المقتبس من أنباء الأندلس

القرطبي، ابن حيان

سنة اثنتين وثلاثين ومائتين

سنة اثنتين وثلاثين ومائتين فيها تقلب موسى بن موسى القسوي عن الطاعة، وأعند بتحامل عبد الله بن كليب عامل الثغر عليه، ومد يده إلى بعض أمواله، فأحفظه ذلك، وهاج حميته، وتحرك إلى تطيلة، وابن كليب داخلها، فطمع أن ينتهز منه فرصة، فاحتجز عنه عبد الله بحصانتها، ولم يؤته حرباً، واستغاث بالأمير عبد الرحمن، فأخرج إليه ابنه محمداً بالصائفة، وقاد معه محمد بن يحيى بن خالد، فاحتل عليه محمد بالجيوش، فأذعن موسى، واعترف بالذنب، وسأل العفو، فسارع الولد محمد إلى إجابته وتطمينه وإقراره على حاله، وتقدم بالصائفة إلى بنبلونه فجال بأرضها وأداخلها، ونكأ العدو أبرح نكاية. وفيها عزله الأمير عبد الرحمن حارث بن بزيع عن طليطلة في شوال منها، وولاها محمد بن السليم. وفيها كان القحط الذي عم الأندلس، فهلكت المواشي، واحترقت الكروم، وكثر الجراد، فزاد في المجاعة وضيق المعيشة.

سنة ثلاث وثلاثين ومائتين

وفيها استأمن غليالم بن برناط بن غليالم، أحد عظماء قوامس إفرنجة على الأمير عبد الرحمن بقرطبة، فأكرمه وأحسن إليه وإلى أصحابه، وصرفه معهم إلى الثغر لمغاورة الملك لذويق بن قارله بن ببين صاحب الفرنجة، وكانت بينه وبين قواد لذويق وقائع ظهر عليهم فيها، وأعانه عمال الثغر، فأثخن العدو، وأقام بمكانه ظاهراً على من انتقض عليهم من أمته مدة، وكتبه إلى الأمير متصلة. سنة ثلاث وثلاثين ومائتين فيها في شعبان منها عزل الأمير عبد الرحمن محمد بن السليم عن طليطلة، وولاها بعده أيوب بن السليم. سنة أربع وثلاثين ومائتين فيها غزا بالصائفة المنذر بن الأمير عبد الرحمن، وقاد عبد الواحد بن يزيد الإسكندراني، ودبرا الوزير يحيى بن خالد. وفيها أغزى الأمير عبد الرحمن أسطولاً من ثلاثمائة مركب إلى أهل جزيرتي ميورقة ومنورقة، لنقضهم العهد، وإضرارهم بمن يمر إليهم من مراكب المسلمين، ففتح الله للمسلمين عليهم، وأظفرهم بهم، فأصابوا سباياهم، وفتحوا أكثر جزائرهم، وأنفذ الأمير فتاة شنظير الخصي إلى ابن ميمون عامل بلنسية، ليحضر تحصيل الغنائم ويقبض الخمس، وكان قد صالح بعض أهل تلك الحصون على ثلث أموالهم وأنفسهم، وأحصيت ربعهم وأموالهم، وقبض ما عليه صولحوا.

سنة خمس وثلاثين ومائتين

وفيها ظهر غليالم بن برناط بن غليالم النازع إلى الأمير عبد الرحمن، القادم إلى باب سدته في سنة اثنتين وثلاثين ومائتين على من حاده من أمته أهل إفرنجة، الذي نصبه الأمير عبد الرحمن لمغاورتهم وأمده بقوته، فاقتحم عليهم بلده في جمعه، فقتل وسبى، وحرق وخرب، وحاصر برشلونه حتى أضربها، وتقدم إلى جرندة، فشارفها، وورد كتابه على الأمير عبد الرحمن يعترف بما كان منه، ويذكر تماديه عليه، فأجيب بالإحماد لفعله، والإرصاد لمكافأته، وكتب إلى عبيد الله بن يحيى عامل طرطوشه وإلى عبد الله بن كليب عامل سرقسطة في إمداده ومعونته وتحريضه على شقاق قومه وتأييد عزيمته. وفي شهر رمضان منها عزل أيوب بن السليم عن طليطلة ووليها يوسف بن بسيل. وفيها عزل الأمير عبد الرحمن معاذ بن عثمان عن القضاء بقرطبة، وولى مكانه محمد ابن زياد. وفيها خرج فرج بن خير الطوطالقي بدنهكة وأروش، فأظهر المعصية، وجمع أهل الفساد، فعالجه الأمير عبد الرحمن بالخيل، فحوصر حتى أذعن بالطاعة، وعاد إلى الجماعة، فاصطنعه الأمير ورفع مرتبته، وولاه كورة باجة، فلم يلبث أن انتقض عليه إلى مديدة، وجرت منه خطوب أفسدت الصنيعة؛ ومن ولده بكر بن سلمة المستنزل من ناحية الغرب أيام الخليفة الناصر لدين الله. سنة خمس وثلاثين ومائتين فيها ورد كتاب أهل ميورقة على الأمير عبد الرحمن بن الحكم، مستغيثين مما دهمهم من سخطه، مستقيلين لعثراتهم لديه، راغبين في صفحه وإقالته، فعطف عليهم وأقالهم زلتهم، وأجابهم إلى مسألتهم، وأعطاهم ذمته، وجدد لهم عهده.

وفي آخرها عاد موسى بن موسى القسوي إلى الخلاف، وكشف وجهه بالمعصية، فأفسد ما حوالي مدينة تطيله، وعاث حوز طرسونة وبرجة، وظاهره أخوه لأمه العلج ابن ونقه ببنبلونة، فخرج إليه بالصائفة عباس بن الوليد المعروف بالطبلي، فعاد إلى الطاعة، واستقال الزلة، وبذل إسماعيل ابنه رهينة، فعاد الأمير إلى القبول منه، والاستظهار عليه، وأخرج بيعته والتوثق منه وقبض رهينته خالد بن يحيى ومحمد بن الوليد ومطرف بن نصير، فتمموا سلمه، وتوثقوا من عهده، وجدد له الأمير الولاية على تطيلة، ودخل أخوه العلج ابن ونقه صاحب بنبلونة معه في الأمان، وقبض الأمناء المخرجون إلى موسى رهينته التي كانت ولده إسماعيل الذي هو لابنة عمه ميمونة، فأقبل عباس الطلبي بالعسكر إلى الحضرة لتأخر الوقت عن دخول أرض الحرب، وما تولى إسماعيل بن موسى رهينة أبيه موسى في يد الأمير عبد الرحمن أن هرب من يده عن قرطبة حاناً إلى ما فارقه من الشقاق، ذاهلاً عما كان فيه من غضارة المعيشة، لتوسعه في القطائع المنيفة والصلات الجزلة، فرفض ذلك كله، وسما للمعصية، وأمر الأمير بقص أثره، فلم يبعد أن جئ به إليه من طريق الثغر، وقد انتهى إلى وادي آنة فقبض عليه هناك بعض من عرف خبره، ورده للأمير عبد الرحمن بقرطبة، فعفا عنه، وأغضى عن زلته، وخلاه على ما كان عليه من سعة قطائعه. وفيها سيلان عظيمان بنهر قرطبة في شهر رجب القمري الموافق لشهر ينير الشمسي رأس سنة العجم بالأندلس، عداً في أمهات السيول، وحمل وادي شنيل أيضاً، وطغى مدة، وأخرب حنيتين من قنطرة مدينة إستجة، وأبطل عدداً من أرجائها، وطمى السيل أيضاً بكورة إشبيلية التي بها قراره، فذهب مده في مجتمعه هناك بست عشرة قرية ما بين البحر وحاضرة إشبيلية...........

سنة ست وثلاثين ومائتين

فيها من ناس وبهائم وأمتعة، فكان ذلك حدثاً عظيماً تحدث الناس عنه زماناً. وفيها هلك الطاغية رذمير بن أردميس ملك الجلالقة، فولى ابنه أردون، وكانت ولاية رذمير ثمانية أعوام. سنة ست وثلاثين ومائتين فيها ورد كتاب للأمير من عبيد الله بن يحيى من الثغر الأعلى، يذكر استغناءه عن العدة التي قد أمر باحتباسها قبله من الحرس، واكتفاءه بمائة وثلاثين غلاماً ذكر أنهم معه من مواليه وغلمانه، يرضى بسالتهم، ويحمد مذاهبهم، ويسكن إليهم، ويجتزى بخدمتهم، لما أصبح الثغر بحمد الله من السكون والهدوء، ووقم العدو بحروب، بارتضاء رأيه، وإحماد نظره، وقدم مقنباً من قبله من فرسان الخرس إلى مرابطهم بالماء، وأجرى القطائع على عدته تلك التي اقتصر عليها من الرواتب والنفقات والعلوفات عليهم مما في يده من مال السلطان، وأن يصرف جميع ما يقبضه بالثغر من الجزاء والعشور وجميع الوظائف بعد إقامة سائر النفقات الراتبة إلى فكاك أسراهم، وحمل مرجليهم، ومرمة حصونهم، ومصالح ثغورهم، وكل ما فيه تقويتهم على عدوهم، وسوغه أن يرتزق في كل شهر لعمالته مما يجتبيه مائتي دينار دراهم، وينهض معروفه للعام إلى ألف دينار مما يتقاضاه من جباية عمله، فكان عمل الأمير عبد الرحمن ذلك بالثغر وأهله من جلائل مناقبه. وفيها أدال الأمير عبد الرحمن ابنه الحكم بن عبد الرحمن عن ولاية كورة

