المقتفى من سيرة المصطفى

ابن حبيب الحلبي

مقدمة المؤلف

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم مُقَدّمَة الْمُؤلف الْحَمد لله الَّذِي جَمعنَا على محبَّة سيد الْبشر ونفعنا بسيرته الَّتِي حسن مِنْهَا الْمُبْتَدَأ وطاب الْخَبَر وأهلنا لخدمة سنته الشَّرِيفَة وفضلنا بِاتِّبَاع أَحْكَامه المنيرة وأعلامه المنيفة وَالصَّلَاة على نبيه مُحَمَّد صَاحب السِّيرَة السّريَّة وساحب سحائب الْفضل والشرف على سَائِر الْبَريَّة وعَلى آله وَصَحبه المرضية سكنات كل مِنْهُم وحركاته وَعَلِيهِ وَعَلَيْهِم السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَبعد. . فَإِن أحسن الحَدِيث كتاب الله الْكَرِيم وَخير الْهدى مَا نقل عَن الْمَوْصُوف بالخلق الْعَظِيم فالسعيد من امتثل أوَامِر كِتَابه وَرَسُوله واقتفى من أثرهما مَا يبلغ بِهِ غَايَة قَصده وسوله وفقنا الله لاتباع محبته ومراضيه وهدانا فِيمَا بَقِي من الْعُمر وَعَفا عَمَّا جرى فِي ماضيه بمنه وَطوله وقوته وَحَوله

نسب النبي صلى الله عليه وسلم

نسب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة ابْن إلْيَاس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أدد بن

اليسع بن الهميسع بن سلامان بن نبت بن حمل بن قيذار بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن تارح بن ناحور بن ساروع بن أرعواء بن فالع بن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن سَام بن نوح بن لمك بن متوشلح بن أَخْنُوخ بن يرد بن مهلائيل بن قنيان بن أنوش بن شِيث بن آدم أبي الْبشر عَلَيْهِ السَّلَام (نسب عَلَيْهِ مهابة وجلالة ... بالمصطفى خير الورى أقْصَى الأرب) (نسب أَضَاء الْأُفق بِنور من ... لولاه مَا طلع الْهلَال وَلَا غرب) (نسب رفيع ضم جَامع شَمله ... أَعْيَان سَادَات الْأَعَاجِم وَالْعرب)

تزويج آمنة من عبد الله بن عبد المطلب

تَزْوِيج آمِنَة من عبد الله بن عبد الْمطلب تزوج عبد الله بن عبد الْمطلب وَالِد ملاذ المقترب وعياذ المغترب آمِنَة أم الإِمَام الْأَعْظَم الَّذِي وفر الله من الْكَرَامَة قسمه وبحياته أقسم وَهِي بنت وهب بن عبد منَاف بن زهرَة بن كلاب المحمية من أسلحة قَومهَا بالبتر المواضي والصم الصلاب وَكَانَت فِي حجر عَمها وهيب مبرأة من شين الشين وعيب الْعَيْب فَخَطَبَهَا مِنْهُ عبد الْمطلب لوَلَده قَاصِدا جمع الشمل بَين لبوته وأسده فَأحْسن جَوَابه وَقبل خطبَته وخطابه وَمن نجله عبد الله زَوجهَا وبالإكليل الأرضي بل السماوي توجها يَا لَهُ عقدا بلغ بِهِ أهل الْإِيمَان غَايَة الْأَمَانِي وقرانا طارت بأنباء نبوته حمائم التهاني (واستبشر الْكَوْن وشمس الضُّحَى ... خلقت الْآفَاق بالزعفران) (والبدر للزهر غَدا قَائِلا ... يَا قوم مَا أسعد هَذَا الْقُرْآن)

حمل آمنه بالنبي صلى الله عليه وسلم

حمل آمنهُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما حملت بِهِ لم تَجِد شَيْئا من الثّقل وَلَا اعتراها بِسَبَبِهِ تبرم وَلَا ملل وأتاها آتٍ حسن الْكَلَام وَهِي مَا بَين الْيَقَظَة والمنام مخبرا أَنَّهَا حملت بِسَيِّد الْأمة ونبيها واشتملت على شمس بكرتها وقمر عشيها ثمَّ أَتَاهَا حِين دنا وَقت وِلَادَتهَا وتكملت محَاسِن درة وِلَادَتهَا فَقَالَ عوذيه بِالْوَاحِدِ من شَرّ كل حَاسِد وَأمرت أَن تسميه مُحَمَّدًا وَفِي رِوَايَة أَحْمد يَا لَهُ سيف شرفه الْمَشْهُور لَا يغمد (يَا بنت وهب أَبْشِرِي وتمتعي ... فَلَقَد حملت بِسَيِّد الْأَشْرَاف) (ذَاك الَّذِي من شَاءَ يعرف قدره ... فَعَلَيهِ بالأنفال والأعراف) وَفَاة وَالِده عبد الله بن عبد الْمطلب خرج عبد الله فِي فتية من تجار قُرَيْش إِلَى الشَّام شائما وميض برقة المتألق فِيمَن شام فَلَمَّا فرغوا من قضى أوطارهم وَانْصَرفُوا رَاجِعين إِلَى دِيَارهمْ مروا بِأَكْنَافِ الْمَدِينَة بِمَا مَعَهم من البضائع الثمينة فَتخلف بهَا عِنْد أَخْوَاله من بني النجار واشتغل بِمَرَض نَفسه عَن المتجر والتجار

مولد النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل

وَاسْتمرّ موثقًا بِقَيْد الوصب إِلَى أَن حَان أَجله واقترب فَدفن بدار النَّابِغَة وتقلصت طلاله السابغة ومني بعد خمس وَعشْرين بملازمة الضريح وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ حمل على الصَّحِيح وَفِيه تَقول آمِنَة من أَبْيَات (عَفا جَانب الْبَطْحَاء من نجل شيبَة ... وجاور لحدا خَارِجا فِي الغماغم) (دَعَتْهُ المنايا دَعْوَة فأجابها ... وَمَا تركت فِي النَّاس مثل ابْن هَاشم) مولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفِيل ولد فِي أَيمن طالع وأسعده وَحل فِي أفضل وَقت مَحْمُود بأحمده وَأَقْبل وخيل الْخَيْر تقاد بَين يَدَيْهِ وَقدم قدوم الْغَيْث إِلَى الأَرْض المحتاجة إِلَيْهِ وَذَلِكَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ حِين طلع الْفجْر وَمضى اللَّيْل عَازِمًا على الهجر لعشر خلون من ربيع الأول عَام الْفِيل أَهلا بِهِ من عَام بالنجاة زعيم وبالنجاح كَفِيل

وَلم يؤم أمه تَعب وَلَا نصب الدَّهْر لَهَا شرك نصب بل سعدت بِقُرْبِهِ واتصاله وبعدت عَن الْمَشَقَّة فِي حمله وفصاله وَرفعت بِمَا وضعت ولاحت عَلَيْهَا أنوار الْوَقار ولمعت فَلَمَّا انْفَصل مِنْهَا وانتقل محروسا بِالْمَلَائِكَةِ عَنْهَا برز نظيفا مختونا مَسْرُورا قطع مِنْهُ السِّرّ من اتَّخذهُ محبوبا محبورا وَظهر لَهُ من السِّرّ مَا حير الصَّامِت والمعرب وَخرج مَعَه نور أَضَاء لَهُ مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب حَتَّى بَين أَعْنَاق الْإِبِل ببصرا وزين قُصُور الشَّام فَلم يدع مِنْهَا قصرا وعَلى الأَرْض وَقع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَافعا رَأسه إِلَى السَّمَاء مُعْتَمدًا على يَدَيْهِ ثمَّ أَخذ بكفه قَبْضَة من تُرَاب الأَرْض إِشَارَة إِلَى أَنه يملكهَا كلهَا فِي الطول وَالْعرض ثمَّ أدَّت مَا حَملته من الْأَمَانَة آمِنَة وَكَانَت مِمَّا تَشْكُو الْحَوَامِل آمِنَة وَقيل لما اشْتَدَّ بهَا طلق النّفاس وَكَانَت فريدة بسطت أكف شكواها إِلَى ذِي

الأيادي الحميدة فَإِن هِيَ بمريم ابْنة عمرَان وآسية بنت مُزَاحم ومعهن جمَاعَة من الْحور الحسان الأعاظم فَحِينَئِذٍ أَسْفر فِي بَيتهَا صبح السَّعَادَة وَذهب عَنْهَا الْحزن وأبدت لَهَا السِّيَادَة وَكَانَت قابلته الشِّفَاء بنت عَمْرو بن عَوْف وحاضنته أم أَيمن الَّتِي أمنت بِهِ عَظِيم الشدائد وَالْخَوْف فَمَا أكْرم أَيَّام مولده الشريف عِنْد من عرف قدرهَا وَمَا أعظم بركتها عِنْد من عرف سرها ونشرها وحقيق بِيَوْم كَانَ فِيهِ وجود النَّبِي أَن يتَّخذ عيدا وخليق بِوَقْت اسْتَقَرَّتْ فِيهِ غرته أَن يعْقد طالعا سعيدا إِذْ قد انبسق فِيهِ عَن جَوْهَرَة الْكَوْن بيض الشّرف وَفِيه ظَهرت الدرة المصونة من بَاطِن الصدف وأبرز سَابق السعد من كمون الْعَدَم وبمكة المشرفة أنْجز صَادِق الْوَعْد بمضمون الْكَرم وَقد خصت لَيْلَة ظُهُوره وَيَوْم سطوع ضوء نوره بخصائص لَا تتناهى ومزايا لَا تضاهى وَلَا تباهى إِذْ هُوَ سيد ولد آدم ومعولهم وَخَاتم النَّبِيين وأولهم فصلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله الطيبين وَسلم تَسْلِيمًا وعَلى الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ (بَدَت لنا فِي ربيع طلعة الْقَمَر ... من وَجه من فاق كل البدو والحضر) (تجمع الْحسن فِيهِ فَهُوَ واحده ... وَكَانَ فِي صُورَة فاقت على الصُّور) (إِن لم أزر قَبره يَا سعد فِي عمري ... من بعد هَذَا الجفا يَا ضَيْعَة الْعُمر)

(صلى عَلَيْهِ إِلَه الْعَرْش مَا صدحت ... حمائم الْوَرق فِي الآصال وَالْبكْر) وَمِمَّا مدح بِهِ شهر مولده الشريف (لهَذَا الشَّهْر فِي الْإِسْلَام فضل ... ومنقبة يفوق على الشُّهُور) (فمولود بِهِ وَاسم وَمعنى ... وآيات بهرن لَدَى الظُّهُور) (ربيع فِي ربيع فِي ربيع ... وَنور فَوق نور فَوق نور) وَمن كَلَام سيدنَا الْعَبَّاس عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَأَنت لما ولدت أشرقت ... الأَرْض وضاءت بنورك الْأُفق) (فَنحْن فِي ذَلِك الضياء وَفِي ... النُّور وسبل الرشاد نخترق)

الآيات التي ظهرت بمولده صلى الله عليه وسلم

الْآيَات الَّتِي ظَهرت بمولده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما ولد الرَّسُول الْمُصْطَفى وقرت بِهِ عُيُون أهل الوفا والصفا وَظهر إِلَى الْوُجُود رَحْمَة إِلَى جَمِيع النَّاس وكسي من أَجله الْوُجُود أَفْخَر لِبَاس وَفتحت أَبْوَاب الْجنان وتزخرفت لقدومه استبشارا وخمدت النيرَان وأغلق مِنْهَا الْأَبْوَاب منَّة وإشعارا وَانْشَقَّ عِنْد ذَاك إيوَان كسْرَى لهيبته حَتَّى سمع الْقَوْم صَوت انصداعه ورجته وَسَقَطت مِنْهُ أَربع عشرَة شرفة كَمَا رَوَاهُ الْقَوْم وَأخْبر من رَآهُ أَن الشق طولا فِي سقفه وَهُوَ بَاقٍ إِلَى الْيَوْم وخمدت نَار فَارس الَّتِي كَانُوا يعبدونها وَلم تخمد قبل ذَلِك بِأَلف عَام بل كَانُوا يوقرونها فَلَمَّا خمدت يَوْم المولد الشريف لم يقدر على إيقادها القوى مِنْهُم وَلَا الضَّعِيف وغاضت بحيرة ساوة بعد أَن كَانَت السفن فِيهَا تركب فأضحت لَيْلَة المولد الشريف وأرضها يابسة وَمِنْهَا يتعجب وحرست السَّمَاء بِالشُّهُبِ وَمنع مِنْهَا كل شَيْطَان وتكسرت تَعْظِيمًا لَهُ الْأَصْنَام والصلبان

وانفلقت عَنهُ البرمة الَّتِي وضعت عَلَيْهِ فرْقَتَيْن وشق بَصَره ينظر إِلَى السَّمَاء رَأْي الْعين قَالَت أمه لما وَلدته خرج من فَرجي نور أَضَاء لَهُ قُصُور الشَّام فسبحان من حباه الْهِدَايَة والعناية وَالْبر وَالْإِكْرَام وَقَالَ فِي حَقه إِظْهَارًا لعلو فَضله وتذكيرا {يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهدا وَمُبشرا وَنَذِيرا وداعيا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وسراجا منيرا وَبشر الْمُؤمنِينَ بِأَن لَهُم من الله فضلا كَبِيرا} (وَلكم رَأينَا آيَة مَشْهُورَة ... نَص الْكتاب بهَا غَدا مَشْهُورا) (خمدت لَهُ نَار الْمَجُوس ونكست ... أصنامهم ودعوا هُنَاكَ ثبورا) (وأتى بشيرا بالهداية والتقى ... فلكم سيدعو هاديا وبشيرا)

رضاعه صلى الله عليه وسلم

وَمن أحسن مَا نظم (ومولده قد كَانَ فِيهِ عجائب ... ونكست الْأَصْنَام حَقًا بِلَا مرا) (وإيوان كسْرَى قد تصدع هَيْبَة ... لطه رَسُول الله أفضل من قرا) (وأخمدت النيرَان فِي أَرض فَارس ... وبشرت الرهبان قولا تسطرا) (وأصبحت الأكوان تزهوا تفاخرا ... بوجدان من بِالْفَضْلِ قد زَان الورى) (فصلى عَلَيْهِ الله رَبِّي مُسلما ( ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .) رضاعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما برز إِلَى الْوُجُود ذَلِك الحبيب المحبوب وَشرح الله بِهِ الصُّدُور وَأنزل حبه فِي الْقُلُوب أَرْضَعَتْه أمه سَبْعَة أَيَّام ثمَّ أَرْضَعَتْه بعد ذَلِك ثويبة لَا على الدَّوَام بل أَتَت حليمة السعدية فتولت رضاعه فَكَانَ لَهَا خير

تِجَارَة وصناعة قَالَت لما وَضعته فِي حجري أقبل عَلَيْهِ ثدياي بِمَا شَاءَ من اللَّبن فَشرب حَتَّى روى مَحْفُوظًا بالعناية محفوفا بالمنن وَشرب أَخُوهُ عبد الله تَعْنِي ابْنهَا ثمَّ نَام وَمَا كَانَ فِي ثديها مَا يغذيه قبل أَن ترْضع خير الْأَنَام وَدرت شياهها بِاللَّبنِ بعد أَن كَانَت لَا تروى ناهلا وأسرعت أتانها فِي السّير بعد الضير وَكَانَت ثاقلا وَأسْلمت حليمة على الْمَشْهُور وعدت من الصحابيات وحفتها الْعِنَايَة معْجزَة لسَيِّد السادات وَخير البريات (فازت حليمة من رضَاع مُحَمَّد ... خير الورى طرا بأعظم مقصد) (نَالَتْ من البركات حِين مَضَت بِهِ ... والسعد قارنها بطلعة أَحْمد) (قد در مِنْهَا الثدي حِين رضاعه ... أمنت بِهِ من كل جهد مجهد) (وأتانها للركب قد سبقت بهَا ... فَرحا وتيها بالرسول الأمجد) (أغنامها صَارَت شباعا كلما ... سرحت تجود لَهَا بدر مُزْبِد) (وَرَأَتْ من الْخيرَات وَهِي تحفها ... وَالنَّاس فِي مَحل وعيش أنكد)

(نَالَتْ بِهِ كل المسرة والهنا ... فَهُوَ الَّذِي قد سَاد كل مسود) صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر شقّ صَدره الشريف لما بلغ سنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث سِنِين وَقيل أَرْبعا حسب مَا قيل عَمَّن فِي رِوَايَته سعى شقّ صَدره الشريف وَهُوَ فِي دَار بني سعد عِنْد حليمة وحف بالمكارم وملىء بالأخلاق الْعَظِيمَة ثمَّ لما بلغ من الْعُمر عشرَة أَعْوَام ومنحه الله الْهِدَايَة وَالْبر والإنعام شقّ صَدره الشريف مرّة ثَانِيَة وَغسل وملىء إِيمَانًا وَحِكْمَة زاكية ثمَّ لما بَعثه الله رَحْمَة للْعَالمين شقّ صَدره وملىء من الْحِكْمَة وَالْيَقِين وشق رَابِعا فِي لَيْلَة الْإِسْرَاء والمعراج كَمَا سطر وَحصر عِنْد طوائف الْعلمَاء وحرر وَكَانَ عِنْد شقّ صَدره الشريف يزْدَاد شرفا وَيُعْطِي من الرشاد عزة وتحفا (وشق صدر الْمُصْطَفى وَهُوَ فِي ... دَار بني سعد بِلَا مرية)

وفاة أمه آمنة وكفالة جده عبد المطلب له

(كشقه وَهُوَ ابْن عشر وَفِي ... معراجه وَقبل فِي الْبعْثَة) وَفَاة أمه آمِنَة وكفالة جده عبد الْمطلب لَهُ لما بلغ عمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتّ سِنِين وقرت بِهِ أعين أَهله الفائزين خرجت بِهِ أمه إِلَى الْمَدِينَة لزيارة أخوال أَبِيه بني النجار ومعهما أم أَيمن حاضنة الرَّسُول الْمُخْتَار فأقاموا شهرا ثمَّ خَرجُوا رَاجِعين إِلَى الْحرم فَلَمَّا كَانُوا بالأبواء مَاتَت أم سيد الْأُمَم فَدخلت بِهِ أم أَيمن إِلَى مَكَّة وضمه جده إِلَيْهِ وَكَانَ يعلى مَنْزِلَته ويرق عَلَيْهِ وَيَقُول إِن لوَلَدي هَذَا شَأْنًا وَقد كَانَ مَا قَالَ وَفَوق مَا تمنى وَلم يزل يكفله إِلَى أَن بلغ ثَمَان سِنِين وَقيل تسعا وَقيل عشرا وَقيل غير ذَلِك كَمَا أثْبته من لَهُ ادّعى وَمَات جده عِنْد ذَلِك وَذهب إِلَى مَوْلَاهُ بعد أَن أوصى أَبَا طَالب بِحِفْظ رَسُول الله (أصُول الْمُصْطَفى أَصْحَاب مجد ... لَهُم شرف يخص لَدَى الثِّقَات) (فَمَا مِنْهُم فَتى إِلَّا ويرجى ... لفك شَدَائِد أَو معضلات) (طَوِيل الباع شيبَة ذَا الْمَعَالِي ... كريم الخيم مَحْمُود الهبات)

ضم أبي طالب للنبي صلى الله عليه وسلم سنة ثمان من الفيل

(وصُولا لِلْقَرَابَةِ هبرزيا ... وغيثا فِي السنين الممحلات) (عقيل بني كنَانَة والمرجى ... إِذا مَا الدَّهْر أقبل بالهبات) ضم أبي طَالب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سنة ثَمَان من الْفِيل فَلَمَّا توفّي عبد الْمطلب ضمه عَمه أَبُو طَالب فظفر مِنْهُ بأفخر الْكُنُوز وأسنى المطالب وَكَانَ يُحِبهُ حبا شَدِيدا ويلقى عَلَيْهِ من الْكَرَامَة ظلا مديدا وَيجمع بِهِ شَمله وَيعرف بركته وفضله ويقدمه على أَوْلَاده وينشرح بمضيه إِلَيْهِ وترداده وَخرج بِهِ إِلَى الشَّام فِي أَشْيَاخ من قُرَيْش فَذهب عَنْهُم بِصُحْبَتِهِ النصب وطاب لَهُم الْعَيْش ومروا فِي سيرهم بِالرَّاهِبِ الْمُسَمّى بحيرا فَنزل إِلَيْهِم مفارقا لعادته وصنع لَهُم طَعَاما كثيرا وَأخذ بيد سيد الراحلين والقادمين وَقَالَ هَذَا يَبْعَثهُ الله رَحْمَة للْعَالمين وَأخْبرهمْ برفعة نجومه وَسُجُود الْحجر وَالشَّجر عِنْد قدومه وَأَن الغمامة أظلته دون من قبله من الْقَوْم وَبعده وَمَا رَآهُ من صفته الَّتِي كَانَ يجدهَا مَكْتُوبَة عِنْده وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ ذَاك ابْن اثنتى عشرَة سنة وشب مَعَ أبي طَالب يكلأه ويحفظه من لَا يَأْخُذهُ نوم وَلَا سنة لما يُرِيد من كرامته ويختار من نبوته وإمامته حَتَّى كَانَ أفضل قومه مُرُوءَة وجوارا وَأَحْسَنهمْ خلقا وأرفعهم

أعمام النبي صلى الله عليه وسلم وعماته أعمام النبي صلى الله عليه وسلم

منارا وأجزلهم عفة وصيانة وأعظمهم حلما وَأَمَانَة لَا يُمَارِي وَلَا يداجي وَلَا يَمِين حَتَّى سمي لما جمع فِيهِ من الْأُمُور الصَّالِحَة بالأمين (نَبِي بحيرا هام فِي در بحره ... وَفِي الْوَصْف من آيَاته حارت الْفِكر) (نَبِي أظلته الغمامة إِذْ مَشى ... وَعَن أمره جَاءَت إِلَى نَحوه الشّجر) (وخاطبه ظَبْي الفلاة وضبها ... ووافى إِلَى الظامي بدعوته الْمَطَر) (عَلَيْهِ سَلام الله مَا هبت الصِّبَا ... وَمَا غرد الْقمرِي واتسق الْقَمَر) أعمام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعماته (أعمام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَبُو الْفضل الْعَبَّاس الْمَخْصُوص بأنواع من الشّرف وأجناس وَالِد الْخُلَفَاء الْكِرَام الطَّائِف العاكف بِالْبَيْتِ بَيت الله الْحَرَام وَحَمْزَة أَسد الله وَرَسُوله والناصب للْمُشْرِكين شرك رماحه ونصوله عَاشَ سعيدا وَمَات يَوْم أحد شَهِيدا والْحَارث أكبر وَلَده وَأول مَعْدُود من أسلحته وعدده حضر حفر

عمات النبي صلى الله عليه وسلم

زَمْزَم وَكَانَ بِهِ يتَمَسَّك وَله يلْزم وَأَبُو طَالب عبد منَاف مَعْدن الْجُود وَمَعْقِل الأضياف وَالِد أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ وناصر الْمفضل على كل نَبِي وكل ولي وَأَبُو طَاهِر الزبير الْمَوْصُوف بِدفع الضيم والضير وحجل الْمُسَمّى بالمغيرة صَاحب الْمَغَانِم الجزيلة والمكارم الغزيرة وَأَبُو هِنْد الْمُقَوّم الَّذِي مَا نَام عَن حفظ الذمام وَلَا هوم وَأَبُو نَافِع ضرار الْقَائِل إِذا حمي الْوَطِيس لَا فرار وَمصْعَب الْمُسَمّى بالغيداق والشهير بِكَثْرَة الْخَيْر وَحسن الْأَخْلَاق وَعبد الْكَعْبَة كاشف غمام الغموم الصعبة وَقثم هلك صَغِيرا وَترك عَيْش أَبِيه بعد حلوه مريرا وَأَبُو لَهب عبد الْعُزَّى الَّذِي كَانَت حمية الْجَاهِلِيَّة تؤزه أزا عمات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَفِيَّة الوفية المؤمنة المهاجرة الزكية والبيضاء أم حَكِيم توءمة وَالِد النَّبِي الْكَرِيم وعاتكة مالكة الصون وَالْقدر وصاحبة الرُّؤْيَا الصادقة فِي وقْعَة بدر

وَأُمَيْمَة أم زَيْنَب الطاهرة زَوْجَة الْمَبْعُوث بِالْآيَاتِ الباهرة وأروى أم طليب الَّتِي لَا نقص فِي محتدها وَلَا عيب وبرة أم أبي سَلمَة الَّتِي رفع الْمجد لكل من وَلَدهَا علمه فَلَقَد أحسن مطرود بن كَعْب الْخُزَاعِيّ حَيْثُ يَقُول من أَبْيَات (يَا أَيهَا الرجل المحول رَحْله ... هلا سَأَلت عَن آل عبد منَاف) (المنعمين إِذا النُّجُوم تَغَيَّرت ... والظاعنين لرحلة الإيلاف) (والمطعمين إِذا الرِّيَاح تناوحت ... حَتَّى تغيب الشَّمْس فِي الرجاف)

حرب الفجار في شوال سنة عشرين من الفيل

حَرْب الْفجار فِي شَوَّال سنة عشْرين من الْفِيل حضر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صُحْبَة أَعْمَامه حَرْب الْفجار متدرعا لأمه الشّرف مُتَقَلِّدًا سيف الفخار فَجعل ينبل عَلَيْهِم وَيرد مَا يَقع من سِهَام عدوهم إِلَيْهِم وَكَانَ الَّذِي أوقد النَّار وهيج الضرام قتل البراض بن قيس عُرْوَة الرّحال فِي الشَّهْر الْحَرَام فثارت أعصار الْفِتْنَة وطارت غربان المحنة وتأهب قُرَيْش وَقيس عَاما لهَذِهِ الْحَرْب ثمَّ التقى الْفَرِيقَانِ لَا يفرقون من الطعْن وَالضَّرْب فَقتل مِنْهُم خلق كثير وَكَانَت الكرة على قيس فِي الْأَخير ثمَّ سكنوا وللسلم جنحوا وَاتَّفَقُوا على دِيَة الْقَتْلَى واصطلحوا وَفِي قتل عُرْوَة يَقُول لبيد بن ربيعَة من أَبْيَات (وَبلغ إِن عرضت بني ثمير ... وأخوال الْقَتِيل بني هِلَال)

حلف الفضول في ذي القعدة من السنة المذكورة

(بِأَن الْوَافِد الرّحال أَمْسَى ... مُقيما عِنْد ثيمن ذِي طلال) حلف الفضول فِي ذِي الْقعدَة من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ حضر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حلف الفضول وَهُوَ أَمر وَجهه فِي الظَّاهِر مَقْبُول دَعَا إِلَيْهِ الزبير بن عبد الْمطلب ونقم على من يتَخَلَّف عَنهُ من قُرَيْش ويحتجب فَاجْتمعُوا فِي دَار عبد الله بن جدعَان وأكلوا عِنْده مأدبة خير مطعام ومظعان ثمَّ تحالفوا وتعاقدوا وَبِاللَّهِ الْخَالِق تَعَاهَدُوا على أَن يَكُونُوا مَعَ الْمَظْلُوم حَتَّى يُؤَدِّي حَقه إِلَيْهِ فَسَمتْهُ قُرَيْش حلف الفضول وَهُوَ مسمي وَقع الإسم عَلَيْهِ (قل لقريش إِن وَردت حيهم ... يَا أمة سادوا بِخَير الرُّسُل)

خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشام سنة خمسة وعشرين من الفيل

(حلف الفضول مِنْكُم قد اغتدى ... بِسَيِّد الكونين حلف الْفضل) خُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الشَّام سنة خَمْسَة وَعشْرين من الْفِيل فَلَمَّا بلغ عَلَيْهِ السَّلَام عشْرين وَخَمْسَة أَعْوَام ودارت الْأَقْوَال فِيهِ بَين الأقوام قصد الشَّام بِإِشَارَة عَمه أبي طَالب ورحل فِي تِجَارَة لِخَدِيجَة الطاهرة من المثالب وَخرج مَعَه غلامها ميسرَة وسافر وأوجه الْحَظ لتلقيه مسفرة حَتَّى قدم إِلَى بصرى مَحْفُوظًا بِعَين الْعِنَايَة فِي الْإِقَامَة والمسرى فَنزل فِي ظلّ شَجَرَة هُنَاكَ لَا ينزل تحتهَا إِلَّا من نبأه سامك السماك أخبر بذلك الراهب نسطور حسب مَا هُوَ عِنْده فِي الْكتاب مسطور وَكَانَ ميسرَة يسر بِمَا يرى من بركته الوافرة ويشاهد ملكَيْنِ يظلانه من الْحر وَقت الهاجرة ثمَّ بَاعَ التِّجَارَة فائزا بِالرِّبْحِ الزَّائِد وَعَاد ولسان الْحَال يَقُول مرْحَبًا بالصلة والعائد (أما الشآم فَإِن غيث المزن من ... بركاته عَن أرضه لَا يرحل)

بناء الكعبة سنة خمسة وثلاثين من الفيل

(وَالْخَيْر منثال عَلَيْهِ وَكَيف لَا ... وَإِلَيْهِ قد وافى النَّبِي الْمُرْسل) بِنَاء الْكَعْبَة سنة خَمْسَة وَثَلَاثِينَ من الْفِيل كَانَ السَّيْل يدْخل الْبَيْت فانصدع فخافوا عَلَيْهِ أَن يتهدم وَيَقَع وَأَقْبَلت فِي الْبَحْر سفينة نفر من الرّوم وَكَانَ رَأْسهمْ بِنَاء يُقَال لَهُ باقوم فدفعتها الرّيح إِلَى الشعيبة فتكسرت فَعلمت قُرَيْش إِذْ ذَاك أَن أُمُور الْبناء تيسرت فابتاعوا من خشبها مَا ارْتَفع ونفع وكلموا الرُّومِي فِي رُجُوعه مَعَهم للْبِنَاء فَرجع فَجمعُوا الْآلَات بالجرم المطهر لِذَوي الزِّيَارَة وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْقل مَعَهم الْحِجَارَة فَلَمَّا فرغوا أَجمعُوا على هدمها فهدموا وحكموا فِي هَذِه الْقَضِيَّة بِمَا ألهموا لَا بِمَا علمُوا ثمَّ أخذُوا فِي الْعَمَل مبادرين إِلَيْهِ وميزوا الْبَيْت واقترعوا عَلَيْهِ فَوَقع لكل قَبيلَة جِدَار من أَرْبَعَة واجتهدوا فِي بِنَاء بَيت مَا أشرفه وأرفعه فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى حَيْثُ يوضع الْحجر طلبت كل قَبيلَة الْفَوْز بِوَضْعِهِ وَالظفر وَوَقع بَينهم الْخلاف ثمَّ رَضوا بِحكم صَاحب الْعدْل والإنصاف فَحَضَرَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحكم بَينهم بِمَا جنح كل مِنْهُم إِلَيْهِ وَسلم حملوه بأطراف رِدَاء أَلْقَاهُ

الإنذار برسول الله صلى الله عليه وسلم

عَلَيْهِ ثمَّ رَفعه مِنْهُ وَوَضعه فِي مَكَانَهُ بيدَيْهِ وشيدوه ورصفوه وَأَقَامُوا عمده وبالخشب سقفوه وَجعلُوا الْحجر من وَرَاء الْجِدَار وأبقوه رفيع الذّكر جليل الْقدر عَليّ الْمنَار (وَفِي ذَلِك يَقُول الزبير بن عبد الْمطلب من أَبْيَات (فقمنا حاشدين إِلَى بِنَاء ... لنا مِنْهُ الْقَوَاعِد وَالتُّرَاب) (أعز بِهِ المليك بني لؤَي ... فَلَيْسَ لأصله مِنْهُم ذهَاب) (وَقد حشدت هُنَاكَ بَنو عدي ... وَمرَّة قد تقدمها كلاب) (فبوأنا المليك بِذَاكَ عزا ... وَعند الله يلْتَمس الثَّوَاب) الْإِنْذَار برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنذر بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمَاعَة من الْكُهَّان وبشرت بظهوره الْأَحْبَار والرهبان واعترف بنبوته العارفون من أهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَقَامَت الْأَدِلَّة على رسَالَته وَالنَّهَار غير مُحْتَاج إِلَى دَلِيل

فَمن قَول الْحَارِث الرائش (وَيَأْتِي بعدهمْ رجل عَظِيم ... نَبِي لَا يرخص فِي الْحَرَام) (يُسمى أحمدا ياليت إِنِّي ... أعمر بعد مبعثه بعام) وَمن قَول تبع (شهِدت على أَحْمد أَنه ... نَبِي من الله باري النسم) (فَلَو مد عمري إِلَى عمره ... لَكُنْت وزيرا لَهُ وَابْن عَم) (وجاهدت بِالسَّيْفِ أعداءه ... وفرجت عَن صَدره كل غم) وَمن قَول خطر بن مَالك الكاهن (أَقْسَمت بِالْكَعْبَةِ والأركان ... ) (والبلد المؤتمن السدان ... ) (قد منع السّمع عتاة الجان ... ) (بثاقب من كف ذِي سُلْطَان ... )

(من أجل مَبْعُوث عَظِيم الشان ... ) (يبْعَث بالتنزيل وَالْقُرْآن ... ) وَمن قَوْله (أرى لقومي مَا أرى لنَفْسي ... ) (أَن يتبعوا خير نَبِي الْإِنْس ... ) (برهانه مثل شُعَاع الشَّمْس ... ) (يبْعَث من مَكَّة دَار الحمس ... ) (بمحكم التَّنْزِيل غير اللّبْس ... ) وَمن قَول سطيح الكاهن لعبد الْمَسِيح رَسُول كسْرَى عبد الْمَسِيح على جمل مشيح جَاءَ إِلَى سطيح حِين أوفى على الضريح بَعثك ملك ساسان لارتجاس الإيوان وخمود النيرَان ورؤيا الموبذان إِذا كثرت التِّلَاوَة وَظهر صَاحب الهراوة وَغَارَتْ بحيرة ساوة وفاض مَاء السماوة فَلَيْسَتْ الشَّام لسطيح شاما

وَمن قَول سَواد بن قَارب الكاهن (عجبت للجن وتطلابها ... وشدها العيس بأقتابها) (تهوي إِلَى مَكَّة تبغي الْهدى ... مَا صَادِق الْجِنّ ككذابها) (فارحل إِلَى الصفوة من هَاشم ... لَيْسَ قداماها كأذنابها) وَمن قَول ورقة بن نَوْفَل الحبر (وظني بِهِ أَن سَوف يبْعَث صَادِقا ... كَمَا أرسل العبدان هود وَصَالح) (ومُوسَى وَإِبْرَاهِيم حَتَّى يرى لَهُ ... بهاء ومنشور من الذّكر وَاضح) وَمِمَّا سمع من جَوف صنم يُقَال لَهُ ضمار (قل للقبائل من قُرَيْش كلهَا ... أودى ضمار وفاز أهل الْمَسْجِد)

مبعث النبي صلى الله عليه وسلم سنة أربعين من الفيل

(إِن الَّذِي ورث النُّبُوَّة وَالْهدى ... بعد ابْن مَرْيَم من قُرَيْش مهتدي) (أودى ضمار وَكَانَ يعبد مرّة ... قبل الْكتاب إِلَى النَّبِي مُحَمَّد) مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سنة أَرْبَعِينَ من الْفِيل بَعثه الله لأربعين سنة من عمره وزين آفَاق النُّبُوَّة بضوء قمره وأتحفه بالكرامة وَألقى عَلَيْهِ مقاليد الزعامة وبدىء من الْوَحْي بالرؤيا الصادقة وغدت نَفسه إِلَى الْخلْوَة فِي حراء وامقة فَكَانَ يُقيم فِي غاره اللَّيَالِي ذَات الْعدَد وَلم يزل حَتَّى فَجْأَة الْحق من الْفَرد الصَّمد ثمَّ ظهر لَهُ جِبْرِيل وبشره بالرسالة وأفاض عَلَيْهِ من قبل الله ملابس الْجَلالَة وتلطف بِهِ ليفرق بَينه وَبَين الْفرق وَأخرج لَهُ كتابا فِي نمط وَقَالَ لَهُ {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} ثمَّ ضرب بِرجلِهِ الأَرْض فتفجرت بِالْعينِ فَعلمه الْوضُوء وَأمره أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ انْصَرف وَمضى وَتَركه مُقيما فِي روض الرضى وَذَلِكَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ لسبع عشرَة خلت من رَمَضَان وَملك الْفرس يَوْمئِذٍ أبرويز بن هُرْمُز بن كسْرَى أنو شرْوَان

ذكر الثمانية السابقين إلى الإيمان

وَلما بدىء بِالنُّبُوَّةِ وَنزل جِبْرِيل إِلَيْهِ كَانَ لَا يمر بِحجر وَلَا شجر إِلَّا سلم عَلَيْهِ وَأقَام يَدْعُو إِلَى الله سرا ثَلَاث سِنِين إِلَى أَن أنزل عَلَيْهِ {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} فأظهر الدعْوَة وَثَبت أَرْكَان الهمة وَبلغ الرسَالَة وَأدّى الْأَمَانَة ونصح الْأمة (بعث المقفى من قُرَيْش رَحْمَة ... للْعَالمين وملجأ للنَّاس) (وافاه جِبْرِيل وَأَقْبل نَحوه ... بِبِشَارَة الْإِكْرَام والإيناس) (وَعَلِيهِ أسبل خلعة نبوية ... يمحو سناها ظلمَة الأغلاس) (أكْرم بِهِ من مُرْسل آيَاته ... مَشْهُودَة يَوْم الندى والباس) ذكر الثَّمَانِية السَّابِقين إِلَى الْإِيمَان أول ذكر آمن بِاللَّه وَرَسُوله عَليّ بن أبي طَالب وَهَذِه منقبة لَا نَظِير لوجهها النَّضِير فِي المناقب أسلم وَهُوَ ابْن عشر سِنِين وَاتبع من لم يزل بِهِ

