها بعد الموت ثبت الملك حين القبول في الصحيح، فما حدث قبله من نماء منفصل فهو للورثة، وإِن كان متصلاً تبعها. وإِن كانت الوصية بأمة فوطئها الوارث قبل القبول وأولدها صارت أم ¬

_ (¬1) في "م": إِلاّ وهو خطأ.

ولد له ولا مهر عليه وولده حرّ لا تلزمه قيمته وعليه قيمتها لِلْمُوصى له (¬1)، وإِن وصَّى له بزوجته فأولدها قبل القبول لم تصر أم ولد له وولده رقيق، ومن أوصى له بأبيه فمات قبل القبول فقبل ابنه عتق المُوصى به حينئذ ولم يرث شيئاً، ويحتمل أن يثبت الملك من حين الموت فتنعكس هذه الأحكام. فصل ويجوز الرجوع في الوصية، فإِذا قال قد رجعت في وصيتي أو أبطلتها ونحو ذلك بطلت، وإِن قال في المُوصى به هذا لورثتي، أو ما أوصيت به لفلان فهو لفلان كان رجوعاً، وإِن وصى به لآخر ولم يقبل ذلك فهو بينهما، وإِن باعه أو وهبه أو رهنه كان رجوعاً، وإِن كاتبه أو دبّره أو جحد الوصية فعلى وجهين، وإِن خلطه بغيره على وجه لا يتميز منه أو أزال اسمه فطحن الحنطة أو خبز الدقيق أو جعل الخبز فتيتاً أو نسج الغزل أو نجر الخشبة باباً ونحوه أو انهدمت الدار وزال اسمها فقال القاضي هو رجوع، وذكر أبو الخطاب فيه وجهين. وإِن وصى له بقفيز من صبرة ثم خلط الصبرة بأخرى لم يكن رجوعاً. وإِن زاد في الدار عمارة أو انهدم بعضها فهل يستحقه الموصى له؟ على وجهين. وإِن وصى لرجل ثم قال إِن قدم فلان فهو له فقدم في حياة الموصي فهو له، وإِن قدم بعد موته فهو للأول في أحد الوجهين وفي الآخر هو للقادم. ¬

_ (¬1) لِلْمُوصى له: كذا في "ط" وفي "ش" و"م": لِلْوَصِيِّ.

باب الموصى له

فصل وتخرج الواجبات من رأس المال أوصى بها أو لم يوص بها، فإِن وَصَّى معها بتبرع اعتبر الثلث من الباقي، وإِن قال أخرجوا الواجب من ثلثي فقال القاضي يبدأ به فإِن فضل من الثلث شيء فهو لصاحب التبرع وإِلا بطلت وصيته، وقال أبو الخطاب يزاحم به أصحاب الوصايا، فيحتمل على هذا أن يقسم الثلث بينهما أو يتمم الواجب من رأس المال فيدخله الدور، فلو كان المال ثلاثين، والواجب عشرة، والوصية عشرة، جُعِلت تتمة الواجب شيئاً، يكن (¬1) الثلث عشرة إِلا ثلث شيء بينهما للواجب خمسة إِلا سدس شيء يضم إِليه شيئاً يكن (¬2) عشرة فتجبر الخمسة بسدس شيء من الشيء يبقى خمسة أسداس شيء يعدل خمسة فالشيء ستة ويحصل للوصي الآخر أربعة. باب الموصى له تصح الوصية لكل من يصح تمليكه من مسلم وذمي ومرتد وحربي، وقال ابن أبي موسى: لا تصح لمرتد وتصح لمكاتبه ومدبره وأم ولده وتصح لعبد غيره، فإِذا قبلها فهي لسيده، وتصح لعبده بمشاع كثلثه، فإِذا وصى له بثلثه عُتِقَ وأخذ فاضل الثلث وإِن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث، وإِن وصى له بمعين أو بمائة لم يصح، وحكى عنه أنه يصح. وتصح للحمل إِذا علم أنه كان موجوداً حين الوصية بأن تضعه لأقل من ستة أشهر إِن كانت ذات زوج أو سيد يطأها، أو لأقل من أربع سنين إِن لم يكن كذلك في أحد الوجهين، وإِن وصى لمن تحمل هذه المرأة لم يصح (¬3)، وإِن قتل الوصي الموصي بطلت وصيته وإِن جرحه ثم أوصى له ¬

_ (¬1) "يكن": كذا في جميع الأصول وتصح على تقدير أنه مجزوم بجواب الطلب. (¬2) كذا في "ش" و"ط" وفي "م" صح؟؟. (¬3) كذا في "ش" و"ط" وفي "م" صح؟!.

فصل

فمات من الجرح لم تبطل الوصية في ظاهر كلامه، وقال أصحابنا في الوصية للقاتل روايتان. وإِن وصى لصنف من أصناف الزكاة أو لجميع الأصناف صح، ويعطى كل واحد منهم القدر الذي يُعْطَاهُ من الزكاة، فإِن وصى لِكَتْبِ القرآن أو العلم أو لمسجد أو لفرس حبيس ينفق عليه (¬1) صح، وإِن مات الفرس رد الموصى به أو باقيه إِلى الورثة. وإِن وصى في أبواب البر صرف في القُرَب، وقيل عنه يصرف في أربع جهات: في أقاربه، والمساكين، والحج، والجهاد، وعنه في فداء الأسرى مكان الحج. وإِن وصى أن يحج عنه بألف صرف في حجة بعد أخرى حتى ينفد ويدفع إِلى كل واحد قدر ما يحج به، وإِن قال حجوا عني حجة بألف دفع الكل إِلى من يحج به، فإِن عيَّنه في الوصية فقال يحج عني فلان بألف فأبى الحج وقال اصرفوا لي الفضل لم يعطه وبطلت الوصية في حقه. وإِن وصَّى لأهل سِكَّتِهِ فهو لأهل دَرْبِهِ، وإِن وصَّى لجيرانه تناول أربعين داراً من كل جانب، وقال أبو بكر مستدار أربعين داراً. وإِن وصى لأقرب قرابته وله أب وابن فهما سواء، والأخ والجد سواء، ويحتمل تقديم الابن على الأب والأخ على الجد والأخ من الأب والأخ من الأم سواء والأخ من الأبوين أحق منهما. فصل ولا تصح الوصية لكنيسة، ولا لبيت نار، ولا لِكْتَبِ التوراة والإِنجيل، ولا لملك، ولا لميت ولا بهيمة، وإِن وَصَّى لحي وميت يعلم ¬

_ (¬1) كذا في "م" بإِعادة الجار وهو أجود فأثبتناه.

باب الموصى به

موته فالكل للحي ويحتمل أن لا يكون له إِلا النِّصف فإِن لم يعلم فللحي نصف المُوصى به. وإِن وصى لوارثه وأجنبي بثلث ماله فرد الورثة فللأجنبي السدس، وإِن وصى لهما بثلثي ماله فكذلك عند القاضي، وعند أبي الخطاب له الثلث كله، وإِن وصى بماله لابنيه وأجنبي فردا وصيته فله التسع عند القاضي وعند أبي الخطاب له الثلث، وإِن وصى لزيد وللفقراء والمساكين بثلثه فلزيد التسع. باب الموصى به تصح الوصية بما لا يقدر على تسليمه: كالآبق، والشارد، والطير في الهواء، والحمل في البطن، واللبن في الضرع، وبالمعدوم: كالذي تحمل أمته، أو شجرته أبداً أو في مدة معينة، فإِن حصل منه شيء فهو له وإِلا بطلت الوصية. وإِن وصى له بمائة لا يملكها صح، فإِن قدر عليها عند الموت أو على شيء منها وإِلا بطنت الوصية (¬1). وتصح بما فيه نفع مباح من غير المال كالكلب والزيت النجس، فإِن لم يكن للموصى مال فللمُوصى له ثلث ذلك وإِن كان له مال فجميع ذلك للموصى له وإِن قل المال في أحد الوجهين، وفي الآخر له ثلثه، وإِن لم يكن له كلب لم تصح الوصية به. ولا تصح الوصية بما لا نفع فيه كالخمر والميتة ونحوهما. وتصح الوصية بالمجهول كعبد وشاة، ويُعْطى ما يقع عليه الاسم، فإِن اختلف الاسم بالحقيقة والعرف كالشاة [في العرف للأنثى (¬2)]، والبعير ¬

_ (¬1) سقطت الكلمة من "م". (¬2) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش" وبخط مغاير أثناء المقابلات =

فصل

والثور هو في العرف للذكر وحده، وفي الحقيقة للذكَر والأُنثى غُلِّبَ العرف، وقال أصحابنا تُغَلَّبُ الحقيقة. والدابة اسم للذكر والأنثى من الخيل والبغال والحمير. وإِن وصى له بغير معين كعبد من عبيده صح ويعطيه الورثة ما شاؤا منهم في ظاهر كلامه، وقال الخرقي: يعطى واحداً بالقرعة فإِن لم يكن له عبيد لم تصح في أحد الوجهين، وتصح في الآخر، ويشترى له ما يسمى عبداً، وإِن كان له عبيد فماتوا إِلا واحداً تعينت الوصية فيه، وإِن قتلوا كلهم فله قيمة أحدهم على قاتله. وإِن وصى له بقوس وله أقواس للرمي والبندق والندف، فله قوس النشاب لأنه أظهرها إِلا أن تقترن به قرينة تصرف إِلى غيره، وعند أبي الخطاب له واحد منها كالوصية بعبد من عبيده. وإِن وصى له بكلب أو طبل وله منها مباح ومحرم، انصرف إِلى المباح. وإِن وصى لم يكن له إِلا محرم لم تصح الوصية. وتنفذ الوصية فيما علم من ماله وما لم يعلم، وإِذا وصى بثلثه فاستحدث مالاً دخل ثلثه في الوصية، وإِن قتل وأخذت ديته فهل تدخل الدية في الوصية؟ على روايتين. وإِن وَصَّى بمعين بقدر نصف الدِّية فهل تحسب الدية على الورثة من الثلثين؟ على وجهين. فصل وتصح الوصية بالمنفعة المفردة: فلو وصَّى لرجل بمنافع أمته أبداً أو مدة معينة صح، فإِذا أوصى بها أبداً فللورثة عتقها وبيعها، وقيل لا يصح بيعها إِلا لمالك نفعها، ولهم ولاية تزويجها وأخذ مهرها في كل موضع ¬

_ = على نسخ أخرى كما نُوِّه بذلك عدة مرات.

فصل

وجب لأن منافع البضع (¬1) لا تصح الوصية بها، وقال أصحابنا مهرها للوصي. وإِن وطئت بشبهة فالولد حر وللورثة قيمة ولدها عند الوضع على الواطئ، وإِن قتلت فلهم قيمتها في أحد الوجهين، وفي الآخر يُشترى بها ما يقوم (¬2) مقامها، وللوصي استخدامها وإِجارتها وإِعارتها وليس لواحد منهما وطؤها، وإِن ولدت من زوج أو زنا فحكمه حكمها وفي نفقتها ثلاثة أوجه: أحدها أنه في كسبها. والثاني على مالكها. والثالث على الوصي. وفي اعتبارها من الثلث وجهان: أحدهما تعتبر جميعها من الثلث. والثاني تُقَوَّم بمنفعتها ثم تُقَوَّم مسلوبة المنفعة فيعتبر ما بينهما. وإِن وصى لرجل برقبتها ولآخر بمنفعتها صح وصاحب الرقبة كالوارث فيما ذكرنا، وإِن وصى لرجل بمكاتبه صح ويكن كما لو اشتراه. وإِن وصى له بمال الكتابة أو بنجم منها صح. وإِن وصى برقبته لرجل وبما عليه لآخر صح فإِن أدى عُتِقَ وإِن عَجِزَ فهو لصاحب الرقبة وبطلت وصية صاحب المال فيما بقي عليه. فصل ومن أُوصي له بشي بعينه فتلف قبل موت الموصي أو [بعده بطلت الوصية، وإِن تلف المال كله غيره بعد موت الموصي (¬3)] فهو للمُوصى له، ¬

_ (¬1) في "م": البعض. (¬2) في "م": يقول. (¬3) ما بين الرقمين مستدرك بخط مغاير على الهامش في "ش".

فإِن لم يأخذه زماناً قُوَّم وقت الموت لا وقت الأخذ، وإِن لم يكن له سوى المعين إِلا مال غائب أو دين في ذمة موسر أو معسر فللمُوصى له ثلث المُوصى به، وكلما اقْتُضِي من الدين شيء أو حَضَرَ من الغائب شيء ملك من المُوصى به قدر ثلثه حتى يملكه، وكذلك الحكم في المدبر. وإِن وصى له بثلث عبد فاستحق ثلثاه فله الثلث الباقي، وإِن وصى له بثلث ثلاثة أعبد فاستحق اثنان منهم أو ماتا فله ثلث الباقي، وإِن وَصَّى له بعبد لا يملك غيره قيمته مائة ولآخر بثلث ماله وملكُه غير العبد مائتان فأجاز الورثة فللمُوصى له بالثلث ثلث المائتين وربع العبد، وللمُوصى له بالعبد ثلاثة أرباعه، فإِن ردوا فقال الخرقي: للمُوصى له بالثلث سدس المائتين وسدس العبد، وللموصى له بالعبد نصفه، وعندي أنه يقسم الثلث بينهما على حسب ما لهما في حال الإِجازة: لصاحب الثلث خمس المائتين وعشر العبد ونصف عشره، ولصاحب العبد ربعه وخمسه، وإِن كانت الوصية بالنصف مكان الثلث فأجازوا فله مائة وثلث العبد ولصاحب العبد ثلثاه، [وإِن ردوا فلصاحب النصف ربع المائتين وسدس العبد ولصاحب العبد ثلثه (¬1)]، وقال أبو الخطاب: لصاحب النصف خمس المائتين وخمس العبد ولصاحب العبد خمساه، وهو قياس قول الخرقي، والطريق فيها أن تنظر ما حصل لهما في حال الإِجازة فتنسب إِليه ثلث المال وتعطي كل واحد مما كان له في الإِجازة: مثل نسبة الثلث إِليه، وعلى قول الخرقي تنسب الثلث إِلى وصيتهما جميعاً وتعطي كل واحد مما له في الإِجازة مثل تلك النسبة. وإِن وصى لرجل بثلث ماله ولآخر بمائة ولثالثٍ بتمام الثلث على المائة فلم يزد الثلث عن (¬2) المائة بطلت وصية صاحب التمام وقسمت ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك بخط مغاير على الهامش في "ش". (¬2) في "م": على.

باب الوصية بالأنصباء والأجزاء

الثلث بين الآخرين على قدر وصيتهما، وإِن زاد عن المائة فأجاز الورثة نفذت الوصية على ما قال الموصي، وإِن ردوا فلكل واحد نصف وصيته (¬1) عندي. وقال القاضي: ليس لصاحب التمام شيء حتى تكمل المئة لصاحبها ثم يكون له ما فضل عنها، ويجوز أن يزاحم به ولا يعطيه كَوَلَدِ الأب مع ولد الأبوين في مزاحمة الجد. باب الوصية بالأنصباء والأجزاء إِذا وصى له بمثل نصيب وارث معين فله مثل نصيبه مضموماً إِلى المسألة؛ فإِذا وصى له بمثل نصيب ابنه وله ابنان فله الثلث، وإِن كانوا ثلاثة فله الربع، وإِن كان معهم بنت فله التسعان، وإِن وَصَّى بنصيب ابنه فكذلك في أحد الوجهين، وفي الآخر لا تصح الوصية. وإِن وصى بضعف نصيب ابنه أو بضعفيه فله مثله مرتين. وإِن وصى بثلاثة أضعافه فله ثلاثة أمثاله. هذا هو الصحيح عندي. وقال أصحابنا ضعفاه ثلاثة أمثاله وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله كلما زاد ضعفاً زاد مرة واحدة. وإِن وصى بمثل نصيب أحد ورثته ولم يسمه كان له مثل ما لأقلهم نصيباً: فلو كانوا ابناً وأربع زوجات صحت من اثنين وثلاثين لكل زوجة (¬2) سهم وللوصي سهم يزاد عليها فتصير من ثلاثة وثلاثين، وإِن وصى بمثل نصيب وارث لو كان فله مثل ماله لو كانت الوصية وهو موجود، فإِن كان الوارث أربعة بنين فللمُوصى له (¬3) السدس، وإِن كانوا ثلاثة فله الخمس، ولو كانوا أربعة فأوصى بمثل نصيب خامس لو كان (إِلا مثل ¬

_ (¬1) في "ط": قيمته. (¬2) في "م": امرأة. (¬3) فللموصى له، كذا في "ش" وفي "م" و"ط": فللوصي.

فصل في الوصية بالأجزاء

نصيب سادس لو كان) (¬1) فقد أوصى له بالخمس إِلا السدس بعد الوصية فيكون له سَهْمٌ يزاد على ثلاثين سهماً وتصح من اثنين وستين له منها سهمان ولكل ابن خمسة عشر. فصل في الوصية بالأجزاء إِذا أوصى له بجزء أو حظ أو نصيب أو شيء، فللورثة أن يعطوه ما شاءوا، وإِن وصَّى له بسهم من ماله ففيها ثلاث روايات: إِحداهن له سدس بمنزلة سدس مفروض إِن لم تكمل فروض المسألة أو كانوا عصبة أُعْطِي سدساً كاملاً وإِن كملت فروضها أعيلت به وإِن عالت أعيل معها. والثانية له سهم مما تصح منه المسألة ما لم يزد على السدس. والثالثة له مثل نصيب أقل الورثة ما لم يزد على السدس. وإِن وصى له بجزء معلوم كثلث أو ربع أخذته من مخرجه فدفعته إِليه وقسمت الباقي على مسألة الورثة إِلا أن يزيد على الثلث ولا يجيزوا له فتفرض له الثلث وتقسم الثلثين عليها. وإِن وصى بجزأين أو أكثر أخذتها من مخرجها وقسمت الباقي على المسألة، فإِن زادت على الثلث ورد الورثة جعلت السِّهام الحاصلة للأوصياء ثلث المال، ودفعت الثلثين إِلى الورثة: فلو وَصَّى لرجل بثلث ماله ولآخر بربعه، وخلف ابنين أخذت الثلث والربع من مخرجهما سبعة من اثني عشر وبقي خمسة للابنين إِن أجازا، وإِن ردا جعلت السبعة ثلث المال فتكون المسألة من إِحدى وعشرين، وإِن أجاز لأحدِهما دون ¬

_ (¬1) ما بين قوسين زيادة من "م" و"ط".

فصل

الآخر، أو أجاز كل واحد لواحد فاضرب وفق مسألة الإِجازة وهو ثمانية في مسألة الرد تكن مائة وثمانية وستين للذين أجيز له سهمه من مسألة الإِجازة مضروب في وفق مسألة الرد، وللذي رد عليه سهمه من مسألة الرد في وفق مسألة الإِجازة والباقي للورثة. وللذي أجاز لهما نصيبه من مسألة الإِجازة في وفق مسألة الرد، وللآخر سهمه من مسألة الرد في وفق مسألة الإِجازة والباقي بين الوصيتين على سبعة. فصل وإِن زادت الوصايا على المال عملت فيها عملك في مسائل العول، فإِذا وصى بنصف وثلث وربع وسدس أخذتها من اثني عشر وعالت إِلى خمسة عشر، فتقسم المال كذلك إِن أجيز لَهُمْ أو الثلث إِن رد عليهم. وإِن وصى لرجل بجميع ماله ولآخر بنصفه فالمال بينهما على ثلاثة إِنْ أجيز لهما والثلث على ثلاثة مع الرد، فإِن أجيز لصاحب المال وحده فلصاحب النصف التسع والباقي لصاحب المال في أحد الوجهين، والآخر ليس له إِلا ثُلثا المال التي كانت في حال الإِجازة لهما، ويبقى التسعان للورثة، وإِن أجازوا لصاحب النصف وحده فله النصف في الوجه الأول. وفي الآخر له الثلث ولصاحب المال التسعان، وإِن أجاز أحد الابنين لهما فسهمه بينهما على ثلاثة، وإِن أجاز لصاحب المال وحده دفع إِليه كل ما في يده أو ثلثيه (¬1) على اختلاف الوجهين، فإِن أجاز لصاحب النصف وَحْدَهُ دفع إِليه نصف ما في يده ونصف سدسه أو ثلثه. ¬

_ (¬1) في "ط": ثلثه.

فصل في الجمع بين الوصية بالأجزاء والأنصباء

فصل في الجمع بين الوصية بالأجزاء والأنصباء إِذا خلف ابنين ووصى لآخر بثلث ماله ولآخر بمثل نصيب ابن ففيها وجهان: أحدهما لصاحب النصيب ثلث المال عند الإِجازة وعند الرد يقسم الثلث بين الوصيين نصفين. والثاني (أن يكون) (¬1) لصاحب النصيب مثل ما يحصل لابن وهو ثلث الباقي، وذلك التسعان عند الإِجازة وعند الرد يقسم الثلث بينهما على خمسة. وإِن كان الجزء الموصى به النصف خرج فيها وجه ثالث وهو أن يكون لصاحب النصيب في حال الإِجازة ثلث الثلثين وفي الرد يقسم الثلث بينهما على ثلاثة عشر سهماً؛ لصاحب النصف تسعة، ولصاحب النصيب أربعة. وإِن وصى لرجل بمثل نصيب أحدهما ولآخر بثلث باقي المال فعلى الوجه الأول: لصاحب النصيب ثلث المال وللآخر ثلث الباقي من المال تسعان والباقي للورثة. وعلى الوجه الثاني يدخلها الدور. ولعملها طرق: أحدها أن تجعل المال ثلاثة أسهم ونصيباً، تدفع النصيب إِلى الموصى له بنصيب ابن وللآخر ثلث الباقي سهم يبقى سهمان لكل ابن سهم، وذلك هو النصيب فصحت من أربعة. وبالجبر تأخذ مالاً وتلقي منه نصيباً وثلث الباقي، يبقى: ثلثا مال إِلا ثلثي نصيب تعدل نصيبين، اجبرها بثلثي نصيب ورد مثل ذلك على ¬

_ (¬1) ما بين قوسين زيادة من "م".

النصيبين يبقى ثلثا مال تعدل نصيبين وثلثين، ابْسُطِ الكلَّ أثلاثاً من جنس الكسر يصير مالين تعدل ثمانية أنصباء، اقلب فاجعل المال ثمانية والنصيب اثنين، وإِن شئت قلت للابنين سهمان ثم تقول هذا بقية مال ذهب ثلثه فزد عليه مثل نصفه يصير ثلاثة ثم زد مثل نصيب ابن يصير أربعة. وإِن كانت وصية الثاني بثلث ما يبقى من النصف فبالطريق الأولى: تجعل المال ستة ونصيبين تدفع النصيب إِلى الموصى له به وإِلى الآخر ثلث بقية النصف سهماً، وإِلى أحد الابنين نصيباً. بقي خمسة للابن الآخر، فالنصيب خمسة والمال ستة عشر. وبالجبر تأخذ مالاً وتلقى منه نصيباً وثلث باقي النصف يبقى خمسة أسداس مال إِلا ثلثي نصيب تعدل نصيبين، [اجبرها تكن خمسة أسداس مال تعدل نصيبين وثلثين (¬1)]، ابسط الكل أسداساً واقلب وحول يصر المال ستة عشر والنصيب خمسة. وإِن خلَّف أماً وبنتاً وأختاً، وأوصى لرجل (¬2) بمثل نصيب الأم وسبع ما بقي، ولآخر بمثل نصيب الأخت وربع ما بقى، ولآخر بمثل نصيب البنت وثلث ما بقى، فقل: مسألة الورثة من ستة، وهي بقية مال ذهب ثلثه فزد عليه مثل نصفه ثلاثة ثم زد مثل نصيب (¬3) البنت يكن اثني عشر فهو بقية مال ذهب ربعه فزد عليه ثلثه ومثل نصيب الأخت صارت ثمانية عشر وهي بقية مال ذهب سبعه فزد عليه سدسه ومثل نصيب الأم يكن اثنين وعشرين. وإِن خلف ثلاثة بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم إِلا ربع المال: فخذ مخرج الكسر أربعة وزد عليه ربعه يكن خمسة فهو نصيب كل ابن، وزد على عدد البنين واحداً واضربه في مخرج الكسر تكن ستة عشر، أعط ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين سقط من "م". (¬2) زيادة من "م". (¬3) سقطت الكلمة من "م".

باب الموصى إليه

الموصى له نصيباً وهو خمسة، واستثن منه ربع المال أربعة، يبقى له سهم ولكل ابن خمسة. وإِن قال إِلا ربع الباقي بعد النصيب فزد على عدد البنين سهماً ورُبْعاً، واضربه في المخرج يكن سبعة عشر له سهمان ولكل ابن خمسة. وإِن قال إِلا ربع الباقي بعد الوصية جعلت المخرج ثلاثة وزدت عليه واحداً يكن أربعة فهو النصيب، وزدت على سهام البنين سهماً وثلثاً وضربته في ثلاثة يكن ثلاثة عشر سهماً، له سهم ولكل ابن أربعة. ولا يليق بهذا الكتاب التطويل بأكثر من هذا. باب الموصى إليه تصح وصية المسلم إِلى كل مسلم عاقل عدل، وإِن كان عبداً أو مراهقاً أو امرأة أو أم ولد، ولا تصح إِلى غيرهم، وعنه تصح إِلى الفاسق، ويضم الحاكم إِليه أميناً، فإِن كانوا على غير هذه الصفات ثم وجدت عند الموت فهل تصح؟ على وجهين. فإِذا أوصى إِلى واحد وبعده إِلى آخر فهما وصيتان إِلا أن يقول قد أخرجت الأول، وليس لأحدهما الانفراد بالتصرف إِلا أن يجعل ذلك إِليه، فإِن مات أحدهما أقام الحاكم مقامه أميناً، وكذلك إِن فَسَقَ، وعنه يضم إِليه أمين، ويصح قبوله للوصية في حياة الموصي وبعد موته، وله عزل نفسه متى شاء، وعنه ليس له ذلك بعد موته. وللموصي عزله متى شاء، وليس لِلْوَصِيِّ (¬1) أن يُوصِيَ إِلا أن يجعل ذلك إِليه، وعنه له ذلك. ¬

_ (¬1) في "ط" للموصي.

ولا تصح الوصية إِلا في معلوم يملك الموصى فعله كقضاء الدين، وتفريق الوصية، والنظر في أمر (¬1) الأطفال. وإِذا أوصى إِليه في شيء لم يصر وصياً في غيره، وإِذا أوصى إِليه بتفريق ثلثه فأبى الورثة إِخراج ثلث ما في أيديهم أخرجه كله مما في يده. وعنه يخرج ثلث ما في يده ويحبس باقيه حتى يخرجوا، وإِن أوصاه بقضاء دين معين فأبى ذلك الورثة قضاه بغير علمهم، وعنه في من عليه دين لميت وعلى الميت دين أنه يقضي دين الميت إِن لم يخف تبعة. وتصح وصية الكافر إِلى مسلم وإِلى من كان عدلاً في دينه. وإِذا قال ضع ثلثي حيث شئت أو أعطه من شئت لم يجز له أخذه ولا دفعه إِلى ولده، ويحتمل جواز ذلك لتناول اللفظ له. وإِنْ دعت الحاجة إِلى بيع بعض العقار لقضاء دين الميت، أو حاجة الصغار، وفي بيع بعضه نقص (¬2) فله البيع على الكبار والصغار، ويحتمل أنه ليس له البيع على الكبار وهو أقيس. * * * ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": "أموال". (¬2) كذا في "ش" و"م" وفي "ط": "ضرر".

كتاب الفرائض

كتاب الفرائض وهي قسمة المواريث. وأسباب التوارث ثلاثة: رحم، ونكاح، وولاء، لا غير. وعنه أنه يثبت بالموالاة، والمعاقدة، وإِسلامه على يديه، وكونهما من أهل الديوان (ولا عمل عليه) (¬1). والمجمع على توريثهم من الذكور عشرة: الابن وابنه وإِن نزل، والأب وأبوه وإِن علا، والأخ من كل جهة، وابن الأخ إِلا من الأم، والعم وابنه كذلك، والزوج ومولى النعمة. ومن الإِناث سبع: البنت، وبنت الابن، والأم، والجدة، والأخت، والمرأة، ومولاة النعمة. والوراث ثلاثة: ذوو فرض. وعصبات. وذوو رحم. باب ميراث ذوي الفروض وهم عشرة: الزوجان، والأبوان، والجد، والجدة، والبنت، وبنت الابن، والأخت من كل جهة، والأخ من الأم. فللزوج الربع إِذا كان لها ولد أو ولد ابن والنصف مع عدمهما، وللمرأة الثمن إِذا كان له ولد أو ولد ابن والربع مع عدمهما. ¬

_ (¬1) ما بين قوسين زيادة من "م".

فصل

فصل وللأب ثلاثة أحوال: حال يرث فيها السدس بالفرض وهي مع ذكور الولد [أو ولد الابن (¬1)]. وحال يرث فيها بالتعصيب وهي مع عدم الولد أو ولد الابن. وحال يجتمع له الفرض والتعصيب وهي مع إِناث الولد أو ولد الابن. فصل وللجد هذه الأحوال الثلاثة وحال رابع وهي مع الإِخوة والأخوات من الأبوين أو الأب، فإِنه يقاسمهم كأخ إِلا أن يكون الثلث خيراً له فيأخذه والباقي لهم، فإِن كان معهم ذو فرض أخذ فرضه ثم للجد الأحظ من المقاسمة كأخ أو ثلث الباقي أو سدس جميع المال، فإن لم يفضل عن الفرض إِلا السدس فهو له وسقط من معه منهم، إِلا في الأكدرية وهي: زوج وأم وأخت وجد: فللزوج النصف، وللأم الثلث، وللجد السدس وللأخت النصف، ثم يقسم نصف الأخت وسدس الجد بينهما على ثلاثة، فتضربها في المسألة وعولها وهي تسعة تكن سبعة وعشرين: للزوج تسعة، وللأم ستة، وللجد ثمانية، وللأخت أربعة، ولا يعول من مسائل الجد غيرها؛ ولا يفرض لأخت مع جد إِلا فيها وإِن لم يكن فيها زوج فللأم الثلث وما بقي بين الجد والأخت على ثلاثة فتصح من تسعة، وتسمى الخرقاء لكثرة اختلاف الصحابة فيها. وولد الأب كولد الأبوين في مقاسمة الجد إِذا انفردوا، فإِن اجتمعوا ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين زيادة من "ط".

فصل

عادَّ ولد الأبوين الجد بولد الأب، ثم أخذوا منهم ما حصل لهم إِلا أن يكون ولد الأبوين أختاً واحدة فتأخذ تمام النصف، وما فضل لهم، ولا يتفق هذا في مسالة فيها فرض غير السدس، فإِذا كان: جد وأخت من أبوين وأخت من أب، فالمال بينهم على أربعة: للجد سهمان ولكل أخت سهم، ثم رجعت الأخت من الأبوين فأخذت ما في يد أختها كله. وإِن كان معهم أخ من أب: فللجد الثلث، وللأخت النصف، يبقى للأخ وأخته السدس على ثلاثة فتصح من ثمانية عشر. فإِن كان معهم أم: فلها السدس وللجد ثلث الباقي، وللأخت النصف، والباقي لهم، فتصح من أربعة وخمسين وتسمى مختصرة زيد. فإِن كان معهما أخ آخر صحت من تسعين وتسمى تسعينية زيد. فصل وللأم أربعة أحوال: حال لها السدس وهي مع وجود الولد أو ولد الابن أو اثنين من الإِخوة والأخوات. وحال لها الثلث وهي مع عدم هؤلاء. وحال لها ثلث ما بقي وهي: في زوج وأبوين، وامرأة وأبوين، لها ثلث الباقي بعد فرض الزوجين. وحال رابع وهي إِذا لم يكن لولدها أب لكونه ولد زنا أو منفياً بلعان فإِنه ينقطع تعصيبه من جهة من نفاه فلا يرثه هو ولا أحد من عصباته، وترث أمه وذوو الفرض منه فروضهم وعصبته عصبة أمه، وعنه أنها هي عصبته، فإِن

فصل

لم تكن فعصبتها عصبته، فإِذا خلف أماً وخالاً فلأمه الثلث وباقيه للخال، وعلى الرواية الأخرى الكل للأم، فإِن كان معهم أخ فله السدس والباقي له أو للأم على الرواية الثانية، وإِذا مات ابن ابن ملاعنة، وخلف أمه وجدته: فلأمه الثلث وباقيه للجدة على إِحدى الروايتين وهذه جدة ورثت مع أم أكثر منها. فصل وللجدات السدس واحدة كانت أو أكثر إِذا تحاذين فإِن كان بعضهن أقرب من بعض فالميراث لأقربهن. وعنه أن القربى من جهة الأب لا تحجب البعدى من جهة الأم، ولا يرث أكثر من ثلاث جدات أم الأم وأم الأب وأم الجد، ومن كان من أمهاتهن وإِن علت درجتهن، وأما أم أبي الأم، وأم أبي الجد، فلا ميراث لهما. والجدات المتحاذيات أم أم أم، وأم أم أب، وأم أبي أب، وترث الجدة وابنها حي، وعنه لا ترث. وإِن اجتمعت جدة ذات قرابتين مع أخرى فلها ثلثا السدس في قياس قوله وللأخرى ثلثه. فصل وللبنت الواحدة النصف، فإِن كانتا اثنتين فصاعداً فلهن الثلثان، وبنات الابن بمنزلة البنات إِذا لم يَكُنْ بَنَاتٌ، فإِن كانت بنت وبنات ابن فللبنت النصف، ولبنات الابن -واحدة كانت أو أكثر من ذلك- السدس تكملة الثلثين، إِلا أن يكون معهن ذكر فَيُعَصِّبُهُنَّ فيما بقي للذكر مثل حظ

فصل

الأنثيين، وإِن استكمل البنات الثلثين سقط بنات الابن إِلا أن يكون معهن أو أنزل منهن ذكر فيعصبهن فيما بقي. فصل وفرض الأخوات من الأبوين مثل فرض البنات سواء، والأخوات من الأب معهن كبنات الابن مع البنات سواء، إِلا أنهن لا يعصبهن إِلا أخوهن، والأخوات مع البنات عصبة يرثن ما فضل كالإِخوة، وليست لهن معهن فريضة مسماة. فصل وللواحد من ولد الأم السدس ذكراً كان أو أنثى، فإِن كانا اثنين فصاعداً فلهم الثلث بينهم بالسوية. فصل في الحجب يسقط الجد بالأب، وكل جد بمن هو أقرب منه، والجدات بالأم، وولد الابن بالابن، وولد الأبوين بثلاثة: بالابن، وابنه، والأب. ويسقط ولد الأب بهؤلاء الثلاثة، وبالأخ من الأبوين، ويسقط ولد الأم بأربعة: بالولد -ذكراً كان أو أنثى- وولد الابن، والأب، والجد. باب العصبات وهم عشرة: الابن وابنه والأب وأبوه والأخ وابنه إِلا من الأم والعم وابنه كذلك ومولى النعمة ومولاة النعمة، وأحقهم بالميراث أقربهم ويسقط به من بعد، وأقربهم الابن ثم ابنه وإِن نزل، ثم الأب، ثم الجد

وإِن علا، ثم الأخ من الأبوين، ثم من الأب، ثم من ابن الأخ من الأبوين، ثم من الأب، ثم أبناؤهم وإِن نزلوا، ثم الأعمام، ثم أبناؤهم كذلك، ثم أعمام الأب ثم أبناؤهم كذلك، ثم أعمام الجد ثم أبناؤهم كذلك أبداً، لا يرث بنو أب أعلى مع بني أب أقرب منهم وإِن نزلت درجتهم، وأولى ولد كل أب أقربهم إِليه، فإِن استووا فأولاهم من كان لأبوين، وإِذا انقرض العصبة من النسب ورث المولى المعتق ثم عصباته من بعده. وأربعة من الذكور يعصبون أخواتهم، فيمنعونهن الفرض، ويقتسمون ما ورثوا للذكر مثل حظ الأنثيين وهم: الابن وابنه، والأخ من الأبوين، والأخ من الأب، ومن عداهم من العصبات ينفرد الذكور بالميراث دون الإِناث وهم: بنو الإِخوة (¬1) والأعمام وبنوهم، وابن الابن يعصب من بإِزائه من أخواته وبنات عمه، ويعصب من أعلى منه من عماته وبنات عم أبيه إِذا لم يكن لهن فرض، ولا يعصب من أنزل، وكلما نزلت درجته زاد فيمن يعصبه قبيل آخر، ومتى كان بعض بني الأعمام زوجاً أو أخاً لأم أخذ فرضه وشارك الباقين في تعصيبهم، وإِذا اجتمع ذو فرض وذو عصبة بدئ بذي الفرض فأخذ فرضه وما بقي للعصبة، فإِن استغرقت الفروض المال فلا شيء للعصبة: كزوج وأم لإِخوة لأم وإِخوة لأبوين أو لأب: للزوج النصف، وللأم السدس، وللإِخوة من الأم الثلث، وسقط سائرهم وتسمى المشتركة والحمارية إِذا كان فيها إِخوة لأبوين، ولو كان مكانهم أخوات لأبوين أو لأب عالت إِلى عشرة وسميت ذات الفروخ. ¬

_ (¬1) كذا في "ش" وفي "م" و"ط": بنو الأخ.

باب أصول المسائل

باب أصول المسائل الفروض ستة، وهي نوعان: نصف وربع وثمن وثلثان وثلث وسدس، وهي تخرج من سبعة أصول: أربعة لا تعول. وثلاثة تعول. فالتي لا تعول هي ما كان فيها فرض واحد أو فرضان من نوع واحد، فالنصف وحده من اثنين، والثلث وحده أو مع الثلثين مع ثلاثة، والربع وحده أو مع النصف من أربعة، والثمن وحده أو مع النصف من ثمانية، فهذه التي لا تعول. وأما التي تعول: فهي التي يجتمع فيها فروض (¬1) أو فرضان من نوعين: فإِذا اجتمع مع النصف سدس أو ثلث أو ثلثان فهي من ستة وتعول إِلى عشرة ولا تعول إِلى أكثر من ذلك. وإِن اجتمع مع الربع أحد الثلاثة فهي من اثني عشر وتعول على الأفراد إِلى سبعة عشر ولا تعول إِلى أكثر منها. وإِن اجتمع مع الثمن سدس أو ثلثان فأصلها من أربعة وعشرين وتعول إِلى سبعة وعشرين ولا تعول إِلى أكثر منها، وتسمى البخيلة لقلة عولها والمنبرية لأن علياً رضي الله عنه سئل عنها على المنبر فقال صار ثُمْنُها تسعاً. فصل في الرَّدّ وإِذا لم تستوعب الفروض المال، ولم يكن عصبة، ردّ على ذوي الفروض بقدر فروضهم إِلا الزوج والزوجة، فإِن كان المردود عليه واحداً أخذ المال كله، وإِن كان فريقاً من جنس واحد كبنات أو أخوات اقتسموه ¬

_ (¬1) في "ط": فرض.

باب تصحيح المسائل

كالعصبة، وإِن اختلفت أجناسهم فخذ عدد سهامهم من أصل ستة واجعله أصل مَسْأَلَتِهِمْ فإن كانا سدسين كجدة وأخ من أم فهي من اثنين، وإِن كان مكان الجدة أم فهي من ثلاثة، وإِن كان مكانها أخت لأبوين فهي من أربعة، وإِن كان معها أخت لأب فهي من خمسة، ولا تزيد على هذا أبداً لأنها لو زادت سدساً آخر لكمل المال، فإِن انكسر على فريق منهم ضربته في عدد سهامهم لأنه أصل مسألتهم، فإِن كان معهم أحد الزوجين فأعطه فرضه من أصل مسألته واقسم الباقي على مسألة الرد وهو ينقسم إِذا كان زوجة ومسألة الرد من ثلاثة: فللزوجة الربع والباقي لهم فتصير المسألة من أربعة، وفي غير هذا تضرب مسألة الرد في مسألة الزوج فما بلغ فإِليه تنتقل المسألة. فإِذا كان زوج وجدة وأخ من أم: فمسألة الزوج من اثنين ومسألة الرد من اثنين تضرب إِحداهما في الأخرى تكن أربعة، وإِن كان مكان الزوج زوجة، ضربت مسألة الرد في أربعة تكن ثمانية، وإِن كان مكان الجدة أخت لأبوين انتقلت إِلى ستة عشر، وإِن كان مع الزوجة بنت وبنت ابن انتقلت إِلى اثنين وثلاثين، وإِن كان معهم جدة صارت من أربعين ثم تصحح بعد ذلك على ما نذكره. باب تصحيح المسائل إِذا لم ينقسم سهم فريق عليهم قسمة صحيحة فاضرب عددهم في أصل المسألة وعولها إِن كانت عائلة ثم يصير لكل واحد من الفريق مثل ما كان لجماعتهم، إِلا أن يوافق عددهم سهامهم بنصف أو ثلث أو غير ذلك من الأجزاء فيجزئك ضرب وفق عددهم، ثم يصير لكل واحد وفق ما كان لجماعتهم، وإِن انكسر على فريقين أو أكثر وكانت متماثلة كثلاثة وثلاثة اجتزأت بأحدها، وإِن كانت متناسبة وهو: أن تنسب الأقل إِلى الأكثر بجزء من أجزائه كنِصْفِهِ أو ثلثه أو ربعه اجتزأت بأكثرها وضربته في المسألة

باب المناسخات

وعولها، وإِن كانت متباينة ضربت بعضها في بعض فما بلغ ضربته في المسألة وعولها، وإِن كانت متوافقة كأربعة وستة وعشرة ضربت وفق أحدهما في الآخر (¬1) ثم وافقت بين ما بلغ وبين الثالث وضربت وفق أحدهما في الآخر، ثم اضرب ما معك في أصل المسألة وعولها إِن كانت عائلة فما بلغ فمنه تصح، فإِذا أردت القسمة فكل من له شيء من أصل المسألة مضروب في العدد الذي ضربته في المسألة فما بلغ فهو له إِن كان واحداً وإِن كانوا جماعة قسمته عليهم. باب المناسخات ومعناها أن يموت بعض ورثه الميت قبل قسمة تركته، ولها ثلاثة أحوال: أحدها: أن يكون ورثة الثاني يرثونه على حسب ميراثهم من الأول مثل أن يكونوا عصبة لهما فاقسم المال بين من بقي منهم ولا تنظر إِلى الميت الأول. الثاني: أن يكون ما بعد الميت الأول من الموتى لا يرث بعضهم بعضاً كإِخوة خَلَّفَ كل واحد منهم بنيه فاجعل مسائلهم كعدد انكسرت عليهم سهامهم، وصحح على ما ذكرنا في باب التصحيح. الثالث: ما عدا ذلك: فصحح مسألة الأول، وانظر ما صار للثاني منها فاقسمه على مسألته، فإِن انقسم صحت المسألتان مما صحت منه الأولى: كرجل خَلَّفَ امرأة، وبنتاً، وأخاً، ثم ماتت البنت وخلفت زوجاً وبنتاً وعمها، فإِنَ لها أربعة ومسألتها من أربعة، فصحت المسألتان من ثمانية، وصار للأخ أربعة، وإِن لم ينقسم وافقت بين سهامه ومسألته، ¬

_ (¬1) في "م": في الأخرى.

باب قسم التركات

ثم ضربت وفق مسألته في المسألة الأولى، ثم كل من له شيء من الأولى مضروب في وفق الثانية، ومن له شيء من الثانية مضروب في وفق سهام الميت الثاني، مثل أن تكون الزوجة أُماً للبنت في مسألتنا، فإِن مسألتها من اثني عشر توافق سهامها بالربع فترجع إِلى ربعها ثلاثة تضربها في الأولى تكن أربعة وعشرين، وإِن لم توافق سهامه مسألته ضربت الثانية في الأولى وكل من له شيء من الأولى مضروب في الثانية ومن له شيء من الثانية مضروب في سهام الثاني: مثل أن تخلف البنت بنتين فإِن مسألتها تعول إِلى ثلاثة عشر تضربها في الأولى تكن مئة وأربعة تعمل على ما ذكرنا، فإِن مات ثالث جمعت سهامه مما صحت منه الأوليان وعملت فيها عملك في مسألة الثاني مع الأولى، وكذلك تصنع في الرابع ومن بعده. باب قسم التركات إِذا خلف تركة معلومة، فأمكنك نسبة نصيب كل وارث من المسألة فأعطه مثل تلك النسبة من التركة، وإِن شئت قسمت على المسألة وضربت الخارج بالقسم في نصيب كل وارث فما اجتمع فهو نصيبه، وإِن شئت [ضربت سهامه في التركة وقسمتها على المسألة فما خرج فهو نصيبه، وإِن (¬1)] شئت في مسائل المناسخات قسمت التركة على المسألة الأولى، ثم أخذت نصيب الثاني وقسمته على مسألته وكذلك الثالث، وإِن كان بين التركة والمسالة موافقة فوافق بينهما، واقسم وفق التركة على وفق المسألة، وإِن أردت القسمة على قراريط الدينار فاجعل عدد القراريط كالتركة المعلومة واعمل على ما ذكرنا فإن كانت التركة سهاماً من عقار كثلث وربع ونحو ذلك: فإِن شئت أن تجمعها من قراريط الدينار ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش" بخط مغاير.

باب ذوي الأرحام

[وتقسمها على ما قلنا (¬1)] وإِن شئت وافقت بينها وبين المسألة وضربت المسألة أو وفقها في مخرج سهام العقار، ثم كل من له شيء من المسألة مضروب في السهام الموروثة من العقار أو في وفقها فما كان فانسبه من المبلغ فما خرج فهو نصيبه. باب ذوي الأرحام وهم كل قرابة ليس بذي فرض ولا عصبة. وهم أحد عشر صنفاً: ولد البنات، وولد الأخوات، وبنات الإِخوة، وبنات الأعمام، وبنو الإِخوة من الأم، والعم من الأم، والعمات، والخالات، والأخوال، وأبو الأم، وكل جدة أدلت بأب بين أُمَّيْن، أو بأب أعلى من الجد ومن أدلى بهم. ويرثون بالتنزيل: وهو أن تجعل كل شخص بمنزلة من أدلى به: فتجعل ولد البنات والأخوات كأمهاتهم، وبنات الإِخوة والأعمام وولد الإِخوة من الأم كآبائهم، والأخوال والخالات وآباء الأم كالأم، والعمات والعم من الأم كالأب، وعنه كالعم (¬2)، ثم تجعل نصيب كل وارث لمن أدلى به، فإِن أدلى جماعة منهم (¬3) بواحد واستوت منازلهم منه فنصيبه بينهم بالسوية ذكرهم وأنثاهم سواء، وعنه للذكر مثل حظ الأنثيين إِلا ولد الأم، وقال الخرقي: يسوى بينهم إِلا الخال والخالة. وإِذا كان ابن وبنت أخت (¬4) وبنت أخت أخرى فلبنت الأخت وحدها ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش" وبخط مغاير ويدل ذلك على أصالة النسخة "ش" كونها مقابلة على عدة نسخ كما ألمحنا أكثر من مرة. (¬2) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": كالأم. (¬3) زيادة من "ط". (¬4) اللفظة سقطت من "م".

النصف، وللأخرى وأخيها النصف بينهما، وإِن اختلفت منازلهم من المدلى به جعلته كالميت وقسمت نصيبه بينهم على ذلك: كثلاث خالات مفترقات، وثلاث عمات مفترقات، فالثلث بين الخالات على خمسة أسهم والثلثان بين العمات كذلك، فاجتزئ بإِحداهما واضربها في ثلاثة تكن خمسة عشر للخالة التي من قبل الأب، والأم ثلاثة أسهم (¬1) وللتي من قبل الأب سهم، وللتي من قبل الأم سهم، وللعمة التي من قبل الأب والأم ستة أسهم، وللتي من قبل الأب سهمان، وللتي من قبل الأم سهمان، فإِن خلف ثلاثة أخوال مفترقين: فللخال من الأم السدس وللخال من الأبوين الباقي (¬2)، وإِن كان معهم أبو أم أسقطهم كما يسقط الأب الإِخوة. وإِن خلف ثلاث بنات عمومة مفترقين فالمال لبنت العم من الأبوين وحدها. وإِن أدلى جماعة منهم بجماعة قسمت المال بين المدلى بهم كأنهم أحياء، فما صار لكل وارث فهو لمن أدلى به، وإِن أسقط بعضهم بعضاً عملت (¬3) على ذلك، فإِن كان بعضهم أقرب من بعض فمن سبق إِلى الوارث ورث (¬4)، وأسْقَطَ غيره إِلا أن يكونا من جهتين فتنزل البعيد حتى يلحق بوارثه سواء سقط به القريب أو لا: كبنت بنت بنت، وبنت أخ لأم، المال لبنت بنت البنت. ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"ط" واللفظة ليست في "م". (¬2) كذا في "ش" وفي "م" و"ط": والباقي للخال من الأبوين. (¬3) في "ط": أعملت. (¬4) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": وإن كان بعضهم أقرب من بعض أعملت على ذلك. . إِلخ وما في "ش" و"ط" هو المثبت هنا.

باب ميراث الحمل

والجهات أربع: الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة. وذكر أبو الخطاب العمومة جهة خامسة، وهو مفض إِلى إِسقاط بنت العم من الأبوين ببنت العم من الأم (وبنت العمة) (¬1)، وما نعلم به قائلاً. ومن أَمَتَّ بقرابتين ورث بهما، وإِن اتفق معهم أحد الزوجين أعطيته فرضه غير محجوب ولا معاول وقسمت الباقي بينهم كما لو انفردوا، ويحتمل أن يقسم الفاضل عن الزوج بينهم كما يقسم بين من أدلوا به. فإِذا خلفت زوجاً وبنت بنت وبنت أخت، فللزوج النصف، والباقي بينهما نصفين على الوجه الأول، وعلى الآخر يُقْسَم بينهما على ثلاثة: لبنت البنت سهمان، ولبنت الأخت سهم ولا يعول في مسائل ذوي الأرحام إِلا مسألة واحدة وشبهها، وهي: خالة وست بنات ست أخوات متفرقات تعول إِلى سبعة. باب ميراث الحمل إِذا مات عن حمل يرثه، وطالب بقية الورثة بالقسمة، وقفت له نصيب ذكرين إِن كان نصيبهما أكثر، وإِلا وقفت نصيب انثيين ودفعت إِلى من لا يحجبه الحمل أقل ميراثه، ولا تدفع إِلى من يسقطه شيئاً، فإِذا وضع الحمل دفعت إِليه نصيبه ورددت الباقي إِلى مستحقه. فصل وإِذا استهل المولود صارخاً ورث وورِّث. وفي معناه العطاس والتنفس والارتضاع وما يدل على الحياة، فأما الحركة والاختلاج فلا تدل على الحياة، وإِن ظهر بعضه فاستهل ثم انفصل ميتاً لم يرث. وعنه يرث. ¬

_ (¬1) ما بين قوسين زيادة من "ط".

باب ميراث المفقود

وإِن ولدت توأمين فاستهل أحدهما وأشكل أقرع بينهما فمن خرجت قرعته فهو المستهل. باب ميراث المفقود وإِذا انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة كالتجارة ونحوها انتظر به تمام تسعين سنة من يوم ولد، وعنه ينتظر به أبداً، وإِن كان ظاهرها الهلاك: كالذي يفقد من بين أهله، أو في مفازة مهلكة كالحجاز، أو بين الصفين حال الحرب، أو في البحر إِذا غرقت سفينته انتظر به تمام أربع سنين، ثم يقسم ماله وعنه التوقف، فإِن مات موروثه في مدة التربص دفع إِلى كل وارث اليقين، ووقف الباقي، فإِن قدم أخذ نصيبه، وإِن لم يأت فحكمه حكم ماله ولباقي الورثة أن يصطلحوا على ما زاد عن نصيبه فيقسموه. باب ميراث الخنثى وهو الذي له ذكر وفرج امرأة، فيعتبر بمباله: فإِن بال أو سبق بوله من ذكره فهو رجل، وإِن سبق من فرجه فهو امرأة، وإِن خرجا معاً اعتبر أكثرهما، فإِن استويا فهو مشكل، فإِن كان يرجى انكشاف حاله وهو الصغير، أعطي هو ومن معه اليقين، ووقف الباقي حتى يبلغ فيظهر فيه علامات الرجال: من نبات لحيته، وخروج المني من ذكره. أو علامات النساء: من الحيض ونحوه، وإِن يئس من ذلك بموته أو عدم العلامات بعد بلوغه أعطي نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى، فإِذا كان مع الخنثى بنت وابن جعلت للبنت أقل عدد له نصف وهو سهمان، وللذكر أربعة وللخنثى ثلاثة، وقال أصحابنا: تعمل المسألة على أنه ذكر، ثم على أنه أنثى، ثم تضرب إِحداهما أو وفقها في الأخرى إِن اتفقتا،

باب ميراث الغرقى ومن عمي موتهم

وتجتزئ بإِحداهما إِن تماثلتا، أو بأكثرهما إِن تناسبتا، وتضربها في اثنين، ثم كل [من له شيء من إِحدى المسألتين مضروب في الأخرى أو في وفقهما أو تجمع ماله منهما إِن تماثلتا. وإِن كانا خنثيين أو أكثر نزلتهم بعدد أحوالهم، وقال أبو الخطاب: تنزلهم حالين: مرة ذكوراً ومرة إِناثاً والأول أولى. باب ميراث الغرقى ومن عمي موتهم إِذا مات متوارثان فجُهِلَ أولهما موتاً كالغرقى والهدمى واختلف وُرَّاثهما في السابق، منهما، فقد نقل عن أحمد رضي الله عنه في امرأة وابنها ماتا: فقال زوجها: ماتت فورثناها، ثم مات ابني فورثته، وقال أخوها مات ابنها فورثته، ثم ماتت فورثناها أنه يحلف كل واحد منهما على إِبطال دعوى صاحبه ويكون ميراث الابن لأبيه وميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين، ذكرها الخرقي، وهذا يدل على أنه يقسم ميراث كل ميت للأحياء من ورثته دون من مات معه، وظاهر المذهب أن كل واحد من الموتى يرث صاحبه من تلاد ماله دون ما ورثه (¬1)] من الميت معه، ثم يقدر أحدهما مات أولاً ويرث الآخر منه ثم يقسم ما ورثه (¬2) منه على الأحياء من ورثته ثم تصنع بالثاني كذلك، فعلى هذا: لو غرق أخوان أحدهما مولى زيد والآخر مولى عمرو صار مال كل واحد منهما لمولى الآخر وعلى القول الأول مال كل واحد منهما لمولاه وهو أحسن إِن شاء الله تعالي. ¬

_ (¬1) زيادة من "ط". (¬2) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش".

باب ميراث أهل الملل

باب ميراث أهل الملل لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلمي إِلا أن يسلم قبل قسم ميراثه فيرثه، وعنه لا يرث، وإِن عتق عبد بعد موت موروثه وقبل القسم لم يرث وجهاً واحداً. ويرث أهل الذمة بعضهم بعضاً إِن اتفقت أديانهم وهم ثلاث ملل: اليهودية والنصرانية ودين سائرهم. وإِن اختلفت (أديانهم) (¬1) لم يتوارثوا. وعنه يتوارثون. ولا يرث ذمي حربياً ولا حربي ذمياً، ذكره القاضي، ويحتمل أن يتوارثا، والمرتد لا يرث أحداً إِلا أن يسلم قبل قسم الميراث، وإِن مات على ردته فماله فيء، وعنه لورثته من المسلمين، وعنه لورثته من أهل الدين الذي اختاره. فصل وإِن أَسْلَمَ المجوس أو تحاكموا إِلينا ورثوا بجميع قراباتهم: فإِذا خلف أمه وهي أخته من أبيه وعماً، ورثت الثلث بكونها أماً، والنصف بكونها أختاً والباقي للعم، فإِن كان معهما أخت أخرى لم ترث بكونها أماً إِلا السدس، لأنها انحجبت بنفسها وبالأخرى ولا يرثون بنكاح ذوات المحارم ولا بنكاح لا يقرون عليه لو أسلموا. باب ميراث المطلقة إِذا طلقها في صحته أو مرض غير مخوف أو غير مرض الموت طلاقاً بائناً قطع التوارث بينهما، وإِن كان رجعياً لم يقطعه ما دامت في العدة، ¬

_ (¬1) ما بين قوسين زيادة من "م" وعبارة: لم يتوارثوا سقطت منها.

باب الإقرار بمشارك في الميراث

وإِن طلقها في مرض الموت المخوف طلاقاً لا يتهم فيه، بأن سألته الطلاق، أو علق طلاقها على فعل لها منه بد ففعلته أو علقه في الصحة على شرط فوجد في المرض، أو طلق من لا ترث كالأمة والذمية فعتقت وأسلمت فهو كطلاق الصحيح في أصح الروايتين. وإِن كان متهماً بقصد حرمانها الميراث مثل أن طلقها ابتداء، أو علقه على فعل لابد لها منه كالصلاة ونحوها ففعلته، أو قال للذمية أو الأمة إِذا أسلمت أو عتقت فأنت طالق، أو عَلِم أن سيد الأمة قال لها أنت حرة غداً فطلقها اليوم ورثته ما دامت في العدة، ولم يرثها، وهل ترثه بعد العِدة أو ترثه المطلقة قبل الدخول؟ على روايتين. فإِن تزوجت لم ترثه. وإِن أَكْرَهَ الابن امرأة أبيه على ما يفسخ نكاحها لم يقطع ميراثها إِلا أن تكون له امرأة سواها وإِن فعلت في مرض موتها ما يفسخ نكاحها لم يسقط ميراث زوجها، وإِن خلف زوجات نكاح بعضهن فاسد أقرع بينهن فمن أصابتها القرعة فلا ميراث لها، وإِذا طلق أربع نسوة في مرضه فانقضت عدتهن وتزوج أربعاً سواهن فالميراث للزوجات وعنه أنه بين الثمان. باب الإِقرار بمشارك في الميراث إِذا أقر الورثة كلهم بوارث للميت فصدقهم، أو كان صغيراً ثبت نسبه وإِرثه سواء كانوا جماعة أو واحداً، وسواء كان المُقَرّ به يحجب المُقِرّ أو لا يحجبه كأخ يقر بابن للميت، وإِن أقر بعضهم لم يثبت نسبه إِلا أن يشهد منهم عدلان أنه ولد على فراشه أو أن الميت أَقَرّ به، وعلى المقر أن يدفع إِليه فضل ما في يده عن ميراثه، فإِذا أقر أحد الابنين بأخ فله ثلث ما في يده وإِن أقر بأخت فلها خمس ما في يده، فإِن لم يكن في يد المقر فضل فلا شيء لِلْمُقَرِّ بِهِ. فإِذا خلف أخاً من أبٍ وأخاً من أم، فأقرا بأخ من أبوين ثبت نسبه وأخذ

ما في يد الأخ من الأب، وإِن أقر به الأخ من الأب وحده [أخذ ما في يده ولم يثبت نسبه، وإِن أقر به الأخ من الأم وحده (¬1)]، أو أقر بأخٍ سواه، فلا شيء له. وطريق العمل أن تضرب مسألة الإِقرار في مسألة الإِنكار وتدفع إِلى المقر سهمه من مسألة الإِقرار في مسألة الإِنكار، وإِلى المنكر سهمه من مسألة الإِنكار في مسألة الإِقرار، وما فضل فهو للمقر به. فلو خلَّف ابنين فأقر أحدهما بأخوين فصدقه أخوه في أحدهما ثبت نسب المتفق عليه فصاروا ثلاثة ثم تضرب مسألة الإِقرار في مسألة الإِنكار تكن اثني عشر: للمنكر سهم من الإِنكار في الإِقرار أربعة، وللمقر سهم من الإِقرار في مسألة الإِنكار ثلاثة، وللمتفق عليه إِن صدق المقر مثل سهمه، وإِن أنكره مثل سهم المنكر، وما فضل للمختلف فيه وهو سهمان في حال التصديق وسهم في حال الإِنكار، وقال أبو الخطاب: لا يأخذ المتفق عليه من المنكر في حال التصديق إِلا ربع ما في يده وصححها من ثمانية: للمنكر ثلاثة، وللمختلف فيه سهم، ولكل واحد من الأخوين سهمان. وإِن خلَّف ابناً فأقر بأخوين بكلام متصل ثبت نسبهما سواء اتفقا أو اختلفا، ويحتمل أن لا يثبت نسبهما مع اختلافهما، وإِن أقر بأحدهما بعد الآخر أعطي الأول نصف ما في يده، والثاني ثلث ما بقي في يده، ويثبت نسب الأول ويقف ثبوت نسب الثاني على تصديقه. وإِن أقر بعض الورثة بامرأة للميت لزمه من إِرثها بقدر حصته. وإِذا قال رجل: مات أبي وأنت أخي، فقال: هو أبي ولست بأخي (¬2) ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش" وفي آخره صح. (¬2) في "م": هو أبي وأنت لست باخي. . بزيادة أنت.

فصل

لم يقبل إِنكاره، وإِن قال مات أبوك وأنا أخوك قال: لست أخي فالمال كله للمقر به، وإِن قال: ماتت زوجتي وأنت أخوها، قال لست بزوجها فهل يقبل إِنكاره؟ على وجهين. فصل وإِذا أقر من أعيلت له المسألة بمن يزيل العول كزوج وأختين أقرت إِحداهما بأخ، فاضرب مسألة الإِقرار في مسألة الإِنكار تكن ستة وخمسين واعمل على ما ذكرنا يكن للزوج (¬1) أربعة وعشرون، وللمنكرة ستة عشر، وللمقرة سبعة، يبقى تسعة للأخ، فإِن صدقها الزوج فهو يدعي أربعة، والأخ يدعي أربعة عشر، وللمقر به من السهام تسعة، فاقسمها على سهامهم: لكل سهمين سهماً فيحصل للزوج سهمان، وللأخ سبعة، فإِن كان معهم أختان لأم فإِذا ضربت وفق مسألة الإِقرار في مشكلة الإِنكار كانت اثنين وسبعين للزوج ثلاثة من مسألة الإِنكار في وفق مسألة الإِقرار أربعة وعشرون، وللأختين من الأم ستة عشر، وللأخت المنكرة ستة عشر، وللمقرة ثلاثة يبقى في يدها ثلاثة عشر، للأخ منها ستة يبقى سبعة لا يدعيها أحد، ففيها ثلاثة أوجه: أحدها: تُقَرُّ في يد المقرة (¬2). والثاني: تؤخذ إِلى بيت المال. والثالث: تقسم بين المقرة والزوج والأختين من الأم على حسب ما يحتمل أنه لهم، فإن صدَّق الزوج المقرة فهو يدعي اثني عشر، والأخ يدعي ستة، يكونان ثمانية عشر، ولا تنقسم عليها الثلاثة عشر ولا ¬

_ (¬1) سقطت الكلمة من "م". (¬2) في "م" المقر.

باب ميراث القاتل

توافقها، فاضرب ثمانية عشر في أصل المسألة، ثم كل من له شيء من اثنين وسبعين مضروب في ثمانية عشر، وكل من له شيء من ثمانية عشر مضروب في ثلاثة عشر، وعلى هذا تعمل كل ما ورد عليك. باب ميراث القاتل كُلُّ قَتل مضمون بقصاص أو دية أو كفارة يمنع القاتل ميراث المقتول، سواء كان عمداً أو خطأ، بمباشرة أو سبب، صغيراً كان القاتل أو كبيراً، وما لا يضمن بشيء من هذا: كالقتل قصاصاً، أو حداً، أو دفعاً عن نفسه، وقتل العادل الباغي والباغي العادل فلا يمنع، وعنه لا يرث الباغي العادل ولا العادل الباغي، فيخرج منه أن كل قاتل لا يرث. باب الميراث المعتق بعضه لا يرث العبد ولا يُورَثُ، سواء كان قناً أو مدبراً أو مكاتباً أو أم ولد. فأما المعتق بعضه فما كسبه بِجْزئه الحر فلورثته، ويرث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية، فإِذا كانت بنت وأم نصفهما حر وأب حر فللبنت بنصف حريتها نصف ميراثها وهو الربع، وللأم مع حريتها ورق البنت الثلث، والسدس مع حرية البنت، فقد حجبتها حريتها عن السدس، فبنصف حريتها تحجبها عن نصفه يبقى لها الربع لو كانت حرة، فلها بنصف حُرِّيَّتها نصفه وهو الثمن والباقي للأب، وإِن شئت نزلتهم أحوالاً: كتنزيل الخناثى، وإِذا كان عصبتان نصف كل واحد منهما حر كالأخوين فهل تكمل الحرية بهما؟ يحتمل وجهين. وإِن كان أحدهما يحجب الآخر كابن وابن ابن فالصحيح أنها لا تكمل.