إلبيرة بأخيه عبد الله بن عبد الرحمن، وولى الحكم كورة تدمير ومعه سعد أخو خزر لا يفارقه. ثم عزل عبد الله بن عبد الرحمن عن كورة إلبيرة فيها، فأعاد أخاه الحكم إليها. ولم يخرج إلى كورة تدمير في هذه السنة ولداً له على عادته لإمحال نالها في هذا العام. وفيها صرف الأمير عبد الرحمن عن كورة رية، وصرف خزر المولى الملازم له معه. وفيها ثار حبيب البرنسي بجبال الجزيرة الخضراء، واجتمع له خلق من أهل الفساد في الأرض، فشن بهم الغارة على قرى رية وغيرها، فأشاع الأذى، ونهب وقتل وسبى، فأخرج الأمير عبد الرحمن عند ذلك الخيل مع عباس بن مضا، فألفى أضداده قد قصدوا حبيباً وأصحابه، فأوقعوا بهم وقصوهم، وقتلوا خلقاً منهم، وتفرقت بقيتهم، فانخنس حبيب رئيسهم في غمار الناس، وطفئت نائرته، وطلب دهراً فلم يظفر به.

ذكر مهلك نصر الخصي

ذكر مهلك نصر الخصي الكبيرخليفة الأمير عبد الرحمن بن الحكم رحمه الله وفي هذه السنة هلك أبو الفتح نصر الخصي، خليفة الأمير عبد الرحمن بن الحكم، المقدم على جميع خاصته، المدبر لأمر داره، المشارك لأكابر وزرائه في تصريف ملكه، وكان هلكه شبيه الفجأة في عقب شعبان من هذه السنة، أرقى ما كان في غلوائه، وأطمع ما هو بالاحتواء على أمر سلطانه، أرهب ما كان الناس له، وأخوفهم لعدوانه، إذ نال من أثرة مولاه الأمير عب الرحمن واصطفائه وإشراكه له في الرأي مع جلة وزرائه، وطوعه كثيراً إلى ما يخالفهم فيه، فوق ما ناله خادم خاص مع أمير رشيد سمع عنه، وله بذلك أخبار في الناس تصدق دلائل تحققه، سما بها - زعموا - في باطنه إلى غاية كرهها الله، إخترمه دونها حمامه، فقضى ذميماً مستراحاً منه. وكثر القول في السبب الذي أراده، والخوض فيما أتاه، فكان من أوضح ذلك ما ذكره أبو بكر بن القوطية، قال: كان نصر الخصي الجريء المقدم الوساع الفهم قد غلب على قلب مولاه الأمير عبد الرحمن بن الحكم واستظهر على حراصة مكانه لديه بانقطاعه إلى حظيته طروب أم عبد الله، الغالبة عليه من بين جميع نسائه، وحطه في شعبها، وممالأته إياها على ما تسعى له من تقديم ولدها عبد الله للأمر بعد الأمير أبيه على جميع الأراجح الأكبرين من ولده متى حان حينه، فخالص السيدة تشديداً، وأخلصت له، واستوى له بذلك أمره، وأصبح ملك عبد الرحمن في يده، يدبره كيف يشاء، فلا يرد أمره، قد أجهد سعيه آخر أمده في جهره وسره، بالتنويه بعبد الله بن سته طروب، والإشادة بذكره،

واستمالة طبقات الناس بالرغبة والرهبة إليه، والعمل على اختزان الخلافة عن أخيه محمد، بكر والده الأمير عبد الرحمن ومفضلهم المشار إليه إلى خالفتهم ابن طروب هذا، وسوقها إليه، يتأتى لذلك ويأتيه من جميع أبوابه، والقضاء يبعده عنه، ويسد دونه طرقه، وهو يرصد لوجبة الأمير عبد الرحمن مولاه، ليقضي في عبد الله قضاءه، فيملي لعبد الرحمن ويستأخر يومه، فيشق ذلك على الخصي ويرهب فوته، حتى سولت له نفسه اغتيال مولاه عبد الرحمن، وإلطاف التدبير عليه، كيما يتمكن من تقديم عبد الله مكانه، ولا يرهب الخلف عليه، لكثرة أنصاره من أهل الدار وغيرهم، وفشو صنائعه فيهم، فيتم له بابن طروب الاحتواء على الملك ويؤخر عنه محمد المرشح له وغيره ممن يطمع فيه. فوثق في ذلك بالحراني الطبيب، وكان في عداد صنائعه وقدر منه - مع الوفاء - الشره إلى ما يبذله له، فخلا به، وذكره أياديه لديه، وتدارساً فيما ينويه له، وقال له: هل لك في إحراز حسن رأيي للأبد، وحوز جزيل صلتي للآخر؟ فقال له الحراني: هذه هي المنية التي لا وراءها طلبة! فمن لي بنيلها؟ فقال له: هذه ألف دينار معجلة بين يدي الجري بالحاجة، واعمل لي سؤر الملوك الذي يدني الأجل، ويقلب الدول، ودعني لمكافأتك إن انقضت حاجتي. فوالله لأتجاوزن بها ظنك!. فأراه القبول لما بذله، والقيام بما كلفه. وخرج عنه وقد عدلت البدرتان جناحيه، فعمل ذلك الخلط باسم الدواء المسهل كما رسمه له، وأجهد رأيه في تقويته، واحتال في أن دس في خفية إلى فجر خطية

الأمير عبد الرحمن ضرة طروب مع بضع من كان يستطب لها عنده من ثقات قهارمتها يشير لها على ما دبر على الأمير من طريق العلاج، ويأمرها أن تحذره من شرب ما يأتيه نصر به أو يرسله، فوقاه جده بذلك، وسقى الخصي معيناً له. وقد كان الأمير شكا إلى نصر خلال ذلك خلطاً تحرك به عدل له عن أخذ الدواء الذي من عادته وإعداده ليوم فارقه على التوحش أمامه، فكان من توطئة نصر لذلك ما قدر أنه واقع به لا محالة. وبكر بذلك الخلط المسموم إلى الأمير في اليوم الذي ربط فيه موعده، فأصابه حذراً للذي سبق إليه، فتعلل على نصر، ووصف وعكاً طاف به ليلته، فنكث مرته، فلا فضل فيها للدواء، وأشار عليه بشربه، إذ لم يزل كثيراً يسعده في مثله، فذهب يعتذر بعدم التوحش له، فزجره وقال: سبحان الله! شيء اجتهدت لي فيه وألطفت تركيبه تخاف غائلته؟ عزمت لتشربنه! فعلم نصر أن خلافة لا يمكنه، فشربه بين يديه، واستأذنه في الخروج إلى منزله، فأمره، فانطلق يركض وركضه يزيده شراً، واستغاث بالحراني، فعرفه بما جرى عليه، والسم يجد به، فقال له: عليك بلبن المعز، فإن شربه يفتر عنك! ففرق غلمانه في طلبه، فعوجل قبل أن يؤتى به، ومضى لسبيله. فسر الناس بحتفه، وأطبقوا على ذمه، وقال يحيى الغزال عدوه الموتور من لدنه عند موته: من البسيط.

أغنى أبا الفتح ما قد كان يأمله ... من التصانع والتشريف للدور وكل عرض وقرض كان يجمعه ... حفيرة حفرت بين المقابير لم يألها القوم تضييقاً ولا وقعت ... فيها الكرازين إلا بعد تقدير فصار فيها كأشقى العالمين وإن ... لفوه بالنفح في مسك وكافور ما العرف لو أخبرونا بعد ثالثة ... إلا كعرف سواه المناخير وكان أزمع شيئاً لم تكن سبقت ... به من الله أحكام المقادير إذا أراد الإله الشيء كونه ... فلن يضرك فيه سوء تدبير وذكر أن الغزال أنذر بهلك نصر هذا من طريق النجم قبل وقوعه بمدة، فقال: من الكامل، الضرب الأحد المضمر. قل للفتى نصر أبي الفتح ... إن المقاتل حل بالنطح وأراه قهقر فيه ثم مضى ... قدماً ومدبراً إلى الرمح وأرى النحوس له مساعدة ... فانظر لنفسك واقبلن نصحي ووجدت ذلك إذ حسبت له ... مما يدل على غلا القمح