أَي ضنين وَكَانَ يطلع على أسراره فيكتمها ويخفيها ويلازمه حَتَّى فِي شعاب مَكَّة لإِقَامَة الصَّلَاة فِيهَا ثمَّ أسلم زيد بن حَارِثَة وآمن بِصَاحِب الْأَركان الثَّابِتَة وَالْقَوَاعِد الماكثة وَاخْتَارَهُ على أَبِيه وَأقَام فِي خدمته وَهُوَ الَّذِي لَا يُنكر علو مَنْزِلَته وَلَا فضل قَدمته ثمَّ أسلم أَبُو بكر الصّديق الَّذِي لَا يعرف معروفه إِلَّا أهل التَّحْقِيق كَانَ رجلا حسن الْأَخْلَاق سهل الإرفاد والإرفاق يمِيل قومه إِلَيْهِ ويلوذون بِهِ ويعكفون عَلَيْهِ فَلَمَّا أسلم أظهر دينه ودعا إِلَى الْإِسْلَام فَأجَاب دَعَاهُ عُثْمَان بن عَفَّان وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص وَطَلْحَة بن عبيد الله الْمَشْهُور كل مِنْهُم بِالْوَلَاءِ وَالْإِخْلَاص فجَاء بهم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتلفظوا بِالْإِسْلَامِ بَين يَدَيْهِ وَصَدقُوا بِمَا أَتَى بِهِ وصلوا مَعَه صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ يَا لَهُم ثَمَانِيَة غمرهم الله تَعَالَى بسحائب الْإِحْسَان ونوه بذكرهم فِي قَوْله {رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان} (السَّابِقُونَ الْأَولونَ فتية ... عدتهمْ كَمَا أَتَى ثَمَانِيَة)

إظهار الدعوة سنة أربع من النبوة

(منزلهم فِي جنَّة عالية ... قطوفها تهوي إِلَيْهِم دانيه) إِظْهَار الدعْوَة سنة أَربع من النُّبُوَّة أَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة مستخفيا ثَلَاثَة أَعْوَام ثمَّ أعلن فِي الرَّابِعَة دَاعيا إِلَى الْإِسْلَام يعْتَرض الْقَبَائِل الواردين إِلَى الْحجاز ويوافي المواسم بعكاظ ومجنة وَذي الْمجَاز يبلغ النَّاس رسالات ربه ويحثهم على اسْتِمَاع قَوْله ونصرة حزبه ويدعوهم إِلَى الْإِيمَان ويعدهم بالفوز والرضوان وَيطْلب أَن يصدقوه ويتبعوه ويعضدوه حَتَّى يبين عَن الله ويمنعوه فَلَا يجد ناصرا وَلَا معينا وَلَا يرى إِلَّا بَخِيلًا بِمَا يَطْلُبهُ مِنْهُ ضنينا وَكَانَت قُرَيْش تَأمر النَّاس بِعَدَمِ طَاعَته وتحذرهم من الإصغاء إِلَيْهِ وَإِلَى جماعته أَقَامَ فيهم على التَّبْلِيغ والإنذار عشر سِنِين مستعينا بِمن أنزل سكينته عَلَيْهِ وعَلى الْمُؤمنِينَ (أَقَامَ رَسُول الله ينذر قومه ... سِنِين ويدعوهم إِلَى الْفَوْز وَالظفر) (فَلم يستجب لله إِلَّا صبَابَة ... وَفِي الْبَغي والطغيان زَاد الَّذِي كفر)

أمر قريش مع أبي طالب

(فَلَمَّا أَرَادَ الله إِظْهَار دينه ... على رغم أنف الْمُشْركين بِهِ ظهر) أَمر قُرَيْش مَعَ أبي طَالب لما خَاطب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قومه بِالْإِسْلَامِ وصدع بِمَا أَمر بِهِ من قبل الْملك العلام لم يردوا عَلَيْهِ وَلم يبعدوا مِمَّا جنح إِلَيْهِ فَلَمَّا عَابَ أصنامهم وسفه آراءهم وأحلامهم عادوه وَأَجْمعُوا خِلَافه وناكروه وأضمروا إِتْلَافه فذب عَنهُ عَمه أَبُو طَالب وَمنعه من شَرّ المستخفي مِنْهُم والسارب فَمشى إِلَيْهِ جمَاعَة من أَشْرَافهم وذكروه بِمَا أَصَابَهُم من سبّ آلِهَتهم وتضليل أسلافهم وكلموه فِي كف ابْن أَخِيه عَنْهُم فردهم بِالَّتِي هِيَ أحسن خيفة مِنْهُم ثمَّ إِنَّهُم تضاعفوا بعد ذَلِك وأوقعهم الشّرك فِي شرك المهالك فَمَشَوْا إِلَيْهِ مرّة أُخْرَى وَقَالُوا لَا نستطيع على هَذَا صبرا وأغلظوا لَهُ فِي الْمقَال وخيروه بَين الرُّجُوع عَن ابْن أَخِيه والنزال فأظهر لَهُم نجدة وجلدا وَقَالَ وَالله لَا أسلمه لشَيْء أبدا فحمى وطيس الضراوة وحقب الْأَمر واشتدت الْعَدَاوَة ووثبوا على ضعفاء الْمُسلمين يؤذونهم ويفتنونهم عَن دينهم ويعذبونهم فَقَامَ أَبُو طَالب فِي بني هَاشم ودعاهم إِلَى نصر الْمَظْلُوم وَكسر الظَّالِم فَأَجَابُوهُ يَسِيرُونَ إِلَى مَا دعاهم إِلَيْهِ سيرا {ورد الله الَّذين كفرُوا بغيظهم لم ينالوا خيرا}

وَفِي ذَلِك يَقُول أَبُو طَالب من أَبْيَات (إِذا اجْتمعت يَوْمًا قُرَيْش لمفخر ... فعبد منَاف سرها وصميمها) (وَإِن حصلت أَنْسَاب عبد منافها ... فَفِي هَاشم أَشْرَافهَا وقديمها) (وَإِن فخرت يَوْمًا فَإِن مُحَمَّدًا ... هُوَ الْمُصْطَفى من سرها وكريمها) (تداعت قُرَيْش غثها وسمينها ... علينا فَلم تظفر وطاشت حلومها) وَفِيه يَقُول من كلمة طَوِيلَة (كَذبْتُمْ وَبَيت الله يبزي مُحَمَّد ... وَلما نطاعن دونه ونناضل) (ونسلمه حَتَّى نصرع حوله ... ونذهل عَن أَبْنَائِنَا والحلائل) (وَمَا ترك قوم لَا أَبَا لَك سيدا ... أَخا ثِقَة حامي الْحَقِيقَة باسل)

قصة حمزة بن عبد المطلب

(وأبيض يستسقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ ... ثمال الْيَتَامَى عصمَة للأرامل) (لعمري لقد كلفت وجدا بِأَحْمَد ... وَإِخْوَته دأب الْمُحب المواصل) (فَمن مثله فِي النَّاس أَي مُؤَمل ... إِذا قاسه الْحُكَّام عِنْد التَّفَاضُل) (حَكِيم رشيد عَادل غير طائش ... يوالي إِلَهًا لَيْسَ عَنهُ بغافل) قصَّة حَمْزَة بن عبد الْمطلب لما بلغ حَمْزَة أَن أَبَا جهل شتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونال مِنْهُ بعض مَا يكره وَهُوَ سَاكِت لَا يتَكَلَّم وَكَانَ شَدِيد الْبَأْس صَعب الْخلق والمراس أعز فَتى فِي قُرَيْش لَيْسَ فِي ميزَان عقله خفَّة وَلَا طيش أَخَذته حمية النّسَب وَحَمَلته إِلَى مَحل الْهِدَايَة عاصف الْغَضَب حَتَّى خرج يُهَرْوِل كالأسد وَمضى معدا لأبي جهل لَا يلوي على أحد فَلَمَّا دخل الْمَسْجِد وَرَآهُ فِي الْقَوْم وَأَقْبل نَحوه لَا يَأْخُذهُ فِيهِ عيب وَلَا لوم فَرفع قوسه وضربه بهَا على هامته فَشَجَّهُ شجة مُنكرَة كَادَت تقيم يَوْم قِيَامَته وخاطبه بِمَا لَا يشتهيه ووبخه على مَا فعل بِابْن أَخِيه وَقَالَ إِنِّي

قصة عمر بن الخطاب

سَمِعت لَهُ وأطعت فَرد ذَلِك عَليّ إِن اسْتَطَعْت فَقَامَتْ إِلَيْهِ من بني مَخْزُوم رجال وَارْتَفَعت بَينهم صلصلة القيل والقال فتركهم وَذهب وأودع فِي قُلُوبهم اللهب وَاسْتمرّ ثَابتا على الْإِسْلَام مغتبطا بِمَا منحه الله بِهِ من الْإِكْرَام وَهُوَ الْقَائِل حِين أسلم من أَبْيَات (حمدت الله حِين هدى فُؤَادِي ... إِلَى الْإِسْلَام وَالدّين الحنيف) (وَأحمد مصطفى فِينَا مُطَاع ... فَلَا تغشوه بالْقَوْل العنيف) قصَّة عمر بن الْخطاب كَانَ عمر بن الْخطاب شرس الْأَخْلَاق شَدِيد الْعَدَاوَة لأَفْضَل الْبشر على الْإِطْلَاق فَخرج متوشحا سَيْفه وَمضى قَاصِدا قَتله حَيْثُ أَرَادَ الله رشده كَمَا أرشد من قبله فَلَقِيَهُ نعيم بن عبد الله النحام وَأخْبرهُ بِدُخُول أُخْته فَاطِمَة وَزوجهَا سعيد فِي الْإِسْلَام وَأَن خباب بن الْأَرَت يقرئهما الْقُرْآن فأسرع فِي الْمُضِيّ إِلَيْهِم ليلقاهم بالظلم والعدوان فسمعهم يَتلون وَرَأى مَعَهم صحيفَة فسترتها أُخْته عَنهُ حَيْثُ أوجست

قصة باذان ملك اليمن

مِنْهُ خيفة فضربها وَأخذ الصَّحِيفَة مِنْهَا ثمَّ رق لَهَا بعد ذَلِك وَسكت عَنْهَا فَلَمَّا قَرَأَ مَا فِيهَا من سُورَة طه وفهمه قَالَ بِلِسَان التَّوْفِيق مَا أحسن هَذَا وأكرمه وسألهم عَن مَوضِع النَّبِي الْمُصْطَفى فَقَالُوا هُوَ فِي بَيت مَعَ نفر من أَصْحَابه عِنْد الصَّفَا فقصدهم واستأذنهم فِي الدُّخُول فَلَمَّا أذن لَهُ سلم على الْقَوْم وَأسلم على يَد الرَّسُول وَامْتنع الْمُسلمُونَ بِهِ وبحمزة ومنحوا بِإِسْلَامِهِ عزة وَأي عزة وبذل فِي قتال الْمُشْركين لإِظْهَار الدّين كل المجهود وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ إِسْلَامه فتحا كَمَا قَالَ عبد الله بن مَسْعُود (إِذا ذكر الْقَوْم الشهير صَلَاحهمْ ... فَحَيَّهَلا بالزاهد المتقي عمر) (إِمَام لَهُ فضل أغاث بِهِ الورى ... وَعدل بِهِ أغْنى الْبِلَاد عَن الْمَطَر) قصَّة باذان ملك الْيمن لما بعث الرَّسُول الْمُخْتَار وَسَار ذكره فِي سَائِر الأقطار كتب كسْرَى إِلَى باذان ملك الْيمن بَلغنِي أَن رجلا من قُرَيْش يزْعم أَنه نَبِي مؤتمن فاجتهد فِي الْمسير إِلَى مقَامه وَابعث إِلَيّ بِرَأْسِهِ إِن لم يرجع عَن كَلَامه فَأرْسل باذان كتاب كسْرَى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَجَابَهُ بِأَن الله قد

قصة الطفيل بن عمرو الدوسي

وَعَدَني بقتْله وَعين لَهُ يَوْم الْحمام فتوقف باذان لينْظر ويتبين فَقتل الله كسْرَى على يَد وَلَده فِي ذَلِك الْيَوْم الْمعِين وَبعث باذان بِإِسْلَامِهِ وَإِسْلَام أَصْحَابه وَكفى الله شَرّ الطاغية الباحث عَن عَذَابه بكتابه (وَفِي ذَلِك يَقُول خَالِد بن حق (وكسرى إِذْ تقسمه بنوه ... بأسياف كَمَا اقتسم اللحام) (تمخضت السنون لَهُ بِيَوْم ... أَتَى وَلكُل حاملة تَمام) قصَّة الطُّفَيْل بن عَمْرو الدوسي لما قدم الطُّفَيْل إِلَى مَكَّة الْبَلَد الْحَرَام حذرته قُرَيْش من الإجتماع بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ رجلا جليل الْمِقْدَار لبيبا ماهرا فِي نظم الْأَشْعَار فغدا إِلَى الْمَسْجِد فَوَجَدَهُ قَائِما يُصَلِّي عِنْد الْكَعْبَة وَسمع مِنْهُ كلَاما شرح بِهِ صَدره وسر قلبه فَمَكثَ حَتَّى انْصَرف من صلَاته وَتَبعهُ إِلَى دَاره لنجاحه ونجاته ثمَّ دخل عَلَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّد إِن قَوْمك خوفوني سحرك وَقد سَمِعت مِنْك كلَاما حسنا فاعرض عَليّ أَمرك فَعرض عَلَيْهِ دين الْإِسْلَام وتلا من الْقُرْآن مَا تحير فِيهِ أَرْبَاب الأحلام

فَأسلم فَرحا بدنوه من الْخَيْر واقترابه وَسَأَلَهُ أَن يكون عونا لَهُ على إِسْلَام أَصْحَابه ثمَّ خرج إِلَى قومه راجيا قربهم من الْهدى وَالصَّلَاح فَلَمَّا قرب مِنْهُم وَقع بِرَأْس سَوْطه نور يضيء كالمصباح فَنزل بهم مُجْتَهدا على دُخُولهمْ فِي الْإِسْلَام بدعائه وَلم يزل حَتَّى قدم إِلَى خَيْبَر فِي سبعين بَيْتا من دوس تَحت لوائه وَاسْتمرّ متلفعا بمروط الْكَرَامَة إِلَى أَن قتل رَحمَه الله شَهِيدا بِالْيَمَامَةِ (يَا أَيهَا الدوسي أبشر بالرضى ... نلْت الْهدى وجهدت فِي الْإِصْلَاح) (وأتتك من نَحْو الرَّسُول كَرَامَة ... نور عَلَيْك يضيء كالمصباح)

قصة ركانة بن عبد يزيد المطلبي

قصَّة ركَانَة بن عبد يزِيد المطلبي كَانَ ركَانَة أَشد قُريْشًا بطشا وأرفعهم فِي قُوَّة الْبدن وَالنَّفس عرشا فَخَلا بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض الشعاب فَكَلمهُ راجيا هدايته إِلَى طَرِيق الصَّوَاب فَقَالَ لَو كنت أعلم صدقك لاتبعتك قَالَ أتعلم أَن مَا أَقُول حق إِن صرعتك ففهم الْخطاب وبذل الْجَواب فَلَمَّا صرعه القوى الْأمين مرَّتَيْنِ وَكَاد فِي بطشه بِهِ يُسلمهُ إِلَى الْحِين قَالَ يَا مُحَمَّد وَالله إِنِّي لأعجب مِمَّا جرى قَالَ واعجب من ذَاك أَنى أَدْعُو لَك هَذِه الشَّجَرَة الَّتِي ترى فَدَعَاهَا فَأَقْبَلت حَتَّى وقفت بَين يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ لَهَا ارجعي إِلَى مَكَانك فَرَجَعت حسب إِشَارَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذِه زهرَة من روض آيَاته وقطرة من غيث برهانه الَّذِي لَا يدْرك مدى غاياته (كم للبشير النذير معْجزَة ... مِنْهَا على الْفَوْر طَاعَة الشَّجَرَة) (أكْرم بهَا دوحة معظمة ... أبقت لَهَا مثل هَذِه الثَّمَرَة)

ذكر المهاجرين إلى الحبشة أولا وثانيا سنة خمس من النبوة

ذكر الْمُهَاجِرين إِلَى الْحَبَشَة أَولا وَثَانِيا سنة خمس من النُّبُوَّة خرج من الصَّحَابَة اثْنَا عشر رجلا وَأَرْبع نسْوَة سرا حَيْثُ سمعُوا من قُرَيْش مَا يكْرهُونَ ولقوا مِنْهُم شرا حَتَّى انْتَهوا إِلَى الشعيبة البحرية فوجدوا بهَا قوما ذَوي أثنية عطرية فرفقوا بهم وحملوهم وَإِلَى أَرض الْحَبَشَة فِي السَّفِينَة نقلوهم وَخرجت قُرَيْش فِي طَلَبهمْ فَلم يصلوا من اللحاق بهم إِلَى إربهم فَلَمَّا قدمُوا إِلَى الأَرْض الْمَذْكُورَة جاوروا ملكا بهَا سيرته مشكورة وَأَقَامُوا آمِنين على أنفسهم وَدينهمْ مشتغلين بِعبَادة هاديهم ومعينهم ثمَّ سمعُوا أَن قُريْشًا أَسْلمُوا وتأخروا عَن هوة الْهوى وأحجموا فعادوا إِلَى مَكَّة وَرَجَعُوا فَلَمَّا دخلوها وجدوا الْأَمر بِخِلَاف مَا سمعُوا فَاشْتَدَّ عَلَيْهِم الْقَوْم وقابلوهم بالتعنيف واللوم فَأذن لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْخرُوجِ فَخَرجُوا وَإِلَى عشهم الَّذِي أَتَوا مِنْهُ درجوا وَكَانُوا ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ من الرِّجَال وثماني عشرَة من ذَوَات الحجال أَقَامُوا عِنْد النَّجَاشِيّ حينا من الدَّهْر وَهُوَ يحسن إِلَيْهِم ويتفضل عَلَيْهِم فِي السِّرّ والجهر

فَلَمَّا بلغتهم الْهِجْرَة الشَّرِيفَة وأتى لَهُم خبر النقلَة المنيفة رَجَعَ بَعضهم إِلَى ناصب علم تمييزهم وَتَأَخر الْبَاقُونَ إِلَى أَن كتب الْملك بتجهيزهم فحملهم فِي السَّفِينَة حسب الْأَمر إِلَى الْمَدِينَة وَمِمَّا قَالَ عبد الله بن الْحَارِث بِأَرْض الْحَبَشَة (يَا رَاكِبًا بلغن عني مغلغلة ... من كَانَ يَرْجُو بَلَاغ الله وَالدّين) (إِنَّا وجدنَا بِلَاد الله وَاسِعَة ... تنجي من الذل والمخزاة والهون) (فَلَا تُقِيمُوا على ذل الْحَيَاة وخزي ... فِي الْمَمَات وعيب غير مَأْمُون) (إِنَّا اتَّبعنَا رَسُول الله واطرحوا ... قَول النَّبِي وغالوا فِي الموازين)

أمر الصحيفة والشعب في المحرم سنة سبع من النبوة

أَمر الصَّحِيفَة والشعب فِي الْمحرم سنة سبع من النُّبُوَّة لما بلغ قُريْشًا إكرام النَّجَاشِيّ للصحابة دهمهم ليل الْغَضَب وَمد عَلَيْهِم سَحَابَة فَكَتَبُوا على بني هَاشم كتابا يتَضَمَّن فصولا من الهجر وأبوابا وعلقوا الصَّحِيفَة فِي جَوف الْكَعْبَة ثمَّ ألجأوهم إِلَى كل خطة صعبة وحصروهم فِي شعب أبي طَالب وظفروا بالحاضر وجدوا فِي تَحْصِيل الْغَائِب وَقَطعُوا عَنْهُم الْمَادَّة والميرة وَلم يرعوا حق صُحْبَة وَلَا جيرة وأخفوا بروقهم البواسم ومنعوهم من الْخُرُوج إِلَّا فِي المواسم وَلم يمكنوهم من الإنجاد والإتهام وَكَانَت مُدَّة إقامتهم فِيهِ ثَلَاثَة أَعْوَام ثمَّ اطلع الله رَسُوله على شَأْن الصَّحِيفَة وَأَن الأرضة أكلت مِنْهَا غير أَسمَاء الله الشَّرِيفَة فَلَمَّا بَلغهُمْ من أبي طَالب الْخَبَر كشفوا عَن الْأَمر فوجدوه كَمَا ذكر فسكنت ريحهم وخرس فصيحهم ثمَّ نقضت الصَّحِيفَة وَبَطل مَا فِيهَا من الْبُهْتَان وأخرجهم الله من الشّعب ونجاهم من أهل الظُّلم والعدوان وَفِي ذَلِك يَقُول أَبُو طَالب (أَلا أبلغا عني على ذَات بَيْننَا ... لؤيا وخصا من لؤَي بني كَعْب)

(ألم تعلما أَنا وجدنَا مُحَمَّدًا ... نَبيا كموسى خطّ فِي أول الْكتب) (وَأَن الَّذِي لصقتم من كتابكُمْ ... لكم كَائِن يحسا كراعية الشّعب) (أفيقوا أفيقوا قبل أَن يحْفر الثرى ... وَيُصْبِح من لم يجن ذَنبا كذي ذَنْب) (وَلَا تتبعوا أَمر الوشاة وتقطعوا ... أواصرنا بعد الْمَوَدَّة والقرب) (فلسنا وَرب الْبَيْت نسلم أحمدا ... لعزاء من عض الزَّمَان وَلَا كرب) (ولسنا نمل الْحَرْب حَتَّى تملنا ... وَلَا نشتكي مَا قد يَنُوب من النكب) (ولكننا أهل الحفائظ والنهى ... إِذا طَار أَرْوَاح الكماة من الرعب)

خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف سنة عشر من النبوة

خُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الطَّائِف سنة عشر من النُّبُوَّة لما مَاتَ عَمه أَبُو طَالب وَزَوجته خَدِيجَة وذوت من شَجَرَة إعانتهما لَهُ أوراقها البهيجة لزم الْبَيْت وَأَقل الْخُرُوج وأسف عَلَيْهِمَا أسفا يضطرب بحره ويموج ونالت مِنْهُ قُرَيْش وقابلوه بالخفة والطيش فَخرج مَعَه زيد بن حَارِثَة إِلَى الطَّائِف وصدع بالدعوة غير وَجل وَلَا خَائِف فَلم يجبهُ مِنْهُم أحد وَأغْروا بِهِ سُفَهَاء الْبَلَد وتشاءموا بقدوم طَائِره الميمون فَانْقَلَبَ رَاجعا إِلَى مَكَّة وَهُوَ محزون فَلَمَّا نزل نَخْلَة قَامَ يُصَلِّي من اللَّيْل وَسبب التأييد يتحدر عَلَيْهِ كالسيل وَانْصَرف إِلَيْهِ سَبْعَة من الْجِنّ يَسْتَمِعُون الْقُرْآن فَلَمَّا فرغ ولوا يدعونَ قَومهمْ إِلَى الْإِيمَان ثمَّ دخل مَكَّة فِي جوَار مطعم بن عدي ولسان الْحق يَتْلُو على قُرَيْش {من يهد الله فَهُوَ الْمُهْتَدي} وَفِي مطعم يَقُول حسان بن ثَابت من أَبْيَات (أجرت رَسُول الله مِنْهُم فَأَصْبحُوا ... عبيدك مَا لبّى مهل وأحرما)

الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم سنة اثنتى عشرة من النبوة

(فَلَو كَانَ مجدا يخلد الدَّهْر وَاحِدًا ... من النَّاس أبقى مجده الدَّهْر مطعما) الْإِسْرَاء بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سنة اثنتى عشرَة من النُّبُوَّة طلب إِلَى الحضرة قبل الْهِجْرَة باثنى عشر شهرا وأسري بِهِ من مَكَّة إِلَى بَيت الْمُقَدّس مَيْمُون الطّلب مَحْمُود المسري فصلى بالأنبياء فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى ومنح من النعم مَا لَا يعد وَلَا يُحْصى ثمَّ ركب الدَّابَّة الْمَعْرُوفَة بِالْبُرَاقِ وعرج إِلَى مَحل طَابَ لَهُ فِيهِ الْوَقْت وراق وَكَانَ جِبْرِيل يستفتح لَهُ الْأَبْوَاب والأنبياء يتلقونه فِي السَّمَوَات بالتحية والترحاب فحظي فِي الْأُفق الْأَعْلَى بالْمقَام الْأَسْنَى {ثمَّ دنا فَتَدَلَّى فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى} وَرَأى سِدْرَة الْمُنْتَهى وَسمع صريف الأقلام وفرضت عَلَيْهِ الصَّلَوَات الْخمس وَرفعت الْأَعْلَام ورفل فِي حلل آلَاء ربه وإحسانه وعاين مَا عاين من آيَاته وَقدرته وسلطانه وَكَانَ مسراه عِبْرَة لأولي الْأَلْبَاب وتثبيتا لمن تعلق من الْهدى بأوثق الْأَسْبَاب (فسبحان من أسرى بِهِ وأحله ... محلا علا يسمو على الشَّمْس والبدر)

العقبة الأولى سنة اثنتى عشرة من النبوة

(وصير جِبْرِيل المقرب خَادِمًا ... لَهُ وحباه بالحماية والنصر) (نَبِي رقا نَحْو السَّمَاء لفضله ... وَشَاهد مَا فِيهِ تحار أولو الْفِكر) (وناجاه رب الْعَرْش جلّ ثَنَاؤُهُ ... وأتحفه فِي حَضْرَة الْقُدس بالبشر) (وَكم مثلهَا من معجزات عَظِيمَة ... وآيات غايات تجل عَن الْحصْر) الْعقبَة الأولى سنة اثنتى عشرَة من النُّبُوَّة لما أَرَادَ الله تَعَالَى نصر نبيه وَإِظْهَار دينه وإنجاز مَا وعده بِهِ من رفع ذكره وتمكينه سَاقه إِلَى الْأَوْس والخزرج الَّذين ألْجم التَّوْفِيق خيل جبلتهم وأسرج وانْتهى مِنْهُم إِلَى نفر بزغ نجم سعدهم وَظهر فَجَلَسَ إِلَيْهِم وَأمرهمْ بِالْإِيمَان ودعاهم إِلَى الله وَقَرَأَ عَلَيْهِم الْقُرْآن فتلقوا أمره بِالْقبُولِ واستجابوا لله وَلِلرَّسُولِ ثمَّ انصرفوا فِي أسر الْأَحْوَال وَكَانُوا ثَمَانِيَة أَو سِتَّة على اخْتِلَاف الْأَقْوَال فَلَمَّا كَانَ الْمَوْسِم الْجَامِع بِمَكَّة عجمه وعربه لقِيه اثنى عشر رجلا مِنْهُم

لَيْلًا عِنْد الْعقبَة فأسلموا وَبَايَعُوا واقتفوا آثَار الْأَبْرَار وتابعوا وَصَدقُوا وآمنوا وعَلى الْبر وَالتَّقوى تعاونوا ثمَّ رجعُوا إِلَى الْمَدِينَة معلنين بِالْإِسْلَامِ فرحين بِمَا حصل لَهُم من الْهِدَايَة والعناية وَالْإِكْرَام (لقد أحرز الْأَنْصَار مجدا مؤثلا ... وفازوا بخصل السَّبق والمنزل الْأَسْنَى) (دنوا وأفادوا واستفادوا وَأَقْبلُوا ... على حفظ مَا يبْقى وجادوا بِمَا يفنى) (وماذا يَقُول النَّاس فِي وصف معشر ... عَلَيْهِم رَسُول الله بِالْخَيرِ قد أثنى) وَفِيهِمْ يَقُول النُّعْمَان بن كثير (بهاليل من أَوْلَاد قبْلَة لم يجد ... خليط عَلَيْهِم فِي مُخَالطَة عتبا) (مساميح أبطال يراجون للندى ... يرَوْنَ عَلَيْهِم فعل آبَائِهِم نحبا)

العقبة الآخرة سنة ثلاث عشرة من النبوة

الْعقبَة الْآخِرَة سنة ثَلَاث عشرَة من النُّبُوَّة ثمَّ خرج الْمُسلمُونَ أَيَّام الْحَج وهم سَبْعُونَ رجلا يسلكون إِلَى أم الْقرى طلبا للقرى سبلا فَلَمَّا أناخوا بفنائها واستافوا الأرج من أرجائها حَضَرُوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتكلم مَعَه فِي أَمر الْهِجْرَة الشَّرِيفَة من تكلم فَوَعَدَهُمْ شعب الْعقبَة لَيْلَة النَّفر الأول فَاجْتمعُوا واثقين بوعده الَّذِي بِهِ عَلَيْهِم تطول وأنهوا إِلَيْهِ مَا يبغونه من النَّصْر ويقصدونه وَبَايَعُوهُ على الْوَفَاء والصدق وبذل المهج دونه وَاخْتَارَ مِنْهُم اثنى عشر نَقِيبًا وَجعل كل مِنْهُم على قومه كَفِيلا ورقيبا فَلَمَّا فرغوا من مقالهم أَمرهم بِأَن يَنْفضوا إِلَى رحالهم وَعلمت قُرَيْش بخبرهم فجدوا فِي اتِّبَاع أَثَرهم فأدركوا سعد بن عبَادَة وأمسكوه وخلص مِنْهُم بعد أَن كَادُوا يهلكوه ثمَّ انصرفوا إِلَى طيبَة الطّيبَة أَجْمَعِينَ متوكلين على كَافِي من عَلَيْهِ يتوكل وَبِه يَسْتَعِين وَفِي ذَلِك يَقُول كَعْب بن مَالك من أَبْيَات

الهجرة الشريفة سنة ثلاث عشرة من النبوة

(شالا أبلغ أَبَيَا أَنه فال رَأْيه ... وحان غَدَاة الشّعب والحين وَاقع) وأبلغ أَبَا سُفْيَان أَن قد بدا لنا ... بِأَحْمَد نور من هدى الله سَاطِع) أَبى الله مَا منتك نَفسك أَنه ... لمرصاد أَمر النَّاس رَاء وسامع) الْهِجْرَة الشَّرِيفَة سنة ثَلَاث عشرَة من النُّبُوَّة فَلَمَّا رَحل الْأَنْصَار السبعون وانشرحت الصُّدُور وقرت الْعُيُون وَفهم الْمُسلمُونَ خُرُوج الصَّحَابَة فرموا إِلَى جهتهم سِهَام الْإِصَابَة وضيقوا عَلَيْهِم وضاعفوا الْإِسَاءَة إِلَيْهِم وبالغوا فِي شتمهم وخبطوا فِي ظلمات ظلمهم فشكوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثقلهم واستأذنوه فِي الْهِجْرَة فَأذن لَهُم فَجعلُوا يَتَجَهَّزُونَ ويترافقون وَيخرجُونَ خيفة ويتلاحقون حَتَّى قدمُوا الْمَدِينَة كهولا وفتيانا وطاروا إِلَى أوكار الْأَنْصَار زرافات ووحدانا فآووهم وبغيث الْإِحْسَان غمروهم فَعِنْدَ ذَلِك خَافَ الْمُشْركُونَ خُرُوج الرَّسُول وَعَلمُوا أَن فَرِيضَة الْمُسلمين بهجرته تعول

فَاجْتمعُوا فِي دَار الندوة وَاتَّفَقُوا على قتل من جعله الله للنَّاس قدوة ورصدوه فِي بَيته لَيْلًا وظنوا أَنهم ينالون مِنْهُ نيلا فخابوا وخسروا وبأفهار الْقدْوَة الإلهية كسروا ثمَّ هَاجر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخرج بِإِذن من أنزل الْقُرْآن وَتكلم فَمضى وَمَعَهُ أَبُو بكر إِلَى غَار ثَوْر وَاشْتَدَّ فِي طلبهما أهل الظُّلم والجور وذهبوا يقصون الْآثَار حَتَّى انْتَهوا إِلَى بَاب الْغَار فَلَمَّا رَأَوْا إِلَى بَيت العنكبوت وعش الْحمام نكصوا على أَعْقَابهم كَأَنَّمَا يساقون إِلَى الْحمام ثمَّ قوى عزمهما على الترحال بعد مكثهما فِي الْغَار ثَلَاث لَيَال فَأمر عبد الله بن أريقط بِالْمَسِيرِ وصحبا مِنْهُ أَي دَلِيل بالطرق خَبِير وتبعهم عَامر بن فهَيْرَة على سَبِيل الْخدمَة وَسَارُوا مشمولين ببركة من أتم الله عَلَيْهِ النِّعْمَة فَبَيْنَمَا هم سائرون وَإِلَى جِهَة قصدهم صائرون عرض لَهُم سراقَة بن مَالك فِي الطَّرِيق فرسخت قَوَائِم فرسه معْجزَة لصَاحب الْوَجْه الشريق ثمَّ أطلق ببركة دُعَائِهِ وَالْتزم برد الْمُشْركين المشتدين من وَرَائه

ومروا فِي سيرهم بِأم معبد وَكَانَت مِمَّن يُرْجَى قراه ويقصد فنزلوا فِي ظلّ خيمتها المعقودة وَبَارك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شَاتِهَا المجهودة فاجترت وَدرت بِاللَّبنِ وَشَرِبُوا حَتَّى ضربوا بِعَطَن ثمَّ سَارُوا لَا يصعدون جبلا إِلَّا تأرج بعطرهم الفائح وَلَا يقطعون وَاديا إِلَّا كتب لَهُم بِهِ عمل صَالح حَتَّى قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مبارك الْقدَم مَرْفُوع الْعلم مضيء المقياس رَحْمَة عَامَّة على النَّاس فَنزل بقبائها وأناخ بِحَضْرَة فنائها وَخرج الْمُسلمُونَ إِلَى لِقَائِه وابتهجوا بِمَا ظهر لَهُم من أفق سمائه وهرعوا للسلام عَلَيْهِ وتشرفوا بالمثول بَين يَدَيْهِ وَأقَام بهَا أَرْبَعَة عشر يَوْمًا وتحول وَكَانَ قدومه يَوْم الْإِثْنَيْنِ فِي شهر ربيع الأول وَلما دخل الْمَدِينَة مضى حَتَّى انْتهى إِلَى مَوضِع مَسْجده وَخرج كل من قبائلها يَدعُوهُ إِلَى عدده وعدده وسروا بمقدمة الميمون وَاسْتَبْشَرُوا بِحِفْظ جوهره الْمكنون ثمَّ نزل فِي بَيت أبي أَيُّوب وَملك من دَار هجرته عنان الْمَطْلُوب وَحط بهَا رَحْله وَأرْسل إِلَى مَكَّة من أحضر أَهله وآخى بَين الْمُهَاجِرين

وَالْأَنْصَار وَاسْتمرّ مُجْتَهدا فِي طَاعَة من لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار وَسمع أهل مَكَّة بعد رحيله هاتفا يَقُول (جزى الله رب النَّاس خير جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ حلا خَيْمَتي أم معبد) (هما نزلا بِالْبرِّ وارتحلا بِهِ ... فأفلح من أَمْسَى رَفِيق مُحَمَّد) (لِيهن بني كَعْب مَكَان فَتَاتهمْ ... ومقعدها للْمُؤْمِنين بِمَرْصَد) وَفِي نُزُوله بِالْمَدِينَةِ يَقُول أَبُو قيس الْأنْصَارِيّ من أَبْيَات (ثوى فِي قُرَيْش بضع عشرَة حجَّة ... يذكر لَو يلقى صديقا مواتيا) (فَلَمَّا أَتَانَا أظهر الله دينه ... فَأصْبح مَسْرُورا بِطيبَة رَاضِيا) (يقص لنا مَا قَالَ نوح لِقَوْمِهِ ... وَمَا قَالَ مُوسَى إِذْ أجَاب المناديا) (نعادي الَّذِي عادى من النَّاس كلهم ... جَمِيعًا وَإِن كَانَ الحبيب الموافيا) (وَأصْبح لَا يخْشَى من النَّاس وَاحِدًا ... قَرِيبا وَلَا يخْشَى من النَّاس نَائِيا)

بناء المسجد بالمدينة سنة إحدى من الهجرة

بِنَاء الْمَسْجِد بِالْمَدِينَةِ سنة إِحْدَى من الْهِجْرَة ثمَّ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشْترى المربد وَأمر بِرَفْع مَا فِيهِ من الْقُبُور وَالنَّخْل والغرقد بذل فِيهِ عشرَة دَنَانِير من النضار وَكَانَ لغلامين يتيمين من بني النجار ثمَّ شرع فِي بِنَاء الْمَسْجِد المؤسس على التَّقْوَى مستعينا بِأَصْحَابِهِ الموصوفين بالجد والجدوى وبناه بِاللَّبنِ وَالْحِجَارَة وكساه بنظره الْبَهْجَة والنضارة وَجعل إِلَى بَيت الْمُقَدّس قبلته وَرفع بَين الْمَسَاجِد المعمورة أثلته ورصف سقفه بِالْجَرِيدِ وحلى جيده بعقده الفريد وَفتح لَهُ ثَلَاثَة أَبْوَاب وَألبسهُ من الْبركَة أحسن الأثواب ثمَّ بنى إِلَى جَانِبه بُيُوتًا لَهُ وَلِنِسَائِهِ وَسكن بِهن مُقيما على إعلاء كلمة الله فِي صباحه ومسائه وَكَانَ يساعد أَصْحَابه فِي عمَارَة الْمَسْجِد وَيَقُول (هَذَا الْحمال لَا حمال خَيْبَر ... هَذَا أبر رَبنَا وأطهر)

