المقدمات في الجغرافيا الطبيعية

عبد العزيز طريح شرف

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم تقديم: لا شك أن الجغرافيا الطبيعية بمختلف فروعها هي القاعدة التي لا يمكن أن يقوم بدونها أي بناء جغرافي مهما كانت أهدافه. ولئن كانت الجغرافيا البشرية بفروعها المختلفة تدور حول الإنسان ونشاطاته؛ فإنها لا يمكن أن تحقق أهدافها بغير أساس متين من الجغرافيا الطبيعية؛ إلا أن اتساع الميادين التي تعالجها الجغرافية الطبيعية وتشعبها يجعل من المتعذر على غير المتخصصين فيها أن يلموا بتفاصليها، ولهذا فقد كان من الضروري وضع حد أدنى للأسس التي يجب على كل جغرافي أن يكون ملمًا بها مهما كان مستواه أو تخصصه، ومن هنا جاءت فكرة المقدمات التي نقدمها الآن وهي: مقدمة في الجغرافيا الفلكية ومقدمة في الفيزيوغرافيا ومقدمة في جغرافية البحار ومقدمة في الطقس والمناخ ومقدمة في الجغرافيا الحيوية والله أسأل أن نكون قد وفقنا لتحقيق الهدف المنشود. إنه هو السميع المجيب عبد العزيز طريح شرف

مقدمة في الجغرافيا الفلكية

مقدمة في الجغرافيا الفلكية. 1-1-الأجرام السماوية: تمهيد: يحتوي الكون بمعناه الواسع على بلايين الأجرام التي تتباين تباينًا كبيرًا في أحجامها وطبائعها، ومع ذلك فإن كل واحد منها، مهما صغر حجمه أو كبر، يتحرك بنظام خاص به داخل النظام الكوني العام؛ ولكن على الرغم من التقدم الكبير في علوم الفلك والقضاء فإن معلوماتنا عن الكون لا تمثل في الواقع إلا بنسبة لا تستحق الذكر من أسراره التي مازالت خافية على العقل البشري، فما هو مثلًا اتساع هذا الكون، وما هي حدوده؟ وما هو عدد أجرامه؟ إن هذه وغيرها أسئلة كثيرة بقيت وستظل دائمًا دون جواب. وعلى أساس ما هو متوفر الآن من معلومات يقسم الفلكيون الأجرام السماوية عمومًا إلى عدة فئات هي: 1- المجرة Galaxy ومثيلاتها 2- النجوم Stars 3- الكواكب Planets 4- الأقمار Moons 5- المذنبات Comets 6- السدم Nebulae

المجرة

المجرة: إن المجرة التي نعرفها والتي يتبعها نظامنا الشمسي ليست إلا واحدة من مجرات عديدة يشغل كل منها نطاقًا عظيمًا من الكون. وتضم هذه المجرة أعدادًا لا تحصى من النجوم والأقمار والمدنبات والسدم. ومجرتنا هذه هي التي تشتهر في البلاد العربية باسم "سكة التبانة" وفي العالم الغربي باسم السكة اللبية Milkey Way1 وهي ترى في السماء بشكل نطاق صخم من الضوء الخافت الذى يمتد عبر السماء كلها بحيث يمكن رؤيته في أي مكان على سطح الأرض، وليس هذا

_ 1 السبب في تسمية العرب لها بسكة التبانة هو أنها تبدو وكأنها طريق يسلكه تجار التبن وحملوه مما يؤدي إلي بعثرة بعض منه على الطريق فيعطيه لونًا مائلًا إلى البياض، أما الغربيون فيشبهونه بطريق سكبت عليه طبقة رقيقة من اللبن.

الضوء الخافت إلا ملايين الأجرام السماوية المضيئة التي تبدو -على الرغم من الأبعاد الشاسعة التي تفصلها عن بعضها- وكأنها متلاصقة أو متجاورة جدًّا. ونظرًا لضخامة المسافات التي تفصل أجرام المجرة بعضها عن بعض؛ فقد أصبح من المتعذر حسابها بواسطة وحدات القياس العادية؛ ولذلك فقد اتفق على أن تستخدم في حسابها وحدة خاصة هي السنة الضوئية Light Year وهي المسافة التي يقطعها الضوء "وسرعته 300 ألف كيلو متر في الثانية" في سنة كاملة، وتستخدم بجانبها وحدة أخرى أصغر منها لقياس المسافات بين أفراد المجموعة الشمسية، ويطلق عليها "الوحدة الفلكية" Astronomical Unit، وهي متوسط المسافة بين الأرض والشمس وطولها 149 مليون كيلو متر "93 مليون ميل".

النجوم

النجوم مدخل ... النجوم: تعتبر النجوم بصفة عامة من الأجرام السماوية الكبيرة؛ ولكنها تتباين فيما بينها تباينًا سواء في أحجامها أو في طاقاتها الإشعاعية؛ فبينما لا يكاد حجم بعضها يزيد كثيرًا عن حجم الكواكب الكبيرة فإن بعضها عظيم الضخامة. وعلى الرغم من أنها جميعًا مكونة من مواد ملتهبة وتنبعث منها طاقة إشعاعية كبيرة إلا أن هذه الطاقة تختلف اختلافًا كبيرًا من نجم إلى آخر. وتتوقف درجة لمعانها في السماء بصفة خاصة على طاقتها؛ ولكنها تتأثر كذلك بدرجة بعدها عنا. وأكثر النجوم لمعانًا في السماء هو النجم المسمى "الشعرى اليمانية Sirius" وهو نجم متلألئ يبعد عنا بنحو 6508 سنة ضوئية، وتقدر طاقته الإشعاعية بما يعادل الطاقة الإشعاعية للشمس حوالي 26 مرة. ولا يعرف حتى الآن عدد نجوم السماء كلها، أو حتى عدد نجوم مجرتنا وحدها إلا أن الفلكين يقدرون عدد نجوم هذه المجرة بنحو 300 مليون نجم. وعلى الرغم من أن الشعرى اليمانية هي أشد النجوم (عدا الشمس) لمعانًا في السماء؛ فإنها ليست أقرب النجوم إلى الأرض؛ إذ أن هناك نجومًا أخرى أقرب منها إلينا، ومع ذلك فإن إضاءتها أقل منها بكثير، وأقرب نجم معروف

حتى الآن إلى الأرض غير الشمس هو الأقرب القنطورى Proima Cantaur الذى يرى في نصف الكرة الجنوبي وهو أحد نجوم كوكبة قنطورس. ومن هنا جاءت تسميته بالقنطورى. ويبلغ بعد هذا النجم عن الأرض حوالي 4.27 سنة ضوئية؛ وهو أقل من نصف بعد الشعرى اليمانية عنها، ومع ذلك فإن الضوء الذي تبعثه الشعرى اليمانية إلى الأرض يعادل الضوء الذي يبعثه هذا النجم 70 ألف مرة. وهذا هو السبب في أن اكتشافه لم يتم إلا منذ عهد قريب. وهناك غير الأقرب القنطورى خمسة نجوم أقرب إلى الأرض من الشعرى اليمانية؛ ولكنها لا تبدو بنفس لمعانها ووضوحها لأنها أقل منها إضاءة.

تجمعات النجوم

تجمعات النجوم: وتوجد النجوم أحيانًا منفردة ولكنها كثيرًا ما توجد في مجموعات تشتهر باسم الكوكبات Constellations. ويتبع كل نجم من النجوم في الغالب عدد من الكواكب والأقمار. وتعتبر شمسنا -رغم ضخامتها- واحدة من النجوم الصغيرة نسبيًّا. وهناك ملايين من النجوم الأخرى الأكبر منها. وعلى الرغم من ابتكار مناظر فلكية تستطيع أن تتوغل في الفضاء إلى أبعاد شاسعة؛ فإن أقوى هذه المناظر لم تستطع حتى الآن أن تظهر أي نجم من النجوم "غير الشمس" بأكثر من نقطة محدودة من الضوء بسبب الأبعاد الشاسعة التي تفصلها عنا. وقد كانت كثير من النجوم ومجموعاتها معروفة بين المهتمين بدراسة الفلك منذ زمن طويل؛ فقد كان الفلكيون العرب في العصور الوسطى يرصدونها ويعرفون كثيرًا من الحقائق عن حركاتها وعن مواقعها بالنسبة للأرض في الفصول المختلفة، وإليهم يرجع الفضل في اكتشاف عدد من النجوم ومجموعاتها وما زالت الأسماء العربية التي أطلقوها عليها ظاهرة في كثير من اللغات الأخرى. وقد وضع بعض الفلكيين العرب جداول فلكية خاصة لها قيمة علمية كبيرة في تحديد مسارات النجوم والكواكب ومواعيد شروقها وغروبها على مدار السنة. وفي عهد اليونايين القدماء كان لبعض التجمعات النجمية أهمية خاصة في أساطيرهم وعقائدهم الدينية مثل مجموعة الفارس "أوالجبار" Orion وذات الكرسي Cassiopeio، وذات الشعور Coms Berenices والمرأة المسلسلة Andromeda بلييادس Pleiades

والدب الأكبر والدب الأصغر وفرساوس والتنين والزرافة وغيرها. وقد لوحظ أن أفراد كل مجموعة من هذه المجموعات متشابهة في تركيبها وأنها تتحرك دائمًا بترتيب ثابت، ولذلك فإن الفلكيين يطلقون عليها اسم الكوكبات "أو التشكيلات" المتحركة Moving Clusters. وهناك أيضًا مجموعات نجمية تعرف باسم الجموع الكروية Globular Clusters وتضم كل منها عدة ملايين من النجوم التي تبدو متكدسة في الوسط ثم تتباعد نحو الخارج بحيث تبدو المجموعة كلها وكأنها سرب من النحل. ويوجد في الكون أكثر من مائة تجمع من هذا النوع، وكلها بعيدة جدًّا عن الأرض بحيث يصعب تمييزها بالعين المجردة. ويبلغ بعد أقربها إلينا 18400 سنة ضوئية1. ويطلق تعبير "البروج" على الكوكبات التي تمر بها الشمس أثناء مسارها الظاهري في السماء على مدار السنة. ويطلق على هذا المسار اسم دائرة البروج بسبب مروره بكل هذه الكوكبات. وتوصف "دائرة البروج" بتعبير آخر بأنها هي تقاطع مستوى فلك الأرض حول الشمس مع الكرة السماوية. ويطلق تعبير منطقة البروج على كل المنطقة الواقعة على طول هذه الدائرة. وتنقسم هذه المنطقة إلى 12 برجًا يشغل كل برج منها 30 درجة من درجات الطول، وهذه البروج وفصول ظهورها هي: الحمل والثور والجوزاء "التوءمان" وتظهر في الربيع، ثم السرطان والأسد "الليث" والسنبلة وتظهر في الصيف، ثم الميزان والعقرب والقوس وتظهر في الخريف ثم الجدي والدلو والحوت وتظهر في الشتاء "انظر شكل2"2.

_ 1 محمد عبد السلام الكرداني، "النجوم في مسالكها" سنة 1933 ص113. 2 ورد في أدب الفلك العربي بيتان مشهوران جمعت فيهما أسماء البروج الاثني عشرة كما يلي: حمل الثور جوزة السرطان ورغى الليث سنبل الميزان ورى عقرب بقوس الجدي نزخ الدلو بركة الحيتان

شكل (1) تجمع نجمى كروى شكل (2) مواقع البروج في الفصول المختلفة

النجم القطبي "أو القطبية" Polar Star Or Polaris: هو أحد نجوم المجموعة المعروفة باسم "الدب الأصغر". وهي كوكبة من سبعة نجوم تظهر دائمًا في الليالي الصافية من الجهة الشمالية من القبة السماوية، وهي مرتبة بحيث تظهر أربعة منها بشكل مستطيل؛ ولكنه ضيق قليلًا في أحد جوانبه، ومن أحد ركني هذا الجانب تتوزع النجوم الثلاثة الأخرى على طول خط مقوس. وآخرها على الخط هو "النجم القطبي أو القطبية". وهذه النجوم السبعة ومعها نجوم أخرى لا حصر لها بالقرب منها هي التي تتكون منها كوكبة الدب الأصغر. وقد سميت بذلك لأنها تأخذ في تجمعها شكلًا قريبًا من شكل الدب، حيث يتمثل جسمه بالشكل المستطيل بينما يتمثل ذيله بالخط الذي يقع النجم القطبي في طرفه. وقد كانت للنجم القطبي منذ القدم أهمية كبيرة وخصوصًا للمسافرين في البحار والصحارى؛ حيث إنه كان مرشدهم الرئيسي إلى الاتجاه الشمالي، بسبب وقوعه على امتداد محور الأرض من القطب الشمالي. فلو فرضنا أن هذا المحور قد امتد في الفضاء بدون حدود فإنه سيمر بنقطة لا تبعد عن هذا النجم إلا بدرجة واحدة تقريبًا. ولكن يجب أن نلاحظ مع ذلك أن اتجاه محور الأرض نحو القطب القطبي ليس ثابتًا على مر العصور؛ بل إنه يتغير من عصر إلى آخر ولكن ببطء شديد جدًّا؛ فقد أثبتت الدراسات الفلكية أنه كان في عهد قدماء المصريين، أي منذ حوالي خمسة آلاف سنة، لا يشير إلى هذا النجم؛ بل كان يشير إلى نجم آخر من نجوم مجموعة "قيفاوس"، أما سبب هذا التحول فيرجعه الفلكيون إلى الظاهرة المعروفة باسم ظاهرة طواف القطب "انظر شكل 3".

شكل "3" طواف القطب الحرف الأبجدي الموضوع بجوار كل نجم يدل على ترتيبه من حيث الحجم في مجموعته.

والمقصود "بطواف القطب" هو عدم ثبات النقطة التي يشير إليها قطب محور الأرض في السماء، وتزحزح هذه النقطة بانتظام على محيط دائرة وهمية؛ ولكنها معروفة. ويرى الفلكيون أن سبب هذا الطواف هو انبعاج الأرض قليلًا عند خط الاستواء، وتفرطحها عند القطبين؛ حيث أن جذب الشمس للجزء المنبعج يكون أكبر قليلًا من جذبها للأجزاء الباقية، ويترتب على ذلك تغير بطيء جدًّا؛ ولكنه مستمر في اتجاه المحور؛ بحيث تتزحزح النقطة التي يشار إليها في السماء على مسار دائري، وقد تبين أن كل دورة كاملة على هذا المسار تستغرق 25.800 سنة. ويجب ألا نخلط بين ظاهرة طواف القطب هذه وبين ظاهرة أخرى تعرف باسم ظاهرة "تمايل أو ترنح المحور" فظاهرة طواف القطب تنتج عن جاذبية الشمس، وهي عبارة عن حركة متئدة وبطيئة جدًّا، أما التمايل أو الترنح فهو حركة سريعة نسبيًّا، وسببها هو جاذبية القمر. وهي شبيهة بحركة تمايل أو ترنح النحلة التي يلعب بها الأطفال عندما يديرونها بسرعة. الكوكبات النجمية التي ترى دائمًا في نفس مواقعها: المقصود بهذه الكوكبات هي الكوكبات التي ليس لها شروق ولا غروب بالنسبة لنا؛ لأنها تظهر دائمًا في نفس مواقعها تقريبًا في كل ليلة على مدار السنة ما دامت السماء صافية، وأهمها هو الدب الأصغر، بما في ذلك النجم القطبي والكوكبات القريبة منه مثل الدب الأكبر وذات الكرسي وفرساوي والزرافة والتنين، وهي تختلف عن كثير من الكوكبات الأخرى الأبعد منها مثل: الجبار والأكبر والشجاع والأسد والجاثي والثعبان (الحية) والعقاب (النسر) والدجاجة (البجعة) والجدي والفرس الأعظم؛ فهذه الكوكبات تشرق في الشرق وتعبر السماء حتى تغرب في الغرب ثم تختفي لتعود للظهور في الليلة التالية. وهناك كوكبات أخرى تظهر في الشتاء وتختفي في الصيف أو العكس، ويظهر ذلك بوضوح عندما تقارن خريطتي القبة السماوية لهذين الفصلين في نصف الكرة الشمالي مثلًا: المتغيرات القيفاوية Cepheid Variables: على الرغم من أن معظم النجوم تتميز بقوة إشعاعية ثابتة؛ فقد لاحظ الفلكيون منذ وقت طويل أن بعضًا

منها سواء في داخل المجرة أو خارجها، لا تثبت على حال واحدة وأن قوتها الإشعاعية تتغير من وقت إلى آخر، لا تبت على حال واحدة وأن قوتها الإشعاعية تتغير من وقت إلى آخر. ولكن بينما تحدث التغيرات في بعض النجوم بشكل دورات منتظمة يشتد الإشعاع في بعضها ويضعف في بعضها الآخر، فإنها تحدث في بعضها الآخر بشكل غير منتظم. ومن أشهر النجوم التي لوحظ منذ زمن بعيد أن قوتها الإشعاعية تتغير بنظام دقيق النجم المعروف باسم قيفاوس أو الملتهب Cepheus وهذا هو السبب في تسمية هذا النوع من النجوم باسم "المتغيرات القيفاوية". وقد ساعد التغير المنتظم لهذه النجوم على تحديد أبعادها في الفضاء بدرجة كبيرة من الدقة. النجوم الجديدة Novaea: وهي نجوم متفجرة؛ فقد لاحظ الفلكيون أن بعض النجوم قد تتعرض للانفجار، وأنها عندما تنفجر تنطلق منها طاقات إشعاعية غير عادية تعادل طاقاتها الإشعاعية الأصلية ملايين المرات. وقد يكون السبب في انفجار هذه النجوم هو حدوث تغيرات في تركيبها الداخلي فيترتب على ذلك حدوث حالة من عدم التوازن في داخلها، مما يؤدي إلى تضخم النجم فجأة وانفجاره وانطلاق الطاقة الإشعاعية الهائلة منه. وليس معنى انفجار النجم بهذا الشكل هو نهايته؛ بل إنه يعود للالتئام مرة أخرى بحيث يظهر وكأنه نجم جديد. وبعض النجوم أكثر تعرضًا للانفجار من غيرها، ولذلك فإن انفجارها قد يتكرر أكثر من مرة1. وتدل الأرصاد الفلكية على أن عدد النجوم التي أمكن رصد انفجاراتها بالفعل يبلغ في المتوسط ستة نجوم سنويًّا. ولا يدخل في هذا العدد النجوم التي انفجرت دون أن تلاحظ انفجاراتها بسبب بعد المسافة أو لأي أسباب أخرى، ولا بد أنها كثيرة. ويمكننا أن نتصور ماذا يحدث للأرض لو أن شمسنا انفجرت بهذا

_ 1 James Jeans, "The Univers Around US," C. U. P.1969 إمام إبراهيم أحمد " عالم الأفلاك" 1962، المكتبة الثقافية، صفحة: 121-125.

الشكل، إن هذا لو حدث فإنه سيؤدي بالتأكيد إلى احتراق الأرض ومعظم الكواكب السيارة القريبة من الشمس مع أقمارها في الحال. تناقص الطاقة الإشعاعية للنجوم: يرى كثير من الفلكيين أيضًا أن الطاقة الإشعاعية لكثير من النجوم تتناقص بمرور الزمن، وأن الشمس ربما تكون واحدة من هذا النوع. والسبب المرجح لهذا التناقص هو أن الأيدروجين الذي يدخل في تركيب هذه النجوم يتحول باستمرار إلى هيليوم؛ فإذا كانت نسبة الأيدروجين التي تدخل في تركيب النجم كبيرة كان تناقص إشعاعاته كبيرًا، والعكس صحيح والمعروف أن نسبة الأيدروجين الذي يدخل في تركيب الشمس صغيرة جدًّا؛ فلو كان هناك فعلًا تناقص في طاقتها الإشعاعية فإنه تناقص بطيء جدًّا وإنه لن يؤثر بشكل محسوس على جو الأرض إلا بعد مرور عدة ملايين من السنين.

الكواكب والأقمار

ثالثًا: الكواكب والأقمار. الكواكب هي الأجرام السماوية المعتمة التي تتبع النجوم، وأهم ما يميزها عن النجوم أنها أصغر منها حجمًا بصفة عامة، وأنها غير ملتهبة وغير مضيئة إضاءة ذاتية؛ ولكنها تعكس الأشعة التي تسقط عليها من النجوم فتبدو لامعة في السماء، ولولا سقوط هذه الأشعة عليها لما أمكن رؤيتها، وأهم الكواكب بالنسبة لنا هي الكواكب التي تتبع النظام الشمسي؛ ولذلك فإننا سنتكلم عليها ضمن كلامنا على هذا النظام في الفصل التالي. أما الأقمار فهي الأجرام التي تتبع الكواكب، والتي تدور في أفلاك خاصة حولها. وهي تشبه الكواكب في أنها أجسام معتمة وأنها لا ترى إلا إذا سقط ضوء النجوم عليها. ومن الطبيعي أن تكون الأقمار التابعة لأي كوكب من الكواكب أصغر في أحجامها منه. وسنشير إلى أقمار النظام الشمسي عندما نتكلم عليه.

المذنبات

رابعًا: المذنبات وهي من الأجرام الملتهبة التي تنبعث منها إشعاعات قوية؛ فهي شبيهة بالنجوم من هذه الناحية؛ ولكنها تختلف عنها من وجوه أخرى؛ فهي في الغالب أصغر منها حجمًا، كما أنها تنطلق في الفضاء بسرعة هائلة وتكون أفلاكها لهذا

السبب شديدة الاستطالة، ولعل أبرز ما يميزها هو أذنابها التي قد يصل طولها إلى بضعة ملايين من الكيلو مترات، ويتكون الذنب عمومًا من غازات ملتهبة؛ إلا أن طوله واتجاهه قد يتغيران على حسب موقعه بالنسبة للنجم الذي يتبعه المذنب، أو بالنسبة لأقرب نجم آخر إليه. حيث أن ضغط ضوء النجم يعمل دائمًا على دفع الغازات التي يتكون منها الذنب بعيدًا عنه؛ ولذلك فعندما يقترب أحد المذنبات من الشمس فإن ذنبه يكون ممتدًا إلى الخلف منه، وعندما يمر بها يدور حول نفسه بحيث تكون رأسه واقعة بين الذنب والشمس، وعندما يبدأ في الابتعاد يكون ذنبه ممتدًا أمامه. شكل (4) المذنب هالى كما صور سنة 1910

وتوجد في الكون مذنبات عديدة؛ ولكن المذنبات التي أمكن رصدها بالفعل وأمكن معرفة نظام حركتها قليلة. ويعرف كل مذنب منها باسم خاص هو غالبًا اسم الشخص الذي اكتشفه. ومن أقدم المذنبات التي عرفت وأشهرها المذنب هالي Haly ويمكن مشاهدته من الأرض مرة كل 76 سنة، وهي المدة التي يستغرقها دورانه في فلكه حول الشمس، ومن الاحتمالات غير المستبعدة أن يقترب أحد المذنبات من الأرض بدرجة تؤدي إلى ارتطامه بها، كما حدث فعلًا سنة 1908 عندما سقط في سيبيريا مذنب زنته حوالي مليون طن فحفر حفرة سعتها عدة كيلو مترات وعمقها عدة أمتار؛ إلا أن مثل هذه الحوادث نادرة جدًّا.

السدم

السدم مدخل ... خامسًا: السدم. وهي سحب كونية ضخمة تتكون من غازات أو جزئيات كونية دقيقة ويوجد في مجرتنا عدد كبير منها، ومما يدل على ضخامتها أنه بينما لا تستطيع أقوى المناظر الفلكية أن تظهر أي نجم من النجوم (غير الشمس) إلا كنقطة مضيئة؛ فإنها تستطيع أن تظهر السدم بشكل سحابات كبيرة وقد أمكن بالفعل تصوير عدد منها؛ على الرغم من أنها تبعد عنا بمئات الآلاف من السنين الضوئية. وقد قسم الفلكيون السدم التي أمكن رصدها إلى ثلاثة أنواع هي1:

_ 1- James Jeans, Ibid. pp. 22-25

سدم كوكبية

1- سدم كوكبية Planetary Nebulae: وهي أقرب السدم إلينا، وتوجد منها بضع مئات في مجرتنا. ويقدر متوسط بعدها عن الأرض بنحو 4500 سنة ضوئية. وتظهرها المناظر الفلكية القوية بشكل أقراص مستديرة، ومن المحتمل أن تكون هذه السدم نجومًا عادية ولكنها محاطة بأجواء مضيئة عظيمة الاتساع. ويقدر بعض الفلكيين أن كلًا منها يعطي ضوءًا يعادل ضوء شمسنا حوالي عشر مرات.

سدم مجرية

2- سدم مجرية Galactic Nebulae: وهي موجودة أيضاً داخل المجرة؛ ولكنها تبدو بشكل سحب ضخمة ممتدة بين النجوم لمسافات شاسعة، وليست لها أشكال أو حدود منتظمة، والغالب أنها تحصر بداخلها عددًا من النجوم. وتتباين هذه السدم فيما بينها تباينًا كبيرًا في الكثافة والحجم ودرجة الإضاءة.

سدم فوق المجرية

3- سدم فوق المجرية Extra-galactic Nebulae: وهي أعظم السدم حجمًا حتى أن بعض الفلكيين يضعونها -أو بعضها على الأقل- ضمن المجرات؛ فهي تحصر بداخلها ملايين النجوم، ونظرًا لضخامتها فإنها يمكن أن ترى بالعين المجردة على الرغم من أبعادها الشاسعة، وهي تأخذ غالبًا أشكالًا خاصة تساعد على تمييزها ورصدها. وهذه السدم هي التي عليها كذلك اسم السدم الحلزونية Spiral Nebulae "انظر الأشكال 5 إلى 7".

شكل "5" رأس الحصان في السديم الأعظم في كوكبة أرويون شكل "6" سديم حلزوني

شكل "7" السديم الحلزوني الأعظم في كوكبة اندروميدا "اللمرأة المسلسلة".

الشهب والنيازك

الشهب والنيازك ... الشهب Meteors والنيازك Meteorites: وهي ليست أجرامًا سماوية بمعنى الكلمة؛ وإنما هي كتل صخرية أو معدنية صلبة تندفع في الفضاء نحو الأرض. ويؤدي احتكاكها الشديد بالهواء إلى التهابها وظهورها مضيئة؛ فإذا كانت صغيرة فالغالب هو أنها تحترق قبل وصولها إلى الأرض، وهذه هي التي تعرف بالشهب، أما إن كانت كبيرة واستطاعت أن تصل إلى الأرض فإنها تعرف بالنيازك. وتكون قوة اندفاع النيزك كبيرة جدًّا، ولذلك فإن ارتطامه بالأرض يؤدي عادة إلى تكوين حفرة عميقة، وتوجد عدة أمثلة لحوادث سقوط النيازك في جهات متفرقة من العالم؛ ففي صحراء أريزونا مثلًا استطاع أحد النيازك أن يحفر حفرة يبلغ قطرها كيلو مترًا وعمقها 250 مترًا بحيث تبدو وكأنها فوهة بركان. وقد قدر وزن النيزك الذي حفرها بنحو خمسة ملايين طن. ولئن كانت حوادث سقوط النيازك قليلة ومعروفة؛ فمما لا شك فيه أن الشهب التي تحترق في الجو لا يمكن حصرها، خصوصًا وأن كثيرًا منها يحترق ويتلاشى دون أن يراه أحد. ويقدر الباحثون مقدار المواد التي تضيفها بقايا الشهب المتساقطة إلى جسم الأرض بما يقرب من عشرين ألف طن سنويًّا. وهذا معناه أن هناك زيادة مطردة؛ ولكنها بطيئة في حجم الأرض.

النظام الشمسي

النظام الشمسي الشمس مدخل ... 1-2-النظام الشمسي SOLARSYSTEM. الشمس: ليس النظام الشمسي إلَّا واحدًا من مئات الملايين من النظم الشمسية التي تضمها المجرة "سكة التبانة"، وهو يقع على بعد ثلاثين ألف سنة ضوئية من مركزها، ويدور حول هذا المركز دورة كاملة مرة كل 225 مليون سنة. والشمس نفسها عبارة عن كرة ضخمة من المواد الملتهبة التي تنبعث منها طاقة إشعاعية هائلة تعادل حوالي 170 ألف حصان من كل متر مربع من سطحها وتنطلق هذه الطاقة في جميع الاتجاهات بشكل إشعاعات متباينة بعضها مرئي مثل الأشعة الضوئية وبعضها غير مرئي مثل الأشعة الحرارية، وتنتقل كلها في موجات متباينة الأطوال فتصل إلى جميع الكواكب السيارة وأقمارها، ولكن بمقادير تتناسب مع بعد كل منها عن الشمس. وتقدر درجة الحرارة على سطح الشمس بنحو 6000 ْ مئوية؛ بينما تزيد في مركزها عن مليون درجة، وتنطلق من سطحها نافورات "أو ألسنة" ملتهبة تأخذ أشكالًا متباينة. شكل "8" موقع النظام الشمسي في المجرة "المشار إليه بالسهم"

شكل "9" نتوء شمسي شكل "10" بقع شمسية "أ" مصورة داخل الشمس "ب" مكبرة نوعًا ما

وتعرف باسم "النتوءات Prominencies" وقد يمتد لهيب بعض هذه النتوءات في الفضاء إلى مسافات كبيرة تصل إلى عشرات الآلاف من الكيلو مترات "انظر شكل 9". وتستأثر الشمس وحدها بنحو 99.87% من الحجم الكلي للمجموعة الشمسية، ويبلغ طول قطرها حوالي 1.382.000 كيلو متر. وهو ما يعادل قطر الأرض مائة مرة، وهذا هو السبب في قوة جاذبيتها التي تتحكم بها في حركة الكواكب التي نتبعها.

البقع الشمسية

البقع الشمسية Sunspots: وهي عبارة عن مساحات صغيرة من سطح الشمس تقل حرارتها وإشعاعاتها بشكل واضح عن المناطق المحيطة بها. وليس من المعروف بالضبط السبب في وجود هذه البقع؛ ولكن من المعتقد أنها عبارة عن كتل غازية تتكون أحيانًا في جو الشمس وتدور حول نفسها بسرعة، ويكون بعضها كبيرًا إلى درجة يمكن معها رؤيته من الأرض بالعين المجردة مع الاستعانة بمنظار ملون أو خلال السحب الرقيقة. وقد لوحظ أن هذه البقع تكثر في دورات طول كل منها أحد عشر سنة تقريبًا. ونظرًا لأنها تؤثر على الطاقة الإشعاعية للشمس؛ فقد حاول بعض الباحثين أن يربطوا بين دوراتها وبين الدورات التي تمر بها بعض المظاهر الطبيعية والحيوية على الأرض "انظر شكل 10".

الكواكب السيارة

الكواكب السيارة مدخل ... الكواكب السيارة Planets: يضم النظام الشمسي تسعة كواكب سيارة أكبرها هو المشترى، ويبلغ حجمه ضعف مجموع حجم باقي الكواكب. وأبعد الكواكب عن الشمس "كما هو معروف الآن" هو بلوتو، أما أقربها إليها فهو عطارد الذي يعتبر كذلك أصغرها حجمًا. وتقسم هذه الكواكب عمومًا على حسب بعدها عن الشمس إلى مجموعتين هما:

مجموعة الكواكب الداخلية "أو الصغيرة"

مجموعة الكواكب الداخلية "أو الصغيرة" ... 1- مجموعة الكواكب الداخلية Inner Planeys "أو الصغيرة": وتشمل الكواكب الأربعة الأقرب إلى الشمس، وهي عطارد والزهرة والأرض والمريخ. وهي متشابهة إلى حد كبير في الحجم والكثافة مما يدل على أنها مكونة

من مواد صخرية متشابهة؛ ولهذا السبب يطلق عليها أحيانًا اسم الكواكب الأرضية "Terrestrial Planets" وهي أعلى كثافة من الكواكب الخارجية. ونظرًا لقرب عطارد والمريخ والزهرة من الأرض؛ فقد كانت معروفة منذ العهود التاريخية القديمة، وكان لها على سبيل المثال مركز معروف في الميثولوجيا اليونانية القديمة؛ فقد كان اليونانيون في ذلك الوقت يعتبرون أن المريخ هو إله الحرب، والزهرة هى إله الجمال، وعطارد هو الخادم أو ساعي البريد الذي يقوم بنقل الرسائل بين الآلهة.

مجموعة الكواكب الخارجية "أو الكبرى"

مجموعة الكواكب الخارجية "أو الكبرى" ... 2-مجموعة الكواكب الخارجية Outer Planets " أو الكبرى": وتشمل الكواكب الأبعد عن الشمس، وهي المشترى وزحل ونبتون وأورانس وبلوتو. ويفصل هاتين المجموعتين عدد كبير من الكوكيبات الصغيرة التي تتجمع في منطقة واحدة في مكان متوسط تقريبًا بين فلكي المريخ والمشترى. ويطلق عليها اسم "الكويكبات Asteroids". وتدور كل الكواكب والكوكيبات في أفلاك بيضاوية "إهليلجية" حول الشمس. وتقع جميع أفلاكها في مستوى واحد تقريبًا. وهو نفس المستوى الذي تدور فيه الشمس دورتها الظاهرية بالنسبة للأرض وهو أيضًا مستوى فلك الأرض ويطلق عليه كذلك اسم مستوى الكسوف والخسوف Plane Of Ecliptic وتفصل الكواكب بعضها عن بعض أو عن الشمس مسافات كبيرة يمكن حسابها إما بملايين الكيلو مترات أو الأميال أو بالوحدة المعروفة باسم الوحدة الفلكية. وقد سبقت الإشارة إليها، وهي متوسط البعد بين الأرض والشمس وهو 149 مليون كيلو متر "93 مليون ميل". ويكمننا أن نتصور عظم المسافات التي تفصلنا مثلًا عن الشمس، وعن غيرها من أفراد العائلة الشمسية، لو أننا عرفنا أن الطائرة النفاثة التي تسير بسرعة الصوت "1200 كم/ ساعة" تحتاج إلى 14 سنة كاملة للوصول من الأرض إلى الشمس دون عودة، ويبين الجدول "رقم 1" المسافات التي تفصل الكواكب السيارة عن الشمس وعن الأرض.

شكل 11 دوران الكواكب السيارة حول الشمس

الكواكب الداخلية

الكواكب الداخلية: 1- عطارد Mercury: هو أصغر الكواكب السيارة، ويبلغ قطره حوالي 4800 كيلو متر، كما أنه هو أقربها إلى الشمس حيث يبعد عنها بنحو 57 مليون كيلو متر "0.39 وحدة فلكية"، ويتم دورته حولها في 88 يومًا. أما دورته حول نفسه فتستغرق 90 يومًا؛ فهي بطيئة جدًّا بالنسبة لدورة الأرض حول نفسها، وكما هو الحال بالنسبة للقمر فإن أحد أوجه عطارد يكون دائمًا مواجهًا للشمس ويكون دائمًا نهارًا بينما يكون وجهه الآخر دائمًا ليلًا. ونظرًا لقرب هذا الكوكب من الشمس فإن درجة حرارة وجهه المقابل لها تكون دائمًا مرتفعة جدًّا خصوصًا في المنطقة الوسطى التي تسقط عليها الأشعة عمودية

باستمرار، وفيها تزيد درجة الحرارة عن 340 ْ مئوية 560 ف وهي درجة تكفي لصهر بعض المعادن مثل الرصاص والصفيح. وبسبب هذه الظروف لا يمكن أن يوجد أي نوع من أنواع الحياة على هذا الكوكب. جدول 1 أبعاد الكواكب السيارة عن الشمس وعن الأرض "معظم الأرقام مقربة إلى أقرب رقم صحيح"

الزهرة

2- الزهرة Venus: وهي أقرب الكواكب إلى الأرض. ويبلغ البعد بين فلكيهما حوالي 41 مليون كيلو متر، كما أن حجمها يكاد يقترب من حجم الأرض، وإن كان يقل عنه بنحو 2% من حجم الأرض. ويبلغ بعد الزهرة عن الشمس 1.8 مليون كيلو متر "0.72 وحدة فلكية" وتستغرق دروته حولها 224.75 يوم. وهي أبطأ الكواكب في دورتها حول نفسها حيث تستغرق دورتها

شكل رقم "12" حجم الكواكب بالنسبة إلى الشمس 243 يومًا، وهي محاطة بغلاف غازي كثيف مكون بصفة خاصة من ثاني أوكسيد الكربون. وربما توجد معه كميات ضئيلة جدًّا من الأكسوجين والنيتروجين وبخار الماء. ويبدو جو الزهرة بشكل سحاب كثيف يحول دون رؤية جسمها الصلب من الأرض؛ حتى أن اتجاه دورانها حول نفسها ما زال غير مؤكد، كما أن المدة التي يستغرقها هذا الدوران غير معروفة بالضبط؛ ولكن من المؤكد أن درجة حرارتها مرتفعة جدًّا، وأنها تبلغ في الجزء الذي يظهر لنا، وهو الجزء الذي تكون أشعة الشمس عندئذ ساقطة عليه حوالي 300 ْ مئوية. ويظهر هذا الجزء بأوجه مختلفة تتابع في دورة معروفة تشبه الدورة التي تظهر بها أوجه القمر. ونظرًا لأن كوكبي عطارد والزهرة يقعان بين الأرض والشمس وأن أفلاكها جميعًا تقع في مستوى واحد فإننا لا نرى منهما إلا السطح المواجه للشمس. ويتدرج الجزء الذي يظهر لنا من هذا السطح بطريقة تشبه تدرج أوجه القمر، إلا أن قرب هذين الكوكبين من الشمس لا يسمح برؤيتهما أثناء النهار، وأفضل الأوقات لمشاهدتها يكون قبل الشروق وبعد الغروب.

الأرض

3- الأرض Earth: وهى إحدى الكواكب الصغيرة، ويقع في فلكها بين فلكي الزهرة والمريخ؛ ولكنه أقرب إلى فلك الزهرة، ويبلغ متوسط بعده عن

الشمس 149 مليون كيلو متر "وحدة فلكية واحدة"، وهي تتم دورتها حولها في 365.75 يومًا أما دورتهما حول نفسها فتتمها في 24 ساعة، إن دورانها في فلكها حول الشمس هو المسئول عن تعاقب الليل والنهار كما أن موقعها المناسب من الشمس هو الذي جعلها أصلح الكواكب لظهور الحياة وتطورها؛ فهي ليست قريبة منها بدرجة تؤدي إلى اشتداد حرارتها، أو بعيدة عنها بدرجة تؤدي إلى اشتداد برودتها بشكل يحول دون ظهور الحياة، كما أن دورانها حول نفسها بسرعة معقولة قد ترتب عليه توزيع الحرارة والضوء على سطحها بصورة تسمح بالحياة والنشاط فوق معظم أجزائها؛ إلا في نطاقات محدودة عند القطبين. ويعتبر الغلاف الجوي والغلاف المائي للأرض كذلك من المميزات الرئيسية التي تميزها عن بقية الكواكب السيارة، والتي تجعلها صالحة للحياة. وأمامنا في الفصول القادمة دراسات طبيعية أكثر تفصيلًا عن هذه الكواكب.

المريخ

4- المريخ Mars: وهو جار الأرض من الناحية الأبعد عن الشمس. ويبلغ البعد بين فلكيهما حوالي 79 مليون كيلو متر؛ أي أنه يبعد عن الشمس بنحو 228 مليون كيلو متر "1.52 وحدة فلكية"؛ ولذلك فإنه أقل حرارة من الأرض، وتتراوح معدلاته الحرارية بين 10 مئوية عند خط استوائه و - 70 عند قطبيه، وهو أصغر حجمًا من الأرض حيث أن طول قطره يعادل نصف طول قطرها تقريبًا. وتستغرق دورته حول نفسه 24.75 ساعة، أما دورته حول الشمس فستغرق 687 يومًا. وهو محاط بغلاف غازي رقيق لا يعرف تركيبه بالدقة؛ ولكن من المحتمل أن تكون به نسبة ضئيلة جدًّا من بخار الماء. ولم يثبت حتى الآن وجود أي حياة تستحق الذكر على سطحه. وقد لوحظ أن منطقتيه القطبيتين تظهر بما في فصل شتائه ألوان بيضاء ولكنها سرعان ما تختفي في الصيف. ويرى بعض الفلكيين أنها غطاءات ثلجية ولكنها رقيقة جدًّا بدليل أنها لا تبقى في الصيف على الرغم من عدم ارتفاع درجة حرارته؛ بينما يرى آخرون أنها عبارة عن سحاب أبيض رقيق جدًّا من نوع السمحاق السيروس Cirrrus المعروف في جو الأرض، وهو مكون من بلورات ثلجية خفيفة.

ويوجد للمريخ قمران أكبرهما هو فوبوس Phobos وقطره حوالي 8 كيلو مترات والثاني هو ديموس Deimos وقطره حوالي خمسة كيلو مترات، وأولهما أسرع دورانًا حول المريخ من الثاني؛ فبينما تستغرق دورة الأول سبع ساعات و39 دقيقة فإن دورة الثاني تستغرق 30 ساعة و 18 دقيقة.

الكواكب الخارجية

الكواكب الخارجية مدخل ... الكواكب الخارجية Outer Planets: تختلف هذه الكواكب عن الكواكب الداخلية من عدة نواح؛ فهي أضخم منها حجمًا، وخصوصًا المشتري ثم زحل، وهما أكبر الكواكب على الإطلاق. وهي مكونة من مواد خفيفة لا تزيد كثافتها كثيرًا عن كثافة الماء، وجميعها شديدة البرودة جدًّا بسبب بعدها عن الشمس. وباستثناء بلوتو الذي لا يعرف تركيبه حتى الآن فإن الكواكب الأخرى، وهي المشترِي وزحل وأورانوس ونبتون متشابهة في تركيبها؛ فكل منها يتكون من نواة صخرية يحيط بها غلاف سميك من الجليد ويغلفه غلاف يتكون في جملته من النوشادر "الأمونيا" والميثين، وفيما يلي وصف لكل كوكب من هذه الكواكب.

المشتري

المشتري Jupiter: وهو أكبر الكواكب السيارة، ويبلغ طول قطره 142.750 كيلو مترًا، وهو ما يعادل طول قطر الأرض أحد عشرة مرة. وهو يستأثر وحده بنحو 0.7 من المجموع الكلي لحجم الكواكب السيارة مجتمعة. ويعادل حجمه حجم الأرض 1400 مرة، وهو يبعد عن الشمس بنحو 778 مليون كيلو متر "5.2 وحدة فلكية"، وتزيد المسافة بينه وبين المريخ عن المسافة بين أي كوكبين آخرين متجاورين. ويتخذ بعض الباحثين هذه الحقيقة دليلًا على أن مجموعة الكويكبات "التي تقع في مكان متوسط تقريبًا بين فلكي المشترِي والمريخ" ربما كانت كوكبًا واحدًا؛ ولكنه تفتت لسبب غير معروف. وسرعة دوران المشترِي حول نفسه أكبر من سرعة دوران الأرض حول نفسها فهو يتم الدورة حول نفسه في 9 ساعات وخمسين دقيقة، وهذا هو طول يومه، أما دورته حول الشمس فتستغرق 11.9 سنة. ونظرًا لبعده عن الشمس فإنه شديد البرودة جدًّا، ويقدر معدل درجة حرارته بنحو 138م. ويعتقد

الفلكيون أنه مكون من نواة صخرية صلبة قطرها حوالى 70 ألف كيلو متر، ويحيط بها طبقة من الجليد سمكها 25 ألف كيلو متر، ويحيط بها طبقة من الجليد سمكها 25 ألف كيلو متر ويغلفها غلاف غازي كثيف سمكه تسعة آلاف كيلو متر ويتكون بصفة أساسية من الميثين والأمونيا النوشادر ويظهر هذا الغلاف بشكل سحب كثيفة تحجب جسم الكوكب تمامًا، وتقدر كثافة المشترى، بما في ذلك غلافه الغازي بحوالي 1.34. وهو أكثر الكواكب أقمارًا حيث يبلغ عدد أقماره التي اثني عشرة قمرا. والواقع أنه يكاد يكون مع توابعه نظامًا خاصًا به. وبعض أقماره كبير الحجم حتى أن حجم بعضها يزيد عن حجم بعض الكواكب الصغيرة مثل عطارد. ومن الظاهرات الغربية أن واحدًا من أقمار المشترى يدور حوله في اتجاه معاكس للاتجاه الذي تدور فيه بقية الاقمار.

زحل

زحل Seturn: وهو يأتي بعد المشتري من حيث الحجم، ويبلغ طول قطره 105 آلاف كيلو متر. ويبدو منظره متميزًا عن بقية الكواكب بوجود حلقات كبرى تدور حوله. وتتكون هذه الحلقات من ملايين الكتل الصخرية المتباينة الأحجام، وهو يبعد عن الشمس بنحو 1428 مليون كيلو متر، 9.54وحدة فلكية وهو يتم دورته حول الشمس في 29.5 سنة. أما دورته حول نفسه فتستغرق عشر ساعات و 14 دقيقة، ومعني ذلك أن طول يومه يقل عن طول يومنا على الأرض، وهو أشد برودة من المشتري ويبلغ معدل درجة حرارته -153 مئوية وهو يشبه المشتري في تركيبه؛ ولكنه أقل منه كثافة بصفة عامة حيث تبلغ كثافة في المتوسط 0.71 فقط، وكما هي الحال بالنسبة للمشترى فإنه يتكون من نواة صخرية قطرها حوالي 45 ألف كيلو متر، ويحيط بها غلاف غازى كثيف سمكه حوالى 28 ألف كيلو متراً. وهو يأتي بعد المشتري من حيث كثرة عدد التوابع حيث يبلغ عدد أقماره عشرة أقمار، وتدور تسعة منها حوله في اتجاه واحد بينما يدور العاشر في اتجاه معاكس.

شكل 13 زحل زحل المشتري شكل 14 تركيب زحل وتركيب المشترِي

أورانوس

7- أورانوس Uranus: اكتشف هذا الكوكب سنة 1781 وهو صغير الحجم بالنسبة للمشترِي وزحل؛ ولكنه أكبر من الأرض بكثير حيث إن حجمه يزيد عن حجمها 64 مرة وهو يبعد عن الشمس بنحو 2872 مليون كيلو متر، ويتم دورته حولها في 82 سنة، أما دورته حول نفسه فأسرع من دورة الأرض حول نفسها؛ فهي تستغرق حوالي عشر ساعات ونصف. وهو أشد برودة من زحل والمشترِي، وبقدر معدل درجة حرارته بنحو - 183 ْم. وهو يشبه كلًّا من زحل والمشترِي في تركيبه العام؛ فهو يتكون من نواة صلبة تحيط بها طبقة جليدية يكاد سمكها يعادل سمك الطبقة الجليدية في زحل. كما أن غلافه الغازي يشبه الغلاف الغازي لزحل والمشترِي، ويتبع هذا الكوكب خمسة أقمار.

نبتون

8- نبتون Neptune: اكتشف هذا الكوكب في سنة 1846. وهو يبعد عن الشمس بنحو 4501 مليون متر "30.06 وحدة فلكية" وتستغرق دورته حولها 165 سنة، ويتبعه قمر واحد. وهو لا يختلف كثيرًا من حيث الحجم أو التركيب عن أورانوس؛ ولكنه أشد منه برودة، ويقدر معدل درجة حرارته بنحو 210م، ويبلغ سمك طبقته الجليدية نفس سمكها في كل من زحل وأورانوس وهو 9000 كيلو متر تقريبًا، أما سمك غلافه الغازي فيبلغ نحوًا من 3000 كيلو متر.

بلوتو

9- بلوتو Pluto: وهو آخر ما اكتشف من الكواكب السيارة، وقد تم اكتشافه في سنة 1920، ويبلغ بعده عن الشمس حوالي 5909 مليون كيلو متر "59.52 وحدة فلكية" وتستغرق دروته حولها 248.3 سنة، ويلاحظ أن فلكه ليس موازيًا لفلك نبتون؛ بل إنه يتقاطع معه مما يجعله في بعض الأوقات أقرب منه إلى الشمس. ولا يزال حجم بلوتو غير معروف بالضبط، ولكن من المعتقد أن حجمه قريب من حجم الأرض، كما أن تركيبه مازال غير معروف.

الكويكبات

الكويكبات Asteroids: وهي عبارة عن مجموعة من عدة آلاف من الكتل الصلبة التي تسبح في الفضاء المحصور بين فلكي المريخ والمشتري، وهى متباينة في أحجامها؛ بحيث يزيد قطر قليل منها عن 700 كيلو متر بينما يقل قطر

الكثير منها عن كيلو متر واحد ويعتقد بعض العلماء أن هذه الكويكبات كانت في الأصل كوكبًا متكاملًا؛ ولكنه تفتت لسبب غير معروف وظلت أجزاؤه تدول في أفلاك قريبة من فلكه الأصلي. ولا تعتبر هذه الكويكبات من الكواكب السيارة التسع؛ ولكنها على أي حال جزء من المجموعة الشمسية. وأكبرها هو الكويكب سيربس Ceres وقطره حوالي 750 كيلو مترا، وتوجد غيره ثلاثة كويكبات فقط يزيد قطرها على 150 كم، أما الآلاف الباقية فأصغر من ذلك.

القمر

القمر مدخل ... القمر نظرًا لقرب القمر من الأرض ولتأثيره المباشر على حياة الإنسان فقد احتل مركزًا هامًّا في أفكار الشعوب وتخيلاتها منذ بدء الحياة البشرية حتى عصر الفضاء الحالي الذي وصل فيه الإنسان فعلًا إلى سطح القمر، وبوصوله إليه أمكنه أن ينتقل في دراسته له من مرحلة الرصد البعيد إلى مرحلة الدراسة المبنية على الحس والمشاهدة. وقد كانت بداية هذا الانتقال هي المرحلة التي قام بها انثان من رواد الفضاء الأمريكيين في سفينة الفضاء "أبوللو 11" يوم 20 يوليو سنة 1960. فقد تجول هذان الرجلان "هما أرمسترونج وألوين" على سطح القمر والتقطا كثيرًا من الصور وجمعًا كثيرًا من عينات الصخور والتربة، وفي 12 نوفمبر سنة 1970 قام رائدان آخران برحلة مشابهة في "أبو للو 12" والتقطا المزيد من الصور وجمعا المزيد من العينات. وقد ألقت الملاحظات التي سجلها الرواد والدراسات التي أجراها العلماء على الصور والعينات كثيرًا من الضوء على طبيعة القمر فأصبحت المعلومات الخاصة به أكثر دقة وتفصيلًا. ويميل بعض العلماء إلى الاعتقاد بأن القمر ليس مجرد تابع للأرض وإنما هو كوكب قائم بذاته، وهو على كل حال أصغر حجمًا منها بكثير حيث أن حجمه يعادل 50/1 من حجمها، ويبلغ طول قطره حوالي 3480 كيلو مترًا أي أكثر قليلًا من 4/1 قطر الأرض. ومتوسط كثافته 3.34، وهو أقل من متوسط كثافة الكرة الأرضية؛ ولذلك فإن كتلة الأرض تعادل كتلته 81 مرة، كما أن جاذبيته تعادل 6/1 الجاذبية الأرضية،

ولذلك فإن الشخص الذي يسير أو يقف فوقه يشعر دائمًا. بأنه خفيف جدًّا لدرجة أنه يستطيع أن يقفز إلى أعلى دون بذل أي مجهود. ويبلغ متوسط البعد بين القمر والأرض 263.600 كيلو متر. أما فلكه حولها فيبلغ 2.4 مليون كيلو متر تقريبًا.

تضاريس سطح القمر

تضاريس سطح القمر: من الممكن حتى بالعين المجردة أن يدرك المرء أن سطح القمر ليس كله ذا طبيعة واحدة؛ فبعض أجزائه يبدو داكنًا وبعضها الآخر يبدو فاتحًا. وقد ساعدت المناظر الفلكية المتقدمة حتى قبل عصر الفضاء على توضيح كثير من الحقائق الخاصة بسطح القمر بدرجة أمكن معها رسم بعض الخرائط له. وقد ظهرت في هذه الخرائط ثلاثة أشكال رئيسية للتضاريس هى: 1- البحار Maria: وهي عبارة عن مسطحات واسعة ليس بها أي ماء، ويبدو سطحها رماديًّا داكنًا، ويعزى ذلك إلى أن سطحها مغطى بطبقة من اللافا البازلتية والرماد البركاني الناعم، وتغطي كثيرًا منها تربة هشة ناعمة من الرماد من فتات الصخور. ويكون سمك هذه التربة كبيرًا في بعض المواضع بحيث يصل إلى بضعة أمتار. وقد أطلقت على هذه البحار أسماء خاصة مثل البحر الهادئ Mare Ttanquilitatis وبحر الأمطار Mare Imbrium وغيرهما. ومعظمها أسماء يونانية قديمة موضوعة منذ عهد جاليليو، الذي كان له الفضل الأكبر في كشف كثير من مظاهر سطح القمر بعد اختراعه للمنظار المقرب "التلسكوب". 2- الجبال: وهي المناطق المرتفعة التي تفصل البحار بعضها عن بعض، ويمتد بعضها بشكل سلاسل طويلة مرتفعة، بينما يظهر بعضها الآخر بشكل قمم بركانية منعزلة، وقد أعطيت لهذه الجبال أسماء معظمها مأخوذ من أسماء جبال الأرض مثل جبال الألب وجبال الأبنين وغيرها. وعلى الرغم من أن بعض سلاسل هذه الجبال ترتفع عن "البحار" المجاورة لها بحوالي 6000 متر إلا أنها لا تبدو واضحة للشخص الواقف على سطح القمر إلا إذا كان قريبًا منها، أما إن

بعد عنها بنحو كيلو متر فإنه قد لا يدركها لأنها تكون مائلة مع الأفق بسبب صغر حجم القمر، وتبدو جبال القمر فاتحة اللون بالنسبة للبحار التي حولها. 3- الفوهات: وهي موجودة على سطح القمر بأعداد كبيرة جدًّا، ويقدر عددها ببضع مئات الآلاف، وهي تشبه فوهات البراكين، وبعضها فعلًا فوهات بركانية إلا أن أغلبها عبارة عن فجوات نتجت عن ارتطام النيازك والشهب بسطح القمر. وبعض الفوهات كبيرة الحجم جدًّا بحيث يصل قطرها إلى بضع عشرات من الكيلو مترات. ومثل هذه الفوهات يمكن مشاهدتها وتصويرها من الأرض بالاستعانة بالمناظر المقربة، ومع ذلك فإن أغلب الفوهات صغيرة الحجم وكثير منها لا يزيد قطره عن بضعة أمتار.

نشأة القمر

نشأة القمر: كما هي الحال بالنسبة لنشأة الأرض فإن نشأة القمر مازالت هي الأخرى غير معروفة، على الرغم من وجود عدد من الافتراضات التي حاولت إلقاء بعض الضوء عليها. ومن أمثلة هذه الافتراضات افتراض يقول بأن القمر نشأ نشأة مستقلة في نفس الوقت الذي نشأت فيه الأرض وبنفس الطريقة. وسنتكلم على نشأة الأرض في الفصل التالي. وثمة افتراض آخر هو أن القمر انفصل عن الأرض في المكان الذي يشغله حاليًا القسم الشمالي من المحيط الهادئ. وقد جاء بهذا الافتراض عالم الفلك جورج دارين سنة 1881، حيث قال: إن هذا الانفصال قد حدث بسبب دوران الأرض حول نفسها عندما كانت لا تزال ملتهبة. إلا أن هذا الافتراض واجه كثيرًا من النقد حتى فقد معظم أهميته في الوقت الحاضر.

شكل 15 بحار القمر وجباله

حركات القمر والأرض

حركات القمر والأرض حركات القمر أوجه القمر ... 1-3-حركات القمر والأرض: أولاً: حركات القمر. أوجه القمر: إن محصلة دوران القمر بسرعة معينة حول نفسه وحول الأرض ودورانهما معًا حول الشمس هي السبب في أن جانبًا واحدًا من القمر هو الذي يقابل الشمس باستمرار؛ بينما يظل الجانب الآخر في الاتجاه المضاد فيبقى لذلك مظلمًا باستمرار، ويؤدي سقوط الأشعة الشمسية دائمًا على الجانب المقابل للشمس أو على جزء منه على حسب الأوجه القمرية المعروفة إلى ارتفاع درجة حرارته ارتفاعًا شديدًا؛ بينما يبقى الجانب الآخر مظلمًا وشديد البرودة، والجانب الذي تسقط عليه أشعة الشمس مباشرة هو الجانب الذي يظهر لنا كله أو بعضه مضيئًا على طول الشهر العربي على حسب النظام الذي تسير عليه الأوجه القمرية المعروفة والذي يحدد هذه الأوجه هو موقع القمر بالنسبة للشمس والأرض أثناء دورانه حول الأرض؛ ففي أول الشهر العربي يكون القمر واقعًا بين الشمس والأرض على خط واحد فلا نرى منه شيئًا لأن جانبه المظلم هو الذي يكون مقابلًا لنا، ونطلق عليه عندئذ اسم "المحاق". ولكن ما أن يبدأ الشهر حتى يأخذ الجانب الذي يواجه الشمس في الظهور تدريجيًّا تبعًا لدوران القمر حول الأرض من الغرب إلى الشرق، وبسقوط أشعة الشمس على الجزء الذي يظهر منه فإنه يظهر مضيئًا بشكل هلال في أول الأمر ولكنه ينمو يومًا بعد يوم حتى يظهر في نهاية الأسبوع الأول بشكل نصف قرص يشتهر باسم "التربيع الأول". وفي حوالي يوم 11 أو 12 من الشهر تكون حوالي ثلاثة أرباع القرص قد أصبحت مضيئة، ويعرف القمر عندئذ باسم "الأحدب" فإذا كان منتصف الشهر أصبح القرص كله مضيئًا وأصبح القمر "بدرًا".

وفي هذا الوقت يكون القمر قد أكمل نصف دورة كاملة في فلكه حول الأرض. ويكون جانبه المضيء كله في مواجهة الأرض والشمس؛ ولكن مع استمرار دورانه حولها من الغرب إلى الشرق يأخذ الجزء المضيء من قرصه في التناقص بنفس الطريقة التي تزايد بها في النصف الأول من الشهر، ولكن بشكل عكسي فيعود أحدبًا فتربيعًا ثانيًّا فهلالًا ثم ينتهي بالمحاق حيث يبدأ الشهر العربي التالي "انظر شكل 16" شكل 16 أوجه القمر والمعتاد عند ظهور أوجه القمر المختلفة، عدا البدر، ألا يكون الجزء غير المضيء من قرصه مختفيًا تمامًا؛ بل إنه يكون مضاءًا بضوء خافت جدًّا، وليس هذا الضوء إلا الضوء الذي ينعكس نحوه من سطح الأرض، فكما أن القمر يرسل إلينا ضوءه نتيجة لانعكاس أشعة الشمس على سطحه؛ فإن الأرض هي الأخرى ترسل إليه الضوء بعد انعكاس أشعة الشمس عليها. ومن الطبيعي أن يكون الضوء الذي ترسله الأرض إليه أقوى بكثير من الضوء الذي يرسله هو إليها بسبب كبر حجمها

بالنسبة إليه وتغطية القسم الأكبر من سطحها بالمياه والغطاءات الجليدية التي يمكنها تفضل لمعانها أن تعكس كبيرة من الضوء.

الشهر القمري

الشهر القمري Lunar Month "Or Sinodie Month": وهو المدة التي تمر بين ظهور هلالين جديدين متتاليين، وهي غالبًا 292/1 يوم تقريبًا، وهي أيضًا المدة التي تمر بين وقوع الأرض والقمر والشمس على خط واحد "وضع المحاق" وعودتهما مرة أخرى إلى نفس الوضع. ويلاحظ أن هذا الشهر يزيد بمقدار يومين عن المدة التي يستغرقها القمر فعلًا لإتمام دورة كاملة حول الأرض وهي 3/1 27يوم. وتحسب هذه المدة بمقارنة موقع القمر والأرض بالنسبة لنجم آخر غير الشمس، وهي على هذا الأساس تمثل المدة التي تمر بين وقوع الأرض والقمر وأحد النجوم على خط واحد مرتين متتاليتين. ويطلق على هذه المدة تعبير "الشهر النجمي1 "Sidereal Month"، أما السبب في زيادة طول الشهر القمري عن الشهر النجمي بيومين؛ فهو أنه بينما يكون القمر سائرًا في دورانه حول الأرض فإن الأرض نفسها تكون آخذة في التقدم في فلكها حول الشمس بمعدل درجة واحدة في اليوم. وهذا يحتم على القمر أن يواصل دورانه لمدة يومين إضافيين في فلكه حولها حتى يصل إلى الوضع الذي يكون فيه هو والأرض والشمس على خط واحد2.

_ 1 Sidereal أصلها لاتيني ومعناها " المتعلق بالنجوم Of the Stars". 2 Namouitz S.N.4. Stone D.B., "Earth Sceince" 3 rd ed 1965, p. 394.

خسوف القمر وكسوف الشمس

خسوف القمر وكسوف الشمس ... خسوف القمر Lunar Eclipse وكسوف الشمس Solar Eclipse: تحدث هاتان الظاهرتان نتيجة لدوران القمر حول الأرض ودورانهما معًا حول الشمس؛ ففي أثناء هذا الدوران يحدث في بعض الأوقات أن تقع الأرض بين الشمس والقمر بحيث يسقط ظلها عليه؛ فعندئذ يحدث الخسوف ويبدو الجزء الواقع في الظل من القمر معتمًا. فالخسوف بعبارة أخرى هو تعتيم القمر أو جزء منه نتيجة لسقوط ظل الكرة الأرضية عليه عندما تقع بينه وبين الشمس. وقد يكون الخسوف كليًّا إذا وقع القمر بأكمله في مخروط ظل الأرض وجزئيًّا إذا كان

ظلها يغطي جزءًا منه فقط ولا يحدث الخسوف إلا إذا كان القمر بدرًا؛ ولكنه لا يحدث مع كل بدر لأن فلك القمر لا يقع في نفس مستوى فلك الأرض؛ وإنما يميل عليه بمقدار خمس درجات، ويستغرق الخسوف الكلي عادة حوالي ساعتين. وفي هذا الخسوف تبدو منطقة شبه الظل Penumbar "وهي المنطقة المحيطة بمنطقة الظل نفسها Umbra" معتمة بحيث لا تكاد ترى إلا بصعوبة. شكل 17 خسوف القمر وكسوف الشمس أما كسوف الشمس فيحدث عندما يقع القمر بين الشمس والأرض بحيث يسقط ظله على الأرض، ولذلك فإنه لا يحدث إلا عند ظهور الهلال في أول الشهر؛ ولكنه لا يحدث في أول كل شهر بسبب ميل فلك القمر على مستوى فلك الأرض، وقد يكون الكسوف كليًّا Total Eclipse إذا حجب ظل القمر قرص الشمس كله، أو جزئيًّا Partial Eclipse إذا حجب جزءًا منه؛ ولكن إذا حدث ولم يصل امتداد مخروط ظل القمر إلى الأرض فإن قرص الشمس يبدو وحوله حلقة دائرية مضيئة، ويعرف هذا الكسوف بالكسوف الحلقي Annulat Eclipse وكسوف الشمس أكثر حدوثًا من خسوف القمر، ومع ذلك فإن المرات التي يمكن مشاهدته فيها أقل من المرات التي يشاهد فيها خسوف القمر لأن

الكسوف لا يظهر إلا في منطقة صغيرة جدًّا بسبب تناقص مساحة مقطع مخروط ظل القمر بسرعة في المسافة المحصورة بينه وبين الأرض، ويؤدي ذلك إلى أن الكسوف الكلي لا يرى إلا في شريط ضيق على سطح الأرض، والواقع أن قطر مخروط الظل الذي يسبب هذا الكسوف يبلغ عادة 136 كيلو مترًا فقط. شكل 18 كسوف كلي "لاحظ وجود الهالة الضوئية حول الشمس" ويلاحظ أنه؛ بخلاف ما يحدث في الخسوف، فإن منطقة شبه الظل على قرص الشمس تكون واضحة بحيث تسهل مشاهدتها، ولا شك أن صغر المنطقة التي يظهر فيها الكسوف الكلي في مكان ما، هو السبب في قلة مشاهدته، حتى

أنه يعتبر من الأحداث الفلكية النادرة التي ينتقل الفلكيون من مختلف بلاد العالم لرصدها في المنطقة التي ينتظر حدوثها فيها؛ ولئن كان الخسوف الكلي للقمر يستمر ساعتين فإن الكسوف الكلي للشمس لا يستمر غالبًا إلا دقائق معدودة.

حركات الأرض

حركات الأرض خطوط الطول وخطوط "أو دائر" العرض ... ثانيًا: حركات الأرض. أولًا: خطوط الطول Longitudes وخطوط أو دوائر Latitudes. إن خطوط الطول عبارة عن أنصاف دوائر ممتدة بين القطبين. وهي نفس الخطوط التي يطلق عليها كذلك تعبير خطوط الزوال1 Oflongitude Meridians وذلك لأن الشمس ترتفع إلى أعلى وضع لها "الزوال" في كل الأماكن الواقعة على أي خط منها في منتصف النهار Mid -day وفي وقت واحد سطح الكرة الأرضية مقسم إلى 360 ْ درجة طولية منها 180 ْ إلى الشرق من خط جرينيتش "خط طول صفر" والـ 180 ْ الأخرى إلى الغرب منه ويرجع أهمية خطوط الطول بصفة خاصة إلى علاقتها بتغير الزمن بين الشرق والغرب وإمكان استخدامها مع خطوط العرض لتعيين المواقع الجغرافية على الخرائط، ومن الواضح أن خطوط الطول ليست متوازية وأن المسافة التي تشغلها الدرجة الطولية الواحدة هي أكبر ما تكون على خط الاستواء، ثم تتناقص كلما اتجهنا نحو القطبين حتى تصل إلى أدناها عند القطب نفسه؛ فعند خط الاستواء تبلغ المسافة التي تشغلها الدرجة الطولية 111.3 كيلو مترًا بينما تبلغ نصف ذلك المقدار عند خط عرض 60 ْ وتنتهي إلى لا شيء عند القطب. أما خطوط العرض، أو دوائر العرض، فهي عبارة عن دوائر متوازية أكبرها هي دائرة خط الاستواء ثم يتناقص طولها تدريجيًّا كلما اتجهنا نحو القطبين على حسب شكل الكرة، وإن توازي هذه الدائرة "أو الخطوط" هو الذي جعلها تعرف كذلك باسم خطوط العرض المتوازية Parallels of Latiude وقد قسم سطح الكرة الأرضية بين القطبين إلى 180 ْ عرضية تسعون منها شمال خط

_ 1 كلمة Meridian مأخوذة من الكلمة اللاتينية Meridies ومعناها Mid-day أي منتصف النهار "G. Kellaway, 153" p.8

الاستواء وتسعون منها جنوبه، وعلى العكس من الدرجات الطولية التي يتناقص طول مسافاتها كلما اتجهنا نحو القطبين فإن الدرجات العرضية كلها متساوية وخصوصًا في العروض الدنيا، أما في العروض العليا1 فإن فرطحة الأرض هناك يترتب عليها زيادة طول المسافة التي تشغلها كل درجة من الدرجات العرضية بعض الشيء عنها في بقية العروض؛ فبينما نجد أن المسافة التي تشغلها الدرجة العرضية عند خط الاستواء مثلًا هي 110 كيلو مترات تقريبًا؛ فإنها تبلغ 111كيلو مترًا قرب القطبين، وعلى الرغم من أن الفرق بينهما بسيط في حد ذاته فإنه يؤدي إلى بعض الخطأ في رسم خرائط العالم إن لم يحسب له حساب؛ لأنه يؤدي إلى إظهار المناطق الواقعة في العروض العليا على الخريطة أوسع بكثير من المناطق المساوية لها فعلًا في العروض الدنيا. وخطوط العرض لها أهمية مناخية وفلكية كبيرة بسبب علاقتها بحركة الشمس الظاهرية وتتابع الفصول ودرجة ميل الأشعة واختلاف طول الليل والنهار، كما أنها تستخدم مع خطوط الطول لتحديد مواقع الأماكن المختلفة طول الليل والنهار. كما أنها تستخدم مع خطوط الطول لتحديد مواقع الأماكن المختلفة وخصوصًا في البحار والمحيطات والصحارى الواسعة والمناطق القطبية؛ حيث لا توجد علامات جغرافية مميزة. وأشهر الدوائر العرضية التي لها أهمية جغرافية وفلكية خاصة هي: خط الاستواء وهو خط الصفر، ومدار السرطان والجدي ودرجتهما 23.5 ْ شمالًا وجنوبًا على الترتيب، وهي معادلة لزاوية ميل محور الأرض على الخط العمودي، ثم الدائرتان القطبيتان ودرجتهما هي 66.5 ْ شمالًا وجنوبًا، وهي تعادل الزاوية التي يميل بها محور الأرض على المستوى الذي يقع فيه فلكها. وخط الاستواء هو خط الاعتدال، وترجع أهميته إلى أن نظام الفصول في شماله معاكس لنظامها في جنوبه، كما أن أشعة الشمس لا تميل عنه بأكثر من

_ 1 "العروض الدنيا" و"العروض العليا" هما تعبيران عامان يقصد بهما العروض القريبة من خط الاستواء والعروض القريبة من القطبين على الترتيب.

23.5 ْ في أي وقت من الأوقات، وأن طول الليل وطول النهار يتساويان عنده على مدار السنة. أما مدار السرطان والجدي فهما أبعد خطين تصل إليهما الشمس في هجرتها الظاهرية نحو الشمال ونحو الجنوب؛ فما أن تصل الشمس في تحركها الظاهري شمالًا إلى مدار السرطان في 21 يونيو حتى تقفل راجعة نحو الجنوب إلى أن تصل إلى مدار الجدي في 21 ديسمبر فترجع ثانية نحو الشمال. ومعنى ذلك أن الشمس لا تتعامد على أي خط عرض من الخطوط الواقعة وراء هذين المدارين من ناحية القطبين في أي وقت من الأوقات خلال السنة؛ بينما تتعامد مرتين على كل خط عرض من الخطوط الواقعة بين المدارين وذلك أثناء تحركها الظاهري نحو الشمال ونحو الجنوب، ويبلغ طول الفترة التي تفصل مرتي التعامد ستة أشهر على خط الاستواء نفسه، ثم تتناقص كلما ابتعدنا عنه نحو المدارين، اللذين يحدث التعامد على كل منهما مرة واحدة. أما الدائرتان القطبيتان فهما يحددان بداية المناطق التي يوجد فيها يوم كامل أو أكثر لا تغرب له شمس في قلب الصيف، ويوم كامل أو أكثر لا تشرق له شمس في قلب الشتاء. ويتزايد عدد الأيام التي لا تغرب لها شمس في الصيف أو التي لا تشرق لها شمس في الشتاء كلما اقتربنا من القطبين حتى تصل إلى ستة أشهر عندهما. الدوائر العظمى Creat Circles: ويقصد بها الدوائر الطولية أو الدوائر العرضية التي يمكن أن ينقسم بها سطح الكرة الأرضية إلى نصفين متساويين ولا توجد على هذا الأساس إلا دائرة عرض عظمى واحدة هي الدائرة الاستوائية، أما الدوائر الطولية العظمى؛ فيمكن أن يوجد منها أي عدد؛ لأن أي خطى طول متقابلين تمامًا يمكن أن تتكون منهما دائرة عظمى ينقسم بها سطح الكرة الأرضية إلى نصفين متساويين.

الأهمية الجغرافية لدوران الأرض وميل محورها

الأهمية الجغرافية لدوران الأرض وميل محورها: تدور الكرة الأرضية دورتين إحداهما حول محورها Rotation وتستغرق 24 ساعة والأخرى في فلكها حول الشمس Revolution وتستغرق

4/1 365 يوم. وتنطلق الأرض في هذا الفلك بسرعة فائقة تبلغ حوالي 30 كيلو مترا في الثانية "10800 كيلو متر في الساعة". وعلى الرغم من السرعة الفائقة التي تدور بها الأرض سواء حول نفسها أو في فلكها حول الشمس؛ فإننا لا نشعر بها لأن كل شيء عليها من صخور ومياه وهواء وحياة يتحرك في وقت واحد بنفس السرعة؛ ولكن من الممكن أن نلحظ هذا الدوران من الصور الفوتوغرافية التي أخذت طول الليل في المنطقة القطبية للنجم القطبي والنجوم القريبة منه "شكل 19"؛ فقد أظهرت الصور أن هذه النجوم قد دارت حول النجم القطبي الذي يشير إليه محور الأرض، فرسمت حوله مسالك دائرية، ولما كانت هذه النجوم لا تتحرك فعلًا بهذه الصورة فإن الخطوط الدائرية التي تبدو وكأنها سارت على طولها إنما سببها هو دوران الأرض حول محورها. شكل "19" منظر السماء مصورة عند القطب وتبدو الأجرام السماوية وكأنها تدور بسرعة حول مركز السماء أي حول النجم القطبي

وعلى الرغم من دوران كل ما على الأرض نفسها في نفس اتجاه دوران الأرض حول محورها من الغرب إلى الشرق؛ فإن حركة الرياح والتيارات البحرية قد تتحرر بعض الشيء من هذا الارتباط؛ ولكنها مع ذلك تظل متأثرة بدوران الأرض ولكن بنظام خاص؛ فالمعروف أن هذا الدوران يؤدي إلى انحراف الرياح إلى يمين اتجاهها في نصف الكرة الشمالي، وإلى يساره في نصفها الجنوبي على حسب قانون مشهور هو قانون فرل Ferrel,s Law، ويظهر نفس هذا التأثير كذلك على اتجاه التيارات البحرية في المحيطات الواسعة ولكن بصورة أقل وضوحًا منها بالنسبة للرياح. وبما أن فلك الأرض حول الشمس أقرب إلى الشكل البيضاوي منه إلى الشكل الدائري؛ فإن له مركزين، شأنه في ذلك شأن أي شكل بيضاوي. ولذلك فإن الشمس قد توجد في أحد المركزين في بعض الأوقات ثم تنتقل إلى المركز الآخر في أوقات أخرى، على حسب ما يفرضه دوران الأرض نفسها، ونتيجة لذلك فإن الأرض قد تكون أقرب إلى الشمس في بعض الأوقات منها في أوقات أخرى، على حسب موقعها بالنسبة للمركز الذي تتواجد فيه الشمس. ومن المعروف أن الشمس في الوقت الحاضر تكون في وقت الانقلاب الشتوي "21ديسمبر" واقعة في المركز الأقرب إلى الأرض، ويبلغ البعد بينهما أدناه في أول يناير حيث يبلغ 146.4 مليون كيلو متر، ويقال إن الشمس موجودة وقتئذ في نقطة الرأس Perihelion؛ بينما يحدث العكس في وقت الانقلاب الصيفي "21 يونيو" حيث تكون الشمس في المركز الأبعد عن الأرض، ويبلغ البعد بينهما أقصاه في أول يوليو حيث بلغ 151.2 مليون كيلو متر ويقال إن الشمس عندئذ موجودة في نقطة الذنب Aphelion1 "شكل 20". وعلى الرغم من أن الأرض تكون في فصل الشتاء أقرب إلى الشمس بحوالي 408 مليون كيلو متر وأن الأشعة الشمسية التي تصل إلى أعلى جو الأرض في هذا الفصل أكبر من التي تصل إليه في الصيف بجوالي 7 % فإن هناك عوامل مختلفة أخرى تؤدي إلى إلغاء تأثير هذه

_ 1 Helion باللاتينية معناها شمس، و Peri قريب. ap بعيد.

الزيادة؛ بل وإلى برودة فصل الشتاء، ومن أهمها شدة ميل أشعة الشمس في هذا الفصل مع قصر النهار، وخصوصًا كلما اتجهنا نحو القطبين، وكثرة ما يرتد إلى الفضاء من أشعة الشمس بواسطة السحب وغيرها من المواد العالقة دون أن يستفيد به جو الأرض1. شكل "20" البعد بين الأرض والشمس في الفصول المختلفة وبالاضافة إلى ما تقدم فإن دورتي الأرض وميل محورها في اتجاه واحد باستمرار لها نتائج جغرافية وفلكية غاية في الأهمية بسبب علاقاتها المباشرة بكل المظاهر الطبيعية والحيوية على سطح الأرض. ويمكننا أن نلخص هذه المظاهر فيما يلي: أ- تعاقب الفصول على مدار السنة. ب- تتابع الليل والنهار وتباين طولهما.

_ 1 تعرف هذه الظاهرة باسم "الألبيدو الأرضي Earth,s Albedo، ويقصد بها قدرة الأرض وجوها على رد أشعة الشمس إلى الفضاء دون أن تتأثر بها حرارة الجو.

ج- اختلاف الزمن في الأماكن الواقعة على خطوط طولية مختلفة.

تعاقب الفصول

تعاقب الفصول: يرجع هذا التعاقب إلى دوران الأرض في فلكها حول الشمس وميل محورها مع بقاء هذا الميل ثابتًا في اتجاه واحد بزاوية قدرها 23.5 على الاتجاه العمودي على المستوى الذي يقع فيه هذا الفلك؛ فهذان العاملان هما اللذان يؤديان إلى هجرة الشمس هجرة ظاهرية على دائرة البروج، ما بين المدارين مما يجعلها تتعامد مرة في السنة في نهاية رحلتها نحو الشمال على مدار السرطان في 21 يونيو، وهو يوم الانقلاب الصيفي، ومرة أخرى في نهاية رحلتها نحو الجنوب على مدار الجدي في 21 ديسمبر، وهو الانقلاب الشتوي. وفي أثناء تعامدها على مدار السرطان يكون القطب الشمالي في أقرب وضع له إليها بينما يكون القطب الجنوبي في أبعد وضع له عنها، وهكذا يكون الفصل صيفًا في شمال خط الاستواء بينما يكون شتاءً في جنوبه "شكل 21". "شكل 21" تعاقب الفصول

وفي أثناء تحرك الشمس الظاهري بين المدارين؛ فإنها تتعامد مرتين على كل العروض الواقعة بينهما؛ إلا أن الفترة التي تمر بين مرتي التعامد تبلغ أقصاها وهو ستة أشهر "21 مارس و 21 سبتمبر" على خط الاستواء ثم تتناقص تدريجيًّا كلما اتجهنا نحو القطبين حتى لا يكون هناك إلا مرة تعامد واحدة على كل مدار من المدارين. ومرتا تعامد الشمس على خط الاستواء هما المعروفتان باسم الاعتدالين.

تتابع الليل والنهار وتباين طولهما

تتابع الليل والنهار وتباين طولهما: إن تتابع الليل والنهار هو النتيجة المباشرة لكروية الأرض ولدورانها حول محورها أمام الشمس مرة واحدة كل يوم؛ ولكن إذا فرض وكان محور الأرض عموديًّا على مستوى فلكها حول الشمس لكان طول الليل وطول النهار متساويين باستمرار على مدار السنة في كل مكان على سطحها؛ ولذلك فإن ميل المحور على هذا المستوى هو المسئول عن التباين الذي نعرفه في طول الليل والنهار في كل العروض ما عدا منطقة خط الاستواء الذي يتساوى فيها طولهما طوال السنة تقريبًا؛ فباستثناء هذه المنطقة نجد أن طول نهار الصيف يزيد دائمًا عن طول ليله؛ بينما يزيد طول ليل الشتاء عن طول نهاره في كل العالم. ويتزايد الفرق بينهما تدريجيًّا خلال الصيف كلما اقتربنا من يوم الانقلاب الصيفي1 Summer Solstice، وخلال الشتاء كلما اقتربنا من يوم الانقلاب الشتوي Winter Solstice، وذلك فإن أطول نهار وأقصر ليل في السنة يكونان في يوم 21 يونيو في نصف الكرة الشمالي، وهو تاريخ الانقلاب الصيفي؛ بينما يكون أقصر نهار وأطول ليل في نفس النصف في يوم 21 ديسمبر وهو تاريخ الانقلاب الشتوي. ويتزايد الفرق بينهما تدريجيًّا كلما بعدنا عن خط الاستواء نحو القطبين، ففي يوم الانقلاب الصيفي مثلًا يكون طول النهار عند خط الاستواء 12 ساعة، ثم يزيد إلى 15 ساعة عند خط عرض 40 شمالًا و 20 ساعة عند خط عرض 63 و 24 ساعة عند الدائرة القطبية، أي يكون هذا اليوم عندها كله نهارًا، ثم يتزايد عدد الأيام التي تكون كلها نهارًا

_ 1 Solstice كلمة أصلها لاتيني من مقطعين هما Sol ومعناها شمس و Stice ومعناها يتوقف.

حتى تصل إلى شهر كامل عند خط عرض 67 ْ وأربعة أشهر عند خط عرض 68 ْ ثم ستة أشهر عند القطب الشمالي نفسه، وفي هذا الوقت يكون القطب الشمالي في أقرب وضع له إلى الشمس ويدور هو والمنطقة المحيطة به باستمرار في ضوء الشمس؛ بينما يكون القطب الجنوبي في أبعد وضع له عنها ويدور هو والمنطقة المحيطة به باستمرار في المنطقة التي لا تصلها أشعة الشمس طول الستة أشهر، ويحدث عكس ذلك تمامًا في فصل الشتاء. أما في فصلي الربيع والخريف، وهما فصلا الاعتدالين فتكون الشمس متعامدة على خط الاستواء، وعندئذ يكون الليل والنهار متساويين تقريبًا في كل العروض، ويكون طول كل منهما 12 ساعة، ويحدث الاعتدال الربيعي1 Spring Equinox عندما تصل الشمس إلى خط الاستواء أثناء هجرتها الظاهرية نحو الشمال، ويكون ذلك في 21 مارس بينما يحدث الاعتدال الخريفي Autumm Equinox عندما تصل الشمس إلى هذا الخط أثناء هجرتها الظاهرية نحو الجنوب. ويكون ذلك في 22 أو 23 سبتمبر.

_ 1 Equi= متساوي و nox=ليل، والكلمة من أصل لاتيني ومعناها تساوي الليل والنهار.

اليوم النجمي واليوم الشمسي

اليوم النجمي Sidereal day واليوم الشمسي Solar day: قبل أن ننهي كلامنا على تتابع الليل والنهار نتيجة لدوران الأرض حول نفسها يحسن أن نحدد هنا المقصود بتعبيرين فلكيين مشهورين هما "اليوم النجمي" "واليوم الشمسي"؛ فالمقصود باليوم النجمي هو المدة التي تنقضي بين ظهور نجم من النجوم في سمت الرأس في ليلتين متتاليتين، وهي تمثل الوقت الذي تستغرقه الكرة الأرضية في الدوران حول محورها مرة واحدة، ومقدارها 23 ساعة و 56 دقيقة و 4 ثوان، أما اليوم الشمسي فهو المدة التي تنقضي بين ظهور الشمس في أعلى وضع لها "الزوال" في يومين متتاليين، وهو يبلغ 24 ساعة، أي يزيد عن اليوم النجمي بمقدار 3 دقائق و 56 ثانية. وعلى الرغم من أن اليوم النجمي هو الذي يبين المدة الحقيقية التي تستغرقها الأرض في إتمام دورة حول نفسها بالضبط؛ فإنه لا يهم إلا الفلكيين، أما

اليوم الشمسي فهو الذي يهمنا في كل الدراسات وكل مظاهر الحياة لأنه يمثل محصلة العلاقة الواقعة بين دوران الأرض حول نفسها وبين حركة الشمس الظاهرية. أما السبب في زيادة طول اليوم الشمسي بمقدار 3 دقائق و 56 ثانية عن اليوم النجمي فيرجع إلى أنه في الوقت الذي تدور فيه الأرض حول محورها فإن الشمس نفسها تكون سائرة في رحلتها الظاهرية عبر البروج. ولذلك فإن الأرض تحتاج إلى زيادة دورتها قليلا بقدر درجة واحدة لكي تلحق بها وتصل إلى نفس الموقع الذي كانت فيه تحتها مباشرة. والوقت الذي تستغرقه الأرض لإتمام هذه الزيادة هو 3 دقائق و 56 ثانية وبتكرار هذه العملية كل يوم فإن مجموع الزيادات التي تتجمع في سنة كاملة يكون معادلًا لدورة كاملة بالضبط من دوران الأرض حول نفسها. ومعنى ذلك أنه على الرغم من أن عدد أيام السنة كما نعرف هو 4/1 365 يوم فإن عدد الدورات التي تتمها الأرض فعلا في هذه المدة هو 4/1 366 دورة.

اختلاف الزمن

اختلاف الزمن: إن التغير الذي نلاحظه على الوقت كلما سافرنا شرقًا أو غربًا هو أحد النتائج المهمة لدوران الأرض حول محورها من الغرب إلى الشرق بسرعة ثابتة أمام الشمس، ويتوقف معدل تغير الزمن على السرعة التي تدور بها الأرض حول محورها. ويمكن قياس هذه السرعة بالمسافات أو بالدرجات؛ فحسابها بالمسافات يكون على أساس قسمة طول دائرة العرض على 24 ساعة؛ ولكن نظرًا لأن طول دوائر العرض يتناقص من خط الاستواء نحو القطب فإن المسافة التي تقطعها أي نقطة على الدائرة الاستوائية أثناء دوران الأرض حول نفسها من الغرب إلى الشرق تزيد عن المسافة التي تقطعها أي نقطة على أي دائرة عرضية أخرى في نفس الزمن، وتتناقص المسافة بالتدريج كلما اتجهنا نحو القطبين؛ فبينما تقطع أي نقطة على الدائرة الاستوائية مسافة 40077 كيلو مترا "15.000 ميل وهو طول هذا الخط في 24 ساعة أي بسرعة 1670 كيلو مترا في الساعة فإن أي نقطة على دائرة عرض 60 ْ، التي يبلغ طولها حوالي نصف طول الدائرة الاستوائية تكون

سرعتها 840 كيلو مترًا تقريبًا في الساعة فقط؛ لأن هذه الدائرة ستكمل دورتها كذلك في نفس المدة أي في 24 ساعة. أما عند القطب نفسه فإن السرعة تكاد تنعدم، ولو فرض أن شخصًا كان واقفًا في هذه النقطة لمدة 24 ساعة فكل ما سيحدث له أنه سيدور حول نفسه دورة واحدة في هذه المدة. أما حساب السرعة بالدرجات فيعتمد على أساس أن كل دائرة من دوائر العرض مقسمة إلى 360 ْ طولية وأن كل دائرة منها تكمل دورة كاملة كل 24 ساعة. ومعنى ذلك أن سرعتها تكون 65 ْ في الساعة أو درجة في كل 4 دقائق، وهي سرعة واحدة على كل دوائر العرض؛ ولذلك فإنها هي المستخدمة في تحديد الزمن وفي حساب الفروق الزمنية بين أي مكان والأماكن الموجودة في شرقه والأماكن الموجودة في غربه حتى ولو كانت واقعة في عروض مختلفة وذلك على أساس إضافة ساعة لكل 15 ْ طولية أو 4 دقائق لكل درجة واحدة إن كنا متجهين نحو الشرق أو طرحها إن كان متجهين نحو الغرب.

التوقيت المحلي والتوقيت القياسي

التوقيت المحلي والتوقيت القياسي: ولكل مكان على سطح الأرض توقيت محلي خاص به. ويحسب هذا التوقيت بالنسبة لتوقيت جرينتش بعد أن يضاف إليه أو يطرح منه الفرق الزمني المناسب لخط طول المكان شرق خط جرينتش أو غربه، ويحسب هذا التوقيت عادة على أساس الوقت الذي تكون فيه الشمس في أعلى وضع لها في السماء وهو وقت الظهر أو الزوال. ويكون هذا الوقت دائمًا واحدًا في كل الأماكن الواقعة على خط طول واحد، وهذا هو السبب في تسمية خطوط الطول باسم Meridians. فهذه الكلمة مأخوذة من أصل لاتيني هو Meridies ومعناها Mid- day أي الظهر أو الزوال. ولا يستخدم التوقيت المحلي غالبًا إلا لتحديد مواقيت الصلاة ومواقيت الصيام والافطار في البلاد الإسلامية، وفيما عدا ذلك؛ فإنه من غير العملي أن تستخدم كل مدينة أو كل قرية في الدولة الواحدة توقيتها المحلي في شئون الحياة العامة لما يترتب على ذلك من اضطراب في تنسيق أعمال الدولة ومواصلاتها

الداخلية والخارجية، ولذلك فقد رؤي توحيد التوقيت في نطاقات متتابعة، أو في الدولة الواحدة. وأصبح هناك ما يعرف بالتوقيت "أو الزمن" القياسي Standard time. وبمقتضاه اتفق على تقسيم سطح الكرة الأرضية إلى نطاقات طولية يشغل كل منها 15 ْ طولية ابتداءً من خط جرينتش؛ بحيث يستخدم في كل نطاق منها توقيت موحد هو التوقيت الزوالي لأحد خطوط الطول التي تقطعه وصرف النظر عن الفروق المحلية بداخله. ومعنى ذلك أن الفرق الزمني بين أي نطاق والنطاق المجاور له هو ساعة واحدة1. ولكن على الرغم من أن هذا التوقيت القياسي هو المتفق عليه دوليًّا فإن كثيرًا من الدول لا تتقيد به لأهداف قومية أو لأسباب تتعلق بمساحتها أو موقعها، والمعتاد هو أن تختار الدولة خط طول عاصمتها أو إحدى مدنها الأخرى أو أحد مراصدها الكبرى أساسًا لتوقيتها الموحد. فمصر مثلًا تسير على توقيت خط طول مرصد حلوان قرب القاهرة، وفرنسا تسير على توقيت خط طول مرصد باريس، وبريطانيا تسير على جرينتيش، والهند على توقيت خط طول مرصد مدراس. وهكذا؛ إلا أن الدول ذات الامتداد الشاسع بين الشرق والغرب مثل الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وكندا وجدت أن توقيتًا قياسيًّا واحدًا ليس كافيًا لها فقسمت نفسها إلى أكثر من نطاق زمني واحد؛ سواء على أساس النطاقات القياسية المتفق عليها "كل 15 ْ طولية" أو على أساس أي تقسيم جغرافي آخر. ففي الولايات المتحدة توجد أربعة نطاقات زمنية، لكل منها توقيته القياسي؛ ففي الشرق يستخدم توقيت خط طول 75 ْ غربًا، وفي الوسط توقيت خط 90 ْ غربًا، وفي إقليم الجبال توقيت خط 105 ْ، وفي الغرب توقيت خط 120 ْ. ويوجد في الاتحاد السوفيتي أكبر عدد من النطاقات الزمنية وهو أحد عشر نطاقًا، وتأتي بعدها كندا وبها ستة نطاقات، ويطبق مثل هذا التقسيم كذلك في المحيطات الواسعة، حيث يقوم البحارة

_ 1 اتفق على تحديد الأوقات القياسية بهذه الطريقة في مؤتمر دولي عقد خصيصًا لبحث هذا الموضوع في واشنطن سنة 1884.