ونزول أمر لا أفوه به ... لو كان يبلغ بي إلى الربح وإذا رأيت البدر في بلع ... نزل القضاء بأبرح البرح يا رب طالعة العشاء أتت ... بخلاف ذاك طوالع في الصبح ولرب رافلة عشيتها ... في الوشي أضحت وهي المسح تبكي على من كان يكرمها ... نحاء بين نوادب نح وليحيى الغزال في نصر وذكر مسكنه بمنيته إلى جانب مقابر الربض والنهر: من الطويل. أيا لاهياً في القصر قرب المقابر ... يرى كل يوم وارداً غير صادر كأنك قد أيقنت أن لست صائراً ... غداً بينهم في بعض تلك الحفائر تراهم فتلهو بالشراب وبعض ما ... تلذ به من نقر تلك المزاهر وما أنت بالمغبون عقلاً ولا حجى ... ولا بقليل العلم عند التخابر وفي ذاك ما أغناك عن كل واعظ ... شفيق وما أغناك عن كل زاجر وكم نعمة يعصى بها العبد ربه ... وبلوى عدته عن ركوب الكبائر سترحل عن هذا وإنك قادم ... وما أنت في شك على غير عاذر

وقال يحيى الغزال عند ذكر الناس لإنزال السلطان زرياباً مغنيه في منية نصر الخصي أثيره بعد موته، يذكر تقلب الدنيا بأهلها: من الخفيف. ذكر الناس ... نصر لزريا ... ب وأهل لنيلها زرياب هكذا قدر الإله وقد تجرى بما لا تظنه الأسباب أخرجوه منها إلى مسكن ليس عليه إلا التراب حجاب لا يجيب الداعية فيه ولا ير ... جع من عنده إليه جواب وتغانت تلك المراكب عنه ... وأميلت إلى سواه الركاب ليس معه من كل ما كان قد جمع إلا ثلاثة أثواب وتلاشى جميع ذاك فلما ... يبق إلا ثوابه أو عقاب عسكر جندوا فليس بمأذو ... ن لهم عنه أن يكون الحساب فرأيت الرقاب من أهله ذلت وعزت من آخرين رقاب وكذاك الزمان يحدث في تص ... ريفه الذل والبلا والخراب لتعجبت والذي منه أعجبت إذا ما نظرت شيء عجاب لكأن الذي تولى الذي كا ... ن عليه مخلد لا يراب فعله بعده كفعل امرئ ليس عليه بعد الممات حساب ولعقل الفتى صحيح ولكن ... حيرته الأوراق والأذهاب وحكى الحسن بن محمد بن مفرح في كتابه قصة مهلك نصر هذا، فقال: كان السبب في مهلك نصر الفتى الكبير الغالب على الأمير عبد الرحمن بن الحكم المظاهر لسيدته طروب حظية الأمير عبد الرحمن على سوق الملك إلى ولدها منه عبد الله المعزو إليها أن عبد الرحمن التوى بهما معاً في تقديم عبد الله على محمد أخيه أكبر ولده،

المرشح من بينهم للأمر، لصدق نفسه على كون ما بينهما في الرجاحة والفضل، وتغليبه لرأيه فيه على هواه، لمعصيته لحظيته طروب. فلما أعيا عليها وعلى نصر ظهيرها لفته عن ذلك شق ذلك على نصر، وفكر في سوء عاقبته مع محمد إن خلص له الأمر، وقد كشف وجهه في صده عنه، فذهب إلى احتيال الأمير مولاه كيما يتمكن من نصب عبد الله ودحر محمد، فأتى الأمر من باب طبيب الأمير المعروف بالحراني، وكان يثق به، فخلا معه، وقال له: ما ترى رأيك في شيء تحوز به حسن رأيي، وتعجيل العطاء الرغيب مني، وتعتقد المنة علي؟. فقال: يا سيدي. بعض هذا غاية أملي! فكيف لي ببلوغه؟! فقال له: فقد أمكنك! فخذ هذه الألف دينار ابتداء، فأصلح بها من شأنك، واعمل لي سنون الملوك، من أجل ما تقدر عليه وأوحاه فعلاً، فيدك فيما عندي منطلقة! فأعده لميقاتك الذي أعرفك به. فلم يخطر على عصيانه، وأراه الرغبة في صلته، والحرص على قضاء حاجته، وقبض الألف منه، وعمل له السنون كما أراده. واتفق أن شكا الأمير إلى نصر فتوراً يجده، فأشار عليه بالدواء المسهل، وكان من عادته، فذكره بإدخاله، وأوصل إليه طبيبه الحراني، فوافقه على إدخال الدواء، وحد له تقديمه، ورسم له التوحش لإدخاله ليوم سماه، فتقدم الأمير إلى نصر بإدخال الحراني إلى خزانة الطب، وتمكينه مما يريد من أخلاط دوائه ليقيمه على حده، فشرع الحراني في ذلك، وفجر ثقة الأمير تطالعه بوصاياه، فأمكنت الحراني منها فرصة أوحى إليها

سنة سبع وثلاثين ومائتين

بشأن الدواء، وسألها أن تحذر الأمير من شرب الدواء، ففلعت ذلك خفية، فحذر الأمير، وطار بجناح الإشفاق عليه. فلما غدا به نصر في اليوم الذي فارقه عليه أظهر الأمير الانكسار عنه، ووصف عائقاً يمنعه منه، وأمر لحينه نصراً بشربه، فكأنه توانى إذ لم يستعد له، فأكرهه عليه، وأسرع الخروج إلى داره، وبادر الإرسال في الطبيب الحراني، فعرفه ما جرى عليه، واستغاثه، فأمره أن يشرب لبن المعز، فآل إلى أن طلب له وجيء به، فأعجل عليه السم، فمات، ولم يشربه. وذكر الفقيه أبو محمد علي بن أحمد بن حزم أن نصراً هذا الذي إليه تنسب منية نصر - الأثير كان - عند الأمير عبد الرحمن بن الحكم، وكان من الفتيان المنتقين الذين خصاهم أبوه الأمير الحكم من أبناء الناس الأحرار الذين تعبدوا ليستخدمهم داخل قصره وأبوه المعروف بأبي الشمول من أسالمة أهل الذمة من أهل قرمونة، نال بابنه نصر دنيا عريضة، وكان موته قبيل مهلك نصر ابنه بأيام. وأخبار نصر كثيرة. سنة سبع وثلاثين ومائتين فيها كانت وقيعة البيضاء، والبيضاء مجاورة لمدينة بقيرة من بلد بنبلونة بين المسلمين والكفرة الجاشقيين، فكان اليوم الأول منها على المسلمين، فاستشهد منهم جماعة، ونالت فيه موسى بن موسى خمس وثلاثون وخزة تخللت حلق درعه، واليوم الثاني كافحهم المسلمون، وقد أخذ المقدمة موسى بن موسى متحاملاً لألم جراحه، فحامى على المسلمين، وحسن غناؤه، فهزم الجاشقيون أعداء الله أفحش هزيمة، وفرشت الأرض بصرعاهم.

وفيها هلك ينقه بن ينقه أخو موسى بن موسى لأمه وظهيره على أمره، وكان قد أصابه فالج عطله إلى أن مضى لسبيله، فولى مكانه ابنه غرسيه، واستملكت له إمارة بنبلونة. وفيها في أيام ولاية عبيد الله بن يحيى للثغر قام بناحيته رجل من المعلمين، فادعى النبوة، وألحد في القرآن، فأحاله عن وجوهه، وأوله على غير تأويله، وقام معه خلق كثير. وكان ينهى عن قص الشارب والأظفار، ويقول لا تغيير لخلق الله، فأرسل عبيد الله من جاء به، فلما دخل عليه وكاشفه كان أول ما ابتدأه به أن دعاه إلى إتباعه، فاستشار فيه عبيد الله أهل العلم عنده، فأشاروا باستتابته ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قتل، ففعل به ذلك، فلم يتب، فأسلمه للقتل صلباً، فجعل يقول: " أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله "؟ فأمضى عبيد الله قتله بالفتوى، وكتب إلى الأمير بأمره، فأحمد فعله. وفيها ابتدئ بعذاب عباس الطلبي وأخيه، ووليد بن أبي لحمة في استخراج الأموال التي غلوها بدفاع نصر الخصي عنهم، إذا كانوا صنائعه وبطانته، فلجوا بالمال، وشد عليهم العقاب. وفيها أيضاً قبض على مسرة الخصي الفتى الكبير وعباس أخيه، فسجنا، وذلك في صفر منها، وصير مكان مسرة قاسم الخصي الصقلبي، وذكر أنه وجد لمسرة ثمانية آلاف دينار دراهم. وفيها عزل الأمير عبد الرحمن محمد بن زياد عن القضاء بقرطبة وولى مكانه سعيد ابن سليمان بن حبيب الغافقي مجموعاً له إلى الصلاة، وذلك في ربيع الآخر منها، فكان آخر قضاة الأمير عبد الرحمن.