باب الولاء

باب الوَلاء كل من أعتق عبداً أو عَتَقَ (¬1) عليه برحم أو كتابة أو تدبير أو استيلاد أو وصية بعتقه فله عليه الولاء وعلى أولاده من زوجة معتقة أو من أمته (¬2) وعلى معتقيه ومعتقي أولاده وأولادهم ومعتقيهم أبداً ما تناسلوا، ويرث به عند عدم العصبة من النسب، ثم يرث به عصابته من بعده الأقرب فالأقرب، وعنه في المكاتب إِذا أدى إِلى الورثة إِن ولاءه لهم، وإِن أدى إِليهما فولاؤه بينهما. ومن كان أحد أبويه حر الأصل [ولم يمسه رق (¬3)] فلا ولاء عليه. ومن أعتق سائبة، أو في زكاته، أو نذره، أو كفارته، ففيه روايتان: إِحداهما: له عليه الولاء. والثانية: لا وَلاَء له (¬4) عليه، وما رجع من ميراثه رد في مثله، يُشْتَرى به رقابٌ يعتقهم. ومن أعتق عبده عن ميت أو حي بلا أمره فولاؤه للمعتق، وإِن أعتقه عنه بأمره فولاؤه للمعتق عنه، وإِن قال: اعتق عبدك عني وعليّ ثمنه ففعل، فالثمن عليه وولاؤه للمعتق عنه، وإِن قال: اعتقه والثمن علي ففعل فالثمن عليه والولاء للمعتق. وإِن قال الكافر لرجل اعتق عبدك المسلم عني وعلي ثمنه ففعل. فهل يصح؟ على وجهين. ومن أعتق عبداً يباينه في دينه فله ولاؤه وهل يرث به؟ على روايتين. ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"م" وفي "ط": أعتق. (¬2) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": أمه. (¬3) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش". (¬4) زيادة من "م".

فصل

إِحداهما لا يرث، لكن إِن كانَ له عَصَبةٌ على دين المعتق ورثه. وإِن أسلم الكافر منهما ورث المعتق رواية واحدة. فصل ولا يرث النساء من الولاء إِلا ما أَعْتَقْنَ أو أَعْتَقَ من أَعْتَقْنَ أو كاتَبْنَ أو كاتب من كاتبن. وعنه في بنت المعتق خاصة ترث والأول أصح، ولا يرث منه ذو فرض إِلا الأب والجد يرثان السدس مع الابن والجد يرث الثلث مع الإِخوة إِذا كان أحظ له. والولاء لا يورث وإِنما يورث به، ولا يباع ولا يوهب، وهو للكبر، فإِذا مات المعتق وخلف عتيقه وابنين، فمات أحد الابنين بعده عن ابن، ثم مات العتيق (¬1) فالميراث لابن المُعْتِق، فإِن مات الابنان بعده وقبل المولى وخلف أحدهما ابناً والآخر تسعة فولاؤه بينهم على عددهم لكل واحد عشره. وإِذا اشترى رجل وأخته أباهما أو أخاهما فعتق عليهما، ثم اشترى عبداً فأعتقه، ثم مات المعتق، ثم مات مولاه، ورثه الرجل دون أخته، وإِذا ماتت المرأة وخلفت ابنها وعصبتها ومولاها فولاؤه لابنها وعقله على عصبتها. فصل في جر الولاء كل من باشر العتق أو عتق عليه لا ينتقل عنه بحال، فأما إِن تزوج العبد معتقة فأولدها فولاء ولدها لموالي أمه، فإِن أعتق العبد سيده انجر ولاء ولده إِليه ولا يعود إِلى مولى الأم بحالٍ، وإِن أعتق الجد لم يجر ولاءهم في أصح الروايتين. وعنه يجره. ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": المُعْتَق.

فصل في دور الولاء

وإِن اشترى الابن أباه عتق عليه وله ولاؤه وولاء إِخوته ويبقى ولاؤه لموالي أمه لأنه لا يجر ولاء نفسه. وإِن اشترى الولد عبداً فأعتقه، ثم اشترى العتيق أبا معتقه فأعتقه ثبت له ولاؤه وجر ولاء معتقه فصار كل واحد منهما مولى الآخر، ومثله لو أعتق الحربي عبداً ثم سبى العبد معتقه فأعتقه فلكل واحد منهما ولاء صاحبه. فصل في دور الولاء إِذا اشترى ابنٌ وبنتٌ معتقةٌ أباهما، فعتق عليهما، صار ولاؤه لهما نصفين وجر كل واحد منهما نصف ولاء صاحبه ويبقى نصفه لموالي أمه، فإِن مات الأب ورثاه أثلاثاً، فإِن ماتت البنت بعده ورثها أخوها بالنسب ثم إِذا مات أخوها فماله لمواليه وهم أخته وموالي أمه: فلموالي أمه النصف، والنصف الآخر لموالي الأخت، وهم أخوها وموالي أمها: فلموالي أمها نصف ذلك وهو الربع يبقى الربع وهو الجزء الدائر لأنه خرج من الأخ وعاد إِليه ففيه وجهان: أحدهما: أنه لموالي الأم. والثاني: أنه لبيت المال لأنه لا مستحق له. * * *

كتاب العتق

كتاب العتق وهو من أفضل القرب، والمستحب عتق من له كسب، فأما من لا قوة له ولا كسب فلا يستحب عتقه ولا كتابته، ويحصل العتق بالقول والملك: فأما القول فصريحه لفظ: العتق والحرية كَيْف صُرفا (¬1)، وكنايته: خليتك، والحق بأهلك، واذهب حيث شئت ونحوها. وفي قوله: لا سبيل لي عليك، ولا سلطان لي عليك، ولا ملك لي عليك، ولا رقّ لي عليك، وفككت رقبتك، وأنت مولاي (¬2) وأنت لله تعالى، وأنت سائبة، روايتان: إِحداهما أنه صريح، والأخرى كناية. وفي قوله لأمته أنت طالق، وأنت حرام، روايتان: إِحداهما أنه صريح، والأخرى كناية. وفي قوله لأمته أنت طالق وأنت حرام روايتان: إِحداهما أنه كناية والأخرى لا يعتق به وإِن نوى. وإِن قال لعبده وهو أكبر منه أنت ابن لم يعتق ذكره القاضي ويحتمل أن يعتق. وإِذا أعتق حاملاً عتق جنينها إِلا أن يستثنيه، وإِن أعتق ما في بطنها دونها عتق وحده. وأما الملك فمن ملك ذا رحم محرم عتق عليه وعنه لا يعتق إِلا عمود النسب، وإِن ملك ولده من الزنا لم يعتق في ظاهر كلامه ويحتمل أن ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": صرفها. (¬2) عبارة: وأنت مولاي: سقطت من "ط".

يعتق، وإِن ملك سهماً ممن يعتق عليه بغير الميراث وهو موسر عتق عليه كله، وعليه قيمة نصيب شريكه، وإِن كان معسراً لم يعتق عليه إِلا ما ملك، وإِن ملكه بالميراث لم يعتق منه إِلا ما ملك موسراً كان أو معسراً، وعنه أنه يعتق عليه نصيب الشريك إِن كان موسراً (¬1). وإِن مثل بعبده فجدع أنفه أو أذنه ونحو ذلك عتق، نص عليه القاضي والقياس أن لا يعتق. وإِذا أعتق السيد عبده فماله للسيد، وعنه أنه للعبد. فصل وإِذا أعتق جزءاً من عبد معيناً أو مشاعاً عتق كله، وإِن أعتق شركاً له في عبد وهو موسر بقيمة باقيه عتق كله وعليه باقيه يوم العتق لشريكه، وإن أعتقه شريكه بعد ذلك لم يثبت له فيه عتق، وإِن كان معسراً لم يعتق إِلا نصيبه ويبقى حق شريكه فيه، وعنه يعتق كله ويستسعى العبد في قيمة باقيه غير مشقوق عليه. وإِذا كان العبد لثلاثة: لأحدهم نصفه، وللآخر ثلثه، وللثالث سدسه، فأعتق صاحب النصف وصاحب السدس معاً وهما موسران عتق عليهما وضمنا حق شريكهما فيه [نصفين وصار ولاؤه بينهما أثلاثاً ويحتمل أن يضمناه على قدر ملكيهما فيه (¬2)]. وإِذا أعتق الكافر نصيبه من مسلم وهو موسر سرى إِلى باقيه في أحد الوجهين. وإِذا ادعى كل واحد من الشريكين أن شريكه أعتق نصيبه منه وهما موسران فقد صار العبد حراً لاعتراف كل واحد منها بحريته وصار ولاؤه ¬

_ (¬1) في "م": معسراً. (¬2) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش".

بينهما أثلاثاً وصار (¬1) مدعياً على شريكه قيمة حقه منه، ولا ولاء عليه لواحد منهما، وإِن كانا معسرين لم يعتق على واحد منهما، فإِن اشترى أحدهما نصيب صاحبه عتق حينئذ ولم يَسْر إِلى نصيبه، وقال أبو الخطاب يعتق جميعُهُ. وإِن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً عتق نصيب المعسر وحده. وإِذا قال أحد الشريكين إِذا أعتقت نصيبك فنصيبي حر فأعتق الأول وهو موسر عتق كله عليه وإِن كان معسراً عتق على كل واحد منهما نصيبه. وإِن قال إِذا أعتقت نصيبك فنصيبي حر مع نصيبك فأعتق نصيبه عتق عليهما موسراً كان أو معسراً. فصل ويصح تعليق العتق بالصفات كدخول الدار، ومجيء الأمطار، ولا يملك إِبطالها بالقول، وله بيعه ووهبته ووقفه وغير ذلك، فإِن عاد إِليه عادت الصفة إِلا أن تكون قد وجدت منه في حال زوال ملكه فهل تعود بعوده؟ على روايتين. وتبطل الصفة بموته، فإِن قال إِن دخلت الدار بعد موتي فأنت حر، أو أنت حر بعد موتي بشهر، فهل يصح ويعتق بذلك؟ على روايتين. وإِن قال إِن دخلتها فأنت حر بعد موتي فدخلها في حياة السيد صار مدبراً وإِلا فلا، وإِن قال إِن ملكت فلاناً فهو حر أو كل مملوك أملكه فهو حر فهل يصح؟ على روايتين. وإِن قاله العبد لم يصح في أصح الوجهين. وإِن قال: آخِر مملوكٍ أشتريه فهو حرٌّ وقلنا بصحة الصفة فملك عبيداً ثم مات فآخرهم حر من حين الشراء وكسبه له. ¬

_ (¬1) سقطت الكلمة من "م".

وإِن قال لأمته آخر ولد تلدينه فهو حر فولدت حياً ثم ميتاً لم يعتق الأول، وإِن ولدت ميتاً ثم حياً عتق الثاني، وإِن ولدت توأمين فأشكل الآخر منهما أقرع بينهما، ولا يتبع ولد المعتقة بالصفة أمه في أصح الوجهين إِلا أن تكون حاملاً به حال عتقها أو حال تعليق عتقها. وإِن قال لعبده أنت حر وعليك ألف أو على ألف (¬1) عتق ولا شيء عليه، وعنه إِن لم يقبل لم يعتق، والصحيح في قوله أنت حر على ألف أنه لا يعتق حتى يقبل. وإِن قال أنت حر على أن تخدمني سنة فكذلك، وقيل إِن لم يقبل لم يعتق رواية واحدة. فصل وإِذا قال كل مملوك لي حر عتق عليه، مدبروه ومكاتبوه وأمهات أولاده وشقص يملكه. وإِن قال أحَدُ عبديّ حرّ أقرع بينهما فمن تقع عليه القرعة فهو حر من حين. عتقه (¬2) وإِن مات أقرع الورثة، وإِن مات أحد العبدين أقرع بينه وبين الحي وإِن أعْتَقَ عبداً ثم أُنْسِيَهُ، أخرج بالقرعة فإِن علم بعدها أن المعتق غيره عتق، وهل يبطل عتق الأول؟ على وجهين. فصل وإِن أعتق في مرض موته ولم يُجِز الورثة اعتبر من ثُلُثِهِ، فإِن أعتق جزءاً من عبده في مرضه أو دبَّره وثلثه يحتمل جميعه عتق جميعه، وعنه لا يعتق إِلا ما أعْتق، وإِن أعتق في مرضه شْركاً له في عبد أو دبَّره وثلثه يحتمل باقيه ¬

_ (¬1) عبارة: (على ألف) ليست في "م". (¬2) في "م" من حين أعتقه.

أعطى الشريك وكان جميعه حراً في إِحدى الروايتين، والأخرى لا يعتق إِلا ما ملك منه. ولو أعتق في مرضه ستة أعبد قيمتهم سواء وثُلُثُه يحتملهم، ثم ظهر عليه دين يستغرقهم بيعوا في دينه ويحتمل أن يعتق ثلثهم. وإِن أعتقهم فأعتقنا ثلثهم ثم ظهر له مال يخرجون من ثُلُثه عتق من أُرق منهم، وإِن لم يظهر له مال جزأناهم ثلاثة أجزاء كل اثنين جزءاً وأقرعنا بينهم بسهم حرية وسهمي رق، فمن خرج له سهم الحرية عتق ورق الباقون، فإِن كانوا ثمانية فإِن شاء أقرع بينهم بسهمي حرية، وخمسة رقٍ وسهم لمن ثلثاه حر، وإِن شاء جزأهم أربعة أجزاء وأقرع بينهم بسهم حرية وثلاثة رق، ثم أعاد القرعة بينهم لإِخراج من ثلثاه حر، وإِن فعل غير ذلك جاز. وإِن أعتق عبدين قيمة أحدهما مائتان، والآخر ثلاثمائة، جَمَعْتَ قيمتها وهي خمسمائة فجعلتها الثلث، ثم أقرعت بينهما، فإِن وقعت على الذي قيمته مائتان ضربته في ثلاثة تكن ستمائة (¬1) ثم نسبت منه خمسة المائة يكن العتق فيه خمسة أسداسه، وإِن وقعت على الآخر عتق منه خمسة أتساعه وكل شيء يأتي من هذا فسبيله أن يضرب في ثلاثة ليخرج بلا كسر. وإِن أعتق واحداً من ثلاثة أعبد فمات أحدهم في حياته أقرع بينه وبين الحيين فإِن وقعت على الميت رق الآخران، وإِن وقعت على أحد الحيين عتق إِذا خرج من الثلث. وإن أعتق الثلاثة في مرضه فمات أحدهم في حياة السيد فكذلك في قول أبي بكر، والأولى أن يقرع بين الحيين ويسقط حكم الميت. ¬

_ (¬1) عبارة: (تكن ستمائة) سقطت من "ط".

باب التدبير

باب التَّدبير وهو تعليق العتق بالموت، ويعتبر من الثلث، ويصح من كل من تصح وصيته، وصريحه: لفظ العتق والحرية المعلقين بالموت، ولفظ التدبير وما تصرف منها، ويصح مطلقاً، ومقيداً بأن يقول إِن مت من مرضي هذا أو عامي هذا فأنت حر أو مدبر، وإِن قال متى شئت فأنت مدبر، فمتى شاء في حياة سيده صار مُدَبّراً، وإِن قال إِن شئت فأنت مدبر فقياس المذهب أنه كذلك، وقال أبو الخطاب: إِن شاء في المجلس صار مدبَّراً وإِلا فلا، وإِذا قال قد رجعت في تدبيري أو قد أبطلته لم يبطل لأنه تعليق للعتق بصفة، وعنه يبطل كالوصية. وله بيع المدبر وهبته، وإِن عاد إِليه عاد التدبير، وعنه لا يباع إِلا في الدين، وعنه لا تباع الأمة خاصة، وما ولدت المدبرة بعد تدبيرها فهو بمنزلتها ولا يتبعها ولدها من قبل التدبير، وله إِصابة مدبرته، فإِن أولدها بطل تدبيرها، وإِذا كَاتَبَ المُدَبَّرَ أو دَبَّرَ الْمُكَاتَبَ جاز، فإِن أدى عُتِق وإن مات سيده قبل الأداء عتق إن حمل الثلث ما بقي من كتابته وإلا عتق منه بقدر الثلث، وسقط من الكتابة بقدر ما أعتق وهو على الكتابة فيما بقي (¬1). وإِذا دبر شِرْكاً له في عبد لم يَسْرِ إِلى نصيب شريكه، وإِن أعتق شريكه سرى إِلى المُدَبَّرِ وغرم قيمته لسيده، ويحتمل أن يسري في الأول دون الثاني. وإِذا أسلم مُدَبَّرُ الكافر لم يقر في يده وترك في يد عدل ينفق عليه من كسبه وما فضل لسيده، وإِن أعوز فعليه تمامه إِلا أن يرجع في التدبير، ونقول بصحة رجوعه فيجبر على بيعه. ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": بقدر ما بقي.

باب الكتابة

ومن أنكر التدبير لم يحكم عليه إِلا بشاهدين، وهل يحكم عليه بشاهد وامرأتين أو بشاهد ويمين العبد؟ على روايتين. وإِذا قَتَلَ المُدَبَّرُ سيده بطل تدبيره. باب الكتابة وهي بيع العبد نَفْسَهُ بمال في ذمته. وهي مستحبة لمن يعلم فيه خير وهو الكسب والأمانة، وعنه أنها واجبة، وإِذا ابتغاها من سيده أجبر عليها، وهل تكره (¬1) كتابة من لا كسب له؟ على روايتين. ولا تصح إِلا من جائز التصرف. وإِن كاتب المُمَيَّزُ عبده بإِذن وليه صح، ويحتمل أن لا يصح، وإِن كاتب السيد عبده المُمَيَّزُ صح. ولا تصح إِلا بالقبول (¬2)، وتنعقد بقوله: كاتبتك على كذا -وإِن لم يقل- فإِذا أديت إِلي فأنت حر، ويحتمل أن يشترط قوله أو نيته. ولا تصح إِلا على عوض معلوم منجم نجمين فصاعداً، يعلم قدر ما يؤدى في كل نجم، وقيل تصح على نجم واحد، وقال القاضي: تصح على عبد مطلق وله الوسط وتصح على مال وخدمة سواء تقدمت الخدمة أو تأخرت. وإِذا أدى ما كوتب عليه أو أُبرئ منه عتق، وما فضل في يده فهو له، وعنه أنه إِذا ملك ما يؤدى صار حراً ويجبر على أدائه، فلو مات قبل الأداء كان ما في يده لسيده في الصحيح عنه، وعلى الرواية الأخرى لسيده بقية كتابته، والباقي لورثته. ¬

_ (¬1) في "م" تلزمه. (¬2) بالقبول: كذا في "ش" و"ط" وفي "م": بالقول.

فصل

وإِذا عُجِّلَتْ (¬1) الكتابة قبل محلها لزم السيد الأخذ وَعُتِقَ، ويحتمل أن لا يلزمه ذلك إِذا كان في قبضه ضرر. ولا بأس أن يعجل المكاتب لسيده ويضع عنه بعض كتابته، وإِذا أدى فعتق فوجد السيد بالعوض عيباً فله أَرْشُهُ ولا يرتفع العتق. فصل ويملك المكاتب أكسابه ومنافعه، والشراء والبيع، والإِجارة والاستئجار، والسفر، وأخذ الصدقة، والإِنفاق على نفسه وولده ورقيقه وكل ما فيه صلاح المال، فإِن شرط عليه أن لا يسافر ولا يأخذ الصدقة فهل يصح الشرط؟ على وجهين. وليس له أن يتزوج، ولا يتسرى، ولا يتبرع، ولا يقرض، ولا يحابى، ولا يقتص من عبده الجاني على بعض رقيقه، ولا يُعتق ولا يُكاتب إِلا بإِذن سيده، وولاء من يعتقه ويكاتبه لسيده، ولا يُكفِّر بالمال، وعنه له ذلك بإِذن سيده. وهل له أن يرهن أو يضارب؟ يحتمل وجهين. وليس له شراء ذوي رحمه إِلا بإِذن سيده. وقال القاضي: له ذلك، وله أن يقبلهم إِذا وهبوا له، أو وُصي له بهم إِذا لم يكن فيه ضرر بماله، ومتى ملكهم لم يكن له بيعهم وله كسبهم وحكمهم حكمه، فإِن عُتق عُتِقوا، وإِن رق صاروا رقيقاً للسيد، وكذلك الحكم في ولده من أمته، وولد المكاتبة الذي ولدته في الكتابة يتبعها. وإِن اشترى المكاتب زوجته انفسخ نكاحها. وإِن استولد أمته فهل تصير أم ولد له يمتنع عليه بيعها؟ على وجهين. ¬

_ (¬1) في "ط": عجَّل.

فصل

فصل ولا يملك السيد شيئاً من كسبه، ولا يبيعه درهماً بدرهمين، وإِن جنى (عليه) (¬1) فعليه أَرْشُ جنايته، وإِن حَبَسَهُ مدة فعليه أَرْفَقَ الأمرين به: من إِنظاره مثل تلك المدة، أو أجرة مثله، وليس له أن يطأ مكاتبته إِلا أن يشترط، فإِن وطئها أو وطئ أمتها فلها عليه المهر ويؤدب، ولا يبلغ به الحد، وإِن شرط وَطْأها فلا مهر لها عليه، ومتى ولدت منه صارت أم ولد له، وولده حر، فإِن أَدَّتْ عتقت، وإِن مات قبل أدائها عتقت وسقط ما بقي من كتابتها، وما في يدها لها إِلا أن يكون بعد عجزها، وقال أصحابنا هو لورثة سيدها وكذلك الحكم فيما إِذا أعتق المكاتب سيده. وإِن كاتب اثنان جاريتهما ثم وطئاها فلها المهر على كل واحد منهما فإِن ولدت من أحدهما صارت أم ولد له ويغرم لشريكه نصف قيمتها وهل يغرم نصف قيمة ولدها؟ على روايتين. وإِن أتت بولد فالحق بهما (¬2) صارتت أم ولد لهما يعتق نصفها بموت أحدهما وباقيها بموت الآخر، وعند القاضي لا يسري استيلاد أحدهما إِلى نصيب شريكه [إِلا أن يعجز فينظر حينئذ فإِن كان موسراً قُوِّم على نصيب شريكه وإِلا فلا (¬3)]. فصل ويجوز بيع المُكَاتَبِ. ومشتريه يقوم مقام المُكَاتِبِ، فإِن أدى إِليه عُتِق وولاؤه له، وإِن عجز عاد قناً له، وإِن لم يعلم أنه مُكَاتَبٌ فله الرد أو الأرْش. وعنه لا يجوز بيعه. ¬

_ (¬1) ما بين قوسين زيادة من "م". (¬2) كذا في "ش" و"م" وفي "ط": بها. (¬3) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش".

فصل

وإِن اشترى كل واحد من المكاتبين الآخر صح شراء الأول وبطل شراء الثاني، سواء كانا لواحد أو لاثنين، وإِن جهل الأول منهما فسد البيعان. وإِن أَسَرَ العدو المُكَاتَبَ فاشتراه رجل وأحب سيده أخذه بما اشتراه، وإِلا فهو عند مشتريه مبقي على ما بقي من كتابته، يعتق بالأداء، وولاؤه له. فصل وإِن جنى على سيده أو (على) (¬1) أجنبي فعليه فداء نفسه مقدماً على الكتابة وغيرها (¬2) وقال أبو بكرة يتحاصان. وإِن عُتق فعليه فداء نفسه، وإِن عجز فلسيده تعجيزه إِن كانت الجناية عليه، وإِن كانت على أجنبي ففداه سيده وإِلا فسخت الكتابة وبيع في الجناية، وإِن أعتقه السيد فعليه فداؤه والواجب في الفداء أقل الأمرين من قيمته أو أرْش جنايته، وقيل يلزمه فداؤه بأرْش الجناية كاملة، وإِن لزمته ديون تعلقت بذمته يتبع بها بعد العتق. فصل والكتابة عقد لازم بين الطرفين، لا يدخلها خيار ولا يملك أحدهما فسخها، ولا يجوز تعليقها على شرط مستقبل. ولا تنفسخ بموت السيد، ولا جنونه، ولا الحجر عليه، ويعتق بالأداء إِلى سيده أو إِلى من يقوم مقامه من الورثة وغيرهم، فإِن حلَّ نَجْم فلم يؤده فلسيده الفسخ، وعنه لا يُعجَّز حتى يحل نجمان، وعنه لا يُعَجَّز حتى يقول قد عجزت. ¬

_ (¬1) كلمة (على) التي بين قوسين زيادة على الأصل للتوضح. (¬2) الكلمة ليست في "م" ولا في "ط".

وليس للعبد فسخها بحال، وعنه: له ذلك، ولو زوج ابنته من مكاتبه ثم مات انفسخ النكاح ويحتمل أن لا ينفسخ حتى يُعَجَّز ويجب على سيده أن يؤتيه ربع مال الكتابة إِن شاء فسخها وإِن شاء وضعه عنه وإِن شاء قبضه ثم دفعه إِليه، فإِن أذَى إِليه ثلاثة أرباع المال وعجز عن الربع عتق ولم تنفسخ الكتابة في قول القاضي وأصحابه، وظاهر قول الخرقي أنه لا يعتق حتى يؤتي (¬1) جميع الكتابة. وإِذا كاتب عبيداً له كتابة واحدة بعوض واحد صح، ويقسط العوض بينهم على قدر قيمتهم ويكون كل واحد منهم مكاتباً بقدر حصته يعتق بأدائها ويُعَجَّز بالعجز عنها وحده، وقال أبو بكر: العوض بينهم على عددهم ولا يعتق واحد منهم حتى يؤدي جميع الكتابة، وإِذا اختلفوا بعد الأداء في قدر ما أدى كل واحد منهم فالقول قول من يدعي أداء قدر الواجب عليه، ويجوز أن يكاتب بعض عبده فإِذا أدى عتق كله، ويجوز كتابة حصته من العبد المشترك بغير إِذن شريكه، فإِذا أدى ما كوتب عليه ومثله لسيده الآخر عتق كله إِن كان الذي كاتبه موسراً وعليه قيمة حصة شريكه، فإِن أعتق الشريك قبل أدائه عُتِقَ عليه كله إِن كان موسراً وعليه قيمة نصيب المكاتب، وقال القاضي لا يسري إِلى النصف المُكَاتَبِ إِلا أن يعجز فَيُقَوَّمُ عليه حينئذ. وإِن كاتبا عبدهما جاز سواء كان على التساوي أو التفاضل، ولا يجوز أن يؤدي إِليهما إِلا على التساوي، فإِذا كمل أداؤه إِلى أحدهما قبل الآخر عتق كله عليه، وإِن أدى إِلى أحدهما دون صاحبه لم يعتق إِلا أن يكون بإِذن الآخر فيعتق، ويحتمل أن لا يعتق. ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": يؤدي.

فصل

فصل وإِن (¬1) اختلفا في الكتابة فالقول قول من ينكرها، وإِن اختلفا في قدر عوضها فالقول قول السيد في إِحدى الروايتين، وإِن اختلفا في وَفَاءِ مَا لِهَا فالقول قول السيد، فإِن أقام العبد شاهداً وحلف معه، أو شاهداً وامرأتين، ثبت الأداء وَعُتِقَ. فصل والكتابة الفاسدة مثل أن يكاتبه على خمر أو خنزير، يغلب فيها حكم الصفة في أنه إِذا أدى عتق، ولا يعتق بالإِبراء، وتنفسخ بموت السيد وجنونه والحجر للشَفَهِ ولكل واحدة منهما فسخها، ويملك السيد أخذ ما في يده وإِن فَضَلَ عن الأداء فَضْلٌ فهو لسيده، وهل يتبع المُكَاتَبَةَ ولدها فيها؟ على وجهين. وقال أبو بكر لا تنفسخ بالموت ولا الجنون ولا الحجر، ويعتق بالأداء إِلى الوارث. باب أحكام أمهات الأولاد وإِذا عَلِقَت الأمة من سيدها فَوَضَعَتْ منه ما يتبين فيه بعض خلق الإِنسان صارت له بذلك أم ولد، فإِذا مات عتقت وإِن لم يملك غيرها، وإِن وضعت جسماً لا تخطيط فيه فعلى روايتين. وإِن أصابها في ملك غيره بنكاح أو غيره ثم ملكها حاملاً، عتق الجنين ولم تصر أم ولد، وعنه تصير. وأحكام أم الولد أحكام الأمة في الإِجارة والاستخدام والوطء وسائر أمورها إِلا فيما ينقل الملك في رقبتها: كالبيع، والهبة، والوقف، أو ¬

_ (¬1) في "ط": وإذا.

فصل

ما يراد له كالرهن، وعنه ما يدل على جواز بيعها من الكراهة ولا عمل عليه. ثم إِن ولدت من غير سيدها فَلِوَلَدِهَا حكمها في العتق بموت سيدها سواء عتقت أو ماتت قبله، وإِن مات سيدها وهي حامل منه فهل تستحق النفقة لمدة حملها؟ على روايتين. وإِذا جنت أم الولد فداها سيدها بقيمتها أو دونها، وعنه عليه فداؤها بأرْش الجناية كله، وإِن عادت فجَنَتْ فداها أيضاً، وعنه يتعلق ذلك بذمتها. وإِن قتلت سيدها عمداً فعليها القصاص، وإِن عفوا على مال أو كانت الجناية خطأ فعليها قيمة نفسها وتعتق في الموضعين. ولا حد على قاذفها، وعنه عليه الحد. فصل وإِذا أسلمت أم ولد الكافر أو مدبرته، منع من غشيانها، وحيل بينه وبينها، وأجبر على نفقتها إِن لم يكن لها كسب، فإِن أسلم حلت له، وإِن مات قبل ذلك عتقت، وعنه أنها تُسْتَسْعى في حياته وتعتق. وإِذا وطئ أحد الشريكين الجارية فأولدها صارت أم ولد له، وولده حر، وعليه قيمة نصيب شريكه، فإِن كان معسراً كان في ذمته، فإِن وطئها الثاني بعد ذلك فأولدها فعليه مهرها، فإن كان عالماً فولده رقيق، وإِن جهل إِيلاد شريكه أو أنها صارت أم ولد له فولده حر، وعليه فداؤه يوم الولادة ذكره الخِرْقِيّ، وعند القاضي وأبي الخطاب إِن كان الأول مُعْسِراً لم يَسْرِ استيلاده، وتصير أم ولد لهما. يعتق نصفها بموت أحدهما، وإِن أعتق أحدهما نصيبه بعد ذلك وهو موسر فهل يُقَوَّمُ عليه نصيب شريكه؟ على وجهين. * * *

كتاب النكاح

كتاب النِّكَاح النكاح سنة والاشتغال به أفضل من التخلي لنوافل العبادة إِلا أن يخاف على نفسه (في) (¬1) مواقعة المحظور بتركه فيجب عليه، وعنه أنه واجب على الإِطلاق. ويستحب تخير ذات الدين الولود البكر الحسيبة الأجنبية. ويجوز لمن أراد خطبة امرأة النظر إِلى وجهها من غير خلوة بها، وعنه له النظر إِلى ما يظهر غالباً كالرقبة واليدين والقدمين. وله النظر إِلى ذلك وإِلى الرأس والساقين من الأمة المُستَامَة ومن ذوات محارمه. وعنه لا ينظر من ذوات محارمه إِلا الوجه والكفين، وللعبد النظر إِليهما من مولاته، ولغير أولي الإِربة من الرجال كالكبير والعنين ونحوهما النظر إِلى ذلك. وعنه لا يباح. وللشاهد والمبتاع النظر إِلى وجه المشهود عليها ومن تُعامله. وللطبيب النظر إِلى ما تدعو الحاجة إِلى نظره. وللصبي المميز غير ذي الشهوة النظر إِلى ما فوق السرة وتحت الركبة، فإِن كان ذا شهوة فهو كذي المحرم، وعنه أنه كأجنبي. وللمرأة مع المرأة والرجل مع الرجل النظر إِلى ما عدا ما بين السرة والركبة، وعنه أن الكافرة مع المسلمة كالأجنبي. ويباح للمرأة النظر من الرجل إِلى غير العورة، وعنه لا يباح. ¬

_ (¬1) ما بين قوسين زيادة من "ط".

ويجوز النظر إِلى الغلام لغير شهوة. ولا يجوز النظر إِلى أحد ممن ذكرنا لشهوة. ولكل واحد من الزوجين النظر إِلى جميع بدن الآخر ولمسه وكذلك السيد. فصل ولا يجوز التصريح بخطبة المعتدة، ولا التعريض بخطبة الرجعية، ويجوز في عدة الوفاة، والبائن بطلاق ثلاث. وهل يجوز في عدة البائن بغير الثلاث على وجهين. والتعريض نحو قوله: إِني في مثلك لراغب، ولا تفوتيني بنفسك. وتجيبه: ما يُرْغَبُ عنك، وإِن قُضِيَ شيءٌ كان ونحوهما. ولا يحل للرجل أن يخطب على خطبة أخيه إِن أُجيب، وإِن رُدَّ حل، وإِن لم يعلم الحال فعلى وجهين. والتعويل في الرد والإِجابة عليها إِن لم تكن مجبرة، وإِن كانت مجبرة فعلى الولي. ويستحب عقد النكاح مساء يوم الجمعة، وأن تخطب قبل العقد بخطبة ابن مسعود رضي الله عنه (¬1)، وأن يقال للمتزوج: بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير وعافية. وإِذا زُفَّت إِليه قال: اللهم إِني أسالك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه. ¬

_ (¬1) وخطبة ابن مسعود: انظرها في "الكافي": (2/ 658).

باب أركان النكاح وشروطه

باب أركان النّكَاح وشروطه فأركانه: الإِيجاب والقبول. ولا ينعقد الإِيجاب إِلا بلفظ النكاح والتزويج بالعربية لمن يحسنها أو بمعناهما الخاص بكل لسان لمن لا يحسنها، فإِن قدر على تعلمها بالعربية لم يلزمه في أحد الوجهين. والقبول أن يقول: قبلت هذا النكاح أو ما يقوم (¬1) مقامه في حق من لا يحسن، فإِن اقتصر على قول قبلت، أو قال الخاطب للولي: أزوجت؟ قال: نعم. وللمتزوج: أقبلت؟ قال: نعم صح. ذكره الخرقي ويحتمل أن لا يصح. وإِن تقدم القَبُولُ الإِيجابَ لم يصح، وإِن تراخى عنه صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه، فإِن تفرقا قبله (¬2) بطل الإِيجاب وعنه لا يبطل. فصل وشروطه خمسة: أحدها تعيين الزوجين: فإِذا (¬3) قال: زوجتك ابنتي وله بنات لم يصح حتى يشير إِليها أو يسميها، أو بصفتها بما تتميز به، وإِن لم يكن له إِلا ابنة واحدة صح، ولو قال إِن وضعت زوجتي ابنة فقد زوجتكها لم يصح. ¬

_ (¬1) في "م": ما يقول. (¬2) قبله: الضمير فيه يعود على القبول أو على الإِيجاب والقبول معاً. (¬3) كذا في "م" و"ش" وفي "ط": فلو.

فصل

فصل الثاني رضا الزوجين: فإِن لم يرضيا أو أحدهما لم يصح إِلا الأب له تزويج أولاده الصغار والمجانين وبناته الأبكار بغير إِذنهم، وعنه لا يجوز تزويج ابنة تسع سنين إِلا بإِذنها. وهل له تزويج الثيِّب الصغيرة؟ على وجهين. والسيد له تزويج إِمائه الأبكار والثُّيَّبِ (¬1)، وعبيده الصغار بغير إِذنهم، ولا يملك إِجبار عبده الكبير، ويحتمل مثل ذلك في الصغير أيضاً. ولا يجوز لسائر الأولياء تزويج كبيرة إِلا بإِذنها إِلا المجنونة لهم تزويجها إِذا ظهر منها الميل إِلى الرجال. وليس لهم تزويج صغيرة بحال، وعنه لهم ذلك، ولها الخيار إِذا بلغت، وعنه لهم تزويج ابنة تسع سنين بإِذنها، وإِذن الثَّيِّبِ الكلام، وإِذن البِكْرِ الصُّمَاتُ. ولا فرق بين الثُّيوبَةِ بوطء مباح أو محرم، فأما زوال البكارة باصبع أو وثبة فلا يغير صفة الإِذن. فصل الثالث الولي: فلا نكاح إِلا بولي فإِن زوجته المرأة نفسها أو غيرها لم يصح، وعنه لها تزويج أمتها ومعتقتها، فيخرج منه صحة تزويج نفسها بإِذن وليها وتزويج غيرها بالوكالة، والأوَّلُ المذهب. وأحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها ثم أبوه وإِن علا، ثم ابنها ثم ابنه وإِن نزل، ثم أخوها لأبويها ثم لأبيها، وعنه تقديم الابن على الجد، والتسوية بين الجد والأخ، وبين الأخ للأبوين والأخ للأب، ثم بنو الإِخوة وإِن سفلوا، ثم العم، ثم ابنه، ثم الأقرب فالأقرب من العصبات على ترتيب الميراث، ثم المولى المنعم، ثم عصَبَاتُه من بعده: الأقرب فالأقرب، ثم السلطان. ¬

_ (¬1) الثُّيَّبُ: جمع ثَيِّبٍ والصحيح جمعها على ثَيِّباتٍ. انظر (المصباح المنير - ثوب).

فأما الأمة فوليها سيدها، فإِن كانت لامرأة فوليها ولي سيدتها ولا يزوجها إِلا بإِذنها. ويشترط في الولي: الحرية، والذكورية، واتفاق الدين، والعقل. وهل يشترط بلوغه وعدالته؟ على روايتين. فإِن كان الأقرب طفلًا أو كافراً أو عبداً زوج الأبعد، وإِن عضل الأقرب زوج الأبعد، وعنه يزوج الحاكم، وإِن غاب غيبة منقطعة زوج الأبعد، وهي ما لا تُقْطع إِلا بكلفة ومشقة في ظاهر كلامه، وقال الخرقي: ما لا يصل إِليه الكتاب، أو يصل فلا يجيب عنه، وقال القاضي: ما لا تقطعه القافلة في السنة إِلا مرة، وعن أحمد رحمه الله: إِذا كان الأب بعيد السفر زوج الأبعد، فيحتمل أنه أراد ما تقصر فيه الصلاة. ولا يلي كافر نكاح مسلمة بحال إِلا إِذا أسلمت أم ولده في وجه، ولا يلي مسلم نكاح كافرة إِلا سيد الأمة، أو ولي سيدتها، أو السلطان. ويلي الذمي نكاح موليته الذمية من الذمي، وهل يليه من مسلم على وجهين. فإِذا زوج الأبعد من غير عذر للأقرب، أو زوج أجنبي لم يصح، وعنه يصح ويقف على إِجازة الولي. ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه وإِن كان حاضراً، ووصيه في النكاح بمنزلته، وعنه لا تستفاد ولاية النكاح بالوصية، وقال ابن حامد: لا يصح إِلا أن لا يكون لها عصبة. وإِذا استوى الأولياء في الدرجة صح التزويج من كل واحد منهم، والأولى تقديم أفضلهم، ثم أسنهم، وإِن تشاحوا أقرع بينهم، فإِن سبق غير من وقعت له القرعة فزوج صح في أقوى الوجهين. وإِن زوج اثنان

فصل

ولم يعلم السابق (منهما) (¬1) فسخ النكاحان، وعنه يقرع بينهما، فمن قرع أَمَرَ الآخر بالطلاق ثم يجدد القارع نكاحه. وإِذا زوج عبده الصغير من أمته جاز أن يتولى طرفي العقد، وكذلك ولي المرأة: مثل ابن العم، والمولى، والحاكم، إِذا أذنت له في نكاحها فله أن يتولى طرفي العقد، وعنه لا يجوز حتى يوكل غيره في أحد الطرفين. وإِذا قال السيد لأمته أعتقتك وجعلت عتقك صداقك صح، فإِن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمتها، وعنه لا يصح حتى يستأنف نكاحها بإِذنها، فإِن أبت ذلك فعليها قيمتها. فصل الرابع الشهادة: فلا ينعقد إِلا بشاهدين عدلين ذكرين بالغين عاقلين وإِن كانا ضريرين، وعنه ينعقد بحضور فاسقين، ورجل وامرأتين، ومراهقين عاقلين، ولا ينعقد نكاح مسلم بشهادة ذميين، ويتخرج أن ينعقد إِذا كانت المرأة ذمية، ولا ينعقد بحضور أَصَمَّين ولا أَخْرسين، وهل ينعقد بحضور عدوين أو ابني الزوجين أو أحدهما؟ على وجهين. وعنه أن الشهادة ليست من شروط النكاح. فصل الخامس كون الرجل كفؤاً لها في إِحدى الروايتين: فلو رضيت المرأة والأولياء بغيره لم يصح، والثانية ليس بشرط وهي أصح، لكن إِن لم ترض المرأة والأولياء جميعهم فلمن لم يرض الفسخ؛ فلو زوج الأب ¬

_ (¬1) ما بين قوسين زيادة من "ط".

باب المحرمات في النكاح

بغير كفؤ برضاها فللإِخوة الفسخ نص عليه. والكفاءة الدين والمنصب: فلا تزوج عفيفة بفاجر، ولا عربية بعجمي. والعرب بعضهم لبعض أكفاء، وسائر الناس بعضهم لبعض أكفاء (¬1)، وعنه لا تزوج قرشية لغير قرشي، ولا هاشمية لغير هاشمي، وعنه أن الحرية والصناعة واليسار من شروط الكفاءة: فلا تزوج حرة بعبد، ولا بنت بزاز بحجام، ولا بنت تانئ بحائك، ولا موسرة بمعسر. باب المُحَرَّمات في النِّكاح وهن ضربان: محرمات على الأبد، وهن أربعة أقسام: أحدها: المحرمات بالنسب، وهن سبع: الأمهات وهن الوالدة والجدات من قبل الأب والأم وإِن علون. والبَنَات من حَلال أو حَرام. وبنات الأولاد وإِن سفلن: والأخوات من الجهات الثلاثة. وبنات الأخ. وبنات الأخت وأولادهم وإِن سفلوا. والعمات والخالات وإِن علون، ولا تحرم بناتهن. القسم الثاني: المحرمات بالرضاع ويحرم به ما يحرم من النسب سواء. ¬

_ (¬1) عبارة: (وسائر الناس بعضهم لبعض أكفاء) سقطت من "ط".

فصل

القسم الثالث: المحرمات بالمصاهرة وهن أربع: أمهات نسائه. وحلائل آبائه فيحرمن بمجرد العقد دون بناتهن. والربائب وهن بنات نسائه اللاتي دخل بهن دون اللاتي لم يدخل بهن، فإِن متن قبل الدخول فهل تحرم بناتهن؟ على روايتين. ويثبت تحريم المصاهرة بالوطء الحلال والحرام، فإِن كانت الموطوءة ميتة أو صغيرة فعلى وجهين، وإِن باشر امرأة أو نظر إِلى فرجها أو خلا بها لشهوة فعلى روايتين (¬1)، وإِن تلوط بغلام حرم على كل واحد منهما أم الآخر وابنته، وعند أبي الخطاب هو كالوطء دون الفرج وهو الصحيح. القسم الرابع: الملاعَنة تحرم على الملاعِن على التأييد، إِلا أن يكذب نفسه فهل تحل له؟ على روايتين. فصل الضرب الثاني المحرمات إِلى أمد، وهن نوعان: أحدهما: المحرمات لأجل الجمع فيحرم الجمع (¬2) بين الأختين وبين المرأة وعمتها أو خالتها، فإِن تزوجهما في عقد لم يصح، وإِن تزوجهما في عقدين، أو تزوج إِحداهما في عدة الأخرى سواء كانت بائناً أو رجعية فنكاح الثانية باطل. وِإن اشترى أخت امرأته أو عمتها أو خالتها صح ولم يحل له وطؤها حتى يطلق امرأته وتنقضي عدتها، وِإن اشتراهن في عقد واحد صح: فإِن ¬

_ (¬1) في "ط": فعلى وجهين. (¬2) عبارة: فيحرم الجمع مكررة في "م".

فصل

وطئ إِحداهما لم تحل له الأخرى حتى يحرم على نفسه الأولى بإِخراج عن ملكه أو تزويج، ويعلم أنها ليست بحامل، فإِن عادت إِلى ملكه لم يصب واحدة منهما حتى يحرم الأخرى، وعنه ليس بحرام ولكن ينهى عنه. وِإن وطئ أمته ثم تزوج أختها لم يصح عند أبي بكر، وظاهر كلام أحمد رضي الله عنه: أنه يصح، ولا يطؤها حتى يحرم الموطوءة، فإِن عادت إِلى ملكه لم يطأ واحدة منهما حتى يحرم الأخرى. ولا يحل للحر أن يجمع بين أكثر من أربع، ولا للعبد أن يتزوج أكثر من اثنتين، وإِن طلق إِحداهن لم يجز أن يتزوج أخرى حتى تنقضي عدتها. فصل النوع الثاني: محرمات لعارض يزول: فيحرم عليه نكاح زوجة غيره، والمعتدة منه، والمستبرئة منه، وتحرم الزانية حتى تتوب وتنقضي عدتها، ومطلقته ثلاثًا حتى تنكح زوجاً غيره، والمُحرِمة حتى تحل. ولا يحل لمسلمة نكاح كافر بحال، ولا لمسلم نكاح كافرة إِلا حرائر أهل الكتاب، فإِن كان أحد أبويها غير كتابي أو كانت من نساء بني تغلب فهل تحل؟ على روايتين. وليس للمسلم -وإِن كان عبداً- نكاح أمة كتابية، وعنه يجوز، ولا يحل لحر مسلم نكاح أمة مسلمة إِلا أن يخاف العنت ولا يجد طولًا لنكاح حرة ولا ثمن أمة، وإِن تزوجها وفيه الشرطان ثم أيسر أو نكح حرة فهل يبطل نكاح الأمة؟ على روايتين. وإِن تزوج حرة أو أمة فلم تعفه ولم يجد طولًا لنكاح حرة أخرى فهل له نكاح أمة أخرى؟ على روايتين. قال الخرقي وله أن ينكح من الإِماء أربعاً إِذا كان الشرطان فيه قائمين.

فصل

وللعبد نكاح الأمة، وهل له أن يكنحها على حرة؟ على روايتين. وإِن جمع بينهما في عقد واحد (¬1) جاز ويتخرج أن لا يجوز، وليس له نكاح سيدته، ولا للحر أن يتزوج أمته ولا أمة ابنه، ويجوز للعبد نكاح أمة ابنه. وإِن اشترى الحر زوجته انفسخ نكاحها، وإِن اشتراها ابنه فعلى وجهين. ومن جمع بين محرمة ومحللة في عقد واحد فهل يصح فيمن تحل؟ على روايتين. ومن حرم نكاحها حرم وطؤها بملك اليمين إِلا إِماء أهل الكتاب. فصل ولا يحل نكاح خنثى مشكل حتى يتبين أمره نص عليه، وقال الخرقي إِذا قال أنا رجل لم يمنع من نكاح النساء، ولم يكن له أن ينكح بغير ذلك بعد، وإِن قال أنا امرأة لم ينكح إِلا رجلًا، فلو تزوج امرأة ثم قال أنا امرأة انفسخ نكاحه، ولو زوج برجل ثم قال أنا رجل لم يقبل قوله في فسخ النكاح والله أعلم. باب الشروط في النكاح وهي قسمان: صحيح مثل اشتراط زيادة في المهر، أو نقد معين، أو أن لا يخرجها من دارها أو بلدها، أو لا يتزوج عليها، ولا يتسرى، فهذا صحيح لازم إِن وفى به وإِلا فلها الفسخ. وإِن شرط لها طلاق ضرتها فقال أبو الخطاب هو صحيح، ويحتمل أنه باطل لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ¬

_ (¬1) في "م": "في العقد".

فصل

تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفتها ولتنكح، فإِن لها ما قدر لها" (¬1). فصل القسم الثاني فاسد وهو ثلاثة أنواع: أحدها: ما يبطل النكاح وهو ثلاثة أشياء: أحدها نكاح الشغار: وهو أن يزوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته ولا مهر بينهما، فإِن سموا مهراً صحَّ، نص عليه، وقال الخرقي: لا يصح. الثاني نكاح المحلِّل: وهو أن يتزوجها على أنه إِذا أحلها طلقها، فإِن نوى ذلك من غير شرط لم يصح أيضاً في ظاهر المذهب، وقيل يكره ويصح. الثالث نكاح المتعة: وهو أن يتزوجها إِلى مدة، ونكاح شرط فيه طلاقها في وقت أو علق ابتداءه على شرط: كقوله زوجتك إِذا جاء رأس الشهر، أو إِن رضيت أمها، فهذا كله باطل من أصله. [النوع الثاني: أن يشترط أنه لا مهر لها ولا نفقة، أو يقسم لها أكثر من امرأته الأخرى أو أقل، فالشرط باطل ويصح النكاح (¬2)]. الثالث: أن يشترط الخيار، أو إِن جاءها بالمهر في وقت، وإِلا فلا نكاح بينهما فالشرط باطل وفي صحة النكاح روايتان. ¬

_ (¬1) رواه البخاري رقم (2140) في البيوع: باب لا يبع على بيع أخيه، ومسلم رقم (1515) (12) في البيوع: باب تحريم بيع حبل الحبلة، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (¬2) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش".

فصل

فصل فإِن تزوجها على أنها مسلمة فبانت كتابية فله الخيار، وإِن شرطها كتابية فبانت مسلمة فلا خيار له. وقال أبو بكر له الخيار، وإِن شرطها أمة فبانت حرة فلا خيار له، وإِن شرطها بكراً أو جميلة أو نسيبة أو شرط نفي العيوب التي لا ينفسخ بها النكاح فبانت بخلافه فهل له الخيار؟ على وجهين. وإِن تزوج أمة يظنها حرة، فأصابها وولدت منه، فالولد حر، ويفديهم بمثلهم يوم ولادتهم. ويرجع بذلك على من غرَّه، ويفرق بينهما إِن لم يكن ممن يجوز له نكاح الإِماء، وإِن كان ممن يجوز له ذلك فله الخيار، فإِن رضي بالمقام معها فما ولدت بعد ذلك فهو رقيق، وإِن كان المغرور عبداً فولده أحرار ويفديهم إِذا عتق ويرجع به على من غرَّه، وإِن تزوجت رجلًا على أنه حر أو تظنه حراً فبان عبداً فلها الخيار. فصل فإِن عُتِقَتِ الأَمَةُ وزوجها حر فلا خيار لها في ظاهر المذهب، وإِن كان عبداً فلها الخيار في فسخ النكاح، ولها الفسخ بغير حكم حاكم، فإِن أُعْتِق قبل فسخها أو أمكنته من وطئها بطل خيارها، فإِن ادعت الجهل بالعتق، وهو مما يجوز جهله، أو الجهل بملك الفسخ فالقول قولها، وقال الخرقي: يبطل خيارها علمت أو لم تعلم. وخيار المعتقة على التراخي ما لم يوجد منها ما يدل على الرضا، فإِن كانت صغيرة أو مجنونة فلها الخيار إِذا بلغت وعَقَلَتْ، وليس لوليها الاختيار عنها. فإِن طلقت قبل اختيارها وقع الطلاق. وإِن عتقت المعتدة الرجعية فلها الخيار، فإِن رضيت بالمقام فهل يبطل خيارها، على وجهين. ومتى اختارت المعتقة الفرقة بعد الدخول فالمهر

باب حكم العيوب في النكاح

للسيد، وإِن كان قبله فلا مهر. وقال أبو بكر: لسيدها نصف المهر. وإِن أعتق أحد الشريكين وهو معسر فلا خيار لها، وقال أبو بكر: لها الخيار. وإِن أُعْتِقَ الزوجان معاً فلا خيار لها، وعنه ينفسخ نكاحهما. باب حكم العيوب في النِّكاح العيوب المثبتة للفسخ ثلاثة أقسام: أحدها ما يختص بالرجال وهو شيئان: أحدهما: أن يكون الرجل مجبوباً قد قطع ذكره، أو لم يبق منه إِلا ما لا يمكن الجماع به، فإِن اختلفا في إِمكان الجماع بالباقي فالقول قولها ويحتمل أن القول قوله. الثاني أن يكون عنِّيناً لا يمكنه الوطء، فإِن اعترف بذلك أجل سنة منذ ترافعه، فإِن وطئ فيها وإِلا فلها الفسخ، فإِن اعترفت أنه وطئها مرة بطل كونه عنيناً، وإِن وطئها في الدبر أو وطئ غيرها لم تزل العنة ويحتمل أن تزول، فإِن ادعى أنه وطئها وقالت إِنها عذراء وشهد بذلك امرأة ثقة فالقول قولها وإِلا فالقول قوله، فإِن كانت ثيباً فالقول قوله. وعنه القول قولها. وقال الخرقي: يخلى معها في بيت ويقال له أخرج ماءك على شيء، فإِن ادعت أنه ليس بمني جعل على النار، فإِن ذاب فهو مني وبطل قولها (¬1). فصل القسم الثاني: يختص النساء، وهو شيئان: الرتق: وهو كون الفرج مسدوداً لا مسلك للذكر فيه، وكذلك القَرَن والعَفَل؛ وهو لحم يحدث فيه يسده، وقيل: القرن عظم والعفل رغوة تمنع لذة الوطء. ¬

_ (¬1) والآن يمكن اللجوء إلى وسائل الطب الحديث على يد طبيب مؤتمن.

فصل

الثاني الفتق وهو انخراق ما بين السبيلين، وقيل انخراق ما بين مخرج البول والمني. فصل القسم الثالث: مشترك بينهما: وهو الجذام والبرص والجنون سواء كان مطبقًا أو يخنق في الأحيان، فهذه الأقسام يثبت بها خيار الفسخ رواية واحدة. فصل واختلف أصحابنا في البخر وهو نتن الفم، وقال ابن حامد: نتن في الفرج يثور عند الوطء، واستطلاق البول، والنجو، والقروح السيالة في الفرج، والباسور، والناسور، والخصاء، وهو قطع الخصيتين، والسَّل وهو سل البيضتين، والوجاء وهو رضهما، وفي كونه خنثى، وفيما إِذا وجد أحدهما بصاحبه عيباً به مثله أو حَدَثَ به العيب بعد العقد هل يثبت الخيار؟ على وجهين. فإِن علم بالعيب وقت العقد أو قال قد رضيت به معيباً أو وجد منه دلالة تدل (¬1) على الرضا من وطء أو تمكين مع العلم بالعيب فلا خيار له، ولا يجوز الفسخ إِلا بحكم حاكم فإِن فسخ قبل الدخول فلا مهر، وإِن فسخ بعده فلها المهر المسمى، وقيل عنه مهر المثل، ويرجع به على من غرَّه من المرأة والولي. وعنه لا يرجع. ¬

_ (¬1) سقطت الكلمة من "م".

فصل

فصل وليس لولي صغيرة ولا مجنونة ولا سيد أمة تزويجها معيباً، ولا لولي كبيرة تزويجها بغير رضاها، فإِن اختارت الكبيرة نكاح مجبوب أو عنين لم يملك منعها، وإِن اختارت نكاح مجنون أو مجذوم أو أبرص فله منعها في أصح الوجهين، وإِن علمت العيب بعد العقد أو حدث به، لم يملك إِجبارها على الفسخ. باب نِكَاح الكُّفَّار وحكمه حكم نكاح المسلمين فيما يجب به، وتحريم المحرمات، ويُقَرُّون على الأنكحة المحرمة ما اعتقدوا حلها ولم يرتفعوا إِلينا، وعنه في مجوسي تزويج كتابية أو اشترى نصرانية يحول بينهما الإِمام فيخرج من هذا أنهم لا يُقَرُّون على نكاح محرم. فإِن أسلموا أو ترافعوا (¬1) إِلينا في ابتداء العقد لم نمضه إِلا على الوجه الصحيح، وإِن كان في أثنائه لم نتعرض لكيفية عقدهم، بل إِن كانت المرأة ممن لا يجوز ابتداءً نكاحها: كذات محرمه، ومن هي في عدتها، أو شرط الخيار في نكاحها (¬2) متى شاء، أو مُدة هما فيها، أو مطلقته ثلاثاً، فرق بينهما، وإِلا أُقِرّا على النكاح. وإِن قهر حربيّ حربيّة فوطئها أو طاوعته واعتقداه نكاحاً أقرا وإِلا فلا. وإِن كان المهر مسمى صحيحاً أو فاسداً قَبَضَتْهُ، استقر، وإِن كان فاسداً لم تقبضه، فُرِض لها مَهْرُ المثل. ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"م" وفي "ط": وترافعوا. (¬2) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": عدتها.

فصل

فصل وإِذا أسلم الزوجان معاً، أو أسلم زوج الكتابية فهما على نكاحهما، وإِن أسلمت الكتابية أو أحد الزوجين غير الكتابيين (¬1) قبل الدخول انفسخ النكاح، فإِن كانت هي المسلمة فلا مهر لها. وإِن أسلم قبلها فلها نصف المهر وعنه لا مهر لها. وإِن قالت أسلمْتَ قبلي وأنكرها فالقول قولها، وإِن قال أسلمنا معاً فنحن (¬2) على النكاح وأنكرته فعلى وجهين. وإِن أسلم أحدهما بعد الدخول وقف الأمر على انقضاء العدة، فإِن أسلم الثاني قبل انقضائها فهما على نكاحهما وإِلا تبيّنا أن الفرقة وقعت حين أسلم الأول، فعلى هذا لو وطئها في عدتها ولم يسلم الثاني فعليه المهر، فإِن أسلم فلا شيء لها، وإِذا أسلمت قبله فلها نفقة العدة، وإِن كان هو المسلم فلا نفقة لها، وإِن اختلفا في السابق منهما فالقول قولها في أحد الوجهين. وعنه إِن الفرقة تتعجل بإِسلام أحدهما كما قبْل الدُّخول، فأما الصداق فواجب بكل حال. فصل فإِن ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ النكاح، ولا مهر لها إِن كانت هي المرتدة، وإِن كان هو المرتد فلها نصف المهر، وإِن كانت الردة بعد الدخول فهل تتعجل الفرقة، أو تقف على انقضاء العدة؟ على روايتين. وإِن كان هو المرتد فلها نفقة العدة، وإِن كانت هي المرتدة فلا نفقة لها، وإِن انتقل أحد الكتابيين إِلى دين لا يقر عليه فهو كردته. ¬

_ (¬1) زاد بعد كلمة الكتابيَّينْ: (أو أحد الزوجين) كذا مطلقته. (¬2) في "م": ونحن. 316

فصل

فصل وإِن أسلم كافر وتحته أكثر من أربع نسوة فأسلمن معه اختار منهن أربعاً وفارق سائرهن. فإِن لم يختر أجبر عليه، وعليه نفقتهن إِلى أن يختار، فإِن طلَّق إِحداهن أو وطئها كان اختياراً لها، وإِن طلق الجميع ثلاثاً أُقْرع بينهن فأخْرج بالقرعة أربعٌ منهن وله نكاح البواقي، وإِن ظاهر أو آلى من إِحداهن فهل يكون اختياراً لها؟ على وجهين. وإِن مات فعلى الجميع عدة الوفاة، ويحتمل أن يلزمهن أطول الأمرين من ذلك أو ثلاثة قروء، والميراث لأربع منهن بالقرعة. وإِن أسلم وتحته أختان اختار منهما واحدة، فإِن كانتا أماً وبنتاً فسد نكاح الأم، وإِن كان دخل بالأم فسد نكاحهما. فصل وإِن أسلم وتحته إِماء فأسلمن معه، وكان في حال اجتماعهم على الإِسلام فمن يحل له نكاح (¬1) الإِماء فله الاختيار منهن وإِلا فسد نكاحهن، فإِن أسلم وهو موسر فلم يسلمن حتى أعسر فله الاختيار منهن، فإِن أسلمت إِحداهن بعده ثم عتقت ثم أسلم البواقي فله الاختيار منهن، وإِن أسلم وأعْتِقَ ثم أسلمن فحكمه حكم الحر: لا يجوز أن يختار منهن إِلا بوجود الشرطين فيه. * * * ¬

_ (¬1) سقطت الكلمة "م".

كتاب الصداق

كتاب الصَّدَاق وهو مشروع في النكاح، ويستحب تخفيفه، وأن لا يُعَرَّى النكاح عن تسميته، وأن لا يزيد على صداق أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبناته وهو خمسمائة درهم، ولا يتقدر أقله ولا أكثره، بل كل ما جاز أن يكون ثمناً جاز أن يكون صداقاً: من قليل وكثير، وعين ودين، ومعجل ومؤجل، ومنفعة معلومة: كرعاية غنمها مدة معلومة، وخياطة ثوب، ورد عبدها من موضع معين، فإِن كانت مجهولة كرد عبدها أين كان وخدمتها فيما شاءت لم يصح. وإِن تزوجها على منافعه مدة معلومة فعلى روايتين، وكل موضع لا تصح التسمية وجب مهر المثل. وإِن أصْدَقها تعليم أبواب من الفقه، أو الحديث، أو قصيدة من الشعر المباح صح، وإِن كان لا يحفظها لم يصح، ويحتمل أن يصح ويتعلمها ثم يعلمها، وإِن تعلمتها من غيره لزمه أجرة تعليمها فإِن طلقها قبل الدخول وقبل تعلمها فعليه نصف الأجرة، ويحتمل أن يعلمها نصفها، وإِن كان بعد تعليمها رجع عليها بنصف الأجرة. وإِن أصدقها تعليم شيء من القرآن معين لم يصح، وعنه يصح (¬1). ولا يحتاج إِلى ذكر قراءة مَن، وقال أبو الخطاب يحتاج إِلى ذلك. ولو تزوج نساءً بمهر واحد أو خالعهن بعوض واحد صح، ويقسم بينهن على قدر مهورهن في أحد الوجهين، وفي الآخر يقسم بينهن بالسَّوية. ¬

_ (¬1) في "م": "ويحتمل أن يصح".

فصل ويشترط أن يكون معلوماً كالثمن. وإِن أصدقها داراً غير معينة، أو دابة لم يصح، وإِن أصدقها عبداً مطلقاُ لم يصح، وقال القاضي يصح ولها الوسط وهو السندي، وإِن أصدقها عبداُ من عبيده لم يصح ذكره أبو بكر، وروي عن أحمد رحمه الله تعالى أنه يصح ولها أحدهم بالقرعة، وكذلك يُخَرَّج إِذا أصدقها دابة من دوابه، أو قميصاً من قمصانه ونحوه، وإِن أصدقها عبداً موصوفاً صح، وإِن جاءها بقيمة أو أصدقها عبداً وسطاً وجاءها بقيمته، أو خالعته على ذلك فجاءته بقيمته لم يلزمها قبوله، وقال القاضي يلزمها ذلك. وإِن أصدقها طلاق امرأة له أخرى لم يصح، وعنه يصح، فإِن فات طلاقها بموتها فلها مهرها في قياس المذهب. وإِن تزوجها على ألف إِن كان أبوها حياً وألفين إِن كان ميتاً لم يصح نص عليه، وإِن تزوجها على ألف إِن لم يكن له زوجة وألفين إِن كان له زوجة لم يصح في قياس التي قبلها والمنصوص أنه يصح. وإِذا قال العبد لسيدته أعتقيني على أن أتزوجك فأعتقته على ذلك عتق ولم يلزمه شيء. وإِذا فرض الصداق مؤجلًا ولم يذكر محل الأجل صح في ظاهر كلامه، ومحله الفرقة عند بعض أصحابنا (¬1)، وعند أبي الخطاب لا يصح. فصل وإِن أصدقها خمراً أو خنزيراً أو مالًا مغصوباً صحّ النكاح ووجب مهر المثل، وعنه: أنه يعجبه استقبال النكاح اختاره أبو بكر، والمذهب ¬

_ (¬1) كذا في "م": "عند بعض أصحابنا" وفي "ش" و"ط": "عند أصحابنا".