والمسافرون بتعديل ساعاتهم باستمرار كلما انتقلت الباخرة من نطاق زمني إلى الناطق المجاور له، أي كل 15 ْ طولية "شكل 23". "شكل 23" نطاقات الزمن

خط التاريخ الدولي

خط التاريخ الدولي International Date Line: المقصود بهذا الخط هو خط الطول الذي يتغير عنده التاريخ؛ إما بتقديم يوم كامل أو تأخير يوم كامل عن التاريخ السابق لعبوره. وقد اتفق دوليًّا1على أن خط طول 180 ْ الذي يقطع المحيط الهادي من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه هو أصلح خط لهذا الغرض؛ حيث إن الفرق الزمني بين توقيته وتوقيت خط جرينتيش يبلغ في مجموعه 24 ساعة أي يومًا كاملًا؛ لأن توقيته يسبق توقيت جرينتيش بمقدار 12 ساعة لو حسبناه بالسير شرقا، ويتأخر عنه بمثلها لو حسبناه بالسير غربا؛ ولذلك فإن المسافرين عبر المحيط الهادي يضطرون لتغيير اليوم أو

_ 1 تم هذا الاتفاق في مؤتمر واشنطن سنة 1884.

لإبقائه كما هو عند عبورهم لهذا الخط على حسب اتجاهم عند عبوره؛ فإن كانوا متجهين نحو آسيا فإنهم يسقطون من حسابهم يومًا كاملًا فإذا كان وصولهم إلى هذا الخط يوم جمعة؛ فإنهم يسقطون يوم السبت وينتقلون مباشرة إلى يوم الأحد أما إن كانوا متجهين نحو أمريكا فإنهم يكررون في يوم الجمعة نفسه دون تغيير. وقد كان عدم تنبه بحارة ماجلان الذين بقوا على قيد الحياة بعد رحلتهم حول العالم إلى هذه الحقيقة هو السبب في حيرتهم عندما وصلوا إلى برشلونة في أسبانيا؛ فقد فوجئوا بأن يوم وصولهم إلى إسبانيا كان يوم 8 سبتمبر سنة 1522 في حين أنهم كانوا يعتقدون بحسابهم أنه يوم 7 سبتمبر. ولو أنهم تنبهوا إلى ضرورة تغيير التاريخ عند عبورهم لخط طول 180 ْ لما حدث هذا الاختلاف. ولما كان خط 180 ْ يمر في بعض المناطق في وسط بعض الأراضي الجزر التي تتبع دولًا معينة؛ فقد وجد أنه من المصلحة إجراء بعض التعديلات المحلية على اتجاه خط التاريخ الدولي حتى يطبق في مثل هذه الجزر أو الأراضي نفس التاريخ المطبق في الدولة التي تتصل بها أو التي تكون قريبة منها؛ ولهذا السبب نجد أن هذا الخط يتقوس نحو الشرق في منطقة بوغاز بهرج لكي يكون التاريخ المطبق في الطرف الشرقي لسيبيريا هو نفس التاريخ المطبق في الجانب الآسيوي وإلى الجنوب من ذلك ينحرف الخط مرة أخرى نحو الغرب لكي يكون التاريخ في كل جزر ألوشيان هو نفس تاريخ الجانب الأمريكي. وإلى الجنوب من خط الاستواء يتزحزح الخط نحو الشرق بنحو 7.5 ْ طولية. لكي يكون التاريخ في مجموعات جزر فيجي وتونجا وغيرها من الجزر الموجودة في نفس المنطقة هو نفس التاريخ الموجود في نيوزيلنده "انظر شكل 24".

"شكل 24" خط التاريخ الدولي

أصل الأرض

1-4-أصل الأرض. تمهيد: كان من موضوع "أصل الأرض" من أعقد الموضوعات التي واجهت المفكرين منذ أن بدأت النهضة الأوربية في القرن الخامس عشر. وعلى الرغم من التقدم العلمي الحديث وكثرة ما كتب في هذا الموضوع فإنه ما زال، وسيظل دائمًا، يتحدى الفكر البشري. وقد ظهرت خلال القرون الثلاثة الأخيرة آراء ونظريات عديدة حاولت الوصول إلى تفسير معقول للطريقة التي نشأ بها النظام الشمسي عمومًا، وكوكب الأرض بصفة خاصة. وعلى الرغم من أن بعض النظريات قد استندت إلى بعض الحقائق العلمية الحديثة؛ فإن كل النظريات دون استثناء قد عجزت عن تفسير بعض الحقائق المهمة الخاصة بالنظام الشمسي، ولم تظهر حتى الآن نظرية يمكنها أن تدعى بأنها نجحت في إعطاء التفسير المقنع لكل المظاهر المعروفة عن هذا النظام، والواقع أن أي نظرية من النظريات لا بد أن تنهار لو أنها تعارضت مع أية حقيقة من الحقائق الثابتة؛ مهما كانت الأسس العلمية التي استندت إليها هذه النظرية ومن أمثلة الحقائق المهمة التي يجب على أية نظرية أن تكون قادرة على تفسيرها ما يأتي: 1- دوران كل الكواكب السيارة حول الشمس في اتجاه واحد، ودورانها حول نفسها في اتجاه واحد كذلك. 2- وجود الكواكب كلها في مستوى واحد. 3- دوران أحد أقمار المشترِي وأحد أقمار زحل في اتجاه مضاد لاتجاه دوران بقية الأقمار. 4- تقاطع فلك نبتون مع فلك بلوتو، على الرغم من أن أفلاك بقية الكواكب متوازية.

5- كون المسافات التي تفصل بين الكواكب تتبع متوالية حسابية تقريبًا؛ بحيث تكون المسافة بين أي كوكب وجاره الأبعد منه عن الشمس ضعف المسافة بينه وبين جاره الأقرب إليها. 6- البطء الشديد لدوران الشمس حول نفسها، بعكس دوران الكوكب حول نفسه، على الرغم من أن أغلب النظريات توحى بأن هذا الدوران كان يجب أن يكون أسرع من ذلك بكثير.

نظريات تفسير نشأة المجموعة الشمسية ونشأة الأرض

نظريات تفسير نشأة المجموعة الشمسية ونشأة الأرض مدخل ... نظريات تفسير نشأة المجموعة الشمسية ونشأة الأرض: لن نتمكن هنا من ذكر كل النظريات التي وردت في هذا الموضوع، وسنكتفي بعرض مختصر لأهم النظريات وأشهرها. وسنقسمها على أساس الافتراضات الرئيسية التي بنيت عليها إلى مجموعتين هما: أولًا: نظريات تفترض أن الشمس نشأت من جزئيات صلبة أو غازية كانت تسبح منذ الأزل بكثرة هائلة في الفضاء، وتجمعت بشكل سحب ضخمة من نوع السدم، ثم انفصلت الكواكب عنها في مرحلة تالية. وسنطلق على هذه النظريات تعبير "نظريات الجزئيات الكونية" والسدم ومن أشهرها: 1- نظرية الفيلسوف الألماني كانت Imanuel Kant سنة 1755. 2- نظرية العالم الفرنسي لابلاس Laplace سنة 1796،وهي التي اشتهرت باسم النظرية السديمية. 3- النظرية الحديثة التي اقترحها الباحث الأمريكي ويبل L. W hipple سنة 1948 وأطلق عليها اسم نظرية سحابة الغبار. ثانيًا: نظريات تفترض أن الشمس كانت موجودة منذ الأزل ثم انفصلت عنها الكواكب بطريقة أو بأخرى، ومن أهمها النظريات التي تفترض "مع اختلاف التفاصيل" أن انفصال الكواكب قد حدث نتيجة لحدوث مد شديد في سطح الشمس بسبب جاذبية نجم آخر أضخم منها أثناء مروره على مقربة منها.

وسنطلق على هذه النظريات عمومًا اسم "نظريات المد الغازي" أو "المد النجمي"، ومن أشهرها النظريات الآتية: 1- نظرية الكويكبات Planitesimal Hypothesis، التي اقترحها العالمان الأمريكيان تشمبرلين Chamberlain ومولتون Moulton سنة 1905. 2- النظرية التي أوردها العالمان البريطانيان جينز وجيفريز Jeans & Jeffreys، وهي في الواقع عبارة عن تعديل لنظرية الكويكبات بقصد تجنب بعض الانتقادات التي وجهت إليها.

نظرية الجزيئات الكونية والسدم

أولاً: نظرية الجزيئات الكونية والسدم. 1- نظرية كانت: يقول كانت: إن المجموعة الشمسية نشأت في الأصل من جزيئات صلبة كانت تسبح منذ الأزل في الفضاء بكميات مهولة، وكانت الجزيئات في حركة مستمرة؛ مما أدى إلى كثرة تصادمها وتزايد حرارتها حتى تحولت بالتدريج إلى كتلة ملتهبة، ثم أخذت هذه الكتلة تنكمش ويصغر حجمها بقوة الجاذبية، كما بدأت في نفس الوقت تأخذ حركة دورانية حول نفسها. وكانت سرعة دورانها صغيرة في أول الأمر؛ ولكنها أخذت في التزايد بسبب استمرار تناقص حجمها حتى أصبحت هذه الكتلة خاضعة لقوتين متعارضتين، الأولى هي قوة جاذبيتها والثانية هي قوة الطرد التي نشأت من دورانها حول نفسها. وقد أخذت قوة الطرد في التزايد تبعًا لتزايد سرعة الدوران مما أدى إلى انبعاج الحزام الأوسط الخارجي للكتلة، وكان هذا الانبعاج شديدًا لدرجة أدت إلى انفصال حلقات متتالية منه واندفاعها بعيدًا عن الكتلة الأصلية، ووصلت كل حلقة منها إلى البعد الذي تتساوى عنده قوة الطرد التي أبعدتها مع قوة جذب الكتلة لها، وبهذه الطريقة توزعت الحلقات حول هذه الكتلة وبدأت تدور حول نفسها، وقد أدى دورانها حول نفسها إلى اندماجها وتكورها فتكونت منها الكواكب، وقد ساعدها على ذلك أنها لم تكن

قد تصلبت بعد بل كانت لا تزال في حالة شبه غازيّة، وقبل أن يتم تصلبها انفصلت عنها بنفس الطريقة حلقات صغيرة تكونت منها الأقمار. ولكن هذه النظرية واجهت اعتراضات كثيرة أهمها: 1- أنها تتعارض مع الحقيقة المعروفة عن البطء الشديد لدوران الشمس حول نفسها؛ فلو سلمنا بأن سرعة دوران الكتلة الأصلية حول نفسها كانت تتزايد باستمرار بسبب تناقص حجمها "نتيجة لاندماجها وانفصال الكواكب عنها"؛ فقد كان المفروض أن تكون السرعة الحالية لدوران الشمس حول نفسها كبيرة جدًّا، وهذا مخالف للواقع. 2- أنها لا تعطي تفسيرًا معقولًا لتولد الحركة الدورانية في الكتلة السديمة؛ إذ لا يعقل أن تكون عمليتي التصادم والتجاذب بين جزيئات المادة الكونية هي السبب في تولد هذه الحركة. 2- نظرية لابلاس "السديمية" Nebular Hypothesis: ليست هذه النظرية في الواقع إلا تطويرًا لنظرية "كانت". وأهم فارق بينهما أن لابلاس لا يجد داعيًا للافتراض بأن المادة الأزلية الأولى كانت عبارة عن جزيئات صلبة باردة ثم تحولت إلى سديم ملتهب؛ وإنما يفترض أنها كانت منذ البداية سديمًا ضخمًا يدور حول نفسه، وبهذا الافتراض تجنب لابلاس أحد الانتقادات التي وجهت إلى تفسير "كانت" لتكوين السديم واكتسابه للحركة الدورانية حول نفسه، ومع ذلك فإن نظرية لابلاس واجهت نفس النقد الذي واجهته نظرية كانت بخصوص عجزها عن تفسير بطء الحركة الدورانية للشمس حول نفسها. فلو فرضنا صحة ما افترضه لابلاس من أن السديم الأزلي كان يدور حول نفسه منذ البداية فلا بد أن سرعة دورانه كانت ستزداد باستمرار نتيجة لتناقص حجمه، وبناء على ذلك فقد كان المفروض أن تكون سرعة دوران الكتلة التي بقيت بعد انفصال الكواكب والتي كونت الشمس كبيرة، وهذا مخالف للحقيقة.

3- نظرية سحابة الغبار Dust- Cloud Hypothesis: وهي من أحدث النظريات التي وردت في تفسير نشأة المجموعة الشمسية وقد اقترحها الباحث الأمريكي ويبل Whipple في سنة 1918 "1" وهي من أساسها امتداد لنظرية الجزيئات الكونية التي جاء بها كانت وللنظرية السديمية التي جاء لابلاس؛ ولكنها تتميز عنهما بأن صاحبها حاول أن يدعمها ببعض نتائج البحث العلمي الحديث، وهو ما لم يكن متوفرًا لكل من كانت ولابلاس. والحقيقة العلمية التي بنى ويبل عليها نظريته هي أن الفضاء الكوني ليس فارغًا تمامًا كما كان يظن من قبل؛ ولكنه يحتوي على كميات من غبار ميكروسكوبي مبعثر على مسافات متباعدة جدًّا لدرجة يبدو معها الفضاء وكأنه فارغ تمامًا، ولكن بالنظر إلى ضخامة هذا الفضاء بصورة لا يتصورها العقل فإن الغبار المبعثر فيه يكفي لبناء ملايين النجوم؛ حتى أنه ليقدر مثلًا أن الغبار المبعثر في سكة التبانه وحدها يكفي لبناء مائة ألف مليون نجم في حجم الشمس. وجزيئات هذا الغبار متناهية في الدقة، ولا يزيد قطر الواحدة منها عن 1/50.000 من البورصة، ومع ذلك فقد تبين من تحليل بعضها أنها مكونة من معظم العناصر المعروفة لنا، ومنها الأيدروجين والهيليوم والأكسوجين والنيتروجين والكربون وغيرها، كما تبين أنها تتجمع أحيانًا ببطء شديد تحت ظروف خاصة فتتكون منها في بعض المواضع سحب ضخمة جدًّا، وأصلح الأماكن لتجميعها بهذا الشكل هي الأماكن التي يضعف فيها ضوء النجوم؛ لأن الضغط الضوئي يستطيع "على الرغم من ضآلته المتناهية" أن يحرك الغبار الميكروسكوبي بعيدًا عن مصدر الضوء.

_ 1 Freed LWhipple, The Dust Cloud Hypothesis, in Scientific Amenrican Incorporation May 1984

وعلى أساس هذا الرأي فإن جزيئات الغبار الكوني تميل للتجمع ببطء شديد حيثما يضعف الضوء، وتتكون منها في البداية سحب صغيرة، ولكن هذه السحب لا تلبث أن تنمو بسرعة لأن ظلها يساعد على تجمع الغبار حولها؛ فإذا لم يطرأ على هذه السحب أي طارئ يشتت غبارها كأن يمر بوسطها نجم ضوؤه بالغ الشدة فإنها تستمر في النمو ويتزايد حجمها كما تتزايد في نفس الوقت درجة كثافتها وجاذبيتها حتى تصل إلى درجة يصبح معها ضغط الضوء عاجزًا عن تشتيتها، ويرى ويبل أن السحابة التي تصل إلى هذه الحالة يكون غبارها كافيًا لبناء نجم في حجم الشمس وتكون منتشرة في منطقة قدرها حوالى 9000 مليون كيلو متر "وهو ما يعادل البعد بين الأرض والشمس 60 ألف مرة". وفي هذه الحالة يبدأ ترسيب غبار السحابة نحو مركزها بقوة جاذبيتها، وتكون عملية الترسيب بطيئة في أول الأمر ولكنها تتزايد تدريجيًّا كلما انكمشت السحابة واندمجت جزيئاتها؛ حيث أن الاندماج يؤدي إلى تزايد مستمر في درجة حرارتها حتى تتحول بمرور السنين إلى نجم ملتهب. وهذه هي الطريقة التي تكونت بها الشمس. وقد حافظت الشمس على حرارتها نتيجة للتفاعلات الذرية القوية التي أخذت تتولد في باطنها بسبب حرارته البالغة الشدة. أما عن دوران الشمس حول نفسها وبطء هذا الدوران فيفسرهما ويبل بأن هذا الدوران لم يبدأ إلا في المراحل النهائية لتكوين الشمس؛ ففي المراحل الأولى لعمليات الترسيب نشأت في السحابة تيارات كثيرة متعارضة لم تساعد على تكوين أي حركة دورانية، ولكن هذه التيارات أخذت تتناقص فاختفت معظم التيارات المتعارضة ولم يبق منها إلا تيارات رئيسية متجهة نحو المركز، وهذه التيارات هي التي ساعدت على بدء الحركة الدورانية البطيئة. ويرى ويبل أن الكواكب السيارة قد نشأت من نفس سحابة الغبار التي نشأت منها الشمس وذلك في المراحل الأولى لعمليات الترسيب. ففي هذه المراحل انسلخت من هذه السحابة سحابات صغيرة، وكانت هذه السحابات منتشرة على طول التيار الرئيسي في السحابة الكبرى، فكان لذلك مرتبة على

صف واحد تقريبًا، وقد أخذت كل سحابة منها تنمو باجتذاب غبار جديد إليها، كما بدأت كل منها تكتسب حركة دورانية حول نفسها وحول مركز السحابة الكبرى "بتأثير دورانها حول نفسها"، وكانت سرعة دوران كل منها متناسبة مع حجمها ومع مدى تأثرها بتيارات هذه السحابة. وقد تخلفت السحابات الصغيرة في أماكنها بعد أن انحصرت عنها السحابة الكبرى نتيجة لانكماشها السريع، وعندما كانت هذه السحابة تنحصر عن إحدى السحابات الصغيرة كانت الأخيرة تبدأ في التحول إلى كوكب مستقل، والمفروض بناء على هذا، أن يكون الكوكب بلوتو، وهو أبعد الكواكب عن الشمس، وهو أول الكواكب ظهورًا ثم جاءت بعده الكواكب الأقرب فالأقرب وهكذا. وكما أن تزايد سرعة الترسيب والانكماش في السحابة الكبرى هو المسئول عن اشتداد حرارتها والتهابها فإن نفس هاتين العمليتين قد نتج عنهما التهاب الكواكب، ومع ذلك فقد كانت حرارتها أقل بكثير من حرارة السحابة الأصلية، ولهذا فلم تحدث بها تفاعلات ذرية تؤدي إلى تجدد التهابها واستمرار انصهارها، كما حدث في السحابة الأصلية؛ فأخذ سطحها يبرد بالتدريج وتحولت إلى أجسام معتمة بينما بقي باطن بعضها محتفظًا بحرارته. وعلى أساس هذه النظرية فإن ويبل يرى أن العمليات التي أدت إلى تكوين المجموعة الشمسية ما زالت مستمرة حتى الآن لتكوين نظم نجمية جديدة في الكون، كما يعتقد أن هذه النظرية يمكنها أن تفسر كثيرًا من الحقائق المعروفة عن المجموعة الشمسية مثل بطء دوران الشمس حول نفسها وتوزيع الكواكب حولها في مستوى واحد.

نظريات المد الغازي

نظريات المد الغازي: من الواضح أن البحث عن أصل المجموعة الشمسية كلها أمر بالغ التعقيد؛ ولذلك فإن بعض الباحثين رأوا أن يختصروا المشكلة وأن يفترضوا أن الشمس نفسها كانت موجودة منذ الأزل وأن يحاولوا تفسير كيفية انفصال الكواكب السيارة عنها وأشهر النظريات التي وردت في هذا المجال النظرية التي اقترحها

العالمان الأمريكيان "تشمبرلين ومولتون"، والتي اشتهرت باسم نظرية الكويكبات وملخصها كما يلي:

نظرية الكويكبات

نظرية الكويكبات: يقول صاحبا هذه النظرية وهما تشمبرلين ومولتون: إن الكواكب السيارة نشأت من أجزاء من سطح الشمس كانت قد تمددت وانبعجت عندما مر بالقرب منها نجم آخر أكبر منها؛ فقد أدت قوة جاذبية هذا النجم إلى حدوث مد في سطح الشمس المقابل له، وحدثت في نفس الوقت انفجارات عنيفة في سطح الشمس بسبب التفاعلات التي تحدث بداخلها، وقد أدت قوة الجاذبية النجمية مع قوة الطرد الناجمة عن الانفجارات المذكورة إلى انفصال الأجزاء الممتدة عن الشمس؛ ولكنها ظلت مع ذلك متأثرة بجاذبيتها أما النجم الآخر فقد كان تأثيره آخذًا في التناقص بسبب ابتعاده، ومع ذلك فقد ظلت جاذبيته تؤثر بعض الوقت تأثيرًا محدودًا في الأجزاء التي انفصلت عن الشمس، وهذا التأثير هو الذي أعطي للأجزاء المنفصلة حركة دورانية حول الشمس وحول نفسها. ولم تكن هذه الأجزاء قد تصلبت بعد؛ ولذلك فإنها تفككت أثناء دورانها وتحولت إلى أجزاء صغيرة بدأ كل منها يتصلب بعيدًا عن الآخر، وتكونت منها كويكبات عديدة إلا أن الكوكيبات الكبيرة استطاعت بقوة جاذبيتها أن تجمع حولها بالتدريج الكوكيبات الأصغر إلى أن تكونت منها في النهاية الكواكب السيارة المعروفة ومنها الأرض. وكما هو الحال بالنسبة لباقي النظريات التي تعرضت لبحث هذا الموضوع؛ فقد تعرضت هذه النظرية لانتقادات كثيرة؛ لأنها عجزت عن تفسير بعض الحقائق المهمة، مثل وجود الكواكب السيارة كلها في مستوى واحد، وتناسب الأبعاد التي تفصلها عن بعضها وعن الشمس. كما عجزت عن تفسير تزايد كثافة المواد التي تتكون منها الأرض كلما تعمقنا نحو مركزها؛ فلو أنها نشأت كما تقول النظرية مع تجمع الكويكبات الصغيرة حول أحد الكويكبات الكبيرة فإنها لن تتمكن من إعطاء تفسير مقنع لترتيب المواد التي يتكون منها كوكب مثل الأرض الذي تتزايد كثافة مواده بوضوح كلما تعمقنا نحو مركزه

نظرية جيمس جيتر وهارولد جيفريز

نظرية جيمس جيتر وهارولد جيفريز ... نظرية جيمس جيتر H. Jeffreys: هذه النظرية ليست في الواقع إلا تعديلًا لنظرية الكويكبات؛ ففي سنة 1929 حاول هذان العالمان البريطانيان أن يتجنبا بعض أوجه النقص في هذه النظرية؛ فقالا: إنه ليس هناك داع للافتراض بأن الأجزاء التي انفصلت عن الشمس كانت صغيرة في أول الأمر وأنها كانت قد بردت قبل أن تتجمع لتكون الكواكب، وافترضنا بدلًا من ذلك أن يكون قد انفصل عن الشمس لسان طويل يصل إلى البعد الذي يدور فيه فلك أبعد الكواكب عنها وهو نبتون، وقد كان هذا اللسان سميكًا في الوسط ويتناقص سمكه نحو الطرفين؛ فلما تقطع بعد ذلك وتكونت منه الكواكب كان من الطبيعي أن يكون أكبر الكواكب في الوسط وأن تتوزع حوله الكواكب الأصغر بالترتيب تقريبًا، وهذا يتفق إلى حد كبير مع ما هو معروف عن توزيع الكواكب السيارة حول الشمس "شكل 25". وعلى الرغم من أن هذا التعليل يمكن أن يفسر عددًا من المظاهر العامة للمجموعة الشمسية ومنها توزيع الكواكب السيارة حول الشمس على حسب أحجامها فإنه ظل عاجزًا عن تفسير بعض الحقائق الأخرى المعروفة، ومن أهمها البطء الشديد لدوران الشمس حول نفسها ثم الاختلاف الكبير بين تركيب الشمس وتركيب معظم الكواكب؛ فالشمس مكونة عمومًا من عناصر غازية خفيفة مثل الأيدروجين والهيليوم؛ بينما تتركب الأرض ومعظم الكواكب الأخرى من مواد معدنية مثل الحديد والألومنيوم، ولذلك فقد تعرض رأي جينز وجيفريز لكثير من النقد، وظهرت غيره آراء أخرى ما زالت هي أيضًا محلًا للنقد والجدل.

شكل "25" تصور تقريبي للسان الذي افترض جينز وجيفريز أنه انفصل عن الشمس، وعلاقة ذلك بتوزيع الكواكب حسب أحجامها.

مقدمة في الفيزيوغرافيا

2 مقدمة في الفيزيوغرافيا. 2-1-عمر الكرة الأرضية وتركيبها. عمر الكرة الأرضية: على الرغم من أن مشكلة تحديد الطريقة التي نشأت بها الأرض مازالت شديدة التعقيد؛ فإن مشكلة تحديد عمر الأرض ربما تكون أقل تعقيدًا منها بكثير. وذلك لأن الأساليب الحديثة المستخدمة في تحديد عمر المواد القديمة قد ساعد على تحديد عمر أقدم صخور القشرة الأرضية، ولو بصورة تقريبية، ومن أهم الأساليب التي استخدمت لهذا الغرض أسلوب التحليل الراديومي، وعلى أساس الأبحاث التي أجريت حتى الآن يقدر الجيولوجيون أن عمر أقدم صخور القشرة الأرضية يبلغ حوالي ثلاثة آلاف مليون سنة. ومما لا شك فيه أن التطورات التي مرت بها الكرة الأرضية نفسها قبل أن تتكون هذه الصخور قد استغرقت بضعة ملايين أخرى من السنين. وعلى هذا الأساس؛ فإن بعض الكتاب يقدرون المدة التي انقضت منذ أن بدأت المرحلة الأولى لتكوين الأرض حتى الآن بنحو 12 ألف مليون سنة1. وقد أظهرت الأبحاث التي أجريت على أقدم صخور القشرة، "أي الصخور التي يبلغ عمرها ثلاثة آلاف مليون سنة" أن بعض هذه الصخور من نوع الصخور الرسوبية وأن بعضها يحتوي على رواسب حصوية وعلى ظاهرات أخرى تدل على أنها رواسب مائية2. وفي هذا دليل على أن مياه البحار كانت موجودة منذ ذلك الوقت على سطح الأرض؛ أي أن البحار كانت هى الأخرى معاصرة لتكون أقدم الصخور.

_ 1 Fred L. Whipple, - The Origin of the Earth- an Article in- The World of Geology-ed. by L.Don Leet 1961, Mc Graw-Hill, p. 21 2 M.Gross,-Oceanography-1961,p.8., Merril. Physical Series. Colombus Ohio

عمر الحياة على الأرض

عمر الحياة على الأرض: على الرغم من أن صخور القشرة الأرضية ومياه المحيطات كانت قد وجدت بالفعل منذ حوالي ثلاثة آلاف مليون سنة، كما سبق أن ذكرنا؛ فإن الحياة لم تبدأ إلا بعد ذلك بمئات الملايين من السنين، ولكن ليس من السهل تحديد زمن ظهورها لأول مرة في أبسط صورها؛ وذلك لعدم وجود أي حفريات يمكن أن تساعد على تحديد هذا الزمن. وترجع أقدم الأدلة الحفرية التي تم العثور عليها في الصخور القديمة إلى حوالي 500 مليون نسمة؛ فمنذ ذلك الوقت ظهرت الكائنات ذات الخلية الواحدة وهي الأميبا، وليست هذه الكائنات بالتأكيد هي بداية الحياة لأنها تعتبر كائنات متطورة جدًّا بالنسبة لكائنات أخرى ظهرت وتطورت قبل ذلك خلال مئات الملايين من السنين حتى وصلت إلى الأميبا. وكانت هذه الكائنات الحية عبارة عن فيروسات Viruses ويعتبر التطور الذي تم في الفيروسات إلى الأميبا تطورًا ضخمًا جدًّا وغاية في التعقيد؛ فعلى الرغم من أن الأميبا ذات خلية واحدة إلا أنها تمثل في الواقع كائنًا حيوانيًّا متكاملًا، وأنها تمثل ذلك كذلك الوحدة الأصلية التي تطورت منها كل الكائنات الحيوانية حتى وصلت إلى أرقى الدرجات المعروفة في الوقت الحاضر. وبنفس الطريقة جاء تطور الحياة النباتية على الأرض؛ فعلى الرغم من أن الفطريات Algae هي أقدم الكائنات الحية النباتية المعروفة وأبسطها فلا بد أنها تطورت خلال عشرات الملايين من السنين قبل ظهورها من كائنات نباتية أخرى أبسط منها.

وبغض النظر عن الكائنات الحية الحيوانية والنباتية التي سبقت ظهور الأميبا والفطريات، والتي لا يعرف عنها شيء يستحق الذكر لعدم وجود حفريات تدل عليها؛ فإن تطور الحياة بعد ذلك قد مر في أدوار طويلة جدًّا استغرقت في مجموعها الخمسمائة مليون سنة الأخيرة من تاريخ الكرة الأرضية، وقد قسم الجيولوجيون هذه المدة إلى أزمنة أو أحقاب طويلة Eras وقسموا كل زمن منها إلى عصور Ages أقصر نسبيًّا. ويمثل كل زمن وكل عصر من هذه الأزمنة والعصور مرحلة خاصة من مراحل التطور التي مر بها سطح الأرض سواء في أشكاله التضاريسية أو مظاهره المناخية والحيوية "جدول2". ويلاحظ أن طول الأزمنة والعصور يتناقص كلما تقدم الزمن، ويرجع ذلك إلى تزايد التعقيد في مظاهر الحياة وزيادة الأدلة على تطورها مما يسمح بتكوين صورة عنها أكثر تفصيلًا من الصور التي يمكن تكوينها عن الأزمنة والعصور الأقدم، وكلما توغلنا في القدم تناقصت الأدلة التي تدلنا على تطور الحياة إلا بشكل عام. وفضلًا عن ذلك فإن التطورات التي حدثت في العصور الجيولوجية الأحدث هي التي تظهر آثارها واضحة المظاهر الحالية لسطح الأرض وما عليه من مظاهر حيوية مختلفة من أهمها ظهور النوع البشري.

تركيب الكرة الأرضية

تركيب الكرة الأرضية مدخل ... تركيب الكرة الأرضية: من المعروف أن الكرة الأرضية ليست كاملة الاستدارة؛ ولكنها مفلطحة قليلًا عند القطبين ومنعجة قليلًا عند خط الاستواء، ولهذا السبب فإن طول قطرها الموصل بين القطبين ينقص بنحو 43 كيلو مترًا "26.7" ميل عن طول قطرها الاستوائي، كما أن محيطها المار بهما ينقص بنحو 77 كيلو مترًا، 42 ميلًا عن محيطها الاستوائي، وهذه الأطوال هي: القطر الاستوائي 12.757 كيلو مترًا "7926.7 ميل" القطر الواصل بين القطبين 12.714 كيلو مترًا "7900 ميل" المحيط الاستوائي 40.077 كيلو مترًا "24902 ميل" المحيط المار بالقطبين 40.000 كيلو مترًا "24860 ميل"

والذي يهمنا في موضوع الجغرافيا الطبيعية للأرض بصفة خاصة هو أغلفتها الطبيعية الظاهرية التي ترتبط ارتباطًا مباشرًا، ولو بدرجات متباينة بكل المظاهر الطبيعية والحيوية والبشرية على سطحها. وهذه الأغلفة هي:

الغلاف الصخري-الليذوسفير

1- الغلاف الصخري-الليذوسفير Lithosphere: ويشمل كل النطاق الصخري الذي يغطي الباطن، وهو غلاف غير محدود تمامًا؛ ولكنه يتفق عمومًا مع ما يسمى بقشرة الأرض. "كلمة ليذوس أصلها يوناني قديم ومعناها صخر". ويبلغ سمكه حوالي 40 كيلو مترًا. وهو يرتكز على الباطن الذي يعرف باسم الباريسفير.

الغلاف المائي الهيدروسفير

2- الغلاف المائي الهيدروسفير Hydrosphere: ويشمل كل المياه المالحة والعذبة التي توجد على سطح الأرض أو في صخورها أو في هوائها. وأعظمها على الإطلاق هي مياه البحار والمحيطات التي تغطي حوالي 71% من السطح الكلي للكرة الأرضية.

الغلاف الجوي

3- الغلاف الجوي Atmosphere: وهو الغلاف الغازي الذي يحيط بالكرة الأرضية إحاطة تامة، ويتراوح سمكه بين 200 و 300 كيلو متر من سطح البحر.

الغلاف الحيوي

4- الغلاف الحيوي Biosphere: ويشمل كل أنواع الحياة في العالم من أدناها إلى أرقاها، سواء منها ما يعيش في البر أو البحر أو الجو، وسواء منها ما هو نباتي أو ما هو حيواني. وباستثناء الغلاف الصخري الليذوسفير والباطن "الباريسفير" اللذان يوجدان كذلك في بعض الكواكب السيارة الأخرى، وخصوصًا الكواكب الصغيرة القريبة من الأرض، وهي عطارد والزهرة والمريخ؛ فإن الأرض تنفرد من بين كل الأجرام السماوية المعروفة بغلافها المائي وغلافها الجوي اللذين تسببا بدورهما في تكوين ما يميزها من غلاف حيوي وغني ومتنوع.

باطن الأرض أو الباريسفير

باطن الأرض أو الباريسفير 1 Barysphere: يشمل هذا الباطن كل ما يقع تحت القشرة الأرضية. وما زالت معلوماتنا قليلة نسبيًّا، وتقل هذه المعلومات كلما زاد تعمقنا نحو المركز. وكل المعلومات المتوفرة عن الباطن تقريبًا مبنية على الاستدلال والاستنتاج المبنيين على دراسة الموجات الزلزالية والنشاط البركاني وقوانين الجاذبية، أما المعلومات المبنية على القياس والملاحظة فتنحصر في قشرة الأرض أو الليذوسفير، وأهم الموضوعات التي تهمنا في دراسة باطن الأرض هى: 1- درجة حرارته. 2- درجة سيولته أو صلابته. أما عن الحرارة فمن الثابت أنها تتزايد كلما تعمقنا من السطح نحو المركز، وقد دلت الملاحظات التي أخذت أثناء عمليات آبار البترول على أن المعدل التقريبي لهذا التزايد هو 32 ْ مئوية كلما زاد العمق بنحو كيلو متر واحد. ولكن ليس من المعروف إن كان هذا المعدل يستمر باطراد كلما زاد العمق أم أنه يتغير من نطاق إلى آخر كلما توغلنا نحو المركز، ومع ذلك فمن المؤكد أن تزايد العمق يؤدي إلى تزايد الضغط الواقع على مواد الباطن، وأن تزايد الضغط يتبعه بالضرورة ارتفاع في معدل تزايد الحرارة. ويقدر بعض الباحثين أن درجة الحرارة عند المركز نفسه تبلغ حوالى 4000 ْ مئوية. وتعتبر شدة حرارة اللافا المنصهرة التي تخرج إلى السطح أثناء الثورانات البركانية دليلًا قويًّا على شدة الحرارة الباطنية حتى في النطاق الذي تحت القشرة المباشرة، وهو النطاق الذي تخرج منه معظم المواد المنصهرة. وعلى الرغم من برودة سطح الأرض؛ فليس هناك دليل على حدوث أي تناقص في حرارة باطنها بمرور الزمن، إذ أن هناك عاملين رئيسيين يساعدان هذا الباطن على الاحتفاظ بحرارته وهما: 1- تزايد الضغط الواقع عليه كلما اتجهنا نحو المركز، ويقدر الباحثون أن الضغط الذي يقع على هذا المركز يعادل ضغط

_ 1 يطلق على هذا الباطن كذلك اسم البذيسفير Bathys Phere أو السنتروسفير Centrosphere أي النطاق المركزي.

الغلاف الجوي على سطح أربعة ملايين مرة. "2" احتوائه على بعض المواد المعدنية ذات الإشعاعات الذرية، وهي إشعاعات تكفي لتوليد طاقة حرارية هائلة. أما موضوع سيولة الباطن أو صلابته؛ فعلى الرغم من أن اللافا التي تلفظها البراكين تكون منصهرة؛ فإن معظم الباحثين يميلون إلى الاعتقاد بأن مواد الباطن في جملتها شديدة الصلابة. ولئن كانت هذه المواد سائلة أو رخوة في بعض النطاقات فإن هذه النطاقات محدودة جدًّا؛ لأنه على الرغم من أن درجة حرارة الباطن تزيد كثيرًا عن الدرجات المعروفة لصهر جميع المعادن "وهي على سطح الأرض"؛ فإن وجود هذه المعادن تحت ضغط شديد جدًّا في الباطن يترتب عليه ارتفاع درجات انصهارها وبقائها صلبة في درجات أعلى بكثير من درجات انصهارها العادية؛ فإذا ما خف الضغط الواقع عليها لأي سبب من الأسباب مثل انكسار الطبقات التي فوقها أو انثنائها فإنها سرعان ما تنصهر وتندفع إلى السطح وهي في هذه الحالة، إذا وجدت طريقًا للخارج كما يحدث عند ثوران البراكين.

نطاقات الكرة من مركزها حتى سطحها

نطاقات الكرة من مركزها حتى سطحها مدخل ... نطاقات الكرة من مركزها حتى سطحها: على أساس المعلومات المتوفرة حتى الآن، وأهمها المعلومات المستقاة من دراسة الموجات الزلزالية، ينقسم جسم الكرة الأرضية إلى النطاقات الآتية:

النواة

1- النواة Core: وهي كتلة مركزية قطرها حوالي 3100 كيلو متر، وتتكون من مواد معدنية أهمها النيكل والحديد؛ ولذلك تشتهر باسم نيف Neif وهي كلمة مكونة من جزئين يمثل كل منهما الحرفين الأولين من كلمتي Nickle "نيكل" و Ferrum "حديد"، وتترواح درجة حرارتها بين 3000و 4000 ْ مئوية. وهي تنقسم إلى نطاقين أحدهما داخلي شديد الصلابة ويعرف اسم النواة الداخلية Inner والثاني خارجي أو مائل للسيولة، ويعرف باسم النواة الخارجية Outer Core

غطاء النواة

2- غطاء النواة Mantle: وهو أسمك طبقات الكرة، ويتكون من صخور قاعدية بالتية عظيمة الكثافة وشديدة الصلابة.

القشرة

3- القشرة Crust: وهي الغطاء الصخري الخارجي، وهو غطاء رقيق لا يزيد سمكه على 40 كيلو متر، وقد يقل في بعض المواضع، مثل قيعان المحيطات العميقة، عن عشرة كيلو مترات وهي تتكون من طبقتين السفلى منهما مكونة من صخور أغلبها بازلتية تتراوح كثافتها بين 3 و 3.5. ومن أهم العناصر التي تدخل في تركيبها السليكا Silica والماغنسيوم Magnesium، وتشتهر باسم السيعا Sima "وهي كلمة مكونة من الحرفين الأولين في كلمتى سيليكا وماغنسيوم"، أما الطبقة العليا فتتكون من مواد جرانيتية تتراوح كثافتها بين 2.5 و 3. وأهم العناصر التي تدخل في تركيبها السيليكا والألومنيوم، وتشتهر باسم السايال Sial "هي كلمة مكونة من الحرفين الأولين في كلمتي سيليكا وألومونيوم". شكل "26" بطاقات الكرة الأرضية من مركزها إلى سطحها

ويطلق اسم "الموهو أو سطح انفصال موهو Moho Surface Discontinuity" على السطح الذي تلتقي عنده القشرة بغطاء النواة "وهو لا يعتبر طبقة من الطبقات". وترجع أهميته إلى أنه يمثل مرحلة انتقالية تتغير عندها سرعة الموجات الزلزالية تغيرًا فجائيًّا من 6.7 كيلو مترًا في الثانية في أعلاه إلى 8.1 كم/ ثانية في أسفله1.

_ 1 أول من اكتشف وجود هذا السطح هو العالم اليوغسلافي أندريا موهوروفيسيك Andrija Mohorvicic "تنطق Mohoro Vissik" ولذلك فقد نسب إليه "بعد اختصار اسمه إلى"

صخور القشرة الأرضية

صخور القشرة الأرضية التركيب العنصري والمعاني للصخور ... 2-2-صخور القشرة الأرضية. التركيب العنصري والمعدني للصخور: الصخور عبارة عن مركبات من المعادن، والمعادن بدورها عبارة عن مركبات من العناصر؛ وذلك باستثناء بعض المعادن التي يتكون كل منها من عنصر واحد مثل الذهب والقصدير والنحاس والفضة والرصاص. ومثل هذه المعادن لا تمثل على أية حال نسبة تستحق الذكر في التركيب العام للقشرة الأرضية بسبب قلة وجودها أو ندرتها. وعلى هذا الأساس يمكننا القول بأن العنصر هو وحدة تركيب المعدن وأن المعدن هو وحدة تركيب الصخر. ويبلغ عدد العناصر المعروفة حتى الآن حوالي 108 عناصر، ومع ذلك فإن ثمانية منها هي التي تكون 98.8% من تركيب صخور القشرة، وأهم عنصر من هذه العناصر هو الأكسوجين؛ فهو وحده يكون حوالي 46.71% من تركيب الصخور؛ لأنه يتحد مع كثير من العناصر ويكون منها أكاسيد معدنية مختلفة من أشهرها أكاسيد الحديد وأكاسيد الكالسيوم والصوديوم والبوتاسيوم وغيرها، ويليه السيليكوم الذي يساهم بمقدار 27.69% في تركيب الصخور، أي أن هذين العنصرين وحدهما يدخلان بنسبة 74.4% في هذا التركيب. وفيما يلي أهم العناصر التي تدخل في تركيب الصخور مرتبة على حسبة نسبة مساهمتها في هذا التركيب. الأكسوجين 46.71% الصوديوم 2.75% السيليكون 27.69% البوتاسيوم 2.58% الألومنيوم 8.7% المغنيسيوم 2.08% الحديد 5.05% التيايوم 0.62% الكلسيوم 3.25% الأيدروجين 0.14%

أهم المعادن التي تساهم في تركيب القشرة

أهم المعادن التي تساهم في تركيب القشرة: 1-الكوارتز Quartz: وهو الذي يشتهر كذلك باسم "المرو". وهو مركب من ثاني أوكسيد السيليكون، ويعتبر من أهم مركبات الصخور النارية والمتحولة والصخور الرملية وهو شفاف إن كان نقيًّا ولكنه قد يكون مائلًا إلى البياض، أما إن كان مختلطًا بشوائب ملونة؛ فإن لونه يتغير بتغير لون هذه الشوائب. وهو ذو بريق زجاجي Vitreous Lusture. وصلادته فوق المتوسطة "درجتها 7"1، وهو متبلور وبلوراته من مجموعة السداسي2 Hexagonal. وهو لا يتشقق؛ ولكن يمكن تكسيره وطحنه؛ إلا أنه لا يتحلل بالأحماض. وفضلًا مناطق واسعة جدًّا من سطح الأرض تترسب البلورات بشكل رمال أو حصى، وليست الرمال الصحراوية والحصى الذي يغطي مناطق واسعة من الصحارى إلا حبات كوارتزية متخلفة من تفكك الصخور النارية وتحللها بفعل التجوية وغيرها من العوامل. وإن ضخامة الغطاءات الرملية الصحراوية واتساع انتشارها في العالم لهو أوضح دليل على أهمية معدن الكوارتز في تركيب قشرة الأرض؛ فهو في الواقع أكثر المعادن مساهمة في تركيبها. وللكوارتز فضلًا عن ذلك فوائد اقتصادية متعددة، فبعض أنواعه النقية تدخل في صناعة عدسات النظارات والأجهزة العلمية وفي صناعة الزجاج والخزف كما أن الأنواع الملونة منه تستخدم في صناعة بعض أنواع المسابح والعقود وغيرها

_ 1 تقاس صلادة المعادن على أساس المقياس الذي وضعه أحد الجيولوجيين وهو الباحث موهو. ويشتهر باسم مقياس "موهو لدرجة الصلادة"، وعلى أساسه وضعت عشر درجات لهذه الصلادة تبدأ بأقلها صلادة ورقمها1، ويمثلها التلك Talc وتنتهي بأشدها صلادة ورقمها 10 ويمثلها الماس Diamond، أما الدرجات العشر فهي: 1 "التلك"، 2 "الجبس" ويمكن لظفر الإنسان أن يخدشها، 3 "الكلسيت"، 4 "الفلورسبار"، 5 " الأباتيت"، 6 " الأرثوكلاز"، ويمكن خدش أي منها بنصل السكين، 7 "الكوارتز"، 8 "التوباز"، 9 " الكورندوم"، 10 "الأرثوكلاز" ويمكن خدشه. 2 تعتبر خاصية التبلور من أهم الصفات التي تميز المعادن بعضها عن بعض؛ إذ أن لكل منها شكلًا هندسيًّا ثابتًا تأخذه مادته عند تصلبها من حالة الانصهار أو الذوبان.

من الحلي وليس العقيق Agate واليشب Jasper إلا حبات من الكوارتز المختلط ببعض الشوائب مثل الطين، أو أكاسيد الحديد التي تعطيه ألوانًا مختلفة منها الأحمر والأصفر والأخضر. ومعظمها ألوان جميلة تجعلها ملائمة لصناعة بعض الحلي. ويعتبر الصوان Flint من الصخور التي تتكون بصفة أساسية من الكوارتز ولكن بعد اختلاطه ببعض المواد الطينية. والمعروف أن هذا الصخر قد لعب دورًا أساسيًّا في الحضارات البشرية القديمة؛ حيث إنه كان المادة الأساسية لصناعة الآلات الحجرية قبل أن يعرف الإنسان استخدام المعادن.

الكلسيت

2- الكلسيت Colcite: وهو مركب من كربونات الكالسيوم، ودرجة صلادته دون المتوسط "3"، وبلوراته من مجموعة السداسي وهو سهل التشقق ويغلب أن يكون شفافًا ذا بريق زجاجي؛ ولكن قد تختلط به بعض الشوائب فيتحول إلى اللون الأبيض أو المائل إلى الرمادي، وهو سريع التأثير بالأحماض؛ فإذا أضيف إليه شيء منها فإنه يفور وينبعث منه ثاني أكسيد الكربون. ويوجد تشابه كبير بينه وبين الكوارتز في المظهر ولكن من الممكن أن يميز عنه بسهولة على أساس قلة صلادته وسهولة تشققه. وهو يأتي بعد الكوارتز مباشرة من حيث كثرة وجوده في صخور القشرة الأرضية فهو المادة الرئيسية في تركيب الصخور بمختلف أنواعها، وكثيرًا ما توجد منه عروق نقية متقاطعة مع طبقات الصخور الجيرية أو متوازية معها، وهي ظاهرة موجودة في بعض أجزاء جبل المقطم، كما تتكون منه الأعمدة الهابطة والأعمدة الصاعدة في كهوف المناطق الجيرية "الاستالاكتيت Staactite والاستالاجميت Stalagmites".

أكاسيد الحديد

3- أكاسيد الحديد Iron Oxides: تنتشر هذه الأكاسيد بكثرة في قشرة الأرض سواء بشكل كتل مستقلة أو مختلطة بالصخور والرواسب المختلفة. وتوجد منها عدة أنواع أهمها: الهيماتيت Heamatite والماجنيتيت Magnetite، والليمينيت Limenite.

والهيماتيت هو أهم الخامات التي يؤخذ منها الحديد، وتتوقف قيمته على نسبة ما يختلط به من شوائب. وهو يعرف أحيانًا باسم "حجر الدم Blood Stone"؛ لأنه إذا خدش فإن لونه في موضع الخدش يكون أحمر قائمًا مثل لون الدم، أما لونه الخارجي فيكون إما أسود أو أحمر مائلًا للسواد. وقد يوجد متبلورًا في بلورات من مجموعة السداسي؛ إلا أنه يوجد في الغالب غير متبلور إما بشكل كتل أو بشكل مسحوق ناعم يختلط بالصخور أو الرمال والتربة، فيعطيها لونًا أحمر أو بنيًّا، كما هو الحال في التربة الحمراء التي تنتشر في مناطق واسعة من العالم، وفي الصخور الرسوبية الحمراء التي تتكون منها بعض الجبال مثل الجبل الأحمر بالقرب من القاهرة. أما الماجنيتيت؛ فهو أكسيد الحديد المغناطيسي، وأهم صفاته أن له قوة مغناطيسية واضحة، ولونه هو الأسود، وهو يوجد إما متبلورًا، أو بشكل حبيبات غير متبلورة. أما الليمينايت، فهو أكسيد الحديد التيتاني، وترجع أهميته إلى وجود عنصر التيتانيوم في تركيبه، وهو عنصر مهم في صناعة مواد الطلاء البيضاء وفي صناعة بعض أنواع الصلب الجيدة، ومنها الأنواع التي تدخل في صناعة الطائرات.

معادن الفلسبار

4- معادن الفلسبار Felspars: تعتبر هذه المعادن "مع الكوارتز" من أهم مركبات الصخور النارية، وأساس تركيبها الكيميائي هو سيليكات الألومينيوم عندما تتحد مع واحد أو أكثر من أكاسيد البوتاسيوم والصوديوم والكالسيوم. وهي تتحلل بواسطة مياه الأمطار فتتحول إلى مواد طينية وصلصالية، ومنها الرواسب الطينية والصلصاية التي تتكون منها معظم دلتاوات الأنهار ووديانها، مثل نهر النيل الذي يتكون أغلب الطمي الذي يحمله في موسم الفيضان؛ من هذه المعادن أنواع نقية تصلح لصناعة الأواني الخزفية ومن أشهرها الصلصال الصيني China Clay والكاولين Koalinite اللذان يوجدان في رواسب بعض أنهار الصين ووسط أوروبا وقد اشتهرت الصين منذ

القدم بالصناعات الخزفية من هذه الرواسب، وربما كان هذا هو السبب الذي من أجله اشتهرت هذه الصناعات في معظم بلاد العالم باسم الصناعات الصينية وتحتوي الرواسب الطينية لنهر النيل في بعض مناطق الوجه القبلي؛ خصوصًا في أسوان على نوع من الصلصال الذي يصلح لهذه الصناعة. ويعتبر الأرثوكلار Orthoclase والبلاجيوكلاز Plagioclase من أهم معادن الفالسبار، وكلاهما يصلحان لصناعة الزجاج والأواني الخزفية.

الجبس

5- الجبس Gypsum: وهو مركب من كبريتيات الكالسيوم والماء، وقد يوجد متبلورًا أو بشكل كتل غير متبلورة، وهو يوجد في كثير من الصخور الرسوبية خصوصًا في المناطق الساحلية، ففي مصر توجد كميات منه بالقرب من خليج السويس وخليج العقبة وعلى ساحل البحر الأحمر وفي المناطق الساحلية إلى الغرب من الإسكندرية، والجبس النقي شفاف وذو بريق زجاجي، ويتشقق تشققًا كاملًا، وإذا حرق فإنه يفقد الماء المتحد معه وينتج عن ذلك المصيص المعروف Plaster of Paris ومنه الجبس الطبي المعروف. وهذا هو أنقى أنواع الجبس أما أكثر أنواعه شيوعًا في الطبيعية فهي الأنواع الرديئة التي لا تصلح إلا لأغراض البناء.

معادن الميكا

6- معادن الميكا Mica: وهي من المعادن المهمة التي تدخل في تركيب الصخور النارية. وهناك كثير من التشابه في التركيب الكيميائي بين هذه المعادن وبين معادن الفلسبار؛ فأساس التركيب الكيميائي لها جميعًا هو سيليكات الألومينيوم عند اتحادها مع واحد أو أكثر من الأكاسيد. والأكاسيد التي تدخل غالبًا في تركيب الميكا هي أكاسيد الحديد والماغنسيوم والبوتاسيوم. وتوجد من الميكا عدة أنواع يختلف بعضها عن بعض حسب نوع الأكسيد الذي يدخل في تركيبها، هي تتباين غالبًا في ألوانها ولكنها تتشابه في صفاتها الرئيسية؛ فجميعها ذات بريق زجاجي ويسهل تشققها في صفائح رقيقة ولها قدرة كبيرة على تحمل درجات الحرارة العالية، ولذلك تستخدم بدلًا من الزجاج في صناعة الأجهزة التي تتعرض

للحرارة المرتفعة من الأفران وبعض الأجهزة العلمية، كما أنها تتميز عن الزجاج بأنها أقدر منه على مقاومة الكسر، مما يجعلها أصلح منه لصناعة غطاءات الساعات، ونوافذ الطائرات، وستائر الدراجات البخارية، وبعض نوافد وستأثر السيارات، وغيرها. ومن أشهر الميكا البيضاء المعروفة باسم المسكوفيت Muscovite، وهي مركبة من سيليكات الألومينيوم وأكاسيد البوتاسيوم، والميكا السوداء المعروفة باسم البيوتيت Biotite، وهي مركبة من سيليكات الألومينيوم مع أكسيد الحديد والماغنسيوم.

الهورنبلند

7- الهورنبلند Horneblend، والأوليفين Olivine: وهما من المعادن التي تدخل في تركيب الصخور النارية، والأساس في تركيب كل منهما هو سيليكات الألومينيوم؛ ولكن بينما يتكون الهورنيلند من اختلاط هذا المعدن بالكالسيوم والحديد والألومنيوم، فإن الأولفين يتكون من اختلاطه بالحديد. وهناك تشابه بينهما في بعض الصفات فكلاهما بريقه زجاجي ولونه أخضر تقريبًا إلا أن لون الهورنبلند يكون غالبًا مائلًا إلى السواد، كما أنه أشد صلابة من الأوليفين، فصلابته 7 أما صلابة الهورنبلند فهي 5.5 تقريبًا. ويعتبر الأزبستوس Asbestos أو حجر الفتيل نوعًا من الهورنبلند، وهو مركب من ألياف يصلح بعضها لصناعة نسيج غير قابل للاحتراق. كما يعتبر الزبرجد Peridot نوعًا من الأوليفين، وهو يتميز بلونه الأخضر الصافي الذي يجعله صالحًا لصناعة الحلي. وهو موجود بكثرة في جزيرة الزبرجد في البحر الأحمر إلى الجنوب من القصير بمصر.

أنواع الصخور

أنواع الصخور مدخل ... أنواع الصخور تقسم الصخور عمومًا إلى ثلاث مجموعات كبرى هي: الصخور النارية1 Lgneous Rocks والصخور الرسوبية Sedimentary Rocks، والصخور المتحولة Metamorphic Rocks، والمقصود بالمجموعة الأخيرة هي الصخور التي

_ 1 Igneous مأخوذة من كلمة لاتينية هي Ignis ومعناها نار

كانت في الأصل تنتمي إلى إحدى المجموعتين الأخريين ثم أعيد تبلورها في ظروف جديدة فتحولت إلى صخور مختلفة عن الصخور الأصلية التي تحولت منها.

الصخور النارية

أولاً: الصخور النارية. ويقصد بها الصخور التي تكونت من تصلب مواد جوف الأرض "الماجما" سواء حدث هذا التصلب فوق سطح الأرض بعد خروج هذه المواد إلى السطح أو حدث بين طبقات القشرة أو تحتها. وأهم ما تتميز به هذه الصخور هو أنها لا تحتوي على حفريات، وأنها لا توجد في طبقات منتظمة. وهي غالبًا مكونة من معادن متبلورة؛ ولذلك فإنها تشتهر كذلك باسم الصخور المتبلورة أو البلورية Crystallised Rocks. وهي من أشد أنواع الصخور صلابة؛ ولذلك فإن لها قدرة كبيرة على مقاومة عوامل النحت، ومع ذلك فإن كثيرًا منها يسهل تفككه وتحلله بواسطة عوامل التجوية. وأهم المعادن التي تساهم في تركيب هذه الصخور هي: الكوارتز والفلسبار والميكا والهورنبلند والأوليفين والأوجيت. وهي تقسم على أساس نسبة الكوارتز "ثاني أكسيد السيليكون" الذي يدخل في تركيبها إلى عدة أنواع هي: 1- صخور حامضية Acidic: وفيها تزيد نسبة الكوارتز على 60%، فإذا زادت هذه النسبة على 70% فإنها توصف بأنها فوق الحامضية Uitra acidic. 2- صخور متوسطة Intermediate: وفيها تتراوح النسبة بين 52% و 60%. 3- صخور قاعدية Basic: وفيها تنخفض النسبة عن 52%؛ فإذا انخفضت عن 40% فإنها توصف بأنها فوق قاعدية Uitra basic. وإلى جانب هذا التقسيم الكيميائي فإن هذه الصخور تقسم على أساس الظروف والأماكن التي تصلبت فيها إلى ثلاثة أنواع هى: 1- صخور طفحية Extrusive: وهي التي تسمى كذلك بالصخور البركانية Volcanic، وهي التي تتكون من تصلب الطفوح البركانية أو "اللافا"

فوق سطح الأرض، وهي مستمدة في الأصل من الماجما التي توجد تحت القشرة، ويعتبر البازلت أكثر الصخور النارية الطفحية انتشارًا؛ فمنه تتكون كل الهضاب والجبال البركانية في العالم. وتكون بلورات الصخور الطفحية عمومًا دقيقة لأن سرعة برودتها وتصلبها على السطح لا تترك وقتًا كافيًا لنمو البلورات. 2- صخور متداخلة Intrusive: وهي التي تتكون من تصلب المواد المنصهرة "الماجما" بين طبقات القشرة أي قبل وصولها إلى السطح، وتكون بلوراتها عمومًا أكبر من بلورات الصخور الطفحية، وهي في تراكيب جيولوجية متباينة من أهمها السدود والقواطع وغيرها من الأشكال التي سنذكرها فيما بعد. 3- صخور الأعمال: وتعرف كذلك الصخور البلوتونية1 Plutonic وهي التي تكون بلوراتها أكبر من بلورات النوعين الآخرين لأن تصلبها يحدث ببطء شديد. وأهم التراكيب الجيولوجية التي توجد فيها هي كتل الباثوليت التي سنتكلم عليها فيما بعد، ويعتبر الجرانيت أكثر صخور الأعماق وجودًا في القشرة الأرضية. ولا يشترط أن تكون صخور الأعماق أو الصخور المتداخلة موجودة في الوقت الحاضر تحت سطح الأرض لأن الحركات الأرضية وعوامل التعرية المختلفة قد أدت إلى إظهار الكثير منها فوق السطح؛ بل إن بعضها يرتفع فوق هذا السطح في كثير من المناطق وتتكون منه هضاب وجبال مرتفعة من أمثلتها كثير من هضاب وسط أفريقيا وجبال شبه جزيرة سيناء وجبال البحر الأحمر. وتتميز الصخور النارية التي توجد على سطح الأرض في بعض المناطق بكثرة ما يوجد بها من مفاصل Joints، وهي عبارة عن شقوق كبيرة تنقطع بها أجزاء الكتل الصخرية الكبرى إلى كتل صغيرة متراصة. وقد تنشأ هذه المفاصل في الصخور بسبب البرودة أثناء تكونها أو بسبب عوامل التجوية2 Weathering وعوامل التعرية وكثيرًا ما تكون هذه المفاصل متقاطعة مع بعضها بحيث تؤدي إلى تقسيم الكتل الصخرية الكبيرة إلى كتل أصغر أشكال هندسية واضحة بالنسبة لبعض الصخور "شكل 27".

_ 1 كلمة بلوتوني Plutonic كلمة يونانية قديمة منسوبة إلى بلوتو Plulo وهو إله ما تحت الأرض في الميثولوجيا اليونانية القديمة. 2 سنعود للكلام على عوامل التجوية وعوامل التعرية في مواضع لاحقة

شكل "27" تكون المفاصل في التكوينات النارية بسبب البرودة الأشكال التضاريسية والتراكيب الجيولوجية للصخور النارية: أولًا: الصخور الطفحية "البركانية" تتوقف الأشكال التضاريسية التي تتكون من هذه الصخور على كمية المواد المنصهرة التي تخرج إلى السطح ونوعها وطريقة خروجها، وأهم هذه الأشكال هي: 1- المخروطات البركانية: وهي تتكون نتيجة لتراكم اللافا المنصهرة حول فوهات البراكين، وتكون هذه المخروطات قائمة وجوانبها شديدة الانحدار إذا كانت اللافا حامضية "بها نسبة عالية من ثاني أكسيد السيليكون" لأن درجة انصهارها تكون عالية مما يجعلها تتصلب بسرعة حول فوهة البركان، أما إذا كانت قاعدية "بازلتية" [فقيرة في ثاني أكسيد السيليكون] ؛ فإن مخروطاتها تكون مفلطحة وجوانبها بطيئة الانحدار لأن درجة انصهارها تكون منخفضة مما يجعلها تنساب بعيدًا عن فوهة البركان قبل أن تتصلب.

2- غطاءات اللافا Lava Sheets: وهي عبارة عن هضاب متسعة من الصخور البركانية، وهي تتكون بسبب خروج اللافا القاعدية من شقوق في القشرة وانسيابها لمسافات بعيدة؛ فإذا استمر خروج اللافا لمدة طويلة، أو إذا تكرر خروجها عدة مرات في نفس المنطقة فإنها تؤدي في النهاية إلى تكون هضاب بازلتية ضخمة مثل الهضبة المعروفة باسم مصائد الدكنDeccan Traps في شمال غرب هضبة الدكن، وهي تغطي منطقة مساحتها حوالي نصف مليون كيلو متر مربع، والهضاب البازلتية الواسعة في ولايات واشنطن وأوريجون وايداهو في شمال غرب الولايات المتحدة، ويبلغ متوسط ارتفاعها حوالي ألف متر واتساعها حوالي 600 ألف كيلو متر مربع. وكذلك الهضاب التي تشغل منطقة واسعة في شمال شرق أيرلنده. ويمكننا أن نعتبر هضبة الحبشة وهضبة منطقة واسعة في شمال شرق أيرلنده. ويمكننا أن نعتبر هضبة الحبشة وهضبة اليمن في جملتها من نفس النوع، وذلك بالإضافة إلى الثورانات البركانية العادة التي أدت في نفس الوقت إلى ظهور مخروطات بركانية واضحة في هاتين الهضبتين. "شكل 28" مخروطان بركانيان أحدهما من اللافا الحامضية والثاني من اللافا القاعدية

شكل "29" بعض غطاءات اللافا المشهورة ثانيًا: صخور الأعماق والصخور المتدخلة: تتكون من هذه الصخور تراكيب جيولوجية متباينة، وتتكون كل هذه التراكيب تحت سطح الأرض؛ إلا أن بعضها يظهر حاليًا على السطح بسبب الحركات الأرضية، أو بسبب إزالة التعرية لما فوقها من تكوينات، أو بسبب العاملين معًا. وتتوقف الأشكال التي تأخذها تراكيب هذه الصخور على عوامل مختلفة من أهمها كمية المواد المنصهرة المندفعة نحو السطح وقوة اندفاعها وامتداد الطبقات الصخرية التي فوقها وقوة مقاومتها ومكان وجود مناطق الضعف فيها مثل الانكسارات والمفاصل وسطوح انفصال الطبقات؛ فمثل هذه المناطق تعتبر طرقًا سهلة نسبيًّا يمكن أن تسلكها المواد المنصهرة للتحرك أو التجمع. ومن أهم الأشكال التي تأخذها تراكيب هذه الصخور ما يأتي: 1- الباثوليت Batholith: وهو عبارة عن كتلة ضخمة جدًّا من صخور الأعماق التي تكونت على عمق كبير من سطح الأرض، نتيجة لاندفاع كميات ضخمة في الماجما إلى أعلى وتصلبها قبل أن تصل إلى السطح، وقد يصل حجم الباثوليت إلى مئات الآلاف من الكيلو مترات المكعبة؛ فإذا أدت الحركات الأرضية وعوامل التعرية إلى رفعه وإظهاره فوق السطح؛ فإنه يكون نطاقًا جبليًّا

يتوقف ارتفاعه وامتداده على حجم الباثوليت، ومن أمثلة النطاقات الجبلية التي تكونت بهذا الشكل الجبال الواقعة على جانبي البحر الأحمر، وجبال شبه جزيرة سيناء، والجبال الساحلية في كولومبيا بشمال غرب أمريكا الجنوبية، وهي تشغل نطاقًا طوله 1000 كيلو متر وعرضه 170 كيلو مترًا. 2- اللاكوليث Laccolith: وهو عبارة عن كتلة من الصخور النارية المتداخلة التي تتكون غالبًا بشكل قبة بين طبقات القشرة الأرضية، وهو أصغر حجمًا بكثير من الباثوليث كما أنه أقرب منه إلى سطح الأرض؛ ولكنه مع ذلك يتكون على عمق كبير نسبيًّا. وهو يتكون إذا اعترضت الماجما عند اندفاعها إلى أعلى طبقة شديدة المقاومة، بحيث لا تستطيع اختراقها؛ ولكنها تستطيع ثنيها إلى أعلى فتتجمع الماجما تحت الثنية ثم تتصلب بشكل قبة كبيرة، وإذا ظهر اللاكوليث فوق السطح بسبب الحركات الأرضية أو بسبب عوامل التعرية فإنه يظهر بشكل قبة من الصخور النارية. وهناك نوع من اللاكوليث الذي يتميز بأن له عنقًا طويلًا متعمقًا في طبقات القشرة ويطلق عليه اسم اللاكوليث المتعمق Bysmailth أو العنق الجوفي Plutonic Plug. اللابوليث Lapolith: وهو تركيب يشبه اللاكوليث إلا أن وضعه يكون معكوسًا أي أن قمته تكون إلى أسفل وقاعدته إلى أعلى، وهو يتكون إذا كانت الطبقة التي تعترض اندفاع الماجما من القوة بحيث لا تستطيع الماجما ثنيها إلى أعلى؛ بينما تستطيع أن تثني الطبقة التي تحتها إلى أسفل. ونتيجة لهذا فإن التركيب الناتج يأخذ شكل قمع أو شكل حوض ضخم. 4- القواطع "السدود غير المتوافقة" 1 Dykes: وهي كتل مستطيلة أو سدود من الصخور النارية ممتدة بشكل أعمدة متقاطعة مع طبقات القشرة الأرضية؛ ولكنها لم تكن عند بدء تكونها واصلة إلى السطح، وهي تتكون عندما

_ 1 يوصف التركيب الجيولوجي للصخور المتدخلة وصخور الأعماق بأنه متوافق Conc ordant إذا كان هذا التركيب ممتدًا مع امتداد الطبقات التي يتكون بينها، ويوصف بأنه غير متوافق Disconcordant إذا كان اتجاهه متقاطعًا مع هذه الطبقات.

نجد الماجما شقوقًا أو فواصل في طبقات الصخور فتندفع فيها إلى أعلى حيث نملؤها وتتصلب فيها، وهي تقطع الطبقات التي تخترقها في اتجاهات عمودية أو مائلة وهي تتباين فيما بينها تباينًا كبيرًا في الارتفاع والسمك؛ فبعضها يصل ارتفاعه إلى أكثر من مائة متر وبعضها الآخر لا يزيد ارتفاعه عن بضعة أمتار، كما أن بعضها قد شكل "30" أهم الاشكال التي تظهر بها الصخور النارية 1 سدود رأسية 2 عتبة سد أفقي 3 لاكوليث 4 لاكوليث متعمق، وبجانبه لاكوليث عادي 5 لابوليث 6 فاكوليث "سدود هلالية" 7 باثوليت كشفته لتعرية "لاحظ الصخور المتحولة الملاصقة له".

يزيد قطره على بضعة أمتار، وبعضها الآخر لا يكاد قطره يتجاوز المتر الواحد، وقد يحدث في بعض المناطق أن توجد مجموعة كبيرة من القواطع المتقاربة، ويطلق على مثل هذه المجموعة اسم سرب القواطع Dyke Swarm. وتدل كثرة القواطع في أي منطقة من المناطق على كثرة الشقوق والفواصل في طبقات القشرة الأرضية. وفي مثل هذه المناطق يكون شق الطرق والقنوات أمرًا بالغ الصعوبة إذا كانت القواطع واصلة إلى سطح الأرض أو بالقرب منه. 5- العتبات "السدود المتوافقة" Sills: وهي عبارة عن سدود أفقية تمتد بين الطبقات الأفقية، وتتكون عندما تجد الماجما أثناء اندفاعها إلى أعلى مناطق ضعيفة بين الطبقات فتندفع فيها مكونة طبقات يختلف سمكها وامتدادها على حسب كمية الماجما المندفعة واتساع مناطق الضعف، ويتراوح سمك العتبات التي تتكون بهذا الشكل من بضعة سنتيمترات إلى بضعة أمتار. ويعتبر وجود هذه العتبات عقبة في طريق حفر الآبار للوصول إلى طبقات المياه الجوفية أو الطبقات البترولية التي ربما تكون موجودة تحتها؛ ولكنها إلى جانب ذلك تساعد "بسبب عدم مساميتها" على تكوين طبقات مائية فوقها. وقد يحدث في بعض المناطق أن تكون الطبقات الصخرية التي تنساب الماجما بينها محدبة الشكل، وفي مثل هذه المناطق تأخذ العتبات نفس شكل امتداد الطبقات فتظهر بشكل أهله، ويطلق على مثل هذه السدود اسم الفاكوليث Phacolith أو السدود الهلالية. أمثلة للصخور النارية المشهورة أولًا: الصخور الطفحية "البركانية" البازلت Basalt: وهو أشهر الصخور الطفحية التي تتكون نتيجة لتصلب اللافا بعد خروجها من فوهات البراكين أو الشقوق، وهو أوسع الصخور النارية انتشارًا على سطح الأرض؛ فمنه تتكون كل الهضاب والجبال البركانية في العالم وهو صخر فوق القاعدي بسبب فقرة الشديد في ثاني أكسيد السيليكون "الكوارتز". والمعادن الرئيسية التي يتكون منها هي الأوجيت والأوليفين

والبلاجيوكلاز وبلورات البازلت صغيرة، وتكثر به الثقوب والفجوات التي تنشأ نتيجة لخروج الغازات من اللافا أثناء برودتها على السطح، واللون الغالب في هذا الصخر هو اللون الرمادي الذي يميل أحيانًا إلى السواد أو الاخضرار. وهو شديد الصلابة، وكثيرًا ما يستفاد به في رصف الطرق في المناطق ذات التربة الطينية حيث توضع منه طبقة تحت الأسفلت لتكون بمثابة أساس صلب. حجر الخفاف: وهو صخر ناري كثير الفراغات، ويتميز بخفته لدرجة أنه يطفو فوق الماء، وهو يتكون نتيجة لتصلب الفقاقيع التي تتكون على سطح اللافا أثناء برودتها وخروج الغازات منها على سطح الأرض. ويكون لون الخفاف مائلًا إلى السوداء إذا تكون من اللافا البازليتة القاعدية، ومائلًا إلى البياض أو الاحمرار إذا تكون من اللافا الحمضية. ثانيًا: صخور الأعماق والصخور المتداخلة: الجرانيت Granite: وهو صخر جوفي حمضي حيث يعتبر الكوارتز من أهم مكوناته، كما يعتبر الفلسبار كذلك من مكوناته الرئيسية، ويضاف إليهما واحد أو أكثر من معادن الميكا والهورنبلند والأرثوكلاز. وتوجد من الجرانيت عدة أنواع يختلف بعضها عن بعض على حسب اللون وحجم البلورات، ويتوقف لون الصخر عادة على لون الفلسبار الذي يدخل في تركيبه، فإذا كان ورديًّا فإن لون الصخر يكون مائلًا إلى الاحمرار، أما إذا كان لونه أبيض وكان الميكا أسود، فإن لون الصخر يكون رماديًّا. أما على أساس حجم البلورات فإن الجرانيت ينقسم إلى نوعين أحدهما دقيق الحبيبات Fine grained والثاني خشن Course grained. والجرانيت شديد الصلابة جدًّا ويتميز بمقدرته على مقاومة عوامل التعرية؛ ولذلك فإنه من أصلح الصخور لبناء السدود على الأنهار ولصناعة التماثيل، وقد كان الفراعنة يستخدمونه فعلًا في عمل التماثيل والمسلات. ومع ذلك فإنه يتأثر بالتجوية، سواء في ذلك التجوية الآلية أو التجوية الكيمائية. وإن التجوية هي التي تؤدي بمرور الزمن إلى تفتت الصخر فتنفصل عنه في هذه الحالة المعادن المكونة له،

وتعتبر الرمال الصحراوية في مختلف العالم أكثر المواد الناتجة عن تجوية الجرانيت انتشارًا على سطح الأرض، وهي عبارة عن حبات كوارتزية متباينة الأحجام. وتعتبر المواد الطينية والصلصالية كذلك من أهم المواد التي تنتج عن تجوية هذا الصخر، وهي تنتج عادة من تحلل معادن الفلسبار التي تعتبر من أهم مركباته. وتوجد في مختلف جهات العالم نطاقات كبيرة من المرتفعات التي تتكون من الصخور الجرانيتية وأغلبها كانت في الأصل تكوينات جوفية من نوع الباثوليت أو اللاكوكيث، ثم أدت حركات القشرة الأرضية وعوامل التعرية إلى ظهورها على السطح، ومن أمثلتها في إفريقيا معظم هضاب وسط القارة وجنوبها ومرتفعات البحر الأحمر وشبه جزيرة سيناء. الفلسيتfelsite: وهو غالبًا صخر متدخل، وتتكون منه كثير من القواطع Dykes والعتبات Sills، وهو يشبه الجرانيت في تركيبه، ولكن بلوراته دقيقة جدًّا حتى أنها لا ترى غالبًا إلا بالمجهر، وذلك بسبب التصلب السريع للمواد المنصهرة التي يتكون منها عند اندفاعها خلال الصخور الأخرى، حيث أنها تندفع بشكل أعمدة طولية قليلة السمك، كما يحدث عند تكون القواطع، أو بشكل طبقات رقيقة كما يحدث عند تكوين العتبات.

الصخور الرسوبية

ثانياً: الصخور الرسوبية Sedimentary Rocks. صفاتها العامة: تغطي هذه الصخور حوالي 75% من المساحة الكلية لليابس، ولكنها مع ذلك لا تمثل إلا 5% فقط من حجم القشرة الأرضية؛ بينما يكون العكس بالنسبة للصخور النارية والمتحولة التي لا تظهر على السطح إلا في حوالي 25% فقط من مساحة اليابس؛ بينما تمثل 95% من تركيب القشرة. وتوجد هذه الصخور عادة في طبقات متتابعة؛ ولذلك فإنها تسمى كذلك بالصخور الطبقية Stratified Rocks، ويكون تتابعها عادة متفقًا مع ترتيب العصور التي تكونت

أثناءها بحيث يكون القديم منها تحت الأحدث منه، ومع ذلك فقد أدت الحركات الأرضية وعوامل التعرية إلى اختلال هذا التتابع في كثير من المناطق. وتتميز الصخور الرسوبية بكثرة ما بها من حفريات Fossils، وهي البقايا والآثار الحيوانية والنباتية التي توجد في طبقاتها. وتعتبر هذه الحفريات من أهم وسائل دراسة الصخور؛ لأنها تبين بوضوح عمر الطبقات الصخرية، ونوع الظروف المناخية والنباتية والحيوانية التي كانت سائدة خلال العصر الذي تكونت فيه، وطبيعة المناطق التي أرسيت فيها من حيث كونها مناطق بحرية أو بحيرية أو وديان نهرية أو مناطق صحراوية أو جليدية. ولهذا السبب فإن دراسة تتابع الطبقات وترتيبها الزمني وما بها من حفريات تعتبر في الوقت الحضار علمًا مهمًا من علوم الجيولوجيا، وعلم دراسة الطبقات Stratigraph. وتوجد الصخور الرسوبية في تراكيب Structures كثيرة ومتنوعة؛ ففي بعض هذه التراكيب تكون الطبقات محافظة على تتابعها الزمني وعلى امتدادها الأفقي نتيجة لعدم تعرضها للحركات الأرضية العنيفة؛ بينما يكون ترتيبها في بعضها الآخر مختلًا، إما نتيجة لحركات عنيفة أدت إلى زحف بعض الطبقات القديمة فوق طبقات أحدث منها أو بسبب إزالة بعض الطبقات بفعل عوامل التعرية. وعلى هذا الأساس تقسم تراكيب هذه الصخور إلى قسمين هما: تراكيب متوافقة Conformable، وتراكيب غير متوافقة Unconfoemable. والمقصود بالتركيب المتوافق هو التركيب الذي تكون فيه الطبقات متتابعة أسفل إلى أعلى على حسب ترتيبها الزمني دون أن تختفي من بينها طبقات أي عصر من العصور، أما التركيب غير المتوافق فهو التركيب الذي لا تكون طبقاته متتابعة بنفس ترتيبها الزمني، أو الذي تختفي فيه طبقات عصر واحد أو أكثر. وأهم الظروف التي تؤدي إلى ذلك هي أن يتوقف الإرساب في المنطقة بعض الوقت؛ بينما تعمل عوامل التعرية على إزالة الطبقات العليا التي تمثل عصرًا من العصور أو أكثر، ثم يعود الإرساب من جديد فيؤدي إلى تراكم طبقات جديدة فوق السطح الذي

نحتته عوامل التعرية والذي يطلق عليه في هذه الحالة اسم سطح عدم التوافق Unconformitv Surtace "انظر شكل 31". "شكل 31" مراحل حدوث عدم التوافق في الطبقات الرسوبية ميل الطبقات Dip of Strata: المقصود بميل الطبقات هو امتدادها في مستوى غير أفقي؛ فعلى الرغم من أن الطبقات تظل في كثير من التراكيب محتفظة باتجاهها الأفقي حتى بعد تعرضها لبعض الحركات الأرضية مثل الحركات الرأسية؛ فإن هذه الحركات تؤدي في أغلب الحالات إلى تغيير هذا الاتجاه بحيث تصبح معظم الطبقات مائلة على المستوى الأفقي. وتتباين درجات الميل من موضع إلى آخر على حسب نوع الحركات الأرضية ودرجة تأثر الطبقات الصخرية بها،

وتحسب درجة ميل أي طبقة بمقدار الزاوية التي تصنعها هذه الطبقة مع المستوى الأفقي، وهذه هي التي تعرف باسم زاوية الميل Angle of Dip وهي تقاس بواسطة جهاز خاص هو جهاز قياس الميل، أو الكلينو متر Clinometer ويجب ألا تخلط بين ميل الطبقات وانحدار سطح الأرض Slope؛ فكثيرًا ما تكون الطبقات أفقية في مناطق سطحها شديد الانحدار، أو تكون مائلة في مناطق سطحها أفقي. ويطلق تعبير "مضرب الطبقة Strike of Stratum" على الخط الأفقي المتعامد على اتجاه ميل هذه الطبقة، وإن كان جزءًا أو جانبًا من هذه الطبقة ظاهرًا على السطح فيطلق عليه تعبير "مكشف الطبقة Outcrop of St" ويتوقف اتساع مكاشف الطبقات على العلاقة بين اتجاه مليها واتجاه انحدار سطح الأرض؛ فإذا كانت الطبقات مائلة في نفس اتجاه انحدار السطح فإن مكاشفها تكون متسعة، أما إذا كانت مائلة في الاتجاه المعاكس لاتجاه الانحدار فإن مكاشفها تكون ضيقة، وخصوصًا إذا كانت متعامدة على السطح المنحدر "انظر شكل 32". الأسطح الطباقية Bedding Planes: ويقصد بها الأسطح التي تلتقي عندها الطبقات المتجاورة. ويكون السطح الطبقي واضحًا إذا كانت الطبقتان المتجاورتان مختلفتين في التركيب اختلافًا واضحًا؛ كأن تكون إحداهما مكونة من حجر رملي والثانية من حجر جيري أو طيني. ومن الواضح أن الأسطح الطبقية تمثل سطوحًا قديمة لقيعان بحار أو بحيرات أو أرضًا يابسة قبل أن تتغطى بالرواسب التي كونت الطبقات التي فوقها. الطباقية الكاذبة False Bedding: ويقصد بها انقسام الطبقة الواحدة بواسطة أسطح مستعرضة؛ بحيث تبدو كأنها مكونة من طبقات متتالية، ويحدث ذلك على الشواطئ بسبب المد والجزر أو بسبب التيارات البحرية أو بسبب تغير قوتها؛ ولذلك فقد يطلق على هذه الظاهرة كذلك اسم طباقية التيار Current Bedding، ومن الممكن أن تحدث الطباقية الكاذبة كذلك بسبب تغير اتجاه الرياح وقوتها، "انظر شكل 34".

أنواع الرواسب Types of Sediments or Deposits: من الواضح أن تنوع الصخور الرسوبية يتوقف قبل كل شيء على تنوع الرواسب التي كونتها. وتتنوع الرواسب فيما بينها نتيجة لعوامل كثيرة من أهمها الطرق التي نشأت بها هذه الرواسب، والعوامل التي تدخلت في عمليات الترسيب والظروف التي تمت فيها هذه العمليات. شكل "32" ميل الطبقات شكل "33" العلاقة بين انحدار سطح الأرض وميل الطبقات واتساع مكاشفها شكل "34" طباقية كاذبة.

فعلى أساس الطرق التي نشأت بها فإن هذه الرواسب تقسم عمومًا إلى ثلاثة أنواع هي: 1- الرواسب التي نشأت بطريقة كيمائية مثل الأملاح التي تترسب من المحاليل المختلفة مثل ملح الطعام والجبس والنطرون. 2- الرواسب التي نشأت بطريقة عضوية، وتشمل كل الرواسب التي نشأت من أصل نباتي أو حيواني في البر أو في البحر، حتى ولو كانت فقد فقدت في الوقت الحاضر كل صلة لها بالكائنات الحية وتحولت إلى مواد صخرية مثل معظم الصخور الجيرية والفحم الجيري. 3- الرواسب التي نشأت بطريقة آلية، وتشمل الرواسب التي نشأت نتيجة لعمليات التجوية الآلية وما ينتج عنها من تفكيك للصخور وتفتيتها. أما على أساس العوامل والظروف التي تدخلت في علميات الترسيب فإن الرواسب تنقسم إلى مجموعتين كبيرتين هما: 1- رواسب بحرية 2- رواسب قارية أولًا: الرواسب البحرية Marine Deposits وهي تشمل جميع الرواسب التي تتراكم في قاع البحار والمحيطات، وهي تختلف فيما بينها تبعًا لعوامل متعددة أهمها: عمق المياه، ودرجة ملوحتها، ونوع المواد التي تصل إليها من اليابس المحيط بها، وحركات المد والجزر والأمواج والتيارات البحرية، والحياة الحيوانية والنباتية التي تعيش فيها، ويمكن تقسيمها عمومًا إلى ثلاثة أنواع هي: 1- الرواسب الشاطئية Coastal deposits: وهي غالبًا رواسب خشنة تتكون من الرمال والحصى وربما بعض الأحجار المصقولة والمائلة للاستدارة كما هي الحال أمام كثير من السواحل الصخرية، وقد كانت حركات المياه هي

السبب في صقلها واستدارتها. ويتناقص حجم الرواسب الشاطئية كلما توغلنا في البحر بعيدًا عن الشاطئ، وتتميز هذه الرواسب عمومًا بكثرة ما يختلط بها من بقايا نباتية وحيوانية، وبأنها لا توجد في طبقات ظاهرة؛ وإنما توجد مختلطة بعضها ببعض. ويقتصر وجودها عمومًا على الرف القاري، وتكاد تختفي في الأعماق التي تزيد عن 200 متر. 2- رواسب البحار العميقة: وهي تتدرج من الرواسب الشاطئية وتوجد في الأعماق التي تزيد على 200 متر، وتتكون في جملتها من مواد ناعمة تزداد في دقة حبيباتها كلما ابتعدنا عن الساحل، ومصدرها الرئيسي هو الرواسب الدقيقة التي تحملها الأنهار والرياح من اليابس، والتي تظل بسبب دقتها عالقة بالمياه لمسافات كبيرة داخل البحر، ثم تترسب نحو القاع ببطء شديد، وتختلط بها بعض المواد العضوية ولكنها أقل منها في الرواسب الشاطئية، كما أنها تتناقص كلما زاد العمق وزاد البعد عن الشاطئ. وتتميز الأعماق السحيقة من المحيطات، وهي الأعماق التي تزيد على ثلاثة آلاف متر بوجود رواسب مجهرية من نوع خاص يطلق عليها اسم الأوز Ooze. وهي مكونة في جملتها من خلايات حيوانية مجهرية وبقايا كائنات حية دنيئة مضافًا إليها بقايا الحيوانات التي تعيش عند السطح وتترسب بقاياها نحو القاع بعد موتها. ثانيًا: الرواسب القارية Confinental Deposits: وهي تشمل جميع الرواسب التي تتراكم على سطح القارات، بما في ذلك الرواسب التي تتراكم في قاع البحيرات أو في مجاري الأنهار، وهي تنقسم على أساس العوامل التي تدخلت في ترسيبها إلى أربعة أنواع هي: 1- رواسب هوائية Eolain deposits: وهي الرواسب التي تحملها الرياح وتلقي بها عندما تهدأ سرعتها، وهي تتكون في جملتها من أتربة ورمال تختلف أحجامها على حسب قوة الرياح. ومن أمثلتها الرمال التي تتكون منها الكثبان الرملية والأتربة التي تتكون منها بعض أنواع التربة مثل تربة اللويس

Loess. وكلما صغرت أحجام حبات هذه الرواسب استطاعت الرياح أن تحملها إلى مسافات أبعد؛ فالمعروف مثلًا أن تربة اللويس التي توجد في شمال الصين قد تكونت من الأتربة التي نقلتها الرياح من شرق أوروبا وغرب آسيا. 2- رواسب فيضية Alluvial deposits: وتشمل الرواسب التي تحملها وترسبها المياه الجارية، وتتوقف أحجامها على سرعة المياه؛ فهي تتراوح بين الحبيبات الصلصالية الدقيقة التي يمكن أن تظل عالقة بالمياه البطيئة أو الراكدة والأحجار الكبيرة التي يمكن أن تدفعها السيول الجارفة على منحدرات الجبال إلى السهول المجاورة. ومن أهم ما تتميز به الرواسب الفيضية أنها ترسب دائمًا بترتيب معين بحيث ترسب المواد الثقيلة أولًا ثم ترسب فوقها المواد الأخف منها بالتوالي، كما أنها ترسب بنفس الترتيب على طول مجرى النهر أو السيل حيث تتناقص أحجامها بالتدريج كلما تناقصت سرعة جريان الماء. 3- رواسب بحيرية Lacustrine depits: وهي تشمل رواسب البحيرات المالحة ورواسب البحيرات العذبة، وتتكون الأولى في جملتها من الأملاح التي تترسب نتيجة لتبخر المياه، أما الثانية فتتكون عادة من مواد طينية وصلصالية ناعمة تشبه رواسب الأنهار البطيئة جدًّا. 4- رواسب جليدية Glacial deposits: وتشمل جميع الرواسب التي يحملها الجليد عن زحفه على سطح الأرض، ثم يرسبها عندما يأخذ في الانصهار، وأشهر أنواعها هي الركامات الجليدية Moraines. وأهم ما يميزها أنها لا توجد غالبًا بترتيب واضح؛ بل تختلط فيها الرواسب الناعمة بالرواسب الخشنة وقطع الأحجار أو الكتل الصخرية. ويتميز الجليد عن غيره من عوامل نقل الرواسب مثل الرياح والمياه الجارية بأنه يستطيع أن ينقل كتلًا صخرية كبيرة إلى مسافات بعيدة جدًّا. ومثال ذلك الكتل الصخرية الضخمة التي يطلق عليها اسم Erratics "أو الصخور الشاردة" وهي كتل صخرية ضخمة نقلها الجليد مسافات بعيدة وألقى بها في مناطق ذات تركيب صخري مختلف؛ بحيث تبدو هذه الكتل غريبة فوقه، ومن أمثلة هذه الرواسب كذلك الرواسب المعروفة باسم الصلصال

الجلاميدى Boulder Clay، وهو عبارة عن كتل مكونة من طحين صخري Rock Flower، يشبه الصلصال في دقة حبيباته، وتختلط به كثير من الأحجار، وينشأ هذا الدقيق نتيجة لاحتكاك الجليد بالصخور التي يزحف فوقها أو جوارها أثناء انحداره على جوانب الجبال. تماسك الرواسب وتكون الصخور: تظل المواد الرسوبية عمومًا مفككة بعد ترسيبها؛ إلا إذا طرأ عليها ما يؤدي إلى تماسكها، وعندئذ تتكون منها الصخور التي تتباين فيما بينها على حسب نوع الرواسب والطريقة التي تماسكت بها، ويحدث هذا التماسك بطريقة أو أكثر من الطرق الآتية: 1- ترسيب مواد لاصقة بين حبات المواد الرسوبية، والمقصود بالمواد اللاصقة هو المواد الدقيقة التي يمكن أن تملأ الفراغات التي بين حبات الرواسب فتؤدي إلى تماسكها. والمواد التي تصلح لهذا الغرض كثيرة ومتنوعة ومن أمثلتها الجير والطين والصلصال وأكاسيد بعض المعادن مثل أكاسيد الحديد وغيرها. ويعتبر ترسيب مثل هذه المواد ضروريًّا جدًّا لتماسك الرواسب الخشنة مثل الرمل والحصى. وتتوقف كثير من صفات الصخر على نوع المواد التي تؤدي إلى تماسك حباته؛ فالرمال التي تتماسك حباتها بواسطة الجير يتكون منها ما يعرف بالحجر الرملي الجيري، أما التي تتماسك حباتها بواسطة أكسيد الحديد فيتكون منها ما يعرف بالحجر الرملي الحديدي، والأول منهما أقل صلابة من الثاني. 2- وقوعها تحت الضغط بسبب تراكم بعضها فوق بعض أو تراكم رواسب أخرى فوقها؛ ولكن هذا العامل لا يكفي وحده لتماسك الرواسب الخشنة؛ بينما يكفي لتماسك الرواسب الدقيقة مثل الرواسب الطينية والصلصالية. 3- جفافها وخروج المياه من بين حباتها بسبب التبخر أو نتيجة للضغط، كما يحدث للرواسب الطينية والصلصالية؛ لأن تجفيف مثل هذه المواد يكفي لالتصاق بعضها ببعض وتحولها إلى أحجار طينية، ولكنها تكون عادة قليلة الصلابة.