أمر الأذان سنة إحدى من الهجرة

وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب وَهُوَ مرتجز يعْمل (لَا يَسْتَوِي من يعمر المساجدا ... ) (يدأب فِيهَا قَائِما وَقَاعِدا ... ) (وَمن يرى عَن التُّرَاب حائدا ... ) أَمر الْأَذَان سنة إِحْدَى من الْهِجْرَة لما اجْتمع شَمل الْأَنْصَار وارتفع لِوَاء الْإِسْلَام وأقيمت الصَّلَوَات الْخمس وَفرض الْحَلَال وَالْحرَام كَانَ الْمُنَادِي يَقُول يَوْمئِذٍ الصَّلَاة جَامِعَة فيجتمع لأَدَاء الْفَرْض أهل الْقُلُوب الخاشعة وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أهمه أَمر الْأَذَان وعزم على إِقَامَة رجلَانِ بإطام الْمَدِينَة للإعلان وَذكر عِنْده الناقوس والبوق فكره شعار ذَوي الْعِصْيَان والفسوق حَتَّى أرى عبد الله بن زيد رُؤْيا علم الْأَذَان فِيهَا وَأصْبح ينْقل الْكَلِمَات الطَّيِّبَات لرب الْآيَات الْبَينَات ويرويها فَأمره أَن يلقِي مَا سَمعه على بِلَال وَمثلهَا أرِي عمر الْفَارُوق بَين الْهدى والضلال فَحَمدَ الإِمَام ربه وشكر وابتهج لِاتِّفَاق رُؤْيا عبد الله وَعمر وَاسْتمرّ بِلَال يشنف بدرر أَذَانه آذان الْقَوْم ثمَّ زَاده فِي الْفجْر قَوْله الصَّلَاة خير من النّوم فأقره على ذَلِك صَاحب الشَّرِيعَة وَقيل لِبلَال

صرف القبلة إلى الكعبة سنة اثنتين من الهجرة

بِلِسَان الْحَال أبشر بِهَذِهِ الْمنزلَة الرفيعة (إِن الْأَذَان كَلَام كُله حسن ... لطاعة الْوَاحِد القهار ينْتَظر) (توارد اثْنَان فِي رُؤْيَاهُ واتفقا ... يَا نجل زيد لَك الْحسنى وَيَا عمر) صرف الْقبْلَة إِلَى الْكَعْبَة سنة اثْنَتَيْنِ من الْهِجْرَة صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بَيت الْمُقَدّس سنة وَثلث سنة وَكَانَ يحب أَن يصرف إِلَى الْكَعْبَة الفائز من من هجر فِي طلبَهَا وسنه فَجعل يرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء فِي صلَاته وينتظر من ربه تَعَالَى جده مواد صلَاته وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى جَاءَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وتلا عَلَيْهِ {فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام} فَاسْتَدَارَ إِلَى الْكَعْبَة واستقبل الْمِيزَاب وَدَار مَعَه اقْتِدَاء بِهِ أهل السُّور والأحزاب فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ الصَّلَاة إِلَى الْكَعْبَة المقدسة مضى إِلَى قبَاء فَقدم جِدَار مَسْجِدهَا وأسسه وَنقل مَعَ أَصْحَابه الْحِجَارَة لبنائه وأفاض من أنواره الباهرة على فنائه واطلع لَهُ فِي سَمَاء الْمَسَاجِد نجما ثاقبا وَكَانَ يَأْتِيهِ فِي

أمر الصوم وزكاة الفطر والعيد والأضحية سنة اثنين من الهجرة

كل سبت تَارَة مَاشِيا وَتارَة رَاكِبًا وَرَفعه وَعظم أمره بقوله (من جَاءَ فصلى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ كَانَ لَهُ أجر عمْرَة) يَا لَهُ معبدًا أوراق شجرته الْمُبَارَكَة لَا تسْقط وَلَا تدوي ومسجدا كَانَ أَبُو أَيُّوب وَعُرْوَة يَقُولَانِ هُوَ الَّذِي أسس على التَّقْوَى (كم للنَّبِي الْمُصْطَفى من آيَة ... غراء حَار الْفِكر فِي مَعْنَاهَا) (لما رأى الْبَارِي تقلب وَجهه ... ولاه أَيمن قبْلَة يرضاها) أَمر الصَّوْم وَزَكَاة الْفطر والعيد وَالْأُضْحِيَّة سنة اثْنَيْنِ من الْهِجْرَة فرض الصَّوْم على رَأس ثَمَانِيَة عشر شهرا فاستقر الْإِمْسَاك بِتَقْدِير من جعل لكل شَيْء قدرا ثمَّ أَمر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِزَكَاة الْفطر على الْغَنِيّ للْفَقِير وَأَن يخرج عَن الْحر وَالْعَبْد وَالذكر وَالْأُنْثَى وَالْكَبِير وَالصَّغِير

قصة سلمان الفارسي

وَكَانَ يهتم بتحصيل زَكَاته ويقسمها إِذا رَجَعَ من صلَاته لكنه يَأْمر بهَا قبل غدوه إِلَى مَحل الْإِمَامَة وَكَانَ يُصَلِّي الْعِيدَيْنِ قبل الْخطْبَة بِلَا أَذَان وَلَا إِقَامَة وَأمر بالأضحية وَكَانَ يُضحي فِي كل عَام وضحى بكبشين أَحدهمَا عَن أمته وَالْآخر عَن نَفسه وَآله الْكِرَام (بِخَير الرُّسُل أَحْمد ذِي الأيادي ... علينا سح وبل الْيمن سَحا) (سعى فِي نصرنَا وَرمى عدانا ... وعنا يَوْم عيد النَّحْر ضحى) قصَّة سلمَان الْفَارِسِي كَانَ سلمَان الْفَارِسِي من أهل فَارس لَا يحْبسهُ عَن الْمَجُوسِيَّة وَعبادَة النَّار حَابِس فلحظ بِعَين الْعِنَايَة وطوق بقلائد الْهِدَايَة وتنقل فِي الْبلدَانِ وخدم الأساقفة والرهبان ثمَّ طلب الْحجاز فِي الْمسير حِين بلغه قرب زمَان البشير النذير فَلَمَّا كَانَ بوادي الْقرى ظلم وَبيع من بعض الْيَهُود ثمَّ نقل إِلَى الْمَدِينَة يذهب فِي رق الْعُبُودِيَّة وَيعود فَلَمَّا سمع بِهِجْرَة صَاحب الْأَخْلَاق الْعَظِيمَة بَادر إِلَيْهِ وَأسلم على يَده الْكَرِيمَة ثمَّ كَاتب مَوْلَاهُ على ثَلَاثمِائَة ودية وعَلى

قصة عبد الله بن سلام

ذهب مبلغه أَرْبَعُونَ أُوقِيَّة فأعانه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا وفى الْمبلغ وساعده وَخرج فَوضع لَهُ النّخل بِيَدِهِ فَمَا مَاتَت مِنْهُ ودية وَاحِدَة وَعتق سلمَان وَشهد مَعَه الخَنْدَق حرا وَلم يزل يقربهُ ويدنيه حَتَّى عده من أهل الْبَيْت إحسانا وَبرا (لقد رقا سلمَان بعد رقة ... منزلَة شامخة الْبُنيان) (وَكَيف لَا والمصطفى قد عده ... من أهل بَيته الْعَظِيم الشان) قصَّة عبد الله بن سَلام كَانَ عبد الله بن سَلام من كبار الْأَحْبَار وَمن أهل الْعلم والمطلعين على مَا فِي كتب الْيَهُود من الْأَخْبَار وَكَانَ عَارِفًا بِصفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واسْمه وزمانه صامتا على ذَلِك حَتَّى من أَصْحَابه وأقرانه وَلم يزل كَاتِما أمره إِلَى أَن حل بِالْمَدِينَةِ صَاحب الْهِجْرَة فَلَمَّا سمع بِخَبَرِهِ كبر وَأظْهر المسرة بقدومه واستبشر وَخرج مُسلما مُسلما إِلَيْهِ وَلم يصغ إِلَى من أنكر من أَهله عَلَيْهِ ثمَّ تكلم مَعَ الْيَهُود فِيمَا يعلمونه من أمره وَمَا يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم من صفته ورفعة ذكره فباهتوه وناكروه وقابلوه بالعداوة وجاهروه فَأَعْرض عَن الْكَبِير مِنْهُم وَالصَّغِير وفاز بِمَا فَازَ من صُحْبَة البشير النذير

قصة أبي قيس الأنصاري

(بِشِرَاك يَا ابْن سَلام بِالَّذِي ظَفرت ... بِهِ يداك من الْإِسْلَام والشرف) (أظهرت من وصف خير النَّاس قاطبة ... مَا كَانَ مكتتبا فِي بَاطِن الصُّحُف) (وَلم تعرج على قَول الْيَهُود وَمَا ... مالوا إِلَيْهِ من الْبُهْتَان والجنف) قصَّة أبي قيس الْأنْصَارِيّ كَانَ أَبُو قيس بارعا فِي نظامه صادعا بِالْحَقِّ فِي كَلَامه تعلق بِاللَّه وَتمسك وترهب فِي الْجَاهِلِيَّة وتنسك وَفَارق الْأَوْثَان وَأَقْبل على طَاعَة الديَّان واغتسل من الْجَنَابَة وَاعْتَزل حَتَّى ذَوي الْقَرَابَة وَلبس المسوح وركن إِلَى التَّوْبَة النصوح وَاتخذ مَسْجِدا فِي دَاره واشتغل بأوراده وأذكاره ولازم التَّكْبِير والتهليل وَقَالَ أعبد رب إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل فَلَمَّا هَاجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذهب إِلَيْهِ فَأسلم على يَده الْكَرِيمَة وَحسن إِسْلَامه وَهُوَ الْقَائِل فِي الْجَاهِلِيَّة من أَبْيَات (سبحوا الله شَرق كل صباح ... طلعت شمسه وكل هِلَال)

ذكر أهل الصفة

(فَلهُ الطير تستزيد وتأوي ... فِي وَكَون من آمنات الْجبَال) (وَله الْوَحْش فِي الفلاة ترَاهَا ... فِي حقاف وَفِي طلال الرمال) (يَا بني الْأَرْحَام لَا تقطعوها ... وصلوها قَصِيرَة من طوال) (يَا بني الْأَيَّام لَا تأمنوها ... واحذروا مكْرها ومكر اللَّيَالِي) (واجمعوا أَمركُم على الْبر وَالتَّقوى ... وَترك الْخَنَا وَأخذ الْحَلَال) ذكر أهل الصّفة كَانَ أهل الصّفة نَاسا ضعفاء الْحَال لَيْسَ لَهُم عشائر وَلَا منَازِل وَلَا مَال وَكَانُوا يأوون إِلَى الْمَسْجِد وَفِيه ينامون ويجاورن من يظْلمُونَ فِي جواره وَلَا يضامون وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعتني بأمرهم ويتوصل بِكُل طَرِيق إِلَى جبرهم ويدعوهم إِلَى طَعَامه وَيَأْمُر أَصْحَابه برفد كل مِنْهُم وإكرامه وهم الَّذين أَعرضُوا

صفة النبي صلى الله عليه وسلم

عَن الْغمر وقنعوا بالبرض وَفِيهِمْ جَاءَ {للْفُقَرَاء الَّذين أحْصرُوا فِي سَبِيل الله لَا يَسْتَطِيعُونَ ضربا فِي الأَرْض} ويكفيهم أَن أَبَا ذَر وَأَبا هُرَيْرَة مِنْهُم تغمدهم الله برحمته الواسعة وَرَضي عَنْهُم (لأهل الصّفة الماضين فَخر ... بِصُحْبَة أَحْمد القثم النذير) رَضوا بالنزر فِي الدُّنْيَا فَلَمَّا ... قضوا وافوا إِلَى ملك كَبِير) صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (صفة جسده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ خَاتم النُّبُوَّة بَين كَتفيهِ مثل بَيْضَة الْحَمَامَة وَقيل كزر الحجلة وَقيل شعر مُجْتَمع وَقيل شامة وَكَانَ عَظِيم الهامة وَاسع الجبين أَزجّ الحواجب أقنى الْعرنِين

رجل الشّعْر خافض الطّرف مضيء الْعُنُق ندي الْعرف أَشمّ أدعج مفلج الْأَسْنَان أشنب أطول من المربوع وأقصر من المشذب كث اللِّحْيَة سهل الْخَدين ضخم الكراديس بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ معتدل الْخلق متماسك الْبدن عريض الصَّدْر أَزْهَر اللَّوْن يتلألأ وَجهه تلألأ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر سَائل الْأَطْرَاف سبط الْقصب إِذا مَشى كَأَنَّمَا ينحط من صبب رحب الراحتين

صفاته المعنوية وآدابه وسمته صلى الله عليه وسلم

طَوِيل الزندين شئن الْكَفَّيْنِ مسيح الْقَدَمَيْنِ (صِفَاته المعنوية وآدابه وسمته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَكَانَ حسن الْخلق لين الحانب لَيْسَ دونه بواب وَلَا حَاجِب يبْدَأ من لقِيه بِالسَّلَامِ ويفتر عَن مثل حب الْغَمَام يُبدل النّظر بالملاحظة والضحك بالتبسم وَيَأْتِي بجوامع الْكَلم حَال التَّلَفُّظ والتكلم يحسن الْحسن ويقويه ويقبح الْقَبِيح ويوهيه يُشِير بكفه إِذا أَشَارَ وَإِذا تعجب قَلبهَا لَا يكترث بالدنيا وَلَا يبخل بهَا على من طلبَهَا إِذا فَرح غض طرفه وَإِذا غضب أعرض وثنى عطفه وَكَانَ طَوِيل السُّكُوت جزيل الذّكر متواصل الأحزان دَائِم الْفِكر يسكت عَن الْحلم والتدبر ويصمت عَن الحذر والتفكر لَا يخزن على السَّائِل جَوَابه وَلَا يتَكَلَّم إِلَّا فِيمَا يَرْجُو ثَوَابه

لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غليظ وَلَا صخاب فِي الْأَسْوَاق وَلَا فحاش وَلَا مزاح وَلَا عياب يتفقد أَصْحَابه ويؤثرهم بخيره وَلَا يقصر عَن الْحق وَلَا يجوزه إِلَى غَيره يُقَابل من استوطن دَار الدُّنْيَا باللوم وَيجْلس حَيْثُ انْتهى بِهِ مجْلِس الْقَوْم لَا يغْضب لنَفسِهِ وَلَا ينتصر لَهَا ويعظم دَقِيق النِّعْمَة ويستبحر وشلها يكرم كريم كل قوم ويوليه عَلَيْهِم وَيَقْضِي حوائج النَّاس ويتودد إِلَيْهِم ينذرهم ويبشرهم ويؤلفهم وَلَا ينفرهُمْ مَجْلِسه مجْلِس حَيَاء وحلم وصبر وَأَمَانَة علم يوقر فِيهِ الْكَبِير ويحفظ الْغَرِيب وَيرْحَم الصَّغِير لَا ترفع فِيهِ الْأَصْوَات وَلَا تؤبن الْحرم وَلَا يتنازع فِيهِ الحَدِيث وَلَا تخفر الذمم إِذا تكلم أطرق جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا على رُؤْسهمْ الطير وَإِذا سكت تكلمُوا فِيمَا يجلب لَهُم النَّفْع وَالْخَيْر يبْذل فِي نصح أمته جهده وَالنَّاس فِي الْحق سَوَاء عِنْده لَا يمِيل عَن طَالب الْحَاجة وَلَا ينحرف ويصابر من جالسه أَو قاومه حَتَّى يكون هُوَ المنصرف

لَا يذم أحدا وَلَا يعيره وَلَا يطْلب كشف عَوْرَته ويصبر للغريب على الجفوة فِي مَنْطِقه ومسألته من وَفد عَلَيْهِ غمره بنيل النول وَمن سَأَلَهُ حَاجَة لَا يردهُ إِلَّا بهَا أَو بميسور من القَوْل كَانَ يشد صلبه بِالْحجرِ من الغرث وَيَأْمُر بكف اللِّسَان عَن اللَّغْو والرفث ويبيت وَلَيْسَ عِنْده سراج ويمسي وَيُصْبِح وَهُوَ إِلَى الطَّعَام مُحْتَاج وَلَقَد مرت عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَيَّام لم يدْخل إِلَى فَمه فِيهَا شَيْء من الطَّعَام وَأَتَتْ عَلَيْهِ شهور لم يشْبع فِيهَا من خبز الْبر وَلَو شَاءَ لأجرى الله مَعَه جبال الْيَاقُوت والدر وَكَانَت تمر بآله الشُّهُور لَا يرى فِي بُيُوتهم جمر إِنَّمَا كَانُوا يعيشون بالأسودين المَاء وَالتَّمْر وحبب إِلَيْهِ النِّسَاء وَالطّيب وَجعلت قُرَّة عينه فِي الصَّلَاة وَلم يزل على ذَلِك حَتَّى لحق بِمن هُوَ فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الأَرْض إِلَه (أَوْصَاف خير الْخلق لَيْسَ لندها ... ند وأنجم نَعته لَا تحصر)

شعر النبي صلى الله عليه وسلم

(الْقد معتدل عَلَيْهِ جلالة ... والطرف أدعج والمحيا أَزْهَر) (فاق النَّبِيين الْكِرَام بخلقه ... وبخلقه لكنه لَا يفخر) (الْفضل فِي الأزمات مِنْهُ يرتجى ... وَالْعدْل وَالْإِحْسَان عَنهُ يُؤثر) (وَله المقامات الْمُعظم أجرهَا ... وَله الْوَسِيلَة واللوا والكوثر) (أكْرم بِهِ سَمحا جوادا لم يزل ... من راحتيه ندى المكارم يقطر) (متفردا بجوامع الْكَلم الَّتِي ... من طيها عرف الْهِدَايَة ينشر) (صلى عَلَيْهِ الله مَا هَب الصِّبَا ... ومحى كتاب اللَّيْل صبح مُسْفِر) شعر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ذَا شعر لَا يُجَاوز أُذُنَيْهِ وَفِي لفظ كَانَ يبلغ أَو يضْرب مَنْكِبَيْه وَكَانَ لَهُ شعر فَوق الوفرة وَدون الجمة وَكَانَت شحمة أُذُنَيْهِ تستر مِنْهُ باللمة وَقدم مَكَّة وَله أَربع غدائر قَالَت أم هانىء رَأَيْت فِي رَأسه أَربع ضفائر

سواك النبي صلى الله عليه وسلم وحجامته

وَكَانَ يفرق شعره وَيَأْمُر بِالْفرقِ يَا لَهُ شعرًا أخجل بضوء فرقة الْوَاضِح وميض الْبَرْق وَمَا شَأْنه الله تَعَالَى بالشيب وَلَا قرن ذَاته الشَّرِيفَة بِنَقص وَلَا عيب كَانَ فِي رَأسه ولحيته شعر مَعْدُود إِذا أدهن وارى الدّهن بياضهن الْمَوْجُود وَنهى عَن نتف الشيب وَقَالَ (هُوَ نور يَوْم الْقِيَامَة) والشيبة فِي الْإِسْلَام ترفع دَرَجَة صَاحبهَا وتحط عَنهُ آثامه وَقَالَ فِي حَدِيثه الَّذِي يجلي من صدأ الْقُلُوب مَا يجلي (شيبتني هود وَأَخَوَاتهَا) وَمَا فعل بالأمم قبلي وَجَاء فِي الْخَبَر أَنه خضب بِالْحِنَّاءِ والكتم وَأمر بتغيير الشيب مُخَالفَة للْيَهُود وَالنَّصَارَى والعجم وَكَانَ أَصْحَابه يخضبون بِالْحِنَّاءِ والكتم والصفرة وَنهى عَن الخضاب بِالسَّوَادِ وسَاق فِي معرض الذَّم ذكره (مَا شان خير الْخلق شيب ... إِنَّمَا هِيَ أنجم تَحت الْغَمَام بواد) (فاحرص إِذا وافاك شين الشيب ... أَن لَا تخضبن بياضه بسواد) سواك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحجامته كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى السِّوَاك شَدِيد الْميل وَكَانَ يوضع لَهُ ليستاك بِهِ إِذا قَامَ من اللَّيْل وَمَا اسْتَيْقَظَ فِي ليل أَو نَهَار من كراه إِلَّا وَاسْتعْمل السِّوَاك قبل وضوئِهِ للصَّلَاة

منبر النبي صلى الله عليه وسلم وخطابته

وَكَانَ لَهُ مرْآة ومشط من عاج ومكحلة ومقراض وقدح من زجاج وقدح يدعى الريان وقدح مضبب وثور من حِجَارَة ومغسل من صفر ومخضب وَكَانَ يكتحل بالأثمد عِنْد النّوم ثَلَاثًا فِي كل عين وَفِي لفظ يكتحل فِي عينه الْيُمْنَى ثَلَاث مَرَّات واليسرى مرَّتَيْنِ وَكَانَ يقص من شَاربه ويحفيه وَيظْهر علم سنته الزاهرة وَلَا يخفيه وَحَدِيث حجامته رَوَاهُ عدَّة من النَّاس وَأمره جِبْرِيل بالمغيثة وَهِي الْحجامَة فِي الرَّأْس وَاحْتَجَمَ على الأخدعين اثْنَيْنِ وعَلى الْكَاهِل وَاحِدَة وَقَالَ (خير مَا تداويتم بِهِ الْحجامَة) فطوبى لمن أَخذ بِالْقبُولِ فَوَائده (واظب على سنَن الرَّسُول وفعلها ... وَمن اقتفاء آثاره كن لاحقا) (واصبر على شَرط الْحجامَة واكتحل ... وَإِلَى السِّوَاك سواك لَا يَك سَابِقًا) مِنْبَر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخطابته كَانَ يخْطب يَوْم الْجُمُعَة إِلَى جذع قَائِما فشق عَلَيْهِ أَن يسْتَمر على الْقيام فِي خطبَته دَائِما فَاتخذ لَهُ الْمِنْبَر من أثلة بِالْغَابَةِ بعد أَن شاور فِي عمله

ذَوي الرَّأْي من الصَّحَابَة صنعه غُلَام الْعَبَّاس دَرَجَتَيْنِ ومقعدا وَسَار خَبره فِي النَّاس مُتَّهمًا ومنجدا كَيفَ لَا وَهُوَ على ترعة من ترع الْجنَّة وبذروته تتلى آيَات الْكتاب وَتحفظ أَخْبَار السّنة وقوائمه مَوْضُوعَة على الْحَوْض وَمن حوله روض نبوي يجل عَن مشابهة الرَّوْض وَإِلَيْهِ تركن الْمَلَائِكَة وبظله تتفيأ الْأَبْرَار وَمن حلف عَلَيْهِ كَاذِبًا تبوء مَقْعَده من النَّار وَلما جلس عِنْد الْمِنْبَر فَقده الْجذع الَّذِي كَانَ يقوم إِلَيْهِ فحن حنين العشار وَلم يسكن حَتَّى أَتَاهُ وَوضع يَده عَلَيْهِ وَكَانَ إِذا خطب يتَوَكَّأ على الْعَصَا وَيُشِير بأصابعه الَّتِي سبح إِلَى جَانبهَا صم الْحَصَا وَكَانَ لَهُ برد يمنية وَإِزَار من نسج عمان لَا يَلْبسهُمَا إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ ثمَّ يطويان (الْجذع حن إِلَى النَّبِي الْمُصْطَفى ... وعَلى الحنين لَهُ دَلِيل ظَاهر)

صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على الجنائز

(لله منبره الَّذِي من حوله ... للجنة الفيحاء روض ناضر) صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْجَنَائِز كَانَ الْمُسلمُونَ بعد قدومه إِلَى الْمَدِينَة وَتَمام هجرته الزكية يعلمونه إِذا حضر مِنْهُم أحد وأشرف على الْمنية فَيَأْتِي المحتضر ويستغفر لَهُ وَيجْلس عِنْده حَتَّى إِذا قبض انْصَرف أَو قعد إِلَى أَن يدخلوه لحده فَرُبمَا طَالَتْ الشقة وخافوا أَن تحصل لَهُ الْمَشَقَّة فَكَانُوا يعلمونه بِالْمَيتِ بعد قَضَاء نحبه فيأتيه وَيُصلي عَلَيْهِ ويستغفر لَهُ من ذَنبه ثمَّ ينْصَرف بعد الصَّلَاة أَو يمْكث إِلَى أَن يغيب فِي الفلاة ثمَّ كَانُوا بعد ذَلِك يحملون الْمَيِّت إِلَيْهِ فَيشْهد جنَازَته وَيُصلي عِنْد بَيته عَلَيْهِ واستقرت دوائر الْأَمر على هَذِه المراكز فَسُمي الْمَكَان الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ مَوضِع الْجَنَائِز (طُوبَى لمن صلى عَلَيْهِ الْمُصْطَفى ... خير الورى من صَحبه الْأَبْرَار)

ملابس النبي صلى الله عليه وسلم

(فَلَقَد ثوى فِي جنَّة مَرْفُوعَة ... وَلَقَد نجا من شَرّ حر النَّار) ملابس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَهُ برد نجراني غليظ الْحَاشِيَة وكمة بَيْضَاء وقلانس لاطية وعمامة سَوْدَاء صعد بهَا على الْمِنْبَر ولبسها عِنْد دُخُول مَكَّة يَوْم الْفَتْح الْأَكْبَر وقميص من الْقطن قصير الطول وَالْيَدَيْنِ وجبة من الصُّوف وجبة شامية صفيقة الكمين وَبرد من حبرَة لَهُ حاشيتان ورداء حضرمي وَإِزَار من نسج عمان وحلة حَمْرَاء يلبسهَا فِي الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ وَكَانَ يكثر القناع ويلبس الجرموقين والنعلين وَإِذا اعتم سدل عمَامَته بَين كَتفيهِ وأرخاها وَإِذا تَوَضَّأ أَو سجد رَفعهَا عَن جَبينه ونحاها

وَكَانَ يصْبغ ثِيَابه بالزعفران وَيظْهر للنَّاس وَعَلِيهِ بردَان أخضران وَأمر يلبس الثِّيَاب الْبَيْضَاء وحرض على ترك لبس الْحَرِير كل التحريض وَكَانَ ضجاعه من أَدَم حشوه لِيف وَقَامَ فِي مرط من صوف لَا لين وَلَا كثيف وَكَانَت لَهُ ملحفة مصبوغة وَصلى على الْحَصِير والفروة المدبوغة وَكَانَ يرفع إزَاره من وارئه ويرخيه من بَين يَدَيْهِ وَأخرج يَده للْوُضُوء من تَحت جبته وَأَلْقَاهَا على كَتفيهِ وتوشح بِثَوْب وَاحِد وَقَامَ بِهِ إِلَى الصَّلَاة وَأم الْقَوْم فِي شملة خَالف بَين طرفيها وعقدها فِي قَفاهُ وَأمر أَن يَقُول الْحَاضِر من أمته عِنْد لبس الْجَدِيد الْآتِي (الْحَمد لله الَّذِي كساني مَا أواري بِهِ عورتي وأتجمل بِهِ فِي حَياتِي) (لبس الغليظ من البرود مُحَمَّد ... أزكى الورى خير الْأَعَاجِم وَالْعرب) (وَهُوَ الَّذِي لَو شَاءَ أجْرى الله فِي ... أبياته طَوْعًا لَهُ نهر الذَّهَب)

سلاح النبي صلى الله عليه وسلم

سلَاح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَهُ سيف يُقَال لَهُ الْمَأْثُور وَسيف بالعضب عِنْد الْعَرَب مَشْهُور وَسيف يدعى ذَا الفقار يَصْحَبهُ فِي الْحَرْب وَيشْهد بِهِ مَوَاقِف الطعْن وَالضَّرْب وَسيف يُسمى صمصامة يروع الْقُلُوب وَسيف قلعي والبتار والحتف والرسوب وسيفان يعرفان بالمخذم وبالقضيب هَذِه أسيافه الَّتِي أخذت من صحبته بأوفر نصيب وَكَانَت لَهُ دروع تسحب على السَّحَاب فضل الذيول وَهن ذَات

الوشاح وَذَات الْحَوَاشِي وَذَات الفضول وَفِضة والسغدية درع دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام والبتراء والخرنق وكل مِنْهُنَّ لَا سهم عِنْدهَا للسهام وَكَانَ لَهُ من القسي الكتوم والزوراء والروحاء والبيضاء والصفراء وَكَانَ لَهُ كنَانَة يُقَال لَهَا الكافور ونبال تدعى الْمُتَّصِلَة ومنطقة من أَدِيم منشور وَكَانَ لَهُ ترسان أَحدهمَا يعرف بالزلوق وترس آخر يفخر على سَائِر الجنن ويفوق وَكَانَ لَهُ مغفران وَخَمْسَة أرماح حربتان إحديهما العنزة المخجلة ضوء الصَّباح

وَكَانَت لَهُ راية سَوْدَاء تسمى الْعقَاب وألوية بَيْضَاء رفيعة الجناب ومحجن وقضيب ومخصرة تسمى العرجون وفسطاط يعرف بالكن ويشتمل على السِّرّ الْمكنون (بِمُحَمد خير الْبَريَّة يكْتَفى ... يَوْم النزال إِذا اكفهر الْموقف) (هُوَ أثبت الشجعان عِنْد الْمُلْتَقى ... وَأجل من لبس السِّلَاح وأشرف) (كم فل جَيْشًا للعداة عرمرما ... صَعب المراس بِغَيْرِهِ لَا يكْشف) (لله درع لَاحَ فِيهِ ومغفر ... ومهند فِي كَفه ومثقف)

خاتم النبي صلى الله عليه وسلم

خَاتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صنع لَهُ خَاتم من ذهب فاتخذه ولبسه فِي يَده مُدَّة ثمَّ نَزعه ونبذه وَقَالَ (وَالله لَا ألبسهُ أبدا) وَنهى عَن اتِّخَاذه وَلم يَجْعَل للنهى أمدا ثمَّ اتخذ خَاتمًا كُله من فضَّة ونقشه باسمه الَّذِي لم تزل أوراق شرفه غضة وَكَانَ يخْتم بِهِ الْكتب الصادرة من جِهَته وَينْهى أَن ينقش أحد على هَيئته وَصفته وَبَقِي فِي يَده ثمَّ فِي يَد أبي بكر ثمَّ فِي يَد عمر وَمن يَد عُثْمَان سقط فِي بِئْر أريس وَلم يظْهر لَهُ خبر بعد أَن طلب ثَلَاثَة أَيَّام وعام بِسَبَبِهِ فِي الْبِئْر الْمَذْكُورَة من عَام وَكَانَ لَهُ خَاتم فضَّة ملوية على حَدِيد مشرف باسم الله واسْمه أَخذه من خَالِد بن سعيد لبسه فِي يَده مُدَّة ثمَّ توارثه الْخُلَفَاء بعده وَكَانَ يتختم تَارَة فِي الْيُمْنَى وَتارَة فِي الْيُسْرَى وَيجْعَل فص الْخَاتم مِمَّا يَلِي بطن كَفه الَّتِي كم أذهبت عسرا (يَا طالبي روض الرِّضَا لوذوا بِمن ... صلى عَلَيْهِ رَبنَا وسلما) (وَأَنْتُم يَا تَابِعِيّ سنته ... تختموا فالمصطفى تختما)

نعل النبي صلى الله عليه وسلم

نعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَشى فِي نَعْلَيْنِ مقاباتين وَصلى فِي نَعْلَيْنِ مخصوفتين وَكَانَ لَهُ نعل معقبة ملسنة مخصرة وَلبس النِّعَال السبتية فِيمَا نَقله بعض الصَّحَابَة وَذكره وَكَانَ يحب التَّيَمُّن فِي تنعله وَفِي طهوره وَترَجله وَفِي شَأْنه كُله وَلبس خُفَّيْنِ أسودين أهداهما النَّجَاشِيّ إِلَيْهِ وَكَانَ ينتعل قَائِما وَقَاعِدا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (البس الْخُف وَالنعال اقْتِدَاء ... بِالنَّبِيِّ الْأُمِّي خير الْأَنَام) (ومحقق أَن الَّذِي للمقفى ... يقتفى فائز بدار السَّلَام)

أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم

أَزوَاج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم [خَدِيجَة بنت خويلد] تزوج خَدِيجَة بنت خويلد الأَسدِية سنة خمس وَعشْرين من الْفِيل سَار بنظم عقدهَا من أنجد وأتهم وَكَانَ مبلغ صَدَاقهَا عَلَيْهِ خمس مائَة دِرْهَم وسلكت مَعَه سيرة عيونها بالجميل جَارِيَة وملكت وضع سَائِر أَوْلَاده إِلَّا إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ من مَارِيَة وَهِي أول من آمن بِهِ وَمَعَهُ صلى وَلم يتَزَوَّج غَيرهَا حَتَّى مضى عمرها وَتَوَلَّى مَاتَت بِمَكَّة قبيل الْهِجْرَة ودرجت إِلَى دَرَجَة من رفع الله بِالْإِيمَان قدره [سَوْدَة بنت زَمعَة] ثمَّ تزوج سَوْدَة بنت زَمعَة العامرية سنة عشر من النُّبُوَّة وَهِي أول امْرَأَة تزَوجهَا فِي الْإِسْلَام وَأمر فِي نظم عقدهَا بالإعلان والإعلام وَكَانَ صَدَاقهَا أَرْبَعمِائَة دِرْهَم من الْعين وَبقيت عِنْده إِلَى أَن رميت عِنْده بِسَهْم الْبَين

عائشة بنت أبي بكر الصديق

مَاتَت فِي الْمَدِينَة فِي آخر أَيَّام عمر وَدخلت إِلَى رَحْمَة من سخر اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر [عَائِشَة بنت أبي بكر الصّديق] ثمَّ تزوج عَائِشَة بنت أبي بكر الصّديق سنة عشر من النُّبُوَّة دخل بهَا بعد الْهِجْرَة وقطف مِنْهَا زهرَة وَيَا لَهَا زهرَة كثر الله بِهِ خَيرهَا وَلم يتَزَوَّج بكرا غَيرهَا واستمرت فِي صحبته مبتهجة بِمَا سمح لَهَا الزَّمَان إِلَى أَن قبض عَنْهَا وَهِي بنت عشر وثمان ثمَّ مَاتَت فِي ولَايَة مَرْوَان بِالْمَدِينَةِ بعد أَن شنفت الأسماع من أَلْفَاظه بالجواهر الثمينة [حَفْصَة بنت عمر] ثمَّ تزوج حَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة وَهِي الْمَعْرُوفَة بِكَثْرَة الصّيام والمشهورة بِالْقيامِ فِي جنح الظلام صاحبته الْمُسْتَحقَّة للتعظيم والتبجيل وَزَوجته فِي الْجنَّة هَكَذَا أخبرهُ عَن الله جِبْرِيل

زينب بنت خزيمة

أَقَامَت تَحت ظلّ جنَاحه مستضيئة بأنوار مصباحه إِلَى أَن غَابَتْ شمس ذَاته اللطيفة ثمَّ مَاتَت سنة خمس وَأَرْبَعين بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة [زَيْنَب بنت خُزَيْمَة] ثمَّ تزوج زَيْنَب بنت خُزَيْمَة القيسية سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة خطبهَا فَجعلت إِلَيْهِ أمرهَا فقرر على خَمْسمِائَة دِرْهَم مهرهَا وَكَانَت تدعى أم الْمَسَاكِين لرقتها عَلَيْهِم ورأفتها بهم وإحسانها إِلَيْهِم مكثت فِي صحبته ثَمَانِيَة أشهر ثمَّ انْتَقَلت ببركته إِلَى جنَّات وأنهر فصلى عَلَيْهَا ودفنها بِالبَقِيعِ ولعمري لقد ظَفرت من دُعَائِهِ بِالْجنَّةِ الواقية والحجاب المنيع [أم سَلمَة] ثمَّ تزوج أم سَلمَة هِنْد بنت حُذَيْفَة المخزومية سنة أَربع من الْهِجْرَة دخل بهَا فِي السّنة الْمَذْكُورَة ونظمها فِي سلك السالكين تَحت أَعْلَامه المنشورة ونقلها إِلَى بَيت زَيْنَب بعد خلوه من أُنْسُهَا فصنعت لَهُ طَعَاما

زينب بنت جحش

من الشّعير والودك بِيَدِهَا لَيْلَة عرسها وَكَانَت وفاتها فِي ولَايَة يزِيد بن مُعَاوِيَة بعد أَن حدثت عَنهُ بِمَا يروي ظمأ السَّامع والراوية [زَيْنَب بنت جحش] ثمَّ تزوج زَيْنَب بنت جحش سنة أَربع من الْهِجْرَة زوجه الله تَعَالَى إِيَّاهَا ونضر بنظره إِلَيْهَا محياها وَأنزل فِيهَا آيَة الْحجاب وأسبل عَلَيْهَا أَثوَاب الثِّيَاب ويكفيها ذَلِك شرفا وحسبها مَا حصل لَهَا من الْحسب وَكفى مَاتَت بِطيبَة بعد مغيب ذكائه وَكَانَت أول لاحقة بِهِ من نِسَائِهِ [جوَيْرِية بنت الْحَارِث] ثمَّ تزوح جوَيْرِية بنت الْحَارِث الْأَزْدِيَّة سنة خمس من الْهِجْرَة سباها يَوْم الْمُريْسِيع سنة خمس وحباها وحماها حماية الشَّمْس من اللَّمْس وَكَانَ اسْمهَا برة فحوله وَمد عَلَيْهَا ظلّ الْإِحْسَان وَطوله مَاتَت فِي ولَايَة مَرْوَان بِيَثْرِب وحملت إِلَى مَحل الرَّحْمَة بِإِذن رب الْمشرق وَالْمغْرب