صحته، وإِن تزوجها على عبد فخرج حراً، أو مغصوباً أو عصيرٍ فبان خمراً فلها قيمته، وإِن وجدت به عيباً فلها الخيار بين أخذ أرْشه أو رده وأخذ قيمته. فصل وإِن تزوجها على ألف لها وألف لأبيها صح وكانا جميعاً مهرها، فإِن طلقها قبل الدخول بعد قبضهما رجع عليها بألف ولم يكن على الأب شيء مما أخذ، فإِن فعل ذلك غير الأب فالكل لها دونه. وللأب تزويج ابنته البكر والثيب بدون صداق مثلها وإِن كرهت، وإِن فعل ذلك غيره بإِذنها صح ولم يكن لغيره الاعتراض، فإِن فعله بغير إِذنها وجب مهر المثل، ويحتمل أن لا يلزم الزوج إِلا المسمى، والباقي على الولي كالوكيل في البيع. وإِن زوج ابنه الصغير بأكثر من مهر المثل صح ولزم ذمة الابن، فإِن كان معسراً فهل يضمنه الأب، يحتمل وجهين. وللأب قبض صداق ابنته الصغيرة بغير إِذنها، ولا يقبض صداق الثيب الكبيرة إِلا بإِذنها، وفي البكر البالغ روايتان. فصل وإِن تزوج العبد بإِذن سيده على صداق مسمى صح، وهل يتعلق برقبته أو ذمة سيده؟ على روايتين. وإِن تزوج بغير إِذنه لم يصح النكاح، فإِن دخل بها وجب في رقبته مهر المثل، وعنه يجب خمسا المسمى اختاره الخرقي. وإِن زوَّج السيد عبدَه أمَته لم يجب مهر، ذكره أبو بكر، وقيل يجب ويسقط، وإِن زوج عبده حرة ثم باعها العبد بثمن في الذمة تحول

صداقها أو نصفه إِن كان قبل الدخول إِلى ثمنه، وإِن باعها إِياه بالصداق صح قبل الدخول وبعده، ويحتمل أن لا يصح قبل الدخول. فصل وتملك المرأة الصَّدَاق المسمى بالعقد، فإِن كان معيناً كالعبد والدار فلها التصرف فيه ونماؤه لها ونقصه وزكاته وضمانه عليها، إِلا أن يمنعها قبضه فيكون ضمانه عليه، وعنه فيمن تزوج على عبد ففقئت عينه إِن كانت قد قبضته فهو لها وإِلا فهو على الزوج، فعلى هذا لا يدخل في ضمانها إِلا بقبضه، وإِن كان غير معين كقفيز من صبرة لم يدخل في ضمانها، ولم تملك التصرف فيه إِلا بقبضه كالمبيع. وإِن قبضت صداقها ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصفه إِن كان باقياً، ويدخل في ملكه حكماً كالميراث، ويحتمل أن لا يدخل حتى يطالب به ويختار، فما ينمى قبل ذلك فهو لها، وإِن كان الصداق زيادة منفصلة رجع في نصف الأصل والزيادة لها، وإِن كانت متصلة فهي مخيرة بين دفع نصفه زائداً وبين دفع نصف قيمته يوم العقد. وإِن كان ناقصاً خير الزوج بين أخذه ناقصاً وبين نصف القيمة وقت العقد. وإِن كان تالفاً أو مستحقاً بدين أو شفعة فله نصف قيمته يوم العقد، إِلا أن يكون مِثْلِيّاً فيرجع بنصف مثله، وقال القاضي: له القيمة أقل ما كانت من يوم العقد إِلى يوم القبض. وإِن نقص الصداق في يدها بعد الطلاق فهل تضمن نصفه؟ يحتمل وجهين. وإِن قال الزوج نقص قبل الطلاق وقالت بعده، فالقول قولها مَعَ (¬1) يمينها، والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح، فإِذا طلَّق قبل الدخول فأيهما عفا لصاحبه عما وجب له من المهر وهو جائز الأمر في ماله ¬

_ (¬1) كذا في الأصلين: "ش" و"م" وفي "ط": بيمينها.

برئ منه صاحبه، وعنه أنه الأب فله أن يعفو عن نصف مهر ابنته الصغيرة إِذا طلقت قبل الدخول. فصل إِذا أبرأت المرأة زوجها من صداقها أو وهبته له ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصفه، وعنه لا يرجع بشيء، وإِن ارتدت قبل الدخول فهل يرجع عليها بجميعه؟ على روايتين. وكل فرقة جاءت من (قبل) (¬1) الزوج: كطلاقه وخلعه، وإِسلامه، وردته، أو من أجنبي كالرضاع ونحوه، قبل الدخول يتنصف بها المهر بينهما، وكل فرقة جاءت من قبلها: كإِسلامها، وردتها، ورضاعها من ينفسخ به نكاحها، وفسخها لعيبه أو إِعساره، وفسخه لعيبها يسقط به مهرها ومتعتها. وفرقة اللعان تخرج على روايتين. وفي فرقة بيع الزوجة من الزوج وشرائها له وجهان. وفرقة الموت يستقر بها المهر كله كالدخول، ولو قتلت نفسها لاستقر مهرها كاملًا. فصل وإِذا اختلف الزوجان في قدر الصَّدَاق فالقول قول الزوج مع يمينه، وعنه القول قول من يدعي مهر المثل منهما، فإِن ادعى أقل منه وادعت أكثر منه رد إِليه بلا يمين عند القاضي في الأحوال كلها، وعند أبي الخطاب تَجِب اليمين. ¬

_ (¬1) ما بين قوسين زيادة من "م".

وإِن قال تزوجْتُكِ على هذا العبد، وقالت بل على هذه (¬1) الأمة خَرج على الروايتين، فإِن اختلفا في قبض المهر فالقول قولها، وإِن اختلفا فيما يستقر به المهر فالقول قوله. وإِن تزوجها على صداقين: سر وعلانية أخذ بالعلانية، وإِن كان قد انعقد بالسر، ذكره الخرقي [وقال القاضي (¬2)]: إِن تصادقا على السر لم يكن غيره، وإِن قال هو عقد واحد أسررته ثم أظهرته، وقالت بل هو عقدان فالقول قولها مع يمينها. فصل في المفوضة والتفويض على ضربين: تفويض البضع: وهو أن يزوج الأب ابنته البكر أو تأذن المرأة لوليها في تزوجيها بغير مهر. وتفويض المهر وهو أن يتزوجها على ما شاءت أو شاءَ (¬3) أو شاء أجنبي ونحو ذلك، فالنكاح صحيح ويجب مهر المثل بالعقد، ولها المطالبة بفرضه، فإِن فرضه الحاكم لم يجز إِلا بمقداره، وإِن تراضيا على فرضه جاز ما اتفقا عليه من قليل وكثير. فإِن مات أحدهما قبل الإِصابة ورثه صاحبه ولها مهر نسائها، وعنه أنه يتنصف بالموت إِلا أن يكون قد فرضه لها، فإِن طلقها قبل الدخول بها لم يكن عليه إِلا المتعة على الموسع قدره وعلى المقتر قدره؛ فأعلاها خادم، وأدناها كسوة تجزئها في صلاتها، وعنه يُرْجَعُ في تقديرها إِلى الحاكم، ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": هذا العبد قالت بل هذه. (¬2) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "م" وبالخط نفسه. (¬3) عبارة: (أو شاء) الأولى ساقطة من "م" و"ط".

وعنه يجب لها نصف مهر المثل، وإِن دخل بها استقر مهر المثل، وإِن طلقها بعد ذلك فهل تجب المتعة؟ على روايتين أصحهما لا تجب. فصل ومهر المثل معتبر بمن يساويها من نساء عَصَبَاتِها: كأختها، وعمتها، وبنت أخيها، وعمها، وعنه يعتبر جميع أقاربها كأمها وخالتها، وتعتبر المساواة في المال، والجمال، والعقل، والأدب، والسن، والبكارة والثيوبة، والبلد، فإن لم يكن في نسائها إلا دونها زيدت بقدر فضيلتها فإِن لم يوجد إِلا فوقها نقصت بقدر نقصها، فإِن كانت عادتهم التخفيف على عشيرتهم دون غيرهم اعتبر ذلك، وإِن كان عادتهم التأجيل فرض مؤجلًا في أحد الوجهين، وِإن لم يكن لها أقارب اعتبر بنساء بلدها ثم بأقرب النساء شبهاً بها. فصل وأما النكاح الفاسد فإِذا افترقا قبل الدخول بطلاق أو غيره، فلا مهر فيه، وإِن دخل بها استقر عليه المسمى، وعنه يجب مهر المثل [وهي أصح ولا يستقر بالخلوة، وقال أصحابنا يستقر، ويجب مهر المثل (¬1)] للموطوءة بشبهة، والمكرهة على الزنا، ولا يجب معه أَرْش البكارة، ويحتمل أن يجب للمكرهة. وإِذا دفع أجنبية فأذهب عذرتها فعليه أَرْش بكارتها، وقال القاضي يجب مهر المثل، وإِن فعل ذلك الزوج، ثم طلق قبل الدخول، لم يكن عليه إِلا نصف المسمى. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش" وبخط مغاير.

باب الوليمة

وللمرأة منع نفسها حتى تقبض مهرها، فإِن تبرعت بتسليم نفسها ثم أرادت المنع فهل لها ذلك؟ على وجهين. وإِن أعسر بالمهر قبل الدخول فلها الفسخ، وإِن أعسر بعدة فعلى وجهين. ولا يجوز الفسخ إِلا بحكم حاكم. باب الوليمة وهي اسم لدعوة العرس خاصة، وهي مستحبة، والإِجابة إِليها واجبة إِذا عينه الداعي المسلم في اليوم الأول، فإِن دعى الجفلى كقوله: أيها الناس تعالوا إِلى الطعام، أو دعاه فيما بعد اليوم الأول، أو دعاه ذمي لم تجب الإِجابة، وسائر الدعوات والإِجابة إِليها مستحبة غير واجبة، وإِذا حضر وهو صائم صوماً واجباً لم يفطر، وإِن كان نفلًا أو كان مفطراً استحب له الأكل، وإِن أحب دعا وانصرف. فإِن دعاه اثنان أجاب أولهما، فإِن استويا أجاب أدينهما، ثم أقربهما جواراً. فإِن علم أن في الدعوة منكراً كالزمر والخمر وأمكنه الإِنكار حضر وأنكر وإِلا لم يحضر، فإِن حضر وشاهد المنكر أزاله وجلس، وإِن لم يقدر انصرف، وإِن علم به ولم يره ولم يسمعه فله الجلوس. وإِن شاهد ستوراً معلقة فيها صور الحيوان لم يجلس إِلا أن تُزال، وإِن كانت مبسوطة أو على وسادة فلا بأس بها، وإِن سُتِرت الحيطان بستور لا صور فيها، أو فيها صور غير الحيوان فهل تباح؟ على روايتين. ولا يباح الأكل بغير إِذن؛ والدعاء إِلى الوليمة إِذن فيه. والنثار والتقاطه مكروه، وعنه لا يكره، ومن حصل في حجره شيء منه فهو له. ويستحب إِعلان النكاح والضرب عليه بالدف.

باب عشرة النساء

باب عِشْرَة النِّساء يلزم كل واحد من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف، وأن لا يمطله بحقه، ولا يظهر الكراهة لبذله، وإِذا تم العقد وجب تسليم المرأة في بيت الزوج إِذا طلبها وكانت حرة يمكن الاسمتاع بها ولم تشترط دارها، وإِن سألت الإِنظار أنظرت مدة جرت العادة بإِصلاح أمرها فيها، وإِن كانت أمة لم يجب تسليمها إِلا بالليل. وله الاستمتاع بها ما لم يشغلها عن الفرائض من غير إِضرار بها. وله السفر بها إِلا أن تشترط بلدها. ولا يجوز وطؤها في الحيض ولا في الدبر. ولا يعزل عن الحرة إِلا بإِذنها، ولا عن الأمة إِلا بإِذن سيدها. وله إِجبارها على الغسل من الحيض والجنابة والنجاسة، واجتناب المحرمات، وأخذ الشعر الذي تعافه النفس، إِلا الذمية فله إِجبارها على غسل الحيض وفي سائر الأشياء روايتان. فصل ولها عليه أن يبيت عندها ليلة من كل أربع ليال، وإِن كانت أمة فمن كل ثمان، وقال أصحابنا من كل سبع، وله الانفراد بنفسه فيما بقي. وعليه وطؤها في كل أربعة أشهر مرة. إِن لم يكن عذر. وإِن سافر عنها أكثر من ستة أشهر فطلبت قدومه لزمه ذلك إِن لم يكن عذر، فإِن أبى شيئاً من ذلك، ولم يكن عذر وطلبت الفرقة فُرِّق بينهما، وعنه ما يدل على أن الوطء غير واجب فيكون هذا كله غير واجب.

فصل في القسم

ويستحب أن يقول عند الجماع: "بسم الله، اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني". ولا يكثر الكلام حال الوطء، ولا ينزع إِذا فرغ قبلها حتى تفرغ. وله الجمع بين وطء نسائه وإِمائه بغسل واحد، ويستحب الوضوء عند (¬1) معاودة الوطء. ولا يجوز له الجمع بين زوجتيه في مسكن واحد إِلا برضاهما، ولا يجامع إِحداهما بحيث تراه الأخرى أو غيرها (¬2)، ولا يحدثها بما جرى بينهما. وله منعها من الخروج عن منزله، فإِن مرض بعض محارمها أو مات استحب له أن يأذن لها في الخروج إِليه. ولا تملك المرأة إِجارة نفسها للرضاع والخدمة بغير إِذن زوجها، وله أن يمنعها من رضاع ولدها. إِلا أن يضطر إِليها وتخشى عليه. فصل في القَسَم وعلى الرجل أن يساوي بين نسائه في القَسَم (¬3)، وعماد القسم (¬4) الليل إِلا لمن معيشته بالليل كالحارس. وليس له البداية بإِحداهن ولا السفر بها إِلا بقرعة، فإِذا بات عندها بقرعة أو غيرها لزمه المبيت عند الثانية، وليس عليه التسوية بينهن في الوطء بل يستحب. ¬

_ (¬1) في "م": قبل. (¬2) أو غيرها: العبارة سقطت من "م". (¬3) قوله: في القسم سقط من "م". (¬4) في "م": وعادة القسم.

فصل

ويقسم لزوجته الأمة ليلة وللحرة ليلتين وإِن كانت كتابية، ويقسم للحائض والنفساء والمريضة والمعيبة، فإِن دخل في ليلتها إِلى غيرها لم يجز إِلا لحاجة داعية، فإِن لم يلبث عندها لم يقض، وإِن لبث أو جامع لزمه أن يقضي لها مثل ذلك من حق الأخرى. وإِن أراد النقلة من بلد إِلى بلد وأخذ إِحداهن معه والأخرى مع غيره لم يجز إِلا بقرعة، ومتى سافر بها بقرعة لم يقض، وإِن كان بغير قرعة لزمه القضاء للأُخرى، وإِن امتنعت من السفر معه، أو من المبيت عنده، أو سافرت بغير إِذنه، سقط حقها من القسم، وإِن أشخصها هو فهي على حقها من ذلك، وإِن سافرت لحاجتها بإِذنه فعلى وجهين. وللمرأة أن تهب حقها من القسم لبعض ضرائرها بإِذنه، وله، فيجعله لمن شاء منهن، فمتى رجعت في الهبة عاد حقها، ولا قسم عليه في ملك يمينه. وله الاستمتاع بهن كيف شاء، ويستحب التسوية بينهن، وأن لا يعضلهن (¬1) إِن لم يرد الاستمتاع بهن. فصل وإِذا تزوج بكراً أقام عندها سبعاً ثم دار، وإِن كان ثَيِّباً أقام عندها ثلاثاً، فإِنْ أحبَّتْ أن يقيم عندها سبعاً فعل وقضاهن للبواقي. وإِن زُفَّت إِليه امرأتان قَدَّم السابقة منهما، ثم أقام عند الأخرى، ثم دار، فإِن زفتا معاً قدَّم إِحداهُن بالقرعة ثم أقام عند الأخرى. وِإن أراد السفر فخرجت بالقرعة لإِحداهما سافر بها، ودخل حق العقد ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": وعليه أن لا يَعْضُلَهُنَّ.

فصل في النشوز

في قسم السفر، فإِذا قدم بدأ بالأخرى فوفاها حق العقد. وإِذا طلق إِحْدى نسائه في ليلتها أثم، فإِن تزوَّجَها بَعْد قضاها ليلتها. وله أن يخرج في نهار ليل القسم لمعاشه وقضاء حقوق الناس. فصل في النُّشُوز وهو معصيتها إِياه فيما يجب عليها، وإِذا ظهر منها أمارات النشوز بأن لا تجيبه إِلى الاستمتاع بها، أو تجيبه متبرمة متكرهة وعظها، فإِن أصرت هجرها في المضجع ما شاء، وفي الكلام فيما دون ثلاثة أيام، فإِن أَصَرَّت فله أن يضربها ضرباً غير مبرح، فإِن ادعى كل واحد ظلم صاحبه له أسكنهما الحاكم إِلى جانب ثقة يشرف عليهما ويُلْزِمُهُما الإِنصاف، فإِن خرجا إِلى الشقاق والعداوة، بعث الحاكم حكمين حُرَّيْنِ مسلمين عَدْلَيْنِ، والأَوْلى أن يكونا من أهلهما برضاهما وتوكيلهما فيكشفان عن حالهما، ويفعلان ما يريانه من جمع بينهما، أو تفريق بطلاق أو خلع، فإِن امتنعا من التوكيل لم يجبرا، [وعنه أنَّ الزوج إِنْ وكَّلَ (¬1)] في الطلاق بعوض أو غيره، ووكلت المرأة في بذل العوض برضاها (¬2) وإِلا جعل الحاكم إِليهما ذلك، فإِن غاب الزوجان أو أحدهما لم ينقطع نظر الحكمين على الرواية الأولى، وينقطع على الثانية. وإِن جُنا انقطع نظرهما على الأولى، ولم ينقطع على الثانية. * * * ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين سقط من "ط". (¬2) برضاها، كذا في "ط" وفي "ش" و"م": "برضاهما".

كتاب الخلع

كتاب الخُلْعِ وإِذا كانت المرأة مبغضة للرجل وتخشى أن لا تقيم حدود الله فلا بأس أن تفتدي نفسها منه [وإِن خالعته لغير ذلك كره ووقع الخلع، وعنه لا يجوز. فأما إِن عَضَلَها لتفتدي نفسها منه (¬1)] ففعلت فالخلع باطل والعوض مردود والزوجية بحالها، إِلا أن يكون طلاقاً فيكون رجعياً. ويجوز الخلع من كل زوج يصح طلاقه مسلماً كان أو ذمياً، فإِن كان محجوراً عليه دفع المال إِلى وليه، وإِن كان عبداً دفع المال إِلى سيده، وقال القاضي يصح القبض من كل من يصح خلعه. وهل للأب خلع زوجة ابنه الصغير أو طلاقها؟ على روايتين، وليس له خلع ابنته الصغيرة بشيء من مالها. ويصح الخلع مع الزوجة ومع الأجنبي ويصح بذل العوض فيه من كل جائز التصرف: فإِن خالعت الأمة بغير إِذن سيدها على شيء معلوم كان في ذمتها تتبع به بعد العتق، وإِن خالعته المحجور عليها لم يصح الخُلْعُ ووقع طلاقه رجعياً. والخلع طلاق بائن إِلا أن يقع بلفظ الخلع أو الفسخ أو المفاداة ولا ينوي به الطلاق، فيكون فسخاً، لا ينقص به عدد الطلاق في إِحدى الروايتين، وفي الرواية الأخرى هو طلاق بائن بكل حال. ولا يقع بالمعتدة من الخُلْعِ طلاق ولو واجهها به، وإِن شرط الرجعة في الخلع لم يصح الشرط في أحد الوجهين، وفي الآخر يصح الشرط ويبطل العوض. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش".

فصل

فصل ولا يصح الخلع إِلا بعوض في أصح الروايتين، فإِن خالعها بغير عوض لم يقع، إِلا أن يكون طلاقاً فيقع رجعياً، والأخرى يصح بغير عوض اختارها الخرقي، ولا يستحب أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، فإِن فعل كره وصح، وقال أبو بكر لا يجوز وترد الزيادة. وإِن خالعها بمحرم كالخمر والحر فهو كالخلع بغير عوض، وإِن خالعها على عبد فبان حراً أو مستحقاً فله قيمته عليها، وإِن بان معيباً فله أَرْشه أو قيمته ويرده. وإِن خالعها على رضاع ولده عامين أو سكنى دار صح، فإِن مات الولد أو خربت الدار رجع بأجرة باقي المدة، وإِن خالع الحامل على نفقة عدتها صح وسقطت. فصل ويصح الخلع بالمجهول، وقال أبو بكر لا يصح، والتفريع على الأول: فإِذا خالعها على ما في يدها من الدراهم، أو ما في بيتها من المتاع فله ما فيهما، فإِن لم يكن شيء فله ثلاثة دراهم وأقل ما يسمى متاعاً، وقال القاضي يرجع عليها بصداقها في مسألة المتاع. وإِن خالعها على حمل أمتها، أو ما تحمل شجرتها فله ذلك، فإِن لم يحملا فقال أحمد رضي الله عنه: ترضيه بشيء، وقال القاضي: لا شيء له. وإِن خالعها على عبد فله أقل ما يسمى عبداً، وإِن قال إِن أعطيتني عبداً فأنت طالق، طلقت بأي عبد أعطته طلاقاً بائناً وملك العبد نص عليه، وقال القاضي يلزمها عبد وسط فيهما، وإِن قال إِن أعطيتني هذا العبد فأنت طالق فأعطته إِياه طُلِّقت، فإِن خرج معيباً فلا شيء له. وإِن خرج

فصل

مغصوباً لم يقع الطلاق، وعنه يقع وله قيمته، وكذلك في التي قبلها. وإِن قال إِن أعطيتني ثوباً هَرَوِياً فأنت طالق فأعطته مَرْوِياً لم تطلق، وإِن خالعته على هَروي [بأَنْ قالت: اخلعني على هذا الثوب الهَروَي (¬1)] فبان مَرْوياً فله الخيار بين رده وإِمساكه، وعند أبي الخطاب ليس له غيره إِن وقع الخلع على عينه. فصل وإِذا قال إِن أعطيتني أو إِذا أعطيتني أو متى أعطيتني ألفاً فأنت طالق كان على التراخي أي: وقت أعطته ألفاً طلقت. وإِن قالت له اخلعني بألفٍ أو على ألفٍ، أو طلقني بألف أو على ألف ففعل بانت واستحق الألف. وإِن قالت طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثة استحقها، وإِن قالت طلقني ثلاثاً بألف فطلقها واحدة لم يستحق شيئاً، ويحتمل أن يستحق ثلث الألف، وإِن لم يكن بقي من طلاقها إِلا واحدة استحق الألف علمت أو لم تعلم، ويحتمل أن لا يستحق إِلا ثلثه إِذا لم تعلم. وإِن كان له امرأتان مكلفة وغير مكلفة فقال أنتما طالقتان بألف إِن شئتما، فقالتا قد شئنا، لزم المكلفة نصف الألف، وطلقت بائناً، ووقع الطلاق بالأخرى رجعياً ولا شيء عليها، وإِن قال لامرأته أنت طالق وعليك ألف طلقت ولا شيء عليها، وإِن قال على ألف أو بألف فكذلك، ويحتمل أن لا تطلق حتى تختار فيلزمها الألف. فصل وإِذا خالعته في مرض موتها فله الأقل من المسمى أو من ميراثه فيها، وإِن طلقها في مرض موته وأوصى لها بأكثر من ميراثها لم تستحق أكثر من ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين زيادة من "ط".

فصل

ميراثها، وإِن خالعها في مرضه (¬1) أوْ حاباها (¬2) فهو من رأس المال، وإِذا وكل الزوج في خلع امرأته مُطْلَقاً فخالع بمهرها فما زاد (¬3) صح، وإِن نقص عن المهر رجع على الوكيل بالنقص، ويحتمل أن يخير بين قبوله ناقصاً وبين ردّه وله الرجعة. وإِن عين له العوض فنقص منه لم يصح الخلع عند ابن حامد، وصح عند أبي بكر، ويرجع على الوكيل بالنقص، وإِن وكلت المرأة في ذلك فخالع بمهرها فما دون أو بما عينته فما دون صح، وإِن زاد لم يصح، ويحتمل أن يصح وتبطل الزيادة، وإِذا تخالعا تراجعا بما بينهما من الحقوق وعنه أنها تسقط. فصل وإِذا قال خالعتُكِ بألف فأَنْكَرَتْهُ، أو قالت إِنما خالعت غيري بانت، والقول قولها مع يمينها في العوض، وإِن قالت نعم لكن ضمنه غيري لزمها الألف، وإِن اختلفا في قدر العوض أو عينه أو تأجيله فالقول قولها مع يمينها، ويتخرج أن القول قول الزوج، ويحتمل أن يتحالفا ويرجعا إِلى المهر المسمى أو مهر المثل إِن لم يكن مسمى. وإِن علق طلاقها بصفة، ثم خالعها فوجدت الصفة، ثم عاد فتزوجها فوجدت الصفة طلقت نص عليه، ويتخرج أن لا تطلق بناءً على الرواية في العتق واختاره أبو الحسن التميمي، وإِن لم توجد الصفة حال البينونة عادت، رواية واحدة. * * * ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": مرض موته. (¬2) في "ط" و"م": وحاباها. (¬3) في "م": فما دون والسياق لا يقتضيه.

كتاب الطلاق

كتاب الطَّلاق وهو حَلُّ قيد النكاح، ويُباح عند الحاجة إِليه، ويُكره من غير حاجة، وعنه أنه يحرم، ويستحب إِذا كان بقاء النكاح ضرراً. ويصح من الزوج البالغ العاقل المختار، (ويصح) (¬1) من الصبي العاقل، وعنه لا يصح حتى يبلغ. ومن زال عقله بسبب يعذر فيه: كالنائم، والمجنون، والمغمى عليه، والمبرسم، لم يقع طلاقه. وإِن زال بسبب لا يعذر فيه كالسكران، ومن شرب ما يزيل عقله لغير حاجة، ففي صحة طلاقه روايتان، وكذلك يخرج في قتله وقذفه وسرقته وزناه وظهاره وإِيلائه. ومن أكره على الطلاق بغير حق لم يقع طلاقه، وإِن هدَّده بالقتل أو أخذ المال ونحوه قادر يغلب على الظن وقوع ما هدده به فهو إِكراه. وعنه لا يكون مكرهاً حتى يُنال بشيء من العذاب: كالضرب، والخنق، وعصر الساق، اختارها الخرقي. ويقع الطلاق في النكاح المختلف فيه: كالنكاح بلا ولي عند أصحابنا واختار أبو الخطاب أنه لا يقع حتى يعتقد صحته. وإِذا وُكِّل في الطلاق من يَصحُّ توكيله صح طلاقه، وله أن يطلق متى شاء إِلا أن يحدّ له حدّاً، ولا يطلق أكثر من واحدة إِلا أن يجعل إِليه، وإِن ¬

_ (¬1) ما بين القوسين زيادة من "ط".

باب سنة الطلاق وبدعته

وكل اثنين فيه فليس لأحدهما الانفراد به إِلا بإِذن، وإِن وكلهما في ثلاث فطلق أحدهما أكثر من الآخر وقع ما اجتمعا عليه. وإِن قال لامرأته طلقي نفسك فلها ذلك كالوكيل، وإِن قال لها اختاري من ثلاث ما شئت لم يكن لها أن تختار أكثر من اثنتين. باب سنة الطَّلاق وبدعته السُّنَّةُ في الطلاق أن يطلقها واحدة في طهر لم يصبها فيه، ثم يدعها حتى تنقضي عدتها، وإِن طلق المدخول بها في حيضها أو طهر أصابها فيه فهو طلاق بدعة محرم ويقع. ويستحب رجعتها، وعنه أنها واجبة. وإِن طلقها ثلاثاً في طهر لم يصبها فيه كره، وفي تحريمه روايتان. وإِن كانت المرأة صغيرة أو آيسة أو غير مدخول بها أو حاملًا قد استبان حملها فلا سنة لطلاقها ولا بدعة إِلا في العدد، فإِذا قال لها: أنت طالق للسنة أو قال للبدعة طلقت في الحال واحدة، وإِن قال لمن لها سنة وبدعة أنت طالق للسنة في طهر لم يصبها فيه طلقت في الحال، وإِن كانت حائضاً طلقت إِذا طَهُرَت. وإِن كانت في طُهْر أصابها فيه طلقت إِذا طهرت من الحيضة المستقبلة، وإِن قال لها أنت طالق للبدعة وهي حائض أو في طهر أصابها فيه طلقت في الحال، وإِن كانت في طهر لم يصبها فيه طلقت إِذا أصابها أو حاضت، وإِن قال لها أنت طالق ثلاثاً للسنة، طلقت ثلاثاً في طهر لم يصبها فيه في إِحدى الروايتين، وفي الأخرى تطلق فيه واحدة، وتطلق الثانية والثالثة في طهرين في نكاحين إِن أمكن، وإِن قال لها أنت طالق في كل قرء طلقة وهي من اللائي لم يحضن لم تطلق حتى تحيض فتطلق في كل حيضة طلقة، وإِن قلنا الأقراء الأطهار فهل تطلق في الحال؟ يحتمل وجهين ويقع بها الباقي في الأطهار الباقية. وإِن قال لها أنت طالق أحسن الطلاق وأجمله فهو كقوله أنت طالق

باب صريح الطلاق وكنايته

للسنة، وإِن قال أقبح الطلاق وأسمجه فهو كقوله للبدعة، إِلا أن ينوي أَحْسَنَ أَحْوالِكِ وأقبحها أن تكوني مطلقة فيقع في الحال، وإِن قال: أنت طالق طلقة حسنة قبيحة طلقت في الحال. باب صريح الطلاق وكنايته وصريحه لفظ الطلاق وما تصرف منه في الصحيح، وقال الخرقي صريحه ثلاثة ألفاظ: الطلاق والفِراق والسَّراح وما تصرف منهن، فمتى أتى بصريح الطلاق وقع نواه أو لم ينوه، وإِن نوى بقوله أنت طالق من وثاق أو أراد أن يقول طاهر فسبق لسانه، أو أراد بقوله مطلقة من زوج كان قبله لم تطلق، وإِن ادّعى ذلك دُيِّن، وهل يقبل في الحكم؟ على روايتين، إِلا أن يكون في حال الغضب أو بعد سؤالها الطلاق فلا يقبل. وفيما إِذا قال أردت أنها مطلقة من زوج قبلي وجه ثالث: أنه يقبل إِن كان وجد وإِلا فلا، ولو قيل له أطلقت امرأتك قال نعم وأراد الكذب طلقت. ولو قيل له ألك امرأة قال لا وأراد الكذب لم تطلق، ولو لطم امرأته أو أطعمها أو سقاها وقال هذا طلاقها طلقت، إِلا أن ينوي أن هذا سبب طلاقك أو نحو ذلك. وإِن قال أنت طالق ولا شيء أو ليس بشيء أو لا يلزمك طلقت، وإِن قالَ: أنت طالق أوّلاً أو طالقة واحدةً أوّلاً لم يقع، ويحتمل أن يقع. وإِن كتب طلاق امرأته ونوى الطلاق وقع، [وإِن نوى تجويد خطه أو غم أهله لم يقع، وهل تقبل دعواه في الحكم؟ يخرج على روايتين (¬1)]. وإِن لم ينو شيئاً فهل يقع؟ على وجهين. وإِن كتبه بشيء لا يتبين لم يقع، وقال أبو حفص يقع. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش" بخط مغاير.

فصل

وصريح الطلاق في لسان العجم: بهشتم، فإِن قاله العربي ولا يفهمه، أو نطق العجمي بلفظ الطلاق ولا يفهمه لم يقع، وإِن نوى موجبه فعلى وجهين. فصل والكنايات نوعان: أ - ظاهرة وهي سبع: أنت خلية، وبرية، وبائن، وبتة، وبتلة، وأنت حرة (¬1)، وأنت الحرج. ب - وخفية نحو: اخرجي، واذهبي، وذوقي، وتجرعي، وخليتك، وأنت مخلاة، وأنت واحدة، ولست لي بامرأة، واعتدي، واستبري، واعتزلي وما أشبهه، واختلف في قوله: الحقي بأهلك، وحبلك على غاربك، وتزوجي من شئت، وحلَلْتِ للأزواج ولا سبيل لي عليك، ولا سلطان لي عليك (¬2)، هل هي ظاهرة أو خفية؟ على روايتين. ومن شَرْطِ وقوع الطلاق أن ينوي بها الطلاق إِلا أن يأتي بها في حال الخصومة والغضب فعلى روايتين. وإِن جاءت جواباً لسؤالها الطلاق فقال أصحابنا يقع الطلاق، والأولى في الألفاظ التي كثر استعمالها لغير الطلاق نحو اخرجي واذهبي، وروحي أن لا يقع بها طلاق حتى ينويه، ومتى نوى بالكناية الطلاق وقع بالظاهرة ثلاث (¬3) وإِن نوى واحدة، وعنه يقع ما نواه، وعنه ما يدل على أنه يقع بها واحدة بائنة، ويقع بالخفية ما نواه، فإِن لم ينو عدداً وقع واحدة. ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"م" وفي "ط": حرمة. (¬2) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": ولا سبيل ولا سلطان لي عليك. (¬3) كذا في سائر النسخ بالرفع ونصبه أجود.

فصل

وأما ما لا يدل على الطلاق نحو: كلي، واشربي، واقعدي، واقربي، وبارك الله عليك، وأنت مليحة، أو قبيحة، فلا يقع بها طلاق وإِن نوى. وكذا قوله أنا طالق، فإِن قال أنا منك طالق، فكذلك ويحتمل أنه كناية، وإِن قال أنا منك بائن أو حرام فهل هو كناية أولاً؟ على وجهين. وإِن قال أنت علي كظهر أمي ينوي به الطلاق لم يقع وكان ظِهَاراً، وإِن قال أنت علي (¬1) حرام أو ما أحل الله علي حرام ففيه ثلاث روايات: إِحداهن أنه ظهار وإِن نوى الطلاق، اختاره الخرقي. والثانية كناية ظاهرة. والثالثة هو يمين. فإِن قال ما أحل الله علي حرام أعني به الطلاق فقال أحمد رحمه الله: تطلق امرأته ثلاثاً، وإِن قال: أعني به طلاقاً طلقت واحدة، وعنه أنه ظهار فيهما، وإِن قال أنت علي كالميتة والدم وقع ما نواه من الطلاق والظهار واليمين، فإِن لم ينو شيئاً فهل يكون ظهاراً أو يميناً؟ على وجهين. وإِن قال حَلَفْتُ بالطلاق وكذب لزمه إِقراره في الحكم، ولا يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى. فصل وإِن قال لامرأته: أمرك بيدك، فلها أن تطلق ثلاثاً وإِن نوى واحدة، وهو في يدها ما لم يفسخ أو يطأ، فإِن قال: اختاري نفسك، لم يكن لها أن تطلق أكثر من واحدة إِلا أن يجعل إِليها أكثر من ذلك، وليس لها أن ¬

_ (¬1) لفظ "علي" سقط من "م".

باب ما يختلف به عدد الطلاق

تطلق إِلا ما دامت في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه، إِلا أن يجعل إِليها أكثر من ذلك؛ فإِن جعل لها الخيار اليوم كله أو جعل أمرها بيدها فردته أو رجع فيه أو وطئها بطل خيارها، هذا المذهب، وخرج أبو الخطاب في كل مسألة وجهاً: مثل حكم الأخرى ولفظة الأمر والخيار كناية في حق الزوج تفتقر إِلى نية، فإِن قبلته بلفظ الكناية نحو اخترت نفسي، افتقر إِلى نيتها أيضاً، وإِن قالت طلقت نفسي وقع من غير نية، وإِن اختلفا في نيتها فالقول قولها، وإِن اختلفا في رجوعه فالقول قوله، وإِن قال طلقي نفسك فقالت اخترت نفسي ونوت الطلاق وقع، ويحتمل أن لا يقع. وليس لها أن تطلق أكثر من واحدة إِلا أن يجعل إِليها أكثر منها. وإِن قال وهبتك لأهلك (¬1) فإِن قبلوها فواحدة وإِن ردوها فلا شيء. وعنه إِن قبلوها فثلاث وإِن ردوها فواحدة، وكذلك إِذا قال: وهبتك لنفسك. باب ما يختلف به عدد الطلاق يملك الحر ثلاث طلقات وإِن كان تحته أمة، ويملك العبد اثنتين وإِن كان تحته حرة، وعنه أن الطلاق بالنساء.: فيملك زوج الحرة ثلاثاً وإِن كان عبداً، وزوج الأمة اثنتين وإِن كان حراً. وإِذا قال أنتِ الطلاق أو الطلاق لي لازم ونوى الثلاث طلقت ثلاثاً، وإِن لم ينو شيئاً أو قال أنت طالق ونوى الثلاث ففيه روايتان: إِحداهما تطلق ثلاثاً، والأخرى واحدة. وإِن قال أنت طالق واحدة ونوى ثلاثاً لم تطلق إِلا واحدة في أحد الوجهين. وإِن قال أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه الثلاث طلقت ثلاثاً، وإِن قال أردت بعد المقبوضتين قبل منه. ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": لأبيك.

فصل

وإِن قال أنت طالق واحدة بل هذه ثلاثاً، طلقت الأولى واحدة والثانية ثلاثاً، وإِن قال: أنت طالق كل الطلاق أو أكثره، أو جميعه، أو منتهاه، أو طالق كألف، أو بعدد الحصى، أو القطر، أو الريح، أو الرمل، أو التراب، طلاقت ثلاثاً وإِن نوى واحدة، وإِن قال: أشد الطلاق أو أغلظه، أو أطوله، أو أعرضه، أو ملء الدنيا، طلقت واحدة إِلا أن ينوي ثلاثاً، وإِن قال أنت طالق من واحدة إِلى ثلاث طلقت اثنتين ويحتمل أن تطلق ثلاثاً، وإِن قال أنت طالق طلقة في اثنتين ونوى طلقة مع طلقتين طلقت ثلاثاً. وإِن نوى موجبه عند الحساب وهو يعرفه طلقت طلقتين، وإِن لم يعرفه فكذلك عند ابن حامد، وعند القاضي تطلق واحدة، وإِن لم ينو وقع بامرأة الحاسب طلقتان وبغيرها طلقة ويحتمل أن تطلق ثلاثاً. فصل إِذا قال أنت طالق نصف طلقة، أو نصفي طلقة، أو نصف طلقتين، طُلِّقت طلْقة، وإِن قال نصفي طلقتين أو ثلاثة أنصاف طلقت طَلْقتين، وإِن قال ثلاثة أنصاف طلقتين طلقت ثلاثاً، ويحتمل أن تطلق طلقتين، وإِن قال نِصْف طلقة، ثُلث طلقة، سدس طلقة، أو نصف وثلث وسدس طلقة طلقت طلقة، وإِن قال نصف طلقة، وثلث طلقة، وسدس طلقة، طُلِّقت ثلاثاً. وإِن قال لأربع أَوْقَعْتُ بينكن طلقة أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً وقع بكل واحدة طلقة وعنه إِذا قال أوقعت بينكن ثلاثاً ما أرى إِلا قد بِنَّ منه واختاره القاضي رحمه الله، وإِن قال أوقعت بينكن خمساً فعلى الأول يقع بكل واحدة طلقتان.

فصل

فصل وإِن قال: نصفك، أو جزء منك، أو أصبعك، أو دمك طالق، طُلِّقت، وإِن قال: شعرك، أو ظفرك، أو سنك طالق لم تطلق، وإِن أضافه إِلى: الريق، والدمع، والعرق، والحمل، لم تطلق، وإِن قال روحك طالق طلقت، وقال أبو بكر رحمه الله تعالى لا تطلق. فصل فيما تخالف المدخول بها غيرها إِذا قال لمدخول بها (¬1): أنت طالق أنت طالق طلقتين، إِلا أن ينوي بالثانية التأكيد أو إِفهامها. وإِن قال لها: أنت طالق فطالق، أو ثم طالق، أو بل طالق، أو طالق طلقة بل طلقتين، أو بل طلقة، أو طالق طلقة بعدها طلقة، أو قبل طلقة، طلقت طلقتين. وإِن كانت غير مدخول بها بانت بالأولى ولم يلزمها ما بعدها. وإِن قال لها: أنت طالق طلقة قبلها طلقة فكذلك عند القاضي، وعند أبي الخطاب تطلق اثنتين. وإِن قال لها: أنت طالق طلقة معها طلقة، أو مع طلقة، أو طالق وطالق، طلقت طلقتين. والمعلق كالمنجز في هذا: فلو قال إِن دخلت الدار فأنت طالق وطالق، أو طالق طلقة معها طلقة، أو مع طلقة، فدخلت طلقت طلقتين، وإِن قال إِن دخلتِ الدار (¬2) فأنت طالق فطالق، أو ثم طالق، ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": إِذا قال لها. (¬2) كلمة (الدار) سقطت من "م" و"ط".

باب الاستثناء في الطلاق

فدخلت طلقت طلقة واحدة إِن كانت غير مدخول بها واثنتين إِن كانت مدخولاً بها، وإِن قال إِن دخلت فأنت طالق، إِن دخلت فأنت طالق، فدخلت طلقت اثنتين بكل حال. باب الاستثناء في الطلاق حُكي عن أبي بكر رحمه الله تعالى أنه قال لا يصح الاستثناء في الطلاق، والمذهب على أنه يصح استثناء ما دون النصف ولا يصح فيما زاد عليه، وفي النصف وجهان: فإِذا قال أنت طالق ثلاثاً إِلا واحدة طلقت اثنتين، وإِن قال: أنت طالق ثلاثاً إِلا ثلاثاً، أو ثلاثاً إِلا اثنتين، أو خمساً إِلا ثلاثاً، أو ثلاثاً إِلا ربع طلقة طلقت ثلاثاً، وإِن قال أنت طالق طلقتين إِلا واحدة فعلى وجهين، وإِن قال أنت طالق ثلاثاً إِلا اثنتين إِلا واحدة فهل تطلق ثلاثاً أو اثنتين؟ على وجهين. وإِن قال: أنت طالق ثلاثاً إِلا واحدة، أو طالق وطالق وطالق إِلا واحدة، أو طلقتين وواحدة إِلا واحدة، أو طلقتين ونصفاً إِلا طلقة طلقت ثلاثاً، ويحتمل أن يقع طلقتان. وإِن قال أنت طالق ثلاثاً واستثنى بقلبه إِلا واحدةً وقعت الثلاث، وإِن قال نسائي طوالق واستثنى واحدة بقلبه لم تطلق. باب الطلاق في الماضي والمستقبل إِذا قال لامرأته أنت طالق أمسِ، أو قبل أن أنكحك، ينوي الإِيقاع وقع، وإِن لم ينو لم يقع في ظاهر كلامه، وقال القاضي رحمه الله يقع، وحكي عن أبي بكر لا يقع إِذا قال أنت طالق أمسِ، ويقع إِذا قال قبل أن أنكحك، وإِن قال: أردت أن زوجها (¬1) قبلي طلقها، أو طلقتها أنا في ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": زوجاً.

فصل

نكاح قبل هذا قبل منه إِذا احتمل الصدق في ظاهر كلام أحمد رضي الله عنه، وإِن مات أو جن أو خرس قبل العلم بمراده فهل تطلق؟ على وجهين: وإِن قال أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر فقدم قبل مضي شهر لم تطلق، وإِن قدم بعد شهر وجزء يقع الطلاق فيه (¬1) تبينا وقوعه فيه، وإِن خالعها بعد اليمين بيوم وكان الطلاق بائناً ثم قدم زيد بعد الشهر بيومين صح الخلع وبطل الطلاق. وإِن قدم بعد شهر وساعة وقع الطلاق دون الخلع. وإِن قال أنت طالق قبل موتي. طلقت في الحال، قال (¬2): وإِن قال: بعد موتي أو مع موتي لم تطلق. وإِن تزوَّج أمة أبيه ثم قال: إِذا مات أبي أو اشتريتك فأنت طالق، فمات أبوه، أو اشتراها لم تطلق، ويحتمل أن تطلق، فإِن كانت مدبرة (¬3) فمات أبوه وقع الطلاق والعتق معاً. فصل وإِن قال أنت طالق لأشربن الماء الذي في الكوز ولا ماء فيه، أو لأقتلن فلاناً الميت، أو لأصعدَنَّ السماء، أو لأطيرن، أو إِن لم أصعد السماء ونحوه، طلقت في الحال، وقال أبو الخطاب في موضع: لا تنعقد يمينه. وإِن قال: أنت طالق إِن شربت ماء الكوز ولا ماء فيه، أو صعدت السماء، أو شاء الميت والبهيمة، لم تطلق في أحد الوجهين، وتطلق في الآخر. وإِن قال أنت طالق اليوم إِذا جاء غدٌ فعلى وجهين، وقال القاضي لا تطلق. ¬

_ (¬1) الكلمة ليست في "م". (¬2) الكلمة: (قال) زيادة من "ط". (¬3) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": مدبرته.

فصل في الطلاق في زمن مستقبل

فصل في الطلاق في زمن مستقبل إِذا قال أنت طالق غداً، أو يوم السبت، أو في رجب، طلقت بأول ذلك، وإِن قال أنت طالق اليوم، أو في هذا الشهر، طلقت في الحال، فإِن قال أردت في آخر هذه الأوقات دُيِّن، وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين. وإِن قال أنت طالق اليوم وغداً وبعد غد، أو في اليوم وفي غد وفي بعده، فهل تطلق ثلاثاً أو واحدة؟ على وجهين، وقيل: تطلق في الأولى واحدة، وفي الثانية ثلاثاً، وإِن قال: أنت طالق اليوم إِن لم أطلقك اليوم طلقت في آخر جزء منه، وقال أبو بكر لا تطلق. وإِن قال أنت طالق يوم يقدم زيد فماتت (3) غدوة وقدم بعد موتها فهل وقع بها الطلاق؟ على وجهين، وإِن قال أنت طالق في غد إِذا قدم زيد فماتت (¬1) قبل قدومه لم تطلق، وإِن قال أنت طالق اليوم غدا طلقت اليوم واحدة إِلا أن يريد طالق اليوم وطالق غداً أو نصف طلقة اليوم ونصفها غداً فتطلق اثنتين، وإِن نوى نصف طلقة اليوم وباقيها غداً احتمل وجهين. وإِن قال أنت طالق إِلى شهر طلقت عند انقضائه إِلا ينوي طلاقها في الحال. وإِن قال أنت طالق في آخر الشهر أو أول آخره طلقت بطلوع فجر آخر يوم منه. وإِن قال في آخر أوله طلقت في آخر يوم من أوله، وقال أبو بكر تطلق في المسألتين بغروب شمس الخامس عشر منه، وإِن قال إِذا مضت سنة فأنت طالق طلقت إِذا مضى اثنا عشر شهراً بالأهلة ويكمل الشهر الذي ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش".

باب تعليق الطلاق بالشروط

حلف في أثنائه بالعدد، وإِن قال إِذا مضت السنة فأنت طالق، طلقت بانسلاخ ذي الحجة وإِن قال أنت طالق في كل سنة طلقة طلقت الأولى في الحال، والثانية في أول المحرم، وكذا الثالثة، فإِن قال أردت بالسنة اثني عشر شهراً دُيِّن وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين. وإِن قال أردت أن يكون ابتداء السنين المحرم دُيِّن ولم يقبل في الحكم، وإِن قال أنت طالق يوم يقدم زيد فقدم زيد ليلًا لم تطلق إِلا أن يريد باليوم الوقت فتطلق، وإِن قُدِم به ميتاً أو مكرهاً لم تطلق. باب تعليق الطَّلاق بالشروط يصح ذلك من الزوج ولا يصح من الأجنبي، فلو قال: إِن تزوجت فلانة أو إِن تزوجت امرأة فهي طالق لم تطلق إِذا تزوجها، وعنه تطلق، وإِن قال لأجنبية إِنْ قمتِ فأنتِ طالق فتزوجها ثم قامت لم تطلق رواية واحدة. وإِن علق الزوج الطلاق بشرط لم تطلق قبل وجوده، وإِن قال عجلت ما علقته (¬1) لم يتعجل، وإِن قال سبق لساني بالشرط ولم أرده طَلُقَتْ في الحال، وإِن قال: أنت طالق ثم قال أردت إِن قمتِ دُيِّن ولم يقبل في الحكم نص عليه. فصل وأدوات الشرط ست: إِن، وإِذا، ومتى، ومن، وأي، وكلما، وليس فيها ما يقتضي التكرار إِلا كلما، وفي متى وجهان: وكلها على التراخي إِذا تجردت عن لم، فإِن اتصل بها حرف لم (¬2) صارت على الفور ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"م" وفي "ط": أجلته. (¬2) عبارة: "حرف لم" سقطت من "ط" و"م".

إِلا إِن، وفي إِذا وجهان: فإِذا قال إِن قمت، أو إِذا قمت، أو من قام منكنَّ، أو أي وقت قمتِ، أو متى قمت، أو كلما قمت فأنت طالق فمتى قامت طَلُقت، وإِن تكرر القيام لم يتكرر الطلاق إِلا في كلما، وفي متى في أحد الوجهين. ولو قال: كلما أكلت رمانة فأنت طالق، وكلما أكلت نصف رمانة فأنت طالق؛ فأكلت رمانة طلقت ثلاثاً، ولو جعل مكان كلما إِن أكلت لم تطلق إِلا اثنتين. ولو علق طلاقها على صفات ثلاث (¬1) فاجتمعن في عين واحدة مثل أن يقول إِن رأيت رجلاً فأنت طالق، وإِن رأيت أسود فأنت طالق، وإِن رأيت فقيهاً فأنت طالق، فرأت رجلاً أسود فقيهاً طلقت ثلاثاً. وإِن قال إِن لم أطلقك فأنت طالق ولم يطلقها لم تطلق إِلا في آخر جزء من حياة أحدهما إِلا أن يكون له نية. وإِن قال من لم أطلقها، أو أي وقت لم أطلقك فأنت طالق فمضى زمن يمكن طلاقها فيه طَلُقت، وإِن قال إِذا لم أطلقك فأنت طالق فهل تطلق في الحال؟ يحتمل وجهين. وإِن قال كلما لم أطلقْكِ فأنت طالق، فمضى زمن يمكن طلاقها فيه ثلاثاً ولم يطلقها (¬2) طلقت ثلاثاً إِلا التي لم يدخل بها فإِنها تبين بالأولى. وإِن قال العامي أن دخلت الدار فأنت طالق -بفتح الهمزة- فهو شرط، وإِن قاله عارف بمقتضاه طلقت في الحال، وحُكي عن (الخلَّال) رحمه الله تعالى أنَّه إِنْ لم ينو مقتضاه فهو شرط أيضاً، وإِن قال أن قمت وأنت طالق طلقت في الحال، فإِن قال أردت الجزاء أو أردت أن أجعل ¬

_ (¬1) كلمة: ثلاث: سقطت من "ط". (¬2) كذا في "ش" و"م" وسقطت: (ثلاثاً ولم يطلق) من "ط".

فصل في تعليقه بالحيض

قيامها وطلاقها شرطين لشيء ثم أمسكت، دُيِّن، وهل يقبل في الحكم يخرج على روايتين. وإِن قال إِن قمت فقعدت فأنت طالق، أو إِن قعدت إِذا قمت أو إن قعدت إن قمت لم تطلق حتى تقوم ثم تقعد، وإِن قال إِن قمت وقعدت فأنت طالق طلقت بوجودهما كيفما كان، وعنه تطلق بوجود أحدهما إِلا أن ينوي، والأول أصح، وإِن قال إِن قمت أو قعدت فأنت طالق، طَلُقَتْ بوجود أحدهما. فصل في تعليقه بالحيض إِذا قال إِذا حضت فأنت طالق طلقت بأول الحيض، فإِن بانَ أنَّ الدم ليس بحيض لم تطلق به، وإِن قال إِذا حضت حيضة فأنت طالق لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر ولا يعتد بالحيضة التي هي فيها. وإِن قال إِذا حضت نصف حيضة فأنت طالق، احتمل أن يعتبر نصف عادتها، واحتمل أنها متى طهرت تبيَّنا وقوع الطلاق في نصفها، واحتمل أن يلغو قوله نصف حيضة، وقيل إِذا حاضت سبعة أيام ونصفها طلقت. وإِن قال إِذا طهرْتِ فأنْتِ طالق، طلقت (¬1) إِذا انقطع الدم، وإِن كانت طاهراً فإِذا طهرت من حيضة مستقبلة وإِذا قالت حِضْتُ وكذَّبَها قُبِلَ قولها في نفسها، وإِن قال قد حِضْتِ فأنكرته، طلقت بإِقراره. وإِن قال إِن حضت فأنت وضرتك طالقتان، فقالت: قد حضْتُ وكذَّبها، طلقت دون ضرتها، وإِن قال إِن حضتما فأنتما طالقتان فقالتا قد حضنا فصدقهما طلقتا، وإِن كذَّبهما لم تطلقا، وإِن أكذب إِحداهما طلقت وحدها، وإِن قال ذلك لأربع فقلن قد حضنا فصدقهن طلقن، وإِن ¬

_ (¬1) في "م": طهرت وهو سهوٌ وأثبتنا ما في "ش" و"ط".

فصل في تعليقه بالحمل

صَدَّق واحدةً أو اثنتين لم يطلق منهن شيء، وإِن صدق ثلاثاً طلقت المُكذَّبَة وحدها، وإِن قال كلما حاضت إِحداكن فضرائرها طوالق فقلن قد حضنا فصدقهن طلقن ثلاثاً ثلاثاً، وإِن صدق واحدة لم تطلق وطلق ضرائرها طلقة طلقة، وإِن صدق اثنتين طلقت كل واحدة منهما طلقة، وطلقت المُكَذَّبتان طلقتين طلقتين، وإِن صدق ثلاثاً طلقت المُكَذَّبة ثلاثاً. فصل في تعليقه بالحمل إِذا قال: إِن كنت حاملًا فأنت طالق فتبين أنها كانت حاملاً تَبَيَّنا وقوع الطلاق حين اليمين وإِلا فلا. وإِن قال إِن لم تكوني حاملًا فأنت طالق فهي بالعكس، ويحرم وطؤها قبل استبرائها في إِحدى الروايتين إِن كان الطلاق بائناً. وإِن قال: إِن كنت حاملًا بذكر فأنت طالق واحدة، وإِن كنت حاملًا بأنثى فأنت طالق اثنتين، فولدت ذكراً وأنثى طلقت ثلاثاً، ولو كان مكان قوله إِن كنت حاملًا: إِن كان حملك، لم تطلق إِذا كانت حاملًا بهما. فصل في تعليقه بالولادة إِذا قال إِن ولدت ذكراً فأنت طالق واحدة، وإِن ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين فولدت ذكراً ثم أنثى طلقت بالأول وبانت بالثاني ولم تطلق به، ذكره أبو بكر، وقال ابن حامد: تطلق به وإِن أشكل كيفية وضعهما وقعت واحدة بيقين، ولغا ما زاد، وقال القاضي: قياس المذهب أن يقرع بينهما ولا فرق بين أن تلده حياً أو ميتاً.

فصل في تعليقه بالطلاق

فصل في تعليقه بالطلاق إِذا قال: إِذا طلقتك فأنت طالق، ثم قال إِن قمت فأنت طالق فقامت طلقت طلقتين، وإِن قال: إِن قمت فأنت طالق، ثم قال: إِذا طلقتك فأنت طالق فقامت طلقت واحدة، وإِن قال: إِن قمت فأنت طالق ثم قال: إِن وقع عليك طلاقي فأنت طالق فقامت طلّقت طلقتين. وإِن قال كلما طلقتك فأنت طالق، ثم قال: أنت طالق طلقت طلقتين، وإِن قال: كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق، ثم وقع عليها طلاقة بمباشرة أو سبب طلقت ثلاثاً، وإِن قال كلما وقع عليك طلاقي، أو إِن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثاً، ثم قال: أنت طالق فلا نص فيها [عن أحمد رحمه الله تعالى (¬1)]، وقال أبو بكر والقاضي تطلق ثلاثاً. وقال ابن عقيل (¬2) تطلق بالطلاق المنجز ويلغو ما قبله. وإِن قال لأربع نسوة أيّكن وقع عليها طلاقي فصواحبها طوالق، ثم وقع على إِحداهن طلاقه طَلُقْن ثلاثاً، وإِن قال: كلما طلقت واحدة منكن فعبد من عبيدي حر، وكلما طلقت اثنتين فعبدان حران، وكلما طلقت ثلاثاً فثلاثة أحرار، وكلما طلقت أربعاً فأربعة أحرار، ثم طلقهن جميعاً عتق خمسة عشر عبداً، وقيل عشرة، ويحتمل أن لا يعتق إِلا أربعة، إِلا أن يكون له نية. وإِذا قال لامرأته إِذا أتاك طلاقي فأنت طالق، ثم كتب إِليها: إِذا أتاك كتابي هذا فأنت طالق فأتاها الكتاب طلقت طلقتين، فإِن قال أردت أنك ¬

_ (¬1) عبارة: "عن أحمد رحمه الله تعالى" مستدركة على الهامش في "ش" وفيها رضي الله عنه بدل رحمه الله تعالى. (¬2) هو علي بن عقيل البغدادي، أبو الوفاء، من علماء الحنابلة الكبار، وصاحب كتاب "الفنون" وهو من أكبر المصنفات في الإسلام. مات سنة (513) هـ. انظر ترجمته في "المنهج الأحمد" (3/ 97) و"شذرات الذهب" (6/ 58).

فصل في تعليقه بالحلف

طالق بذلك الطَّلاق الأول دُيِّن، وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين. فصل في تعليقه بالحلف إِذا قال إِنْ [حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال أنت طالق إِن قمت أو دخلت الدار، طلقت في الحال. وإِن قال أنت طالق إِن طلعت الشمس أو قدم الحاج فهل هو حلف؟ فيه وجهان. وإِن قال إِنْ (¬1)] حلفتُ بطلاقك فأنت طالق، أو قال إِن كَلَّمْتُكِ فأنت طالق وأعادَهُ مرة أخرى طلقت واحدة، وإِن أعاده ثلاثاً طلقت ثلاثاً. وإِن قال لامرأتيه إِن حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان وأعاده طلقت كل واحدة طلقة، وإِن كانت إِحداهما غير مدخول بها فأعاده بعد ذلك لم تطلق واحدة منهما، وإِن قال لمدخول بهما كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فأنتما طالقتان وأعاده ثانية طلقت كل واحدة طلقتين، وإِن قال كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فهي طالق، أو فضرتها طالق وأعاده طلقت كل واحدة طلقة، وإِن قال لإِحداهما إِذا حلفت بطلاق ضرتك فأنت طالق، ثم قال ذلك للأخرى طلقت الأولى، فإِن أعاده للأولى طلقت الأخرى. فصل في تعليقه بالكلام إِذا قال: إِن كلمتك فأنت طالق فتحققي ذلك، أو زجرها فقال تنحي أو اسكتي، أو قال: إِن قمت فأنتِ طالق طلقت، ويحتمل أن لا يحنث بالكلام المتصل بيمينه، لأن إِتيانه به يدل على إِرادته الكلام المنفصل عنها. ¬

_ (¬1) لفظة: إِنْ سقطت من "ط" في الموضعين.

فصل في تعليقه بالإذن

وإِن قال: إِن بدأتك بالكلام فأنت طالق فقالت: إِن بدأتك به فعبدي حر انحلت يمينه إِلا أن ينوي، ويحتمل أن يحنث بِبَدَاءتِهِ إِياها بالكلام في وقت آخر، لأن الظاهر أنه أراد (¬1) ذلك بيمينه. فإِن قال: إِنْ كلمتِ فلاناً فأنت طالق فكلمته فلم يسمع لتشاغله أو غفلته، أو كاتبته أو راسلته حنث، وإِن أشارت إِليه احتمل وجهين، وإِن كلمته سكران أو أصم بحيث يعلم أنها تكلمه، أو مجنوناً يسمع كلامها حنث وقيل لا يحنث، وإِن كلمته ميتاً أو غائباً أو مغمىً عليه أو نائماً لم يحنث، وقال أبو بكر يحنث. وإِن قال لامرأتيه إِن كلمتما هذين فأنتما طالقتان فكلمت كل واحدة واحداً منهما طلقتا، ويحتمل أن لا يحنث حتى يكلما جميعاً كل واحد منهما. وإِن قال إِن أمرتك فخالفتيني فنهاها فخالفته لم يحنث إِلا أن ينوي مطلق المخالفة، ويحتمل أن تطلق، وقال أبو الخطاب: إِن لم يعرف حقيقة الأمر والنهي حنث. فصل في تعليقه بالإِذن إِذا قال: إِن خرجت بغير إِذني، أو إِلا بإِذني، أو حتى آذن لك فأنت طالق، ثم أذن لها فخرجت، ثم خرجت بغير إِذنه طلقت، وعنه لا تطلق إِلا أن ينوي الإِذن في كل مرة وإِن أذن لها من حيث لا تعلم فخرجت طلقت، ويحتمل أن لا تطلق. وإِن قال إِن خرجت إِلى غير الحمام بغير إِذني فأنت طالق فخرجت تريد ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": إِرَادَتُهُ.

فصل في تعليقه بالمشيئة

الحمام وغيره طلقت، وإِن خرجت إِلى الحمام ثم عدلت إِلى غيره طلقت، ويحتمل أن لا تطلق. فصل في تعليقه بالمشيئة إِذا قال: أنت طالق إِن شئتِ، أو كيف شئتِ، أو حيث شئتِ، أو متى شئتِ لم تطلق حتى تقول قد شئتُ سواء شاءت على الفور أو التراخي، ويحتمل أن يقف على المجلس كالاختيار. فإِن قال: أنت طالق إِن شئتِ، فقالت قد شئتُ إِن شئتَ فقال قد شئتُ لم تطلق. وإِن قال أنت اطالق إِن شئتِ (¬1) وشاء أبوك لم تطلق حتى تشاء. وإِن قال أنت طالق إِن شاء زيد فمات أو جن أو خرس قبل المشيئة لم تطلق، وإِن شاء وهو سكران خرج على الروايتين في طلاقه، فإِن كان صبياً يعقل المشيئة فشاء طلقت وإِلا فلا، وإِن قال: أنت طالق إِلا أن يشاء زيد فمات أو جن أو خرس طلقت، وإِن قال أنت طالق واحدة إِلا أن يشاء زيد ثلاثاً فشاء ثلاثاً طلقت ثلاثاً في أحد الوجهين، وفي الآخر لا تطلق. وإِن قال أنت طالق [إِن شاء الله طلقت، وإِن قال لأمته أنت حرة إِن شاء الله عتقت وحكي عنه أنه يقع العتق دون الطلاق. وإِن قال أنت طالق إِلا أن يشاء الله طلقت، وإِن قال إِن لم يشأ الله فعلى وجهين (¬2)]. وإِن قال إِن دخلت الدار فأنت طالق إِن شاء الله فدخلت فهل تطلق؟ على روايتين. ¬

_ (¬1) عبارة: إِن شئت سقطت من "م". (¬2) العبارات بين الرقمين مضطربة في "م" والمثبت يوافق "ش" و"ط".