أمثلة للأنواع الرئيسية من الصخور الرسوبية: تنقسم هذه الصخور إلى ثلاث مجموعات رئيسية هي: الصخور الجيرية، والصخور الرملية والصخور الطينية. وقد يحدث أحيانًا أن يكون الصخر مكونًا من خليط من مواد متباينة بحيث يصعب ضمه إلى أي مجموعة من هذه المجموعات، ومثل هذه الصخر يوضع ضمن مجموعة خاصة تعرف باسم "المجموعات الصخرية Conglomerates"، وفيها يختلط الطين بالرمل والحصى وغيرها. أولًا: الصخور الجيرية Caleareous Rocks or Limestones تعتبر هذه الصخور من أهم المكونات الصخرية لقشرة الأرض، وتوجد منها نطاقات عظيمة السمك والاتساع في كل القارات، وقد يصل سمكها في بعض المناطق إلى بضعة كيلو مترات، ويكفي للدلالة على ذلك أنها هي التي تتكون منها معظم سلاسل الجبال الانثنائية القديمة والحديثة في العالم، كما أنها توجد في نطاقات أخرى عظيمة الاتساع على سواحل كل البحار والمحيطات الحالية وفي المناطق التي كانت تشغلها بحار قديمة. وتتميز هذه الصخور عمومًا بأنها تذوب في الأحماض، ولهذا فإنها تذوب -ولو ببطء شديد- في مياه الأمطار التي تحمل عند سقوطها بعض ثاني أكسيد الكربون من الجو؛ ولذلك فإن كثيرًا من مناطقها تشتهر بكثرة كهوفها وأنهارها السفلية، وغير ذلك من المظاهر التي يطلق عليها عمومًا تعبير "المظاهر الكارستية Carsitc Features" "نسبة إلى منطقة من هذا النوع هي منطقة كارست في جبال الألب الدينارية في غرب يوجوسلافيا"، وقد أصبحت الصخور الجيرية لهذا السبب من أعظم خزانات المياه الجوفية في بعض البلاد. وترجع الصخور الجيرية في جملتها إلى أصل عضوي؛ فقد تكون معظمها نتيجة لتراكم القواقع وعظام الحيوانات البحرية المختلفة بكميات كبيرة في قيعان البحار خلال العصور الجيولوجية المختلفة؛ فمن المعروف أن معظم الحيوانات البحرية لها قدرة كبيرة على استخلاص الجير من ماء البحر لاستخدامه في بناء عظامها أو محاراتها. وإلى جانب ذلك فقد نشأت بعض الصخور الجيرية بطريقة

كيميائية نتيجة لترسيب الجير من الماء الذي يكون حاملًا لبعض منه؛ إلا أن الصخور التي تتكون بهذه الطريقة لا توجد إلا في أماكن محدودة جدًّا. وهي تتميز عن الصخور الجيرية العادية بأنها تكون في أغلب الأحيان متبلورة. ومن أشهر أنواعها أعمدة الاستالاكتيت Stalacites والاستالاجميت Statagmites1، والتي توجد في كهوف مناطق الصخور الجيرية. وتكوينات الترافرتين Travertine الجيرية التي تترسب حول فوهات بعض العيون التي يكون بعض الجير مذابًا في مياهها. والصخور الجيرية في جملتها بيضاء اللون إلا إذا اختلطت بمواد أخرى ملونة مثل الطين أو أكاسيد الحديد. وهي تتباين فيما بينها تباينًا كبيرًا في درجة الصلابة؛ فمنها ما هو شديد الصلابة، مثل الدولوميت ومنها ما هو هش جدًّا مثل الطباشير، وفيما يلي وصف مختصر لبعض الصخور الجيرية المشهورة. الطباشير Chalk: وهو حجر ناصع البياض قليل الصلابة، وتوجد منه طبقات عظيمة السمك والامتداد في جهات مختلفة من العالم، ويرجع تكوينه عمومًا إلى العصر الكريتاسي "الطباشيري". وهو مكون من محارات مجهرية لكائنات بحرية خاصة كانت عظيمة الانتشار في البحار الدافئة خلال العصر الكريتاسي، وتعرف باسم فورامينيفرا Foraminefera. وليس الطباشير الذي يستخدم في الكتابة إلا نوعًا من أنواع الأحجار الطباشرية "انظر شكل 36". الحجر الجيري النوموليتي Nummulitic Limestone: وهو أشد صلابة من الطباشير، وأهم مميزاته أنه مكون من محارات مستديرة متماسكة تشبه في مظهرها قطع النقود المعدنية. وقد تكونت أغلب طبقاته خلال عصر الأيوسين الذي يشتهر لهذا السبب باسم عصر النوموليت. وهو يظهر في بعض الأماكن على منحدرات جبال المقطم وفي الهضاب المطلة على وادي النيل ابتداءًا من جنوب القاهرة حتى مدينة قنا "انظر شكل 37".

_ 1 أعمدة الاستالاكتبت هي الأعمدة التي تهبط من أعلى الكهف وأعمدة الاستلاجميت هي التي ترتفع فوق قاعه إلى أعلى، وكلاهما يتكون نتيجة لتكرار ترسيب الجير في المواضع التي تميل نقط المياه التي تحمله إلى التجمع فيها.

شكل "35" الأعمدة الهابطة "استالاكيت" والأعمدة الصاعدة "استالاجميت" في أحد كهوف مناطق الصخور الجيرية الحجر الجيري الأوليتي "أو المحبب" Oolitie Limestone وهو نفس الحجر الذي يطلق عليه أحيانًا اسم الحجر الجيري البطارخي؛ لأنه يتكون من حبات الرمل الجيرية المستديرة التي تشبه بيض السمك، وتتكون كل حبة من هذه الحبات من نواة دقيقة جدًّا من الرمل أو فتات القواقع، وتحيط بها طبقات رقيقة

جدًّا من الجير الذي يترسب فوقها على دفعات نتيجة لتكرار تبللها بالماء المحمل بالجير ثم تبخر هذا الماء، وهذه الحبات هي التي تتكون منها الرمال البحرية الجيرية، وهي رمال خشنة مختلفة عن الرمال الصحراوية الكوارتزية. وتعمل الرياح في كثير من المناطق على توزيع هذه الرمال أو تجميعها في سلاسل من الكثبان التي تمتد على طول بعض الشواطئ. وقد تتماسك رمال هذه الكثبان بمرور الزمن نتيجة لترسيب الجير بين حباتها؛ فتتحول بالتدريج إلى الحجر الجيري الأوليتي. وهو يتميز بمقدرته الكبيرة على خزن المياه؛ ولذلك فإنه يعتبر مصدرًا مهمًا للمياه الجوفية في المناطق الساحلية؛ فعلى طول الساحل الشمالي لصحراء مصر العربية وشمال ليبيا مثلًا يعتمد الأهالي اعتمادًا أساسيًّا في حياتهم على المياه المخزونة في طبقات هذا الحجر. وتكون هذه المياه غالبًا قريبة من السطح. ويمكن الوصول إليها بحفر آبار تتراوح أعماقها بين مترين وأربعة أمتار. الدولوميت Dolomite: وهو حجر جيري مكون من اختلاط الجير "كربونات الكالسيوم" بكربونات الماغنسيوم بنسب متعادلة تقريبًا. وهو يتكون غالبًا في مناطق البحيرات والمستنقعات التي تحتوي مياهها على كربونات الماغنسيوم؛ إذ أن هذه المياه تؤثر على الصخور الجيرية المجاورة لها فتحل كربونات الماغنسيوم محل قسم من كربونات الكالسيوم. الصخور المرجانية: وهي صخور جيرية صلبة تتكون في بعض البحار المدارية الضحلة بواسطة حيوان المرجان Coral. وهي في جملتها عبارة عن المساكن التي يبينها هذا الحيوان لنفسه من الجير الذي يستخلصه من ماء البحر، وهي توجد عادة متجمعة في مستعمرات كبيرة تزيد أحجامها بالتدريج ببناء مساكن جديدة وبتراكم هياكل الحيوانات المرجانية التي تموت فيها أو حولها. وهذه المستعمرات هي التي تشتهر باسم "الشعاب المرجانية Coral Reefs". ويشترط لحياة المرجان عدة شروط أهمها: أن تكون المياه ضحلة بحيث لا يزيد عمقها عن 50 مترًا، وأن تكون دافئة بحيث لا تقل درجة حرارتها عن 20 ْ مئوية، وألا تصل إليها من اليابس مياه عذبة مختلطة بالرواسب الطينية.

"شكل 36" قواقع الفورامينيفرا التي يتكون منها الحجر الطباشيري كما تبدو تحت المجهر "شكل 37" حجر جيري نوموليتي

ويعتبر البحر الأحمر من أحسن الأمثلة لهذا النوع من البحار؛ ولذلك فإن سواحله تكتنفها كثير من الشعاب المرجانية، وهي من الأخطار التي تتعرض لها الملاحة أمام هذه السواحل. ومع ذلك فإن أكثر نطاق من الشعاب المرجانية في العالم هو النطاق الذي يمتد لمسافة 1500 كيلو متر في غرب المحيط الهادي في اتجاه شمالي جنوبي تقريبًا بالقرب من السواحل الشمالية الشرقية لاستراليا. وهذا النطاق هو الذي اشتهر باسم "الحاجز المرجاني العظيم Great Barrier Reef، ويبلغ عرضه في المتوسط حوالي 18 كيلو مترًا. وقد تكونت في بعض المواضع الضحلة في المحيطين الهادي والهندي سلاسل من الجزر المرجانية التي تكونت من الشعاب التي بناها على حافات بعض الجبال، التي توجد في قاع المحيط، والتي تقترب قممها من سطح الماء؛ بحيث تتكون فوقها مناطق بحرية ضحلة، وتتكون من هذه الشعاب حلقات من الجزر التي تتوزع على الأطراف الخارجية لهذه القمم. ويطلق على كل حلقة من هذه الحلقات اسم الأتول Atoll أي الجزر الحلقية، وهي تحصر بداخلها مناطق بحرية ضلحة.

"شكل 38" الشعاب المرجانية في البحر الأحمر

ثانيًا: الصخور الرملية Sandstones لا تقل هذه الصخور أهمية من تركيب القشرة الأرضية عن الصخور الجيرية؛ ولكنها تختلف عنها في نوع الرواسب التي كونتها؛ فبينما تتكون الصخور الجيرية عمومًا من رواسب بحرية فإن الصخور الرملية تتكون من رمال قارية كوارتزية متخلفة من تفتت الصخور النارية بفعل التجوية، ومع ذلك فإن تكون الحجر الرملي يلزم له دائمًا ترسيب مادة لاصقة بين حبات الرمل، مثل كربونات الكالسيوم "الجير" أو أكسيد الحديد أو السيليكا، ويستمد الحجر كثيرًا من صفاته من هذه المادة؛ ولذلك فقد تكونت منه أنواع متباينة مثل الحجر الرملي الجيري Calcareous Sandstone الذي تماسكت رماله بواسطة الجير، والحجر الرملي الحديدي Ierruginos S الذي تماسكت رماله بواسطة أكسيد الحديد شكل "39" تكوين صخور مرجانية على أطراف قمة جبلية المحاطة شكل "40" جزر مرجانية حلقية "أتول"

أكسيد الحديد، والحجر الرملي السيليكي Ciliceous S. الذي تماسكت رماله بواسطة السيليكا. وأقل هذه الأنواع صلابة هو الحجر الرملي الجيري، أما أشدها صلابة فهو الحجر الرملي الحديدي الذي يأخذ عادة لون أوكسيد الحديد الأحمر، ويتكون منه في مصر الجبل الأحمر، وهو جبل صغير موجود إلى الشرق من القاهرة. ونظرًا لشدة صلابة هذا الحجر فقد يطلق عليه أحيانًا اسم حجر الخراسان، وهو يستخدم بكثرة في رصف الطرق وفي صناعة أحجار الطواحين. من أهم مميزات الصخور الرملية عمومًا أنها كبيرة المسام؛ ولذلك فإنها هي أكثر أنواع الصخور نفاذية للماء "Permeability" وأقدرها على تخزين كميات كبيرة منه. والواقع أن أعظم خزانات المياه الجوفية في العالم توجد في طبقات هذه الصخور. ومع ذلك فإن هذه الصخور تتباين فيما بينها تباينًا كبيرًا من حيث مقدرتها على نفاذية المياه وتجميعها. وتتوقف هذه المقدرة بصفة خاصة على حجم الحبة الرملية من ناحية وعلى وجود طبقة صماء تحتها لمنع تسرب مياهها إلى أسفل من ناحية أخرى. وكما كانت الحبات الرملية كبيرة كان الصخر أكثر نفاذية. وتنقسم الرمال عادة على أساس حجم حياتها إلى ثلاث درجات هي: 1- الرمال الناعمة Finc ويتراوح قطر حباتها بين 0.05 و 0.1 ملليمتر. 2- الرمال المتوسطة Meduim ويتراوح قطر حباتها بين 0.1 و 0.75 ملليمتر. 3- الرمال الخشنة Course ويتراوح قطر حباتها بين 0.75 و 3.5 ملليمتر. ومعنى ذلك أن قطر حبات الرمل عمومًا يتراوح بين 0.05 و 2.5 ملليمتر؛ فإذا ما قل قطر الحبات عن 0.05 من المليمتر فإن الرواسب تعتبر من الرواسب الطينية أو الصلصالية، وإذا زاد قطرها عن 2.5 ملليمتر فإنها تدخل في باب الحصى.

ويعتبر الحجر الرملى النوبي Nubian Sandstone من أشهر أنواع الأحجار الرملية وأوسعها انتشارًا. وتمتد طبقاته تحت سطح الأرض في كل نطاق الصحراء الكبرى ونطاق السودان في إفريقية، وتواصل امتدادها كذلك في كل البلاد العربية تقريبًا في غرب آسيا. وتعتبر هذه الطبقات من أعظم خزانات المياه الجوفية في العالم، وهي المصدر الذي تستمد منه معظم واحات العالم العربي وشمال إفريقيا المياه اللازمة لعمرانها. ويتميز هذا الحجركذلك بشدة صلابته. وقد تكونت معظم طبقاته في أواخر الزمن الجيولوجي الأول وأوائل الزمن الجيولوجي الثاني. الصخور الطينية Mudstones: وهي صخور واسعة الانتشار في مناطق السهول الفيضية والوديان النهرية والبحيرات العذبة القديمة والحديثة، وأهم ما يميزها عن الصخور الرملية أنها دقيقة الحبيبات، ولا يزيد قطر حبيباتها عمومًا عن 0.05 من المليمتر "كما سبق أن ذكرنا". وأشد أنواع الطين Mud "أو الغرين Silt" نعومة هو الصلصال الذي لا يزيد قطر حبيباته عن 0.02 من المليمتر. ونظرًا لدقة حبيبات هذه الصخور بالنسبة للصخور الرملية؛ فإنها تكون أكثر منها مسامية More Porous بمعنى أن عدد المسام التي توجد في أي كتلة منها يكون أكبر بكثير من عدد المسام الموجودة في كتلة مساوية لها من الصخور الرملية، ومع ذلك فإن هذه المسام تكون دقيقة بدرجة لا تسمح للماء أو غيره من السوائل أن ينفذ خلالها أو أن يتجمع فيها، وعلى هذا الأساس فإن الصخور الطينية تكون عادة عديمة النفاذية حتى أنها تبدو صماء Unpermeable بينما تكون الصخور الرملية كبيرة النفاذ Permeable، على الرغم من أن الصخور الرملية أقل مسامية Less Porous من الصخور الطينية. ونظرًا لدقة حبيبات الطين فإنه يمكن أن يتماسك لمجرد وقوعه تحت الضغط أو لمجرد جفافه إن كان مبللًا. والصخور الطينية عمومًا قليلة الصلابة جدًّا إذا ما قورنت بمعظم الصخور الرسوبية الأخرى

وتحتوي المواد الطينية على مركبات من سيليكات الألومينيوم التي تتحلل من معادن الفلسبار "المستمدة من نفس الصخور" مثل الكوارتز والميكا. وتأخذ المواد الطينية ألوانًا مختلفة على حسب نوع الصخور التي استمدت منها ونوع المواد الأخرى التي تختلط بها؛ فقد يميل لونها إلى البياض إذا كانت مختلطة بمواد جيرية، أو إلى الاحمرار إذا اختلطت بها أكاسيد حديدية، أو إلى السواد أو الاخضرار إذا اختلطت بها أكاسيد منجنيزية أو مواد نباتية متحللة، أو الاصفرار إذا اختلطت بها رمال كوارتزية ناعمة. والمعروف أن مناطق التربات الطينية هي أهم مناطق الإنتاج الزراعي في العالم؛ ولكنها تتباين فيما بينها على حسب نوع المواد الأخرى التي تختلط بها فتقلل أو تزيد من خصوبتها، ومن أشهر أنواعها التربة السوداء التي تختلط بها كثير من المواد العضوية المتحللة، والتربة الحمراء التي تختلط بها أكاسيد حديدية، والتربة الصفراء التي تختلط بها الرمال. والواقع أن اختلاط التربة الطينية بنسبة من الرمال أمر ضروري لتسهيل نفاذ الماء فيها وتسهيل مهمة حرثها، وتوصف مثل هذه التربة بأنها تربة خفيفة، أما التربة الطينية التي تخلو من الرمال فتوصف بأنها تربة ثقيلة، وتكون فلاحتها صعبة نسبيًّا بسبب شدة تماسكها وعدم نفاذ الماء فيها. وتوجد الصخور الطينية في الطبيعة في طبقات يتباين سمكها على حسب كمية المواد الطينية المترسبة وتغير ظروف الإرساب من وقت إلى آخر؛ فإذا ترسبت المواد الطينية بكميات كبيرة في فترات طويلة ولم تتغير ظروف الإرساب تغيرًا يذكر خلال كل فترة من هذه الفترات فإن الطبقة المتكونة تكون عظيمة السمك، أما إذا حدث الترسيب في فترات قصيرة تفصل بينها فترات يتوقف فيها الإرساب، أو إذا كانت ظروف الإرساب كثيرة التغير؛ فإن الطبقات المتكونة تكون عادة رقيقة؛ بل إنها قد تكون في بعض الحالات رقيقة جدًّا بدرجة تجعلها أشبه بالأوراق المتلاصقة. ويتكون منها في هذه الحالة نوع خاص من الحجر الطيني يطلق عليها اسم الحجر الطيني الورقي أو الصفائحي Shale.

الصخور المتحولة

ثالثاً: الصخور المتحولة Metamorphic Recks. المقصود بهذه الصخور هي الصخور التي كانت في الأصل صخورًا نارية أو رسوبية ولكنها تعرضت لظروف مختلفة عن الظروف التي نشأت فيها فأعيد تبلورها وتحولت إلى صخور جديدة تختلف في بعض صفاتها الرئيسية "مثل درجة الصلابة وشكل البلورات وترتيبها" عن الصخور الأصلية التي تحولت منها؛ بل وكثيرًا ما تضاف إليها أثناء عملية التحول مواد معدنية جديدة لم تكن موجودة في الصخر الأصلي. وأهم العوامل التي تسبب التحول Metamorphism هي الحرارة الشديدة إما بمفردها أو مع الضغط الشديد، وعلى هذا الأساس يقسم التحول إلى نوعين رئيسيين هما: 1- التحول بالحرارة Thermal Metamorohism: ويحدث نتيجة لتعرض الصخور إلى حرارة شديدة تؤدي إلى انصهارها أو حرقها ثم إعادة تبلورها، ويحدث هذا عندما تندفع في وسط هذه الصخور كتل نارية مثل الباثوليث واللاكوليث والسدود. وقد يؤدي هذا التحول إلى تكوين معادن جديدة في الصخر. وخصوصًا في أجزائه الملاصقة للكتلة النارية. وتتوقف كمية التحول ودرجته على تركيب الصخر المتحول نفسه وعلى حجم الكتلة النارية المندفعة في وسط ومقدار ما يوجد بها من محاليل؛ إذ إن وجود مثل هذه المحاليل يساعد على التحول وعلى تكوين المعادن الجديدة. وتتميز الصخور التي تتحول بهذه الطريقة بكبر بلوراتها، ولذلك فإن نسيجها يكون غالبًا محببًا. ومن أمثلتها الرخام الذي يتحول من الحجر الجيري، والكوارتزيت الذي يتحول من الكوارتز. 2- التحول بالحرارة والضغط معًا: إن هذا النوع من التحول أكثر حدوثًا من التحول بالحرارة وحدها، وهو يحدث في نطاقات واسعة، ولذلك فإنه يعرف كذلك بالتحول الإقليمي. ومع ذلك فإن كمية الصخور المتحولة ودرجة تحولها تتوقف على شدة الحرارة وشدة الضغط اللذين تتعرض لهما الصخور وعلى

كمية المياه والمحاليل التي تساعد الصخور على التحول عندما تختلط بها. ويكون التحول بهذه الطريقة غالبًا أشد من التحول بالحرارة وحدها لأنه يؤدي إلى إعادة بلورة الصخر أو تكوين معادن جديدة فيه فحسب بل يؤدي في نفس الوقت إلى إعادة ترتيب بلوراته وترتيب معادنه في نظام جديد يتفق مع الظروف الجديدة. وقد يؤدي أيضًا إلى خروج بعض عناصره، ولذلك فإن الصخر الذي يتحول بهذه الطريقة يكون غالبًا مختلفًا اختلافًا يكاد يكون تامًا عن الصخر الأصلي الذي تحول ويرتبط هذا النوع من التحول بحركات القشرة الأرضية، وخصوصًا حركات الانثناء التي تتعرض بسببها طبقات الصخور للضغط الشديد الذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع درجة حرارتها. والصفة الغالبة في الصخور المتحولة بالضغط والحرارة معًا هي أن نسيجها يكون صفائحيًّا بسبب الضغط الذي يؤدي إلى ترتيب البلورات في صفوف وطبقات متوازية تقريبًا، ومن أهم الصخور المتحولة التي تتكون بهذه الطريقة النيس الذي يتحول غالبًا من الصخور النارية؛ إلا أنه قد يتحول كذلك من الصخور الرسوبية، ثم الشيست الذي يتحول من الصخور النارية، ثم الأردواز الذي يتحول عادة من الصخور الطينية. أمثلة للصخور المتحولة المشهورة: 1- النيس Gneiss: وهو في الغالب متحول من الصخور النارية وخصوصًا من الجرانيت؛ ولكنه قد يكون متحولًا في بعض الأحيان من الصخور الرسوبية، ويكون تركيبه المعدني عادة متشابهًا مع تركيب الصخر الذي تحول منه. ويكون نسيجه خشنًا بسبب كبر بلوراته نسبيًّا، وتكون هذه البلورات في بعض أنواع هذا الصخر مرتبة في طبقات أو صفوف متصلة أو متقطعة. وقد تكون كل طبقة أو كل صف من الصفوف مكونة من معدن واحد من المعادن التي تدخل في تركيب الصخر؛ ففي النيس المتحول من الجرانيت مثلًا نجد صفوفًا من الميكا متعاقبة مع صفوف أخرى من الكوارتز والفلسبار ويسمى النيس عادة باسم الصخر الذي

تحول منه، أو باسم المعدن السائد فيه؛ فهناك مثلًا نيس جرافيت، ونيس مسكوفيت "نسبةإلى الميكا السوداء"، ونيس هورنبلند وهكذا. 2- الشيست Schist: وهو يشبه النيس في أنه متحول غالبًا من الصخور النارية. وقد اشترك في تحوله عاملا الضغط والحرارة الشديدان؛ ولكنه يتميز عن النيس بصغر بلوراته التي تكون مرتبة في صفائح متلاصقة يمكن فصل بعضها عن بعض على طول سطوح متوازية، وتوجد من هذا الصخر أنواع يختلف بعضها عن بعض على حسب نوع الصخر الذي تحول منه، وعلى حسب المعادن السائدة فيه؛ فمنه على سبيل المثال شيست الميكا وفيه تسود الميكا التي تظهر في صفائح واضحة ذات سطوح متوازية، وشيست الهورنبلند، وشيست الجرافيت. وعلى أي حال فإن الصخر يكون مكونًا من أكثر من معدنين من هذه المعادن. 3- الأردواز Slate: وهو متحول من الصخور الطينية، ويختلف لونه تبعًا لاختلاف ألوان هذه الصخور؛ فمنه الأردواز الأسود وهو النوع الشائع، ومنه الأردواز الأحمر والأخضر. وهو مكون من طبقات رقيقة يلتصق بعضها ببعض على طول سطوح متوازية. وهو يتشقق على طول هذه السطوح، ويدل ترتيب طبقاته على أن تحوله قد حدث بسبب الحرارة والضغط معًا، وهو ذو نسيج حبيبي دقيق، ويمكن استخدامه في أغراض كثيرة مثل صناعة السبورات وألواح الكتابة وتغطية سقوف المباني في الأقاليم المطيرة. 4- الرخام Marble: وهو متحول من الحجر الجيري بسبب الحرارة الشديدة التي يتعرض لها عندما تندفع بين طبقاته مواد جوفية منصهرة؛ ولذلك فإنه يوجد حول السدود والعتبات واللاكوليث وغيرها من تكوينات الصخور النارية المتدخلة؛ حيث يؤدي اندفاع المواد المنصهرة إلى انصهار الصخور الجيرية الملاصقة لها وإلى تبلورها أثناء برودتها وتحولها إلى صخر متبلور جديد هو الرخام. وتكون البلورات مكونة عمومًا من حبيبات الكالسيت وقد تكون هذه الحبيبات دقيقة جدًّا في بعض أنواع الجرانيت بحيث لا تسهل رؤيتها بالعين المجردة؛ بينما تكون في بعضها الآخر كبيرة لدرجة تعطي للصخر نسيجًا خشنًا نقيًّا. واللون الغالب في الرخام هو

اللون المائل إلى البياض إذا كان نقيًّا، ولكنه قد يوجد كذلك بألوان أخرى تميل إلى السواد أو الاخضرار أو الاحمرار إذا ما اختلطت به شوائب ملونة مثل أكاسيد المنجنيز أو الحديد. وهو يشبه الحجر الجيري في أنه يتفاعل مع حامض الهيدروكلوريك، وتنطلق منه فقاعات من ثاني أكسيد الكربون عند حدوث هذا التفاعل. 5- الكوارتزيت Quartizite: وهو متحول من الحجر الرملي بطريقة مشابهة للطريقة التي يتحول بها الحجر الجيري إلى رخام؛ أي نتيجة لاندفاع مواد جوفية منصهرة بين تكويناته؛ حيث يؤدي ذلك إلى انصهار الصخر وإعادة تبلوره، وفي هذه الحالة تتماسك حبات الكوراتز تماسكًا شديدًا جدًّا بواسطة السيليكا التي تترسب بينها، ويكون الصخر لهذا السبب شديد الصلابة جدًّا، وإذا حدث فيه كسر؛ فإن الكسر يخترق حبات الكوارتز نفسها بسبب شدة تماسكها، وذلك بخلاف الصخر الرملي الذي إذا كسر فإن الكسر يتوزع حول هذه الحبات. ويميل الكوارتزيت عادة إلى البياض إلا إذا اختلطت به شوائب ملونة تعطيه ألوانًا أخرى مثل الأسود والأحمر.

اليابس والماء من سطح الكرة الأرضية

اليابس والماء من سطح الكرة الأرضية المحيطات والقارات كمرتبة من مراتب التضاريس مدخل ... 2-3-اليابس والماء من سطح الكرة الأرضية. المحيطات والقارات كمرتبة من مراتب التضاريس: إن كلمة تضاريس Orography أو Relief بمعناها العام تشمل كل ما على سطح الأرض من ارتفاعات وانخفاضات أيًّا كان أحجامها وأشكالها، وعلى هذا الأساس فإن كثيرًا من الجغرافيين يدخلون القارات والمحيطات ضمن مظاهر التضاريس ويعتبرون أنها هي أكبر المظاهر التضاريسية، ومنها تتدرج هذه المظاهر إلى المظاهر الأصغر حتى تصل إلى أصغر الأشكال التي يمكن أن نجدها في مواضع صغيرة على سطح الأرض. ومن أمثلتها التموجات التي تظهر على سطح الرمال أو التجاويف والنتوءات الصغيرة التي توجد على سطح الصخور. ونظرًا لهذا التفاوت الكبير بين كل هذه المظاهر والأشكال من حيث أحجامها والعوامل التي ساهمت في نشأتها وتطورها؛ لم يعد من السهل دراستها كلها في باب واحد؛ ولذلك فإن الجغرافيين يقسمونها عادة إلى ثلاث مراتب هي:

تضاريس المرتبة الأولى

1- تضاريس المرتبة الأولى: وتشمل كتل اليابس من ناحية وأحواض المحيطات والبحار الكبرى من ناحية ثانية.

تضاريس المرتبة الثانية

2- تضاريس المرتبة الثانية: وتشمل المظاهر الرئيسية التي توجد ضمن تضاريس المرتبة الأولى وأهمها الجبال والهضاب والسهول والأحواض النهرية والبحيرات والبحار الداخلية. وهذه المظاهر هي التي تقصدها عادة عند الكلام على التضاريس، وتعتبر دراستها من أهم الموضوعات الجغرافية؛ لأنها تعتبر من أهم المظاهر الطبيعية لسطح الأرض فحسب؛ بل لأنها تدخل كذلك بطرق مباشرة وغير مباشرة في كل النواحي الجغرافية الأخرى. سواء منها ما هو طبيعي مثل المناخ والنبات وتصريف المياه، أو ما هو بشري مثل

الإنتاج الزراعي والمواصلات وتوزيع السكان وتخطيط الحدود وغير ذلك من مظاهر الحياة البشرية.

تضاريس المرتبة الثالثة

3- تضاريس المرتبة الثالثة: وتشمل جميع الأشكال الصغيرة التي توجد في داخل تضاريس المرتبة الثانية بما في ذلك أصغر الأشكال وأدق التفاصيل التي تسببها العوامل الجوية، وحركة الرياح أو المياه الجارية أو الجليد، وهذه الأشكال هي التي يختص بدراستها وتحليلها علم الجيومورفولوجيا Geomorphology الذي ظهر في أواخر القرن التاسع عشر ثم أخذ يتطور بسرعة حتى أصبح يحتل في الوقت الحاضر مركزًا مهمًا بين العلوم الجغرافية بصفة عامة وعلوم الجغرافيا الطبيعية بصفة خاصة. وعلى الرغم من أن ما نقصده عادة عن الكلام على التضاريس هو تضاريس اليابس فقط؛ فليس معنى ذلك أن قيعان البحار والمحيطات خالية من مثل هذه التضاريس؛ إذ أنها تحتوي على كثير من المظاهر التضاريسية الكبيرة والمتباينة، ومن بينها كثير من الأخاديد العميقة والجبال المرتفعة. وكل ما هنالك هو أنها تكون غالبًا مغمورة تحت سطح الماء وليست لها علاقات مباشرة بمظاهر الجغرافيا الطبيعية أو البشرية على سطح اليابس، وهذا هو ما يبعدها غالبًا عن مجال الدراسات الجغرافية في الوقت الحاضر.

بعض فرضيات نشأة المحيطات والقارات

بعض فرضيات نشأة المحيطات والقارات مدخل ... بعض فرضيات نشأة المحيطات والقارات: كما أن نشأة الكرة الأرضية ما زالت محلًا للجدل؛ فإن نشأة القارات والمحيطات مازالت هي الأخرى لمثل هذا الجدل، وأهم الفرضيات التي وردت بهذا الخصوص هي:

الفرضية التتراهيدية

1- الفرضية التتراهيدية Tetrahedral Hypothesis: ومعناها فرضية الشكل الهرمي، وصاحبها هو الباحث البريطاني لوذيان جرين Lothian Green الذي اقترحها سنة 1875 وملخصها هو أن سطح الكرة الأرضية يتفق في مظهره

العام مع شكل هرم ثلاثي قاعدته في الشمال ورأسه في الجنوب، وأن القارات تحتل الحافات والأركان البارزة للهرم؛ بينما تحتل المحيطات جوانبه المسطحة. وقد لقيت هذه النظرية عند ظهورها قبولًا لدى كثير من الباحثين لأنهم: 1- وجدوا فيها لا تفسيرًا معقولًا للشكل العام الذي تأخذه معظم القارات، وهو شكل المثلثات التي تقع رءوسها في الجنوب، وقواعدها في الشمال، وهو ما يبدو واضحًا بصفة خاصة بالنسبة لقارات إفريقيا وأمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية. 2- أنها تتمشى مع نظرية من النظريات الهندسية المعروفة، وهي أن النسبة بين مساحة قشرة أي جسم وحجمه تنخفض إلى أصغر رقم لها إذا كان هذا الجسم كرويًّا؛ فإذا ما أخذ حجم هذا الجسم في التناقص لأي سبب من الأسباب مع بقاء مساحة قشرته ثابتة فإن شكله يأخذ في التغير وتتزايد تبعًا لذلك النسبة بين مساحة قشرته وحجم جسمه. وآخر شكل يمكن أن يتحول إليه هذا الجسم هو شكل الهرم الثلاثي؛ فمن المعروف أن الهرم الثلاثي هو الشكل الهندسي الذي تتمثل فيه أعلى نسبة بين مساحة القشرة والحجم. وعلى هذا الأساس يعتقد صاحب النظرية أن حجم الكرة الأرضية ظل يتناقص بسبب البرودة لمدة طويلة بعد أن كانت قشرتها قد بردت وثبتت مساحتها تقريبًا، وكان لا بد لهذه القشرة أن تتجعد لتتلاءم مع تناقص الحجم وانتهى الأمر بتحولها إلى ما يشبه الهرم الثلاثي. وبعد أن تكونت المياه على سطح الكرة كان من الطبيعي أن تتجمع فوق الأسطح المنخفضة للهرم فتكونت منها المحيطات؛ بينما ظلت الحافات البارزة جافة وتكونت منها القارات التي كانت متسعة في الشمال بسبب امتدادها مع الحافات الثلاث لقاعدة الهرم وضيقة في الجنوب بسبب تناقص حجم الهرم كلما اتجهنا نحو قمته "انظر الشكلين 41، 42".

فرضية لابويرث

فرضية لابويرث G Lapwoth: إن رأي هذا الباحث "البريطاني" يشبه رأي لوذيان جرين صاحب النظرية التتراهيدية من حيث الفكرة المبدئية التي بني عليها، وهي أن الأرض كانت في أول أمرها حارة رخوة ثم أخذت تبرد

شكل "41" توزيع اليابس والماء على سطح الكرة الأرضية على حسب النظرية التيتراهيدية. شكل "42" العلاقة بين الكرة والهرم إذا وضع أحدهما داخل الآخر. بالتدريج، وترتب على ذلك تناقص حجمها وتقلص قشرتها؛ ولكن لابويرث لا يرى مبررًا للاعتقاد بأن هذا التقلص أدى إلى إعطاء القشرة أي شكل هندسي معين؛ وإنما أدى إلى تجعدها بغير نظام خاص، كما يحدث لثمرة التفاح، عندما تجف وتتجعد قشرتها. فبنفس الطريقة تجعدت قشرة الأرض فانخفضت أجزاء من سطحها، وشغلتها البحار والمحيطات، بينما بقيت أجزاؤه الأخرى مرتفعة فتكونت منها القارات.

ويمكننا أن نتفهم رأي لابويرث إذا لاحظنا أن أعماق المحيطات وارتفاعات الجبال لا تمثل في الحقيقة إلا تجاعيد بسيطة جدًّا لو نظرنا إليها بمقاييس الكرة الأرضية؛ فإذا كان الفرق بين أعلى قمة على اليابس وأعمق بقعة في المحيطات هو 20 كيلو مترًا تقريبًا، فإن هذا الفرق يمثل 12750/20 أو 637.5/1 تقريبًا من قطر الكرة الأرضية، فلو أننا مثلنا هذه الكرة بدائرة قطرها 637.5 سنتيمتر فإن الخط الذي يمثل محيطها يجب أن يكون سمكه سنتيمترًا واحدًا على الأكثر, والمفروض هو أن تكون كل المرتفعات وكل المنخفضات الموجودة على سطح الكرة الأرضية ممثلة بداخله. وهكذا فإن النسبة بين تجاعيد سطح الأرض وحجمها لا تكاد تختلف في الواقع عن النسبة بين تجاعيد التفاحة وحجمها.

فرضية زولاس

فرضية زولاس Sollas: يختلف رأي هذا الباحث الفرنسي اختلافًا جوهريًّا عن الرأيين السابقين؛ فعلى الرغم من أنه يتفق معهما في أن الكرة الأرضية كانت في أول أمرها رخوة؛ فإنه يرى أن السبب في تجعد سطحها يرجع إلى تباين الضغط الجوي الذي كان واقعًا على أجزائها المختلفة عند بدء تكونها. فقد كانت بعض المناطق واقعة تحت ضغط مرتفع وبعضها الآخر تحت ضغط منخفض، ونظرًا لأنها كانت لا تزال رخوة نوعًا ما؛ فقد هبطت المناطق التي وقعت تحت الضغط المرتفع وتكونت منها المحيطات؛ بنيما بقيت المناطق التي وقعت تحت الضغط المنخفض مرتفعة وتكونت منها القارات. والخلاصة أن نشأة القارات والمحيطات ما زالت الآن محلًا للمناقشة شأنها في ذلك شأن نشأة الأرض نفسها، وذلك على الرغم من أن الباحثين اعتمدوا في محاولاتهم لتفسير نشأة المحيطات والقارات على حقائق ملموسة مثل شكل السواحل وأعماق المحيطات، وأنواع الرواسب التي توجد في هذه الأعماق ومقارنتها بالرواسب القديمة التي توجد على اليابس؛ بينما لم تستند النظريات التي تعرضت لتفسير نشأة الأرض إلى حقائق علمية ملموسة من هذا النوع.

نظرية الزحف القاري

نظرية الزحف القاري Continental Drift: على الرغم من أن اليابس والماء كانا، كما ذكرنا، موجودين جنبًا إلى جنب على سطح الكرة الأرضية منذ أقدم العصور الجيولوجية؛ فإن توزيعهما كان يتعرض لتغيرات كبيرة خلال بعض العصور نتيجة لعوامل مختلفة، من أهمها حركات الزحف التي يعتقد بعض الباحثين أنها حدثت لكتل اليابس، والتي بلغت أشدها أثناء الزمن الجيولوجي الثاني. وكان الباحث الألماني الفريد فيجينر Alfred Wegener هو أول من تكلم سنة 1922 عن احتمال حدوث مثل هذا الزحف واقترح عندئذ نظريته التي اشتهرت باسم "نظرية الزحف القاري". وعلى الرغم من أن هذه النظرية لم تصادف قبولًا عند بعض الباحثين؛ فإنها ما زالت حتى الآن محتفظة بعظم أهميتها؛ لأنها تتمشى مع الحقائق المعروفة عن تركيب القشرة الأرضية، كما أنها تستطيع أن تفسر بعض أشكال السواحل المتقابلة على جوانب المحيطين الأطلسي والهندي، وأن تفسر كذلك بعض أوجه التشابه في التركيب الجيولوجي، وفي بعض المظاهر الحفرية في بعض المناطق المتقابلة على جانبي هذين المحيطين. وعلى أساس هذه النظرية يرى فيجنر أن اليابس كله كان متجمعًا خلال الزمن الجيولوجي الأول في كتلة واحدة وأطلق عليها اسم "بانجي Pangae" وقد كانت تضم قارتين رئيسيتين هما قارة جندوانا Gondwana في الجنوب وقارة لوراسيا Laurasia في الشمال. وكانت توجد بداخل هذه الكتلة بحار داخلية من أهمها بحر تيتيس Tethys الذي يمتد عمومًا بين الشرق والغرب وكان القسم الأكبر من كتلة بانجي واقعًا جنوب خط الاستواء حتى أنه كات يمتد حتى القطب الجنوبي. وفي أواسط الزمن الجيولوجي الثاني أخذت قارتا جندوانا ولوراسيا في التمزق نتيجة لحدوث سلسلة من الانكسارات على أطرافها، وبدأت أجزاء كبيرة منها في الزحف بعيدًا عن الكتلتين الأصليتين على طول هذه الانكسارات. وقد سارت حركات الزحف في ثلاثة اتجاهات رئيسية أحدها نحو الشمال، والثاني نحو الشرق، والثالث نحو الغرب.

شكل 43 توزيع الماء واليابس في ثلاثة عصور جيولوجية

أما الزحف نحو الشمال فقد أدى بالتدريج إلى انتقال معظم اليابس بعيدًا عن القطب الجنوبي، فيما عدا الكتلة التي تكونت منها القارة القطبية الجنوبية "أنتاركتيكا" فقد كانت هذه القارة جزءًا من جندوانا لاند؛ ولكنها تخلفت في مكانها بعد أن زحفت جندوانا لاند مع بقية اليابس نحو الشمال. وهناك أدلة قوية على حدوث هذا الزحف منها: 1- العثور في جنوب أوروبا ووسطها على رواسب قديمة من الأنواع التي لا توجد إلا في الأقاليم الحارة، ومن أهمها تكوينات من تربة اللاتيريت Laterite، وهي التربة الحمراء التي تتميز بها الأقاليم الاستوائية في الوقت الحاضر. 2- العثور في نفس الأقاليم على هياكل وبقايا كثيرة لحيوانات قديمة من الأنواع التي لا تعيش إلا في الجو الحار مثل الفيل والخرتيت والنمر والأسد وغيرها. 3- العثور على كثير من آثار النحت والإرساب الجليدي التي ترجع إلى أواخر الزمن الجيولوجي الأول في جنوب إفريقيا واستراليا والهند والبرازيل، وهي المناطق التي انسلخت من "جندوانا لاند" ومن الواضح أن وجود مظاهر المناخ المداري في أوروبا ومظاهر المناخ القطبي في جنوب إفريقية يعتبر دليلًا قويًّا على أن اليابس كان أبعد إلى الجنوب منه في الوقت الحاضر؛ حتى أن خط الاستواء كان في ذلك الوقت أي في أواخر الزمن الجيولوجي الثاني يمر في وسط أوروبا تقريبًا؛ بينما كان جنوب إفريقية قريبًا من المنطقة القطبية الجنوبية. أما الزحف نحو الشرق فقد أدى إلى انفصال الأجزاء التي كونت معظم استراليا وهضبة الدكن، وشبه الجزيرة العربية عن كتلة جندوانا؛ بينما أدى الزحف نحو الغرب إلى انفصال الكتلة التي تكونت منها أمريكا الجنوبية، كما أدى نفس

هذا الزحف إلى انفصال الكتلتين اللتين كونتا جرينلاند وأمريكا الشمالية عن كتلة لوراسيا؛ بينما بقي القسم الأكبر من قارتي أوروبا وآسيا. شكل "44" إمكانية تطابق السواحل المطلة على المحيط الأطلسي، ويظهر التطابق واضحًا بصفة خاصة على منسوب خط عمق 500 متر "المبين بالشُّرط"، وتبين الشرط السميكة المناطق التي كانت القارات ملتصقة عندها، على حسب نظرية الزحف القاري. وبنفس الطريقة كان القسم الأكبر من جندوانا لاند قد بقي وتكونت منه إفريقيا.

وتنقسم الأدلة التي أوردها فيجينر على حدوث الزحف في هذين الاتجاهين إلى قسمين هما: 1- أن اتجاهات وتعاريج السواحل المتقابلة على جانبي المحيط الأطلسي وعلى جانبي المحيط الهندي تجعل من الممكن أن تتداخل هذه السواحل بعضها في بعض بصفة عامة إذا قدر لها أن تتزحزح لتتقابل من جديد؛ مما يوحي بأنها تمثل الجوانب المتقابلة لتصدعات طولية واحدة. ويبدو هذا واضحًا بصفة خاصة بالنسبة لسواحل شمال شرق أمريكا الجنوبية، والسواحل المقابلة لها على خليج غانا بإفريقيا. 2- أن هناك بعض التشابه بين التركيبات الجيولوجية والآثار الجيومورفولوجية التي ترجع إلى الزمنين الأول والثاني في المناطق المتقابلة التي تفترض نظرية الزحف القاري أنها كانت أجزاءً من جندوانا لاند أو من لوراسيا. وفضلًا عن ذلك فقد عثر في بعض رواسب الزمن الجيولوجي الأول في جنوب إفريقيا والبرازيل والهند وأستراليا على حفريات لأنواع خاصة من القواقع التي لا تستطيع الانتقال عبر مياه البحار. ولذلك فإن وجودها في هذه المناطق المتباعدة يعتبر دليلًا قويًّا على أنها كانت متصلة ببعضها. ومع ذلك فإن بعض الباحثين مثل هولمز A. Holmes لم يقتنعوا بهذه الأدلة لعدة أسباب منها: 1- أن هناك احتمالًا كبيرًا بألا تكون السواحل الحالية هي نفس السواحل التي كانت موجودة عند بدء حركة الزحف؛ لأن تأثرها بعوامل التشكيل الفيزغيرافي المختلفة خلال مئات الملايين من السنين كان كفيلًا بتغيير أشكالها. 2- أن هناك كتلًا ضخمة من السايال "التي تتكون منها كتل اليابس الممتدة فوق قاع المحيط الأطلسي في نطاق طويل من الشمال إلى الجنوب؛ فلو فرض وسلمنا بصحة نظرية الزحف القاري فمن الممكن أن تكون هذه الكتل مجرد أجزاء متخلفة من الكتل اليابسة التي واصلت زحفها نحو الغرب1؛ فلو فرضنا أن

_ 1 يحتمل أن تكون هذه الكتل الغاطسة هي بالفعل بقايا أرض قديمة اختفت منذ زمن بعيد تحت سطح الماء بسبب الحركات الأرضية، وأن تكون هذه الأرض هي القارة القديمة التي أطلق عليها بعض علماء الجغرافية القديمة اسم "قارة أطلانطيس Atlantis" وقد ثبت من دراسة بعض مظاهر =

الأمريكيين وجرينلاند قد زحفت مرة أخرى نحو أوروبا وإفريقيا؛ فمن المرجح أن هذا الزحف سيؤدي إلى انضغاط الكتل الغاطسة، وإلى ظهورها بشكل نطاق من اليابس الذي يفصل السواحل المتقابلة الحالية عن بعضها؛ وبناء على هذا فلن يكون هناك محل للأخذ بفكرة التداخل التي سبقت الإشارة إليها. 3- على الرغم من وجود بعض التشابه في التركيب الجيولوجي والمظاهر الجيوموروفولوجية وفي بعض البقايا الحفرية بين بعض المناطق المتقابلة على جانبي المحيط الأطلسي؛ فقد تبين أن هناك اختلافًا في مظاهر الحركات التكتونية التي أوجدت المرتفعات القديمة على الجانبين، وأهمها الحركات التي أوجدت المرتفعات القديمة المقابلة لها في شرق أمريكا الشمالية حيث تبين أن هذه الحركات لم تكن متوافقة تمامًا مع بعضها. أسباب الزحف القاري ونظرية التيارات الصاعدة بالإضافة إلى أن الأدلة التي أوردها فيجنبر وأنصاره لتدعيم نظرية الزحف القاري حاول بعض الباحثين أن يجدوا تفسيرًا معقولًا للجانب الميكانيكي لعملية الزحف نفسها. وترتبط بهذا الجانب مشكلتان رئيسيتان هما: أولًا: مشكلة تحديد وضع القارات كجزء من القشرة الأرضية نفسها. ثانيًا: مشكلة تحديد القوة التي يمكنها أن تحرك هذه القارات. ففيما يختص بوضع القارات على سطح الكرة الأرضية تعود إلى ما سبق أن ذكرناه عن تركيب قشرتها؛ فقد ذكرنا أنها مكونة من طبقتين هما السيما وهي

_ = التصريف النهري القديم في ولاية نيو انجلاند بشرق الولايات المتحدة أن هذه المنطقة كانت تصل إليها في عهود قديمة أنهار ضخمة جدًّا من ناحية الشرق، أي من ناحية المحيط الأطلسي، وأن معظم رواسب هذه الولاية قد جاءت من هذا الاتجاه مما يدل على أنه كانت توجد في هذا المحيط أرض يابسة. وقد أطلق بعض الجيولوجيين الأمريكان على هذه الأرض اسم قارة أبلاشيا. وقد اختفت هذه القارة تحت سطح الماء نتيجة لعمليات النحت المستمرة التي نقلت كثيرًا من تكويناتها نحو الغرب، بالإضافة إلى بعض الحركات التكتونية التي أدت إلى هبوطها وأدت في نفس الوقت إلى ارتفاع إقليم نيو انجلاند، فترتب على ذلك انقلاب في نظام التصريف النهري، وأصبحت الأنهار تتصرف نحو الشرق بدلًا من انصرافها نحو الغرب، وهناك بعض الاحتمال بأن تكون قارة "أبلاشيا" هي نفسها قارة "أطلانطيس" وقد وجدت كذلك في اسكتلنده، أي على الجانب الشرقي للمحيط الأطلسي، رواسب فيضية وآثار تصريف نهري قديم كانت أنهاره تأتي من ناحية الغرب، أي من ناحية المحيط الأطلسي، ويعتبر هذا دليلًا آخر يؤيد فكرة وجود أرض يابسة قديمة في هذا المحيط.

الطبقة السفلى وكثافتها من 3 إلى 3.5 والسايال وهي الطبقة العليا وكثافتها من 2.5 إلى 3. وتتكون القارات والجزر الكبرى من السايال. وهي تسبح فوق السيما كما تسبح جبال الجليد في الماء، ولكن نظرًا لأن السيما شديدة الصلابة جدًّا؛ فإن كل ما يحدث فيها هو نوع من المرونة البسيطة التي تسمح لكتل السايال بالتعمق فيها والتحرك فوقها ولكن ببطء شديد جدًّا. شكل "45" نظرية التيارات الصاعدة

أما عن القوة التي أدت إلى حدوث هذا الزحف فيربطها هولمز1 بحركات التيارات الحرارية التي كانت تصعد من باطن الأرض نحو سطحها في مراحل برودتها الأولى؛ فعندما كانت التيارات تصل إلى السطح كان جزء منها ينطلق إلى الجو بينما كان أغلبها يتوزع على الجوانب مسببًا قوة شد عنيفة عند مركز التوزيع. وكانت هذه القوة هي المسئولة عن تصدع السايال وانقسامها إلى كتل منفصلة. وقد أخذت كل كتلة منها تتحرك في الاتجاه الذي تفرضه التيارات الموزعة، وكانت حركتها تستمر ما دامت لم تصادفها أي عقبة توقفها. أما إذا اعترضتها منطقة ثابتة صلبة مثل قاع أحد المحيطات القديمة أو إحدى الكتل الصلبة الثابتة فإنها كانت تتوقف عن الحركة، وعندئذ كان الضغط الشديد الناتج عن وجود العقبة الثابتة في طريقها يؤدي في غالب الأحيان إلى انثنائها وارتفاعها بشكل نطاق جبلي يمتد على طول منطقة التقائها بالعقبة، وقد تنثنى في نفس الوقت إلى أسفل لتحتل مكانًا أعمق في تكوينات السيما وتتكون في منطقة التقاء النطاق الجبلي بقاعدة المحيط القديم منطقة بحرية أعمق من باقي أجزائه. ومن هذا يتضح أن نظرية التيارات الصاعدة تحاول أن تفسر عدة ظاهرات في وقت واحد وهي كيفية وصول بعض القارات، مثل الأمريكتين وأستراليا، إلى أماكنها الحالية، وكيفية تكون سلاسل الجبال الانثنائية الكبرى على طول التقائها بقاعدة المحيط الهادي وهى سلاسل جبال روكي وجبال الأنديز كما تحاول في نفس الوقت تفسير الطريقة التي نشأ بها المحيطان الأطلسي والهندي، وهما محيطان حديثان نسبيًّا إذا ما قورنا بالمحيط الهادي.

_ 1 A. Holmes. " Principles of Phusical" Thomas Nelson Ch. 28, London.1694

توزيع القارات القديمة وعلاقتها بالقارات الحالية

توزيع القارات القديمة وعلاقتها بالقارات الحالية مدخل ... توزيع القارات القديمة وعلاقتها بالقارات الحالية: ذكرنا أن اليابس القديم كان حتى قرب نهاية الزمن الجيولوجي الثاني متجمعًا في كتلة واحدة هي كتلة بانجي التي كانت تقسمها رغم ذلك بحار داخلية أهمها بحر تيثيس، وأن حركات التصدع والزحزحة التي حدثت في ذلك الزمن قد أدت إلى انفصال بعض الكتل الصغيرة نسبيًّا عن الكتل الكبرى وانتقالها إلى أماكن متباعدة، وقد توقف زحف كل كتلة من هذه الكتل في مكان معين نتيجة لتصادمها مع قاعدة محيطية ثابتة شديدة الصلابة مثل قاعدة المحيط الهادي. وكان التوزيع الذي حدث لهذه الكتل في ذلك الزمن هو الأساس الذي توزعت بمقتضاه كتل القارات الحالية؛ حيث أن كل كتلة من هذه الكتل أصبحت نواة تجمعت حولها الرواسب البحرية، وتكونت منها بمرور الزمن طبقات عظيمة السمك، كما تراكمت فوقها الكثير من الرواسب القارية والطفوح البركانية، ثم أخذت عوامل التجوية وعوامل التعرية المختلفة تفتت تكويناتها وتعيد توزيعها بأشكال متباينة، كما أدت الحركات الأرضية المختلفة إلى انثناء طبقاتها الصخرية وخصوصًا طبقات الصخور الجيرية السميكة التي تراكمت على أطرافها وفي البحار المجاورة لها فتكونت منها نطاقات عظيمة من الجبال الانثنائية، وهكذا ازدادت هذه الكتل نموًا واتساعًا، واتصلت الكتل المتجاورة بعضها ببعض، وتكونت نتيجة لكل هذه التطورات كتل القارات الحالية. وكانت الكتل القارية الأصلية التي انفصلت عن جندوانا لاند، ولوراسبا مكونة من صخور بلورية قديمة شديدة الصلابة معظمها نارية ومتحولة ترجع إلى الزمن الأركي "ما قبل الكمبري" وبعضها مكون من صخور رسوبية شديدة الصلابة تنتمي إلى الزمن الأول. ونظرًا لشدة صلابتها وقوة مقاومتها للضغط؛ فقد أطلق عليها الجيولوجيون اسم الدروع Shiedls، أو الكتل الصلبة، وأمكنهم تحديد مناطقها في القارات الحالية على الرغم من أن معظمها يختفي حاليًا تحت تكوينات سميكة من صخور متباينة ترجع إلى عصور جيولوجية مختلفة وأنها محاطة

بطبقات سميكة من الصخور الجيرية التي انثنت في عصور لاحقة وتكونت منها سلاسل الجبال الانثنائية التي تمتد في نطاقات عظيمة حول هذه المناطق. وأهم الدروع "أو الأرصفة" التي بنيت حولها القارات الحالية هي:

أولا في لوراسيا

أولاً: في لوراسيا. 1- الرصيف أو الدرع السيبيري: ويشغل معظم سيبيريا وتحده من الغرب جبال أورال ومن الشرق جبال فرخويانسك ومن الجنوب نطاقات الجبال الانثنائية الواقعة جنوب بحيرة بيكال. 2- الرصيف الروسي: وهو يشغل قسمًا كبيرًا من روسيا بين جبال أورال في الشرق، وحوض البحر البلطي في الغرب، وجبال القوقاز والكربات في الجنوب حتى المحيط المتجمد الشمالي في الشمال. 3- الدرع البلطي "أو الدرع الفنلندي الأسكندينافي": وهو يشغل معظم فنلندة والسويد حيث يختفي تحت طبقات سميكة من الصخور الرسوبية، ويمتد جزء منه في غرب روسيا حيث تبدو صخوره في معظم الأماكن ظاهرة على السطح. 4- الرصيف الصيني: ويشغل مناطق واسعة في شمال الصين ووسطها وشرقها، وتختفي صخوره في أغلب الأماكن تحت تكوينات رسوبية سميكة، ويمتد هذا الرصيف جنوبًا ليشغل كذلك منطقة كبيرة من الهند الصينية. 5- هضبة الدكن: وقد كانت جزءًا من قارة جندوانا القديمة، وهي كتلة محددة تحديدًا واضحًا بواسطة البحار المجاورة، وتفصلها سهول الكنج والسند عن جبال هيمالايا الحديثة في الشمال. 6- الدرع العربي: ويشغل نطاقًا عظيمًا في شرق شبه الجزيرة العربية وشمالها ووسطها، وقد كان هو الآخر جزءًا من قارة جندوانا القديمة.

ثانيا في أفريقيا

ثانياً: في أفريقيا. باستثناء جبال أطلس الانثنائية الحديثة في شمال غرب أفريقية؛ فإن هذه القارة في جملتها عبارة عن كتلة صلبة قديمة، يتكون أساسها من صخور بلورية

أركية تكسوها في الغالب تكوينات صخرية حديثة نسبيًّا؛ ولكنها تظهر على السطح في بعض المناطق خصوصًا في نطاق الهضاب الوسطى للقارة. والمعروف أن هذه القارة تمثل القسم الرئيسي من قارة جندوانا. وهي تمثل "باستثناء جبال أطلس" هضبة ضخمة واحدة يطلق عليها بعض الجيولوجيين تعبير الهضبة الإفريقية The African Tableland. وقد تعرضت هذه الكتل خلال العصور الجيولوجية المختلفة للتحدب في بعض أجزائها خصوصًا في الوسط؛ حيث برزت القاعدة الصخرية القديمة بشكل هضاب من أهمها الهضاب المحيطة بحوض الكنغو، كما تعرضت خلال الزمن الجيولوجي الثالث لبعض حركات التصدع، فنشأت نتيجة لذلك بعض الأخاديد الصدعية الكبيرة مثل الأخدود "أو الوادي" الصدعي العظيم Great Rift Valley الذي يمتد من الجنوب إلى الشمال في شرق إفريقيا، ويواصل امتداده على طول البحر الأحمر وخليج العقبة ونهر الأردن حتى جنوب سوريا.

ثالثا في الأمريكتين وجرينلاند

ثالثًا: في الأمريكتين وجرينلاند. 1- الدرع الكندي "أو اللورنسي": ويشمل معظم كندا والجزر الواقعة إلى الشمال منها، كما يمتد في معظم شمال الولايات المتحدة وشرقها ووسطها حيث يمتد تحت التكوينات الرسوبية السميكة للسهول الوسطى وينتهي من ناحية الغرب عند بداية سلاسل جبال روكي، وقد كان هذا الدرع هو النواة الرئيسية التي بنيت حولها أمريكا الشمالية. وتعتبر جرينلاند كتلة صلبة قديمة كذلك. ويمكن اعتبارها امتدادًا للدرع الكندي. 2- كتلة البرازيل وجيانا: وهي أحد أجزاء قارة جندوانا القديمة، وتواصل التكوينات القديمة لهذه الكتلة امتدادها تحت الصخور الرسوبية السميكة في حوض الأمزون حتى قاعدة جبال الإنديز في الغرب، وهي تعتبر النواة الأصلية التي بنيت حولها أمريكا الجنوبية

رابعا كتلة أستراليا

رابعًا: كتلة أستراليا. وهي إحدى الأجزاء التي انفصلت عن قارة جندوانا، وتشغل في الوقت الحاضر الهضبة الغربية والسهول الوسطى للقارة؛ ولكنها تغطت، وخصوصًا في السهول الوسطى بطبقات رسوبية سميكة تنتمي إلى عصور جيولوجية أحدث، أما صخورها الأصلية فهي صخور نارية ومتحولة قديمة تنتمي إلى زمن ما قبل الكمبري

خامسا الكتلة القطبية الجنوبية

خامساً: الكتلة القطبية الجنوبية "انتاركتيكا". وهي الجزء الذي تخلف من قارة جندوانا وبقي عند القطب الجنوبي بعد أن زحفت بقية القارة نحو الشمال مع حركة الزحف العامة. وتختفي هذه الكتلة في الوقت الحاضر تحت طبقات جليدية عظيمة السمك. شكل "46" أهم الكتل الصلبة القديمة

عوامل تشكيل سطح الأرض

2-4-عوامل تشكيل سطح الأرض. تمهيد: تنقسم العوامل التي تتدخل في تشكيل سطح اليابس إلى ثلاثة أنواع رئيسية هي: 1- حركات تكوينية مرتبطة بتغيرات في باطن الأرض وتؤدي إلى حدوث حركات في القشرة وظهور أشكال مختلفة من التضاريس. 2- عوامل خارجية ليست لها علاقة بباطن الأرض أو بحركات القشرة، ولكنها ترتبط بالمظاهر التي تحدث في الأغلفة الظاهرية للكرة الأرضية، وأهمها هي الغلاف الجوي والغلاف المائي والغلاف الحيوي. وهذه العوامل كثيرة ومتنوعة ولكنها تنحصر في مجموعتين رئيسيتين هما: عوامل التجوية Weathering التي تقوم بتفكيك الصخور وتفتيتها أو تحلل معادنها، ثم عوامل التعرية Denudation أو Erosion التي تقوم بعمليات مختلفة تؤدي إلى النحت والهدم في بعض المناطق وإلى الإرساب والبناء في مناطق أخرى، وأهم هذه العوامل هي الرياح والمياه الجارية ومياه البحار، والجليد. 3- عمليات التوازن التي تحدث للقشرة.

الحركات الباطنية

الحركات الباطنية أنواعها ... 2-4-1-الحركات الباطنية "أو التكتونية" Tectonic Movements. أنواعها: تنقسم هذه الحركات إلى نوعين كبيرين: أحدهما وهو الأكبر تأثيرًا، عبارة عن حركات بطيئة لا تظهر نتائجها إلا بمرور مئات الآلاف من السنين، أما الثاني فعبارة عن حركات سريعة أو مفاجئة من نوع الزلازل والثورانات البركانية. والحركات البطيئة هي المسئولة عن نشأة معظم المظاهر التضاريسية الكبرى التي تتكون منها تضاريس المرتبة الأولى "المحيطات والقارات" ومعظم تضاريس المرتبة الثانية. وأهمها نطاقات الجبال والهضاب الكبرى الموجودة في القارات المختلفة. وقد حدثت كلها تقريبًا خلال العصور الجيولوجية المختلفة، ولم تعد تظهر لها في الوقت الحاضر إلا آثارًا محدودة في مناطق قليلة، وهناك نوعان من هذه الحركات أحدهما عبارة عن حركات رأسية تؤثر في مناطق شاسعة، ويترتب عليها ظهور مناطق واسعة من قيعان البحار وتحولها إلى محيطات أو بحار كبيرة. ويطلق على هذا النوع من الحركات اسم الحركات البانية للقارات Continent building Movements أو Endogenetic Movements، أما النوع الثاني فعبارة عن حركات أفقية يترتب عليها انثناء طبقات القشرة، وقد حدث أغلب هذه الحركات خلال العصور الجيولوجية المختلفة بما فيها العصور الجيولوجية الحديثة، ونتج عنها ظهور السلاسل الجبلية الكبرى في العالم؛ ولذلك فقد أطلق عليها اسم الحركات البانية للجبال Mountain Buiding Movements أو Orogenetic Movements.

أولا الحركات الباطنية البطيئة

أولاً: الحركات الباطنية البطيئة. المقصود بهذه الحركات هو الحركات والتغيرات البطيئة الهادئة أو العنيفة التي تحدث في قشرة الأرض أو تحتها؛ فينعكس أثرها على السطح بشكل مظاهر تضاريسية متباينة، وهي تنقسم عمومًا إلى قسمين كبيرين هما: أ- حركات الانثناء Folding ب- حركات التصدع أو الانكسار Faulting أ- حركات الانثناء FOLDNG: المقصود بهذه الحركات هي الحركات التي تؤدي إلى تقوس بعض طبقات القشرة إلى أعلى أو إلى أسفل نتيجة لتعرضها لضغوط جانبية. ويحدث الانثناء عادة في طبقات الصخور الرسوبية بسبب مرونتها النسبية، وخصوصًا إذا كانت حديثة التكوين، أما الصخور النارية والمتحولة فإن شدة صلابتها لا تسمح لها بالانثناء إلا بدرجات محدودة؛ ولذلك فإنها غالبًا ما تتصدع إذا تعرضت لضغوط شديدة. وقد يحدث الانثناء في الطبقات الصخرية إما نتيجة لتعرضها لضغط جانبي من اتجاهين متضادين، أو من اتجاه واحد؛ بينما تقف في طريقها من الجانب المقابل كتلة صلبة قديمة لا تسمح لها بالتزحزح أمام الضغط الجانبي. وعندما تنثني الطبقات الصخرية فإن قطاعات منها تتقوس إلى أسفل وتتكون منها ثنيات1 مقعرة Synclines، بينما تتقوس قطاعات أخرى إلى أعلى وتتكون منها ثنيات محدبة Anticlines. ولكل ثنية من الثنيات محور Axis ومستوى محوري Axial Plane وجانبان "أو طرفان Limbs" والمقصود بالمحور المستوى المحوري فهو المستوى الذي ينصف الزاوية التي بين جانبي الثنية "شكل 47".

_ 1 يطلق بعض الكتاب العرب على الثنية لفظ طية أو التواء وكلها ألفاظ ذات مدلول واحد، وفي رأينا أن اللفظ الأول " ثنية" هو أقرب الألفاظ الثلاثة إلى وصف ما يحدث فعلًا في الطبقات الصخرية.

وتأخذ الثنيات أشكالًا مختلفة على حسب قوة الضغظ واتجاهه وسمك الطبقات ونظامها وقوة مقاومتها وتباين المقاومة من طبقة إلى أخرى أو من موضع إلى آخر، ولذلك فقد قسمت الثنيات عمومًا إلى عدة أنواع أهمها هي: 1- الثنية البسيطة المتماثلة Simple Symetrical fold: وفيها تكون زاويتا ميل الطبقات على جانبيها متساويتين، كما تظل محافظة على نظامها الأصلي. 2- الثنية البسيطة غير المتماثلة Asymetrical fold: وهي ثنية بسيطة كذلك إلا أن زاوية ميل أحد جانبيها تكون أكبر نوعًا ما من زاوية ميل الجانب الآخر. 3- الثنية وحيدة الجانب Monocline: وهي ثنية يشتد ميل الطبقات في جانب واحد من جانبيها بينما تظل الطبقات أفقية تقريبًا، أو مائلة ميلًا غير واضح في جانبها الآخر. 4- الثنية المقلوبة Overturned fold: وفيها يشتد ميل طبقات أحد الجانبين بحيث تزيد زاوية هذا الميل عن 90 ْ. 5- الثنية المستلقية "أو المضطجعة" Recumbent fold: وفيها يستلقي أحد الجانبين على سطح الأرض تمامًا بحيث يختفي تحت الجانب الآخر. وفي هذه الحالة يختل ترتيب الطبقات في الجانب الأسفل بحيث تقع الطبقات الحديثة تحت الطبقات الأقدم منها. 6- الثنية الزاحفة "ناب Nappe" أو الغطاء الصخري الزاحف": وهي عبارة عن الجانب العلوي من ثنية مستلقية اضطره الضغط الجانبي الشديد إلى الانفصال عن بقية الثنية والتزحزح بعيدًا عنها؛ حيث يؤدي زيادة الضغط الجانبي إلى تصدع الثنية عند محورها وفصل جانبها الأعلى عن جانبها الأسفل. وكلمة "Nappe" كلمة فرنسية معناها غطاء.

شكل "47" أهم أشكال الانثناءات

وسنعود للإشارة إلى هذه الظاهرة مرة أخرى عند الكلام على الصدوع. 7- الثنية المركزية Composite fold: وهي ثنية كبرى تضم بداخلها ثنيات صغيرة نسبيًّا، وهي تتكون عندما تتعرض منطقة شاسعة سبق أن تكونت بها مجموعة من الثنيات للانثناء مرة أخرى، وقد تشغل الثنية التي من هذا النوع عدة آلاف من الكيلو مترات المربعة؛ ولذلك فإنها تشتهر باسم الثنيات الكبرى أو الإقليمية، ومنها ما تكون محدبة Geoanticline ومنها ما تكون مقعرة Geosuncline. وقد تكونت بعض البحار الكبيرة ومنها البحر المتوسط في ثنية مقعرة من هذا النوع وقد تأخذ الثنية المركبة المحدبة في بعض الأحيان شكلًا مروحيًّا واضحًا "انظر شكل 47". 8- الثنية المنحدرة Pitching fold: وفيها لا يكون محور الثنية أفقيًّا بل يكون مائلًا على الاتجاه الأفقي سواء من ناحية واحدة أو من ناحيتين، ويطلق على الزاوية التي يصنعها المحور مع الاتجاه الأفقي اسم زاوية الانحدار. 9- القبة Dome والحوض Basin: وهما تركيبان جيولوجيان يمثل الأول منهما ثنية محدبة؛ بينما يمثل الثاني ثنية مقعرة. وهما يشتركان في أن طبقات الصخور تكون مرتبة في كل منهما بشكل حلقات حول المركز، ولكن مع فارق رئيسي وهو أنه لو أخذ قطاع أفقي في كل منهما، أو إذا أزالت التعرية أعالي كل منهما فإن مكاشف أحدث الطبقات في القبة تكون موجودة على الأطراف وتليها الأقدم فالأقدم كلما اتجهنا نحو الوسط الذي توجد به أقدم الطبقات، ويطلق على هذا التتابع في علم الطبقات تعبير "قديث Inlier" أما في الحوض فإن ترتيب مكاشف الطبقات يكون على العكس من ذلك بمعنى أن مكاشف أقدم الطبقات توجد على الأطراف وأحدثها في الوسط، ويطلق على هذا التتابع تعبير حديم Outier. تغير معالم الثنيات وانعكاس التضاريس:

بمجرد ظهور الثنيات أيًّا كان نوعها على سطح الأرض؛ فإن عوامل التجوية وعوامل التعرية، وخصوصًا المياه الجارية والجليد والرياح تتعاون على تسوية سطحها بالتدريج؛ حيث إنها تعمل باستمرار على نحت وتفتيت الأجزاء الظاهرة من الثنيات المحدبة ونقل موادها إلى الثنيات المقعرة، فيأخذ سطح الأولى في الانخفاض بينما تأخذ سطح الثانية في الارتفاع. وبمرور الزمن يميل سطح المنطقة كلها إلى الاستواء وتستغرق هذه العمليات عادة أزمنة طويلة جدًّا قد تصل إلى عشرات الملايين من السنين، وخصوصًا إذا كانت الثنيات المحدبة كبيرة الحجم "مثل الثنيات التي تتكون منها الجبال الشاهقة" وكانت صخورها شديدة الصلابة. وحتى بعد أن تتم تسوية سطح المنطقة فإن عوامل التعرية قد تستمر في نقل المواد الصخرية من أماكن الثنيات المحدبة وتكويمها في أماكن الثنيات المقعرة، وينتهي الأمر بأن تتحول مناطق الثنيات المحدبة إلى أحواض منخفضة بينما تتحول مناطق الثنيات المقعرة إلى هضاب مرتفعة نسبيًّا. ويطلق على هذه الظاهرة اسم ظاهرة انعكاس التضاريس Conversion. وهي ظاهرة قليلة الحدوث ولا توجد إلا في مناطق الجبال القديمة التي مرت على تكوينها مئات الملايين من السنين، ومنها مناطق الجبال الموجودة في شمال غرب أوروبا "انظر شكل 48". شكل 48 انعكاس التضاريس

ولكن مهما حدث من تغير في مظاهر السطح؛ فإن الاستدلال على وجود الثنيات المحدبة أو الثنيات المقعرة يظل أمرًا ميسورًا بواسطة الجيولوجيين الذين يمكنهم أن يحددوا نوع الثنيات على أساس ميل طبقات الصخور وترتيبها الزمني؛ حتى أنه من الممكن إعادة تصور الشكل الذي كانت عليه الثنيات قبل أن تختفي معالمها الظاهرية. الحركات الانثنائية الكبرى خلال العصور الجيولوجية: إن الانثناءات الكبرى التي تعرضت لها قشرة الأرض خلال العصور الجيولوجية المختلفة هي أهم نتائج العوامل التكتونية التي ساهمت في تكوين الأشكال التضاريسية الكبرى، وأهمها الجبال الانثنائية "الالتوائية" التي تشغل نطاقات ضخمة في مختلف القارات. وقد بنيت هذه الجبال على ثلاث مراحل رئيسية تعرضت قشرة الأرض خلالها إلى حركات تكتونية عنيفة، لم يقتصر أثرها على حدوث الانثناءات الكبرى؛ بل صاحبها كذلك كثير من النشاط البركاني وكثير من التصدع في بعض المناطق. ونظرًا لعنف الحركات التكتونية التي حدثت في هذه المراحل؛ فقد أطلق عليها بعض الباحثين تعبير "الثورات التكتونية" ولتمييز المراحل الثلاث لهذه الحركات فقد سميت كل منها باسم منطقة من المناطق الجبلية التي تكونت أثناءها في قارة أوروبا، لأنها هي القارة. التي أجريت فيها معظم الأبحاث المتعلقة بنشأة الجبال وتطورها. وقد حدثت هذه الحركات في ثلاثة أزمنة جيولوجية هي الزمن الأول والزمن الثاني والزمن الثالث، وكانت تفصل بعضها عن بعض ملايين من السنين. ومعنى ذلك أن الجبال التي كونتها حركات الزمن الأول قد مضى عليها منذ نشأتها حتى الآن أكثر من مائتا مليون سنة. وخلال هذا العمر الطويل لم تتوقف عوامل التجوية أو عوامل التعرية عن إزالتها وتغيير معالمها؛ ولذلك فقد فقدت معظم ارتفاعاتها وتحولت إلى تلال قليلة الارتفاع أو سهول تحاتية، بل إن التضاريس قد انعكست في بعض أجزائها. إلا أن بعض هذه المناطق ما لثبت أن تعرضت في مراحل تالية لحركات تكتونية أخرى أعادت إليها بعض ارتفاعها. أما الجبال التي

نشأت نتيجة لحركات الزمن الثالث فإن عمرها يترواح بين مليونين وخمس عشرة مليون سنة فقط، وهو عمر قصير نسبيًّا؛ ولذلك فإن عوامل التعرية لم تجد الوقت الكافي لإزالتها أو حتى التقليل كثيرًا من ارتفاعاتها، فبقيت لهذا السبب محتفظة بضخامتها وعظم ارتفاعاها، وأصبحت تمثل في الوقت الحاضر أعظم النطاقات الجبلية في العالم ويطلق عليها عمومًا اسم "الجبال الانثنائية الحديثة"، أو "الانثناءات الألبية" أو الحركات الألبية نسبة إلى جبال الألب التي تنتمي إليها. والحركات التكتونية الرئيسية التي حدثت في الأزمنة الجيولوجية المذكورة هي: أولًا: الحركات الكاليدونية Calidonian Movements: وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى مرتفعات كاليدونيا في شمال اسكتلندة، وقد حدثت معظم هذه الحركات في أواسط الزمن الجيولوجي الأول وخصوصًا في العصر السيلوري والعصر الديثوني. وتوجد الجبال التي تكونت بسببها في معظم القارات وأشهرها هي مرتفعات شمال اسكتلندة ومرتفعات اسكنديناوة. وفي أمريكا الشمالية بدأ بناء مرتفعات الأبلاش بواسطة هذه الحركات ثم اكتمل بواسطة الحركات التالية وهي الحركات الهرسينية. ثانيًا: الحركات الهرسينية Hercynain Movements: وهي نفس الحركات التي يطلق عليها في بريطانيا وغرب فرنسا اسم "الحركات الأرموريكية" Armoican M. أو "الحركات الفارسكية" Variscan M. وقد حدثت خلال القسم الأعلى من الزمن الجيولوجي الأول، وخصوصًا في العصر الفحمي والعصر البرمي؛ فهي أحدث من الحركات الكاليدونية ببضع عشرات الملايين من السنين، وتوجد الجبال التي تكونت بسببها في معظم القارات إلى الجنوب من المرتفعات الكاليدونية، وهي غالبًا أكثر منها ارتفاعًا بسبب حداثتها النسبية من جهة وبسبب تعرضها في عصور لاحقة لحركات رفع جديدة من جهة أخرى، وأهم الجبال التي تنتمي إليها هي جبال جنوب أيرلنده وجنوب ويلز وجنوب إنجلترا،

وجبال غرب أوروبا ووسطها مثل هضبة فرنسا الوسطى وهضبة بوهيميا وجبال السوديت والفوج والغابة السوداء وبعض مرتفعات أسبانيا وجبال أورال. وتمثلها في آسيا كثير من الجبال مثل جبال أرمينيا، وبعض جبال آسيا الصغرى، وجبال إقليم بيكال وجبال خنجان وتيان شان وبعض مرتفعات الصين، مثل مرتفعات تسن لون كما تتمثل في أرخبيل الملايو وبعض جرز أندونيسيا مثل جزيرة جاوه وجزيرة بورنيو. وفي استراليا تنتمي إليها معظم الجبال الشرقية، وفي أمريكا الشمالية يتكون منها نطاق ممتد في شرق القارة إلى الجنوب من نهر سنت لورنس، كما أنها ساهمت في بناء مرتفعات الأبلاش. ثالثًا: الحركات الألبية Alpine Movements: وهي أحدث الحركات الرئيسية التي تعرضت لها قشرة الأرض، وقد بدأت مقدماتها في أواخر الزمن الجيولوجي الثاني، وبلغت أوجها في الزمن الثالث، ثم استمرت بعض ذيولها في أوائل الزمن الرابع. ونظرًا لحداثتها ولأن الجبال التي نشأت بسببها تمثل أعظم مظاهر التضاريس في الوقت الحاضر؛ فقد كان اهتمام الباحثين بدراستها أكبر من اهتمامهم بالجبال القديمة. وقد تبين أنها تتباين تباينًا واضحًا على حسب العصر الذي تكونت فيه؛ ولذلك فإنها تقسم إلى ثلاثة أقسام هي: الجبال الألبية القديمة التي نشأت في أواخر الزمن الثاني وأوائل الزمن الثالث، والجبال الألبية المتوسطة التي نشأت في أواسط الزمن الثالث، ثم الجبال الألبية الحديثة التي نشأت في أواخر هذا الزمن واستمرت ذيولها في أوائل الزمن الرابع. وتوجد الجبال الألبية في الوقت الحاضر في نطاقات ضخمة تتفق مع ما يعرف باسم نطاقات الضعف في قشرة الأرض، وهي النطاقات التي ظلت حتى وقت قريبة عرضة للحركات التكتونية؛ بل وما زالت حتى الآن معرضة لمثل هذه الحركات، كما يدل عليها توزيع مناطق البراكين والزلازل؛ ففي العالم القديم تمتد الانثناءات الألبية بين الشرق والغرب في نطاق ضخم يبدأ من سواحل المحيط الأطلسي في غرب أوروبا وشمال أفريقية ويشمل جبال أطلس في إفريقيا، وجبال الألب والسلاسل الجبلية المتصلة بها في أوروبا، ويواصل امتداده في آسيا ليشمل

أهم السلاسل الجبلية المرتفعة في آسيا الصغرى والقوقاز وإيران وأفغانستان، وسلاسل جبل هيمالايا وامتدادها في برما والملايو وجزر أندونيسيا وجزر صوندا. وهو يلتقي هنا بنطاق آخر يمتد نحو الشمال في شرق آسيا وفي الجزر القريبة من سواحلها الشرقية مثل جزر الفلبين وجزر اليابان. وفي العالم الجديد تشغل الانثناءات الألبية نطاقًا يمتد لبضعة آلاف من الكيلو مترات في غرب الأمريكتين ويشمل سلاسل جبال روكي وسلاسل جبال الأنديز. شكل "49" توزيع الكتل الصلبة والجبال الانثنائية في العالم

ب- حركات التصدع "أو الانكسار" FAULTNG: كثيرًا ما تؤدي الحركات الأرضية إلى حدوث صدوع مختلفة الأحجام والاتجاهات في الصخور بمختلف أنواعها، ويطلق على هذه الصدوع كذلك تعبير "الانكسارات" أو "العيوب". ويكون الصدع "أو الانكسار" مصحوبًا في غالب الأحيان بانزلاق في الطبقات التي توجد على جانبيه بحيث ينقطع امتداد هذه الطبقات فتظهر الطبقات الصخرية على أحد جانبيه في مستويات مختلفة عن مستوياتها على الجانب الآخر. وعلى الرغم من أن حركات الانزاق في أغلب الصدوع تكون من أعلى إلى أسفل أو العكس؛ إلا أنها قد تكون في بعض أنواعها في اتجاه جانبي. وكما هي الحال بالنسبة للانثناءات فإن الصدوع بمختلف أنواعها تنشأ نتيجة للحركات التكتونية المختلفة، سواء منها الحركات البطيئة أو الحركات السريعة والمفاجئة؛ ولكن يجب ألا نخلط بين الصدوع وبين المفاصل Joints والشقوق Cracks التي توجد بكثرة في كتل الصخور بمختلف أنواعها، والتي تتكون بسبب تقلص الصخور أثناء جفافها أو برودتها، ثم تساعد عوامل التعرية وعوامل التجوية على توسيعها أو على ملئها بالرواسب في بعض الأحيان. أجزاء الصدع: تستخدم عند دراسة الصدوع عدة تعبيرات من أهمها: 1- سطح الصدع Plane of Faul: وهو السطح الذي يحدث فيه الانفصال والذي تنزلق على طوله طبقات الصخور. وعندما يكون هذا السطح مائلًا يكون له حائطان أحدهما هو الحائط المعلق Hanging Wall ويقصد به كتلة الصخور الملاصقة لسطحه العلوي، والثاني هو الحائط السفلي Foot Wall ويقصد به الكتلة الملاصقة لسطحه السفلي.

2- رمية الصداع Throw of Fault: وهي المسافة الرأسية التي تغير بها منسوب الطبقات على جانبي الصدع، وهي تختلف من بضع سنتيمترات إلى مئات من الأمتار، ويطلق تعبير الرمية إلى أسفل Down throw على المسافة التي تحركها أحد الجانبين إلى أسفل، وتعبير الرمية إلى أعلى Up throw على المسافة التي تحركها أحد الجانبين إلى أعلى. 3- ميل الصدع Dip of Fault: وهو الزاوية المحصورة بين سطح الصدع والمستوى الأفقي. ويمكن أن يحسب ميل الصدع كذلك على أساس الزاوية المحصورة بين سطحه وبين المستوى الرأسي. ويطلق على هذه الزاوية تعبير Hade Fault "أو مهوى الصدع". 4- الزحف الجانبي Heave of Fault: وهو المسافة الأفقية التي زحفتها الطبقات على جانبي الصدع. 5- الحافة الصدعية Fault Scarp: وهي الحافة الصخرية التي تمثل الجزء الظاهر من سطح الصدع. شكل "50" أجزاء الصدع

أنواع الصدوع: نظرًا لتنوع القوى والعوامل التي تتدخل في عمليات التصدع؛ فإن الصدوع تأخذ أشكالًا مختلفة؛ ولذلك فإنها تقسم إلى عدة أنواع أهمها ما يأتي: 1- الصدع العادي Normal Fault: ويترتب على مثل هذا الصدع اتساع المنطقة المتأثرة به نتيجة لانزلاق حائطه المعلق وحائطه السفلي ويتوقف مقدار هذا الاتساع على عاملين هما مقدار زاوية ميل الصدع ومقدار رميته، والمعتاد هو أن تكون رمية جانبه المعلق إلى أسفل؛ بينما تكون رمية جانبه السفلى إلى أعلى. 2- الصدع المعكوس Reverse Fault: وهو يحدث نتيجة لتعرض المنطقة لضغط جانبي شديد، ولذلك فإنه يعرف كذلك بصدع الضغط Comperssion Fault، وفيه تكون رمية الحائط المعلق إلى أعلى؛ بينما تكون رمية الحائط السفلي إلى أسفل، ويترتب على ذلك نقص المسافة الأفقية للمنطقة التي حدث بها الصدع، وهذا عكس ما ينجم عن الصدع العادي. 3- الصدوع المتدرجة أو السلمية Step Fault: وهي عبارة عن مجموعة من الصدوع المتوازية التى ترمي كلها في اتجاه واحد وتؤدي إلي ظهور سطح الأرض بشكل درجات، ويستوي في ذلك إن كانت الصدوع عادة أو معكوسة. 4- الصدع الزاحف أو المضاعف Overthrust Fault: وهو يمثل مرحلة تالية للصداع المعكوس، ويحدث نتيجة لتزايد الضغط الجانبي بدرجة تؤدي إلى زحف الحائط المعلق فوق

الحائط السفلي، وفي هذه الحالة تختفي بعض الطبقات الحديثة تحت طبقات أقدم منها. وقد يحدث الصدع الزاحف كذلك نتيجة لزيادة الضغط الجانبي على إحدى الثنيات المستلقية؛ حيث تؤدي هذه الزيادة إلى تصدعها، وإذا استمر تزايد الضغط فقد يؤدي إلى زحف الجانب الأعلى لهذه الثنية وانفصاله تمامًا عن جانبها الأسفل. ويتكون من الجانب الزاحف في هذه الحالة ما يعرف باسم الناب Nappe "أو الثنية الزاحفة" أو "الغطاء الصخري الزاحف". وقد يؤدي استمرار الضغط الجانبي إلى زحف هذا الغطاء عشرات الكيلو مترات؛ إلا أن هذه العملية بطيئة جدًّا، وتستغرق مئات الألوف من السنين. ومن الواضح أن "الغطاء الصخري الزاحف" يرتبط في نشأته بحركات الانثناء وحركات التصدع معًا، وأن القوة الرئيسية التي تسببه هي الضغط الجانبي. 5- صدع التمزق Tear Fault: هو يختلف عن الصدع العادي والصدع المعكوس في أن حركات الزحف فيه لا تكون من أسفل إلى أعلى أو العكس؛ بل تكون غالبًا في اتجاه أفقي، ويحدث الزحف الأفقي عادة نتيجة لتعرض قسمين متجاورين من التركيب الصخري لضغوط أفقية من اتجاهين متضادين؛ فقد يؤدي ذلك إلى تمزق هذا التركيب، وزحف جزء منه زحفًا أفقيًّا في اتجاه مضاد لزحف جزئه الآخر. ويعتبر الصدع الذي يحدث في الثنية المستلقية والذي يؤدي إلى تكوين الغطاء الزاحف "أو الناب Nappe" الذي سبق الكلام عليه نوعًا من الصدوع الزاحفة، وقد يحدث أن يتصدع الغطاء عند زحفه بحيث يتخلف قسم منه عن بقية العطاء. ويحدث ذلك إذا ما اعترضت طريق هذه الغطاء قاعدة صلبة لا يستطيع زحزحتها أو كسرها، فيتخلف قسمه الأسفل بينما يستمر قسمه الأعلى في زحفه. ويعتبر الصدع المعروف باسم الصدع الدوراني Rotational Fault نوعًا آخر من صدوع التمزق، وهو يحدث إذا تحركت الصخور بشكل دائري حول محول أفقي أو رأسي، وهذا النوع من التصدع هو الذي يؤدي غالبًا إلى حدوث الهزات الزلزالية، وهو على أي حال قليل الحدوث.