ريحانة بنت زيد

[رَيْحَانَة بنت زيد] ثمَّ تزوج رَيْحَانَة بنت زيد سنة سِتّ من الْهِجْرَة كَانَت امْرَأَة جميلَة وسيمة عديمة النظير فِي بني النَّضِير كَرِيمَة وضعت ثمَّ رفعت وَفِي السَّبي يَوْم بني قُرَيْظَة وَقعت فَخَيرهَا بَين الْإِسْلَام ودينها فَاخْتَارَتْ مَا يزلفها عِنْد معيدها ومعينها فَأَصْدقهَا خَمْسمِائَة دِرْهَم وَبَين بِضَرْب الْحجاب عَلَيْهَا أمرهَا الْمُبْهم مَاتَت بِالْمَدِينَةِ بعد حجَّة الْوَدَاع ومنيت بِالتَّفْرِيقِ بعد الإجتماع [أم حَبِيبَة] ثمَّ تزوج أم حَبِيبَة رَملَة بنت أبي سُفْيَان سنة سبع من الْهِجْرَة زَوجهَا مِنْهُ خَالِد بن سعيد وَهِي من أَرض الْحَبَشَة فِي مَكَان بعيد وَأصْدقهَا النَّجَاشِيّ عَنهُ أَرْبَعمِائَة دِينَار وَبعث بهَا إِلَيْهِ مجهزة على مَا يحب ويختار مَاتَت فِي ولَايَة مُعَاوِيَة أَخِيهَا وَمَضَت يرحمها الله سُبْحَانَهُ ويقيها

صفية بنت حيي

[صَفِيَّة بنت حييّ] ثمَّ تزوج صَفِيَّة بنت حييّ الهارونية سنة سبع من الْهِجْرَة اصطفاها فِي غَزْوَة خَيْبَر لنَفسِهِ وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا على مَا أخبر بِهِ الثِّقَة فِي طرسه وَكَانَت شَابة جميلَة نبيهة فِي قَومهَا نبيلة مَاتَت سنة خمس وَخمسين بِالْمَدِينَةِ وخلفت من الأَرْض وَالْعرض مَا قِيمَته ثمينة [مَيْمُونَة بنت الْحَارِث] ثمَّ تزوج مَيْمُونَة بنت الْحَارِث العامرية سنة سبع من الْهِجْرَة تولى نظم عقدهَا عَمه الْعَبَّاس وتجلى نجم سعدها مضيئا كالمقياس واستمرت كارعة من بحره النمير إِلَى أَن أفل عَنْهَا بالرغم مِنْهَا بدرها الْمُنِير

أولاد النبي صلى الله عليه وسلم

مَاتَت بسرف قَرِيبا من الْبَلَد الْحَرَام وَالله الدَّائِم الْبَاقِي على ممر اللَّيَالِي وَالْأَيَّام (يَا أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ برَبهمْ ... طُوبَى لَكِن بِصُحْبَة الْمُخْتَار) (قد خصكن الله بالشرف الَّذِي ... مَا مثله وبرفعة الْمِقْدَار) (فزتن بالهادي البشير مُحَمَّد ... خير الْأَنَام وَسيد الْأَبْرَار) (مني عليكن السَّلَام المرتضى ... مَا غرد الْقمرِي فِي الأسحار) أَوْلَاد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولد لَهُ الْقَاسِم الْمَعْرُوف بِالْعرْفِ الناسم الَّذِي كَانَ بِهِ يكنى وَله يعوذ بأسماء الله الْحسنى مَاتَ بِمَكَّة صَغِيرا وَسبق ليلحق نعيما وملكا كَبِيرا

ثمَّ زَيْنَب أم عَليّ وأمامة الرافلين فِي حلل الْقسَامَة والوسامة ولدى أبي الْعَاصِ بن الرّبيع الفائز بالوصول إِلَى هَذَا الْمنزل الرفيع توفيت بعد الْهِجْرَة سنة ثَمَان وَمَضَت مَعَ الْمُؤمنِينَ إِلَى دَار الْأمان ثمَّ رقية الراقي محلهَا على كيوان أم عبد الله بن عُثْمَان بن عَفَّان مَاتَت سنة اثْنَيْنِ من الْهِجْرَة وَنزلت بِمن يثيب الطائع ويجزل أجره ثمَّ فَاطِمَة أم الْحسن وَالْحُسَيْن الْإِمَامَيْنِ السيدين السعيدين الشهيدين ابْني عَليّ بن أبي طَالب الْغَيْث الْهَادِي وَاللَّيْث الْغَالِب توفيت بعد أَبِيهَا بِثَلَاثَة شهور وانتقلت إِلَى رضوَان الْعَزِيز الغفور ثمَّ أم كُلْثُوم ذَات الشّرف الْمَعْلُوم والنظير الْمَعْدُوم زَوْجَة عُثْمَان ذِي النورين الآوى مِنْهَا وَمن أُخْتهَا رقية إِلَى طورين مَاتَت بعد الْهِجْرَة عَام تِسْعَة وسارت إِلَى مَحل السرُور والرفعة ثمَّ عبد الله وَيُسمى الطّيب الطَّاهِر الْمَوْلُود بعد مبعث أَبِيه الْكَوْكَب الزَّاهِر مَاتَ صَغِيرا بِمَكَّة بعد أَخِيه الْقَاسِم وذوى سَرِيعا غصنه الباسق ونوره الباسم ثمَّ إِبْرَاهِيم صَاحب الظِّئْر فِي الْجنَّة ونجل سيد الثقلَيْن الْإِنْس وَالْجنَّة توفّي سنة عشر لِلْهِجْرَةِ صَغِيرا وَدفن بِالبَقِيعِ بعد أَن صلى عَلَيْهِ من صلى بِالْمَلَائِكَةِ والنبيين فِي الرقيع

كتاب النبي صلى الله عليه وسلم

وَفِي زَيْنَب يَقُول أَبُو الْعَاصِ ابْن الرّبيع (ذكرت زَيْنَب لما جاوزوا إرما ... وَقلت سقيا لشخص يسكن الحرما) (بنت الْأمين جزاها الله صَالِحَة ... وكل بعل سيثنى بِالَّذِي علما) كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر الصّديق وَعمر عَامر منزل التَّحْقِيق وَعُثْمَان ذُو النورين الباهرين وَعلي وَالِد الْإِمَامَيْنِ الطاهرين وخَالِد وإبان وَسَعِيد بَنو الْعَاصِ وعامر بن فهَيْرَة رَافع لِوَاء الْوَلَاء وَالْإِخْلَاص وَعبد الله ابْن الأرقم وحَنْظَلَة بن الرّبيع وَأبي بن كَعْب الآوى من كتاب الله

إِلَى حصن منيع وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان والمغيرة بن شُعْبَة فاتح ميسَان وَمُحَمّد بن مسلمة البطل الْمِقْدَام وَزيد بن ثَابت وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وثابت ابْن قيس وشرحبيل والْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ الباسل النَّبِيل وَعَمْرو بن الْعَاصِ وَعبد الله بن رَوَاحَة وخَالِد بن الْوَلِيد الْمَوْصُوف بالحماسة والسماحة وَعبد الله بن زيد وجهيم المفضال وحفيد أبي بن سلول ومعيقيب أَمِين بَيت المَال

رسل النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري

(قل للكرام الْكَاتِبين أَبْشِرُوا ... بِصُحْبَة الْهَادِي أبي الطَّاهِر) (من مثلكُمْ فِي الْحَظ والحظيا ... كتاب وَحي الْملك القاهر) رسل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي بَعثه إِلَى النَّجَاشِيّ بِكِتَاب يرشده فِيهِ إِلَى طَرِيق الصَّوَاب فَأَخذه وَوَضعه على عَيْنَيْهِ وَنزل عَن سَرِيره فَجَلَسَ بَين يَدَيْهِ ثمَّ أسلم فَسلم وَشهد من الْحق بِمَا علم وَقَامَ بِمَا يجب من تَعْظِيم رَسُوله وَكتابه وَأرْسل إِلَيْهِ امتثالا لأَمره بِمن قبله من أَصْحَابه دحْيَة بن خَليفَة الْكَلْبِيّ بَعثه إِلَى هِرقل ملك الرّوم وَمَعَهُ كتاب بنقش الْهِدَايَة مرقوم فَقَرَأَ الْكتاب وهم بِالْإِسْلَامِ فقوبل من أَصْحَابه بالتعنيف والملام فَأَعْرض إشفاقا على ملكه وَأمْسك خوفًا من توصلهم إِلَى هلكه

عبد الله بن حذافة السهمي

عبد الله بن حذافة السَّهْمِي بَعثه إِلَى كسْرَى ملك فَارس وجهز مَعَه كتابا مُشْتَمِلًا على غرس النصح فَأكْرم بالغارس فمزق الْكتاب ونكص عَن الْجَواب فَلَمَّا بلغه ذَلِك دَعَا عَلَيْهِ بالتمزق فمزق الله ملكه وَملك قومه وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق حَاطِب بن أبي بلتعة اللَّخْمِيّ بَعثه إِلَى الْمُقَوْقس ملك الْإسْكَنْدَريَّة وَهُوَ يَوْمئِذٍ عَظِيم القبط بالديار المصرية يَأْمُرهُ بالهداية وينهاه عَن الغواية فَقَالَ خيرا وقارب الْأَمر لكنه لم يسلم فَلم يسلم من حر الْجَمْر وَأرْسل إِلَيْهِ مَارِيَة وَأُخْتهَا وهدية رأى لِسَان الْقَلَم أَن يختصر نعتها

شجاع بن وهب الأسدي

شُجَاع بن وهب الْأَسدي بَعثه إِلَى الْحَارِث ملك البلقاء من الشَّام وَأرْسل مَعَه كتابا يَدعُوهُ فِيهِ إِلَى الْإِسْلَام فقرأه ووقف عَلَيْهِ وَرمى بِهِ قَائِلا أَنا أَسِير إِلَيْهِ ثمَّ أَنه عزم على الْمسير لكنه انْقَلب خاسئا وَهُوَ حسير سليط بن عَمْرو العامري بَعثه إِلَى هَوْذَة بن عَليّ بِالْيَمَامَةِ يَدعُوهُ إِلَى مَا يُدْنِيه من دَار المقامة فَأكْرم الرَّسُول وأنزله ثمَّ كتب مَا أحسن مَا تَدْعُو إِلَيْهِ وأجمله وَأثْنى على نَفسه فِي خطابته وشعره وَطلب مِنْهُ أَن يَجْعَل لَهُ بعض أمره فَأبى عَلَيْهِ فِي مرامه وَلم يلْتَفت إِلَى مَا نمقه من كَلَامه عَمْرو بن الْعَاصِ بَعثه إِلَى جَيْفَر ملك عمان يستدعيه إِلَى الْإِيمَان والأمان فَأسلم وَسلم وبكلمة الصدْق وَالْحق تكلم وخلى بَين الصَّدَقَة وَبَين عَمْرو وفوض إِلَيْهِ مقاليد النهى وَالْأَمر

العلاء بن الحضرمي

الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ بَعثه إِلَى الْمُنْذر الْعَبْدي ملك الْبَحْرين وَمَعَهُ كتاب ينْطق لذِي الشَّهَادَتَيْنِ بأجور وَلَا أَقُول بأجرين فَقَرَأَ الْكتاب وَأحسن الْخطاب وَأسلم وَصدق وطلة الغى طلق وهجر من لم يسلم من أهل هجر وَظهر بِخلق يقربهُ مِمَّن خلق كل شَيْء بِقدر (رسل النَّبِي إِلَى الْمُلُوك تجهزوا ... يَدعُونَهُمْ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام) (فَلِمَنْ أطَاع كَرَامَة وَلمن عصى ... خزي يَدُوم على مدى الْأَيَّام) خدام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنس بن مَالك وَعبد الله بن مَسْعُود وَأَبُو ذَر الْبَالِغ بصدقه ذرْوَة الْمَقْصُود وَرَبِيعَة بن كَعْب وَعقبَة بن عَامر وأسلع بن شريك

موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم

الظافر بالغيث الهامر وَسعد مولى أبي بكر الصّديق وبلال رَئِيس المؤذنين على التَّحْقِيق وَأَبُو الْحَمْرَاء وَذُو مخمر وَبُكَيْر الَّذِي أَوْرَق غُصْن سعده وأثمر (خدام خير الورى أكْرم بهم نَفرا ... كم زهرَة قطفوا من روض نعْمَته) (لَو لم يكن لَهُم حَظّ لَهُ مدد ... من السَّعَادَة مَا فازوا بخدمته) موَالِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زيد بن حَارِثَة وَأُسَامَة بن زيد وأيمن الشَّهِيد بحنين وَأسلم بن عبيد وَأَبُو رَافع وثوبان وَأَبُو مسروح وشقران ويسار ورباح

وفضاله الطَّائِر بجناح النجاح وَأَبُو كَبْشَة وطهمان وَأَبُو السَّمْح وكيسان وأفلح وهابور وَرَافِع ومدعم وكركرة وَنَافِع وَأَبُو موهبة وذكوان وَأَبُو لبَابَة ومروان وهَاشِم وسندر وحنين وَيزِيد وَزيد وَعبيد وَسعد وَسَعِيد وَأَبُو وَاقد وضميرة وَأَبُو عسيب وسفينة الفائز من خدمته بأوفى نصيب وَأم أَيمن وسلمى وَرَيْحَانَة ومارية الَّتِي علت بِوَلَدِهَا بهْرَام الْفلك وكيوانة وربيحة ومَيْمُونَة وخضرة الأمينة المأمونة وَأم عَيَّاش ورضوى وَأم ضميرَة الثاوية فِي أعز مثوى

خيل النبي صلى الله عليه وسلم ودوابه

(موَالِي خير خلق الله كَانُوا ... نُجُوم الْمجد فِي أفق الْمَعَالِي) (أيا من قَصده الْإِعْرَاب عَنْهُم ... هم السادات فِي زِيّ الموَالِي) خيل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودوابه كَانَ لَهُ فرس أدهم يُسمى السكب لخفته وَفرس أَشهب يدعى المرتجز لحسن صهيله وغنته واللحيف الَّذِي يلحف الأَرْض بذيله الطَّوِيل واللزاز والظرب اللَّذَان لَا نَظِير لَهما فِي العاديات وَلَا مثيل والورد الَّذِي أنعم بِهِ على عمر وسبحة الَّتِي سَابق بهَا فَلم يدْرك لَهَا أثر هَذِه سَبْعَة أَفْرَاس مُتَّفق عَلَيْهَا وَذكر الروَاة لَهُ غَيرهَا من الْخَيل وأشاروا إِلَيْهَا

وَكَانَت لَهُ بغلة شهباء يُقَال لَهَا دُلْدُل مَشْهُورَة الْأَمر وَبغلة تسمى فضَّة أهداها لَهُ الجذامى فَرْوَة بن عَمْرو وَبغلة بَيْضَاء بعث إِلَيْهِ صَاحب أَيْلَة بهَا وبكتابه وَبغلة أهداها لَهُ أَصْحَاب الجندل مَعَ جُبَّة من ثِيَابه وحماران أَحدهمَا عفير وَالْآخر يَعْفُور هَذِه عدتهَا حسب مَا هُوَ فِي كتب الْقَوْم مسطور وَكَانَت لَهُ نَاقَة تسمى العضباء هَاجر عَلَيْهَا إِلَى الْمَدِينَة وجمل أَحْمَر وقف عَلَيْهِ بِعَرَفَة أَيْن الجديل من رتبته المكينة وجمل يُقَال لَهُ الثَّعْلَب مَعْرُوف فِي ذَلِك الصَّدْر ومهرى لَهُ برة من فضَّة غنمه يَوْم بدر ومهرية من نعم بني عقيل بالهامرية وعدة لقاح مِنْهَا بردة ومروة والعريس والسعدية وَكَانَ لَهُ قطيع من الْغنم مِنْهُ غوثة وبركة وزمزم وقمر هَذَا نَص مَا وَردت بِهِ النقول وَصَحَّ فِي الْخَبَر

الغزوات والسرايا والوفود

(خيل الرَّسُول سَبْعَة مسطورة ... ) (ودلدل بغلته مشهوره ... ) (والناقة العضباء نعم الصوره ... ) (صورتهَا المحمودة المشكوره ... ) (وَهَكَذَا أنعامه المذكوره ... ) (عدتهَا مضبوطة محصوره ... ) (فاجنح إِلَى سيرته المأثوره ... ) (واترك أماني نَفسك المغرورة ... ) (تَحِيَّة أزهارها ممطوره ... ) (مني عَلَيْهِ لم تزل منشوره ... ) الْغَزَوَات والسرايا والوفود سَرِيَّة حَمْزَة بن عبد الْمطلب إِلَى سيف الْبَحْر سنة إِحْدَى من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَمَضَان عَام الْهِجْرَة وَعقد لَهُ لِوَاء يهدي بالبياض من لَونه إِلَى طَرِيق النُّصْرَة

وَهُوَ أول لِوَاء عقده الرَّسُول وَحمله أَبُو مرْثَد الغنوي فَأكْرم بالحامل والمحمول فَسَار فِي ثَلَاثِينَ من الْمُهَاجِرين يطْلب عير أبي جهل بن هِشَام وَكَانَ قد آب فِي ثَلَاثمِائَة قرشي من بِلَاد الشَّام فَالْتَقوا بِسيف الْبَحْر من نَاحيَة الْعيص وَاصْطَفُّوا قائلين لَا محيد عَن الْقِتَال وَلَا محيص فَمشى بَين الْفَرِيقَيْنِ حليفها مجدي بن عَمْرو حَتَّى منعهما من الْوُقُوع فِي أشراك العراك وانفصل الْأَمر وَفِي هَذِه السّريَّة يَقُول حَمْزَة من أَبْيَات (فَمَا برحوا حَتَّى انتدبت لغارة ... لَهُم حَيْثُ حلوا ابْتغى رَاحَة الْفضل) (بِأَمْر رَسُول الله أول خافق ... عَلَيْهِ لِوَاء لم يكن لَاحَ من قبل) (فَلَمَّا تراءينا أناخوا فعقلوا ... مطايا وعقلنا مدى غَرَض النبل) (وَقُلْنَا لَهُم حَبل الْإِلَه نصيرنا ... وَمَا لَهُم إِلَّا الضَّلَالَة من حَبل)

سرية عبيدة بن الحارث إلى بطن رابغ سنة إحدى من الهجرة

(فثار أَبُو جهل هُنَالك بَاغِيا ... فخاب ورد الله كيد أبي جهل) (فيا للؤي لَا تطيعوا غواتكم ... وفيئوا إِلَى الْإِسْلَام والمنهج السهل) سَرِيَّة عُبَيْدَة بن الْحَارِث إِلَى بطن رابغ سنة إِحْدَى من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شَوَّال على رَأس خَمْسَة وَثَلَاثَة وَعقد لَهُ لِوَاء أَبيض حمله مسطح بن أَثَاثَة فَسَار فِي سِتِّينَ رجلا من الْمُهَاجِرين صابرين على الْجِهَاد فِي سَبِيل الله ومصابرين فلقي أَبَا سُفْيَان فِي مِائَتي رجل ملتفين عَلَيْهِ وَهُوَ على مَاء من بطن رابغ الْمشَار إِلَيْهِ فَكَانَت بَينهمَا المناوشة وَالرَّمْي بالنبال وَلم يسلوا سيوفا وَلَا اصطفوا لِلْقِتَالِ ثمَّ انصرفت كل فرقة إِلَى نَاحيَة وَرجع ابْن الْحَارِث إِلَى الْمَدِينَة بفرقته النَّاجِية

سرية سعد بن أبي وقاص إلى الخرار سنة إحدى من الهجرة

وَفِي هَذِه السّريَّة يَقُول أَبُو بكر الصّديق من أَبْيَات (ترى من لؤى فرقة لَا يصدها ... عَن الْكفْر تذكير وَلَا بعث باعث) فَإِن يرجِعوا عَن كفرهم وعقوقهم ... فَمَا طَيّبَات الْحل مثل الْخَبَائِث) (وَإِن يركبُوا طغيانهم وضلالهم ... فَلَيْسَ عَذَاب الله عَنْهُم بلابث) (لتبتدرنهم غَارة ذَات مُصدق ... تحرم أظهار النِّسَاء الطوامث) (تغادر قَتْلَى تعصب الطير حَولهمْ ... وَلَا ترأف الْكفَّار رأف ابْن حَارِث) سَرِيَّة سعد بن أبي وَقاص إِلَى الخرار سنة إِحْدَى من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذِي الْقعدَة عَام هجرته وَعقد لَهُ لِوَاء يخجل الصُّبْح ببياضه ونضرته حمله الْمِقْدَاد بن عَمْرو ممتثلا مَا أَشَارَ بِهِ صَاحب الْأَمر فَسَار فِي عشْرين من الْمُهَاجِرين الْأَبْرَار طَالبا عير قُرَيْش مَأْمُورا أَن لَا يُجَاوز الخرار وَكَانُوا يكمنون النَّهَار ويسيرون اللَّيْل حَتَّى جاءوها صبح

غزوة ودان سنة اثنتين من الهجرة

يَوْم خَمِيس مَجِيء السَّيْل فوجدوا العير قد مرت بالْأَمْس فَرَجَعُوا إِلَى خدمَة من بدعائه رجعت الشَّمْس (أيا سعد خبرني بِحَال سَرِيَّة ... على جَانب الخرار خر لَهَا الْمجد) (وَحدث عَن الْمُخْتَار وانثر عقوده ... عَليّ وزدني من حَدِيثك يَا سعد) غَزْوَة ودان سنة اثْنَتَيْنِ من الْهِجْرَة خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صفر من السّنة الْمَذْكُورَة وَدفع لِوَاءُهُ إِلَى حَمْزَة الْمَوْصُوف بالمناقب المبرورة واستخلف على الْمَدِينَة سعد بن عبَادَة وَسَار مَعَه الْمُهَاجِرُونَ الرافلون فِي حلل السَّعَادَة حَتَّى بلغ الْأَبْوَاء يُرِيد عيرًا لقريش فَلم يلق كيدا فَرجع بِمن مَعَه من الْجَيْش وَفِي هَذِه الْغَزْوَة وادع بني ضَمرَة وَكتب بَينه وَبينهمْ كتابا أجْرى الثِّقَات من الروَاة ذكره وَهِي أول غَزْوَة غَزَاهَا بِنَفسِهِ وأخلى بِسَبَبِهَا الْمَدِينَة من بركته وأنسه

غزوة بواط سنة اثنتين من الهجرة

(يَا حادي الأظعان يخترق الرها ... ويجيد قطع سباسب الفلوات) (عرج على ودان فَهِيَ لِأَحْمَد ... خير البرايا أول الْغَزَوَات) غَزْوَة بواط سنة اثْنَتَيْنِ من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشَّهْر الَّذِي قبله صفر وَدفع إِلَى سعد بن أبي وَقاص لواه عِنْد السّفر واستخلف سعد بن معَاذ على الْمَدِينَة وَسَار فِي مِائَتَيْنِ من الباذلين فِي طَاعَته نفائس نُفُوسهم الثمينة وَكَانَ قَصده اعْتِرَاض أُميَّة بن خلف وَالْعير حَيْثُ سمع أَن فِيهَا مائَة من قُرَيْش وألفا وَخَمْسمِائة بعير فَبلغ بواطا وَهِي جبال من نَاحيَة رضوى فَلم يلق كيدا فَرجع إِلَى أعز منزل وَأكْرم مثوى

غزوة سفوان وهي بدر الأولى سنة اثنتين من الهجرة

(أَيهَا السائر الْمجد تلفت ... نَحْو رضوى وَانْزِلْ بِأَرْض بواط) (فِيهَا حل أشرف الرُّسُل طرا ... خير هاد إِلَى سَوَاء الصِّرَاط) غَزْوَة سفوان وَهِي بدر الأولى سنة اثْنَتَيْنِ من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ربيع الأول بعد بواط وَدفع لواه إِلَى عَليّ بن أبي طَالب السالك أقوم صِرَاط واستخلف زيد بن حَارِثَة وَسَار بذوي الرماح الفارية وَالسُّيُوف الفارثة طَالبا كرز بن جَابر عَازِمًا على أَن يقطع مِنْهُ الدابر وَكَانَ قد غَار على سرح الْمَدِينَة فاستاقه وَأدْخل أَهله بَابا من الْهم لَيْسَ لَهُم بِهِ طَاقَة وَاسْتمرّ فِي طلبه إِلَى أَن بلغ سفوان من نَاحيَة بدر ثمَّ رَجَعَ حَيْثُ فَاتَهُ الشارد الْوَارِد غَدِير الْغدر (يَا رَاجِلا يَبْغِي حمى يثرب ... أبشر وسر منشرح الصَّدْر)

غزوة ذي العشيرة سنة اثنتين من الهجرة

(وأهرع إِلَى حجرَة خير الورى ... العاقب الْمُرْتَفع الْقدر) (وَاتبع سنا آثَار أقدامه ... وَانْزِلْ على سفوان من بدر) غَزْوَة ذِي الْعَشِيرَة سنة اثْنَتَيْنِ من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جُمَادَى الْآخِرَة الْكَائِن فِي السّنة الثَّانِيَة من تَارِيخ المهاجرة واستخلف على طيبَة أَبَا سَلمَة بن عبد الْأسد وَدفع إِلَى حَمْزَة لواه الَّذِي لَا غَايَة لرفعته وَلَا أمد وَسَار فِي مائَة وَخمسين من ذَوي الْهِجْرَة الَّذين لَا يشوب عزمهم فِي طَاعَته تَقْصِير وَلَا فَتْرَة حَيْثُ بلغه أَن عير قُرَيْش فصلت بأموالها وَخرجت من مَكَّة إِلَى الشَّام مَحْفُوظَة بالحمس من رجالها فَانْتهى إِلَى ذِي الْعَشِيرَة بِنَاحِيَة يَنْبع فَوجدَ العير قد دخلت مِنْهُم الْمنَازل والأربع وَفِي هَذِه الْغُزَاة كنى عليا أَبَا تُرَاب حِين وجده نَائِما لَيْسَ بَينه وَبَين الأَرْض حجاب

سرية عبد الله بن جحش إلى نخلة سنة اثنتين من الهجرة

وفيهَا وادع بني مُدْلِج وحلفاءهم من بني ضَمرَة ثمَّ رَجَعَ بِأَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرين لم يلق كيدا وَلَا مَا يكره (أيا صَاح سر بِي إِلَى مَكَّة ... ولذ بالمنازل والأربع) (وحث المطايا وَخذ يمنة ... إِلَى ذِي الْعَشِيرَة من يَنْبع) سَرِيَّة عبد الله بن جحش إِلَى نَخْلَة سنة اثْنَتَيْنِ من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شهر رَجَب الْفَرد فَسَار فِي اثنى عشر من الْمُهَاجِرين الصالي من عاداهم نَار الْعَكْس والطرد حَتَّى انْتهى بِمن مَعَه إِلَى نَخْلَة بَين مَكَّة والطائف وَنزل يترصد قُريْشًا حسب مَا أَمر بِهِ غير وَجل وَلَا خَائِف فمرت بهم عير لقريش تحمل أصنافا من التِّجَارَة فَأخذُوا العير وَرَجَعُوا بعد قتل وَاحِد وَأسر اثْنَيْنِ معلنين بالبشارة فَقَالَت قُرَيْش فِي معرض الملام قد أحل مُحَمَّد وَأَصْحَابه الشَّهْر الْحَرَام

غزوة بدر الكبرى سنة اثنتين من الهجرة

وَفِي ذَلِك يَقُول عبد الله بن جحش من أَبْيَات (تَعدونَ قتلا فِي الْحَرَام عَظِيمَة ... وَأعظم مِنْهُ لَو يرى الرشد رَاشد) (صدودكم عَمَّا يَقُول مُحَمَّد ... وَكفر بِهِ وَالله رَاء وَشَاهد) (وإخراجكم من مَسْجِد الله أَهله ... لِئَلَّا يرى لله فِي الْبَيْت ساجد) غَزْوَة بدر الْكُبْرَى سنة اثْنَتَيْنِ من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شهر الصّيام وَظهر بَين أَصْحَابه النُّجُوم كالبدر عِنْد التَّمام واستخلف على الْمَدِينَة أَبَا لبَابَة بن عبد الْمُنْذر وَدفع لواه إِلَى مُصعب بن عُمَيْر ذِي السَّيْف الَّذِي إِذا أفْضى لم يعْذر وَسَار فِي ثَلَاثمِائَة أَو يزِيد من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار يُرِيد عيرًا لقريش

فِيهَا أَنْوَاع من المتجر وَجَمَاعَة من التُّجَّار حَتَّى وصل قَرِيبا من بدر وَنزل بِمن مَعَه من أهل الشّرف وَالْقدر وَكَانَ قد بلغ قُريْشًا خُرُوجه إِلَى إمساكهم فبعثوا إِلَى مَكَّة من حض أَصْحَابهم على إدراكهم فهرع إِلَيْهِم الرامح والنابل واجتمعوا نَحْو الْألف مَا بَين الْفَارِس والراجل فَردُّوا العير وأحرزوا المَال ثمَّ أَصْبحُوا مصممين على الكفاح والنزال فبرز الْمُسلمُونَ إِلَى قِتَالهمْ والتقى الْفَرِيقَانِ يعومون فِي بَحر مجالهم وَحمى الْوَطِيس وهاجت نَار الوغى وخذل الله من طَغى من الْمُشْركين وبغى ومنح أهل الْإِيمَان أَكْنَافهم فَقتلُوا صَنَادِيدهمْ وأسروا أَشْرَافهم وظفروا بالنصر الْعَزِيز وَالْفَتْح الْقَرِيب ورموا بعض الْقَتْلَى فِي القليب وَمَا أَدْرَاك مَا القليب وجهز النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن رَوَاحَة مبشرا مأجورا ثمَّ انْقَلب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالنفل والأسرى إِلَى أَهله مَسْرُورا وَفِي هَذِه الْغَزْوَة يَقُول حَمْزَة بن عبد الْمطلب من أَبْيَات (عَشِيَّة راحوا نَحْو بدر بِجَمْعِهِمْ ... فَكَانُوا رهونا للركية من بدر)

(وَنحن تركنَا عتبَة الغي ثاويا ... وَشَيْبَة فِي قَتْلَى تجرجم فِي الجفر) (وَعَمْرو ثوى فِيمَن ثوى من حماتهم ... فشقت جُيُوب النائحات على عَمْرو) وفيهَا يَقُول عَليّ بن أبي طَالب من أَبْيَات (وَأمكن مِنْهُم يَوْم بدر رَسُوله ... وقوما غضابا فعلهم أحسن الْفِعْل) (تبيت عُيُون النائحات عَلَيْهِم ... تجود بإسبال الرشاش وبالوبل) (نوائح تنعى عتبَة الغي وَابْنه ... وَشَيْبَة تنعاه وتنعى أَبَا جهل) وفيهَا يَقُول حسان بن ثَابت من أَبْيَات (يناديهم رَسُول الله لما ... قذفناهم كباكب فِي القليب) (ألم تَجدوا كَلَامي كَانَ حَقًا ... وَأمر الله يَأْخُذ بالقلوب) (فَمَا نطقوا وَلَو نطقوا لقالوا ... صدقت وَكنت ذَا رَأْي مُصِيب)

وفيهَا يَقُول من أَبْيَات (سرنا وَسَارُوا إِلَى بدر لحينهم ... لَو يعلمُونَ يَقِين الْعلم مَا سَارُوا) (دلى لَهُم بغرور ثمَّ أسلمهم ... إِن الْخَبيث لمن وَالَاهُ غرار) وفيهَا يَقُول من أَبْيَات (أَلا لَيْت شعري هَل أَتَى أهل مَكَّة ... إبارتنا الْكفَّار فِي سَاعَة الْعسر) (قتلنَا سراة الْقَوْم عِنْد مجالنا ... فَلم يرجِعوا إِلَّا بقاصمة الظّهْر) (لعمري مَا حامت فوارس مَالك ... وأشياعهم يَوْم الْتَقَيْنَا على بدر) وفيهَا يَقُول كَعْب بن مَالك من أَبْيَات (فَمَا ظَفرت فوارسكم ببدر ... وَلَا رجعُوا إِلَيْكُم بالسواء) (فَلَا تعجل أَبَا سُفْيَان وارقب ... جِيَاد الْخَيل تطلع من كداء)

سرية عمير بن عدي إلى عصماء بنت مروان سنة اثنتين من الهجرة

سَرِيَّة عُمَيْر بن عدي إِلَى عصماء بنت مَرْوَان سنة اثْنَتَيْنِ من الْهِجْرَة نَهَضَ بِخمْس نفر فِي شهر لَيْلَة الْقدر المشرقة أَيَّامه بالأنوار الساطعة من أهل بدر فَسَار إِلَى عصماء وَكَانَت تعيب الْإِسْلَام وَتقول الشّعْر محرضة فِيهِ على خير الْأَنَام فَجَاءَهَا حَتَّى دخل بَيتهَا فِي جَوف اللَّيْل وَمَال على صدرها بذباب سَيْفه كل الْميل ثمَّ رَجَعَ فصلى الْفجْر مَعَ الرَّسُول وَأصْبح يتلقاه كل من الْمُؤمنِينَ بمضاعفة الْقبُول (عُمَيْر رعاه الله من متيقظ ... وأنزله فِي الْخلد بالمنزل الأسما) (إِلَى بَيت مَرْوَان مضى وحسامه ... يَقُول لَهَا لَا عَاصِم الْيَوْم يَا عصما)

سرية سالم بن عمير إلى أبي عفك اليهودي سنة اثنتين من الهجرة

سَرِيَّة سَالم بن عُمَيْر إِلَى أبي عفك الْيَهُودِيّ سنة اثْنَتَيْنِ من الْهِجْرَة نَهَضَ فِي شَوَّال من السّنة الْمعينَة وَسَار لَا يسمع فِي قتل الْيَهُودِيّ دَعْوَى وَلَا بَيِّنَة وَكَانَ شَيخا قد بلغ عشْرين وَمِائَة عَام يَقُول الشّعْر محرضا فِيهِ على من سبح فِي بَحر النُّبُوَّة وعام فَجَاءَهُ لَيْلًا وَقد قَامَ بِفنَاء دَاره فَوضع السَّيْف على كبده حَتَّى أخرجه من فقاره ثمَّ رَجَعَ سَالم فِي حرز السَّلامَة بعد أَن أورد عَدو الله وَرَسُوله حمامه (إلام لحاك الله تلقى محرضا ... على خير مَبْعُوث إِلَى الْإِنْس وَالْجِنّ) (حباك حنيف آخر اللَّيْل طعنة ... فَخذهَا أَبَا عفك على كبر السن)

غزوة بني قينقاع سنة اثنتين من الهجرة

غَزْوَة بني قينقاع سنة اثْنَتَيْنِ من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِلنِّصْفِ من شَوَّال الْمَذْكُور وَدفع إِلَى حَمْزَة بن عبد الْمطلب لِوَاءُهُ المنشور واستخلف ابْن الْمُنْذر أَبَا لبَابَة وَسَار إِلَى بني قينقاع بِمن مَعَه من الصَّحَابَة وَكَانُوا أول من غدر من الْيَهُود لأَنهم وادعوه ثمَّ نقضوا حَبل العهود فنازلهم خَمْسَة عشر يَوْمًا لم يقبل فيهم بعد غدرهم لوما وحاصرهم فِي حصنهمْ أَشد الْحصار وأجلب عَلَيْهِم بالمهاجرين وَالْأَنْصَار حَتَّى قذف الله فِي قُلُوبهم الرعب والمخافة ونزلوا على حكمه لَا يظهرون وَلَا يضمرن خِلَافه فغنم أَمْوَالهم وَترك نِسَاءَهُمْ وأطفالهم وأسرهم ثمَّ أطلقهُم وجمعهم ثمَّ أجلاهم عَن دِيَارهمْ وفرقهم وَرجع إِلَى الْمَدِينَة مصحوبا بالنصر والتأييد والسكينة (حدث عَن الْحَرْب الَّتِي أمهَا ... خير الورى وَاذْكُر بني قينقاع) (لما بغوا أجلاهم الْمُصْطَفى ... وَمِنْهُم أخلى الربى وَالْبِقَاع)

غزوة السويق سنة اثنين من الهجرة

غَزْوَة السويق سنة اثْنَيْنِ من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذِي الْحجَّة الْحَرَام واستخلف أَبَا لبَابَة الفائز بنيل المُرَاد والمرام وَذَلِكَ حِين بلغه أَن أَبَا سُفْيَان بن حَرْب لما رَجَعَ الْمُشْركُونَ من بدر بل من مَحل كرّ الكرب خرج فِي جمع نهر غيظهم آخذ فِي الزِّيَادَة والفيض حَتَّى مروا بمَكَان قريب من الْمَدِينَة يعرف بالعريض فَقتلُوا رجلَيْنِ وحرقوا عدَّة أَبْيَات فَلَمَّا أحسوا بِالطَّلَبِ وَقع بَينهم سهم الشتات وولوا هاربين يَلْتَمِسُونَ الطَّرِيق وَجعلُوا يتخففون للهرب فيطرحون جرب السويق وَكَانَت عَامَّة أَزْوَادهم فَأَخذهَا الْمُسلمُونَ وَانْصَرفُوا إِلَى بِلَادهمْ (قل لأبي سُفْيَان إِن وافيته ... مَاذَا ترى فِي غَزْوَة السويق) (طرحتموه عِنْدَمَا مزقكم ... شدّ الرّحال أَيّمَا تمزيق)

غزوة قرقرة الكدر سنة ثلاث من الهجرة

غَزْوَة قرقرة الكدر سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِلنِّصْفِ من الْمحرم فِي غرَّة السّنة الثَّالِثَة من قدومه المكرم واستخلف عبد الله بن أم مَكْتُوم وَدفع لواه إِلَى عَليّ صَاحب الْفضل الْمَعْلُوم وَسَار فِي مِائَتَيْنِ إِلَى القرقرة الملساء أرْضهَا الْكَائِن بِنَاحِيَة الْمَعْدن طولهَا وعرضها وَكَانَ بلغه أَنَّهَا مشحونة بِأَهْل الشّرك والطغيان وَأَن بهَا جمعا من سليم وغَطَفَان فَلَمَّا وَصلهَا فِي أكْرم نفير وَلم يجد غير الرعاء وَخمْس مائَة بعير فظفر بهَا وغنمها وعَلى أَصْحَابه أهل القسام قسمهَا ثمَّ رَجَعَ يجر على سَحَاب الثَّوَاب ذيله وَكَانَت غيبته الْمُبَارَكَة خمس عشرَة لَيْلَة (درس الْمَغَازِي ألقه بَيْننَا ... وَاذْكُر لنا قرقرة الكدر) (منزلَة حل بهَا الْمُصْطَفى ... قَاتل أهل الشّرك والغدر)