فصل في مسائل متفرقة

وإِن قال: أنت طالق لرضى زيد أو لمشيئته طلقت في الحال، فإِن قال أردت الشرط دُيِّن وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين. وِإن قال إِن كنتِ تحبين أن يعذبك الله بالنار فأنت طالق، أو قال إِن كنت تحبينه بقلبك فأنت طالق، فقالت أنا أحبه، فقد توقف أحمد رضي الله عنه عنها، وقال القاضي تطلق، والأوْلى إِنها لا تطلق إِذا كانت كاذبة. فصل في مسائل متفرقة إِذا قال: أنت طالق إِذا رأيت الهلال طلقت إِذا رؤي، إِلا أن ينوي حقيقة رؤيتها فلا يحنث حتى تراه. وِإن قال من بشَّرتْني بقدوم أخي فهي طالق فأخبره به امرأتاه طلقت الأولى منهما إِلا أن تكون الثانية هي الصادقة وحدها فتطلق وحدها، وإِن قال من أخبرتني بقدومه فهي طالق فكذلك عند القاضي، وعند أبي الخطاب يطلقان. وإِن حلف لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً حنث في الطلاق والعتاق ولم يحنث في اليمين المكفرة في ظاهر المذهب، وعنه يحنث في الجميع، وعنه لا يحنث في الجميع. وإِن حلف لا يدخل علي فلان بيتاً أو لا يكلمه ولا يسلم عليه أو لا يفارقه حتى يقضيه حقه، فدخل بيتاً هو فيه ولم يعلم، أو سلم على قوم هو فيهم ولم يعلم، أو قضاه حقه ففارقه فخرج رديئاً أو أحاله بحقه ففارقه ظناً منه أنه قد برئ، خرج على الروايتين في الناسي والجاهل. وإِن حلف لا يفعل شيئاً ففعل بعضه لم يحنث، وعنه يحنث إِلا أن ينوي جميعه، وإِن حلف لَيَفْعَلَنَّهُ لم يبر حتى يفعل جميعه، وإِذا حلف

باب التأويل في الحلف

لا يدخل داراً فأدخلها بعض جسده، أو دخل طاق الباب، أو لا يلبس ثوباً من غزلها فلبس ثوباً فيه منه، أو لا يشرب ماء هذا الإِناء فشرب بعضه، خرج على الروايتين. وِإن حلف لا يشرب ماء هذا النهر فشرب منه حنث، وإِن حلف لا يلبس ثوباً اشتراه زيد أو نسجه، أو لا يأكل طعاماً طبخه فلبس ثوباً نسجه هو وغيره أو اشترياه، أو أكل من طعام طبخاه فعلى روايتين، وإِن اشترى غيره شيئاً فخلطه بما اشتراه فأكل أكثر مما اشتراه شريكه حنث، وإِن أكل مثله فعلى وجهين. باب التأويل في الحلف ومعنى التأويل أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره، فإِن كان الحالف ظالماً لم ينفعه تأويله لقولِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَمِينُك على ما يُصَدّقُكَ به صاحِبُك" (¬1) وإِن لم يكن ظالماً فله تأويله. فإِذا أكلا تمراً فحلف لتخبرني بعدد ما أكلت، أو لتميزن نوى ما أكلت فإِنها تفرد كل نواة وحدها وتعد من واحد إِلى عدد يتحقق دخول ما أكل فيه. وإِن حلف ليقعدن على بارية في بيته ولا يدخله بارية فإِنه يدخل قصباً فينسجه فيه. وإِن حلف ليطبخن قدراً برطل ملح ويأكل منه ولا يجد طعم الملح فإِنه يسلق به بيضاً. وإِن حلف لا يأكل بيضاً ولا تفاحاً وليأكلن مما في هذا الوعاء فوجده بيضاً وتفاحاً فإنه يعمل من البيض ناطفاً ومن التفاح شراباً. ¬

_ (¬1) رواه مسلم رقم (1653) وأبو داود رقم (3255) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

باب الشك في الطلاق

وِإن كان على سلم فحلف لا صعدت إِليك ولا نزلت إِلى هذه ولا أقمت مكاني ساعة: فلتنزل العليا وتصعد السفلى فتنحل يمينه. وإِن حلف لا أقمت عليه ولا نزلت منه ولا صعدت فيه فإِنه ينتقل إِلى سلم آخر. وإِن حلف لا أقمت في هذا الماء ولا خرجت منه، فإِن كان جارياً لم يحنث إِذا نوى ذلك بعينه. وإِن كان واقفاً حُمِل منه مكرهاً. وإِن استحلفه ظالم ما لفلان عندك وديعة وكانت له عنده وديعة فإِنه يعني (بما) الذي ويبر في يمينه. وإِن حلف له ما فلانٍ ههنا وعنى موضعاً معيناً بر في يمينه. وإِن حلف على امرأته لا سرقت مني شيئاً فخانته في وديعة لم يحنث إِلا أن تنوي. باب الشك في الطلاق إِذا شك هل طلق أَمْ لا لم تَطْلُقْ، وإِذا شك في عدد الطلاق بنى على اليقين، وقال الخرقي: إِذا طلق فلم يدر أواحدة طلق أم ثلاثاً لا يحل له وطؤها حتى يتيقن، وكذلك قال فيمن حلف بالطلاق لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة منع من وطء امرأته حتى يتيقن أنها ليست التي وقعت اليمين عليها ولا يتحقق حنثه حتى يأكل التمر كله. وإِن قال لامرأتيه إِحداكما طالق ينوي واحدة معينة طلقت وحدها، فإِن لم ينو أخرجت المطلقة بالقرعة، وإِن طلق واحدة بعينها وأُنسيها فكذلك عند أصحابنا، وإِن تبين أن المطلقة غير التي خرجت عليها القرعة ردت إِليه في ظاهر كلامه إِلا أن تكون قد تزوجت أو يكون بحكم حاكم، وقال أبو بكر وابن حامد تطلق المرأتان، والصحيح أن القرعة لا مدخل لها ههنا ويحرمان عليه جميعاً، كما لو اشتبهت امرأته بأجنبية، وإِن طار طائر فقال

إِن كان هذا غراباً ففلانة طالق، وإِن لم يكن غراباً ففلانة طالق ولم يعلم حاله فهي كالمنسية. وإِن قال إِن كان غراباً ففلانة طالق، وإِن كان حماماً ففلانة طالق لم تطلق واحدة منهما إِذا لم يعلم، وإِن قال إِن كان غراباً فعبدي حر، فقال آخر: إِن لم يكن غراباً فعبدي حر ولم يعلماه لم يعتق عبدُ واحدٍ منهما، فإِن اشترى أحدهما عبداً لآخر أقرع بينهما حينئذ. وقال القاضي يعتق الذي اشتراه. وإِن قال لامرأته واجنبية إِحداكما طالق، أو قال: سلمى طالق واسم امرأته سلمى طلقت امرأته، فإِن أراد الأجنبية لم تطلق امرأته (¬1) وإِن ادعى ذلك دُيِّن، وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين. وإِن نادى امرأته فأجابته امرأة له أخرى فقال: أنت طالق يظنها المناداة طلقتا معاً في إِحدى الروايتين، والأخرى تطلق التي ناداها، وإِن قال علمت أنها غيرها وأردت طلاق المناداة طُلِّقتا معاً، وإِن قال: أردت طلاق الثانية طلقت وحدها، وإِن لقي أجنبية ظنها امرأته فقال فلانة: أنت طالق، طلقت امرأته. * * * ¬

_ (¬1) لفظة: "امرأته" ليست في "ط" والعبارة في "م": وإِن قال أردت الأجنبية لم تطلق امرأته.

كتاب الرجعة

كتاب الرَّجْعَة إِذا طلق الحر امرأته بعد دخوله بها أقل من ثلاث، والعبد واحدة بغير عِوَض (¬1) فله رجعتها ما دامت في العدة رضيت أو كرهَتْ. وألفاظ الرجعة: راجعت امرأتي، أو رجعتها، أو ارتجعتها، أو رددتها، وأمسكتها. فإِن قال نكحتها أو تزوجتها فعلى وجهين. وهل من شرط الإِشهاد؟ على روايتين. والرجعية زوجة: يلحقها الطلاق، والظهار، والإِيلاء، ويباح لزوجها وطؤها والخلوة والسفر بها، ولها أن تتشرف له وتتزين. وتحصل الرجعة بوطئها نوى الرجعة به أو لم ينوه، ولا تحصل بمباشرتها، والنظر إِلى فرجها، والخلوة بها لشهوة، نص عليه، وخرجه ابن حامد على وجهين، وعنه ليست مباحة ولا تحصل الرجعة بوطئها، وإِن أكرهها عليه فلها المهر إِن لم يرتجعها بعده. ولا يصح تعليق الرجعة بشرط ولا الارتجاع في الردّة، فإِن طهرت من الحيضة الثالثة ولما تغتسل: فهل له رجعتها؟ على روايتين. وإِن انقضت عدتها ولم يرتجعها بانت، ولم تحل إِلا بنكاح جديد، وتعود إِليه على ما بقي (¬2) من طلاقها، سواء رجعت بعد نكاح زوج غيره أو قبله، وعنه إِن رجعت بعد نكاح زوج غيره رجعت بطلاق ثلاث، وإِن ¬

_ (¬1) كلمة "عوض" سقطت من "م". (¬2) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": بما بقي.

فصل

ارتجعها في عدتها وأشهد على رجعتها من حيث لا تعلم فاعتدت وتزوجت من أصابها ردت إِليه ولا يطأها حتى تنقضي عدتها، وعنه أنها زوجة الثاني، وإِن لم يكن له بينة برجعتها لم تقبل دعواه، لكن إِن صدَّقه الزوج الثاني بانت منه، وإِن صدقته المرأة لم يقبل تصديقها، لكن متى بانت منه عادت إِلى الأول بغير عقد جديد. فصل وإِذا ادعت المرأة انقضاء عدتها قُبِل قولها إِذا كان ممكناً، إِلا أن تدعيه بالحيض في شهر فلا يقبل إِلا ببينة، وأقل ما يمكن به انقضاء العدة من الأقراء تسعة وعشرون يوماً ولحظة. إِذا قلنا الأقراء الحيض، وأقل الطهر ثلاثة عشر يوماً، وإِن قلنا الطهر خمسة عشر يوماً (¬1) فثلاثة وثلاثون يوماً ولحظة، وإِن قلنا القروء الأطهار فثمانية وعشرون يوماً ولحظتان وإِن قلنا أقل الطهر خمسة عشر يوماً فاثنان وثلاثون يوماً ولحظتان. وإِذا قالت: انقضت عدتي فقال: قد كنت راجعتك فأنكرته فالقول قولها، وإِن سبق فقال ارتجعتك فقالت قد انقضت عدتي قبل رَجْعَتِكَ فالقول قوله، وقال الخرقي: القول قولها وإِن تداعيا معاً قدم قولها وقيل يقدم قول من تقع له القرعة. فصل وإِن طلَّقها ثلاثاً لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ويطأها في القبل، وأدنى ما يكفي من ذلك تغيب الحشفة في الفرج، وإِن لم ينزل، فإِن كان مجبوباً بقي من ذكره قدر الحشفة فأولجه أو وطئها زوج مراهق، أو ذمي ¬

_ (¬1) كلمة (يوماً) ليست في "ط" ولا في "م".

وهي ذمية أحلها، وإِن وطئها في الدبر، أو وُطئت بشبهة أو بملك يمين لم تحل، وإِن وُطئت في نكاح فاسد لم تحل في أصح الوجهين، وإِن وطئها زوجها في حيض أو إِحرام أو نفاس أحلها، وقال أصحابنا لا يحلها، وإِن كانت أمة فاشتراها مطلِّقُها لم تحل، ويحتمل أن تحل. وإِن طلق العبد امرأته طلقتين لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره سواء عُتِقا أو بَقِيا على الرق. وإِذا غاب عن مطلقته ثلاثاً فذكرت (¬1) أنها نكحت من أصابها وانقضت عدتها وكان ذلك ممكناً، فله نكاحها إِذا غلب على ظنه صدقها وإِلا فلا. * * * ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": فأَتَتْهُ فذكرت له.

كتاب الإيلاء

كتاب الإِيلاء وهو الحلف على ترك الوطء ويشترط له أربعة شروط (¬1): أحدها: الحلف على ترك الوطء في القبل، فإِن تركه بغير يمين لم يكن مولياً، لكن إِن تركه مضراً بها من غير عذر فهل تضرب له مدة الإِيلاء ويحكم عليه بحكمه؟ على روايتين. وإِن حلف على ترك الوطء في الدبر أو دون الفرج لم يكن مولياً، وإِن حلف أن لا يجامعها إِلا جماع سوء يريد جماعاً ضعيفاً لا يزيد على التقاء الختانين لم يكن مولياً، وإِن أراد به الوطء في الدبر أو دون الفرج صار مولياً، وإِذا حلف على ترك الوطء في الفرج بلفظ لا يحتمل غيره كلفظه الصريح، وقوله لا أدخلت ذكري في فرجك، وللبكر (¬2) خاصة لا افتضضتك لم يُديّن فيه. وإِن قال والله لا وطئتك [أو لا جامعتك، أو لا باضعتك، أو لا باشرتك، أو لا باعلتك، أو لا قربتك، أو لا مسكتك، أو لا (¬3)] أتيتك (¬4)، أو لا اغتسلت منك، فهو صريح في الحكم ويُدَيَّن فيما بينه وبين الله تعالى، وسائر الألفاظ لا يكون مولياً فيها إِلا بالنيَّة. ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"ط" وفي "م" ويشترط له شروط أربعة. (¬2) في "ط": (وفي المبكر) وهو خطأ. (¬3) ما بين الرقمين مستدرك في "ش" وعبارة (مسكتك) كذا في "ط" وفي "م" و"ش" مقروءة بصعوبة ويمكن أن تقرأ: مسستك. (¬4) عبارة (أتيتك): سقطت من "م".

فصل

فصل الشرط الثاني: أن يحلف بالله أو بصفة من صفاته وإِن حلف بنذر أو عِتْق أو طلاق لم يصر مولياً في الظاهر عنه، وعنه يكون مولياً، وإِن قال: إِن وطئتك فأنت زانية، أو فلله علي صوم هذا الشهر لم يكن مولياً. فصل الثالث: أن يحلف على أكثر من أربعة أشهر، أو يعلقه على شرط يغلب على الظن أنه لا يوجد في أقل منها مثل أن يقول: والله لا وطئتك حتى ينزل عيسى عليه السلام، أو يخرج الدجال، أو ما عشت، أو حتى تحبلي لأنها لا تحبل إِذا لم يطأها، وقال القاضي إِذا قال حتى تحبلي وهي ممن يحبل مثلها لم يكن مولياً. وإِن قال والله لا وطئتك مدة، أو ليطولن تركي لجماعك، لم يكن مولياً، حتى ينوي أربعة أشهر. وإِن حلف على ترك الوطء حتى يقدم زيد ونحوه مما لا يغلب على الظن عدمه في أربعة أشهر، أو لا وطئتك في هذه البلدة (¬1) لم يكن مولياً، وإِن قال إِن وطئتك فوالله لا وطئتك، أو إِن دخلت الدار فوالله لا وطئتك لم يصر مولياً حتى يوجد الشرط، ويحتمل أن يصير مولياً في الحال. وإِن قال والله لا وطئتك في السنة إِلا مرة لم يصر مولياً حتى يطأها وقد بقي منها أكثر من أربعة أشهر، وإِن قال إِلا يوماً فكذلك في أحد الوجهين، وفي الآخر يصير مولياً في الحال. وإِن قال والله لا وطئتك أربعة أشهر، فإِذا مضت فوالله لا وطئتك أربعة أشهر لم يصر مولياً، ويحتمل أن يصير مولياً. ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و "ط" وفي "م": في هذا البلد.

فصل

وإِن قال والله لا وطئتك إِن شئت فشاءت صار مولياً وإِلا فلا. وإِن قال إِلا أن تشائي أو إِلا باختيارك أو إِلا أن تختاري لم يصر مولياً، وقال أبو الخطاب إِن لم تشأ في المجلس صار مولياً. وإِن قال لنسائه لا وطئت واحدة منكنَّ صار مولياً منهن، إِلا أن يريد واحدة بعينها فيكون مولياً منها وحدها، وإِن أراد واحدة مبهمة فقال أبو بكر تخرج بالقرعة. وإِن قال والله لا وطئت كل واحدة منكن كان مولياً من جميعهن وتنحل يمينه بوطء واحدة، وقال القاضي لا تنحل في البواقي. وإِن قال والله لا أطأكن فهي كالتي قبلها (2) في أحد الوجهين، وفي الآخر لا يصير مولياً حتى يطأ ثلاثاً فيصير مولياً من الرابعة (¬1)، فعلى هذا لو طلق واحدة منهن أو ماتت انحلت يمينه ههنا، وفي التي قبلها (¬2) لا تنحل في البواقي (4) ويحتمل بأن لا يصير مولياً حتى يطأ ثلاثاً فيصير مولياً من الرابعة بناءً على من حلف على شيء ففعل بعضه (¬3) وإِن آلى من واحدة وقال للأخرى أشركتك (¬4) معها لم يصر مولياً من الثانية، وقال القاضي يصير مولياً منها. فصل الشرط الرابع: أن يكون من زوج يمكنه الجماع، وتلزمه الكفارة بالحنث، مسلماً كان أو كافراً، حراً أو عبداً، سليماً أو خصياً، أو مريضاً يرجى برؤه، فأما العاجز عن الوطء بجبٍّ أو شللٍ فلا يصح إِيلاؤه، ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش". (¬2) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": وفي الوجه الآخر. (¬3) ما بين الرقمين سقط من "ط". (¬4) أشركتك: كذا في "ش" وفي "م": شركتك، وفي "ط": اشتركتِ.

فصل

ويحتمل أن يصح وفيئته أن يقول: لو قدرت لجامعتك. ولا يصح إِيلاء الصبي والمجنون، وفي إِيلاء السكران وجهان. ومدة الإِيلاء في الأحرار والرقيق سواء. وعنه أنها في العبد على النصف، ولا حق لسيد الأمة في طلب الفيئة والعفو عنها وإِنما ذلك إِليها. فصل وإِذا صح الإِيلاء ضربت له مدة أربعة أشهر، فإِن كان بالرجل عذر يمنع الوطء احتسب عليه بمدته، وإِن كان ذلك (¬1) بها لم تحتسب عليه، وإِن طرأ بها استؤنفت المدة عند زواله إِلا الحيض فإِنه يحتسب عليه (¬2) بمدته، وفي النفاس وجهان، وإِن طلق في أثناء المدة انقطعت، فإِن راجعها أو نكحها إِذا كانت بائناً استؤنفت المدة، وإِن انقضت المدة وبها عذر يمنع الوطء لم تملك طلب الفيئة، وإِن كان العذر به وهو مما يعجز به عن الوطء أمر أن يفيء بلسانه فيقول: متى قدرت جامعتك، ثم متى قدر على الوطء لزمه ذلك أو يطلق، وقال أبو بكر لا يلزمه. وإِن كان مظاهراً فقال أمهلوني حتى أطلب رقبة أعتقها عن ظهاري أمهل ثلاثة أيام، وإِن قال أمهلوني حتى أقضي صلاتي، أو أتغدى، أو حتى ينهضم الطعام، أو أنام فإِني ناعس أمهل بقدر ذلك، فإِذا لم يبق له عذر وطلب الفَيْئة وهي الجماع فجامع انحلت يمينه وعليه كفارتها، وأدنى ما يكفيه تغييب (¬3) الحشفة في الفرج. وإِن وطئها دون الفرج أو في الدبر لم يخرج من الفَيْئة، وإِن وطئها في ¬

_ (¬1) لفظ: (ذلك) ليس في "ط". (¬2) لفظ (عليه) زيادة من "ط". (¬3) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": وأدنى ما يكفي من ذلك تغييب. . .

الفرج وطأ محرماً مثل: أن يطأ حال الحيض، أو النفاس، أو الإِحرام، أو صيام فرض من أحدهما، فقد فاء إِليها لأن يمينه انحلت به، وقال أبو بكر الأصح أنه لا يخرج من الفَيْئة، وإِن لم يفئ وأعفته المرأة سقط حقها، ويحتمل أن لا يسقط ولها المطالبة بعد، وإِن لم تعفه أمر بالطلاق فإِن طلق واحدة فله رجعتها، وعنه أنها تكون بائنة. وإِن لم يطلق حبس وضيق عليه حتى يطلق في إِحدى الروايتين، والأخرى يطلق الحاكم عليه، فإِن طلق واحدة فهو كطلاق المولي، وإِن طلق ثلاثاً أو فسخ صح ذلك. وإِن ادعى أن المدة ما انقضت، أو أنه وطئها وكانت ثيباً فالقول قوله، وإِن كانت بكراً، وادعت أنها عذراء فشهدت بذلك امرأة عدل، فالقول قولها وإِلا فالقول قوله، وهل يحلف مَنِ القول قوله؟ على وجهين. * * *

كتاب الظهار

كتاب الظِّهَار وهو محرم، وهو أن يشبه امرأته أو عضواً منها بظهر من تحرم عليه على التأبيد، أو بها أو بعضو منها فيقول: أنت عليَّ كظهر أمي، أو كيد أختي، أو كوجه حماتي، أو ظهرك أو يدك علي كظهر أمي أو كيدِ أختي أو خالتي من نسب أو رضاع، وإِن قال أنت علي كأمي كان مظاهراً، وإِن قال أردت كأمي في الكرامة أو نحوه دُين، وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين، وإِن قال أنت كأمي أو مثل أمي، فذكر أبو الخطاب فيها روايتين، والأوْلى أن هذا ليس بظهار إِلا أن ينويه أو يقرن به ما يدل على إِرادته. وإِن قال أنت علي كظهر أبي أو كظهر أجنبية أو أخت زوجتي أو عمتها أو خالتها فعلى روايتين. وإِن قال أنت علي كظهر البهيمة لم يكن مظاهراً، وإِن قال أنت علي حرام فهو مظاهر إِلا أن ينوي طلاقاً أو يميناً، فهل يكون ظهاراً أو ما نواه؟ على روايتين. فصل ويصح من كل زوج يصح طلاقه مسلماً كان أو ذمياً، والأقوى عندي أنه لا يصح من الصبي ظهار ولا إِيلاء لأنه يمين مكفرة فلم ينعقد في حقه، ويصح من كل زوجة، فإِن ظاهر من أمته أو أم ولده لم يصح، وعليه كفارة يمين، ويحتمل أن يلزمه كفارة ظهار.

فصل في حكم الظهار

وإِن قالت المرأة لزوجها أنت علي كظهر أبي لم تكن مظاهرة وعليها كفارة ظهار، وعليها التمكين قبل التكفير، وعنه كفارة يمين وهو قياس المذهب، وعنه لا شيء عليها. وإِن قال لأجنبية أنت علي كظهر أمي لم يطأها إِن تزوجها حتى يكفر، وإِن قال أنت علي حرام يريد في كل حال فكذلك، وإِن أراد في تلك الحال فلا شيء عليه لأنه صادق. ويصح الظهار معجلاً ومعلقًا بشرط، ومطلقاً، وموقتاً، نحو أنت علي كظهر أمي شهر رمضان، أو إِن دخلت الدار، فمتى انقضى الوقت زال الظهار، وإِن أصابها فيه وجبت الكفارة عليه. فصل في حكم الظِّهَار يحرم وطء المظاهر منها قبل التكفير، وهل يحرم الاستمتاع منها بما دون الفرج؟ يخرج على روايتين. وعنه لا يحرم وطؤها إِذا كان التكفير بالإِطعام، اختاره أبو بكر. وتجب الكفارة بالعود وهو الوطء نص عليه أحمد، وأنكر قول مالك أنه العَزْمُ على الوطء، وقال القاضي وأبو الخطاب هو العزم. ولو مات أحدهما أو طلقها قبل الوطء فلا كفارة (¬1) عليه، فإِن عاد فتزوجها لم يطأها حتى يكفر، وإِن وطئ قبل التكفير أثم واستقرت عليه الكفارة، ويجزئه كفارة واحدة. وإِن ظاهر من امرأته الأمة ثم اشتراها لم تحل له حتى يكفر، وقال أبو بكر يبطل الظهار وتحل له، فإن وطئها فعليه كفارة يمين. ¬

_ (¬1) كلمة (كفارة) سقطت من "م".

فصل في كفارة الظهار وما في معناها

وإِن كرر الظهار قبل التكفير فكفارة واحدة، (2) وعنه إِن كرره في مجالس فكفارات. وِإن ظاهر من نسائه بكلمة واحدة فكفارة واحدة (¬1)، وإِن كان بكلمات فلكل واحدة كفارة. فصل في كَفَّارة الظِّهار وما في معناها كفارة الظهار على الترتيب، فيجب عليه: تحرير رقبة، فإِن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإِن لم يستطع فإِطعام ستين مسكيناً، وكفارة الوطء في رمضان مثلها في ظاهر المذهب، وكفارة القتل مثلهما إِلا في الإِطعام ففي وجوبه روايتان (¬2). والاعتبار في الكفارات بحال الوجوب في إِحدى الروايتين. فإِذا وجبت وهو موسر ثم أعسر لم يجزئه إِلا العتق. وِإن وجبت وهو معسر فأيسر لم يلزمه العتق وله الانتقال إِليه إِن شاء، وعنه في العبد إِذا عتق لا يجزئه غير الصوم. والرواية الثانية الاعتبار بأغلظ الأحوال: فمن أمكنه العتق من حين الوجوب إِلى حين التكفير لا يجزئه غيره، فإِن شرع في الصوم ثم أيسر لم يلزمه الانتقال عنه ويحتمل أن يلزمه. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش" وبخط مغاير كما هو الحال في أغلب الاستدراكات مما يدل على مراجعة "ش" مراراً والاعتناء بها كما ألمحنا في غير هذا الموضع. (¬2) في "م": روايتين وهو خطأ.

فصل

فصل فمن ملك رقبة: أو أمكنه تحصيلها بما هو فاضل عن كفايته وكفاية من يمونه على الدوام وغيرها من حوائجه الأصلية بثمن مثلها لزمه العتق، ومن له خادم يحتاج إِلى خدمته، أو دار يسكنها، أو دابة يحتاج إِلى ركوبها، أو ثياب يتجمل بها، أو كتب يحتاج إِليها، أو لم يجد رقبة إِلا بزيادة عن ثمن مثلها تجحف به لم يلزمه العتق، وإِن وجدها بزيادة لا تجحف به فعلى وجهين. وإِن وهبت له رقبة لم يلزمه قبولها. وإِن كان ماله غائباً وأمكنه (¬1) شراؤها بنسيئة لزمه. ولا يجزئه في كفارة القتل إِلا رقبة مؤمنة وكذلك في سائر الكفارات في ظاهر المذهب، ولا يجزئه إِلا رقبة سليمة من العيوب المضرة بالعمل ضرراً بيِّناً، كالعمى، وشلل اليد والرجل أو قطعها، أو قطع إِبهام اليد أو سبابتها، أو الوسطى، أو الخنصر والبنصر من يد واحدة، ولا يجزئ المريض المأيوس منه، ولا النحيف العاجز عن العمل، ولا غائب لا يعلم خبره، ولا مجنون مطبق، ولا أخرس لا تفهم إِشارته، ولا عتق من علق عتقه بصفة عند وجودها، ولا من يعتق عليه بالقرابة، ولا من اشتراه بشرط العتق في ظاهر المذهب، ولا أم ولد في الصحيح عنه، ولا مكاتب قد أدى من كتابته شيئاً في اختيار شيوخنا، وعنه يجزئ، وعنه لا يجزئ مكاتب بحال. ويجزئ الأعرج يسيراً والمجدّع الأنف، والأذن، والمجبوب، والخصي، ومن يخنق في الأحيان، والأصم، والأخرس الذي يُفْهِمُ الإِشارة وتُفهم إِشارته، والمدبر، والمعلق عتقه بصفة، وولد الزنا، والصغير، وقال الخرقي إِذا صلى. ¬

_ (¬1) وأَمْكَنَهُ: كذا في "ش" و"م" وفي "ط": أَوْ أَمْكَنَهُ.

فصل

وإِن عتق نصف عبد وهو معسر ثم اشترى باقيه فأعتقه أجزأه، إِلا على رواية وجوب الاستسعاء، وإِن أعتقه وهو موسر فسرى لم يجزئه نص عليه، ويحتمل أن يجزئه، وإِن أعتق نصفاً آخر أجزأه عند الخرقي، ولم يجزئه عند أبي بكر. فصل فمن لم يجد رقبة فعليه صيام شهرين متتابعين حراً كان أو عبداً، ولا تجب نية التتابع، فإِن تخلل صومها (¬1) صوم شهر رمضان، أو فطر واجب كفطر العيد، أو الفطر لحيض أو نفاس، أو جنون، أو مرض مخوف عليه، أو فطر الحامل والمرضع لخوفهما على أنفسهما لم ينقطع التتابع، وكذلك إِن خافتا على ولديهما، ويحتمل أن ينقطع إِن أفطر لغير عذر، أو صام تطوعاً، أو قضاء، أو عن نذر، أو كفارة أخرى لزمه الاستئناف، وإِن أفطر لعذر يبيح الفطر كالسفر والمرض غير المخوف فعلى وجهين. وإِن أصاب المظاهر منها ليلًا أو نهاراً انقطع التتابع، وعنه لا ينقطع بفعله ناسياً، وإِن أصاب غيرها ليلاً لم ينقطع. فصل فإِن لم يستطع لزمه إِطعام ستين مسكيناً مسلماً حراً صغيراً كان أو كبيراً إِذا أكل الطعام، ولا يجوز دفعها إِلى مكاتب، ولا إِلى من تلزمه مؤنته. ¬

_ (¬1) كذا في "ط" و"م" وفي "ش": صومهما. صومها: يريد الأيام الستين وصومهما: يريد الشهرين المتتابعين والمقصود واحد.

فصل

وإِن دفعها إِلى من يظنه مسكيناً فبان غنياً فعلى وجهين، وإِن رددها على (¬1) مسكين واحد ستين يوماً لم يجزئه إِلا أن لا يجد غيره فيجزئه في ظاهر المذهب، وعنه لا يجزئه، وعنه يجزئ وإِن وجد غيره. وإِن دفع إِلى مسكين في يوم واحد من كفارتين أجزأ وعنه لا يجزئه، والمخرج في الكفارة ما يجزئ في الفطرة، وفي الخبر روايتان: فإِن كان قوت بلده غير ذلك أجزأه منه لقول الله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89]. وقال القاضي لا يجزئه، ولا يجزئ من البُر أقل من مد، ولا من غيره أقل من مدين، ولا من الخبز أقل من رطلين بالعراقي، إِلا أن يعلم أنه مد، وإِن أخرج القيمة أو غدى المساكين أو عشاهم لم يجزئه (¬2) وعنه يجزئه. فصل ولا يجزئ الإِخراج إِلا بنية، وكذلك الإِعتاق والصِّيام، فإِن كان عليه كفارة واحدة فنوى عن كفارتي (¬3) أجزأه، وإِن كان عليه كفارات من جنس فنوى إِحداها أجزأ عن واحدة، وإِن كانت من أجناس فكذلك عند أبي الخطاب، وعند القاضي لا يجزئه حتى يعين سببها، فإِن كانت عليه كفارة واحدة نسي سببها أجزأته كفارة واحدة على الأول، وعلى الثاني يجب عليه كفارات بعدد الأسباب والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) لفظ (على) سقط من "م". (¬2) عبارة: لم يجزئه ليست في "ط". (¬3) كفارتي: كذا في جميع الأصول والأفصح أن يقول: كفارتين إِلا أن يكون نوى حذف مضاف فيجوز حذف النون ويكون التقدير: عن كفارتي ذنب أو كفارتي ذنبين.

كتاب اللعان

كتاب اللِّعَان وإِذا قذف الرجل امرأته بالزنا فله إِسقاط الحد باللعان، وصفته أن يبدأ الزوج فيقول: أشهد بالله إِني لمن الصادقين فيما رميت به امرأتي هذه من الزنا، ويشير إِليها، وإِن لم تكن حاضرة أسماها ونسبها حتى يكمل ذلك اربع مرات، ثم يقول في الخامسة: وأن لعنة الله عليه إِن كان من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا، ثم تقول هي: أشهد بالله إِنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا أربع مرات، ثم تقول في الخامسة: وأن غضب الله عليها إِن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا. فإِن نقص أحدهما من الألفاظ الخمسة شيئاً أو بدأت باللعان قبله، أو تلاعنا بغير حضرة الحاكم أو نائبه لم يعتد به. وإِن أبدل لفظه أشهد بأقسم أو أحلف، أو لفظة اللعنة بالإِبعاد، أو الغضب بالسخط، فعلى وجهين، ومن قدر على اللعان بالعربية لم يصح منه إِلا بها، وإِن عجز عنها لزمه تعلمها في أحد الوجهين، وفي الآخر يصح بلسانه، وإِذا فُهِمَتْ إِشارة الأخرس أو كتابتُهُ صح لعانه بها وإِلا فلا، وهل يصح لِعان من اعتقل لسانهُ وأُيس من نطقه بالإِشارة؟ على وجهين. فصل والسنة أن يتلاعنا قياماً بمحضر جماعة في الأوقات والأماكن المعظمة، وإِذا بلغ كل واحد منهما الخامسة أمر الحاكم رجلاً فأمسك يده على في الرجل، وامرأة تضع يدها على في المرأة، ثم يعظه ويقول: اتق الله فإِنها الموجبة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وأن يكون

فصل

ذلك بحضرة الحاكم. فإِن كانت المرأة خفرة بعث من يلاعن بينهما. وإِذا قذف رجلٌ نساءه فعليه أن يفرد كل واحدة بلعان، وعنه يجزئه لعان واحد فيقول: أشهد بالله إِني لمن الصادقين فيما رميتكن به من الزنا، وتقول كل واحدة: أشهد بالله إِنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا. وعنه إِن كان القذف بكلمة واحدة أجزأه لعانٌ واحد، وإِن كان بكلمات أفرد كل واحدة بلعان. فصل ولا يصح إِلا بشروط ثلاثة: أحدها: أن يكون بين زوجين عاقلين بالغين سواء كانا مسلمين، أو ذميين، أو رقيقين، أو فاسقين، أو كان أحدهما كذلك في إِحدى الروايتين، والأخرى لا يصح إِلا بين زوجين مسلمين حرين عدلين فإِن اختل شرط منها في أحدهما فلا لعان بينهما. وإِن قذف أجنبية أو قال لامرأته زنيت قبل أن أنكحك حد ولم يلاعن. وإِن أبان زوجته ثم قذفها بزنا في النكاح أو قذفها في نكاح فاسد وبينهما ولد، لاعن لنفيه وإِلا حد ولم يلاعن، وإِن أبان امرأته بعد قذفها فله أن يلاعن سواء كان بينهما ولد أو لم يكن، وإِن قذف زوجته الصغيرة أو المجنونة عزر ولا لعان بينهما. فصل الشرط الثاني: أن يقذفها [بالزِّنا فيقول: زنيت أو يا زانية أو رأيتك تزنين سواء قذفها (¬1)] بزنا في القبل أو في الدبر، فإن قال وطئت بشبهة أو ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على هامش "ش" بخط مغاير.

فصل

مكرهة فلا لعان بينهما، وعنه أنه إِن كان ثم ولد لاعن لنفيه وإِلا فلا، فإِن قال لم تزن ولكن ليس هذا الولد مني فهو ولده في الحكم، ولا لعان بينهما، وإِن قال ذلك بعد أن أبانها، فشهدت امرأة مرضية أنه ولد على فراشه لحقه نسبه، وإِن ولدت توأمين فأقر أحدهما ونفى الآخر لحقه نسبهما، ويلاعن لنفي الحد، وقال القاضي يحد. فصل الثالث: أن تكذبه الزوجة ويستمر ذلك إِلى انقضاء اللعان، فإِن صدقته أو سكتت لحقه النسب، ولا لعان في قياس المذهب، وإِن مات أحدهما قبل اللعان ورثه صاحبه ولحقه نسب الولد ولا لعان، وإِن مات الولد فله لعانها ونفيه، وإِن لاعن ونكلت الزوجة عن اللعان، خلى سبيلها، ولحقه الولد، ذكره الخرقي، وعن أحمد أنها تحبس حتى تقرأ أو تلاعن، ولا يعرض للزوج حتى تطالبه الزوجة، فإِن أراد اللعان من غير طلبها، فإِن كان بينهما ولد يريد نفيه فله ذلك وإِلا فلا. فصل فإِذا تم اللعان بينهما ثبت أربعة أحكام: أحدها: سقوط الحد عنه أو التعزير، ولو قذفها برجل بعينه سقط الحد عنه لهما. الثاني: الفرقة بينهما وعنه لا تحصل حتى يفرق الحاكم بينهما. الثالث: التحريم المؤبد، وعنه أنه إِذا كذَّب نفسه حلت له، وإِن لاعن زوجته الأمة ثم اشتراها لم تحل له إِلا أن يكذب نفسه على الرواية الأخرى، وإِذا قلنا تحل له الزوجة بإِكْذاب نفسه فإن لم يكن وجد منه طلاق

فصل

فهي باقية على النكاح، وإِن وجد منه طلاق دون الثلاث فله رجعتها. الرابع: انتفاء الولد عنه بمجرد اللعان، ذكره أبو بكر، وينتفي عنه حملها وإِن لم يذكره، وقال الخرقي لا ينتفي عنه حتى يذكره في اللعان، فإِذا قال: أشهد بالله لقد زنت يقول وما هذا الولد ولدي، وتقول هي: أشهد بالله لقد كذب وهذا الولد ولده، وإِن نفى الحمل في التعانه لم ينتف حتى ينفيه عند وضعها له ويُلاعن. فصل ومن شرط نفي الولد أن لا يوجد دليل على الإِقرار به، فإِن أَقَرَّ به أو بتوأمهِ، أو نفاه وسكت عن توأمه، أو هنئ به فسكت، أو أمَّن على الدعاء، أو أخَّرَ نفيه مع إِمكانه، لحقه نسبه، ولم يملك نفيه، وإِن قال أخرت نفيه رجاء موته لم يعذر بذلك، وإِن قال لم أعلم به، أو لم أعلم أن لي نفيه، أو لم أعلم أن ذلك على الفور وأمكن صدقه قبل قوله، ولم يسقط نفيه، وإِن أخَّره لحبس أو مرض أو غيبة أو شيء يمنعه ذلك لم يسقط، ومن أكذب نفسه بعد نفيه لحقه نسبه، ولزمه الحد إِن كانت المرأة محصنة أو التعزير إِن لم تكن محصنة. فصل فيما يلحق من النَّسب من أتت امرأته بولد يمكن كونه منه: وهو أن تأتي به بعد ستة أشهر منذ أمكن اجتماعه بها، ولأقل من أربع سنين منذ أبانها وهو ممن يولد لمثله لحقه نسبه. وإِن لم يمكن كونه منه مثل: أن تأتي به لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها. أو لأكثر من أربع سنين منذ أَبَانَها، أو أقرت بانقضاء عدتها بالقروء ثم أتت به لأكثر من ستة أشهر بعدها، أو فارقها حاملًا فوضعت،

فصل

ثم أتت بآخر بعد ستة أشهر، أو مع العلم بأنه لم يجتمع بها: كالتي يتزوجها بمحضر الحاكم ثم يطلقها في المجلس، أو يتزوجها وبينهما مسافة لا يصل إِليها في المدة التي أتت بالولد فيها، أو يكون صبياً له دون عشر سنين، أو مقطوع الذكر والأنثيين، لم يلحقه نسبه، وإِن قطع أحدهما فقال أصحابنا يلحقه نسبه وفيه بعد. وإِن طلقها طلاقاً رجعياً فولدت لأكثر من أربع سنين منذ طلقها، وأقل (¬1) من أربع منذ انقضت عدتها فهل يلحقه نسبه؟ على وجهين. فصل ومن اعترف بوطء أمته في الفرج أو دونه فأتت بولد لستة أشهر لحقه نسبه وإِن ادعى العزل، إِلا أن يدعي الاستبراء وهل يحلف؟ على وجهين. فإِن أعتقها أو باعها بعد اعترافه بوطئها فأتت بولد لدون ستة أشهر فهو ولده والبيع باطل. وكذلك إِن لم يستبرئها فأتت به لأكثر من ستة أشهر فادعى المشتري أنه منه سواء ادعاه البائع أو لم يدَّعه. وإِن استبرئت ثم أتت بولد لأكثر من ستة أشهر لم يلحقه نسبه وكذلك إِن لم يستبرئ ولم يُقِر المشتري له به، فأما إِن لم يكن البائع أقر بوطئها قبل بيعها لم يلحقه الولد بحال إِلا أن يتفقا عليه فيلحقه نسبه، وإِن ادعاه البائع فلم يصدقه المشتري فهو عبدٌ للمشتري (¬2) ويحتمل أن يلحقه نسبه مع كونه عبداً للمشتري. وإِذا وطئ المجنون من لا ملك له عليها ولا شبهة ملك، فولدت منه، لم يلحقه نسبه والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"م" وفي "ط": ولأقل. (¬2) عبارة: فهو عبدٌ للمشتري سقطت من "ط".

كتاب العدد

كتاب العُدَد كل امرأة فارقها زوجها في الحياة قبل المسيس والخلوة فلا عُدَّةَ عليها، وإِن خلا بها وهي مطاوعة فعليها العدة، سواء كان بهما أو بأحدهما مانع من الوطء: كالإِحرام، والصيام، والحيض، والنفاس، والمرض، والجب، والعنة، أو لم يكن، إِلا أن لا يعلم بها كالأعمى والطفل فلا عدة عليها. والمعتدات على ستة أضرب: إِحداهن أولات الأحمال: أجلهن أن يضعن حملهن، حرائِركُنَّ أو إِماءً من فرقة الحياة أو الممات. والحمل الذي تنقضي به العدة ما تبين فيه شيء من خلق الإنسان، فإِن وضعت مضغة لا يتبين فيها شيء من ذلك فذكر ثقات من النساء أنه مبتدأ خلق آدمي فهل تنقضي بهِ العدة؟ على روايتين. وِإن أتت بولد لا يلحقه نسبه كامرأة الطفل لم تنقض عدتها به، وعنه تنقضي به وفيه بعد. وأقل مدة الحمل ستة أشهر وغالبها تسعة، وأكثرها أربع سنين، وعنه سنتان، وأقل ما يتبين به الولد أحد وثمانون يوماً. فصل الثاني المتوفى عنها زوجها: عدتها أربعة أشهر وعشر إِن كانت حرة، وشهران وخمسة أيام إِن كانت أمة، وسواء ما قبل الدخول وبعده، فإِن مات زوج الرجعية استأنفت عدة الوفاة من حين موته، وسقطت عدة

الطلاق، وإِن طلقها في الصحة طلاقاً بائناً ثم مات في عدتها لم تنتقل عن عدتها، وإِن كان الطلاق في مرض موته اعتدت أطول الأجلين من عدة الطلاق وعدة الوفاة. وِإن ارْتَابَتِ المُتَوَفَّى عنها لظهور إِمَارَاتِ الحمل: من الحركة، وانتفاخ البطن، وانقطاع الحيض، قبل أن تنكح، لم تزل في عدة حتى تزول الريبة، وإِن تزوجت قبل زوالها لم يصح النكاح، وإِن ظهر بها ذلك بعد نكاحها لم يفسده به، لكن إِن أتت بولد لأقل من ستة أشهر منذ نَكَحَها فهو باطل وإِلا فلا. وإِذا مات عن امرأة نكاحها فاسد فقال القاضي: عليها عدة الوفاة نص عليه، وقال ابن حامد: لا عدة عليها للوفاة في ذلك، فإِن كان النكاح مجمعاً على بطلانه لم تعتد للوفاة من أجله وجهاً واحداً. فصل الثالث ذات القُرْءِ التي فارقها في الحياة بعد دخوله بها، وعدتها ثلاثة قروء إِن كانت حرة وقرآن إِن كانت أمة. والقُرْءُ الحيض في أصح الروايتين. ولا تعتد بالحيضة التي طلقها فيها حتى تأتي بثلاث كاملة بعدها. فإِذا انقطع دمها من الثالثة حلت في إِحدى الروايتين، والأخرى لا تحل حتى تغتسل. والرواية الثانية القروء الأطهار، ويعتد بالطهر الذي طلقها فيه قرءاً، ثم إِذا طعنت في الحيضة الثالثة حلت. فصل الرابع اللائي يئسن من المحيض، واللائي لم يحضن: فعدتهن ثلاثة أشهر إِن كن حرائر، وإِن كن إِماءً فشهران، وعنه ثلاثة وعنه شهر

ونصف. وعدة أُم الولد عدة الأمة، وعدة المعتق بعضها بالحساب من عدة حرة وأمة. وحد الإِياس خمسون سنة، وعنه إِنَّ ذلك حده في نساء العجم، وحده في نساء العرب ستون سنة. وإِن حاضت الصغيرة في عدتها انتقلت إِلى القروء ويلزمها إِكمالها، وهل يحتسب ما قبل الحيض قرءاً إِذا قلنا القروء الأطهار؟ على وجهين. وإِن يئست ذات القروء في عدتها [انتقلت إِلى عدة الآيسات، وإِن عتقت الأمة الرجعية في عدتها (¬1)] بنت على عدة حرة، وإِن كانت بائناً بنت على عدة أمة. فصل الخامس من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه: اعتدت تسعة أشهر للحمل، وثلاثة للعدة، وإِن كانت أمة اعتدت بأحد عشر شهراً، ويحتمل أن تقعد للحمل أربع سنين، وعدة الجارية التي أدركت فلم تحض، والمستحاضة الناسية ثلاثة أشهر، وعنه سنة، فأما التي عرفت ما رفع الحيض: من مرض، أو رضاع، أو نحوه فلا تزال في عدة حتى يعود الحيض فتعتد به إِلا أن تصير آيسة فتعتد عدة آيسة حينئذ. فصل السادس امرأة المفقود الذي انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك: كالذي يفقد من بين أهله، أو في مفازة، أو بين الصفين إِذا قتل قوم، أو من غرق مركبه ونحو ذلك، فإِنها تتربص أربع سنين، ثم تعتد للوفاة، وهل يفتقر ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش بخط مغاير في "ش".

إِلى رفع الأمر إِلى الحاكم ليحكم بضرب المدة وعدة الوفاة؟ على روايتين. وإِذا حكم الحاكم بالفرقة نفذ حكمه في الظاهر دون الباطن. فلو طلق الأول صح طلاقه، ويتخرج أن ينفذ حكمه باطناً فينفسخ نكاح الأول ولا يقع طلاقه، وإِذا فعلت ذلك ثم تزوجت، ثم قدم زوجها الأول ردت إِليه إِن كان قبل دخول الثاني بها، وإِن كان بعده خير الأول بين أخذها وبين تركها مع الثاني ويأخذ صداقها منه. وهل يأخذ صداقها الذي أعطاها أو الذي أعطاها (¬1) الثاني؟ على روايتين. والقياس أن ترد إِلى الأول ولا خيار إِلا أن يفرق الحاكم بينهما، ونقول بوقوع الفرقة باطناً فتكون زوجة الثاني بكل حال، وعنه التوقف في أمره والمذهب الأول. فأما من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة كالتاجر والسائح، فإِن امرأته يتبقى أبداً إِلى أن يتيقن موته، وعنه أنها تتربص تسعين عاماً مع سنة يوم ولد ثم تحل، وكذلك امرأة الأسير. ومن طلقها زوجها أو مات عنها وهو غائب عنها، فعدتها من يوم مات أو طلق وإِن لم تجتنب ما تجنبته المعتدة (1) وعنه إِن ثبت ذلك ببينة فكذلك، وإِلا فعدتها من يوم بلغها الخبر. وعدة الموطوءة بشبهة عدة المطلقة، وكذلك عدة المزني بها، وعنه أنها تستبرئ بحيضة. فصل وإِذا وُطِئت المعتدة بشبهة أو غيرها أتمت عدة الأول، ثم استأنفت العدة من الوطء، وإِن كانت بائناً فأصابها المطلق عمداً فكذلك، وإِن ¬

_ (¬1) عبارتا: (أو الذي أعطاها) و (وإِن لم تجتنب ما تجتنبه المعتدة) سقطتا من "ط".

أصابها بشبهة استأنفت العدة للوطء ودخلت فيها بقية الأولى، وإِن تزوجت في عدتها لم تنقطع عدتها حتى يدخل بها فتنقطع حينئذ، ثم إِذا فارقها بنت على عدتها من الأول واستأنفت العدة من الثاني، وإِن أتت بولد من أحدهما انقضت عدتها به منه ثم اعتدت للآخر أيهما كان، وإِن أمكن أن يكون منهما أُرِيَ القافة معهما، فألحق بمن ألحقوه به منهما، وانقضت عدتها به منه، واعتدت للآخر، وإِن ألحقته بهما ألحق بهما وانقضت به عدتها منهما وللثاني أن ينكحها بعد انقضاء العدتين. وعنه أنها تحرم عليه على التأبيد. وإِن وطئ رجلان امرأة فعليها عدتان لهما. فصل وإذا طلقها واحدة فلم تنقض عدتها حتى طلقها ثانيةً بنت على ما مضى من العدة. وإِن راجعها ثم طلقها بعد دخوله بها استأنفت العدة. وإِن طلقها قبل دخوله بها فهل تبنى أو تستأنف؟ على روايتين. وإِن طلقها طلاقاً بائناً ثم نكحها في عدتها ثم طلقها فيها قبل دخوله بها فعلى روايتين: أولاهما أنها تبني على ما مضى من العدة الأولى لأن هذا طلاق من نكاح لا دخول فيه فلا يوجب عدة. فصل ويجب الإِحداد على المعتدة من الوفاة، وهل يجب على البائن؟ على روايتين، ولا يجب على الرجعية والموطوءة بشبهة، أو زنا، أو في نكاح فاسد، أو بملك يمين. وسواء في الإِحداد المسلمة والذمية والمكلفة وغيرها. والإِحداد: اجتناب الزينة والطيب والتحسين، كلبس الحُلِيّ، والملوّن من الثياب للتحسين: كالأحمر، والأصفر، والأخضر الصافي،

والأزرق الصافي، واجتناب: الحناء، والخضاب، والكحل الأسود، والحفاف، واسفيداج العرائيس، وتحمير الوجه ونحوه. ولا يحرم عليها من الثياب الأبيض (¬1) وإِن كان حسناً، ولا الملون لدفع الوسخ كالكحلي ونحوه، وقال الخرقي: وتجتنب النقاب. فصل وتجب عدة الوفاة في المنزل الذي وجبت فيه، إِلا أن تدعو ضرورة إِلى خروجها منه، بأن يحولها مالكه، أو تخشى على نفسها فتنتقل، ولا تخرج ليلًا، ولها الخروج نهاراً في حوائجها، وإِن أذن لها زوجها في النقلة إِلى بلد للسكنى فيه فمات قبل مفارقة البنيان لزمها العود إِلى منزلها، وإِن مات بعده فلها الخيار بين البلدين. وإِن سافر بها ثم مات في الطريق وهي قريبة منه (¬2) لزمها العود، وإِن تباعدت خيرت بين البلدين. وإِن أذن لها في الحج فأحرمت به ثم مات فخشيت فوات الحج مضت في سفرها، وإِن لم تخش وهي في بلدها أو قريبة يمكنها العود، أقامت لتقضي العدة في منزلها وإِلا مضت في سفرها، وإِن لم تكن أحرمت أو أحرمت بعد موته فحكمها حكم من لم يخش الفوات، وأما المبتوتة فلا تجب عليها العدة في منزله، وتعتد حيث شاءت، نص عليه. ¬

_ (¬1) من الثياب الأبيض: العبارة كذا في "ش" وفي "م" و"ط": الأبيض من الثياب. (¬2) كلمة: (منه) زيادة من "ط".

باب في استبراء الإماء

باب في استبراء الإِماء ويجب الاستبراء في ثلاثة مواضع: أحدها: إِذا ملك أمة لم يحل له وطؤها ولا الاستمتاع بها بمباشرة ولا قبلة (¬1) حتى يستبرئها، إِلا المسبِيَّة فإن له الاستمتاع بها فيما دون الفرج؟ على روايتين، سواء ملكها من صغير أو كبير أو رجل أو امرأة. وإِن أعتقها قبل استبرائها لم يحل له نكاحها حتى يستبرئها، ولها نكاح غيره إِن لم يكن بائعها يطؤها، والصغيرة التي لا يوطأ مثيلها هل يجب استبراؤها؟ على وجهين. وإِن اشترى زوجته، أو عجزت مكاتبته، أو فكّ أمته من الرهن، أو أسلمت المَجُوسِيَّة أو المرتدة أو الوثنية التي حاضت عنده (¬2)، أو كان هو المرتد فأسلم، أو اشترى مكاتِبُهُ ذَوَاتَ رَحمِهِ فحضْنَ عنده ثم عجز، أو اشترى عبده التاجر أمة فاستبرأها ثم أخذها سيده حلت بغير استبراء. وإِن وجد الاستبراء في يد البائع [قبل القبض (¬3)] أجزأ، ويحتمل أن لا يجزئ (¬4). وإِن باع أمته ثم عادت إِليه بفسخ أو غيره بعد القبض وجب استبراؤها، وإِن كان [قبله فعلى روايتين، وإِن اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج قبل الدخول لزمه استبراؤها، وإِن كان (¬5)] بعده لم يجب في أحد الوجهين. ¬

_ (¬1) في الأصول: "هل له" وما أثبتناه يقتضيه السياق. (¬2) (أو الوثنية التي حاضت عنده) كذا في "ش" و"م" وفي "ط": (أو الوثنية أو التي حاضت عنده. .) فاقتضى التنويه. (¬3) ما بين الرقمين زيادة من "ط". (¬4) كذا في "ش" وفي "م" وفي "ط": وعنه لا يجزئ. (¬5) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش" وبخط مغاير خلال المراجعات والمقابلات. =

فصل

الثاني: إِذا وطئ أمته ثم أراد تزويجها لم يجز حتى يستبرئها، وإِن أراد بيعها فعلى روايتين، وإِن لم يطأها لم يلزمه استبراؤها في الموضعين. الثالث: إِذا أعتق أم ولده، أو أمة كان يصيبها، أو مات عنها، لزمها استبراء نفسها إِلا أن تكون مزوجة أو معتدة فلا يلزمها الاستبراء وإِن مَات زوجها وسيدها (¬1) ولم يعلم السابق منهما، وبين موتهما أقل من شهرين وخمسة أيام لزمها بعد موت الآخر منهما عدة الحرة من الوفاة حسبُ، وإِن كان بينهما أكثر من ذلك أو جهلت المدة لزمها بعد موت الآخر (¬2) منهما أطول الأمرين من عدة الحرة أو الاستبراء، وإِن اشترك رجلان في وطء أمة لزمها استبراءان. فصل والاستبراء يحصل بوضع الحمل إِن كانت حاملاً، أو بحيضة إِن كانت ممن تحيض، أو بمضي شهر إِن كانت آيسة أو صغيرة، وعنه بثلاثة أشهر اختاره الخرقي، وإِن ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه فبعشرة أشهر، نص عليه، وعنه في أم الولد إِذا مات سيدها اعتدت أربعة أشهر وعشراً والأول أصح. * * * ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"م" وفي "ط": (. . وإِن مات زوج أم ولد أو سيدها. .). (¬2) في "م" الأخير.

كتاب الرضاع

كتاب الرَّضَاع يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. وإِذا حملت المرأة من رجل يثبت منه نسب ولدها فَثَابَ لها لبن فأرضعت به طفلاً صار ولداً لهما؛ في تحريم النكاح، وإِباحة النظر، والخلوة، وثبوت المحرمية، وأولاده وإِن سفلوا أولادُ ولدِهِما، وصارا أبويه، وآباؤهما أجداده وجداته، وإِخوة المرأة وأخواتها أخواله وخالاته، وإِخوة الرجل وأخواته أعمامه وعماته. وتنتشر حرمة الرضاع من المُرْتَضِع إِلى أولاده وأولاد أولاده وإِن سفلوا، فيصيرون أولاداً لهما، ولا تنتشر إِلى من في درجته من إِخوته وأخواته، ولا إِلى (¬1) من هو أعلى منه من آبائه وأمهاته وأعمامه وعماته وأخواله وخالاته، فلا تحرم المُرْضَعَةُ على أبي المرتضع ولا أخيه، ولا تحرم أم المرتضع ولا أخته على أبيه من الرضاع ولا أخيه. وإِن أرضعت بلبن ولدها من الزنا طفلًا صار ولداً لها وحَرُمَ على الزاني تحريم المصاهرة، ولم تثبت حرمة الرَّضاع في حقه في ظاهر قول الخرقي، وقال أبو بكر تثبت، قال أبو الخطاب وكذلك الولد المنفي باللعان، ويحتمل أن لا يثبت حكم الرضاع في حق الملاعن بحال لأنه ليس بلبنه حقيقة ولا حكماً. وإِن وطئ رجلان امرأة بشبهة، فأتت بولد، فأرضعت بلبنه طفلًا صار ¬

_ (¬1) كذا في "ش" وفي "م" و"ط" بإِسقاط حرف الجر إِلى.

فصل

ابناً لمن ثبت نسب المولود منه، وإِن ألحق بهما كان المرتضع ابناً لهما، وإِن لم يلحق بواحد منهما ثبت التحريم بالرضاع في حقهما. وإِن ثاب لامرأة لبن من غير حمل تقدم لم ينشر الحرمة، نص عليه في لبن البكر، وعنه ينشرها، ذكرها ابن أبي موسى، والظاهر أنه قول ابن حامد. ولا ينشر الحرمة غير لبن المرأة: فلو ارتضع طفلان من رجل أو بهيمة أو خنثى مشكل لم ينشر الحرمة، وقال ابن حامد يوقف أمر الخنثى حتى يتبين أمره. فصل ولا تثبت الحرمة بالرضاع إِلا بشرطين: أحدهما: أن يرتضع في العامين فلو ارتضع بعدهما بلحظة لم يثبت (¬1). الثاني: أن يرتضع خمس رضعات في ظاهر المذهب، وعنه ثلاث يُحَرِّمْن، وعنه واحدة؛ فمتى (¬2) أخذ الثدي فامتص منه ثم تركه، أو قطع عليه فهي رضعة، فمتى عاد فهي رضعة أخرى، بعد ما بينهما أو قرب، وسواء تركه شبعاً أو لأمرٍ يلهيه، أو لانتقاله من ثدي إِلى غيره، أو من امرأة إِلى غيرها. وقال ابن حامد إِن لم يقطع باختياره فهما رضعة إِلا أن يطول الفصل بينهما. والسعوط والوجور كالرضاع في إِحدى الروايتين. ويحرم لبن الميتة واللبن المشوب، ذكره الخرقي، وقال أبو بكر ¬

_ (¬1) لم يثبت: كذا في "ش" و"م" وفي "ط": بإِسقاط لم. (¬2) فمتى: كذا في "م" و"ش" و"ط": ومتى.

فصل

لا يثبت التحريم بهما، وقال ابن حامد إِن غلب اللبن يحرم وإِلا فلا. والحقنة لا تنشر الحرمة (¬1) نص عليه، وقال ابن حامد تنشرها. فصل وإِذا تزوج كبيرة ولم يدخل بها وثلاث صغائر، فأرضعت الكبيرة إِحداهُنَّ في الحولين، حرمت الكبيرة على التأبيد، وثبت نكاح الصغرى، وعنه ينفسخ نكاحها. وإِن أرضعت اثنتين منفردتين انفسخ نكاحهما على الرواية الأولى، وعلى الثانية ينفسخ نكاح الأولى ويثبت نكاح الثانية. وإِن أرضعت الثلاث متفرقات انفسخ نكاح الأوليين، وثبت نكاح الثالثة على الرواية الأولى، وعلى الثانية ينفسخ نكاح الجميع، فإِن أرضعت إِحداهن منفردة واثنتين بعد ذلك، انفسخ نكاح الجميع على الروايتين، وله أن يتزوج من شاء من الأصاغر، وإِن كان دخل بالكبرى حرم الكل عليه على الأبد. وكل امرأة تحرم ابنتها عليه كأمه وجدته وأخته وربيبته إِذا أرضعت طفلة حرمتها عليه، وفسخت نكاحها منه إِن كانت زوجته. فصل وكل من أفسد نكاح امرأة برضاع قبل الدخول فإِن الزوج يرجع عليه بنصف مهرها الذي يلزمه لها، وإِن أفسدت نكاح نفسها سقط مهرها، وإِن كان بعد الدخول وجب لها مهرها ولم يرجع به على أحد، وذكر القاضي: أَنه يرجع به أيضاً، ورواه عن أحمد رضي الله عنه، ولو أفسدت نكاح نفسها لم يسقط مهرها بغير خلاف في المذهب؛ فإِذا ¬

_ (¬1) كلمة الحرمة سقطت من "م".

فصل

أرضعت امرأته الكبرى الصغرى فانفسخ نكاحهما، فعليه نصف مهر الصغرى، يرجع به على الكبرى، ولا مهر للكبرى إِن كان لم يدخل بها، وإِن كان دخل بها فعليه صداقها، وإِن كانت الصغرى هي التي دبت إِلى الكبرى وهي نائمة فارتضعت منها فلا مهر لها ويرجع عليها بنصف مهر الكبرى إِن كان لم يدخل بها، أو بجميعه إِن كان دخل بها على قول القاضي، وعلى ما اخترناه لا يرجع بعد الدخول بشيء. ولو كان لرجل خمس أمهات أولاد، لهن لبن منه، فأرضعن امرأة له صغرى، كلُّ واحدة منهن رضعة حرمت عليه في أحد الوجهين، ولم تحرم أمهات الأولاد. ولو كان له ثلاث نسوة لهن لبن منه، فأرضعن امرأة له صغرى كل واحدة رضعتين لم تحرم المرضعات وهل تحرم الصغرى؟ على وجهين، أصحهما تحرم، وعليه نصف مهرها، يرجع به عليهن على قدر رضاعهن، يقسم بينهن أخماساً، فإِن كان لرجل ثلاث بنات امرأة لهن لبن فأرضعن ثلاث نسوة له صغاراً حرمت الكبرى، وإِن كان دخل بها حَرُم الصِّغار أيضاً، وإِن لم يدخل بها فهل ينفسخ نكاح من كمل رضاعها أو لا؟ على روايتين. وإِن أرضعن واحدة كل واحدة منهن رضعتين، فهل تحرم الكبرى بذلك؟ على وجهين. فصل إِذا طلق امرأته ولها منه لبن، فتزوجت بصبي فأرضعته بلبنه، انفسخ نكاحها منه، وحرمت عليه، وعلى الأول أبداً (¬1) لأنها صارت من حلائل أبنائه، ولو تزوجت الصبي أولًا، ثم فسخت نكاحه لعيب، ثم تزوجت كبيراً فصار لها منه لبن فأرضعت به الصبي حرمت عليهما على الأبد. ¬

_ (¬1) أبداً: كذا في "ش" و"ط" وفي "م": على الأبد.

فصل

فصل وإِذا شك في الرضاع أو عدده بنى على اليقين، وإِن شهد به امرأة مرضية ثبت بشهادتها، وعنه أنها إِن كانت مرضية استحلفت فإِن كانت كاذبة لم يحل الحول حتى يبيض ثدياها، وذهب في ذلك إِلى قول ابن عباس رضي الله عنهما. وإِذا تزوج امرأة ثم قال قبل الدخول: هي أختي من الرضاع انفسخ النكاح، فإِن صدقته فلا مهر، وإِن أكذبته فلها نصف المهر، وإِن قال ذلك بعد الدخول انفسخ النكاح ولها المهر بكل حال، وإِن كانت هي التي قالت هو أخي من الرضاع وأكذبها فهي زوجته في الحكم، ولو قال الزوج هي ابنتي من الرضاع وهي في سنه أو أكبر منه لم تحرم (¬1) لتحققنا كدبه. ولو تزوج رجلٌ (¬2) امرأة لها لَبَنٌ مِنْ زوج قبله فحملت منه ولم يزد لبنها فهو للأول، وإِن زاد لبنها فأرضعت به طفلًا صار ابناً لهما، وإِن انقطع لبن الأول ثم ثاب بحملها من الثاني فكذلك عند أبي بكر، وعند أبي الخطاب رضي الله تعالى عنه هو ابن الثاني وحده. * * * ¬

_ (¬1) عبارة لم تحرم سقطت من "م". (¬2) كلمة رجل زيادة من "م".

كتاب النفقات

كتاب النَّفقات تجب على الرجل نفقة امرأته ما لا غنى لها عنه، وكسوتها بالمعروف، ومسكنها بما يصلح لمثلها، وليس ذلك مقدراً لكنه معتبر بحال الزوجين، فإِذا تنازعا فيها رجع الأمر إِلى الحاكم، فيفرض للموسرة تحت الموسر قدر كفايتها من أرفع خبز البلد وأدمه الذي جرت عادة أمثالهما بأكله، وما تحتاج إِليه من الدهن، وما يكتسي مثلُها من جيد الكتان والقطن والخز والأبريسم، وأقله قميص وسراويل. ووقاية ومقنعة ومداس وجبة في الشتاء، وللنوم الفراش واللحاف والمخدة، والزلي (¬1) للجلوس ورفيع الحصر. وللفقيرة تحت الفقير قدر كفايتها من أدنى خبز البلد وأدمه ودهنه، وما تحتاج إِليه من الكسوة مما يلبسه أمثالهما وينامون فيه ويجلسون عليه. وللمتوسطة تحت المتوسط، أو إِذا كان أحدهما موسراً والآخر معسراً ما بين ذلك كل على حسب عادته. وعليه ما يعود بنظافة المرأة من الدهن والسدر وثمن الماء. ولا تجب الأدوية وأجرة الطَّبيب، فأما الطيب والحناء والخضاب ونحوه فلا يلزمه إِلا أن يريد منها التزين به. وإِن احتاجت إِلى من يخدمها لكون مثلها لا تخدِمُ نَفْسَها أو لمَرَضِها ¬

_ (¬1) كذا في جميع الأصول وجاء في "تحرير التنبيه" و"المصباح المنير": الزِّلية وجمعها الزلالي وهي تعني نوعاً من البسط.