شكل "51" صدع عادي شكل "52" صدع معكوس شكل "53" صدوع سلمية شكل "54" صدع تمزق شكل "55" صدع دوراني

الأهمية الجغرافية للصدوع: تظهر الأهمية الجغرافية للصدوع في كثير من جوانب الدراسات الجغرافية؛ فبالإضافة إلى أنها مظهر مهم من مظاهر سطح الأرض؛ فإنها هي المسئولة عن تكوين بعض المظاهر التضاريسية والأشكال الجيومورفولوجية المهمة، كما أنها تتدخل كذلك في نظام تصريف المياه السطحية وفي حركة المياه الجوفية وتكوين خزاناتها، وفي تكوين المصائد البترولية، وفي إظهار بعض الثروات المعدنية الموجودة في صخور القشرة، ومن الواضح أنها تؤدي كذلك إلى خلق بيئات متنوعة في مناطق حدوثها. وأنها تتدخل في توجيه طرق المواصلات، وفي توزيع مراكز العمران، وغير ذلك من مظاهر النشاط البشري، وفيما يلي شرح موجز لأهميتها في بعض النواحي الجغرافية المذكورة. أهميتها في تشكيل سطح الأرض: إن الصدوع في حد ذاتها تعتبر مظاهر فيزيوغرافية مهمة، وهي تأخذ كما سبق أن بينا أشكالًا متباينة، وبالإضافة إلى ذلك فإنها هي المسئولة عن تكوين بعض المظاهر التضاريسية المعروفة ومن أهمها: 1- الوديان الصدعية "أو الانكسارية Rift Valleys أو Graben وهي تتكون نتيجة لحدوث صدعين متوازين "أو أكثر" وهبوط الأرض بينهما، وقد يحدث في نفس الوقت ارتفاع في الأرض الموجودة على جوانبهما الخارجية، وأشهر الوديان الصدعية في العالم هو الوادي الصدعي الأفريقي العظيم African Great Valley، ويبلغ طوله أكثر من ستة آلاف كيلو متر، وهو يبدأ من بحيرة مالاوى "نياسا" في شرق القارة ويتجه شمالًا حيث يتفرع في هضبة البحيرات إلى فرعين أحدهما غربي، وتقع فيه بحيرة تنجانيقا المتصلة بنهر الكنغو، وبحيرتا إدوارد وألبرت المتصلتان بنهر النيل، والآخر شرقي وتقع فيه بحيرة رودولف وسلسلة من البحيرات الأخرى الصغيرة. ويواصل هذا الفرع امتداده شمالًا ليضم خليج عدن والبحر الأحمر وخليج العقبة والبحر الميت وغور الأردن

_ 1 هذه الكلمة مأخوذة من أصل ألماني.

شكل "56" هضبة صدعية شكل "57" واد صدعي شكل "58" امتداد الوادي الصدعي الأفريقي العظيم في شرق أفريقية وأهم البحيرات التي توجد في قاعه

وينتهي في سهل الغور بجنوب سوريا. ويعتبر وادي نهر الراين بين مرتفعات الفوج والغابة السوداء مثالًا واضحًا كذلك للوديان الصدعية. 2- الهضاب الصدعية Horsts: وهي تنشأ نتيجة لارتفاع الأرض بين صدعين متقابلين. وقد يحدث في نفس الوقت هبوط في الأرض الواقعة على جانبيهما الخارجيين، ومعنى ذلك أن الحركات التي تسببها تكون معاكسة للحركات التي تسببت الوديان الصدعية. وقد توجد سلسلة من الهضاب والوديان الصدعية متجاورة في منطقة واحدة على حسب عدد الانكسارات التي تحدث فيها. وتعتبر منطقة الفوج والغابة السوداء وهضبة بوهيميا في وسط أوروبا من أوضح الأمثلة على ذلك. 3- الحافات الصدعية Fault Scarps: ويقصد بها الحافات التي تتكون نتيجة لرمية الصدع إلى أسفل أو إلى أعلى؛ حيث يؤدي ذلك إلى ظهور القسم الأعلى من سطح الصدع بشكل حافة يختلف ارتفاعها على حسب مقدار الرمية، وتتوقف شدة انحدارها على مقدار زاوية ميل الصدع. وبمجرد ظهور هذه الحافة؛ فإنها تتعرض لعوامل التجوية وعوامل التعرية فتتآكل وتتراجع وتفقد كثيرًا من معالمها، وتتراكم الرواسب عند قاعدتها وتتكون منها بعض التلال الرسوبية والمراوح الفيضية Alluvial Fans. وإذا لم تكن الحافة الصدعية قد تآكلت تمامًا؛ فقد تآكلت معالمها فمن الممكن الاستدلال عليها بعدة مظاهر منها أن يكون سطحها "هو نفسه سطح الأرض" مصقولًا نتيجة لاحتكاك جانبي الصدع ببعضهما عند انزلاقمها. وكثيرًا ما توجد على نفس السطح خدوش طويلة ممتدة في نفس اتجاه حركة الانزلاق، وهي تحدث نتيجة لوجود قطع صخرية شديدة الصلابة بين الجانبين المنزلقين وتحركها وهي مضغوطة بينهما على طول سطح الصدع أثناء حركة الانزلاق. ومن الممكن الاستدلال على هذه الحافات أيضًا بوجود رواسب معينة عند قاعدتها وأهمها ما يعرف بالدقيق الصخري Rock Flour وبريشيا الصدوع Fault B reccia، ويتكون الدقيق الصخري من رواسب ناعمة تتكون نتيجة لطحن بعض الصخور

على سطح الصدع عند حدوث الانزلاق، أما البريشيا فعبارة عن قطع صخرية ذات زوايا محددة وتتكون نتيجة لتحطيم الصخور المجاورة لسطح الصدع. وإذا وجدت الحافة الصدعية في طريق أحد الأنهار؛ فإنها تؤدي إلى تكوين مسقط مائي Waterfall إذا كان النهر قادمًا من الجانب المرتفع للصدع أو تكوين بحيرة إذا كان قادمًا من جانبه المنخفض. علاقة الصدوع بالمياه الجوفية ومصائد البترول: إذا حدث التصدع في منطقة بها طبقة مياه جوفيه أو طبقة بترولية فإنه قد يؤدي إلى انبثاق الماء أو البترول عن طريق الصدع ووصوله إلى السطح. ويتوقف الارتفاع الذي تصل إليه المياه أو البترول على قوة الضغط الذي يقع على الطبقة الحاوية لها، وعلى منسوب المصدر الذي تتغذى منه هذه الطبقة؛ ولذلك فقد تندفع المياه أو البترول بعد وصولها إلى السطح بشكل نافورة، أو تنساب بهدوء، وقد لا تصل إلى السطح إما بسبب عدم وجود طريق لها إلى سطح الصدع، أو لعد وقوعها تحت أي ضغط. وقد يؤدي تغير منسوب الطبقات على جانبي الصدع إلى حلول طبقات صماء محل الطبقة البترولية أو المائية على أحد جانبي الصدع فتنسد هذه الطبقة ويتجمع الماء أو البترول بشكل خزان. وهذه في الواقع هي إحدى الطرق المعروفة لتكون المصائد البترولية. شكل "59" عين ماء صدعية شكل "60" مصيدة بترولية صدعية

ثانيا الحركات الباطنية المفاجئة

ثانياً: الحركات الباطنية المفاجئة. أ- الزلازل EARTHQUAKES تمهيد- المقصود بالحركات المفاجئة: المقصود بالحركات المفاجئة هو الحركات التي تحدث فجأة بسبب اضطرابات باطنية سواء في القشرة الأرضية نفسها أو في التكوينات التي ترتكز عليها. وهي لا تستمر إلا وقتًا قصيرًا قد لا يزيد على جزء من الدقيقة الواحدة، وأهمها هي الهزات الزلزالية والثورانات البركانية. وعلى الرغم مما قد تسببه هذه الحركات من كوارث مروعة؛ فإن علاقتها بتشكيل تضاريس سطح الأرض لا تظهر إلا في مواضع محدودة. وذلك بعكس الحركات البطيئة التي لعبت الدور الرئيسي في تكوين معظم التضاريس الكبيرة لسطح الأرض، ومع ذلك فإن الآثار الفيزيوغرافية التي تنتج عن الحركات المفاجئة، وخصوصًا الظواهر المرتبطة بالثورات البركانية، تعتبر من الموضوعات المهمة التي تستحق العناية عند دراسة الجغرافية الطبيعية. ومن الثابت أن نشاط هذه الحركات وتأثيرها كان أقوى بكثير خلال العصور الجيولوجية المختلفة منها في الوقت الحاضر بسبب تزايد استقرار القشرة، ومع ذلك فإن بعض مناطقها لم تصل بعد إلى الاستقرار التام. وهذه هي المناطق التي تسمى أحيانًا بالمناطق الضعيفة. وهي توجد في نطاقات كبيرة تتمشى مع النطاقات التي تكونت فيها سلاسل الجبال الحديثة، والتي ما زالت تتعرض حتى الآن للهزات الزلزالية والثورات البركانية. تطور المعرفة بالزلازل: على الرغم من أن الزلازل قديمة قدم الأرض نفسها وأن كوارثها المفجعة كانت كبيرة الحدوث في الماضي وأنها ما زالت تحدث في الوقت الحاضر بين الحين والحين؛ فإن دراستها على أساس علمي سليم لم تبدأ إلا في أواسط القرن التاسع عشر. وقبل ذلك كل محاولات تفسيرها غير مبنية على أي أسس علمية، مما ترك المجال لانتشار التفسيرات الخرافية بين العامة في مختلف بلاد العالم، فما زال بعض العامة حتى في البلاد المتقدمة يربطون حدوثها بوجود حيوان ضخم تحت

الأرض، وبأن هذا الحيوان هو الذي يحركها عندما يقوم بحركات خاصة إلا أن نوع هذا الحيوان يختلف من بلد إلى آخر على حسب طبيعة البيئة السائدة؛ ففي مصر وغيرها من بلاد الشرق الأوسط يقولون أنه ثور ضخم يحمل الأرض على قرنيه، وأن الأرض تهتز عندما ينقلها من قرن إلى آخر، وفي الولايات المتحدة يعتقدون أنه سلحفاة ضخمة، وفي اليابان يعتقدون أنه سمكة ضخمة يمكنها أن تهز الأرض إذا حركت ذنبها. وتدخل الدراسة الحديثة للزلازل ضمن علوم الطبيعة الأرضية Geophisics والمعروف أن هذه العلوم لها صلات قوية بعلوم طبيعة أخرى، مثل علوم الجغرافية الطبيعية والجيولوجيا والطبيعة. ومع التقدم السريع في كل هذه العلوم وغيرها انسلخت منها علوم كثيرة تخصص كل منها في أحد الفروع الدقيقة، ومن بينها علم السيسموجرافيا Seismography1، أو علم دراسة الزلازل. ولئن كان الإنسان قد استطاع بفضل التقدم العلمي أن يحمي نفسه من بعض الظاهرات الطبيعية الخطيرة؛ فإنه مازال عاجزًا عن أن يحمي نفسه من خطر الزلازل؛ لأنها تحدث دائمًا فجأة وبغير إنذار. وقد حاول بعض العلماء المهتمين بدراسة الزلازل أن يتوصلوا إلى طريقة يمكن بواسطتها التنبؤ باقتراب حدوثها، ولكن جميع المحاولات لم تصادف نجاحًا يستحق الذكر، ولك ما أمكن عمله لتقليل الخسائر التي تنجم عنها في المناطق التي تتعرض لها هو إقامة المباني بشكل خاص وبمواد معينة تستطيع مقاومة الهزات الأرضية؛ فقد تبين مثلًا أن الأسمنت المسلح هو أصلح مادة للبناء في هذه المناطق. وكلما كان حجم البناء صغيرًا وارتفاعه قليلًا كانت مقاومته للهزات الأرضية كبيرة، والمباني المشيدة على أرض صخرية صلبة والتي يتعمق أساسها في الأرض لمسافة كبيرة تكون كذلك أقدر على

_ 1 الاسم العلمي للزلزال هو Seismos، وهي كلمة يونانية قديمة تستخدم بمشتقاتها المختلفة في الدراسات العلمية الخاصة بهذا الموضوع، وعلى هذا الأساس أطلق اسم سيسوجراف Seismogarph على جهاز قياس الموجات الزلزالية، وظهرت تعبيرات أخرى كثيرة مشتقة من نفس الاسم.

تحمل هذه الهزات من المباني التي تقام على السطح أو التي لا تتعمق في الأرض بالقدر الكافي الذي يحفظ لها توازنها عند حدوث الهزات الأرضية. أسبابها وتحديد مراكزها أوضحت الدراسات الحديثة أن هناك نوعين من الزلازل، ينتج أحدهما من حدوث حركات تكتونية مفاجئة، ويطلق عليه لهذا السبب تعبير الزلازل التكتونية Tectonic Earthquakes، وأهم الحركات التي تسبب هذه النوع هي حركات التصدع وما يصاحبها من انزلاق في التراكيب الصخرية تحت سطح الأرض، أما النوع الثاني فيرتبط حدوثه بالثورانات البركانية وما يصاحبها من حركات عنيفة تؤدي إلى اندفاع المواد المنصهرة أو الغازية بقوة بين طبقات الصخور، ويطلق عليه تعبير الزلازل البركانية Volcanic Earthquakes وهي أقل حدوثًا بصفة عامة من الزلازل التكتونية والنقطة التي يبدأ منها الزلزال تكون عادة موجودة على عمق عدة كيلو مترات تحت سطح الأرض. وهذه النقطة هي التي تعرف باسم البؤرة الزلزالية Seismic Focus ومن هذه البؤرة تنتشر الموجات الزلزالية في جميع الاتجاهات تقريبًا. وأول نقطة تصل إليها على السطح هي النقطة التي تقع فوق البؤرة، ويطلق عليها اسم المركز السطحي Epicenter. وقد تبين من دراسة عدد كبير من الزلازل، أن البؤرة في معظمها كانت على أعماق تقل عن ثمانية كيلو مترات تحت سطح الأرض وأنه من النادر جدًّا أن يزيد عمقها عن 45 كيلو مترًا، وبمجرد مولد الزلزال في بؤرته تنتشر موجاته في كل الاتجاهات ويظهر تأثيرها على السطح في كل المنطقة المتأثرة به، ويتوقف اتساع هذه المنطقة على درجة شدة الزلزال؛ فقد يصل اتساع هذه المنطقة في الزلازل العنيفة إلى بضعة ملايين من الكيلو مترات المربعة؛ بل وقد يصل تأثيرهما أحيانًا إلى كل بقاع سطح الكرة الأرضية. ولكن لا يشترط أن يشعر بها الإنسان في كل هذه البقاع؛ وإنما تسجلها أجهزة القياس فقط في البقاع النائية. والذي يهمنا على أي حال هو المنطقة التي تؤثر فيها الهزات الزلزالية بشكل محسوس، وهذه المنطقة يمكن تحديدها على الخريطة بواسطة خطوط توصل

بها الأماكن التي تتساوى فيها آثار الزلزال، كما تدل عليها مظاهر التدمير والتخريب أو مجرد الحركات التي تحدث في المباني وغيرها من الأجسام، وكما تدل عليها كذلك أجهزة القياس، ويطلق على هذه الخطوط اسم خطوط الشدة الزلزالية المتساوية Lsoseismal Lines. وتكون هذه الخطوط غالبًا بشكل دوائر غير منتظمة حول المركز العلوي، ويلاحظ أن هذا المركز لا يكون معروفًا لأول وهلة، وأن هذه الخطوط هي التي تساعد بعد رسمها على تحديده. وترسم بنفس الطريقة خطوط أخرى توصل بها الأماكن التي تصل إليها الهزات الزلزالية في وقت واحد. ويطلق عليها اسم خطوط الوقت الزلزالي المتساوي Homoseismal Lines ويمكن بواسطتها كذلك تحديد مركز الزلزال شكل "61" خطوط الشدة الزلزالية المتساوية

انتقال موجاتها: تنتقل الهزات الزلزالية بشكل موجات تختلف في سرعتها وفي أطوالها وأشكالها على حسب الوسط الذي تخترقه، ويؤدي تباين سرعتها إلى أن بعضها يسبق بعضها الآخر، ويسجلها جهاز القياس "السيسموجراف" بنفس ترتيب وصولها. وهي تظهر على خريطة بشكل خط متعرج تتمثل فيه على الترتيب ثلاثة أنواع من الموجات يشغل كل منهما قسمًا معينًا منه. وهذه الموجات على حسب ترتيب وصولها إلى الجهاز هي: أ- موجات ابتدائية P Primary: وهي أسرع الموجات وأولها وصولًا إلى الجهاز، ويمثلها القسم الأول من الخط. وهي موجات تضاغطية Compressional، تشبه ذبذبات انتقال الصوت في الهواء، أي أنها تنتقل في حركة أمامية خلفية، وهي تسير تحت السطح مخترقة الطبقات السفلى للقشرة، وتؤدي إلى ذبذبة الوسط الذي تخترقه في نفس اتجاه سيرها. وتترواح سرعتها بين 5.5 و 13.8 كيلو مترًا في الثانية؛ ولكنها تزداد كلما تعمقت في باطن الأرض. ب- موجات اهتزازية S Shake or Shear Waves: وهي التي تسمى كذلك بالموجات الثانوية. وهي موجات سريعة؛ ولكنها أقل سرعة من الموجات الابتدائية؛ ولذلك فإنها تأتي بعدها مباشرة، ويمثلها القسم الأوسط من الخط الذي يسجله السيمسوجراف. وهي موجات مستعرضة Transverse تأخذ في حركتها اتجاهات متعامدة على الاتجاه العام لسيرها. وهي تشبه التموجات التي تحدث في حبل مشدود عند اهتزازه اهتزازًا رأسيًّا. وهي تسير تحت السطح مخترقة الطبقات السفلى من القشرة، شأنها في ذلك شأن الموجات الابتدائية. وتتراوح سرعتها بين 3.2 و 7.4 كيلو مترًا في الثانية. وتزداد سرعتها كلما تعمقت في باطن الأرض، ولكنها تتكسر عند اختراقها للنواة بسبب اختلاف تركيبها. وقد استفاد الباحثون من دراسة الموجات الزلزالية الأولية والاهتزازية في معرفة كثير من الحقائق عن تركيب باطن الأرض.

شكل "62" خريطة رسمها السيسموجراف لأحد الزلازل شكل "63" انتقال الموجات من البؤرة إلى إحدى محطات الرصد المتأثرة بالزلزال مباشرة. شكل "64" اختراق الموجات الزلزالية للكرة الأرضية.

ج- موجات طويلة L Long Waves: وهي موجات مستعرضة تتحرك بنظام يشبه النظام الذي تنتقل به الأمواج على سطح الماء، وهي تخترق الطبقات السطحية وتأخذ في سيرها خطًّا مموجًا تتردد تموجاته بالانعكاس بين أسفل الطبقات وأعلاها؛ ولذلك فإنها تقطع في رحلتها طريقًا أطول من النوعين الآخرين فتصل لهذا السبب متأخرة نسبيًّا، ويمثلها القسم الأخير من الخط الذي يرسمه السيمسوجراف. وتبلغ سرعتها حوالي أربعة كيلو مترات في الثانية. ونظرًا لأنها تتحرك عند سطح الأرض؛ فإنها هي المسئولة عن معظم ما يسببه الزلزال من تدمير وتخريب. درجات الشدة الزلزالية: على الرغم من أن الكوارث الزلزالية لا تحدث في الوقت الحاضر إلا في أوقات متباعدة نسبيًّا، وبمعدل لا يزيد عمومًا عن كارثتين أو ثلاث في السنة؛ فإن الهزات الزلزالية الخفيفة كثيرة الحدوث جدًّا لو حسبناها في كل أنحاء العالم حتى أنه لا يكاد يمر أي يوم دون أن تحدث عدة هزات في مناطق متفرقة؛ ولكن أكثر الهزات يمر دون أن تكون له آثار محسوسة، بل إن كثيرًا منها يكون أضعف من أن يشعر بها الإنسان ولكنه يسجل بواسطة السيسموجراف. وتحسب شدة الزلزال في الوقت الحاضر على أساس المقياس الذي ابتكره الباحث الجيوفيزيقي الأمريكي تشارلز ريتشر Richer في سنة 1935 والذي اشتهر في الإعلام العربي باسم مقياس ريختر*، وبمقتضاه قسمت الزلازل على حسب شدتها إلى درجات تبدأ بالدرجة "1" التي توصف بها أضعف الزلازل وهي التي لا يشعر بها عادة الشخص العادي؛ وإنما يسجلها جهاز السيسموجراف، ويوصف الزلزال الذي بهذه الدرجة بأنه زلزال جهازي، وتتزايد الدرجة كلما زادت شدة الزلزال حتى تصل إلى ما يقرب من درجة 9، وهي درجة لم تسجل لأي زلزال في العصر الحديث، ولعل أعلى درجات وصلت إليها شدة بعض الزلازل هي درجة 8.6 التي سجلت لزلزال منطقة كانجارا في الهند سنة 1905

_ *ريتشر عالم أمريكي: ولد في عام 1900 في ولاية أوهايو بالولايات المتحدة.

ومات بسببه 19 ألف شخص، ثم درجة 8.3 لزلزال منطقة كونسيبسيون في شيلي سنة 1928 ومات بسببه 25 ألف شخص، ثم درجة 8.1 لزلزال عاصمة المكسيك في سنة 1985 ومات بسببه عشرة آلاف شخص. ولا تتوقف الخسائر البشرية والعمرانية وغيرها من الأضرار التي يحدثها الزلزال على درجته بمقياس ريشتر فقط؛ بل تتوقف كذلك على الظروف الطبيعية والعمرانية والسكانية للمناطق التي يحدث بها؛ فإذا ما كان حدوثه في مناطق صحراوية أو سهلية يقل فيها العمران، وينتشر فيها السكان على مسافات متباعدة؛ فإن أضراره منها كانت شديدة تنحصر في تدمير الطرق والجسور وحدوث بعض الفيضانات وانهيارات التربة والتصدعات في القشرة الأرضية؛ بينما لا تكون خسائره البشرية أو العمرانية كبيرة. وعلى العكس من ذلك فإن الزلزال الذي يضرب مدينة مزدحمة العمران ومتكدسة السكان يؤدي عادة، حتى ولو كان متوسط الشدة، إلى تدمير واسع النطاق للمباني وسقوط عشرات الآلاف من القتلى. خصوصًا إذا كانت المباني في جملتها من الطرز القديمة التي لا تستخدم فيها المواد والأساليب المقاومة للزلازل مثل البناء بالخرسانة المسلحة. وفي مثل هذه الحالة يكون عدد الضحايا وحجم التدمير العمراني غير متناسب مع شدة الزلزال، وينطبق هذا مثلًا على الزلزال الذي حدث في مصر في يوم 12 أكتوبر سنة 1992؛ فعلى الرغم من أن قوته بمقياس ريشتر كانت 5.9 أي أنه كان متوسطًا في شدته فإن الأضرار العمرانية والخسائر البشرية التي نتجت عنه كانت كبيرة حيث انهارت وتصدعت بسببه آلاف المباني وزاد عدد من قتلوا بسببه أكثر من خمسمائة شخص. وينطبق هذا بصورة أوضح على الزلازل التي ضربت مدنًا ومناطق مختلفة من العالم في العهود الماضية حيث كان ضحاياها يعدون بعشرات بل بمئات الآلاف، ومثال ذلك الزلزال الذي ضرب منطقة الشرق الأدنى في سنة 1201 ومات بسببه حوالي مليون ومائتا ألف نسمة، وهذا هو أكبر عدد من ضحايا الزلازل الذي ضرب منطقة شانسكي بالصين سنة 1556 وبلغ عدد من ماتوا بسببه ثلثمائه ألف، وزلزال مدينة لشبونة البرتغالية في سنة 1755 ومات بسببه خمسون ألف

شخص، وزلزال طوكيو ويوكوهاما باليابان سنة 1923 ومات بسببه حوالي ربع مليون شخص. وتحدد منطقة الزلزال على الخريطة بواسطة خطوط الشدة الزلزالية المتساوية التي سبق أن تكلمنا عنها. وتقسم المنطقة التي تغطيها هذه الخطوط إلى نطاقات يرقم كل منها بالرقم الذي يدل على شدة الهزات التي تصيبه، كما توضحها الآثار الناجمة عنها حسب ما ورد في التقسيم السابق. ويستعان على معرفتها بالتقارير التي تصل من المناطق المختلفة التي تأثرت بالزلزال. وأشد النطاقات تأثرًا بالهزات هو النطاق الذي يقع حول المركز مباشرة، وتتناقص شدتها كلما ابتعدنا عن هذا المركز، ويمكن الاستدلال على قوة الزلزال بصفة عامة من الرقم الذي يمثل درجة الشدة في نطاقه المركزي؛ ففي الزلازل المتوسطة الشدة يكون رقم النطاق المركزي 4 أو 5، ويتناقص كلما اتجهنا إلى الخارج؛ بينما يكون رقمه في الكوارث المفجعة 8 أو أكثر بمقياس ريشتر. وقد لوحظ عمومًا أن التخريب الذي يحدث في المركز نفسه يكون أقل نوعًا ما منه في النطاق المحيط بهذا المركز. والسبب في ذلك هو أن الموجات التي تصل إلى هذا المركز تكون من أسفل إلى أعلى، وتؤدي إلى اهتزاز المباني في اتجاه رأسي. وتكون هذه الحركات الرأسية أقل تخريبًا من الحركات الأفقية. أهم الآثار الجغرافية للزلازل: تدمير المدن: تشترك الكوارث الزلزالية في أغلب مظاهر التخريب والتدمير وفقدان الأرواح، ومعظم الخسائر بصفة خاصة إذا حلت الكارثة بمدينة كبيرة يزدحم فيها السكان وترتفع فيها المباني؛ حيث تؤدي الكارثة إلى دفن آلاف السكان تحت أنقاض المباني المنهارة وتشتعل الحرائق بسبب انفجار المواقد وأنابيب الغاز وخزانات الوقود، وقد تتفشى الأوبئة بسبب تراكم الحثث واختفائها تحت

_ 1 لمزيد من الأمثلة راجع كتاب الجغرافيا الطبيعية " أشكال سطح الأرض" لنفس المؤلف 1984 ص 231-233

الأنقاض وعدم إخراجها بالسرعة الكافية، فضلًا عن طفح المجاري، وإغراق الطرق بسبب تكسر أنابيب المجاري والمياه. الانهيارات والفيضانات: إذا حلت الكارثة بمناطق ريفية فربما تكون الخسارة في الأرواح أقل نسبيًّا منها في المدن بسبب صغر القرى، وصغر المباني وانتشارها ووجود مناطق خلوية يمكن أن يلجأ إليها السكان بسرعة، ومع ذلك فقد تكثر الحرائق وتنهار جسور الأنهار والقنوات، فتغرق الحرث والنسل، وكثيرًا ما يحدث في المناطق الجبلية أن تنهار طبقات التربة السميكة أو طبقات الصخور أو الجليد أو تنهار السدود الخزانات. وكثيرًا ما تؤدي هذه الانهيارات إلى دفن القرى أو إغراقها. وقد كان ذلك واضحًا على سبيل المثال في كارثتي مقاطعة كانسو بالصين في سنتي 1920 و 1927 حيث انهارت الطبقات السميكة لتربة اللويس الطينية؛ فدفنت العديد من القرى، وسدت مجاري الأنهار والقنوات فيضانات مدمرة، وكانت كارثة أخرى أشد عنفًا من هاتين الكارثتين قد حدثت كذلك في مقاطعة شانتونج بالصين في سنة 1853 وأدت إلى تحويل نهر هوانجهو الكبير عن مجراه الأصلي في قسمه الأدنى إلى مجرى آخر جديد. وقد حدث كذلك في شمالي شيلي أثناء زلزال سنة 1956 أن انهار أحد السدود فأغرق إحدى المدن المجاورة، كما حدثت في إكوادور سنة 1949 انهيارات أرضية أدت إلى دفن عدد من القرى تحت تكويناتها، كما انسد مجرى أحد الأنهار وتكونت مكانه بحيرة كبيرة. تدمير المواصلات: ومما يزيد من هول الكوارث الزلزالية وكثرة ضحاياها أن هذه الكوارث تؤدي غالبًا إلى تدمير طرق المواصلات ووسائل الانتقال البرية والنهرية؛ حيث تلتوي خطوط السكك الحديدية، وتدمر الطرق أو تطغى عليها مياه الفيضانات أو الانهيارات المختلفة، كما أن نقص الأيدي العاملة في المدن التي تصيها الكوارث، نتيجة لمقتل الآلاف من سكانها، يعتبر كذلك من العوامل التي تعرقل عمليات الإنقاذ وإزالة الأنقاض؛ ولذلك فكثيرًا ما تلجأ الحكومات إلى قوات الجيش للمعاونة في هذه العمليات.

تشقق الأرض وتصدعها: كثيرًا ما تؤدي الكوارث الزلزالية إلى تشقق طبقات القشرة وتصدعها، وقد تهبط بعض المناطق وترتفع غيرها، وإذا كانت المنطقة الهابطة مجاورة للبحر؛ فقد يؤدي هبوطها إلى اختفائها تحت مياهه، كما حدث مثلًا في مدينة بورت رويال في جامايكا سنة 1964 حيث هبط جزء كبير من المدينة وغمرته مياه البحر. وكانت حركات الهبوط واضحة كذلك في حوض المسيسيي سنة 1811؛ حيث هبطت مناطق واسعة من ولايتي ميسوري وتينيسي، وتكونت في أجزاء منها بحيرات جديدة. وفي الزلزال الذي ضرب مدينتي طوكيو ويوكوهاما سنة 1923 هبطت أجزاء من قاع خليج ساجامى الذي نشأ الزلزال تحت قاعه بأكثر من 300 متر. أما حركات الرفع فقد كانت واضحة في زلزال ياكوتات في ألاسكا سنة 1899؛ حيث ارتفعت بعض المناطق الساحلية حوالي 15 مترًا. وقد يحدث في حالات نادرة أن تنشق الأرض، وتبتلع بعض ما على السطح من مظاهر ثم تنطبق على ما ابتلعته، وقد قيل أن هذا قد حدث بشكل واضح أثناء زلزال لشبونة سنة 1755. وقد كانت هذه الحادثة بالذات واحدة من الدوافع القوية التي حملت الباحثين على توجيه اهتمام أكبر إلى دراسة الزلازل على أساس علمي صحيح. التوزيع الجغرافي للزلازل: على الرغم من أن الهزات الزلزالية يمكن أن تسجل في أية بقعة من العالم، فإن المراكز التي تنشأ فيها الزلازل تقتصر بصفة عامة على النطاقات الضعيفة من قشرة الأرض، وهي نطاقات الانثناءات والانكسارات الحديثة التي ظلت حتى عصر البليستوسين عرضة لحركات تكتونية كثيرة، من أهمها الحركات الألبية الحديثة التي تنتمي إليها أعظم السلاسل الجبلية في العالم، ونفس هذه النطاقات هي التي تشتهر كذلك بكثرة ثوراناتها البركانية. ويدل توزيع الزلازل في العالم على أن هناك نطاقين رئيسيين لحدوثها ونطاقين آخرين أقل منهما أهمية. والنطاقان الرئيسيان هما رقم 1 ورقم 2، أما النطاقان الصغيران فهما رقم 3 ورقم 4 فيما يلي:

1- نطاق يمتد حول المحيط الهادئ ويشمل المناطق الساحلية في غرب الأمريكتين، وغرب آسيا، بما في ذلك نطاقات الجزر القريبة منها، وكذلك الجزر الواقعة إلى الشرق من استراليا. ويمكننا أن نضم إلى هذا النطاق كذلك جزر الهند الغربية، وقد تبين أن حوالي 68% من الزلازل التي سجلت في العالم قد نشأت في هذا النطاق. وهو نفس النطاق الذي يشتهر باسم الحلقة النارية Ring Fire بسبب كثرة براكينه. 2- نطاق يمتد في قلب العالم القديم بين الشرق والغرب. وهو يبدأ على سواحل المحيط الأطلسي في الغرب، ما بين جزر الرأس الأخضر "كيب فرد Cape Verde" في غرب أفريقيا حتى شمال البرتغال، ومن هنا يواصل امتداده نحو الشرق، في جنوب أوروبا، وإقليم جبال أطلس، ويستمر حتى شرق البحر المتوسط؛ ليشمل كل آسيا الصغرى وإيران والنطاقات الجبلية الواقعة جنوب بحر فزيون، وجبال هيمالايا ثم يتفرع نحو الشرق إلى فرعين أحدهما يواصل امتداده شرقًا إلى الصين؛ بينما ينحرف الثاني نحو الجنوب الشرقي في أسام وماليزيا والجزر الأندونيسية، حيث يلتقي بالنطاق الأول، وقد نشأ في هذا النطاق حوالي 21% من الزلازل التي سجلت في العالم. 3- نطاق يمتد في وسط المحيط الأطلسي من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه متميشًّا مع الشق الطولي الذي يوجد في وسط السلسلة المرتفعة الممتدة في وسط هذا المحيط، ويواصل هذا الشق امتداده نحو الجنوب، ثم يدور حول الطرف الجنوبي لأفريقيا، ويتجه نحو الشمال في غرب المحيط الهندي. شكل "65" النطاقات الرئيسية للزلازل

ب- النشاط البركاني Volcanic Activity Vuicanicity مظاهر النشاط البركاني: المقصود بالنشاط البركاني بأوسع معانيه هو خروج أي مادة من المواد من باطن الأرض، أو من طبقات القشرة، نتيجة لحدوث تغيرات أو حركات أرضية من أي نوع، أما بمعناه الضيق فإن المقصود به هو خروج المواد الباطنية المنصهرة إلى السطح، وهي في درجة حرارة عالية، سواء أكان هذا الخروج مصحوبًا بانفجارات عنيفة أو كان بصورة انسيابات هادئة. وعلى أساس المدلول الواسع لهذا النشاط فإنه يشمل المظاهر الآتية: 1- البراكين المركزية أو العادية Volcanoes: وفيها تندفع المواد المنصهرة الحارة "اللافا" من فتحة واحدة، وتتراكم بشكل مخروط حول هذه الفتحة. 2- غطاءات اللافا Lava Sheets: وفيها تنساب المواد المنصهرة بهدوء من شقوق في القشرة وتنتشر فوق منطقة واسعة. 3- العيون والنافورات الحارة Hot Springs & Geysers. 4- البراكين البطيئة. وكما هي الحال في الزلازل فإن النشاط البركاني كان أكثر حدوثًا، وأشد عنفًا خلال العصور الجيولوجية المختلفة؛ بل وخلال العهود التاريخية القديمه منه في الوقت الحاضر، تبعًا لما كانت عليه حالة الأرض من عدم استقرار. والمعروف أن هذا النشاط هو المسئول عن بناء الهضاب والجبال البركانية التي توجد في جهات كثيرة فوق اليابس؛ بل وفوق قاع المحيطات. وعلى الرغم من أن النشاط البركاني الذي مازال يحدث في الوقت الحاضر في أماكن متفرقة من العالم لم يعد يساهم بنصيب يستحق الذكر في المظهر التضاريسي العام لسطح الأرض عمومًا، فإن دراسة هذا النشاط تعتبر جزءًا مهمًّا جدًّا من الدراسات الطبيعية، وأهمها الدراسات الجغرافية والجيولوجية والجيوفيزيقية.

البراكين: المخروطات البركانية: إن اندفاع المواد المنصهرة من فتحة محدودة في سطح الأرض وتراكمها بشكل تل مخروطي هو المظهر الشائع للنشاط البركاني. وهو في الواقع المظهر الذي نقصده عادة عند الكلام على البراكين، كما أنه هو المظهر الذي ترتبط به الكوارث البركانية العنيفة التي تهز العالم من وقت إلى آخر. وعلى الرغم من أن المخروطات البركانية تتباين فيما بينها من بعض الوجوه، مثل الشكل ونوع اللافا والمواد الصلبة التي تتكون منها؛ فإنها تشترك في الصفات الرئيسية العامة؛ فالمخروط البركاني له عدة أجزاء معروفة تشترك فيها كل المخروطات تقريبًا، وأهم الأجزاء هي: 1- القصبة Conduit: وهي القناة التي تندفع عن طريقها الماجما المنصهرة، وغيرها من المواد البركانية من باطن الأرض إلى السطح، وتكون غالبًا دائرية وأشبه بالأنبوب الطويل المتسع. وهي تواصل امتدادها إلى أعلى وسط المخروط، ويزداد طولها كلما ازداد ارتفاعه. وتمتد القصبة عادة في اتجاه رأسي؛ ولكن قد يحدث مع ذلك أن تفتح المواد المندفعة لنفسها قصبة أو قصبات أخرى جانبية. ويحدث ذلك إذا توقف ثوران البركان لفترة من الزمن، وتصلبت اللافا في القصبة الأصلية وسدتها تمامًا؛ فإذا عاد البركان إلى الثوران فإن المواد المندفعة قد تعجز عن شق طريقها عبر القصبة الأصلية فتشق لنفسها قصبة أو أكثر في جانب المخروط. 2- العنق البركاني Volcanic Neck: وهو كتلة صخرية شديدة الصلابة، تبرز في أعلى بعض المخروطات البركانية القديمة، وتمثل جزءًا من القصبة البركانية التي تتكون من اللافا المتصلبة بعد أن أزيل المخروط من حولها بواسطة التجوية والتعرية. 3- الفوهة Vent: هي الطرف العلوي للقصبة

4- القمع Crater: وهو الحوض المخروطي الصغير الذي يبدأ من الفوهة ويتسع إلى أعلى ليحتل قمة البركان. 5- المخروط Cone: وهو جسم البركان نفسه، وكثيرًا ما يشار إليه باسم "البركان" أو الجبل البركاني. وقد يكون المخروط بسيطًا، وهذا هو الغالب؛ ولكنه قد يحمل على جانبيه مخروطًا صغيرًا أو أكثر. ويكون له في هذه الحالة أكثر من قصبة واحدة. ويحدث هذا إذا انسدت القصبة الأصلية واستطاعت المواد المندفعة أن تفتح قصبات جانبية جديدة؛ حيث تتراكم المواد البركانية حول فوهات القصبات الجديدة، وتتكون نتيجة لذلك مخروطات جانبية. ويطلق على المخروط في هذه الحالة اسم المخروط المركب Composite Cone. وتتباين المخروطات البركانية فيما بينها تباينًا كبيرًا في الحجم؛ فمنها ما لا يزيد ارتفاعه عن مائة متر، ومنها ما يصل ارتفاعه إلى أكثر من خمسة آلاف متر؛ ففي أفريقيا يبلغ ارتفاع مخروط جبل كليمانجارو 6010 أمتار، وجبل كينيا 5600 متر، وفي أوروبا يبلغ ارتفاع مخروط بركان إتنا 3500 متر وبركان فيزوف 1200 متر. الكولديرا Caldera: وهي حوض كبير متسع، جوانبه شديدة الانحدار، ويتكون في أعلى بعض المخروطات البركانية. ويرجع تكونه بصفة خاصة إلى اتساع القمع بفعل عوامل التعرية وعوامل التجوية وانهيار جوانبه؛ ولذلك فإن الكولديرا توجد غالبًا فوق المخروطات البركانية القديمة التي مضى على هدوئها وقت طويل، ولكنها قد تتكون كذلك فوق بعض المخروطات الحديثة، إذا ما حدث وهذأ البركان لفترة من الزمن ثم ثار مرة أخرى ثورانًا عنيفًا، بدرجة تؤدي إلى الإطاحة بقمته كلها، وفي هذه الحالة قد يمتلئ التجويف الذي تركته القمة المتطايرة بالمقذوفات الجديدة أو يتكون في وسط مخروط جديد صغير.

شكل "66" أشكال بركانية 1- مخروط من الرماد البركالي. 2- قبة من اللافا الحمضية. 3- مخروط من اللافا القاعدية. 4- مخروط ثانوي داخل قمع بركاني قديم. 5- مخروط بركاني مركب. 6- كولديرا. 7- عنق بركاني كشفته التعرية. 8- بحيرة لـ كالديرا.

وإذا سقطت الأمطار في منطقة البركان فإن الكولديرا تتحول إلى بحيرة بركانية جوانبها شديدة الانحدار. ويتحول المخروط الذي بوسطها "إن وجد" إلى جزيرة صخرية. وأكبر كولديرا من هذا النوع في العالم هو كولديرة آسو Aso في اليابان ويبلغ قطرها 22 كيلو مترًا. ولا يزال يوجد في وسطها بركان نشط. ومن البحيرات البركانية التي تستحق الذكر كذلك، والتي تكونت وسط كولديرات بحيرة أوريجون في الولايات المتحدة. وتوجد في وسطها جزيرة صغيرة تمثل مخروطًا بركانيًّا حديثًا، وكذلك بحيرة توبا Toba في شمال غرب جزيرة سومطرة. مخروطات اللافا الحمضية Aeidic L واللافا القاعدية "أو البازلتية" Basic L: تشترك اللافا التي تنطلق من فوهات البراكين في أنها تكون عند بدء خروجها شديدة الحرارة جدًّا؛ بحيث تزيد درجة حرارتها عادة عن 1000 ْ درحة مئوية؛ إلا أنها تتباين فيما بينها من حيث درجة السيولة التي تتوقف على نسبة السيلكا التي تدخل في تركيبها، وعلى هذا الأساس تنقسم اللافا إلى نوعين رئيسيين هما: اللافا الحمضية التي تدخل السليكا في تركيبها بنسبة كبيرة، واللافا القاعدية التي تدخل فيها السليكا بنسبة صغيرة. واللافا الحمضية تكون عادة ثقيلة ولزجة، وتتحرك لهذا السبب ببطء شديد، وسرعان ما تتصلب بمجرد خروجها إلى السطح فتتكون منها مخروطات مرتفعة؛ ولكنها صغيرة المساحة، وكثيرًا ما تأخذ شكل القباب. ومن أمثلتها المخروطات البركانية الموجودة في هضبة بوهيميا والقباب التي توجد في جزر ري بونيون Reunion في المحيط الهندي، والقباب الموجودة في منطقة ناشونال بارك National Park، في جبال روكي بالولايات المتحدة، أما اللافا القاعدية "البازلتية" فتكون أكثر سيولة وتنساب لمسافات كبيرة قبل أن تبدأ في التصلب. وتكون مخروطاتها لهذا السبب قليلة الارتفاع وتغطي مناطق أوسع بكثير من مخروطات اللافا الحمضية، ومن الطبيعي أن تتزايد درجة السيولة كلما زادت قاعدية اللافا "أي نقصت نسبة السليكا بها" ويؤدي ذلك إلى انسيابها بعد خروجها

بسرعة كبيرة مما يؤدي إلى اتساع المناطق التي تغمرها، ومن أمثلتها معظم المخروطات البركانية في جزر هوائي. واللافا الحمضية مكونة أساسًا من مواد جرانيتية ألوانها فاتحة، ومائلة إلى البياض أو الرمادي الفاتح أو الاحمرار، وعندما تتصلب على السطح تتكون منها صخور الريوليت Phiotite أو الانديسيت. ويتكون الريوليت إذا كانت اللافا شديدة الحموضة، وهو يتميز بألوانه الفاتحة، أما الانديست فيتكون إذا كانت اللافا متوسطة الحموضة وتكون ألوانه داكنة نوعًا ما. أما اللافا القاعدية فتتكون أساسًا من مواد بازلتية مائلة إلى السواد. وعندما تتصلب تتكون منها صخور البازلت. وتختلط باللافا عند خروجها غازات مختلفة إلا أن غازات اللافا القاعدية تكون أكثر من غازات اللافا الحمضية؛ ولذلك فإن البازلت الناتج عنها يحتوي عادة على كثير من الثقوب التي سببها خروج الغازات منها ويؤدي خروج هذه الغازات من اللافا، وخصوصًا اللافا القاعدية إلى تكون كثير من الفقاقيع فوق سطحها، ويكون مظهرها شبيهًا بمظهر الزبد "الرغوة" وعندما تتصلب هذه الفقاقيع فإنها تكون الصخر المعروف باسم صخر الخفاف Pomice وهو صخر خفيف جدًّا تكثر به الثقوب والمسام. وإذا تكون من اللافا الحمضية فإن لونه يكون مائلًا إلى البياض، أما إذا تكون من اللافا القاعدية؛ فإن لونه يكون مائلًا إلى السواد. وكثيرًا ما تتكون فوق سطح اللافا القاعدية طبقة متصلة من الفقاقيع المتصلبة التي تبدو في هذه الحالة بشكل الزبد، ويطلق على هذه الطبقة لهذا السبب اسم الزبد الصخري Scoriae. المقذوفات البركانية الأخرى "غير اللافا": تنطلق من فوهات البراكين، بالإضافة إلى اللافا السائلة، مواد أخرى صلبه وغازية تختلف في أنواعها وكمياتها من بركان إلى آخر، وفيما يلي وصف لأهم هذه المواد

المقذوفات الصلبة: تتكون هذه المقذوفات من حبات صلبة وقطع صخرية مختلفة الأشكال والأحجام، وأهم أنواعها هي: 1- البريشيا البركانية Volcanic Broccia وهي قطع صخرية ذات زوايا وجوانب حادة، وهي تنشأ من تكسر الصخور الصلبة التي كانت تسد القصبة والفوهة قبل الثوران، ويؤدي انفجار البركان عادة إلى ارتفاعها في الجو مئات الأمتار. 2- القذائف البركانية Volcanic Broccia وهي عبارة عن كرات ملساء شكلها قريب من شكل الكمثرى، ويبلغ قطر الواحدة منها حوالي ثلاثة سنتيمترات أو أكثر قليلًا، وهي تتكون من انطلاق قطع من اللافا المنصهرة في الهواء وتصلبها أثناء هبوطها، وهذا هو السبب في أخذها شكل الكمثرى. 3- الجمرات Cinders أو اللاب Lapilli ويقصد بها القذائف البركانية الصغيرة التي يتراوح قطرها بين ثلاثة سنتيمترات ونصف سنتيمتر. 4- الرماد Volcanic Ashes وهو عبارة عن حبات حصوية صغيرة يتراوح قطرها بين ربع ملليمتر ونصف سنتيمتر، وهي تتراكم فوق مخروط البركان نفسه، أو تنتشر في مساحات واسعة حوله، وقد تتكون منها طبقة سميكة تكسو سطح الأرض. 5- الغبار البركاني Volcanic Dust ويشمل أدق المواد الصلبة التي تنطلق من البركان والتي لا يزيد قطر حبيباتها عن ربع ملليمتر، ونظرًا لخفتها؛ فإنها ترتفع عند انفجار البركان إلى علو كبير في الجو، وقد تبقى عالقة بالهواء مدة طويلة، وتحملها الرياح العليا إلى مسافات بعيدة جدًّا، ومن أشهر الأمثلة على ذلك الغبار الذي انطلق من بركان كراكاتوا عند ثورانه سنة 1883 فقد ذكر الباحثون أن بعض هذا الغبار ظل عالقًا بالجو لمدة عام كامل، وأنه دار حول الكرة الأرضية كلها. وإذا حدث وسقطت الأمطار في منطقة البركان "وهو ما يحدث في غالب الأحيان"؛ فإنها تسقط عادة بغزارة متناهية وتختلط عند سقوطها بالغبار فتتحول إلى أمطار طينية وتتكون منها سيول جارفة على جوانب البركان فتغمر المناطق المجاورة، وتصيبها بخسائر كبيرة؛ ولكنها قد تؤدي كذلك إلى تكوين طبقات جديدة من التربة البركانية الخصبة.

وقد يكون المخروط البركاني مكونًا بأكمله من المواد الصلبة التي سبق ذكرها، وخصوصًا من الرماد والجمرات. وتشتهر أيسلنده بصفة خاصة بوجود هذا النوع من المخروطات ومن أشهرها المخروطات القريبة من العاصمة ريكيافيك وعددها حوالي تسعون مخروطًا، وتترواح ارتفاعاتها بين 40 و 50 مترًا، وكلها مكونة من الرماد البركاني. ويعتبر بركان دي فويجو Volcans de Fuego في جواتيمالا أعلى مخروط مكون من الرماد البركاني في العالم. ويبلغ ارتفاعه حوالي 3300 متر، ومن أمثلة هذه المخروطات أيضًا مخروط بركان مونت، نوفو Monte Novo إلى الغرب من نابولي في إيطاليا، وهو بركان حديث العهد جدًّا، ويبلغ ارتفاعه حوالي 500 متر. وكذلك المخروط الذي تكون في سنة 1937 عند خليج بلانش Blancho Bay قرب راباول Rabaul في أرخبيل بسمارك، وقد وصل ارتفاعه خلال الأيام الثلاثة الأولى من عمره 224 مترًا، وكذلك بركان باريكوتين Paricutin الذي بدأ ثورانه في سنة 1943 ووصل ارتفاعه 455 مترًا. المقذوفات الغازية: إن المواد الغازية التي تنطلق من البراكين كثيرة ومتنوعة؛ إلا أن أهمها هو بخار الماء وبعض غازات الكبريت والكلور والأيدروجين وثاني أكسيد الكربون، وتقدر نسبة المواد الغازية التي تخرج من البراكين عمومًا بنحو 5% من مجموع المقذوفات البركانية، وأهم المواد الغازية على الإطلاق هو بخار الماء، الذي يكون وحده ما بين 75% و 95% من مجموعها ولهذا السبب؛ فإن ثوران البراكين يصحبه غالبًا انهمار الأمطار بغزارة متناهية فوق منطقة البركان. وما زال مصدر بخار الماء الذي تطلقه البراكين غير معروف بالضبط؛ ولكن من الممكن أن يكون مستمدًا من المياه المحجوزة في صخور باطن الأرض منذ نشأتها الأولى، أو أنه ينشأ نشأة جديدة عندما يمتزج الأيدروجين الذي ينطلق من البراكين، والذي كان واقعًا تحت ضغط شديد، بأوكسجين الهواء. وقد يكون بعض البخار المنطلق من البركان مستمدًا كذلك من مياه البحار أو غيرها من المياه السطحية التي استطاع

بعضها أن يتسرب إلى أعماق كبيرة في قشرة الأرض، وهكذا فإن المياه التي تتكون من البخار المنطلق من البراكين تعتبر، ولو بصورة جزئية، مياهًا جديدة تضاف إلى مياه سطح الأرض، وهذا يؤكد القول بأن الثورانات البركانية العنيفة التي حدثت بكثرة في المراحل الأولى لتاريخ الأرض قد ساهمت مساهمة كبيرة في تكوين مياه البحار والمحيطات. أما بقية الغازات فبعضها قابل للاشتعال مثل الأيدروجين. وعندما تختلط هذه الغازات بأوكسجين الهواء؛ فإنها تشتعل فجأة ويتكون من اشتعالها اللهب، الذي يشاهد فوق الفوهة. ويلاحظ أن الغازات التي تنطلق من البراكين ليست ثابتة لا في أنواعها ولا في كمياتها؛ فهي تختلف من بركان إلى آخر بل، وفي البركان الواحد أثناء مراحل ثورانه في المرة الواحدة، أو في المرات المختلفة. كما أن خروجها قد يستمر بهدوء نسبيًّا من بعض فوهات البراكين لعشرات بل لمئات السنين. ومثال ذلك بركان استرامبولي في جزر لاباري في جنوب إيطاليا، حيث تنطلق منه بعض الغازات باستمرار فتشتعل عند قمته معطية ضوءًا مستمرًا. وقد اشتهر هذا البركان لهذا السبب باسم فنار البحر المتوسط، وقد يصحب الغازات التي تخرج منه في بعض الأحيان خروج اللافا المنصهرة بشكل ثورانات خفيفة متقطعة. السحابة البيلية Pelean Cloud: وقد يحدث أن تكون الغازات المنطلقة من فوهة البركان كثيفة جدًّا، ومختلطة بكميات كبيرة من الغبار والرماد وغيرها من المقذوفات الصلبة؛ فيظهر هذا الخليط بشكل سحابة ضخمة كثيفة داكنة وشديدة الحرارة جدًّا. فإذا كانت الغازات مندفعة من فتحة جانبية، فإن هذه السحابة تندفع أفقيًّا فوق سطح الأرض بسرعة شديدة فتقضي عند اندفاعها على كل مظاهر الحياة والعمران التي في طريقها. وتشتهر بعض البراكين بهذه السحب وخصوصًا بركان بيليه Mont Pelee في جزيرة المرتين Martinique في البحر الكاريبي؛ ففي إحدى ثورانات هذا البركان "سنة 1902" تكونت سحابة ضخمة من هذا النوع، واندفعت بغازاتها السامة وحرارتها المرتفعة، وبما تحمله من مواد صلبة كثيرة بسرعة تفوق سرعة أقوى العواصف فقضت في ثوان معدودة على كل ما صادفها من

مظاهر الحياة والعمران بما في ذلك مدينة سانت بيير St. Pierre التي تبعد عن البركان بحوالي ثمانية كيلومترات؛ فدمرتها وقتلت كل سكانها البالغ عددهم حوالي ثلاثين ألفًا. وهذه الحادثة بالذات هي التي وجهت نظر بعض العلماء إلى الاهتمام بدراسة هذا النوع من البراكين؛ فأعطوا له اسمًا علميًّا إنجليزيًّا منسوبًا إلى بركان بيليه وهو "السحابة البيلية" ويقابله في اللغة الفرنسية التعبير العلمي "نووي أردنت Noee Ardente". والمعتقد أن هذه الظاهرة تحدث نتيجة لتجمع كميات ضخمة من المواد الغازية في منطقة الماجما التي تغذي البركان خلال مدة طويلة مع انسداد طرق خروجها إلى السطح؛ ففي هذه الحالة تتزايد كمياتها ويتزايد ضغطها حتى تستطيع في النهاية أن تشق لنفسها طريقًا إلى السطح، وقد تؤدي قوة اندفاعها وضغطها إلى القذف بالمخروط البركاني كله أو بقمته إلى أعلى، وقد كان تكون السحب البركانية الكثيفة واضحًا كذلك في ثورانات بركانية أخرى غير ثورانات بركان بيليه، ومنها بعض ثورانات بركان كراكاتوا وبركاني فالكان Vulcan وفيزوف في جزر لاباري بجنوب إيطاليا؛ ولكن سحب الغازات الكثيفة كانت في أغلب هذه الثورانات ترتفع إلى أعلى "بخلاف ما حدث في بركان بيليه"، وكانت في بعض الأحيان تأخذ الشكل الذي يشبهه بعض الكتاب بشكل ثمرة القنبيط. تقسيم البراكين على حسب نشاطها: لما كانت البراكين من المظاهر التي لازمت الأرض منذ نشأتها الأولى فمن الطبيعي أن يكون بعضها أقدم بكثير من بعضها الآخر وأن يكون بعضها قد انتهى منذ زمن بعيد بعد أن استقرت المنطقة التي ظهر فيها؛ بينما يكون بعضها الآخر حديث العهد، ويكون معرضًا للثوران بسبب وجوده في منطقة مازالت غير مستقرة. وعلى هذا الأساس قسمت البراكين تقسيمًا عامًّا إلى ثلاثة أنواع هي: 1- البراكين الخامدة Extict: ويقصد بها البراكين التي ظهرت في العصور الجيولوجية المختلفة، ثم توقف نشاطها منذ زمن بعيد ولم يعد يبدو عليها أي مظهر من مظاهر النشاط؛ بل ولم يعد من المحتمل أن يظهر عليها أي نشاط في

المستقبل بعد أن استقرت المناطق التي توجد فيها. ومثل هذه البراكين كثيرة جدًّا ومنتشرة في كل القارات، وتقدر أعدادها بالآلاف ولا يزال معظمها محتفظًا بشكله المخروطي الواضح. 2- البراكين الهادئة Dormant: ويقصد بها البراكين التي هدأت منذ وقت قريب نسيًّا مثل البراكين التي ظهرت خلال العهود التاريخية القديمة أو الوسيطة؛ فمثل هذه البراكين لا تزال معرضة لأن تجدد نشاطها وتثور خصوصًا إذا كانت موجودة في منطقة من مناطق الضعف المعروفة في قشرة الأرض، وهي مناطق الإنشاءات والانكسارات الحديثة. 3- البراكين النشطة Active: ويقصد بها البراكين التي ثارت في عهد قريب، أو التي تبدو عليها بعض مظاهر النشاط مثل خروج بعض الغازات من فوهاتها. ومثل هذه البراكين معرضة للثوران في أية لحظة. ومن أمثلتها معظم براكين جنوب إيطاليا، وأهمها براكين فيزوف وإتنا واسترامبولي وبعض براكين إندونيسيا مثل بركان أجونج وبركان كراكاتوا، وغير ذلك من البراكين الأخرى المنتشرة في العالم. ويبلغ مجموع هذا النوع من البراكين الهادئة "التي مازال هناك احتمال عودة نشاطها رغم طول مدة هدوئها" 800 بركان موزعة في كل القارات، ونصف هذا العدد تقريبًا عبارة عن براكين نشطة بالفعل. أسباب ثوران البراكين: من الثابت أن ثوران البراكين ينتج عن قوى وتغيرات معينة تحدث في قشرة الأرض أو تحتها؛ ولكن ليس من السهل تحديد الدور الذي تقوم به القوى والتغيرات المختلفة وعلاقة كل منها بتركيب الباطن وحركات القشرة. خصوصًا وأن الثورانات البركانية لا تأخذ كما رأينا شكلًا واحدًا؛ بل إنها تختلف من بركان إلى آخر، ومع ذلك فمن المؤكد أن العوامل التكتونية وما يترتب عليها من تكسر وانثناء لها علاقة قوية بثوران البراكين لأنها قد تؤدي إلى زيادة الضغط الواقع على الماجما في بعض المواضع الأخيرة إن لم تكن منصهرة بالفعل، ثم اندفاعها إلى أعلى بتأثير الضغط الذي تتعرض له. وهذا يتفق مع ما هو معروف من وجود كل

البراكين النشطة في الوقت الحاضر في مناطق الضعف من قشرة الأرض، وهي المناطق التي ما زالت غير مستقرة تمامًا والتي ما زالت معرضة لحدوث الزلازل، ولذلك فإن هناك تطابقًا كبيرًا بين توزيع البراكين وتوزيع الزلازل في العالم. وبالإضافة إلى العوامل التكتونية هناك عوامل أخرى يمكن أن تتدخل في الثوران البركاني وفي تحديد طبيعته ومن أهمها التركيب الصخري للمنطقة، وتجمع الغازات والأبخرة في تركيبات خاصة تحتبس فيها ويكون لها في هذه الحالة ضغط شديد جدًّا؛ فإذا ما سنحت لها الفرصة للانطلاق فإنها تنطلق بقوة وتندفع وراءها كميات من الماجما المنصهرة، كما تحمل عند انطلاقها كثيرًا من الأتربة وأجزاء الصخور التي توجد في طريقها، وإذا حدث وتسربت المياه السطحية وخصوصًا مياه البحار إلى أعماق كبيرة، ووصلت إلى تكوينات الماجما؛ فإنها تبخر فجأة ويؤدي تجمع البخار إلى تزايد ضغطه مما يساعد على حدوث الثوران البركاني. ومن الأدلة المهمة التي تذكر لترجيح هذا الرأي أن معظم البراكين النشطة موجودة بالقرب من البحر، وأن بخار الماء ينطلق منها عند ثورانها بكميات ضخمة تؤدي إلى سقوط الأمطار بغزارة في منطقة البركان. غطاءات اللافا LAVASHEETS: وهي عبارة عن هضاب متسعة مكونة من اللافا المستمدة من الماجما المنصهرة بعد خروجها إلى السطح عن طريق شق أو أكثر من شقوق القشرة Fissures، وأهم ما يميزها عن المخروطات البركانية أن المواد المنصهرة التي كونتها لا تخرج إلى السطح عن طريق فتحة مركزية؛ بل عن طريق شقوق عديدة، وأن خروجها لا يكون مصحوبًا بأي انفجارات، بل يكون بشكل انسيابات هادئة، وأنها لا تشكل أي مخروطات ظاهرة بل تتوزع على مساحة كبيرة من سطح الأرض، وتتراكم منها طبقات متتالية كلما تكرر خروج اللافا القاعدية "البازلتية" التي تتميز بسيولتها، وهذا هو السبب في انتشارها على مساحات كبيرة، وقد يصل سمك كل طبقة من الطبقات المتراكمة إلى بضعة أمتار؛ إلا أن سمكها الكلي قد

يصل إلى ألف متر أو أكثر، وتتكون منها في هذه الحالة هضاب عظيمة الارتفاع والامتداد. ومن أمثلة غطاءات اللافا التي تكونت بهذه الطريقة الغطاء الضخم الذي يشغل مساحة كبيرة في غرب الولايات المتحدة ويشغل قسمًا كبيرًا من ولايات واشنطن وأورجون وأيداهو، ويبلغ سمكه حوالي نصف مليون كيلو متر مربع، وكذلك الغطاء الذي يشغل مساحة واسعة في شمال غرب هضبة الدكن، ويطلق عليه اسم مصائد الدكن Deccsan Traps وتبلغ مساحته حوالي نصف مليون كيلو متر مربع، وكذلك الغطاءات التي تغطي منطقة واسعة في شمال شرق أيرلنده والتي تغطي منطقة واسعة كذلك في جزيرة أيسلنده. النطاقات الرئيسية للبراكين: إن أهم النطاقات البركانية في العالم هو النطاق الذي يمتد حول المحيط الهادي، والذي يشتهر لهذا السبب باسم الحلقة النارية؛ ففي هذا النطاق يوجد حوالي 88% من براكين العالم، بعضها نشط وبعضها خامد أو هادئ. ويمكننا أن نتتبع هذا النطاق من البراكين إبتداء من جنوب أمريكا الجنوبية نحو الشمال على طول جبال الأنديز حتى أمريكا الوسطى والمكسيك. ويوجد في جبال روكي عدد كبير من البراكين الخامدة، ولكن أغلبها لم يخمد إلا في أزمنة حديثة نسبيًّا. ثم تظهر البراكين النشطة مرة أخرى في ألاسكا. ومن هنا يواصل النطاق امتداده في جزر ألوشيان وشبه جزيرة كمتشتكا ثم في جزر كوريل واليابان وفرموزا والفلبين حتى مجموعة جزر Moluccas. وهناك نطاق آخر يمتد عبر جرز أندونيسيا ويكاد يتصل بالنطاق السابق عند جزر ملقا. وهو يبدأ في جنوب برما ويمتد عبر جزر اندمان وسومطرة وجاوة وإيريان وجزر سليمان حتى نيوزيلندة. ويعتقد البعض أن مجموعة البراكين الخامدة التي توجد في القارة القطبية الجنوبية "أنتاركتيكا"، ومن أبزرها إريبوس Mount Erebus ليست امتدادًا لهذا النطاق.

وهناك عدد من البراكين النشطة في مجموعات الجزر التي تنتشر في وسط المحيط الهادي، كما هي الحال في جزر ساندوتش Sandwich، وتنجا Tonga وساموا Samoa. ويلاحظ أن مجموعات الجزر التي في وسط هذا المحيط يرجع بعضها إلى أصل بركاني بينما ينتمي بعضها الآخر إلى أصل مرجاني، وتعتبر جزر فيجي من نوع الجزر البركانية، ولكن لم يعد يظهر بها أي نشاط بركاني في الوقت الحاضر. ويوجد في نطاق آخر من البراكين يمتد من الشرق إلى الغرب في جنوب قارتي آسيا وأوروبا؛ ففي آسيا يوجد عدد من المخروطات البركانية في المنطقة التي تلتقي عندها حدود إيران بحدود أفغانستان وبلوخستان، ومعظمها براكين خامدة؛ ولكن بعضها ما زالت تخرج منه بعض الغازات الكبريتية من وقت إلى آخر. ويوجد كذلك عدد من البراكين الخامدة في بلاد القوقاز، ومن أشهرها جبل البرز Elburz في القوقاز أرارات في أرمينيا. وتعتبر مجموعة من البراكين التي في جنوب إيطاليا، وأهمها فيزوف وإتنا واسترامبولي من أشهر براكين العالم التي ما زالت نشطة. ويشتهر بركان استرامبولي في الوقت الحاضر باسم فنار البحر المتوسط بسبب اللون الأحمر للحمم التي ما زالت تخرج من فوهته، والتي ينعكس ضوؤها على سحب الدخان التي فوقه. ويوجد هذا البركان في جزر لاباري Lapari Isl ands الواقعة قرب الطرف الجنوبي الأقصى لشبه الجزيرة الإيطالية، وتنبثق اللافا من فوهته انبثاقًا هادئًا بمعدل مرة كل ساعة أو أقل قليلًا. ويوجد في جزر الهند الغربية عدد من المخروطات البركانية وخصوصًا في جزر انتيل الصغرى التي ترجع في جملتها إلى أصل بركاني. ومعظم البراكين هنا من النوع الخامد، ولئن كان بعض منها ما زالت تبدو عليه مظاهر النشاط. وبالإضافة إلى النطاقات البركانية الكبرى التي تم وصفها، يوجد عدد من البراكين في أيسلنده التي تعتبر في الواقع جزءًا من نطاق بركاني قديم كان يمتد من جرينلاند في الغرب حتى شمال أيرلنده في الشرق، وتعتبر جزر آزور ومديرا

والرأس الأخضر "كيب فرد" والكناريا كلها من أصل بركاني، ولكن كل براكينها قد خمدت في الوقت الحاضر، ومع ذلك فقد حدثت خلال بعض العهود التاريخية بعض الثورانات البركانية في جزر الكناريا. شكل "67" توزيع البراكين في العالم بعض مظاهر النشاط الاخرى الشبيهة بالبراكين: ذكرنا أن النشاط البركاني بمعناه الواسع يمكن أن يشمل خروج أي مادة من باطن الأرض إلى السطح أو من طبقات القشرة العميقة؛ نتيجة لحدوث أي تغيرات لها علاقة بالباطن؛ ولهذا فمن الممكن أن نضم إليه بعض الظاهرات الأخرى الشبيهة بالبراكين أهمها: 1- البراكين الطينية: وهي عبارة عن براكين تخرج منها مياه طينية تختلط بها كثير من الغازات الكربونية فعند اندفاع هذه الغازات من الطبقات للقشرة، تندفع معها أحيانًا بعض المياه الجوفية؛ فإذا ما صادفت هذه المياه عند خروجها رواسب طينية فإنها تختلط بها وتخرج إلى السطح بشكل نافورة مياه طينية شديدة الحرارة وتوجد هذه

البراكين عادة في المناطق الغنية بالبترول بسبب تجمع كثير من الغازات الكربونية تحت طبقات القشرة؛ ولذلك فإن ظهورها يعتبر في الغالب دليلًا قويًّا على وجود البترول في المنطقة وقد يكون انفجار البركان الطيني قويًّا جدًّا، كما يحدث في الثورانات البركانية العادية، مع اختلاف المواد التي تخرج في الحالتين. وقد حدث في شهر مارس سنة 1959 أن ظهر بركان طيني في جزيرة سخالين في بقعة لم يكن قد حدث فيها أي ثوران بركاني من قبل. وقد بدأت الظاهرة بحدوث ارتفاع في قشرة الأرض في قاع أحد الوديان وظهوره بشكل قبة. وبعد ذلك بدأ اندفاع الغازات والمواد الطينية بكثرة وصحبها حدوث انفجارات عنيفة. 2- العيون والنافورات الحارة Hot Springs & Geysers: تعتبر هذه العيون والنافورات من الظاهرات التي لها من غير شك علاقة بباطن الأرض ومصدر المياه الحارة هو المياه التي تتسرب في شقوق القشرة الأرضية، وتصل إلى أعماق كبيرة درجة حرارتها مرتفعة، وتظهر العيون والنافورات إذا وجدت هذه المياه طريقًا يوصلها إلى السطح، وقد تذيب المياه عند خروجها بعض الأملاح مثل أملاح الكبريت، التي جعلت لها قيمة طيبة في بعض الأماكن، ومن أمثلتها مياه عيون حلوان في مصر، وعين السخنة في جنوب السويس وعين حمام فرعون في شبه جزيرة سيناء، وتخرج المياه الكبريتية من العين الأخيرة في درجة حرارة 73 ْ درجة مئوية تقريبًا. وإذا كانت المياه الحارة واقعة تحت ضغط شديد؛ فإنها تندفع بعد وصولها إلى سطح الأرض إلى ارتفاع قد يصل إلى 90 مترًا أو أكثر. وأشهر المناطق بنافوراتها الحارة هي جزيرة أيسلنده التي يوجد بها حوالي مائة نافورة من هذا النوع، كما يوجد عدد من هذه النافورات في منطقة يلوستون بارك Yellowstone Park في إقليم جبال روكي بالولايات المتحدة، ويوجد عدد آخر في نيوزيلندا وفي مناطق أخرى كثيرة متفرقة في العالم.

العوامل الخارجية التي تساهم في تشكيل سطح اليابس

2-4-2-العوامل الخارجية التي تساهم في تشكيل سطح اليابس. أنواعها: بالإضافة إلى العوامل التكتونية التي سبق شرحها؛ فإن الصخور التي يتكون منها سطح الأرض تخضع كذلك لفعل عوامل خارجية كثيرة ومتنوعة، يؤثر كل منها في الصخور بشكل خاص، وإن كان من النادر أن يكون تأثير أي منها مستقلًا عن تأثيره غيره، والغالب هو أن يعمل أكثر من عامل من هذه العوامل في المكان الواحد في وقت واحد، وليس المظهر الجيومورفولوجي لأي منطقة من المناطق إلا نتيجة لتضافر مجموعة معقدة من العوامل الباطنية والخارجية على حد سواء. ومن الواضح أن المقصود بالعوامل الخارجية هو العوامل التي لا علاقة لها بحركات الباطن؛ بل ترتبط بظروف المناخ والمياه الجارية والتغيرات الكيميائية والميكانيكية التي تحدث على السطح. وتنقسم العمليات التي تقوم بها العوامل الخارجية في تشكيل سطح الأرض إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي: أولًا: عمليات التجوية Weathering: ويقصد بها عمليات تفكك الصخور وتفتتها أو تحللها مع بقائها في أماكنها. ثانيًا: عمليات النحت والنقل والإرساب: وهي تمثل سلسلة من العمليات التي تبدأ بعملية نحت الصخور Erosin أو تجويتها، ثم نقل المواد المفتتة Transportation إلى أماكن أخرى بواسطة الرياح أو المياه أو الجليد أو غيرها، وتنتهي بترسيب هذه المواد في الأماكن الجديدة Deposition. وهذه العمليات هي التي يطلق عليها في مجموعها اسم "التعرية Denudation " ويطلق على العوامل التي تسببها اسم "عوامل التعرية"؛ وذلك على الرغم من أن العملية الأخيرة منها وهي عملية الإرساب ليست في الواقع عملية تعرية؛ بل إنها على العكس من ذلك

عملية تغطية وبناء Aggradation. ونظرًا لأن العمليتين الأولى والثانية وهما عمليتا النحت والنقل يؤديان إلى تآكل وتخفيض سطح الأرض؛ فإنهما هما اللتان يشملهما تعبير "التحات Degratation". ثالثًا: الانهيارات التي تتعرض لها طبقات الصخور وتكوينات التربة: وهي لا تعتبر من عمليات التعرية على الرغم من وجود بعض الشبه في النتائج التي تترتب على كل منها؛ وذلك بسبب اختلاف طبيعة كل منهما واختلاف العوامل التي تتدخل في حدوثهما.

أولا التجوية

أولاً: التجوية WEATHERING. تعريفها: المقصود بالتجوية هو تفكك الصخور وتفتتها أو تحللها وهي في موضعها in citu أي دون أن يتغير موضع المواد المفككة أو المفتتة أو المتحللة. ومن الواضح أن تفكك الصخور وتفتتها هما عمليتان آليتان أو طبيعيتان، أما تحللها أو تحلل معادنها؛ فهي عملية كيميائية، وبناء على ذلك فإن هناك نوعين من التجوية أحدهما آلي أو طبيعي والثاني كيميائي. وعلى الرغم من هذا التقسيم فمن النادر أن يحدث أي نوع منهما بمفرده، والغالب هو أنهما يحدثان معًا؛ ولكن قد يكون أحدهما سائدًا على الآخر ويكون تأثيره أكبر وأوضح منه. ويتوقف ذلك على مدى توفر الظروف الملائمة لأي منهما في البيئات المختلفة. وتأخذ عمليات التجوية الآلية أشكالًا مختلفة من أهمها تقشر سطح الصخور وتفكك الصخر نفسه أو تفتته. أما عمليات التجوية الكيميائية فأهمها الذوبان والتأكسد وهو اتحاد المعادن مع الأكسوجين لتكوين أكاسيد، ثم التكربن وهو الذوبان في المياه المحملة بثاني أكسيد الكربون والتموء وهو التحلل بواسطة الماء. ومن الواضح أن عمليات التجوية مختلفة تمامًا عن عمليات التعرية، ومع ذلك فإن هناك علاقة قوية بينهما لأن كلا منهما تساعد الأخرى على القيام

بدورها. فمن المؤكد أن عوامل التعرية تستطيع أن تنحت الصخور التي أضعفتها أو فتتها التجوية بدرجة أكبر من نحتها الصخور التي لم تتأثر بها، كما أنه من المؤكد من ناحية أخرى أن إزالة عوامل التعرية للأجزاء الصخرية التي تفككت وتفتت بواسطة التجوية، أتؤدي إلى كشف سطوح جديدة من الصخر فتقوم التجوية بإضعافها وتفتيتها هي الأخرى، ومعنى ذلك أن هناك تضافرًا بين عمليات التجوية وعمليات التعرية على تشكيل سطح الأرض. العوامل التي تتحكم في التجوية: والعوامل التي تتحكم في التجوية كثيرة ومتشابكة، وليس من السهل أن نفصل الدور الذي يقوم كل عامل منها في تشكيل سطح الأرض عن الدور الذي يقوم به غيره من العوامل بما في ذلك عوامل التعرية، ومع ذلك فمن الممكن أن نقسم العوامل التي تؤثر في التجوية إلى أربعة أقسام هي: 1- تركيب الصخر Structure of the Rock 2- العوامل المناخية Climatic Factors 3- طوبراغرفية سطح الأرض Surface Topograhy 4- العوامل الحيوية Biological Factors.

ثانيا التعرية

ثانياً: التعرية DENUDATION OR EROSION. تعريفها: المقصود بالتعرية هو كشف السطح ونقل مواده من مكان إلى آخر، وهي تختلف اختلافًا جوهريًّا عن التجوية؛ فبينما لا تتضمن التجوية تحريك المواد التي تنتج عنها فإن التعرية تتضمن عمليات كثيرة تتلخص في نحت الصخور ونقل موادها من أماكنها. ومعنى ذلك أنها تؤدي وظيفتين متعارضتين إحداهما هي الكشف والهدم بواسطة نحت الصخور ونقل موادها، والثانية هي البناء بواسطة إرساب المواد المنقولة في أماكن جديدة؛ ولذلك فإن تسميتها بالتعرية فيه كثير من التجاوز، ولهذا السبب فإن كثيرًا من الكتاب الغربيين يستخدمون تعبير Denudation للدلالة على التعرية بمعناها الشامل الذي يتضمن الهدم والبناء معًا؛ بينما يستخدمون تعبير Erosion للدلالة على النحت والهدم. وأهم عوامل التعرية بمعناها الشامل: هي الرياح والمياه الجارية ومياه البحار والجليد. 1- الرياح: تساهم الرياح بطريق مباشر في تشكيل سطح الأرض، ويكون تأثيرها واضحًا بصفة خاصة في الأقاليم الصحراوية وشبه الصحراوية؛ لأن رياح هذه الأقاليم تكون قوية في أغلب الأوقات؛ ولأن سطح أرضها مكشوف ولا يحميه أي غطاء نباتي يستحق الذكر، ولهذا فقد أصبحت الرياح هي المسئولة عن تكوين كثير من الظاهرات الطوبرغرافية المنتشرة فيها؛ ولكن هذا لا يمنع من أن توجد في نفس هذه الأقاليم ظاهرات أخرى يرجع تكوينها إلى فعل المياه الجارية، كما سنبين عند الكلام على الدور الذي تقوم به هذه المياه في تشكيل سطح الأرض ويتضمن دور الرياح في تشكيل سطح الأرض "وخصوصًا المناطق الجافة" أربع عمليات محددة هي 1- النحت "أو البرد" Abrasion 2- الصقل بطريق الاحتكاك Attrition

شكل "68" بعض الأشكال الناتجة عن النحت بواسطة الرياح شكل "69" كثيب هلالي

3- التذرية والنقل Deflation 4- الإرساب Deposition وعلى الرغم من أن كل عملية من هذه العمليات تختلف في طبيعتها وفي وظيفتها عن العمليات الأخرى؛ فإنها جميعًا تؤدي أدوارها في وقت واحد. فعندها تقوم الرياح بنحت أو إزالة أجزاء من السطح، فإنها تحمل معها المواد الناعمة التي تكونت بسبب النحت والتجوية، ثم تقوم بترسيبها في أماكن جديدة. ومعنى ذلك أن الرياح تقوم بدورين متضادين أحدهما هو النحت والهدم، والثاني هو الإرساب والبناء، وأشهر الأشكال الجيومورفولوجية الناتجة عن النحت بواسطة الرياح هي المناضد والمسلات الصحراوية ومنخفضات كثير من الواحات، أما أشهر الأشكال الناتجة عن الإرساب الهوائي فهي الكثبان الرملية التي تأخذ غالبًا أشكالًا هلالية أو تأخذ أحيانًا أشكالًا طولية. ب- المياه الجارية: إن الدور الذي تقوم به المياه الجارية في تشكيل سطح الأرض يفوق الدور الذي يقوم به أي عامل آخر من عوامل التعرية، بما في ذلك الرياح؛ لأن المياه الجارية يظهر أثرها في كل الأقاليم تقريبًا، بما في ذلك الأقاليم الجافة، ولأنها كذلك ذات قدرة كبيرة على النحت والنقل. ويبدو هذا واضحًا من كثرة الوديان التي حفرتها وضخامة أحجام الكثير منها، ومن اتساع السهول الفيضية التي كونتها، وغير ذلك من المظاهر الكثيرة للتعرية المائية، ونظرًا لأن الأمطار هي مصدر كل المياه الجارية؛ فمن الطبيعي أن يكون دور هذه المياه في تشكيل السطح في الأقاليم المطيرة أكبر منه في غيرها. وأكبر مظهر من مظاهر جريان المياه السطحية هو الأنهار؛ ولذلك فإنها تعتبر من أهم الموضوعات التي يوجه إليها الاهتمام في دراسة الجغرافيا الطبيعية لسطح الأرض. وتقوم المياه الجارية بكثير من عمليات النحت والإرساب، وأهم مظاهر النحت التي تقوم بها على الإطلاق هي حفر الوديان النهرية بمختلف أشكالها وأحجامها، والمساقط المائية التي تعترض مجاريها في بعض المواضع، أما أهم مظاهر الإرساب فهي السهول الفيضية التي تتكون حول مجاري الأنهار والدلتاوات التي

تتكون عادة عند مصباتها، وكذلك الدلتاوات الأرضية التي تتكون في الأقاليم الجافة عند نهايات الأخوار التي لا تصل إلى البحر. نشأة الأنهار Rivers: ويبدأ تكوين أي نظام نهري عندما تسقط الأمطار على أية منطقة جديدة من الأرض، ولتكن منطقة ظهرت حديثًا من تحت ماء البحر بسبب ارتفاع الأرض أو هبوط منسوب سطح البحر؛ فبمجرد سقوط الأمطار على هذه المنطقة فإن مياهها تجري على حسب ما تفرضه انحدارات سطح الأرض، وينتج عن ذلك تكون مسارب وبرك صغيرة. وإذا استمر سقوط الأمطار فإن المسارب تلتقي ببعضها وبالبرك الصغيرة، ويتزايد عمق بعض المسارب على حساب بعضها الآخر، كما تأخذ البرك في الاستطالة بسبب نحت المياه لأطرافها العليا وأطرافها السفلى، وبسبب اختراق بعض المسارب الكبيرة لها. وبمرور الزمن تستولي المسارب القوية على مياه المسارب الضعيفة فتتزايد أحجامها، ويتكون منها عدد أقل من الأنهار لا تلبث أن تلتقي ببعضها، ويتكون منها نهر واحد كبير يسير نحو المصب، ويكون هذا النهر هو الرئيسي؛ بينما تكون الأنهار التي تغذيه روافد له. ويطلق على الشبكة التي تضم النهر وكل روافده تعبير النظام النهري River System. ويختلف الشكل العام الذي ينتج عن اتصال روافد النهر الواحد بعضها ببعض وبالنهر الرئيسي على عوامل كثيرة؛ أهمها مظاهر السطح في المنطقة التي يوجد بها حوضه، وتركيبها الجيولوجي وما يوجد بها من انكسارات أو مناطق ضعف، مثل وجود طبقات صخرية لينة متتابعة مع طبقات أشد منها صلابة، ومن الواضح أننا لا يمكن أن نجد نظامين نهريين متشابهين تمام التشابه من حيث شكليهما العام؛ ومع ذلك فقد قسم الباحثون الأشكال العامة التي يمكن أن تأخذها النظم المختلفة إلى عدة أنواع رئيسية أهمها: 1- النظام السحري الذي يأخذ في النهاية شكل الشجرة، وفيه تلتقي الروافد ببعضها وبالنهر الرئيسي بزوايا حادة، وهو يتكون على المنحدرات التي تتكون من صخور متجانسة "شكل 7 أ"

2- شكل المستقيمات المتعامدة وفيه تلتقي الروافد ببعضها وبالنهر الرئيسي بزوايا قائمة، وهو يتكون في المناطق التي تتكون من طبقات صخرية متعاقبة ومتباينة في صلابتها؛ بحيث تميل الروافد إلى أن تسير مع خطوط الضعف التي توجد في مناطق التقاء الطبقات الصخرية "شكل 70ب" شكل "70" نظام التصريف النهري الشجري أونظام المستقيمات المتعامدة "ب" ج- مياه البحار: تلعب حركات مياه البحار، وخصوصًا الأمواج أدوارًا هامة في تشكيل السواحل؛ فعلى الرغم من أن حركات المد والجزر، وحركات التيارات البحرية لها أدوار جيومورفولوجية. وتتوقف قدرة الأمواج على النحت على عدة عوامل أهمها: 1- قوة الأمواج نفسها. 2- طبيعة صخور الشاطئ من حيث صلابتها وتناسق طبقاتها واتجاه مياهها وما يوجد بها من مناطق ضعف مثل الشقوق والمفاصل. 3- طبيعة الساحل من حيث كونه مكونًا من جروف قائمة أو مسطحات رملية منخفضة أو بطيئة الانحدار، ومن حيث كونه

محميًّا في خلجان هادئة المياه أو مكشوفًا للتصادم المباشر بالأمواج. 4- كمية ما تلتقطه الأمواج عند تحركها من مواد صخرية مثل قطع الصخور والحصى والرمال؛ فكلما زادت كمية هذه المواد وزادت أحجامها زادت قدرة الأمواج على تحطيم صخور الشاطئ ونحتها. وأهم الأشكال الجيومورفولوجية التي تنتج عن حركات مياه البحار هي: الجروف والكهوف الساحلية والمسلات والأقواس البحرية والشواطئ الرملية والحصوية. شكل "71" قوس بحري

شكل "72" مسلة بحرية د- الجليد: يعتبر الجليد من أهم العوامل التي لعبت في الماضي، ولا تزال تلعب في الحاضر، دورًا أساسيًّا في تشكيل سطح الأرض، ولا تزال آثار التعرية الجليدية القديمة ظاهرة حتى الآن في كثير من المناطق التي تدخل في الوقت الحاضر ضمن الأقاليم المعتدلة أو الحارة مثل جنوب إفريقيا وأستراليا والهند والبرازيل، وهي المناطق التي كانت أجزاء من قارة جندوانا القديمة. ومن الثابت أن كثيرًا من المظاهر الجيومورفولوجية في وسط أوروبا وشمالها، وفي وسط أمريكا الشمالية وشمالها قد تكونت بسب التعرية الجليدية التي قام بها الجليد أثناء زحفه على هذه المناطق خلال العصور الجليدية في البليستوسين. ويقوم الجليد أثناء الحركة ببعض عمليات النحت والإرساب، وأهم الأشكال الناتجة عن النحت الجليدي هي الوديان "أو الأنهار" الجليدية. والفيوردات التي يقطعها الجليد في جوانب الجبال. أما أهم مظاهر الإرساب؛ فهي الركامات الجليدية التي تتكون من رواسب متنوعة يلقى بها الجليد عند انصهاره على جوانب الوديان أو عند نهاياتها أو في أواسطها.

ثالثا الانهيارات والانزلاقات الأرضية

ثالثاً: الانهيارات والانزلاقات الأرضية Landslides & Landdlips. تعتبر عمليات الانهيار والانزلاق الأرضية التي تحدث على منحدرات الجبال من العمليات الشائعة في كل المناطق الجبلية، وهي ذات تأثير هام على تشكيل هذه المنحدرات وتشكيل السهول والوديان المجاورة لها. وتقوم هذه العمليات بأدوار متشابهة للأدوار التي تقوم بها عمليات التعرية المختلفة؛ ولكنها تختلف عنها في أنها لا تنقل المواد الصخرية تدريجيًّا؛ وإنما تقوم بنقل كميات ضخمة منها من المنحدرات المرتفعة إلى المنحدرات المنخفضة أو إلى السهول والوديان المجاورة دفعة واحدة وبشكل فجائي في كثير من الأحيان. وتحدث هذه العمليات بأشكال مختلفة؛ فمنها ما يحدث بشكل انهيار أو سقوط مفاجئ لجزء من الحافة الجبلية، ومنها ما يحدث بشكل انزلاق للمواد المفككة التي تتجمع على المنحدرات أو بشكل زحف بطيء لقطاعات كبيرة من التربة، وعلى أساس طبيعة هذه العمليات وطرق حدوثها يمكننا أن نقسمها إلى الأشكال الآتية: 1- السقوط أو الانهيار الصخري Rockfall أو Rockslide ويقصد به السقوط أو الانهيار المفاجئ لجزء من الحافة الجبلية على الأرض المنخفضة المجاورة لها. 2- انزلاق الحطام Debris Side ويقصد به انزلاق المواد الصخرية المفككة التي تتراكم على سطح الحافة. 3- الجريان الطيني Mudflow ويقصد به انزلاق المواد الطينية. 4- زحف التربة Soil- creep.