سرية محمد بن مسلمة إلى كعب بن الأشرف اليهودي سنة ثلاث من الهجرة

سَرِيَّة [مُحَمَّد بن مسلمة] إِلَى كَعْب بن الْأَشْرَف الْيَهُودِيّ سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة نَهَضَ إِلَيْهِ فِي ربيع الأول خَمْسَة رجل من الْأَوْس وَخَرجُوا إِلَى جِهَته خُرُوج السهْم من الْقوس وَكَانَ يتمرد فِي كفره ويؤذي الْمُسلمين بهجوه فِي شعره حَتَّى أَتَوا إِلَيْهِ لَيْلًا وَمن حصنه أنزلوه تماشوا بِهِ فِي ضوء الْقَمَر خديعة وقتلوه ثمَّ خَرجُوا آخر اللَّيْل عِنْد السحر وقصوا على مرسلهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخَبَر فابتهج بمسراهم وَأثْنى عَلَيْهِم وشكر مسعاهم (لما تمردت أَتَاك خَمْسَة ... أسيافهم غير الطلا لم تعرف) (خلوك إِذْ عرجت عَن طرق الْهدى ... حلف الردى يَا كَعْب يَا ابْن الْأَشْرَف) غَزْوَة غطفان سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشَّهْر الْمَذْكُور إِلَى ذِي أَمر واستخلف

غزوة بحران سنة ثلاث من الهجرة

عُثْمَان بن عَفَّان جَامع الْأَحْزَاب والسور وَذَلِكَ حِين بلغه أَن بهَا جمعا من ثَعْلَبَة ومحارب يُرِيدُونَ أَن يظفروا من الْأَطْرَاف بنيل المآرب وَسَار فِي أَرْبَعَة وَخمسين من أَصْحَابه وَذهب لَا يألو فِي طلب أعوان الشّرك وأحزابه فَلَمَّا دنوا من مكانهم لم يَجدوا فِيهِ أحدا من الرِّجَال إِلَّا أَنهم نظرُوا إِلَيْهِم هاربين على رُؤُوس الْجبَال وَفِي هَذِه الْغَزْوَة سل دعثور بن الْحَارِث على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سيف الحيف فَدفعهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى وَقع من يَده ذَلِك السَّيْف ثمَّ أسلم ودعا قومه إِلَى الْإِسْلَام وَانْصَرف صَاحب الْآيَات الْبَينَات بِمن مَعَه من أَصْحَابه الْأَعْلَام (سَار النَّبِي بِنَفسِهِ وبصحبه ... لقِتَال أهل الشّرك من غطفان) (هربوا وَلَو ثبتوا الْغَدَاة لعاينوا ... سَيْفا وجيدا كَيفَ يأتلفان) غَزْوَة بحران سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد مُضِيّ أَرْبَعَة شهور واستخلف ابْن أم مَكْتُوم على الْمَدِينَة المشرقة بالنجوم والبدور وَأعد السّير حَتَّى ورد بحران وَهُوَ

سرية زيد بن حارثة إلى القردة سنة ثلاث من الهجرة

فِي ثَلَاثمِائَة من أَهله أهل الْإِيمَان حَيْثُ بلغه أَن بهَا جمعا كثيرا من بني سليم لَا يفرقون مِمَّن يَبْغِي تفريقهم حَتَّى وَلَا من أم اللهيم فَلم يجد مِنْهُم عمرا وَلَا زيدا فَرجع بعد عشر لَيَال وَمَا لَقِي كيدا (لبني سليم قل إِذا مَا جئتهم ... أَفَرَرْتُم خوفًا من الشجعان) (لَو تثبتون إِلَى اللِّقَاء لوردتم ... بَحر المنايا فِي حمى بحران) سَرِيَّة زيد بن حَارِثَة إِلَى القردة سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جُمَادَى الْآخِرَة من هَذَا الْعَام يطْلب عيرًا لقريش فِيهَا جملَة من الْفضة وعدة من الْأَنْعَام فَخرج فِي مائَة رَاكب وَسَار مسير الْقَمَر بَين الْكَوَاكِب فَأصَاب العير وهرب الْقَوْم وَحصل على الصلات أهل الصَّلَاة وَالصَّوْم ثمَّ قدمُوا سَالِمين بِالْغَنِيمَةِ وعرضوها على ذِي الْيَد الْكَرِيمَة والأخلاق الْعَظِيمَة فخمسها وَقسم الْبَاقِي على أهل السّريَّة وانفصلت على الْخَيْر وَالْبر هاتيك الْقَضِيَّة

غزوة أحد سنة ثلاث من الهجرة

(يَا زيد زادك رَبنَا من فَضله ... أَقبلت بالإنعام والأنعام) (فالمشركون خذلتهم قسما لقد ... فزت الْغَدَاة بأوفر الْأَقْسَام) غَزْوَة أحد سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسبع خلون من شَوَّال وَمَعَهُ أَصْحَابه الَّذين لَا يرهبون الْخَوْض فِي بَحر الْأَهْوَال وذفع لِوَاءُهُ إِلَى مُصعب بن عُمَيْر واستخلف ابْن أم مَكْتُوم الْمَكْتُوب من أهل الْخَيْر وَكَانَ بلغه أَن أَبَا سُفْيَان وَمن مَعَه من قُرَيْش لم يصف لَهُم بعد وقْعَة بدر مورد الْعَيْش وَأَنَّهُمْ أَجمعُوا على حربه وَاتَّفَقُوا على منازلته فِي سربة وَسَارُوا يقطعون إِلَى جِهَته المراحل وَأَقْبلُوا فِي ثَلَاثَة آلَاف دارع وَفَارِس وراجل حَتَّى نزلُوا قَرِيبا من الْمَدِينَة ونزعوا أَثوَاب الْوَقار والسكينة وَمضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نزل الشّعب من أحد وَمَعَهُ سبعين مائَة لم ينْصَرف عَنهُ أحد مِنْهُم وَلم يحد ثمَّ التقى الْفَرِيقَانِ واقتتل حَتَّى الصاحبان والصديقان واضطرمت نَار

الْحَرْب واشتدت مواقع الطعْن وَالضَّرْب وَكَانَ يَوْم بلَاء وتمحيص وتنكيد على الْمُسلمين وتنغيص أكْرم الله من أكْرم فِيهِ بِالشَّهَادَةِ وَنقل من نقل من الْمُؤمنِينَ إِلَى دَار السَّعَادَة ثمَّ أعز بقوته جنده وَأنزل نَصره وأنجز وعده وَفِيه قتل حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَمصْعَب بن عُمَيْر وَحمل بعده اللِّوَاء على مَالك زِمَام النجدة بِنَجْد والغوير وَقتل تَكْمِلَة سبعين مِمَّن يشار ببنان الشّرف إِلَيْهِ وَأُصِيبَتْ عين قَتَادَة فَردهَا الرَّسُول فَكَانَت أحسن عَيْنَيْهِ ثمَّ انْصَرف أَبُو سُفْيَان بِمن مَعَه من الخابطين فِي الظُّلم ونادى أَن مَوْعدكُمْ بَدْرًا الْعَام الْقَابِل فَقيل لَهُ نعم وَخرج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلْتَمس حَمْزَة عَمه وَهُوَ يعوم لحزنه عَلَيْهِ فِي بَحر غمَّة وَأي غمَّة فَلَمَّا وجده صلى عَلَيْهِ ثِنْتَيْنِ وَسبعين صَلَاة وَانْصَرف رَاجعا إِلَى الْمَدِينَة بعد أَن دَفنه بهاتيك الفلاة وَفِي يَوْم أحد يَقُول حسان بن ثَابت (فدع ذكر دَار بددت بَين أَهلهَا ... نوي لمتينات الْجبَال قطوع) (وَقل إِن يكن يَوْمًا بِأحد يعده ... سَفِيه فَإِن الْحق سَوف يشيع) (لقد صابرت فِيهِ بَنو الْأَوْس كلهم ... وَكَانَ لَهُم ذكر هُنَاكَ رفيع)

(أَمَام رَسُول الله لَا شكّ أَنه ... لَهُم نَاصِر من رَبهم وشفيع) وَفِيه يَقُول كَعْب بن مَالك من أَبْيَات (وَاذْكُر قُريْشًا غَدَاة السفح من أحد ... مَاذَا لَقينَا وَمَا لقوا من الْهَرَب) (كُنَّا الْأسود وَكَانُوا النمر إِذْ زحفوا ... مَا إِن نراقب من إِلَى وَلَا نسب) (جالوا وجلنا فَمَا فازوا وَلَا رجعُوا ... وَنحن نثفنهم لم نأل فِي الطّلب) (فِينَا الرَّسُول شهَاب ثمَّ يتبعهُ ... نور مضيء لَهُ فضل على الشهب) (بدا لنا فاتبعناه نصدقه ... وكذبوه فَكُنَّا أسعد الْعَرَب) وَفِي حَمْزَة يَقُول حسان بن ثَابت من أَبْيَات (دع عَنْك دَارا قد عَفا رسمها ... وابك على حَمْزَة ذِي النائل)

(المالىء الشيزى إِذا أعصفت ... غبراء فِي ذِي الشبم الماحل) (أَبيض فِي الذرْوَة من هَاشم ... لم يمر دون الْحق بِالْبَاطِلِ) (أظلمت الأَرْض لفقدانه ... واسود نور الْقَمَر الناصل) وَفِيه يَقُول كَعْب بن مَالك من أَبْيَات (وَلَقَد هددت لفقد حَمْزَة هدة ... ظلت بَنَات الْجوف متي ترْعد) (وَلَو أَنه فجعت حراء بِمثلِهِ ... لرأيت رَأْسِي صخرها يتبدد) (قرم تمكن فِي ذؤابة هَاشم ... حَيْثُ النُّبُوَّة والندى والسؤدد) (عَم النَّبِي مُحَمَّد وَصفِيَّة ... ورد الْحمام فطاب ذَاك المورد)

غزوة حمراء الأسد سنة ثلاث من الهجرة

وَفِيه يَقُول من أَبْيَات (بَكت عَيْني وَحقّ لَهَا بكاها ... وَمَا يُغني الْبكاء أَو العويل) (على أَسد الْإِلَه غَدَاة قَالُوا ... أحمزة ذاكم الرجل الْقَتِيل) (أُصِيب الْمُسلمُونَ بِهِ جَمِيعًا ... هُنَاكَ وَقد أُصِيب بِهِ الرَّسُول) (أَبَا يعلى لَك الْأَركان هدت ... وَأَنت الْمَاجِد الْبر الْوُصُول) (عَلَيْك سَلام رَبك فِي جنان ... يخالطها نعيم لَا يَزُول) غَزْوَة حَمْرَاء الْأسد سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شَوَّال الْمَذْكُور بعد غَزْوَة أحد الْمَشْهُود يَوْمهَا وَالْمَشْهُور واستخلف عبد الله بن أم مَكْتُوم وَسَار مُرْهِبًا لعَدوه المخذول وضده المحروم ليسمعوا بِخُرُوجِهِ فِي طَلَبهمْ ويقطعون بِأَنَّهُ مجد فِي قَتلهمْ وَأخذ سلبهم حَتَّى بلغ حَمْرَاء الْأسد وَهِي من الْمَدِينَة على ثَمَانِيَة أَمْيَال ثمَّ رَجَعَ وَلم يلق كيدا وَكَانَت مُدَّة غيبته خمس لَيَال (لمسير أَحْمد مُرْهِبًا لعَدوه ... شهب الْهدى ظَهرت بِحَمْرَاء الْأسد)

سرية أبي سلمة المخزومي إلى قطن سنة أربع من الهجرة

(بَطل شُجَاع كم لَهُ من غَزْوَة ... أردى بهَا أهل الضَّلَالَة والحسد) سَرِيَّة أبي سَلمَة المَخْزُومِي إِلَى قطن سنة أَربع من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غرَّة الْمحرم وَعقد لَهُ لِوَاء لَا يفنى مجده وَلَا يصرم وجهز مَعَه مائَة وَخمسين من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار يَا لَهُم أنصار تَفِر لهيبتهم أهل الْبَوَادِي والأمصار وَذَلِكَ حِين بلغه أَن ابْني خويلد يدعونَ إِلَى حربه ويحرضون على قتال المنتظمين فِي سلك حزبه فَسَار إِلَى قطن وَهُوَ جبل بِنَاحِيَة فيد وظفروا بالصيد من الْإِبِل وَالشَّاء وسلموا من الكيد ثمَّ انحدروا إِلَى الْمَدِينَة بِمَا غنموا وشهدوا من غيبَة ذَوي الشّرك والإفك بِمَا علمُوا (صَارُوا إِلَى نَاحيَة من فيد ... ) (لمعشر من شركهم فِي قيد ... )

سرية عبد الله بن أنيس إلى سفيان الهذلي بعرنة سنة أربع من الهجرة

(فانقلبوا من نحوهم بالصيد ... ) (وسلموا من الْأَذَى والكيد ... ) سَرِيَّة عبد الله بن أنيس إِلَى سُفْيَان الْهُذلِيّ بعرنة سنة أَربع من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لخمس خلون من الشَّهْر الْمَذْكُور إِلَى سُفْيَان الرَّاكِب سفينة بغيه الْمَعْرُوف وكفره الْمَشْهُور حَيْثُ وصل إِلَيْهِ أَنه تحول فِي غير مجاله وسعى فِي تحريض الْمُشْركين على قِتَاله فَمضى إِلَيْهِ عبد الله وَحده مُعْتَمدًا على من ينصر عَبده وينجز وعده فَقتله وَجَاء بِرَأْسِهِ إِلَيْهِ وَوَضعه حَال قدومه بَين يَدَيْهِ فَأعْطَاهُ عَصا وَقَالَ تخصر بِهَذِهِ فِي الْجنَّة فَأَخذهَا من يَده الْكَرِيمَة متحليا بِمن هَذِه الْمِنَّة وَفِي سُفْيَان الْهُذلِيّ يَقُول عبد الله بن أنيس من أَبْيَات (تركت ابْن ثَوْر كالحوار وَحَوله ... نوائح تفري كل جيب مقرد) (تناولته والطعن خَلْفي وَخَلفه ... بأبيض من مَاء الْحَدِيد مهند) (وَقلت لَهُ خُذْهَا بضربة ماجد ... حنيف على دين النَّبِي مُحَمَّد)

سرية المنذر بن عمرو إلى بئر معونة سنة أربع من الهجرة

(وَكنت إِذا هم الرَّسُول بِكَافِر ... سبقت إِلَيْهِ بِاللِّسَانِ وباليد) سَرِيَّة الْمُنْذر بن عَمْرو إِلَى بِئْر مَعُونَة سنة أَربع من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى نجد فِي صفر وجهز مَعَه من شُبَّان الْأَنْصَار ثَلَاثِينَ نَفرا وَعشرَة نفر فَمَضَوْا صُحْبَة ملاعب الأسنة عَامر بن مَالك حَتَّى نزلُوا بِئْر مَعُونَة المحفوفة مطالبه بالمهالك وَكَانَ عَامر قد قدم وَلم يبعد من الْإِسْلَام وَأَشَارَ بتجهيز النَّفر للدعوة مُلْتَزما بِحِفْظ الْجوَار وَرفع الْأَعْلَام فَأَنْذر بهم عَدو الله عَامر بن الطُّفَيْل واستصرخ الْقَبَائِل من سليم فَأَقْبَلُوا بِالرجلِ وَالْخَيْل وَأَحَاطُوا بالصحابة مبادرين إِلَيْهِم فقاتلوهم حَتَّى قتلوا رَحْمَة الله ورضوانه عَلَيْهِم

سرية مرثد الغنوي إلى الرجيع سنة أربع من الهجرة

وَفِي قَتْلَى بِئْر مَعُونَة يَقُول حسان بن ثَابت من أَبْيَات (على قَتْلَى مَعُونَة فاستهلي ... بدمع الْعين سَحا غير نزر) (على خيل الرَّسُول غَدَاة لاقوا ... ولاقتهم مناياهم بِقدر) سَرِيَّة مرْثَد الغنوي إِلَى الرجيع سنة أَربع من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سِتَّة من زعماء الْأَصْحَاب مِنْهُم خبيب بن عدي صَاحب الكرامات وَالدُّعَاء المستجاب فَمَضَوْا صُحْبَة رَهْط من عضل والقارة وَكَانُوا قد قدمُوا على من يكرم ضَيفه ويرعى جَاره يطْلبُونَ مِنْهُ من يفقه قَومهمْ ويقرئهم الْقُرْآن حَتَّى إِذا نزلُوا بالرجيع مَاء

لهذيل من نَاحيَة عسفان نفروا عَلَيْهِم بني لحيان ودهموهم غدرا فأهلكوا الْبَعْض وأسروا الْبَعْض ثمَّ قتلوهم صبرا وَلما أَجمعُوا على صلب خبيب قَالَ من أَبْيَات (وَقد جمعُوا أَبْنَاءَهُم ونساءهم ... وَقربت من جذع طَوِيل ممنع) (وَذَلِكَ فِي ذَات الْإِلَه وَإِن يَشَأْ ... يُبَارك على أوصال شلو ممزع) (وَلست أُبَالِي بعد أَن مت مُسلما ... على أَي جنب كَانَ لله مصرعي) وَفِي خبيب يَقُول حسان بن ثَابت من أَبْيَات (لَو كَانَ فِي الدَّار قوم ذُو مُحَافظَة ... حامي الْحَقِيقَة مَاض خَاله أنس) (إِذا وجدت خبيبا مَجْلِسا فَسْحًا ... وَلم يشد عَلَيْك السجْن والحرس)

وَفِي هُذَيْل يَقُول حسان بن ثَابت من أَبْيَات (إِن سرك الْغدر صرفا لَا مزاح لَهُ ... فَآت الرجيع فسل عَن دَار لحيان) (قوم تواصوا بِأَكْل الْجَار بَينهم ... فَخَيرهمْ رجلا والتيس مثلان) وَفِيهِمْ يَقُول من أَبْيَات (فَلَا وَالله مَا تَدْرِي هُذَيْل ... أمحض مَاء زَمْزَم أم مشوب) (وَمَا لَهُم إِذا اعتمروا وحجوا ... من الحجرين والمسعى نصيب) (وَلَكِن الرجيع لَهُم مَحل ... بِهِ اللوم الْمُبين والعيوب) (هم غروا بِذِمَّتِهِمْ خبيبا ... فبئس الْعَهْد عَهدهم الكذوب)

غزوة بني النضير سنة أربع من الهجرة

غَزْوَة بني النَّضِير سنة أَربع من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ربيع الأول من السّنة الْمشَار إِلَيْهَا وَترك عبد الله ابْن أم مَكْتُوم بِالْمَدِينَةِ عَاملا عَلَيْهَا وَسَار بِأَصْحَابِهِ إِلَى بني النَّضِير عَازِمًا على حَرْب الْجَلِيل مِنْهُم والحقير حَيْثُ خانوا ومكروا ونقدوا حَبل الْعَهْد وغدروا فَحَاصَرَهُمْ عشرَة أَيَّام وَنِصْفهَا وَقذف الله فِي قُلُوبهم الرعب وضاعف ضعفها فأجلاهم عَن دِيَارهمْ حسب سُؤَالهمْ وكف عَن دِمَائِهِمْ وَبَعض أَمْوَالهم وَأمر بِقَبض مَا تَرَكُوهُ من الْأَمْوَال والأصناف وَمَا وجد لَهُم من الْبيض والدروع والأسياف وَكَانَت أَمْوَالهم فَيْئا لَهُ وحبسا لنوائبه ثمَّ رَجَعَ منصورا على أهل الْكتاب مَسْرُورا بكتائبه (فَلَمَّا أشربوا غدرا وَكفرا ... وجد بهم عَن الْحق النفور) (أرى الله النَّبِي بِرَأْي صدق ... وَكَانَ الله يحكم لَا يجور)

غزوة بدر الموعد سنة أربع من الهجرة

(فأيده وسلطه عَلَيْهِم ... وَكَانَ نصيره نعم النصير) (وَهلك بَنو النَّضِير بدار سوء ... أبادهم بِمَا اجترحوا المبير) غَزْوَة بدر الْموعد سنة أَربع من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أبي سُفْيَان غرَّة ذِي الْقعدَة وَمَعَهُ ألف وَخَمْسمِائة من أَرْبَاب الْأَلْبَاب والنجدة واستخلف على الْمَدِينَة عبد الله بن رَوَاحَة وَدفع اللِّوَاء إِلَى عَليّ بن أبي طَالب صَاحب الحماسة والسماحة إِلَى بدر فأقاموا بهَا ثَمَانِيَة أَيَّام وقوبلوا عِنْد بيع تِجَارَتهمْ فِيهَا بِالرِّبْحِ وَالْإِكْرَام وَخرج أَبُو سُفْيَان من مَكَّة وَمَعَهُ أَلفَانِ وَمضى حَتَّى انْتهى إِلَى مجنة من نَاحيَة الظهْرَان ثمَّ بدا لَهُ أَن أَن يرجع فَرجع وَفرق من فرق الطَّائِفَة الْكَافِرَة مَا اجْتمع وتوكل الْمُسلمُونَ على من بأَمْره تتفجر الْأَنْهَار من الْحِجَارَة فانقلبوا بِنِعْمَة من الله وَفضل لم يمسسهم سوء وَالْفضل مَا أَصَابُوا من التِّجَارَة وَفِي هَذِه الْغَزْوَة يَقُول كَعْب بن مَالك من أَبْيَات (وعدنا أَبَا سُفْيَان وَعدا وَلم نجد ... لميعاده صدقا وَمَا كَانَ وافيا)

غزوة ذات الرقاع سنة خمس من الهجرة

(فأقسم لَو وافيتنا فلقيتنا ... لأبت ذَمِيمًا وافتقدت المواليا) غَزْوَة ذَات الرّقاع سنة خمس من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعشر خلون من الْمحرم وَمَعَهُ أَربع مائَة من الَّذين تفضل الله عَلَيْهِم بِصُحْبَتِهِ وتكرم واستخلف على الْمَدِينَة عُثْمَان بن عَفَّان حَيْثُ بلغه أَن أنمارا وثعلبة أَجمعُوا على الْبَغي والعدوان وَقصد نجدا حَتَّى أَتَى محالهم بِذَات الرّقاع وَهِي جبل فِيهِ من الْحمرَة والسواد وَالْبَيَاض بقاع فَلم يجد سوى شرذمة من ذَوَات الحجال وَأخْبر بِأَن المجتمعين تفَرقُوا إِلَى رُؤُوس الْجبَال وَفِي هَذِه الْغَزْوَة صلى الْمُسلمُونَ صَلَاة الْخَوْف وَفعل الحذر من الْعَدو لَا يَنْبَغِي أَن يقْتَرن بسوف وفيهَا اسْتغْفر لجَابِر بن عبد الله مَرَّات عديدة ونخس جمله البطيء فَخرج يواهق النوق الشَّدِيدَة

غزوة دومة الجندل سنة خمس من الهجرة

وفيهَا أَخذ رجل من الْمُشْركين سَيْفه فاستله عَلَيْهِ وَجعل يهزه ويهم بِهِ فَمَنعه الله مِنْهُ ورد السَّيْف إِلَيْهِ ثمَّ رَجَعَ الْمُسلمُونَ مستبشرين بِحسن أوبتهم وَكَانَت خمس عشرَة لَيْلَة مُدَّة غيبتهم (سائق الظعن سر مجدا ويمم ... أَرض نجد وَانْزِلْ بِذَات الرّقاع) (فا إِلَيْهَا وافى الرَّسُول مبيدا ... للأعادي بِكُل قرم شُجَاع) غَزْوَة دومة الجندل سنة خمس من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لخمس بَقينَ من ربيع الأول وَمَعَهُ ألف مِمَّن لَا يتَغَيَّر عَن محبته وَلَا يتَحَوَّل واستخلف سِبَاع بن عرفطة الْغِفَارِيّ وَاتخذ دَلِيلا من بني عذرة عَارِفًا بالفيافي والصحاري وَسَار إِلَى دومة الجندل وَهِي من أَطْرَاف الشَّام حَيْثُ بلغه أَن بهَا

غزوة المريسيع سنة خمس من الهجرة

جمعا يَسِيرُونَ من ظلم السيارة فِي ظلام فَلَمَّا دنوا مِنْهَا لم يَجدوا غير الرعاء والماشية فَأَصَابُوا مِنْهَا وَسمع بهم أَهلهَا فَتَفَرَّقُوا فِي الْبَادِيَة وَأَقَامُوا بهَا عدَّة أَيَّام ثمَّ رجعُوا مغمورين بِالْفَضْلِ والإنعام (يَا دومة الجندل بِالشَّام ... ) (بِشِرَاك بالإقبال والإنعام ... ) (وافى إِلَيْك صَاحب الْأَعْلَام ... ) (مُحَمَّد حامي حمى الْإِسْلَام ... ) صلى عَلَيْهِ الله ذَوا الْإِكْرَام (مَا لَاحَ زهر الرَّوْض فِي الأكمام ... ) غَزْوَة الْمُريْسِيع سنة خمس من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لليلتين خلتا من شعْبَان وَمَعَهُ جَيش يضيء الْآفَاق بنجومه الْأَبْطَال والفرسان وَصَحب عَائِشَة وَأم سَلمَة زوجتيه وَترك زيد بن حَارِثَة بِالْمَدِينَةِ مُسْندًا أمرهَا إِلَيْهِ وَذهب إِلَى جِهَة بني المصطلق وبروق على ألويته تخفق وتأتلق حَيْثُ سمع بِجَمْعِهِمْ الأيك أَبى الْفِرَار وتحريض قائدهم الْحَارِث بن أبي ضرار فَلَمَّا بَلغهُمْ مسيره مزج أَمرهم واضطرب وتفرق عَنْهُم من كَانَ مَعَهم من

الْعَرَب وَمضى يقطع الْمنَازل ويطوي المراحل حَتَّى لَقِيَهُمْ بالمريسيع مَاء لَهُم بِنَاحِيَة السَّاحِل فاصطفوا لِلْقِتَالِ وتراموا سَاعَة بالنبال ثمَّ حمل السلمون عَلَيْهِم حَملَة رجل وَاحِد فظفروا بالفارس والراجل والمقارب والمباعد وَفِي هَذِه الْغَزْوَة كَانَ حَدِيث عَائِشَة وَقَول أهل الْإِفْك فِيهَا ثمَّ نزل من الْقُرْآن ببراءتها مِمَّا ذكر تَصْرِيحًا وتنبيها وفيهَا نزلت آيَة التَّيَمُّم المتلوة على مر الدَّهْر وَكَانَت مُدَّة الْغَيْبَة عَن منَازِل طيبَة قَرِيبا من شهر وَفِي شَأْن عَائِشَة يَقُول حسان بن ثَابت من أَبْيَات (حصان رزان مَا تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لُحُوم الغوافل) (عقيلة حَيّ من لؤَي بن غَالب ... كرام المساعي مجدهم غير زائل) (مهذبة قد طيب الله خيمها ... وطهرها من كل سوء وباطل)

غزوة الخندق المعروفة بالأحزاب سنة خمس من الهجرة

غَزْوَة الخَنْدَق الْمَعْرُوفَة بالأحزاب سنة خمس من الْهِجْرَة بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذِي الْقعدَة من السّنة الْمَذْكُورَة أَن نَفرا من بني النَّضِير خَرجُوا إِلَى مَكَّة بعد وقعتهم الْمَشْهُورَة فألبوا قُريْشًا عَلَيْهِ ودعوهم إِلَى حربه وَالْخُرُوج إِلَيْهِ وثابروا على جمع الْأَحْزَاب وَسعوا فِي تأليف الْأَحَابِيش والأعراب فَأمر بِحَفر خَنْدَق حول الْمَدِينَة بِإِشَارَة من سلمَان وحفر فِيهِ بِيَدِهِ الْكَرِيمَة ترغيبا لأهل الْإِيمَان فَبَالغ الْمُسلمُونَ فِي الْعَمَل ودأبوا فِيهِ بضع عشرَة لَيْلَة حَتَّى كمل وَخرج فِي ثَلَاثَة آلَاف من أوليائه وَجعل الخَنْدَق حاجزا بَينه وَبَين أعدائه وَأَقْبل أَبُو سُفْيَان بن حَرْب يَقُود الْمُشْركين الْحَافِّينَ بِهِ من جِهَة الشرق والغرب وهم قُرَيْش وسليم وَبَنُو أَسد وَمن مَعَهم وَبَنُو فَزَارَة وَأَشْجَع وَبَنُو مرّة وَمن تَبِعَهُمْ فَنزل فِي عشرَة آلَاف نفر وَصَارَ إِلَيْهِم من بني قُرَيْظَة من نقض الْعَهْد وغدر وَعظم الْخطب وَاشْتَدَّ الْأَمر وَنجم نفاق من يخْشَى على الْيَاقُوت من الْجَمْر وَأقَام الْمُشْركُونَ نَحْو شهر على الْحصار وَلَيْسَ بَين الْفَرِيقَيْنِ غير الرَّمْي

بالأسهم الْقصار لَكِن عَمْرو بن عبد ود ظهر قَائِلا هَل من مبارز فناجزه عَليّ بن أبي طَالب وَقَتله قتلة بَطل دلامز ثمَّ إِن الله تَعَالَى أرسل عَلَيْهِم الرّيح وجهز إِلَيْهِم جنود التَّقْدِيس وَالتَّسْبِيح وَشهر بَينهم أسياف الْخلاف فرحلوا بعد أَن كَادُوا يهْلكُونَ بعواصف التلاف وَفِي هَذِه الْغَزْوَة ظَهرت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معجزات عديدة مِنْهَا عودة كدية الخَنْدَق كالكثيب بعد أَن كَانَت شَدِيدَة وَمِنْهَا تَكْثِير الْقَلِيل من تمر أُخْت النُّعْمَان بن بشير وَمِنْهَا شبع أهل الخَنْدَق من شويهة جَابر وقرصة الشّعير ثمَّ اسْتَقر الْمُسلمُونَ فِي دِيَارهمْ وَكفوا شَرّ من قصد لجهله محو نهارهم وَفِي قتل عَمْرو بن ود يَقُول عَليّ بن أبي طَالب (نصر الْحِجَارَة من سفاهة رَأْيه ... ونصرت رب مُحَمَّد بصواب) (وصددت حِين تركته متجدلا ... كالجذع بَين دكادك وروابي)

غزوة بني قريظة سنة خمس من الهجرة

(وعففت عَن أثوابه وَلَو أنني ... كنت المقطر بزنى أثوابي) (لَا تحسبن الله خاذل دينه ... وَنبيه يَا معشر الْأَحْزَاب) وَفِي هَذِه الْغَزْوَة يَقُول كَعْب بن مَالك من أَبْيَات (لقد علم الْأَحْزَاب حِين تألبوا ... علينا وراموا ديننَا مَا نوادع) (يذودوننا عَن ديننَا ونذودهم ... عَن الْكفْر والرحمن رَاء وسامع) (إِذا غايظونا فِي مقَام أعاننا ... على غيظهم نصر من الله وَاقع) (وَذَلِكَ حفظ الله فِينَا وفضله ... بجود وَمن لم يحفظ الله ضائع) غَزْوَة بني قُرَيْظَة سنة خمس من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بني قُرَيْظَة فِي ذِي الْقعدَة بعد رُجُوعه من الخَنْدَق بِأَمْر من هزم الْأَحْزَاب وَحده واستخلف عبد الله بن أم مَكْتُوم

وَدفع لِوَاءُهُ إِلَى عَليّ بن ملْجأ السَّائِل والمحروم ثمَّ سَار إِلَى حصونهم فِي ثَلَاثَة آلَاف وأنساهم لَذَّة الْقَرار فِي موطن الإيلاف وحاصرهم خَمْسَة عشر يَوْمًا ومنعهم أَن يلْقوا رَاحَة أَو يعرفوا نوما فجنحوا إِلَى سلمه وأذعنوا بالنزول على حكمه فَأخْرج النِّسَاء والذرية واعتقل الرِّجَال وَجمع الْأَمْتِعَة والأسلحة والماشية وَالْجمال ثمَّ سُئِلَ فِي إِطْلَاقهم فَرَأى تحكيم سعد بن معَاذ فِي هَذِه الْقَضِيَّة فَلَمَّا حضر حكم بِأَن يقتل الرِّجَال وتقسم الْأَمْوَال وتسبى النِّسَاء والذرية ثمَّ رَجَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة فَضرب بهَا أَعْنَاقهم وَقسم بَين الْمُسلمين سباياهم وَأَمْوَالهمْ وَلَا أَقُول وأرزاقهم وحصرت عدتهمْ فَكَانُوا دون سبع مائَة نفر وَنُودِيَ عَلَيْهِم بِلِسَان التوبيخ هَذَا جَزَاء من كفر وَفِي هَذِه الْغَزْوَة يَقُول حسان بن ثَابت (لقد لقِيت قُرَيْظَة مَا سأها ... وَحل بحصنها ذل ذليل) (وَسعد كَانَ أَنْذرهُمْ بنصح ... بِأَن إِلَهكُم رب جليل) (فَمَا برحوا بِنَقْض الْعَهْد حَتَّى ... فلاهم فِي بِلَادهمْ الرَّسُول) (نحا فِي حصنهمْ منا صُفُوف ... لَهُ من حر وقعتهم صليل)

سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء من بني كلاب سنة ست من الهجرة

سَرِيَّة مُحَمَّد بن مسلمة إِلَى القرطاء من بني كلاب سنة سِتّ من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعشر خلون من الْمحرم وجهز مَعَه ثَلَاثِينَ رَاكِبًا تتوقد بهم نَار الْحَرْب وتتضرم فَمَضَوْا إِلَى منزل القرطاء بِنَاحِيَة ضرية وناجزهم بقلوب من الشَّك والريب عرية فَقتلُوا مِنْهُم طَائِفَة وفرت الْبَقِيَّة الشقية وَجلة خائفة فظفروا بِجَمَال جميلَة الإعناق والإيجاف وغنموا من الْغنم مَا عدته ثَلَاثَة آلَاف ثمَّ قدمُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخمس الْغَنِيمَة وفض الْبَاقِي على القادمين بعلو الهمة وَقُوَّة الْعَزِيمَة (لما تجرأ القرطاء واعتدوا ... وافاهم مُحَمَّد بن مسلمه) (فاستل سيف الْحق فِي قِتَالهمْ ... وَعَاد مَخْصُوصًا بِكُل مكرمه) غَزْوَة بني لحيان سنة سِتّ من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّنة السَّادِسَة وَمَعَهُ مِائَتَا رجل من أهل الْمعرفَة والممارسة واستخلف ابْن أم مَكْتُوم على يثرب وعزم متوكلا على الله

رب الْمشرق وَالْمغْرب وَمضى طَالبا بثأر أهل الرجيع من بني لحيان وَأعد السّير حَتَّى انْتهى إِلَى غران وَاد بَين أمج وَعُسْفَان فَرَأى الديار مِنْهُم خَالِيَة والمنازل وَهِي على عروشها خاوية فَبَثَّ سراياه بنواحي الرمل والجدد وَأقَام بهَا مُدَّة فَلم يظفر مِنْهُم بِأحد سمعُوا بِهِ فتعلقوا بحبال الْجبَال وَتَفَرَّقُوا فِي الْعقَاب والشعاب والرمال ثمَّ نزل عسفان تخويفا لمن بِمَكَّة من أولائك النَّفر ثمَّ قفل رَاجعا إِلَى الْمَدِينَة مستعيذا بِاللَّه من وعثاء السّفر وَفِي هَذِه الْغَزْوَة يَقُول كَعْب بن مَالك (وَلَو أَن بني لحيان كَانُوا تنَاظرُوا ... لقوا عصبا فِي دَارهم ذَات مُصدق) (لقوا سرعانا يمْلَأ السرب روعه ... أَمَام طواحن كالمجرة فيلق) (وَلَكنهُمْ كَانُوا وبارا تتبعت ... شعاب حجار غير ذِي متنفق)

غزوة ذي قرد سنة ست من الهجرة

غَزْوَة ذِي قرد سنة سِتّ من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشَّهْر الْمَذْكُور إِلَى جِهَة الغابة وَخرج مَعَه خَمْسمِائَة نفر وَيزِيدُونَ من الصَّحَابَة واستخلف ابْن أم مَكْتُوم على طيبَة وتلفع بمروط البسالة وَالْجَلالَة والهيبة وَسَار إِلَى عُيَيْنَة بن حصن الْفَزارِيّ الَّذِي كَانَ يباهي بِشدَّة كفره ويباري حَيْثُ بلغه أَنه ركب خيل الإجتراء والإجتراح وأغار فِي أَرْبَعِينَ فَارِسًا على مَا كَانَ لَهُ بِالْغَابَةِ من اللقَاح فَوَجَدَهُمْ قد استاقوا وانهزموا وظنوا أَنهم غنموا لَا وَالله بل غرموا فمضت فرقة فِي آثَارهم إِلَى ذِي قرد فأدركوهم وَقتلُوا خَمْسَة مِمَّن على الْبَغي مرد وظفروا بخيلهم وسلاحهم واستنقذوا نصف مَا أَخَذُوهُ من لقاحهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْخَوْف فِي هَذِه الْغَزْوَة ثمَّ انْصَرف إِلَى الْمَدِينَة رفيع الْعِمَاد عالي الذرْوَة وَفِي هَذِه الْغَزْوَة يَقُول كَعْب بن مَالك من أَبْيَات

سرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الغمر سنة ست من الهجرة

(أيحسب أَوْلَاد اللقيطة أننا ... على الْخَيل لسنا مثلهم فِي الفوارس) (وَنحن أنَاس لَا نرى الْقَتْل سبة ... وَلَا ننثني عِنْد الرماح المداعس) (نرد كماة المعلمين إِذا انتخوا ... بِضَرْب يسلي نخوة المتقاعس) (بِكُل فَتى حامي الْحَقِيقَة ماجد ... كريم كسرحان الغضاة مخالس) (يذودون عَن أحسابهم وبلادهم ... ببيض تقد الْهَام تَحت القوانس) سَرِيَّة عكاشة بن مُحصن الْأَسدي إِلَى الْغمر سنة سِتّ من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشَّهْر الْمَذْكُور وجهز مَعَه أَرْبَعِينَ من الراغبين فِي الْعَمَل المبرور فَخرج بهم إِلَى الْغمر وَهُوَ مَاء لبني أَسد فَلَمَّا وصلوا

سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة سنة ست من الهجرة

إِلَيْهِ لم يجدوه مأهولا بِأحد هربوا حَيْثُ بَلغهُمْ الطّلب وشردوا خوفًا من السيوف واليلب فَاسْتَاقُوا مَا رَأَوْا من النعم وَرَجَعُوا مغمورين بِالْفَضْلِ وَالنعَم (أولاك خير الْخلق يَا عكاشة ... قربا لَهُ حدق كل محسن) (يَا طَالب العلياء أقصر واتئد ... فَازَ بهَا عكاشة بن مُحصن) سَرِيَّة مُحَمَّد بن مسلمة إِلَى ذِي الْقِصَّة سنة سِتّ من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شهر ربيع الآخر وجهز مَعَه عشرَة من ذَوي المناقب والمفاخر فَمَضَوْا إِلَى بني ثَعْلَبَة بِذِي الْقِصَّة وَقد قسمت لَهُم مَعَ الشُّهَدَاء حِصَّة وَأي حِصَّة فَلَمَّا وردوا عَلَيْهِم فِي لَيْلَة حالكة الجلباب أحدق بهم الْقَوْم وَكَانُوا مائَة من الأجلاف الْأَعْرَاب وحملوا عَلَيْهِم فَقَتَلُوهُمْ وَعَن الرُّجُوع إِلَى الأوطان فتلوهم وَلم يفلت مِنْهُم إِلَّا مُحَمَّد بن مسلمة على أَنه عَاد جريحا صُحْبَة رجل من أهل المرحمة (هَنِيئًا لأرباب الشَّهَادَة مَا رَأَوْا ... من الْخَيْر فِي الفردوس وَالْبر وَالْفضل)

سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى بني ثعلبة سنة ست من الهجرة

(لوكر العدى طاروا ففض جناحهم ... بِذِي الْقِصَّة الْمَشْهُور عِنْد ذَوي النَّقْل) سَرِيَّة أبي عُبَيْدَة بن الْجراح إِلَى بني ثَعْلَبَة سنة سِتّ من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشَّهْر الْمشَار إِلَيْهِ وجهز مَعَه أَرْبَعِينَ من أَصْحَابه المقربين لَدَيْهِ فسروا لَيْلًا وجروا للأخذ بالثأر ذيلا حَتَّى وافوا بني ثَعْلَبَة صبحا مضمرين أَلا يرفعوا عَنْهُم سَيْفا وَلَا رمحا فأعجزوهم هربا فِي الْجبَال وانهزموا لَا يلتفتون لمَال وَلَا عِيَال فَأخذُوا من نعمهم ومتاعهم ثمَّ رجعُوا سَالِمين إِلَى مَنَازِلهمْ ورباعهم (قل لبني ثَعْلَبَة الباغين يَا من ... فِي الربى غاروا كغور الثَّعْلَب) (هلا ثبتمْ للقا حَتَّى تروا ... حَقِيقَة المهلك دون الْمطلب) سَرِيَّة زيد بن حَارِثَة إِلَى الجموم سنة سِتّ من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشَّهْر الْمُقدم ذكره وَمَعَهُ من الْمُسلمين من لَا يخفى خطره وَلَا قدره فَمَضَوْا إِلَى بني سليم حَتَّى دنوا من الجموم

سرية زيد بن حارثة إلى العيص سنة ست من الهجرة

وَهُوَ نَاحيَة طائرها على بطن نخل تحوم فوجدوه خَالِيا من أَهله صفرا من جَمِيع الْمُشْركين حَدثهُ وكهله وَرَأَوا فِي محالهم نعما وَأسرى فَأخذُوا النعم وتمنحوا الأسرى بعد الْعسر يسرا (إِلَى بطن نخل سَار زيد وَحَوله ... كماة لَهُم عزم عَليّ على النسْر) (فشرد أَعدَاء وَحَازَ غنيمَة ... وأنقذ أَصْحَاب النَّبِي من الْأسر) سَرِيَّة زيد بن حَارِثَة إِلَى الْعيص سنة سِتّ من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جُمَادَى الأولى وأفاض عَلَيْهِ من سحائب يَده الطُّولى وجهزه فِي سبعين وَمِائَة رَاكب تتكمل بهم المواقف وتتجمل بهم المواكب وَأمرهمْ بِطَلَب عير لقريش أَقبلت من الشَّام فَسَارُوا إِلَيْهَا وانقضوا عَلَيْهَا انقضاض البزاة على الْحمام فَأخذُوا مَا كَانَ فِيهَا من الْفضة الْكَثِيرَة وَلم يغادروا مِمَّا اشْتَمَلت عَلَيْهِ صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة وأسروا نَاسا مِنْهُم أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع ثمَّ رجعُوا يتفيئون فِي ظلّ من السَّلامَة رفيع

سرية زيد بن حارثة إلى الطرف سنة ست من الهجرة

(قل لِابْنِ حَارِثَة الَّذِي أسيافه ... مَشْهُورَة لم تنس يَوْم الْعيص) (لله دَرك حَيْثُ لم تَبْرَح على ... خذلان أهل الشّرك أَي حَرِيص) سَرِيَّة زيد بن حَارِثَة إِلَى الطّرف سنة سِتّ من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشَّهْر المنوه بِذكرِهِ وأرسله مخلقا بعبير النَّصْر وَالظفر طَائِر وَكره وجهز مَعَه خَمْسَة عشر رجلا من أهل الحزم والتجربة وَأمره بالمضي إِلَى مَاء يعرف بالطرف لغزو بني ثَعْلَبَة فَسَار إِلَيْهِم مغير وَأصَاب من نعمهم عشْرين بعير وَفَاته الْمُشْركُونَ هربا غاروا فِي بحرة الْحجاز فَلَنْ تَسْتَطِيع لَهُم طلبا ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة رفيع المنال وسَاق مَعَه الْإِبِل بعد غيبَة أَربع لَيَال (أكْرم بِقوم من صحابة أَحْمد ... فضل المطارف شمروا نَحْو الطّرف) (سَارُوا لِثَعْلَبَةَ الْبُغَاة وحصلوا ... نعما بهَا لَهُم نعيم فِي الغرف)

سرية زيد بن حارثة إلى حسمى سنة ست من الهجرة

سَرِيَّة زيد بن حَارِثَة إِلَى حسمى سنة سِتّ من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جُمَادَى الْآخِرَة وجهزه إِلَى جذام فِي خَمْسمِائَة من ذَوي الْوُجُوه الزاهرة حَيْثُ عارضوا دحْيَة الْكَلْبِيّ وَقَطعُوا عَلَيْهِ الطَّرِيق وقابلوه فِي سلب مَتَاعه وانتهاك حرمته بِمَا لَا يَلِيق فَسَارُوا وَمَعَهُمْ دَلِيل من بني عذرة حَتَّى هجموا فِي صبح أَسْفر على كل مِنْهُم بِمَا يكره فأوقعوهم بالإغارة عَلَيْهِم فِي شرك الْحيرَة وَقتلُوا كَبِيرهمْ الهنيد بن عَارض وَغَيره وَأخذُوا إبلهم وشاءهم وَسبوا صبيانهم ونساءهم فَأتى رِفَاعَة الجذامى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَدفع إِلَيْهِ كِتَابه المسطر لَهُ ولقومه عِنْد إِسْلَامه فِيمَا تقدم فَبعث عَليّ بن أبي طَالب برد أَمْوَالهم وَأَن يخلي بَينهم وَبَين نِسَائِهِم وأطفالهم فامتثلت أوامره الشَّرِيفَة بعد رد مَا أَخذ لدحية بن خَليفَة (من الرَّسُول على جذام بِالَّذِي ... أَخذ الصحاب لَهُم من الْأَمْوَال) (والمصطفى كم منَّة ظَهرت لَهُ ... مقرونة بالجود والإفضال)

سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل سنة ست من الهجرة

سَرِيَّة عبد الرَّحْمَن بن عَوْف إِلَى دومة الجندل سنة سِتّ من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة بعد أَن عممه بِيَدِهِ الْوَاضِحَة معجزاتها الْمَشْهُورَة وَأمره بغزو أهل الْكفْر والعناد وَنَهَاهُ عَن الْغدر والغلول وَقتل الْأَوْلَاد فَسَار حسب الْأَمر إِلَى كلب بدومة الجندل وَمكث بهَا يَدْعُو إِلَى من سبح بِحَمْدِهِ الطير وعندل فَأسلم رَأْسهمْ الْأَصْبَغ بن عَمْرو وَتَبعهُ كثير من المعتاضين عَن البرض بالغمر ثمَّ تزوج عبد الرَّحْمَن تماضر بنت الْأَصْبَغ وَرجع مشمولا ببركة من حكم فَعدل وخطب فأبلغ (سَار ابْن عَوْف إِلَى كلب بِمن مَعَه ... من الكماة فَلَمَّا أَسْلمُوا سلمُوا) (ورأسهم نجل عَمْرو كَانَ قائدهم ... إِلَى الطَّرِيق فيالله مَا غنموا)

سرية علي بن أبي طالب إلى بني سعد سنة ست من الهجرة

سَرِيَّة عَليّ بن أبي طَالب إِلَى بني سعد سنة سِتّ من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشَّهْر الْمشَار إِلَيْهِ وجهز مَعَه مائَة يتبعُون رَأْيه ويعتمدون عَلَيْهِ حَيْثُ بلغه أَنهم يُرِيدُونَ إمداد الْيَهُود ويقصدون إِعَانَة من كتم الْحق وَنقد العهود فَمضى مضمرا إِيقَاع الْمُشْركين فِي الشّرك وَسَار حَتَّى انْتهى إِلَى الغمج مَاء بَين خَيْبَر وفدك وسمعوا بمجيئه فَتَفَرَّقُوا وأحسوا بأسه فَانْهَزَمُوا وتمزقوا فَأَغَارَ لَهُم على ألفي شَاة وَخَمْسمِائة بعير فعزل الْخمس وَقسم الْبَاقِي بَين الْمَأْمُور من الْغُزَاة والأمير ثمَّ وافي الْمَدِينَة قادما وانقلب إِلَى أَهله سالما غانما (مهلا بني سعد فقد جَاءَكُم ... لَيْث الوغى نجل أبي طَالب) (فِي عصبَة مَا للعدى عِنْدهم ... زَاد سوى العاسل والقاضب) (يَا وَيْلكُمْ كل غَدا مِنْكُم ... مُنْهَزِمًا مَا يلْحق بالهارب)

سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى سنة ست من الهجرة

سَرِيَّة زيد بن حَارِثَة إِلَى وَادي الْقرى سنة سِتّ من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شهر الصَّوْم وجهز مَعَه قوما من أَصْحَابه سقيا لَهُم من قوم فَسَار بهم إِلَى بني بدر من فَزَارَة مضمرا أَن يَأْخُذ مِنْهُم بالثأر ويشن عَلَيْهِم الإغارة وَكَانُوا قد قطعُوا عَلَيْهِ الطَّرِيق بوادي الْقرى وتركوه بعد أَن جرحوه وَأخذُوا تِجَارَته ملقا على البرى فَجَاءَهُمْ صُحْبَة يَوْم عبوس وسقاهم للحتف كؤوسا وَأي كؤوس وَقتلُوا أم قرفة بنت ربيعَة ابْن بدر وأهلكوا غَيرهَا مِمَّن يمت عِنْدهم بعلو الْقدر ثمَّ رجعُوا مستبشرين بالظفر فرحين بالظهور على من جحد وَكفر (أيا طَالب الْأَخْبَار عَن أم قرفة ... بوادي الْقرى يمم وسل عَن بني بدر) (ترى الْقَوْم صرعى فِي خلال دِيَارهمْ ... جَزَاء بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ من الْغدر)

سرية عبد الله بن عتيك إلى ابن أبي الحقيق اليهودي سنة ست من الهجرة

سَرِيَّة عبد الله بن عتِيك إِلَى ابْن أبي الْحقيق الْيَهُودِيّ سنة سِتّ من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشَّهْر الْمَذْكُور وجهز مَعَه أَرْبَعَة من ذَوي الْفضل الْمَأْثُور وَأمرهمْ بقتل سَلام بن أبي الْحقيق فَمَضَوْا إِلَيْهِ مُضِيّ الْبَرْق وَلَا أَقُول البريق وَكَانَ قد أجلب فِي غطفان وَغَيرهم وَالْتزم لمحاربيه توفير عطائهم وميرهم وسروا إِلَى منزله لَيْلًا وَلم يصحبوا مَعَهم خولا وَلَا خيلا واحتالوا على الدُّخُول إِلَيْهِ أَي احتيال وَقَتله عبد الله بن عتِيك على الصَّحِيح من الْأَقْوَال وَخَرجُوا حَتَّى اختفوا بِبَعْض المناهر وجد الْيَهُود فِي طَلَبهمْ إِلَى أَن كل الطَّالِب وتعب الْمظَاهر فَلَمَّا أيسوا رجعُوا وَتَفَرَّقُوا بعد أَن اجْتَمعُوا

سرية عبد الله بن رواحة إلى أسير بن رزام اليهودي سنة ست من الهجرة

ثمَّ انْصَرف الْمُسلمُونَ إِلَى الْأَهْل وَالْأَصْحَاب وَقد ظفروا بقتل عَدو الله محزب الْأَحْزَاب وَفِي قَتله وَقتل كَعْب بن الْأَشْرَف يَقُول حسان بن ثَابت من أَبْيَات (لله در عِصَابَة لاقيتهم ... يَا ابْن الْحقيق وَأَنت يَا ابْن الْأَشْرَف) (يسرون بالبيض الْخفاف إِلَيْكُم ... مرْحَبًا كأسد فِي عرين مغرف) (مستبصرين لنصر دين نَبِيّهم ... مستصرخين لكل أَمر مجحف) سَرِيَّة عبد الله بن رَوَاحَة إِلَى أَسِير بن رزام الْيَهُودِيّ سنة سِتّ من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَسِير فِي شَوَّال وَمَعَهُ ثَلَاثُونَ لَا يعبؤن بِجَوَاب فِي الْحَرْب وَلَا جوال حَيْثُ بلغه أَنه أَمر بعد سَلام وَأَنه يجمع لحربة أَعدَاء الدّين وأضداد الْإِسْلَام

سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين سنة ست من الهجرة

فَسَارُوا إِلَيْهِ وقصدوه وبتقريبه واستعماله على خَيْبَر وعدوه فَخرج مَعَهم فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا من الْيَهُود ثمَّ نَدم فِي الطَّرِيق وَمَال إِلَى الصدود فَلَمَّا ظهر للْمُسلمين مَكْرهمْ وَتبين لِذَوي الأفهام غدرهم شهروا عَلَيْهِم السيوف وأترعوا لَهُم موارد الحتوف واستأصلوهم غير مُنْهَزِم وَاحِد ثمَّ رجعُوا مسرورين بالنصرة على الْكَافِر والجاحد (لما تعدى أَسِير ... سَارَتْ إِلَيْهِ الصحابه) (وَفِي عِقَاب الفيافي ... ساقوا إِلَيْهِ عَذَابه) (ورهطه جرعوهم ... من الْحمام شرابه) (وَالْحق من زاغ عَنهُ ... كَانَ الحسام جَوَابه) سَرِيَّة كرز بن جَابر الفِهري إِلَى العرنيين سنة سِتّ من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشَّهْر المبدوء بِذكرِهِ وجهز مَعَه عشْرين فَارِسًا حارسا للدّين بنصله وَنَصره وَأمرهمْ بِطَلَب ثَمَانِيَة أَسْلمُوا من عرينة تَركهم فِي لقاحه ليذْهب الله وصب كل مِنْهُم وشينه

سرية عمرو بن أمية الضمرى إلى أبي سفيان سنة ست من الهجرة

فَلَمَّا صحوا عدوا على اللقَاح غدرا، ومثلوا بمولاه يسَار حَتَّى مَاتَ صبرا. فَنَهَضت فِي طَلَبهمْ الفوارس، وبرزت إِلَى ذِي الْجدر كالأسد العوابس، فأدركوهم وحصروهم، وَأَحَاطُوا بهم وَأسرُوهُمْ، وَقدمُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِالْغَابَةِ فَقطع أَيْديهم وأرجلهم وسمل أَعينهم وصلبهم بِمحضر من الصَّحَابَة. (لله أَنْت وفتية ... تبعتك يَا كرز بن جَابر) (أَمْسَكت أَعدَاء النَّبِي ... مُحَمَّد رب المفاخر) (وَحَضَرت أَرْبَاب الْخَنَا ... وأسرت مِنْهُم كل غادر) (بِشِرَاك بالنعماء فِي ... دَار الْبَقَاء مَعَ الأكابر) سَرِيَّة عَمْرو بن أُميَّة الضمرى إِلَى أبي سُفْيَان سنة سِتّ من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَكَّة فِي الشَّهْر الْمشَار إِلَيْهِ، وَبعث مَعَه سَلمَة بن أسلم رضوَان الله عَلَيْهِ، وَأَمرهمَا بقتل أبي سُفْيَان، لما بلغه عَنهُ فِي ذَلِك الْوَقْت من الطغيان.

غزوة الحديبية سنة ست من الهجرة

وَكَانَ قد جهز رجلا من الْأَعْرَاب لاغتياله وأركبه بَعِيرًا وَأَعْطَاهُ نَفَقَة لَهُ ولعياله فَلَمَّا أقبل الرجل الْآتِي لغير الْخَيْر قصّ عَلَيْهِ الْخَبَر حِين أمْسكهُ أسيد بن الْحضير ثمَّ أَن عَمْرو بن أُميَّة دخل مَكَّة وَاسْتعْمل يَقِين الْعَزْم وَنفى شكه فأحست قُرَيْش بِهِ وقصدته بِالطَّلَبِ وحشدوا عَلَيْهِ خوفًا من قَتله فهرب ثمَّ قفل إِلَى الْمَدِينَة عَائِدًا بعد أَن قتل ثَلَاثَة وأسروا وَاحِدًا (أَتَى عَمْرو الضمرِي مَكَّة مضمرا ... قتال امرىء يُؤْذِي النَّبِي مُحَمَّدًا) (فجاس خلال الدَّار لَا يرهب العدا ... وَعَاد إِلَى نَحْو الرَّسُول مؤيدا) غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة سنة سِتّ من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذِي الْقعدَة إِلَى الْعمرَة واستنفر أَصْحَابه المتبعين قَوْله الممتثلين أمره واستخلف على الْمَدِينَة عبد الله بن أم مَكْتُوم وَمضى فِي ألف وَأَرْبَعمِائَة مُقيم على طَاعَة الْحَيّ القيوم لم يصحب غير سلَاح الْمُسَافِر وَلم يقْصد حَرْب مُشْرك وَلَا كَافِر

وسَاق من الْهدى سبعين بَدَنَة وَأحرم ولبى موضحا للنَّاس شَرعه وسننه وَسَار مظللا بغمام النعم حَتَّى دنا من الْحُدَيْبِيَة وَهِي طرف الْحَرَام وَبلغ قُريْشًا خُرُوجه فِي أَصْحَابه الْكِرَام فَأَجْمعُوا رَأْيهمْ على صده عَن الْمَسْجِد الْحَرَام وَبَادرُوا إِلَى جمع الرِّجَال وَخَرجُوا مستعدين لِلْقِتَالِ ولبسوا جُلُود النمور وغرهم بِاللَّه الْغرُور وراسلوه بِمَنْعه من الدُّخُول إِلَى سربهم بعد أَن عرفهم أَنه إِنَّمَا جَاءَ للزيارة لَا لحربهم ثمَّ عقد الصُّلْح بَينهم على وضع الْحَرْب عشر سِنِين كوامل وعَلى أَن ينْصَرف عَنْهُم ثمَّ يدْخل عَلَيْهِم فِي الْعَام الْقَابِل وَفِي هَذِه الْغَزْوَة كَانَت بيعَة الرضْوَان وفيهَا أُقِيمَت صَلَاة الْخَوْف خشيَة ذَوي الْجور والعدوان وفيهَا نزلت سُورَة الْفَتْح الْمُبين وفيهَا ظَهرت معْجزَة نبع المَاء من الْبِئْر الضنين وفيهَا أنزل الله على رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ السكينَة وَلما فرغ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نحر هَدْيه وَحلق رَأسه ثمَّ قفل إِلَى الْمَدِينَة (عرج على أَرض الْحُدَيْبِيَة الَّتِي ... شرفت بموطىء سيد الأكوان) (فَهِيَ الَّتِي صلى النَّبِي بهَا صَلَاة ... الْخَوْف يخْشَى من ذَوي الْعدوان) (وَبهَا تنزلت السكينَة وارتقى ... من حل مجْلِس بيعَة الرضْوَان)

غزوة خيبر سنة سبع من الهجرة

غَزْوَة خَيْبَر سنة سبع من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جُمَادَى الأولى إِلَى خَيْبَر وَظهر بعسكره الَّذِي أناف بِحسن الْأَوْصَاف على كل عَسْكَر اسْتخْلف سِبَاع بن عرفطة الْغِفَارِيّ وَسَارُوا إِلَى حَرْب من يُجَادِل فِي الْحق ويماري حَتَّى نزلُوا بِسَاحَتِهِمْ وَأَقْبلُوا بِنَفْي دعتهم وراحتهم فوعظ النَّاس وَفرق الرَّايَات وَدفع لِوَاءُهُ إِلَى صَاحب الْآيَات وجد الْمُسلمُونَ فِي قِتَالهمْ وبالغوا فِي جلادهم لَا فِي جدالهم وأرغموا آنافهم وَقتلُوا أَشْرَافهم وأنزلوهم من صياصيهم وَأخذُوا بأعناقهم وَنَوَاصِيهمْ وَأَقَامُوا حصونهم على محاصرتهم مُدَّة وألجأوهم إِلَى اقتحام عِقَاب الضّيق والشدة وفتحوا لَهُم عدَّة حصون وأدالوا مَا كَانَ بهَا من المَال المصون وظفروا بالسبائب والسبايا وَاسْتَخْرَجُوا مَا كَانَ فِي الزوايا من الخبايا ثمَّ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أجابهم إِلَى سُؤَالهمْ وساقهم مَعَ أهل فدك على النّصْف من أَمْوَالهم

وَفِي هَذِه الْغَزْوَة تزوج صَفِيَّة وَنهى عَن أكل لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة وفيهَا قتل الْيَهُودِيَّة الَّتِي اهدت إِلَيْهِ الشَّاة المسمومة وَنهى عَن بيع الْغَنِيمَة الَّتِي هِيَ غير مقسومة وَلما فرغ من أَمر خَيْبَر قسم الْغَنَائِم ثمَّ قفل إِلَى الْمَدِينَة مَرْفُوع الألوية مَنْصُوب العزائم وَفِي هَذِه الْغَزْوَة يَقُول كَعْب بن مَالك من أَبْيَات (وَنحن وردنا خيبرا وفروضه ... بِكُل فَتى عاري الأشاجع مذود) (جواد لَدَى الغايات لَا واهن القوى ... جرى على الْأَعْدَاء فِي كل مشْهد) (عَظِيم رماد الْقدر فِي كل شتوة ... ضروب بنصل المشرفي المهند) (يرى الْقَتْل مدحا إِن أصَاب شَهَادَة ... من الله يرجوها وفوزا بِأَحْمَد) وفيهَا يَقُول ابْن الْقيم الْعَبْسِي من أَبْيَات (وَلكُل حصن شاغل من خيلهم ... من عبد الْأَشْهَل أَو بني النجار)

سرية عمر بن الخطاب إلى هوازن سنة سبع من الهجرة

(جرت بأبطحها الذيول فَلم تدع ... إِلَّا الدَّجَاج يَصِيح فِي الأسحار) سَرِيَّة عمر بن الْخطاب إِلَى هوَازن سنة سبع من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شعْبَان وَأمره بالمضي إِلَى تربة طَرِيق صنعاء ونجران فَسَار فِي ثَلَاثِينَ مستعدين للنزال وَمَعَهُ دَلِيل جليل من بني هِلَال فَكَانَ يقتل بخبرته القفار ويسري بهم اللَّيْل ويكمن النَّهَار حَتَّى قدمُوا على محَال هوَازن فَإِذا هم قد نفروا حَيْثُ بهم نذروا عَن المواطن فَلَمَّا لم يقعوا مِنْهُم على أثر رجعُوا إِلَى الْمَدِينَة يقابلون الْورْد بالصدر (نفرت هوَازن من لِقَاء سَرِيَّة ... فِيهَا سرى بالتقى مَعْرُوف) (أَعنِي ابْن خطاب وحسبك خاطبا ... بِلِسَان سيف وعظه مَوْصُوف)

سرية أبي بكر الصديق إلى فزارة سنة سبع من الهجرة

سَرِيَّة أبي بكر الصّديق إِلَى فَزَارَة سنة سبع من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشَّهْر الْمَذْكُور وجهز مَعَه نَفرا من أَصْحَابه الْمَحْمُود فعلهم المشكور فَسَارُوا جازمين بِقِتَال فَزَارَة عازمين على ملتقى الْمُشْركين بالتعزية لَا بالبشارة فَلَمَّا دنوا مِنْهُم شنوا عَلَيْهِم الْغَارة عِنْد مَائِهِمْ وأسرعوا فِي الرمل إِلَيْهِم حَتَّى رملوهم بدمائهم وَسبوا نسْوَة من ذَرَارِيهمْ واحتاطوا على صبيانهم وجواريهم ثمَّ قَفَلُوا رَاجِعين وَتركُوا قتلاهم على الدَّار هاجعين (هَل من فَزَارَة مخبر عَمَّا لقوا ... من مرهفات سَرِيَّة الصّديق) (نصبوا لَهُم شرك الردى ورموهم ... من بعد جمع الشمل بِالتَّفْرِيقِ)

سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى فدك سنة سبع من الهجرة

سَرِيَّة بشير بن سعد الْأنْصَارِيّ إِلَى فدك سنة سبع من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشَّهْر الْمشَار إِلَيْهِ وجهز مَعَه ثَلَاثِينَ رجلا من المقبولين لَدَيْهِ وَأمرهمْ بالمضي إِلَى بني مرّة فَسَارُوا طامعين فِي أَن تكون لَهُم الكرة فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى فدك وجدوهم فِي بواديهم ورأو نعمهم وشاءهم ترعى بواديهم فاستاقوها وذهبوا لَكِن أدْركهَا أَرْبَابهَا وَعَلَيْهَا غلبوا بعد أَن تراموا بالنبال ثمَّ رجعُوا ببشير جريحا بسهام أهل الضلال (لله قوم مضوا إِلَى فدك ... يهْدُونَ أهل الضلال للرشد) (فقاتلوهم وغيهم تبعوا ... وقابلوهم بأوجه الْعدَد) (بشير بِشِرَاك بالجراحة فِي ... ذَات الْإِلَه الْمُهَيْمِن الصَّمد)

سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة سنة سبع من الهجرة

سَرِيَّة غَالب بن عبد الله اللَّيْثِيّ إِلَى الْمِيفَعَة سنة سبع من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شهر الصّيام وجهز مَعَه مائَة وَثَلَاثِينَ لَا يَأْخُذهُمْ فِي الله ملام فَسَارُوا إِلَى ثَعْلَبَة بالميفعة وحصلوا من الْمسير إِلَيْهِم على الْأجر وَالْمَنْفَعَة وهجموا عَلَيْهِم هجوم السَّيْل وَقتلُوا من جر إِلَى مناوشتهم فضول الذيل وأغاروا على نعمهم وشائهم وأعرضوا عَن سَماع كَلَامهم وَإجَابَة ندائهم ثمَّ انصرفوا رَاجِعين بِمَا مَعَهم من الْغَنِيمَة فرحين بغزو الخابطين من الشّرك فِي الحنادس الْبَهِيمَة (سَرِيَّة غَالب غلبت وسرت ... قلوبا بالسلامة والغنيمه) (فيا بشرى لَهُم فِي دَار عدن ... بفيض الْفضل وَالنعَم العميمه) سَرِيَّة بشير بن سعد الْأنْصَارِيّ إِلَى يمن وجبار سنة سبع من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شهر عيد الْفطر وجهز مَعَه ثَلَاثمِائَة تتأرج المحافل فِي ثنائهم بالعطر وَأمرهمْ بالمضي إِلَى غطفان حَيْثُ بلغه مَا هم فِيهِ من الإجتماع والهذيان

عمرة القضاء سنة سبع من الهجرة

فنزلوا مجدين فِي السّير والسرى حَتَّى نزلُوا بسلاح قَرِيبا من وَادي الْقرى وَسمع الْمُشْركُونَ بطلبهم وارتيادهم فَتَفَرَّقُوا وَلَحِقُوا بعلياء بِلَادهمْ فَاسْتَاقُوا من نعمهم مَا لَا يكَاد يحصره الْقَلَم وأسروا مِنْهُم رجلَيْنِ وَرَجَعُوا بهما وبالنعم (بشير بن سعد نجم سعدك زَاهِر ... وسهمك لم يبرح معلي مُسَددًا) (إِلَى غطفان سرت فِي الْيَوْم طَاعَة ... لخير الورى أبشر بِمَا تشْتَهي غَدا) عمْرَة الْقَضَاء سنة سبع من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذِي الْقعدَة مُعْتَمِرًا وَأمر من شهد الْحُدَيْبِيَة بِقَضَاء عمرته الَّتِي صد عَنْهَا معتذرا فاستجابوا لما أَمر وَكَانُوا ألفي نفر واستخلف على الْمَدِينَة أَبَا رهم الْغِفَارِيّ وَسَار بعد إِحْرَامه من بَاب الْمَسْجِد فِي أَسد الضواري وسَاق سِتِّينَ بَدَنَة وقاد مائَة فرس وَقدم الْخَيل وَالْهدى وَالسِّلَاح مَحْفُوظًا بالحرس

وَمضى محرما ملبيا إِلَى أَن نزل بمر الظهْرَان وَخرج قُرَيْش من مَكَّة حِين سمعُوا بقدوم سيد ولد عدنان ثمَّ ركب نَاقَته الْقَصْوَاء والمسلمون بِهِ محدقون وَاسْتمرّ ملبيا إِلَى أَن دخل من الثَّنية الَّتِي تطلعه على الْحجُون وَلم يزل يُلَبِّي حَتَّى اسْتَلم الرُّكْن بِمِحْجَنِهِ مضطبعا وَطَاف على رَاحِلَته وكل يطوف لفعله مُتبعا ثمَّ سعى بَين الصَّفَا والمروة وَنحر وَحلق بهَا وَالنَّاس يحذون حذوه ثمَّ تزوج مَيْمُونَة بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة وَسلم إِلَى جَعْفَر عمَارَة بنت عَمه حَمْزَة الهاشمية وَأقَام بِمَكَّة ثَلَاثًا ثمَّ رَحل فِي الرَّابِع فَنزل بسرف بعد أَن قيل لَهُ من جِهَة قُرَيْش قد قضيت أَجلك فَانْصَرف ثمَّ أدْلج إِلَى دَار هجرته وقفل مؤيدا بنصر الله بعد قَضَاء عمرته وفيهَا يَقُول عبد الله بن رَوَاحَة وَهُوَ آخذ بِخِطَام نَاقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (خلوا بني الْكفَّار عَن سَبيله ... خلوا فَكل الْخَيْر فِي رَسُوله) (يَا رب إِنِّي مُؤمن بقيله ... أعرف حق الله فِي قبُوله)

سرية ابن أبي العوجاء السلمي إلى بني سليم سنة سبع من الهجرة

سَرِيَّة ابْن أبي العوجاء السّلمِيّ إِلَى بني سليم سنة سبع من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذِي الْحجَّة وجهز مَعَه خمسين لَا يقعدهم عَن الْعَدو قُرَّة وَلَا إجه فَصَعِدُوا إِلَى بني سليم فِي سلم السّير وَقد حوم عَلَيْهِم للشَّهَادَة طير أكْرم بِهِ من طير فَلَمَّا انْتَهوا إِلَيْهِم رَأَوْهُمْ فِي جمع كثير وَقد استعد لحربهم الْمَأْمُور مِنْهُم والأمير فتراموا بالنبال وَحمى وطيس الْقِتَال وأحدق الْمُشْركُونَ بهم من كل نَاحيَة فَقَاتلُوا حَتَّى قتل عَامَّة أهل الْجنَّة الْعَالِيَة (عاجوا ونجل أبي العوجاء قائدهم ... إِلَى سليم فَمَا آبوا وَلَا رجعُوا) (واستشهدوا غير آحَاد فيا لَهُم ... قوما جنوا فِي جنان الْخلد مَا زرعوا)

سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني الملوح سنة ثمان من الهجرة

سَرِيَّة غَالب بن عبد الله اللَّيْثِيّ إِلَى بني الملوح سنة ثَمَان من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صفر وجهز مَعَه من أَصْحَابه الميامين عدَّة نفر وَأمرهمْ أَن يشنوا على بني الملوح الْغَارة ويبادروا إِلَى أَخذ مَا لَهُم من السِّلَاح والشارة فَسَارُوا حَتَّى دنوا من الكديد ومضوا رافلين فِي حلل النَّصْر والتأييد فكمنوا فِي نَاحيَة الْوَادي منتظرين إِصَابَة الْعِزَّة من أهل النادي ثمَّ شنوا الْغَارة عَلَيْهِم وَاسْتَاقُوا مَا كَانَ من النعم لديهم فاتبعوا آثَارهم وقصدوا ضرارهم فَلَمَّا أَدْركُوهُم حَال بَينهم السَّيْل وَرَجَعُوا متباينين فريقا بالنيل وفريقا بِالْوَيْلِ (لله غَالب الَّذِي غلب العدى ... قهرا وفاز من الْهِدَايَة بِالنعَم) (لما أَتَى أهل الكديد عَلَيْهِم ... شن الإغارة ثمَّ أقبل بِالنعَم)

سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى فدك سنة ثمان من الهجرة

سَرِيَّة غَالب بن عبد الله اللَّيْثِيّ إِلَى فدك سنة ثَمَان من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشَّهْر الْمَذْكُور وجهز مَعَه مِائَتي مؤيد من الله وَمَنْصُور فَسَارُوا ممتثلين أَمر من بِحَرب الْعَدو يُشِير حَتَّى انْتَهوا إِلَى محَال الْقَوْم لَا تأخذهم فِي الله لومة ذِي لوم وأغاروا عَلَيْهِم مَعَ الْفجْر وابتغوا فِي الفتك بهم جزيل الْأجر وَاسْتَاقُوا مَا بِهِ من النعم وظفروا ثمَّ رجعُوا فرحين بالنصر على الَّذين كفرُوا (سَارَتْ سَرِيَّة غَالب ... نَحْو العداة إِلَى فدك) (وتنوعوا فِي قَتلهمْ ... إِذْ أوقعوهم فِي الشّرك) (هَذَا جَزَاء من اعْتدى ... ظلما وَلم يخْش الدَّرك)

سرية شجاع بن وهب الأسدي إلى هوازن سنة ثمان من الهجرة

سَرِيَّة شُجَاع بن وهب الْأَسدي إِلَى هوَازن سنة ثَمَان من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام ثَمَانِيَة وجهز مَعَه أَرْبَعَة وَعشْرين مُؤمنين بعالم السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وَأمرهمْ بالذهاب إِلَى هوَازن والإغارة على النَّاقِص مِنْهُم والوازن فقصدوا جِهَة الْمَعْدن مَحل جمعهم ودنوا مِنْهُم ناظرين إِلَى خفضهم ورفعهم ثمَّ أَصَابُوا مِنْهُم غرَّة فَكروا على أنعامهم أَي كرة وَاسْتَاقُوا مِنْهَا جملَة من الْجمال وَرَجَعُوا مسرورين بِالْمَالِ وَحسن الْمَآل (لَا تسْأَل الركْبَان عَن هوَازن ... وَمَا لقوا من كيد أَرْبَاب الرشد) (مَا حَال أغمار بِمَا يصلحهم ... فجأهم أَي شُجَاع من أَسد) سَرِيَّة كَعْب بن عُمَيْر الْغِفَارِيّ إِلَى ذَات أطلاح بِالشَّام سنة ثَمَان من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشَّهْر الْمُقدم ذكره وجهز مَعَه خَمْسَة عشر رجلا