لزمه ذلك، فإِن كان لها وإِلا أقام لها خادماً: إِما بشراء، أو كراءٍ، أو عارية، ويلزمه نفقته بقدر نفقة الفقيرين إِلا في النظافة. ولا يلزمه أكثر من نفقة خادم واحد، فإِن قالت: أنا أخدم نفسي وآخذ ما يلزمك لخادمي لم يكن لها ذلك. وإِن قال أنا أخدمك فهل يلزمها قبول ذلك؟ على وجهين. فصل وعليه نفقة المطلقة الرجعية وكسوتها ومسكنها كالزوجة سواء. وأما البائن بفسخ أو طلاق: فإِن كانت حاملًا فلها النفقة والسكنى وإِلا فلا شيء لها، وعنه لها السكنى. فإِن لم ينفق عليها بظنها حائلًا ثم تبين أنها حامل (¬1) فعليه نفقة ما مضى. وإِن أنفق عليها بظنها حاملًا فبانت حائلًا (¬2) فهل يرجع عليها بالنفقة؟ على روايتين. وهل تجب النفقة للحامل لحملها أو لها من أجله؟ على روايتين: إِحداهما أنها لها: فتجب لها حينئذ (¬3) إِذا كان أحد الزوجين رقيقاً، ولا تجب للناشز ولا للحامل من وطء شبهة أو نكاح فاسد. والثانية أنها للحمل: فتجب لهؤلاء الثلاث، ولا تجب لها إِذا كان أحدهما رقيقاً، وأما المُتَوَفّى عنها فإِن كانت حائلًا فلا نفقة لها ولا سكنى، وإِن كانت حاملًا فهل لها ذلك؟ على روايتين. فصل وعليه دفع النفقة إِليها في صدر نهار كل يوم، إِلا أن يتفقا على تأخيرها أو تعجيلها لمدة قليلة أو كثيرة فيجوز. وإِن طلب أحدهما دفع القيمة لم ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": فبانت حاملًا. (¬2) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": ثم بانت حائلاً. (¬3) حينئذ: سقطت من "م" و"ط" وهي مستدركة على الهامش في "ش".

يلزم الآخر ذلك، وعليه كسوتها في كل عام، فإِذا قبضتها فسُرقت أو تَلِفَتْ لم يلزمه عوضُها، وإِن انقضت السنة وهي صحيحة فعليه كسوة السنة الأخرى، ويحتمل أن لا يلزمه، وإِن ماتت أو طلقها قبل مضي السنة فهل يرجع عليها بقسط بقية السنة؟ على وجهين. وإِذا قبضت النفقة فلها التصرف فيها على وجه لا يضر بها ولا ينهك بدنها، وإِن غاب عنها مدة ولم ينفق عليها فعليه نفقة ما مضى، وعنه لا نفقة لها إِلا أن يكون الحاكم قد فرضها لها. فصل وإِذا بذلت المرأة تسليم نفسها إِليه وهي ممن يوطأ مثلها، أو يتعذر وطؤها لمَرَض أو حيض أو رتقٍ ونحوه لزم زوجها نفقتها سواء كان الزوج صغيراً أو كبيراً، يمكنه الوطء أو لا يمكنه، كالعنين والمجبوب والمريض، وإِن كانت صغيرةً لا يمكن وطؤها لم تجب نفقتها ولا تسليمها إِليه (¬1) إِذا طلبها، فإِن بذلته والزوج غائب لم يفرض لها حتى يراسله الحاكم ويمضي زمن يمكن أن يقدم في مثله، وإِن منعت تسليم نفسها أو منعها أهلها فلا نفقة لها إِلا أن تمنع نفسها قبل الدخول حتى تقبض صداقها الحالَّ فلها ذلك وتجب نفقتها، وإِن كان بعد الدخول فعلى وجهين بخلاف الأجل. وإِن سلمت الأمة نفسها ليلاً ونهاراً فهي كالحرة، وإِن كانت تأوي إِليه ليلاً وعند سيدها (¬2) نهاراً فعلى كل واحد منهما النفقة مدة مقامها عندَهُ. ¬

_ (¬1) ولا تسليمها إِليه: كذا في "ش" و"م" وفي "ط": ولا تسلمها ولا تسليمها إِليه. (¬2) سيدها: كذا في "ش" وفي "م" و"ط": السيد.

وإِذا نشزت المرأة أو سافرت بغير إِذنه، أو تطوعت بصوم أو حج أو أحرمت بحج منذور في الذمة فلا نفقة لها، وإِن بعثها في حاجة أو أحرمت بحجة الإِسلام فلها النفقة، وإِن أحرمت بمنذور معين في وقته فعلى وجهين. وإِن سافرت لحاجتها بإِذنه فلا نفقة لها، ذكره الخرقي، ويحتمل أن لها النفقة. وإِن اختلفا في نشوزها أو تسليم النفقة إِليها فالقول قولها مع يمينها، وإِن اختلفا في بذل التسليم فالقول قوله مع يمينه. فصل وإِن أعسر الزوج بنفقتها أو ببعضها أو بالكسوة خيرت بين فسخ النكاح والمقام، وتكون النفقة ديناً في ذمته، فإِن اختارت المقام ثم بدا لها الفسخ فلها ذلك، وعنه ما يدل على أنها لا تملك الفسخ بالإِعسار والمذهب الأول، وإِن أعسر بالنفقة الماضية، أو نفقة الموسر، أو المتوسط، أو الأدم، أو نفقة الخادم فلا فسخ لها، وتكون النفقة ديناً في ذمته، وقال القاضي يسقط، وإِن أعسر بالسكنى أو المهر فهل لها الفسخ؟ على وجهين. وإِن أعسر زوج الأمة فرضيت، أو زوج الصغيرة والمجنونة لم يكن لوليهن الفسخ ويحتمل أن له ذلك. فصل وإِن منع النفقة أو بعضها مع اليسار وقدرت له على مال أخذت منه ما يكفيها ويكفي ولدها بالمعروف بغير إِذنه، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهند حين قالت له: إِن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي، قال: "خُذي مَا يَكفيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ" (¬1). وإِن لم تقدر ¬

_ (¬1) رواه البخاري رقم (5364) في النفقات: باب إِذا لم ينفق الرجل، فللمرأة أن =

باب نفقة الأقارب والمماليك

أجبره الحاكم وحبسه، فإِن لم ينفق دفع النفقة إِليها من ماله، فإِن غيَّبه وصبر على الحبس فلها الفسخ، وقال القاضي: ليس لها ذلك، وإِن غاب ولم يترك لها نفقة ولم تقدر له على مال ولا الاستدانة عليه، فلها الفسخ إِلا عند القاضي فيما إِذا لم يثبت إِعساره، ولا يجوز الفسخ في ذلك كله إِلا بحكم حاكم [والله أعلم (¬1)]. باب نفقة الأقارب والمماليك يجب على الإِنسان نفقة والديه وولده بالمعروف إِذا كانوا فقراء، وله ما ينفق عليهم فاضلًا عن نفقة نفسه وامرأته، وكذلك يلزمه نفقة سائر آبائه وإِن علوا وأولاده وإِن سفلوا ويلزمه نفقة كل من يرثه بفرض أو تعصيب ممن سواهم سواء ورثه الآخر أو لا: كعمته، وعتيقته، وحُكِي عنه إِن لم يرثه الآخر فلا نفقة له، فأما ذوو الأرحام فلا نفقة عليهم رواية واحدة، ذكره القاضي، وقال أبو الخطاب: يخرج في وجوبها عليهم روايتان. وإِن كان للفقير وُرَّاثٌ (¬2) فنفقته عليهم على قدر إِرثهم منه؛ فإِذا كان له أم وجد فعلى الأم الثلث والبقاي على الجد، وإِن كانت جدة وأخ فعلى الجدة السدس والباقي على الأخ، وعلى هذا المعنى حساب النفقات، إلاَّ أن يكون له أب فتكون عليه النفقة وحده. ومن له ابن فقير وأخ موسر فلا نفقة له عليهما، ومن له أم فقيرة وجدة ¬

_ = تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف، ومسلم رقم (1714) في الأقضية: باب قضية هند، من حديث عائشة رضي الله عنها. (¬1) ما بين الرقمين زيادة من "ط". (¬2) وُرَّاث: في "ش" و"ط": وَارِثٌ، والمثبت من "م" وهو أجود لأنه يناسب السياق ولذلك أثبتناه.

فصل

موسرة فالنفقة عليها (¬1). ومن كان صحيحاً مكلفاً لا حرفة له سوى الوالدين فهل تجب نفقته؟ على روايتين. ومن لم يفضل عنده إِلا نفقة واحد بدأ بالأقرب فالأقرب: فإِن كان له أبوان جعله بينهما فإِن كان معهما ابن ففيه ثلاثة أوجه: أحدها يقسمه بينهم. والثاني يقدمه عليهما. والثالث يقدمهما عليه. وإِن كان له أب وجد أو ابن وابن ابن فالأب والابن أحق. ولا تجب نفقة الأقارب مع اختلاف الدين وقيل في عمودي النسب روايتان. وإِن ترك الإِنفاق الواجب مدة لم يلزمه عوضه. ومن لزمته نفقة رجل فهل تلزمه نفقة امرأته؟ على روايتين. فصل وتجب نفقة ظئر الصبي على من تلزمه نفقته، وليس للأب منع المرأة من رضاع ولدها إِذا طلبت، وإِن طلبت أجرة مثلها ووجد من يتبرع برضاعه فهي أحق، وإِن امتنعت من رضاعه لم تجبر إِلا أن يضطر إِليها ويخشى عليه، ولا تجب عليه أجرة الظئر لما زَادَ على الحولين، وإِذا تزوجت المرأة فلزوجها منعها من رضاع ولدها إِلا أن يضطر إِليها. ¬

_ (¬1) عليها: كذا في "ش" و"ط" وفي "م": عليهما.

فصل

فصل وعلى السيد الإِنفاق على رقيقه قدر كفايتهم وكسوتهم وتزويجهم إِذا طلبوا ذلك إِلا الأمة إِذا كان يستمتع بها، ولا يكلفهم من العمل ما لا يطيقون، ويريحهم وقت القيلولة والنوم وأوقات الصلوات، ويداويهم إِذا مرضوا، ويركبهم عقبة إِذا سافر بهم، وإِذا ولي أحدهم طَعَامَهُ أطعمه منه (¬1) ولا يَسْتَرْضِعُ الأمة لغير ولدها إِلا أن يكون فيها فضل عن ريه، ولا يجبر العبد على المخارجة فإِن اتفقا عليها جاز. ومتى امتنع السيد من الواجب عليه فطلب العبد البيع لزمه بيعه. وله تأديب رقيقه بما يؤدب به ولده وامرأته، وللعبد أن يتسرى بإِذن سيده، وقيل ذلك ينبني على الروايتين في ملك العبد بالتمليك، ولو وهب له سيده أمة لم يكن له التسري بها إِلا بإِذنه. فصل وعليه إِطعام بهائمه وسقيها، وأن لا يحملها ما لا تطيق، ولا يحلب من لبنها ما يضر بولدها، وإِن عجز عن الإِنفاق عليها أجبر على بيعها، أو إِجارتها، أو ذبحها إِن كانت مما يباح أكله. باب الحضانة أحق الناس بحضانة الطفل والمعتوه أمه، ثم أمهاتها الأقرب فالأقرب، ثم الأب ثم أمهاته، ثم الجد ثم أمهاته، ثم الأخت للأبوين، ثم الأخت للأب، ثم الأخت للأم، ثم الخالة ثم العمة في الصحيح عنه. وعنه الأخت من الأم والخالة أحق من الأب فتكون الأخت من الأبوين ¬

_ (¬1) منه: كذا في "ش" و"ط" وفي "م": معه.

فصل

أحق، ويكون هؤلاء أحق من الأخت من الأب ومن جميع العصبات، وقال الخرقي: وخالة الأب أحق من خالة الأم، ثم تكون للعصبة، إِلا أن الجارية ليس لابن عمها حضانتها لأنه ليس من محارمها. وإِذا امتنعت الأم من حضانتها انتقلت إِلى أمها، ويحتمل أن تنتقل إِلى الأب، فإِن عُدِم هؤلاء كلهم فهل للرجال من ذوي الأرحام حضانة؟ على وجهين: أحدهما لهم ذلك فيكون أبو الأم وأمهاته أحق من الخال، وفي تقديمهم على الأخ من الأم وجهان. ولا حضانة لرقيق ولا فاسق ولا كافر على مسلم، ولا لامرأة مزوجة لأجنبي من الطفل، فإِن زالت الموانع منهم رجعوا إِلى حقهم منها. ومتى أراد أحد الأبوين النقلة إِلى بلد بعيد آمن ليسكنه فالأب أحق بالحضانة، وعنه الأم أحق، فإِن اختل شرط من ذلك فالمقيم منهما أحق. فصل وإِذا بلغ الغلام سبع سنين خير بين أبويه فكان مع من اختار منهما، فإِن اختار أباه كان عنده ليلاً ونهاراً. ولا يمنع زيارة أمه ولا تمنع هي تمريضه. وإِن اختار أمه كان عندها ليلاً وعند أبيه نهاراً ليعلمه الصناعة والكتابة ويؤدبه، فإِن عاد فاختار الآخر نقل إِليه، ثم إِن اختار الأول رد إِليه، وإِن لم يختر أحدهما أقرع بينهما. وإِن استوى اثنان في الحضانة كالأختين قدم أحدهما بالقرعة. وإِن بلغت الجارية سبعاً كانت عند أبيها ولا تمنع الأم من زيارتها وتمريضها. * * *

كتاب الجنايات

كتاب الجنايات القتل على أربعة أضرب: عمد، وشبه عمد، وخطأ، وما أُجري مجرى الخطأ [بالقصاص أو الدية (¬1)]. فالعمد أن يقتله بما يغلب على الظن موته به عالماً بكونه آدمياً معصوماً. وهو تسعة أقسام: أحدها: أن يجرحه بما له مور في البدن من حديد أو غيره، مثل أن يجرحه بسكين أو يغرزه بمسلة [فيموت إِلا أن يغرزه بإِبرة أو شوكةٍ ونحوهما في غير مقتل فيموت (¬2)] في الحال ففي كونه عمداً وجهان: فإِن بقي من ذلك ضَمِناً حتى مات، أو كان الغرز بها في مقتل كالفؤاد والخصيتين فهو عمد محض. وإِن قطع سلعة من أجنبي بغير إِذنه فمات فعليه القود، وإِن قطعها حاكم من صغير، أو وليُّه، فمات فلا قود لأن [له فعل ذلك وقد فعله لمصلحته فأشبه ما لو ختنه (¬3)]. الثاني: أن يضربه بمثقل كبير فوق عمود الفُسطاط أو بما يغلب على الظن أنه يموت (¬4) به: كاللت، والكوذين، والسندان أو حجر كبير، أو ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين زيادة من "ط". (¬2) ما بين الرقمين كذا ورد في "ش" و"م" ومكانه في "ط" بعد بمسلة: أو ما في معناه مما يحدد ويجرح، فهذا كله إِذا جرح به جرحاً كبيراً فمات فهو قَتْلُ عمد، فأما إِن جرحه جرحاً صغيراً في غير مقتل فمات. . . (¬3) ما بين الرقمين زيادة من "ط". (¬4) عبارة: أنه يموت كذا في "ش" و"م" وفي "ط": موته.

يلقي عليه حائطاً أو سقفاً، أو يلقيه من شاهق أو يُعيد الضرب بصغير، أو يضربه في مقتل، أو في حال ضعف من مرض أو صغر أو كبر، أو حَرٍّ أو بردٍ أو نحوه. الثالث: إِذا ألقاه في زبية أسد، أو أنهشه كلباً أو سبعاً أو حية، أو ألسعه عقرباً من القواتل أو نحو ذلك فقتله، [فيجب فيه القصاص (¬1)]. الرابع: إِذا (¬2) ألقاه في ماء يغرقه، أو نار لا يمكن التخلص منهما: [إِما لكثرة الماء والنار، وإِما لعجزه عن التخلص لمرض أو ضعف أو صغر أو كونه في حفرة لا يقدر على الصعود منها (¬3)]. الخامس: إِذا خنقه بحبل أو غيره، أو سَد فَمَه وأَنْفَه، أو عَصَر خصيتيه حتى مات. السادس: إِذا (2) حبسه ومنعه الطعام أو الشراب حتى مات جوعاً أو عطشاً في مدة يموت في مثلها غالباً فعليه القود (¬4). السابع: إِذا (2) سقاه سماً لا يعلم به أو خلط سمّاً بطعام فأطعمه، أو خلطه بطعامه فأكله وهو لا يعلم به فمات [فإِن علم آكله به وهو بالغ عاقل، أو خلطه (¬5)] بطعام نفسه [فدخل إِنسان منزله (¬6)] فأكله بغير إِذنه فلا ضمان عليه، فإِن ادّعى القاتل بالسم أنني لم أعلم أنه سم قاتل لم يقبل قولُهُ ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين زيادة من "ط". (¬2) إِذا زيادة من "ط" في هذه المواضع. (¬3) ما بين الرقمين زيادة من "ط". (¬4) غالباً في "ط": عادة. وعبارة: فعليه القود زيادة منها. (¬5) ما بين الرقمين كذا في "ش" و"م" وفي "ط": فعليه القود إِذا كان مثله يقتل غالباً، فإِن خلط السم. . . (¬6) ما بين الرقمين زيادة من "ط".

في أحد الوجهين ويقبل في الآخر ويكون شبهة عمد (¬1). الثامن: أن يقتله بسحر يقتل غالباً [فيلزمه القود، لأنه قتله بما يقتل غالباً فأشبه قتله بالسكين (¬2)]. التاسع: أن يشهدا على رجل بقتلٍ عمداً، أو زناً أو ردَّةٍ، فيقتل بذلك، ثم يرجعا ويقولا عمدنا قتله، أو يقول الحاكم علمت كذبهما وعمدت قتله، أو يقول ذلك الولي، فهذا كله وشبهه عمد محض موجب للقصاص إِذا كملت شروطه. فصل وشبه العمد أن يقصد الجناية بما لا يقتل غالباً فيقتل [إِما لقصد العدوان عليه أو لقصد التأديب له فيسرف فيه (¬3)]: كالضرب بالسوط والعصا والحجر الصغير، أو لكزه (¬4) بيده، أو يلقيه في ماء قليل، أو يقتله بسحر لا يقتل غالباً وسائر ما لا يقتل غالباً، أو يصيح بصبي أو معتوه وهما على سطح فيسقطان، أو يغتفل عاقلاً فيصيح به فيسقط ونحو ذلك [فهو شبه عمد إِذا قتل، لأنه قصد الضرب دون القتل، ويسمى خطأ العمد وعمد الخطأ لاجتماع العمد والخطأ فيه (¬5)]. ¬

_ (¬1) كذا في "ش" وفي "م": شبه عمد. (¬2) ما بين الرقمين زيادة من "ط". (¬3) ما بين الرقمين زيادة من "ط" أيضاً. (¬4) كالضرب بالسوط في " ": نحو أن يضربه بسوط وعصا وحجر صغير أو يلكزه. . . (¬5) ما بين الرقمين زيادة من "ط".

فصل والخطأ على ضربين: أحدهما: أن يرمي الصيد أو يفعل ما له فعله فَيَقْتُلُ إِنساناً فعليه الكفارة، والدية على العاقلة (¬1) بغير خلاف. الضرب الثاني: أن يقتل في دار الحرب من يظنه حربياً ويكون مسلماً أو يرمي إِلى صف الكفار فيصيب مسلماً أو يتترس الكفار بمسلم ويخاف على المسلمين إِن لم يرمهم فيرميهم فيقتل المسلم، فهذا فيه الكفارة وفي وجوب الدية على العاقلة روايتان. والذي أُجري مجرى الخطأ: كالنائم ينقلب على إِنسان فيقتله. أو يقتل بالسبب (¬2) مثل: أن يحفر بئراً أو ينصب سكيناً، أو حجراً، فيؤول إِلى إِتلاف إِنسان. وعمد الصبي والمجنون. فهذا كله لا قصاص فيه، والدية على العاقلة، وعليه الكفارة في ماله لأنه خطأ (¬3). ¬

_ (¬1) عبارة: فيقتل إِنساناً فعليه الكفارة والدية على العاقلة كذا في "ش" و"م" وفي "ط": فيؤول إِلى إِتلاف إِنسان معصوم فعليه الكفارة والدفع على العاقلة بغير خلاف. (¬2) في "م": بالسيف وما أثبتناه من "ش" و"ط" وهو أنسب. (¬3) عبارة: لأنه خطأ زيادة من "ط".

فصل وتقتل الجماعة بالواحد، وعنه لا يقتلون والمذهب الأول (¬1). وإِن جرحه أحدهما جُرحاً والآخر مائة فهما سواء في القصاص والدية، (5) وإِن قطع أحدهما من الكوع، ثم قطعه الآخر من المرفق فهما قاتلان (¬2). وإِن فعل أحدهما فعلًا لا تبقى معه الحياة كقطع حشوته أو مريئه أو ودجيه ثم ضرب عنقه آخر فالقاتل هو الأول ويعزر الثاني. وإِن شق الأول بطنه أو قطع يده ثم ضرب الثاني عنقه، فالثاني هو القاتل وعلى الأول ضمان ما أتلف بالقصاص أو الدية. وإِن رماه من شاهق فتلقاه آخر بسيف قدَّه فالقاتل هو الثاني. وإِن رماه في لجة فتلقاه حوت فابتلعه فالقود على الرامي في أحد الوجهين. وإِن أكره إِنساناً على القتل فقتل فالقصاص عليهما. وإِن أمر من لا يميز أو مجنوناً أو عبده الذي لا يعلم أن القتل محرم بالقتل فقتل فالقصاص على الآمر. وإِن أمر كبيراً عاقلًا عالماً بتحريم القتل به فقتل فالقصاص على القاتل. وإِن أمر السلطان بقتل إِنسان بغير حق مَنْ يعلم ذلك فالقصاص على القاتل وإِن لم يعلم فعلى الآمر. وإِن أمسك إِنساناً لآخر ليقتله فقتله قتل القاتل وحبس الممسك حتى يموت في إِحدى الروايتين والأخرى يقتل أيضاً. ¬

_ (¬1) وعنه لا يقتلون والمذهب الأول. . كذا في "ش" و"م" وفي "ط": في مكانه: إِذا كان فِعْلُ كل واحد منهم لو انفرد أوجب القصاص عليه. (¬2) ما بين الرقمين كذا في الأصلين "ش" و "م" وسقط من "ط".

باب شروط القصاص

وإِن كتَّف إِنساناً وطرحه في أرض مسبعة أو ذات حيات فقتلته فحكمه حكم الممسك. فصل وإِن اشترك في القتل اثنان لا يجب القصاص على أحدهما: كالأب وأجنبي في قتل الولد، والحر والعبد في قتل العبد، والخاطئ والعامد، ففي وجوب القصاص على الشريك روايتان: أظهرهما وجوبه على شريك الأب والعبد وسقوطه عن شريك الخاطئ، وفي شريك السبع وشريك نفسه وجهان. ولو جرحه إِنسان عمداً فداوى جرحه بسم، أو خاطه في اللحم، أو فعل ذلك وليه أو الإِمام فمات، ففي وجوب القصاص على الجارح وجهان. باب شروط (¬1) القَصَاص وهي أربعة: أحدها: أن يكون الجاني مكلَّفاً فأما الصبي والمجنون فلا قصاص عليهما، وفي السكران وشبهه روايتان: أصحهما وجوبه عليه. الثاني (¬2): أن يكون المقتول معصوماً: فلا يجب القصاص بقتل حربي ولا مرتد ولا زان محصن وإِن كان القاتل ذمياً. ولو قطع مسلم أو ذمي يد ¬

_ (¬1) في "ش": شرائط والمثبت يوافق "م" و"ط" وهو أجود لأن شرائط جمع شريطة لا جمع شرط. (¬2) الثالث في "ط" وقد جرى تغيير في ترتيب الشروط في "ط" فأعدنا الأمر إِلى نصابه بما يتوافق مع "ش" و"م".

فصل

مرتد أو حربي فأسلم ثم مات، أو رمى حربياً فأسلم قبل أن يقع به السهم فلا شيء عليه، وإِن رمى مرتداً فأسلم قبل وقوع السهم به فلا قصاص عليه وفي الدية وجهان، وإِن قطع يد مسلم فارتد ومات فلا شيء على القاطع في أحد الوجهين، وفي الآخر يجب القصاص في الطرف أو نصف الدية، وإِن عاد إِلى الإِسلام ثم مات وجب القصاص في النفس في ظاهر كلامه، وقال القاضي إِن كان زمن الرِّدَّة مما تسري فيه الجناية فلا قصاص فيه. فصل الثالث (¬1) أن يكون المجني عليه مكافئاً للجاني، وهو أن يساويه في الدين والحرية أو الرق، فيقتل كل واحد من المسلم الحر أو العبد والذمي الحر أو العبد بمثله، ويقتل الذكر بالأنثى، والأنثى بالذكر في الصحيح عنه، وعنه يعطى الذكر نصف الدية إِذا قتل بالأنثى، وعنه لا يقتل العبد بالعبد إِلا أن تستوي قيمتهما ولا عمل عليه، ويقتل الكافر بالمسلم والعبد بالحر والمرتد بالذمي وإِن عاد إِلى الإِسلام نص عليه. ولا يقتل مسلم بكافر ولا حر بعبد إِلا أن يقتله وهو مثله، أو يجرحه ثم يسلم القاتل أو الجارح، أو يعتق ويموت المجروح فإِنه يقتل به. ولو جرح مسلم ذمياً أو حرٌ عبداً، ثم أسلم المجروح وعتق (¬2) ومات فلا قود وعليه دية حر مسلم في قول ابن حامد، وفي قول أبي بكر عليه في الذمي دية ذِّمي وفي العبد قيمته لسيده. وإِن رمى مسلمٌ (1) ذمياً عبداً، فلم يقع به السهم حتى عتق وأسلم فلا قود، وعليه دية حر مسلم إِذا مات من الرمية، ذكره الخرقي، وقال أبو بكر ¬

_ (¬1) الثاني في "ط". (¬2) كذا في "م" و"ش" وفي "ط": (أو عُتِق) وهو أجود.

فصل

عليه القصاص و (¬1) لو قتل من يعرفه ذمياً عبداً فبان أنه قد أسلم وعتق فعليه القصاص، وإِن كان يعرفه مرتداً فكذلك، قاله أبو بكر، قال ويحتمل أن لا يلزمه إِلا الدية (¬2). فصل الرابع: أن لا يكون أباً للمقتول، فلا يقتل الوالد بولده وإِن سفل، والأب والأم في ذلك سواء، ويقتل الولد بكل واحدٍ منهما في أظهر الروايتين، ومتى ورث ولده القصاص أو شيئاً منه أو ورث القاتل شيئاً من دمه سقط القصاص: فلو قتل امرأته وله منها ولد، أو قتل أخاها فورثته، ثم ماتت فورثها ولده، سقط عنه القصاص. ولو قتل أباه أو أخاه فورثه أخواه ثم قتل أحدهما صاحبه سقط القصاص عن الأول لأنه ورث بعض دم نفسه. ولو قتل أحد الابنين أباه، والآخر أمه، وهي زوجة الأب، سقط القصاص عن الأول لذلك وله أن يقتص من أخيه ويرثه. فإِن قتل من لا يعرف وادعى كفره أو رقَّه، أو ضرب ملفوفاً فَقَدَّه وادعى أنه كان ميتاً وأنكر وليه، أو قتل رجلاً في داره وادعى أنه دخل يكابره على أهله وماله فقتله دفعاً عن نفسه وأنكر وليه، أو تجارح اثنان وادعى كل واحد منهما أنه جرحه دفعاً عن نفسه وجب القصاص، والقول قول المنكر. ¬

_ (¬1) في "م": أو حرٌ عبداً. . (¬2) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش".

باب استيفاء القصاص

باب استيفاء القصَاص ويشترط له ثلاثة شروط: أحدها: أن يكون مستحقه مكلفاً: فإِن كان صبياً أو مجنوناً لم يجز استيفاؤه، ويحبس القاتل حتى يبلغ الصبي ويعقل المجنون، إِلا أن يكون لهما أبي فهل له استيفاؤه لهما؟ على روايتين. فإِن كانا محتاجين إِلى النفقة فهل لوليهما العفو على الدية؟ يحتمل وجهين. وإِن قتلا قاتل أبيهما أو قطعا قاطعهما قهراً احتمل أن يسقط حقهما، واحتمل أن تجب لهما دية أبيهما في مال الجاني، وتجب دية الجاني على عاقلتهما، وإِن اقتصا ممن لا تحمل ديته العاقلة، سقط حقهما وجهاً واحداً. فصل الثاني: اتفاق جميع الأولياء على استيفائه، وليس لبعضهم استيفاؤه دون بعض، فإِن فعل فلا قصاص عليه، وعليه لشركائه حقهم من الدية، ويسقط عن الجاني في أحد الوجهين، وفي الآخر لهم ذلك في تركة الجاني، ويرجع ورثة الجاني على قاتله، وإِن عفا بعضهم سقط القصاص وإِن كان العافي زوجاً أو زوجة، وللباقي حقهم من الدية على الجاني، فإِن قتله الباقون عالمين بالعفو وسقوط القصاص به فعليهم القود، وإِلا فلا قود وعليهم ديته، سواء كان الجميع حاضرين أو بعضهم غائباً، وإِن كان بعضهم صغيراً أو منوناً فليس للبالغ العاقل الاستيفاء حتى يصيرا مكلفين في المشهور عنه، وعنه له (¬1) ذلك. ¬

_ (¬1) له: كذا في "ش" و"م" وفي "ط": لهم ولا وجه له لأنه لا يناسب السياق.

فصل

وكل من ورث المال ورث القصاص على قدر ميراثه من المال حتى الزوجين وذوي الأرحام (¬1)، ومن لا وارث له وليه الإِمام: إِن شاء اقتص وإِن شاء عفى. فصل الثالث: أن يؤمن في الاستيفاء التعدي إِلى غير القاتل، فلو وجب القصاص على حامل، أو حملت بعد وجوبه، لم تقتل حتى تضع الولد وتسقيه اللبأ، ثم إِن وجد من يرضعه، وإِلا تركت حتى تفطمه ولا يقتص منها في الطرف حال حملها. وحكم الحد في ذلك حكم القصاص. فإِن ادعت الحمل احتمل أن يقبل منها فتحبس حتى يتبين أمرها، واحتمل أن لا يقبل إِلا ببينة. وإِن اقتص من حامل وجب ضمان جنينها على قاتلها، وقال أبو الخطاب: يجب على السلطان الذي مكَّنهُ من ذلك. فصل ولا يستوفى القصاص إِلا بحضرة السلطان، وعليه تفقد الآلة التي يستوفى بها القصاص، فإِن كانت كالَّة منعه الاستيفاء بها، وينظر في الولي إِن كان يحسن الاستيفاء ويقدر عليه أمكنه منه، وإِلا أمره بالتوكيل، وإِن احتاج إِلى أجرة فمن مال الجاني، والولي مخير بين الاستيفاء بنفسه إِن كان يحسن وبين التوكيل، وقيل ليس له أن يستوفي في الطرف بنفسه بحال، وإِن تشاح أولياء المقتول في الاستيفاء قدم أحدهم بالقرعة. ¬

_ (¬1) في "ط": حتى الزوجان وذوو الأرحام وهو جائز حسب التوجه في إِعراب حتى.

فصل

فصل ولا يُستوفى القصاص في النفس إِلا بالسيف في إِحدى الروايتين، وفي الأخرى يُفْعل به كما فعل به (¬1): فلو قطع يده ثم قتله [فعل به ذلك، وإِن قتله (¬2)] بحجر أو غرّقه أو غير ذلك فعل به مثل فعله، وإِن قطع يده من مفصل أو غيره أو أَوْضحهُ فمات، فعل به كفعله فإِن مات وإِلا ضربت عنقه، وقال القاضي يقتل ولا يزاد على ذلك رواية واحدة، وإِن قتله بمحرم في نفسه كتجريع الخمر واللواط ونحوه قتل بالسيف رواية واحدة. ولا تجوز الزيادة على ما أتى به رواية واحدة، ولا قطع شيء من أطرافه، فإِن فعل فلا قصاص فيه، وتجب فيه ديته سواء عفا عنه أو قتله. فصل وإِن قتل واحدٌ جماعةَ فَرَضُوا بقتله، قتل لهم، ولا شيء لهم سواه، وإِن تشاحوا فيمن يقتله منهم على الكمال، أقيد للول وللباقين دية قتيلهم، وإِن رضي الأول بالدية أعطيها وقتل للثاني. وإِن قتل وقطع طرفاً قطع طرفه، ثم قتل لولي المقتول، وإِن قطع أيدي جماعة فحكمه حكم القتل. باب العفو عن القصَاص والواجب بقتل العبد أحد شيئين: القصاص أو الدية في ظاهر المذهب، والخيرة فيه إِلى الولي: فإِن شاء اقتص، وإِن شاء أخذ الدية، وإِن شاء عفا إِلى غير شيء، والعفو أفضل، فإِن اختار القصاص فله العفو ¬

_ (¬1) لفظ (به): زيادة من "ط". (¬2) ما بين الرقمين سقط من "ط".

على الدية، وإِن اختار الدِّية سقط القصاص ولم يملك طلبه، وعنه أن الواجب القصاص عيناً وله العفو إِلى الدية وإِن سخط الجاني، فإِن عفا مطلقاً، وقلنا الواجب أحد شيئين، فله الدية، وإِن قلنا الواجب القصاص عيناً، فلا شيء له. وإِن مات القاتل وجبت الدية في تركته، وإِذا قطع أُصْبُعاً عمداً فعفا عنه ثم سرى إِلى الكف أو النفس وكان العفو على مال فله تمام الدية، وإِن عفا على غير مال فلا شيء له على ظاهر كلامه، ويحتمل أن له تمام الدية، وإِن عفا مطلقاً انبنى على الروايتين في موجب العمد. وإِن قال الجاني عفوت مطلقاً، أو عفوت عنها وعن سرايتها، قال بل عَفَوْتُ إِلى مال، أو عفوت عنها دون سرايتها فالقول قوله مع يمينه، وإِن قتل الجاني العافي فلوليه القصاص أو الدية كاملة، وقال القاضي: له القصاص أو تمام الدية. وإِذا وكل رجلاً في القصاص ثم عفا ولم يعلم الوكيل حتى اقتص فلا شيء عليه، وهل يضمن العافي يحتمل وجهين، ويتخرج أن يضمن الوكيل ويرجع به على الموكل في أحد الوجهين لأنه غرَّه، والآخر لا يرجع به ويكون الواجب حالاًّ في ماله، وقال أبو الخطاب: يكون على عاقلته. وإِذا عفا عن قاتله بعد الجرح صح، وإِن أبرأه من الدية أو وصَّى (¬1) له بها فهي وصية لقاتل هل تصح؟ على روايتين. إِحداهما تصح ويعتبر من الثلث. ويحتمل أن لا يصح عفوه عن المال، ولا وصيته به لقاتل ولا غيره، إِذا قلنا إِنه يَحْدُث على ملك الورثة. ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"م" وفي "ط": ووصَّى.

باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس

وإِن أبرأ القاتل من الدية الواجبة على عاقلته أو العبد من جنايته التي يتعلق أرْشها (¬1) برقبته لم يصح، وإِن أبرأ العاقلة أو السيد صح. وإِن وجب لعبد قصاص، أو تعزير، أو قذف، فله طلبه والعفو عنه، وليس ذلك للسيد إِلا أن يموت العبد. باب ما يوجب القصَاص فيما دون النّفس كل من أقيد بغيره في النفس أقيد به فيما دونها ومن لا فلا، ولا يجب إِلا بمثل الموجب في النفس وهو العبد المحض، وهو نوعان: أحدهما في الأطراف: فتؤخذ العين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن، والجفن بالجفن، والشفة بالشفة، واليد باليد، والرجل بالرجل، ويؤخذ كل واحد من الأصابع والكف والمرفق والذكر والأنثيين بمثله، وهل يجري في الإِلية والشفر على وجهين. فصل ويشترط للقصاص في الطرف ثلاثة شروط: أحدها: الأمن من الحيف بأن يكون القطع من مفصل أو له حد ينتهي إِليه كما رنا لأنف وهو مَا لاَنَ منه، فإِن قطع القصبة، أو قطع من نصف الساعد أو الساق، فلا قصاص في أحد الوجهين، وفي الآخر يقتص من حد المارن، ومن الكوع والكعب، وهل يجب أَرش الباقي؟ على وجهين. ويقتص من المنكب إِذا لم يخف جائفة، فإِذا أوضح إِنساناً فأذهب ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"م". وفي "ط": إِرثها وهو بعيد.

فصل

ضوء عينه، أو سمعه، أو شمه، فإِنه يُوضِحُهُ، فإِن ذهب ذلك وإِلا استعمل فيه ما يذهبه من غير أن يجني على حدقته أو إِذنه أو أنفه، فإِن لم يمكن إِلا بالجناية على هذه الأعضاء سقط. الثاني (¬1): المماثلة في الموضع: فتؤخذ كل واحدة من اليمنى واليسرى والعليا والسفلى من الشفتين والأجفان بمثلها، والإِصبع والسن والأنملة بمثلها في الموضع والاسم، ولو قطع أنملة رجل العليا وَقَطَعَ الوسطى من تلك الإِصبع من آخر لم يكن له عليا فصاحب الوسطى مخير بين أخذ عَقْلِ أنملته وبين أن يصبر حتى يقطع العليا ثم يقتص من الوسطى، ولا يُؤخذ شيء من ذلك بما يخالفه، ولا تُؤْخذ أصلية بزائدة، ولا زائدة بأصلية، وإِن تراضيا عليه لم يجز، فإِن فعلا أو قطعها تعدياً، أو قال اخرج يمينك فأخرج يساره فقطعها أجزأت على كل حال وسقط القصاص قاله أبو بكر (¬2). وقال ابن حامد: إِن أخْرَجها دهشة أو ظناً أنها تجزئ فعلى القاطع دِيَتُها، وإِن كان مَنْ عليه القصاص مجنوناً فعلى القاطع القصاص وإِن كان عالماً بها أو أنها لا تجزئ، وإِن جهل أحدهما فعليه الدية، وإِن كان المقتص مجنوناً والآخر عاقلاً ذهبت هدراً. فصل الثالث (¬3): استواؤهما في الصحة والكمال: فلا تُؤْخذ صحيحة بشلاَّء، ولا كاملة الأصابع بناقصة، ولا عين صحيحة بقاتمة، ولا لسان ناطق بأخرس، ولا ذكر صحيح بأشل، ولا ذكر (¬4) فحل بذكر خصي ولا ¬

_ (¬1) (الثاني: أي: من شروط القصاص في الطرف. (¬2) عبارة قاله أبو بكر ليست في "م" ولا في "ط". (¬3) (الثالث) أي: من شروط القصاص في الطرف. (¬4) عبارة: (صحيح بأشل، ولا ذكر) سقطت من "ط".

فصل

عنين، ويحتمل أن يؤخذ بهما، إِلا مارن الأشم الصحيح يؤخذ بمارن الأخشم والمخزوم والمستحشف، وأذن السميع بأذن الأصم الشلاء في أحد الوجهين، ويؤخذ المعيب من ذلك كله بالصحيح وبمثله إِذا أمن من قطع الشلاء التلف، ولا يجب له مع القصاص أَرْش في أحد الوجهين، وفي الآخر له دية الأصابع الناقصة، ولا شيء له من أجل الشلل، واختار أبو الخطاب أن له أَرْشه. وإِن اختلفا في شلل العضو وصحته فأيهما يقبل قوله؟ ففيه وجهان. فصل وإِن قطع: بعض لسانه، أو مارنه، أو شفته، أو حشفته، أو أذنه، أخذ بمثله، يقدر بالأجزاء كالنصف والثلث والربع، وإِن كسر بعض سنه برد من سن الجاني مثله إِذا أمن قلعها، ولا يقتص من السن حتى ييأس من عودها، فإِن اختلفا في ذلك رجع إِلى قول أهل الخبرة، فإِن مات قبل اليأس من عودها فعليه ديتها ولا قصاص فيها، وإِن اقتص من سن فعادت غرم سن الجاني، ثم إِن عادت سن الجاني رُدَّ ما أخذ، وإِن عادت سن المجني عليه قصيرة أو معيبة فعلى الجاني أرش نقصها. فصل النوع الثاني (¬1) الجروح فيجب القصاص في كل جرح ينتهي إِلى عظم: كالمُوَضَّحَةِ، وجرح العضد والفخذ والساق والقدم، ولا يجب في غير ذلك من الشجاج والجروح كما دون المُوَضَّحِةِ (¬2) إِلا أن يكون أعظم من ¬

_ (¬1) (النوع الثاني) أي: مما يوجب القصاص فيما دون النفس. (¬2) عبارة كما دون الموضحة ليست في "ط".

فصل

المُوَضَّحَة، كالهاشِمَةِ، والمُنَقِّلَةِ، والمَأْمُومَةِ، فله أن يقتص مُوَضِّحَةً، ولا شيء له على قول أبي بكر، وقال ابن حامد: له ما بين دية موضحة ودية تلك الشَّجَّةِ: فيأخذ في الهَاشِمَةِ خمساً من الإِبل وفي المنقلةِ عشراً. ويعتبر قدر الجرح بالمساحة: فلو أَوْضَحَ إِنساناً في بعض رَأْسِهِ مقدار ذلك البعض جميع رأس الشاج وزيادة كان له أن يوضحه في جميع رأسه، وفي الأرش للزائد وجهان. فصل وإِن اشترك الجماعة في قطع طرف، أو جرح موجب للقصاص وتساوت أفعالهم بمثل أن يضعوا الحديدة على يده ويتحاملوا عليها جميعاً حتى تبين فعلى جميعهم القصاص في إِحدى الروايتين، وإِن تفرقت أفعالهم أو قطع كل إِنسان من جانب فلا قصاص رِواية واحدة. وسراية الجناية مضمونة بالقصاص أو الدية: فلو قطع إِصبعاً فتأكلت أخرى إِلى جانبها وسقطت من مفصل، أو تأكلت اليد وسقطت من الكوع وجب القصاص في ذلك، وإِن شل ففيه ديته دون القصاص. وسراية القود غير مضمونة فلو قطع اليد قصاصاً فسرى إِلى النفس فلا شيء على القاطع. ولا يقتص من الطرف إِلا بعد برئه، فإِن اقتص قبل ذلك بطل حقه من سراية جرحه، فلو سرى إِلى نفسه كان هدراً، وإِن سرى القصاص إِلى نفس الجاني كان هدراً أيضاً. * * *

كتاب الديات

كتاب الدِّيِّات كل من أتلف إِنساناً أو جزءاً منه بمباشرة أو سبب فعليه ديته، فإِن كان عمداً محضاً فهي في مال الجاني حالّة، وإِن كان شبه عمد أو خطأ أو ما أُجْرِي مجراه فعلى عاقلته. ولو ألقى على إِنسان أفعى، أو القاه عليها فقتلته، أو طلب إِنساناً بسيف مجرد فهرب فوقع في شيء تلف به، بصيراً كان أو ضريراً، أو حفر بئراً في فنائه أو وضع حجراً أو صب ماءً في طريق، أوْ بالت فيها دابته ويده عليها، أو رمى قشر بطيخ فيها فتلف به إِنسان وجبت عليه ديته، وإِن حفر بئراً ووضع آخر حجراً فعثر به إِنسان فوقع في البئر فالضمان على واضع الحجر. وإِن غصب صغيراً فنهشته حية أو أصابته صَاعِقَةٌ ففيه الدية وإِن مات بمرض فعلى وجهين. وِإن اصطدم نفسان فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر، وإِن كانا راكبين فماتت الدابتان فعلى كل واحد منهما قيمة دابة الآخر، وإِن كان أحدهما يسير والآخر واقفاً فعلى السائر ضمان الواقف ودابته، إِلا أن يكون في طريق ضيق (¬1) قاعداً أو واقفاً فلا ضمان فيه، وعليه ضمان ما تلف به. وإن أركب صبيين لا ولاية له عليهما فاصطدما فماتا فعلى عاقلته ديتهما. ¬

_ (¬1) كلمة "ضيق" سقطت من "م".

وإِن رمى ثلاثة بمنجنيق فقتل الحجر إِنساناً فعلى عاقلة كل واحد منهم ثلث ديته، وإِن قتل أحدهم ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: يلغى فعل نفسه وعلى عاقلة صاحبيه ثلثا الدية. والثاني: عليهما كمال الدية. والثالث: على عاقلته ثلث الدية لورثته وثلثاها على عاقلة الآخرين، وإِن كانوا أكثر من ثلاثة فالدية حالّة في أموالهم. وإِن جنى إِنسان على نفسه أو طرفه خطأ فلا دية له، وعنه على عاقلته ديته لورثته، ودية طرفه لنفسه. وإِن نزل رجل بئراً فخر عليه آخر فمات الأول من سقطته فعلى عاقلته ديته، وإِن سقط ثالث فمات الثاني به فعلى عاقلته ديته، وإِن مات الأول من سقطتهما فديته على عاقلتهما، وإِن كان الأول جذب الثاني، وجذب الثاني الثالث، فلا شيء على الثالث، وديته على الثاني في أحد الوجهين، وفي الثاني على الأول والثاني نصفين، ودية الثاني على الأول، وإِن كان الأول هلك من وقعة الثالث احتمل أن يكون ضمانه على الثاني، واحتمل أن يكون نصفها على الثاني، وفي نصفها الآخر وجهان. وإِن خر رجل في زبية أسد فجذب آخر، وجذب الثاني ثالثاً، وجذب الثالث رابعاً فقتلهم الأسد، فالقياس: أن دم الأول هدر وعلى عاقلته دية الثاني، وعلى عاقلة الثاني دية الثالث، وعلى عاقلة الثالث دية الرابع. وفيه وجه آخر: أن دية الثالث على عاقلة الأول، والثاني نصفين، ودية الرابع على عاقلة الثلاثة أثلاثاً، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قضى للأول بربع الدية، وللثاني بثلثها، وللثالث بنصفها، وللرابع بكمالها على من حضرهم، ثم رفع إِلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأجاز قضاءه، فذهب أحمد إِليه توقيفاً.

باب مقادير ديات النفس

ومن اضطر إِلى طعام إِنسان أو شرابه وليس به مثل ضرورته فمنعه حتى مات ضمنه، نص عليه، وخرج عليه أبو الخطاب: كل من أمكنه إِنجاء إِنسان من هلكة فلم يفعل وليس ذلك مِثْلُهُ. ومن أفزع إِنساناً فأحدث بغائط فعليه ثلث ديته وعنه لا شيء عليه. فصل ومن أدب ولده أو امرأته في النشوز، أو المعلم صَبِيَّهُ، أو السلطان رعيته ولم يسرف، فأفضى إِلى تلفه لم يضمنه، ويتخرج وجوب الضمان على ما قاله فيما إِذا أرسل السلطان إِلى امرأة ليحضرها فأجهضت جنينها، أو ماتت، فعلى عاقلته الدية. وإِن سلم ولده إِلى السابح ليعلمه فغرق لم يضمنه، [ويحتمل أن تضمنه العاقلة، وإِن أمر كبيرٌ (¬1) عاقلاً ينزل بئراً أو يصعد شجرة فهلك لم يضمنه (¬2)] إِلا أن يكون الآمر السلطان فهل يضمنه؟ على وجهين، وإِن وضع جرة على سطح فرمتها الريح على إِنسان فتلف لم يضمنه. باب مقادير دِيَّات النَّفْس دية الحر المسلم: مائة من الإِبل، أو مائتا بقرة، أو ألفا شاة، أو ألف مثقال مِنَ الذهب (¬3) أو اثنا عشر ألف درهم. فهذه الخمسُ أصولٌ في الدية، إِذا أحضر مَنْ عليه الدية شيئاً منها لزمه قبوله. وفي الحلل روايتان: ¬

_ (¬1) كلمة (كبير) زيادة من "م". (¬2) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش" وبخط مغاير. (¬3) عبارة (من الذهب) ليست في "م" ولا في "ط".

فصل

إِحداهما ليست أصلاً في الدية. وفي الأخرى أنها أصل، وقدرها مائتا حلة من حلل اليمن كل حلة بردان. وعنه أن الإِبل هي الأصل خاصة وهذه أبدال عنها، فإِن قدر على الإِبل وإِلا انتقل إِليها، فإِن كان القتل عمداً أو شبه عمد وجبت أرباعاً: خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، وعنه أنها: ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة في بطونها أولادها. وهل يعتبر كونها ثنايا؟ على وجهين، وإِن كان خطأ وجبت أخماساً: عشرون بنت مخاض، وعشرون ابن مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة. ويؤخذ في البقر النصف مسنات، والنصف أتبعة، وفي الغنم النصف ثنايا، والنصف أجذعة ولا تعتبر القيمة في شيء من ذلك أن يكون سليماً من العيوب، وقال أبو الخطاب: يعتبر أن يكون قيمة كل بعير مائة وعشرين درهماً، فظاهر هذا أنه يعتبر في الأصول كلها أن تبلغ دية من الأثمان والأول أولى. ويُؤخذ من الحلل المتعارف: فإِن تنازعا فيها جعلت قيمة كل واحدة ستين درهماً. فصل ودية المرأة نصف دية الرجل ويساوي جراحها جراحه إِلى ثلث الدية، فإِذا زادت صارت على النصف، ودية الخنثى المشكل نصف دية ذكر ونصف دية أنثى، وكذلك أرْش جراحه.

فصل

فصل ودية الكتابي نصف دية المسلم، وعنه ثلث ديته، وكذلك جراحهم ونساؤهم على النصف من دياتهم، ودية المجوسي والوثني ثمانمائة درهم، ومن لم تبلغه الدعوة فلا ضمان فيه، وعند أبي الخطاب: إِن كان ذا دين ففيه دية أهل دينه وإِلا فلا شيء فيه. فصل ودية العبد والأمة قيمتهما بالغة ما بلغت، وعنه لا يبلغ بها دية الحر، وفي جراحه إِن لم يكن مقدراً من الحر ما نقصه، وإِن كان مقدراً في الحر فهو مقدر في العبد من قيمته: ففي يده نصف قيمته، وفي موضحته نصف عشر قيمته سواء (¬1) نقصته الجناية أقل من ذلك أو أكثر، وعنه أنه يضمن بما نقص، اختاره الخلال، ومن نصفه حر ففيه نصف دية حر ونصف قيمته، وهكذا في جراحه، وإِذا قطع خصيتي عبد أو أنفه أو أذنيه لزمته قيمته للسيد ولم يزل ملكه عنه، وإِن قطع ذكره ثم خصاه لزمته قيمته لقطع الذكر، وقيمة مقطوع الذكر، وملك سيده باق عليه. فصل ودية الجنين الحر المسلم إِذا سقط ميتاً غرة عبد أو أمة قيمتها خمس من الإِبل موروثة عنه كأنه سقط حياً، ذكراً كان أو أنثى. ولا يقبل في الغرة خنثى ولا معيب ولا من له دون سبع سنين، وإِن كان الجنين مملوكاً ففيه ¬

_ (¬1) كلمة "سواء" زيادة من "م".

فصل

عشر قيمة أمه ذكراً كان أو أنثى، وإِن ضرب بطن أمة فعتقت ثم أسقطت الجنين ففيه غرة، وإِن كان الجنين محكوماً بكفره ففيه عشر دية أُمِّهِ، وإِن كان أحد أبويه كتابياً والآخر مجوسياً اعتبر أكثرهما دية، وإِن سقط الجنين حياً ثم مات ففيه دية حر إِن كان حراً أو قيمته إِن كان مملوكاً إِذا كان سقوطه لوقت يعيش في مثله، وهو أن تضعه لستة أشهر فصاعداً، وإِلا فحكمه حكم الميت، وإِن اختلفا في حياته ولا بينة ففي أيهما يقدم قوله؟ وجهان. فصل وذكر أصحابنا أن القتل تغلظ ديته: بالحَرَمِ، والإِحرَامِ، والأشهر الحُرُمُ، والرَّحِمِ المُحَرَّمِ، فيزاد لكل واحد ثلث الدية، فإِذا اجتمع الحرمات الأربع وجب ديتان وثلث. وظاهر كلام الخرقي أنها لا تغلظ بذلك وهو ظاهر الآية والأخبار، وإِن قتل المسلم كافراً عمداً أضعفت الدية لإِزالة القود كما حكم عثمان بن عفان رضي الله عنه. فصل وإِذا جنى العبد خطأ فسيده بالخيار بين فدائه بالأقل من قيمته، أو أَرْش جنايته، أو تسليمه ليباع في الجناية، وعنه إِن أبى تسليمه فعليه فداؤه بأَرْش الجناية كله، فإِن سلمه وأبى ولي الجناية قبوله وقال بعه أنت فهل يلزمه ذلك؟ على روايتين. وإِن جنى عمداً فعفا الولي عن القصاص على رقبته فهل يملكه بغير رضا السيد؟ على روايتين. وإِن جنى على اثنين خطأ اشتركا فيه بالحصص، فإِن عفا أحدهما أو مات المجني عليه فعفا بعض ورثته فهل يتعلق حق الباقين بجميع العبد أو بحصتهم منه؟ على وجهين. وإِن جرح حراً فعفا عنه ثم مات من الجراحة ولا مال له، وقيمة العبد

باب ديات الأعضاء ومنافعها

عشر ديته واختار السيد فداءه وقلنا يفديه بقيمته، صح العفو في ثلثه، وإِن قلنا يفديه بالدية، صح العفو في خمسة أسداسه وللورثة سدسه، لأن العفو صح في شيء من قيمته وله بزيادة الفداء تسعة أشياء، بقي للورثة ألف إِلا عشرة أشياء تعدل شيئين، اجبرْ وقابلْ يخرج الشيء نصف سدس الدية، وللورثة شيئان فتعدل السدس والله أعلم (¬1). باب دِيات الأعضاء ومنافعها ومن أتلف ما في الإِنسان منه شيء واحد ففيه الدَّيَةُ، وهو: الذكر، والأنف، واللسان الناطق، ولسان الصبي الذي يحركه بالبكاء. وما فيه منه شيئان ففيهما الدية وفي أحدهما نصفها: كالعينين، والأذنيني، والشفتين، واللحيين، وثديي المرأة، وثندوتي الرجل، واليدين، والرجلين، والإِليتين، والأنثيين، وأسكتي المرأة. وعنه في الشفة السفلى ثلثا الدية وفي العليا ثلثها، وفي المنخرين ثلثا الدية وفي الحاجز ثلثها، وعنه في المنخرين الدية وفي الحاجز حكومة، وفي الأجفان الأربعة الدية، وفي كل واحد ربعها، وفي أصابع اليدين الدية، وفي أصابع الرجلين الدية، وفي كل أصبع عشرها، وفي كل أنملة ثلث عقلها إِلا الإِبهام فإِنها مفصلان ففي كل مفصل نصف عقلها، وفي الظفر خمس دية الإِصبع، وفي كل سن خمس من الإِبل إِذا قلعت ممن قد ثغر، والأضراس والأنياب كالأسنان، ويحتمل أن يجب في جميعها دية واحدة. ¬

_ (¬1) عبارة: والله أعلم ليست في "ط".

وتجب دية اليد والرجل في قطعهما من الكوع والكعب، فإِن قطعهما من فوق ذلك لم يزد على الدية في ظاهر كلامه، وقال القاضي: في الزائد حكومة. وفي مارن الأنف، وحشفة الذكر، وحلمتي الثديين، وكسر ظاهر السن، دية العضو كاملة، ويحتمل أن يلزم من استوعب الأنف جدعاً دية وحكومة في القصبة، وفي قطع بعض المارن، والأذن، والحلمة واللسان، والشفة، والحشفة، والأنملة، والسن، وشق الحشفة طولاً، بالحساب من ديته يُقَدَّرُ بالأجزاء. وفي شلل العضو، أو ذهاب نفعه، والجناية على الشفتين بحيث لا ينطبقان على الأسنان، وتسويد السن والظفر بحيث لا يزول ديته، وعنه في تسويد السن ثلث ديتهاو وقال أبو بكر: فيها حكومة. وفي العضو الأشل: من اليد والرجل: والذكر، والثدي، ولسان الأخرس، والعين القائمة، وشحمة الأذن، وذكر الخصي، والعنين، والسن السوداء، والثدي دون حلمته، والذكر دون حشفته، وقصبة الأنف، واليد، والأصبع الزائدتين حكومة، وعنه ثلث ديته، وعنه في ذكر الخصي والعنين كمال ديته، فلو قطع الأنثيين والذكر معاً، أو الذكر ثم الأنثيين لزمه ديتان، ولو قطع الأنثيين ثم قطع الذكر وجبت دية الأنثيين، وفي الذكر روايتان: إِحداهما: دية. والأخرى حكومة أو ثلث الدية. وإِن أشَلَّ الأنف أو الأذن أو عوجهما ففيه حكومة، وفي قطع الأشل منهما كمال ديته. وتجب الدية في أنف الأخشم والمخزوم وأذني الأصم، وإِن قطع أنفه

فصل في دية المنافع

فذهب شمه، أو أذنيه فذهب سمعه، وجبت ديتان. وسائر الأعضاء إِذا أذهبها بنفعها لم تجب إِلا دية واحدة. فصل في دية المنافع وفي كل حاسة دية كاملة، وهي: السمع، والبصر، والشم، والذوق. وكذلك تجب في الكلام والعقل، والمشي، والأكل والنكاح، وتجب في الحدب والصَّعَر وهو أن يضربه فيصير الوجه في جانب، وفي تسويد الوجه إِذا لم يزل، وإِذا لم يستمسك الغائط أو البول، ففي كل واحد من ذلك دية كاملة. وفي نقص شيء من ذلك إِن علم بقدره: مثل نقص العقل بأن يجن يوماً ويفيق يوماً، أو ذهاب بصر إِحدى العينين، أو سمع إِحدى الأذنين. وفي بعض الكلام بالحساب: يقسم على ثمانية وعشرين حرفاً، ويحتمل أن يقسم على الحروف التي للسان فيها عمل دون الشفوية: كالباء، والفاء، والميم. وإِن لم يعلم قدره مثل أن صار مدهوشاً، أو نقص سمعه، أو بصره، أو شمه، أو حصل تمتمة أو عجلة، أو نقص مشيه، أو انحنى قليلاً، أو تقلست شفته بعض التقليس، أو تحركت سنه، أو ذهب اللبن من ثدي المرأة، ونحو ذلك، ففيه حكومة. وإِن قطع بعض اللسان فذهب بعض الكلام، اعتبر أكثرهما: فلو ذهب ربع اللسان ونصف الكلام، أو ربع الكلام ونصف اللسان، وجب نصف الدية، فإِن قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام، ثم قطع آخر بقيته فعلى الأول نصف الدية وعلى الثاني نصفها، ويحتمل أن يجب عليه نصف الدية وحكومة لربع اللسان، وإِن قطع لسانه فذهب نطقه وذوقه لم يجب إِلا دية، وإِن ذهبا مع بقاء اللسان ففيه ديتان.

فصل

وإِن كسر صلبه فذهب مشيه ونكاحه ففيه ديتان، ويحتمل أن تجب دية واحدة. وإِن اختلفا في نقص بصره أو سمعه فالقول قول المجني عليه، وإِذا اختلفا في ذهاب بصره أُرِيَ أهلَ الخبرة وقُرِّبَ الشيء إِلى عينه في وقت غفلته. وإِن اختلفا في ذهاب سمعه أو شمه أو ذوقه: صيح به في أوقات غفلته، وتتبع بالرائحة المنتنة، وأطعم الأشياء المرة، فإِن فزع مما يدنو من بصره، أو انزعج للصوت، أو عبس للرائحة أو الطعم المر، سقطت دعواه، وإِلا فالقول قوله مع يمينه. فصل ولا تجب دية الجُرح حتى يندمل، ولا تجب دية سن ولا ظفر ولا منفعة حتى يُيْئَسَ من عودها، ولو قُلِع سِنٌ كبير أو ظفرٌ ثم نبت، أو رده فالتحم، أو ذهب سمعه أو بصره أو شمه أو ذوقه أو عقله ثم عاد سقطت ديته، وإِن كان قد أخذها ردها، وإِن عاد ناقصاً أو عادت السن أو الظفر قصيراً أو متغيراً فعليه أَرْشُ نقصه، [وعنه في قلع الظفر إِذا نبت على صفته خمسة دنانير، وإِن نبت أسود ففيه عشرة] (¬1) [وإِن قلع سن صغير ويئس من عودها وجبت ديتها، وقال القاضي فيها حكومة]. (¬2) وإِن مات المجني عليه فادعى الجاني عود ما أذهبه فأنكره الولي، فالقول قول الولي. وإِن جنى على سنه اثنان واختلفا فالقول قول المجني عليه في قدر ما أتلف كل واحد منهما. ¬

_ (¬1) و (¬2) كذا في "م" و"ط"، وفي "ش": جاء ما وضع بين الرقمين: (1 - 1) بعد ما وضع بين الرقمين (2 - 2) ولا خلاف في المعنى أو الحكم لذلك أبقيناه مع الإِشارة إِليه.

فصل

فصل وفي كل واحد من الشعور الأربعة الدية. وهي: شعر الرأس. واللحية. والحاجبين. وأهداب العينين. وفي كل حاجب نصفها، وفي كل هدب ربعها. وفي بعض ذلك بقسطه من الدية، وإِنما تجب ديته إِذا أزاله على وجه لا يعود فإِن عاد سقطت الدية. وإِن أبقى من لحيته ما لا جمال فيه: احتمل أن يلزمه بقسطه، واحتمل أن يلزمه كمال الدية. وإِن قلع الجفن بهدبه لم تجب إِلا دية الجفن. وإِن قلع اللحيين بما عليهما من الأسنان فعليه ديتهما ودية الأسنان. وإِن قطع كفاً بأصابعه لم يجب إِلا دية الأصابع، وإِن قطع كفاً عليه بعض الأصابعِ دَخَلَ ما حاذى الأصابع في ديتها، وعليه أَرْشُ باقي الكف، وإِن قطع أَنْمُلةٍ بظفرها فليس عليه إِلا ديتها. فصل وفي عين الأعور دية كاملة، نص عليه، وإِن قلع الأعور عين صحيح [مماثلة لعينه الصحيحة (¬1)] عمداً فعليه دية كاملة ولا قصاص، ويحتمل ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش".