توازن القشرة الأرضية

2-4-4- توازن القشرة الأرضية Isostacy of the Earth,s Crust. في سنة 1889 اقترح الباحث الجيولوجي الأمريكي داتون C.E.Dutton نظريته التي حاول أن يفسر بها الطريقة التي تتوازن بها كتل اليابس المكونة من السايال SIAL فوق طبقة السيما SIMA. وقد اشتهرت هذه النظرية باسم نظرية التوازن Theory of Isostacy. وقد أدخل هذا التعبير في دراسة قشرة الأرض بعد أن أثبتت دراسات الزلازل والمغناطيسية أن كتل السايال التي تتكون منها كتل اليابس والتي يبلغ متوسط كثافتها 2.7 تتعمق في طبقة السيما التي يبلغ متوسط كثافتها 3.4 إلى أعماق تتناسب طرديًّا مع أحجامها، وإن هذا التعمق هو الذي يؤدي إلى بقائها في حالة توازن بنفس الطريقة التي تتوازن بها الأجسام المختلفة التي تطفو فوق سطح السوائل؛ فكلما كان الجسم ثقيلًا كان الجزء الغاطس منه في السائل كثيرًا؛ نظرًا لأن مواد السيما شديدة الصلابة جدًّا فإن تعمق كتل السايال فيها يحدث ببطء شديد، وتستغرق عمليات التوازن في هذه الحالة وقتًا طويلًا جدًّا بخلاف ما يحدث عند توازن الأجسام التي تطفو فوق السوائل. شكل "73" نظرية التوازن

وبناء على نظرية التوازن فإن كتل اليابس تتعمق في طبقة السيما إلى أعماق تتناسب مع أحجامها وأوزانها؛ ولذلك فإن هذا التعمق يكون كبيرًا في مناطق الجبال منه في مناطق السهول أو المنخفضات، وكلما زادت ضخامة الجبال كان تعمقها أكبر. وتكون الأجزاء المتعمقة في السيما. بمثابة جذور تحفظ لهذه الجبال أو لكتل اليابس عمومًا توزانها، وقد يصل امتداد هذه الجذور إلى حوالي 40 كيلو مترًا في السيما. وهذا هو ما يحدث في مناطق الجبال الانثائية الكبرى في مختلف القارات، أما في المناطق السهلية فإن هذا التعمق يكون محدودًا جدًّا بسبب قلة سمك طبقة السيما، وصغر وزنها بالنسبة لهما في مناطق الجبال. وعلى أساس هذه النظرية يمكننا أن نتصور ما يحدث إذا استطاعت عوامل التعرية أن تمحو منطقة جبلية وتنقل تكويناتها إلى منطقة أخرى. إن الذي يحدث في هذه الحالة هو أن المنطقة التي تراكمت عليها التكوينات تهبط تدريجيًّا بسبب الثقل الواقع عليها؛ فيزداد تبعًا لذلك العمق الذي تصل إليه جذورها في طبقة السيما؛ بينما يتناقص تعمق جذور المنطقة التي أزيلت تكويناتها في طبقة السيما بسبب تناقص حجمها ووزنها. ومعنى ذلك أن هناك عمليات توازن مستمرة في قشرة الأرض، وأن هذه العمليات مرتبطة بما يطرأ على السطح من تغيرات بسبب عمليات النحت والنقل والإرساب، أو بسبب أي عوامل أخرى، ومع ذلك فإن عمليات التوازن التي تعقب هذه التغيرات تكون غالبًا بطيئة جدًّا؛ بحيث لا تظهر آثارها إلا بمرور آلاف السنين. وذلك بسبب شدة صلابة السيما، ولهذا فإن ظهور نتائج عمليات التوازن يتخلف عن ظهور نتائج النقل والإرساب بوقت طويل. وقد صادفت نظرية التوازن كثيرًا من النجاح منذ ظهورها، خصوصًا وأنها استطاعت أن تقدم تفسيرات معقولة لبعض الظاهرات الطبيعية التي كان من الصعب تفسيرها قبل ذلك ومن أمثلتها ما يأتي: 1- أن الأبحاث الجيولوجية وعمليات مسح الأراضي في المناطق الجبلية أوضحت أن قوة جذب الجبال للثقل المغناطيسي أقل مما كان مقدرًا لها، "حتى مع الأخذ بعين الاعتبار أن السايال التي تتكون منها الجبال قليلة الكثافة وقليلة الجاذبية

نسبيًّا"؛ فالمعروف أن الثقل المغناطيسي يتأثر في المناطق الجبلية بقوتين إحداهما هي قوة الجاذبية الأرضية التي تجذبه رأسيًّا، والثانية هي قوة جذب الجبال التي تشده أفقيًّا؛ فينحرف عن الاتجاه الرأسي بزاوية كان المفروض أن تكون متناسبة مع حجم الجبال. ولم يكن من السهل -قبل ظهور نظرية التوازن- معرفة السبب في صغر زاوية الانحراف عما كان مقدرًا، أما بعد ظهور هذه النظرية فقد أمكن تفسير هذه الظاهرة على أساس أن كتل السايال التي تتكون منها الجبال لا تقتصر على الجزء الذي يظهر منها على السطح؛ بل إنها تشمل كذلك الجذور التي تتعمق في السيما والتي تؤدي، بسبب قلة كثافتها نسبيًّا، إلى تقليل الجاذبية الأفقية عما كان يمكن أن يحدث لو أن السيما كانت ممتدة بدون انقطاع تحت الجبال حتى السطح. 2- أن أقدم الطبقات الرسوبية التي تتكون منها دلتاوات بعض الأنهار مثل نهر المسيسبي ونهر النيل قد وجدت على أعماق كبير جدًّا؛ بحيث يصعب التصور بأنها أرسبت فيها، ولكن من الممكن تفسير ذلك على أساس نظرية التوازن، بأن التراكم المستمر للرواسب هو الذي أدى بمرور الزمن إلى تزايد الثقل الواقع على الطبقات القديمة وإلى هبوطها بالتدريج إلى مستوى أدنى من المستويات التي أرسبت فيها في المراحل الأولى لتكون الدلتا.

الأنماط التضاريسية الرئيسية

الأنماط التضاريسية الرئيسية السهول ... 2-4-5- الأنماط التضاريسية الرئيسية*. أ- السهول PLAINS: تعريفها وصفاتها العامة: المقصود بالسهول، بمعناها العام، هو الأراضي التي لا توجد بها أرض شديدة الانحدار أو مرتفعات كبيرة أو كثيرة بدرجة تغير من مظهرها السهلي العام. ولئن وجدت بها أي مرتفعات فيجب أن تكون قليلة، وألا تزيد ارتفاعاتها عن عشرات الأمتار. ومعنى ذلك أنه لا يشترط أن يكون السهل تام الاستواء، ولكن يشترط أن تكون كل منحدراته معتدلة. وعلى الرغم من أن السهول تشترك في صفاتها العامة؛ فإنها تتباين فيما بينها في كثير من الصفات؛ فمن حيث ارتفاعها العام عن سطح البحر نجد أن بعضها يكاد يكون في مستوى سطح البحر؛ بينما قد يصل ارتفاع بعضها إلى بضعة آلاف من الأمتار، كما هي الحال في السهول المحصورة بين سلاسل الجبال الكبرى، والتي يتوفر فيها شرط عدم وجود المنحدرات الشديدة أو المرتفعات الكبيرة. ومن حيث درجة الاستواء فإن بعض السهول يكاد يكون تام الاستواء؛ بينما يكون بعضها الآخر كثير المنخفضات والتلال والوديان، كما هي الحال بالنسبة لما يعرف باسم "أشباه السهول Peneplains". وبغض النظر عن السهول التي لا تساعد ظروفها المناخية أو مواردها المائية أو تكويناتها السطحية على استغلال أرضها للانتاج الزراعي؛ فإن السهول هي -على وجه العموم- أصلح المناطق لهذا النوع من الاستخدام؛ بشرط أن تكون متطلباته الأخرى متوفرة بها، كما أن السهول هي أصلح المناطق للنمو الحضري والتجمع السكاني.

_ * تعتبر الأنهار والوديان بمختلف أشكالها من أهم مظاهر التضاريس؛ ولكننا لم نتكلم عليها هنا حيث سبق أن تكلمنا عليها ضمن التعرية المائية.

وبالنظر إلى خريطة تضاريسية للعالم نجد أن أغلب السهول العظمى في العالم مفتوحة إما على المحيط الأطلسي أو على المحيط المتجمد الشمالي، أما السهول المفتوحة على المحيطين الهندي والهادي؛ فمعظها عبارة عن سهول صغيرة نسبيًّا، ومن أمثلتها السهول الصغيرة المفتوحة على المحيط الهادي والمحيط الهندي في جنوب آسيا وشرقها، وفي أستراليا وشرق أفريقيا وغرب الأمريكتين. وتنشأ السهول بفعل عوامل متعددة ومتباينة؛ فبينما يتكون بعضها نتيجة لعمليات النحت؛ فإن بعضها الآخر يتكون نتيجة لعمليات الإرساب. وقد تتدخل حركات القشرة الأرضية كذلك في تكوين بعض السهول أو تطورها. ولذلك فإن هناك أنواعًا متعددة من السهول، ومن أهمها ما يأتي: أولًا: السهول الناشئة عن النحت وتشمل: 1- السهول التحاتية الكبيرة التي تمثل المرحلة الأخيرة من مراحل النحت المائي في المناطق الجبلية، وهي تشمل أشباه السهول Peneplains. 2- سهول أقدام الجبال Pediplains وهي السهول الصخرية التي تتكون عند سفوح الجبال بواسطة النحت الذي تقوم به مياه الوديان المنحدرة على جوانبها، وهي تمثل مرحلة من مراحل تكون أشباه السهول. 3- سهول النحت البحري، وهي السهول التي تتكون على السواحل نتيجة للنحت الذي تقوم به الأمواج. 4- سهول الكويستا Cuesta التي تتكون نتيجة للنحت في منطقة طبقاتها مائلة شديدة الصلابة في أجزائها العليا. 5- سهول النحت الجليدي التي تتكون في المناطق التي زحف الجليد عليها في عصور سابقة. 6- سهول الكارست Carst التي تتكون في مناطق التكوينات الجيرية نتيجة لعمليات التحوية التي تقوم بها المياه الجوفية.

وهذا هو العامل الرئيسي في تكوينها، بالإضافة إلى عوامل أخرى أهمها التعرية المائية. ثانيًا: السهول الناشئة عن الإرساب وتشمل: أ- سهول رواسب المياه الجارية: وأهمها السهول الفيضية Flood Plains وسهول الدلتاوات، وسهول الباجادا Bajada التي تتكون في حضيض الجبال نتيجة لالتقاء الدلتاوات التي تكونها رواسب الوديان الجبلية في المناطق الجافة، وسهول البلايا Playa التي تتكون في الأحواض الداخلية، التي تنتهي إليها المياه المنحدرة من الجبال في المناطق الجافة. ب- سهول الإرساب الجليدي: التي تتكون من الركامات الجليدية بمختلف أشكالها. ج- سهول الإرساب الهوائي: وأهمها السهول الرملية وسهول اللويس Loess. ثالثًا: السهول الساحلية الحديثة: ومن أهمها السهول الساحلية التي ظهرت حديثًا نتيجة لارتفاع جزء من قاع البحر، أو انحسار المياه عن بعض المناطق الشاطئية الضحلة بسبب ارتفاع الأرض أو تراكم الرواسب على القاع. وتوجد أمثلة لها في كل القارات مثل السهول الساحلية لشرق الولايات المتحدة وجنوبها، وسهول الأرجنتين الساحلية، وسهل موزمبيق في جنوب شرق أفريقيا. وعلى الرغم من أن هذه السهول تكون مستوية عند بدء ظهورها؛ فإنها لا تلبث أن تخضع لعوامل التعرية المختلفة فيقطع سطحها بواسطة الأنهار التي تقطعها من ناحية اليابس، كما تكثر بها المستنقعات والبرك التي تتجمع فيها مياه الأمطار. ومع ذلك فإن الأنهار التي تقطعها تكون دائمًا بطيئة الانحدار وقليلة العمق.

الهضاب

ب- الهضاب PLATEAUS: ظروف نشأتها: إن أهم ما يميز الهضاب عن السهول هو شدة انحدار جوانبها التي تظهر أحيانًا بشكل حافات قائمة أو شديدة الانحدار. ويستوي في هذا أن تكون هذه الجوانب قد تكونت بفعل النحت النهري أو النحت البحري أو التصدع. كما تتميز عنها كذلك بشدة عمق وديانها وضيقها وشدة انحدار جوانبها؛ حتى أن بعضها يظهر بشكل أخاديد وخوانق عميقة. ويرجع ذلك إلى نشاط الأنهار في حفر وديانها بسبب بعد مستوى القاعدة عن سطح الأرض. وقد كانت كثير من الهضاب عبارة عن سهول؛ ولكنها ارتفعت وتقطع سطحها بواسطة وديان عميقة أو بواسطة التصدع فأخذت مظهر الهضاب. أنواعها وتوزيعها: على أساس العامل الرئيسي الذي أدى إلى ارتفاع الهضبة وظهور حافاتها. تنقسم الهضاب إلى عدة أنواع أهمها: 1- الهضاب الصدعية: وهي التي تكونت حافاتها على امتداد صدوع في قشرة الأرض، وأشهرها هي "الهورست" التي تتكون نتيجة لاندفاع الأرض بين صدعين متقابلين. 2- هضاب اللافا "أو غطاءات اللافا" وهي التي تتكون من تراكم كميات ضخمة من اللافا التي خرجت من شقوق القشرة، وغطت مساحات شاسعة بطبقات يزيد سمكها أحيانًا عن ألف متر. 3- هضاب ساهمت الحركات التكتونية في رفعها. وتوجد الهضاب بأنواعها المختلفة في كل القارات، وخصوصًا في الأقاليم الجافة وشبه الجافة؛ ففي أمريكا الشمالية يوجد نظاق من الهضاب الرسوبية إلى الشرق مباشرة من جبال روكي. وفي أمريكا الجنوبية توجد أكبر الهضاب في البرازيل في الشمال وفي بتاجونيا في الجنوب، كما توجد عدة هضاب محصورة بين

سلاسل جبال الأنديز مثل هضبتا بيرو وبوليفيا، أما في إفريقيا فإن أشهر الهضاب هي هضبة الحبشة شرق القارة وجنوبها وهضبة الشطوط بين جبال أطلس في شمالها. وفي آسيا توجد عدة هضاب منها هضاب صدعية شاسعة أهمها هضبة الدكن، التي نشأت نتيجة لتصدع قارة جندوانا القديمة، وهضبة التبت التي نشأت بسبب نفس الحركات التي كونت جبال الهيمالايا في الزمن الثالث الجيولوجي، وهضبة آسيا الصغرى، التي تكونت أثناء الحركات الانثنائية الكبرى التي حدثت في الزمن الجيولوجي الثالث. وتعتبر هضبة غرب أستراليا كذلك هضبة شاسعة قديمة، وترجع في نشأتها إلى الزمن الثاني عندما تصدعت جندوانالاند وانفصلت عنها أستراليا وهضبة الدكن. وفي أوروبا تعتبر هضبة أسبانيا أكبر هضاب القارة. وهي هضبة صدعية تعرضت لبعض الحركات الأرضية التي صاحبت الحركات التي كونت جبال الألب في الزمن الثالث، وسطحها مقطع بواسطة كثير من الوديان النهرية، كما توجد في هذه القارة بعض الهضاب الصدعية من نوع الهورست، وخصوصًا في منطقة الفوج والغابة السوداء حول نهر الراين.

الجبال

ج- الجبال MOUNTALNS: مفهوم الجبل والتل: المقصود بالجبل هو المرتفع الذي يبرز فوق سطح الأرض لبعض مئات أو آلاف من الأمتار، وتكون له جوانب شديدة الانحدار، ويشترك التل مع الجبل في البروز وشدة انحدار الجوانب؛ ولكنه يكون عادة أقل منه ارتفاعًا، وقد لا يزيد ارتفاعه عن بضع عشرات من الأمتار ... ومع ذلك فإن لفظ جبل كثيرًا ما يطلق على بعض التلال. ويحدث ذلك بصفة خاصة في البلاد السهلية، وتكون التسمية في هذه الحالة بمثابة خطأ شائع يمكن التجاوز عنه، ويمكن اعتبار كلمة جبل في هذه الحالة جزءًا من الاسم نفسه؛ وذلك بنفس الطريقة التي يستخدم بها لفظ "بحر" للدلالة على بعض الأنهار أو بعض البحيرات

والمناطق الجبلية على هذا الأساس هي المناطق التي توجد بها جبال وتلال بارزة جوانبها شديدة الانحدار. وهذا فرق أساسي بينها وبين السهول، ومع ذلك فإن معظم الجبال الكبرى لا تزيد درجة انحدار جوانبها "وخصوصًا عند قممها" عن 30%؛ وذلك نتيجة لنشاط عوامل التجوية وعوامل التعرية. وعند الكلام على الجبال أو التلال تستخدم عادة بعض التغييرات الشائعة مثل "سلسلة الجبال أو التلال Range of Mountains or Hills ويقصد بها عدد من الجبال الممتدة على خط واحد، والمعتاد هو أن تكون كل جبال السلسلة الواحدة متجانسة في أشكالها وعمرها وتركيبها الجيولوجي. وقد يستخدم تعبير مجموعة جبلية Group للدلالة على مجموعة من القمم والحافات المتقاربة في أحجامها، ولا يشترط أن تكون مرتبة بنظام معين؛ ولكنها تكون غالبًا موزعة في منطقة دائرية تقريبًا. كما يطلق تعبير النظام الجبلي Mountain Syaten على سلاسل أو مجموعات الجبال المرتبطة ببعضها في المظهر والموقع والتركيب، والمفصولة عن بعضها بوديان كبيرة وأحواض منخفضة. ومثال ذلك نظام جبال روكي. أما تعبير كورديلليرا Cordillera فيطلق على عدة نطاقات أو عدة سلاسل جبلية كبيرة. أهمية الجبال: بخلاف السهول فإن الجبال هي أقل مظاهر التضاريس صلاحية للتوسع الزراعي بسبب شدة انحدارتها وانجراف تربتها باستمرار، ولئن وجدت بها بعض الأحواض التي تصلح للزراعة؛ فإنها تكون صغيرة ولا تصلح للانتاج على نطاق واسع، كما أنها لا تسمح بقيام مراكز عمرانية كبيرة، وهي تعتبر في نفس الوقت عوائق أمام المواصلات البرية المختلفة, ومع ذلك فإنها تساعد على وضع حدود سياسية واضحة، وكثيرًا ما تحتوي على ثروات معدنية كبيرة. ونظرًا لتعقد التضاريس في مناطق الجبال فإنها تضم عادة بيئات متباينة في أماكن متقاربة، كما يتدرج المناخ على جوانبها من أسفل إلى أعلى؛ لدرجة أنه قد يكون مداريًّا حارًا على سفوحها وقطبيًّا على قممها

وأهم عامل من العوامل التي ساهمت في نشأة الجبال هي حركات الانثناء التي تعرضت لها قشرة الأرض خلال العصور الجيولوجية المختلفة، وأهمها الحركات التي حدثت في الزمن الجيولوجي الثالث. وقد سبق أن تكلمنا على كل هذه الحركات، وذكرنا الجبال التي تكونت بسببها. وقد يلعب النشاط البركاني في ذلك دورًا هامًّا في نشأة كثير من الجبال، كما تتدخل عوامل التعرية في تشكيلها. نطاقات الجبال الانثنائية الكبرى: يلاحظ بمجرد النظر إلى خريطة تضاريسية العالم أن أضخم جبال العالم تمتد في نطاقات طولية في كل القارات، وتمتد هذه النطاقات بشكل يكاد يكون متصلًا على طول كل سواحل المحيط الهادي، ثم تنحرف نحو الغرب عبر جنوب ووسط آسيا وغربها؛ حيث تواصل امتداداها في جنوب أوروبا وشمال غرب أفريقيا حتى المحيط الأطلسي. ويتفق امتداد هذه النطاقات مع المناطق التي ما زالت معرضة لحدوث الزلازل والبراكين؛ مما يدل على أنها مازالت غير مستقرة تمامًا. وهي نفس المناطق التي تعرضت أكثر من غيرها للحركات الأرضية التي حدثت في الزمن الجيولوجي الثالث، والتي اشتهرت باسم الحركات الألبية، وكانت أهم نتائجها هي حدوث الانثناءات التي كونت هذه النطاقات الجبلية. الجبال البركانية وجبال الكتل الباطنية: بالإضافة إلى نطاقات الجبال الانثنائية الكبرى التي ذكرناها، والتي تتكون عمومًا من صخور رسوبية؛ فإن هناك جبالًا أخرى مكونة من صخور نارية. وقد ظهر بعضها نتيجة لثوران البراكين، ونشأ بعضها الآخر نتيجة لارتفاع كتل الصخور النارية الجوفية مثل الباثوليت واللاكوليث إلى السطح بفعل الحركات الأرضية، ومن أمثلتها جبال البحر الأحمر في مصر وفي السعودية. وتأخذ الجبال البركانية غالبًا شكل المخروطات التي تتباين أشكالها على حسب كمية اللافا التي كونتها ونوعها. وتوجد أغلب الجبال البركانية في نفس النطاقات التي توجد فيها الجبال الانثنائية؛ ولذلك فإنها تكثر على امتداد كل المرتفعات حول المحيط الهادي

في الأمريكتين وآسيا والأرقيانوسية، كما تكثر على امتداد النطاقات الجبلية الكبرى عبر أواسط آسيا وجنوبها وغربها وفي جنوب أوروبا وشمال غرب إفريقيا، كما تكثر أيضًا في منطقة الوادي الصدعي العظيم في شرق إفريقيا، وتنتشر في كثير من الجزر المحيطية مثل جزر هاواي في المحيط الهادي وجزر كناري، وبعض جزر البحر الكاريبي في المحيط الأطلسي، وجزيرة مدغشقر في المحيط الهندي.

البحيرات

د- البحيرات: نشأتها: بغض النظر عن البحيرات الصناعية التي تتكون أمام السدود مثل البحيرة التي كونها السد العالي في جنوب مصر، وبحيرة Mead التي كونها سد هوفر على نهر كولورادو في الولايات المتحدة؛ فإن البحيرات تنشأ عادة في أحواض أو منخفضات طبيعية. وهي تتباين تباينًا كبيرًا فيما بينها في الاتساع والعمق والعمر؛ فبينما لا يزيد قطر بعضها عن عدة أمتار؛ فإن قطر بعضها الآخر قد يصل إلى مئات الكيلو مترات. وبينما يكون بعضها عبارة عن بحار عميقة دائمة فإن بعضها الآخر يكون فصليًّا ضحلًا بحيث يمتلئ بالماء في موسم المطر ويجف في موسم الجفاف؛ بل إن بعضها قد يجف نهائيًّا بسبب التبخر أو بسبب امتلائه بالرواسب، أو بسبب مرور نهر في وسطه؛ ففي الحالة الأخيرة يؤدي انحدار النهر على الحافة السفلى للبحيرة إلى تخفيض هذه الحالة تدريجيًّا، وإلى انصراف مياه البحيرة إلى مجرى النهر. أنواعها وتوزيعها: تنشأ الأحواض الطبيعية التي يمكن أن تتكون فيها البحيرات نتيجة لعوامل كثيرة ومتباينة لا يسهل حصرها؛ ولكن من الممكن أن نذكر العوامل التي ساهمت في تكوين الأنواع الشائعة منها كما يأتي: 1- انسداد واد نهري نتيجة لانهيار أرضي، أو نتيجة لتراكم الرواسب التي يحملها إليه رافد جانبي، أو نتيجة لحدوث حركة رفع في جزء من قاعه أو لحدوث ثوران بركاني في وسطه

2- تكوين كولديرا في أعلى أحد البراكين نتيجة لاتساع فوهته. 3- النحت الجليدي أو المائي في سطح الأرض. 4- التجوية والتعرية الهوائية في المناطق الصحراوية. 5- انهيار أسقف الكهوف في المناطق الكارستية. 6- اقتطاع إحدى الثنيات النهرية، وتكوين بحيرة مقتطعة. 7- انسداد خليج بحري بسبب تكون حاجز رسوبي في مدخله. وتكثر البحيرات بطبيعة الحال في الأقاليم الصغيرة؛ حيث يظهر في كثير من الأحيان عدد من البحيرات التي تتصل ببعضها على طول مجرى أحد الأنهار، مثل البحيرات العظمى المرتبطة بنهر سنت لورنس، والبحيرات المتصلة بنهر النيل عن طريق نيل البرت. أما الأقاليم الجافة؛ فمن الطبيعي أن تكون بجيراتها أقل عددًا وأقل ماءً. كما أن الكثير منها يمتلئ بالماء في فصل المطر ثم يجف بالتدريج في فصل الجفاف؛ بل إن بعضها لا تتجمع فيه المياه إلا لبضعة أيام، أو بضعة أسابيع من كل سنة، وأغلبها مياهه مالحة؛ إلا أن نسبة الملوحة ونوعية الأملاح تتباين فيها على حسب طبيعة تكوينات مناطقها وكمية مياهها وإمكانات تجديدها.

مقدمة في جغرافيا البحار

مقدمة في جغرافيا البحار مفهوم البحر والمحيط وأنواع البحار مدخل ... 3- مقدمة في جغرافيا البحار والمحيطات. 3-1-مفهوم البحر والمحيط وأنواع البحار إن لفظ "البحار Seas" يستخدم عادة بمعناه ليشمل كل البحار والمحيطات التي تغطي سطح الكرة الأرضية. ومع ذلك فإن الجغرافيين يستخدمون كلمة بحر في معظم الدراسات الإقليمية للدلالة على مناطق بحرية خاصة لها صلة مباشرة باليابس، وعلى الرغم من أن أغلب البحار ليست إلا جزءًا من المحيطات أو فروعًا منها؛ فإنها تتميز ببعض الصفات التي تجعل لها شخصيات متميزة عن المحيطات الملاصقة لها، وأهم هذه الصفات هي: 1- أن تكون غالبًا محدودة بواسطة اليابس من أكثر من جهة واحدة، أو تكون مقسمة بواسطة أرخبيل من الجزر. 2- أنها قليلة العمق نسبيًّا حتى أن أغلبها لا يزيد عمقه عن 1000 متر بل إن بعضها لا يزيد عمقه عن 200 متر، مثل البحر البلطي، وبحر الشمال وغيرهما من البحار التي تقع بأكملها فوق الرف القاري وهو المنطقة الضحلة المجاورة لليابس "وسنعود للكلام عليه بعد قليل". 3- أن مياهها قد تختلف من بعض الوجوه مثل درجة الحرارة ودرجة الملوحة عن مياه المحيط على حسب درجة تأثرها باليابس المحيط بها، وسرعة التبخر من مياهها وكثرة ما ينصب فيها من مياه الأمطار التي تسقط فوقها مباشرة، أو التي تنصرف إليها بواسطة الأنهار التي تصب فيها؛ فالبحر الأحمر مثلًا مياهه أشد ملوحة نسبيًّا من المحيطات؛ لأنه بحر شبه مغلق، ولأنه يقع وسط إقليم صحراوي حار ولا تصب فيه مياه عذبه تستحق الذكر سواء بواسطة الأنهار أو

الأمطار المباشرة، أما البحر البلطي فهو من ناحية أخرى أقل ملوحة نسبيًّا بسبب وقوعه في أقليم بارد، وكثرة الأمطار التي تسقط عليه والأنهار التي تصب فيه. وتتباين البحار "بمعناها الضيق" فيما بينها تباينًا كبيرًا في مساحاتها وأشكالها ومواقعها وأعماقها ومقدار ارتباطها باليابس المجاور لها، ودرجة ملوحة مياهها وحركات هذه المياه بل وفي نشأتها الأولى، ولكل ذلك فإنه ليس من السهل أن يوضع لها تقسيم شامل تراعى فيه كل هذه النواحي. وكل ما يمكننا عمله هو أن نحدد الناحية التي نريد دراستها ونستخدمها أساسًا للتقسيم. وعلى ذلك فإن بعض الجغرافيين يقسمونها مثلًا على أساس صلتها باليابس، أو بالمحيط إلى ثلاثة أنواع هي:

البحار الهامشية

1- البحار الهامشية Marginal Seas: وهي البحار التي توجد على أطراف المحيطات، وتكون متصلة بها اتصالًا واضحًا عن طريق فتحات واسعة، ومن أمثلتها بحر الصين الشرقي، وبحر اليابان، وبحر أندامان، وبحر الشمال، والبحر الأيرلندي، والبحر الكاريبي، وبحر بهرنج، والبحر المتجمد الشمالي. ولا تختلف المياه في هذه البحار اختلافًا كبيرًا عن مياه المحيطات الأصلية.

البحار المتوسطة

2- البحار المتوسطة Mediterranian Seas: وهي البحار التي تتوغل في قلب اليابس ولا تصلها بالمحيطات "أو بالبحار الأكبر منها" إلا مضايق صغيرة؛ ولذلك فإنها تتأثر تأثرًا واضحًا باليابس المحيط بها، سواء من حيث طبيعة مياهها وحركاتها، أو من حيث الظروف المناخية السائدة فيها، وقد يؤدي هذا التأثر إلى وجود كثير من الاختلافات بين بعضها وبعض، أو بينها وبين المحيطات المتصلة بها. وتتوقف هذه الاختلافات على ظروف اليابس المحيط بها من ناحية ومقدار صلتها بالمحيطات من ناحية أخرى؛ ولذلك فإن كلًا منها له ظروفه الخاصة به من حيث ملوحة مياهه، ودرجة حرارتها وحركاتها، وأحواله المناخية؛ بل ونوع الحياة الحيوانية التي تسود فيه. وأهم هذه البحار هي: البحر الأبيض المتوسط والبحر

الأسود البحر الأحمر والبحر البلطي والبحر الأبيض الروسي، وبعض الخلجان الكبيرة مثل الخليج العربي، وخليج المكسيك وخليج هدسن.

البحار الداخلية

3- البحار الداخلية Inland Seas: وهي البحار التي توجد بأكملها في قلب اليابس، ولا تربطها بالمحيطات أو البحار الهامشية أو البحار المتوسطة أية صلة ظاهرة، وقد تكون بعضها في أحواض أرضية كبيرة ملأتها المياه التي تنصرف إليها من اليابس المحيط بها؛ سواء في ذلك المياه الجارية التي تنحدر على السطح، أو التي تتسرب في طبقات القشرة الأرضية، وقد اكتسبت ملوحتها من الأملاح التي تذيبها المياه التي تنحدر إليها من طبقات القشرة، وقد تزايدت نسبة الملوحة بها بالتدريج بسبب التبخر المستمر من سطحها، وعدم انصرف مياهها إلى الخارج. وبعض هذه البحار متخلف من بحار جيولوجية قديمة اختفت بمرور الزمن بفعل الحركات الأرضية والإرساب وحلت محلها في بعض المناطق سلاسل كبيرة من الجبال الانثنائية. والبحار الداخلية قليلة العدد، وتوجد كلها تقريبًا في آسيا؛ حيث تشمل بخر قزوين، وبحر آرال والبحر الميت. ويفضل كثير من الكتاب في الوقت الحاضر أن يدخلوا هذه البحار ضمن البحيرات.

سيادة البحار والمحيطات على سطح الأرض

3-2-سيادة البحار والمحيطات على سطح الأرض: يصف بعض الباحثين الكرة الأرضية بأنها هي "كوكب المياه"؛ وذلك لضخامة الغلاف المائي "الهيدروسفير Hydrosphere" الذي يكسوها. ويتكون هذا الغلاف بصفة أساسية من مياه البحار والمحيطات؛ فهي تكون وحدها حوالي 86.5% من حجمه. وتليها المياه الأرضية التي تتجمع في طبقات الصخور، وهي تساهم بنحو 12.2% من حجمه، أما الباقي وقدره 1.3%؛ فيتكون أغلبه من المياه المتجمدة التي تكسو المناطق القطبية، وبعض قمم الجبال المرتفعة في العروض المختلفة؛ بينما لا تمثل مياه الأنهار والبحيرات والمياه العالقة بالجو بشكل بخار أو سحب في أي وقت من الأوقات إلا نسبًا ضئيلة جدًّا من هذا الغلاف كما يتضح من الجدول الآتي:

جدول "3" تركيب الغلاف المائي "1" مياه البحار والمحيطات 86.5% مياه الأنهار والبحيرات 0.03% المياه الأرضية 12.2% مياه الغلاف الجوي 0.001% الغطاءات الجليدية 1.3% وتشغل البحار والمحيطات حوالي 361 مليون كيلو متر مربع، وهو ما يعادل 70.8% من المساحة الكلية لسطح الكرة الأرضية "وهو 510 مليون كيلو متر مربع"؛ بينما يشغل اليابس حوالي 149 مليون كيلو متر مربع، وهو ما يعادل 29.2% من مساحة الكرة، وترتفع نسبة الماء في نصف الكرة الجنوبي عنها في النصف الشمالي؛ ففي النصف الجنوبي تشغل البحار 75% من مساحته؛ بينما تشغل 61% فقط من مساحة النصف الشمالي، وتنخفض هذه النسبة بصفة خاصة بين خطي عرض 45 ْ درجة و 70 ْ درجة شمالًا حيث تصل إلى 33%، وهذا هو النطاق العرضي الوحيد الذي تزيد فيه مساحة اليابس على مساحة الماء. أما أكبر اتساع للبحار على حساب اليابس فيوجد في النطاق المحصور بين خطي عرض 40 ْ درجة و 65 ْ درجة في نصف الكرة الجنوبي؛ ففيه تحتل البحار 81% من مساحته الكلية. وبغض النظر عن توزيع البحار بالنسبة لخطوط العرض فإن بعض الجغرافيين قد وجدوا أنه من الممكن تقسيم سطح الكرة الأرضية إلى نصفين أحدهما يضم معظم المياه، ويطلق عليها اسم "النصف المائي" ويوجد مركزه عند جزر انتيبودز Antipodes إلى الجنوب الشرقي من نيوزيلندا، وفيه يوجد 90.5% من مجموع مساحة الماء، والثاني يضم معظم اليابس ويسمي "بالنصف القاري"، ويوجد مركزه حول مصب نهر اللوار في غرب فرنسا وفيه يوجد 83% من مجموع مساحة اليابس.

_ 1 Poldervaart "Chemistry of the Earth.s Crust" Geological Soc. of America, Paper 62. 1955.p 121

حدود المحيطات وملامحها العامة

3-3-حدود المحيطات وملامحها العامة: لم تكن المحيطات مفصولة عن بعضها فصلًا تامًّا في أي عصر من العصور؛ بل إنها كانت دائمًا متصلة ببعضها في نطاقات كبيرة. وقد نتج عن ذلك أن أصبح المنسوب العام لسطح مياهها واحدًا في كل مكان، وهذا هو السبب في اختيار هذا المنسوب ليكون منسوب الصفر الذي يبدأ منه حساب كل المرتفعات وكل المنخفضات، كما أصبح تركيب مياهها واحدًا في كل المناطق إلا في بحار قليلة قد تكون لها ظروف خاصة. ومع أن كل محيط من المحيطات الثلاثة محدد تحديدًا واضحًا من معظم الجهات بواسطة أرض يابسة؛ فإن مياهه تختلط من ناحية أو أكثر بمياه المحيط أو المحيطين المجاورين له على امتداد نطاقات طولية. ويبدو ذلك واضحًا بصفة خاصة في النطاق المحصور بين خطي عرض 40 ْ درجة و 65 ْ درجة في نصف الكرة الجنوبي. وفي هذا النطاق تستخدم خطوط الطول كحدود تقريبية بين المحيطات. وعلى هذا الأساس فإن خط طول 160 ْ درجة شرقًا يمكن أن يعتبر حدًّا تقريبًا بين المحيطين الهندي والهادي، وأن يعتبر خط طول 30 ْ درجة شرقًا حدًّا بين المحيطين الهندي والأطلسي، وخط طول 63 ْ درجة غربًا حدًّا بين المحيطين الأطلسي والهادي. والمحيط الهادي هو أكبر المحيطات مساحة، وأشدها عمقًا على الإطلاق؛ فهو يشغل حوالي 51% من المساحة الكلية للمحيطات، ويبلغ متوسط عمقه حوالي 3940 مترًا، وهو أكبر من متوسط عمق المحيط الهندي بنحو 100 متر، ومن متوسط عمق المحيط الأطلسي بنحو 630 مترًا. والسبب في أن متوسط عمق المحيط الأطلسي أقل من متوسط عمق المحيطين الآخرين هو أن البحار الهامشية الضحلة التي تتصل به أكثر نسبيًّا منها فيهما، ومن أهمها خليج المكسيك والبحر الكاريبي وبحر الشمال والبحر البلطي؛ فلو أننا أخرجنا منه هذه البحار لما نقص عمقه كثيرًا عن عمق المحيط الهندي. ويحتوي المحيط الهادي كذلك على أشد بقاع المحيطات عمقًا، وتوجد هذه البقاع في الأخاديد البحرية الواقعة إلى الشرق من جزر الفلبين، وفيها قد يزيد العمق عن 11 كيلو مترًا. ويعتبر وجود الأخاديد

العميقة بجوار أقواس من الجزر الجبلية من الصفات التي يختص بها هذا المحيط، ويرجع ذلك إلى أن شرق آسيا والجزر المجاورة له قد تعرضت في عصور جيولوجية حديثة للحركات الانثنائية التي أدت إلى ظهور سلاسل جبلية مرتفعة تجاورها ثنيات مقعرة شديدة العمق. وما زالت هذه المناطق تكون في الوقت الحاضر جزءًا من النطاق الضعيف الذي يشتهر باسم الحلقة النارية. والمحيط الأطلسي هو أطول المحيطات بين الشمال والجنوب؛ وذلك لأنه مفتوح من هاتين الناحيتين بحيث يمكن اعتبار البحر المتجمد الشمالي امتدادًا له، وهو على هذا الأساس يمتد من القطب الشمالي حتى خط عرض 70 ْ درجة جنوبًا أي لمسافة 160 ْ درجة عرضية، ويتميز هذا المحيط كذلك بكثرة مياه الأنهار التي تصب فيه من كل القارات المحيطه به. أما المحيط الهندي فيتميز بأن القسم الأكبر منه موجود في نصف الكرة الجنوبي، وأنه هو أكثر المحيطات تأثرًا باليابس بسبب وجوده بين ثلاث قارات؛ فهو مقفل تقريبًا من ناحية الشمال بواسطته كتلة آسيا الضخمة، كما أنه مقفل تمامًا من ناحية الغرب حتى خط عرض 35 ْ درجة جنوبًا بواسطة كتلة أفريقيا، أما من ناحية الشرق فإنه مقفل كذلك، ولكن بدرجة أقل وضوحًا منها في الشمال والغرب، بواسطة قارة أستراليا والجزر التي تقع بينها وبين آسيا حتى خط عرض 45 درجة جنوبًا. وإن التأثير القوي لليابس على هذا المحيط هو السبب في أن نظام التيارات البحرية ونظام الرياح ينقلبان في نصفه الشمالي انقلابًا تامًّا بين الصيف والشتاء. جدول 3: مساحات المحيطات ومتوسطات أعماقها "مع بحارها" المساحة بالكيلو مترات المربعة متوسط العمق بالأمتار المحيط الهادي 180 مليون 3940 المحيط الأطلسي 106 مليون 2310 المحيط الهندي 75 مليون 3840 مجموع مساحة المحيطات 361 مليون مجموع مساحة اليابس 149 مليون المجموع 51 مليون "المساحة الكلية لسطح الكرة الأرضية"

تضاريس قاع المحيطات

تضاريس قاع المحيطات مدخل ... 3-4-تضاريس قاع المحيطات: إن قاع المحيطات ليس مستويًا كما يخيل إلينا؛ بل إنه يتضمن كثيرًا من المظاهر التضاريسية، التي لا تختلف عن المظاهر المألوفة لنا على اليابس؛ إلا في بعض أشكالها الخارجية وأنواع التكوينات الرسوبية التي تغطيها، وذلك بسبب اختلاف العوامل التي تؤثر فيها؛ فينما تخضع مظاهر التضاريس القارية باستمرار لتأثير العوامل المختلفة للهدم والبناء، وهي العوامل التي تشتهر باسم عوامل التعرية؛ بل ولعوامل الهدم والبناء التي يقوم بها الإنسان نفسه؛ فإن تضاريس قاع المحيطات لا تتأثر إلا بحركات المياه وملوحتها، ونوع الكائنات الحية والرواسب التي توجد فيها. وأهم المظاهر التضاريسية التي يمكن تمييزها على قاع البحار والمحيطات هي: 1- الرفوف القارية Continental Shelves 2- المنحدرات القارية Continental Slopes 3- سلاسل الجبال المحيطية Oceanic Ridges 4- المخروطات البركانية الغاطسة، واسمها العلمي Guyots "ونطقها gee- ohs" 5- الأخاديد Trenches والأعماق Deeps أو Troughs. 6- السهول العميقة Abyssal Plains.

الرفوف القارية

1- الرفوف القارية Continental Sheives: وهي مناطق الانتقال بين الرصيف القاري Continental Platform والرصيف البحري1 Marine Platform، وهي تشمل كل المناطق الضحلة المجاورة لليابس مباشرة، والتي لا يزيد عمقها على 200 متر "110" قامة2. وهي تعتبر في الواقع امتددًا لليابس؛ لأنها أكثر ارتباطًا به من حيث التركيب الجيولوجي منها بقاع المحيط، ولأنها لم تكن دائمًا مغمورة بمياه.

_ 1 المقصود بالرصيف القاري هو كل اليابس. والمقصود بالرصيف البحري هو كل البحار التي يزيد عمقها على 200 متر. ومع ذلك فإن بعض الكتاب يستخدمون تعبير "الرصيف القاري بنفس المعنى الذي يستخدم له تعبير "الرف القاري" وهو استخدام لن آخذ به هنا. 2 القامة تعادل 6 أقدام "1.8متر" وهي الوحدة التقليدية لقياس الأعماق.

البحر بل كانت تتحول في كثير من العصور إلى أرض يابسة؛ إما بسبب انخفاض سطح البحار أو ارتفاع سطح اليابس، أو بسببهما معًا. وفضلًا عن ذلك فإن الانتقال بينها وبين اليابس يحدث بشكل تدريجي؛ بينما يحدث الانتقال بينها وبين قاع المحيط بشكل سريع حتى أنه يكاد يكون فجائيًّا في كثير من المناطق، ويطلق على المنحدر الذي يفصل بينهما اسم المنحدر القاري Continenal Slope. وتقدر المساحة الكلية للرفوف القارية في العالم بحوالي 29 مليون كيلو متر مربع، وهي تمتد حول كل كتل اليابس تقريبًا؛ ولكن اتساعها يختلف اختلافًا كبيرًا من مكان إلى آخر؛ ففي في بعض المناطق تمتد إلى مئات الكيلو مترات، نحو داخل البحر، كما هي الحال حول سواحل أوروبا حتى أن البحار الهامشية لهذه القارة مثل البحر البلطي وبحر الشمال، والبحر الأدرياتي تقع كلها على الرف القاري، كما تقع على هذا الرف أيضًا كل البحار الداخلية مثل البحر الأسود وبحر قزوين. وتتسع الرفوف القارية كذلك حول سواحل شرق الولايات المتحدة وحول جزر إندونيسيا وغيرها من الجزر الواقعة بين شمال أستراليا وجنوب شرق آسيا. وقد ثبت أن جميع الرفوف القارية المذكورة كانت في بعض العصور الجيولوجية، وخصوصًا في العصور الجليدية التي تميز بها الزمن الجيولوجي الرابع "البليستوسين" أرضًا يابسة؛ ففي تلك العصور تحولت مقادير ضخمة من مياه البحار، والمحيطات إلى طبقات سميكة من الجليد الذي غطى مساحات شاسعة في أوروبا وأمريكا الشمالية، وترتب على ذلك هبوط منسوب سطح البحر بحوالي 150 مترًا أو أكثر في بعض العصور. ولكن هناك في نفس الوقت مناطق كثيرة تضيق فيها الرفوف القارية بشكل ملحوظ، حتى أنها تكاد تختفي في بعض هذه المناطق وهي تضيق بصفة خاصة بجوار السواحل التي نشأت نتيجة لحركات انكسارية مثل سواحل الكتل الصلبة

شكل 74 المنحنى الهيبسوغرافي لسطح الأرض القديمة مثل كتلة أفريقيا والبرازيل والهند، أو نتيجة لحركات انثنائية عنيفة، كما تدل على ذلك سلاسل الجبال المرتفعة التي تمتد على طولها، وأهمها السواحل الغربية للأمريكتين وبعض سواحل شرق آسيا، وشرق استراليا؛ ففي كل هذه المناطق تبدأ الأعماق السحيقة على مسافات قصيرة من الساحل, وتتميز الرفوف القارية بكثرة الرواسب المفككة التي تتراكم على سطحها، وهي تتكون عادة من رواسب خشنة بجوار الشاطئ، ثم تتناقص أحجامها كلما توغلنا إلى داخل البحر، والرفوف القارية هي غالبًا أغنى مناطق البحار في ثرواتها السمكية لأن الأسماك تلجأ إليها، وتتكاثر فيها بسبب كثرة ما ينمو بها من الكائنات العضوية التي يتكون منها البلانكتون؛ وذلك لأن أشعة الشمس تستطيع أن تتعمق فيها حتى القاع تقريبًا. وفضلًا عن ذلك فإن بعض الرفوف القارية تحتوي على ثروات بترولية ومعدنية كبيرة، كما أن بعض أجزائها المجاورة لليابس مباشرة يمكن تجفيفها واستغلالها للزراعة أو لأي أغراض أخرى.

المنحدرات القارية

2- المنحدرات القارية Continental Slopes: وهي المنحدرات الشديدة التي تنتهي عندها الرفوف القارية من ناحية البحر؛ فهي تبدأ على هذا الأساس من خط عمق 200 متر وتستمر في انحدارها الشديد حتى تصل إلى العمق السائد في قاع البحر أو المحيط، وهو عمق يتراوح بين 3000 و 6000 متر. وتختلف المنحدرات القارية عن الرفوف القارية في أن

الرواسب المفككة التي تغطيها قليلة. وبأنها أفقر منها في كائناتها الحية وثرواتها السمكية. وتقطع هذه المنحدرات في بعض الأماكن وديان مغمورة عميقة جوانبها شديدة الانحدار Submarine Canyons وقد يواصل بعضها امتداده فوق الرف القاري.

سلاسل الجبال

3- سلاسل الجبال المحيطية Oceanic Ridges: وهي عبارة عن سلاسل جبلية تمتد تحت سطح الماء لمسافات طولية، وتضم كثيرًا من المظاهر التضاريسية التي نعرفها على اليابس مثل الوديان والصدوع والهضاب والقمم البركانية. ويوجد من هذه سلاسل نطاق ضخم جدًّا يمتد في وسط المحيط الأطلسي من جزيرة أيسلنده في الشمال؛ حتى القارة القطبية الجنوبية في الجنوب، أي لمسافة 15 ألف كيلو متر تقريبًا. ويبلغ عرض هذا النطاق ما بين 150 و 200 كيلو متر. وهو يقسم المحيط الأطلسي إلى حوضين كبيرين أحدهما شرقي والآخر غربي، ولا تقل السلاسل الجبلية المكونة له في ضخامتها عن كثير من سلاسل الجبال الكبرى على اليابس؛ ولكنها لا تظهر على السطح إلا في منطقتين اثنتين هما منطقة جزر أزورس في الشمال، ومنطقة جزر أسانسيون في الجنوب؛ حيث أن هذه الجزر عبارة عن القمم البارزة لبعض جبال هذا النطاق. وليس النطاق الجبلي المذكور إلا قسمًا من نطاق أعظم منه ممتد في كل المحيطات؛ فمن جنوب المحيط الأطلسي تواصل السلاسل الجبلية امتدادها في المحيط الهندي والمحيطات القطبية الجنوبية والمحيط الهادي "شكل 75"، ويبدو أن هذا النطاق بأكمله هو أحد نطاقات التصدع الكبرى في قشرة الأرض. ولقد كان من نتائج حركات التصدع على طوله أن تكونت سلسلة متصلة من الوديان أو الأخاديد الصدعية التي تشقه طوليًّا على طول محوره الأوسط، وذلك بالإضافة إلى كثير من الصدوع الصغيرة التي تقطع السلاسل الجبلية في اتجاه مستعرض "راجع شكل 75"1.

_ 1 A.N.Strahier "Physical Geogreaphy" 2 nd ed 1968,p; 381

المخروطات البركانية الغاطسة

4- المخروطات البركانية الغاطسة "أو الجي أوز Guyots" 1: وهي عبارة عن مخروطات بركانية توجد قممها على عمق كبير تحت ماء

_ 1 S.N Namowiz. Ibid, p 247

شكل "75" نطاق الجبال المحيطية والصدوع التي تقطعه. الخط المتعرج يمثل الحدود الخارجية لنطاق السلاسل الجبلية المحيطية، والخطوط المتصلة السميكة تمثل الوديان الانكسارية التي تقطعها طوليًّا وعرضيًّا. Strahier, 1968, p. 382 البحر. وهي تتميز بقممها المسطحة الواسعة التي تجعلها أشبه بالهضاب. ويبلغ قطرها عشرات الكيلو مترات، إلا أن بعضها يتميز بقممه المستديرة، ويظهر هذا النوع الأخير عادة بشكل جبال منعزلة، Seamounts.

الأخاديد والأعماق المحيطية

5- الأخاديد والأعماق المحيطية: الأخاديد المحيطية Trenches عبارة عن وديان طولية شديدة العمق، تقطع قاع المحيطات في أماكن مختلفة. أما الأعماق Deeps أو Troughs فهي مناطق حوضية شديدة العمق في الأخاديد، أو في أي موضع آخر. ويطلق تعبير عمق Deep عادة على الأعماق التي تزيد على 5500 متر تحت سطح البحر، ولا تمثل الأخاديد والأعماق إلا بنسبة ضيئلة جدًّا من قاع المحيطات. وعلى الرغم من أن أسباب نشأتها غير معروفة بالضبط؛ فالغالب هو أنها تكونت بسبب الحركات

التكتونية؛ ولذلك فإنها توجد غالبًا في المناطق التي تأثرت بهذه الحركات، ومن أهمها الحركات الانثنائية الكبرى التي حدثت في شرق آسيا وغرب المحيط الهادي، والتي أدت إلى ظهور أقواس الجزر الجبلية التي تمتد من بوغاز بهرنج في الشمال حتى الجزر الأندونيسية في الجنوب؛ فبجوار هذه الأقواس توجد أشد الأخاديد البحرية عمقًا في المحيطات، ومنها أخدود الفلبين الذي يمتد إلى الشرق من هذه الجزر، والذي يصل العمق في أحد أجزائه وهو عمق سوايار S wire Deep إلى 10860 مترًا. وهو أكبر عمق في كل المحيطات. ويكاد العمق يصل إلى نفس هذا الحد تقريبًا في أخدود آخر في الشمال هو أخدود كوريل- كمتشتكا. ومن أهم الأخاديد الأخرى في نفس المحيط الأخدود الواقع إلى الشرق من جزر اليابان والأخدود الذي يمتد بشكل قوس كبير حول نطاق الجزر الممتدة إلى الجنوب من اليابان ومنها جزر بونين في الشمال وجزر جرام في الجنوب. أما في المحيط الأطلسي فتوجد معظم الأخاديد في وسط المحيط حيث يمتد أغلبها في وسط النطاق الجبلي، ويسير معه في نفس الاتجاه؛ بينما يقطعه عدد كبير منها في اتجاه متعامد على امتداده. أما أعمق أجزاء هذا المحيط فتوجد في أخدود بورتوريكو الواقع إلى الشرق من جزر بورتوريكو، في غرب المحيط، وفيه يصل العمق إلى 9225 مترًا. والمعتاد هو أن يكون الانتقال سريعًا جدًّا بين أعالي الجبال التي تشغل أقواس الجزر وقاع الأخاديد المجاورة لها؛ بحيث يحدث الانتقال من أعلى الجبال إلى أعمق أجزاء المحيط في مسافات وجيزة.

السهول العميقة

6- السهول العميقة Abyssal Plains: بغض النظر عن المظاهر التضاريسية السابقة "وكما هي الحال على سطح اليابس"؛ فإن مساحات شاسعة من قاع المحيطات عبارة عن سهول تتميز باستواء سطحها تقريبًا. وربما يكون بعض هذه السيول قد تكون نتيجة للإرساب المستمر للمواد الناعمة على طول ملايين السنين وانتشارها على مساحات واسعة من القاع وتغطيتها للمظاهر التضاريسية الأخرى، مثال ذلك السهل الواسع الذي تتكون

منه مساحات واسعة من قاع المحيط الأطلسي الشمالي، والذي يوجد على عمق حوالي 5500 متر تحت سطح البحر؛ ومع ذلك فتبرز على سطحه بعض الجبال المنعزلة Seamounts التي ربما كانت عبارة عن مخروطات بركانية قديمة1.

_ 1 A.N.Strahler Ibid. 381

طبيعة مياه البحار

طبيعة مياه البحار: الملوحة: تحتوي مياه البحار على مجموعة من الأملاح المختلفة التي توجد عادة بنسب ثابتة تقريبًا في مياه كل المحيطات الكبرى؛ ولكنها قد تتباين نوعًا ما في البحار المتوسطة والبحار الداخلية على حسب ظروف كل منها، كما سبق أن أوضحنا، وتحسب درجة الملوحة عادة بمقدار وزن الأملاح التي توجد في كل 1000 جرام "كيلو جرام واحد" من الماء محسوبًا بالجرامات. وقد حسب متوسط درجة الملوحة في البحار والمحيطات؛ فوجد أنه يتراوح في معظمها بين 33 و 37 في الألف. ومع ذلك فإن هذه النسبة تزيد على ذلك في بعض البحار المدارية التي يكثر التبخر من سطحها ولا تصل إليها مياه عذبة تكفي لتعويض هذا التبخر مثل البحر الأحمر الذي تصل درجة ملوحة مياهه إلى 41 في الألف، وكلما زادت درجة ملوحة المياه زادت كثافتها. وأشد مياه البحار في العالم ملوحة هي مياه البحر الميت، وتبلغ درجة ملوحتها حوال 275 في الألف، ولهذا السبب فإن كثافتها مرتفعة بدرجة تجعل من الصعب على معظم الأجسام الحية أن تغوص فيها. وفضلًا عن ذلك؛ فإن ارتفاع درجة ملوحة المياه يؤدي إلى انخفاض درجة تجمدها؛ ولذلك فإن مثل هذه المياه قد تظل سائلة في درجات ملوحتها 35 في الألف مثلًا يوجد حوالي 27.2 جرامًا من كلوريد الصوديوم و 3.8 جرامًا من كلوريد المغنيسيوم و 1.26 من سلفات المغنيسيوم و 1.26 من سلفات الكالسيوم و 0.86 من سلفات

البوتاسيوم، وحوالي 0.12 من كربونات الكالسيوم وأقل من 0.1 من الجرام من بروميد المغنيسيوم؛ وذلك في كل كيلو جرام من الماء.

درجة حرارة مياهها

درجة حرارة مياهها: تتميز المياه عمومًا بأن درجة حرارتها لا تتغير بالسرعة التي تتغير بها درجة حرارة الأجسام الصلبة؛ فهي بعبارة أخرى تسخن ببطء، وهذه حقيقة علمية معروفة. وسببها هو أن الحرارة النوعية للماء مرتفعة نسبيًّا1. ومعناه أيضًا أن البحار تستطيع أن تمتص كميات كبيرة من الحرارة دون أن ترتفع درجة حرارتها ارتفاعًا كبيرًا، كما أنها تستطيع أن تفقد كميات منها كذلك دون أن تنخفض درجة حرارتها انخفاضًا كبيرًا كذلك. ولهذا السبب نجد أن الفروق الحرارية الكبيرة التي تظهر على اليابس لا يوجد لها نظير في البحار. ونظرًا لأن مياه البحار في حركة مستمرة فإن الحرارة التي تمتصها من أشعة الشمس لا يقتصر تأثيرها على المياه السطحية في منطقة امتصاصها إلى مناطق أخرى بعيدة عنها مئات الكيلومترات بواسطة التيارات البحرية، ولكن شكل "76" معدلات درجة حرارة سطح مياه المحيطات بالدرجات المئوية في الشتاء "يناير"

_ 1 الحرارة النوعية هي الحرارة التي تلزم لرفع درجة حرارة جرام واحد من المادة درجة مئوية واحدة.

شكل "77" معدلات درجة حرارة سطح مياه المحيطات بالدرجات المئوية في الصيف "أغسطس" يلاحظ أن هذه الحرارة لا تصل غالبًا إلى الأعماق الكبيرة التي لا تتأثر بحركات الماء، وخصوصًا في الأعماق السحيقة من المحيطات الكبرى؛ ولذلك فإن مياه هذه الأعماق تكون دائمًا باردة، وتتراوح درجة حرارتها غالبًا بين درجتين وأربع درجات مئوية، وفضلًا عن ذلك فإن الحرارة التي يكتسبها سطح البحر في العروض الحارة لا يقتصر تأثيرها على مياه هذه العروض أو على مناخ سواحلها؛ وإنما تنتقل بعض حرارتها بواسطة التيارات البحرية المعروفة إلى المناطق التي تمر بها، والتي قد يبعد بعضها عن المناطق التي اكتسبت فيها الحرارة بآلاف الكيلو مترات. والخلاصة أن مياه البحار تلعب دورًا مهمًّا في تنظيم الحرارة وفي تلطيف الجو، كما أنها تساعد على نقل الحرارة من مكان إلى آخر على طول السواحل، فتساعد بذلك على تدفئة بعض سواحل الأقاليم الباردة وعلى تلطيف حرارة سواحل بعض الأقاليم الحارة.

حركات مياه البحار والمحيطات

3-6-حركات مياه البحار والمحيطات "الأمواج - المد والجزر - التيارات البحرية". 3-6-1-الأمواج WAVES: الأمواج هي حركات رأسية تنتقل بها جزيئات الماء إلى أعلى وإلى أسفل بشكل متوافق. وهي تتباين في أحجامها وفي شدتها تباينًا كبيرًا، على حسب قوة العوامل التي تسببها، وحجم المياه التي تحدث فيها؛ فهي تتراوح بين التموجات البسيطة التي تسببها حركة الهواء فوق سطح المياه الهادئة أو التي يسببها سقوط جسم صلب في هذه المياه إلى الأمواج العاتية التي ترتفع إلى عدة أمتار وتؤدي أحيانًا إلى غرق السفن بل وإلى غرق بعض البلاد الساحلية. ولكل موجة من الموجات سرعة انتشار معينة وسرعة تردد معينة كذلك، كما أن لكل موجة طول معين وارتفاع معين كذلك. والمقصود بطول الموجة هو المسافة بين قمتي أو بين قاعي موجتين متجاورتين، أما المقصود بارتفاعها فهو المسافة بين قمتها وقاعها. وكثيرًا ما تختلط أو تتابع أنواع متباينة الأحجام من الأمواج في نفس المنطقة؛ فتعطي سطح البحر مظهرًا معقدًا، ويحدث هذا عادة إذا تقابلت الموجات القادمة من اتجاهات مختلفة. وهناك نوعان من الأمواج أحدهما ينشأ في البحار والمحيطات بعيدًا عن الشاطئ، وسببه هو هبوب الرياح من اتجاه واحد مما يؤدي إلى اهتزاز المياه في حركة رأسية، ويطلق على هذا النوع اسم "الموجات الاهتزازية" Waves Oscillation، أما النوع الثاني فيكون بالقرب من الشاطئ ويطلق عليه اسم موجات الارتطام Waves of Transltion وهي في الأصل موجات اهتزازية؛ ولكنها تتكسر عندما تدخل المياه الشاطئية المنطقة الضحلة وترتطم بالشاطئ، ويتوقف حجم الموجات الاهتزازية وسرعة ترددها على سرعة الرياح من جهة، واتساع المسطحات المائية التي تتكون فيها من جهة أخرى؛ فبينما قد يصل طول

شكل "78" حركة الأمواج الموجة في المحيط إلى 160 مترًا ويصل ارتفاعها إلى 8 أمتار؛ فإن طولها في البحار المقفلة أو شبه المقفلة مثل البحر المتوسط لا يزيد عن خمسين مترًا، ولا يزيد ارتفاعها عن ستة أمتار. ويمكن أن ندخل في الأمواج كذلك "موجات التسونامي Tsunamis" التي تنشأ بسبب حدوث الزلازل تحت قاع البحر أو بالقرب منه، وهي موجات عاتية يزيد ارتفاعها على عشرين مترًا، وقد يترتب عليها غرق بعض البلاد الساحلية، وحدوث خسائر مادية وبشرية جسيمة. وللأمواج عمومًا أهمية جغرافية واضحة بسبب تدخلها القوي في تشكيل السواحل، ونحت صخورها وتوزيع المواد الرسوبية المختلفة على طولها، أو حملها إلى داخل البحر. وهي العامل الرئيسي في نشأة كثير من المظاهر الجيومورفولوجية الساحلية مثل الكهوف الشاطئية والمسلات البحرية والأقواس البحرية وغيرها.

المد والجزر

المد والجزر مدخل ... 3-6-2-المد والجزر TIDES: المد High Tide والجزر Low Tide هما حركتا ارتفاع وانخفاض ماء البحر أمام معظم سواحل البحار والمحيطات بتتابع يومي منتظم يتكرر فيه كل منها مرتين. ولكن على الرغم من أن الفترات التي تفصل بين المد والجزر الذي يليه، أو بين المدين أو الجزرين اللذين يحدثان خلال اليوم الواحد تكون واحدة تقريبًا من يوم إلى آخر؛ فإن أوقات حدوثها تتأخر يوميًّا بمعدل 52 دقيقة خلال الشهر العربي، وهي نفس المدة التي يتأخر بها ظهور القمر كل ليلة منذ مولده في أول الشهر حتى اختفائه في آخره. شكل "79" المد High Tide والجزر Low Tide السهمان اللذان في وسط الشكل يدلان على اتجاه جاذبية الشمس وأهم العوامل التي لها علاقة بالمد والجزر هي:

جاذبية القمر

1- جاذبية القمر: وهي أهم العوامل على الإطلاق. وقد اكتشفها العلماء منذ زمن بعيد، وأثبتوا أنها هي المسئولة أولًا عن حدوث المد والجزر، ومع ذلك فإن هناك عوامل أخرى مساعدة تتحكم في توقيت حدوثهما، وفي تحديد مدى ارتفاع المد أو هبوط الجزر على طول أيام الشهر العربي، وأهم هذه العوامل المساعدة هي:

جاذبية الشمس

2- جاذبية الشمس: ولكن تأثيرها أضعف بكثير من تأثير جاذبية القمر بسبب البعد الشاسع بين الأرض والشمس، ولا يظهر هذا التأثير بوضوح إلا عندما تكون الشمس والقمر والأرض واقعة في مستوى واحد؛ فعندئذ تتعاون الجاذبية الشمسية مع جاذبية القمر على زيادة المد وزيادة انخفاض الجزر؛ لأن اتجاه الجاذبيتين يكون واحدًا. ويحدث هذا مرتين في الشهر العربي؛ إحداهما في منتصفه والثانية في آخره، أي عندما يكون القمر بدرًا أو محاقًا، وعندئذ يصل المد إلى أعلى مستوى له وينخفض الجزر إلى أدنى مستوى له. أما عندما يكون القمر تربيعيًّا فإن اتجاه جاذبية الشمس يكون عموديًّا على اتجاه جاذبية القمر فيضعف تأثيره ويكون المد والجزر عندئذ ضعيفين. شكل "79".

دورران القمر حول الأرض

دورران القمر حول الأرض ... 3- دوران القمر حول الأرض: وهذا العامل هو المسئول عن تأخر ميعاد حدوث المد والجزر بنحو 52 دقيقة كل يوم عن اليوم السابق له؛ فلو تصورنا أن البحار تحيط بالكرة الأرضية إحاطة تامة، وأن القمر ثابت في موضع واحد؛ فإن ذلك سيؤدي إلى حدوث موجتين متساويتين من المد العالي على المكان الواحد بينهما 12 ساعة، وهي المدة اللازمة لانتقال أي نقطة من الجانب المواجه للقمر إلى الجانب المقابل له؛ ولكن بما أن القمر يدور حول الأرض مرة كل 29 يومًا فإن مروره على النقطة الواحدة يتأخر 52 دقيقة يوميًّا.

قوة الطرد المركزية لدوران الأرض

4- قوة الطرد المركزية لدوران الأرض: حيث إنها تساعد على ارتفاع المد.

توزيع الماء واليابس وتحرك المياه

5- توزيع الماء واليابس وتحرك المياه: وهذا العامل هو المسئول عن اختلاف مدى المد والجزر من مكان إلى آخر على سطح الأرض؛ فلو كانت البحار تحيط بالأرض إحاطة تامة لكان من الممكن تحديد ارتفاع المد ومدته في أي نقطة على سطحها بسهولة على أساس قوة جذب القمر وقوة الطرد المركزي للأرض؛ ولكن نظرًا لأن البحار تختلط باليابس، ولأن مياهها دائمة الحركة فإن ارتفاع المد يختلف من بحر إلى آخر ويحتاج حسابه إلى بعض العمليات المعقدة نوعًا

ما. ففي بعض الأماكن يصل ارتفاع المد إلى حوالي عشرين مترًا؛ بينما يقل عن ذلك كثيرًا أو يختفي في بعضها الآخر. ويعتبر المد والجزر من العوامل التي لها علاقة بتوزيع الرواسب والكائنات الحية الدقيقة والبلانكتون1 على طول السواحل التي تتأثر بها، كما أن لها علاقة كبيرة بنظام حياة الأسماك وحركاتها، ومن الواضح أنها تؤثر كذلك على نظام الحركة في المواني التي تتعرض لها؛ ولذلك فإن تخطيط هذه المواني، وتوزيع منشآتها يراعى فيه دائمًا الآثار الناجمة عن حركتي المد والجزر.

_ 1 البلانكتون هو المواد العضوية التي تتغذى عليها الأسماك.

التيارات البحرية

التيارات البحرية أسبابها ونظامها العام ... 3-6-3-التيارات البحرية OCEAN CURRENTS: أسبابها ونظامها العام: التيارات البحرية عبارة عن مسيرات منتظمة للمياه السطحية للمحيطات وبعض البحار الكبيرة، وبمقتضاها تتحرك قطاعات من هذه المياه بطريقة مشابهة لحركة مياه الأنهار البطيئة الواسعة، وهي تأخذ في مسيراتها اتجاهات معروفة، تفرضها عوامل مختلفة: أهمها اتجاه الرياح ودوران الأرض حول نفسها، وشكل السواحل. ولهذه التيارات آثار مناخية هامة تختلف باختلاف طبيعتها؛ فهي إما أن تكون دافئة فتعمل على تدفئة السواحل التي تمر بها، وإما أن تكون باردة فتعمل على خفض درجة حرارتها. وتنشأ التيارات البحرية بنظامها المعروف نتيجة لعدة عوامل، منها الرياح العامة التي تعتبر في الواقع أهم العوامل على الإطلاق، وإلى جانبها توجد عوامل أخرى تساعد على تحريك المياه أو توجيهها بشكل خاص، ومنها اختلاف درجة حرارة المياه، وكثافتها من مكان إلى آخر، ثم اختلاف منسوب الماء في بعض البحار المتجاورة، نتيجة لكثرة التبخر من سطح الماء في بعضها وكثرة ما ينصب في بعضها الآخر من مياه الأنهار، والأمطار والثلوج المنصهرة، ويعتبر شكل السواحل كذلك من العوامل المهمة التي تحدد الاتجاهات التي تسير فيها بعض التيارات

البحرية، كما سنبين عند دراسة التيارات في المحيطات المختلفة، كما أن حركة الأرض حول نفسها تعمل باستمرار على انحراف التيارات البحرية بطريقة متشابهة لانحراف الرياح حسب قانون فرل، ومعنى ذلك أن التيارات تنحرف قليلًا إلى يمين هدفها في نصف الكرة الشمالي، وإلى يساره في نصفها الجنوبي، اللهم إلا إذا اضطرت بسبب شكل السواحل إلى أن تأخذ اتجاهات معينة. ويمكننا أن نبين مدى تحكم الرياح العامة في نظام التيارات البحرية إذا ما قارنا خريطتي توزيع كل منهما في العالم؛ حيث نرى أن هناك توافقًا شديدًا بينهما، ولتوضيح هذه الحقيقة نبدأ مثلًا بتتبع الرياح التجارية ما بين خطي عرض 10 ْ درجة و 20 ْ درجة في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي، على أحد المحيطين الأطلسي أو الهادي أننا سنلاحظ أن هذه الرياح تدفع أمامها الطبقة السطحية من مياه الأجزاء الشرقية للمحيط على شكل تيارين مائيين يتجهان نحو خط الاستواء من الشمال ومن الجنوب، ونظرًا لأن هذين التيارين ينتقلان إلى مناطق أشد حرارة من المناطق التي يأتيان منها فإن مياههما تبدو باردة نسبيًّا؛ ولذلك فإنها تساعد على تلطيف درجة السواحل التي تمر بجوارها. وعندما يصل هذان التياران إلى قرب خط الاستواء يغيران اتجاههما، ويأخذان في التحرك نحو الغرب؛ فيتكون منهما تياران موازيان لخط الاستواء، وهما التيار الاستوائي الشمالي والتيار الاستوائي الجنوبي. وتكون مياههما قليلة الحرارة في أول الأمر؛ ولكنها تسخن تدريجيًّا بسبب شدة الحرارة في هذه العروض، وعندما يقابل هذان التياران الساحل الغربي للمحيط يتجه الأول منهما نحو الشمال بينما يتجه الثاني نحو الجنوب. ونظرًا لأن مياههما تكون حارة؛ فإنها تعمل على تدفئة السواحل التي تمر بها، ويستمر هذان التياران في حركتهما نحو الشمال ونحو الجنوب حتى خط عرض 40 ْ درجة أو 45 ْ درجة تقريبًا، ثم يغيران اتجاههما نحو الشرق بتأثير الرياح العكسية؛ فإذا ما وصلا إلى الجانب الشرقي من المحيط دفعتهما الرياح التجارية مرة أخرى نحو خط الاستواء؛ حيث تبدأ الدورة من جديد. ويلاحظ أن جزءًا من مياه التيارات الاستوائية التي تصل إلى الساحل الغربي للمحيط يرتد نحو

الشرق على طول خط الاستواء على شكل تيار يطلق عليه اسم التيار الاستوائي الراجع "أو العائد". وإلى جانب الدورة التي سبق وصفها توجد كذلك تيارات شديدة البرودة تدفعها الرياح القطبية نحو الجنوب بصفة عامة في نصف الكرة الشمالي، ونحو الشمال في نصفها الجنوبي، ويلاحظ مع ذلك أن الدورة السابقة تتغير نوعًا ما في المحيطات المختلفة على حسب الظروف الخاصة بكل منها من حيث الاتساع وشكل السواحل ونظام هبوب الرياح وغيرها. ويلاحظ عمومًا أن التيارات الرئيسية في المحيطات المختلفة تتزحزح نوعًا ما نحو الشمال في فصل الصيف "الشمالي"، ونحو الجنوب في فصل الشتاء تبعًا لحركة الشمس الظاهرية، شأنها في ذلك شأن النطاقات العامة للحرارة والضغط الجوي والرياح.

تيارات المحيط الأطلسي

تيارات المحيط الأطلسي: يتفق نظام التيارات البحرية في هذا المحيط اتفاقًا واضحًا مع الدورة العامة التي سبق وصفها، "وذلك باستثناء بعض أوجه الاختلاف التي تظهر بصفة خاصة في أقصى الشمال"؛ فإذا نظرنا إلى الخريطة بشكل "80" نلاحظ أن هناك تيارين باردين يتحركان نحو خط الاستواء في الأجزاء الشرقية من المحيط وهما: 1- تيار الكناريا، نسبة إلى جزر الكناريا في الشمال. 2- تيار بنجويلا، نسبة إلى إقليم بنجويلا في جنوب غرب أفريقيا في الجنوب. وبالقرب من خط الاستواء ينحرف هذان التياران نحو الغرب، ويتكون منهما التيار الاستوائي الشمالي من جهة والتيار الاستوائي الجنوبي من جهة أخرى، وعندما يتصادم هذان التياران الاستوائيان بساحل أمريكا الجنوبية يرتد جزء بسيط من مياههما على طول خط الاستواء نحو الشرق على شكل تيار يطلق عليه اسم التيار الاستوائي الراجع، وهو الذى يعرف عند الساحل الأفريقي باسم تيار غانة الحار، وفيما عدا ذلك نجد أن التيار الاستوائي الشمالي يتحرك في جملته نحو

الشمال الغربي على امتداد الساحل الشمالي لأمريكا الجنوبية، أما الجنوبي فينقسم عند مصادمته لشبه جزيرة سان روك St. Roque إلى قسمين، الأول منهما ينضم إلى التيار الاستوائي الشمالي، أما الثاني فيتحرك جنوبًا، ويتكون منه تيار البرازيل الدافئ، الذي يستمر في تحركه حتى حوالي خط عرض 40 ْ درجة جنوبًا، ثم يغير اتجاهه بتأثير الرياح العكسية نحو الشرق، وتنضم إليه بعض التيارات القطبية الباردة ومنها تيار فوكلاند في أقصى جنوب شرق أمريكا الجنوبية، ويتكون منهما جميعًا تيار بنجويلا الذي سبقت الإشارة إليه. أما في شمال خط الاستواء فيتحرك التيار الاستوائي الشمالي، بالاضافة إلى القسم الذي انضم إليه من التيار الجنوبي، نحو البحر الكاريبي وجزر الهند الغربية. ثم يدخل القسم الأكبر منه إلى خليج المكسيك، بينما يتحول القسم الآخر إلى الشرق من جزيرة فلوريدا، ويتكون منه تيار الخليج Gulf Stream وهو أعظم تيارات المحيط الأطلسي؛ بل أعظم تيارات العالم على الإطلاق، ويرجع ذلك إلى أن مياهه تأتي من ثلاثة مصادر هي: 1- مياه التيار الاستوائي الشمالي نفسه. 2- القسم الذي ينضم إليها من مياه التيار الاستوائي الجنوبي. 3- المياه الكثيرة التي تصل إلى خليج المكسيك بواسطة الأنهار التي تصب فيه، وأهمها نهر المسيسبي. ويواصل تيار الخليج حركته بحذاء الساحل الشرقي للولايات المتحدة، ويكون عرضه في المتوسط حوالي 75 كيلو مترًا، وعمقه نحو 650 مترًا، ودرجة حرارة مياهه 27 ْ تقريبًا، ويكون سرعته بالقرب من شبه جزيرة فلوريدا حوالي سبعة كيلو مترات ونصف في الساعة، ويرجع ذلك إلى قوة اندفاع المياه الكثيرة التي تخرج من خليج المكسيك عن طريق المضيق المحصور بين جزيرة كوبا وشبه جزيرة فلوريدا؛ ولكن هذه السرعة تقل تدريجيًّا حتى تصبح حوالي كيلو مترين في الساعة أمام سواحل نيدفوندلاند. وهناك يبدأ التيار في تغيير اتجاهه نحو الشرق بتأثير الرياح العكسية الجنوبية الغربية، ولكنه يشذ في دورته نوعًا ما عن الدورة

شكل "80" التيارات البحرية في المحيط الأطلسي العامة التي سبق وصفها؛ فبدلًا من أن يتحول جميعه نحو الجنوب عند مقابلته لسواحل الجزر البريطانية وغرب أوروبا فإنه يتفرع إلى فرعين كبيرين، يتجه أحدهما نحو الجنوب على طول السواحل الغربية لفرنسا وشبه جزيرة أيبيريا وشمال غرب أفريقيا؛ حيث يتكون منه تيار الكناريا البارد، أما الفرع الثاني وهو الأكبر فيواصل تحركه نحو الشمال الشرقي مارًّا بين أيسلنده والجزر البريطانية حتى يصل إلى سواحل النرويج وروسيا، ويطلق عليه أحيانًا اسم تيار المحيط الأطلسي الشمالي الدافئ، ومنه يخرج فرع صغير يتجه نحو أيسلندا وينضم في النهاية إلى التيارات

القطبية الباردة التي تتجه جنوبًا. وأهمها تيار لبرادور الذي يتقابل مع تيار الخليج عند جزيرة نيوفوندلاند.

تيارات المحيط الهادي

تيارات المحيط الهادي: لا تختلف تيارات المحيط الهادي في نظامها العام اختلافًا كبيرًا عن تيارات المحيط الأطلسي؛ وذلك باستثناء بعض الاختلافات البسيطة التي يرجع معظمها إلى عدم تشابه شكل السواحل في المحيطين؛ فبالنظر إلى الخريطة شكل "81" نرى أن السواحل الغربية للأمريكتين يحف بها تياران باردان يسيران نحو خط الاستواء. وهما تيار كاليفورنيا في الشمال، وتيار بيرو "أو همبولت Humboldt" في الجنوب، ومنهما يتكون تياران استوائيان يسيران غربًا حتى جزر أندونيسيا، وشرق أستراليا، ومن هنا ترتد بعض مياهها على طول خط الاستواء مكونة التيار الاستوائي الراجع الذي يتحرك بين التيارين الأصليين. وفي غرب المحيط يتجه التيار الاستوائي نحو الشمال الشرقي، ويمر بسواحل اليابان الشرقية، ويطلق عليه اسم تيار اليابان الحار، وهو الذي يطلق عليه كذلك اسم تيار كوروسيفو "Kure Siwo" أو "Kure Shio" "أي التيار الأسود". وحوالي خط عرض 52 ْ شمالًا بغير هذا التيار اتجاهه نحو الشرق بتأثير الرياح العكسية الجنوبية الغربية؛ حتى إذا ما وصل إلى الساحل الغربي لأمريكا الشمالية انحرف معه نحو الجنوب مكونًا تيار كاليفورنيا الذي سبقت الإشارة إليه. ويلاحظ أن تيار اليابان الحار يتقابل إلى الشرق من جزيرة يزو "إحدى جزر اليابان الشمالية" بتيار قطبي بارد يأتي من جهة مضيق بهرنج ويمر بسواحل شبه جزيرة كمتشتكا وجزر كوريل، ويطلق عليه اسم تيار كمتشتكا أو تيار كوريل، وهو يشبه تيار لبرادور في شمال غرب المحيط الأطلسي؛ ولكنه أضعف منه بكثير. أما التيار الاستوائي الجنوبي فيتحول إلى تيار شرق أستراليا الدافئ، الذي يتحرك جنوبًا بجوار سواحل استراليا الشرقية، وسواحل نيوزيلندا؛ وذلك حتى حوالي خط عرض 42 ْ جنوبًا، ثم يغير اتجاهه نحو الشرق بتأثير الرياح العكسية

شكل "81" التيارات البحرية في المحيط الهادي الشمالية الغربية، ويلتحم هنا ببعض التيارات القطبية التي تأتي من الجنوب، وعندما يصل إلى أمريكا الجنوبية يتجه نحو الشمال بحذاء ساحلها الغربي على شكل تيار معروف باسم تيار بيرو أو همبولت، وهو الذي يتحول عند خط الاستواء إلى التيار الاستوائي الجنوبي. وهناك بعض الاختلافات بين تيارات المحيط الهادي وتيارات المحيط الأطلسي، وأهم أوجه هذا الاختلاف هي: 1- أن التيارات القطبية في شمال المحيط الأطلسي أعظم بكثير من نظيراتها في شمال المحيط الهادي؛ وذلك لأن المحيط الهادي يكاد يكون مقفلًا من ناحية الشمال؛ حيث لا يصله بالمحيط المتجمد الشمالي إلا بوغاز بهرنج الضيق وهو لا يسمح إلا بمرور تيارات ضعيفة نسبيًّا.

2- أن تيار اليابان الحار أضعف بكثير من تيار الخليج؛ لأن الأخير يتكون في الواقع من مياه التيار الاستوائي الشمالي مضافًا إليها جزء كبير من مياه التيار الاستوائي الجنوبي؛ وذلك فضلًا عن مياه الأمطار الكثيرة، ومياه الأنهار التي تصب في خليج المكسيك، أما تيار اليابان؛ فإنه يتكون عمومًا من مياه التيار الاستوائي الشمالي وحدها؛ بل إن جزءًا من هذه المياه يتسرب بين جزر أندونيسيا ويواصل سيره نحو الغرب حتى يدخل المحيط الهندي، وفضلًا عن ذلك فإن مياه تيار اليابان تكون أقل سخونة من مياه الخليج التي يؤدي مرورها في البحر الكاريبي ثم تجمعها في خليج المكسيك إلى زيادة درجة حرارتها. ونظرًا لصغر مساحة المحيط الأطلسي بالنسبة للمحيط الهادي فإن مياه تيار الخليج تظل محتفظة بنسبة كبيرة من حرارتها حتى بعد وصولها إلى سواحل غرب أوروبا؛ في حين أن تيار اليابان يفقد جزءًا كبيرًا من حرارته أثناء عبوره للمحيط الهادي، وهو أعظم مساحة بكثير من المحيط الأطلسي، ولهذه الأسباب نجد أن تأثير تيار الخليج عن مناخ سواحل أوروبا الغربية يفوق كثيرًا تأثير تيار اليابان الدافئ على مناخ الساحل الغربي لكندا وشمال غرب الولايات المتحدة.

تيارات المحيط الهندي

تيارات المحيط الهندي: يتميز المحيط الهندي بظروفه الخاصة التي أدت إلى اختلاف نظام التيارات البحرية فيه عن النظام الذي سبق أن رأيناه في المحيطين الأطلسي والهادي. ويظهر هذا الاختلاف بصفة خاصة في القسم الشمالي من المحيط ما بين خط الاستواء، وسواحل آسيا الجنوبية، ففي هذا القسم يتغير اتجاه التيارات البحرية تغيرًا تامًا في فصل الشتاء عنه في فصل الصيف، كما يظهر عند مقارنة شكلي "82" و "83" حيث نلاحظ أن التيار الذي يمر بجوار الساحل الجنوبي لآسيا في فصل الشتاء يتجه بصفة عامة من الشرق إلى الغرب. والسبب في ذلك هو هبوب الرياح الموسمية الشمالية الشرقية في هذا الفصل من داخل آسيا نحو المحيط الهندي، وعندما يصل هذا التيار إلى شرق إفريقية ينحرف جنوبًا حتى يعبر خط الاستواء "كما تفعل الرياح الموسمية الشتوية نفسها" ثم يغير اتجاهه بعد ذلك نحو الشرق مكونًا التيار

الاستوائي الشمالي، أما في فصل الصيف فتنعكس الدورة بسبب تغير اتجاه الرياح الموسمية، التي تهب على شبه جزيرة الهند، والبحر العربي في هذا الفصل من الجنوب الغربي بصفة عامة، فتدفع أمامها المياه الساحلية على شكل تيار يتجه نحو الشرق، فإذا ما وصل إلى ساحل الملايو والهند الصينية غير اتجاهه نحو الجنوب، وأخيرًا يتحول إلى تيار استوائي يتجه من الشرق إلى الغرب، ومن الواضح أن شكل الساحل الهندي له تأثير واضح على اتجاه التيار البحري الذي يضطر للدوران حوله عند انتقاله من خليج بنغال إلى البحر العربي في فصل الشتاء أو العكس في فصل الصيف. أما إلى الجنوب من خط الاستواء، فلا يختلف نظام التيارات البحرية في المحيط الهندي عن نظامها في المحيط الأطلسي الجنوبي أو المحيط الهادي الجنوبي؛ ففي الشرق يوجد تيار غرب أستراليا الذي تدفعه الرياح التجارية الجنوبية الشرقية نحو خط الاستواء، ثم يتكون منه التيار الاستوائي الجنوبي الذي يتحرك غربًا حتى يصل إلى الساحل الشرقي لإفريقية، وينحرف نحو الجنوب على شكل تيار دافئ يطلق عليه اسم تيار موزمبيق، نسبة إلى إقليم موزمبيق في شرق أفريقيا، وأخيرًا يغير اتجاهه نحو الشرق بتأثير الرياح العكسية الشمالية الغربية حتى يلتحم بتيار غرب أستراليا، وتبدأ الدورة من جديد.

تيارات البحر المتوسط

تيارات البحر المتوسط: يتميز البحر المتوسط ببعض التيارات السطحية التي تختلف في طبيعتها وأسبابها عن التيارات الرئيسية في المحيطات الكبرى؛ لأن العامل الرئيسي الذي يحرك مياه المحيطات هو الرياح العامة، أما المياه السطحية في البحر المتوسط فتتحرك نتيجة لعوامل أخرى من أهمها ارتفاع درجة ملوحة مياه هذا البحر، وارتفاع درجة حرارتها بالنسبة لمياه المحيطات عمومًا. ويرجع ذلك إلى دفء البحر المتوسط وسرعة تبخر مياهه من ناحية، وعدم كفاية ما ينصب فيه من مياه الأنهار أو

شكل "83" التيارات البحرية في المحيط الهندي في فصل الشتاء شكل "83" التيارات البحرية في المحيط الهندي في فصل الصيف. الأمطار لتعويض ما يضيع من مياهه بالتبخر من ناحية أخرى. وليس من شك في أن تضاريس الحوض لها كذلك دخل كبير في أحواله المائية؛ إذ إن امتداد الجبال بجوار الساحل في معظم أجزائه قد يقلل من فرصة وجود أنهار كبيرة تحمل إليه ما يكفي لتعويض المفقود منه بالتبخر، ويقدر مجموع ما تلقي به الأنهار التي تصب في البحر المتوسط مباشرة بنحو 4.9% فقط من المياه التي تضيع منه بالتبخر أما الباقي فيعوض بثلاث وسائل أخرى هي: 1- زيادة ما يدخل إلى هذا البحر من المحيط الأطلسي عن طريق بوغاز جبل طارق عما يخرج منه من نفس الطريق، وهذا يعوض 70.6% من مجموع المياه المتبخرة. 2- الأمطار وغيرها من مظاهر التكثف وهذه تعوض 21.3%. 3- زيادة ما يدخل البحر المتوسط من البحر الأسود عن طريق بوغازي البوسفور والدردنيل عما يخرج منه إلى نفس البحر، وهذا يعوض 3.2% من قيمة المياه المتبخرة. ومن هذا تتبين بوضوح أهمية بوغاز جبل طارق الضيق بالنسبة لمياه البحر المتوسط؛ إذا لولا المياه التي تصل عن طريقه إلى هذا البحر لجف بسبب كثرة التبخر، كما أنه لولا ضيق هذا البوغاز وضحولته بسبب وجود عتبة صخرية عند

مدخله لا يزيد ارتفاع الماء فوقها عن 400 متر لاختلطت مياهه بمياه المحيط الأطلسي ولما عادت لها صفاتها الأولى التي تتميز بها. شكل "84" حركة المياه بين المحيط الأطلسي والبحر المتوسط وقد ترتب على وصول المياه السطحية إلى البحر المتوسط من الغرب ومن الشرق تكون دورة عامة تتحرك بمقتضاها المياه السطحية لهذا البحر في اتجاه مضاد لحركة عقرب الساعة؛ حيث تتحرك من الشرق إلى الغرب أمام سواحله الشمالية، ومن الغرب إلى الشرق أمام سواحله الجنوبية، ولو أنها تتأثر في حركتها بشكل السواحل؛ ففي جنوب أوروبا مثلًا نلاحظ أن التيار يتحرك من الجنوب إلى الشمال أمام السواحل الغربية لأشباه الجزر ومن الشمال إلى الجنوب أمام سواحلها الشرقية، كما هي الحال أمام سواحل إيطاليا وإسبانيا. وقد كان لهذه التيارات السطحية أثر في نشأة المواني المهمة القريبة من مصبات الأنهار؛ حيث يلاحظ أن هذه الموانئ تنشأ دائمًا في الجهة التي لا تتأثر بالرواسب التي يجلبها النهر ويحملها التيار البحري، وهذا هو السبب في نشأة سالونيكا إلى الشرق من مصب الواردار، والبندقية إلى الشمال من مصب نهر البو ومرسيليا إلى الشرق من مصب الرون، وبرشلونة في شمال شرق دلتا الأيرو،

وليس من شك في أن حركة التيارات أمام الساحل الشمالي لمصر من الغرب إلى الشرق قد ساعد على حماية ميناء الإسكندرية من الرواسب الطينية التي تحملها مياه نهر النيل وتلقي بها في البحر خصوصًا في موسم الفيضان. أما التيار السفلي الذي يتحرك على عمق يتراوح بين 100 و 150 مترًا فيتجه نحو بوغاز جبل طارق في معظم أجزاء البحر ما عدا بحر إيجة؛ حيث يتحرك نحو البحر الأسود. وحركة المياه في بوغاز جبل طارق تسير في اتجاهين متضادين؛ فهناك تيار سطحي قوي يندفع من المحيط إلى البحر المتوسط بسرعة تبلغ حوالي خمسة كيلو مترات في الساعة، ويتراوح عمقه بين 50 و 100 متر من سطح الماء، ويقابل هذا التيار السطحي تيار آخر سفلي يتحرك على عمق يتراوح بين 100 و 200 متر وتنحدر بواسطته مياه البحر المتوسط ذات الكثافة والملوحة المرتفعتين على حافة العتبة الصخرية نحو قاع المحيط، ويواصل التيار السطحي الذي يحمل مياه المحيط الأطلسي ذات الكثافة والملوحة المنخفضتين نسبيًّا حركته نحو الشرق، أمام الساحل الشمالي لإفريقية حتى الساحل الشمالي لمصر؛ إلا أن سرعته تتناقص تدريجيًّا كلما اتجهنا شرقًا. أما التيار السفلي الذي يخرج من البحر المتوسط فتنتشر مياهه الكثيفة على قاع المحيط في اتجاهات مختلفة أمكن تتبعها لمسافات طويلة أمام ساحل البرتغال وساحل المغرب، بل وفي عرض المحيط. والمياه التي تغذي هذا التيار السفلي تشمل الطبقة التي يتراوح عمقها بين 300 و 500 متر في معظم أجزاء البحر المتوسط؛ حيث يلاحظ أن هذه الطبقة تتحرك بصفة عامة نحو الغرب، أما الطبقات الأعمق من ذلك فلا تتأثر تأثرًا ظاهرًا بهذه الحركة، ويرجع ذلك إلى تأثير بوغاز جبل طارق الذي أشرنا إليه. ومن الممكن أن نلاحظ نفس حركة المياه كذلك في البوغاز الذي يفصل جزيرة صقلية عن تونس؛ فهنا يوجد تياران أحدهما سطحي يتجه نحو الشرق، والثاني سفلي يتجه نحو الغرب، ولكنهما أضعف بكثير من تياري بوغاز جبل طارق.