سرية زيد بن حارثة إلى مؤتة بالشام سنة ثمان من الهجرة

يطيب خبر كل مِنْهُم وَخَبره وَأمرهمْ بِالْمَسِيرِ إِلَى ذَات أطلاح يعْرفُونَ أَهلهَا الطَّرِيق المرشد إِلَى الصّلاح فَسَارُوا حَتَّى انْتَهوا إِلَيْهَا حسب الْأَمر فوجدوا بهَا جمعا يطأون من غيهم على الْجَمْر فدعوهم إِلَى الْإِسْلَام فَأَبَوا وانتقلوا من الْمقَال إِلَى الْقِتَال وَصبُّوا فبرز الْمُسلمُونَ وحملوا وبالغوا فِي قِتَالهمْ حَتَّى قتلوا وَلم يسلم غير وَاحِد ألصقه الْجرْح بالبري ثمَّ تحامل رَاجعا إِلَى الْمَدِينَة مخبرا بِمَا جرى (لله كَعْب وَمن أم العدى مَعَه ... يجنون طلح الردى فِي ذَات أطلاح) (حازوا الشَّهَادَة وانصاعوا إِلَى نزل ... فِي جنَّة الْخلد ذِي روح وَذي رَاح) سَرِيَّة زيد بن حَارِثَة إِلَى مُؤْتَة بِالشَّام سنة ثَمَان من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جُمَادَى الأولى وَعقد لَهُ لِوَاء كم بلغ فِي الدَّاريْنِ سولا وعضده بِجَعْفَر بن أبي طَالب وَعبد الله بن رَوَاحَة وجهز مَعَه ثَلَاثَة آلَاف من الْمُسلمين الَّذين يشْكر الدّين لكل مِنْهُم غدوه ورواحه وَأمرهمْ

بِالدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَام وقتال من لم يطع بعد الْإِنْذَار والإعلام وأكد عَلَيْهِم الْوَصِيَّة وَخرج مشيعا لَهُم إِلَى الثَّنية وَسَار الْمُسلمُونَ حَتَّى نزلُوا بمعان ثمَّ مضوا إِلَى مُؤْتَة قَرْيَة من البلقاء بمَكَان وَكَانَ بَلغهُمْ أَن هِرقل قد دنا مِنْهُم واقترب وَظهر فِي جَيش يزِيد على مائَة ألف من الرّوم وَالْعرب فتوقفوا ونكلوا ثمَّ تقدمُوا وتوكلوا وجاءهم مَا لَا قبل بِهِ لأحد من الكراع وَالْمَتَاع وَالْعدَد وَالْعدَد والتقى الْفَرِيقَانِ وَاخْتلف الطريقان وحمي الْوَطِيس وبرز حَتَّى الراهب والقسيس وَاشْتَدَّ الْأَمر ووطىء الْمُسلمُونَ على الْجَمْر وَأطلق الْعَدو سيوفه ورماحه وَقتل زيد وجعفر وَعبد الله بن رَوَاحَة ثمَّ انحاز النَّاس مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد يتبعهُم الْعَدو المخذول فَمضى من فَازَ بالرضى وَتَلَقَّتْهُ الْمَلَائِكَة بِالْقبُولِ وَفِي أَصْحَاب مُؤْتَة يَقُول حسان بن ثَابت من أَبْيَات (فَلَا يبعدن الله قَتْلَى تواردوا ... بمؤتة مِنْهُم ذُو الجناحين جَعْفَر)

(وَزيد وَعبد الله حِين تتابعوا ... جَمِيعًا وَأَسْبَاب الْمنية تخطر) (وَكُنَّا نرى فِي جَعْفَر من مُحَمَّد ... وَفَاء وحزما حازما حِين يَأْمر) (وَمَا زَالَ فِي الْإِسْلَام من آل هَاشم ... دعائم عز لَا يزلن ومفخر) وَفِيهِمْ يَقُول كَعْب بن مَالك من أَبْيَات (واعتادني حزن فَبت كأنني ... ببنات نعش والسماك مُوكل) (فِي لَيْلَة وَردت على همومها ... طورا أجن وَتارَة أتململ) (وجدا على النَّفر الَّذين تتابعوا ... يَوْمًا بمؤتة أسندوا لم ينقلوا) (صلى الْإِلَه عَلَيْهِم من فتية ... وَسَقَى عظامهم الْغَمَام المسبل)

سرية عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل سنة ثمان من الهجرة

سَرِيَّة عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى ذَات السلَاسِل سنة ثَمَان من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جُمَادَى الْآخِرَة وَعقد لَهُ لِوَاء يَعْلُو على النُّجُوم الزاهرة وجهزه فِي ثَلَاثمِائَة من سراة الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فَمضى إِلَى ذَات السلَاسِل يسري اللَّيْل ويكمن النَّهَار فَلَمَّا قرب من الْقَوْم وَسمع بِجَمْعِهِمْ الوافر سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يمده بفرقة من العساكر فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله عِنْد وُرُود الْخَبَر وأمده بِأبي عُبَيْدَة بن الْجراح فِي مِائَتَيْنِ مِنْهُم أَبُو بكر وَعمر فَاجْتمعُوا على الرَّأْي السديد وَسَارُوا يرهبون الْعَدو باللباس الشَّديد حَتَّى وطأوا أَرض بني عدوة وَغَيرهمَا من تِلْكَ الْبِلَاد وقهروا من بِنَاحِيَة وَادي الْقرى من أهل الشّرك والعناد ثمَّ قَفَلُوا إِلَى الْمَدِينَة سَالِمين وَرَجَعُوا قائلين إِن الْحَمد لله رب الْعَالمين (أَلا قدس الرَّحْمَن سر سَرِيَّة ... سوابحهم عامت بِذَات السلَاسِل) (ميامين كم فلوا خميسا وَكم حموا ... طرافا بأطراف القنا والمناصل)

سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى سيف البحر سنة ثمان من الهجرة

سَرِيَّة أبي عُبَيْدَة بن الْجراح إِلَى سيف الْبَحْر سنة ثَمَان من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شهر رَجَب وَأمره بالذهاب إِلَى من يَأْتِي ذكره من قبائل الْعَرَب وجهزه فِي ثَلَاثمِائَة من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فيهم عمر فَسَارُوا إِلَى حَيّ من جُهَيْنَة بالقبلية ممتثلين لما أَمر وأصابهم فِي الطَّرِيق جوع شَدِيد فَأَكَلُوا الْخبط معتاضين بِهِ عَن الثَّرِيد ثمَّ استقام لَهُم الْأَمر من بعد وأكلوا الْجَزُور الَّتِي نحرها لأجلهم قيس بن سعد وَألقى الْبَحْر إِلَيْهِم حوتا فاتخذوه لعظمه فِي تِلْكَ الْمدَّة قوتا ثمَّ انصرفوا من غير مَا كيد فائزين من الْبر وَالْبَحْر بالصيد (لله در عِصَابَة مَيْمُونَة ... فِي سيرهم نَحْو العدى أكلُوا الْخبط) (صَبَرُوا على جهد الْجِهَاد وَصَابِرُوا ... حبا لمن بِالْقِسْطِ جَاءَ وَمَا قسط) (صلى عَلَيْهِ الله تترا مَا علا ... نجم إِلَى وسط السَّمَاء وَمَا هَبَط)

سرية أبي قتادة الأنصاري إلى خضرة من نجد سنة ثمان من الهجرة

سَرِيَّة أبي قَتَادَة الْأنْصَارِيّ إِلَى خضرَة من نجد سنة ثَمَان من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شعْبَان وجهز مَعَه خَمْسَة عشر رجلا من أَصْحَابه إِلَى غطفان وَأمره أَن يسير إِلَيْهِم وَعَلَيْهِم يُغير فَمضى ممتثلا الْأَمر مجدا فِي الْمسير حَتَّى هجم بِمن مَعَه على حَاضر لَهُم عَظِيم وَأَحَاطُوا بهم إحاطة الزعماء الغارمين بالغريم وظفروا بِالسَّبْيِ الْكثير وَاسْتَاقُوا ألفي شَاة ومائتي بعير وَقتلُوا من ناوشهم وكلموا من كَلمهمْ أَو ناقشهم ثمَّ جمعُوا مَا حصل لَهُم من الْغَنَائِم فأخرجوا الْخمس وأدخلوا مَا بَقِي فِي المقاسم ثمَّ انصرفوا بالإنعام والأنعام وَكَانَت غيبتهم اثْنَا عشر يَوْمًا وَثَلَاثَة أَيَّام (سَار الصَّحَابَة نَحْو نجد للعدى ... وَأَبُو قَتَادَة فِي الْمسير أَمِير) (يَا جَار سل غطفان مَاذَا عاينوا ... من وَقع أسياف لَهُنَّ صرير) (إِن الَّذين عَن الْهِدَايَة أَعرضُوا ... فِي كل وَاقعَة لَهُم تدمير)

سرية أبي قتادة الأنصاري إلى بطن إضم سنة ثمان من الهجرة

سَرِيَّة أبي قَتَادَة الْأنْصَارِيّ إِلَى بطن إضم سنة ثَمَان من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أول رَمَضَان إِلَى بطن إضم وجهز مَعَه ثَمَانِيَة من أَصْحَابه المنيرة بهم حنادس الظُّلم وَذَلِكَ حِين هم بغزو أهل مَكَّة وعزم أَن يلقاهم بالأبطال وَالْخَيْل والشكة ليظن أَنه مُتَوَجّه إِلَى تِلْكَ النَّاحِيَة ويصل الْخَبَر بِهَذِهِ التورية إِلَى ذَوي الْعُقُول الْوَاهِيَة فَمَضَوْا إِلَى الْجِهَة الْمَذْكُورَة وَلم يلْقوا أحدا من الْفرق المأزورة فانصرفوا رَاجِعين وانقلبوا سَامِعين لِلْأَمْرِ طائعين (سَار أَبُو قَتَادَة ممتثلا ... أوَامِر الْهَادِي إِلَى بطن إضم) (فِي فتية فاتوا مُرِيد سبقهمْ ... أَصْحَاب خير الْعَرَب طرا والعجم) (صلى عَلَيْهِ الله مَا دَامَ على ... أنف شمام عاكف من الشمم)

غزوة أهل مكة وأمر الفتح سنة ثمان من الهجرة

غَزْوَة أهل مَكَّة وَأمر الْفَتْح سنة ثَمَان من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعشر خلون من شهر الصّيام عَازِمًا على الْجِهَاد فِي سَبِيل المنزه عَن السّنة والمنام واستخلف عبد الله بن أم مَكْتُوم وأبدل الْمَنْطُوق إخفاء لِلْأَمْرِ بِالْمَفْهُومِ واستنفر أهل الْحَرْب وَالْحَرب وَاسْتظْهر بِمن حوله من قبائل الْعَرَب ثمَّ سَار فِي عشرَة آلَاف مقَاتل ليَطَأ المخادع من قُرَيْش والمخاتل حَيْثُ تعدوا رسم الْحُدُود وَنَقَضُوا مَا بَينه وَبينهمْ من العهود وسلوا سيف النكث من غمده وحاربوا خُزَاعَة الداخلين فِي عقده على أَنهم ندموا فَلم يَنْفَعهُمْ النَّدَم وَقدم أَبُو سُفْيَان لتجديد عَهدهم فَرجع قَائِلا يَا زلَّة الْقدَم وَمضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين للصائمين رخصَة الْفطر فِي السّفر وَعلم فَلَمَّا انْتهى إِلَى قديد حقق الْوَسَائِل وَدفع الألوية والرايات إِلَى الْقَبَائِل وَاسْتمرّ حَتَّى نزل بمر الظهْرَان وَأمر الْجَيْش تِلْكَ اللَّيْلَة بإيقاد النيرَان فَلَمَّا قَارب مَكَّة تقدمه عَمه الْعَبَّاس فلقي أَبَا سُفْيَان يتحسب أَخْبَار

النَّاس فجَاء بِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ بديل بن وَرْقَاء وَحَكِيم بن حزَام فأسلموا بَين يَدَيْهِ وفازوا بالجود الْمَوْجُود لَدَيْهِ ثمَّ انْطلق بِأبي سُفْيَان إِلَى مضيق الْوَادي فَرَأى من جنود الله مَا يعجز عَن حصره الْحَاضِر والبادي وَدخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كتيبته الَّتِي أنارت بخضرتها الْأَبْصَار وَهُوَ على نَاقَته الْقَصْوَاء تحدق بِهِ الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار فَلَمَّا انْتهى إِلَى ذِي طوى وقف متواضعا لرَبه وَعين لكل ذِي راية جِهَة يدْخل مِنْهَا بصحبه ثمَّ ذهب حَتَّى نزل بِأَعْلَاهَا وَاسْتقر مبتهجا بِالنعَم الَّتِي حازها وحواها وَفتح مَكَّة على أصح الْقَوْلَيْنِ صلحا وَنهى جُنُوده عَن الْقِتَال عفوا وصفحا وَلما اطْمَأَن النَّاس طَاف بِالْبَيْتِ سبعا واستلم الْحجر وَدخل الْكَعْبَة وَصلى فِيهَا وَأمر بطمس مَا كَانَ بهَا من الصُّور وَكَانَ حولهَا أصنام مشدودة بالرصاص فَجعل يُشِير إِلَيْهَا وَهِي تسْقط حَيْثُ لات حِين مناص وَقَامَ على بَابهَا فَوحد الله وَقَرَأَ شَيْئا من الْقُرْآن وَأذن لِبلَال أَن يعلن على ظهرهَا بِالْأَذَانِ وَقصر الصَّلَاة مُدَّة إِقَامَته فِيهَا وَبعث السَّرَايَا إِلَى أَمَاكِن من نَوَاحِيهَا وَمكث يسدد الْأُمُور ويقرر الْأَحْوَال إِلَى أَن خرج مِنْهَا إِلَى حنين فِي أَوَائِل شَوَّال

وَفِي هَذِه الْغَزْوَة يَقُول الْعَبَّاس بن مرداس من أَبْيَات (منا بِمَكَّة يَوْم فتح مُحَمَّد ... ألف تسيل بِهِ البطاح مُسَوَّم) (نصروا الرَّسُول وشاهدوا أَيَّامه ... وشعارهم يَوْم اللِّقَاء مقدم) (فِي منزل ثبتَتْ بِهِ أَقْدَامهم ... ضنك كَأَن الْهَام فِيهِ الحنتم) (جرت سنابكها بِنَجْد قبلهَا ... حَتَّى استقاد لَهَا الحجار الأدهم) وفيهَا يَقُول من أَبْيَات (بِمَكَّة إِذْ جِئْنَا كَأَن لواءنا ... عِقَاب أَرَادَت بعد تحليقها خطفا) (على شخص الْأَبْصَار تحسب بَينهَا ... إِذا هِيَ جالت فِي مراودها عرفا) (غَدَاة وطئنا الْمُشْركين فَلم نجد ... لأمر رَسُول الله عدلا وَلَا صرفا) (ببيض تثير الْهَام من مستقرها ... وتقطف أَعْنَاق الكماة بهَا قطفا)

وفيهَا يَقُول من أَبْيَات (يَا خير من ركب الْمطِي وَمن مَشى ... فَوق التُّرَاب إِذا تعد الْأَنْفس) إِنَّا وَفينَا بِالَّذِي عاهدتنا ... وَالْخَيْل تقدع بالكماة وتضرس) حَتَّى صبحنا أهل مَكَّة فيلقا ... شهبا يقدمهَا الْهمام الأشوس) من كل أغلب من سليم فَوْقه ... بَيْضَاء محكمَة الدخال وقونس) يغشى الكتيبة معلما وبكفه ... عضب يقد بِهِ ولدن مدعس) وفيهَا يَقُول بجير بن زُهَيْر بن أبي سلمى من أَبْيَات (ضربناهم بِمَكَّة يَوْم فتح النَّبِي ... الْبر بالبيض الحفاف) وأبنا غَانِمِينَ بِنَا اشتهينا ... وآبوا نادمين على الْخلاف)

سرية خالد بن الوليد إلى العزى سنة ثمان من الهجرة

(وأعطينا رَسُول الله منا ... مواثقنا على حسن التصافي) وفيهَا يَقُول فضَالة بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ (قَالَت هَلُمَّ إِلَى الحَدِيث فَقلت لَا ... يَأْبَى عَلَيْك الله وَالْإِسْلَام) لَو كنت جِئْت مُحَمَّدًا وقبيله ... بِالْفَتْح يَوْم تكسر الْأَصْنَام) لرأيت دين الله أضحى بَيْننَا ... والشرك يغشى وَجهه الإظلام) سَرِيَّة خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى الْعُزَّى سنة ثَمَان من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الْفَتْح فِي رَمَضَان وَمَعَهُ ثَلَاثُونَ فَارِسًا يضيء بشمسهم وقمرهم الملوان فَخرج إِلَى نَخْلَة لهدم الْعُزَّى ولعمري لقد لَقِي بهدمها شرفا وَعزا وَكَانَت من أعظم أصنام كنَانَة وَكَانَ لبني شَيبَان من سليم عَلَيْهَا السدَانَة

سرية عمرو بن العاص إلى سواع سنة ثمان من الهجرة

فَلَمَّا هدمها وَرجع أَمر بِالْعودِ إِلَيْهَا فَأَتَاهَا مرّة ثَانِيَة وَهُوَ متغيظ عَلَيْهَا فَخرجت إِلَيْهِ امْرَأَة عُرْيَانَة سَوْدَاء ثائرة الرَّأْس غضبانة فجزلها بِسَيْفِهِ الْمعد للجلاد ويئست بعد ذَلِك أَن تعبد بِتِلْكَ الْبِلَاد وَفِي سير خَالِد إِلَيْهَا يَقُول سادنها السلمى (فيا عز شدى شدَّة لَا شوى لَهَا ... على خَالِد ألْقى القناع وشمري) (وَيَا عز إِن لم تقتلي الْمَرْء خَالِدا ... فبوئي بإثم عَاجل أَو تنصري) سَرِيَّة عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى سواع سنة ثَمَان من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشَّهْر الْمَذْكُور وَمَعَهُ نفر من ذَوي القَوْل المبرور وَالسَّعْي المشكور فَسَار لهدم صنم هُذَيْل الْمَعْرُوف بسواع فَلَمَّا انْتهى إِلَيْهِ وثب عَلَيْهِ وثوب غضنفر شُجَاع فحذره السادن وخوفه سطوة السَّاكِن فَلم يلْتَفت إِلَى كَلَامه وَفسخ بالمعاول عقد نظامه وَسَاقه فِي جملَة الخراب ثمَّ رَجَعَ بعد أَن ألصقه بِالتُّرَابِ

سرية سعد بن زيد الأشهلي إلى مناة سنة ثمان من الهجرة

(إِن أَنْت جِئْت إِلَى هُذَيْل قل لَهُم ... يَا وَيْح شخص للحجارة راكن) (أضحى سواع بالمعاول داثرا ... خربا وَلم يَنْفَعهُ ود السادن) سَرِيَّة سعد بن زيد الأشْهَلِي إِلَى مَنَاة سنة ثَمَان من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشَّهْر الْمشَار إِلَيْهِ وجهز مَعَه عشْرين فَارِسًا يتبعونه فِيمَا يقدم عَلَيْهِ فَسَار بهم إِلَى مَنَاة بالمشلل وَهِي صنم كَانَت تعبد فِي غَسَّان وَغَيرهم وتبجل فَلَمَّا وصل إِلَيْهَا خرجت إِلَيْهِ امْرَأَة ثائرة الراس سَوْدَاء اللَّوْن عَارِية اللبَاس تَدْعُو بالثبور وَالْوَيْل وتميل على ضرب صدرها كل الْميل فَقَتلهَا قتلة من عرف وَمَا انحرف وَكسر الصَّنَم وَهدم الْبَيْت ثمَّ انْصَرف (منيت مَنَاة بضربة شقيت بهَا ... من كف سعد نجل زيد الأشْهَلِي) (غَسَّان مَه ظَهرت لكم شمس الْهدى ... من أفق أَصْحَاب النَّبِي الْمُرْسل)

سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة سنة ثمان من الهجرة

سَرِيَّة خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى بني جذيمة سنة ثَمَان من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شَوَّال وجهز فِي ثَلَاث مائَة وَخمسين يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَام من غير قتال فَسَار إِلَى بني جذيمة بِنَاحِيَة يَلَمْلَم وَمضى مُصْلِتًا سيف عزمه الَّذِي لَا ينبو وَلَا يتثلم فَلَمَّا انْتهى إِلَيْهِم أقرُّوا بِالْإِسْلَامِ وَذكروا أَنهم أَقَامُوا الصَّلَاة وآمنوا بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْكر مِنْهُم إِطْلَاق السيوف واعتقال الرماح وَلم يقبل مَا اعتذروا بِهِ من خوف الْعَدو فِي حمل السِّلَاح بل أَمرهم بِقَتْلِهِم بعد قبضهم فَقتل بَعضهم وَفك أسر بَعضهم فَلَمَّا بلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا وَقع برىء إِلَى الله مِمَّا فعل خَالِد وصنع وَبعث عليا فودى قتلاهم وَأَمْوَالهمْ ثمَّ انْصَرف بعد أَن أرضاهم وَأصْلح أَحْوَالهم وَفِي هَذِه السّريَّة يَقُول أحد بني جذيمة من أَبْيَات (وَلَوْلَا مقَال الْقَوْم للْقَوْم أَسْلمُوا ... للاقت سليم بعد ذَلِك ناطحا)

غزوة حنين سنة ثمان من الهجرة

(فكائن ترى يَوْم الغميصاء من فَتى ... أُصِيب وَلم يجرج وَقد كَانَ جارحا) فَأَجَابَهُ الْعَبَّاس بن مرداس من أَبْيَات (فَخَالِد أولى بالتعدد مِنْكُم ... غَدَاة علا نهجا من الْأَمر وَاضحا) (معانا بِإِذن الله يزجي إِلَيْكُم ... سوانح لَا تكبو لَهُ وبوارحا) غَزْوَة حنين سنة ثَمَان من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَكَّة لست خلون من شَوَّال عَازِمًا على حَرْب هوَازن الَّذين طغوا وبغوا بِكَثْرَة الْأَصْحَاب وَالْأَمْوَال حَيْثُ حسدوا وحشدوا وحفدوا فِي الْمسير إِلَيْهِ وحقدوا وَخَرجُوا فِي ثَقِيف وَبني سعد بأولادهم وَنِسَائِهِمْ وَاسْتَاقُوا مَعَهم لنفع الْمُسلمين سَائِر نعمهم وشائهم وَاتَّفَقُوا بعد أَن أوعبوا على الإجتماع بأوطاس وَكَانَ قائدهم مَالك بن عَوْف الوسواس الخناس وَسَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي اثنى عشر ألفا من مَكَّة وَالْمَدينَة وَمضى دَاعيا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وناصرا شَرعه وَدينه حَتَّى انْتهى إِلَى وَادي حنين فِي اللَّيْل وَقدم

خَالِد بن الْوَلِيد فِي بني سليم بِالْخَيْلِ وصف العساكر والجنود وَدفع إِلَى أَصْحَابه الألوية والبنود وَعمد مَالك إِلَى أَصْحَابه فَجَمعهُمْ لَيْلًا بالوادي وَأجْمع رَأْيه على أَن يكون جَيْشه عِنْد الْمُلْتَقى هُوَ البادي فَلَمَّا برزت كتائب مُقَدّمَة الْمُسلمين إِلَى الطَّرِيق حمل الْمُشْركُونَ عَلَيْهِم قبل أَن يخرجُوا من الْمضيق فَانْكَشَفَتْ خيل بني سليم مولية وتبعتهم خيل النَّاس فِي غبش الصُّبْح مصلية وَثَبت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نفر من أهل بَيته وَأَصْحَابه الْغرَر مِنْهُم الْعَبَّاس وَابْنه الْفضل وَعلي وَأَبُو بكر وَعمر ثمَّ تراجع الْمُسلمُونَ وحملوا على الْكفَّار فطردوهم وشردوهم بِإِذن الْعَزِيز الْغفار وَأَصَابُوا الْغَرَض مِنْهُم سَرِيعا وقتلوهم حتفا عَلَيْهِم قتلا ذريعا وأمدوا بِالْمَلَائِكَةِ وأيدوا بالنصر وحصلوا من الْغَنَائِم مَا لَا يكَاد يبلغهُ الْحصْر وَانْهَزَمَ الْمُشْركُونَ مَا بَين جريح وخائف وَتَفَرَّقُوا بأوطاس ونخلة والطائف وَأمر النَّاس بطلبهم فَخَرجُوا يتبعُون جِهَات هَرَبهمْ فأدركوا وأهلكوا وغنموا وأسروا وكسروا حاكمين بِمَا علمُوا وَسَاقُوا إِلَى الْجِعِرَّانَة مَا أَصَابُوا من السَّبي والغنائم وأشرقت بِنور ظفرهم وتأييدهم تِلْكَ الْمعَاهد والمعالم

ثمَّ سَارُوا إِلَى الطَّائِف ينثال الْخَيْر عَلَيْهِم ويتوالى وَسَيَأْتِي ذكر مَسِيرهمْ مفصلا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَفِي هَذِه الْغَزْوَة يَقُول الْعَبَّاس بن مرداس من أَبْيَات (وَلنَا على بئري حنين موكب ... دفع النِّفَاق وهضبة مَا تقلع) (ذدنا عدا تئد هوَازن بالقنا ... وَالْخَيْل يغمرها عجاج يسطع) (فِي كل سابغة تخير سردها ... دَاوُد إِذْ نسج الْحَدِيد وَتبع) (نصر النَّبِي بِنَا وَكُنَّا معشرا ... فِي كل نائبة نضر وننفع) (فزنا برايته وأورث عقده ... مجد الْحَيَاة وسؤددا لَا ينْزع) وفيهَا يَقُول من أَبْيَات (وَيَوْم حنين حِين سَارَتْ هوَازن ... إِلَيْنَا وَضَاقَتْ بالنفوس الأضالع)

(ضربنا مَعَ الضَّحَّاك لَا يستفزنا ... قراع الأعادي مِنْهُم والوقائع) (أَمَام رَسُول الله يخْفق فَوْقنَا ... لِوَاء كخذروف السحابة قَاطع) وفيهَا يَقُول من أَبْيَات (وَنحن يَوْم حنين كَانَ مشهدنا ... للدّين عزا وَعند الله مدخر) (إِذْ نركب الْمَوْت مخضرا بطائنه ... وَالْخَيْل ينجاب عَنْهَا سَاطِع كدر) (فِي مأزق من مجر الْحَرْب كلكلها ... تكَاد تأفل فِيهِ الشَّمْس وَالْقَمَر) (وَقد صَبرنَا بأوطاس أسنتنا ... لله ينصر من شِئْنَا وننتصر) وفيهَا يَقُول من أَبْيَات (سمونا لَهَا ورد القطا زفة الضُّحَى ... وكل ترَاهُ عَن أَخِيه قد أحجما) (لذِي غدْوَة حَتَّى تركنَا عَشِيَّة ... حنينا وَقد سَالَتْ دوامعه دَمًا)

سرية الطفيل بن عمرو الدوسي إلى ذي الكفين سنة ثمان من الهجرة

(وَقد أحرزت منا هوَازن سربها ... وَحب إِلَيْهَا أَن نجيب ونحرما) وفيهَا يَقُول من أَبْيَات (وعَلى حنين قد وفى من جَمعنَا ... ألف أمد بِهِ الرَّسُول عرندس) (كَانُوا أَمَام الْمُسلمين ذُرِّيَّة ... وَالشَّمْس يَوْمئِذٍ عَلَيْهِم أشمس) (نمضي ويحرسنا الْإِلَه بحفظه ... وَالله لَيْسَ بضائع من يحرس) سَرِيَّة الطُّفَيْل بن عَمْرو الدوسي إِلَى ذِي الْكَفَّيْنِ سنة ثَمَان من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شَوَّال من وَادي حنين وَأمره بِالْمَسِيرِ إِلَى قومه وَالْقِيَام بهدم ذِي الْكَفَّيْنِ وَهُوَ صنم كَانَ لعَمْرو بن حممة وَكَانَ يلوذ بِهِ فِي دوس أهل الحطمة وَأَن يستمد قومه ويأتيه إِلَى الطَّائِف بالحومة فَخرج سَرِيعا وَمضى سَامِعًا مُطيعًا فهدم الصَّنَم وَحَرقه وشتت شَمل أَصْحَابه وفرقه وَقدم إِلَيْهِ بدبابة ومنجنيق وَصَحب مَعَه أَرْبَعمِائَة من

غزوة الطائف وقسم غنائم حنين وعمرة الجعرانة سنة ثمان من الهجرة

ذَوي الْإِيمَان والتصديق وَهُوَ الْقَائِل (يَا ذَا الْكَفَّيْنِ لست من عبادكا ... ) (ميلادنا أقدم من ميلادكا ... ) (إِنِّي حششت النَّار فِي فؤادكا ... ) غَزْوَة الطَّائِف وَقسم غَنَائِم حنين وَعمرَة الْجِعِرَّانَة سنة ثَمَان من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حنين فِي الشَّهْر الْمَذْكُور طَالبا غَزْو ثَقِيف فِي جَيْشه الْمُؤَيد وَعَسْكَره الْمَنْصُور وَجعل على مقدمته خَالِد بن الْوَلِيد وانبعث إِلَى جِهَة قَصده محروسا بِعَين الْبَاعِث الشَّهِيد وَمضى إِلَى أَن نزل قَرِيبا من حصن الطَّائِف فَإِذا هم قد تستروا بِمَا يمنعهُم من الرَّامِي والقاذف فنصب عَلَيْهِم المنجنيق واحتال الْمُسلمُونَ على أَخذهم بِكُل طَرِيق وحاصروهم تِسْعَة أَيَّام وَمثلهَا وَأَرْسلُوا لَهُم من القسي الْعَرَبيَّة نبلها وَقَطعُوا أثمارهم وحرقوا أَشْجَارهم وَاسْتمرّ الْمُشْركُونَ على ضلالهم وَأَرْسلُوا جمَاعَة من المسلحين بنبالهم واجتهدوا فِي التحصين والقتال وَلَكِن خرج من حصنهمْ بضعَة عشر من الرِّجَال وَلم يُؤذن للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي فَتحه فَأمر كل من النَّاس بِوَضْع سَيْفه وَرمحه ثمَّ رَحل إِلَى الْجِعِرَّانَة للنَّظَر فِي مَغَانِم حنين وَقسم مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من

السَّبي وَالنعَم واللجين فَلَمَّا اسْتَقر بهَا قدمت عَلَيْهِ من هوَازن فرقة وَذكروا لَهُ مَا أَصَابَهُم من جهد الْبلَاء وألم الْفرْقَة وسألوه أَن يمن عَلَيْهِم وَأَن يتَجَاوَز عَنْهُم وَيحسن إِلَيْهِم فَأجَاب سُؤَالهمْ وحقق رجاءهم وَأطلق لَهُم بعد أَن خَيرهمْ أَبْنَاءَهُم ونساءهم وَلحق بِهِ قائدهم مَالك بن عَوْف متمسكا بِحَبل بره المبرم فَأكْرمه وَاسْتَعْملهُ على قومه بعد أَن أسلم ثمَّ قسم الْأَمْوَال بَين الْمُجَاهدين وغمر بإنعامه الصادرين والواردين وَأعْطى كل وَاحِد من أَشْرَاف الْقَوْم مائَة بعير وَخص جِهَة الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم بِالْفَضْلِ الْكَبِير لكنه لم يُعْط الْأَنْصَار شَيْئا من الْغَنِيمَة فوجدوا فِي نُفُوسهم وجد ذَوي الْعُقُول السليمة فَدَعَاهُمْ سالكا فِي التلطف بهم مَسْلَك الإعتذار وضاعف رفعتهم بقوله (لَوْلَا الْهِجْرَة لَكُنْت امْرَءًا من الْأَنْصَار) وَكَانَ السَّبي ثَلَاثَة آلَاف نسمَة وضعفها وَكَانَت الْإِبِل وَالْغنم أَرْبَعِينَ ألفا وَنِصْفهَا إِلَى غير ذَلِك من الْفضة وَالْمَتَاع والأسلحة الَّتِي لَا يُبَاع مثلهَا وَلَا يصاع وَلما فرغ من ذَلِك خرج فِي ذِي الْقعدَة إِلَى الْعمرَة واستخلف عتاب بن أسيد على مَكَّة متكلما فِي الإمرة وَترك مَعَه معَاذ بن جبل يفقه النَّاس فِي الدّين ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة بِأَصْحَابِهِ سَالِمين غَانِمِينَ وَفِي هَذِه الْغَزْوَة يَقُول بجير بن زُهَيْر بن أبي سلمى من أَبْيَات (وَلَقَد تعرضنا لكيما يخرجُوا ... فَتَحَصَّنُوا منا بِبَاب مغلق)

(ترتد حسرانا إِلَى رجراجة ... شهباء تلمع كالمنايا فيلق) (ملمومة خضراء لَو قذفوا بهَا ... حضنا لظل كَأَنَّهُ لم يخلق) وفيهَا يَقُول مَالك بن عَوْف حِين أسلم (مَا إِن رَأَيْت وَلَا سَمِعت بِمثلِهِ ... فِي النَّاس كلهم بِمثل مُحَمَّد) (أوفى وَأعْطى للجزيل إِذا اجتدي ... وَمَتى تشأ يُخْبِرك عَمَّا فِي غَد) (وَإِذا الكتيبة غردت أنيابها ... بالسمهري وَضرب كل مهند) (فَكَأَنَّهُ لَيْث على أشباله ... وسط المباءة خادر فِي مرصد)

سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم سنة تسع من الهجرة

وَفِي أَثَرهَا يَقُول كَعْب بن زُهَيْر بن أبي سلمى فِي كَلمته بَانَتْ سعاد حِين أسلم (نبئت أَن رَسُول الله أوعدني ... وَالْعَفو عِنْد رَسُول الله مَقْبُول) (مهلا هداك الَّذِي أَعْطَاك نَافِلَة ... الْقُرْآن فِيهِ مواعيظ وتفصيل) (لَا تأخذني بأقوال الوشاة وَلم ... أذْنب وَلَو كثرت فِي الْأَقَاوِيل) (إِن الرَّسُول لنُور يستضاء بِهِ ... مهند من سيوف الله مسلول) سَرِيَّة عُيَيْنَة بن حصن الْفَزارِيّ إِلَى بني تَمِيم سنة تسع من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شهر الْمحرم وجهزه فِي خمسين فَارِسًا يعرب عَنْهُم لِسَان الْفضل وَيتَكَلَّم وَأمرهمْ بِالْمَسِيرِ إِلَى بني تَمِيم فَسَارُوا لَا يلوون على صديق وَلَا حميم حَتَّى هجموا عَلَيْهِم فِي صحراء قريبَة من أَرضهم فَلَمَّا رَأَوْهُمْ خَرجُوا يَشْتَدُّونَ فِي سَعْيهمْ وركضهم فَأخذُوا مِنْهُم أحد عشر أَسِيرًا وَسبوا إِحْدَى عشر امْرَأَة وَثَلَاثِينَ صَغِيرا

سرية قطبة بن عامر إلى خثعم سنة تسع من الهجرة

ثمَّ إِن الْأَقْرَع بن حَابِس وعدة من كبارهم قدمُوا على الرَّسُول وسألوه فِي أَمر أولائك الضباب والحسول فَأطلق لَهُم السَّبي والأسرى وَمن عَلَيْهِم كَمَا من على غَيرهم إحسانا وجبرا وَمن ذَلِك يَقُول الفرزدق من أَبْيَات (وَعند رَسُول الله قَامَ ابْن حَابِس ... بخطة إسوار إِلَى الْمجد حَازِم) (لَهُ أطلق الأسرى الَّتِي فِي حباله ... مغللة أعناقها فِي الشكائم) سَرِيَّة قُطْبَة بن عَامر إِلَى خثعم سنة تسع من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صفر وجهزه فِي عشْرين من الْمُؤمنِينَ بِالْقضَاءِ وَالْقدر وَأمرهمْ بالمضي إِلَى خثعم وَأَن يقتلوهم بذباب المخذم وطرف اللهذم

سرية الضحاك بن سفيان الكلابي إلى القرطاء سنة تسع من الهجرة

فَسَارُوا حَتَّى أَتَوا حَيا من أحيائهم وَأَحَاطُوا بهم عاملين على سبي نِسَائِهِم وَأَبْنَائِهِمْ فقاتلوهم أَشد الْقِتَال وَنصر الله أهل الْهدى على أهل الضلال فساقوا النعم وجلبوا السَّبي إِلَى طيبَة وتبعهم الْمُشْركُونَ لكِنهمْ منعُوا بالسيل وَرَجَعُوا بالخيبة كَاد العدى أَن يلْحقُوا بذوي الْهدى ... لما مضوا بِالسَّبْيِ والأنعام) (لَكِن مَا قطع الطَّرِيق عَلَيْهِم ... سيل ألم بِأَمْر ذِي الإنعام) سَرِيَّة الضَّحَّاك بن سُفْيَان الْكلابِي إِلَى القرطاء سنة تسع من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي فِي ربيع الأول وخوله من الإمرة على الْجَيْش المجهز مَعَه بِمَا خول وَأمرهمْ بِالْمَسِيرِ إِلَى القرطاء من بني كلاب فَمَضَوْا حَتَّى لقوهم بالزج لَا ستر بَينهم وَلَا حجاب فقاتلوهم وشردوهم وَعَن تِلْكَ المواطن النجدية أبعدوهم ثمَّ انصرفوا آيبين وَرَجَعُوا للأجور لَا للدثور كاسبين

سرية علقمة المدلجي إلى الحبشة سنة تسع من الهجرة

(يمم خلال بني كلاب منجدا ... واسأل عَن القرطاء وَالضَّحَّاك) (يُخْبِرك من شهد الوقيعة أَنه ... جزل العداة بِسَيْفِهِ الفتاك) سَرِيَّة عَلْقَمَة المدلجي إِلَى الْحَبَشَة سنة تسع من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ربيع الآخر وجهزه فِي ثَلَاث مائَة خائضين على الْحَقِيقَة فِي بحره الزاخر وَأمرهمْ بالمضي إِلَى السَّاحِل وَأَن يحاربوا الْمُقِيم من الْأَحَابِيش والراحل وَكَانَ قد بلغه ظُهُورهمْ بجدة وَأَنَّهُمْ تلفعوا بمروط اللَّيْل وتلمعوا بِحمْل الْعدة فَسَارُوا حَتَّى وافوهم فِي بعض الجزائر فخاضوا الْبَحْر إِلَيْهِم مضمرين أَخذهم بالجرائر فَلَمَّا رَأَوْهُمْ هربوا ناكصين على الأعقاب وَرجع الْمُسلمُونَ مَأْجُورِينَ مشكورين على مر السنين والأحقاب (نَحْو الْأَحَابِيش سَار الْمُسلمُونَ إِلَى ... سيف القلمس بالأسياف وَالْعدَد) (لما رَأَوْهُمْ على أَعْقَابهم نكصوا ... خوفًا وشتان بَين الذِّئْب والأسد)