باب الشجاج وكسر العظام

أن تُقْلَعَ عينه ويعطى نصف الدية، وإِن قلعها خطأ فعليه نصف الدية، وإِن قلع عيني صحيح عمداً خُيِّر بين قلع عينه ولا شيء له غيرها، وبين الدية. وفي يد الأقطع نصف الدية وكذلك في رجله، وعنه فيها دية كاملة. باب الشجاج وكسر العظام الشجة اسم لجرح الرأس والوجه خاصة وهي عشر: خمس لا مقدر فيها: - أولها الحارصة التي تحرص الجلد أي تشقه قليلاً ولا تدميه. ثم البازلة: التي يسيل منها الدم. ثم الباضعة: التي تبضع اللحم. ثم المتلاحمة التي أخذت في اللحم. ثم السمحاق التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة. فهذه الخمس فيها حكومة في ظاهر المذهب، وعنه في البازلة بعير، وفي الباضعة بعيران، وفي المتلاحمة ثلاثة، وفي السمحاق أربعة. فصل وخمس فيها مقدر: أولها المُوَضِحَةُ التي توضح العظم أي: تبرزه ففيها خمسة أبعرة، وعنه في موضحة الوجه عشرة، والأول المذهب، فإِن عمت الرأس ونزلت إِلى الوجه، فهل هي موضحة أو موضحتان؟ على وجهين. وإِن أوضحه مُوضِحَتَيْن بينهما حاجز فعليه عشرة، فإِن خُرق ما بينهما

فصل

أو ذهب بالسراية صارا موضحة واحدة، وإِن خرقه المجني عليه أو أجنبي فهي ثَلاثُ مَوَاضِح، وإِن اختلفا فيمن خرقه فالقول قول المجني عليه، ومثله لو قطع ثلاث أصابع امرأة فعليه ثلاثون من الإِبل، فإِن قطع الرابعة عاد إِلى عشرين، فإِن اختلفا في قاطعها فالقول قول المجني عليه. وإِن خرق ما بين الموضحتين في الباطن فهل هي موضحة أو موضحتان؟ على وجهين. وإِن شج جميع رأسه سمحاقاً إِلا موضعاً منه أوضحه فعليه أرْش موضحة. ثم الهاشمة وهي التي توضح العظم وتهشمه ففيها عشر من الإِبل، فإِن ضربه بمثقل فهشمه من غير أن يوضحه ففيه حكومة، وقيل يلزمه خمس من الإِبل. ثم المنقلة وهي التي توضح العظم وتهشم وتُنْقل عظامها، ففيها خمس عشرة من الإِبل. ثم المأمومة وهي التي تصل إِلى جلدة الدماغ وتسمى أم الدماغ، وتسمى المأمومة آمة، ففيها ثلث الدية. ثم الدامغة وهي التي تخرق الجلدة ففيها ما في المأمومة. فصل وفي الجَائِفَةِ ثلث الدية، وهي التي تصل إِلى باطن الجوف من بطن أو ظهر أو صدر أو نحر، فإِن خرقه من جانب فخرج من جانب آخر فهي جائفتان، وإِن طعنه في خده فوصل إِلى فمه ففيه حكومة، ويحتمل أن تكون جائفة، فإِن جرحه في وركه فوصِل الجُرْحُ إلى جوفه أو أوضحه فوصل الجرح إِلى قفاه، فعليه دية جَائِفةٍ ومُوضَحَةٍ وحكومة لجرح القفاء

فصل

والورك، وإِن أجافه ووسع آخر الجرح فهي جائفتان. وإِن وسَّع ظاهره دون باطنه، أو باطنه دون ظاهره فعليه حكومة، وإِن التحمت الجائفة ففتحها آخر فهي جائفة أخرى. فصل وفي الضَّلْع بعير، وفي التَّرقُوتَيْن بعيران، وفي كل واحد من الذراع والزند والفخذ والعضد والساق بعيران، وما عدا ما ذكرنا من الجروح وكسر العظام مثل: خرزة الصلب، والعصعص، ففيه حكومة. والحكومة إِن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به ثم يقوم وهي به قد برأت فما نقص من القيمة فله مثله من الدية، فإِن كان قيمته وهو صحيح عشرين، وقيمته وبه الجناية تسعة عشر، ففيه نصف عشر ديته، إِلا أن تكون الحكومة في شيء فيه مقدر، فلا يبلغ به أرش المقدر، فإِذا كانت في الشجاج التي دون المُوضِّحةِ لم يبلغ بها أرْش المُوضِّحَةِ، وإِن كانت في أُصْبُع لم يبلغ بها دية الأُصْبُعِ، وإِن كانت في أنملة لم يبلغ بها ديتها، وإِن كانت مما لا تنقص شيئاً بعد الاندمال قومت حال جريان الدم: فإِن لم تنقص شيئاً بحال أو زادته حسناً فلا شيء فيها. والله أعلم. باب العاقلة وما تحمله عاقلة الإِنسان عَصَبَاتُهُ كلهم قريبهم وبعيدهم من النسب والولاء، إِلا عمودي النسبة: آباؤه وأبناؤه. وعنه أنهم من العاقلة أيضاً. وليس على فقير، ولا صبي، ولا زائل العقل، ولا امرأة، ولا خنثى مشكل، ولا رقيق، ولا مخالف لدين الجاني حمل شيء، وعنه أن الفقير يحمل من العقل، ويحمل الغائب كما يحمل الحاضر.

فصل

وخطأ الإمام والحاكم في أحكامه في بيت المال، وعنه على عاقلته. وهل يتعاقل أهل الذمة؟ على روايتين. ولا يعقل ذمي عن حربي، ولا حربي عن ذمي. ومن لا عاقلة له أو لم تكن له عاقلة تحمل الجميع: فالدية أو باقيها عليه إِن كان ذمياً، وإِن كان مسلماً أخذ من بيت المال فإِن لم يمكن فلا شيء على القاتل، ويحتمل أن تجب في مال القاتل وهو أولى، كما قالوا في المرتد يجب أرْش خطئه في ماله، ولو رمى وهو مسلم فلم يصب السهم حتى ارتد كان عليه في ماله ولو رمى الكافر سهماً ثم أسلم، ثم قتل السهم إِنساناً فديته في ماله، ولو جنى ابن المعتقة ثم انجر ولاؤه، ثم سرت جنايته، فأرْش الجناية في ماله لتعذر حمل العاقلة فكذا هذا. فصل ولا تحمل العاقلة: عمداً، ولا عبداً، ولا صلحاً، ولا اعترافاً، ولا ما دون ثلث الدية، ويكون ذلك في مال الجاني حَالاً، إِلَّا غرة الجنين إِذا مات مع أمه فإِن العاقلة تحملها مع دية أمه وإِن ماتا منفردين لم تحملها العاقلة لنقصها عن الثلث، وتحمل جناية الخطأ على الحر إِذا بلغت الثلث، قال أبو بكر: ولا تحمل شبه العبد ويكون في مال القاتل في ثلاث سنين، وقال الخرقي تحمله العاقلة. وما يحمله كل واحد من العاقلة غير مقدر لكن يرجع فيه إِلى اجتهاد الحاكم: فيحمل كل إِنسان منهم ما يسهل ولا يشق، وقال أبو بكر: يجعل على الموسر نصف دينار، وعلى المتوسط ربعاً، وهل يتكرر ذلك في الأحوال الثلاثة أو لا؟ على وجهين. ويبدأ بالأقرب فالأقرب فمتى اتسعت أموال الأقربين لها لم

فصل

يتجاوزهم، وإِلا انتقل إِلى من يليهم فإِن تساوى جماعة في القرب وزع القدر الذي يلزمهم بينهم. فصل وما تحمله العاقلة يجب مؤجلاً في ثلاث سنين: في كل سنة ثلثه إِن كان دية كاملة، وإِن كان الواجب ثلث الدية كأرْش الجائفة وجب في رأس الحول، [وإِن كان نصفها كدية اليد، وجب في رأس الحول (¬1)] الأول الثلث، وباقيه في رأس الحول الثاني، وإِن كان دية امرأة أو كتابي فكذلك، ويحتمل أن يقسم في ثلاث سنين، وإِن كان أكثر من دية: كما لو جنى عليه فأذهب سمعه وبصره، لم يزد في كل حول على الثلث. وابتداء الحول في الجرح من حين الاندمال، وفي القتل من حين الموت، وقال القاضي: إِن لم يسر الجرح إِلى شيء فحوله من حين القطع. ومن مات من العاقلة قبل الحول أو افتقر سقط ما عليه، وإِن مات بعد الحول لم يسقط ما عليه. وعَمْدُ الصبي والمجنون خطأ تحمله العاقلة، وعنه في الصبي العاقل أن عمده في ماله. باب كَفَّارة القتل من قتل نفساً مُحَرَّمَةً خطأ، أو ما أُجري مجراه أو شارك فيها، أو ضرب بطن امرأة فألقت جنيناً ميتاً أو حياً ثم مات، فعليه الكفارة مسلماً كان المقتول أو كافراً، حراً أو عبداً، وسواء كان القاتل كبيراً عاقلاً أو صبياً أو مجنوناً حراً أو عبداً. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش".

باب القسامة

ويكفر العبد بالصيام وعنه أن على المشتركين كفارة واحدة. وأما القتل المباح كالقصاص والحد وقتل الباغي والصائل فلا كفارة فيه، وفي قتل العمد روايتان: - إِحداهما لا كفارة فيه اختارها أبو بكر والقاضي. - والأخرى فيه الكفارة. باب القسامة وهي الأيمان المكررة في دعوى القتل. ولا تثبت إِلا بشروط أربعة: أحدها: دعوى القتل، ذكراً كان المقتول أو أنثى، حراً أو عبداً، مسلماً أو ذمياً، فأما الجراح فلا قسامة فيه. الثاني: اللوث: وهو العداوة الظاهرة كنحو ما كان بين الأنصار وأهل خيبر، وكما بين القبائل التي يطلب بعضها بعضاً بثأر في ظاهر المذهب، وعنه ما يدل على أنه ما يغلب على الظن صحة الدعوى: كتفرق جماعة عن قتيل، ووجود قتيل عند من معه سيف ملطخ بدم، وشهادة جماعة ممن لا يثبت القتل بشهادتهم: كالنساء والصبيان ونحو ذلك، فأما قول القتيل فلان قتلني فليس بلوث. ومتى ادعي القتل مع عدم اللوث عمداً فقال الخرقي لا يحكم له بيمين ولا غيرها، وعن أحمد رضي الله عنه أنه يحلف يميناً واحدة وهي الأولى، وإِن كان خطأ حلف يميناً واحدة. الثالث: اتفاق الأولياء في الدعوى، فإِن ادعى بعضهم وأنكر بعض لم تثبت القسامة. الرابع: أن يكون في المدعين رجال عقلاء. ولا مدخل للنساء والصبيان والمجانين في القسامة عمداً كان القتل أو خطأً. فإِن كانا اثنين أحدهما غائب أو غير مكلف فللحاضر المكلف أن يحلف ويستحق نصيبه

فصل

من الدية وهل يحلف خمسين أو خمساً وعشرين؟ على وجهين. وإِذا قدم الغائب أو بلغ الصبي حلف خمساً وعشرين وله بقيتها. [والأولى عندي أنه لا يستحق شيئاً حتى يحلف الآخر (¬1)]، وذكر الخرقي من شروط القسامة أن تكون الدعوى عمداً توجب القصاص إِذا ثبت القتل، وأن تكون الدعوى على واحد، وقال غيره ليس بشرط، لكن إِن كانت الدعوى عمداً محضاً لم يقسموا إِلا على واحد معين، ويستحقون دمه، وإِن كانت خطأ أو شبه عمد فلهم القسامة على جماعة معينين ويستحقون الدية. فصل ويبدأ في القسامة بأيمان المدعين فيحلفون خمسين يميناً، ويختص ذلك بالوُرّاث، وتقسم الأيمان بين الرجال منهم على قدر ميراثهم، فإِن كان الوارث واحداً حلفها، وإِن كانوا جماعة قسمت عليهم على قدر ميراثهم، فإِن كان فيها كسر جُبِر عليهم مثل زوج وابن يحلف الزوج ثلاثة عشر يميناً والابن [ثمانية وثلاثين. وإِن خلف ثلاثة بنين حلف كل واحد سبع عشرة يميناً (¬2)]، وعنه يحلف من العصبة الوارث منهم وغير الوارث خمسون رجلاً كل واحد يميناً، وإِن لم يحلفوا حلف المُدَّعى عليه خمسين يميناً وبرئ. وإِن لم يحلف المُدَّعون ولم يرضوا بيمين المُدعى عليه فداه الإِمام من بيت المال، وإِن طلبوا أيمانهم فنكلوا لم يحبسوا وهل تلزمهم الدية أو تكون في بيت المال؟ على روايتين. * * * ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين زيادة من "ط". (¬2) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش".

كتاب الحدود

كتاب الحدود لا يجب الحد إِلا على بالغ عاقل عالم بالتحريم، ولا يجوز أن يقيم الحد إِلا الإِمام أو نائبه، إِلا السيد فإن له إِقامة الحد بالجلد خاصة على رقيقه القن. وهل له القتل في الرِّدة والقطع في السَّرقة؟ على روايتين. ولا يملك إِقامته على: مكاتبه، ولا على من بعضه حر، ولا أمته المزوجة، فإِن كان السيد فاسقاً أو امرأة، فله إِقامته في ظاهر كلامه، ويحتمل أن لا يملكه ولا يملكه المكاتب، ويحتمل أن يملكه، وسواء ثبت ببينة أو إِقرار، وإِن ثبت بعلمه فله إِقامته نص عليه، ويحتمل أن لا يملكه كالإِمام. ولا يقيم الإمام الحد بعلمه ولا يقيم الحدود في المساجد. ويضرب الرجل في الحد قائماً بسوط لا جديد ولا خلق، ولا يمد، ولا يربط، ولا يجرد، بل يكون عليه القميص والقميصان ولا يبالغ في ضربه بحيث يشق الجلد، ويفرق الضرب على أعضائه إِلا الرأس والوجه والفرج وموضع المقتل، والمرأة كذلك، إِلا أنها تضرب جالسة، ويشد عليها ثيابها وتمسك يداها لئلا تنكشف. والجلد في الزنا أشد الجلد، ثم جلد القذف، ثم الشرب، ثم التعزير. وإِن رأى الإمام الضرب في حد الخمر بالجريد والنعال فله ذلك. وقال أصحابنا ولا يؤخر الحد للمرض؛ فإِن كان جُلِدَ، أو خشي عليه من السوط، أقيم بأطراف الثياب والعثكول، ويحتمل أن يؤخر في المرض المرجو زواله. وإِذا مات المحدود في الجلد فالحق قتله، وإِن زاد سوطاً

أو أكثر فتلف ضمنه، وهل يضمن جميعه أو نصف الدية؟ على وجهين. وإِذا كان الحد رجماً لم يحفر له رجلاً كان أو امرأةً في أحد الوجهين، وفي الآخر: إِن ثبت على المرأة بإِقرارها لم يحفر لها (¬1)، وإِن ثبت ببينة حفر لها إِلى الصدر، ويستحب أن يبدأ الشهود بالرجم، وإِن ثبت بالإِقرار استحب أن يبدأ الإِمام، ومتى رجع المقر بالحد عن إِقراره قبل منه، وإِن رجع في أثناء الحد لم يتمم، وإِن رجم ببينة فهرب لم يترك، وإِن كان بإِقرار ترك. فصل وإِن اجتمعت حدود لله فيها قتل استوفى وسقط سائرها، وإِن لم يكن فيها قتل: فإِن كانت من جنس مثل أن زنى أو سرَقَ أو شرِب مراراً أجزأ حد واحد، وإِن كانت من أجناس استوفيت كلها. ويبدأ بالأخف فالأخف. وأما حقوق الآدميين فتستوفى كلها، سواء كان فيها قتل أو لم يكن، ويبدأ بغير القتل، وإِن اجتمعت مع حدود الله تعالى بدئ بها: فإِذا زنى وشرب وقذف وقطع يداً قطعت يده أولاً، ثم حد للقذف ثم للشرب ثم للزنى، ولا يستوفى حد حتى يبرأ من الذي قبله. فصل ومن قتل أو أتى حداً خارج الحرم ثم لجأ إِليه لم يستوف منه فيه، ولكن لا يبايع ولا يشارى حتى يخرج فيقام عليه، وإِن فعل ذلك في الحرم استوفى منه فيه، وإِن أتى حداً في الغزو لم يستوف منه في أرض العدو حتى يرجع إِلى دار الإسلام فيقام عليه. ¬

_ (¬1) عبارة: (يُخفر لها) سقطت من "م" والمثبت يوافق "ش" و"ط".

باب حد الزنا

باب حَدُّ الزِّنا إِذا زنى الحر المحصن فحده الرجم حتى يموت. وهل يجلد قبل الرجم؟ على روايتين. والمحصن من وطئ امرأته في قبلها في نكاح صحيح وهما بالغان عاقلان حران، فإِن اختل شرط من ذلك في أحدهما فلا إِحصان لواحدٍ منهما. ولا يثبت الإِحصان بالوطء بملك اليمين، ولا في نكاح فاسدٍ، ويثبت الإِحصان للذميين، وهل تحصن الذمية مسلماً؟ على روايتين. ولو كان لرجل ولد من امرأته فقال ما وطئتها لم يثبت إِحصانه. وإِن زنى الحر غير المحصن جلد مائة جلدة، وغرب عاماً إِلى مسافة القصر، وعنه أن المرأة تنفى إِلى دون مسافة القصر ويخرج معها محرمها، فإِن أراد أجرة بذلت من مالها، فإِن تعذر فمن بيت المال، فإن أبى الخروج معها استؤجرت امرأة ثقة، فإِن تعذر نفيت بغير محرم، ويحتمل أن يقسط النفي. وإِن كان الزاني رقيقاً فحده خمسون جلدة بكل حال. ولا يغرب، وإِن كان نصفه حراً فحده خمس وسبعون جلدة وتغريب نصف عام، ويحتمل ألا يغرب. وحد اللوطي كحد الزاني سواء، وعنه حده الرجم بكل حال. ومن أتى بهيمة فعليه حد اللوطي عند القاضي، واختار الخرقي وأبو بكر أنه يعزر وتقتل البهيمة، وكره أحمد رضي الله عنه أكل لحمها، وهل تحرم؟ على وجهين.

فصل

فصل ولا يجب الحد إِلا بشروط ثلاثة: أحدها: أن يطأ في الفرج سواء كان قبلاً أو دبراً، وأقل ذلك تغييب الحشفة في الفرج فإن وطئ دون الفرج، أو أتت المرأة المرأة فلا حد عليهما. فصل الثاني: انتفاء الشبهة: فإِن وطئ جارية ولده، أو جارية له فيها شرك، أو لولده، أو وجد امرأة على فراشه ظنها امرأته أو جاريته، أو دعا الضرير امرأته أو جاريته فأجابه غيرها فوطئها، أو وطئ في نكاح مختلف في صحته، أو وطئ امرأته في دبرها أو حيضها أو نفاسها، أو لم يعلم بالتحريم (¬1) لحداثة عهده بالإِسلام، أو نشوئه ببادية بعيدة، أو أكره على الزنا فلا حد فيه، وقال أصحابنا إِن أكره الرجل فزنى حُدَّ، وإِن وطئ ميتة أو ملك أمَّه أو أخته من الرضاع فوطئها فهل يحد أو يعزر؟ على وجهين. وإِن وطئ في نكاح مجمع على بطلانه: كنكاح المزوجة، والمعتدة، والخامسة وذوات المحارم من النسب والرضاع، أو استأجر امرأة للزنا أو لغيره وزنى بها، أو زنى بامرأة له عليها القصاص، أو بصغيرة، أو مجنونة، أو بامرأة ثم تزوجها، أو بأمة ثم اشتراها، أو أمكنت العاقلة من نفسها مجنوناً أو صغيراً فوطئها فعليهم الحد. ¬

_ (¬1) أو لم يعلم بالتحريم: كذا في "ش" و"ط" وفي "م": ولم يعلم بالتحريم.

فصل

فصل الثالث: أن يثبت الزنا. ولا يثبت إِلا بشيئين: أحدهما: أن يُقِرَّ أربع مرات في مجلس أو مجالس، وهو بالغ عاقل، ويصرح بذكر حقيقة الوطء ولا ينزع عن إِقراره حتى يتم الحد. الثاني أن يشهد عليه أربعة رجال أحرار عدول، يصفون الزنا، ويجيئون في مجلس واحد سواء جاؤا متفرقين أو مجتمعين؛ فإِن جاء بعضهم بعد أن قام الحاكِمُ، أو شهد ثلاثة وامتنع الرابع من الشهادة أو لم يكملها فهم قذفة وعليهم الحد، وإِن كانوا فُسَّاقاً أو عمياناً أو بعضهم فعليهم الحد، وعنه لا حد عليهم، وإِن كان أحدهم زوجاً حد الثلاثة ولاعن الزوج إِن شاء. وإِن شهد اثنان أنه زنى بها في بيت أو بلد، واثنان أنه زنى بها في بيت أو بلد آخر، فهم قذفة وعليهم الحد، وعنه يحد المشهود عليه، وهو بعيد، وإِن شهد أنه زنى بها في زاوية بيت وشهد الآخران أنه زنى بها في زاويته الأخرى، أو شهدا أنه زنى بها في قميص أبيض وشهد الآخران أنه زنى بها في قميص أحمر كملت شهادتهم، ويحتمل أن لا تكمل كالتي قبلها. وإِن شهدا أنه زنى بها مطاوعة وشهد الآخران أنه زنى بها مكرهة لم تكمل شهادتهم وهل يُحَدُّ الجميع أو شاهدا المطاوعة؟ على وجهين. وعند أبي الخطاب يحد الزاني المشهود عليه دون المرأة والشهود. وإِن شهد أربعة فرجع أحدهم قبل الحد فلا شيء على الراجع ويحد الثلاثة، وإِن كان رجوعه بعد الحد فلا حد على الثلاثة ويغرم الراجع ربع ما أتلفوه.

باب القذف

وإِن شهد أربعة بالزنا بامرأة فشهد ثقات من النساء أنها عذراء فلا حد عليها ولا على الشهود، نص عليه. وإن شهد أربعة على رجل أنه زنى بامرأة فشهد أربعة آخرون على الشهود أنهم هم الزناة بها لم يحد المشهود عليه، وهل يحد الشهود الأولون حد الزنا؛ على روايتين. وإِن حملت امرأة لا زوج لها ولا سيد لم تحد بذلك بمجرده. باب القذف (¬1) وهو الرمي بالزنا، ومن قذف محصناً فعليه جلد ثمانين جلدة إِن كان القاذف حراً، وأربعين إِن كان عبداً. [وهل حد القذف حق لله تعالى أو للآدمي؟ على روايتين (¬2)]. وقذف غير المحصن يوجب التعزير. والمحصن هو الحر المسلم العاقل العفيف الذي يجامع مثله وهل يشترط البلوغ؟ على روايتين. وإِن قال زنيت وأنت صغيرة وفسره بصغرٍ عن تسع سنين لم يحد وإِلا خرج على الروايتين. وإِن قال لحرة مسلمة زنيت وأنت نصرانية أو أمة، ولم تكن كذلك، فعليه الحد، وإِن كانت كذلك وقالت أردت قذفي في الحال فأنكرها فعلى وجهين. ومن قذف محصناً فزال إِحصانه قبل إِقامة الحد لم يسقط الحد عن القاذف. ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"م" وفي "ط": "باب حد القذف". (¬2) ما بين الرقمين سقط من "م" واستدرك في "ش" على الهامش بخط مغاير وهذا يشير إِلى أن "ش" ربما تكون منقولة عن "م" قبل المراجعة التي قيدت الزيادات بموجبها على الهامش بخط مغاير متشابه والله أعلم.

فصل

فصل والقذف محرم إِلا في موضعين: أحدهما: أن يرى امرأته (¬1) تزني في طهر لم يصبها فيه فيعتزلها وتأتي بولد يمكن أن يكون من الزاني، فيجب عليه قذفها ونفي ولدها. والثاني: أن لا تأتي بولد يجب نفيه، أو استفاض زناها في الناس، أو أخبره به ثقة، ورأى رجلاً يعرف بالفجور يدخل إِليها فيباح قذفها ولا يجب، وإِن أتت بولد يخالف لونه لونهما لم يبح نفيه بذلك، وقال أبو الخطاب ظاهر كلامه إِباحته. فصل وألفاظ القذف (¬2) تنقسم إِلى صريح وكناية: فالصريح قوله: يا زاني، يا عاهر زنى فرجك ونحوه مما لا يحتمل غير القذف فلا يقبل قوله بما يحيله. وإِن قال يا لوطي، يا معفوج فهو صريح. وقال الخرقي إِذا قال: أردت أنك من قوم لوط، فلا حد عليه وهو بعيد، وإِن قال أردت أنك تعمل عمل قوم لوط غير إِتيان الرِّجال احتمل وجهين، وإِن قال لست بولد فلان فقد قذف أمه وإِن قال لست بولدي فعلى وجهين، وإِن قال أنت أزنى الناس أو أزنى من فلانة، أو قال لرجل يا زانية أو لامرأة يا زاني، أو قال زنت يداك ورجلاك فهو صريح في القذف في قول أبي بكر، وليس بصريح عند ابن حامد. ¬

_ (¬1) العبارة مضطربة في "م". (¬2) أن يرى امرأته: كذا في "ش" و"ط" وفي "م": إِذا رأى امرأته.

وإِن قال زنأت في الجبل مهموزاً فهو صريح عند أبي بكر، وقال ابن حامد: إِن كان يعرف العربية لم يكن صريحاً. وإِن لم يقل في الجبل فهل هو صريح أو كالتي قبلها؟ على وجهين. والكناية نحو قوله لامرأته: قد فضحتيه، وغطيت أو نكست رأسه، وجعلت له قروناً، وعلقت عليه أولاداً من غيره، وأفسدت فراشه، أو يقول لمن يخاصمه: يا حلال ابن الحلال ما يعرفك الناس بالزنا والفجور (¬1) يا عفيف، أو يا فاجرة، يا قحبة، يا خبيثة، أو يقول لعربي: يا نبطي يا فارسي يا رومي، أو يسمع رجلاً يقذف رجلاً فيقول صدقت، أو أخبرني فلان أنك زنيت وكذَّبه الآخر فهذا كناية، إِن فسره بما يحتمله غير القذف قُبل قوله في أحد الوجهين، وفي الآخر جميعه صريح. وإِن قذف أهل بلدة أو جماعة لا يتصور الزنا من جميعهم عزر ولم يحد، وإِن قال لرجل اقذفني فقذفه فهل يحد؟ على وجهين، وإِن قال لامرأته يا زانية قالت بك زنيت لم تكن قاذفة ويسقط عنه الحد بتصديقها. وإِذا قذفت المرأة لم يكن لولدها المطالبة إِذا كانت الأم في الحياة، وإِن قذفت وهي ميتة مسلمة كانت أو كافرة، حرة أو أمة، حُدَّ القاذف إِذا طالب الابن، وكان حراً مسلماً، ذكره الخرقي، وقال أبو بكر لا يجب الحد بقذف ميتة. وإِن مات المقذوف سقط الحد، ومن قذف أم النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل، مسلماً كان أو كافراً. وإِن قذف الجماعة بكلمة واحدة فحدٌّ واحدٌ إِذا طالبوا أو واحدٌ منهم، وعنه إِن طالبوا متفرقين حد لكلٍّ واحدٍ حداً [وإِن قذفهم ¬

_ (¬1) كلمة الفجور زيادة من "ط".

باب حد المسكر

بكلمات حُدَّ لكل واحد حداً، وإِن حُدَّ للقذف فأعاده لم يُعَد عليه الحد] (¬1). باب حَدّ المسكر (¬2) كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام من أي شيء كان، ويسمى خمراً ولا يحل شربه للذة ولا للتداوي، ولا لعطش، ولا غيره، إِلا أن يضطر إِليه لدفع لقمةٍ غص بها فيجوز. ومن شربه مختاراً عالماً أن كثيره يسكر قليلاً كان أو كثيراً فعليه الحد ثمانون جلدة، وعنه أربعون إِن كان حراً، والرقيق على النصف من ذلك، إِلا الذمي فإِنه لا يُحَدُّ بشربه في الصحيح من المذهب، وهل يجب الحد بوجود الرائحة؟ على روايتين. والعصير إِذا أتت عليه ثلاثة أيام حَرُمَ، إِلا أن يُغْلى قبل ذلك فيحرم نص عليه، وعند أبي الخطاب (¬3) أن هذا محمول على عصير يتخمر في ثلاث غالباً. ولا يكره أن يترك في الماء تمراً أو زبيباً ونحوه ليأخذ ملوحته ما لم يشتد أو يأتي عليه ثلاث. ولا يكره الانتباذ في الدُّباء والحنتم والنقير والمزفت، وعنه يكره، ويكره الخليطان، وهو: أن ينتبذ شيئين كالتمر والزبيب ولا بأس بالفُقَّاع. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين كذا في "ش" و"م" وفي "ط": (وإِن عاد للقذف فأعاده لم يعد عليه الحد). بإِسقاط بعض. (¬2) كذا في "ش" و"م" وفي "ط": السُّكْر. (¬3) هو قتادة بن دِعَامة السَّدوسي أبو الخطاب، عالم أهل البصرة. روى عنه معمر روايته قوله: ما في القرآن من آية إِلا وقد سمعت فيها شيئاً. مات سنة (117 هـ). انظر "شذرات الذهب" (802 - 81) طبع دار ابن كثير بدمشق.

باب التعزير

باب التّعزير وهو التأديب. وهو واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة؛ كالاستمتاع الذي لا يوجب الحد، وإِتيان المرأة المرأة، وسرقة ما لا يوجب القطع، والجناية على الناس بما لا قصاص فيه، والقذف بغير الزنا ونحوه. ومن وطئ أمة امرأته فعليه الحد، إِلا أن تكون أحلتها له فيجلد مائة، وهل يلحقه نسب ولدها؟ على روايتين. ولا يسقط الحد بالإِباحة في غير هذا الموضع. ولا يزاد في التعزير على عشر جلدات في غير هذا الموضع، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يجلد أحد فوق عشر جلدات إِلا في حد من حدود الله" (¬1). وعنه ما كان سببه الوطء كوطء جاريته المشتركة والمزوجة ونحوه، ضرب مائة ويسقط عنه النفي، وكذلك يتخرج فيمن أتى بهيمة، وغير الوطء لا يبلغ به أدنى الحدود، ومن استمنى بيده لغير حاجة عُزِّر، وإِن فعله خوفاً من الزنا فلا شيء عليه. باب القطع في السرقة ولا يجب إِلا بسبعة أشياء: أحدها: السرقة: وهي أخذ المال على جهة الاختفاء. ولا قطع على منتهب، ولا مختلس، ولا غاصب، ولا خائن، ولا جاحد وديعة ولا عارية، [وعنه يقطع جاحد العارية أيضاً (¬2)]، ويقطع الطرار وهو الذي يبط الجيب وغيره ويأخذ منه، وعنه لا يقطع. ¬

_ (¬1) رواه البخاري رقم (6848) في الحدود: باب كم التعزير والأدب، ومسلم رقم (1708) في الحدود: باب قدر أسواط التعزير، من حديث أبي بردة رضي الله عنه. (¬2) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش".

فصل

فصل الثاني: أن يكون المسروق مالًا محترماً، سواء كان مما يسرع إِليه الفساد كالفاكهة، والبطيخ أو لا، وسواء كان ثميناً كالمتاع والذهب، أو غير ثمين كالخشب والقصب. ويقطع بسرقة العبد الصغير ولا يقطع بسرقة حُرٍّ وإِن كان صغيراً، وعنه أنه يقطع بسرقة الصغير، فإِن قلنا لا يقطع فسَرَقَهُ وعليه حلي فهل يقطع؟ على وجهين. ولا يقطع بسرقة مصحف، وعند أبي الخطاب يقطع، ويقطع بسرقة سائر كتب العلم. ولا يقطع بسرقة آلة لهو، ولا محرم كالخمر، وإِن سرق آنية فيها الخمر أو صليباً أو صنم ذهب لم يقطع، وعند أبي الخطاب يقطع. فصل الثالث: أن يسرق نصاباً وهو ثلاثة دراهم، أو قيمة ذلك من الذهب والعروض، وعنه أنه ثلاثة دراهم أو ربع دينار، أو ما يبلغ قيمة أحدهما من غيرهما، وعنه لا تُقَوَّم العَرُوض إِلا بالدراهم، وإِذا سرق نصاباً ثم نقصت قيمته، أو ملكه ببيع أو هبة أو غيرها لم يسقط القطع. وإِن دخل الحرز فذبح شاة قيمتها نصاب فنقصت عن النصاب ثم أخرجها لم يقطع. وإِن سَرَقَ فَرْدَ خُفٍّ قيمته منفرداً درهمان وقيمته مع الآخر أربعة لم يقطع. وإِن اشترك جماعة في سرقة نصاب قطعوا سواء أخرجوه جملة أو أخرج كل واحد جزءاً.

فصل

وإِن هتك اثنان حرزاً ودخلاه فأخرج أحدهما نصاباً وحده، أو دخل أحدهما فقدمه إِلى باب النقب، وأدخل الآخر يده فأخرجَهُ قُطِعا، وإِن رماه الداخل إِلى خارج وأخذه الآخر فالقطع على الداخل وحده، وإِن نقب أحدهما ودخل الآخر فأخرجه فلا قطع عليهما، ويحتمل أن يقطعا إِلا أن ينقب أحدهما ويذهب فيأتي الآخر من غير علم فيسرق فلا قطع. فصل الرابع: أن يخرجه من الحرز، فإِن سرق من غير حرز أو دخل الحرز فأتلفه فيه فلا قطع عليه. وإِن ابتلع جوهراً أو ذهباً وخرج به، أو نقب ودخل فترك المتاع على بهيمة فخرجت به، أو في ماء جار فأخرجه، أو قال لصغير أو معتوه ادخل فأخرجه ففعل فعليه القطع. وحرز المال ما جرت العادة بحفظه فيه، ويختلف باختلاف الأموال والبلدان وعدل السلطان وجوره وقوته وضعفه: فحرز الأثمان والجواهر والقماش في الدور والدكاكين في العمران، وراء الأبواب والأغلاق الوثيقة، وحرز البقل والباقلا ونحوه وقدوره وراء الشرايج إِذا كان في السوق حارس، وحرز الحطب والخشب الحظائر، وحرز المواشي الصِّير، وحرزها في المرعى بالراعي ونظره إِليها، وحرز حمولة الإِبل بتقطيرها وقائدها وسائقها إِذا كان يراها، وحرز الثياب في الحمام بالحافظ، وحرز الكفن في القبر على الميت؛ فلو نبش قبراً وأخذ الكفن قطع، وحرز الباب تركيبه في موضعه، فلو سرق رتاج الكعبة أو باب مسجد أو تأزيره قطع، ولا يقطع بسرقة ستائرها، وقال القاضي: يقطع بسرقة المخيطة عليها، وإِن سرق قناديل المسجد أو حصره فعلى وجهين.

فصل

وإِن نام إِنسان على ردائه في المسجد فسرق سارق قُطِع، وإِن مال رأسه عنه لم يقطع بسرقته. وإِن سرق من السوق غزلاً وثمَّ حافظ قُطِع، وإِلا فلا. ومن سرق من النخل والشجر من غير حرز فلا قطع عليه ويضمن عوضهما مرتين، وقال أبو بكر: ما كان حرزاً لمال فهو حرز لمال آخر. فصل الخامس: انتفاء الشبهة فلا يقطع بالسرقة من مال ابنه وإِن سفل، ولا الولد من مال أبيه وإِن علا، والأب والأم في هذا سواء، ولا العبد (¬1) بالسرقة من مال سيده، ولا مسلم بالسرقة من بيت المال ولا من مال له فيه شركة، أو لأحد ممَّن لا يقطع بالسرقة منه، ومن سرق من الغنيمة ممن له فيها حق أو لِوَلَدِهِ (¬2) أو لسيده لم يقطع، وهل يقطع أحد الزوجين بالسرقة من مال الآخر المحرز عنه؟ على روايتين. ويقطع سائر الأقارب بالسرقة من مال أقاربهم، ويقطع المسلم بالسرقة من مال الذمي والمستأمن، ويقطعان بسرقة ماله. ومن سرق عيناً وادعى أنها ملكه لم يقطع، وعنه يقطع، وعنه لا يقطع إِلا أن يكون معروفاً بالسرقة. وإِذا سرق المسروق منه مال السارق، أو المغصوب منه مال الغاصب من الحرز الذي فيه العين المسروقة أو المغصوبة لم يقطع، وإِن سرق من غير ذلك الحرز، أو سرق من مال من له عليه دين قطع إِلا أن يعجز عن أخذه فيسرق قدر حقه فلا يقطع، وقال القاضي يقطع. ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": ولا يقطع العبد. . (¬2) كذا في "ش" و"م" وفي "ط": لوالده.

فصل

ومن قطع بسرقة عين ثم عاد فسرقها قطع. ومن أجَّر داره أو أعارها ثم سرق منها مال المستعير أو المستأجر قطع. فصل السادس: ثبوت السرقة بشهادة عدلين، أو إِقرار مرتين. ولا ينزع عن إِقراره حتى يقطع. السابع: مطالبة المسروق منه بماله. وقال أبو بكر: ليس ذلك بشرط. فصل وإِذا وجب القطع قطعت يده اليمنى من مفصل الكف وحسمت، وهو أن تغمس في زيت مغلي، فإِن عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل الكعب وحسمت، فإِن عاد حبس ولم يقطع، وعنه أنه تقطع يده اليسرى في الثالثة والرجل اليمنى في الرابعة. ومن سرق وليس له يد يمنى قطعت رجله اليسرى وإن سرق وله يمنى فذهبت سقط القطع، وإِن ذهبت يده اليسرى لم تقطع اليمنى على الرواية الأولى، وتقطع على الأخرى، وإِن وجب قطع يمناه فقطع القاطع يسراه عمداً فعليه القود، إِن قطعها خطأ فعليه ديتها، وفي قطع يمين السارق وجهان. ويجتمع القطع والضمان فيرد العين المسروقة إِلى مالكها، وإِن كانت تالفة غرم قيمتها وقطع، وهل يجب الزيت الذي يحسم به من بيت المال أو من مال السارق؟ على وجهين.

باب حد المحاربين

باب حدّ المحاربين وهم قطاع الطريق، وهم الذين يعرضون للناس بالسلاح في الصحراء فيغصبونهم المال مجاهرة، فأما من يأخذه سرقة فليس بمحارب. وإِن فعلوا ذلك في البنيان (¬1) لم يكونوا محاربين في قول الخرقي، وقال أبو بكر حكمهم في المصر والصحراء واحد. وإِذا قدر عليهم فمن كان منهم قد قَتَل من يكافئه وأخذ المال قتل حتماً وصلب حتى يشتهر، وقال أبو بكر: يصلب قدر ما يقع عليه اسم الصلب، وعن أحمد أنه يقطع من ذلك. وإِن قتل من لا يكافئه فهل يقتل؟ على روايتين. وإِن جنى جناية توجب القصاص فيما دون النفس فهل يتحتم استيفاؤه؟ على وجهين، وحكم الرِّدْءِ حكم المباشر. ومن قتل ولم يأخذ المال قتل، وهل يصلب؟ على روايتين. ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى في مقام واحد وحُسِمَتَا وخلي، ولا يقطع منهم إِلا من أخذ ما يُقطع السّارق في مثله، وإِن كانت يمينه مقطوعة أو مستحقة في قصاص أو شلاء قطعت رجله اليسرى، وهل تقطع يسرى يديه؟ ينبني على الروايتين في قطع يسرى السارق في المرة الثالثة. ومن لم يقتل ولا أخذ المال، نُفي وشُرد ولا يترك يأوي إِلى بلد، وعنه أن نفيه تعزيره بما يردعه. ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه حدود الله من الصلب ¬

_ (¬1) كلمة البنيان سقطت من "م".

فصل

والقطع والنفي وانحتام القتل، وأخذ بحقوق الآدميين: من الأنفس، والجراح، والأموال، إِلا أن يُعفى له عنها. ومن وجب عليه حد لله سوى ذلك فتاب قبل إِقامته لم يسقط، وعنه أنه يسقط بمجرد التوبة قبل إِصلاح العمل، ومن مات وعليه حد سقط عنه. فصل ومن أُريدت نفسه، أو حرمته، أو ماله، فله الدفع عن ذلك بأسهل ما يعلم دفعه به، فإِن لم يحصل إِلا بالقتل فله ذلك ولا شيء عليه، وإِن قُتِل كان شهيداً، وهل يجب عليه الدفع عن نفسه؟ على روايتين. وسواء كان الصائل آدمياً أو بهيمة، وإِذا دخل رجل منزله متلصصاً أو صائلاً فحكمه حكم ما ذكرنا. وإِن عضَّ إِنسانٌ إِنساناً فانتزع يده من فيه فسقطت ثناياه ذهبت هدراً. وإِن نظر في بيته من خصاص الباب أو نحوه، فَخَذَفَ عينه ففقأها فلا شيء عليه. باب قتال أهل البغي وهم القوم الذين يخرجون على الإمام بتأويل سائغ، ولهم منعة وشوكة، وعلى الإِمام أن يراسلهم، ويسألهم ما ينقمون منه، ويزيل ما يذكرونه من مظلمة، ويكشف ما يدعونه من شبهة، فإِن فاؤوا وإِلا قاتلهم، وعلى رعيته معونته على حربهم، فإِن استنظروه مدة رجاء رجوعهم فيها أنظرهم، وإِن ظن أنها مكيدة لم ينظرهم وقاتلهم. ولا يقاتلهم بما يعم إِتلافه كالمنجنيق والنار إِلا لضرورة، ولا يستعين في حربهم بكافر، وهل يجوز أن يستعين عليهم بسلاحهم وكراعهم؟ على

وجهين. ولا يتبع لهم مُدْبِرٌ، ولا يُجْهِزُ لهم على جريح، ولا يغنم لهم مال، ولا تسبى لهم ذرية، ومن أسر من رجالهم حبس حتى تنقضي الحرب ثم يرسل. وِإن أسر صبي أو امرأة فهل يفعل به ذلك أو يخلى في الحال؟ يحتمل وجهين. وإِذا انقضى الحرب فمن وجد منهم ماله في يد إِنسان أخذه، ولا يضمن أهل العدل ما أتلفوا عليهم حال الحرب من نفس أو مال، وهل يلزم (¬1) البغاة ما أتلفوه على أهل العدل في الحرب؟ على روايتين. ومن أتلف في غير حال الحرب شيئاً ضمنه، وما أخذوا في حال امتناعهم من زكاة أو خراج أو جزية لم يعد عليهم ولا على صاحبه، ومن ادعى دفع زكاته إِليهم قبل بغير يمين، وإِن ادعى ذمي دفع جزيته إِليهم لم يقبل إِلا ببينة، وإِن ادعى إِنسان دفع خراجه إِليهم فهل يقبل بغير بينة؟ على وجهين. وتجوز شهادتهم، ولا يُنقض من حكم حاكمهم إِلا ما يُنقض من حكم غيره. وإِن استعانوا بأهل الذمة فأعانوهم انتقض عهدهم، إِلا أن يدّعوا أنهم ظنوا أنه يجب عليهم معونة من استعان بهم من المسلمين ونحو ذلك فلا ينتقض عهدهم ويغرمون ما أتلفوه من نفس ومال. وإِن استعانوا بأهل الحرب وآمنوهم لم يصح أمانهم وأبيح قتلهم. وإِن أظهر قوم رأي الخوارج ولم يجتمعوا لحرب لم يتعرض لهم، فإِن سَبُّوا الإمام عزرهم، وإِن جنوا جناية أو أتوا حداً أقامه عليهم، وإِن اقتتلت طائفتان لعصبية أو طلب رئاسة فهما ظالمتان، وتضمن كل واحدة ما أتلفت على الأخرى. ¬

_ (¬1) يلزم: كذا في "ش" وفي "م" و"ط": يضمن.

باب حكم المرتد

باب حكم المرتد وهو الذي يَكْفُرُ بعد إِسلامه. فمن أشرك بالله أو جحد ربوبيته أو وحدانيته أو صفة من صفاته، أو اتخذ لله صاحبة أو ولداً، أو جحد نبياً أو كتاباً من كتب الله تعالى أو شيئاً منه، أو سبَّ الله تعالى أو رسوله كُفِّر. ومن جحد وجوب العبادات الخمس أو شيئاً منها، أو أحل الزنا أو الخمر أو شيئاً من المحرمات الظاهرة المجمع عليها لجهل عُرِّف ذلك، وإِن كان ممن لا يجهل ذلك كُفِّرَ. وإِن ترك شيئاً من العبادات الخمس تهاوناً لم يُكَفَّرْ، وعنه (¬1) يُكَفَّرُ إِلا الحج لا يكفر بتأخيره بحال. فمن ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء وهو بالغ عاقل دعى إِليه ثلاثة أيام وضيق عليه، فإِن لم يتب قتل، وعنه لا تجب استتابته بل تستحب ويجوز قتله في الحال. ويقتل بالسيف، ولا يقتله إِلا الإمام أو نائبه فإِن قتله غيره بغير إِذنه أساء وعزر ولا ضمان عليه سواء قتله قبل الاستتابة أو بعدها. وإِن عقل الصبي الإِسلام صَحَّ إِسلامه وردته، وعنه يصح إِسلامه دون ردته، وعنه لا يصح شيء منهما حتى يبلغ، والمذهب الأول، وإِن أسلم ثم قال لم أدر ما قلت لم يلتفت إِلى قوله وأجبر على الإِسلام ولا يقتل حتى يبلغ ويجاوز ثلاثة أيام من وقت بلوغه، فإِن ثبت على كفره قتل. ¬

_ (¬1) من هنا بدأ السقط في "ش" ويستمر حتى ما قبل نهاية كتاب الأيمان أي يكون مقدار السقط: الجزء الأخير من كتاب الحدود، وكتاب الأطعمة، وكتاب الصيد، وكتاب الأيمان إِلى الجزء الأول من باب جامع الأيمان أي من صفحة: (307 هـ 322 ط) حيث سقط ثلث صفحة 307 ط كما سقط السطران الأول والثاني من صفحة: (322 ط) وما بينهما والمثبت يوافق "م" و"ط".

فصل

ومن ارتد وهو سكران لم يقتل حتى يصحو وتتم له ثلاثة أيام من وقت ردته، فإِن مات في سكره مات كافراً. وعنه لا تصح ردته وهل تقبل توبة الزنديق ومن تكررت ردته أو من سب الله تعالى أو رسوله والساحر؟ على روايتين: إِحداهما لا تقبل توبته ويقتل بكل حال. والأخرى تقبل توبته كغيره. وتوبة المرتد إِسلامه، وهو: أن يشهد أن لا إِله إِلا الله وأن محمداً عبده ورسوله إِلا أن تكون ردَّته بإِنكار فرض أو إِحلال محرم أو جحد نبي أو كتاب، أو إِلى دين من يعتقد أن محمداً بعث إِلى العرب خاصة فلا يصح إِسلامه حتى يقر بما جحده ويشهد أن محمداً بعث إِلى العالمين أو يقول أنا بريء من كل دين يخالف دين الإِسلام. وإِذا مات المرتد فأقام وارثه بينة أنه صلى بعد الردة حكم بإِسلامه. ولا يبطل إِحصان المسلم بردته ولا عبادته التي فعلها في إِسلامه إِذا عاد إِلى الإِسلام. فصل ومن ارتد لم يُزلْ ملكه بل يكون ملكه موقوفاً، وتصرفاته موقوفة، فإِن أسلم ثبت ملكه وتصرفاته وإِلا بطلت، وتُقضى ديونه وأُروش جناياته وينفق عليه وعلى من تلزمه مؤنته وما أتلف من شيء ضمنه، ويتخرج في الجماعة الممتنعة أن لا تضمن ما أتلفته، وقال أبو بكر: يزول ملكه بردته ولا يصح تصرفه، وإِن أسلم رد إِليه تمليكاً مستأنفاً. وإِذا أسلم فهل يلزمه قضاء ما ترك من العبادات؟ على روايتين. وإِذا ارتد الزوجان ولحقا بدار الحرب ثم قدر عليهما لم يجز استرقاقهما ولا

فصل

استرقاق أولادهما الذين ولدوا في دار الإِسلام، ومن لم يسلم منهم قتل ويجوز استرقاق من ولد بعد الردة، وهل يُقَرُّون على كفرهم؟ على روايتين. فصل والساحر الذي يركب المكنسة وتسير به في الهواء ونحوه يُكَفَّرُ ويُقْتَلُ، فأما الذي يسحر بالأدوية والتدخين وسقي شيء يضر، فلا يُكَفَّرُ ولا يُقتل ولكن يعزر ويقتص منه إِن فعل ما يوجب القصاص، فأما الذي يعزم على الجن، ويزعم أنه يجمعها فتطيعه فلا يكفر ولا يقتل، وذكره أبو الخطاب في السحرة الذين يقتلون. * * *

كتاب الأطمعة

كتاب الأطمعة والأصل فيها الحل فيحل كل طعام طاهر لا مضرة فيه من الحبوب والثمار وغيرها. فأما النجاسات كالميتة والدم وغيرهما وما فيه مضرة من السموم ونحوها فمحرمة. والحيوانات مباحة إِلا الحمر الأهلية وما له ناب يفرس به كالأسد والنمر والذئب والفهد والكلب والخنزير وابن آوى والسنور وابن عرس والنمس والقرد إِلا الضبع، وما له مخلب من الطير يصيد به كالعقاب والبازي والصقر والشاهين والحدأة والبومة، وما يأكل الجيف كالنسر والرخم واللقلق وغراب البين والأبقع، وما يستخبث كالقنفذ والفأر والحيات والعقارب والحشرات كلها، وما تولد من مأكول وغيره كالبغل والسمع ولد الضبع من الذئب، والعسار ولد الذئبة من الذيخ، وفي الثعلب والوبر وسنور البر واليربوع روايتان. وما عدا هذا مباح كبهيمة الأنعام، والخيل والدجاج، والوحشي من البقر، والظباء والحمر، والزرافة، والنعامة، والأرنب، وسائر الوحش، والضبع والضب والزاغ وغراب الزرع وسائر الطير وجميع حيوان البحر، إِلا الضفدع والحية والتمساح، وقال ابن حامد: وإِلا الكوسج وقال أبو علي النجاد (¬1): لا يباح من البحري ما يحرم نظيره في البر كخنزير الماء وإِنسانه. وتحرم الجلاَّلة التي أكثر علفها النجاسة ولبنها وبيضها حتى تحبس، ¬

_ (¬1) هو الحسين بن عبد الله النجاد الصغير، أبو علي، من أئمة المذهب الحنبلي، مات سنة (360) هـ. انظر ترجمته في "المنهج الأحمد" (2/ 272) و"شذرات الذهب" (4/ 319).

وعنه تكره ولا تحرم، وتحبس ثلاثاً، وعنه يحبس الطائر ثلاثاً والشاة سبعاً، وما عدا ذلك أربعين، يوماً. وما سقيه بالماء النجس من الزرع والثمر محرم، فإِن سقي بالطاهر طَهُر وحلَّ، وقال ابن عقيل: ليس ينجس ولا محرم بل يطهر بالاستحالة كالدم يصير لبناً. فصل ومن اضطر إِلى محرم مما ذكرنا حل له منه ما يسد رمقه وهل له الشبع؟ على روايتين. فإِن وجد طعاماً لا يعرف مالكه وميتة أو صيداً وهو محرم فقال أصحابنا ياكل الميتة ويحتمل أن يحل له الطعام والصيد إِذا لم تقبل نفسه الميتة، وإِن لم يجد إِلا طعاماً لم يبذله مالكه، فإِن كان صاحبه مضطراً إِليه فهو أحق به وإِلا لزمه بذله بقيمته، فإِن أبى فللمضطر أخذه قهراً ويعطيه قيمته، فإن منعه فله قتاله على ما يسد رمقه أو قدر شبعه على اختلاف الروايتين، فإِن قُتِل صاحب الطعام لم يجب ضمانه، وإِن قتل المضطر فعليه ضمانه، فإِن لم يجد إِلا آدمياً مباح الدم كالحربي والزاني المحصن حل قتله وأكله، وإِن وجد معصوماً ميتاً ففي جواز أكله وجهان. فصل ومن مر بثمر في شجره لا حائط عليه ولا ناظر، فله أن يأكل منه ولا يحمل، وعنه لا يحل ذلك إِلا لحاجة، وفي الزرع وشرب لبن الماشية روايتان. ويجب على المسلم ضيافة المسلم المجتاز به يوماً وليلة فإِن أبى فللضيف طلبه به عند الحاكم، وتستحب ضيافته ثلاثاً فما زاد فهو صدقة، ولا يجب عليه إِنزاله في بيته إِلا أن لا يجد مسجداً أو رباطاً يبيت فيه.

باب الذكاة

باب الذكاة لا يباح شيء من الحيوانات المقدور عليه بغير ذكاته إِلا الجراد وشبهه، والسمك وسائر ما لا يعيش إِلا في الماء فلا ذكاة له، وعنه في السرطان وسائر البحري أنه يحل بلا ذكاة وعنه في الجراد لا يؤكل إِلا أن يموت بسبب ككبسه وتغريقه. ويشترط للذكاة شروط أربعة: أحدها: أهلية الذابح وهو: أن يكون عاقلاً مسلماً أو كتابياً فتباح ذبيحته، ذكراً كان أو أنثى، وعنه لا تباح ذبيحة نصارى بني تغلب، ولا مَنْ أَحدُ أبويه غير كتابي، ولا تباح ذكاة مجنون، ولا سكران، ولا طفل غير مميز، ولا وثني، ولا مجوسي، ولا مرتد. فصل الثاني: الآلة وهو: أن يذبح بمحدد سواء كان من حديد أو حجر أو قصب أو غيره إِلا السن والظفر لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما أنهرَ الَّدمَ فَكُلْ إِلا السِّنَ والظُّفْرَ" (¬1). فإِن ذبح بآلة مغصوبة حل في أصح الوجهين. ¬

_ (¬1) روي هذا الحديث بصيغ مختلفة من قبل عدد من الصحابة الكرام عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، منها ما أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه بصيغ مختلفة انظرها مع تخريجاتها في "جامع الأصول" (4894 - 491) و"إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" (1658).

فصل

فصل الثالث: أن يقطع الحلقوم والمريء، وعنه يشترط مع ذلك قطع الودجين، وإِن نحره أجزأه وهو: أن يطعنه بمحدد في لبته (¬1)، والمستحب أن يُنحر البعير ويُذبح ما سواه، فإِن عجز عن ذلك: مثل أن يند البعير، أو يتردى في بئر، فلا يقدر على ذبحه صار كالصيد إِذا جرحه في أي موضع أمكنه فقتله حل أكله، إِلا أن يموت بغيره مثل أن يكون رأسه في الماء فلا يباح، وإِن ذبحها من قفاها وهو مخطئ فأتت السكين على موضع ذبحها وهي في الحياة أكلت، وإِن فعله عمداً فعلى وجهين. وكل ما وجد فيه سبب الموت كالمنخنقة والمتردية والنطيحة وأكيلة السبع إِذا أدرك ذكاتها وفيها حياة مستقرة أكثر من حركة المذبوح حلت، وإِن صارت حركتها كحركة المذبوح لم تحل. فصل الرابع: أن يذكر اسم الله عند الذبح، وهو أن يقول: بسم الله لا يقوم غيرها مقامها إِلا الأخرس فإِنه يومئ إِلى السماء فإِن ترك التسمية عمداً لم تبح وإِن تركها ساهياً أبيحت، وعنه تباح في الحالين، وعنه لا تباح فيهما. وتحصل ذكاة الجنين بذكاة أمه إِذا خرج ميتاً أو متحركاً كحركة المذبوح، وإِن كانت (¬2) فيه حياة مستقرة لم يبح إِلا بذبحه، وسواء أشعر أو لم يشعر. ¬

_ (¬1) في لبته: كذا في "ط" وفي "م": فوق لبته. (¬2) كانت: كذا في "ط" وفي "م": صارت.

فصل

فصل ويكره: توجيه الذبيحة إِلى غير القبلة، والذبح بآلة كَالَّةٍ، وأن يحد السكين والحيوان يبصره، وأن يكسر عنق الحيوان أو يسلخه حتى يبرد، فإِن فعل أساء وأكلت؟ وإِذا ذُبِحَ الحيوان ثم غَرِق في ماء أو وَطِئَ عليه شيءٌ يقتله مثله فهل يحل؟ على روايتين. وإِذا ذبح الكتابي ما يحرم عليه كذي الظفر لم يحرم علينا، وإِن ذبح حيواناً غيره لم تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم، وهو: شحم الثرب والكليتين في ظاهر كلام أحمد رحمه الله، واختاره ابن حامد، وحكاه عن الخرقي في كلام مفرد، واختار أبو الحسن التميمي والقاضي تحريمه، وإِن ذبح لعيده أو ليتقرب به إِلى شيء مما يعظمونه لم يحرم، نص عليه. ومن ذبح حيواناً فوجد في بطنه جراداً، أو طائراً فوجد في حوصلته حباً أو وجد الحب في بعر الجمل، لم يحرم، وعنه يحرم. * * *

كتاب الصيد

كتاب الصَّيد ومن صاد صيداً فأدركه حياً حياة مستقرة لم يحل إِلا بالذكاة، فإِن خشي موته ولم يجد ما يذكيه به ارسل الصائد له عليه حتى يقتله في إِحدى الروايتين، واختاره الخرقي، فإِن لم يفعل وتركه حتى مات لم يحل، وقال القاضي: يحل والرواية الأخرى لا يحل إِلاَّ أن يذكيه. وإِن رمى صيداً فأثبته، ثم رماه آخر فقتله لم يحل، ولمن أثبته قيمته مجروحاً على قاتله إِلا أن يصيب الأول مقتله دون الثاني أو يصيب الثاني مذبحه فيحل، وعلى الثاني ما خرق من جلده. وإِن أدرك الصيد متحركاً كحركة المذبوح فهو كالميتة (¬1)، ومتى أدركه ميتاً حل بشروط أربعة: أحدها أن يكون الصائد من أهل الذكاة، فإِن رمى مسلمٌ ومجوسيٌّ صيداً أو أرسلا عليه جارحاً أو شارك كلب المجوسي كلب المسلم في قتله لم يحل، وإِن أصاب سهم أحدهما المقتل دون الآخر فالحكم له، ويحتمل أن لا يحل، وإِن رد كلب المجوسي الصيد على كلب المسلم فقتله حل، وإِن صاد المسلم بكلب المجوسي حل، وعنه لا يحل، وإِن صاد المجوسي بكلب مسلم لم يحل، وإِن أرسل المسلم كلباً فزجره المجوسي حل صيده، وإِن أرسله مجوسي فزجره مسلم لم يحل. ¬

_ (¬1) كذا في "ط" وفي "م": الميت.

فصل

فصل الثاني: الآلة: وهو نوعان: محدد فيشترط له ما يشترط لآلة الذكاة ولا بد من جرحه به، فإِن قتله بثقله لم يبح، وإِن صاد بالمعراض أكل ما قتل بحده دون عَرْضِهِ، وإِن نصب مناجل أو سكاكين وسمى عند نصبها فقتلت صيداً أبيح، وإِن قتل بسهم مسموم لم يبح، إِذا غلب على الظن أن السم أعان على قتله، ولو رماه فوقع في ماءٍ أو تردى من جبل، أو وطئ عليه شيء فقتله لم يحل إِلا أن يكون الجرح موحياً كالذكاة فهل يحل؟ على روايتين. وإِن رماه في الهواء فوقع على الأرض فمات حل، وإِن رمى صيداً فغاب عنه ثم وجده ميتاً لا أثر به غير سهمه حل، وعنه إِن كانت الجراح موحية حل وإِلا فلا، وعنه إِن وجده في يومه حل وإِلا فلا، وإِن وجد به غير أثر سهمه مما يحتمل أن يكون أعان على قتله لم يبح، وإِن ضربه فأبان منه عضواً وبقيت فيه حياة مستقرة لم يبح ما بان منه، وإِن بقي معلقاً بجلدة حل، وإِن أبانه ومات في الحال حل الجميع، وعنه لا يباح ما أبان منه. وإِن أخذ قطعة من حوت وأفلت حياً أبيح ما أخذ منه، وأما ما ليس بمحدد كالبندق والحجر والعصا والشبكة والفخ فلا يباح ما قتل به لأنه وقيذ. النوع الثاني: الجارحة فيباح ما قتلته إِذا كانت معلمة إِلا الكلب الأسود البهيم فلا يباح صيده. والجوارح نوعان: ما يصيد بنابه كالكلب والفهد، فتعليمه بثلاثة أشياء: أن يسترسل إِذا أُرسل. وينزجر إِذا زُجر.

فصل

وإِذا أمسك لم يأكل، ولا يعتبر تكرر ذلك منه فإِن أكل بعد تعلمه لم يحرم ما تقدم من صيده ولم يبح ما أكل منه في إِحدى الروايتين والأخرى يحل. والثاني ذو المخلب كالبازي والصقر والعقاب والشاهين فتعليمه بأن يسترسل إِذا أرسل ويجيب إِذا دعي، ولا يعتبر ترك الأكل. ولابُدَّ أن يجرح الصيد، فإِن قتله بصدمته أو خنقه لم يُبَحْ، وقال ابن حامد يباح، وما أصابه فم الكلب هل يجب غسله؟ على وجهين. فصل الثالث: إِرسال الآلة قاصدًا للصيد: فإِن استرسل الكلب بنفسه أو غيره لم يبح صيده، وإن زجره إِلا أن يزيد عدوه بزجره فيحل. وإِن أرسل كلبه أو سهمه إِلى هدف فقتل صيداً، أو أرسله يريد الصيد ولا يرى صيداً لم يحل صيده إِذا قتله، وإِن رمى حجراً يظنه صيداً فأصاب صيداً لم يحل، ويحتمل أن يحل. وإِن رمى صيداً فأصاب غيره أو رمى صيداً فقتل جماعة حل. وإِن أرسل سهمه على صيد فأعانته الريح فقتله ولولاها ما وصل حل. وإِن رمى صيداً فأثبته حلّ، فإِن تحامل فأخذه غيره لزمه رده، وإِن لم يثبته فدخل خيمة إِنسان فأخذه فهو لآخذه، ولو وقع في شبكته صيد فخرقها وذهب بها فصاده آخر فهو للثاني. وإِن كان في سفينة فوثبت سمكة فوقعت في حجره فهي له دون صاحب السفينة. وإِن صنع بركة ليصيد بها السمك فما حصل فيها ملكه وإِن لم يقصد بها ذلك لم يملكه وكذلك إِن حصل في أرضه سمك أو عشش فيها طائر لم يملكه ولغيره أخذه ويكره صيد السمك بالنجاسة وصيد الطير

فصل

بالشباك (¬1)، وإِذا أرسل صيداً وقال أَعْتَقْتُكَ لم يَزُلْ مُلْكُهُ عنه، ويُحْتَمَلُ أن يزول ويملكه من أَخَذَهُ. فصل الرابع: التسمية عند إِرسال السَّهْمِ أو الجَارِحَةِ، فإِن تركها لم يُبَحْ سواء تركها عمداً أو سهواً في ظاهر المذهب، وعنه إِن نسيها على السهم أُبِيحَ وإِن نسيها على الجارحة لم يُبَحْ. * * * ¬

_ (¬1) بالشِّبَاكِ: كتب خَطَأً (الشِّباش) في "ط" فلتصحح.

كتاب الأيمان

كتاب الأَيمان واليمين التي تجب بها الكفارة هي اليمين بالله تعالى أو صفة من صفاته. وأسماء الله تعالى قسمان: أحدهما ما لا يسمى به غيره نحو: والله والقديم الأزلي، والأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء وخالق الخلق، ورازق العالمين، فهذا القسم به يمين بكل حال. والثاني ما يسمى به غيره وإِطلاقه ينصرف إِلى الله سبحانه: كالرحمن والرحيم والعظيم والقادر والرب والمولى والرزاق (¬1) ونحوه، فهذا إِن نوى بالقسم به اسم الله أو أطلق فهو يمين، وإِن نوى غيره فليس بيمين. وأما ما لا يعد من أسمائه سبحانه وتعالى كالشيء والموجود فإِن لم ينو به الله تعالى لم يكن يميناً، وإِن نواه كان يميناً وقال القاضي (¬2): لا يكون (¬3) يميناً أيضاً. وإِن قال وحق الله، وعهد الله، وايم الله، وأمانة الله، وميثاقه، ¬

_ (¬1) الرزاق: كذا في "ط" وفي "م": الرازق. (¬2) هو القاضي أبو يعلى محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن خلف الفرّاء، الفقيه الكبير ابن القاضي أبي يعلى، المتوفى سنة (526 هـ)، صاحب "طبقات الحنابلة" و"شرح مختصر الخرقي" وغير ذلك. انظر ترجمته ومصادرها في "المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإِمام أحمد" للعُليمي (3/ 112 - 113) و"شذرات الذهب" لابن العماد الحنبلي (6/ 130 - 131). (¬3) في "م": يكون.