سنة ثمان وثلاثين ومائتين

سنة ثمان وثلاثين ومائتين وفيها توفي الأمير عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية ابن هشام بن عبد الملك بن مروان ليلة الخميس لثلاث خلون من ربيع الآخر من هذه السنة، فدفن يوم الخميس في تربة الخلفاء بقصر قرطبة. وأدلاه في قبره أخواه المغيرة وأمية، وصلى عليه ابنه الخليفة محمد بن عبد الرحمن. مولده بطليطلة في شعبان سنة ست وسبعين ومائة، وأبوه الحكم يومئذ واليها لوالده الأمير هشام، فكانت سنة اثنتين وستين سنة. وكانت خلافته إحدى وثلاثين سنة وثلاثة أشهر وستة أيام. وقال الحسن بن محمد بن مفرج: قال ابن عبد البر: توفي الأمير عبد الرحمن ليلة الخميس لليلتين بقيتا من شهر ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين ومائتين. وقيل: بل هي لثلاث خلون منه، فكانت خلافته إحدى وثلاثين سنة وثمانية وعشرين يوماً. وقيل: بل خمسة أشهر وقيل: ثلاثة أشهر وأربعة أيام. وقيل: ستة أيام. فدفن يوم الخميس من غد ليلة موته في روضة الخلفاء سلفه بقصر قرطبة، وصلى عليه ابنه الأمير محمد بن عبد الرحمن الوالي مكانه. وكانت سنة اثنتين وستين سنة. ومولده بطليطلة من الثغر الأدنى أيام كان والده الحكم بن هشام والياً عليها لجده هشام وذلك في شعبان سنة ست وسبعين ومائة. قال الفقيه محمد بن وضاح: احتجب الأمير عبد الرحمن بن الحكم عن الناس قبل موته مدة من ثلاثة أعوام أو نحوها من أجل علة أصابته طالت به واشتدت عليه، فحمته الحركة، وهدت قوته،

وأحدثت عليه رقة في نفسه، ووحشة في خاطره، وشدة أسف على ما نغص عليه من عصارة ملكه. فذكر أنه قال يوماً لأكابر خدمته الخاصة، وقد حفوه في مرضه، وفيهم سعدون زعيمهم الذي اختصه بعد مهلك حظيه نصر ومن يليه: يا بني! - وبذلك كان يخاطبهم مستلطفاً لهم ومرفقاً بهم - لقد اشتقت أن أعاين ضوء الدنيا وفسحة الأرض، إذ قد حميت عن الخروج إليها، فلعلني أعلو مرقبة يسافر بصرى فيها، فأتسلى بالنظر إلى بسيطها، وجسمي منزع، فهل سبيل إلى ذلك؟ فقالوا له: نعم يا مولانا. وابتدر أكابرهم إنفاذ أمره، فأخذوا سرير خيزران لطيفاً، وثيق الصنعة من أسرة الخلافة، ووضعوا فوقه فراشاً خفيفاً وثيراً حشوه الريش، أجلسوه فوقه، واحتملوه على أعناقهم، فصعدوا به إلى العلية على هيئته التي كانت من بنيان الأمير على باب الجنان من أبواب القصر القبلية، ثم هبطوا كذلك، فعانوا ذلك مرات يسوقون به الأمير في تعاريج درجة الدائرة، حتى استوى لهم ذلك كما أرادوه، وأمنوا على الأمير المشقة فيه. فوضعوا الأمير عبد الرحمن عند ذلك فوق ذلك الفراش، وشدوه من جهاته، واستوثقوا من اضطرابه، وصعدوا به هوناً، حتى صيروه بأعلى تلك العلية، فأجلسوه صدرها، وأدنوه إلى الباب الأوسط منها، فأشرف على صحراء الربض قدام باب القصر، وسرح بصره فيها، ورآها إلى كدى القنبانية، ونظر إلى النهر أمامه، والسفن تجري فيه صاعدة ونازلة. فاستروحت نفسه، وانشرح صدره، وشكر لخدمه ما تجشموه من إدنائه من مسرته وقال لهم: يا أولادي اجلسوا الآن حولي، وأنسوني بكلامكم، ومتعوني بأحاديثكم، ولا تنقبضوا عني بشيء مما تتحدثون به بينكم إذا انفردتم، كيما أشتغل بذلك عما أقاسيه من علتي. ففعلوا، وأنس هو بذلك وانبسط، وقطع أكثر نهاره في تلك العلية. ودنا المساء، فدعوه إلى النزول إلى مجلسه، فبيناه يتهيأ لذلك، إذ وقعت عينه في الصحراء قدامه على قطيع شاء وهي ترعى في منحدرها، ولم ير معها راع يسوقها، فقال لهم.

يا أولادي؟ ما بال هذه الغنم مهملة ولا راعي لها؟ فتأملوا فقالوا: يا مولانا هاك راعيها قاعد إلى جانبها مستريح في فيء جنان طروب تجاهه، يتملى في انحدارها. فقال: لعاً؟؟!. ثم أثبت بصره في تلك الغنم، فتنفس الصعداء، وأرسل عبته يبكي حتى أخضل لحيته، وقال: وددت والله أن أكون مكان ذلك الراعي ولا أنشب فيما نشبت من الدنيا ولا أتقلد من أمور الناس ما تقلدت! ثم استغفر الله كثيراً ودعاه. ونزلوا به إلى مهاده، فلم تطل فيما بعد نهاره هذا حياته. وذكر أحمد بن الأمير محمد بن عبد الرحمن قال: اعتل جدي الأمير عبد الرحمن علته التي توفي فيها، فطاولته ونهكته، وماطلته مدة: تارة تخف عنه، وتارة تثقله، فيركس ويضعف، وينيبوا العلاج عنه على اجتهاد تارة تخف عنه، وتارة تثقله، فيركس ويضعف، وينيبوا العلاج عنه على اجتهاد أطبائه في التماس شفائه، فنعى عليهم وقت سقامه. فلما كان قبل وفاته بأربعة أيام أو نحوها انحط مرضه، وتحركت له قوة خال بها أنه مبل من ضناه، فأمر بأن

يصلح له الحمام، ويعدل مزاجه، فاحتم فيه، وأجد خصابه، وكان يواليه ويجمل به، وحدثته نفسه بالركوب مع عياله طلب النزهة، وهو يأمل الإنظار، والموت أدنى إليه من وريده. فلما عزم على إتيان ما سولت له نفسه من ذلك دعا حاجته عيسى بن شهيد، وكان خفيفاً على قلبه، فأوصله إلى نفسه صبيحة اليوم الذي قضى نحبه في آخره، فبشره بتخفيف مرضه وانبعاث نشاطه، وقال له: كيف ترى خضابنا يا عيسى؟ فقال له: أصلح الله الأمير سيدي! أحسن خضاب رأيت قط، وأدله على انتعاش سيدي واقتيامه البقاء بخلوص القمر من انكسافه بفضل الله عليه وعلى رعيته. فسره قوله وقال له: إن بعض كرائمنا سألننا تجديد العهد لديهن بالركوب معهن للنزهة على مقتضى العادة، فاخرج من فورك، فانظر في إقامة ما يحتاج إليه لنزهتنا على أتم رسومها، واعجل بذلك، فإنا متحركون صبيحة غد بحول الله. فمضى عيسى لشأنه، وقال الأمير للراشدة القائمة على رأسه: أدخلي إلى خزانة الكسوة، فمريها أن تتخير لنا مما عندنا من الوشي رداء يوسفياً من أفخر نوعه، فجيئينا به. فمضت الراشدة وجاءته برداء يوسفي معمر، لم تر العيون آنق منه، فأمر بعض

أكابر الخدم أن تخرجه إلى عريف الخياطين بالقصر، فليقطعه ثوباً للبوسه، ويتخذ منه قلنسوة لحاجبه عيسى كيما يلبساه جميعاً لركوبهما صبيحة غدهما، ويجمع الصناع على إتمامهما للبوسهما، فعاد إليه الخادم بجواب عريف الخياطين، فذكر أن خياطة الجلد لا تمكنهم في مثل الوقت الذي حده، لدقة صنعة الثوب والأناة لنقشه، وتعذر جمع الأيدي عليه، فضلاً عن عمل القلنسوة التي يستأنف تجسيدها لحاجبه من فضل الثوب، ولا بد من الاستيناء بها. فشق ذلك على الأمير وكسر منه حتى ثناه حاجبه عيسى عن ذلك بلطفه، وهون عليه الخطب، وقال له. في الذي تحويه خزانة الأمير من الثياب ورفيع القلانس ما فيه مندوحة عن استكداد هذا الثوب الذي لا يؤمن الخطأ في حثه، ولن يفوته نيل ما قام في خاطره منه، لأقرب مداه بحول الله، وتجاوزه بالإبلاء إلى ما سواه، كما أن عندي من جليل خلعه ورفيع قلانسه ما أسره بالتجمل به في خدمته. فليضع عن نفسه العزيزة كلفة هذا في مثل هذا الوقت الضيق، ولينفذ عزمه في تفريج نفسه بنزهته. فوضع ذلك الرداء على كرسي في المجلس.... الإضراب عنه، والعمل على الحركة صبيحة غد. فنظر عيسى فيما أمره به، وهيأه على رسومه، وانقضى نهارهم، فما هو إلا أن صلى الأمير المغرب، فانتكثت مريرته، وثارت علته، وحضره حمامه، فتهوع، ودعا بالطست، فقاء دماً غبيطاً، وعاود ذلك مراراً، فلم يقلع عنه وجعه حتى لفظ نفسه، فتنوقضى نحبه. وقعد الأمير محمد من ليلته مكانه، فتنظر إلى ذلك الثوب الموشى المرجى قطعه موضوعاً على الكرسي، فعرف شأنه مع والده مساء ليلته، فعجب وقال:

صفة الأمير عبد الرحمن

ليصر كفن الأمير نضر الله وجهه! فعمل ذلك به وأصبح حديثه موعظة لمن سمع به. صفة الأمير عبد الرحمن عن أحمد بن محمد الرازي: كان أشم أقنى أعين أسود العينين، طوال فخم، مسبل، عظيم اللحية، يخضب يالحناء. نقش خاتمه: " عبد الرحمن بقضاء الله راض ". وهو أول من استنقشه، وقد مضى خبره. تسمية ذكور أولاده وهم في عدد الرازي أربعون. أولهم الأمير محمد الوالي بعده، أبو العاصي الحكم الاشتياق، أبو أيوب سليمان، أبو القاسم المطرف، أبو الحكم المنذر، أبو الوليد هشام، أبو بكر يحيى، أبو عبد الملك مروان، أبو عثمان، أبو سعيد مسلمة، أمية، عبد الملك، الأصبغ، أبو مروان عبيد الله، أبو معاوية سعيد، أبو العاصي بكر أبو الأصبغ عبد العزيز، أبو أمية العاصي، أبو محمد عبد الله، أبو حفص عمر، الأعرج طريف، أبو العباس الوليد، أبو العاصي عبد الجبار، أبو عبد الله أحمد، أبو القاسم إسحاق، والغمر شقيقة، أبو القاسم عبد الواحد، أبو إسحاق إبراهيم، أبو القاسم عمرو، يعقوب، أبو عبد الملك المغيرة، أبو الأصبغ عثمان، الغريض. وفي كتاب معاوية بن هشام الشبينسي قال:

من نبهاء ولد الأمير عبد الرحمن أبو قصي يعقوب، وكان أديباً شاعراً كلفاً بالعلوم جامعاً للآداب مطبوعاً في الشعر، وكان جواداً لا يليق شيئاً، ويسرف حتى يخل بنفسه وأخباره كثيرة. قال حيان: وصفه بالشعر، ثم لم ينشد له منه ما يصدق وصفه، بل أنشد ثلاثة أبيات من قصيدة مدح بها ابن أخيه العاصي بن الأمير محمد بن عبد الرحمن ليست بطائل، والأبيات: من الوافر: ينادي ماجداً من عبد شمس ... كريم الفرع مفضال اليدين سما للمكرمات فقد حواها ... بهندي وخطار رديني وغيثاً حين يسكب لا الثريا ... به حاذت ولا نوء البطين اضطرته القافية إلى أن قرن بين أغزر الأنواء وأنزرها، فأحال جداً. والإناث في عدد الرازي ثلاث وأربعون، وهن: أسماء، وعاتكة، وعائشة الغالب عليها عيشونة، أم الأصبغ، وأم هشام، وفاطمة الغالب عليها فطيمة، وعبدة، وعبدة أخرى، وأمة العزيز، وأم كلثوم، وأم عمرو، زينب، وأم هشام، وعبيدة، وناشدة، وقسيمة، عتيكة، وكنزة، وعزيزة، وأم حكيم كلهن، ومية، ولادة، وأم أبين، ولادة، أمة الوهاب، ظبي، وأمة الرحيم، رقية، أم عثمان، أم موسى، وأمة الرحمن، رحيمة، هشيمة، أمة الرحيم، أمة الملك، والسيدة بريهة، تملال، والمنى، حكيمة، أم سلمة، آمنة، والسيدة عليه. وزاد في عددهن معاوية بن هشام الشبينسي نسابة أهل البيت بنتين: أمية، ومهاة؛ فرقى عددهن خمساً وأربعين بنتاً.

حجاب الأمير عبد الرحمن

حجاب الأمير عبد الرحمن قال الرازي: ألفى الأمير عبد الرحمن على حجابة والده الأمير الحكم عبد الكريم بن عبد الواحد ابن مغيث أكمل من حمل هذا الاسم وأجمعهم لكل جمله حسنة، فأقره عليها إلى أن توفي عبد الكريم حميداً فقيداً، فولى بعده حجابته سفيان بن عبد ربه، وبعد سفيان عيسى بن شهيد، ثم عزله بعبد الرحمن بن رستم، ثم عزل عبد الرحمن بن رستم، فأعاد عيسى بن شهيد إلى حجابته، فتولاها له إلى أن هلك عبد الرحمن لسبيله. سفيان بن عبد ربه وافق الرازي فيما ذكره من أسماء هؤلاء الحجاب الحسن بن محمد بن مفرج في كتابه، وذكر سفيان بن عبد ربه فقال: كان من أكابر رجال أهل الخدمة الكفاة المستقلين بأعبائها ممن جمع إلى الغناء والكفاية العفة والأمانة، قد تولى خدمة الخزانة الكبرى أيام الأمير الحكم، وهو أول من استخزن بالأندلس، وحمل هذا الاسم الذي اعتور من علم عمله إلى اليوم، شركه في ذلك مرتيل المعروف بابن عفان جد هؤلاء الباقين اليوم إلى جانب باب القصر الأكبر المدعو باب السدة ولم يزل يتنقل في مراتب الخدمة إلى أن نال الحجابة ومن ولده الأديب أبو الأسود، وكان ذا وجاهة عند الناس، حدثاً مؤنس الجليس ممتعاً، توفي في أيام الخليفة الناصر لدين الله رحمه الله تعالى.

مولى معاوية بن مروان بن الحكم

عيسى بن شهيد مولى معاوية بن مروان بن الحكم قال: كان عيسى هذا منقطعاً إلى الأمير عبد الرحمن بعهد والده الأمير الحكم مؤملاً له، فلما أفضى الأمر إليه أزلفه به، وقدمه في عليه خاصته، وصرفه في علي مراتبها، فولاه خطة الخيل، ثم استوزره، وولاه النظر في المظالم وتنفيذ الأحكام على طبقات أهل المملكة، ثم استحجبه مكان سفيان بن عبد ربه، واستخصه دون أصحابه، وكان أهلاً لإيثاره، إذ كان من أعيان رجال الموالي في الدولة، وهم متوافرون، ومن أشهرهم بالحلم والوقار والحصافة والعلم والمعرفة والحزم والجزالة. وقد قاد بالصوائف، فأحمدت سياسته، وكانت له في التدبير آراء صائبة، وفي الحروب مقام كريمة، وتهيأت له على العدو وقائع مثخنة. وكان نصر الخصي خليفة الأمير عبد الرحمن الغالب عليه من بين سائر أكابر خدمه المظاهر لحظتيه طروب الغالبة عليه من بين نسائه قد اشتمل على قصر الأمير عبد الرحمن ومن فيه، وشرك في تدبير سلطانه وهو شاحن لحاجبه عيسى عامل في إقصائه، فتسنى له ذلك عندما اعتل الأمير علته الطويلة التي حجبه فيها نصر، وأنفذ عليه أموراً منكرة، منها صرفه لعيسى. هذا عن الحجابة، وذلك بأن أخرج الأمر عن مولاه بصرف عيسى عن الحجابة وإقراره على خطة الوزارة، وتقليد عبد الرحمن بن رستم الحجابة مكانه. فجرى الأمر بذلك إلى أن استقل الأمير عبد الرحمن من علته، وقعد لأهل خططه، فدخلوا عليه يقدمهم الوزراء، وعيسى في عرضهم، فتقدم عبد الرحمن بن رستم جماعتهم في التسليم على الأمير، ثم قعد فوق ابن شهيد، فاستنكر الأمير ذلك، فلما استقر بهم

المجلس قال لعيسى بن شهيد فما يخاطبه به: ما شأن كذا؟ لأمر سأله عنه، فقال له: يا مولاي، لست بحاجب، وهذا هو الحاجب. وأشار إلى ابن رستم. فعلت الأمير عبد الرحمن كبرة، وعرف من حيث أتى، فكظم غيظه واصطبر. فلما خرج الوزراء دعا بنصر، فسأله عن عزل ابن شهيد، وولاية ابن رستم، فلم يمكنه إنكاره، وادعى أن وصية خرجت إليه من لدنه صدر علته، فكذبه الأمير، وعلم أنها من تحامله وجسراته، فسبه وأغلظ له، وهم به، ثم عفا عنه، وأعاد عيسى بن شهيد إلى الحجابة، وعزل عنها عبد الرحمن بن رستم، وتركه على الوزارة، فلم يزل عيسى بن شهيد حاجباً للأمير عبد الرحمن بن الحكم إلى أن توفي الأمير عبد الرحمن، فأمضاه عليها محمد سنة ثلاث وأربعين ومائتين، وقد استكمل في ولايته في الدولتين عشرين سنة. وقال أبو بكر بن القوطية: لما توفي الحاجب عبد الكريم بن عبد الواحد مغيث صدر دولة الأمير عبد الرحمن تنافس الوزراء كلهم في خطة الحجابة بعده، وكدوا بالوسائل والشفاعات حتى أضجروه، فأقسم أو اعتقد ألا يوليها واحداً منه، وعطلها مدة، ثم صيرها إلى رجل من أقادم صنائعه كان له اتصال به قبل الخلافة أحظاه لديه اسمه سفيان بن عبد ربه، أصله من برابر بيانة، لم يكن له قدم، وكانت له يقضة ومعرفة، فتولى حجابته أعواماً إلى أن مات، فولى عبده عبد الرحمن بن غانم، ثم مات بن غانم أيضاً، فصارت الحجابة إلى عيسى بن شهيد، ثم إلى عبد الرحمن بن رستم يداول الأمر بينهما، إلى أن