وفي الطرف الشمالي الشرقي للبحر المتوسط يوجد تياران آخران في بوغازي البسفور والدردنيل؛ أحدهما سطحي يتحرك من البحر الأسود إلى البحر المتوسط، والثاني سفلي يتحرك في الاتجاه المضاد، وهذان التياران لا يبلغان كذلك من القوة مبلغ تياري بوغاز جبل طارق. ولما كانت التيارات الدافئة تعمل دائمًا على تدفئة السواحل التي تمر بها بينما تعمل التيارات الباردة على برودتها؛ فقد ترتب على الظاهرتين السابقتين أن اختلفت درجة حرارة السواحل الشرقية للقارات عن درجة حرارة سواحلها الغربية التي تقع في نفس العروض، ويظهر هذا بوضوح عند مقارنة السواحل المتقابلة في القارة الواحدة أو السواحل المشرفة على محيط واحد في القارات المختلفة.

مقدمة في الطقس والمناخ

مقدمة في الطقس والمناخ. تمهيد: الفرق بين الطقس والمناخ. يجب عند دراسة المناخ ألا نخلط بين تعبيرين هما طقس Weather ومناخ Cimate فالطقس هو: حالة الجو في مكان ما خلال فترة قصيرة قد تكون يومًا أو بعض يوم، أما المناخ فهو: ملخص الأحوال الجوية لأي مكان في شهر من الشهور، أو فصل من الفصول ونظام توزيعها على طول السنة. ومهمته هي تحليل المتوسطات والمعدلات الخاصة بعناصر الجو المختلفة، وتوضيح علاقتها بمختلف المظاهر الطبيعية والحيوية والبشرية وتوزيعها توزيعًا زمنيًّا على الأشهر والفصول ومكانيًّا على مختلف الأماكن مهما كانت مساحاتها. وعلى هذا الأساس يمكننا أن نميز بين علمين مهمين كلاهما له صلة وثيقة بالآخر وهما: علم الظاهرات الجوية أو المتيورولوجيا، أو كما يسمى أحيانًا علم الأرصاد الجوية Meteorology ثم علم المناخ Climatology؛ فعلى الرغم من أن هذين العلمين متصلان اتصالًا وثيقًا إلا أن لكل منهما اختصاصًا معينًا فالمتيورولوجيا مهمتها مراقبة الجو وقياس العناصر المناخية المختلفة من حرارة وضغط ورياح وأمطار وسحب ورطوبة وإشعاع وغير ذلك، ثم تسجيل القياسات المختلفة يوميًّا. وتعتبر التنبؤات الجوية، ويقصد بها تقدير ما سيكون عليه الجو في الأربعة والعشرين أو الثمانية والأربعين ساعة المقبلة، من أهم فروع المتيورولوجيا الحديثة، وقد أصبحت لهذه التنبؤات في الوقت الحاضر أهمية خطيرة في حياة الإنسان اليومية؛ حتى أنها أصبحت تذاع بانتظام من معظم محطات التلفاز والإذاعة في العالم، وتنشر في معظم الصحف اليومية حتى يستفيد بها كل من كان عمله له علاقة بالأحوال الجوية، مثل البحارة والطيارين والزراع؛ بل ويستفيد بها الشخص العادي لتحديد تنقلاته وملابسه وغير ذلك من مظاهر حياته. وهكذا نجد أن علم المتيورولوجيا يهتم بصفة خاصة بمراقبة التغيرات التي تطرأ على الجو من يوم إلى آخر أو من ساعة إلى أخرى، أما علم المناخ الذي يعتبر فرعًا من أهم فروع الدراسات الجغرافية؛ فمهمته هي دراسة الإحصائيات التي تنشرها المراصد الجوية لعناصر المناخ المختلفة، وتوضيح العلاقة بينها وبين بقية

المظاهر الأخرى للبيئة؛ سواء منها ما هو طبيعي أو ما هو متصل بحياة الإنسان وأوجه نشاطه، ثم مقارنة الأقاليم المختلفة بعضها ببعض من هذه النواحي. ويلاحظ أن معظم فروع الدراسات العلمية " Sciences" أصبحت في الوقت الحاضر متشابكة بعضها ببعض، وأن علم المناخ أصبح يواجه مسئوليات خطيرة قبل العلوم الأخرى التي ترتبط به إما مباشرة أو بطريق غير مباشرة، وتبدو صلة هذا العلم واضحة بصفة خاصة بعلوم الزراعة والحيوان والنبات وعلوم الطيران والملاحة البحرية وهندسة المياه "الهيدرولوجيا Hydrology" وتخطيط المدن وغيرها؛ ولذلك فإننا نلاحظ دائمًا أن المؤلف الذي يتعرض للكتابة في أي موضوع من هذه الموضوعات كثيرًا ما يجد نفسه مضطرًا لأن يخصص فصلًا من الفصول الأولى من كتابه لدراسة الأحوال المناخية في المنطقة التي يدرسها، ولكن نلاحظ للأسف أن الربط بين الفصل المناخي وبين بقية فصول الكتاب يكون في كثير من الأحيان ضعيفًا غير ملحوظ، والسبب في ذلك يرجع بصفة خاصة إلى أن علم المناخ كان حتى وقت قريب جدًّا يعالج كعلم منفصل عن غيره من العلوم؛ إلا أنه قد ظهر اتجاه حديث يرمي إلى تقوية الصلة بين علم المناخ وبقية العلوم المتصلة به؛ بحيث يستطيع أن يقدم لكل منها الحقائق المناخية في الصورة التي يسهل عليه الاستفادة بها، ولتحقيق هذا الغرض أصبح من الواجب على الباحث أن يلمس نقط الاتصال بين هذه العلوم بعضها وبعض من وجهة، وبينها وبين علم المناخ من جهة أخرى.

الغلاف الجوي

4-1-الغلاف الجوي. تركيبه: يطلق اسم الغلاف الجوي على الغلاف الغازي الذي يحيط بالكرة الأرضية إحاطة تامة، وهو يتألف في طبقاته السفلى من مجموعة من الغازات يختلط بعضها ببعض بنسب ثابتة تقريبًا لا تختلف من مكان إلى آخر، "وذلك على فرض أن الهواء جاف تمامًا". وكلها عديمة اللون والطعم والرائحة، وأهم هذه الغازات هي النيتروجين "الأزوت" والأكسوجين، وهما يكونان معًا حوالي 99% من حجم الهواء "78% نيتروجين 21%" أكسجين أما الباقي وقدره 1%؛ فتشترك فيه مجموعة من الغازات الأخرى أهمها الأرجون "Argon" "0.08%" وثاني أكسيد الكربون "0.03%" والأيدروجين Hydrogen" 0.01%" وعدد آخر من الغازات التي توجد بنسب ضئيلة جدًّا مثل الهيليوم Helium والأوزون Ozone والنيون "Neon". ورغم أن نسب الغازات التي يتركب منها الهواء ثابتة تقريبًا فإن بعضها تتغير نسبته تغيرًا بسيطًا من مكان إلى آخر، ومن وقت إلى آخر على حسب شكل "85" نسب الغازات الرئيسية في الطبقة السفلى من الجو. الظروف المحلية. وينطبق هذا بصفة خاصة على غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يكون معدومًا تمامًا في بعض الأحيان؛ بينما ترتفع نسبته إلى 1% في أحيان أخرى

كما هي الحال في المدن الصناعية. وينطبق هذا أيضًا على غاز الأوزون الذي تتغير نسبته على حسب الأحوال الجوية. ولكل غاز من الغازات السابقة أهميته وصفاته الخاصة؛ فالأكسوجين هو أساس وجود الحياة بمختلف أنواعها. وكثافته أعلى قليلًا من متوسط كثافة الهواء عمومًا. وهو يدخل في تركيب الماء كما أنه يذوب فيه ولكن بنسبة ضئيلة. ولهذه الميزة أهمية خاصة لحياة كثير من الحيوانات والنباتات المائية التي تستمد الأكسجين اللازم لحياتها مما هو مذاب منه في الماء. والأكسجين هو الذي يساعد كذلك على جميع عمليات الاحتراق. والأوزون ليس إلا شكلًا من الأشكال التي يتحول إليها الأكسجين. وهو لا يثبت على نسبة واحدة في تركيب الهواء؛ ولكنه يتغير مع تغير الأحوال الجوية. وتزداد نسبته كلما زاد اضطراب الجو. وهو غاز مطهر يمكن ذوبانه في الماء. وهو كالأكسجين يساعد على الاشتعال ولكن بدرجة أكبر. أما النيتروجين فهو -كما يبدو من ارتفاع نسبته بين الغازات الأخرى- الأساسي الأصلي في تكوين الغلاف الجوي في جميع طبقاته، وكثافته أقل قليلًا من متوسط كثافة الهواء عمومًا. وهو يذوب في الماء بدرجة بسيطة، وهو عكس الأكسوجين بالنسبة لعمليات الاحتراق؛ حيث أنه لا يساعد عليها. أما ثاني أكسيد الكربون فيتكون نتيجة لعمليات الاحتراق، ونتيجة لتنفس الحيوانات بجميع أنواعها بما فيها الإنسان، وهذا هو السبب في أن نسبته تتغير من مكان إلى آخر ومن وقت إلى آخر على حسب ظروف الحياة وتبعًا لكثرة عمليات الاحتراق ونشاطها. وتتميز النباتات بأنها تمتص ثاني أكسيد الكربون وتطلق الأكسجين أثناء النهار؛ بينما تقوم بعكس ذلك في أثناء الليل. ومن أقل غازات الجو كثافة الأيدروجين الهيليوم، وأولهما قابل للاشتعال أما الثاني فليس كذلك - ولهذا السبب فإنه يستخدم غالبًا في تعبئة البالونات المستخدمة في الأرصاد الجوية

ويجب أن نلاحظ أن النسب التي سبق ذكرها للغازات المختلفة محسوبة على أساس أن الهواء جاف؛ أي خال من بخار الماء الذي يعتبر كذلك من أهم المواد التي توجد عالقة بالجو في كل مكان؛ إلا أن بخار الماء يختلف عن الغازات السابقة في أن نسبة وجوده في الجو تتغير من مكان إلى آخر، ومن وقت إلى آخر تبعًا لعوامل كثيرة أهمها درجة الحرارة، ووجود المسطحات المائية، وكثافة الحياة النباتية وغيرها. وبخار الماء الموجود في الجو هو الذي يعبر عنه عادة باسم "الرطوبة"، وهو يهمنا عند دراسة المناخ أكثر مما تهمنا العناصر الأخرى التى تدخل في تركيب الهواء؛ وذلك لأنه هو الأساس الذي تتوقف عليه جميع مظاهر التكثف المختلفة مثل السحب والأمطار والثلج والضباب والندى. وتنتشر في الجو كذلك كميات كبيرة من جزيئات دقيقة يطلق عليها في مجموعها اسم "الغبار". ويمكننا أن ندرك عظم هذه الكميات إذا راقبنا شعاعًا من الشمس يدخل غرفة من طاقة أو نافذة؛ فإننا نرى أعدادًا لا حصر لها من الجزيئات التي تسبح في الهواء باستمرار، وتختلف هذه الجزيئات في أشكالها وصفاتها وفي نسبة وجودها في الهواء من مكان إلى آخر، وهي في جملتها مستمدة من مصادر متعددة؛ أهمها الأتربة والرمال الدقيقة التي تثيرها الرياح من سطح الأرض، ثم الرماد الذي يندفع من فوهات البراكين عند ثورانها، والدخان الذي يخرج من المداخن والمواقد خصوصًا في المدن الصناعية. وقد يحتوي الغبار الذي في الجو كذلك على جزيئات من أصل عضوي، مصدرها أجزاء النباتات التي تجف وتتفتت وتتطاير مع الرياح، أو من النباتات التي تتطاير حبيباتها الخاصة بالتلقيح. ووجود الغبار بالجو له أهمية عظيمة؛ لأنه يساعد الهواء على امتصاص الحرارة من أشعة الشمس أثناء النهار، كما يساعد على فقدانها أثناء الليل، ثم أنه يساعد كذلك على تكثف بخار الماء العالق بالهواء وتحوله إلى شابورة أو ضباب؛ لأن الجزيئات الصلبة المتطايرة في الهواء تكون بمثابة نوايات "جمع نواة" يتكثف عليها البخار عند انخفاض درجة الحرارة. وهذا الغبار هو المسئول بالاشتراك مع بخار الماء

العالق بالجو عند حدوث بعض المظاهر الضوئية الطبيعية المعروفة مثل الشفق الذي يظهر عادة عند غروب الشمس، وأحيانًا عند شروقها. ويجب أن نلاحظ أن تركيب الهواء في طبقات الجو العليا قد يكون مختلفًا عنه في الطبقات السفلى؛ حيث تأخذ النسب التي توجد بها الغازات المختلفة في التغير تدريجيًّا كلما زاد الارتفاع؛ فتبدأ نسب الغازات الثقيلة مثل الأكسوجين وثاني أوكسيد الكربون والنيتروجين في النقصان؛ بينما تتزايد نسب الغازات الخفيفة مثل الأيدروجين، كما أن كمية بخار الماء وكمية الغبار العالقة بالهواء تتناقص كذلك تناقصًا سريعًا كلما زاد الارتفاع عن سطح الأرض.

سمك الغلاف الجوي وتركيبه

سمك الغلاف الجوي وتركيبه مدخل ... سمك الغلاف الجوي وطبقاته: ليس من السهل معرفة سمك الغلاف الجوي، وإن كان من المعروف أنه يبدأ في التلاشي تدريجيًّا على ارتفاع يتراوح ما بين 300 و 500 كيلو متر. ومن الثابت على العموم أن معظم الغازات التي يتكون منها الهواء تختفي غالبًا قبل الوصول إلى هذا الارتفاع، ويقدر على وجه الإجمال أن حوالي 50% من الوزن الكلي للغازات التي يتألف منها الهواء تتجمع في الطبقات السفلى من الجو حتى ارتفاع 6 كيلو مترات تقريبًا، وأن 25% من هذا الوزن توجد في الستة كيلو مترات والنصف التي تعلو ذلك. وينقسم الغلاف الغازي بصفة عامة إلى أربع طبقات أو أغلفة كبرى وهي بالترتيب من أسفل إلى أعلى:

التروبوسفير

1- التروبوسفير Troposphere: ويبلغ ارتفاعه في المتوسط حوالى 11 كيلو مترًا تقريبًا من سطح البحر؛ ولكن هذا الارتفاع يزيد عن ذلك في الأقاليم المدارية الحارة؛ بحيث يصل أحيانًا إلى 18 كيلو مترًا، بينما يقل عند القطبين بحيث يصل إلى 8 كيلو مترات. وهذه الطبقة هي التي تهمنا دائمًا عند دراسة الجو والمناخ؛ لأنها هي الميدان الذي تتمثل فيه جميع الظاهرات الجوية والمناخية مثل السحب والأمطار والعواصف والأعاصير وغيرها، ويلاحظ أن درجة الحرارة في التروبوسفير تتناقص كلما زاد الارتفاع بمعدل درجة مئوية واحدة لكل 150

مترًا تقريبًا. وهذه الطبقة عظيمة الثقل جدًّا بسبب عظم كثافة هوائها من جهة، وبسبب الضغط الذي يقع عليها من الطبقات التي فوقها من جهة أخرى1. ويقدر وزن هذه الطبقة وحدها بنحو 5/4 وزن الغلاف الجوي كله. ويطلق اسم التروبوبوز Tropopause على القسم الأعلى من هذه الطبقة، وهو عبارة عن منطقة انتقال بين التروبوسفير وما فوقها، وهي قليلة السمك نسبيًّا، وتتميز بأن درجة حرارتها منخفضة جدًّا حوالي -55درجة مئوية ولا تتناقص تناقصًا محسوسًا بالارتفاع.

_ 1 يقدر بعض الكتاب الأمريكيين أن وزن طبقة التروبوسفير يعادل وزن طبقة من الذهب سمكها حوالي 25 مترًا واتساعها يعادل اتساع الولايات المتحدة انظر Neuberger H.H & Stephens. T.B Weather & 1948 p9

الاستراتوسفير

2- الاستواتوسفير Stratosphere: وهو أعظم سمكًا من التروبوسفير، ويبلغ سمكه في العروض المتوسطة حوالي 50 كيلو مترًا؛ ولكنه يقل عن ذلك كثيرًا قرب خط الاستواء، حتى أنه قد يختفي تقريبًا. ودرجة حرارته منخفضة جدًّا، ولا تتغير كثيرًا بالارتفاع؛ إلا أنها تتزايد ببطء في القسم الأعلى منه. وعلى العكس مما يحدث في التروبوسفير، الذي تتناقص حرارته أفقيًّا كلما اتجهنا نحو القطبين فإن حرارة الاستراتوسفير تتزايد في هذا الاتجاه. وتخلو هذه الطبقة من جميع الاضطرابات الجوية، ولكنها تحتوي على نسبة ضئيلة من بخار الماء. ويطلق اسم الاستراتوبوز Stratopuse على القسم الأعلى من الاستراتوسفير. ويبلغ متوسط ارتفاعه في العروض المتوسطة حوالي 20 كيلو مترًا، وفيه تتجمع أعلى نسبة من غاز الأوزون الموجود في الجو، وهو يساعد على رفع درجة حرارته بعض الشيء.

الميزوسفير

3- الميزوسفير Mesosphere: وفيه تتناقص درجة الحرارة بحيث تبلغ حدها الأدنى في أعلى أجزاء هذا الغلاف على ارتفاع يتراوح بين 70 و 75 كيلو مترًا من سطح الأرض. وفي هذا الغلاف تحترق الشهب التي تندفع من الفضاء نحو الأرض.

ويطلق اسم الميزوبوز "Mesopause" على القطاع العلوي من هذا الغلاف، وهو الذي يمثل منطقة الانتقال بينه وبين الغلاف الذي فوقه، وهو الأيونوسفير.

الأيونوسفير

4- الأيونوسفير Ionosphere: ويتراوح سمكه بين 75 و 375 كيلو مترًا، وهو عبارة عن القسم السفلي من الغلاف العلوي الذي يعرف اسم الثرموسفير Themospere، الذي يتميز عمومًا بارتفاع درجة حرارته، التي قد تصل في أعلاه إلى أكثر من 1000 ْ مئوية. ومما يعرف عن الأيونوسفير أن له بعض الخصائص الكهربائية التي تجعل له القدرة على عكس الموجات اللاسلكية القصيرة نحو الأرض. وفيه تنتقل كذلك بعض الإشعاعات المغناطيسية والكهربائية نحو القطبين؛ فتؤدي إلى شحنات كهربائية في أعلى الجو تكون سببًا في ظهور الوهج المشهور باسم الأورورا Aurora وهو يظهر بكثرة عند القطب على شكل قوس هائل مكون من مزيج من الألوان، وتخترقه سهام من الأشعة الزرقاء.

شكل "86" طبقات الغلاف الجوي شكل "87" تباين سمك التروبوسفير في العروض المختلفة

عناصر المناخ

عناصر المناخ مدخل ... 4-2-عناصر المناخ: يتألف المناخ من مجموعة من العناصر أهمها درجة الحرارة والضغط الجوي والرياح والأمطار وغيرها من مظاهر التكثف. وتقوم محطات الأرصاد في جميع أنحاء العالم بقياس هذه العناصر باستمرار بواسطة أجهزة خاصة، ثم تنشر متوسطاتها ومعدلاتها اليومية والشهرية والسنوية. وعلى أساس البيانات التي تنشرها هذه المحطات يقوم الجغرافيون بتقسيم المناخ إلى أنواع مختلفة يظهر كل منها في منطق معينة من العالم. وتخضع عناصر المناخ لعوامل متعددة هي السبب في اختلاف كل منها من منطقة إلى أخرى. وتعتبر تضاريس المكان، وبعده أو قربه عن البحر، وموقعه بالنسبة لخط العرض من أهم العوامل التي تؤثر في عناصر مناخه، والتي تؤدي إلى اختلاف هذه العناصر كثيرًا أو قليلًا عنها في أماكم أخرى، وبالإضافة إلى خضوع العناصر المناخية لتأثير العوامل المذكورة؛ فإن بعض هذه العناصر قد يؤثر في بعضها الآخر بطريقة متشابكة ومعقدة؛ فالضغط الجوي هو الذي يتحكم في اتجاه الرياح وسرعتها وما يتبع ذلك من تأثير على درجة الحرارة ومظاهر التكثف، كما أن درجة الحرارة تؤثر بدورها على الضغط الجوي وحركة الهواء ... وسنعود لشرح العوامل التي تؤثر في العناصر المناخية المختلفة عند الكلام على كل عنصر منها. أجهزة قياس العناصر المناخية: تنقسم الأجهزة المستخدمة حاليًا في قياس العناصر المناخية إلى قسمين رئيسيين هما: 1- أجهزة تقرأ نتائج القياس عليها بواسطة الراصد أو غيره. وهي تشمل كل أنواع الترمومترات، والبارومترات، والهيدرومترات "أجهزة قياس المطر" والهيجرومترات "أجهزة قياس الرطوبة" وغيرها.

2- أجهزة تسجيل أوتوماتيكية، وفيها تسجل نتائج القياس باستمرار على خرائط خاصة بالرسم البياني، ومن أهم مميزات هذه الأجهزة أنها تسجل خط سير العنصر في كل ساعة ودقيقة، وأن نتائجها تحفظ عادة في سجلات خاصة يمكن الاستفادة بها في أي وقت، ومن أشهرها أجهزة قياس الصغط الجوي، ودرجة الحرارة، والأمطار، والرطوبة، كما سنبين فيما بعد. وتقاس عناصر المناخ في التروبوسفير والاستراتوسفير بواسطة جهاز الراديو سوند Radio Sonde، وهو عبارة عن جهاز في حجم الراديو الصغير، وبه أجهزة تسجيل وإرسال آلية لقياس الضغط الجوي والحرارة وغيرها، وإرسال نتائج القياس إلى محطة الاستقبال على الأرض. ويعلق هذا الجهاز في بالون مملوء بالأيدروجين لكي يكون أخف من الهواء، ويستطيع الارتفاع إلى مستويات عالية؛ ولكن المستويات التي أمكن قياس عناصرها بهذه الطريقة لا يزيد ارتفاعها غالبًا على 35 كيلو مترًا. أما المستويات التي أعلى من ذلك فكانت كل المعلومات الخاصة بها حتى وقت قريب مبنية على الاستنتاج والمقارنة؛ إلا أن تقدم أبحاث الفضاء وإطلاق الأقمار الصناعية قد ساعد على توفير كثير من المعلومات المحققة عن أحوال الجو في هذه المستويات. ولئن نجح العلماء في المستقبل في تنفيذ مشروعاتهم المتقدمة الخاصة بغزو الفضاء، ومنها إنشاء محطات دائمة تكون بمثابة المراحل الأولى للسفر بين الأرض والقمر، الذي استطاع الإنسان أن يضع قدمه عليه فعلًا لأول مرة في يوليو سنة 1966 بواسطة رحلة "أبو للو 11" الأمريكية، أو بينها وبين المريخ أو أي كوكب آخر من الكواكب السيارة؛ فإن المعلومات التي سيحصل عليها أهل الأرض عن الطبقات العليا للغلاف الجوي؛ بل وعن الفضاء الخارجي لن تكون أقل في دقتها من المعلومات التي لدينا عن الطبقات السفلى من الهواء الذي نعيش فيه1.

_ 1 عبد العزيز طريح شرف "أسرار غزو الفضاء" 1948.

ويحسن أن نكرر هنا ما سبق أن ذكرناه من أن الظاهرات المناخية التي تهمنا في دراسة الجو والمناخ تحدث كلها في الطبقة السفلى "التروبوسفير"، وحتى لو فرض وذكرنا عن دراسة بعض عناصر المناخ مثل السحب والأمطار والثلج وغيرها، أن التكاثف يحدث في طبقات الجو العليا؛ فإن الذي يقصد في هذه الحالة هو الأجزاء العليا من الطبقة السفلى فقط، وهذه ملاحظة مهمة جدًّا يجب التنبه إليها.

الإشعاع الشمسي

الإشعاع الشمسي تعريفه ومصدره ... 4-2-1-الإشعاع الشمسي SOLARRADLATION1. تعريفه ومصدره: الإشعاع الشمسي بمعناه العام هو الطاقة الإشعاعية التي تطلقها الشمس في جميع الاتجاهات، والتي تستمد منها كل الكواكب السيارة التابعة لها وأقمارها كل حرارة أسطحها وأجوائها. وهي طاقة ضخمة جدًّا؛ ولكي ندرك مدى ضخامتها يكفي أن نذكر أن كل نصيب كوكبنا منها لا يزيد على 1 / 2000 مليون جزء منها. وعلى الرغم من ضآلة هذا القدر؛ فإنه هو المسئول عن كل الطاقة الحرارية والضوئية لجو الأرض1، كما أنه هو الذي نقصده فعلًا عند الكلام على الإشعاع الشمسي الذي يتحكم في مناخ العالم. ولكي لا يحدث خلط بينه وبين الإشعاع الشمسي العام؛ فقد أطلق عليه علميًّا تعبير انسوليشن2 Insolation ومعناه: الإشعاع الشمسي الذي يصل إلى جو الأرض.

_ 1 لا تساهم حرارة باطن الأرض بأي نصيب يستحق الذكر في درجة حرارة الجو؛ إذ إن سمك القشرة الأرضية يحول دون وصول حرارة الباطن إلى السطح إلا في حالات نادرة جدًّا عندما تجد بعض هذه الحرارة منفذًا لها إلى الخارج من فوهات البراكين والنافورات الحارة، وحتى هذا الأثر يكون مؤقتًا ومقصورًا على مواضع محدودة جدًّا. 2 كلمة Insolation مكونة من ثلاثة مقاطع يشمل المقطعان الأولان منها الحرفين الأولين من كلمتي Solar, Incoming؛ بينما يشمل المقطع الثالث الحروف الأخيرة من كلمة Radiation

والشمس نفسها عبارة عن كتلة كروية ضخمة من الغازات الملتهبة قطرها حوالي 1.382.200 كيلو متر، وهو ما يعادل قطر الكرة الأرضية حوالي مائة مرة. وتقدر درجة الحرارة على سطحها بنحو 6000 مئوية "10832 ْ مئوية ف". أما عند مركزها؛ فإنها لا تقل على حسب معظم التقديرات عن 30 مليون درجة مئوية. وتنطلق من سطحها باستمرار نافورات من اللهب التي يندفع بعضها في الفضاء بسرعة تزيد على 400 كيلو متر في الثانية، ويمتد أحيانًا لمسافات تقدر بمئات الآلاف من الكيلو مترات. ويقدر بعض الباحثين الطاقة الإشعاعية الكلية التي تنطلق من الشمس بنحو 170 ألف حصان من كل مربع من سطحها. وأن القدر الضئيل الذي يصل منها إلى الأرض يكفي لرفع درجة حرارة كل سنتيمتر مربع من سطح الغلاف الجوي للأرض بمقدار سعرين1.

_ 1 السعر هو الحرارة اللازمة لرفع درجة حرارة جرام واحد من الماء "أي سنتيمتر مكعب منه" بمقدار درجة مئوية واحدة.

تركيب الاشعاع الشمسي الواصل إلى جو الأرض

تركيب الإشعاع الشمسي الواصل إلى جو الأرض: يتركب هذا الإشعاع من مجموعة معقدة جدًّا من الأشعة التي تتباين في ألوانها وصفاتها وآثارها العامة. وعلى أساس الآثار التي تحدثها أشعة الشمس في الأحوال الجوية والمظاهر المختلفة فوق سطح الأرض، سواء منها ما هو حيوي أو ما هو غير حيوي، يمكننا أن نقسمها إلى ثلاثة أنواع رئيسية هي: 1- الأشعة الحرارية: وهي المصدر الأصلي لحرارة سطح الأرض وجوها. 2- الأشعة الضوئية وهي المسئولة عن ظهور ضوء النهار. 3- الأشعة الكيميائية وهي ضرورية جدًّا لنمو الكائنات الحية؛ لأنها تنشط التفاعلات الكيميائية اللازمة للنمو. وتنتقل الأشعة الشمسية في الفضاء أو في الغلاف الجوي بشكل موجات تنتشر بسرعة عظيمة هي السرعة التي يطلق عليها اسم سرعة الضوء، وهي

300 ألف كيلو متر في الثانية. وتختلف الأشعة الشمسية في أطوال موجاتها فمنها ما ينتقل في موجات قصيرة مثل الأشعة فوق البنفسجية، ومنها ما ينتقل في موجات طويلة مثل الأشعة الحرارية وبعض الأشعة الضوئية خصوصًا الأشعة الحمراء. ويعتبر الاختلاف في طول الموجات من الصفات الأساسية التي تميز الأشعة بعضها عن بعض، والتي تعطي لكل منها خواصه الطبيعية وتأثيره الخاص على الأجسام المختلفة. وعلى أساس الخصائص العامة وطول الموجات تقسم الأشعة الشمسية عمومًا إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي: 1- أشعة غير مرئية: وأغلبها أشعة حرارية ويتكون منها 51% من مجموع أشعة الشمس، وهي تنتقل عمومًا في موجات طويلة تتراوح أطوالها بين 0.8 و 0.9 ميكرون1 وهذه هي أطول الموجات. 2- أشعة مرئية: ومنها تتكون حوالي 37% من مجموع الإشعاعات الشمسية، وهي تنتقل في موجات متوسطة تتراوح أطوالها بين 0.3 و 0.8 ميكرون، وهي ذات ألوان مختلفة أهمها البنفسجية والزرقاء والخضراء والصفراء والحمراء، ويتكون من اختلاطها ببعضها ظهور الضوء الذي يتميز به النهار. ولكن من الممكن رؤيتها عند تحليل هذا الضوء بواسطة منشور زجاجي، كما يمكن تمييزها بوضوح كذلك عندما يتكسر الضوء على جزيئات الثلج المكونة للسحب، فيظهر نتيجة لذلك قوس قزح "Rain bow" المعروف. 3- أشعة فوق البنفسجية UItraviolet Rays: وموجاتها هي أقصر الموجات، وتتراوح أطولها بين 0.1 و 0.4 ميكرون، ومنها يتكون حوالي 12% من مجموع أشعة

_ 1 الميكرون هو وحدة القياس في موجات الضوء والحرارة، وهو يعادل 1/1000 من الملليمتر.

الشمس. ومعظمها لا يصل إلى سطح الأرض حيث يحجزها الأوزون على ارتفاع يتراوح بين 3 آلاف و 5 آلاف متر. وهنا تختلط ببعض الأشعة الزرقاء، وينتج عن هذا الاختلاط ظهور السماء بلونها الأزرق المعتاد. وتتوقف نسبة مقدار ما يصل إلى الأرض من هذه الأشعة على درجة صفاء الجو، فكلما كان الجو صافيًا زادت نسبة ما يصل منها. والمعروف أن هذه الأشعة ذات فوائد خاصة لصحة الإنسان، حتى أنها تساعد على علاج بعض الأمراض مثل السل والكساح. ويرجع ذلك إلى قدرتها على تكوين فيتامين "D" "د" في الجلد وعلى إضعاف أثر البكتريا وبعض الجراثيم أو قتلها. كما أنها هي التي تعطي لبشرة الإنسان اللون البرونزي الذي تتلون به عند تعرضها لأشعة الشمس على شواطئ البحار وفوق الجبال. وفائدة هذا اللون هي حماية الجلد من التأثير الزائد لهذه الأشعة. إذ أن زيادتها عن الحد المطلوب تؤدي إلى حدوث بعض الالتهابات الجلدية، بل أنها قد تؤذي العين وتعرضها لبعض الأمراض مثل مرض ماء العين Cataract.

العوامل التي يتوقف عليها توزيع الأشعة وتاثيرها

العوامل التي يتوقف عليها توزيع الأشعة وتأثيرها: يتوقف مقدار وتأثير الأشعة الشمسية التي تصل إلى الأرض على العوامل الآتية: 1- البعد بين الأرض والشمس. 2- الألبيدو الأرضي Earth,s Albedo. 3- زاوية سقوط الأشعة على سطح الأرض. 4- طول النهار بالنسبة لطول الليل.

1- البعد بين الأرض والشمس: يبلغ متوسط هذا البعد حوالي 145.8 مليون كيلو متر؛ ولكنه يزداد في فصل الصيف بحيث يصل إلى أقصاه وهو 151.2 مليون كيلو متر في أول يوليو، وتكون الشمس عندئذ في الموضع المعروف باسم "نقطة الذنب Aphelion". ثم يتناقص في فصل الشتاء حتى يصل إلى أدناه وهو 146.4 مليون كيلو متر في أول يناير، وتكون الشمس عندئذ في الموضع المعروف باسم "نقطة الرأس Perihelion" ومن الواضح أن الفرق بين هذين البعدين وبين المتوسط ليس كبيرًا. وعلى الرغم من أن اقتراب الأرض نسبيًّا في الشتاء يؤدي إلى زيادة كمية الأشعة التي تصل إلى جو الأرض بنحو 7 % عنها في الصيف؛ فإن تأثير هذه الزيادة تمحوه العوامل الثلاثة الأخرى التي ذكرنا أنها تتدخل في تحديد كمية الأشعة التي تصل إلى سطح الأرض وفي تحديد تأثيرها "شكل 88". شكل "88" تغير البعد بين الأرض والشمس في الفصول المختلفة 2- الألبيدو الأرضي: ومعناه القدرة الكلية للأرض والجو على رد الأشعة الشمسية إلى الفضاء دون أن يكون لها تأثير على حرارتهما، فالمعروف أن

جزءًا كبيرًا من الأشعة ينعكس إلى الفضاء بعد سقوطه على سطح السحب وعلى ذرات الغبار وبخار الماء العالقة بالجو وعلى سطح الأرض نفسه. ويتكون الألبيدو الأرضي من القدرة الكلية لكل هذه الأجسام على رد الأشعة؛ إلا أن لكل جسم منها ألبيدو خاص به. وأكبرها هو ألبيدو السحب الذي يبلغ معدله حوالي 23 % من مجموع الأشعة الشمسية التي تصل إلى جو الأرض، ويليه ألبيدو المواد العالقة بالجو "الغبار وبخار الماء وبعض الغازات مثل ثاني أكسيد الكربون" وهو يبلغ 59% من مجموع الأشعة، أما ألبيدو سطح الأرض نفسه فهو 2 % فقط. ويتكون الألبيدو الأرضي كله من مجموع هذه النسب؛ أي أنه على هذا الأساس يبلغ 34% من مجموع الأشعة التي تصل إلى جو الأرض. وهذه هي الكمية الإشعاعية التي تخسرها الأرض من الأشعة الواصلة إليها. أما الباقي وهو 66% فهو صافي ما تكسبه الأرض فعلًا من هذه الأشعة. ويقدر أن حوالي ربع هذا المكسب يمتص في الهواء بواسطة الغبار وبخار الماء وبعض الغازات مثل ثاني أوكسيد الكربون، أما الباقي فيمتصه سطح الأرض إما مباشرة أو بعد انعكاسه من السحب، ومن المواد العالقة بالجو. وقد يختلف الألبيدو الأرضي من مكان إلى آخر على حسب كمية السحب والمواد العالقة بالجو، وكلما كان الجو صافيًا وشفافًا ساعد ذلك على نقص الألبيدو الأرضي على كمية الأشعة التي تستفيد بها الأرض عمومًا أهم بكثير من تأثير العامل الأول وهو تغير البعد بين الأرض والشمس. 3- زاوية ميل الأشعة Angle of Inclination: المقصود بهذه الزاوية هو الزاوية المحصورة بين اتجاه سير الأشعة الساقطة على سطح الأرض والاتجاه العمودي على هذا السطح. ومعنى ذلك أن الأشعة العمودية تكون زاوية ميلها صفرًا. ويكون تأثيرها أقوى من تأثير أي أشعة مائلة في نفس المكان ونفس الظروف، وكلما زاد ميل الأشعة كلما ضعف تأثيرها لأن هذا الميل يؤدي إلى انتشار الأشعة على مساحة أكبر من سطح الأرض، كما يؤدي في نفس الوقت إلى زيادة طول المسافة التي تقطعها خلال الجو "شكل 90". وهذا العامل هو

شكل "89" النسبة بين ما يكسبه جو الأرض من الإشعاع الشمسي وما يخسره بسبب الألبيدو الأرضي شكل "90" الأشعة العمودية والأشعة المائلة

السبب في أن أشعة الشمس تكون ضعيفة نسبيًّا عند الشروق وعند العروب؛ بينما تبلغ أقصى قوتها في فترة الظهيرة عندما تكون الشمس في أعلى وضع لها في السماء؛ حيث تكون زاوية ميلها أصغر منها في أي وقت آخر، وهذا العامل هو المسئول أيضًا عن اشتداد قوة الأشعة في الصيف عنها في الشتاء، وعن اشتداد قوتها عند خط الاستواء ثم تناقصها تدريجيًّا كلما اتجهنا نحو القطبين، وسنعود لإلقاء المزيد من الضوء على هذه النقطة عند الكلام على العوامل التي تؤثر في درجة الحرارة. 4- طول النهار بالنسبة لطول الليل: هذا العامل هو الذي يحدد طول فترة ظهور الأشعة، وطول فترة اختفائها؛ فعند خط الاستواء يتساوى الليل والنهار تقريبًا طول السنة، أما في العروض الأخرى فإن نهار الصيف يكون دائمًا أطول من ليله؛ بينما يحدث العكس في فصل الشتاء، ويزداد الفرق بين بينهما كلما بعدنا عن خط الاستواء نحو القطبين حتى إذا وصلنا إلى الدائرة القطبية نجد أن اليوم الذي يمثل منتصف الصيف الفلكي، وهو يوم الانقلاب الصيفي "21 يونيو في نصف الكرة الشمالي" يكون كله نهارًا بينما يكون اليوم الذي يمثل منتصف الشتاء، وهو يوم الانقلاب الشتوي 21 ديسمبر كله ليلًا؛ فإذا ما وصلنا إلى القطبين نجد أن نصف السنة الصيفي يكون كله نهارًا بينما يكون نصفها الشتوي كله ليلًا، وسنعود لهذه النقطة مرة أخرى عند الكلام على درجة الحرارة.

قياس الإشعاع الشمسي

قياس الإشعاع الشمسي: أهم الأجهزة المستخدمة لقياس الإشعاع الشمسي هي: 1- جهاز كامبل - ستوكس Campbells Stokes ذو الكرة البلورية. 2- الترمومتر ذو الفقاعة السوداء وذو الفقاعة اللامعة. 3- ترمومتر النهاية العظمى للإشعاع الشمسي 4- البيرهيليومتر Perheliometer

1- جهاز كامبل - ستوكس "شكل 91": وأهم أجزائه عبارة عن كرة زجاجية حارقة تسقط عليها الأشعة فتحرقها، وتتجمع في بؤرة تكون فيها الحرارة شكل "91" جهاز كامبل - ستوكس لقياس الإشعاع الشمسي مرتفعة بحيث تستطيع أن تحرق ئأيه ورقة تسقط عليها. ويوضح خط سير هذه البؤرة على شريط من الورق المقوى مقسم إلى أقسام تبين ساعات اليوم من الشروق والغروب، ويكون أحد وجهي شريط الورق ملونًا بلون داكن مثل اللون الأزرق؛ حتى يستطيع امتصاص أشعة الشمس. ويؤدي تحرك البؤرة "نتيجة لتحرك الشمس الظاهري من الشرق إلى الغرب" إلى رسم خط سميك محروق على شريط الورق إذا كان سطوع الشمس مستمرًا بدون انقطاع طول النهار، أما إذا انقطع الخط المحروق أثناء هذا الوقت، وبهذه الطريقة يمكن معرفة حالة الأشعة من حيث الظهور والاحتجاب خلال اليوم، كما يمكن أيضًا تقدير قوة هذه الأشعة على أساس شدة احتراق الشريط. ونظرًا لأن خط سير البؤرة يتغير درجة ميل أشعة الشمس من فصل إلى آخر؛ فقد صممت أشرطة الورق بثلاثة أشكال يستخدم أحدها في فصل الصيف وأحدها في فصل الشتاء، والثالث في فصلي الربيع والخريف.

2- الترمومتر ذو الفقاعة السوداء وذو الفقاعة اللامعة: ومهمة الترمومتر الأول هي قياس النهاية العظمى لدرجة حرارة الأجسام المعتمة التي يمكنها أن تمتص معظم الإشعاع الشمسي. وتطلى فقاعة هذا الترمومتر عادة بطبقة من السناح، أما الترمومتر الثاني؛ فمهمته هي قياس النهاية العظمى لدرجة حرارة الأجسام اللامعة. وثبت كل ترمومتر على حامل خاص به، ثم يثبت الحاملان معًا على قائمة خشبي يوضع رأسيًّا بحيث يكون الترمومتران موازيين لخط الزوال الجغرافي، وتكون فقاعتاهما في اتجاه الجنوب ومعرضتين للأشعة طول مدة سطوع الشمس ومرتفعتين عن سطح الأرض بنحو 12 سنتيمترًا. ويستخدم الفرق بين قراءتي الترمومترين في تحديد الإشعاع الشمسي أثناء النهار. 3- ترمومتر النهاية العظمى للإشعاع الشمسي "شكل 92": وهو ترمومتر يشبه من معظم النواحي ترمومتر النهاية العظمى لدرجة الحرارة؛ ولكنه موضوع داخل غلاف زجاجي مفرغ تمامًا من الهواء، وذلك حتى تكون فقاعته متأثرة بموجات الإشعاع الشمسي وحدها، أي دون أن تتأثر بحرارة الهواء المحيط به. وتدل درجة الحرارة التي يسجلها هذا الترمومتر على قوة الإشعاع الشمسي. شكل "92" ترمومتر النهاية العظمى للإشعاع الشمسي. 4- البيرهيليومتر "شكل 93": وهو جهاز إليكتروني تقوم فكرته على نفس فكرة الجهاز المكون من ترمومترين أحدهما ذو فقاعة سوداء، والآخر ذو فقاعة لامعة؛ ففي هذا الجهاز يوجد سطحان أحدهما أبيض والآخر أسود. ويدل

الفرق بين تأثير الأشعة على كل منهما على قوة هذه الأشعة، ويسجل هذا الفرق إليكترونيًّا. شكل "93" بيرهيليومتر

توزيع الإشعاع الشمسي على سطح الأرض

توزيع الإشعاع الشمسي على سطح الأرض: يرتبط التوزيع العام للإشعاع الشمسي على سطح الأرض ارتباطًا وثيقًا بخطوط العرض. وتبلغ الكمية السنوية للإشعاع الشمسي أقصاها عند خط الاستواء، ثم تتناقص تدريجيًّا كلما اتجهنا نحو القطبين اللذين لا تزيد كمية الإشعاع الشمسي عند أي منهما عن ربع كميتها عند خط الاستواء. أما كمية الإشعاع اليومي والشهري؛ فتختلف من فصل إلى آخر تبعًا لحركة الشمس الظاهرية. وتتميز العروض الواقعة بين المدارين بوفرة الإشعاع الشمسي طول السنة تقريبًا، ولكن نظرًا لأن الشمس تتعامد على كل عرض من هذه العروض مرتين في نصف السنة الصيفي عند انتقالها بين المدارين؛ فإن الإشعاع الشمسي تكون له تبعًا لذلك قمتان تتفقان مع مرتي تعامد الشمس. أما في العروض الواقعة بين المدارين والدائرتين القطبيتين؛ فإن الإشعاع الشمسي يبلغ أقصاه في وقت الانقلاب الصيفي، ويبلغ أدناه في وقت الانقلاب الشتوي، مع ملاحظة التباين الفصلي بين نصفي الكرة. أما فيما بين الدائرتين القطبيتين والقطبين فإن قمة الإشعاع تتفق مع وقت الانقلاب

الصيفي؛ بينما يختفي الإشعاع تمامًا في فترة يتراوح طولها بين يوم واحد في قلب الشتاء عند الدائرتين نفسهما وستة أشهر عند القطبين. إلا أن التوزيع المذكور للإشعاع الشمسي على خطوط العرض تتدخل فيه عوامل أخرى: أهمها كمية السحب ورطوبة الهواء؛ فكلما كثرت السحب وزادت رطوبة الهواء قلت كمية الإشعاع؛ ولهذا السبب فإن أكبر المعدلات الخاصة بالإشعاع الشمسي لا توجد في النطاق الاستوائي بل توجد عادة في الصحارى المدارية حيث يكون الجو في معظم أيام السنة جافًا وخاليًا من السحب.

درجة حرارة الجو

درجة حرارة الجو الميزانية الحرارية للأرض ... 4-2-2-درجة حرارة الجو AIR TEMPERATURE الميزانية الحرارية للأرض Earth.s Heat Budjet: يتضح مما قلناه عن الإشعاع الشمسي الواصل إلى جو الأرض أن هناك عملية مكسب حراري مستمرة من أشعة الشمس، وأن هناك في نفس الوقت عملية فقدان أو خسارة مستمرة نتيجة لانعكاس الحرارة، وارتدادها إلى الفضاء بسبب الألبيدو الأرضي وغيره من العوامل. ومن الواضح أيضًا أن الحرارة المكتسبة لا تتوزع توزيعًا عادلًا على كل أجزاء سطح الأرض؛ بل إن بعض الأقاليم تكسب أكثر من غيرها بحيث يكون بها وفر حراري، كما هي الحال في معظم الأقاليم المدارية؛ بينما يكون المكسب صغيرًا في بعضها الآخر بدرجة تؤدي إلى حدوث عجز حراري مستمر، كما في الأقاليم القطبية. كما أن فصل الصيف في العروض المعتدلة يكون به دائمًا وفر حراري؛ بينما يكون هناك غالبًا عجز في فصل الشتاء. ولكن على الرغم من هذه الاختلافات فإن الميزانية الحرارية للأرض كلها يجب أن يتعادل فيها تقريبًا مجموع المكسب مع مجموع الخسارة. ويحدث هذا التعادل نتيجة للعوامل الجغرافية والجوية التي تؤدي إلى حدوث تبادل حراري بين الأقاليم بعضها وبعض مثل الرياح "سواء منها الرياح التي تحدث عند سطح الأرض أو التي

تحدث في طبقات الجو العليا" والتيارات البحرية. ونتيجة لهذا التبادل فإن الميزانية العامة للأرض كلها تظل ثابتة تقريبًا من سنة إلى أخرى، وبهذه الطريقة وحدها بقيت حرارة جو الأرض ملائمة للحياة؛ فلو فرض وكان مكسبها الحراري أكثر دائمًا من خسارتها لتزايدت بمرور الزمن حرارة سطحها وجوها بدرجة قد تؤدي إلى عدم إمكان ظهور الحياة، ولو فرض من ناحية أخرى وحدث العكس لتناقصت الحرارة بمرور الزمن ووصلت البرودة إلى حد لا يسمح كذلك بقيام الحياة.

الفرق بين تأثير الأشعة الحرارية على اليابس والماء

الفرق بين تأثير الأشعة الحرارية على اليابس والماء: من الحقائق المعروفة أن سطح اليابس يسخن أثناء النهار بواسطة أشعة الشمس بدرجة أسرع مما يسخن الماء، كما أن اليابس يفقد حرارته أثناء الليل بدرجة أسرع من فقدان الماء لحرارته، وتعتبر هذه الحقيقة من أهم الحقائق التي يعتمد عليها الجغرافيون في تعليل كثير من الظاهرات والتوزيعات المناخية؛ فلولا هذا الاختلاف بين اليابس، والماء لما حدث تغير يذكر في توزيع درجة الحرارة والضغط الجوي أو في نظام هبوب الرياح وسقوط الأمطار على سطح الكرة الأرضية من فصل إلى آخر أو من شهر إلى آخر، ولولاه أيضًا لما حدث هذا التعقيد الذي أدى إلى كثرة الأنواع المناخية، وتعدد أوجه الاختلاف بين بعضها وبعض، كما سيتضح لنا في مواضع أخرى من هذا الكتاب؛ ولهذا السبب فإن اليابس يسخن ويبرد بدرجة أسرع من الدرجة التي يسخن الماء بها ويبرد. ويمكننا أن نلخص هذه العوامل فيما يأتي: 1- أن نسبة كبيرة من حرارة أشعة الشمس التي تسقط على سطح البحر أو المحيط تستنفد في تحويل بعض المياه إلى بخار، أما الأشعة الحرارية التي تصل إلى سطح اليابس؛ فإن معظمها -إن لم يكن كلها- يستهلك فيرفع درجة حرارته، وينطبق هذا بصفة خاصة على المناطق الجافة التي لا تغطي سطح الأرض فيها أية حياة نباتية أو مسطحات مائية.

2- إن الحرارة النوعية لليابس تعادل 4/1 الحرارة النوعية للماء1، ومعنى ذلك أن اليابس يحتاج إلى كمية من الحرارة أقل مما يحتاجه الماء لكي يسخن كل منهما بدرجة واحدة، وبما أن مقدار أشعة الشمس التي تصل إلى سطح منطقتين متجاورتين من اليابس والماء أثناء النهار تكون واحدة تقريبًا؛ فإنها ترفع درجة حرارة سطح المنطقة الأولى أسرع من رفعها لدرجة حرارة سطح المنطقة الثانية. 3- إن كمية الحرارة التي يستطيع سطح معين من اليابس أن يمتصها تفوق كثيرًا الكمية التي يستطيع أن يمتصها سطح مساو له من الماء في نفس المدة؛ وذلك لأن سطح الماء أقدر من سطح اليابس على عكس أشعة الشمس. وإذا عرفنا أن الجسم الذي يمتص الحرارة بسهولة يفقدها بسهولة أيضًا، "وهذه من الحقائق الثابتة" أمكننا أن ندرك السبب في كون اليابس يفقد حرارته أسرع من الماء أثناء الليل. 4- أن الأشعة الحرارية تستطيع أن تتعمق في الماء لمسافة أكبر من المسافة التي تتعمق إليها في اليابس، كما أن الحركة المستمدة للماء تساعد على خلط المياه الدافئة بالمياه الباردة؛ ولهذا فإن الحرارة تتوزع على طبقة من الماء أسمك بكثير من طبقة اليابس التي تتوزع عليها. وإذا أضفنا إلى ذلك أن مقدار ما يمتصه الماء من حرارة الشمس أقل بكثير مما يمتصه اليابس، ما بينا في رقم3 أمكننا أن ندرك عظم الفرق بين نصيب مساحة معينة من سطح الماء، ونصيب مساحة مساوية لها من سطح اليابس. ويلاحظ أن أثر هذا العامل يظهر بصورة أخرى بعد غروب الشمس، أي عندما يبدأ كل من الماء واليابس في فقدان حرارتهما بالإشعاع؛ فالذي يحدث عندئذ هو أن سطح الماء يحتفظ بحرارته مدة أطول من سطح اليابس وذلك لسببين هما: أ- أن الماء أبطأ من اليابس في فقدان الحرارة. ب- أن الماء الدافئ يميل دائمًا للارتفاع إلى السطح.

_ 1 الحرة النوعية "Specific" لأى مادة هي كمية الحرارة التي تلزم لرفع درجة حرارة جرام واحد منها بمقدار درجة مئوية واحدة.

فإذا فرض وبردت الطبقة السطحية؛ فإن مياهها تهبط إلى أسفل، وتحل محلها مياه أدفأ منها من أسفل.

العمليات التي تشترك في تسخين الهواء

العمليات التي تشترك في تسخين الهواء: على الرغم من أن أشعة الشمس هي من غير شك المصدر الأصلي الذي يستمد منه الجو كل حرارته؛ فإن الجو لا يكتسب هذه الحرارة من الأشعة الشمسية مباشرة؛ بل إنه يكتسبها بطريق غير مباشرة نتيجة لعدة عمليات أهمها العمليات الأربعة الأولى من العمليات المذكورة فيما يلي: 1- الإشعاع الأرضي Earth radiation. 2- ملامسة الهواء لسطح نفسه Conduction. 3- حمل الحرارة بواسطة الهواء نفسه Covectio. 4- التسخين الذاتي "أو الأدياباتي" Adiabatic heating.1 1- الإشعاع الأرضي: ويقصد به الأشعة الحرارية التي تنطلق من سطح الأرض إلى الهواء المجاور له؛ فالمعروف أن سطح الأرض يمتص جزءًا من أشعة الشمس التي تسقط عليه؛ بينما يرد الباقي إلى الفضاء بتأثير الألبيدو. وبمجرد أن يقوم سطح الأرض بامتصاص الأشعة الشمسية؛ فإنه يحولها إلى طاقة حرارية تنطلق في الجو في موجات طويلة. وبينما لا يستطيع الهواء بطبيعته أن يمتص الموجات القصيرة لأشعة الشمس عند اختراقها له فإنه يستطيع أن يمتص الموجات الحرارية الطويلة التي تنطلق من سطح الأرض، وهذه الموجات هي التي يتكون منها الإشعاع الأرضي. ويطلق على هذه الخاصية من خصائص الهواء تعبير خاصية البيت الزجاجي Green House Effect لأن ما يحدث فيها يشبه ما يحدث في البيوت الزجاجية المخصصة لتربية النباتات، وفيها تمر أشعة الشمس خلال الزجاج إلى

_ 1 هذه العملية عبارة عن عملية ديناميكية لا علاقة لها بأشعة الشمس، وقد أوردناها هنا باعتبار أنها واحدة من عمليات تسخين الهواء.

داخل البيت؛ ولكنها تتحول بعد وصولها إلى الأرض إلى أشعة حرارية تعمل على تدفئة جو البيت. 2- ملامسة الهواء لسطح الأرض: بالإضافة إلى تأثير الإشعاع الأرضي فإن الهواء الملامس لسطح الأرض قد يسخن أو يبرد بسبب الملامسة نفسها، كما يحدث عادة إذا تلامس أي جسمين مختلفي الحرارة حيث ننتقل الحرارة من الجسم الدافئ إلى الجسم البارد، وبنفس الطريقة تنتقل الحرارة بين سطح الأرض والهواء الملامس له، ويلاحظ أن تأثير هذا العامل يكون عادة مقصورًا على أسفل الهواء فقط. 3- حمل الحرارة بواسطة الهواء: فالهواء عند تحركه يحمل معه الحرارة التي اكتسبها؛ فإذا ما وصل إلى مناطق أو مستويات هواؤها أبرد منه؛ فإنه يؤدي إلى تدفئة هذا الهواء، نتيجة لاختلاطه به أو حلوله محله، وتعتبر هذه العملية في الواقع العملية الرئيسية التي تقوم بتوزيع الحرارة في القطاعات الرأسية والأفقية للهواء على حد سواء؛ فعندما يحدث أن يسخن الهواء الملامس للأرض فإنه يتمدد وتقل كثافته ويرتفع إلى أعلى حاملًا معه الحرارة التي اكتسبها، ويحل محله هواء آخر أبرد منه يسخن ويرتفع بنفس الطريقة، وهكذا تتوزع الحرارة رأسيًّا في الجو، كما أنها تتوزع أفقيًّا نتيجة لانتقال الهواء من مناطق دافئة أو حارة إلى مناطق أبرد منها. ولولا عامل الحمل هذا لتجمعت الحرارة في الطبقة السفلى من الهواء وحدها؛ بينما بقيت الطبقات التي فوقها شديدة البرودة. 4- الحرارة الكامنة في بخار الماء: على الرغم من أن قسطًا من الحرارة المستمدة من أشعة الشمس -سواء بطريق مباشر أو غير مباشر- يستنفذ في تبخير المياه من المسطحات المائية أو من سطح التربة أو من النباتات؛ فإن ذرات البخار نفسها تحتفظ ببعض الحرارة بصورة كامنة Latent. وتظل هذه الحرارة محفوظة في البخار حتى إذا ما تكثف لأي سبب من الأسباب، وخصوصًا إذا تحول إلى مطر؛ فعندئذ تنطلق هذه الحرارة في الجو وتؤدي إلى تدفئته. وهذه حقيقة يمكن ملاحظتها بسهولة أثناء سقوط المطر. وقد تنتقل الحرارة الكامنة في بخار الماء

مع الرياح التي تحمله أحيانًا لمسافات بعيدة جدًّا قبل أن يتكثف، وتنطلق حرارته الكامنة إلى الجو. 5- التسخين "أو التبريد" الذاتي: المقصود بالتسخين الذاتي للهواء هو رفع درجة حرارته نتيجة للانضغاط وبدون إضافة أي وحدات حرارية جديدة إليه. ويحدث هذا التسخين عادة عندما يهبط الهواء بقوة على جوانب الجبال نحو السهول أو الوديان المجاورة؛ حيث أن هذا الهبوط يؤدي إلى انضغاطه ورفع درجة حرارته. ويحدث عكس ذلك تمامًا إذا ارتفع الهواء إلى أعلى؛ حيث أنه في هذه الحالة يتمدد ويتخلخل مما يؤدي إلى برودته دون أن يفقد شيئًا من الوحدات الحرارية الموجودة به فعلًا. ويطلق على تبريد الهواء بهذا الشكل تعبير التبريد الذاتي Adiabatic Cooling، ويحدث عادة عندما يرتفع الهواء إلى أعلى بشكل تيارات صاعدة نتيجة لسخونة سطح الأرض، أو بسبب مقابلته لحاجز جبلي مرتفع. ومن الواضح أن التسخين أو التبريد الذاتي عبارة عن عملية ديناميكية صرفة لا علاقة لها بأشعة الشمس، وذلك بخلاف الحال بالنسبة للعمليات الأربعة الأخرى التي يكتسب الهواء في كل منها وحدات حرارية جديدة مصدرها الأصلي هو أشعة الشمس. ولو أن هذا الاكتساب يحدث غالبًا بطرق غير مباشرة.

قياس درجة الحرارة

قياس درجة الحرارة: يمكن أن يتبع في حساب درجة الحرارة في أي مكان أحد نظامين معروفين هما: 1- النظام المئوي Centingrade، وعلى أساسه تكون درجة غليان الماء هي 100 ْ ودرجة تجمده هي صفر، وهذا النظام هو الذي يستخدم في معظم دول أوروبا ما عدا بريطانيا وفي البلاد العربية. 2- النظام الفهرنهيتي Fahrenheit وبمقتضاه تكون درجة غليان الماء هى 212 ْ، ودرجة تجمده هي 32 ْ وهذا

النظام هو المستخدم في جميع الدول التي تتكلم اللغة الإنجليزية تقريبًا. وبمقارنة النظامين أحدهما بالآخر نلاحظ أن 1 ْ مئوية = 1.8 ْ مئوية أو 5/9 درجة فهرنهيتية. وعند تحويل درجة حرارة معينة محسوبة بالدرجات المئوية إلى الدرجة التي تقابلها على أساس النظام الفهرنهيتي يجب أن نضرب الدرجة المئوية × 5/9، ثم نضيف إليها رقم 32. فمثلًا 20 ْ مئوية م = "20 × 5/9" + 32 = 68 ْ ف. وكذلك في حالة تحويل درجة حرارة معينة محسوبة بالدرجات الفهرنهيتية إلى الدرجة المئوية التي تقابلها يجب أن نطرح 32 من الدرجة الفهرنهيتية، ثم نقسم الباقي على 9/5 أو بعبارة أخرى نضربه × 9/5 فمثلًا 68 ْ ف = 68-32 × 9/5 = 20 ْ م. وأهم الأجهزة التي تستخدم في قياس درجة الحرارة هي: 1- الترمومتر الزئبقي المعتاد: وهو الذي يسمى أحيانًا بالترمومتر الجاف، وذلك عندما يستخدم ضمن جهاز قياس الرطوبة. وهو مكون من أنبوية دقيقة مقسمة إلى درجات وأجزاء من الدرجات، وتنتهي بفقاعة مملوء بالزئبق؛ فعندما ترتفع درجة الحرارة يتمدد الزئبق ويرتفع في الأنبوبة وتقرأ درجة الحرارة أمام أعلى نقطة وصل إليها. 2- الترموجراف Thermograph "شكل 94": وهو جهاز يرسم خط سير الحرارة على ورقة مقسمة تقسيمًا خاصًّا، ويتركب من أسطوانة تثبت عليها ورقة مقسمة إلى ساعات وأيام، وتدور هذه الأسطوانة بواسطة ساعة أمام سن ريشة مثبت في ذراع يتصل من الناحية الأخرى بقطعة معدنية تكون غالبًا بشكل حلقة تتمدد عند ارتفاع درجة

الحرارة، وتنكمش عند انخفاضها فيتحرك تبعًا لذلك الذاراع، ويسجل سن الريشة حركاته هذه على الورقة المثبتة على الأسطوانة. وفي بعض الأحيان يستعاض عن القطعة المعدنية التي تتمدد بالحرارة بأنبوبة مقوسة مملوءة بالكحول؛ فعند تمدد الكحول بحرارة الجو تتمدد الأنبوبة ويحدث العكس عند انكماش الكحول بالبرودة، ويتحرك تبعًا لذلك الذراع، ويسجل سن الريشة حركاته على الورقة، ويمكن أن يضبط الجهاز بحيث تتم الأسطوانة دورة كاملة في 24 ساعة، وتكون الورقة التي تثبت عليها في هذه الحالة عبارة عن ورقة يومية تستبدل كل 24 ساعة؛ ولكن من الممكن تعديل الجهاز بحيث تدور الأسطوانة دورة كاملة في سبعة أيام، وفي هذه الحالة تستخدم أوراق مقسمة إلى أيام وساعات. شكل "94" الترموجراف 3- ترمومتر النهاية العظمى: وفائدته هي تسجيل أعلى درجة وصلت إليها الحرارة أثناء اليوم، وفيه يستطيع الزئبق أن يرتفع في الأنبوية؛ ولكنه لا يستطيع الرجوع إلى الفقاعة، وذلك لوجود خانق في المجرى "قرب الفقاعة" يسمح بمرور الزئبق عندما يتمدد بالحرارة، ولكنه لا يسمح له بالرجوع

عندما ينكمش بالبرودة وبذلك يظل ثابتًا أمام أعلى درجة وصل إليها. 4- ترمومتر النهاية الصغرى: وهو عبارة عن ترمومتر يستخدم فيه الكحول بدلًا من الزئبق، وفائدته هي تسجيل أدنى درجة هبطت إليها الحرارة أثناء النوم؛ حيث يوجد في أنبوبته مؤشر صغير من البلاستيك أو الزجاج يستطيع الكحول أن يحركه جهة الفقاعة عند انخفاض درجة الحرارة، ولكنه لا يستطيع أن يحركه إلى أعلى عند ارتفاعها؛ حيث ينساب الكحول حوله دون تحريكه فيظل ثابتًا أمام أدنى درجة وصلت إليها الحرارة. ويوضع هذا الترموتر عند استخدامه دائمًا في وضع أفقي. والدرجة الحرارية التي تلزم قراءتها هي الدرجة التي تقابل طرف المؤشر الأبعد عن الفقاعة. شكل "95" ترمومترا النهاية العظمى والنهاية الصغرى لدرجة الحرارة متوسطات درجة الحرارة ومعدلاتها: المقصود بالمتوسط "Mean" هو المتوسط الحسابي لأي عدد من القراءات التي تسجل أثناء يوم معين أو شهر معين أو سنة معينة.

فمتوسط درجة حرارة اليوم = قراءة الساعة 8 + الساعة 14 + الساعة 20 + النهاية الصغرى 4 أو النهاية العظمى + النهايةالصغرى 2 أما متوسط درجة حرارة الشهر "وهو ما يسمى كذلك بالمتوسط اليومي لدرجة حرارته" فهو مجموع متوسطات أيام هذا الشهر مقسومًا على عددها. أما المعدل Normal أو Average فهو متوسط المتوسطات المختلفة لعدد مناسب من السنين، ومن المتفق عليه في الوقت الحاضر أن أفضل عدد من السنين يصلح لحساب المعدلات هو 30 سنة. ولو أنه من الممكن عند الضرورة حسابها لعدد أقل من ذلك على حسب المتوسطات التي يمكن الحصول عليها، وهذه المعدلات هي التي تستخدم عادة في الدراسات المناخية العامة؛ إلا أن أهميتها للدراسات التفصيلية والتطبيقية محدودة جدًّا؛ لأنها تهمل كثيرًا من التفاصيل المهمة التي تتوقف عليها العلاقة بين المناخ ومظاهر الحياة المختلفة، ومن أهمها حالات الارتفاع الشديد أو الانحفاض الشديد في درجة الحرارة، وهي حالات لا تبينها المعدلات الشهرية أو السنوية.

النظام اليومي لدرجة الحرارة

النظام اليومي لدرجة الحرارة: من الظاهرات التي تمر علينا يوميًّا خصوصًا في الأيام الصافية التي لا يتأثر فيها الجو بوجود السحب وسقوط الأمطار أو هبوب رياح حارة أو باردة، ذلك النظام الذي تسير عليه درجة الحرارة أثناء اليوم الواحد؛ فمن الملاحظ عادة أن درجة الحرارة تهبط إلى أدنى حد لها قبل شروق الشمس مباشرة، ثم تأخذ في الارتفاع بعد ذلك تدريجيًّا حنى تصل إلى نهايتها العظمى حوالي الساعة الثانية بعد الظهر، ومن ثم تأخذ في الهبوط من جديد حتى صباح اليوم التالي. والسبب في ذلك هو أن سطح الأرض وطبقة الهواء الملاصقة له تتقبل الحرارة باستمرار من أشعة الشمس؛ ولكنها تفقد في نفس الوقت جزءًا من هذه الحرارة تدريجيًّا بالإشعاع إلى طبقات الجو العليا، ويمكننا بناء على ذلك أن نقدر درجة الحرارة في أي ساعة من

ساعات اليوم الواحد بحساب الفرق بين مجموع ما اكتسبته الأرض من حرارة الشمس من جهة، وما فقدته بالإشعاع حتى هذه الساعة من جهة أخرى، وهذا الفرق يزداد أو يقل حسب الساعات المختلفة من اليوم، ففي النصف الأول من النهار يأخذ نصيب الأرض من حرارة الشمس في الازدياد بعد الشروق مباشرة حتى يبلغ أقصاه وقت الظهر عندما تكون الشمس في أعلى وضع لها فوق الأفق، وتسقط أشعتها على سطح الأرض عمودية أو قريبة من العمودية، وفي هذه الفترة من النهار يكون فقدان الأرض والهواء الملاصق لها للحرارة بالإشعاع قليلًا في جملته؛ ولكنه يأخذ في الازدياد بعد الظهر، ويبدأ هذا الفقدان بطيئًا في أول الأمر حتى أنه لا يكون حوالي الساعة الثانية بعد الظهر قد تفوق بعد على الحرارة المكتسبة، وفي هذه الساعة من النهار تكون الأرض قد اكتسبت من حرارة الشمس أكبر كمية يمكنها أن تكتسبها في اليوم. شكل "96" - النظام اليومي لدرجة الحرارة ولكن يلاحظ أن هذا النظام اليومي هو النظام المعتاد في الظروف الجوية المستقرة وأنه كثيرًا ما يضطرب بسبب التقلبات الجوية، التي قد تؤدي إلى وصول هواء دافئ بالليل أو هواء بارد بالنهار، أو إلى كثرة السحب وسقوط المطر بالنهار؛ ففي مثل هذه الحالات قد يتغير النظام اليومي؛ بل وينعكس تمامًا في بعض الأيام على حسب طبيعة التقلبات الجوية وشدتها. ويحدث هذا بصفة خاصة في الشتاء والربيع والخريف وهي الفصول التي تكثر فيها الاضطرابات الجوية في معظم البلاد الواقعة في العروض المعتدلة، ومن بينها معظم البلاد العربية.

المدى اليومي لدرجة الحرارة Diurnal Range Temperature: ويقصد به الفرق بين أدنى وأعلى درجتي حرارة تسجلان أثناء اليوم، وهما ما تعرفان باسم النهاية الصغرى Minimum Temperature والنهاية الصغرى Maximum Temperature، وهذا الفرق قد يختلف اختلافًا كبيرًا من مكان إلى آخر، ومن فصل إلى آخر على حسب الظروف الخاصة بالإقليم؛ ففي الأماكن القريبة من البحر يكون الفرق أصغر بكثير منه في الأماكن الواقعة في قلب اليابس على نفس خط العرض، كما أن كثرة الأمطار، ووجود حياة نباتية غنية كلاهما يساعد على خفض المدى اليومي لدرجة الحرارة. ويحسب هذا المدى عادة لكل شهر على حدة، وذلك على أساس الفرق بين متوسط النهايات العظمى ومتوسط النهايات الصغرى لدرجة الحرارة في جميع أيام الشهر. المدى السنوي "أو الفصلي" لدرجة الحرارة Annual or Seasonal Range of Temperature: ويقصد به الفرق بين المتوسطين الحراريين لا برد الشهور وأشدها حرارة أثناء السنة، وهو يحسب عادة بإيجاد الفرق بين معدل درجة حرارة شهر يوليو أو أغسطس من جهة، ومعدل درجة حرارة شهر ديسمبر أو يناير من جهة أخرى "في نصف الكرة الشمالي". ويتأثر المدى السنوي غالبًا بنفس العوامل التي يتأثر بها المدى اليومي، ومن أهمها القرب أو البعد عن البحر؛ ففي البلاد الساحلية يكون المدى أقل منه في البلاد الواقعة في قلب اليابس على نفس خط العرض، ويرجع ذلك إلى أثر المياه في تلطيف حرارة فصل الصيف من ناحية، وفي تدفئة فصل الشتاء من ناحية أخرى. ويبدو هذا بوضوح في الخريطة "شكل 97"؛ حيث نجد المدى السنوي يرتفع في بعض الأجزاء الداخلية من آسيا إلى حوالي 60 ْ م؛ فإنه لا يزيد غالبًا عن 10 ْ درجة على سواحل المحيطين الأطلسي والهادي. ونلاحظ كذلك بصفة إجمالية أن المدى السنوي يكون صغيرًا بالقرب من خط الاستواء؛ حيث يكون ميل الشمس عند سقوطها على الأرض واحدًا تقريبًا

في جميع الفصول ثم يتزايد تدريجيًّا كلما بعدنا شمالًا أو جنوبًا بسب ازدياد الفرق بين درجة ميل الأشعة في فصل الشتاء عنها في فصل الصيف؛ ولكنه يكون في النصف الشمالي من العالم أكبر بكثير منه في النصف الجنوبي حيث تسود البحار، كما تبين من الجدول رقم "2" خط العرض 10 ْ 30 ْ 40 ْ 60 ْ 80 ْ المدى السنوي بالدرجات شمالًا 2 7 19 31 33 المئوية جنوبًا 2 6 6 8 31 جدول "2" متوسط المدى السنوي لدرجة الحرارة على بعض خطوط العرض المتقابلة في نصف الكرة الشمالي والجنوبي ويبين شكل "98" المعدلات الشهرية لدرجة الحرارة في كل من: 1- سنغافورة وهي ميناء بحري واقع في المنطقة الاستوائية على خط عرض 51 ْ درجة شمالًا تقريبًا. 2- وادي حلفا وهي محطة صحراوية في شمال السودان على خط عرض 22 ْ درجة شمالًا. ومن الواضح أن معدل درجة الحرارة في سنغافورة لا يتغير تغيرًا يذكر من شهر إلى آخر؛ وذلك على العكس من وادي حلفا، التي يزيد معدل درجة الحرارة فيها زيادة كبيرة في فصل الصيف عنه في فصل الشتاء.

العوامل التي تتحكم في درجة حرارة الجو

العوامل التي تتحكم في درجة حرارة الجو: تتوقف درجة حرارة الجو في أي مكان على عدة عوامل أهمها: 1- موقعه الفلكي أي بالنسبة لخطوط العرض. 2- تضاريسه. 3- قربه أو بعده عن البحر. 4- نوع الرياح التي يتعرض لها. 5- وجود غطاءات نباتية حوله أو بالقرب منه. 6- وجود غطاء جليدي حوله أو بالقرب منه.

شكل "97" توزيع معدلات المدى الحراري السنوي في العالم بالدرجات المئوية. شكل "98" المعدلات الشهرية لدرجات الحرارة في سنغافورة ووادي حلفًا. أولًا: الموقع الفلكي: هذا الموقع هو الذي يحدد الزاوية التي تسقط بها أشعة الشمس على سطح الأرض، كما أنه هو الذي يحدد طول الليل والنهار في الفصول المختلفة؛ فعند خط الاستواء مثلًا تسقط الأشعة عمودية على سطح

الأرض في معظم أيام السنة، أما بالقرب من الدائرة القطبية فإن هذه الأشعة تسقط مائلة جدًّا خصوصًا في نصف السنة الشتوي، ومن المعروف أن الأشعة العمودية أقوى من الأشعة المائلة كما سبق أن أوضحنا عند الكلام على الإشعاع الشمسي. ويزداد ميل الأشعة بصفة عامة كلما بعدنا عن المدارين واقتربنا من القطبين؛ فعند مدار السرطان مثلًا يكون نصيب أية بقعة فوق سطح الأرض من أشعة الشمس في ساعة معينة من ساعات النهار أكبر من نصيب أية بقعة أخرى إلى الشمال من ذلك في نفس الساعة على شرط أن تكون نسبة الغيوم ودرجة صفاء الجو واحدة في الحالتين. ولما كانت الشمس تتعامد على خط الاستواء في معظم أيام السنة؛ فإن المتوسط السنوي لما يصيب الأرض من الأشعة هناك يكون أكبر منه في العروض الأخرى، ويزداد الفرق كلما بعدنا عن خط الاستواء. ولكن يجب ألا يفهم من هذا أن خط الاستواء هو أشد مناطق العالم حرارة، وذلك لأن كثافة الحياة النباتية وغزارة الأمطار هناك يساعدان على خفض درجة الحرارة نوعًا ما. كما يجب أن نلاحظ أيضًا أن ما تستفيده الأرض من أشعة الشمس يتوقف من ناحية أخى على طول النهار الذي يتوقف بدوره على خط العرض؛ فمن الحقائق الثابتة أن النهار يزداد طوله على حساب الليل في فصل الصيف؛ بينما يحدث العكس في فصل الشتاء، وتزداد هذه الظاهرة وضوحًا كلما بعدنا عن خط الاستواء، ولهذا فإنه على الرغم من أن المتوسط السنوي لما يصيب الأرض من أشعة الشمس عند القطبين صغير في جملته بالنسبة للعروض الأخرى؛ فإنه يكون في الفترة ما بين أول يونيو ومنتصف يوليو أكبر منه في أية منطقة أخرى من العالم، ويرجع هذا إلى أن الشمس تستمر ظاهرة طول هذه الفترة دون انقطاع؛ ولكن ليس معنى هذا أيضًا أن القطب يكون في هذه الفترة أشد حرارة من أية بقعة أخرى، وذلك لأن معظم الحرارة المكتسبة من الشمس تستنفذ في صهر طبقات الجليد السميكة التي تغطي المناطق القطبية بدلًا من أن تعمل على سرعة رفع درجة حرارة الهواء.

ثانيًا- التضاريس: فمن المعروف أن درجة الحرارة تتناقص بصفة عامة كلما زاد الارتفاع، ويرجع ذلك للأسباب الآتية: أ- أن الهواء يبرد ذاتيًّا نتيجة لارتفاعه وتخلخله. ب- أن المواد العالقة بالهواء خصوصًا ذرات الأتربة تتناقص بالارتفاع، ومن الثابت أن وجود هذه المواد يساعد الهواء على امتصاص الحرارة من أشعة الشمس. ج- أن الهواء الملاصق لسطح الأرض أو القريب منه يستفيد من الحرارة "المتشععة" من سطح الأرض "الإشعاع الأرضي"، ويتناقص تأثير هذا الإشعاع بطبيعة الحال كلما زاد الارتفاع. د- في المناطق الجبلية يوجد عامل آخر يقلل من درجة الحرارة فوق المنحدرات المرتفعة بالنسبة للسهول المجاورة؛ وذلك أن أشعة الشمس عند سقوطها على الجبل لا تسقط في أغلب ساعات النهار إلا على جانب واحد من جوانبه، أما الجوانب الأخرى فتكون محرومة منها، وبدلًا من أن تكتسب مقادير جديدة من الحرارة فإنها تفقد حرارتها بالإشعاع، وفي أثناء الليل يزداد فقد هذه الحرارة؛ لأن فقدانها يكون من جميع جوانب الجبل على حد سواء. والمعدل الذي تتناقص به درجة الحرارة بالارتفاع Lapse rate هو درجة واحدة مئوية لكل 150 مترًا؛ ولكن يلاحظ أن هذا المعدل تقريبي لأنه يتأثر بعوامل كثيرة من أهمها رطوبة الهواء وكمية السحب؛ ففي الجو الرطب الذي يكثر به بخار الماء يكون معدل التناقص أقل منه في الجو الجاف حيث أن بخار الماء يساعد الهواء على الاحتفاظ بحرارته لمدة طويلة نسبيًّا. وتساعد السحب كذلك على تقليل هذا المعدل لأنها تكون بمثابة غطاء يقلل من سرعة انتقال الحرارة من الطبقات التي تحتها إلى الطبقات التي فوقها. مستوى التجمد وخط الثلج الدائم: المقصود بمستوى التجمد Freezing Level هو المستوى الذي تنخفص فيه درجة حرارة الجو إلى درجة التجمد، ويختلف ارتفاع هذا المستوى اختلافًا بسيطًا في الهواء عنه فوق الجبال

المجاورة له؛ فنظرًا لأن اليابس يفقد حرارته بسرعة؛ فإن مستوى التجمد على الجبال يكون أقل ارتفاعًا نوعًا ما منه في الهواء القريب منها. ولو كان هواء الجبال محملًا ببخار الماء؛ فإن هذا البخار يتحول إلى ثلج ويتراكم على قمم الجبال، ويتحول بالتدريج إلى جليد. ويطلق على الحد الأسفل للأجزاء التي يغطيها الثلج المتراكم اسم خط الثلج Snow Line؛ بينما يطلق "خط الثلج الدائم" على الحد الأسفل للأجزاء التي يبقى عليها الغطاء الثلجي طول السنة. ويختلف ارتفاع هذا الخط من مكان إلى آخر على حسب درجة حرارة الهواء ورطوبته؛ ففي الأقاليم الحارة يكون هذا الخط أعلى "بالنسبة لسطح البحر" منه في الأقاليم المعتدلة والباردة، ويتناقص ارتفاعه كلما اقتربنا من القطبين حتى يصل إلى مستوى سطح البحر فتتغطى الأرض كلها بالجليد، وكلما زادت كمية بخار الماء في الهواء أدى ذلك إلى كثرة تساقط الثلج بخلاف الحال في الهواء الجاف؛ حيث لا تكون كمية البخار كافية لتكوين الثلج بكميات تكفي لتغطية الأرض. وفي نصف الكرة الشمالي يكون، خط الثلج الدائم غالبًا أعلى على المنحدرات الجنوبية للجبال منه على المنحدرات الشمالية لنفس الجبال؛ لأن نصيب المنحدرات الجنوبية للجبال منه على المنحدرات الشمالية لنفس الجبال؛ لأن نصيب المنحدرات الجنوبية من أشعة الشمس يكون أكبر من نصيب المنحدرات الشمالية. ويحدث عكس ذلك في نصف الكرة الجنوبي. ولنفس السبب فإن هذا الخط يكون على المنحدرات الغربية عمومًا أعلى منه على المنحدرات الشرقية. انعكاس التناقص الحراري بالارتفاع: على الرغم من أن القاعدة العامة هي تناقص درجة الحرارة بالارتفاع؛ فقد يحدث في ظروف خاصة أن تنعكس الآية بحيث تكون درجة الحرارة في المستويات العليا أعلى منها في المستويات السفلى. ويكثر حدوث هذه الظاهرة في الحالات الآتية: 1- في الوديان الجبلية عندما ينحدر الهواء البارد بسبب ثقله من المنحدرات العليا للجبال نحو قاع الوديان؛ حيث يتجمع أحيانًا بشكل بحيرات من الهواء البارد. وحركة الهواء من

المنحدرات العليا نحو قاع الوديان بالليل هي التي تعرف باسم "نسيم الجبل". 2- عندما يلتقي هواء بارد مع هواء دافئ؛ ففي هذه الحالة يصعد الهواء الدافئ بسبب قلة كثافته نسبيًّا فوق الهواء البارد، وهي ظاهرة مرتبطة بنشأة الأعاصير. ومثل هذا يحدث أيضًا عندما يتحرك تيار هوائي دافئ من منطقة مرتفعة حارة ليمر في أعلى الجو فوق منطقة سهلية أقل حرارة من المنطقة التي جاء منها. ثالثاً: القرب من البحر. إن وجود أي مسطحات مائية يكون له عادة أثر ملطف على درجة الحرارة؛ وذلك لأن الماء، كما سبق أن أوضحنا، يسخن أثناء النهار ويبرد أثناء الليل بسرعة أقل من السرعة التي يسخن بها اليابس أو يبرد، وكلما كانت مساحة المسطح المائي كبيرة وكانت الرياح السائدة تهب منه نحو اليابس كان تأثيره أكبر. وتعتبر التيارات البحرية التي تمر بها بكثير من السواحل، وخصوصًا السواحل المطلة على المحيطات من أهم العوامل التي تقوم بتوزيع الحرارة على السواحل؛ فهي تنقل إليها الدفء إن كانت آتية من جهات أدفأ منها، أو تنقل إليها البرودة إن كانت آتية من جهات أبرد. والواقع أن تأثير البحر على المناخ تأثير واضح وقوي بحيث أصبح من الممكن التمييز بين نوعين مختلفين من المناخ أحدهما بحري Marine والثاني قاري Continental وفيه يختفي هذا الأثر أو يكاد. ويظهر المناخ الأول في الجزر والبلاد الساحلية، وخصوصًا إذا كانت الرياح السائدة تهب عليها من ناحية البحر. أما الثاني فيظهر في قلب اليابس وخصوصًا في أواسط الكتل القارية الكبرى. ومن أهم الفروق بين النوعين أن المدى الحراري في النوع البحري يكون صغيرًا مما يجعله لطيفًا في فصل الصيف ومعتدلًا في فصل الشتاء؛ بينما يكون هذا المدى كبير في النوع القاري مما يجعله شديد الحرارة صيفًا وشديد البرودة شتاءً. كما أن الفرق بين درجة حرارة ليله ودرجة حرارة نهاره يكون هو الآخر كبيرًا.

رابعاً: نوع الرياح. فالرياح التي تهب من مناطق حارة تجلب الدفء، أما الرياح التي تهب من مناطق باردة فتجلب البرودة، ويمكننا أن نلحظ هذا بسهولة في بعض أيام فصل الربيع أو فصل الخريف عندما تتعرض الأجزاء الشمالية من مصر لبعض الاضطرابات الإعصارية؛ حيث أن هذه الاضطرابات قد تؤدي إلى هبوب رياح صحراوية شديدة الحرارة يترتب عليها حدوث موجات حارة جدًّا، أو هبوب رياح شديدة البرودة تؤدي إلى حدوث موجات من البرد القارس. خامساً: الغطاء النباتي. فهو يعمل على تلطيف حرارة الجو؛ لأن النباتات لها تأثير مشابه إلى حد ما لتأثير المسطحات المائية، بسبب ما ينطلق منها باستمرار من أبخرة نتيجة لعملية النحت. وبسبب حمايتها للأرض التي تغطيها من التأثير المباشر لأشعة الشمس. وقد سبق أن ذكرنا أن كثافة الحياة النباتية عند خط الاستواء تعتبر من أهم الأسباب التي تقلل نوعًا ما من تأثير الأشعة الحرارية. وليس من شك في أن الغطاء النباتي هو السبب الرئيسي في أن جو الريف يكون ألطف في فصل الصيف من جو المدن. سادساً: الغطاء الجليدي. أن وجود غطاء جليدي على سطح الأرض من شأنه أن يضعف من تأثير أشعة الشمس على حرارة الجو لعدة أسباب: أهمها: أن سطح الجليد اللامع يعكس قسمًا كبيرًا من الحرارة التي يمتصها تستخدم في صهره أن كانت درجة حرارة الجو أعلى من درجة الانصهار، وهو ما يحدث في فصل الصيف؛ ففي الأقاليم القطبية مثلًا نجد أن على الرغم من أن الشمس تظل ظاهرة باستمرار عند القطب طوال نصف السنة الصيفي؛ فإن معظم ما يستفيده الجو من حرارتها يستنفد في صهر الجليد بدلًا من أن يؤدي إلى رفع درجة حرارة الجو ارتفاعًا يتناسب مع كمية الأشعة.

توضيح توزيع الحرارة على الخرائط

توضيح توزيع الحرارة على الخرائط: يوضح هذا التوزيع بواسطة خطوط تعرف باسم خطوط الحرارة المتساوية Isotherms وهي خطوط ترسم على الخريطة لتوصيل الأماكن التي تتساوى معدلاتها الحرارية؛ سواء أكانت تلك المعدلات لشهر معين أو للسنة بأكملها،

وذلك بعد تعديل المعدلات التي تنشرها المراصد المختلفة؛ لكي تمثل درجة الحرارة عند مستوى سطح البحر. ويجري هذا التعديل عادة بإضافة درجة واحدة مئوية لكل ارتفاع قدره 150 مترًا. وتستخدم هذه الخطوط لتوضيح توزيع الحرارة في القارات أو في العالم أو في المناطق الواسعة، أما في المناطق الصغيرة فترسم الخطوط الحرارية على أساس المتوسطات الفعلية دون تعديلها لتمثل الحالة عند سطح البحر. وتبين الخريطتان "شكل 99" و "شكل 100" خطوط الحرارة المتساوية في العالم لشهري يناير ويوليو على الترتيب، ويتضح منها أن معظم الخطوط تتجه بصفة عامة بين الشرق والغرب؛ ولكن لا يشترط مع ذلك أن تكون موازية لخطوط العرض حيث أنها تتعرج في مواضع مختلفة نتيجة لعدة عوامل أهمها: شكل "99" خطوط الحرارة المتساوية الرئيسية لشهر يناير 1- توزيع الماء واليابس: ففي فصل الشتاء يكون اليابس عمومًا أشد برودة من الماء؛ بينما يحدث العكس في فصل الصيف، ونظرًا لاتساع اليابس في نصف الكرة الشمالي واختلاطه بالبحار؛ فإن خطوط الحرارة المتساوية تبدو كثيرة التعاريج. أما في نصف الكرة الجنوبي فتسود البحار، ولهذا السبب نجد أن خطوط

الحرارة المتساوية تكون أقل تعرجًا منها في الشمال، كما أنها تمتد موازية لخطوط العرض تقريبًا. ويلاحظ أننا إذا تتبعنا الخط الذي يصل بين أشد بقاع العالم حرارة "أي بين الأماكن التي تسجل فيها أعلى معدلات سنوية للحرارة" نجد أنه لا ينطبق على خط الاستواء الفلكي؛ بل يمتد غالبًا إلى الشمال منه، ويزداد البعد بينهما فوق القارات عنه فوق المحيطات، وهذا الخط الحراري هو الذي يشتهر باسم "خط الاستواء الحراري"، وامتداده بهذا الشكل يعتبر كذلك نتيجة من نتائج اتساع اليابس في نصف الكرة الشمالي عنه في نصفها الجنوبي. 2- التيارات البحرية التي تمر بسواحل القارات: فهي تعمل على تدفئة هذه السواحل إن كانت آتية من جهات أدفأ منها أو على خفض درجة حرارتها إن كانت آتية من جهات أبرد منها. وأثر التيارات البحرية في توجيه خطوط الحرارة المتساوية يظهر بوضوح جدًّا عند السواحل الغربية لجنوب أفريقيا وأمريكا الجنوبية؛ حيث نجد أن خط 20 ْم "68 ْ" ف سواء في شهر يناير أو في شهر يوليو يغير اتجاهه فجأة وينحرف نحو الشمال تحت تأثير تيار بنجويلة البارد في جنوب غرب أفريقية وتيار همبولت البارد في جنوب غرب أمريكا الجنوبية. وكذلك في النصف الشمالي من المحيط الأطلسي تنحرف خطوط الحرارة المتساوية نحو الشمال في القسم الشرقي من المحيط بتأثير تيار الخليج الدافئ الذي يرجع إليه الفضل في تدفئة سواحل شمالي غرب أوروبا، وبقائها مفتوحة للملاحة طول السنة. أما في الغرب فإن هذه الخطوط تنحرف نحو الجنوب أمام السواحل الشرقية لكندا وشمال شرق الولايات المتحدة بتأثير تيار لبرادور البارد. وكذلك على الساحل الغربي لأمريكا الشمالية نجد أن تيار كاليفورنيا البارد في شرق المحيط الهادي بسبب انحراف خطوط الحرارة المتساوية بصورة واضحة نحو الجنوب؛ بينما يؤدي تيار اليابان الدافئ "كيروسيفو" في الشمال إلى انحرافها شمالًا أمام سواحل غرب كندا وألاسكا, وذلك بصورة مشابهة لما يفعله تيار الخليج أمام سواحل شمال غرب أوروبا.