وقدرته، وعظمته، وكبريائه، وجلاله، وعزته، ونحو ذلك فهو يمين، وإِن قال والعهد والميثاق وسائر ذلك ولم يضفه إِلى الله تعالى لم يكن يميناً إِلا أن ينوي به صفة الله تعالئ، وعنه يكون يميناً. وإِن قال لعمر الله كان يميناً، وقال أبو بكر: لا يكون يميناً إِلا أن ينوي. وإِن حلف بكلام الله أو بالمصحف أو بالقرآن فهو يمين فيها كفارة واحدة وعنه، عليه بكل آية كفارة. وإِن قال أحلف بالله أو أشهد بالله، أو أقسم بالله، أو أعزم بالله، كان يميناً، وإِن لم يذكر اسم الله لم يكن يميناً إِلا أن ينوي، وعنه يكون يميناً. فصل وحروف القسم: الباء والواو والتاء في اسم الله تعالى خاصة، ويجوز القسم بغير حرف القسم فيقول: اللهَ لأفعلن بالجر والنصب: فإِن قال: الله لأفعلن مرفوعاً كان يميناً إِلا أن يكون من أهل العربية ولا ينوي اليمين. ويكره الحلف بغير الله تعالى ويحتمل أن يكون محرماً، ولا تجب الكفارة باليمين به، سواء أضافه إِلى الله تعالى مثل قوله: ومعلوم الله، وخلقه، ورزقه، وبيته، أو لم يضفه مثل: والكعبة، وأبي، قال أصحابنا تجب الكفارة بالحلف برسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة. فصل ويشترط لوجوب الكفارة ثلاثة شروط: أحدها: أن تكون اليمين منعقدة، وهي التي يمكن فيها البر والحنث، وذلك الحلف على مستقبل ممكن، فأما اليمين على الماضي فليست منعقدة، وهي نوعان:

يمين الغموس، وهي التي يحلف بها عالماً بكذبه، وعنه فيها الكفارة، ومثلها الحلف على مستحيل كقتل الميت وإِحيائه وشرب ماء الكوز ولا ماء فيه. الثاني لغو اليمين: وهي أن يحلف على شيء يظنه فيبين بخلافه فلا كفارة فيها. فصل الثاني (¬1): أن يحلف مختاراً: فإِن حلف مكرهاً لم تنعقد يمينه، وإِن سبقت اليمين على لسانه من غير قصد إِليها كقوله: لا والله، وبلى والله، في عرض حديثه فلا كفارة عليه. فصل الثالث (¬2): الحنث في يمينه بأن يفعل ما حلف على تركه أو يترك ما حلف على فعله مختاراً ذاكراً، وإِن فعله مكرهاً أو ناسياً فلا كفارة عليه وعنه على الناسي كفارة. وإِن حلف فقال إِن شاء الله لم يحنث فعل أو ترك إِذا كان متصلًا باليمين، وإِذا حلف ليفعلن شيئاً ونوى وقتاً بعينه تقيد به وإِن لم ينو لم يحنث حتى ييئس من فعله إِما بتلف المحلوف عليه أو موت الحالف ونحو ذلك. وإِذا حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها استحب له الحنث والتكفير. ¬

_ (¬1) أي من شروط وجوب الكفارة. (¬2) أي من شروط وجوب الكفارة.

ولا يستحب تكرار الحلف، وإِن دعي إِلى الحلف عند الحاكم وهو محق استحب له افتداء يمينه فإِن حلف فلا بأس. فصل وإِن حرَّم أمته أو شيئاً من الحلال لم يحرم وعليه كفارة يمين إِن فعله، ويحتمل إِن يحرم تحريماً تزيله الكفارة. وإِن قال هو يهودي، أو كافر، أو برئ من الله تعالى أو الإِسلام أو القرآن أو النبي عليه السلام إِن فعل ذلك، فقد فعل محرماً وعليه كفارة إِن فعل في إِحدى الروايتين. وإِن قال: أنا أستحل الزنا أو نحوه فعلى وجهين، وإِن قال عصيت الله، أو أنا أعصي الله في كل ما أمرني به، أو محوت المصحف إِن فعلت كذا؛ فلا كفارة فيه، وإِن قال عبد فلان حر لأفعلن فليس بشيء، وعنه عليه كفارة إِن حنث. وإِن قال: أيمان البيعة تلزمني فهي يمين رتبها الحجاج تشتمل على اليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق وصدقة المال، فإِن كان الحالف يعرفها ونواها انعقدت يمينه بما فيها، وإِلا فلا شيء عليه، ويحتمل أن لا تنعقد بحال إِلا في الطلاق والعتاق، وإِن قال علي نذر أو يمين إِن فعلت كذا وفعله، فقال أصحابنا عليه كفارة يمين. فصل في كفارة اليمين وهي تجمع تخييراً أو ترتيباً فيخير فيها بين ثلاثة أشياء: إِطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة. والكسوة للرجل ثوب يجزئه أن يصلي فيه وللمرأة درع وخمار، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام

باب جامع الأيمان

متتابعة إِن شاء قبل الحنث وإِن شاء بعده، ولا يجوز تقديمها على اليمين. ومن كرر أيماناً قبل التكفير فعليه كفارة واحدة، وعنه لكل يمين كفارة، والظاهر أنها إِن كانت على فعل واحد فكفارة واحدة، وإِن كانت على أفعال فعليه لكل يمين كفارة، وإِن كانت الأيمان مختلفة الكفارة: كالظهار واليمين بالله تعالى فلكل يمين كفارتها. وكفارة العبد الصيام وليس لسيده منعه منه. ومن نصفه حر فحكمه في الكفارة حكم الأحرار. باب جامع الأيمان ويرجع في الأيمان إِلى النية، فإِن لم يكن فيها نية رجع إِلى سبب اليمين وما هيَّجها: فإِذا حلف لَيَقْضِيَنَّه حقه غداً فقضاه قبله لم يحنث إِذا قصد أن لا يتجاوزه أو كان السبب يقتضيه، وإِن حلف لا يبيع ثوبه إِلا بمائه فباعه بأكثر لم يحنث وإِن باعه بأقل حنث، وإِن حلف لا يدخل داراً ونوى اليوم لم يحنث بالدخول في غيره. وإِن دعي إِلى غداء فحلف لا يتغدى اختصت يمينه به إِذا قصد، وإِن حلف لا يشرب له الماء من العطش يقصد قطع المِنَّةِ حنث بأكل خبزه واستعارة دابته وكل ما فيه المنة. وإِن حلف لا يلبس ثوباً من غزلها يقصد قطع مِنَّتِها فباعه واشترى بثمنه ثوباً فلبسه حنث وكذلك إِن انتفع بثمنه. وإِن حلف لا يأوي معها في دار يريد جفاءها ولم يكن لدار سبب هيج يمينه فأوى معها في غيرها حنث، وإِن حلف لعامل لا يخرج إِلا بإِذنه فعزل، أو على زوجته فطلقها، أو على عبده فأعتقه ونحوه، يريد ما دام كذلك انحلت يمينه، وإِن لم تكن له نية انحلت أيضاً، ذكره القاضي لأن الحال تصرف اليمين إِليه، وذكر في موضع آخر: أن السبب إِذا كان يقتضي التعميم عممناها به، وإِن اقتضى الخصوص مثل: من نذر

فصل

لا يدخل بلداً لظلم رآه فيه فزال الظلم فقال أحمد النذر يُوَفَّى به، والأول أولى لأن السبب يدل على إِرادته فصار كالمنوي سواء، وإِن حلف لا رأيت منكراً إِلا رفعته إِلى فلان القاضي فعزل انحلت يمينه إِن نوى ما دام قاضياً، وإِن لم ينو احتمل وجهين. فصل فإِن عدم ذلك رجع إِلى التعيين: فإِذا حلف لا يدخل دار فلان هذه فدخلها وقد صارت فضاءً أو حماماً، أو مسجداً، أو باعها فلان، أو لا لبِسْتُ هذا القميص فجعله سراويل أو رداء أو عمامة ولبسه، أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخاً، أو امرأة فلان، أو صديقة فلاناً، أو غلامه سعداً: فطلقت الزوجة، وزالت الصداقة، وعتق العبد فكلمهم، أو لا أكلت لحم هذا الحمل فصار كبشاً، أو لا أكلت هذا الرطب فصار تمراً أو دبساً أو خلًا، أو لا أكلت هذا اللبن فتغير وعمل منه شيء فأكله، حنث في ذلك كله ويحتمل أن لا يحنث. فصل فإِن عُدم ذلك رجعنا إِلى ما يتناوله الاسم. والأسماء تنقسم ثلاثة أقسام: شرعية. وحقيقية. وعرفية. فأما الشرعية: فهي أسماء لها موضوع في الشرع وموضوع في اللغة كالصلاة والصوم والزكاة والحج ونحوه، واليمين المطلقة تنصرف إِلى

فصل

الموضوع الشرعي وتتناول الصحيح منه؛ فإِذا حلف لا يبيع فباع بيعاً فاسداً، أو لا ينكح فنكح نكاحاً فاسداً لم يحنث إِلا أن يضيف اليمين إِلى شيء لا يتصور فيه الصحة مثل: أن يحلف لا يبيع الخمر أو الحر فيحنث بصورة البيع، وذكر القاضي فيمن قال لامرأته: إِن سرقت مني شيئاً وبعتنيه فأنت طالق ففعلت لم تطلق والأول أولى. وإِن حلف لا يصوم لم يحنث حتى يصوم يوماً، وإِن حلف لا يصلي لم يحنث حتى يصلي ركعة، وقال القاضي إِن حلف لا صليت صلاة لم يحنث حتى يفرغ مما يقع عليه اسم الصلاة، وإِن حلف لا يصلي حنث بالتكبير. وإِن حلف لا يهب زيداً شيئاً ولا يوصي له، ولا يتصدق عليه، ففعل ولم يقبل زيد حنث، وإِن حلف لا يتصدق عليه فوهبه لم يحنث، وإِن حلف لا يهبه فتصدق عليه حنث، وقال أبو الخطاب لا يحنث وإِن أعاره لم يحنث إِلا عند أبي الخطاب، وإِن وقف عليه حنث، وإِن وصّى له لم يحنث، وإِن باعه وحاباه حنث، ويحتمل أن لا يحنث. فصل القسم الثاني الأسماء الحقيقية: إِذا حلف لا يأكل اللحم فأكل الشحم أو المخ أو الكبد أو الطحال أو القلب أو الكرش أو المصران أو الإِلية والدماغ والقانصة لم يحنث، وإِن أكل المرق لم يحنث وقد قال أحمد: لا يعجبني، قال أبو الخطاب: هذا على سبيل الورع وإِن حلف لا يأكل الشحم فأكل شحم الظهر حنث، وإِن حلف لا يأكل لبناً فأكل زبداً أو سمناً أو كشكاً أو مصلاً أو جبناً لم يحنث، وإِن حلف على الزبد والسمن فأكل لبناً لم يحنث. وإِن حلف على الفاكهة فأكل من ثمر الشجر كالجوز (¬1) واللوز والتمر ¬

_ (¬1) كالجوز: كذا في "م" وفي "ط": كالموز.

والرمان حنث، وإِن أكل البطيخ حنث، ويحتمل أن لا يحنث، ولا يحنث بأكل القثاء والخيار، وإِن حلف لا يأكل رطباً فأكل مذنباً حنث، وإِن أكل تمراً أو بُسْراً، أو حلف لا يأكل تمراً فأكل رطباً (¬1) أو دبساً أو ناطفاً لم يحنث، وإِن حلف لا يأكل أدماً حنث بأكل الشواء والبيض والجبن والملح والزيتون واللبن وسائر ما يصطبغ به، وفي التمر وجهان. وإِن حلف لا يلبس شيئاً فلبس ثوباً أو درعاً أو جوشناً أو خفاً أو نعلاً حنث، وإِن حلف لا يلبس حلياً فلبس حلية ذهب أو فضة أو جوهر حنث، وإِن لبس عقيقاً أو سَبَجاً لم يحنث، وإِن لبس الدراهم والدنانير في مرسلة فعلى وجهين. وإِن حلف لا يركب دابة فلان ولا يلبس ثوبه ولا يدخل داره فركب دابة عبده ولبس ثوبه ودخل داره أو فعل ذلك فيما استأجره فلان حنث. وإِن ركب دابة استعارها لم يحنث، وإِن حلف لا يركب دابة عبده فركب دابة جعلت برسمه حنث. وإِن حلف لا يدخل داراً فدخل سطحها، حنث وإن دخل طاق الباب احتمل وجهين. وإِن حلف لا يكلم إِنساناً حنث بكلام كل إِنسان، وِإن زجره فقال تنح أو اسكت حنث، وإِن حلف لا يبتديه بكلام فتكلما معاً حنث، وإِن حلف لا يكلمه حيناً فذلك ستة أشهر، نص عليه، وإِن قال زمناً أو دهراً أو بعيداً أو ملياً أو الزمان، رجع إِلى أقل ما يتناوله اللفظ، وإِن قال عمراً احتمل ذلك واحتمل (¬2) أن يكون أربعين (¬3) عاماً. وقال القاضي هذه الألفاظ ¬

_ (¬1) رطباً: زيادة من "ط". (¬2) سقطت الكلمة من "م". (¬3) كلمة (أربعين) سقطت من "م" أيضاً.

فصل

كلها مثل الحين إِلا بعيداً وملياً فإِنه على أكثر من شهر، وإِن قال الأبد والدهر فذلك على الزمان كله. والحُقْبُ ثمانون سنة، والشهور اثنا عشر شهراً عند القاضي، وعند أبي الخطاب ثلاثة كالأشهر والأيام ثلاثة، وإِن حلف لا يدخل باب هذه الدار فحول فدخله حنث، وإِن حلف لا يكلمه إِلى حين الحصاد انتهت يمينه بأوله، ويحتمل أن يتناول جميع مدته، وإِن حلف لا مال له، وله مال غير زكوي، أو دين على الناس حنث، وإِذا حلف لا يفعل شيئاً فوكل من يفعله حنث إِلا أن ينوي. فصل فأما الأسماء العرفية: فهي أسماء اشتهر مجازها حتى غلب على الحقيقة: كالرواية والظعينة والدابة والغائط والعذرة ونحوها، فتتعلق اليمين بالعرف دون الحقيقة، وإِن حلف على وطء امرأة تعلقت يمينه بجماعها، وإِن حلف على وطء دار تعلقت بدخولها راكباً أو ماشياً أو حافياً أو منتعلاً. وإِن حلف لا يشم الريحان فشم الورد والبنفسج والياسمين أو لا يشم الورد والبنفسج فشم دهنهما أو ماء الورد، فالقياس أنه لا يحنث، وقال بعض أصحابنا يحنث. وإِن حلف لا يأكل لحماً فأكل سمكاً حنث عند الخرقي. ولم يحنث عند ابن أبي موسى، وإِن حلف لا يأكل راساً ولا بيضاً حنث بأكل رؤوس الطيور والسمك وبيض السمك والجراد عند القاضي، وعند أبي الخطاب لا يحنث إِلا بأكل رأس جرت العادة بأكله منفرداً، أو بيض يزايل بائضه حال الحياة. وإِن حلف لا يدخل بيتاً فدخل مسجداً أو حماماً أو بيت شَعْرِ أو أُدْمٍ، أو لا يركب فركب سفينة، حنث عند أصحابنا ويحتمل أن لا يحنث، وإِن

فصل

حلف لا يتكلم فقرأ أو سبح أو ذكر الله تعالى لم يحنث، وإِن دق عليه إِنسان فقال: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46]. يقصد تنبيهه، لَمْ يحنث وإِن حلف لا يضرب امرأته فخنقها أو نتف شعرها أو عضها حنث، وإِن حلف ليضربنه مائة سوط فجمعها فضربه بها ضربة واحدة لم يبرَّ في يمينه. فصل وإِن حلف لا يأكل شيئاً فأكله مستهلكاً في غيره مثل: أن لا يأكل لبناً فأكل زبداً، أو لا يأكل سمناً فأكل خبيصاً فيه سمن لا يظهر طعمه، أو لا يأكل بيضاً فأكل ناطفاً، أو لا يأكل شحماً فأكل اللحم الأحمر، أو لا يأكل شعيراً فأكل حنطة فيها حبات شعير لم يحنث، وإِن ظهر طعم السمن أو طعم شيء من المحلوف عليه حنث، وقال الخرقي: يحنث بأكل اللحم الأحمر وحده، وقال غيره: يحنث بأكل حنطة فيها حبات شعير. فصل وإِن حلف لا يأكل سويقاً فشربه، أو لا يشربه فأكله، فقال الخرقي: يحنث، وقال أحمد فيمن حلف لا يشرب نبيذاً فثرد فيه وأكله لا يحنث، فيخرج في كل ما حلف لا يأكله فشربه أو لا يشربه فأكله وجهان، وقال القاضي: إِن عيَّن المحلوف عليه حنث، وإِن لم يعينه لم يحنث، وإِن حلف لا يطعمه حنث بأكله وشربه، وإِن ذاقه ولم يبتلعه لم يحنث، وإِن حلف لا يأكل مائعاً فأكله بالخبز حنث. فصل وإِن حلف لا يتزوج ولا يتطهر ولا يتطيب فاستدام ذلك لم يحنث، وِإن حلف لا يركب ولا يلبس فاستدام ذلك حنث، وإِن حلف لا يدخل

فصل

داراً هو داخلها فأقام فيها حنث عند القاضي، ولم يحنث عند أبي الخطاب، وإِن حلف لا يدخل على فلان بيتاً فدخل فلان عليه فأقام معه فعلى الوجهين، وإِن حلف لا يسكن داراً ولا يساكن فلاناً وهو مساكنه فلم يخرج في الحال حنث، إِلا أن يقيم لنقل متاعه أو يخشى على نفسه الخروج فيقيم إِلى أن يمكنه، فإِن خرج دون متاعه وأهله حنث إِلا أن يودع متاعه أو يعيره وتأبى امرأته الخروج معه ولا يمكنه إِكراهها فيخرج وحده فلا يحنث، وإِن حلف لا يساكن فلاناً فبنيا بينهما حائطاً وهما متساكنان حنث، وإِن كان في الدار حجرتان كل حجرة تختص ببنائها ومرافقها (¬1) فسكن كل واحد حجرة لم يحنث. وإِن حلف ليخرجن من هذه البلدة فخرج وحده دون أهله بَرَّ، وإِن حلف ليخرجن من الدار فخرج دون أهله لم يبر، وإِن حلف ليخرجن من هذه البلدة (¬2) أو ليرحلن عن هذه الدار ففعل، فهل له العود إِليها؟ على روايتين. فصل إِذا حلف لا يدخل داراً فحمل فأُدْخِلَها ويمكنه الامتناع فلم يمتنع، أو حلف لا يستخدم رَجُلاً فخدمه وهو ساكت، فقال القاضي: يحنث، ويحتمل أن لا يحنث. وإِن حلف ليشربن الماء، أو ليضربن غلامه غداً، فتلف المحلوف عليه قبل الغد حنث عند الخرقي، ويحتمل أن لا يحنث، وإِن مات الحالف لم يحنث. وإِن حلف ليقضينه حقه فأبرأه فهل يحنث؟ على وجهين. وإِن مات ¬

_ (¬1) إِلى هنا انتهى السقط في "ش". (¬2) كلمة (البلدة) سقطت من "م".

باب النذر

المستحق فقضى ورثته لم يحنث، وقال القاضي: يحنث، وإِن باعه بحقه عَرَضاً لم يحنث عند ابن حامد، وحنث عند القاضي، وإِن حلف ليقضينه حقه عند رأس الهلال فقضاه عند غروب الشمس في أول الشهر برَّ. وإِن حلف لا فارقته حتى أستوفي حقي فهرب منه حنث، نص عليه، وقال الخرقي لا يحنث، وإِن فَلَّسه الحاكم فحكم عليه بفراقه خرج على الروايتين، وإِن حلف لا افترقنا فهرب منه حنث (¬1)، وقدر الفراق ما عده الناس فراقاً، كفرقة البيع والله أعلم (¬2). باب النذر وهو أن يُلْزِم نفسه لله تعالى شيئاً. ولا يصح إِلا من مكلف مسلماً كان أو كافراً، ولا يصح إِلا بالقول، فإِن نواه من غير قول لم يصح، ولا يصح في مُحالٍ ولا واجبٍ: فلو قال لله عليّ صوم أمس، أو صوم رمضان لم ينعقد. والنذر المنعقد على خمسة أقسام: أحدها النذر المطلق: وهو أن يقول: لله عليّ نذر. فيجب به كفارة يمين. الثاني نذر اللَّجاج والغضب: وهو ما يقصد به المنع من شيءٍ غَيْرَه (¬3)، أو الحمل عليه، كقوله إِن كلمتك فلله علي الحج، أو صوم سنة، أو عتق عبدي، أو الصدقة بمالي [فهذا يمين يتخير بين فعله والتكفير (¬4)]. ¬

_ (¬1) عبارة: (وإِن حلف لا افترقنا. .) كذا في "ش" و"ط" وفي "م": (وإِن حلف لا فارقتك حتى أستوفي حقي)، وزاد فيها بعد عبارة: (فهرب منه): عبارة: نص عليه. (¬2) عبارة: (والله أعلم): زيادة من "ط". (¬3) غيره: كذا في "ش" وسقطت الكلمة من "م" و"ط" ولو قال: منع غيره من شيء أو حمله عليه لكان أفصح وأوضح. (¬4) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش".

فصل

الثالث نذر المباح كقوله: لله عليّ أن ألبس ثوبي، أو أركب دابتي، فهذا كاليمين يتخير بين فعله وبين كفارة اليمين، فإِن نذر مكروهاً كالطلاق استُحِبَّ أن يكفر ولا يفعله. الرابع نذر المعصية: كشرب الخمر، وصوم يوم الحيض ويوم النحر، فلا يجوز الوفاء به ويكفر، إِلا أن ينذر نحر ولده ففيه روايتان: إِحداهما أنه كذلك. والثانية يلزمه ذبح كبش. ويحتمل أن لا ينعقد النذر المباح ولا المعصية ولا يجب به كفارة، ولهذا قال أصحابنا لو نذر الصلاة أو الاعتكاف في مكان معين فله فعله في غيره ولا كفارة عليه. ولو نذر الصدقة بكل ماله فله الصدقة بثلثه ولا كفارة عليه، وإِن نذر الصدقة بألف لزمه جميعه وعنه يجزئه ثلثه. فصل الخامس نذر التبرر: كنذر الصلاة والصيام والصدقة والاعتكاف والحج والعمرة ونحوها من القُرَب. على وجه التقرُّب سواء نذره مطلقاً أو علقه بشرط يرجوه، فقال: إِن شفى الله مريضي، أو سلَّم الله مالي فلله علي كذا فمتى وجد شرطه انعقد نذره ولزمه فعله. وإِن نذر صوم سنة لم يدخل في نذره رمضان ويوما العيدين، وفي أيام التشريق روايتان، وعنه ما يدل على أنه يقضي يومي العيدين وأيام التشريق، وإِذا نذر صوم يوم الخميس فوافق يوم عيد أو حيض، أفطر وقضى وكفر، وعنه يكفر من غير قضاء، ونُقل عنه ما يدل على أنه إِن صام يوم العيد صح صومه، وإِن وافق أيام التشريق فهل يصومه؟ على روايتين. وإِذا نذر صوم يوم يَقْدُم فلان فقدم ليلاً فلا شيء عليه، وإِن قدم نهاراً فعنه ما يدل على أنه لا ينعقد نذره، ولا يلزمه إِلا إِتمام صيام ذلك اليوم إِن

لم يكن أفطر، وعنه أنه يقضي ويكفر سواء قدم وهو مفطر أو صائم، وإِن وافق قدومه يوماً من رمضان فقال الخرقي: يجزئه صيامه لرمضان ونذره، وقال غيره: عليه القضاء، وفي الكفارة روايتان. وإِن وافق يوم نذره وهو مجنون فلا قضاء عليه ولا كفارة. وإِن نذر صوم شهر معين فلم يصمه لغير عذر فعليه القضاء وكفارة يمين، وإِن لم يصمه لعذر فعليه القضاء، وفي الكفارة روايتان، وإِن صام قبله لم يجزئه، وإِن أفطر في بعضه لغير عذر لزمه استئنافه ويكفر، ويحتمل أن يتم باقيه ويقضي ويكفر. وإِذا نذر صوم شهر لزمه التتابع، وإِن نذر صيام أيام معدودة لم يلزمه التتابع إِلا أن يشترطه. وإِن نذر صياماً مُتتابعاً فأفطر لمرض أو حيض قضى لا غير، وإِن أفطر لغير عذر لزمه الاستئناف، وإِن أفطر لسفر أو ما يبيح الفطر فعلى وجهين. وإِن نذر صياماً فعجز عنه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم عنه لكل يوم مسكيناً، ويحتمل أن يكفر ولا شيء عليه. وِإن نذر المشي إِلى بيت الله الحرام أو موضع من الحرم لم يجزئه إِلا أن يمشي في حج أو عمرة، فإِن ترك المشي لعجز أو غيره فعليه كفارة يمين، وعنه عليه دم، وإِن نذر الركوب فمشى ففيه الروايتان، وإِن نذر رقبة فهي التي تجزئ عن الواجب، إِلا أن ينوي رقبة بعينها، وإِن نذر الطواف على أربع طاف طوافين نص عليه (¬1). * * * ¬

_ (¬1) لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه عند البخاري رقم (1866) وعند مسلم رقم (1644) الذي قال فيه - صلى الله عليه وسلم - حين سئل في مثل هذا الأمر: "لتمش ولتركب".

كتاب القضاء

كتاب القَضَاء وهو فرض كفاية. قال أحمد رحمه الله تعالى: لا بُدَّ للناس من حاكم، أتذهب حقوق الناس؟ فيجب على الإِمام أن ينصب في كل إِقليم قاضياً، ويختار لذلك أفضل من يجد وأورعهم، ويأمرهم بتقوى الله، وإِيثار طاعته في سره وعلانيته، وتحري العدل، والاجتهاد في إِقامة الحق، وأن يستخلف في كل صقع أصلح من يقدر عليه لهم. ويجب على من يصلح له إِذا طلب ولم يوجد غيره ممن يوثق به الدخول فيه، وعنه أنه سئل هل يأثم القاضي بالامتناع إِذا لم يوجد غيره [ممن يوثق به؟ (¬1)] قال: لا يأثم، وهذا يدل على أنه ليس بواجب، فإِن وجد غيره كُرِه له طلبه بغير خلاف في المذهب، وإِن طُلِبَ فالأفضل له أن لا يجيب إِليه في ظاهر كلام أحمد، وقال ابن حامد: الأفضل الإِجابة إِليه إِذا أَمِنَ نفسه. ولا تثبت ولاية القضاء إِلا بتولية الإِمام أو نائبه، ومن شرط صحتها: معرفة المولي كون المُوَلَّى على صفة تصلح للقضاء. وتعيين (¬2) ما يُوَلِّيه الحكم فيه من الأعمال والبلدان. ومشافهته بالولاية أو مكاتبته (¬3) بها. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين زيادة من "ط" و"م". (¬2) تعيين: كذا في "ش" وفي "م" و"ط": ويُعَيِّن. (¬3) أو مكاتبته: كذا في "ش" و"ط" وفي "م": ومكاتبته.

وإِشهاد شاهدين على توليته. وقال القاضي تثبت بالاستفاضة إِذا كان بلده قريباً تستفيض فيه أخبار بلد الإِمام، وهل تشترط عدالة المولى؟ على روايتين. وألفاظ التولية الصريحة سبعة: وليتك الحكم. وقلدتك. واستنبتك. واستخلفتك. ورددت إِليك. وفوضت إِليك. وجعلت لك الحكم. فإِذا وُجد لفظ منها والقبول من المُوَلّى انعقدت الولاية. والكناية نحو: اعتمدت عليك. أو عولت عليك (¬1). ووكلت إِليك. وأسندت إِليك الحكم. فلا ينعقد بها حتى يقترن بها قرينة نحو: فاحكم، أو فتولَّ ما عَوَّلْتُ عليك فيه وما أشبهه. فصل وإِذا ثبتت الولاية وكانت عَامَّة استفاد بها النظر في عشرة أشياء: فصل الخصوات، واستيفاء الحق ممن هو عليه ودفعه إِلى ربه. والنظر في أموال اليتامى والمجانين والسفهاء. والحجر (¬2) على من يرى الحجر عليه لسفه أو فَلَس. والنظر في الوقوف في عمله، بإِجرائها على شرط الواقف. وتنفيذ الوصايا. وتزويج النساء اللاتي لا ولي لهن. ¬

_ (¬1) عبارة: (أو عوَّلتُ عليك) سقطت من "م". (¬2) من هنا بدأ سقط في "ش" شمل معظم كتاب القضاء.

وإِقامة الحدود. وإقامة الجمعة. والنظر في مصالح عمله بكف الأذى عن طريق المسلمين (¬1) وأفنيتهم. وتصفح حال شهوده وأمنائه، والاستبدال بمن ثبت جرحه منهم. فأما جباية الخراج وأخذ الصدقة فعلى وجهين. وَلَهُ طلب الرزق لنفسه وأمنائه وخلفائه (¬2) مع الحاجة، فأما مع عدمها فعلى وجهين. فصل ويجوز أن يوليه عموم النظر في عموم العمل، ويجوز أن يوليه خاصاً في أحدهما أو فيهما: فيوليه عموم النظر في بلد أو محلة خاصة فينفذ قضاؤه في أهله ومن طرأ إِليه، ويجعل إِليه الحكم في المداينات خاصة، أو في قدر من المال لا يتجاوزه، أو يفوض إِليه عقود الأنكحة دون غيرها، ويجوز أن يولي قاضيين أو أكثر في بلد واحد: يجعل إِلى كل واحد منهما (¬3) عملاً، فيجعل إِلى أحدهما الحكم بين الناس، وإِلى الآخر عقود الأنكحة دون غيرها (¬4)، فإِن جعل إِليهما عملاً واحداً جاز. وعند القاضي (¬5) لا يجوز. وإِن مات المولِّي أو عُزِل المُوَلّى مع صلاحيته لم تبطل ولايته في أحد الوجهين، وتبطل في الآخر، وهل ينعزل قبل العلم بالعزل؟ على وجهين ¬

_ (¬1) عبارة: (. . بكف الأذى عن طريق المسلمين) كذا في "ط" وفي "م": (. . بكشف الأذى عن طرقات المسلمين). (¬2) وأمنائه وخلفائه: كذا في "م" و"ط" والأجود أن يعيد الجار في الأول فيقال: ولأمنائه وخلفائه. (¬3) (منهما): زيادة من "م". (¬4) عبارة: (دون غيرها) ليست في "م" زيادة من "ط". (¬5) وعند القاضي: كذا في "ط" وفي "م": وعند أبي الخطاب.

بناءً على الوكيل، وإِذا قال المُوَلّي من نظر في الحكم في البلد الفلاني من فلان وفلان فهو خليفتي أو قد وليته لم تنعقد الولاية لمن ينظر، وإِن قال وليت فلاناً وفلاناً فمن نظر منهم فهو خليفتي انعقدت الولاية. فصل ويشترط في القاضي عشر صفات: أن يكون: بالغاً، عاقلاً، ذكراً، حراً، مسلماً، عدلاً، سميعاً، بصيراً، متكلماً، مجتهداً. وهل يشترط كونه كاتباً؟ على وجهين. والمجتهد من يعرف من كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه السلام: الحقيقة والمجاز، والأمر والنهي، والمجمل والمبين، والمحكم والمتشابه، والخاص والعام، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ، والمستثنى والمستثنى منه. ويعرف من السنة: صحيحها من سقيمها، وتواترها من آحادها، ومرسلها ومتصلها، ومسندها ومنقطعها، مما له تعلق بالأحكام خاصة. ويعرف ما أُجْمِع عليه مما اختلف فيه، والقياس وحدوده وشروطه وكيفية استنباطه، والعربية المتداولة بالحجاز والشام والعراق وما يواليهم، وكل ذلك مذكور في أصول الفقه وفروعه، فمن وقف عليه ورزق فهمه صلح للقضاء والفتيا وبالله التوفيق. فصل وإِن تحاكم رجلان إِلى رجل يصلح للقضاء فَحَكَّماه بينهما فحكم، نفذ حُكْمه في المال، وينفذ في القصاص (¬1). والحد والنكاح واللعان في ¬

_ (¬1) وينفذ في القصاص. . . إلخ كذا في "ط" وفي "م" عطف بالواو أي بإسقاط =

باب أدب القاضي

ظاهر كلامه، ذكره أبو الخطاب، وقال القاضي: لا ينفذ إِلا في الأموال خاصة. باب أدب القاضي ينبغي أن يكون قوياً من غير عنف، ليناً من غير ضعف، حليماً ذا أناة وفطنة، بصيراً بأحكام الحُكَّامِ قبله. وإِذا وُلِّي في غير بلده سأل عن من فيه من الفقهاء والفضلاء والعدول، وينفذ عند مسيره من يعلمهم يوم دخوله ليتلقوه، ويدخل البلد يوم الاثنين أو الخميس أو السبت لابساً أجمل ثيابه، فيأتي الجامع فيصلي فيه ركعتين ويجلس مستقبل القبلة، فإِذا اجتمع الناس أمر بعهده فقرئ عليهم، وأمر من ينادي من له حاجة فليحضر يوم كذا ثم يمضي إِلى منزله، وينفذ؛ فيتسلم ديوان الحكم من الذي كان قبله، ثم يخرج في اليوم الذي وعد بالجلوس فيه على أعدل أحواله: غير غضبان، ولا جائع، ولا شبعان، ولا حاقن، ولا مهموم بأمر يشغله عن الفهم، فيسلم على من يمر به، ثم يسلم على من في مجلسه، ويصلي تحية المسجد إِن كان في مسجد، ويجلس على بساط، ويستعين بالله ويتوكل عليه ويدعوه سراً أن يعصمه من الزلل ويوفقه للصواب ولما يرضيه من القول والعمل. ويجعل مجلسه في مكان فسيح كالجامع والفضاء والدار الواسعة في وسط البلد إِن أمكن. ولا يتخذ حاجباً ولا بواباً إِلا في غير مجلس الحكم إِن شاء. ويعرض القصص فيبدأ بالأول فالأول، ولا يقدم السابق في أكثر من حكومة واحدة، فإِن حضروا دفعة واحدة وتشاحوا قدم أحدهم بالقرعة. ¬

_ = (ينفذ في) وقال: في المال والقصاص والحد. . . إلخ.

ويعدل بين الخصمين في لحظه ولفظه ومجلسه والدخول عليه، إِلا أن يكون أحدهما كافراً فيقدم المسلم عليه في الدخول، ويرفعه في الجلوس وقيل يسوي بينهما، ولا يسار أحدهما، ولا يلقنه حجة، ولا يعلمه كيف يدعي في أحد الوجهين، وفي الآخر يجوز له تحرير الدعوى له إِذا لم يحسن تحريرها، وله أن يشفع إِلى خصمه ليُنْظِرَهُ أو ليضَعَ عنه أو يزن (¬1) عنه. وينبغي أن يحضر مجلسه الفقهاء من كل مذهب إِن أمكن ويشاورهم فيما يشكل عليه، فإِن اتضح له حكم وإِلا أَخَّرَهُ، ولا يقلد غيره وإِن كان أعلم منه، ولا يقضي وهو غضبان ولا حاقن ولا في شدة الجوع والعطش والهم والوجع والنعاس والبرد المؤلم والحر المزعج، فإِن خالف وحكم فوافق الحق نفذ حكمه، وقال القاضي لا ينفذ، وقيل إِن عرض ذلك بعد فهم الحكم جاز وإِلا فلا. ولا يحل له أن يرتشي، ولا يقبل الهدية إِلا ممن كان يهدي إِليه قبل ولايته بشرط أن لا يكون له حكومة. ويكره أن يتولى البيع والشراء بنفسه ويستحب أن يوكل في ذلك من لا يُعْرف أنه وكيله. ويستحب له عيادة المرضى وشهود الجنائز ما لم يشغله عن الحكم، وله حضور الولائم فإِن كثرت تركها كلها ولم يجب بعضهم دون بعض. ويوصي الوكلاء والأعوان على بابه بالرفق بالخصوم، وقلة الطمع، ويجتهد أن يكونوا شيوخاً أو كهولاً من أهل الدين والعفة والصيانة. ويتخذ كاتباً مسلماً مكلفاً عدلاً حافظاً عالماً يجلسه بحيث يشاهد ما يكتبه، ويجعل القمطر مختوماً بين يديه. ¬

_ (¬1) (أو يزن عنه) العبارة كذا في "م" وفي "ط": (ويزن عنه).

فصل

ويستحب أن لا يحكم إِلا بحضرة الشهود، ولا يحكم لنفسه، ولا لمن لا تقبل شهادته له، ويحكم بينهم بعض خلفائه وقال أبو بكر يجوز ذلك. فصل وأول ما ينظر فيه أمر المحبسين، فيبعث ثقة إِلى الحبس فيكتب اسم كل محبوس ومن حبسه وفيم حبسه في رقعة منفردة، ثم يُنادى في البلد أن القاضي ينظر في أمر المحبسين غداً فمن له منهم خصم فليحضر، فإِذا كان الغد وحضر القاضي أحضر رقعة فقال هذه رقعة فلان ابن فلان فمن خصمة؟ فإِن حضر خصمه نظر بينهما، وإِن كان حبس في تهمة أو افتئات على القاضي قبله خلى سبيله. وإِن لم يحضر له خصم وقال حبست ظلماً ولا حق علي ولا خصم لي نادى بذلك ثلاثاً فإِن حضر له خصم وإِلا أَحْلَفَه وخلّى سبيله. ثم ينظر في أمر الأيتام والمجانين والوقوف. ثم في حال القاضي قبله: فإِن كان ممن يصلح للقضاء لم ينقض من أحكامه إِلا ما خالف نص كتاب أو سنة أو إِجماعاً، وإِن كان ممن لا يصلح نقض أحكامه وإِن وافقت الصحيح، ويحتمل أن لا ينقض الصواب منها. وإِن استعداه أحد على خصم له أحضره وعنه لا يحضره حتى يعلم أن لما ادعى أصلاً. وإِن استعداه على القاضي قبله سأله عما يدعيه: فإِن قال لي عليه دين معاملة أو رشوة راسله، فإِن اعترف بذلك أمره بالخروج منه، وإِن أنكر وقال إِنما يريد تبذيلي فإِن عرف أن لما ادعاه أصلاً أحضره وإِلا فلا يحضره؟ على روايتين. وإِن قال حكم علي بشهادة فاسقين فأنكر فالقول قوله بغير يمين. وإِن قال الحاكم المعزول كنت حكمت في ولايتي لفلان على فلان بحق قُبِلَ قوله، ويحتمل أن لا يقبل قوله، وإِن ادعى على

باب طريق الحكم وصفته

امرأة غير برزة لم يحضرها وأمرها بالتوكيل وإِن وجبت عليها اليمين أرسل إِليها من يحلفها. وإِذا ادعي على غائب عن البلد في موضع لا حاكم فيه كتب إِلى ثقات من أهل ذلك الموضع ليتوسطوا بينهما، فإِن لم يقبلوا قيل للخصم حقق ما تدعيه، ثم يحضره وإِن بعدت المسافة. باب طريق الحكم وصفته إِذا جلس إِليه خصمان فله أن يقول: من المدعي منكما، وله أن يسكت حتى يبتدئا، فإِن سبق أحدهما بالدعوى قدمه، وإِن ادعيا معاً قدم أحدهما بالقرعة فإِذا انقضت حكومته سمع دعوى الآخر، ثم يقول للخصم ما تقول فيما ادعاه، ويحتمل أن لا يملك سؤاله حتى يقول المدعي أسألُ سُؤَالَه عن ذلك، فإِن أقرَّ له لم يحكم حتى يطالبه المدعي بالحكم، وإِن أنكر مثل أن يقول المدعي: أقرضته ألفاً أو بعته. فيقول: ما أقرضني ولا باعني، أو ما يستحق علي ما ادعاه ولا شيئاً منه، أو لا حق له علي صح الجواب، وللمدعي أن يقول لي بينة، فإِن لم يقل قال الحاكم ألك بينة؟ فإِن قال: لي بينة، أمره بإِحضارها فإِن أحضرها سمعها الحاكم وحكم بها إِذا سأله المدعي. ولا خلاف في أنه يجوز له الحكم بالإِقرار والبينة في مجلسه إِذا سمعه معه شاهدان، فإِن لم يسمعه معه أحد أو سمعه معه شاهد واحد فله الحكم، به نص عليه، وقال القاضي: لا يحكم به وليس له الحكم بعلمه مما رآه وسمعه، نص عليه. وهو اختيار الأصحاب. وعنه ما يدل على جواز ذلك سواء كان في حَدٍّ أو غيره. وإِن قال المدعي مالي بينة فالقول قول المنكر مع يمينه، فيعلمه أن له اليمين على خصمه وإِن سأل إِحْلاَفه أحلفه وخلى سبيله وإِن أحلفه أو

حلف هو من غير سؤال المدعي يعتد بيمينه (¬1)، وإِن نكل قضى عليه بالنكول، نص عليه واختاره عامة شيوخنا، فيقول له: إِن حلفت وإِلا قضيت عليك ثلاثاً، فإِن لم يحلف قضى عليه إِذا سأل المدعي ذلك، وعند أبي الخطاب: تُرَدُّ اليمين على المدعي، وقال: قد صوبه أحمد. وقال: ما هو ببعيد يحلف ويأخذ، فيقال للناكل: لك رد اليمين على المدعي فإِن ردَّها حلف المدعي وحكم له، وإِن نكل أيضاً صرفهما، فإِن عاد أحدهما فبذل اليمين لم يسمعها في ذلك حتى يحتكما في مجلس آخر. وإِن قال المدعي: لي بينة بعد قوله ما لي بيِّنة لم تُسْمَعْ، ذكره الخرقي، ويحتمل أن تسمع. وإِن قال ما أعلم لي بينة ثم قال قد علمت لي بينة سُمِعَتْ. وإِن قال شاهدان: نحن نشهد لك، فقال: هذان بينتي سُمِعَتْ، وإِن قال: ما أريد أن تشهدا لي لم يكلف إِقامة البينة، وإِن قال لي بينة وأريد يمينه فإِن كانت غائبة فله إِحلافه، وإِن كانت حاضرة فهل له ذلك؟ على وجهين. وإِن حلف المنكر ثم أحضر المدعي بينة حكم بها ولم تكن اليمين مزيلة للحق. وإِن سكت المدعى عليه فلم يقر ولم ينكر قال له القاضي: إِن أجبت وإِلا جعلتك ناكلاً وقضيت عليك، وقيل يحبسه حتى يجيب، وإِن قال لي مخرج مما ادعاه لم يكن مجيباً، وإِن قال لي حساب أريد أن أنظر فيه (¬2) لم يلزم المدعي إِنظاره، وإِن قال قد قضيته أو أبرأني ولي بينة بالقضاء أو الإِبراء وسأل الإِنظار أنظر ثلاثاً، وللمدعي ملازمته فإِن عجز حلف المدعي على نفي ما ادعاه واستحق، فإِن ادعى عليه عيناً في يده فأقر بها لغيره جعل ¬

_ (¬1) يعتد بيمينه: كذا في "ط" وفي "م": لم يعتد. (¬2) عبارة: (لي حساب أريد أن أنظر فيه) كذا في "ط" وفي "م": (لي حساب أو ديوان أنظر فيه) والمعنى واحد.

فصل

الخصم فيها وهل يحلف المدَّعى عليه؟ على وجهين. فإِن كان المقر له حاضراً مكلفاً سئل فإِن ادعاها لنفسه ولم تكن بينة حلف وأخذها، وإِن أقر بها للمدعي سلمت إِليه، وإِن قال ليست لي ولا أعلم لمن هي سلمت إلى المدعي في أحد الوجهين، وفي الآخر لا تسلم إِليه إِلا ببينة ويجعلها الحاكم عند أمين. وإِن أقر بها الغائب أو صبي أو مجنون سقطت عنه الدعوى. ثم إِن كان للمدعي بينة سلمت إِليه وهل يحلف؟ على وجهين. وإِن لم يكن له بينة حلف المُدَّعى عليه أنه لا يلزمه تسلميها إِليه، وأُقرت في يده إِلا أن يقيم بينة أنها لمن سمى فلا يحلف. وإِن أقر بها لمجهول قيل له إِما أن تعرفه أو نجعلك ناكلاً. فصل ولا تصح الدعوى إِلا محررة تحريراً يُعلَم بها المُدَّعى إِلا في الوصية والإِقرار فإِنها تجوز بالمجهول، فإِن كان المُدَّعى عيناً حاضرة عَيَّنها، وإِن كانت غائبة ذكر صفاتها إِن كانت تنضبط بها، والأولى ذكر قيمتها، وإِن كانت تالفة من ذوات الأمثال ذكر قدرها وجنسها وصفتها، وإِن ذكر قيمتها كان أولى، وإِن لم تنضبط بالصفات فلابد من ذكر قيمتها. وإِن ادعى نكاحاً فلابد من ذكر المرأة بعينها إِن حضرت وإِلا ذكر اسمها ونسبها، وذكر شروط النكاح، وأنه تزوجها بولي مرشد وشاهدي عدل ورضاها في الصحيح من المذهب. وإِن ادعى بيعاً أو عقداً سواه فهل يشترط ذكر شروطه؟ يحتمل وجهين. وإِن ادعت المرأة نكاحاً على رجل، وادعت معه نفقة أو مهراً سمعت دعواها، وإِن لم تَدَّع سوى النكاح فهل تسمع دعواها؟ على وجهين. وإِن ادعى قتل موروثه ذكر القاتل، وأنه انفرد به أو شارك غيره، وأنه قتله عمداً أو خطأ أو شبه عمد. ويصفه، وإِن ادعى الإِرث ذكر سببه.

فصل

وإِن ادعى شيئاً محلى قوَّمه بغير جنس حليته: فإِن كان محلى بذهب وفضة قومه بما شاء منهما للحاجة. فصل ويعتبر في البينة العدالة ظاهراً وباطناً في اختيار أبي بكر والقاضي، وعنه تقبل شهادة كل مسلم لم تظهر منه ريبة، اختاره الخرقي، وإِن جهل إِسلامه رجع إِلى قوله والعمل على الأول. وإِذا علم الحاكم عدالتهما عمل بعلمه وحكم بشهادتهما إِلا أن يرتاب بهما، فيفرقهما، ويسأل كل واحد: كيف تحملت؟ ومتى؟ وفي أي موضع؟ (¬1) وهل كنت وحدك أو أنت وصاحبك؟ فإِن اختلفا لم يقبلهما، وإِن اتفقا وعظهما وخوفهما، فإِن ثبتا حكم بهما إِذا سأله المدعي، فإِن جرحهما المشهود عليه كُلِّف البيِّنة بالجرح، فإِن سأل الإِنظار أُنظر ثلاثاً، وللمدعي ملازمته، فإِن لم يُقِمْ بينة حكم عليه، ولا يسمع الجرح إِلا مفسراً بما يقدح في العدالة إِما أن يراه أو يستفيض عنه. وعنه أنه يكفي أن يشهد أنه فاسق وليس بعدل، وإِن شهد عنده فاسق يعرف حاله قال للمدعي زدني شهوداً، وإِن جهل حاله طالب المدعي بتزكيته، ويكفي في التزكية شاهدان يشهدان أنه عدلٌ مرضيٌّ ولا يحتاج أن يقول عليّ ولي. وإِن عدَّله اثنان وجرحه اثنان فالجرح أولى، وإِن سأل المُدَّعِي حبس المشهود عليه حتى يزكى شُهُودَهُ، فهل يحبس؟ على وجهين. وإِن أقام شاهدًا وسأله حَبْسَهُ حتى يقيم الآخر حَبَسَهُ إِن كان في المال، وإِن كان في غيره فعلى وجهين. وإِن حاكم إِليه من لا يعرف لسانه ترجم له من يعرف لسانه ولا يقبل في ¬

_ (¬1) كلمة: (موضع) سقطت من "م".

فصل

الترجمة والجرح والتعديل والتعريف والرسالة إِلا قول عدلين، وعنه يقبل قول واحد، ومن ثبتت عدالته مرة فهل يحتاج إِلى تجديد البحث عن عدالته مرة أخرى؟ على وجهين. فصل وإِن ادعى على غائب أو مستتر في البلد أو ميت أو صبي أو مجنون وله بينة سمعها الحاكم وحكم بها. وهل يحلف المدعي أنه لم يبرأ إِليه منه ولا من شيء منه؟ على روايتين. ثم إِذا قدم الغائب أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون فهو على حجته. وِإن كان الخصم في البلد غائباً عن المجلس لم تسمع البينة حتى يحضر فإِن امتنع عن الحضور سمعت البينة وحكم بها في إِحدى الروايتين، والأخرى لا تسمع حتى يحضر، فإِن أبى بعث إِلى صاحب الشرطة ليحضره فإِن تكرر منه الاستتار أقعد على بابه من يضيق عليه في دخوله وخروجه حتى يحضر. وإِن ادعى أن أباه مات عنه وعن أخ له غائب، وله مال في يد فلان أو دين عليه، فأقر المُدَّعى عليه أو ثبتت ببينة، سُلِّم إِلى المدعي نصيبه وأخذ الحاكم نصيب الغائب فيحفظه له، ويحتمل أنه إِذا كان المال ديناً أن يترك نصيب الغائب في ذمة الغريم حتى يقدم. وإِن ادعى إِنسان أن الحاكم حكم له بحق فصدقه قبل قول الحاكم وحده، وإِن لم يذكر الحاكم ذلك، فشهد عدلان أنه حكم له به قبل شهادتهما وأمضى القضاء، وكذلك إِن شهدا أن فلاناً وفلاناً شهدا عندك بكذا قبل شهادتهما، وإِن لم يشهد به أحد لكن إِن (¬1) وجده في قمطره في صحيفة تحت ختمه بخطه فهل ينفذه؟ على روايتين. وكذلك الشاهد إِذا رأى خطه في كتاب بشهادة ولم يذكرها فهل له أن يشهد بها؟ على روايتين. ¬

_ (¬1) كلمة (إِن): زيادة من "م".

فصل

فصل ومن كان له على إِنسان حق ولم يمكنه أخذه بالحاكم، وقدر له على مال لم يجز له أن يأخذ قدر حقه، نصَّ عليه، واختاره عامة شيوخنا، وذهب بعضهم من المُحْدثين إِلى جواز ذلك، فإِن قدر على جنس حقه أخذ قدر حقه وإِلا قومه وأخذ بقدر حقه متحريًا للعدل في ذلك لحديث هند: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" (¬1). ولقوله عليه السلام: "الرَّهْنُ مركوبٌ ومحلوب" (¬2). وحكم الحاكم لا يزيل الشيء عن صفته في الباطن، وذكر ابن أبي موسى عنه رواية أنه يزيل العقود والفسوخ. باب حكم (¬3) كتاب القاضي إِلى القاضي يقبل كتاب القاضي إِلى القاضي في المال وما يقصد به المال: كالقرض والغصب، والبيع، والإِجارة، والرهن، والصلح، والوصية له، والجناية الموجبة للمال، ولا يقبل في حد لله تعالى، وهل يقبل فيما ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه. (¬2) ذكره بهذا اللفظ ابن عبد البرّ في "التمهيد" (4396 - 440) وابن القيسراني في "تذكرة الموضوعات" (1062) (طبعة السلفية) وهو في "السنن الكبرى" للبيهقي (386) و"المستدرك على الصحيحين" للحاكم (582) بلفظ: "الرهن محلوب ومركوب" وانظر "المغني" للمصنف (5116) بتحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، والدكتور عبد الفتاح محمد الحلو. (¬3) لفظ: (حكم) في العنوان زيادة من "م".

عدا ذلك: مثل القصاص، والنكاح، والطلاق، والخلع، والعتق، والنسب، والكتابة، والتوكيل، والوصية إِليه؟ على روايتين. فأما حد القذف فإِن قلنا هو لله تعالى فلا يقبل فيه، وإِن قلنا للآدمي فهو كالقصاص. ويجوز كتاب القاضي فيما حكم به لينفذه في المسافة القريبة ومسافة القصر، ويجوز فيما ثبت عنده ليحكم به في المسافة البعيدة دون القريبة، ويجوز أن يكتب إِلى قاض معين، وإِلى من يصل إِليه كتابي هذا من قضاة المسلمين وحكامهم، ولا يقبل الكتاب إِلا أن يشهد به شاهدان يحضرهما القاضي الكاتب، فيقرأه عليهما، ثم يقول: أشهدكما أن هذا كتابي إِلى فلان ابن فلان ويدفعه إِليهما فإِذا وصلا إِلى المكتوب إِليه دفعا إِليه الكتاب وقالا: نشهد أن هذا كتاب فلان إِليك كتبه من عمله وأشهدنا عليه، والاحتياط أن يَشْهَدا عليه بما فيه ويختمه ولا يشترط ختمه. وإِن كتب كتاباً وأدرجه وختمه وقال هذا كتابي إِلى فلان اشهدا علي بما فيه لم يصلح، لأن أحمد رحمه الله تعالى قال فيمن كتب وصية وختمها ثم اشهد على ما فيها: فلا حتى يعلمه ما فيها. ويتخرج الجواز لقوله: إِذا وجدت وصية الرجل مكتوبة عند رأسه من غير أن يكون أشهد أو أعلم بها أحداً عند موته وعرف خطه وكان مشهوراً فإِنه ينفذ ما فيها، وعلى هذا إِذا عرف المكتوب إِليه أنه خط القاضي الكاتب وختمه جاز قبوله، والعمل على الأول. فإِذا وصل الكتاب فأحضر المتكوب إِليه الخصم المحكوم عليه في الكتاب فقال: لسْتُ فلانَ ابن فلان فالقول قوله مع يمينه إلا أن تقوم به بينه، فإن ثبت أنه فلان ابن فلان ببينة أو إِقرار فقال المحكوم عليه: غيري لم يقبل منه إِلا ببينة تشهد أن في البلد من يساويه فيما سُمِّيَ وَوُصِفَ به فيتوقف الحكم حتى يعلم من المحكوم عليه منهما، وإِن تغيرت حال القاضي الكاتب بعزل أو موت لم يقدح في كتابه، وإِن تغيرت بفسق لم

فصل

يقدح فيما حكم به، وبطل فيما ثبت عنده ليحكم به، وإِذا تغيرت حال المكتوب إِليه فلمن قام مقامه قبول الكتاب والعمل به. فصل وإِذا حكم عليه فقال: اكتب لي إِلى الحاكم الكاتب أنك حكمت علي حتى لا يحكم علي ثانياً لم يلزمه ذلك، ولكنه يكتب له محضراً بالقضية، وكل من ثبت له عند حاكم حق أو ثبتت براءته: مثل أن أنكر وحلفه الحاكم فسأل الحاكم أن يكتب له محضراً بما جرى ليثبت حقه أو براءته لزمه إِجابته. وإِن سال من ثبت محضره عند الحاكم أن يسجل له فعل ذلك وجعله نسختين نسخة يدفعها إِليه والأخرى يحبسها عنده، والورق من بيت المال فإِن لم يكن فمن مال المكتوب له. وصفة المحضر: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حضر القاضي فلان ابن فلان الفلاني قاضي عبد الله الإِمام على كذا وكذا، وإِن كان نائباً كتب: خليفة القاضي فلان قاضي عبد الله الإِمام في مجلس حكمه وقضائه بموضع كذا بموضع [مدعٍّ ذكر أنه فلان ابن فلان وأحضر معه مدعى عليه ذكر أنه فلان ابن فلان فادعى عليه كذا فأقر له أو فأنكر فقال القاضي للمدعي ألك بينة فقال نعم فأمره (¬1)] فأحضرها وسأله سماعها ففعل أو فأنكر ولم يقم له بينة، وسأل إِحلافه فأحلفه وإِن نكل عن اليمين ذكر ذلك وأنه حكم عليه بنكُوله، وإِن رد اليمين فحلفه حكى ذلك، وسأله أن يكتب له محضراً بما جرى فأجابه إِليه في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا، ويُعْلِمُ في الإِقرار والإِحلاف، جرى الأمر على ذلك وفي البينة شهد عندي بذلك. ¬

_ (¬1) الكلمات: (بموضع، فأمره) زيادة من "م".

وأما السجل فهو لإِنفاذ ما ثبت عنده والحكم به، وصفته أن يكتب: هذا ما أشهد عليه القاضي فلان ابن فلان -ويذكر ما تقدم من حضره من الشهود- أشهدهم أنه ثبت عنده بشهادة فلان وفلان وقد عرفهما بما رأى معه قبول شهادتهما بمحضر من خَصْمَيْن يذكرهما إِن كانا معروفين وإِلا قال مدعٍ ومدعي عليه -جاز حضورهما: وسماع الدعوى من أحدهما على الآخر بمعرفة فلان ابن فلان، ويذكر المشهود عليه وإِقراره طوعاً (¬1) في صحة منه وسلامة (¬2) وجواز أمر بجميع ما سمى ووصف به في كتاب نسخته كذا -وينسخ الكتاب المثبت أو المحضر جميعه حرفاً بحرف- فإِذا فرغ منه قال: وإِن القاضي أمضاه وحكم به على ما هو الواجب عليه في مثله بعد أن سأله ذلك، وإِلا شهد به الخصم المدعي ويذكر اسمه ونسبه ولم يدفعه الخصم الحاضر معه بحجة، وجعل كل ذي حجة على حجته، وأشهد القاضي فُلاَنٌ على إِنفاذه وحكمه وإِمضائه من حضره من الشهود في مجلس حكمه في اليوم المؤرخ في أعلاه، وأمر بكتب هذا السجل نسختين متساويتين: نسخة منهما بجلد ديوان الحكم، ويدفع الأخرى إِلى من كتبها له، وكل واحد منهما حجة ووثيقة فيما أنفذه فيهما. وهذا يذكر للخروج من الخلاف. ولو قال: إِنه ثبت عنده بشهادة فلان وفلان ما في كتاب نسخته كذا ولم يذكر بمحضر من الخصمين ساغ ذلك لجواز القضاء على الغائب. وما يجتمع عنده من المحاضر والسجلات في كل أسبوع أو شهر على قلتها وكثرتها يضم بعضها إِلى بعض ويكتب عليها محاضر وقت كذا في سنة كذا. ¬

_ (¬1) لفظ "طوعاً" زيادة من "م". (¬2) كلمة: (وسلامة) سقطت من "م" وكثيراً ما يسقط ناسخ "م" بعض الكلمات إِذا كانت أول سطر أو آخر سطر.

باب القسمة

باب القِسْمَةِ وقسمة الأملاك جائزة، وهي نوعان: قسمة تراضٍ وهي ما فيها ضرر أو رد عوض من أحدهما: كالدور الصغار والحمام والعضائد المتلاصقة اللاتي لا يمكن قسمة كل عين مفردة، والأرض التي في بعضها بئر أو بناء ونحوه لا يمكن قسمته بالإِجزاء والتعديل إِذا رضوا بقسمتها أعياناً بالقيمة جاز، وهذه جارية مجرى البيع في أنه لا يجبر عليها الممتنع منها، ولا يجوز فيها إِلا ما يجوز في البيع. والضرر المانع من القسمة هو نقص القيمة بالقسم في ظاهر كلامه، أو لا ينتفعان به مقسوماً في ظاهر كلام الخرقي. فإِن كان الضرر على أحدهما دون الآخر كرجلين: لأحدهما الثلثان وللآخر الثلث ينتفع صاحب الثلثين بقسمها ويتضرر الآخر فطلب من لا يتضرر القسم لم يجبر عليه الآخر وإِن طلبه الآخر أجبر الأول. وقال القاضي: إِن طلبه الأول أجبر الآخر، وإِن طلبه المضرور لم يجبر الآخر. وإِن كان بينهما عبيد أو بهائم أو ثياب ونحوها فطلب أحدهما قسمها أعياناً بالقيمة لم يجبر الآخر عليه وقال القاضي يجبر. وإِن كان بينهما حائط لم يجبر الممتنع من قسمه، وإِن استهدم لم يجبر على قسم عرصته، وقال أصحابنا إِن طلب قسمه طولاً بحيث يكون له نصف الطول في كمال العرض أجبر الممتنع، وإِن طلب قسمه عرضاً وكانت تسع حائطين أجبر وإِلا فلا، وإِن كان بينهما دار لها علو وسفل فطلب أحدهما قسمها لأحدهما العلو وللآخر السفل، أو كان بينهما منافع لم يجبر الممتنع من قسمها وإِن تراضيا على قسمها كذلك أو على قسم المنافع بالمهايأة جاز، وإِن كان بينهما أرض ذات زروع، فطلب أحدهما قسمها دون الزرع قسمت، وإِن طلب قسمها مع الزرع أو قسم الزرع مفرداً

فصل

لم يجبر الآخر، وإِن تراضوا عليه والزرع قصيل أو قطن جاز، وإِن كان بذراً أو سنابل قد اشتد حبها فهل يجوز؟ على وجهين. وقال القاضي يجوز في السنابل ولا يجوز في البذر. وإِن كان بينهما نهر أو قناة أو عين ينبع ماؤها فالماء بينهما على ما اشْتَرَطَاهُ عند استخراج ذلك، وإِن اتفقا على قسمه بالمهايأة جاز، وإِن أراد قسم ذلك بنصب خشبة أو حجر مستوفى مصدم الماء، فيه ثقبان على قدر حق كل واحد منهما جاز، فإِن أراد أحدهما أن يسقي نصيبه أرضاً ليس لها رسم شرب من هذا النهر جاز، ويحتمل أن لا يجوز، ويجيء على أصلنا أن الماء لا يملك، وينتفع كل واحد منهما على قدر حاجته. فصل النوع الثاني قسمة الإِجبار: وهي ما لا ضرر فيها ولا رد عوض: كالأرض الواسعة، [والقرى، والبساتين، والدور الكبار، والدكاكين الواسعة (¬1)] والمكيلات والموزونات، من جنس واحد سواء كانت مما مسته النار كالدبس وخل التمر، أو لم تمسه كخل العنب والأدهان والألبان، فإِذا طلب أحدهما قسمه وأبى الآخر أجبر عليه، وهذه القسمة إِفراز حق أحدهما من الآخر في ظاهر المذهب وليست بيعاً، فتجوز قسمة الوقف وإِذا كان نصف العقار طَلْقاً ونصفه وقفاً جازت قسمته. وتجوز قسمة الثمار خرصاً، وقسمة ما يكال وزناً، وما يوزن كيلاً، والتفرق في قسمة ذلك قبل القبض، وإِذا حلف لا يبيع فقسم لم يحنث. وحكي عن أبي عبد الله بن بطة (¬2) ما يدل أنها كالبيع فلا يجوز فيها ذلك، ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين زيادة من "ط". (¬2) تقدم التعريف به. انظر ص (228).

فصل

وإِن كان بينهما أرض بعضها يسقى سيحاً، وبعضها بعلاً، أو في بعضها نخل وفي بعضها شجر، فطلب أحدهما قسم كل عين على حدة، وطلب الآخر قسمها أعياناً بالقيمة، قسمت كل عين على حدة إِذا أمكن. فصل ويجوز للشركاء أن ينصبوا قاسماً يقسم بينهم، وأن يسألوا الحاكم نصب قاسم يقسم بينهم. ومِنْ شَرْطِ مَنْ يُنْصب أن يكون عدلاً عارفاً بالقسمة، فمتى عدلت السهام، وأخرجت القرعة لزمت القسمة، ويحتمل أن لا تلزم فيما فيه رد بخروج القرعة حتى يرضيا بذلك، وإِذا كان في القسمة تقويم لم يجز أقل من قاسمين وإِن خلت من تقويم أجزأ قاسم واحد، وإِذا سألوا الحاكم قسمة عقار لم يثبت عنده أنه لهم قسمه وذكر في كتاب القسمة أن قسمه بمجرد دعواهم، لا عن بينة شهدت لهم بملكهم، وإِن لم يتفقوا على طلب القسمة لم يقسمه. فصل ويعدل القاسم السهام بالأجزاء إِن كانت متساوية، وبالقيمة إِن كانت مختلفة، وبالرد إِن كانت تقتضيه، ثم يقرع بينهم فمن خرج له سهم صار له، وكيف ما أقرع جاز إِلا أن الأحوط: أن يكتب اسم كل واحد من الشركاء في رقعة، ثم يدرجها في بنادق شمع أو طين متساوية القدر والوزن، وتطرح في حِجْر من لم يحضر ذلك، ويقال له أخرج بندقة على هذا السهم فمن خرج اسمه كان له، ثم الثاني كذلك، والسهم الباقي للثالث إِذا كانوا ثلاثة وسهامهم متساوية. وإِن كتب اسم كل سهم في رقعة وقال أخرج بندقة باسم فلان وأخرج الثانية بإسم الثاني والثالثة للثالث جاز.