وزراء الأمير عبد الرحمن

مات ابن رستم، فاتصلت الحجابة لعيسى بن شهيد بقية أيام الأمير عبد الرحمن. فلما ولى ابنه الأمير محمد أقر ابن شهيد خمسة أعوام إلى أن توفي سنة ثلاث وأربعين ومائتين. وزراء الأمير عبد الرحمن قال أحمد بن محمد: كان وزراء الأمير عبد الرحمن: العباس بن عبد الله القرشي؛ الوليد بن عبد الله القرشي، عبيد الله بن يحيى بن خالد، عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث الحاجب القائد الكاتب؛ عبد الرؤوف بن عبد السلام؛ عيسى بن شهيد الحاجب؛ عبد الرحمن ابن رستم الحاجب؛ محمد بن السليم؛ وكانت له مع الوزارة خطط يرتزق عليها في كل شهر ثلاثمائة دينار؛ محمد بن عبد السلام بن بسيل، وكانت تلك سبيله؛ عبد الواحد بن يزيد الإسكندراني، وكانت أرزاقه تنتهي إلى العدد المذكرو؛ عبد العزيز ابن هشام بن خالد، وكانت أرزاقه أيضاً عظيمة؛ عبد الرحمن بن عبد الحميد بن عبد الحميد بن غانم، محمد بن كليب بن ثعلبة، وكان قبل وزارته على الشرطة؛ يوسف ابن بخت؛ عبد الله بن أمية بن يزيد؛ حسن بن عبد الغافر بن أبي عبدة. قال ابن القوطية: والأمير عبد الرحمن أول من ألزم هؤلاء الوزراء الاختلاف إلى القصر كل يوم، والتكلم معهم في الرأي، والمشورة لهم في النوازل، وأفردهم ببيت رفيع داخل قصره مخصوص بهم يقصدون إليه ويجلسون فيه فوق أرائك قد نضدت لهم، يستدعيهم إذا شاء إلى مجلسه جماعة وأشتاتاً، يخوض معهم فيما يطالع به من أمور مملكته، ويفحص معهم الرأي فيما يبرمه من أحكامه. وإذا قعدوا في بيتهم أخرج رقاعه ورسائله إليهم بأمره ونهيه فينظرون فيما يصدر إليهم من عزائمه. جرى على ذلك من تلاهم إلى اليوم.

قال ابن مفرج: وكان قد اجتمع للأمير عبد الرحمن من سراة الوزراء أولى الحلوم والنهي والمعرفة والذكاء عصابة لم يجتمع مثلها عند أحد من الخلفاء قبلهم ولا بعدهم. وسماهم حسبما تقدم، فزاد فيهم ابن مفرج عبد العزيز بن هاشم الملقب سعاد من غير تسمية ابن شهيد. قال أبو بكر: لم يختلف أحد من شيوخ الأندلس في أنه ما خدم ملوك بني أمية فيها أحد أكرم من عيسى بن شهيد غاية، ولا أكرم اصطناعاً، ولا أرعى لذمة. ولقد كان الحاجب قبله عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث بهذه الصفة، على زيادة خصاله وأدواته على عيسى إلا في باب كرم الصنيعة واستتمامها، فلم يك يفضله درجة، بل كان عبد الكريم يقصر عن عيسى في باب قبول الهدية وتجويز المكافأة على قضاء الحاجة، فإنه كان يقبل ذلك ولا يأباه، وكان عيسى على الضد منه في هذا الباب: لا يقبل شيئاً منه ألبتة، وكان يهجر من عرضه إليه، ولا يرضى فيمن يتقلده من صنائعه ويشمله بنعمته إلا بغاية التشريف والإنهاض، والتخويل والإمداد. فمن مشهور ذلك فعله في عبد الواحد بن يزيد الإسكندراني، فإنه قدم إلى الأندلس وهو فتى متأدب ظريف، كان يشدو شيئاً من الغناء على مذاهب الفتيان، فاعتلق بحبل ابن شهيد وهو صاحب الأمير عبد الرحمن بن الحكم، فبلا منه فضلاً وحجى. فقال له: أمسك عن الغناء البتة، فإنه يريبك لدينا، وتحقق بأدبك، وتنبه لحظك، فلك خصال تجذب بضبعك! ففعل عبد الواحد ذلك، ولزم عيسى، فألقى دكره إلى الأمير عبد الرحمن، وأوصله إليه، فأصابه على ما وصفه له عيسى، فقبلته نفسه، وحركه عنده حظه، فأدنى

كتاب الأمير عبد الرحمن

منزلته، ومكن خصوصيته، حتى نادمه وأنس به، ثم استخدمه ونقله في منازل الخدمة حتى خوله المدينة، ثم رقاه إلى الوزارة والقيادة. كتاب الأمير عبد الرحمن كتب له الحاجب عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث، مع ما كان إليه من الحجابة والقيادة، وعبد الله بن محمد بن أمية بن يزيد بن أبي حوثرة مولى معاوية بن يزيد بن عبد الملك ابن مروان، بيت الكتابة لبني مروان بالأندلس، تناسق بعبد الله هذا ثلاثة منهم ما بينه وبين جده أمية بن يزيد كاتب الأمير الداخل عبد الرحمن بن معاوية. وكان مهلك جده أمية سنة أربع وخمسين ومائة، ومهلك أبيه محمد سنة ست وعشرين ومائتين، ومهلك عبد الله هذا المذكور سنة مائتين وست وأربعين. وكانوا أهل بيت نجابة..... وكتب له أيضاً محمد بن سعيد الزجالي، مؤسس بيت من بيوت الشرف بقرطبة من غير قدم في الدولة، ومحمد بن موسى بن محمد؛ وكان يخاطب عنه في بعض الأوقات كليب الكاتب من غير أن يرتسم بالخطة.

خبر الزجالي

خبر الزجالي قال أبو بكر محمد بن عمر بن القوطية: هو محمد بن سعيد بن أبي سليمان، واسمه وارشكين، من بني يطفت من نفزة، وهو المعروف بحمدون، والملقب بالأصمعي، ولقب بذلك لذكائه وقوة حفظه، وكان أول من أصطنعه فاستكتبه الأمير عبد الرحمن بن الحكم، وكتب لابنه محمد بعده، وأنجبت ولادته لابنيه عبد الله وحامد ابني محمد بن سعيد، فكانا كاتبين نحريرين، كلاهما كتب للسلطان، خلا عبد الله منهما لم يطل أمده في الكتابة، وكتب نحو ستة أشهر، فأعجلته المنية. وأما حامد أخوه فلزمته الكتابة وشهر إلى أن مات سنة ثمان وستين ومائتين. وكتب منهم أيضاً عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن سعيد الزجالي سنة سبع وثمانين ومائتين، ثم إنه نالته علة عظيمة مدة، وتخفف، فأعاده الأمير عبد الله في دولته إلى الكتابة مراراً، واتصلت كتابته من بعده صدر دولة حفيده عبد الرحمن الناصر لدين الله إلى أن هلك في العسكر سنة ثنتين وثلاثمائة. فقوضت الكتابة عن بيت هؤلاء الزجاليين مدة إلى أن عادت عليهم بعبد الرحمن ابن عبد الله بن محمد الزجالي متقدماً للناصر لدين الله في مهمات سنة تسع وعشرين وثلاثمائة آخر دولة الناصر، ثم لم ينجم في بيتهم كاتب بعده إلى آخر الدولة وقرأت.............. بالأدب أيام كانت سوقه نافقة، فارتقى به إلى معرفة الخلفاء، فبنى البيت المنيف، ونال ذروة المنزلة الرفيعة، وكانوا قدماً من عامة البتر من البرابر، أصولهم من ناحية

تاكرونا، لم يحفظ لأولهم نباهة، فسبق الأمير عبد الرحمن بن الحكم إلى اصطناع جدهم محمد بن سعيد هذا، وبلا منه فهماً ومعرفة وصيانة وجزالة استخدمه لها، فرقاه في منازل خدمته، واستكتبه واستخصه، فسما بيته، ولحق بأشراف الدولة. وقرأت في كتاب القاضي أبي الوليد ابن الفرضي المولف في طبقات أهل الدولة والأدب بالأندلس، قال: هو أبو عبد الله محمد بن سعيد بن موسى بن عيسى الزجالي - هو فخذ من بتر البرابر بالأندلس -، وكان يلقب بالأصمعي لعنايته بالأدب وحفظه للغة، وكان من أقوم أهل زمانه بها، وكان له حظ وافر من البلاغة، ونصيب حسن من صوغ القريض، ولم يكن لهؤلاء الزجاليين المقحمين في بيوت الشرف بقرطبة قبل جدهم محمد هذا قدم رياسة، ولا سالف صحبة للسلطان، ولا تشبث بخدمته، فهو أول من نجم فيهم وصارت له منزلة لديهم، كان سببها - زعموا - أن الأمير عبد الرحمن بن الحكم عثرت به دابته وهو سائر في بعض أسفاره، وتطأطأت، فكاد يكبو لفيه، فلحقه جزع تمثل إثره لما استقلت به مطيته بقسيم بيت جرى بفيه، وهو: من الطويل. وما لا يرى مما يقي الله أكثر وطلب صدر البيت، فعزب عنه، وتعلق باله به، فسأل عنه أصحابه، فأضلوه وأمر بسؤال كل من تسمى بمعرفة في عسكره، فلم يكن أحد يقف عليه غير محمد بن سعيد هذا الزجالي، لما أراده الله تعالى من تحريكه، فقال لسائله؛ حاجة الأمير عندي، فليدنني أتمها له. فأدناه، فقال له أصلح الله الأمير، أول هذا البيت: ترى الشيء مما يتقي فتهابه ... وما لا نرى مما يقي الله أكثر