شكل "100" خطوط الحرارة المتساوية الرئيسية لشهر يوليو المناطق الحرارية العامة يعتبر اليونان القدماء وفي مقدمتهم أرسطو الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد من أول الذين حاولوا تقسيم العالم إلى أقاليم مناخية، والواقع أن كلمة مناخ " Cilimate" نفسها مأخوذة من كلمة يونانية معناها يميل أو ينحرف1. وذلك لأن تقسيم اليونانين للعالم إلى أقاليم مناخية كان مبنيًّا على أساس درجة الميل التي تسقط بها أشعة الشمس على سطح الأرض؛ فالمنطقة المناخية كانت في نظرهم هي المنطقة التي يكون ميل أشعة الشمس على جميع أجزائها واحدًا بصفة عامة في وقت الظهر. ولما كانت درجة ميل أشعة الشمس تتمشى غالبًا مع خطوط العرض فقد استخدم اليونانيون هذه الخطوط لتقسيم سطح الكرة الأرضية إلى مناطق حرارية عامة كما يأتي: 1- المنطقة الحارة: ما بين مداري السرطان والجدي.

_ 1 Meteorogical Office " London" Meteorological Glossary " 1939. p.45

2- المنطقتان المعتدلتان: الشمالية ما بين مدار السرطان والدائرة القطبية الشمالية والجنوبية ما بين مدار الجدي والدائرة القطبية الجنوبية. 3- المنطقتان المعتدلتان: الشمالية ما بين مدار السرطان والدائرة القطبية الشمالية ثم الجنوبية ما بين مدار الجدي والدائرة القطبية الجنوبية. 4- المنطقتان الباردتان: إلى الشمال من الدائرة القطبية الشمالية وإلى الجنوب من الدائرة القطبية الجنوبية. وعلى الرغم من أن الأرصاد الجوية والدراسات المناخية الحديثة أثبت أن المناخ لا يتمشى في كثير من الأحيان مع خطوط العرض؛ فقد ظل التقسيم اليوناني معمولًا به حتى وقت قريب جدًّا، ولو أنه قد أدخلت عليه حديثًا بعض التعديلات التي قسمت بمقتضاها المناطق الكبرى المذكورة إلى مناطق أصغر منها على أساس كمية الأمطار ونظام سقوطها وأثرها في تنوع الحياة النباتية الطبيعية، وتوزيعها العام على سطح الأرض؛ فقسمت المنطقة الحارة مثلًا إلى ثلاثة مناطق هي منطقة الغابات الاستوائية حول خط الاستواء نفسه، ويليها شمالًا وجنوبًا منطقة الحشائش المدارية أو السفانا، وهذه يليها شمالًا وجنوبًا منطقة الصحارى المدارية الحارة، وكذلك في المنطقتين المعتدلتين أمكن التمييز بين مناخ البلاد الواقعة على السواحل الغربية للقارات، ومناخ البلاد الواقعة على سواحلها الشرقية، ثم بين مناخ هذه البلاد ومناخ البلاد الواقعة في داخل القارات.. وهكذا. وفضلًا عن ذلك ظهر اتجاه حديث آخر لتقسيم العالم إلى مناطق حرارية على أساس خطوط الحرارة المتساوية، أو بعبارة أخرى على أساس المعدلات الشهرية لدرجة الحرارة؛ وذلك بصرف النظر عن خطوط العرض، وهذا هو الاتجاه المعترف به بين معظم الجغرافيين في الوقت الحاضر. المناطق الحرارية التي اقترحها كوبن W. Koppen: ميز هذا الباحث المناطق الحرارية بعضها عن بعض على أساس طول الفصل الدافئ أو الفصل البارد في كل منطقة منها ثم على أساس معدل درجة

الحرارة في كل فصل من هذين الفصلين، وتتلخص المناطق الحرارية التي اقترحها فيما يلي: 1- منطقة مدارية حارة: فيها لا يقل معدل درجة الحرارة في أي شهر من شهور السنة عن 18 ْ مئوية. 2- منطقة شبه مدارية: وتتميز بوجود فصل يترواح طوله ما بين ثلاثة أشهر وثمانية، ويكون معدل درجة الحرارة أثناءه أعلي من 10 ْ وأقل من 18 ْ مئوية، أما باقي أشهر السنة؛ فيجب ألا ينخفض متوسط درجة حرارتها عن 18 ْ. 3- منطقة معتدلة: تتميز بوجود فصل دافئ طويل يشمل أربعة أشهر على الأقل، وربما يشمل السنة بأكملها، ويتراوح معدل درجة الحرارة أثناءه ما بين 10 ْ و 18 ْ مئوية، أما باقي الأشهر فينخفض معدلها الحراري عن 10 ْ. شكل "101" المناطق الحرارية التي اقترحها كوبن 4- منطقة باردة: يكون فيها الفصل الدافئ أقصر منه في المنطقة المعتدلة، ويتراوح طوله ما بين شهر وأربعة أشهر ومعدل درجة حرارته ما بين 10 ْ و 18 ْ مئوية.

5- منطقة قطبية: وفيها يكون معدل درجة الحرارة في جميع شهور السنة أقل من 10 ْ. المناطق الحرارية التي اقترحها أوستن ملر Austin Miller: يمتاز تقسيم أوستن ملر للمناطق الحرارية بأنه يعتمد في تحديد فصل البرودة في العروض الوسطى على المعدل الحراري 6 ْ مئوية "43 ْ ف"؛ وذلك لأن هذا المعدل له أهمية خاصة بالنسبة للحياة النباتية بصفة عامة؛ فمن المتفق عليه بين كثير من الباحثين أن معظم نباتات المنطقة المعتدلة لا يمكنها أن تنمو إلا إذا كان المعدل اليومي لدرجة الحرارة أعلى من 6 ْ مئوية، ويتلخص التقسيم الذي اقترحه أوستن ملر للمناطق الحرارية العامة فيما يلي: 1- مناطق حارة لا ينخفض المعدل الشهري لدرجة الحرارة فيها عن 18 ْ مئوية في أي شهر من شهور السنة. 2- مناطق معتدلة دافئة "أو شبه مدارية" لا ينخفض معدل درجة حرارة أي شهر من الشهر فيها عن 6 ْ م "43 ْ ف". 3- مناطق معتدلة باردة تتميز بوجود فصل شديد البرودة يتراوح طوله ما بين شهر وخمسة أشهر، ويكون معدل درجة الحرارة أثناءه أقل من 6 ْ م. 4- مناطق باردة يزداد فيها طول الفصل البارد بحيث يشغل من 6 إلى 9 أشهر، ويكون معدل درجة الحرارة أثناءه أقل من 6 ْ م. 5- مناطق قطبية يوجد في بعضها فصل دافئ قصير لا يزيد على ثلاثة أشهر، ويكون معدل درجة الحرارة أثناءه أكثر من 6 ْم أما بعضها الآخر فشديد البرودة جدًّا طول السنة؛ بحيث لا يرتفع المعدل الحراري في أي شهر من الشهور عن الصفر المئوي، وتتغطى الأرض غالبًا بطبقة من الثلج الدائم.

شكل "102" المناطق الحرارية التي اقترحها أوستن ملر

الضغط الجوي والدورة الهوائية العامة

4-2-3- الضغط الجوي والدورة الهوائية العامة. تعريف الضغط الجوي: الضغط الجوي عمومًا هو ثقل الهواء الواقع على أي منطقة من سطح الأرض؛ فمن الحقائق المعروفة أن الهواء ليس عديم الوزن كما يخيل إلينا؛ بل إنه كأي مادة أخرى ذو ثقل معين يبلغ في الظروف العادية حوالي 1.15 أوقية لكل قدم مكعب من الهواء. فسطح الأرض بناء على هذا يقع عليه باستمرار ضغط يتناسب مع وزن الهواء الموجود فوقه حتى أعلى الجو، ويحسب هذا الضغط على أساس وزن عمود الهواء الواقع على بوصة مربعة من سطح الأرض، ويبلغ معدل هذا الوزن في الظروف العادية 14.7 رطلًا. وبعملية حسابية بسيطة سنجد أن كل قدم مربع من سطح الأرض فوقه هواء وزنه في المتوسط حوالي طن.

قياسه

قياسه: وتستخدم لقياس الضغط الجوي أجهزة أهمها البارومتر "Barometer" "شكل 103" والباروجراف Barograph "شكل 104" أما البارومتر فعبارة عن أنبوبة زجاجية بها عمود من الزئبق1 وطرفها منكس في حوض صغير به زئبق

_ 1 يستخدم الزئبق في البارومترات لعدة أسباب أهمها: 1- أن كثافته كبيرة مما يجعل طول الأنبوبة مناسبًا. 2- أن لونه واضح مما يسهل رؤيته داخل الأنبوبة. 3- أنه لا يتبخر في درجات الحرارة العادية. 4- أنه لا يلصق بجدار الأنبوبة.

أيضًا ومعرض للجو؛ فكلما زاد الضغط الجوي على سطح هذا الحوض ارتفع الزئبق في الأنبوبة، ويحدث العكس إذا انخفض الضغط الجوي، وذلك لأن عامود الزئبق في الأنبوبة يجب أن يظل وزنه مساويًا لضغط الهواء الواقع على سطح الزئبق في الحوض حتى يظل التوازن قائمًا؛ فارتفاع عامود الزئبق في الأنبوية إذن يدل باستمرار على مقدار الضغط الجوي، ويقاس ارتفاع الزئبق هذا إما بالبوصة أو بالسنتيمتر، ويبلغ متوسط الضغط الجوي في الظروف العادية عند مستوى سطح البحر 76 سنتيمترًا أو 29.92 بوصة من الزئبق، ويوصف الضغط عمومًا بأنه منخفض أو مرتفع إذا نقص أو زاد عن هذا المتوسط، وقد استحدثت وحدة جديدة لقياس الضغط الجوي بدل الملليمتر الزئبقي أو البوصة الزئبقية، وأطلق عليها اسم "الملليبار" وهذه الوحدة هي المستخدمة في الوقت الحاضر في معظم الأرصاد الجوية، والملليبار يعادل 1000/1 من وحدة أخرى هي البار وهي الوحدة الديناميكية لقوة الضغط الواقعة على مساحة قدرها سنتيمتر مربع، ويمكن تحويل البوصات أو السنتيمترات الزئبقية إلى ملليبارات على أساس أن البوصة تعادل 33.9 ملليبار، وأن السنتيمتر يعادل 13.6 ملليبار، وبناء على ذلك يكون متوسط الضغط الجوي عند سطح البحر 1013.2 ملليبار. وفي بعض الأحيان يستخدم هذا المعدل نفسه كوحدة قياس يطلق عليها اسم "جو Atmosphere" فإذا كان الضغط الجوي الفعلي معادلًا لهذا المتوسط؛ فإنه يوصف بأنه يعادل جوًا واحدًا أما أن زاد عنه فيوضع كسر يعادل نسبة الزيادة، أما إذا نقص عنه فيخصم الكسر الذي يعادل نسبة النقص - "انظر الجدول رقم 3". أما الباروجراف فيمتاز عن البارومتر الزئبقي بأنه يبين خط سير الضغط الجوي باستمرار على ورقة مقسمة تقسيمًا خاصًا، وتوضع عند استخدامها حول أسطوانة تدور بواسطة ساعة أمام ريشة مثبتة في مؤشر متصل بعدة أقراص معدنية

مفرغة وحساسة للضغط فإذا زاد الضغط على هذه الأقراص ارتفع الخط الذي يرسمه من الريشة على الورقة، والعكس في حالة انخفاضه وتسجيل الضغط الجوي أوتوماتيكيًّا بهذا الشكل هو أهم ما يميز الباروجراف عن البارومتر. شكل "103" البارومتر 1- حوض زئبق معرض للهواء. 2- أنبوبة بها زئبق طرفها الأعلى مقفل والأسفل مفتوح ومغمس في حوض الزئبق. 3- الجزء الأعلى من الأنبوبة وهو مفرغ من الهواء. شكل "104" الباروجراف

جدول 3 الضغط الجوى المحتمل بالوحدات المختلفة ........................................................................................ ملليبارات سنتيمترات بوصات أجواء زئبقية زئبقية 940 70.51 27.76 0.926 950 21.25 28.05 0.037 960 72.01 28.35 0.947 970 72.77 28.65 0.957 980 73.51 28.94 0.967 990 74.27 29.24 0.977 1000 75.01 29.53 0.987 1010 75.77 29.83 0.997 1013.2 "المعدل" 76.00 29.92 جو واحد ........................................................................................ 1020 76.50 30.12 1.006 1030 77.77 30.42 1.016 1040 78.00 30.71 1.026 1050 78.77 30.01 1.035 ........................................................................................ وبالإ ضافة إلى هذين الجهازين يقاس الضغط الجوي أيضًا بواسطة جهاز آخر يطلق عليه اسم البارومتر المفرغ أو بارومترانيرويد Aneroid Barometer وهو مكون من علبة معدنية مفرغة من الهواء تفريغًا غير كامل، وتتأثر جوانبها بالضغط الجوي وتتمدد نحو الداخل أو الخارج فيتحرك تبعًا لذلك ذراع معدني تدور أمام قرص مقسم يمكن أن يقرأ عليه الضغط الجوي، وهذا الجهاز أقل دقة في

معظم الأحيان من الجهازين السابقين، ولهذا فإنه يستخدم عادة في الأغراض التي لا تلزم لها قياسات دقيقة؛ ولكنه مع ذلك يستخدم بكثرة في الطائرات وعند "...." نظرًا لبساطته وصغر حجمه بدرجة تجعل من السهل حمله "شكل 105" شكل "105" البارومتر المفرغ "انيرويد"

العوامل التي تتحكم في الضغط الجوي

العوامل التي تتحكم في الضغط الجوي: 1- الارتفاع عن سطح البحر. 2- درجة الحرارة. 3- رطوبة الهواء. 4- التقاء تيارات هوائية من اتجاهات متضادة. 1- الارتفاع عن سطح البحر: فكلما زاد الارتفاع عن سطح البحر نقص عمود الهواء وتناقصت كذلك نسبة الغازات الثقلية الموجودة به وأهمها الأكسجين والنيتروجين وثاني أكسيد الكربون. ونتيجة لكل ذلك يأخذ الضغط الجوي في التناقص. وليس هناك معدل ثابت لهذا التناقص لأنه يتأثر بعوامل مختلفة أهمها رطوبة الهواء ودرجة حرارته وكثافته. ومع ذلك فقد أمكن حساب معدلات تقريبية له. ويستدل من هذه المعدلات على أن الضغط يتناقص بمعدل عشرة ملليبارات كلما زاد الارتفاع مائة متر. ويستمر هذا المعدل حتى ارتفاع ثلاثة آلاف متر فوق سطح البحر، ثم يبطئ تدريجيًّا في المستويات الأعلى من ذلك كما

يتضح من الجدول رقم "4". وقد أمكن الاستفادة بمعدلات تناقص الضغط بالارتفاع في تقدير ارتفاع الطائرات وبعض القمم الجبلية العالية. جدول "4" معدل تناقص الضغط الجوي بالارتفاع .................................... ................................................ الارتفاع عن سطح البحر بالامتار معدل التناقص لكل 100 متر بالملليبارات سطح البحر - 1500 11 1500-3000 10 3000-4500 8 4500-6000 7 6000-7500 6 7500-15000 2.3 15000-30000 0.7 .................................... ................................................ 2- درجة الحرارة: إذا لم يحدث تدخل من عوامل أخرى فإن الضغط الجوي يتناسب تناسبًا عكسيًّا مع درجة الحرارة؛ فعندما ترتفع درجة الحرارة يتمدد الهواء ويرتفع إلى أعلى وتقل كثافته، وقد ينتقل بعضه في الطبقات العليا إلى المناطق الباردة نسبيًّا؛ لأن هواء هذه المناطق ينكمش ويميل للهبوط نحو سطح الأرض، وتزداد في نفس الوقت كثافته. ونتيجة لهذه الأسباب، وهي انكماش الهواء وهبوطه وزيادة كثافته ووصول هواء جديد في أعلى الجو من المناطق الدافئة، يتكون ضغط مرتفع فوق المناطق الباردة، وينتقل قسم من هوائها عند سطح الأرض إلى المناطق الدافئة ليحل محل الهواء الذي تمدد وارتفع إلى أعلى. والواقع أن اختلاف درجة الحرارة وما يترتب عليه من تباين في الضغط الجوي فوق المناطق المتجاورة هو أحد العوامل الرئيسية في نشأة الدورة الهوائية العامة "شكل 106".

3- رطوبة الهواء: من الحقائق المعروفة أن بخار الماء أخف من الهواء وأنه لهذا السبب يظل عالقًا به. ويستمر الحال على ذلك حتى بعد أن يتكثف البخار بشكل سحاب أو ضباب؛ ولذلك فكلما زاد بخار الماء في الجو قلت كثافته وتناقص تبعًا لذلك ضغطه؛ إلا أن تأثير هذا العامل أضعف من تأثير أي عامل من العوامل الأخرى. 4- التقاء تيارات هوائية من اتجاهات متضادة: فعندما يلتقي تياران هوائيان من اتجاهين متضادين فوق سطح الأرض؛ فإن هذا الالتقاء يؤدي إلى حدوث تيارات هوائية صاعدة يترتب عليها انخفاض في الضغط الجوي. أما إذا حدث الالتقاء في أعلى الجو؛ فإنه يؤدي إلى حدوث تيارات هابطة يترتب عليها ارتفاع في الضغط الجوي على سطح الأرض. وستتضخ لنا أهمية هذا العامل عندما نتكلم بعد قليل على توزيع النطاقات العامة للضغط الجوي.

خطوط الضغط المتساوي

خطوط الضغط المتساوي: وتوزيع الضغط الجوي يمكن توضيحه بواسطة رسم خطوط تصل بين الأماكن التي يتساوى عليها الضغط الجوي، ويطلق اسم خطوط الضغط المتساوي، وهي لا تختلف في طريقة رسمها عن خطوط الحرارة المتساوية؛ بمعنى أن الأرقام التي تسجلها أجهزة قياس الضغط الجوي لا توضع على الخريطة إلا بعد تصحيحها بحيث تمثل الحالة عند مستوى سطح البحر. وخطوط الضغط الجوي المتساوي يمكن أن ترسم لتوزيع الضغط الجوي في أي فترة من الزمن؛ فمنها ما يرسم لتوضيح حالة الضغط في ساعة معينة من اليوم الواحد كما هو متبع عند رسم الخرائط المعروفة باسم خرائط الطقس، وهي الخرائط التي تنشرها محطات الأرصاد يوميًّا لتستعين بها على التنبؤ بما ستكون عليه حالة الجو في الأربعة والعشرين أو الثمانية والأربعين ساعة التالية. ومن هذه الخطوط ما يرسم لتوضيح معدلات الضغط للأشهر المختلفة أو للسنة بأكملها. وعلى الرغم من أن "خرائط الطقس" ضرورية جدًّا لدراسة التطورات اليومية للجو إلا أنها قليلة الفائدة بالنسبة لدراسة المناخ بصفة عامة، وأصلح

الخرائط لهذا الغرض الأخير هي التي ترسم على حسب المعدلات الشهرية؛ لأننا على أساسها يمكن أن نكون صورة واضحة لحالة الضغط الجوي في الأشهر والفصول المختلفة، وما يتبع ذلك من مظاهر مناخية أخرى، أما الخرائط التي ترسم على أساس المعدلات السنوية؛ فإنها قليلة الفائدة سواء بالنسبة لدراسة الأحوال الجوية من يوم إلى آخر، أو بالنسبة لدراسة المناخ عمومًا؛ لأنها لا تعطي صورة واضحة للتغيرات المناخية الفصلية، ولكنها مع ذلك قد تكون مفيدة في توضيح بعض المظاهر العامة. ويلاحظ في توزيع خطوط الضغط المتساوى أنها تكون أحيانًا متقاربة وأحيانًا أخرى متباعدة، ولهذه الظاهرة أهمية كبرى في دراسة المناخ؛ وذلك لأنه كلما تقاربت الخطوط دل ذلك على شدة انحدار أو تدرج الضغط الجوي نحو المركز، ويعرف معدل التدرج حول هذا المركز باسم انحدار الضغط الجوي أو تدرجه أو ميله Pressure gradient، وهذا الانحدار له تأثير عظيم على قوة الرياح التي تكون قوية في حالة تقارب الخطوط وضعيفة في حالة تباعدها.

توزيع الضغط الجوي والدورة الهوائية العامة

توزيع الضغط الجوي والدورة الهوائية العامة: يتأثر الضغط الجوي في توزيعه على سطح الكرة الأرضية بعوامل مختلفة؛ أهمها درجة الحرارة وتوزيعها؛ فالمنطقة الحارة تكون عادة مركزًا لضغط منخفض حيث يسخن هواؤها ويتمدد ويرتفع إلى أعلى الجو بشكل تيارات صاعدة، ويحدث العكس في المنطقة الباردة التي يبرد هواؤها وتزداد كثافته ويهبط نحو سطح الأرض بشكل تيارات هابطة، ويؤدي هذا الاختلاف إلى أن الهواء الذي يرتفع فوق المنطقة الحارة يضطر للانتقال في أعلى الجو ليحل محل الهواء الذي يهبط تدريجيًّا نحو سطح الأرض في المنطقة الباردة، ومن هذه المنطقة الأخيرة يتحرك الهواء عند سطح الأرض نحو المنطقة الحارة ذات الضغط المنخفض ليحل محل الهواء الذي سخن وارتفع، وبهذه الطريقة تنشأ دورة هوائية خاصة يتحرك فيها الهواء حركتين متضادتين، الأولى عند سطح الأرض حيث يتحرك الهواء من المناطق الباردة ذات الضغط المرتفع إلى المناطق الدافئة ذات الضغط المنخفض، والثانية في

طبقات الجو العليا حيث يحدث العكس. وحركة الهواء في أعلى الجو هي التي تشتهر باسم "الرياح العليا أو العلوية" أما حركته عند سطح الأرض فرغم أنها تسمى أحيانًا بالرياح السفلية؛ إلا أن الاسم الشائع لها هو الرياح فقط، وذلك لأهميتها بالنسبة لجميع الدراسات الجغرافية، سواء منها ما يتعلق بحياة الإنسان والحيوان والنبات، أو ما يتعلق منها بالمظاهر الطبيعية لسطح الأرض؛ ولهذا السبب فإن هذه الرياح هي التي تهمنا غالبًا عند دراسة المناخ، ولكن يجب أن نلاحظ مع ذلك أن دراسة الرياح العليا تعتبر من الدراسات المهمة بالنسبة للمشتغلين بالطيران وعلوم الطبيعة. ويوضح شكل "106" الدورة الهوائية التي يمكن أن تحدث بين منطقتين إحداهما سطحها ساخن والثانية سطحها بارد. شكل "106" حركة الهواء بين منطقتين إحداهما سطحها ساخن والثانية سطحها بارد ويلاحظ أن هناك "دورة" هوائية عامة تشمل العالم بأكمله وهي موضح في شكل "107و 108"؛ فالهواء الذي يسخن في المنطقة الاستوائية يتمدد ويرتفع إلى أعلى التروبوسفير؛ حيث ينتشر في حركة أفقية ويتجه قسم منه نحو الشمال وآخر نحو الجنوب على شكل رياح عليا، ولما كان هذا الهواء يتحرك في الطبقات العليا من التروبوسفير، وهي باردة بطبيعتها؛ فإنه يأخذ في البرودة حتى إذا ما وصل إلى حوالي خط عرض 30 ْ اضطر قسم منه للهبوط نحو سطح الأرض

على شكل تيارات هابطة ينتج عنها تكون منطقين من الضغط المرتفع إحداهما في نصف الكرة الشمالي والأخرى في نصفها الجنوبي؛ بينما يواصل القسم الآخر من الهواء رحلته في أعلى التروبوسفير حتى إذا ما وصل إلى القطبين أخذ في الهبوط نحو الأرض بسبب اشتداد برودته وازدياد كثافته، مما يساعد على تكوين منطقتين من الضغط المرتفع هناك. وعند سطح الأرض يأخذ هذا الهواء في الرجوع نحو المدارين بشكل رياح سفلية شديدة البرودة؛ إلا أن هذه الرياح لا تلبث أن تلتقي عند الدائرتين القطبيتين تقريبًا برياح سفلية أخرى "الرياح العكسية" آتية من منطقتي الضغط المرتفع الموجودتين حوالي عرض 30 ْ في نصفي الكرة كما سبق أن ذكرنا، وينتج عن هذا الالتقاء حدوث تيارات هوائية صاعدة. وهذه التيارات الصاعدة هي السبب الرئيسي في ظهور نطاقي الضغط المنخفض القريبتين من الدائرتين القطبيتين "ما بين خطي عرض 45 ْو 60 ْ تقريبًا". وفي أعلى التروبوسفير ينقسم هذا الهواء إلى شعبتين تندمج إحداهما مع الرياح العلوية المتجهة نحو القطبين، وتتجه الثانية نحو المدارين؛ إلا أن هواءها لا يلبث أن يهبط من جديد نحو سطح الأرض مع التيارات التي تهبط حوالي خط عرض 30 ْ. ويلاحظ أن هذه التيارات الهابطة تنقسم عند سطح الأرض إلى قمسين أحدهما يتجه نحو الدائرة القطبية الرياح العكسية والثاني نحو الاستواء "الرياح التجارية".

النطاقات الرئيسية للضغط الجوي

النطاقات الرئيسية للضغط الجوي: بالنظر إلى شكل "107" وشكل "108" نلاحظ وجود عدد من النطاقات الرئيسية للضغط الجوي التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالدورة الهوائية العامة التي سبق شرحها، وهذه النطاقات هي: 1- نطاق من الضغط المنخفض حول خط الاستواء يطلق عليه اسم نطاق الضغط المنخفض الاستوائي، وسبب وجوده هو ارتفاع درجة الحرارة ونشاط التيارات الهوائية الصاعدة طول السنة، وذلك بالإضافة إلى وجود كميات عظيمة من بخار الماء في الهواء مما يساعد على قلة كثافته، وهذا النطاق هو الذي يشتهر كذلك باسم نطاق الركود الاستوائي نظرًا لعدم وجود رياح ظاهرة به.

شكل "107" نطاقات الضغط الرئيسية والدورة الهوائية العامة شكل "108" شكل تخطيطي يوضح نطاقات الضغط الرئيسية والرياح العامة التي تخرج منها

ويلاحظ أن الهواء الذي يرتفع في هذا النطاق يتحرك في أعلى التروبوسفير ناحية القطبين، وحوالي خط عرض 30 ْ يهبط قسم منه نتيجة لبرودته ولتقابله مع هواء قادم من ناحية القطبين. ويساعد هذا الهواء الهابط على تكون نطاقي الضغط المرتفع وراء المدارين، أما الباقي فيواصل رحلته نحو القطبين؛ حيث يهبط ويساعد على تكون ضغط مرتفع هناك. 2- نطاقان من الضغط المرتفع يمتدان في نصف الكرة الشمالي والجنوبي ما بين خطي عرض 30 ْو 35 ْ تقريبًا، وهي العروض التي تشتهر باسم "عروض الخيل" ويطلق على هذين النطاقين عادة اسم "نطاقا الضغط المرتفع وراء المدارين" وسبب وجودهما هو هبوط الهواء نحو سطح الأرض في هذه العروض كما سبق أن بينا، ومن هذين النطاقين تهب الرياح التجارية نحو الضغط المنخفض الاستوائي من جهة، والرياح العكسية الغربية نحو الدائرتين القطبيتين من جهة أخرى. 3- نطاقان من الضغط المنخفض قرب الدائرتين القطبيتين "ما بين خطي عرض 45 ْ و 60 ْ تقريبًا"، وسبب تكونهما هو وجود تيارات هوائية صاعدة في تلك العروض بسبب التقاء الرياح العكسية القادمة من نطاقي الضغط المرتفع وراء المدارين بالرياح القطبية الباردة القادمة من ناحية القطبين. 4- نطاقان من الضغط المرتفع عند القطبين في المناطق التي يغطيها الجليد طول السنة، وسبب وجودهما هو شدة برودة الهواء، وقلة بخار الماء العالق به؛ وذلك بالإضافة إلى وجود تيارات هوائية هابطة كما سبق أن ذكرنا في رقم "1" ومن هذين النطاقين تهب رياح قطبية شديدة البرودة نحو الدائرتين القطبيتين. ويلاحظ أن نطاقات الضغط المختلفة التي سبق وصفها تتزحزح نحو الشمال في فصل الصيف "الشمالي" ونحو الجنوب في فصل الشتاء بما يقرب من 5 إلى 10 درجات عرضية، وذلك بسبب تزحزح الأقاليم الحرارية العامة تبعًا لحركة الشمس الظاهرية.

أثر اليابس والماء في توزيع الضغط الجوي

أثر اليابس والماء في توزيع الضغط الجوي: يجب أن نشير إلى أن النطاقات التي سبق شرحها لا تمثل إلا التوزيع النظري للضغط الجوي؛ فيما لو كان سطح الكرة الأرضية مكونًا جميعه من يابس أو ماء فقط، وذلك لأن اختلاط الماء باليابس يؤثر تأثيرًا واضحًا في درجة حرارة الهواء ورطوبته، ويكون له بالتالي تأثير ظاهر على توزيع الضغط الجوي واختلافه من فصل إلى آخر، وتبدو هذه الحقيقة واضحة بصفة خاصة في نصف الكرة الشمالي الذي تتسع فيه كتل اليابس اتساعًا ظاهرًا بخلاف الحال في النصف الجنوبي حيث تسود المحيطات. وبمقارنة خريطتي الضغط الجوي والرياح لشهري يناير ويوليو شكل "109" و "110" نلاحظ ما يأتي: أولًا: فصل الصيف "يوليو" تتكون على اليابس مناطق ضغط منخفض؛ حيث تكون درجة الحرارة أعلى منها على المحيطات التي يكون الضغط الجوي فوقها مرتفعًا نسبيًّا؛ ولذلك فإن الرياح تهب من المحيطات نحو كتل اليابس، وكثيرًا ما تتوغل فيها لمسافات كبيرة. ويمكن تلخيص حالة الضغط الجوي في نصف الكرة الشمالي في هذا الفصل فيما يلي: أ- ينكمش نطاق الضغط المرتفع وراء مدار السرطان، ويقتصر وجوده على منطقتين منفصلتين إحداهما على المحيط الهادي والثانية على المحيط الأطلسي؛ وذلك ما بين خطي عرض 30 ْ و 45 ْ شمالًا تقريبًا. وتشتهر منطقة الضغط المرتفع على المحيط الأطلسي باسم منطقة الضغط المرتفع الآزوري نسبة إلى جزر آزور Azores التي تقع في قلب هذه المنطقة طول السنة تقريبًا. ب- يؤدي ارتفاع درجة الحرارة فوق اليابس بالنسبة للمحيطات إلى تكوين منطقتين من الضغط المنخفض، إحداهما فوق كتلة أوراسيا، والثانية فوق أمريكا الشمالية. وتكون المنطقة الأولى أشد عمقًا واتساعًا من المنطقة الثانية؛ لعظم اتساع كتلة أوراسيا واشتداد الحرارة فيها، خصوصًا في أجزائها الداخلية البعيدة عن المؤثرات البحرية.

شكل "109" توزيع الضغط الجوي والرياح في شهر يناير

شكل "110" توزيع الضغط الجوي والرياح في شهر يوليو

ج- يتسع الضغط المنخفض عند الدائرة القطبية فوق أوراسيا وأمريكا الشمالية، وينضم إلى الضغط المنخفض الذي يتكون فوق القارتين، أما على شمال المحيطين الأطلسي والهادي فإنه ينكمش جدًّا، ولا يبقى منه إلا مركزين صغيرين أحدهما قرب جزيرة أيسلنده في شمال المحيط الأطلسي، والثاني قرب جزر ألوشيان في شمال المحيط الهادي. د- يتزحزح نطاق الضغط المنخفض الاستوائي نحو الشمال، ويقع في جملته إلى الشمال من خط الاستواء، ويمتد فوق جنوب آسيا وشمال أفريقية وشمال أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى، ويتصل من ناحيتي الشرق والغرب بمنطقتي الضغط المنخفض فوق أوراسيا وأمريكا الشمالية. ومن هذا يتضح أن الضغط الجوي المنخفض يكون في هذا الفصل هو المسيطر على القسم الأكبر من نصف الكرة الشمالي. هـ- في النصف الجنوبي يمتد نطاق الضغط المرتفع وراء مدار الجدي، بدون انقطاع تقريبًا فوق الماء واليابس؛ وذلك بسبب ضيق اليابس، وضعف أثره في هذا النصف من الكرة، ويلاحظ أن هذا النطاق يتزحزح في هذا الفصل نحو الشمال، ويمتد بصفة عامة ما بين خطي عرض 15 ْ و 25 ْ جنوبًا؛ ولكنه يكون على كل حال أكثر ارتفاعًا على أستراليا وأمريكا الجنوبية وجنوب أفريقيا منه على المحيطات التي حولها. ثانيًا: فصل الشتاء "يناير" تتزحزح مناطق الضغط الجوي بصفة عامة نحو الجنوب ويكون توزيعها كما يأتي: أ- تؤدي شدة البرودة على اليابس في نصف الكرة الشمالي إلى تكون منطقتين من الضغط المرتفع فوق كتلتي أوراسيا وأمريكا الشمالية، الأولى منهما أوسع وأشد ارتفاعًا من الثانية بسبب عظم اتساع كتلة أوراسيا. وتتصل هاتان المنطقتان بالضغط المرتفع الآزوري فوق المحيط الأطلسي، ويتكون من الجميع نطاق عظيم من الضغط المرتفع وراء مدار السرطان.

ب- تتكون فوق المحيط الأطلسي والمحيط الهادي الشماليين منطقتان عظيمتان من الضغط المنخفض يمثلان نطاق الضغط المنخفض بالقرب من الدائرة القطبية الشمالية. ويشتهر الضغط المنخفض على المحيط الأطلسي الشمالي باسم "الضغط المنخفض الأيسلندي" نسبة إلى جزيرة أيسلنده التي يتمركز حولها. أما الضغط المنخفض على المحيط الهادي الشمالي فيشتهر باسم "الضغط المنخفض الألوشي" نسبة إلى جزر الوشيان التي تقع في قلبه تقريبًا. ومن هذا يتضح أنه، على العكس مما يحدث في فصل الصيف، يكون الضغط الجوي المرتفع هو المسيطر على معظم النصف الشمالي من الكرة الأرضية. ج- تتكون فوق أستراليا وأمريكا الجنوبية وجنوب أفريقيا مناطق صغيرة من الضغط المنخفض بسبب اشتداد الحرارة فوقها بالنسبة للمحيطات المجاورة؛ "حيث يكون الفصل صيفًا" وتلتقي هذه المناطق بنطاق الضغط المنخفض الاستوائي الذي يتزحزح جنوبًا في هذا الفصل وينتقل مركزه إلى جنوب خط الاستواء، اللهم إلا على قارة أفريقية التي يؤدي عظم اتساعها في الشمال وشدة حرارتها في معظم شهور السنة إلى بقاء مركز الضغط المنخفض الاستوائي باستمرار إلى الشمال من هذا الخط. د- يتزحزح نطاق الضغط المرتفع وراء مدار الجدي نحو الجنوب، ويمتد على وجه العموم ما بين خطي عرض 35 ْ و 40 ْ جنوبًا؛ ولكنه لا يكون متصلًا على الماء واليابس كما هي الحال في فصل الصيف الشمالي؛ بل يقتصر وجوده على المحيطات. ويوضح شكل "111" نظام الضغط الجوي والرياح في الصيف والشتاء على كتلة من اليابس تحيط بها البحار، وهو شكل تخطيطي للتوضيح فقط.

شكل "111" نظام الضغط الجوي والرياح في الشتاء والصيف على قارة توضيحية تحيط بها البحار

الرياح والكتل الهوائية

4-2-4- الرياح والكتل الهوائية. أولاً: الرياح. نظام هبوب الرياح حول مناطق الضغط المختلفة: المقصود بالرياح هو حركة الهواء في الطبقة السفلى من الجو، وهي تهب دائمًا من المناطق ذات الضغط المرتفع إلى المناطق ذات الضغط المنخفض؛ إلا أنها لا تهب من مركز الضغط المرتفع إلى مركز الضغط المنخفض مباشرة بل تدور حولهما بتأثير حركة الأرض الدورانية حول نفسها، ويكون هبوبها حول الضغط المنخفض في اتجاه مضاد لاتجاه حركة عقرب الساعة في نصف الكرة الشمالي ومتفقًا معه في نصفها الجنوبي. ويحدث العكس تمامًا عند هبوب الرياح حول مناطق الضغط المرتفع. وهناك قانون معروف يوضح هذه الظاهرة ويعرف باسم قانون فرل "Ferrel Law"، وملخصه أن الهواء المتحرك يميل دائمًا للانحراف إلى اليمين من هدفه في نصف الكرة الشمالي وإلى اليسار منه في نصفها

الجنوبي؛ فمثلًا إذا كانت الرياح في نصف الكرة الشمالي متجهة في الأصل نحو الشمال فإنها تنحرف نحو الغرب، ويوضح "الشكل 112" حركة الرياح حول مراكز الضغط المختلفة في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي. وإذا طبقنا هذا القانون على سطح الكرة الأرضية بصفة عامة استطعنا أن ندرك السر في أن الرياح العامة مثل الرياح التجارية والرياح العكسية تهب في اتجاهاتها المعروفة، ويظهر ذلك بوضوح في "شكل 113". ويرجع انحراف الرياح بالصورة المذكورة إلى عاملين هما: 1- دوران الأرض حول نفسها من الغرب إلى الشرق. 2- تناقص سرعة دوران أي نقطة على سطحها من خط الاستواء نحو القطب؛ بمعنى أن سرعة دوران أي نقطة فوق سطح الأرض عند خط الاستواء تكون أعظم من سرعة دوران أي نقطة أخرى بعيده عنه1، وتتناقص هذه السرعة تدريجيًّا كلما اقتربنا من القطبين؛ ولذلك فإن الرياح عند هبوبها نحو القطبين تنتقل من جهات سريعة الدوران إلى أخرى بطيئة؛ ولهذا فإنها تسبق هذه الجهات الأخيرة في دورانها وتنحرف نحو الشرق "لأن دوران الأرض حول نفسها يكون من الغرب إلى الشرق" أما الرياح التي تهب نحو خط الاستواء فتنتقل من جهات بطيئة إلى جهات سريعة؛ ولذلك فإنها تتخلف وتنحرف نحو الغرب. والقوة التي تؤثر على اتجاه الرياح وتؤدي إلى انحرافها بالصورة التي شرحناها هي التي يطلق عليها تعبير "التأثير الكوريولي" أو "القوة الكوريولية"2.

_ 1 تحسب سرعة دوران أي نقطة على سطح الأرض بقسمة طول دائرة العرض التي تقع عليها هذه النقطة على 24 وهي المدة التي تتم فيها الأرض دورة كاملة حول نفسها، وتبلغ هذه السرعة أقصاها عند خط الاستواء حيث تبلغ 1700 كيلو متر في الساعة ثم تتناقص ناحية القطبين فتنقص إلى نصفها عند خط عرض 60 ْ وإلى الصفر عند القطب نفسه. 2 هذا التعبير منسوب إلى عالم فرنسى اسمه كوريوليس G.G. Coriolis الذي اكتشف هذه الظاهرة في سنة 1844 واقترح عندئذ طريقة خاصة لقياسها.

شكل "112" نظام هبوب الرياح حول مناطق الضغط المرتفع والضغط المنحفض في نصفي الكرة شكل "113" انحراف الرياح العامة

قياس سرعة الرياح: تقاس سرعة الرياح "Wind Velocity" بواسطة جهاز خاص يعرف باسم "الأنيمومتر أو جهاز قياس الرياح" ومن أشهر أنواعه وأكثرها استخدامًا ذلك الجهاز المعروف باسم جهاز روبنسون ذي الطاسات Robinson Cup Anemometer "شكل 114" وهو يتركب من أربع طاسات معدنية مثبتة فوق عامود، وتدور حوله في مستوى أفقي بواسطة الهواء، ويكون دورانها سريعًا إذا كانت الرياح قوية وبطيئًا إذا كانت ضعيفة، ويسجل عدد مرات دورانها بواسطة عداد مثبت في أسفل العامود، وتستخرج سرعة الرياح في فترة ما بإيحاد الفرق بين قراءة العداد عند بداية هذه الفترة وقراءته عند نهايتها، ثم قسمة هذا الفرق على عدد الساعات إذا كنا نريد حساب السرعة في الساعة، أو على عدد الدقائق إذا كنا نريد أن نحسبها في الدقيقة. وتحسب السرعة عادة بالعقدة/ ساعة "1" ولكن من الممكن حسابها كذلك بالكيلو متر/ ساعة. شكل "114" مقياس الرياح "الأنيمومتر"

_ 1 العقدة Knot هي الوحدة المستخدمة لقياس سرعة السفن، وقد أصبحت تستخدم كذلك في غالب الأحيان، لقياس سرعة الرياح لأن معرفة هذه السرعة كان يهم الملاحين أكثر من غيرهم. والعقدة مرادفة تقربًا للميل البحري Nautical Mile وهي تساوي المسافة التي تشغلها الدقيقة الواحدة على خط الاستواء أو على أحد خطوط الطول- وهي تساوي 1.15 ميلًا قياسيًّا أو 1.84 كيلو مترًا

تحديد اتجاه الرياح: يبين هذه الاتجاه بواسطة الجهاز المعروف باسم دوارة الرياح Wind Vane شكل 115، وهو يتركب من ذراع من الحديد على شكل سهم يرتكز على عامود رأسي من الحديد أيضًا، ويدور مع السهم بسهولة، ويرتكز العامود والسهم معًا على عامود آخر غير متحرك ومثبت عليه ذراعان أفقيان يشيران إلى الجهات الأصلية؛ ونظرًا لأن مؤخرة السهم عريضة ومبططة فإن الرياح تدفعها باستمرار نحو الجهة التي تنطلق إليها بنيما تبقى رأس السهم مشيرة إلى الجهة التي تأتي منها. شكل "115" دوارة الرياح ويسجل اتجاه الرياح في محطات الأرصاد في ساعات معينة كل يوم وتستخرج له متوسطات يومية وشهرية تبين فيها النسب المئوية لمرات هبوب الرياح من الاتجاهات المختلفة بالنسبة لمجموع عدد مرات الرصد. ويمكن أن توضح هذه النسب على الخريطة المناخية بواسطة رسم خاص يطلق عليه اسم وردة الرياح Wind Rose كما في شكل 116 الذي يبين النسب المئوية لاتجاه الرياح في بعض بلاد الساحل الشمالي الغربي لمصر في فصلي الشتاء والصيف، وفيه يتبين أن حوالي 65% من مجموع الرياح في فصل الصيف تهب من الشمال

والشمال الغربي، أما في فصل الشتاء فإن الرياح تهب من جميع الاتجاهات بنسب متقاربة جدًّا، ويعتبر هذا دليلًا على أن الأحوال الجوية في هذا الفصل تكون كثيرة الاضطراب، وعلى أن الرياح تكون كثيرة التغير؛ وذلك بخلاف الحال في فصل الصيف الذي يتميز بعدم تغير الأحوال الجوية خلاله تغيرًا يذكر من يوم إلى آخر. شكل "116" وردات الرياح لبعض بلاد الساحل الشمالي الغربي لمصر في الشتاء والصيف. والأرقام التي في الدوائر تمثل النسب المئوية حالات السكون. توضيح سرعة الرياح واتجاهها على خرائط الطقس: ذكرنا أن اتجاه الرياح ومعدلات مرات هبوبها من الاتجاهات المختلفة يمكن أن توضح برسوم تخطيطية تعرف باسم "وردات الرياح". وهي تستخدم خرائط الطقس، التي ترسم يوميًّا أكثر من مرة لتوضيح حالة الطقس في ساعات معينة؛ فيوضح اتجاه الرياح في الساعة المعينة بواسطة خط قصير يمثل الاتجاه الذي تأتي منه الرياح، وينتهي على محيط الدائرة الممثلة للمحطة. وفي حالة السكون ترسم دائرة حول دائرة المحطة. وعند تبادل البيانات الخاصة باتجاه الرياح أو تسجيلها في

الجداول فإن الاتجاه يعين بالدرجات شرق الشمال الجغرافي، على اعتبار أن الدائرة مقسمة إلى 360 ْ، وأن الشمال يقع على درجة صفر أو 360 والشرق على درجة 90 والجنوب 180 والغرب 270؛ ولكن المتبع في إرسال الإشارات هو قسمة الدرجات على عشرة، وعلى ذلك تكون درجة اتجاه الشرق هي 9 ودرجة اتجاه الغرب هي 27 وهكذا "شكل 117" شكل "117" توضيح اتجاهات الرياح حول الدائرة بعشرات الدرجات. أما سرعة الرياح فتوضح على خريطة الطقس بواسطة ريشات Feathers ترسم على طرف خط الاتجاه؛ بحيث تكون على جانبه الأيسر بالنسبة للناظر إلى المحطة. ويميل عليه بزاوية 120 ْ درجة. وتمثل كل ريشة كاملة سرعة قدرها 8-12 عقدة في الساعة أو زيادة في السرعة بنفس القدر، أما إن كانت السرعة أو الزيادة قدرها 3 إلى 7 عقدات فتمثل بواسطة نصف ريشة- أما إن كانت بين 48 و 52 عقدة فتمثل بواسطة مثلث يوضع بنفس طريقة وضع الريشات وتكون قاعدته على الخط الممثل للاتجاه، انظر الجدول رقم "5".

جدول "5" الرموز المستخدمة لتوضيح سرعة الرياح على خرائط الطقس ....................................................................................... الرمز السرعة بالعقدات الرمز السرعة بالعقدات الرمز السرعة بالعقد اسكون 23 - 27 53 - 57 0 - 2 28 - 32 58 - 62 3 - 7 33 - 37 63 - 67 8 - 12 38 - 42 68 - 72 13 - 17 43 - 47 73 - 77 18 - 22 48 - 52 103 - 107 ....................................................................................... الأنواع الرئيسية للرياح: تنقسم الرياح عمومًا إلى أربعة أقسام رئيسية هي: أ- رياح دائمة: وهي التي تهب بنظام ثابت طول السنة تقريبًا، ولو أنها قد تختلف في سرعتها ومدى انتشارها من فصل إلى آخر، وأهم أنواعها هي الرياح التجارية والرياح العكسية "الغربية". ب- رياح موسمية أو فصلية: وهي التي تهب في فصل معين نتيجة لتغيرات فصلية في توزيع درجة الحرارة والضغط الجوي، وقد يتغير نظامها تغيرًا تامًا في فصل الصيف عنه في فصل الشتاء. ج- رياح محلية: وهي لا تهب بنظام ثابت كما أنها لا تدوم إلا لفترات قصيرة لا تعدو بضعة أيام؛ ولكنها قد تنشط في بعض الفصول عنها في فصول أخرى، ويقتصر أثرها غالبًا على مناطق محدودة من العالم، ومن أشهرها الرياح التي تحدث نتيجة لمرور المنخفضات الجوية. د- رياح يومية: وهي غالبًا رياح خفيفة يتغير اتجاهها أثناء الليل عنه أثناء النهار، ومن أشهرها نسيم البر ونسيم البحر، ثم نسيم الجبل ونسيم الوادي.

والنوعان الأولان "الرياح الدائمة والرياح الموسمية" هما اللذان نقصدهما عند الكلام على الرياح العامة، وهما اللذان سنتكلم عليهما في هذا الفصل، أما النوعان الآخران فسيأتي بحثهما في مواضع أخرى إن شاء الله. أ- الرياح الدائمة: 1- الرياح التجارية The Trades: تهب هذه الرياح نحو نطاق الضغط المنخفض الاستوائي من منطقتي الضغط المرتفع وراء المدارين، ويكون اتجاهها شماليًّا شرقيًّا1 في نصف الكرة الشمالي، وجنوبيًّا شرقيًّا في نصفها الجنوبي؛ إلا أن درجة انحرافها تقل كلما اقتربنا من خط الاستواء حتى يصبح اتجاهها عند هذا الخط نفسه من الشمال إلى الجنوب مباشرة "أو العكس". وتمتاز الرياح الجنوبية عمومًا باعتدال سرعتها وقلة تغير اتجاهها من فصل إلى آخر خصوصًا على المحيطات؛ ولذلك فإن لها أهمية كبيرة بالنسبة للملاحة الشراعية، ويلاحظ أن منطقة الركود الاستوائي نفسها تمتاز بنشاط التيارات الهوائية الصاعدة فيها مما يضعف من أثر الرياح التجارية بصورة واضحة، ويعتبر عبور هذه المنطقة من أشق مراحل السفر بالنسبة للسفن الشراعية التي كثيرًا ما تعجز عن التحرك فيها بسبب سكون الهواء. 2- الرياح العكسية "الغربيات" The Westerlies: تختلف هذه الرياح اختلافًا واضحًا عن الرياح التجارية من بعض الوجوه؛ فبينما تهرب الرياح التجارية من نطاق الضغط المرتفع وراء المداري نحو خط الاستواء نجد أن الرياح الغربية تهب من هذين النطاقين نحو الدائرتين القطبيتين، ومعنى ذلك أن المناطق التي تنتقل إليها الرياح التجارية تكون غالبًا أشد حرارة من المناطق التي تأتي منها؛ مما يجعلها تساعد على تخفيف شدة الحرارة، أما الرياح العكسية فإنها تعمل غالبًا على تدفئة المناطق التي تنتقل إلهيًّا تكون آتية من مناطق أدفأ منها نسبيًّا.

_ 1 تسمى الرياح دائمًا باسم الجهة التي تهب منها؛ فالرياح الشمالية الشرقية مثلًا هي التي تهب من الشمال الشرقي نحو الجنوب الغربي، والشمالية هي التي تهب من الشمال إلى الجنوب، وهكذا.

واتجاه الرياح العكسية يكون في نصف الكرة الشمالي جنوبيًّا غربيًّا بصفة عامة، أما في نصفها الجنوبي فإنه يكون شماليًّا غربيًّا، ورغم أن المناطق التي تهب عليها هذه الرياح عظيمة الاتساع جدًّا فإن هبوبها يكون أقل انتظامًا وثباتًا من الرياح التجارية، ويرجع ذلك إلى ما ينتاب العروض التي تظهر فيها الرياح العكسية من اضطرابات كثيرة في الضغط الجوي يترتب عليها اختلال نظام هبوبها كما يحدث عادة عند مرور المنخفضات الجوية التي سيأتي الكلام عليها في فصل آخر. ب- الرياح الموسمية The Monsoons: أهم ما تتميز به هذه الرياح هو أن اتجاهها يتغير تغيرًا تامًّا في معظم الأحيان ما بين الصيف والشتاء، وهي تظهر غالبًا فيما بين المدارين على المناطق الشرقية للقارات؛ إلا أن امتدادها قد يتعدى المدارين إلى وراءهما في بعض المناطق؛ فعلى الساحل الشرقي لآسيا مثلًا تظهر الرياح الموسمية حتى خط عرض 60 ْ شمالًا تقريبًا. والواقع أن القارة الآسيوية هي أعظم ميدان تظهر فيه هذه الرياح، وما ذلك إلا لعظم اتساعها، وتنقسم الرياح الموسمية إلى: 1- موسمية شتوية: تهب من قلب القارة نحو المحيطين الهادي والهندي؛ حيث يكون الضغط مرتفعًا على القارة بسبب البرودة؛ بينما يكون منخفضًا على معظم هذين المحيطين بسبب دفئهما النسبي. وهي رياح باردة جافة. ولا تسقط أي أمطار إلا على الجزر والسواحل التي تصلها هذه الرياح بعد مرورها على مسطحات مائية مثل اليابان والفلبين وسواحل الهند الصينية. 2- موسمية صيفية: تهب من المحيطين الهادي والهندي نحو قلب آسيا؛ حيث يكون الضغط عليه منخفضًا بسبب شدة الحرارة؛ بينما يكون مرتفعًا على المحيطين، وهي رياح دافئة عظيمة الرطوبة، ولهذا فإنها تسقط أمطار غزيرة على شرق آسيا وجنوبها.

شكل "119" الرياح الموسمية على الهند في الصيف "أ" وفي الشتاء "ب"

ج- الرياح المحلية: تنقسم هذه الرياح إلى قسمين رئيسين هما: 1- الرياح المحلية التي تصاحب المنخفضات الجوية: ومن أشهرها الخماسين في مصر والسموم في شبه الجزيرة العربية، والقبلى في ليبيا والسيروكو في البلقان والمسترال في جنوب فرنسا، والفهن في سويسرا1: 2- الرياح المحلية اليومية: التي تنتقل بين منطقتين مختلفتين في ظروفهما الطبيعية أثناء النهار وأثناء الليل، وتشمل: أ- نسيم البر ونسيم البحر. ب- نسيم الجبل ونسيم الوادي. نسيم البر ونسيم البحر: وهما حركتان يوميتان تحدثان في هواء المناطق الساحلية بنفس الطريقة التي تحدث بها الرياح الموسمية؛ ففي أثناء الليل يكون الضغط الجوي على اليابس أعلى منه على الماء المجاور له، بسبب سرعة فقدان الأول لحرارته بالإشعاع؛ مما يؤدي إلى برودة الهواء الذي فوقه وزيادة كثافته، وهبوطه نحو سطح الأرض؛ بينما يكون الضغط الجوي على الماء منخفضًا نسبيًّا؛ ولهذا فإن الهواء يتحرك من اليابس إلى البحر، وهذا هو ما يعرف باسم نسيم البر Land Breeze أما أثناء النهار فيحدث العكس حيث يسخن اليابس أسرع من الماء فيتمدد الهواء الذي فوقه ويرتفع إلى أعلى، وعندئذ يتحرك هواء البحر نحو البر ليحل محل الهواء الذي تمدد وارتفع، وهذا هو ما يعرف باسم نسيم البحر Sea Breeze. وينشط هذان النسيمان بصفة خاصة في الأيام الصافية التي يميل فيها الهواء للسكون. وتعتبر الأقاليم الاستوائية من أكثر أقاليم العالم تعرضًا لظهور نسيمي البر والبحر، اللذين يحدثان هناك بنظام ثابت تقريبًا، وفي ساعة معينة من كل يوم وقد استفاد الأهالي وخصوصًا صيادي الأسماك في بعض المناطق بهذا النظام في حياتهم

_ 1 لن نتحدث هنا عن هذه الرياح لأنها مرتبطة بموضوع المنخفضات الجوية التي لم ندرسها في هذا الكتاب. ولهذا فسيكون كلامنا مقصورًا على الرياح المحلية اليومية.

اليومية حيث أنهم يستعينون بنسيم البر في الخروج إلى البحر ليلًا، وبنسيم البحر في العودة إلى البر نهارًا، ويعتبر نسيم البحر بالذات من الظاهرات المناخية المحبوبة جدًّا عند سكان البلاد الساحلية في النطاق المداري؛ لأن هبوبه يؤدي إلى تلطيف الجو وتخفيف حدة الحرارة؛ ولهذا السبب نجد أن المساكن تبنى عادة بحيث تستقبل أكبر مقدار ممكن من نسيم البحر، وقد لوحظ على بعض السواحل أن درجة الحرارة تهبط بنحو 11 ْ مئوية؛ بينما ترتفع الرطوبة نسبيًّا بنحو 42% بعد هبوب نسيم البحر بفترة قصيرة. ويظهر نسيما البر والبحر بكثرة في بعض الأقاليم المحصورة بين المدارين، وكذلك في الأقاليم المعتدلة الدافئة. كما هي الحال على السواحل التي تحيط بحوض البحر المتوسط، ولو أنه لا يشترط أن يكون ظهورهما مقصورًا على سواحل البحار والمحيطات؛ لأنهما يظهران كذلك على سواحل البحيرات التي توجد في داخل اليابس. ويقل ظهور هذين النسيمين قلة واضحة في الأقاليم الباردة؛ لأن اختلاف درجة حرارة اليابس والماء في تلك الأقاليم لا يكون كبيرًا بدرجة تؤدي إلى اشتداد حركة الهواء بينهما؛ سواء في الليل أو في النهار. نسيم الجبل ونسيم الوادي: وهما حركتان يوميتان في الهواء تشتهر بهما الأقاليم الجبلية وتظهران بصفة خاصة في الأيام التي تضعف فيها حركة الرياح العامة؛ ففي مثل هذه الأيام يهبط الهواء الذي يبرد على منحدرات الجبال أثناء الليل نحو قيعان الوديان على شكل نسيم يطلق عليه اسم نسيم الجبل Mountain Breeze، أما أثناء النهار فيحدث العكس؛ حيث يتمدد الهواء الذي يسخن في قيعان الوديان، ويرتفع إلى أعلى. وهذا هو ما يعرف باسم نسيم الوادي Valley Breeze. ويجب عدم الخلط بين هذه الحركات اليومية، وبين الرياح الحارة التي تظهر أحيانًا على جوانب الجبال بسبب المنخفضات الجوية ومن أمثلتها "رياح الفهن" في جبال الألب.

وينشأ نسيم الجبل نتيجة لسرعة فقدان قمم الجبال ومنحدراتها المرتفعة لحرارتها بالإشعاع أثناء الليل؛ مما يؤدي إلى برودة الهواء الملاصق لها وازدياد كثافته ولهذا فإنه يهبط نحو السفوح المنخفضة ويتراكم في قاع الوديان والمنخفضات، ويحل محله هواء أدفأ منه نسبيًّا يأتي من طبقة الهواء المجاورة لقمم الجبال ومنحدراتها العليا، التي تكون لهذا السبب أدفأ نسبيًّا من قاع الوديان والمنخفضات. ونسيم الجبل: له أهمية كبيرة في الأقاليم المعتدلة والباردة؛ لأنه يجعل الحقول التي على الجوانب المرتفعة للجبال أقل تعرضًا لخطر الصقيع من الحقول التي في قاع الوديان. ولهذا فكثيرًا ما يعمد الزراع إلى بناء حوائط أو سدود أو غرس صفوف متقاربة من الأشجار على جوانب الوديان لوقف انحدار الهواء البارد إلى الحقول المنخفضة. أما نسيم الوادي: وهو غالبًا أقل قوة وأضعف أثرًا من نسيم الجبل؛ فيحدث نتيجة لارتفاع الحرارة بسرعة في قاع الوديان أثناء النهار؛ مما يؤدي إلى تمدد هوائها أو ارتفاعه إلى أعلى. ويتوقف ظهور نسيمي الجبل والوادي وقوتهما على عوامل مختلفة أهمها: 1- حالة الرياح التي تهب على الأقاليم بصفة عامة: فإذا كانت هذه الرياح قوية فإنها تطغى غالبًا على هذين النسيمين. 2- صفاء الجو: لأن هذا الصفاء يساعد على سرعة انخفاض درجة الحرارة اليابس أثناء الليل وسرعة تسخينه أثناء النهار؛ ولهذا فإن أصلح الأيام لنشاطهما هي الأيام الصافية.

ثانيا الكتل الهوائية

ثانياً: الكتل الهوائية AIR MASSES. تعريفها ونشأتها: الكتلة1 الهوائية هي كتلة ضخمة من الهواء تغطي سطح منطقة واسعة من الماء أو اليابس، وتتميز بصفات خاصة تكتسبها نتيجة لبقائها فوق سطح هذه المنطقة مدة تكفي لأن تجعل هواءها جميعه يكتسب الصفات المناخية لهذا السطح، ومن أهم الشروط التي يجب توافرها في الكتلة الهوائية أن تكون جميع أجزائها تقريبًا متجانسة، خصوصًا في قطاعاتها الأفقية، بمعنى أننا إذا فرض وأخذنا في الكتلة الهوائية قطاعًا أفقيًّا على أي ارتفاع من سطح الأرض؛ فإننا نجد أن درجة الحرارة ورطوبة الهواء ونوع السحب ومدى الرؤية وغير ذلك من المظاهر الجوية واحدة تقريبًا في أجزاء هذا القطاع، وقد يزيد اتساع المنطقة التي تغطيها الكتلة الهوائية أحيانًا على 200 ألف كيلو متر مربع، أما سمك هوائها "من سطح الأرض إلى أعلى" فقط يزيد على ثلاثة كيلو مترات. ولكي تصبح الكتلة الهوائية متجانسة في صفاتها بهذا الشكل يجب أن يكون السطح الذي تتكون فوقه متجانسًا، كذلك في مظهره وصفاته العامة، كما يجب أن يبقى الهواء فترة من الوقت، كافية لأن تجعله يكتسب نفس المميزات المناخية لهذا السطح، كما يحدث مثلًا في المناطق القطبية؛ حيث يبقى الهواء ساكنًا أحيانًا عدة أيام أو أسابيع فوق منطقة واسعة يغطيها الجليد، وبقاء الهواء ساكنًا بهذا الشكل يؤدي بالضرورة إلى أن تصبح درجة حرارته متفقة تمامًا مع درجة حرارة سطح الجليد؛ خصوصًا في طبقات الهواء السفلى الملاصقة للجليد مباشرة. وأصلح المناطق لنشأة الكتل الهوائية هي السهول المتسعة عندما تكون مركزًا لضغط مرتفع؛ لأن هواءها يكون في هذه الحالة ساكنًا تقريبًا، ومن أمثلة ذلك سهول كندا وسيبيريا عندما يغطيها الجليد في فصل الشتاء، وكذلك المناطق

_ 1 تطلق كلمة كتلة بمعناها العلمي على أي حجم ضخم أو كمية كبيرة من مادة ما، تشترك معظم أجزائها في صفات معينة؛ فهناك مثلًا كتل مائية وكتل يابسة وكتل هوائية وكتل بشرية.... إلخ.

القطبة التي يغطيها الجليد طوال العام، وتنشأ الكتل الهوائية كذلك فوق المحيطات المدارية، وشمال القارة الإفريقية، وكذلك في نطاق الضغط المرتفع وراء المدارين. على أن الكتل الهوائية لا تبقى في مناطق نشأتها إلا لمدد محدودة، ثم يؤدي أي تغير في توزيع الضغط الجوي إلى تحركها أو انتقال بعض هوائها إلى مناطق أخرى حاملة إليها نفس صفاتها المناخية. أنواعها: تنقسم الكتل الهوائية عمومًا على أساس مناطق نشأتها ونوع هوائها إلى أربعة أنواع رئيسية يرمز إلى كل منها برموز هجائية خاصة كما يلي: أ- كتل مدارية قارية حارة جافة cT Tropical Continental ب- كتل مدارية بحرية حارة رطبة mT Tropical Maritime ج- كتل قطبية قارية باردة جافة cP Polar Continental د- كتل قطبية بحرية باردة رطبة mP Polar Maritime

رطوبة الهواء

رطوبة الهواء مدخل ... 4-3-رطوبة الهواء HUMITY OF THE AIR: المقصود برطوبة الهواء "أو الجو" هو بخار الماء العالق به، ويمكن التعبير عنها بعدة طرق لكل منها تعبير أو مصطلح خاص به، وأهمها:

الرطوبة المطلقة

1- الرطوبة المطلقة Absolute humidiyts: وهي وزن بخار الماء الموجود في متر مكعب من الهواء بالجرامات، ويمكن حسابها بتمرير كمية معينة من هذا الهواء في مادة يمكنها امتصاص كل ما به من بخار. ويدل الفرق بين وزن هذه المادة قبل تمرير الهواء وبعده على وزن بخار الماء الذي كان عالقًا به.

الرطوبة النسبية

2- الرطوبة النسبية Relative humidity: وهى التي تهمنا بصفة خاصة في دراسة المناخ، والمقصود بها هو النسبة المئوية لوزن بخار الماء الموجود في

الهواء إلى وزن ما يستطيع نفس هذا الهواء أن يحمله لكي يصل إلى حالة التشبع وهو في نفس درجة الحرارة. ويلاحظ أن مقدرة الهواء على حمل بخار الماء تتناسب تناسبًا طرديًّا مع درجة حرارته بمعنى أنه كلما ارتفعت درجة حرارته زادت مقدرته على حمل مقادير جديدة من بخار الماء. ولكي نوضح الفرق بين الرطوبة النسبية والرطوبة المطلقة نذكر المثال التالي: إذا فرضنا أن بخار الماء الموجود في متر مكعب من الهواء هو 60 جرامًا، وأن نفس هذا الهواء يستطيع وهو نفس الدرجة الحرارية أن يحمل 120 ْ جرامًا؛ فإن رطوبته النسبية تكون: 60× 100/ 100 = 50 %. ولكن إذا فرضنا أن درجة الحرارة لم تبق ثابتة؛ بل ارتفعت فإن هذا الارتفاع سيؤدي إلى زيادة مقدار البخار الذي يستطيع هذا الهواء حمله من 120 جرام إلى 140 مثلًا، وتصبح الرطوبة النسبية: 60× 100/ 140 = 42.86%. أما إذا فرضنا أن درجة الحرارة لم ترتفع بل انخفضت؛ فإن مقدار بخار الماء الذي يستطيع الهواء حمله سينخفض من 120 ْ إلى 90 ْ مثلًا، وعندئذ تكون الرطوبة النسبية 60× 100/ 90 = 66.7 %. فلو أن درجة الحرارة استمرت في انخفاضها حتى أصبح مقدار بخار الماء الذي يحمله الهواء فعلًا هو نفس المقدار الذي لا يمكن لهذا الهواء أن يحمل أكثر منه؛ فإن الرطوبة النسبية ستصبح في هذه الحالة 60 × 100/ 60 = 100% وعندئذ يكون الهواء قد وصل إلى درجة التشبع.

درجة الندى

درجة الندى مدخل ... 3- درجة الندى Dew Point: وهي الدرجة الحرارية التي يصبح عندها الهواء عاجزًا عن حمل كل ما به من بخار الماء؛ فيبدأ بعضه في التكثف بأية صورة من

صور التكيف المعروفة ومنها السحب والأمطار والضباب والندى والثلج وهذه الدرجة لا تختلف كثيرًا عن الدرجة التي يصبح عندها الهواء مشبعًا تمامًا بالبخار. ومن الواضح أن الانخفاض الحراري الذي يلزم لتوصيل الهواء إلى درجة الندى يتوقف إلى حد كبير على رطوبته النسبية؛ فكلما كانت هذه الرطوبة مرتفعة كان الانخفاض الحراري اللازم لتوصيله إلى درجة الندى بسيطًا. ومن الممكن أن تحسب درجة الندى للهواء بتجربة بسيطة؛ وذلك بأن نضع كمية من الماء في كوب من النحاس الأملس الرقيق؛ ففي هذه الحالة ستكون درجة حرارة الكوب هي نفس درجة حرارة الماء، فلو أضفنا إلى الماء تدريجيًّا بعض قطع الثلج مع تقليبها باستمرار حتى تنصهر مباشرة نلاحظ أن جزئيات دقيقة من بخار الماء المتكثف من الجو قد بدأت تتراكم على الجدار الزجاجي للكوب وتكسوه بطبقة تشبه الضباب؛ فلو قيست درجة حرارة الماء في الكوب عند بدء تكون هذه الطبقة؛ فإنها تكون هي نفس درجة الندى. تقاس الرطوبة النسبية بواسطة عدة أجهزة أهمها: 1- السيكرومتر Psychrometeer 2- الهيجرومتر ذو الشعر Hair hygrometer 3- الهيجروجراف Hygrograph

السيكرومتر

السيكرومتر: "شكل 120" يتركب هذا الجهاز من ترمومترين عاديين مركبين على قاعدة خاصة؛ ولكن أحدهما معرض للجو مباشرة ويطلق عليه اسم الترمومتر الجاف، أما الآخر فتلف فقاعته بواسطة قطعة قماش رقيقة مبللة باستمرار؛ ولذلك فإنه يسمى "الترمومتر المبلل"؛ فالذي يحدث في هذه الحالة هو أن الماء يتبخر من قطعة القماش فينتج عن ذلك انخفاض في درجة الحرارة التي يبينها هذا الترمومتر؛ لأن التبخر، كما هو معروف، يستنفد بعض الحرارة، ولما كان من الثابت أن التبخر يكون أنشط في الجو الجاف منه في الجو الرطب، وأن سرعة التبخر تتناقص كلما زادت الرطوبة نسبيًّا فإن الفرق بين درجتي الحرارة

اللتين يبينهما الترمومتران يمكن أن يتخذ أساسًا لتقدير الرطوبة النسبية، قد أعدت لهذا الغرض جداول خاصة مثل الجدول رقم "9" ومنها تقرأ الرطوبة النسبية بمقابلة قراءتي الترمومترين؛ ولكن هذا الجهاز له بعض العيوب ومنها أنه لا يصلح لقياس الرطوبة النسبية إذا كانت درجة الحرارة أقل من درجة التجمد؛ لأن الثلج في هذه الحالة يتراكم فوق فقاعتي الترمومترين. شكل "120" سيكرومتر ولقد ابتكر من السيكرومتر نوع كهربائي يمكن أن تنتقل قراءته إليكترونيًا إلى أي مكان داخل مبنى محطة الرصد، دون الحاجة إلى الخروج إلى الخلاء لقراءته، ولهذا السبب فقط أعطي اسم "تيلي سيكرومتر Telepsychromter" أي السيكرومتر المقرب.

الهيجرومتر

الهيجرومتر: وهو جهاز تقوم فكرته على أساس مقدار ما يطرأ على حزمة من شعر الإنسان من تمدد أو تلقص تبعًا لتغير نسبة الرطوبة في الهواء؛ فالمعروف أن شعر الإنسان يتقلص في الهواء الجاف ويتمدد كلما زادت الرطوبة،

ولذلك فإن الجزء المهم في هذا الجهاز هو حزمة مكونة من عدة خصلات من الشعر، ومثبت في هذه الحزمة سن ريشة يتحرك أمام مسطرة مقسمة إلى مائة قسم من صفر إلى 100؛ فعندما تتغير نسبة الرطوبة يتحرك سن الريشة تبعًا لتمدد حزمة الشعر أو تقلصها، ويدل الرقم الذي يثبت أمامه على الرطوبة النسبية.

الهيجروجراف

الهيجروجراف: يعتمد هذا الجهاز على نفس الفكرة التي يعتمد عليها الهيجرومتر ذو الشعر. وأهم فرق بينهما هو أن الهيجروجراف يسجل التغيرات التي تطرأ على الرطوبة النسبية تسجيلًا آليًّا مستمرًا على خريطة مقسمة تقسيمًا خاصًّا. وتثبت هذه الخريطة على أسطوانة تدور بواسطة ساعة أمام سن ريشة، كما هي الحال في الترموجراف والباروجراف. مصادر الرطوبة: من الواضح أن كمية الرطوبة في الهواء تتوقف قبل كل شيء على وجود مصادر مائية يمكن أن ينطلق منها بخار الماء، وأهم هذه المصادر هي المحيطات والبحار وغيرها من المسطحات المائية، والتربة المبللة والغطاءات النباتية. فكلما زادت مساحة هذه المصادر زادت كمية البخار في الهواء، وزادت تبعًا لذلك مظاهر التكثف، ومن الطبيعي أن تزداد الرطوبة النسبية كلما اقترب المكان من ساحل البحر، وأن تكون مرتفعة بصفة خاصة فى الجزر الصغيرة. أهميتها: بالإضافة إلى أهمية الرطوبة كعنصر مناخي؛ فإن لها كذلك آثار فسيولوجية على كل الكائنات الحية التي تعيش على الأرض. فكل كائن حي بري يحتاج إلى وجود نسبة ولو ضئيلة من بخار الماء في الجو الذي يعيش فيه. وتتباين هذه النسبة تباينًا كبيرًا من كائن إلى آخر. ومع ذلك فإن معظم الكائنات يمكنها أن تقاوم نقص الرطوبة في الجو بواسطة بعض الوظائف الفسيولوجية، ومن أهمها إفراز العرق الذي يعمل على ترطيب الجلد في الجو الجاف، وخصوصًا إذا كان هذا الجو حارًّا، حيث أن نقص رطوبة الهواء في مثل هذا الجو عن الحد المطلوب يؤدي إلى جفاف الجلد وشعور الإنسان بالضيق. أما في الجو البارد فإن قدرة الجلد على إفراز العرق تكون محدودة جدًّا بسبب تقلص مسامه، وفي مثل هذا الجو يتعرض جلد الوجه والأيدي والأجزاء الأخرى المكشوفة إلى التقشف أو التشقق

ومن الثابت أن قدرة الإنسان على تحمل الارتفاع في درجة الحرارة يرتبط ارتباطًا وثيقًا برطوبة الهواء. ويطلق على درجة الحرارة التي يحس بها الإنسان فعلًا تعبير درجة الحرارة المحسومة Sensible temperature ففي الجو الحار يلجأ الجسم إلى مقاومة الحرارة الشديدة عن طريق إفراز العرق الذي يؤدي تبخره على الجلد إلى خفض درجة الحرارة التي يحس بها الجسم فعلًا عن درجة حرارة الجو. وكلما زاد إفراز العرق زاد الفرق بين الحرارة المحسوسة وحرارة الجو. ولما كانت قدرة الجسم على إفراز العرق تتناقص كلما ارتفعت الرطوبة النسبية فمن الطبيعى أن يؤدي هذا الارتفاع أيضًا إلى ارتفاع الحرارة المحسوسة وإلى زيادة الشعور بالضيق.

التكثيف

التكثيف مدخل ... 4-4-التكثف Condensation: عوامل حدوثه ومظاهره: المقصود بالتكثف هو تحول بخار الماء من الحالة الغازية إلى الحالة السائلة أو بشكل جزيئات مائية دقيقة تظل عالقة بالهواء بسبب خفتها. ويحدث التكثف نتيجة لانخفاض درجة حرارة الهواء إلى أقل من درجة الندى بسبب أي عامل من العوامل الآتية: 1- فقدان الهواء لحرارته بالإشعاع أثناء الليل، وكلما كثرت المواد الصلبة العالقة بالهواء مثل ذرات الأتربة والدخان زادت سرعة فقدانه للحرارة؛ لأن هذه الذرات تفقد حرارتها بسرعة، شأنها في ذلك شأن الأجسام الصلبة بصفة عامة. 2- الإشعاع الأرضي الذي يؤدي إلى فقدان سطح الأرض، وما عليه من أجسام لحرارته أثناء الليل، مما يؤدي إلى برودة الهواء الملاصق له؛ فإذا حدث وانخفضت درجة حرارة هذا

الهواء إلى ما دون درجة الندى؛ فإن بخار الماء العالق به يبدأ في التكثف إلى ندى أو صقيع أو ضباب. 3- مرور الهواء الساخن المحمل ببخار الماء فوق سطح بارد مثل سطح الجليد، أو سطح مائي بارد؛ لأن هذا يؤدي إلى تكثف بعض بخار الماء الموجود به، وتحوله إلى ضباب تختلف كثافته باختلاف رطوبة الهواء ومدى الانخفاض الذي يطرأ على درجة حرارته. 4- ارتفاع الهواء إلى أعلى التربوسفير، وهذا العامل مهم جدًّا لأنه هو الذي يؤدي إلى تكوين السحب وسقوط الأمطار. ويحدث ارتفاع الهواء نتيجة لعامل أو أكثر من العوامل الآتية: أ- التصعيد الذي يحدث نتيجة لتسخين سطح الأرض والهواء الملاصق له بواسطة أشعة الشمس؛ مما يؤدي إلى قلة كثافة الهواء وارتفاعه إلى أعلى بشكل تيارات صاعدة. ب- وجود حواجز جبلية تعترض طريق الرياح وتضطرها للارتفاع لكي تتمكن من اجتيازها. ج- التقاء كتلة هوائية باردة بكتلة أخرى دافئة؛ فيرتفع هواء الكتلة الدافئة فوق هواء الكتلة الباردة. ويتخذ بخار الماء الموجود في الجو عند تكثفه مظاهر مختلفة تتوقف على عدة عوامل. من أهمها نسبة الرطوبة التي بالهواء وكميتها، ثم مقدار الانخفاض الذي يطرأ على درجة حرارته، والمستوى الذي يحدث فيه التكثف. وعلى أساس هذا العامل الأخير يمكننا أن نقسم مظاهر التكثف المعروفة إلى مجموعتين: الأولى: تشمل المظاهر التي تحدث نتيجة لتكثف بخار الماء في أعلى التروبوسفير، ومن أشهرها السحب والأمطار والثلج والبرد، أما الثانية: فتشمل المظاهر التي تحدث نتيجة لتكثف بخار الماء فوق سطح الأرض "أو البحر" مباشرة، ومن أشهرها الضباب والندى والصقيع.

أولا مظاهر التكثف عند سطح الأرض

أولاً مظاهر التكثف عند سطح الأرض الضباب ... 4-4-1-أولاً: مظاهر التكثف عند سطح الأرض أو البحر "الضباب-الندى-الصقيع". أ- الضباب: المقصود بالضباب هو بخار الماء المتكثف في الهواء المجاور لسطح الأرض بشكل جزيئات مائية صغيرة متطايرة بكميات يترتب عليها تقليل مدى الرؤية Visibility إلى أقل من كيلو متر واحد. وكثيرًا ما تكون الجزيئات المائية المكونة للضباب مختلطة بجزيئات دقيقة من الغبار أو الدخان العالق بالهواء، فيتكون في هذه الحالة نوع غير نظيف من الضباب. ومن أشهر الأمثلة عليه الضباب الذي يتكون في المناطق الصناعية التي يكثر فيها تصاعد الدخان من المصانع، والذي يشتهر في بريطانيا باسم Smog وهي كلمة مركبة من مقطعين مأخوذين من كلمتي Smoke "دخان" و Fog "ضباب". ويعتبر هذا الضباب الدخاني من أهم ملوثات الهواء في مناطق تكاثره. ويختلف الضباب في كثافته على حسب كمية بخار الماء المتكثف؛ فمنه ما يكون كثيفًا جدًّا بدرجة تمنع الرؤية إلى أبعد من بضعة أمتار، وهذا هو أخطر أنواع الضباب لأن جميع وسائل النقل والمواصلات تقريبًا تتعرض أثناءه لكثير من الحوادث؛ فالطائرات مثلًا على الرغم من أنها تطير عادة على ارتفاع كبير فوق مستوى الضباب؛ فإنها تتعرض عند هبوطها لحوادث تصادم خطيرة نتيجة لعدم رؤية الطيارين لسطح الأرض، ومن الضباب ما يكون خفيفًا جدًّا بحيث يمنع الرؤية إلى مسافات بعيدة فقط، أي إلى أبعد من كيلو متر واحد، وهذا النوع الخفيف هو الذي يشتهر باسم الشابورة Mist وهو النوع الذي يشاهد في مصر أحيانًا، في موسم الفيضان وفي الخريف؛ حيث يظهر في الصباح المبكر، ولكنه لا يلبث أن يختفي بتأثير أشعة الشمس التي تحوله إلى بخار مرة أخرى.

ضباب البر Land Fog: ينشأ هذا الضباب فوق اليابس نتيجة لعدة عوامل، من أهمها انتقال هواء دافئ إلى منطقة سطحها أبرد منه نسبيًّا، كما يحدث في فصل الشتاء عندما ينتقل هواء بحري دافئ إلى اليابس الذي يكون باردًا نسبيًّا، أو ما يحدث عند تحرك هواء بحري دافئ إلى اليابس الذي يكون باردًا نسبيًّا، أو ما يحدث عند تحرك هواء دافئ نسبيًّا فوق سطح مغطى بالجليد، وقد يتكون الضباب كذلك فوق سطح الأرض في الليالي الصافية التي تعقب أيامًا حارة صحوة نتيجة لسرعة فقدان سطح الأرض لحرارته بالإشعاع أثناء الليل. ويساعد وجود ذرات الأتربة والدخان في الجو على تكون الضباب لأن هذه الذرات تكون بمثابة نوايات يتكثف فوقها بخار الماء. وهذا ما يحدث عادة في المدن الصناعية التي يكثر في جوها الدخان. ومن الشروط الواجب توافرها لتكون الضباب أن يكون الجو ساكنًا تقريبًا؛ لأن الرياح السريعة تعمل على تشتيت بخار الماء المتكثف. ولهذا فإنه لا يتكون غالبًا إذا كانت سرعة الرياح أكثر من ثلاث عقدات في الساعة. كما أنه لا يتكون إذا كانت هناك تيارات هوائية صاعدة، وحتى إذا فرض وكان الضباب موجودًا بالفعل فإن سرعان ما يتلاشى إذا ظهرت هذه التيارات في الهواء أو إذا ازدادت سرعة هبوب الرياح. ومما يشترط لتكوين الضباب أيضًا أن يكون الهواء محملًا بنسبة عالية من الرطوبة. ويتكون الضباب أحيانًا في قاع الوديان في آخر الليل وفي الصباح المبكر؛ لأن قاع الوديان يكون عندئذ أبرد نسبيًّا من المنحدرات التي حوله. والسبب في ذلك هو أن الهواء الذي يبرد على هذه المنحدرات يميل دائمًا للهبوط نحو المنخفضات بسبب ازدياد كثافته، ويكون ضباب الوديان غالبًا أشد كثافة من ضباب الأرض المسطحة. ضباب البحر Sea Fog: يظهر هذا الضباب عندما يمر هواء دافئ فوق سطح مائي بارد نسبيًّا، ويحدث ذلك مثلًا عندما يلتقي تياران مائيان أحدهما بارد والآخر دافئ، كما هي الحال في شمال غرب المحيط الأطلسي؛ حيث يلتقي تيار

الخليج الدافئ بتيار لبرادور البارد حول جزيرة نيوفوندلاند؛ فهنا تتكون طبقة كثيفة من الضباب نتيجة لانتقال الهواء الدافئ الرطب من فوق سطح تيار الخليج الدافئ إلى سطح تيار لبرادور البارد. ويكثر هذا النوع من الضباب في المناطق البحرية المتاخمة لسواحل جنوب غرب إفريقية وشيلي وبيرو ومراكش وكاليفورنيا. والسبب في ذلك هو برودة مياه هذه المناطق خصوصًا في الأجزاء المجاورة للساحل مباشرة فإذا ما تحرك الهواء من ناحية البحر إلى اليابس أثناء النهار "نسيم البحر"؛ فإنه يمر قبل وصوله إلى الشاطئ على سطح المياه الباردة؛ فيتكثف ما به من بخار الماء ويظهر على شكل ضباب كثيف. وقد يتوغل هذا الضباب عدة كيلو مترات فوق اليابس؛ ولكنه سرعان ما يتلاشى؛ خصوصًا في الأيام الحارة، وقد يصل عدد الأيام والتي يظهر فيها الضباب على بعض هذه الشواطئ إلى 15 يومًا في العام، أما السبب في برودة مياه البحر بالقرب من هذه السواحل فيرجع إلى عاملين هما: 1- وجود التيارات المائية الباردة التي تمر بها ومن أشهرها تيار بنجويلا في جنوب غرب إفريقية، وتيار بيرو في غرب أمريكا الجنوبية، وتيار كاليفورنيا في غرب أمريكا الشمالية. 2- أن الرياح السائدة في هذه المناطق تهب من اليابس نحو البحر؛ ولذلك فإنها تدفع أمامها الطبقة السطحية من الماء بعيدًا عن الشاطئ، فتكشف بذلك المياه التي تحتها، وهي عادة أشد برودة منها. ويلاحظ أن ضباب البحر لا يمكن أن ينشأ نتيجة لفقدان الحرارة بالإشعاع كما هي الحال في ضباب البر، وذلك لأن مدى التغير اليومي للحرارة فوق البحر أقل بكثير منه فوق اليابس. ويختلف سمك طبقة الضباب اختلافًا كبيرًا من مكان إلى آخر؛ ولكن الضباب البحري يكون عادة أقل سمكًا من الضباب البري، وكثيرًا ما يحدث أن تكون طبقة الضباب البحري قليلة الارتفاع لدرجة أن أطراف الساريات المرتفعة لبعض السفن تظهر بارزة فوقها.

الضباب ومدى الرؤية: المقصود بمدى الرؤية Visibility هو أطول مسافة يمكن أن يمتد إليها نظر الشخص العادي في اتجاه أفقي ليرى المعالم الكبيرة على سطح الأرض مثل الجبال والمباني العالية والمآذن. ويبلغ مدى الرؤية أقصاه في الجو الصافي حيث يصل في المتوسط إلى ستة كيلو مترات. وتعتبر الرؤية رديئة إذا نقص مداها عن كيلو مترين. وقد ينخفض مداها أثناء الضباب الكثيف إلى الصفر. ونظرًا لأهمية الرؤية بالنسبة لجميع المواصلات؛ فإن محطات الأرصاد تذيع بانتظام اليبانات الخاصة بها ضمن نشراتها اليومية.

الندى

ب- الندى Dew: المقصود بالندى هو قطرات الماء التي تتكون أثناء الليل، وخصوصًا في ساعاته الأخيرة، على أجسام السيارات وزجاج النوافذ وأوراق الأشجار، وكثير من الأجسام الأخرى المعروضة للجو. والسبب في تكونها هو أن هذه الأجسام الصلبة تبرد أثناء الليل، أسرع من الهواء المجاور لها؛ فإذا ما هبطت درجة حرارتها إلى درجة الندى الخاصة بالهواء الملاصق لها أو دونها فإن جزءًا من بخار الماء يتكثف على سطحها بشكل نقط مائية صغيرة يزداد تراكمها كما زاد انخفاض درجة الحرارة. ويساعد على تكون الندى عدة عوامل أهمها: 1- صفاء الجو: لأن هذا الصفاء يساعد على سرعة فقدان الأرض وما عليها من أجسام صلبة لحرارتها بالإشعاع، ولهذا فإن الندى يكثر دائمًا في أواخر الليالي الصافية. ويبقى على الأجسام حتى يتبخر بعد الشروق. 2- سكون الهواء: أو بطء حركته لأن هذا السكون يعطي فرصة لتكثف البخار وتراكم جزيئاته المتكثفة فوق الأجسام. 3- انخفاض درجة حرارة الأجسام: المعروضة للجو إلى أقل من درجة الندى.

الصقيع

ج- الصقيع Frost: المقصود بالصقيع بمعناه الضيق هو تحول بخار الماء العالق بالهواء أثناء الليل إلى بلورات صغيرة من الثلج فوق النباتات والأجسام الصلبة المعرضة للهواء بسبب هبوط درجة الحرارة بشكل فجائي، أو خلال وقت قصير إلى درجة التجمد أو دونهما، وكثيرًا ما يؤدي الهبوط الحراري المفاجئ إلى تحول البخار إلى ثلج مباشرة، وفي هذه الحالة يكون خطر الصقيع على النباتات أشد من خطره المعتاد. ولكن من الملاحظ أن كلمة صقيع أصبحت تستخدم في الوقت الحاضر بمعنى أوسع من معناها الأصلي السابق؛ إذ أنها أصبحت تطلق على أي هبوط حراري سريع إلى درجة التجمد أو دونها، حتى ولو لم يؤد هذا الهبوط إلى تكون الثلج.

ثانيا التكثف في أعلى التروبوسفير

ثانياً التكثف في أعلى التروبوسفير السحب ... 4-4-2- التكثف في أعلى التروبوسفير. 1- السحب CLOUDS. هي تجمعات من بخار الماء المتكثف في الجو بشكل قطيرات مائية دقيقة، وقد تختلط بها جزيئات دقيقة كذلك من الثلج إذا كانت درجة الحرارة في مستوى السحب دون درجة التجمد. وقد يكون السحابة كلها مكونة من هذه الجزيئات الثلجية. ولا تختلف السحب المكونة من قطيرات مائية في مظهرها وتركيبها العام كثيرًا عن الضباب، والفارق الرئيسي بينهما هو أن السحب تتكون في طبقات من الجو متباينة الارتفاع من سطح الأرض؛ بينما يتكون الضباب فوق سطح الأرض أو البحر مباشرة. والذي يتيسر له الصعود في طائرة تخترق طبقة السحاب يلاحظ أن السير فيها لا يختلف في أي شيء عن السير في الضباب على الأرض

ترتفع الطائرات فوق مستوى السحب فتطير في جو صاف تمامًا، وعندئذ يمكن رؤية السحب تسبح في الهواء من تحتها. ومن أهم ما يتميز به السحاب عن الضباب أيضًا؛ أن الأول يتكون في كثير من الأحيان نتيجة لنشاط التيارات الهوائية الصاعدة في الجو، وقد سبق أن أشرنا عند الكلام على الضباب إلى أن التيارات الصاعدة تعتبر من العوامل التي تحول دون تراكمه، وإذا حدث أن نشطت هذه التيارات بعد تكونه؛ فإنها إما أن تبدده تمامًا، أو ترفعه إلى أعلى حيث يتحول إلى سحاب. وللسحب تأثير مهم على المناخ؛ لأنها هي مصدر الأمطار والثلوج التي تسقط نحو الأرض، كما أنها تؤثر على الإشعاع الشمسي والأرضي، وتحدد مقدار ما ينفذ بواسطتهما من حرارة الشمس إلى الأرض، أو من حرارة الأرض إلى الطبقات العليا من الجو؛ فهي أثناء النهار تحجب جانبًا من حرارة الشمس عما يقع تحت ظلها من سطح الأرض، أما أثناء الليل فإنها تكون بمثابة غطاء يحول دون وصول الإشعاع الأرضي إلى طبقات الجو العليا؛ فتحفظ الأرض وطبقة الهواء المحصورة بينها وبين قاعدة السحب بمعظم حرارتها. وللسحب كذلك تأثير هام على حياة النبات والحيوان والإنسان؛ لأنها تحجب ضوء الشمس الذي يعتبر ضرورة من أهم ضرورات الحياة؛ ففي بعض جهات شمال وغرب أوروبا مثلًا تنتشر بعض الأمراض التي يصاب بها الإنسان نتيجة لنقص أشعة الشمس، ومنها مرض الكساح عند الأطفال "لين العظام" ويرجع ذلك بصفة خاصة إلى كثرة احتجاب الشمس بواسطة السحب في معظم أيام السنة، خصوصًا في نصف السنة الشتوي. ويستعان على تعويض هذا النقص بتعاطي بعض الأدوية التي تحتوي على فيتامين "D" الذي تساعد أشعة الشمس على تكوينه في الجسم1 وبالنسبة لحياة النباتات نلاحظ أن كثرة ضوء الشمس في بعض المناطق تساعد على سرعة نمو ونضج بعض المحاصيل؛ فمما لا شك فيه أن وفرة ضوء الشمس أثناء فصل الصيف في العروض العليا هي العامل الرئيسي الذي

_ 1 يعتبر زيت السمك من أشهر هذه الأدوية لأنه يحتوي على نسبة كبيرة من فيتامين "D".