سرية علي بن أبي طالب إلى الفلس سنة تسع من الهجرة

سَرِيَّة عَليّ بن أبي طَالب إِلَى الْفلس سنة تسع من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشَّهْر الْمشَار إِلَيْهِ وجهز مَعَه مائَة وَخمسين من الْأَنْصَار الأخيار لَدَيْهِ فَمضى إِلَى صنم طَيء الشهير بالفلس عَازِمًا على هَدمه وَسَار حَتَّى انْتهى إِلَى محلّة آل حَاتِم مَعَ طُلُوع الْفجْر وغيبة نجمه فهدم بَيت الصَّنَم وظفر بِكَثِير من السَّبي وَالنعَم وهرب إِلَى الشَّام عدي ابْن حَاتِم وَقَامَت فِي الْحَيّ لما جرى سوق المآتم وَكَانَ فِي خزانَة الْفلس ثَلَاثَة أَدْرَاع وَثَلَاثَة أسياف فأضيفت إِلَى الْغَنِيمَة ثمَّ قسمت على الْعدْل والإنصاف (عَليّ سَار للفلس ... بأبطال من الحمس) (لَهُم فِي درس أَعْلَام ... الأعادي أَيّمَا درس) (مضوا حَتَّى أَتَوا بَيْتا ... لأهل الطَّرْد وَالْعَكْس) (فأشقوه وأبقوه ... كَأَن لم يغن بالْأَمْس)

غزوة تبوك سنة تسع من الهجرة

غَزْوَة تَبُوك سنة تسع من الْهِجْرَة ثمَّ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شهر رَجَب وأوعز بِطَلَب أهل مَكَّة واستنفر قبائل الْعَرَب وَندب النَّاس إِلَى الْخُرُوج وحضهم لتوفير حظهم على قتال العلوج وَجَاء البكاؤن وهم سَبْعَة إِلَيْهِ وقصدهم يستحملوه فَقَالَ {لَا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ} وحث على الْإِنْفَاق فِي سَبِيل الله أهل الْغنى فجاد كل من أبي بكر وَعُثْمَان بِمَا مَلأ الْأَيْدِي وَبلغ المنا واستخلف على الْمَدِينَة مُحَمَّد بن مسلمة وأوعت بكتائبه الجرارة وفوارسه المعلمة وَأمر عَليّ بن أبي طَالب أَن يخلفه فِي أَهله فَأَقَامَ عَارِفًا بفرع ذَلِك التَّمْيِيز وَأَصله وَكَانَ بلغه أَن الرّوم تجمعت للمحاربة وَأَن ملكهم هِرقل تهَيَّأ يمحص للمقاتلة والمغالبة وَسَار صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ثَلَاثِينَ ألفا من النَّاس وَكَانَ فِي جَيْشه العرمرم عشرَة آلَاف من الأفراس وَأخذ فِي الإعناق والإيجاف ثمَّ انتقلوا إِلَى الإغذاذ والإعصاف مُقْبِلين على الْجِهَاد فِي سَبِيل مجازيهم ومثيبهم جازمين بِكَسْر أصلاب الْأَعْدَاء وخفض صليبهم حَتَّى قدمُوا إِلَى تَبُوك وَأتوا وكل

سرية خالد بن الوليد إلى دومة الجندل سنة تسع من الهجر

من ثغور الشَّام لمقدمهم ضحوك وَأَقَامُوا بهَا خَمْسَة عشر يَوْمًا وَخَمْسَة أَيَّام وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقصر الصَّلَاة مُدَّة الْمقَام بالأقوام وَفِي هَذِه الْغَزْوَة جَاءَ المعذرون من الْأَعْرَاب وعنها تخلف نَاس بِغَيْر عذر وَلَا عِلّة وناس من غير شكّ وَلَا ارتياب وفيهَا اسْتخْلف أَبَا بكر يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي الْعَسْكَر وَاسْتعْمل عباد بن بشر على حرس جَيْشه الْأَزْهَر وفيهَا أصبح النَّاس وَلَا مَاء مَعَهم فَأرْسل الله بدعائه الْمَطَر وفيهَا ضلت نَاقَته فَأخْبر بمكانها وحبسها بذمامها فِي بعض الشّجر ثمَّ انْصَرف إِلَى الْمَدِينَة فوصلها فِي شهر الصّيام وَهِي آخر غَزْوَة غَزَاهَا بِنَفسِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وفيهَا يَقُول أَبُو خَيْثَمَة لما رَجَعَ إِلَيْهَا بعد تخلفه من أَبْيَات (وَلما رَأَيْت النَّاس فِي الدّين نافقوا ... أتيت الَّتِي كَانَت أعف وأكرما) (وبايعت باليمنى يَدي لمُحَمد ... فَلم أكتسب إِثْمًا وَلم أغش محرما) سَرِيَّة خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى دومة الجندل سنة تسع من الهجر بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بتبوك فِي رَجَب وجهز مَعَه أَرْبَعمِائَة وَعشْرين مسارعين إِلَى مَا عَلَيْهِم وَجب فَسَارُوا إِلَى أكيدر النَّصْرَانِي قَائِد كِنْدَة

وفد ثقيف وهدم اللات سنة تسع من الهجرة

عازمين على أَن يهدموا حصنه ويهلكوا جنده حَتَّى انْتَهوا إِلَيْهِ وَقد خرج من الْحصن فِي لَيْلَة مُقْمِرَة وَهُوَ يطارد بقرًا وحشية كَأَنَّمَا فرت من قسورة فشدت عَلَيْهِ الْخَيل فاستأسر وَقتل أَخُوهُ حسان حَيْثُ امْتنع واستكبر ثمَّ اتّفق الْحَال على فتح الْحصن لخَالِد ومصالحته على كثير من المَال الطارف والتالد فَمن ذَلِك ثَمَان مائَة وألفا بعير فَأخْرج الْخمس وَقسم الْبَاقِي على من مَعَه من أولائك النفير ثمَّ قدم بأكيدر إِلَى الْمُخْتَص بالوسيلة فَضرب عَلَيْهِ الْجِزْيَة وَكتب لَهُ أَمَانًا وَأطلق سَبيله وَفِي هَذِه السّريَّة يَقُول بجير بن بجرة الطَّائِي (تبَارك سائق الْبَقَرَات إِنِّي ... رَأَيْت الله يهدي كل هاد) (فَمن يَك حائدا عَن ذِي تَبُوك ... فَإنَّا قد أمرنَا بِالْجِهَادِ) وَفد ثَقِيف وَهدم اللات سنة تسع من الْهِجْرَة قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفد ثَقِيف حَيْثُ أرشدهم الطَّائِف بِالطَّائِف إِلَى طَاعَة الْخَبِير اللَّطِيف فَبَايعُوهُ على الْإِسْلَام وتابعوه على أَدَاء فرض

وفد بني تميم سنة تسع من الهجرة

الصَّلَاة وَالصِّيَام فقابلهم بالإحتفال والإختصاص وَأمر عَلَيْهِم عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ فَلَمَّا أطلعوا فِي أفق الرُّجُوع إِلَى بِلَادهمْ شُهْبَة بعث مَعَهم أَبَا سُفْيَان ابْن حَرْب والمغيرة بن شُعْبَة وَأَمرهمَا بهدم اللات وَقبض مَا فِي بَيتهَا من الْعين والآلات فَخرج مَعَهم إِلَى الطَّائِف وهدمها الْمُغيرَة غير وَجل وَلَا خَائِف وَأخذ مَا فِيهَا من الْحلِيّ وَالْمَال وَرجع إِلَى الْمَدِينَة ناعم الْعَيْش رُجي البال (ذهب الْمُغيرَة فِي ثَقِيف هادما ... صنم الَّذين تشبهوا بمحال) (والرشد ينشد قَائِلا يَا لات مَه ... ذهب الضلال فلات حِين ضلال) وَفد بني تَمِيم سنة تسع من الْهِجْرَة ثمَّ قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفد بني تَمِيم وَأَقْبلُوا يفخرون بشرف نسبهم الصميم لَا يكترثون بِذِي نباهة وَلَا قدر وَلَا يعدلُونَ أحدا بعطارد بن

حَاجِب والزبرقان بن بدر فَلَمَّا دخلُوا الْمَسْجِد رفعوا الْأَصْوَات وهرعوا ينادون من وَرَاء الحجرات ثمَّ قَامَ عُطَارِد خَطِيبًا وافتخر فِي شعره والزبرقان فأجابهما بِمَا أسكتهما كل وَاحِد من ثَابت بن قيس وَحسان ثمَّ أَسْلمُوا وسلموا وبفضل المجيبين تكلمُوا وَانْصَرفُوا مغمورين ببر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإكرامه مسرورين بِمَا حصل لَهُم من جوائزه السّنيَّة وإنعامه وَمن قَول الزبْرِقَان بن بدر عِنْد قدومه (أَتَيْنَاك حَتَّى يعلم النَّاس فضلنَا ... إِذا احتفلوا عِنْد احتضار المواسم) (بِأَنا فروع النَّاس فِي كل موطن ... وَأَن لَيْسَ فِي أَرض الْحجاز كدارم) (وَأَنا نذود المعلمين إِذا انتخوا ... ونضرب رَأس الأصيد المتفاقم)

وفد عبد القيس سنة تسع من الهجرة

(وَأَن لنا المرباع من كل غَارة ... يقر بِنَجْد أَو بِأَرْض الْأَعَاجِم) فَأَجَابَهُ حسان بن ثَابت من أَبْيَات (نصرنَا وَآوَيْنَا النَّبِي مُحَمَّدًا ... على أنف رَاض من معد وراغم) (منعنَا رَسُول الله إِذْ حل دَارنَا ... بأسيافنا من كل بَاغ وظالم) (وَنحن ضربنا النَّاس حَتَّى تتابعوا ... على دينه بالمرهفات الصوارم) (بني دارم لَا تفخروا إِن فخركم ... يعود وبالا عِنْد ذكر الأكارم) وَفد عبد الْقَيْس سنة تسع من الْهِجْرَة ثمَّ قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفد عبد الْقَيْس مضمرين أَلا يجيبوا دَاعِي الْهدى بكيف وَلَا لَيْسَ وهم صُحْبَة رئيسهم الْجَارُود وَكَانَ فِي دين

وفد بني حنيفة سنة تسع من الهجرة

النَّصْرَانِيَّة صَلِيب الْعود فَلَمَّا وصل الْمَدِينَة وانْتهى إِلَيْهِ رَغْبَة فِي الْإِسْلَام وَعرضه عَلَيْهِ وَدعَاهُ إِلَى الدُّخُول فِي زمرة أمته فَذكر لَهُ الْجَارُود فِرَاق دينه وَطلب مِنْهُ ضَمَان ذمَّته فضمن لَهُ أَن قد هداه الله تَعَالَى مَا هُوَ خير من دينه فَأسلم بِمن مَعَه من أَصْحَابه الواردين عُيُون معينه ثمَّ رَجَعَ بهم إِلَى بِلَادهمْ وَقد ظفروا ببغيهم من الْهِدَايَة ومرادهم (وَفد عبد الْقَيْس يَا بشراكم ... بامتثال الْأَمر من خير الْأَنَام) (قد أعدت جنَّة الْخلد لكم ... وسلمتم فادخلوها بِسَلام) وَفد بني حنيفَة سنة تسع من الْهِجْرَة ثمَّ قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفد بني حنيفَة ونزلوا فِي دَار امْرَأَة من الْأَنْصَار بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة وَكَانَ فيهم مُسَيْلمَة الْكذَّاب الَّذِي لَا شكّ فِي طرده وَعَكسه وَلَا ارتياب ثمَّ انْتَهوا إِلَيْهِ وَأَسْلمُوا على يَدَيْهِ وآمنوا بِمَا جَاءَ بِهِ مِمَّا يقربهُمْ من الله ويزلفهم لَدَيْهِ فَلَمَّا رجعُوا إِلَى الْيَمَامَة تنبأ عَدو الله مُسَيْلمَة بن ثُمَامَة وارتد عَن الْإِسْلَام وأتى من كفره بِمَا تأباه الْقُلُوب وتمجه الأحلام

وفد طيء سنة تسع من الهجرة

وَكَانَ صَاحب نيرنجات موهمة وشجعات كليالي خطة من التَّوْفِيق مظْلمَة أحل لِقَوْمِهِ الزِّنَا وَالْخمر وَوضع عَنْهُم الصَّلَاة مُخَالفا لِلْأَمْرِ وَاسْتمرّ تَابعا شَيْطَانه المريد إِلَى أَن قَتله فِيمَا بعد خَالِد بن الْوَلِيد (ظلام بني حنيفَة عَاد ضوءا ... بِصُحْبَة من أظلته الغمامة) (لقد ذَهَبُوا إِلَى ربح وَولى ... إِلَى الخسران كَذَّاب الْيَمَامَة) وَفد طَيء سنة تسع من الْهِجْرَة ثمَّ قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفد طَيء يطوون البيد ويأوون من حرمه الشريف إِلَى ركن شَدِيد وَكَانَ سيدهم زيد الْخَيل الْمَعْرُوف بإسداء الْمَعْرُوف وبذل النّيل فَلَمَّا وصلوا إِلَيْهِ أَسْلمُوا على يَده الْمُبَارَكَة وأظهروا من حسن الْإِسْلَام مَا لَيْسَ لَهُم فِيهِ مُشَاركَة

وفد كندة سنة تسع من الهجرة

ونوه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذكر زيد وَقطع لَهُ أَرضين مِنْهَا نَاحيَة فيد ثمَّ خرج يهزه الشوق والوجد حَتَّى أَتَى مَاء يُقَال لَهُ فردة بِنَجْد فحط رَحْله مفارقا صَحبه وَأَهله وَرمي هُنَاكَ من الْمنية بِسَهْم مُصِيب وَقيل لَهُ أنْشد يَا زيد وَإِنِّي مُقيم مَا أَقَامَ عسيب وَلما أحس بِالْمَوْتِ قَالَ (أمرتحل قومِي المشارف غدْوَة ... وَأنزل فِي بَيت بفردة منجد) (أَلا رب يَوْم لَو مَرضت لعادني ... عوائد من لم يبر مِنْهُنَّ يجْهد) وَفد كِنْدَة سنة تسع من الْهِجْرَة ثمَّ قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفد كِنْدَة والسعد قد رفع لَهُم علمه وَعقد عَلَيْهِم نبده يؤمهم الْأَشْعَث بن قيس وَيجمع أَمرهم وَكَانُوا ثَمَانِينَ راجين أَن يرفع الله بِالْإِسْلَامِ ذكرهم فَدَخَلُوا الْمَسْجِد وَقد ترجلوا وكحلوا

وفد الأزد سنة تسع من الهجرة

أَعينهم وبالحرير تسربلوا وَأمرهمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَزْع الْحَرِير فَألْقوا مَا كَانَ عَلَيْهِم مِنْهُ طَاعَة للبشير النذير ثمَّ آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله وَبلغ كل مِنْهُم نِهَايَة مطلبه وَغَايَة سوله (قل لِابْنِ قيس وَمن قد جَاءَ يَصْحَبهُ ... من وَفد كِنْدَة أهل الْفَوْز وَالظفر) (أفلحتم إِذْ دَخَلْتُم طائعين إِلَى ... ظلّ الرَّسُول المرجى سيد الْبشر) وَفد الأزد سنة تسع من الْهِجْرَة ثمَّ قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفد الأزد وَفِيهِمْ صرد وَهُوَ الَّذِي سعى فِي تأنيس من نفر مِنْهُم وشرد فَبَايعُوهُ على الْإِسْلَام وَنَقَضُوا حكم الْأَوْثَان والأزلام وَأمر صرد بن عبد الله على من أسلم من أَصْحَابه وَأمره أَن يُجَاهد من يَلِيهِ من أهل الشّرك وأربابه فَسَار حسب الْأَمر إِلَى قبائل الْيمن وأبلى فِي وقْعَة أهل جرش أَي

وفد همدان سنة تسع من الهجرة

بلَاء حسن قَتلهمْ قتلا لم يكن فِيهِ آثِما ثمَّ رَجَعَ بِالْبركَةِ النَّبَوِيَّة سالما غانما (يَا صَاح إِن وافيت وَفد الأزد قل ... مترنما لله دَرك يَا صرد) (أرشدت قَوْمك للهدى وكفيتهم ... شَرّ الردى ورددت مِنْهُم من شرد) وَفد هَمدَان سنة تسع من الْهِجْرَة ثمَّ قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفد هَمدَان مُجْتَمعين على التَّمَسُّك من أهل الْإِيمَان بالأردان وَفِيهِمْ مَالك بن نمط الَّذِي لَا تَحْرِيف فِي أَلْفَاظ بلاغته وَلَا غلط قد لبسوا الحبرات والعمائم العدنية وركبوا برحال على المهرة والأرحبية فَدَخَلُوا عَلَيْهِ راغبين فِي دين الْإِسْلَام وَكتب كتابا يشْهد لَهُم بِحِفْظ الذمام ثمَّ رجعُوا إِلَى دِيَارهمْ وفنائهم وَنور الْإِيمَان يسْعَى بَين أَيْديهم وَمن ورائهم وَفِي ذَلِك يَقُول مَالك بن نمط من أَبْيَات

حجة أبي بكر الصديق رضي الله عنه سنة تسع من الهجرة

(حَلَفت بِرَبّ الراقصات إِلَى منى ... صوادر بالركبان من هضب قردد) (بِأَن رَسُول الله فِينَا مُصدق ... رَسُول أَتَى من عِنْد ذِي الْعَرْش مهتد) (فَمَا حملت من نَاقَة فَوق ظهرهَا ... أَشد على أعدائه من مُحَمَّد) (وَأعْطى إِذا مَا طَالب الْعرف جَاءَهُ ... وأمضى بِحَدّ المشرفي المهند) حجَّة أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ سنة تسع من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمِيرا على الْحَج بِالنَّاسِ وَقد عزم على تَطْهِير الْبَيْت من أهل الشّرك والأدناس وجهز مَعَه عشْرين بَدَنَة قلدها وأشعرها بِيَدِهِ الْكَرِيمَة فَخرج فِي ثَلَاث مائَة رجل من ذَوي الصِّفَات الجميلة وَالْوُجُوه الوسيمة فَلَمَّا كَانَ بالعرج لحقه عَليّ بن أبي طَالب وَهُوَ على الْقَصْوَاء نَاقَة الْمُخْتَار من بني لؤَي بن غَالب ورد لقِرَاءَة بَرَاءَة ونبذ العهود فجمل

سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن سنة عشر من الهجرة

بوروده الْوُفُود بل الْوُجُود فَمَضَوْا سائرين وأدلجوا إِلَى بَيت الله صائرين فحج بِالنَّاسِ أَبُو بكر الصّديق وسلك إِلَى قَضَاء الْمَنَاسِك أحسن الطَّرِيق وَقَرَأَ على بَرَاءَة يَوْم النَّحْر عِنْد الْجَمْرَة ونبذ إِلَى كل ذِي عهد عَهده جاعلا بِيَدِهِ أمره وَقَالَ لَا يحجّ بعد هَذَا الْعَام مُشْرك وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان ثمَّ رجعا قافلين إِلَى حرم سيد السادات والأعيان (لقد ظفر الْحجَّاج فِي عَام تِسْعَة ... لهجرة رب الْعلم وَالْفضل واللسن) (وفازوا بإقبال ويمن وَكَيف لَا ... وَفِيهِمْ أَبُو بكر وَفِيهِمْ أَبُو الْحسن) سَرِيَّة عَليّ بن أبي طَالب إِلَى الْيمن سنة عشر من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شهر التَّرَاوِيح وَعقد لَهُ لِوَاء يخفى بضوء صبحة أنوار المصابيح وعممه بِيَدِهِ الْكَرِيمَة وخصصه ببركته العميمة وجهزه فِي ثَلَاثمِائَة فَارس وَألبسهُ من خَزَائِن الْوَصِيَّة أجمل الملابس فَسَار مُجْتَهدا فِي اتِّبَاع السّنَن وَالسّنَن حَتَّى أَتَى بِلَاد مذْحج من الْيمن فَبَثَّ أَصْحَابه فِيهَا وفرقهم فِي أقطارها ونواحيها فغابوا ثمَّ آبوا

حجة الوداع سنة عشر من الهجرة

وعرضوا عَلَيْهِ مَا من الْغَنَائِم أَصَابُوا ثمَّ لَقِي جمعهم فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَام فَأَبَوا عَلَيْهِ فَقَاتلهُمْ فَانْهَزَمُوا مِنْهُ ثمَّ أجابوه إِلَى مَا دعاهم إِلَيْهِ وَقَالُوا نَحن على من وَرَاءَنَا من الْقَوْم وبذلوا الزَّكَاة وأذعنوا إِلَى الصَّلَاة وَالصَّوْم ثمَّ أَمر بِجمع أَصْنَاف الْغَنَائِم وَضمّهَا فَأخْرج الْخمس وَقسم الْبَاقِي على مُقْتَضى المعدلة وَحكمهَا ثمَّ قفل فَوَافى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِمَكَّة قد قدمهَا لحج بَيت الله الْحَرَام (سَار بِأَمْر النَّبِي محتفلا ... نجل أبي طَالب إِلَى الْيمن) (فَأَنْذر الْقَوْم ثمَّ جاهدهم ... مُجْتَهدا فِي إِقَامَة السّنَن) (فآمنوا طَاعَة لدعوته ... وعرجوا عَن إثارة الْفِتَن) (مهلا بلغت المدى فكم لَك من ... فضل على النَّاس يَا أَبَا الْحسن) حجَّة الْوَدَاع سنة عشر من الْهِجْرَة أجمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْحَج فِي ذِي الْقعدَة وَأعلم الْمُسلمين بحركته الْمُبَارَكَة وعرفهم قَصده وَقدم النَّاس عَلَيْهِ يتمسكون بأذياله ويأتمون بأقواله المرشدة وأفعاله

فَخرج من الْمَدِينَة مغتسلا وَظهر متجردا فِي إِزَار ورداء مترجلا واستخلف عَلَيْهَا أَبَا دُجَانَة وَأخرج نِسَاءَهُ المتحليات بعقود الصيانة والديانة وَصلى الظّهْر بِذِي الحليفة قصرا وَنشر للهدي بإشعاره وتقليده ذكرا ثمَّ ركب نَاقَته وَأحرم من ذَلِك الْيَوْم وَاخْتلفت فِي صفة إهلاله أَقْوَال الْقَوْم وَمضى يقطع الْمنَازل وَيتبع الْعُنُق بِالنَّصِّ على البوازل حَتَّى أَتَى سرف بِمن مَعَه من طيبَة ثمَّ دخل مَكَّة من كداء حَتَّى انْتهى إِلَى بَاب بني شيبَة فَلَمَّا رأى الْبَيْت رفع يَده دَاعيا ثمَّ طَاف بِهِ مضطبعا وَبَين الصَّفَا والمروة ساعيا ثمَّ خرج إِلَى منى يَوْم التَّرويَة وَبَات بهَا مُعْلنا التَّلْبِيَة ثمَّ عَاد إِلَى عَرَفَات فَوقف على رَاحِلَته بالهضبات ثمَّ دفع بعد الْغُرُوب إِلَى الْمزْدَلِفَة وَبَات بهَا بِمن قُلُوبهم على محبته مؤتلفة فَلَمَّا صلى الصُّبْح وَقضى من الْموقف بقزح أربه مضى قبل طُلُوع الشَّمْس ملبيا حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة

ثمَّ نحر هَدْيه وَحلق رَأسه بمنى ثمَّ أَفَاضَ طَائِفًا بِالْبَيْتِ عَارِفًا بِمن شيد وَبنى وَقضى مَنَاسِك الْحَج وَحل من الْإِحْرَام وخطب بعد ظهر النَّحْر خطْبَة بَين فِيهَا الْحَلَال وَالْحرَام والتقط النَّاس من دُرَر أَلْفَاظه الثمينة ثمَّ ودع الْبَيْت وَانْصَرف رَاجعا إِلَى الْمَدِينَة (سَار إِلَى مَكَّة خير الورى ... من طيبَة فِي السّنة الْعَاشِرَة) (فأوضح السبل لمن أمهَا ... بِالنورِ من آيَاته الباهره) (وَبَين الْحَج وأركانه ... وَالسّنَن المأثورة الزاهره) (وأرشد النَّاس إِلَى مَا بِهِ ... يرقون فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَه) (صلى عَلَيْهِ الله مَا غردت ... وَرْقَاء فِي أوراقها الناضره)

سرية أسامة بن زيد إلى أرض فلسطين سنة إحدى عشرة من الهجرة

سَرِيَّة أُسَامَة بن زيد إِلَى أَرض فلسطين سنة إِحْدَى عشرَة من الْهِجْرَة بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَرْبَع بَقينَ من صفر وَأمره من غَزْو الرّوم والإغارة عَلَيْهِم بِمَا أَمر وَعقد لَهُ لِوَاء بِيَدِهِ الْمُبَارَكَة وجهزه فِي الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار أَرْبَاب الصوارم الفاتكة فَخرج يحمل لِوَاءُهُ بُرَيْدَة بن الْحصيب وعسكر بالجرف مستعينا بعالم الشَّهَادَة والغيب فَاجْتمع لَدَيْهِ أهل البدو والحضر وانتدب للغزو أَعْيَان النَّاس حَتَّى أَبُو بكر وَعمر وَتكلم قوم فِي إمارته وَهُوَ شَاب على الكهول فَصَعدَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمِنْبَر مغضبا وَذكر من تَقْدِيمه وتكريمه مَا وَردت بِهِ النقول ثمَّ اضْطجع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مهاد الْمَرَض وَعرض لأسامة بل لجَمِيع الْمُسلمين من الشّغل بوفاته مَا عرض ثمَّ إِنَّه سَار فِي خلَافَة أبي بكر إِلَى جِهَة قَصده وَلم يقدم أحد من الْمُسلمين على رد جَيْشه وَلَا حل عقده لَكِن أَبَا بكر سَأَلَهُ فِي عمر بن الْخطاب وَأَن يَأْذَن لَهُ فِي تخلفه عَنهُ فَأجَاب حَتَّى انْتهى بِنَاحِيَة البلقاء

إِلَى أهل أبنى فشن الْغَارة على الْأَعْلَى من مَنَازِلهمْ والأدنى وَحرق بُيُوتهم وأشجارهم ومزق أعوانهم وأنصارهم وأجال الْخَيل فِي عراصهم وَأصَاب كثيرا من سوابحهم وقلاصهم وسبى أَوْلَادهم ونساءهم وَأخذ أَمْوَالهم وَسَفك دِمَاءَهُمْ وَقتل قَاتل أَبِيه واستأصل الخامل مِنْهُم والنبيه واظهر للعسكر نتيجة مَا خص بِهِ من التَّفْضِيل وَقسم الْجُمْلَة المجتمعة من الْغَنَائِم بَينهم على التَّفْصِيل ثمَّ أَسْرج للرحيل خيله حَتَّى قدم الْمَدِينَة فِي خمس عشرَة لَيْلَة فَخرج أَبُو بكر وَالنَّاس مستبشرين إِلَى لِقَائِه وَهَذِه آخر سَرِيَّة بعثها رَسُول الله وَخَاتم أنبيائه (للنجم قد سامى أُسَامَة رفْعَة ... وَلم لَا وَخير الْخلق نوه باسمه) (وافى إِلَى أَرض الشآم بمحفل ... فرق العدى ذلت لعزة عزمه) (وَلكم أَقَامَ بغزو الرّوم من ... علم يلوح بِعِلْمِهِ وبحزمه)

سحر لبيد بن الأعصم اليهودي

سحر لبيد بن الأعصم الْيَهُودِيّ لما رَجَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحُدَيْبِيَة فِي جَيْشه الْأَعْظَم جَاءَت رُؤَسَاء يهود المظهرون لِلْإِسْلَامِ إِلَى لبيد بن الأعصم وَكَانَ أعلمهم بِالسحرِ والسموم وطلبوا مِنْهُ أَن يسحر لَهُم الْمَحْفُوظ بِمن حفظ السَّمَاء بالنجوم وَجعلُوا لَهُ على ذَلِك جعلا فأجابهم قولا وَاتبع القَوْل فعلا واجتهدوا فِي أمره وسحره حَتَّى وجد من تغير حَاله مَا أنكرهُ وَأخذ عَن النِّسَاء وَالطَّعَام وَالشرَاب وَكَانَ يخيل إِلَيْهِ فعل مَا لم يَفْعَله حَتَّى عَاده الْأَصْحَاب ثمَّ أَتَاهُ ملكان وَهُوَ بَين النَّائِم وَالْيَقظَان فَأَخْبَرَاهُ بِالسحرِ وبمن سحر وَأَنه فِي مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر وَهُوَ تَحت صَخْرَة فِي بِئْر ذروان وأنزلت عَلَيْهِ السورتان المعوذتان فَجهز لإظهاره من ألهم رشده وَجعل كلما يقْرَأ آيَة تنْحَل عقدَة وشفي مِمَّا كَانَ يجده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ عَفا عَن السَّاحر الْيَهُودِيّ بعد أَن اعْترف بِذَنبِهِ لَدَيْهِ (حسد الْيَهُود مُحَمَّدًا فتجمعوا ... كي يزرأه بِسحر نجل الأعصم) (خسروا وخابوا حَيْثُ أعلمهُ بِهِ ... من علم الْإِنْسَان مَا لم يعلم)

شاة زينب بنت الحارث اليهودية

شَاة زَيْنَب بنت الْحَارِث الْيَهُودِيَّة لما كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْو الْيَهُود بِخَيْبَر وَقتل من قتل فِيهَا من أكَابِر ذَوي الخزي الْأَكْبَر أَتَتْهُ زَيْنَب بنت الْحَارِث الْيَهُودِيَّة وأهدت إِلَيْهِ شَاة مَسْمُومَة مصلية فَوضعت بَين يَدَيْهِ وَبَعض أَصْحَابه حُضُور وَكَانَ فيهم بشر بن الْبَراء بن معْرور فنهس عَلَيْهِ السَّلَام من ذراعها نهسة وَتَنَاول بشر مِنْهَا لقْمَة أسكنته فِي ليلته رمسة فَلَمَّا ازدرد لقمته أعلمهم بعاقبتها المذمومة وَقَالَ إِن هَذِه الذِّرَاع تُخبرنِي أَنَّهَا مَسْمُومَة وَطرح مِنْهَا لكَلْب فَلم يتبع يَده حَتَّى مَاتَ وَكم لَهُ من معْجزَة باهرة الأمارات ظَاهِرَة العلامات ثمَّ دَعَا الْيَهُودِيَّة وسألها عَن الْحَامِل لَهَا على ضره فَقَالَت قلت إِن كَانَ نَبيا فستخبره الشَّاة وَإِن كَانَ ملكا اسْتَرَحْنَا من شَره فَدَفعهَا إِلَى وُلَاة ابْن معْرور فَقَتَلُوهَا بِهِ على الصَّحِيح من القَوْل فِي المسطور وَلم يزل يعاوده ألم أكله خَيْبَر إِلَى أَن قطعت مِنْهُ كَمَا ورد عَنهُ الإبهر

الإستغفار لأهل البقيع

وعاش بعد الْأكلَة الْمَذْكُورَة ثَلَاثَة أَعْوَام ثمَّ علا على درج الشَّهَادَة مَعَ مَا أتحفه الله بِهِ من الْإِكْرَام (وضعت بِخَيْبَر للنَّبِي شويهة ... مَسْمُومَة بِإِشَارَة الْكفَّار) (فتكلمت فِي الْكَفّ مِنْهُ ذراعها ... عَن سمها خوفًا على الْمُخْتَار) (هَذَا وَكم للمصطفى من آيَة ... سيارة فِي سَائِر الأقطار) الإستغفار لأهل البقيع أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يسْتَغْفر لأهل البقيع وَأَتَاهُ الْآتِي بذلك وَهُوَ فِي بَيته ضجيع فَخرج فِي جَوف اللَّيْل واستغفر لَهُم طَويلا وَصلى عَلَيْهِم بِإِذن من أمره أَن يَتَّخِذهُ وَكيلا وهنأهم بِمَا أَصْبحُوا فِيهِ وَذكر من إقبال الْفِتَن مَا لَا يُمكن تلاقيه وَعرف من كَانَ مَعَه من صَحبه أَنه خير بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَاخْتَارَ لِقَاء ربه ثمَّ صلى على أهل أحد كَالْمُودعِ للأحياء والأموات فَلَمَّا انْصَرف لَازمه الوعك إِلَى أَن علت بوفاته الْأَصْوَات (قبل الْوَفَاة أَتَى النَّبِي مودعا ... أهل البقيع مُصَليا مُسْتَغْفِرًا)

وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

(وَاخْتَارَ لقيا ربه سُبْحَانَهُ ... فِي جنَّة الفردوس لما خيرا) وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دعث لليلتين بَقِيَتَا من صفر ثمَّ حصل لَهُ من الوعك مَا أتعب الخواطر وشغل الْفِكر واشتدت حرارة الْحمى عَلَيْهِ وانصبت مواد الوصب إِلَيْهِ فهرع الْمُسلمُونَ إِلَى عيادته وتألم المخلصون فِي محبته وإرادته وَكَانَ فِي مَرضه يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَيقْرَأ الْقُرْآن حَتَّى قَرَأَ فِي لَيْلَة سبعين سُورَة فِيهِنَّ الْبَقَرَة وَآل عمرَان فَلَمَّا ثقل قَالَ (مروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ) وَألبسهُ من الْخلَافَة والإئتمام بِهِ فِي الصَّلَاة أَفْخَر لِبَاس وَأمر بسد الْأَبْوَاب الْمَفْتُوحَة فِي الْمَسْجِد إِلَّا بَابه وَخرج عاصبا رَأسه فَخَطب وَأثْنى عَلَيْهِ بِمحضر من الصَّحَابَة وجاءه جِبْرِيل يعودهُ من جِهَة الله إِكْرَاما لَهُ فِي ثَلَاثَة أَيَّام وَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ملك الْمَوْت وَلم يسْتَأْذن على أحد من الْأَنْبِيَاء الْأَعْلَام فَلَمَّا نزل بِهِ مَا لَا محيد لِلْخلقِ عَن لِقَائِه جعل يمسح وَجهه بِالْمَاءِ وَيسْأل الْإِعَانَة فِي دُعَائِهِ ثمَّ شخص بَصَره إِلَى السَّمَاء حَيْثُ حَان التَّحْوِيل وَخير فَاخْتَارَ الرفيق الْأَعْلَى مَعَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَتُوفِّي لاثنتى عشرَة من ربيع الأول عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ على الصَّحِيح وغسله الْعَبَّاس وَعلي وَمن مَعَهُمَا وهم الَّذين وسدوه فِي الضريح وكفن فِي

ثَلَاثَة أَثوَاب سحُولِيَّة لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة وَصلى الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ أفذاذا لَا يقدم أحد مِنْهُم على الْإِمَامَة وَدفن فِي بَيت عَائِشَة وَفِيه كَانَت وَفَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَبُو ذوئيب الْهُذلِيّ سَمِعت هاتفا قبل وَفَاته يَقُول (خطب أجل أَنَاخَ بِالْإِسْلَامِ ... بَين النخيل ومعقد الْآطَام) (قبض النَّبِي مُحَمَّد فعيوننا ... تذري الدُّمُوع عَلَيْهِ بالتسجام) وَقَالَ سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب من أَبْيَات (لقد عظمت مُصِيبَتنَا وجلت ... عَشِيَّة قيل قد قبض الرَّسُول) (فأضحت أَرْضنَا مِمَّا عراها ... تكَاد بِنَا جوانبها تَزُول)

(فَقدنَا الْوَحْي والتنزيل فِينَا ... يروح بِهِ وَيَغْدُو جِبْرِيل) (وَذَاكَ أَحَق مَا سَالَتْ عَلَيْهِ ... نفوس النَّاس أَو كربت تسيل) وَقَالَت فَاطِمَة عَلَيْهَا السَّلَام (اغبر آفَاق السَّمَاء وكورت ... شمس النَّهَار وأظلم الععصران) (وَالْأَرْض من بعد النَّبِي كئيبة ... أسفا عَلَيْهِ كَثِيرَة الرجفان) (فليبكه شَرق الْبِلَاد وغربها ... ولتبكه مُضر وكل يمَان) (وليبكه الطود الْمُعظم جوه ... وَالْبَيْت ذُو الأستار والأركان) (يَا خَاتم الرُّسُل الْمُبَارك ضوؤه ... صلى عَلَيْك منزل الْقُرْآن) وَقَالَت صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب (أَلا يَا رَسُول الله كنت رجاءنا ... وَكنت بِنَا برا وَلم تَكُ جَافيا)

(وَكنت رحِيما هاديا ومعلما ... وليبك عَلَيْك الْيَوْم من كَانَ باكيا) (لعمرك مَا أبْكِي النَّبِي لفقده ... وَلَكِن لما أخْشَى من الْهَرج آتِيَا) (أفاطم صلى الله رب مُحَمَّد ... على جدث بِيَثْرِب ثاويا) (فدى لرَسُول الله أُمِّي وخالتي ... وَعمي وآبائي وَنَفْسِي وماليا) (نصحت وَبَلغت الرسَالَة صَادِقا ... ومت صَلِيب الْعود أَبْلَج صافيا) (عَلَيْك من الله السَّلَام تَحِيَّة ... وأدخلت جنَّات من العدن رَاضِيا) ،، تمّ بِحَمْد الله،،

§1/1