تمام البيت. فأعجب الأمير ما كان منه، وراقه بيانه، وأعجبه شكله، فقال له: إلزم السرادق. فلما جالسه وحدثه إزداد قبولاً له ورغبة فيه، فاستخدم واستخصه، ثم استكتبه بعد حين لسره. وكان قبل هذا اتخذه كاتباً لوزرائه إشراكاً لهم فيه على رسم من تقدمه، فحدت محمداً همته على الترفع عن ذلك للتفرد بأعلى المنازل، وكتب إلى الأمير عبد الرحمن يستعفيه من قصد وزرائه كتاباً يقول فيه: إن من وسم بميسم كتابته أعزه الله وشرف باسمها لجدير أن يعتلى عن كتابة وزرائه، ويزدهي بجصانة أسراره. تنبيهه إياه، فأفرده بكتابته، واتخذ للوزراء كاتباً مفرداً لكتابتهم، فجرى الأمر على ذلك من بعد الأمير عبد الرحمن إلى آخر الدولة. وكان محمد بن سعيد هذا من أحد عجائب الدنيا في قوة الحفظ، يضرب بحفظه الأمثلة، على تصديق ما يؤثر من ذلك من مشهور الحفاظ من صدر هذه الأمة. فذكر عنه ابنه حامد بن محمد قال: جاءه يوماً مستجد توسل إليه بشعر امتدحه به سأله أن يأذن له في إنشاده، ففعل، وجعل الشاعر ينشده له مسحنفراً في نشيده، ومحمد مطرق. فلما فرغ من شعره ذهب إلى مغالطته له، فقال له: يا هذا، ما الذي دعاك أن تنتحل شعراً لغيرك، فتقلبه فينا؟ وكنت في غنى عن ذلك، فقد كان في قصدك لنا وماتة أدبك إلينا ما نقضي به ذمامك،

ونعينك على شأنك! فقال له: سبحان الله يا سيدي! تقول ذلك في شعر كددت فيه خاطري، وأتعبت فيه ذهني؟ فلا والله ما أخذته من أحد، ولا سويته إلا من نظمي! فقال له محمد: باطل! إنه لشعر قد رويته قديماً وحفظته، فإن شئت فاستمع إليه أنشدكه وبدأ فأعاد الشعر عليه أو أكثره. فبقى حائراً لما فجأه به، وقد زال طمعه، وانقطعت حجته، واشتدت فجعته. فلما رأى محمد سوء مقامه قال له: خفض عليك، فأني مزحت معك، وإنك الصادق فيما قلت، الحقيق بالثواب على ما قرضت، وإنما أعانني عليك قوة حفظي الذي ذهبت إلى اختباره معك. ولا والله ما سمعت بهذا الشعر قبل يومي. فسرى عن الشاعر همه، وأجزل صلته. قال: وتوفي محمد بن سعيد هذا الأصمعي سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وأعقب ابناً نجيباً يسمى حامد بن محمد ورث مكانه من الأدب والمعرفة والكتابة والبلاغة، فسلك سبيله في خدمة السلطان، وارتقى فوق ذروة أبيه بخطة الوزارة، بحضرة الأمير محمد بن عبد الرحمن. وقد كان أديباً حليماً عفا جميل الخصال، خلا أنه كان يعاب بالبخل والاقتصاد، فيضحى للذم في عرضه ذريعة. قيل لمؤمن بن سعيد الشاعر البذيء: ما بالك لا تسامر الوزير حامداً أو تراكبه حسبما نراك تفعله مع الوزراء من أصحابه مع قديم اتصالك به وسببك إليه؟ فقال مؤمن بن سعد: هذه جنازة غريب لا يصحبها من صحبها إلا الله تعالى! ونميت كلمته إلى حامد، فحقدها عليه. وشيعه مؤمن بعيد أيام في خروجه من القصر إلى داره لا ينكر ما عرفه من أنسه به ومذاكرته، فلما أراد مؤمن الانصراف قال له حامد: أعظم الله أجرك أبا مروان! وكتب خطاك! - دعاء مشيع الموتى -، تعريضاً له بقوله ومن نوادر حامد بن محمد الزجالي ما حكاه محمد بن نصر، قال: غلط إمام الوزير حامد بن محمد ليلة في بعض قراءته في صلاة التراويح في شهر رمضان

بمسجد حامد، وحامد حاضر، فقرأ مكان قوله تعالى: " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة "، فقرأ: "..... فانكحوهما "، فلما انصرف حامد قال لبعض من يخصه من جيرانه: " أما سمعت ما أتى به إمامنا من تبديل حدودنا؟ وتضاحك، فقال له حامد: فقد سنحت لي فيه بديهة فاسمعها، وأنشده: من مجزوء الرمل أبدع القارئ معنى ... لم يكن في الثقلين أمر الناس جميعاً ... بنكاح الزانيين وأنشد لأحمد بن محمد بن فرج البلوي المعروف بالبلساري يهجو حامد بن محمد ويكثر بخله في اتخاذه لصنيع عنده قتر فيه على من شهده، وناقض مروءته، من أبيات فيها: من الكامل. فعل اللئيم وليته لم يفعل ... وأتى بفعل مثله لم يجمل ذبح الضفادع في الصنيع ولم يدع ... للنمل جارحة ولا للقمل وضع الطعام فلو علته ذبابة ... وقعت لتكمل شبعة لم تكمل وكأنما خرطت صحاف طعامه ... من دقة ودمامة من خردل

أصحاب شرطة الأمير عبد الرحمن بن الحكم

وكأن فترة صحفة عن صفحة ... في البعد والإبطاء فترة مرسل أرسل هذا الشاعر آفة على أهل هذا البيت لأمر أودى به من بعضهم، فعمم بهجائه، وأفحش لهم. ومن قوله في شعر له فيهم: من الطويل هم علموني اللؤم حتى كأنني ... لغير أبي أو معرق في الزجاجله أصحاب شرطة الأمير عبد الرحمن بن الحكم قال أحمد بن محمد الرازي: ألفى الأمير عبد الرحمن على الشرطة لأبيه الحكم محمد بن كليب بن ثعلبة، فأمضاه عليها، ثم رقاه إلى الوزارة. وقتاً تفرعت فيه أيامه شرطة العدو، ثم استعفى الشرطة إذا كره النظر، وولى مكانه الشرطة سعيد بن عياض القيسي. وكان على الشرطة والرد حارث ابن أبي سعد.

قواده

قواده عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث الحاجب الكاتب، وقاد لثلاثة من الخلفاء: هشام والحكم وعبد الرحمن؛ عبد الرحمن بن رستم؛ عبد الواحد بن يزيد الإسكندراني؛ عباس بن الوليد الطلبي، وكان كثير التردد بالصوائف قضاة قرطبة للأمير عبد الرحمن بن الحكم على اختلاف الرواة في عددهم وترتيب دولهم قال أحمد بن محمد الرازي: كان له أحد عشر قاضياً: أولهم مسرور بن محمد، على اختلافهم في نسبه أيضاً، إذ يقول محمد بن حارث في كتابه: هو مسرور بن محمد بن سعيد بن شراحيل المعافري، ويقول ابن عبد البر: بل هو من موالي الأمير عبد الرحمن بن معاوية، يكنى بأبي نجيح، وذا من اختلافهم قبيح؛ ثم سعيد بن محمد بن بشير؛ ثم يحيى بن معمر ابن عمران الألهاني الإشبيلي؛ ثم الأسوار بن عقبة؛ ثم إبراهيم بن العباس بن عيسى ابن عمر بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، ثم يخامر بن عثمان المعافري؛ ثم علي ابن أبي بكر القيسي؛ ثم معاذ بن عثمان الشعباني؛ ثم محمد بن زياد اللخمي؛ ثم سعيد ابن سليمان بن أسود عم سليمان بن أسود؛ ثم محمد بن سعيد. وقال الحسن بن محمد بن مفرج: قال ابن عبد البر في تاريخه: لما ولي الأمير عبد الرحمن بن الحكم استقضى على قرطبة مسرور بن محمد سنة سبع ومائتين؛ ثم سعيد بن سليمان سنة ثمان ومائتين، ثم يحيى بن معمر الألهاني سنة تسع