ساعد كلًا من كندا وروسيا على زراعة بعض محاصيل المناطق المعتدلة في أراضيهما الواقعة إلى الشمال من الدائرة القطبية، على الرغم من قصر فصل النمو هناك. توزيع السحب في العالم: من الممكن توزيع السحب في العالم بواسطة خرائط تبين عليها المعدلات الشهرية والسنوية كما هي الحال في توزيع الظاهرات المناخية الأخرى، ويكون ذلك برسم خطوط تصل بين الأماكن ذات الكمية المتساوية من السحب. ومن خرائط التوزيعات المختلفة يمكننا أن نسجل بعض الملاحظات العامة على توزيع السحب فوق سطح الكرة الأرضية منها: 1- أن المناطق الصحراوية في القارات المختلفة، مثل الصحراء الكبرى، وصحاري بلاد العرب وأستراليا وغيرها هي أقل جهات العالم نصيبًا من السحب. 2- أكثر الجهات سحبًا في نصف الكرة الشمالي هي شمال أوروبا وشمال المحيطين الهادي والأطلسي. 3- تقل السحب نوعًا ما في المناطق القطبية، والسحب التي يمكن أن تظهر هنا كلها من النوع الخفيف نظرًا لقلة بخار الماء في الجو، ويعتبر هذا من العوامل التي ساعدت على وفرة ضوء الشمس أثناء فصل الصيف في هذه المناطق. 4- في الأقاليم الموسمية تكثر السحب في موسم الأمطار؛ ولكنها تكاد تنعدم تمامًا في موسم الجفاف الذي يقع في نصف السنة الشتوي. 5- في وسط أوروبا تكثر السحب في فصل الصيف وتقل في الشتاء؛ بينما يحدث العكس في حوض البحر المتوسط. 6- تكثر السحب في الأقاليم الاستوائية، ويكون ذلك غالبًا فيما بعد الظهر من كل يوم نتيجة لنشاط التيارات الصاعدة.

ويمكننا أن نلاحظ -بناء على التوزيع السابق- أن موسم ازدياد السحب في الأقطار المختلفة هو نفس موسم زيادة الأمطار، هذا أمر طبيعي لأن الظاهرتين مرتبطتان تمام الارتباط.

الأمطار "التساقط"

ب- الأمطار "التساقط". تمهيد: رغم أن المقصود بالمطر بمعناه الضيق هو سقوط بخار الماء الذي يتكثف في أعلى التروبوسفير نحو الأرض على شكل نقط مائية؛ فإن الإحصائيات المختلفة التي تنشرها محطات الأرصاد الجوية عن الأمطار. لا تدل غالبًا على ما يسقط من بخار الماء المكثف بهذه الصورة وحدها؛ بل إنها تشمل كذلك كل أشكال التساقط الصلب، وأهمها الثلج والبرد، ولهذا السبب نجد أن كثيرًا من الكتاب يفضلون استخدام كلمة Precipitation أي التساقط أو الهطول بدلًا من كلمة Rainfall. ويعتبر التساقط "أو الأمطار" بمعناها العام من أهم عناصر المناخ التي يجب أن توجه إليها عناية خاصة؛ لأنها هي الأساس الذي لا يمكن أن يقوم بدونه أي نوع من أنواع الحياة في العالم، وذلك فضلًا عن أهميتها في تشكيل سطح الأرض نفسه وما عليه من مظاهر تضاريسة وجيومورفولوجية مختلفة. ومن الطريف أن نشير هنا إلى أن علماء الطبيعة استطاعوا أخيرًا أن يسقطوا بعض الأمطار بطريقة صناعية؛ وذلك بأن تقوم الطائرات ببذر السحب المحملة ببخار الماء بجزيئات من الثلج، أو بثاني أكسيد الكربون في حالته الصلبة؛ حيث يؤدي ذلك إلى خفض درجة الحرارة وتكثف بخار الماء الموجود في تلك السحب، ثم سقوطه على شكل مطر؛ إلا أن هذه الطريقة لم تظهر لها حتى الآن نتائج عملية تذكر، وذلك لكثرة الصعوبات التي تعترضها، ومنها أنه ليس من الممكن تحديد المكان الذي يسقط عليه المطر بالضبط؛ ففي أغلب التجارب كان المطر يسقط في أماكن غير الأماكن التي حددت له، ويرجع ذلك بصفة خاصة إلى عدم ثبات السرعة التي تتحرك بها السحب، فضلًا عن عدم إمكان تحديد الوقت الذي يمر بين بذر السحب بثاني أكسيد الكربون أو جزيئات الثلج وبين حدوث

عملية التكثف وسقوط المطر، ولهذا فإن موضوع "المطر الصناعي" الذي بدأنا نقرأ عنه كثيرًا في السنوات الأخيرة ما زال حتى الآن من الموضوعات التي لم تخرج بعد من دور التجربة، ولن تكون له نتائج عملية كبيرة على الأقل في الوقت الحاضر. أسباب سقوط المطر وأنواعه: تسقط الأمطار نتيجة لانخفاض درجة حرارة الهواء المحمل ببخار الماء في الطبقات العليا من التروبوسفير إلى ما دون نقطة الندى؛ لأن هذا الانخفاض يؤدي إلى تكثف البخار على شكل ذرات مائية صغيرة، تتكون منها السحب التي تبقى سابحة في الجو حتى إذا ما وصلت إلى مناطق أو مستويات أشد برودة من المناطق أو المستويات التي أتت منها، بدأت هذه الذرات الصغيرة في التجمع بعضها مع بعض؛ فتتكون منها نقطة كبيرة نسبيًّا تبدأ في السقوط نحو الأرض مكونة المطر المعروف الذي يختلف في غزارته من وقت إلى آخر، ومعنى ذلك أن هناك شرطين رئيسيين لسقوط الأمطار هما: 1- أن يكون الهواء محملًا بكمية مناسبة من بخار الماء، وكلما زادت هذه الكمية ساعد ذلك على كثرة المطر. 2- أن يرتفع هذا الهواء إلى أعلى حتى تنخفض درجة حرارته إلى ما دون نقطة الندى. وقد سبق أن ذكرنا أن ارتفاع الهواء إلى أعلى الجو قد يحدث نتيجة لأحد عوامل ثلاثة هي: التصعيد نتيجة لتسخين سطح الأرض، أو اعتراض الجبال طريق الرياح، أو صعود الهواء الدافئ فوق الهواء البارد عند تقابلها. وعلى أساس هذه العوامل الثلاثة يقسم المطر إلى ثلاثة أنواع هي: 1- مطر التصعيد وهو يوجد بصفة خاصة في السهول وعلى الهضاب الاستوائية وفي المناطق الصحراوية.

2- مطر التضاريس وهو يسقط حيثما تواجه الرياح الرطبة جبالًا مرتفعة؛ حيث يسقط أغلب مطرها على المنحدرات المواجهة لهبوبها؛ بينما يقل أو ينعدم على المنحدرات المقابلة لها. 3- مطر الأعاصير وهو يسقط عند حدوث الأعاصير سواء في الأقاليم المعتدلة أو الأقاليم الحارة، وتنتمي إليه معظم الأمطار الشتوية في أوروبا وحوض البحر المتوسط والدول العربية في شمال إفريقيا وغرب آسيا. وعلى الرغم من أن كل نوع من هذه الأنواع له أسبابه ومميزاته الخاصة؛ فإن أيًّا منها لا يظهر مستقلًا تمامًا عن النوعين الآخرين، وكثيرًا ما يوجد أكثر من نوع واحد في المنطقة الواحدة، وكل ما هنالك هو أن أحد الأنواع يكون سائدًا على غيره. التساقط الصلب "أو المطر المتجمد": بالإضافة إلى الشكل السائل المعتاد للمطر؛ فإن المطر في الأقاليم الباردة يكون في كثير من الأحيان بشكل صلب، أو بشكل مختلط من السائل والصلب. وهناك شكلان رئيسيان للتساقط الصلب وهما: الثلج Snow والبرد Hail، أما التساقط المختلط بين الصلب والسائل فيطلق عليه تعبير Sleet. وعلى الرغم من الفروق الواضحة بين الشكل السائل للمطر وأشكاله الصلبة؛ فإنها جميعًا تدخل في إحصائيات المطر بعد أن تحسب كميات التساقط الصلب على أساس ما يمكن أن تنتج عن انصهاره من ماء. كما سنبين عند كلامنا على قياس المطر بعد قليل. وفيما يلي شرح للشكلين الرئيسين للتساقط الصلب وهما الثلج والبرد. الثلج Snow: وهو عبارة عن بلورات رقيقة جدًّا من الثلج لا يزيد قطر الواحدة منها غالبًا على بوصة واحدة، وهي تسقط نحو الأرض كما تسقط الأمطار تمامًا،

ولكن نظرًا لخفتها فإنها تتطاير مع الهواء، ويكون منظرها أشبه بأهداب الريش الأبيض، وتأخذ عند سقوطها أشكالًا متباينة كما في شكل "121". شكل "121" بعض الأشكال التي تأخذها بلورات الثلج ويسقط الثلج نتيجة لانخفاض درجة الحرارة في طبقات الجو التي تسبح فيها السحب إلى ما دون درجة التجمد، ويحدث ذلك بكثرة في المناطق الباردة؛ حيث يؤدي سقوط الثلج بكثرة في بعض البلاد إلى تغطية الأرض وما عليها من أجسام بطبقة عظيمة منه يزيد سمكها في بعض المواضع على بضعة أمتار. وتكون هذه الطبقة هشة في أول الأمر؛ ولكنها سرعان ما تتماسك بسبب ثقل الثلج فتحول إلى طبقة الجليد "Ice" وهو المادة الصلبة المعروفة، وليست الأنهار الجليدية التي تشتهر بها البلاد الجبلية في الأقاليم المعتدلة والباردة وكذلك غطاءات الجليد العظيمة التي توجد في المناطق القطبية إلا طبقات من الثلج الذي تراكم على مر السنين وتصلب بسبب ثقله وتكدسه. ومن الممكن أن يتكون الثلج في أعلى التروبوسفير في الأقاليم الدافئة والحارة، ولكنه في هذه الحالة لا يصل غالبًا إلى سطح الأرض لأنه ينصهر عند سقوطه بسبب ارتفاع درجة حرارة الهواء بصفة عامة خصوصًا في طبقاته السفلى. البرد Hail: وهو عبارة عن كرات صغيرة من الجليد تتساقط على شكل أمطار عند حدوث عواصف الرعد. ويبلغ قطر الواحدة منها في المعتاد حوالي سنتيمتر

ونصف، ولو أن بعضها يزيد قطره عن ذلك كثيرًا؛ بحيث يصل أحيانًا إلى عشرة سنتيمترات أو أكثر. وتتكون هذه الكرات نتيجة لتكثف بخار الماء في داخل سحب المزن الركامي التي تتراكم نتيجة لنشاط التيارات الهوائية الصاعدة، ويتكثف البخار أولًا إلى نقطة مائية؛ فإذا كانت درجة الحرارة في داخل السحابة أقل من درجة التجمد؛ فإن هذه النقطة تتحول إلى كرات صغيرة من الثلج، ويأخذ حجم هذه الكرات في الازدياد تدريجيًّا؛ لأنها عندما تبدأ في السقوط نحو الأرض تعود فترتفع مرة أخرى بتأثير التيارات الهوائية الصاعدة التي تحملها ثانية إلى داخل السحب، فتتكثف حولها طبقة جديدة، وبتكرار هذه العملية يتزايد عدد الطبقات التي تتراكم على الكرة الأصلية؛ بحيث يصل أحيانًا إلى 20 طبقة، وأخيرًا تسقط الكرات بفعل ثقلها نحو سطح الأرض، وقد يكون سقوطها بكميات كبيرة وبسرعة عظيمة تؤدي إلى تلف كثير من المحاصيل. ومما سبق يتبين لنا أن هناك عدة شروط يجب توافرها لظهور البرد وهي: 1- انخفاض درجة الحرارة في طبقات الجو التي توجد بها السحب إلى ما دون درجة التجمد. 2- وجود تيارات هوائية صاعدة يترتب عليها حدوث عواصف رعدية كما يحدث كثيرًا في المناطق الاستوائية والمعتدلة. ونظرًا لعدم وجود تيارات هوائية صاعدة في الأقاليم القطبية؛ فإن ظهور البرد فيها يعتبر من الظاهرات النادرة جدًّا. 3- عدم ارتفاع درجة حرارة الطبقات السفلى من الهواء بشكل يؤدي إلى انصهار كرات الثلج قبل وصولها إلى سطح الأرض، كما يحدث عادة في الأقاليم الاستوائية؛ فرغم نشاط التيارات الصاعدة هناك واحتمال تكون البرد في طبقات الجو العليا؛ فإنه لا يصل إلى سطح الأرض بسبب شدة الحرارة في طبقات الجو السفلى.

وهكذا نجد أن المناطق القطبية والمناطق الاستوائية تخلو من البرد خلوًّا تامًّا تقريبًا، وفيما عدا ذلك يحتمل أن يظهر البرد في أي منطقة أخرى من العالم؛ ولكنه يكثر بصفة خاصة على الهضاب كما هي الحال فوق القسم الجنوبي من هضبة أفريقية الجنوبية، التي تتعرض أثناء فصل الصيف لسقوط البرد بشكل يؤدي أحيانًا إلى حدوث خسائر كبيرة، وفي الهند يسقط البرد بكثرة في شهر مايو، وفي مصر يظهر البرد أحيانًا في فصلي الخريف والشتاء أثناء عواصف الرعد. شكل "122" كرات من البرد ذات أحجام أكبر من المعتاد "لاحظ الطبقات التي تظهر بوضوح في بعضها" قياس المطر "أو التساقط": تستخدم في قياس المطر أجهزة خاصة وأبسطها وأكثرها انتشارًا هو الجهاز التقليدي Rain gauge المستخدم في أغلب محطات الأرصاد. وأهم أجزائه هي أسطوانة معدنية قطرها المعتاد حوالي 20 سنتيمترًا وبداخلها قمع مركب فوق إناء لجمع الماء، ومخبار مدرج لقياس الماء المتجمع. وقد يوضع المخبار داخل الأسطوانة بدلًا من الإناء بحيث يتجمع فيه ماء المطر مباشرة. ويوضع هذا الجهاز

دائمًا في العراء. ويدل ارتفاع الماء الذي يتجمع في المخبار على كمية المطر التي سقطت وهي تحسب إما بالملليمترات أو بالبوصات. وقد ظهرت من هذا الجهاز أنواع منقحة يمكن أن تسجل بواسطتها كمية المطر الساقطة بطريقة آلية. وهناك نوعان من هذه المسجلات النوع الأول منها يعرف باسم Tipping bucket gauge أي الجهاز ذو الدلو المائل. وهو دلو صغير موضوع بميل بحيث يمكنه أن يفرغ نفسه آليًّا كلما تجمع فيه مقدار من المطر يعادل ربع ملليمتر، وتؤدي حركته عند التفريغ إلى توصيل دائرة كهربائية يتحرك بمقتضاها ذراع في طرفه سن ريشة تبين به كل مرة من مرات التفريغ على لوحة خاصة. ويمكن على هذا الأساس حساب مجموع كمية المطر التي سقطت. شكل "123" جهاز قياس المطر، ويتكون من: أ- إناء معدني يتجمع فيه ماء المطر ب- مخبار تقاس بواسطته كمية الماء المتجمعة أما النوع الثاني فيعرف باسم Weighing- type gauge وهو مزود بميزان خاص يمكنه أن يزن بطريقة آلية أي كمية من المطر يستقبلها الجهاز، ويسجل الوزن بطريقة آلية كذلك على لوحة خاصة بواسطة سن ريشة مثبت في نهاية ذراع يتحرك تبعًا للوزن الذي يبينه الميزان.

وتحسب عند قياس المطر كل مظاهر التساقط من السحب؛ سواء كانت سائلة أو صلبة "ثلج أو برد". وعند قياس التساقط الصلب يرفع القمع والمخبار من جهاز القياس بحيث تبقى الأسطوانة المعدنية وحدها ليتجمع فيها هذا التساقط. وبعد ذلك تضاف كمية معروفة من الماء الدافئ فوق الثلج المتجمع لتساعد على انصهاره. ثم تصب المياه كلها في المخبار لمعرفة كميتها بعد أن تخصم منها كمية المياه الدافئة. توضيح توزيع المطر على الخرائط يوضح هذا التوزيع بواسطة خطوط تعرف باسم خطوط المطر المتساوي Isohyets وهي تشبه في طريقة رسمها تقريبًا خطوط الحرارة المتساوية وخطوط الضغط المتساوي، ولكن مع فارق أساسي وهو أننا عند رسم خطوط المطر لا نحتاج إلى تعديل الأرقام التي تسجلها المقاييس لكي تمثل الحالة عند سطح البحر؛ بل يجب أن توضع هذه الأرقام على الخريطة بدون تعديل. والمألوف في رسم خطوط المطر المتساوي هو أن تظلل المناطق التي يكون لها معدل واحد تقريبًا في فترة معينة "ولتكن شهرًا أو سنة" تظليلًا واحدًا أو تلون بلون واحد؛ بحيث لا يكون هناد داع لوضع أي أرقام على الخريطة نفسها لتمييز الخطوط بعضها عن بعض، كما نفعل عادة عند رسم خطوط الضغط وخطوط الحرارة؛ بل يكتفى بعمل دليل للخريطة تبين بواسطته مدلولات الألوان المختلفة أو الدرجات المتفاوتة من التظليل. واللون الذي يستخدم عادة في الأطالس وخرائط الحائط للدلالة على الأمطار هو اللون الأزرق. وكلما كان اللون غامقًا دل ذلك على كثرة الأمطار، أما الأقاليم عديمة المطر فتلون غالبًا باللون البني الفاتح أو الأصفر الباهت. العوامل التي تتحكم في توزيع الأمطار: تبين الخريطة شكل "124" توزيع المعدلات السنوية للأمطار في العالم، ويمكننا بمجرد النظر إليها أن ندرك أن الأمطار لا تخضع في توزيعها على سطح الأرض لعامل واحد؛ بل إنها تتأثر بعوامل كثيرة أهمها:

شكل "124" توزيع المعدلات السنوية للأمطار في العالم

1- وجود المسطحات المائية: فالمناطق التي تحيط بها بحار واسعة تكون في العادة أكثر مطرًا من المناطق البعيدة عن البحار، ويرجع ذلك إلى أن الهواء في المناطق الأولى يكون أكثر رطوبة من الهواء في المناطق الثانية؛ وذلك على فرض تساويهما في درجة الحرارة ونظام التضاريس. 2- ارتفاع درجة الحرارة: فهذا الارتفاع يساعد على نشاط عملية التبخر وازدياد الرطوبة في الهواء؛ فضلًا عن أنه يساعد على نشاط حركة التيارات الصاعدة. 3- مظاهر التضاريس: فالمناطق الجبلية تكون عادة أكثر مطرًا من السهول، وتكون المنحدرات المواجهة لهبوب الرياح دائمًا أغزر مطرًا من المنحدرات الأخرى، وكثيرًا ما يؤدي وجود سلاسل جبلية مرتفعة إلى ظهور مناطق صحراوية في السهول المجاورة لها. 4- اتجاه الرياح ونوع الهواء الذي تأتي به: فالرياح التي تهب من ناحية البحر تساعد على سقوط الأمطار، على العكس من الرياح التي تهب من ناحية اليابس، والرياح التي تهب من بحار دافئة أو تمر على تيارات بحرية حارة تكون أكثر مطرًا من الرياح التي تهب من بحار أو تمر على تيارات مائية باردة. نظم المطر Rainfall Regimes المقصود بنظام المطر هو كيفية توزيعه على أشهر وفصول السنة. وهو يتضمن بالضرورة معرفة معدلاته السنوية والشهرية، والعوامل التي لها دخل في سقوطه وغزارته وأنواعه وأشكاله ومدى انتظامه أو تذبذبه.

وتبين الخريطة "125" التوزيع الفصلي العام للأمطار على سطح اليابس بصورة مبسطة. وفيها يتضح أن الأقاليم الممطرة تنقسم إلى ثلاثة أنواع رئيسية هي: 1- أقاليم ممطرة طول العام وتوجد عمومًا على امتداد خط الاستواء، وفي المناطق المطلة على المحيطات في شرق القارات وخصوصًا في الجزر والمناطق الساحلية في العروض المدارية، وكذلك في أوروبا وعلى السواحل الشمالية الغربية لأمريكا الشمالية والجنوبية الغربية لأمريكا الجنوبية، وفي جزر نيوزيلنده. 2- أقاليم ممطرة صيفًا وتوجد عمومًا إلى الشمال وإلى الجنوب من الأقاليم الممطرة طول العام حول خط الاستواء. والأقاليم التي تهب عليها الرياح الموسمية الممطرة صيفًا والموسمية الجافة شتاء، وأهمها الهند ومعظم شرق آسيا والحبشة وشمال أستراليا، والأقاليم الداخلية المعتدلة في شرق أوروبا وغرب آسيا ووسط أمريكا الشمالية. 3- أقاليم ممطرة شتاء وهي موجودة في غرب القارات بين خطي عرض 30 ْ و 40 ْ نصفي الكرة، وأكبرها هو أقليم حوض البحر المتوسط في العالم القديم، وإلى جانبه توجد أشرطة ساحلية في غرب أمريكا الشمالية "كاليفورنيا"، وفي غرب أمريكا الجنوبية "شيلي" وفي الطرف الجنوبي الغربي لأفريقيا والطرف الجنوبي الغربي لأستراليا. ولكن على الرغم من تمييزها لهذه الأنواع الثلاثة من الأقاليم الممطرة؛ فيجب ألا نتصور أن هناك حدودًا واضحة بين بعضها وبعض أو بين بعضها والمناطق الصحراوية المجاورة لها؛ لأن أقاليم المطر، بل الأقاليم المناخية عمومًا، تتداخل في بعضها بشكل تدريجى في أغلب الأحيان؛ بحيث تظهر بين بعضها وبعض أقاليم انتقالية يصعب ضمها إلى أي منها؛ ففيما بين الأقاليم الممطرة طول العام والأقاليم التي يسقط مطرها شتاء أو الممطرة صيفًا توجد أقاليم يسقط مطرها في فصلين أو أكثر. وفيما بين الأقاليم الممطرة والأقاليم الصحراوية توجد أقاليم متوسطة قد

يكون بعضها أقرب إلى الأولى وبعضها الآخر أقرب إلى الثانية؛ بل كثيرًا ما نجد بين الأقاليم التي تنتمي إلى نظام واحد اختلافات جوهرية في كمية المطر أو توزيعه على الأشهر أو نوعيته وعوامل سقوطه. وذلك بسبب اختلاف الظروف المحلية التي لها دخل في سقوط المطر أو في توزيعه الرمالي أو المكاني، وأهمها الموقع والتضاريس. شكل "125" التوزيع الفصلي للأمطار على سطح الكرة الأرضية

مقدمة في الجغرافيا الحيوية

مقدمة في الجغرافيا الحيوية. 5- الأشكال الرئيسية للنباتات الطبيعية وأهم حيواناتها: تنقسم الحياة النباتية عمومًا إلى ثلاث مجموعات كبرى، هي الغابات والحشائش والصحارى "انظر شكل 126"؛ ولكن يلاحظ النباتات التي تتألف منها كل مجموعة من هذه المجموعات تتباين في فصائلها وأنواعها، وكذلك في درجة كثافتها من منطقة إلى أخرى تبعًا لعوامل أخرى، أهمها درجة الحرارة وطول فصل النمو والتوزيع الفصلي للأمطار، وعلى هذا الأساس قسمت كل مجموعة من المجموعات السابقة إلى عدة أنواع ينمو كل منها في أقاليم تتميز بظروف مناخية خاصة، كما سنوضح فيما بعد. شكل "126" الأشكال الرئيسية للنباتات الطبيعية

الغابات

الغابات مدخل ... 5-1-الغابات متطلبات نموها: أهم شرط يجب توفره لنمو الغابات هو وفرة المياه؛ لأن الأشجار تحتاج عادة إلى مقادير من المياه أكثر مما يحتاجه أي نوع آخر من النباتات، والسبب في ذلك هو أن شكل الشجرة وكثرة أغصانها وأوراقها يجعلها تفقد مقادير كبيرة من المياه بواسطة النتح "بالنسبة للمساحة التي يغطيها جذعها" وليس من شك في أن ارتفاع الأشجار نفسه يساعد كذلك على نشاط عملية النتح لأنه يجعل أجزاءها العليا أكثر تعرضًا لحركة الرياح من النباتات القصيرة. ولكن يلاحظ من ناحية أخرى أن الجذور الطويلة التي تتميز بها الأشجار عمومًا تجعلها أقدر على استغلال المياه الباطنية، ومياه التربة العميقة من النباتات الصغيرة مثل الحشائش، ولهذا فإنها تستطيع مقاومة الجفاف في فصل انقطاع الأمطار، بشرط أن تظل التربة نفسها محتفظة بمقادير كافية من الرطوبة التي تتجمع فيها خلال الفصل المطير؛ وذلك بخلاف الحال بالنسبة للحشائش التي تموت غالبًا خلال الفصل الجاف، ثم تعود للظهور بمجرد سقوط الأمطار. وتستطيع الأشجار أن تنمو في درجات حرارة مختلفة؛ ولكن أنواعها وفصائلها تختلف في المناطق الحارة عنها في المناطق المعتدلة أو الباردة. وهناك مع ذلك حد أدنى لدرجة الحرارة التي تستطيع الغابات أن تنمو فيها؛ فهي لا يمكن أن تنمو في الأقاليم الباردة إلا إذا كان هناك فصل دافئ يزيد معدل درجة الحرارة أثناءه عن 6 ْ مئوية "صفر النمو" ويرتفع في شهر واحد على الأقل من شهوره إلى 10 ْ مئوية أو أكثر؛ ولهذا فإن الحد الشمالي للغابات في أوراسيا وأمريكا الشمالية يتفق بصفة عامة مع خط حرارة 10 ْ درجة مئوية لأدفأ الشهور. أنواع الأشجار: يمكن تمييز الأشجار التي تتكون منها الغابات على أسس مختلفة أهمها:

أ- موسم سقوط الأوراق: وعلى هذا الأساس يوجد نوعان من الأشجار، هما: 1- الأشجار النفضية وهي التي تسقط كل أوراقها في فصل معين من السنة، هو عادة فصل البرودة الشديدة، أو فصل الجفاف الشديد. 2- الأشجار دائمة الخضرة: وهي تسقط أوراقها في أي وقت من الأوقات؛ ولكنها لا تسقطها كلها في وقت واحد، بل إنها تجددها باستمرار بحيث تبدو دائمًا خضراء. ب- شكل الأوراق: فمن الأشجار ما تكون أوراقه إبرية، كما هي الحال في الأشجار الصنوبرية، ومنها ما تكون أوراقه عريضة، كما هي الحال في معظم الأشجار النفضية، وبعض الأشجار دائمة الخضرة. ج- نوع الأخشاب: وعلى هذا الأساس تقسم الأشجار عمومًا إلى قسمين هما: 1- أشجار خشبها لين Softwood وينطبق هذا بصفة عامة على أشجار الغابات الصنوبرية ذات الأوراق الإبرية. 2- أشجار خشبها صلب Hardwood وينطبق هذا على أخشاب الغابات النفضية ومعظم الأشجار التي تنمو في المناطق الحارة. وفيما يلي أهم الأشجار التي تنتمي إلى كل نوع من هذين النوعين1:

_ 1 Klimm. I.E., Starkey, O.P & Hall, N.F. " I ntroductory Economic Geograpy." 2 ed 1940p. 119

أشجار خشبها صلب أشجار خشبها لين الساج Teak البلوط "السنديان" Oak الصنوبر Pine الأبنوس Ebony الزان Beech الشربين Fir الكابلي "الماهوجنى" Mahogany الجوز Walnut الأرز Ceba الصمغ Cum الزيزفون Linden السرو Cypress الحور Poplar القسطل Chestnu الشوكران Hemlock الاسفندان Mable الجميز Sycamore لاريس Larch ويجب أن نلاحظ مع ذلك أن هذا التقسيم عام جدًّا؛ وذلك لعدم وجود تحديد دقيق للأخشاب اللينة أو الأخشاب الصلبة. الأنواع الرئيسية للغابات وتوزيعها الجغرافي: تنقسم الغابات على حسب صفاتها العامة والظروف المناخية التي تلائمها إلى الأنواع الآتية: أولًا- الغابات المدارية: وهي تنمو في الأقاليم الحارة؛ ولكنها تخف في كثافتها وفي تنوع أشجارها على حسب كمية الأمطار ونظام سقوطها، وهي تقسم عادة إلى الأنواع الآتية1: 1- الغابات المدارية المطيرة Tropical Rain Forests 2- الغابات المدارية شبه النفضية Tropical Semideciduous Forests التي تسمى أحيانًا بالغابات المدارية الجافة أو الغابات دون الاستوائية 3- الغابات الساحلية أو المانجروف Mangrove Forests.

_ 1 الحدود المذكورة هنا هي التي اقترحها أوستن ملر للمناطق الحرارية في سنة1953.

4- الأحراج والغابات الشوكية Scrubs Thorn Forests ثانيًا- غابات المنطقة المعتدلة الدافئة: وهي المنطقة التي لا ينخفض المتوسط الشهري لدرجة الحرارة فيها عن 6 ْ مئوية في أي شهر من الشهور وأهم أنواعها هي: 1- غابات البحر المتوسط. 2- الغابات الرطبة الدافئة في شرق القارات "غابات الصين". ثالثًا - غابات المنطقة المعتدلة الباردة: أي التي يوجد بها فصل شديد البرودة، ينخفض أثناءه المتوسط الشهري لدرجة الحرارة عن 6 ْ مئوية ويوجد بها نوعان من الغابات هما: 1- الغابات النفضية Deciduous Forests 2- الغابات الصنوبرية Coniferous Forests شكل "127" توزيع الأنواع الرئيسية للغابات في العالم

الغابات المدارية

5-1-1-الغابات المدارية: 1- الغابات المدارية المطيرة "شكل 128": تشمل هذه الغابات مناطق واسعة في الأقاليم الحارة التي تسقط أمطارها طول السنة، كما هي الحال في الكونغو وساحل غانا في إفريقية، وحوض الأمزون وجنوب شرق البرازيل في أمريكا الجنوبية، ثم جزر أندونيسيا وشبه جزيرة الملايو، وهي تنمو بصفة خاصة في المناطق السهلية؛ ولكنها تنمو كذلك فوق منحدرات الجبال والهضاب حتى ارتفاع لا يزيد على 2000 قدم فوق سطح البحر، ويعتبر حوض الأمزون أكبر منطقة في العالم تغطيها هذه الغابات، وهي تشتهر هنا باسم السلفا Selva؛ ولكن كثيرًا ما يطلق هذا الاسم كذلك على الغابات التي من نفس النوع في حوض الكونغو وغيره من المناطق. شكل "128" غابة مدارية مطيره

وتتكون الغابات المدارية المطيرة في جملتها من أشجار دائمة الخضرة عريضة الأوراق، لها جذوع مرتفعة، تتشابك أجزاؤها العليا بدرجة لا تسمح بوصول الضوء إلى قلب الغابة الذي يكون لهذا السبب شديد الظلمة في بعض الأحيان، ويلاحظ أن جذوع الأشجار تخلو غالبًا من الأغصان والأوراق؛ ولكنها تحاط بأمراس ضخمة من النباتات المتسلقة التي ترتفع إلى أعلى لكي تصل إلى ضوء الشمس، وفيما عدا ذلك تخلو أرض الغابة من الحشائش والشجيرات القصيرة؛ لأن عدم وصول أشعة الشمس إلى سطح الأرض لا يساعد على نمو مثل هذه الغابات؛ حيث إن ذلك يحدث في جميع فصول السنة على حد سواء. وأنواع الأشجار المدارية المطيرة المتعددة جدًّا، وبعضها له قيمة اقتصادية كبيرة؛ إما لأخشابه أو لثماره، أو لما يستخرج منه من مواد أولية، والأخشاب في جملتها من النوع الجامد، ومن أشهرها خشب الماهوجني "الكابلي" Mahogany وتشتهر هندوراس "في أمريكا الوسطى" بصفة خاصة بتصديره، ومن الأشجار المهمة أيضًا المطاط والموز والكينا واللبان والكاكاو.

الغابات المدارية شبه النفضية

2- الغابات المدارية شبه النفضية "شكل 129": تنمو هذه الغابات في الأقاليم التي تسقط بها أمطار غزيرة في فصل الصيف، ويوجد بها فصل جاف في الشتاء، ومن أمثلتها الأقاليم الموسمية في جنوب وجنوب شرق آسيا مثل الهند وبورما والهند الصينية، وشمال أستراليا، والأقاليم الواقعة على حافة الغابات المدارية المطيرة في أفريقية. وهي تمثل مرحلة انتقال بين الغابات المدارية المطيرة من جهة، والسفانا من جهة أخرى. وتتميز هذه الغابات عن الغابات المدارية المطيرة بأن كثيرًا من أشجارها ونباتاتها تسقط أوراقها أو تتوقف عن النمو في فصل الجفاف، وبأن أشجارها تكون أقل ارتفاعًا وأكثر تباعدًا منها في الغابات المطيرة، كما أن الكثير منها يتفرع بالقرب من سطح الأرض. وتتغطى الأرض فيما بينها بكثير من الشجيرات والأحراج والحشائش التي تجعل التنقل في داخل الغابة أمرًا شديد الصعوبة في كثير من الأحيان

شكل "129" غابة مدارية شبة نفضية "روديسيا" وأهم أنواع الأشجار التي تنمو في هذه الغابات هي أشجار السنط Acacia والتيك "الساج" Teak، التي تنفض أوراقها في فصل الجفاف، وهي ذات قيمة اقتصادية؛ حيث تستخدم أخشابها الصلبة في صناعة الأثاث.

الغابات الساحلية "المانجروف"

3- الغابات الساحلية المانجروف: وهي غابات كثيفة دائمة الاخضرار تنمو على السواحل المنخفضة في نطاق الغابات المدارية المطيرة، وهي تنمو غالبًا عند مصبات الأنهار وفي المواضع التي تصل إليها مياه المد، ويتراوح ارتفاع هذه الأشجار ما بين 5 و 7 أمتار، وهي تتميز بكثرة فروعها، وبكثرة الجذور العرضية التي تتدلى منها نحو الأرض. وهي تعتبر من أهم العقبات التي تعترض الملاحة على طول كثير من السواحل المدارية.

الأحراج والغابات الشوكية

4- الأحراج والغابات الشوكية: "شكل 130" تنمو هذه الغابات في الأقاليم المدارية التي يوجد بها فصل جاف طويل، وهي تتكون في جملتها من أشجار صغيرة متناثرة جميعها نفضية، وتتغطي الأرض فيما بينها بالحشائش، وتجف الغابة تمامًا في فصل الجفاف حيث تسقط الأشجار

أوراقها وتموت الحشائش؛ ولكنها لا تلبث أن تخضر عندما يبدأ فصل النمو الذي يتفق مع موسم سقوط الأمطار، وأنواع الأشجار التي تنمو في هذه الغابات محدودة، وبعضها يتميز بأوراقه الشوكية كما هي الحال في أشجار السنط، وقد تكون الغابة مكونة في جملتها من الأشجار الشوكية، وفي هذه الحالة يطلق عليها اسم الغابة الشوكية Thorn Forest شكل "130" أحراج مدارية ويلاحظ أن الغابات شبه النفضية وكذلك الأحراج تكون عادة مختلطة بكثير من الحشائش. الحياة الحيوانية في الغابات المدارية: تشمل الحياة الحيوانية في هذه الغابات أنواعًا متعددة من الحيوانات التي يعيش بعضها في الغابات المدارية المطيرة، ويعيش بعضها الآخر في الغابات المدارية الأخرى، أو ينتقل بينها وبين مناطق السافانا. ومعظم الحيوانات التي تعيش في الغابات المطيرة تقضي كل حياتها تقريبًا في أعلى الأشجار نظرًا لقسوة الظروف في قلب الغابة، وهي تشمل كثيرًا من القردة مثل الغوريلا والشمبانزي، كما تشمل السنجاب الطائر، وضفادع الأشجار والسحالي والثعابين، وأنواعًا مختلفة من الطيور والحشرات، ويتميز الكثير من هذه الحيوانات بألوانه الزاهية التي تجعل من الصعب تمييزه وسط الأوراق والأزهار، وهذه الميزة لها أهمية كبيرة في حياة بعض الحيوانات؛ لأنها تسهل عليها مهمة

الاختفاء من أعدائها؛ وبينما يموج أعلى الغابة بهذه الأنواع المتعددة من الحيوانات التي يساعدها تكوين أجسامها على التسلق والتعلق بغصون الأشجار، نجد أن أرض الغابة لا تعيش فوقها غالبًا إلا أنواع قليلة من الزواحف والحشرات التي يوجد بعضها بأعداد هائلة، ومثال ذلك نوع من النمل الأبيض Termites الذي يوجد بكثرة في غابات حوض الأمزون. وفيما عدا ذلك تخلو الغابات المدارية المطيرة إلى حد كبير من الحيوانات البرية ذات الأحجام الكبيرة، وينطبق هذا بصفة خاصة على غابات أمريكا الجنوبية، أما في إفريقية فإن هناك عددًا من الحيوانات التي تنتقل ما بين الغابات المدارية والسفانا ومنها بعض آكلات اللحوم مثل النمور والقطط المتوحشة، وبعض آكلات النباتات مثل الفيلة والزراف والبقر الوحشي، وتعيش في حوض الكنغو بصفة خاصة بعض الحيوانات التي أهمها الفيلة والجاموس وكذلك فرس البحر والتمساح اللذان يعيشان في مجاري الأنهار. شكل "131" شجرة باوباب

الغابات المعتدلة الدافئة

5-1-2- الغابات المعتدلة الدافئة: 1-غابات البحر المتوسط. يتميز مناخ البحر المتوسط بشتائه المعتدل، الذي لا ينخفض أثناءه المتوسط اليومي لدرجة الحرارة في معظم المناطق انخفاضًا يؤدي إلى توقف نمو معظم الأشجار، أما فصل الصيف فيمتاز بحرارته وجفافه؛ ولكن رغم ذلك فإن الغابات التي تنمو في هذا المناخ تتكون في جملتها من أشجار عريضة الأوراق دائمة الخضرة، وتعتبر غابات البحر المتوسط في الواقع نوعًا فريدًا في بابه من أنواع الغابات؛ لأنه ليس من المألوف أن تنمو غابات عريضة الأوراق دائمة الخضرة في إقليم يوجد به فصل جاف طويل نسبيًّا. والسبب في ذلك هو أن أشجار هذه النباتات تتميز بصفات خاصة تساعدها على الاحتفاظ باخضرارها في فصل الصيف، ومنها أن الأشجار تكون متباعدة نوعًا ما بحيث تستطيع الشجرة الواحدة أن تستفيد من المياه الموجودة في منطقة واسعة من الأرض، كما تكون الجذور متشبعة، وطويلة بدرجة تستطيع معها أن تصل إلى طبقة المياه الباطنية، أما الأوراق فتكون قليلة، كما يكون أغلبها صغيرًا ذا سطح أملس ناعم أو غير ذلك من الصفات التي تحول دون سرعة فقدان المياه بالنتح، وبعض الأشجار مثل الفلين تغلف جذوعها بقشور سميكة جدًّا كأوراق كثير من النباتات التي تنمو في الأقاليم الجافة1 وغابات البحر المتوسط في جملتها من نوع الأدغال Scrud Forest التي تتكون من أشجار متوسطة الارتفاع أو قصيرة أما الأشجار الضخمة فيقل وجودها بصفة عامة؛ إلا في بعض المواضع التي تساعد ظروف المناخ والتربة فيها على سرعة النمو.

_ 1 Preston E James. " AGeography of Man" 1944

ويعتبر البلوط دائم الخضرة "Oak" والفلين "Cork" من أهم الأشجار التي يختص بها مناخ البحر المتوسط، وهي تمتاز بأن جذورها مغلفة بقشور سميكة، وبأن أوراقها صغيرة سطحها أملس. كما تعتبر أشجار الزيتون أيضًا من الأنواع الرئيسية، وهي ذات جذوع ضخمة مغلفة بقشور سميكة قليلة المسام، ومن الأشجار المهمة أيضًا شجرة القسطل "أبوفروة" "Sweet Chestnut" والغار "، "وبعض أنواع الأشجار المخروطية "Conifers" مثل الأرز "Cedar" والسرو، والكافور. ويظهر مناخ البحر المتوسط بصفة عامة في غرب القارات ما بين خطي عرض 30 ْو 40 ْ تقريبًا، وأكبر منطقة فيها هي التي تحيط بالبحر المتوسط نفسه في العالم القديم، وإلى جانب ذلك نجد أنه يتمثل في كاليفورنيا بأمريكا الشمالية، وفي وسط شيلي بأمريكا الجنوبية، وفي منطقة رأس الرجاء الصالح في أفريقية، وفي منطقتين صغيرتين في الطرفين الجنوبي الشرقي والجنوبي الغربي لأستراليا.

الغابات الرطبة الدافئة في شرق القارات

2- الغابات الرطبة الدافئة في شرق القارات "غابات الصين": تنمو هذه الغابات في بعض العروض التي توجد بها غابات البحر المتوسط؛ وذلك في المناطق التي تنتمي عمومًا إلى المناخ المعروف "بالمناخ الصيني" والذي تسقط أمطاره طول السنة، ومن أهمها الصين وجنوب شرق الولايات المتحدة، وجنوب شرق البرازيل، والساحل الشرقي لأستراليا وساحل ناتال في أفريقيا، وهي غالبًا أشد كثافة من غابات البحر المتوسط، وهي تتكون في جملتها من أشجار عريضة الأوراق معظمها دائمة الخضرة وأخشابها من النوع الجامد مثل البلوط دائم الخضرة. وتعتبر الغابات عريضة الأوراق والغابات المختلطة موردًا من الموارد المهمة للأخشاب في العالم؛ إذ إن كثيرًا من أشجارها يمتاز بجودة أخشابه، ومثال ذلك أشجار الجوز والزان، وقد أزيلت هذه الغابات من مناطق واسعة في العالم لكثرة الطلب على أخشابها من جهة ولإحلال الزراعة محلها من جهة أخرى؛ حيث إن

الأقاليم التي توجد بها تعتبر عمومًا من أكثر جهات العالم ازدحامًا بالسكان، كما هي الحال في الولايات المتحدة، وجنوب اليابان وكوريا وجنوب شرق الصين؛ ففي الولايات المتحدة مثلًا كانت هذه الغابات تغطي معظم جنوب وجنوب شرق البلاد؛ ولكنها أصبحت في الوقت الحاضر تكاد تكون مقصورة على المناطق الجبلية الوعرة التي ليس من السهل استغلالها للزراعة ولا تزال مساحتها آخذه في التناقص بسبب كثرة الطلب على أخشابها. ويعتبر الأرز والشاي من أهم الغلات التي انتشرت زراعتها مكان هذه الغابات في شرق آسيا، أما في الولايات المتحدة فقد انتشرت مكانها زراعة الذرة والقطن.

الغابات المعتدلة الباردة

5-1-3-الغابات المعتدلة الباردة: 1- الغابات النفضية "عريضة الأوراق". أهم ما تتميز به أشجار هذه الغابات هو أنها تسقط أوراقها في فصل الشتاء بسبب انخفاض درجة الحرارة إلى ما دون حاجة النباتات، وليس بسبب انقطاع الأمطار كما يحدث للغابات النفضية المدارية، والأوراق في جملتها عريضة ورقيقة، أما الجذوع فتغلفها غالبًا قشور سميكة يمكنها أن تحول دون تبخر الماء منها في الفصل الذي يتوقف فيه نشاط عمليات النمو؛ وبينما تكون الغابة مزدهرة خضراء في فصل الصيف؛ فإنها تبدو جافة تمامًا في فصل الشتاء؛ حيث تكون معظم الحياة النباتية فيها في حالة سكون "شكل 132". وتنمو الغابات النفضية بصفة خاصة في الأقاليم الممطرة طوال العام في غرب القارات ما بين خطى عرض 40 ْ و 60 ْ تقريبًا مثل غرب أوروبا، وهي أقاليم معتدلة الحرارة في الصيف؛ ولكنها شديدة البرودة في الشتاء، وقد كانت هذه الغابات فيما مضى تغطي معظم دول غرب أوروبا ووسطها، ولكن نظرًا لازدحام هذه البلاد بالسكان وعظم الطلب على المواد الغذائية فقد أزيلت من مناطق

واسعة، وحلت محلها زراعة بعض المحاصيل التي أهمها القمح والبطاطس والبنجر والشوفان، ولا تزال توجد مع ذلك مساحات واسعة منها في بعض البلاد خصوصًا في غرب روسيا، وتتناقص هذه الغابات كلما توغلنا في أوروبا نحو الشرق تبعًا لتناقص الأمطار حتى تختفي تقريبًا عند جبال أورال؛ إلا أنها لا تلبث أن تظهر من جديد في شرق آسيا حيث تغطي مساحات واسعة في منشوريا واليابان وفي أمريكا الشمالية توجد الغابات النفضية بصفة خاصة في شمال غرب الولايات المتحدة وغرب كندا. شكل 132 غابة نفضية في فصل الشتاء وتعتبر الغابات النفضية عمومًا من أهم موارد الأخشاب في العالم خصوصًا فيما يتعلق بالأخشاب الصلبة، وأهم الأشجار التي تنمو بها هي أشجار البلوط والزان والبوداق "لسان العصفور" والغرغار Ash والاسفندان والقسطل Elm والجور.

الغابات الصنوبرية "أو المخروطية"

2- الغابات الصنوبرية "أو المخروطية": هذه الغابات هي من أهم النباتات الطبيعية التي تنمو في العروض المعتدلة الباردة في نصف الكرة الشمالي، وهي تغطي مساحات واسعة في أرواسيا وأمريكا الشمالية؛ وذلك إلى الشمال من خط عرض 50 ْ تقريبًا في أوراسيا و 45 ْ في

أمريكا، أما حدها الشمالي فيتفق عمومًا مع خط حرارة 10 ْمئوية لأدفأ الشهور؛ حيث إن الأشجار لا تستطيع النمو إذا كان هناك شهر واحد على الأقل يرتفع معدل درجة حرارته إلى 10 ْمئوية أو أكثر. ويلاحظ أن الانتقال بين الغابات الصنوبرية والصحارى الجيلدية التي تمتد إلى الشمال منها، وبينها الغابات النفضية التي تنتشر إلى الجنوب منها يكون غالبًا تدريجيًّا؛ فمن ناحية الشمال تتناقص كثافة الغابات ويتناقص حجم أشجارها كلما اقتربنا من القطبين. ويطل اسم التايجا "Taiga" في شمال أوراسيا على القسم الشمالي من الغابات الصنوبرية الذي يمثل مرحلة الانتقال بين الغابات الصنوبوية ذات الأشجار الضخمة في الجنوب وإقليم التندرا في الشمال، وهو يتكون في جملته من أشجار متقاربة ذات جذوع رفيعة وقصيرة نسبيًّا "شكل 133"، ولكن كثيرًا ما يطلق اسم التايجا بصفة عامة على كل نطاق الغابات الصنوبرية في شمال أوراسيا وأمريكا الشمالية. ويلاحظ أن هذه الغابات تختلط من شكل "133" غابة صنوبرية من نوع التايجا

ناحية الجنوب في كثير من المناطق بالأشجار النفضية ويتكون من النوعين غابات مختلطة، كما سبق أن ذكرنا عند الكلام على الغابات النفضية. وتنمو الغابات الصنوبرية فضلًا عما تقدم على المنحدرات المرتفعة للجبال في الأقاليم المعتدلة الدافئة أو المدارية؛ وذلك في المستويات التي تتفق ظروفها المناخية مع ما يلزم لنمو هذه الغابات "شكل 134". وتمتاز أشجار الغابات الصنوبرية بأنها مخروطية الشكل مستقيمة الجذوع بصفة عامة وبأن أوراقها إبرية سميكة تغطيها طبقة صمغية تحول دون فقدان مياهها وعصارتها بالتبخر، ولا تسقط هذه الأوراق في أي فصل من الفصول؛ ولكنها تكون في حالة سكون خلال الفصل البارد، ثم تبدأ في النمو بسرعة عندما يرتفع المعدل اليومي لدرجة الحرارة إلى 56 ْمئوية في بداية الصيف؛ وذلك دون حاجة إلى إضاعة بعض أيام فصل النمو القصير في تكوين أوراق جديدة كما يحدث مثلًا في الغابات النفضية التي تنمو في الأقاليم الأكثر دفئًا. ويمكننا أن نلخص أهم أوجه الاختلاف بين الغابات الصنوبرية من جهة، والغابات النفضية من جهة أخرى فيما يلي: شكل "134" غابات صنوبرية كثيفة على أحد الجبال

1- الغابات الصنوبرية دائمة الاخضرار1، أما النفضية فتسقط أوراقها في فصل الشتاء. 2- النباتات الصنوبرية أوراقها إبرية أما النفضية فعريضة الأوراق. 3- أخشاب الغابات الصنوبرية معظمها من النوع اللين أما الغابات النفضية فمعظم أخشابها من النوع الصلب. 4- تحتاج الغابات الصنوبرية إلى أمطار أقل مما تحتاج إليه الغابات النفضية؛ إذ يكفي لنموها سقوط 25 سنتيمترًا فقط خلال فصل النمو؛ ولهذا فإنها تمتد بدون انقطاع تقريبًا على شمال أوراسيا وأمريكا الشمالية. 5- تحتاج الغابات الصنوبرية إلى درجة حرارة أقل وفصل نمو أقصر مما تحتاج إليه الغابات النفضية. 6- تستطيع الغابات الصنوبرية أن تنمو في بعض أنواع التربة الفقيرة التي لا تصلح لنمو الغابات النفضية؛ ففي شرق الولايات المتحدة مثلًا نجد أن الغابات الصنوبرية تحتل بعض المناطق الساحلية ذات التربة الرملية، وذلك في نطاق الغابات النفضية: 7- تمتاز الغابات الصنوبرية بقلة ما ينمو بين أشجارها من نباتات صغيرة، ويرجع ذلك بصفة خاصة إلى قلة ما يصل إلى سطح الأرض من ضوء الشمس بسبب تقارب الأشجار ودوام اخضرارها، أما في الغابات النفضية فتنمو بين الأشجار حياة نباتية كثيفة مكونة من حشائش وشجيرات، ويساعد على ظهورها كون الأشجار تنفض أوراقها في فترة من السنة، مما يسمح لأشعة الشمس بالوصول إلى سطح الأرض. والغابات الصنوبرية هي أهم مورد للأخشاب اللينة في العالم. وأهم أنواع الأشجار التي تنمو بها هي الصنوبر Pine والشربين والشوكران Fir واللاريس Larch كما تنمو أشجار الأرز Cedar والسرو Cypress

_ 1 يوجد في بعض الأقاليم الباردة القارية في شرق آسيا نوع من الغابات الصنوبرية التي تنفض أوراقها في الشتاء بسبب قسوة البرودة، وتعرف باسم الغابات النفضية.

بكثرة على منحدرات الجبال المرتفعة في الأقاليم الدافئة أو الحارة كما هي الحال في المناطق الجبلية في حوض البحر المتوسط وهضبة الحبشة وشرق أفريقية. ويوجد أكبر نطاق من الغابات الصنوبرية في العالم في شمال أوراسيا، كما يوجد منها نطاق عظيم آخر في شمال أمريكا الشمالية ما بين المحيطين الأطلسي والهادي في كندا وشمال الولايات المتحدة، كما ينمو الكثير منها على منحدرات الجبال في العروض المعتدلة الدافئة في غرب الولايات المتحدة، وهي تتميز هنا بضخامة أشجارها وجودة أخشابها مما يجعل لها أهمية اقتصادية عظيمة، وينطبق هذا بصفة خاصة على الغابات التي تنمو على منحدرات السلاسل الغربية لجبال روكي الشمال ويمتد حتى المكسيك في الجنوب؛ ففي هذا النطاق تنمو أجود أنواع الأشجار الصنوبرية في العالم، ومن أهمها نوع من الشربين يطلق عليه اسم Douglas Fir ويزيد ارتفاع شجرته أحيانًا على 150 مترًا ويزيد قطر جذعها على مترين، ويشبهه في ذلك نوع من أشجار الغابات الصنوبرية المعروفة باسم شكل "135" إحدى الغابات الصنوبرية الحمراء في كاليفورنيا، لاحظ ضخامة جذوع الأشجار واستقامتها، وما ينمو بينها من نباتات صغيرة، ثم قارن هذا الشكل بشكل "133" التايجا

الغابات الحمراء "Redwood "وهي موجودة بصفة خاصة في كاليفورنيا "انظر شكل 135". وقد كانت الغابات الصنوبرية تغطي كذلك مساحات واسعة في شرق الولايات المتحدة وكندا؛ ولكنها أزيلت من مناطق كثيرة لإحلال الزراعة محلها من جهة والاستفادة بأخشابها من جهة أخرى، وقد بدأت هاتان الدولتان تتبعان في الوقت الحاضر سياسة ترمي إلى تنظيم استغلال الغابات والمحافظة عليها، وتعتبر الغابات التي تنتشر على المنحدرات الغربية لجبال روكي أعظم مورد للأخشاب في الولايات المتحدة في الوقت الحاضر، وتليها في ذلك الغابات التي تنتشر في الولايات المتحدة الجنوبية الشرقية للبلاد. أما في نصف الكرة الجنوبي فلا توجد الغابات الصنوبرية إلا في مناطق صغيرة في غرب وجنوب أمريكا الجنوبية؛ وذلك لضيق اليابس وعظم امتداده كثيرًا في العروض الجنوبية الباردة. والحيوانات التي تعيش في الغابات المعتدلة الباردة سواء في ذلك الغابات النفضية أو الغابات الصنوبرية قليلة بصفة عامة، وهي تشمل بعض أنواع الطيور التي تعيش على الفاكهة أو على ما تلتقطه من الحشرات، ثم بعض الحيوانات القارضة Rodents مثل السنجاب، الذي يعيش على الحبوب الجافة، والأرانب التي تعيش على الحشائش، ثم بعض القطط المتوحشة والثعالب والدببة والذئاب كما يعيش بها نوع ضخم من الغزال يطلق عليه اسم Moose أو Elk وتوجد هذه الحيوانات بصفة خاصة في غابات شمال أوراسيا وأمريكا الشمالية. وإلى جانب حرفة قطع الأشجار وتصدير أخشابها، وهي من أهم الحرف التي يقوم بها السكان في أقاليم الغابات الصنوبرية، توجد كذلك حرف أخرى مهمة منها حرفة صيد الحيوانات ذات الفراء مثل الثعالب والأرانب، كما توجد بعض الصناعات المهمة مثل صناعة عيدان الثقاب وصناعة الورق من لب الخشب، وتزرع في هذه المناطق كذلك بعض المحصولات التي أهمها الشعير والشوفان والقمح؛ وذلك في الأماكن التي أزيلت منها الغابات.

الحشائش

الحشائش مدخل ... 5-2-الحشائش CRASSLANDS: تغطي الحشائش مساحات واسعة جدًّا من سطح اليابس، وذلك في المناطق التي تسقط بها كمية من الأمطار تزيد على أمطار الجهات الصحراوية ولكنها لا تكفي لنمو الأشجار، وأصلح أنواع المناخ لظهورها هي التي يوجد بها فصل نمو دافئ ممطر، وفصل آخر يتوقف أثناءه نمو معظم النباتات، سواء بسبب انقطاع الأمطار أو بسبب انخفاض درجة الحرارة عن صفر النمو "56 ْ مئوية" "انظر شكل 136"، والحشائش في جملتها من النباتات الحولية أو الفصلية التي تنتهي حياتها أو يتوقف نموها بانتهاء فصل النمو؛ ولكنها تعود للظهور والنمو من جديد بمجرد ابتداء فصل النمو التالي، ولهذا نجد أن سطح الأرض يكون في فترة من السنة مغطى بطبقة من الحشائش الخضراء وفى فترة أخرى يبدو قاحلًا مجدبًا. وتختلف الحشائش في كثافتها من منطقة إلى أخرى تبعًا لكمية الأمطار التي تسقط خلال فصل النمو، وهناك نوعان رئيسيان من الحشائش هما: شكل "136" مناطق الحشائش في العالم

1- السفانا أو الحشائش الأقاليم المدارية 2- الإستبس أو حشائش الأقاليم المعتدلة؛ ولكن يلاحظ أن كلمة إستبس تستخدم في الوقت الحاضر خصوصًا في أمريكا للدلالة على الحشائش الفقيرة فقط؛ سواء منها ما ينمو في الأقاليم المعتدلة أو ما ينمو في الأقاليم المدارية على أطراف السفانا من ناحية الصحراء؛ بينما يطلق اسم البراري على الحشائش المعتدلة الغنية نسبيًّا كما سنرى فيما بعد.

السفانا "الحشائش المدارية"

5-2-1-السفانا "الحشائش المدارية". وصفها وتوزيعها الجغرافي: تعتبر السفانا المظهر النباتي الرئيسي في الأقاليم المدارية الحارة التي تسقط كل أمطارها تقريبًا في فترة يتراوح طولها بين 4 و 6 أشهر في نصف السنة الصيفي؛ ولكنها لا تكون كافية لنمو الغابات، وهي تتمثل بصفة خاصة في قارة أفريقية؛ حيث يتكون منها نطاقان عظيمان يشملان معظم الأجزاء الداخلية للقارة، ويمتد أحدهما إلى الشمال من الغابات المدارية؛ بينما يمتد الثاني إلى الجنوب منها، ويتصل النطاقان عبر الهضبة الشرقية الاستوائية، التي لا تساعد ظروفها على نمو الغابات الكثيفة بسبب قلة أمطارها بالنسبة للأقاليم الاستوائية الأخرى، التي تمتد إلى الغرب منها، والتي تتمثل بصفة خاصة في حوض الكنغو. وتظهر السفانا كذلك في أمريكا الجنوبية في منطقتين تشمل الأولى منهما معظم هضبة البرازيل إلى الجنوب مباشرة من نطاق الغابات المدارية المطيرة في حوض الأمزون، وتشتهر السفانا هنا باسم الكامبوس Campos، أما المنطقة الثانية فتوجد إلى الشمال من نطاقات الغابات وتشمل حوض الأورينوكو ومعظم مرتفعات جيانا، وهذه المنطقة هي التي تشتهر باسم اللانوس Lianos وتوجد السافانا فضلًا عن ذلك في أستراليا حيث تشمل نطاقًا يفصل بين أقليم الغابات

الموسمية في الشمال والأقاليم الصحراوية في الوسط، كما أنها تنمو في بعض جهات الدكن وجنوب شرق آسيا. وتتكون السفانا عمومًا من أعشاب كثيفة خشنة تنمو بها أشجار قصيرة متفرقة تتزايد كلما اقتربنا من خط الاستواء تبعًا لنزايد كمية الأمطار وطول الفصل المطير؛ ولهذا فإن الانتقال بين الغابات المدارية والسفانا يكون غالبًا تدريجيًّا حتى أنه ليصعب إيجاد حد فاصل بينهما، وعلى العكس من ذلك تتضاءل الأعشاب وتتناقص الأشجار كلما بعدنا عن خط الاستواء تبعًا لتناقص الأمطار، وتناقص طول الفصل المطير، حتى نصل إلى نطاق شبه صحراوي لا تنمو فيه إلا حشائش قصيرة من نوع الإستبس، ولا تكاد تنمو به أشجار تذكر وأخيرًا نصل إلى النطاق الصحراوي الجاف الذي تمثله الصحراء الكبرى في شمال أفريقية وصحراء كلهاري وناميب في جنوبها. وتبدأ حشائش السفانا في النمو بسرعة بمجرد أن يبدأ الفصل المطير، وقد يصل ارتفاعها في هذا الفصل إلى 7 أمتار في بعض الجهات، ولو أنه يتراوح في الغالب ما بين مترين وأربعة "شكل 137"، ويكون اختراق المنطقة عندئذ أمرًا غاية في الصعوبة، أما في فصل الجفاف فيختلف الحال عن ذلك تمامًا لأن الحشائش سرعان ما تذيل وتجف بمجرد انقطاع الأمطار، ويتحول سطح الأرض إلى مساحات شاسعة جرداء تغطيها طبقة من الحشائش الجافة ويستمر الحال على ذلك حتى يبدأ موسم الأمطار من جديد. شكل "137" حشائش السفانا في الفصل المطير

والأشجار التي تنمو في أقاليم السفانا معظمها من النوع النفضي، وكثير منها يتميز بأوراقه الشوكية التي تساعده على تحمل الجفاف، وقد توجد كذلك أشجار قليلة دائمة الخضرة تتغطى أوراقها بطبقة جلدية غير مسامية كما تغلف جذوعها بقشور سميكة. والصفة الغالبة على الأشجار هي أنها تكون أشبه بالمظلات، وربما كان ذلك راجعًا إلى تباعدها وتعرض هذه الأقاليم لهبوب الرياح التجارية التي تهب بقوة في معظم شهور السنة؛ مما يعاكس نمو الفروع إلى أعلى فضلًا عن أن الشجرة التي تأخذ شكل المظلة تكون غالبًا أقدر على مواجهة الرياح القوية من غيرها "انظر شكل 138". شكل "138" منظر للسفانا الشجرية، "لا حظ شكل الأشجار الذي يشبه المظلات" الحياة الحيوانية: تختلف حيوانات السفانا عن حيوانات الغابات المدارية المطيرة من بعض الوجوه؛ فبينما تتكون معظم الحياة الحيوانية في الغابات المطيرة من أنواع لها القدرة على التسلق وتقضي كل حياتها تقريبًا فوق الأشجار وتتغذى على ثمارها نجد أن حيوانات السفانا معظمها من الأنواع البرية التي تتغذى على الحشائش، وأهمها الجاموس والبقر الوحشي "Antelope" والحمار الوحشي "Zabra" والخرتيت "Rhinoceros" والزراف والغزال والفيل ثم الكانجارو الذي يوجد بصفة خاصة في أستراليا، وهناك كذلك بعض الحيوانات المفترسة مثل الأسد والنمر والفهد، ومعظم هذه الحيوانات كثير التنقل بحثًا عن الماء والغذاء،

فالحيوانات التي تتغذى على العشب تضطر في كثير من الأحيان للهجرة في فصل انقطاع الأمطار إلى نطاق الغابات بسبب جفاف حشائش السفانا؛ فتنتقل وراءها الحيوانات الأخرى المفترسة. وتعيش في السفانا كذلك بعض الحيوانات القارضة التي تعيش في مساكن تحفرها لنفسها في الأرض ولا تخرج منها إلا ليلًا لكي تتفادى الحيوانات المفترسة، وتعيش هنا أيضًا بعض الطيور المتوطنة التي لا تعرف الهجرة والانتقال، وهي تتغذى على الحشرات والسحالي، وتعتبر النعامة من أهم هذه الطيور؛ ولكن يلاحظ أنها فقدت القدرة على الطيران بعد أن تطورت أجنحتها وأصبحت صغيرة بدرجة لا تتناسب مع حجم جسمها؛ ولكنها تتميز في نفس الوقت بسرعة العدو ويساعدها على ذلك قوة سيقانها. وحرفة الرعي هي أوسع الحرف انتشارًا في الوقت الحاضر في أقاليم السفانا؛ حيث يقوم السكان بتربية قطعان عظيمة من الأبقار؛ ولكنهم لا يتبعون فى تربيتها أساليبًا علمية منظمة، ولهذا فإن اللحوم التي تنتج هنا معظمها من الأنواع الرديئة التي ليست لها قيمة كبيرة في التجارة العالمية، وقد أخذت الزراعة تنتشر في هذه الأقاليم لإنتاج المحاصيل المدارية مثل الذرة والفول السوداني والقطن وقصب السكر.

الأستبس "حشائش الأقاليم المعتدلة"

5-2-2-الإستبس "حشائش الأقاليم المعتدلة": كان اسم الأستبس يطلق بمعناه الأصلي على الحشائش التي تغطي مساحات واسعة في داخل القارات في العروض المعتدلة؛ ولكنه أصبح في الوقت الحاضر يضم كذلك نطاقات أخرى من الحشائش الموجودة في العروض المدارية بين نطاقات السفانا من ناحية والصحارى الحارة من ناحية أخرى؛ إلا أن كلامنا هنا سيكون مقصورًا على إستبس العروض المعتدلة.

ويلاحظ أن مناخ السفانا ومناخ الإستبس كلاهما قاري وأمطاره تسقط في نصف السنة الصيفي؛ إلا أن أمطار الإستبس أقل نوعًا من أمطار السفانا، وفيما يختص بدرجة الحرارة نجد أنها يندر أن تنخفض في أقاليم السفانا عن 21 ْمئوية في أي شهر من الشهور، أما أقاليم الأستبس؛ فإنها شديدة الحرارة في فصل الصيف، وشديدة البرودة في فصل الشتاء. وفي هذا الفصل تجف معظم الحشائش وتموت نهائيًّا أو تبقى في حالة سكون حتى بداية الفصل الدافئ الذي يتفق مع فصل سقوط الأمطار. وتتباين الحشائش المعتدلة في كثافتها من جهة إلى أخرى على حسب كمية الأمطار فبعضها مكون من حشائش كثيفة تختلط بها بعض الأشجار، وبعضها الآخر فقير نسبيًّا ويخلو تمامًا من الأشجار "شكل 139". شكل "139" حشائش الأستبس الخالية من الأشجار وتغطي الحشائش المعتدلة مساحات واسعة في القارات المختلفة؛ ففي أوراسيا نجد أنها تنتشر في معظم دول شرقي أوروبا وجنوب روسيا وغرب آسيا، كما تظهر في بعض دول حوض البحر المتوسط خصوصًا في إيطاليا وإسبانيا، وعلى هضبة إفريقية الجنوبية إلى الشرق من صحراء كلهاري، وفي السهول الوسطى للولايات المتحدة وكندا وفي سهول أستراليا الوسطى وفي الأرجنتين

بأمريكا الجنوبية إلا أن مساحات واسعة من كل هذه المناطق قد تحولت إلى حقول زراعية لإنتاج القمح بصفة خاصة، ومع ذلك فإنها ما زالت تمثل أهم مناطق الرعي وإنتاج اللحوم في العالم. وأهم الحيوانات التي تربى في المراعي المعتدلة هي الأبقار والأغنام، وترعى الأبقار عادة في مناطق البراري الغنية، أما الأغنام فترعى في المناطق الفقيرة نسبيًّا، وتشتهر مراعي أستراليا ونيوزيلندا بصفة خاصة بتربية الأغنام التي تربى غالبًا من أجل الصوف، أما مراعي الأرجنتين وأمريكا الشمالية فتسود فيها تربية الماشية على تربية الأغنام، وتعتبر الخيول كذلك من حيوانات المراعي المعتدلة، وتكثر تربيتها بصفة خاصة في مراعي آسيا. أما الحيوانات البرية التي توجد في هذه المناطق فأهمها الغزال وبعض الحيوانات القارضة مثل السنجاب البري واليربوع "Jerboa" والأرانب البرية، وقد كانت مراعي أمريكا الشمالية تشتهر بوجود نوع من الثيران الوحشية يطلق عليه اسم البيزون "Bison"؛ ولكنه كاد ينقرض في الوقت الحاضر بسبب كثرة اصطياده من جهة، وتحول كثير من مناطق الحشائش للإنتاج الزراعي أو الرعوي المنظم من جهة أخرى. أما الطيور فمن أهمها السمان "Quails" الذي يهاجر في أواخر الخريف نحو المناطق الدافئة هربًا من برودة فصل الشتاء وبحثًا عن الغذاء، ومنها كذلك الحجل "Partridge" والقنابر قنبرة "Lark"، وبعض الطيور الجارحة مثل النسور.

الصحاري

5-3-الصحاري: يطلق اسم الصحاري على أي إقليم لا تساعد ظروفه الطبيعية على قيام حياة نباتية أو حيوانية تذكر؛ ولكن ليس معنى هذا أن الصحراء يجب أن تكون

خالية خلوًا تامًّا من الحياة؛ إذ إن الصحاري التي من هذا النوع قليلة، وأغلب الصحاري توجد بها حياة نباتية وحيوانية؛ ولكنها فقيرة جدًّا. وتشمل الصحاري مساحات واسعة من اليابس، وأهمها هي الصحاري المدارية مثل الصحراء الكبرى في شمال أفريقية، وامتدادها في جنوب غرب آسيا وصحراء كلهاري وصحاري وسط وغرب أستراليا، وصحاري أريزونا والمكسيك في أمريكا الشمالية، وأتكاما في أمريكا الجنوبية، ثم الصحاري المعتدلة والباردة التي تشغل مساحات واسعة في وسط آسيا ما بين بحر قزوين في الغرب وجبال خنجان في الشرق. ونظرًا لفقر الحياة النباتية في الأقاليم القطبية التي يغطيها الجليد في معظم شهور السنة؛ فإنها يمكن أن تعتبر كذلك نوعًا من الصحاري الباردة. وهي تشتهر باسم التندرا. ويمكن أن نضم إليها كذلك المناطق التي تكسوها غطاءات جليدية دائمة. ومعظم نباتات الصحاري من الأنواع التي يمكنها أن تتحمل الجفاف الشديد أو تتحايل عليه فمنها ما هو قصير العمر جدًّا بحيث يستطيع أن يتم حياته في فترات لا تزيد على شهر واحد عقب سقوط الأمطار مباشرة، ثم يموت ويترك بذوره في الأرض حتى تسقط الأمطار مرة أخرى فينمو من جديد، ومنها ما يخزن الماء في جذوره، أو في أوراقه وسيقانه كما هي الحال في نبات الصبير "Cactus" ومنها ما يستطيع أن يعمق بجذوره في الأرض ليستفيد من رطوبتها أو يصل إلى مستوى الماء الباطني في بعض الأحيان. ويكون هذا النوع الأخير غالبًا عبارة عن شجيرات قليلة الارتفاع ذات أوراق شوكية مثل السنط. وتمتاز الصحاري الساحلية بظهور بعض أنواع النباتات التي لها القدرة على امتصاص بخار الماء من الجو ومن الضباب أو من نقط الندى الذي يتكون على أوراقها. وقد ترتب على فقر الحياة النباتية في الصحارى فقرها كذلك في الحيوانات البرية التي تعيش عادة على أطراف الصحاري حيث تنمو بعض الحشائش الفقيرة،

ومن أهمها الغزلان والوعول. وتوجد كذلك كثير من الزواحف مثل السحالي والأفاعي وبعض الحيوانات القارضة الصغيرة، ومعظمها يختفي بالنهار ولا يظهر إلا في الليل، كما أن أغلبها يتميز بلونه الذي لا يختلف كثير عن رمال الصحراء، وهي ميزة تجعل من السهل الاختفاء من أعدائها، أما الحيوانات المستأنسة؛ فأهمها هو الجمل الذي يربى في الواحات ويرعى على أطراف الصحراء، وتربى معه كذلك بعض الماعز.

التندار

التندار ... 5-4-التندرا: تشمل التندرا نطاقًا عظيم الاتساع في الأصقاع الباردة التي يقصر فيها فصل النمو بدرجة لا تسمح بقيام حياة نباتية غنية، وهي تمتد إلى الشمال من نطاق التايجا الذي سبقت الإشارة إليه، ويكون الانتقال بينهما تدريجيًّا بصفة عامة؛ فكلما اتجهنا ناحية القطب قلت كثافة التايجا وتضاءل حجم أشجارها حتى نصل إلى مناطق يغطيها الجليد في معظم شهور السنة، ولا يوجد بها إلا فصل دافئ قصير لا يزيد طوله على ثلاثة أشهر؛ ولكن معدل درجة الحرارة لا يرتفع في أي شهر من شهوره عن 10 ْ مئوية، وفيه تنمو حياة نباتية فقيرة قصيرة العمر تتكون من أعشاب وطحالب وبعض نباتات ذات أزهار جميلة، وقد تختلف النباتات من بقعة إلى أخرى تبعًا لبعض الاختلافات المحلية الخاصة بطبيعة سطح الأرض؛ ففي المواضع المنخفضة التي تتحول إلى مستنقعات عند ذوبان الجليد تشمل الحياة النباتية كثيرًا من الطحالب "Mosses" وحشائش البحر "Lichens" التي تكثر كذلك على شواطئ البحار، أما على المنحدرات التي تتجه نحو الجنوب فتنمو كثير من النباتات ذات الأزهار المختلفة؛ لأن هذه المنحدرات تكون أدفأ نسبيًّا ونصيبها من أشعة الشمس أكبر من نصيب الأراضي المنخفضة أو المنحدرات الشمالية.

وتتميز جميع هذه النباتات بأن جذورها قصيرة؛ لأن ذوبان الجليد في فصل الصيف يكون غالبًا مقصورًا على طبقة سطحية رقيقة من التربة؛ بينما تظل التربة السفلية متجمدة ولا تسمح لجذور النباتات بالتعمق فيها. وتتناقص النباتات بطبيعة الحال كلما اقتربنا من القطب حتى تنتهي تمامًا في المناطق التي يغطيها الجليد الدائم، وهي التي يطلق عليها أحيانًا اسم الصحارى الجليدية. وتشمل الحياة الحيوانية في التندرا بعض أنواع الحيوانات والطيور التي تتميز بمقدرتها على تحمل البرودة، وأهمها هي الرنة Riendeer، وقد استطاع سكان تندرا أوراسيا أن يستأنسوها ويستخدموها في جر الزحاف التي يستخدمونها في تنقلاتهم؛ وذلك فضلًا عن أنهم يأكلون لحمها ويستفيدون من جلودها في صناعة ملابسهم وخيامهم، ويطلق اسم الكاريبو "Caribou" على الرنة التي تعيش في شمال كندا، وهي لم تستأنس بعد، ويقوم الإسكيمو الذين يعيشون هنا بصيدها، وتتغذى الرنة "أو الكاريبو" على العشب الذي يمكنها أن تحصل عليه حتى في فصل الشتاء بأن تكسر بحوافرها وقرونها طبقة الجليد التي تغطيه. وتعيش في التندرا كذلك بعض الحيوانات المفترسة التي أهمها الدببة والذئاب والثعالب، وهي تعتمد في غذائها على الحيوانات الصغيرة التي تنتشر في هذا الإقليم، ومن أهمها الجرذان والأرانب القطبية، وبعض هذه الحيوانات مثل الثعالب تمتاز بأن لها فراءًا ناعمًا مما يجعل له قيمة عظيمة من الناحية الاقتصادية؛ ولهذا فإن صيدها والاتجار في فرائها يعتبر من الحرف المهمة التي يقوم بها السكان. ونظرًا لفقر التندرا في فصل الشتاء، ولأن الأرض تكون مغطاة بالثلوج؛ فإن حيواناتها تهاجر إلى نطاق الغابات الصنوبرية في الجنوب؛ بينما يقضي بعضها الآخر معظم أيام هذا الفصل في جحور يحفرها تحت الثلوج حيث تكون درجة الحرارة أعلى نسبيًّا منها على السطح. وتتميز المياه الساحلية في إقليم التندرا بوجود حيوانات خاصة مثل فرس البحر "Seal" والدب القطبي، وكثير من الطيور البحرية مثل طير البطريق "أو

البينجوين Penguin" ونوع من البط يعرف باسم بط الأيدر Eider وهو مشهور بريشه الناعم الذي يستخدم بكثرة في حشو الوسائد والألحفة، وجميع هذه الحيوانات تتغذى على ما تصطاده من أسماك وكائنات بحرية، ولهذا فإنها كثيرة التنقل فوق كتل الجليد التي تطفو فوق البحر. وسكان التندرا قليلون جدًّا في الوقت الحاضر، وهم يعتمدون في حياتهم على حرفتي الصيد والرعي، ففي شمال كندا مثلًا يقوم "الإسكيمو" بصيد حيوان الرنة "الكاريبو" وسبع البحر، ويكون ذلك بصفة خاصة في فصل الصيف، أما في الشتاء فيرحلون نحو الجنوب حيث يقومون بصيد الحيوانات ذات الفراء في الأطراف الشمالية لنطاق الغابات الصنوبرية. أما في شمال شبه جزيرة اسكنديناوه وفنلنده وروسيا فقد استطاعت جماعات اللاب أن تستأنس الرنة وتقوم برعيها وتنتقل من مكان إلى آخر بحثًا عن الرعي.

نباتات الجبل

5-5-نباتات الجبل: تتميز الجبال بأن نباتاتها تتغير في نطاقات متتابعة من أسفل إلى أعلى بطريقة مشابهة لتتابع الأقاليم النباتية على سطح الأرض ما بين خط الاستواء والقطب؛ إلا أن هذا التتابع ليس متشابهًا تمامًا في جميع الجهات الجبلية في العالم؛ حيث أنه يتأثر بعدة عوامل أخرى غير الارتفاع، هما الموقع بالنسبة لخط العرض واتجاه المنحدرات بالنسبة لسقوط أشعة الشمس أو بالنسبة لاتجاه الرياح الممطرة. ففي الأقاليم الحارة تتدرج الحياة النباتية على منحدرات الجبال المرتفعة من "أسفل إلى أعلى" من الغابات أو الحشائش المدارية إلى الغابات أو الحشائش المعتدلة ثم حشائش التندرا، وأخيرًا نصل إلى نطاق الثلج الدائم الذي لا يظهر بطبيعة الحال إلا على القمم المرتفعة جدًّا، أما في الأقاليم المعتدلة فيبدأ التدرج من غابات أو حشائش المناطق المعتدلة إلى التندرا ثم منطقة الثلج الدائم.

والارتفاعات التي تبدأ عندها النطاقات النباتية السابقة ليست واحدة في جميع الأقاليم؛ فهي أكثر ارتفاعًا في الأقاليم الحارة منها في الأقاليم المعتدلة أو الباردة، كما أنها تكون في فصل الصيف أكثر ارتفاعًا منها في فصل الشتاء، وعلى المنحدرات المواجهة لخط الاستواء أكثر ارتفاعًا منها على المنحدرات المواجهة للقطبين؛ حيث إن ما يصيب الأولى من أشعة الشمس يفوق كثيرًا ما يصيب الثانية في الفصول المختلفة. وتعيش في المناطق الجبلية أنواع مختلفة من الحيوانات؛ بعضها يعيش في نطاق الغابات وبعضها الآخر في نطاق الحشائش ومن أمثلة الحيوانات الجبلية التي تعيش في الغابات بعض أنواع القردة ذات الفراء وهي توجد في جبال هيمالايا وهضبة التبت، ثم الدب الأسود والنمر الأرقط "Panther" الذي يمتاز بفرائه الأسود السميك ذي البقع الرمادية، وهو يوجد بصفة خاصة في هضبة منغوليا، أما الحيوانات التي تعيش في نطاق الحشائش فمن أهمها بعض الحيوانات الثديية مثل التيتل الذي يوجد في جبال الألب، والياك "Yak" في هضبة التبت، وهو أهم وسيلة لحمل الأثقال والتنقل عند سكان هذه الهضبة، وهو يشبه في ذلك حيوان اللاما في جبال أمريكا الجنوبية، وتمتاز الحيوانات الثلاثة الأخيرة بأن لها حوافر قوية تساعدها على تسلق الجبال ذات المسالك الوعرة.

المراجع

المراجع: المقدمة 1: في الجغرافيا الفلكية. 1- إمام إبراهيم أحمد -عالم الأفلاك- القاهرة 1962. 2- عبد العزيز طريح شرف -الجغرافيا الطبيعية- الأسكندرية 1984. 3- محمد عبد السلام الكرداني -النجوم في مسالكها- القاهرة 1933. 4- Fath. E.A. "Astronomy" London, 1955. 5- Hoyle,F. Frontiers of Astrondomy " , London, 1948 وهو مترجم إلى العربية بعنوان مشارف علم الفلك للمترجمين إسماعيل حقي - وعبد الحميد سماحة. 6- Hoyle, F. " Nature of the Universe.htm'" London, 1946 7- James Jeans, '" The Universe Around Us". Cambridge U.P., 1969 8- Sidgwick. J.B. " Introductiojn to Astronomy" , " London.1959 9- Smart,. W.M., Foundations of Astronomy". Longmans, London, 1953

المقدمة 2 في الفيزيوغرافيا

المقدمة 2 في الفيزيوغرافيا: 1-حسن سيد أبو العينين - كوكب الأرض- الإسكندرية- 1974. 2- حسن سيد أبو العينين -أصول الجيومورفولوجيا- الأسكندرية - 1968. 3- حسن صادق -الجيوموجيا- القاهرة- 1930. 4- جودة حسين جودة -معالم سطح الأرض-بيروت 1966.

5- عبد العزيز طريح شرف الجغرافيا الطبيعية – الإسكندرية – 1984. 6- محمد صفي الدين أبو العز – قشرة الأرض – القاهرة – 1957. 7- محمد متولي موسى – وجه الأرض – القاهرة 1945. 8-Finch V. C. & Trewartha , C. T.," Physical Elements of Geography ", N. Y. 1949. 9-Holmes, A., " Principles of Physical Geology " , London, 1959. 10-Lake , P., " physical Geography " , Cambridge , 1949. 11-Monkhouse , F.J., " Principles of Physical Geography " London , 1954. 12-Peel, R.F., " Physical Geography ". London , 1965. 13-Sparks , B. W., " Geomorphology " London 1976. 14-Strahler , " Physical Geography " New York , 1969. 15-Thornbury , W.D., " Principles of Geomorphology , New York, 1958.

المقدمة 3 في جغرافيا البحار

المقدمة 3 في جغرافيا البحار ... المقدمة 3: في جغرافية البحار. 1- حسن سيد أبو العنين - جغرافية البحار والمحيطات - الإسكندرية - 1982. 3- Arxvon , W. S ," Introduction to Physical Oceanography " London , 1962. 4-Carson , R.L." The Sea Around Us" , Oxford U.P.I951. 5-Cowen.R.C," Frontiers of the Sea", London, 1960. 6-Daly , R.A., " The Floor Of the Ocean " , North Carolina University P. 1942. 7-Gross , M. G., " Oceanography " , Ohio , 1969. 8-King , C. A. M., " Oceanography for Geographers " London, 1962. 11-Zenkovich , V. " Sea Bed ". Moscow , 1958 , English Translation

المقدمة 4 مقدمة في الطقس والمناخ

المقدمة 4: مقدمة في الطقس والمناخ. 1-حسين سيد أبو العينين – أصول الجغرافيا المناخية – الإسكندرية 1981. 2-عبد العزيز طريح شرف – الجغرافيا المناخية والنباتية – الإسكندرية 1981. 3-علي البنا – الجغرافيا المناخية والنباتية – بيروت – 1968. 4-فهمي هلال أبو العطا – الطقس والمناخ – الإسكندرية – 1970. 5-Blair, T. A., " Weather Elements " , Prentic - Hall, New Jersy, 1960. 6-Critchfield,H.I," General Climatology", New York , 1960. 7-Kendrew , W. C., " Climate ", Oxford U. P. 1949. 8-Kendrew,W.C, " The Climates of the Continents ", Oxford U.P. 1961. 9-Koeppe , C. E., " Weather & Climate " , New York , Me Graw-Hill, 1958, 10-Mather,J.R.,"Climatology " , Fundamentals & Applications , New York , Me. Graw - Hill ,197^. 11-Miller, A. A., " Climatology ", Methuen , London , 1957. 12-Pettersen , S., " Introduction to Meteorology " Me - Graw -Hill, New York, 1969. 13-Trewartha,G.T,, " An Introduction to Climate " Me - Graw -Hill New York, 1954.

المقدمة 5 في الجغرافيا الحيوية

المقدمة 5: في الجغرافيا الحيوية. 1- زين الدين عبد المقصود – "الجغرافيا الحيوية" الإسكندرية 1978. 2- السيد خالد المطري – "الجغرافيا الحيوية" – جدة 1981. 3-Cain.S. A.," Foundation of Plant Geography" New York 1944. 4-Cain. S. A., " Physical Basis of Plant Geography" , 1950. 5-Campbell,D.H., " An Outline of Plant Geography" ' 1962.

6-Dansereau , P., " Biogeography " , Ronald Press , 1957. 7-Eyre,S.R.,"Vegetation &Soils, a World Picture " London , 1958. 8-Newbigin, M.T., " Plant & Animal Geography " , London , 1968. 9-Riley , D. & Young , A." World Vegetation " Cambridge U. P.1966. 10-Robinson , H., " Biogeography " , London , 1972.

الفهرس

الفهرس: 1: مقدمة في الجغرافيا الفلكية. 1-1 الأجرام السماوية 1 1-2 النظام الشمسي 17 1-3 حركات القمر والأرض 33 1-4 أصل الأرض 53

مقدمة 2 في الفيزيوغرافيا

2: مقدمة في الفيزيوغرافيا. 2-1 عمر الكرة الأرضية وتركيبها 65 2-2 صخور القشرة الأرضية 74 2-3 اليابس والماء من سطح الكرة الأرضية 113 2-4 عوامل تشكيل سطح الأرض 130 2-4-1 الحركات الباطنية 131

2-4-2 العوامل الخارجية التي تساهم في تشكيل سطح اليابس 178 -التجوية 179 -التعرية 181 -حركات الانهيار والانزلاق 188 2-4-3 نظرية توازن القشرة 189 2-4-4 الأنماط التضاريسية الكبرى 192

مقدمة 3 في جغرافيا البحار

مقدمة 3 في جغرافيا البحار ... 3- مقدمة في جغرافية البحار. 3-1 مفهوم البحر والمحيط وأنواع البحار 203 3-2 سيادة البحار والمحيطات على سطح الأرض 205 3-3 حدود المحيطات وملامحها العامة 207 3-4 تضاريس قاع المحيطات 209 3-5 طبيعة مياه البحار والمحيطات 215 3-6 حركات مياه البحار والمحيطات 218 3-6-1 الأمواج 218 3-6-2 المد والجزر 220 3-6-3 التيارات البحرية 222

مقدمة 4 في الطقس والمناخ

4- مقدمة في الطقس والمناخ. تمهيد الفرق بين الطقس والمناخ: 4-1 الغلاف الجوي 239 4-2 عناصر المناخ 246 4-2-1 الإشعاع الشمسي 248 4-2-2 درجة حرارة الجو 259 4-2-3 الضغط الجوي والدورة الهوائية العامة 284 4-2-4 الرياح والكتل الهوائية 301 4-3 رطوبة الهواء 316 4-4 التكثف 321 4-4-1 التكثف عند سطح الأرض 323 4-4-2 التكثف في أعلى التروبوسفير 327 أ- السحب 327 ب- الأمطار "التساقط" 330

مقدمة 5 في الجغرافيا الحيوية

5- مقدمة في الجغرافيا الحيوية. 5 الأشكال الرئيسية للنباتات الطبيعية وأهم حيواناتها 345 5-1 الغابات 346 5-1-1 الغابات المدارية 350 5-1-2 الغابات المعتدلة الدافئة 355 5-1-3 الغابات المعتدلة الباردة 357 5-2 الحشائش 364 5-2-1 السفانا "الحشائش المدارية" 365 5-3 الصحارى 370 5-4 التندرا 372 5-5 نباتات الجبل 374

§1/1