فصل

وإِن كانت السهام مختلفة كثلاثة: لأحدهم النصف، وللآخر الثلث، وللآخر السدس، فإِنه يجزئها ستة أجزاء ويخرج الأسماء على السهام لا غير: فيكتب باسم صاحب النصف ثلاثاً وباسم صاحب الثلث اثنتين وباسم صاحب السدس واحدة، ويخرج بندقة على السهم الأول فإِن خرج اسم صاحب النصف أخذه والثاني والثالث، وإِن خرج اسم صاحب الثلث أخذه والثاني، ثم يقرع بين الآخرين والباقي للثالث. فصل إِن ادعى بعضهم غلطاً فيما تقاسموه بأنفسهم وأشهدوا على تراضيهم به لم يلتفت إِليه، وإِن كان فيما قسمه قاسم الحاكم فعلى المدعي البينة وإِلا فالقول قول المنكر مع يمينه. وإِن كان فيما قسمه قاسمهم الذي نصبوه وكان فيما اعتبرنا فيه الرضا بعد القرعة لم تسمع دعواه، وإِلا فهو كقاسم الحاكم، وإِن تقاسموا ثم استحق من حصة أحدهما شيء معين بطلت، وإِن كان شائعاً فيهما فهل تبطل القسمة؟ على وجهين. وإِذا اقتسما دارين قسمة تراض فبنى أحدهما في نصيبه، ثم خرجت الدار مُسْتَحَقَّة ونُقِضَ بناؤه رجع بنصف قيمته على شريكه، وإِن خرج في نصيب أحدهما عيب فله فسخ القيمة. وإِذا اقتسم الورثة العقار ثم ظهر على الميت دين: فإِن قلنا هي إِفراز حق لم تبطل القسمة، وإِن قلنا هي بيع انبنى على بيع التركة قبل قضاء الدين هل يجوز؟ على وجهين. وإِن اقتسما فحصلت الطريق في نصيب أحدهما ولا منفذ للآخر بطلت القسمة. ويجوز للأب والوصي قسم مال المولى عليه مع شريكه.

باب الدعاوى والبينات

باب الدعاوى والبينات المدعي من إِذا سكت تُرِك، والمنكر من إِذا سكت لم يُتْرَكْ. ولا تصح الدعوى والإِنكار إِلا من جائز التصرف. وإِذا تداعيا عيناً لم تخل من ثلاثة أقسام: أحدها: أن تكون في يد أحدهما [فهي له مع يمينه (¬1)] أنها له لا حق للآخر فيها إِذا لم يكن بينة، ولو تنازعا دابة: أحدهما راكبها، أو له عليها حمل، والآخر آخذ بزمامها فهي للأول، وإِن تنازعا قميصاً أحدهما لابسه والآخر آخذ بكمه فهو للابسه، وإِن تنازع صاحب الدار والخياط الإِبرة والمقص فهما للخياط، وإِن تنازع هو والقرَّاب القربة فهي للقرَّاب، وإِن تنازعا عرصة فيها شجر أو بناء لأحدهما فهي له، وإِن تنازعا حائطاً معقوداً ببناء أحدهما وحده أو متصلاً (¬2) به اتصالاً لا يمكن إِحداثه: أو له عليه أزج فهو له، وإِن كان محلولاً من بنائهما أو معقوداً بهما فهو بينهما، ولا ترجح الدعوى بوضع خشب أحدهما عليه، ولا بوجوه الآجر والتزويق والتجصيص ومعاقد القمط في الخص. وإِن تنازع صاحب العلو والسفل في سلم منصوب أو درجة، فهي لصاحب العلو إِلا أن يكون تحت الدرجة مسكن لصاحب السفل فيكون بينهما، وإِن تنازعا في السقف الذي بينهما فهو بينهما. وإِن تنازع المؤجر والمستأجر في رف مقلوع، أو مصراع له شكل منصوب في الدار فهو لصاحبها، وإِلا فهو بينهما. وإِن تنازعا داراً في يدهما فادعاها أحدهما وادعى الآخر نصفها جعلت بينهما نصفين واليمين على مدعي النصف. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على هامش الأصل في "م" وبخط مغاير. (¬2) إِلى هنا نهاية السقط من "ش".

فصل

وإِن تنازع الزوجان أو ورثتهما في قماش البيت: فما كان يصلح للرجل فهو للرجل، وما يصلح للنساء فهو للمرأة، وما يصلح لهما فهو بينهما. وِإن اختلف صانعان في قماش دكان لهما، حكم بآلة كل صناعة لصاحبها في ظاهر كلام أحمد والخرقي رضي الله عنهما، وقال القاضي: إِن كانت أيديهما عليه من طريق الحكم فكذلك، وإِن كانت من طريق المشاهدة فهو بينهما على كل حال، وكل من قلنا هو له فهو مع يمينه إِذا لم تكن بينة، فإِن كان لأحدهما بينة حكم له بها، وإِن كان لكل واحد منهما بينة حكم بها للمدعي في ظاهر المذهب، وعنه إِن شهدت بينة المُدَّعى عليه أنها له نتجت في ملكه، أو قطيعة من الإِمام، قدمت بينته، وإِلا فهي للمدعي ببينته، وقال القاضي: فيهما إِذا لم يكن مع بينة الداخل ترجيح لم يحكم بها رواية واحدة. وقال أبو الخطاب: فيه رواية أخرى: أنها مقدمة بكل حال فإن أقام الداخل بينة أنه اشتراها من الخارج، وأقام الخارج بينة أنه اشتراها (¬1) من الداخل فقال القاضي: تقدم بينة الداخل وقيل تقدم بينة الخارج. فصل القسم الثاني: أن تكون العين في يديهما: فيتحالفان وتقسم بينهما، وإِن تنازعا مسناة بين نهر أحدهما وأرض الآخر تحالفا وهي بينهما، وإِن تنازعا صبياً في يديهما فكذلك، وإِن كان مميزاً فقال إِني حر فهو حرٌ إِلا أن تقوم بينة برقه، ويحتمل أن يكون كالطفل: فإِن كان لأحدهما بينة حكم له ¬

_ (¬1) بعد عبارة: (أنَّه اشتراها) يبدأ أسقط في "م" يستمر إِلى الأسطر الأولى من باب تعارض البينتين.

فصل

بها، وإِن كان لكل واحد بينة قدم أسبقهما تاريخاً، فإِن وقتت إِحداهما وأطلقت الأخرى فهما سواء، ويحتمل تقديم المطلقة وإِن شهدت إِحداهما بالملك، والأخرى بالملك والنتاج أو سبب من أسباب الملك فهل تقدم بذلك؟ على وجهين. ولا تقدم إِحداهما بكثرة العدد ولا اشتهار العدالة ولا الرجلان على الرجل والمرأتين، ويقدم الشاهدان على الشاهد واليمين في أحد الوجهين. وإِذا تساوتا تعارضتا وقسمت العين بينهما بغير يمين. وعنه أنهما يتحالفان كمن لا بينة لهما، وعنه أنه يقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذها، فإِن ادعى أحدهما أنه اشتراها من زيد لم تسمع البينة على ذلك حتى يقول وهي ملكه وتشهد البينة به، فإِن ادعى أحدهما أنه اشتراها من زيد وهي ملكه وادعى الآخر أنه اشتراها من عمرو وهي ملكه وأقاما بذلك بينتين تعارضتا، وإِن أقام أحدهما بينة أنها ملكه وأقام الآخر بينة أنه اشتراها منه أو وقفها عليه، أو أعتقه قدمت بَيِّنته، ولو أقام رجل بينة أن هذه الدار لأبي خلَّفها تركة، وأقامت امرأته بينة أن أباه أصدقها إِياها فهي للمرأة. فصل القسم الثالث: تداعيا عيناً في يد غيرهما فإِنه يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف وأخذها، فإِن كان المدعى عبداً فأقر لأحدهما لم يرجح بإِقراره، وإِن كان لأحدهما بينة حكم له بها، وإِن كان لكل واحد بينة تعارضتا والحكم على ما تقدم: فإِن أقر صاحب اليد لأحدهما لم ترجح بذلك، وإِن ادعاها صاحب اليد لنفسه فقال القاضي: يحلف لكل واحد منهما وهي له، وقال أبو بكر: بل يقرع بين المدعيين فتكون لمن تخرج له القرعة. وإِن كان في يد رجل عبدٌ فادعى أنه اشتراه من زيد وادعى العبد أن زيداً

باب تعارض البينتين

أَعْتَقَهُ وأقام كل واحد بينة، انبنى على بينة الداخل والخارج، وإِن كان العبد في يد زيد فالحكم فيه حكم ما إِذا ادعيا عيناً في يد غيرهما. وإِن كان في يده عبد فادعى عليه رجلان كل واحد منهما أنه اشتراه مني بثمن سماه فصدقهما لزمه الثمن لكل واحد منهما، وإِن أنكرهما حَلَفَ لهما وبرئ، فإِن صدق أحدهما لزمه ما ادعاه وحلف للآخر، وإِن كان لأحدهما بينة فله الثمن ويحلف للآخر، وإِن أقام كل واحد منهما بينة فأمكن صدقهما لاختلاف تاريخهما، أو إِطلاقهما، أو إِطلاق إِحداهما وتاريخ الأخرى، عمل بهما وإِن اتفق تاريخهما تعارضتا والحكم على ما تقدم. وإِن ادعى كل واحد منهما أنه باعني إِياه بألف وأقام بينة قدم أسبقهما تاريخاً، فإِن لم تسبق إِحداهما تعارضتا، وإِن قال أحدهما غصبني إِياه، وقال الآخر ملَّكَنِيه أو أقر لي به، وأقام كل واحد بينة فهو للمغصوب منه. ولا يغرم للآخر شيئاً. باب تعارض البينتين إِذا قال لعبده متى قُتِلْتُ فأنت حر، فادعى العبد أنه قتل وأنكر الورثة فالقول قولهم (¬1) وإِن أقام كل واحد (¬2) منهم بينة بما ادعاه فهل تقدم بينة العبد فيعتق أو يتعارضان ويبقى على الرق؟ فيه وجهان. وإِن قال: إِن مت في المحرم فسالمٌ حرٌّ، وإِن مت في صفر فغانمٌ حرٌّ، فأقام كل واحد منهما بينة بموجب عتقه قدمت بينة سالم، وإِن قال إِن مت في مرضي هذا فسالم حر، وإِن برئت فغانم حرٌّ وأقاما بينتين تعارضتا وبقيا على الرق، ذكره أصحابنا والقياس أن يعتق أحدهما ¬

_ (¬1) إِلى هنا ينتهي السقط من "م". (¬2) كلمة (واحد) ليست في "ط".

بالقرعة، ويحتمل أن يعتق غانم وحده لأن بينته تشهد بزيادة. وإِن أتلف ثوباً فشهدت بينة أن قيمته عشرون، وشهدت أخرى أن قيمته ثلاثون لزمه أقل القيمتين. ولو ماتت امرأة وابنها فقال زوجها: ماتت فورثناها، ثم مات ابني فورثته، وقال أخوها: مات ابنها فورثته، ثم ماتت فورثناها ولا بينة، حلف كل واحد على إِبطال دعوى صاحبه، وكان ميراث الابن لأبيه وميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين، وإِن أقام كل واحد منهما بينة بدعواه تعارضتا وسقطتا (¬1). وقياس مسائل الغرقى أن يجعل للأخ سدس مال الابن والباقي للزوج. فصل إِذا شهدت بينة على ميت أنه وَصَّى بعتق سالم وهو ثلث ماله، وشهدت أخرى أنه وصى بعتق غانم وهو ثلث ماله أقرع بينهما، فمن تقع له القرعة عتق دون صاحبه، إِلا أن يُجيز الورثة. وقال أبو بكر، وابن أبي موسى (¬2) : يعتق كل واحد نصفه بغير قرعة، وإِن شهدت بينة غانم أنه رجع عن عتق سالم، عتق غانم وحده سواء كانت بينته (¬3) وارِثة أو لم تكن، وإِن كانت قيمة غانم سدس المال وبينته أجنبية قبلت، وإِن كانت وارثة عتق العبدان. وقال أبو بكر يحتمل أن يقرع بينهما: فإِن خرجت القرعة لسالم عتق وحده، وإِن خرجت لغانم عتق هو ونصف سالم، وإِن شهدت بينة أنه أعتق سالماً في مرضه، وشهدت الأخرى أنه وصى بعتق غانم وكل واحد ¬

_ (¬1) كلمة (وسقطتا) مستدركة على الهامش في "م". (¬2) هو محمد بن موسى بن أبي موسى النهرُتيري البغدادي، أبو عبد الله، انظر ترجمته في "المقصد الأرشد" (2/ 495) و"المنهج الأحمد" (2/ 33). (¬3) كلمة بينته زيادة من "م".

فصل

منهما ثلث المال، عتق سالم وحده، وإِن شهدت بينة غانم أنه أعتقه في مرضه أيضاً عتق أقدمهما تاريخاً، فإِن جهل السابق عتق أحدهما بالقرعة، فإِن كانت بينة أحدهما وارثة ولم تكذب الأجنبية فكذلك، وإِن قالت ما أعتق سالماً إِنما أعتق غانماً عتق غانم كله، وحكم سالم كحكمه لو لم يطعن في بينته في أنه يعتق إِن تقدم تاريخ عتقه أو خرجت له القرعة وإِلا فلا، وإِن كانت الوارثة فاسقة ولم تطعن في بينة سالم عتق سالم كله، [وينظر في غانم: فإِن كان تاريخ عتقه سابقاً أو خرجت القرعة له عتق كله، وإِن كان متأخراً أو خرجت القرعة لسالم لم يعتق منه شيء. وقال القاضي (¬1)]: يعتق من غانم نصفه، وإِن كُذِّبت بينة سالم عتق العبدان. فصل إِذا مات رجل وخلَّف ولدين مسلماً وكافراً، فادعى كل واحد منهما أنه مات على دينه، فإن عرف أصل دينه فالقول قول من يدعيه، وإِن لم يعرف فالميراث للكافر لأن المسلم لا يقر ولده على الكفر في دار الإِسلام، وإِن لم يعترف المسلم أنه أخوه ولم تقم به بينة فالميراث بينهما، ويحتمل أن يكون للمسلم لأن حكم الميت حكم المسلمين في غسله والصلاة عليه. وقال القاضي: القياس أن يقرع بينهما، ويحتمل أن يقف الأمر حتى يظهر أصل دينه، وإِن أقام كل واحد منهما بينة أنه مات على دينه تعارضتا، وإِن قال شاهدان نعرفه مسلماً، وقال شاهدان نعرفه كافراً، فالميراث للمسلم إِذا لم يؤرخ الشهود معرفتهم. وإِن خَلَّف أبوين كافرين وابنين مسلمين فاختلفوا في دينه فالقول قول الأبوين ويحتمل أن القول قول الابنين، وإِن خَلَّف ابناً كافراً وأخاً وامرأةً ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش".

مسلمين فاختلفوا في دينه فالقول قول الابن على قول الخرقي. وقال القاضي يقرع بينهما، وقال أبو بكر: قياس المذهب أن تعطى المرأة الربع ويقسم الباقي بين الابن والأخ نصفين. ولو مات مسلم وخلَّف ولدين مسلماً وكافراً فأسلم الكافر وقال أسلمت قبل موت أبي وقال أخوه بل بعده فلا ميراث له، فإِن قال أسلمت في المحرم ومات أبي في صفر، وقال أخوه بل مات في ذي الحجة فله الميراث مع أخيه. * * *

كتاب الشهادات

كتاب الشَّهَادَات تَحَمُّلُ الشهادة وأداؤها فرض على الكفاية إِذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين، وإِن لم يقم بها من يكفي تعينت على من وجد، قال الخرقي: ومن لزمته الشهادة فعليه أن يقوم بها على القريب والبعيد لا يسعه التخلف عن إِقامتها وهو قادر على ذلك، ولا يجوز لمن تعيَّنت عليه أخذ الأجرة عليها ولا يجوز ذلك لمن لم تتعين عليه في أصح الوجهين. ومن كانت عنده شهادة في حد لله أبيح له إِقامتها ولم يستحب، وللحاكم أن يُعَرِّض له بالوقوف عنها في أحد الوجهين، ومن كانت عنده شهادة لآدمي يعلمها لم يقمها حتى يسأله فإِن لم يعلمها استحب له إِعلامه بها، وله إِقامتها قبل ذلك. ولا يجوز أن يشهد إِلا بما يعلمه برؤية أو سماع. والرؤية تختص بالأفعال: كالقتل، والغصب، والسرقة، وشرب الخمر، والرضاع، والولادة، وغيرها، والسماع على ضربين: سماع من المشهود عليه نحو: الإِقرار، والعقود، والطلاق، والعتاق. وسماع من جهة الاستفاضة فيما يتعذر علمه في الغالب إِلا بذلك: كالنسب، والموت، والملك، والنكاح، والخلع والوقف ومصرفه، والعتق، والولاء، والولاية، والعزل، وما أشبه ذلك. ولا تقبل الاستفاضة إِلا من عدد يقع العلم بخبرهم في ظاهر كلام أحمد والخرقي رضي الله عنهما. وقال القاضي تسمع من عدلين فصاعداً.

وإِن سمع إِنساناً يقر بنسب أب أو ابن فصدَّقه المقر له، جاز أن يشهد به، وإِن كذبه لم يشهد، وإِن سكت جاز أن يشهد، ويحتمل أن لا يشهد حتى يتكرر. وإِن رأى شيئاً في يد إِنسان يتصرف فيه تصرف المُلَّاك: من النقض، والبناء، والإِجارة، والإِعارة ونحوها، جاز أن يشهد بالملك له، ويحتمل أن لا يشهد إِلا باليد والتصرف. فصل ومن شهد بالنكاح فلابد من ذكر شروطه، وأنه تزوجها بولي مرشد وشاهدي عدل ورضاها. وإِن شهد بالرضاع فلابد من ذكر عدد الرضعات، وأنه شرب من ثديها أو من لبن حلب منه. وإِن شهد بالقتل احتاج أن يقول ضربه بالسيف أو جرحه فقتله أو مات من ذلك، وإِن قال جرحه فمات لم يحكم به. وإِن شهد بالزنا فلابد أن يذكر: بمن زنا؟ وأين زنا؟ وكيف زنا؟ وأنه رأى ذكره في فرجها، ومن أصحابنا من قال لا يحتاج إِلى ذكر المزني بها ولا ذكر المكان. ومن شهد (¬1) بالسرقة فلابد من ذكر المسروق منه، والنصاب والحرز وصفة السرقة. وإِن شهد بالقذف ذكر المقذوف وصفة القذف. وإِن شهد أنَّ هذا العبد ابن أمة فلان لم يحكم له به حتى يقولا ولدته في ¬

_ (¬1) "ومن شهد" كذا في "ش" و"ط" وفي "م": "وإِن شهد".

ملكه، وإِن شهدا أنَّه اشتراها من فلان، أو وقفها عليه، أو أعتقها، لم يحكم له بها حتى يقولا وهي في ملكه. وإِن شهد أن هذا الغزل من قطنه أو الطير من بيضته والدقيق من حنطته حكم له بها. وإِذا مات رجل فادعى آخر أنَّه وارثه، فشهد له شاهدان أنه وارثه لا يعلمان له وارثاً سواه سلم المال إِليه سواء كانا من أهل الخبرة الباطنة أو لم يكونا، وإِن قالا لا نعلم له وارثاً غيره في هذا البلد احتمل أن يسلم المال إِليه واحتمل أن لا يسلم إِليه حتى يستكشف القاضي عن خبره في البلدان التي سافر إِليها. وتجوز شهادة المستخفي، ومن سمع رجلًا يقر بحق، أو يُشْهِد شاهداً بحق، أو سمع الحاكم يحكم، أو يشهد على حكمه وإِنفاذه في إِحدى الروايتين، ولا يجوز في الأخرى حتى يشهده على ذلك. فصل وإِن شهد أحدهما أنه غصبه ثوباً أحمر وشهد آخر أنه غصبه ثوباً أبيض، أو شهد أحدهما أنه غصبه اليوم، وشهد الآخر أنه غصبه أمس لم تكمل البينة، وكذلك كل شهادة على الفعل إِذا اختلفا في الوقت لم تكمل البينة. وإِن شهد أحدهما أنه أقر له بألف أمس، وشهد آخر أنه أقر له بألف اليوم، أو شهد أحدهما أنه باعه داره أمس، وشهد آخر أنَّه باعه إِياها اليوم كملت البينة وثبت البيع والإِقرار، وكذلك كل شهادة على القول إِلا النكاح: إِذا شهد أحدهما أنه تزوجها أمس، وشهد الآخر أنه تزوجها اليوم لم تكمل البينة، وكذلك القذف وقال أبو بكر يثبت القذف. وإِن شهد شاهد أنه أقر له بألف، وشهد آخر أنه أقر له بألفين ثبت ألفٌ

باب شروط من تقبل شهادته

ويحلف على الآخر مع شاهده إِن أحب [وإِن شهد أحدهما أن له عليه ألفاً وشهد آخر أن له عليه ألفين فهل تكمل البينة على ألف على وجهين (¬1)]، وإِن شهد أحدهما أن له عليه ألفاً من قرض، وشهد آخر أن له عليه ألفاً من ثمن مبيع لم تكمل البينة. وإِن شهد شاهدان أن له عليه ألفاً، وقال أحدهما قضاه بعضه بطلت شهادته نص عليه، وإِن شهدا أنه أقرضه ألفاً ثم قال أحدهما قضاه نصفه صحت شهادتهما، وإِذا كانت له بينة بألف فقال أريد أن تشهدا لي بخمس مائة لم يجز وعند أبي الخطاب يجوز. باب شروط من تقبل شهادته وهي ستة: أحدها البلوغ: فلا تقبل شهادة الصبيان وعنه تقبل ممن هو في حال أهل العدالة، وعنه لا تقبل إِلا في الجراح إِذا شهدوا قبل الافتراق على الحال (¬2) التي تجارحوا عليها. الثاني العقل: فلا تقبل شهادة معتوه ولا مجنون إِلا من يخنق في الأحيان إِذا شهد في إِفاقته. الثالث الكلام: فلا تقبل شهادة الأخرس ويحتمل أن تقبل فيما طريقه الرؤية إِذا فُهِمَتْ إِشارته. الرابع الإِسلام: فلا تقبل شهادة كافر إِلا أهل الكتاب في الوصية في السفر إِذا لم يوجد غيرهم وحضر الموصي الموت فتقبل شهادتهم ويحلفهم ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين سقط من "ط" وفي "م" سقط من العبارة قوله: (على ألف) وأصبح آخر العبارة: (فهل تكمل البينة على وجهين). (¬2) في "م": الحول وهو خطأ.

فصل

الحاكم بعد العصر: لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله وإِنها لوصية الرجل، فإِن عثر على أنهما استحقا إِثماً قام آخران من أولياء الموصي فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما ولقد خانا وكتما ويقضي لهم. وعنه أن شهادة بعض أهل الذمة تقبل على بعض والأول المذهب. الخامس أن يكون ممن يحفظ: فلا تقبل شهادة مُغَفَّل ولا معروف بكثرة الغلط والنسيان. فصل السادس العدالة: وهي استواء أحواله في دينه، واعتدال أقواله وأفعاله، وقيل العدل من لم تظهر منه ريبة، ويعتبر لها شيئان: الصلاح في الدين وهو أداء الفرائض، واجتناب المحارم: وهو أن لا يرتكب كبيرة ولا يدمن على صغيرة، وقيل أن لا يظهر منه إِلا الخير. ولا تقبل شهادة فاسق سواء كان فسقه من جهة الأفعال أو الاعتقاد، ويتخرج على قبول شهادة أهل الذمة قبول شهادة الفاسق من جهة الاعتقاد، المتدين به إِذا لم يتدين بالشهادة لموافقه على مخالفه. وأما من فعل شيئاً من الفروع المختلف فيها: فتزوج بغير ولي، أو شرب من النبيذ ما لا يسكره، أو أخر الحج الواجب مع إِمكانه ونحوه متأولاً، فلا ترد شهادته، وإِن فعله معتقداً تحريمه، رُدَّت شهادته ويُحْتَمَل أن لا ترد. الثاني استعمال المروءة: وهو فعل ما يجمله ويزينه، وترك ما يدنِّسه ويَشِينه، فلا تقبل شهادة المصافع، والمتمسخر، والمغني، والرقاص، واللاعب بالشطرنج والنرد، والحمام، والذي يتغذى في السوق، ويمد رجليه في مجمع الناس، ويحدث بمباضعة أهله وأمته (¬1)، ويدخل الحَمَّام ¬

_ (¬1) كذا في "م" و"ش" وفي "ط": أو أمته وهو عندنا أجود لأنه قد لا تجتمع =

فصل

بغير مئزر ونحو ذلك، فأما الشين في الصناعة: كالحجام، والحائك، والنخَّال، والنفاط، والقمَّام، والزبَّال، والمشعوذ، والدباغ والحارس، والقرَّاد، والكبَّاش، فهل تقبل شهادتهم إِذا حسنت طرائقهم؟ على روايتين. فصل ومتى زالت الموانع منهم: فبلغ الصبي، وعقل المجنون، وأسلم الكافر، أو تاب الفاسق، قبلت شهادتهم بمجرد ذلك، ولا يعتبر إِصلاح العمل، وعنه يعتبر في التائب إِصلاح العمل سنة، ولا تقبل شهادة القاذف حتى يتوب، وتوبته أن يكذب نفسه، وقيل: إِن علم صدق نفسه فتوبته أن يقول: قد ندمت على ما قلت ولا أعود إِلى مثله وأنا تائب إِلى الله منه. فصل ولا يعتبر في الشهادة الحرية، بل تجوز شهادة العبد في كل شيء إِلا في الحدود والقصاص على إِحدى الروايتين، وتقبل شهادة الأَمَةِ فيما تجوز فيه شهادة النساء، وتجوز شهادة الأصم على ما يراه وعلى المسموعات التي كانت قبل صممه، وتجوز شهادة الأعمى في المسموعات إِذا تيقن الصوت وبالاستفاضة، وتجوز في المرئيات التي تحملها قبل العمى إِذا عرف الفاعل باسمه ونسبه وَمَا يتميز به، فإِن لم يعرفه إِلا بعينه فقال القاضي تقبل شهادته أيضاً ويصفه للحاكم بما يتميز به، ويحتمل أن لا تجوز لأن هذا مما لا ينضبط غالباً، وإِن شهد عند الحاكم ثم عمي قبلت شهادته وجهاً واحداً. وشهادة ولد الزنا جائزة في الزنا ¬

_ = الأمة والمرأة دائماً.

باب موانع الشهادة

وغيره، وتقبل شهادة الإِنسان على فعل نفسه: كالمرضعة على الرضاع، والقاسم على القسمة، والحاكم على حكمه بعد العزل، وتقبل شهادة البدوي على القروي والقروي على البدوي، وعنه في شهادة البدوي على القروي أخشى أن لا تقبل، فيحتمل وجهين. باب موانع الشهادة ويمنع قبول الشهادة خمسة أشياء: أحدها قرابة الولادة: فلا تقبل شهادة والد لولده وإِن سفل، ولا ولد لوالده وإِن علا في أصح الروايات. وعنه تقبل فيما لا يجر به نفعاً غالباً: نحو أن يشهد أحدهما لصاحبه بعقد نكاح أو قذف، وعنه تقبل شهادة الولد لوالده ولا تقبل شهادة الوالد لولده، وتقبل شهادة بعضهم على بعض في أصح الروايتين، ولا تقبل شهادة أحد الزوجين لصاحبه في إِحدى الروايتين، ولا تقبل شهادة السيد لعبده ولا العبد لسيده، وتقبل شهادة الأخ لأخيه، وسائر الأقارب، والصديق لصديقه، والمولي لعتيقه. فصل الثاني أن يجر إِلى نفسه نفعاً بشهادته: كشهادة السيد لمكاتبه، والوارث لموروثه بالجرح قبل الاندمال، والوصي للميت والوكيل لموكله بما هو وكيل فيه، والشريك لشريكه، والغرماء للمفلس بالمال، وأحد الشفيعين بعفو الآخر عن شفعته. فصل الثالث أن يدفع عن نفسه ضرراً: كشهادة العاقلة بجرح شهود قتل الخطأ، والغرماء بجرح شهود الدين على المفلس، والسيد بجرح من

فصل

شهد على مكاتبه أو عبده بدين (¬1)، والوصي بجرح الشاهد على الأيتام، والشريك بجرح الشاهد على شريكه وسائر من لا تقبل شهادته لإِنسان إِذا شهد بجرح الشاهد عليه. فصل الرابع العداوة: كشهادة المقذوف على قاذفه، والمقطوع عليه الطريق على قاطعه، والزوج بالزنا على امرأته. فصل الخامس أن يشهد الفاسق بشهادة فترد ثم يتوب فيعيدها فإِنها لا تقبل للتهمة: ولو لم يشهد بها عند الحاكم حتى صار عدلاً قبلت، ولو شهد كافر أو صبي أو عبد فردت شهادتهم ثم أعادوها بعد زوال الكفر والرق والصِّبى قبلت، وإِن شهد لمكاتبه أو لموروثه بجرح قبل برئه فردت، ثم أعادها بعد عتق المكاتب وبُرْءِ الجرح، ففي ردها وجهان، وإِن شهد الشفيع بعفو شريكه في الشفعة عنها فردت، ثم عفا الشاهد عن شفعته وأعاد تلك الشهادة لم تقبل، ذكره القاضي، ويحتمل أن تقبل. باب أقسام المشهود به والمشهود به ينقسم خمسة أقسام: أحدها: الزنا وما يوجب حده فلا تقبل فيه إِلا شهادة أربعة رجال أحرار. وهل يثبت الإِقرار بالزنا بشاهدين أو لا يثبت إِلا بأربعة؟ على روايتين. ¬

_ (¬1) بِدَينٍ: كذا في "ش" و"ط" وفي "م": بشيء.

فصل

الثاني: القصاص وسائر الحدود فلا يقبل فيه إِلا رجلان حران. الثالث: ما ليس بمال ولا يقصد به المال، ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال، غير الحدود والقصاص: كالطلاق، والنسب، والولاء، والوكالة في غير المال، والوصية إِليه، وما أشبه ذلك، فلا يقبل فيه إِلا رجلان. وعنه في النكاح والرجعة والعتق، أنه يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين. وعنه في العتق، أنه يقبل فيه شاهد ويمين المدعي، وقال القاضي النكاح وحقوقه من الطلاق والخلع والرجعة لا يثبت إِلا بشاهدين رواية واحدة، والوكالة والوصية والكتابة ونحوها تخرج على روايتين، قال أحمد رضي الله عنه (¬1) في الرجل يوكل وكيلاً ويُشْهِد على نفسه رجلاً وامرأتين إِن كانت في المطالبة بدين، فأما غير ذلك فلا. الرابع: المال وما يقصد به المال: كالبيع، والقرض، والرهن، والوصية له، وجناية الخطأ، فيقبل فيه شهادة رجل وامرأتين، وشاهد ويمين المدعي، وهل يقبل في جناية العمد الموجبة للمال دون القصاص: كالهاشمة، والمنقَّلة، شهادة رجل وامرأتين؟ على روايتين. الخامس: ما لا يطلعُ عليه الرجال: كعيوب النساء تحت الثياب، والرضاع، والاستهلال، والبكارة، والثيوبة، والحيض ونحوه، فيقبل فيه شهادة امرأة واحدة، وعنه لا يقبل فيه أقل من امرأتين، وإِن شهد به الرجال كان أولى بثبوته. فصل وإِذا شهد بقتل العمد رجل وامرأتان لم يثبت قصاص ولا دية، وإِن شهدوا بالسرقة ثبت المال دون القطع، وإِن ادعى رجل الخُلُع قُبِل فيه رجل ¬

_ (¬1) كذا في "ش" و"م": رحمه الله وليست العبارة في "ط".

باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة

وامرأتان، وإِن ادعته المرأة لم يقبل فيه إِلا رجلان، وإِذا شهد رجلٌ وامرأتان لرجل بجارية أنها أم ولده وولدها منه قضي له بالجارية أم ولد، وهل تثبت حرية الولد ونسبه من مدعيه؟ على روايتين. باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة تقبل الشهادة على الشهادة فيما يقبل فيه كتاب القاضي، وترد فيما يرد فيه ولا تقبل إِلا أن تتعذر شهادة شهود الأصل: بموت أو مرض، أو غَيْبة إِلى مسافة القصر، وقيل لا تقبل إِلا بعد موتهم، ولا يجوز لشاهد الفرع أن يشهد إِلا أن يسترعيه شاهد الأصل فيقول: اشهَدْ على شهادتي أني أشهد أن فلان ابن فلان، وقد عرفته بعينه واسمه ونسبه، أقر عندي وأشهدني على نفسه طوعاً بكذا، أو شهدت عليه، أو أقر عندي بكذا، فإِن سمعه يقول: أشهد على فلان بكذا، لم يجز أن يشهد إِلا أن يسمعه، يشهد عند الحاكم، أو يشهد بحق يعزوه إِلى سبب: من بيع أو إِجارة أو فرض فهل يشهد به؟ على وجهين. وتثبت شهادة شاهدي الأصل بشهادة شاهدين يشهدان عليهما سواء شهدا على كل واحد منهما، أو شهد على كل واحد منهما شاهد من شهود الفرع، وقال أبو عبد الله بن بطة (¬1): لا تثبت حتى يشهد أربعة: على كل شاهد أصل شاهداً فرع، ولا مدخل للنساء في شهادة الفرع. وعنه لهن مدخل: فيشهد رجلان على رجل وامرأتين، أو رجل وامرأتان على رجل وامرأتين. وقال القاضي لا تجوز شهادة رجلين على رجل وامرأتين، نص عليه أحمد رحمه الله (¬2). قال أبو الخطاب: وفي هذه الرواية سهو من ناقلها. ¬

_ (¬1) تقدم التعريف به في حاشية الصفحة (244). (¬2) كذا في "م" وفي "ش": رضي الله عنه، وليست العبارة في "ط".

فصل

ولا يجوز للحاكم أن يحكم بشهادة شاهدي الفرع حتى يثبت عنده عدالتهما وعدالة شاهدي الأصل، وإِن شهدا عنده فلم يحكم حتى حضر شهود الأصل وقف الحكم على سماع شهادتهم، وإِن حدث منهم ما يمنع قبول الشهادة لم يجز الحكم، وإِن حكم بشهادتهما ثم رجع شهود الفرع لزمهم الضمان، وإِن رجع شهود الأصل لم يضمنوا، ويحتمل أن يضمنوا. فصل ومتى رجع شهود المال بعد الحكم لزمهم الضمان ولم يُنْقَض الحكم سواء ما قبل القبض وبعده، وسواء كان المال قائماً أو تالفاً، وإِن رجع شهود العتق غرموا القيمة، وإِن رجع شهود الطلاق قبل الدخول غُرِّموا نصف المسمى، وإِن كان بعده لم يغرموا شيئاً. وإِن رجع شهود القصاص أو الحد قبل الاستيفاء لم يستوف، وإِن كان بعده وقالوا: أخطأنا فعليهم دية ما تلف ويتقسط الغُرْمُ على عددهم، فإِن رجع أحدهم وحده غُرِّم بقسطه. وإِذا شهد عليه ستة بالزنا فرجم ثم رجع منهم اثنان غرما ثلث الدية، وإِن رجع الكل لزمتهم الدية أسداساً، [وإِن شهد أربعة بالزنا وشهد اثنان بالإِحصان فرجم ثم رجع الجميع لزمتهم الدية أسداساً في أحد الوجهين، وفي الآخر على شهود الزنا النصف وعلى شهود الإِحصان النصف، وإِن شهدا أربعة بالزنا وشهد اثنان منهم بالإِحصان ثلثا الدية على الوجه الأول، وعلى الثاني يلزمهم ثلاثة أرباعها (¬1)]، وإِن حكم بشاهد ويمين فرجع ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين حصل فيه اضطراب بترتيب الجمل في "م" والمثبت يوافق "ش" و"ط" وهو الصواب لذلك أثبتناه.

باب اليمين في الدعاوى

الشاهد غرم المال كله، ويتخرج أن يغرم النصف. وإِن بان بعد الحكم أن الشاهدين كانا كافرين أو فاسقين نقض الحكم ويرجع بالمال أو ببدله على المحكوم له، وإِن كان المحكوم به إِتلافاً فالضمان على المزكين، فإِن لم يكن ثم تزكية فعلى الحاكم. وعنه لا ينقض إِذا كانا فاسقين وإِن شهدوا عند الحاكم بحق ثم ماتوا حكم بشهادتهم إِذا ثبتت عدالتهم. وإِذا علم الحاكم بشاهد الزور عزَّره وطاف به في المواضع التي يشتهر فيها فيقال: إِنا وجدنا هذا شاهد زور فاجتنبوه. ولا تقبل الشهادة إِلا بلفظ الشهادة، فإِن قال أعلم أو أُحِقُّ لم يحكم به. باب اليمين في الدعاوى وهي مشروعة في حق المنكر في كل حقٍّ لآدمي. قال أبو بكر: إِلا في النكاح والطلاق. وقال أبو الخطاب: إِلا في تسعة أشياء: النكاح، والرجعة، والطلاق، والرق، والولاء، والاستيلاد، والنسب، والقذف، والقصاص. وقال القاضي: في الطلاق والقصاص والقذف روايتان، وسائر الستة لا يستحلف فيها رواية واحدة، وقال الخرقي لا يُحَلَّفُ في القصاص ولا المرأة إِذا أنكرت النكاح، وتُحَلَّفُ إِذا ادعت انقضاء عدتها، وإِذا أنكر المولى مضي أربعة الأشهر حلف. وإِذا أقام العبد شاهداً بعتقه حلف معه. ولا يستحلف في حقوق الله تعالى: كالحدود، والعبادات ونحوها (¬1)، ويجوز الحكم في المال وما يقصد به المال بشاهد ويمين ¬

_ (¬1) كلمة (ونحوها) ليست في "ش" ولا في "م" زيادة من "ط".

فصل

المدعي ولا تقبل فيه شهادة امرأتين ويمين، ويحتمل أن تقبل، [وهل يثبت العتق بشاهد ويمين؟ على روايتين (¬1)]. ولا يقبل في النكاح والرجعة وسائر ما لا يستحلف فيه شاهد ويمين. ومن حلف على فعل نفسه أو دعوى عليه حلف على البت، ومن حلف على فعل غيره أو دعوى عليه في الإِثبات حلف على البت، وإِن حلف على النفي حلف على نفي علمه. ومن توجهت عليه يمين لجماعة فقال: أحلف يميناً واحدة لهم فرضوا جاز، وإِن أبوا حلف لكل واحد يميناً. فصل واليمين المشروعة هي اليمين بالله تعالى اسمه، وإِن رأى الحاكم تغليظها بلفظ أو زمن أو مكان جاز. ففي اللفظ يقول: والله الذي لا إِله إِلا هو، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، الطالب الغالب، الضار النافع، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. واليهودي يقول: والله الذي أنزل التوراة على موسى، وفلق له البحر، ونجاه من فرعون وملئه. والنصراني يقول: والله الذي أنزل الإِنجيل على عيسى، وجعله يحيى الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص. والمجوسي يقول: والله الذي خلقني وصورني ورزقني. والزمان يحلفه بعد العصر أو بين الأذانين. والمكان يحلفه بمكة بين الركن والمقام، وفي الصخرة ببيت ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين سقط من "م".

المقدس، وفي سائر البلدان عند المنبر، ويحلف أهل الذمة في المواضع التي يعظمونها. ولا تغلظ اليمين إِلا فيما له خطر: كالجنايات، والعتاق، والطلاق، وما تجب فيه الزكاة من المال، وقيل ما يقطع به السارق، وإِن رأى الحاكم تَرْكَ التغليظ فتركه كان مصيباً. * * *

كتاب الإقرار

كتاب الإِقرار يصح الإِقرار من كل مكلف مختار غير محجور عليه، فأما الصبي والمجنون فلا يصح إِقرارهما إِلا أن يكون الصبي مأذوناً له في البيع والشراء فيصح إِقراره في قدر ما أذن له دون ما زاد، وكذلك العبد المأذون له في التجارة. ولا يصح إِقرار السكران ويتخرج صحته بناءً على طلاقه. ولا يصح إِقرار المكره إِلا أن يقرّ بغير ما أكرهَهُ عليه (¬1) مثل أن يُكره على الإِقرار [لإِنسان فيقر لغيره: أو على الإِقرار بطلاق امرأة فيقر بطلاق غيرها، أو على الإِقرار (¬2)] بدنانير فيقر بدراهم، فيصح. وإِن أكره على وزن ثمنٍ فباع داره في ذلك صح، [وأما عليه لسفه فإِن أقر بطلاق أو حد أو قصاص أو نسب صح، وإِن أقر بمالٍ لم يلزمه في حال حجره (¬3)]، وأما المريض مرض الموت المخوف فيصح إِقراره بغير المال، وإِن أقر بمال لمن لا يرثه صح في أصح الروايتين، وفي الأخرى لا يصح بزيادة على الثلث، ولا يحاص المُقَر له غرماء الصحة، وقال أبو الحسن التميمي والقاضي: يحاصهم. وإِن أقر لوارث لم يقبل إِلا ببينة إِلا أن يقر لامرأته بمهر مثلها فيصح. وإِن أقر لوارث وأجنبي فهل يصح في حق الأجنبي؟ على وجهين. وإِن أقر ¬

_ (¬1) ما أكرهَهُ: كذا في "ش" وفي "م" و"ط": ما أُكْرِهَ. (¬2) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش" وبخط مغاير. (¬3) ما بين الرقمين ليس في "م" وليس في "ط" أيضاً.

لوارث فصار عند الموت غير وارث لم يصح إِقراره، وإِن أقر لغير وارث صح، وإِن صار وارثاً، نص عليه، وقيل: إِن الاعتبار بحال الموت: فيصح في الأولى ولا يصح في الثانية كالوصية، وإِن أقر لامرأته بدين ثم أبانها ثم تزوجها لم يصح إِقراره. وإِن أقر المريض بوارثِ صح وعنه لا يصح، وإِن أقر بطلاق امرأته في صحته لم يسقط ميراثها. فصل وإِن أقر العبد بحد أو قصاص أو طلاق صح وأُخذ به، إِلا أن يقر بقصاص في النفس فَنَصَّ أحمد رضي الله عنه: أنه يتبع به بعد العتق، وقال أبو الخطاب: يؤخذ به في الحال، وإِن أقر السيد عليه بذلك لم يقبل إِلا فيما يوجب القصاص، فيقبل فيما يجب به من المال. وإِن اقر العبد غير المأذون له بمال لم يقبل في الحال ويتبع به بعد العتق، وعنه يتعلق برقبته، وإِن أقر السيد عليه بمال أو ما يوجبه كجناية الخطأ قبل، وإِن أقر العبد بسرقة مال في يده وكذبه السيد قُبِلَ إِقراره في القطع دون المال، وإِن أقر السيد لعبده [أو العبد لسيده بمال لم يصح وإِن أقر أنه باع عبده من نفسه بألف وأقر العبد به (¬1)] ثبت المال، وإِن أنكر عُتِق ولم يلزمه الألف، وإِن أقر لعبد غيره بمال صح وكان لمالكه، وإِن أقر لبهيمة لم يصح. وإِن تزوج مجهولة النسب فأقرت بالرق لم يقبل إِقرارها، وعنه يقبل في نفسها ولا يقبل في فسخ النكاح ورق الأولاد. وإِن أولدها بعد الإِقرار ولداً كان رقيقاً. وإِذا أقر بولد أمته أنه ابنه ثم مات ولم يبين هل أتت به في ملكه أو غيره، فهل تصير أم ولد؟ على وجهين. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين استدرك على الهامش في "ش".

فصل وإِذا أقر الرجل بنسب صغير، أو مجنون مجهول النسب أنه ابنه، ثبت نسبه منه، وإِن كان ميتاً ورثه، وإِن كان كبيراً عاقلاً لم يثبت حتى يصدقه، وإِن كان ميتاً فعلى وجهين. ومن ثبت نسبه فجاءت أمه بعد موت المُقِر فادعت الزوجية لم يثبت بذلك. وإِن أقر بنسب أخ أو عم في حياة أبيه أو جده لم يقبل، وإِن كان بعد موتهما وهو الوارث وحده صح إِقراره وثبت النسب، وإِن كان معه غيره لم يثبت النسب وللمُقَر له من الميراث ما فضل في يد المُقِر، [وإِن أقرت امرأة بنسب ولد فهل يقبل إِقرارها؟ على روايتين وعنه إِن كانت ذات إِخوة أو نسب معروف لم يقبل وإِلا قبل (¬1)]، وإِن أقر من عليه ولاء بنسب وارث لم يقبل إقْرَارُهُ إِلا أن يصدقه مولاه. وإِن أقرت المرأة بنكاح على نفسها فهل يقبل؟ على روايتين. وإِن أقر الولي عليها به قُبِل إِن كانت مجبرة وإِلا فلا. وإِن أقر أن فلانة امرأته، أو أقرت أن فلاناً زَوجها فلم يصدق المُقَر له المُقِر إِلا بعد مَوتِ المُقِر صح وورثه. وإِن أقر الورثة على موروثهم بدين لزمهم قضاؤه من التركة، وإِن أقر بعضهم لزمه منه بقدر ميراثه، فكان لم يكن له تركة لم يلزمهم شيء. فصل وإِذا أقر بحمل امرأة صح، فإِن ألقته ميتاً أو لم يكن حَمْلٌ (¬2) بطل، ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين سقط من "م" و"ط". (¬2) حملٌ: بالضم كذا في "ش" و"ط" وهو جائز على اعتبار أن كان تامة بمعنى ظهر وتكون الكلمة فاعلًا لفعل كان التامة وهناك اعتبار آخر مفاده: أن كان ناقصة وتكون كلمة (حملٌ) اسمها ويقدر لها خبر كأن يقال: لم يكن هناك =

باب ما يحصل به الإقرار

وإِن ولدت حياً وميتاً فهو للحي، وإِن ولدتهما حيين فهو بينهما سواء الذكر والأنثى ذكره ابن حامد، وقال أبو الحسن التميمي: لا يصح الإِقرار إِلا أن يعزوه إِلى سبب من (¬1) إِرث أو وصية فيكون بينهما على حسب ذلك. ومن أقر لكبير عاقل بمال فلم يصدقه بطل إِقراره في أحد الوجهين وفي الآخر يؤخذ المال إِلى بيت المال. باب ما يحصل به الإقرار إِذا ادعى عليه ألفاً فقال: نعم، أو أجل، أو صدق (¬2)، أو أنا مقر بها أو بدعواك، كان مقراً. وإِن قال: أنا أقر، أو لا أنكر، أو يجوز أن يكون محقاً، أو عسى، أو لعل، أو أظن، أو أحسب، أو أقدر، أو خذ، أو اتزن، أو أحْرِزْ، أو افتح كمك، لم يكن مقراً. وإِن قال: أنا مقر، أو خذها، أو اتزنها، أو اقبضها، أو أحرزها، أو هي صحاح فهل يكون مقراً؟ يحتمل وجهين. وإِن قال: له علي ألف إِن شاء الله، أو في علمي، أو في ما أعلم، أو قال: اقضني ديني عليك ألفاً، أو أسلم إِلي ثوبي هذا، أو فرسي هذه، فقال نعم فقد أقر بها. وإِن قال: إِن قدم فلان فله على ألف لم يكن مقراً، وإِن قال: له علي ألفٌ وإِن قدم (¬3) فعلى وجهين. ¬

_ = حملٌ بَطَلَ، وكلمة "حمل" ليست في "م". (¬1) عبارة: (سبب من. .) مستدركة على الهامش في "ش" وبالخط ذاته! وهناك إِشارة تدل على مكانها في المتن. (¬2) صَدَق: كذا في "ش" و"ط" وفي "م": صَدَقْت. (¬3) إِن قدم: كذا في "ش" و"ط" وفي "م": إِن قدم فلان.

باب الحكم فيما إذا وصل بإقراره ما يغيره

وإِن قال: له علي ألف إِذا جاء رأس الشهر كان إِقراراً، وإِن قال: إِذا جاء رأس الشهر فله علي ألف فعلى وجهين. وإِن قال: له علي ألف إِن شهد به فلان، أو إِن شهد فلان صدقته لم يكن مقراً، وإِن قال: إِن شهد به فلان فهو صادق احتمل وجهين. وإِن أقر العربي بالعجمية، أو العجمي بالعربية وقال: لم أدر معنى ما قلت، فالقول قوله مع يمينه. باب الحكم فيما إِذا وصل بإِقراره ما يغيره إِذا وصل به ما يسقطه مثل أن يقول: له علي ألف لا تلزمني، أو قد قبضه أو استوفاه، أو ألف من ثمن خمر، أو تكفلت به على أني بالخيار، أو ألف إِلا ألفاً أو إِلا ست مائة لزمه الألف، وإِن قال كان له علي ألف وقضيته أو قضيت منه خمس مائة، فقال الخرقي: ليس بإِقرار، والقول قوله مع يمينه، وقال أبو الخطاب: يكون مقراً مدّعياً للقضاء فلا يقبل إِلا ببينة، فكان لم يكن بينة حلف المدعي أنه لم يقض ولم يبرأ واستحق، وقال: هذا رواية واحدة، ذكرها ابن أبي موسى. فصل ويصح استثناء ما دون النصف ولا يصح فيما زاد عليه، وفي استثناء النصف وجهان، فإذا قال له: علي هؤلاء العبيد العشرة إِلا واحداً لزمه تسليم تسعة: فإن ماتوا إِلا واحداً فقال هو المستثنى فهل يقبل؟ على وجهين. وإِن قال له هذه الدار إِلا هذا البيت، أو هذه الدار له وهذا البيت لي قبل منه.

فصل

وإِذا قال له علي درهمان وثلاثة إِلا درهمين، أو له علي درهم ودرهم إِلا درهماً فهل يصح الاستثناء؟ على وجهين. وإِن قال له علي خمسة إِلا درهمين ودرهماً لزمته الخمسة في أحد الوجهين، وفي الآخر يلزمه ثلاثة. ويصح الاستثناء من الاستثناء: فإذا قال له علي سبعة إِلا ثلاثة إِلا درهماً [لزمه خمسة، وإِن قال له على عشرة إِلا خمسة إِلا ثلاثة إِلا درهمين إِلا درهماً لزمته عشرة (¬1)] في أحد الوجوه، وفي الآخر تلزمه ستة، وفي الآخر سبعة، وفي الآخر ثمانية. ولا يصح الاستثناء من غير الجنس نص عليه: فإذا قال: له علي مائة درهم إِلا ثوباً لزمته المائة إِلا أن يستثني عيناً من وَرِقٍ أو وَرِقاً من عين فيصح، ذكره الخرقي، وقال أبو بكر: لا يصح، فإِذا قال له علي مائة درهم إِلا ديناراً فهل يصح؟ على وجهين. فصل وإِذا قال له عليَّ ألف درهمٍ ثم سكت سكوتاً يمكنه الكلام فيه ثم قال: زيوفاً أو صغاراً، أو إِلى شهر لزمه ألف جياد وافية حالَّة، إِلا أن يكون في بلد أوزانهم ناقصة أو مغشوشة فهل يلزمه من دراهم البلدار من غيرها؟ على وجهين. وإِن قال له علي ألف إِلى شهر فأنكر المقر له الأجل لزمه مؤجلًا، ويحتمل أن يلزمه حالاً. وإِن قال له علي ألف زيوفاً وفسَّره بما لا فِضَّة فيه لم يقبل، وإِن فسَّره بمغشوشة قبل، وإِن قال له عليّ دراهم ناقصة لزمته ناقصة. وإِن قال له عندي رهن وقال المالك وديعة، فالقول قول المالك مع يمينه. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "ش".

فصل

وإِن قال له علي ألف من ثمن مبيع لم أقبضه وقال المقر له بل هو دين في ذمتك فعلى وجهين. فإِن قال له عندي ألف وفسره بدين أو وديعة قبل منه، وإِن قال له علي ألف وفسره بوديعة لم يقبل، ولو قال له في هذا المال ألف لزمه تسليمه، وإِن قال له من مالي أو في مالي أو في ميراثي من أبي ألف أو نصف داري هذه وفسره بالهبة وقال بدا لي من تقبيضه قُبِل. وإِن قال له في ميراث أبي ألف فهو دين على التركة، وإِن قال له نصف هذه الدار فهو مقر بنصفها، وإِن قال له هذه الدار عاريةً ثبت لها حكم العارية. وإِن أقر أنه وهب أو رهن وأقبض أو أقر بقبض ثمن أو غيره ثم أنكر وقال: ما قبضت ولا أقبضت وسأل إِحلاف خصمه فهل تلزمه اليمين؟ على وجهين. ومن باع شيئاً ثم أقر أن المبيع لغيره لم يقبل قوله على المشتري ولم ينفسخ البيع ولزمه غرامته للمقر له، وكذلك إِن وهبه أو أعتقه ثم أقر به. وإِن قال لم يكن ملكي ثم ملكْتُه بَعدُ لم يقبل قوله إِلا ببينة، وإِن كان قد أقر أنَّه ملكه أو قال قبضت ثمن ملكي ونحوه لم تسمع بينته أيضاً. فصل وإِن قال غصبت هذا العبد من زيد لا بل من عمرو، أو ملكته لعمرو وغصبته من زيد، لزمه دفعه إِلى زيد، ويغرم قيمته لعمرو. وإِن قال غصبته من أحدهما أخذ بالتعيين فيدفعه إِلى من عينه ويحلف للآخر، وإِن قال لا أعرف عينه وصدَّقاه، انْتُزع، من يده وكانا خصمين فيه، وإِن كذَّباه فالقول قوله مع يمينه. وإِن أقر له بألف في وقتين لزمه ألف واحد، وإِن أقر بألف من ثمن

فصل

عبد، ثم أقر بألف من ثمن فرس أو قرض لزمه ألفان، وإِذا ادعى رجلان داراً في يد غيرهما شركة بينهما بالسوية فأقر لأحدهما بنصفها فالمُقَرُّ به بينهما، وإِن قال في مرض موته هذه الألف لُقَطَة فتصدقوا به ولا مال له غيره، لزم الورثة الصدقة بثلثه، وحُكِيَ عن القاضي أنه يلزمهم الصدقة بجميعه. فصل إِذا مات رجل وخلَّف مائة (¬1) فادعاها رجل فأقر ابنه له بها، ثم ادعاها آخر فأقر له، فهي للأول ويغرمها للثاني، وإِن أقر بها لهما جميعاً فهي بينهما، وإِن أقر لأحدهما وحده فهي له ويحلف للآخر. وإِن ادعى رجل على الميت مائة ديناً فأقرَّ له (¬2) ثم ادعى آخر مثل ذلك فأقر له؛ فإِن كان في مجلس واحد فهي بينهما، وإِن كانا في مجلسين فهي للأول ولا شيء للثاني. وإِن خلف ابنين ومائتين فادّعى رجل مائة ديناً على الميت فصدقه أحد الابنين، وأنكر الآخر، لزم المقر نصفها إِلا أن يكون عدلًا فيحلف الغريم مع شهادته ويأخذ مائة، وتكون المائة الباقية بين الابنين. وإِن خلَّفَ ابنين وعبدين متساويي القيمة لا يملك غيرهما، فقال أحد الابنين: أبي أعتق هذا. وقال الآخر: بل أعتق هذا الآخر، عتق من كل واحد ثلثه وصار لكل ابن سدس الذي أقر بعتقه ونصف العبد الآخر، وإِن قال أحدهما أبي أعتق هذا، وقال الآخر أبي أعتق أحدهما لا أدري من منهما أقرع بينهما: فإِن وقعت القرعة على الذي اعترف الابن بعتقه عتق منه ¬

_ (¬1) قوله: (وخلَّف مائة) مستدرك على الهامش في "م". (¬2) فأقر له: كذا في "ش" و"م" وسقطت الجملة من "ط".

باب الإقرار بالمجمل

ثلثاه إِن لم يجيزا عتقه كاملًا، وإِن وقعت على الآخر كان حكمه حكم ما لو عين العتق في العبد الثاني سواء. باب الإِقرار بالمجمل إِذا قال له على شيء أو كذا، قيل له فسر، فإِن أبى حبس حتى يفسر، فإِن مات أُخذ وارثه بمثل ذلك إِن خلَّف الميت شيئاً يُقضى منه، وإِلا فلا، فإِن فسَّره بحق شفعة أو مال قبل وإِن قلَّ، وإِن فسَّره بما ليس بمال كقشر جوزة أو ميتة أو خمر لم يقبل، وإِن فسره بكلب أو حد قذف فعلى وجهين. وإِن قال غصبت منه شيئاً ثم فسره بنفسه أو ولده لم يقبل. وإِن قال له علي مال عظيم، أو خطير، أو كثير، أو جليل، قُبِلَ تفسيره بالقليل والكثير، وإِن قال له علي دراهم كثيرة قبل تفسيرها بثلاثة فصاعداً وإِن قال له علي كذا دراهم، أو كذا وكذا، أو كذا كذا درهمٌ بالرفع، لزمه درهم. وإِن قال بالخفض لزمه بعضُ درهمٍ يرجع في تفسيره إِليه، وإِن قال كذا درهماً بالنصب، لزمه درهم، وإِن قال كذا وكذا درهماً بالنصب، فقال ابن حامد: يلزمه درهم. وقال أبو الحسن التميمي: يلزمه درهمان. [وإن قال له علي ألف رُجِعَ في تفسيره إليه فكان فسره بأجناس قبل منه (¬1)]، وإِن قال: له علي ألف ودرهم، أو ألف ودينار، أو ألف وثوب أو فرس، أو درهم وألف أو دينار وألف، فقال ابن حامد والقاضي: الألف من جنس ما عطف عليه وقال التميمي وأبو الخطاب: يرجع في تفسير الألف إِليه. ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش بخط مغاير في "ش".

فصل

وإِن قال له علي ألف وخمسون درهماً، أو خمسون وألف درهم، فالجميع دراهم، ويحتمل على قول التميمي أن يرجع في تفسير الألف إِليه، وإِن قال له علي ألف إِلا درهماً فالجميع دراهم. وإِن قال له في هذا العبد شِرْكٌ أو هو شريكي فيه، أو هو شركة بيننا، رجع في تفسير نصيب الشريك إِليه. وإِن قال له علي أكثر من مال فلان، قيل له فسر؛ فإن فسره بأكثر منه قدراً قبل وإِن قلّ، وإِن قال أردت بقاءً ونفعاً لأنَّ الحلال أنفع من الحرام قبل مع يمينه، سواء علم مال فلان أو جهله، أو ذكر قدره أو لم يذكره، ويحتمل أن يلزمه أكثر منه قدراً بكل حال. وإِن ادعى عليه ديناً فقال: لفلان علي أكثر من مالك، وقال أردت التهزي، لزمه حق لهما يرجع في تفسيره إِليه في أحد الوجهين، وفي الآخر لا يلزمه شيء. فصل إِذا قال له علي ما بين درهم وعشرة لزمه ثمانية، وإِن قال من درهم إِلى عشرة لزمه تسعة، ويحتمل أن يلزمه عشرة. وإِن قال: له علي درهم فوق درهم، أو تحت درهم، أو فوقه، أو تحته، أو قبله، أو بعده، أو معه درهم، أو درهم ودرهم، أو درهم بل درهمان، أو درهمان بل درهم، لزمه درهمان، وإِن قال له درهم بل درهم، أو درهم لكن درهم، فهل يلزمه درهم أو درهمان؟ على وجهين ذكرهما أبو بكر. وإِن قال له عليَّ هذا الدرهم، بل هذان الدرهمان لزمته الثلاثة. وإِن قال قفيز حنطة بل قفيز شعير، أو درهم بل دينار، لزماه معاً، وإِن قال درهم في دينار لزمه درهم، (1) وإِن قال درهم في عشرة لزمه

خاتمة الكتاب والتحقيق

درهم (¬1) إلا أن يريد الحساب فيلزمه عشرة. وإِن قال: له عندي تمر في جراب، أو سكين في قراب، أو ثوب في منديل، أو عبد عليه عمامة، أو دابة عليها سرج، فهل يكون مقراً بالظرف والعمامة والسرج؟ يحتمل وجهين. وإِن قال له عندي خاتم فيه فص كان مقراً بهما، وإِن قال فص في خاتم احتمل وجهين، وإِن قال له علي درهم أو دينار لزمه أحدهما، يرجع إِليه في تعيينه. * * * [تم الكتاب والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم وافق ذلك يوم الأربعاء بعد الظهر، سنة تسع وسبعين وست مئة، كتبه لنفسه أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي عمر في شعبان، عفى الله عنه وعن جميع المسلمين (¬2)]. * * * ¬

_ (¬1) ما بين الرقمين مستدرك على الهامش في "م". (¬2) ما بين الرقمين عن النسخة "م" فقط وهي أقدم النسختين المعتمدتين في تحقيق الكتاب. وكان الفراغ من تحقيقه وتدقيقه وإعداده للطبع بدمشق الشام، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. المحققان

مصادر ومراجع التحقيق

مصادر ومراجع التحقيق (أ) 1 - إرواء الغليل بتخريج أحاديث منار السبيل، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني (¬1)، المكتب الإِسلامي، بيروت. (ت) 2 - تاج العروس من جواهر القاموس، للمرتضى الزبيدي، تحقيق ومراجعة جماعة من العلماء، وزارة الإعلام، والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت. 3 - تذكرة الموضوعات، لابن القيسراني، المكتبة السلفية، القاهرة. 4 - التمهيد، لابن عبد البرّ، طبعة المغرب. (ج) 5 - جامع الأصول في أحاديث الرسول، لابن الأثير الجزري، (قسم الحديث النبوي) تحقيق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، مكتبة الحلواني، مطبعة الملاح، مكتبة دار البيان، دمشق 1389 هـ - 1969 م. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في "أعلام التراث في العصر الحديث" ص (232 - 235) تأليف: محمود الأرناؤوط.

(س)

(س) 6 - سنن أبي داود، تحقيق عزة عبيد الدَّعاس وعادل السيد، دار الحديث، حمص. 7 - السنن الكبرى، للبيهقي، دار المعرفة، بيروت. (ش) 8 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي، تحقيق محمود الأرناؤوط، بإشراف الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، دار ابن كثير، دمشق 1406 هـ - 1986 م. (ص) 9 - صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. (ع) 10 - عمدة الأحكام من كلام خير الأنام، للحافظ عبد الغني المقدسي، تحقيق محمود الأرناؤوط، مراجعة الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، دار الثقافة العربية، دمشق. (ف) 11 - فتح الباري بشرح صحيح البُخاري، لابن حجر العسقلاني، بإشراف الشيخ عبد العزيز بن باز (¬1)، مصورة دار المعرفة، بيروت. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في "أعلام التراث في العصر الحديث" ص (230 - 231) تأليف محمود الأرناؤوط.

(ق)

(ق) 12 - القاموس المحيط، للفيروزابادي، طبعة مؤسسة الرسالة، بيروت. (ك) 13 - الكافي في فقه الإمام أحمد، لموفق الدين بن قدامة المقدسي، المكتب الإسلامي، دمشق - بيروت. (م) 14 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للهيثمي، طبعة مكتبة المقدسي، القاهرة. 15 - المستدرك على الصحيحين، للحاكم النيسابوري، دار المعرفة، بيروت. 16 - مسند الإمام أحمد بن حنبل، طبعة المكتب الإسلامي ودار صادر، بيروت. 17 - المصباح المنير، للفيومي، دار الكتب العلمية، بيروت. 18 - المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، بإشراف المستشرق الهولندي الدكتور أرندجان فنسنك (¬1) مصورة بيروت. 19 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، تأليف محمد فؤاد عبد الباقي، دار الكتب المصرية، القاهرة. 20 - معرفة القراء الكبار، للذهبي، تحقيق الدكتور بشار عواد معروف، الشيخ شعيب الأرناؤوط، الدكتور صالح مهدي عباس، مؤسسة الرسالة، بيروت. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في "أعلام التراث في العصر الحديث" ص (66 - 67) تأليف محمود الأرناؤوط.

21 - المغني، لموفق الدين بن قدامة المقدسي، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، القاهرة. 22 - المقصد الأرشد في أصحاب الإمام أحمد، لابن مفلح، تحقيق الدكتور عبد الرحمن العثيمين، مكتبة الخانجي، القاهرة. 23 - المنهج الأحمد بتراجم أصحاب الإمام أحمد، للعُليمي، تحقيق محمود الأرناؤوط، رياض عبد الحميد مراد، محيي الدِّين نجيب، إبراهيم صالح، حسن إسماعيل مَرْوَة، بإشراف الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، دار صادر، بيروت 1417 هـ - 1997 م. 24 - موسوعة أطراف الحديث النبوي، لبسيوني، دار الكتب العلمية، بيروت. * * *

§1/1