ومائتين، ثم الأسوار بن عقبة سنة عشر ومائتين وما بعدها؛ ثم إبراهيم بن العباس القرشي المرواني جد بني أبي صفوان هؤلاء القرشيين الوجوه بقرطبة سنة ثلاث عشرة ومائتين؛ ثم محمد بن سعيد سنة أربع عشرة وما بعدها؛ ثم يخامر بن عثمان سنة عشرين ومائتين أيضاً، فقضى أعواماً؛ ثم علي بن أبي بكر سنة سبع وعشرين ومائتين وما بعدها؛ ثم معاذ بن عثمان الشعباني سنة إحدى وثلاثين ومائتين؛ ثم محمد بن زياد اللخمي سنة أربع وثلاثين ومائتين؛ فبلغت عدة قضاته عشرة رجال، وإنما كان سبب استكثار عبد الرحمن بن الحكم من القضاة وكثرة توليته وعزله لهم إتباعه فيهم رضاً كبير الفقهاء المشاورين الأثير عنده يحيى بن يحيى، إذ كان لا يزال يشير عليه بقاض، فيوليه الأمير عبد الرحمن مقتصراً فيه على رأيه، فإذا أنكر عليه يحيى شيئاً رفع عليه إلى الأمير، فلا يؤخر عزله، ولا يحيد عن مشورته، وكان يحيى الذي يولى مكانه. وكان الشيخ يحيى شديد التمكن من حسن رأي الأمير عبد الرحمن، وكان قد آثره على جميع الفقهاء أصحابه، وجعل توركه عليه، فمن أجل ذلك كثر عدد قضائه. قال الحسن: وقد خالف أبو بكر ابن القوطية ابن عبد البر في عدد هؤلاء القضاة وترتيب دولهم، فقال:

ألفى الأمير عبد الرحمن بن الحكم على قضاء والده الأمير الحكم سعيد بن محمد بن بشير المعافري، وجده على القضاء لأبيه، فأمضاه بعده. ومحمد بن شراحيل المعافري جد بني شراحيل هؤلاء الذين ينسب إليهم المسجد والدرب بالربض الغربي: ثم الفرج كنانة الكناني الشذوني؛ ثم يحيى بن معمر الألهاني الإشبيلي، ثم عزله لرفع الفقيه يحيى بن يحيى عليه، ثم الأسوار بن عقبة الجياني ثم إبراهيم بن العباس المرواني جد بني أبي صفوان هؤلاء القرشيين الوجوه بقرطبة، ثم عزله - زعموا - لكلمة خاطبته بها امرأة تخاصمت إليه بمجلس نظره، فلم ينكرها، وذلك أن قالت له: يا بن الخلائف! أنظر إلى نظر الله إليك!، فلم يغير عليها، فنماها إلى الأمير موسى بن حدير الخازن الأكبر؛ ورفع إليه صفحة يقول فيها: ما ينبغي للأمير أن يشركه في سلطانه من يخاطب بمثل ما يخاطب به، ويحلى تحليته، فذاك الذي أوجب عزله، وقيل إن تلك المرأة دست لتقول ذلك القول، فعزله الأمير سريعاً؛ ثم استقضى بعده محمد بن زياد جد بني زياد هؤلاء الركنيين، ثم عزله وأعاد يحيى بن معمر إلى القضاء ثانية؛ ثم يخامر ابن عثمان الجياني، واستعفاه من الولاية فأعفاه؛ وولى أخاه معاذ بن عثمان؛ ثم سعيد ابن سليمان الغافقي البلوطي آخر قضاته، فصارت عدة القضاة في أيامه عشرة رجال قال ابن عبد البر في تاريخه: وكانت الفتيا في أيام الأمير الحكم وأيام عبد الرحمن ولده تدور على عيسى ابن دينار؛ وزونان بن الحسن، ومحمد بن عيسى الأعشى راوية وكيع بن الجراح،

ويحيى بن يحيى الليثي، وسعيد بن حسان، وعبد الملك بن حبيب، ومحمد بن خالد الأشج. وغلب يحيى بن يحيى جميعهم على رأي الأمير عبد الرحمن، وألوى بإيثاره، فصار يلتزم من إعظامه وتكريمه وتنفيذ أموره ما يلتزمه الولد لأبيه، فلا يستقضي قاضياً ولا يعقد عقداً ولا يمضي في الديانة أمراً إلا عن رأيه وبعد مشورته، ويحيى بن يحيى في طي ذلك يعترف للأمير عبد الرحمن بجميل ذلك، فلا يأتلي في ذكر إحماد سيرته، ووصف معدلته وتزيين آثاره لدى رعيته، وتحضيضهم على طاعته، واستنهاضهم لتكاليفه، يتأتي لذلك بلطف تناوله وسلامة جانبه، وكأنه لا يقصده، ويرى السلطان منفعته، فيزداد في إعظام قدر الشيخ يحيى بصيرة، ولا ينقض لرياسته مريرة. قرأت في كتاب معاوية بن هشام الشيبنسي قال: حدثني أبي هشام قال: سمعت الفقيه أصبغ بن خليل يقول: خرج الأمير عبد الرحمن بن الحكم غازياً إلى بعض أهل الخلاف بالغرب الأقصى، وعقده على أن لا يدخل إلى دار الحرب سنته، فلم يستنفر أهل الموسطة، واقتصر على مدونته، فلما تهيأ له مراده في عصاة أهل الغرب وأصلحه بدا له في القفول إلى الحضرة، ورأى الدخول إلى بلد العدو، وإتمام غزوته بالصمد إلى نكايته؛ فتقدم في تهيئة ذلك، ووافى كتابه على البريد إلى ولده محمد بن عبد الرحمن، وهو مخلفه على قرطبة، ليلتزم للكون بالسطح على باب السدة من قصر الخلافة مبيت الأمير على العادة فأمره باستنفار الناس نحوه، وأخذ بتعجيل الخروج إليه واللحاق به بمكان رسمه. لهم وجه عزيمته،..... وأمره أن يحضر.................... ويقرئ الناس كتاب الأمير.

فوافينا محمداً، وهو يومئذ أمرد، ما في وجهه شعرة، فسلمنا عليه، وقضينا حقه وجلسنا على منازلنا بين يديه، وأبطأ الشيخ يحيى بن يحيى، والعيون تتطلع نحوه، فكان آخر القوم مجيئاً، وصار الولد أشد عليه من على جميعهم إقبالاً، وإليه انعطافاً، وبه بشا، فأجلسه معه على فراشه، وأحفى يحيى سؤاله، ودعا له. ثم أمر محمد عند ذلك بقراءة كتاب الأمير عبد الرحمن علينا بالاستنفار، فأصغينا إليه. فلما فرغ بدر يحيى بن يحيى فقال: نعم، أصلح الله الأمير. الواجب علينا الخفوف إلى الإمام أصلحه الله وأيده، والبدار إلى اللحاق به، وألا يعتذر في ذلك منا إلا معتذر قد أنزل الله في كتابه عذره لا سواه. فقيل للناس: قد سمعتم، فقوموا فانظروا في جهازكم على بركة الله. وعجلوا للخروج، فآخر مواقيتكم يوم كذا. فقام الناس، ولم يتحرك الشيخ يحيى بن يحيى في ذلك عن مكانه. قال أصبغ: وورد علي منهم النفير بما لا قبل لي به، إذ كنت مقلاً لا مال لي، ولا نهوض بي، فاشتد علي، وخبت فصاحتي. ولما رأيت يحيى لا يشير إلى القيام، وكنت على ظن أن له خبراً أردت الوقوف عليه، وكانت لي مكانة من صاحب المدينة المتولي للقصة انبسطت من أجلها بالجلوس. فلما لم يبق غيري أقبل يحيى على الولد محمد، فقال: قد يرى الأمير ضعفي على النفر لشيخي ووهني وأن مثلي لا يستطيع الغزو، ولكني أبعث ابني عبد الله في مثل العدة التي كنت إغزوا بها، فإنه - إن شاء الله - أغنى

وأجدى مني. فإن رأى الأمير سيدي أن يكتب إلى الإمام - أيده الله - بعذري ومكان طويتي فعل. فقد كرهت أن أعتذر بمحضر الملأ، لئلا أوجد لمن ليس له عذري سبيلاً إلى الاعتذار. فشكر له محمد فعله، واستحسن فيه رأيه، ووعده بتجديد المخاطبة في شأنه. فقام يحيى، وذهبت إلى القيام، وقد هبت الكلام، فقال لي صاحب المدينة: قد علمت الذي تذهب إليه والذي تستحيى الكلام من أجله. وحقك لازم لي، فأنت مخير بين أن تنفذ لرأي الإمام فتلحق به مستريحاً للهم عن قلبك، وبين أن تدخل بيتك، وتغلق بابك عليك، فلا تخرج عنه لشيء من الأشياء إلى أن يقفل الإمام أصلحه الله، وأنا من وراء الحفظ لك بحول الله. نقال: فاخترت لزوم بيتي، فلم أخرج منه إلى أن قفل الأمير، فلم أهج بإغضاء صاحب المدينة، وأقام على بينة من أمري، إذ تبين له عذري. قال ابن عبد البر: وكانت فتيا القضاة في مدة عبد الرحمن بن الحكم تدور على نفر من الجلة ماتوا في أيام الأمير عبد الرحمن في مدة مختلفة، إلا عبد الملك بن حبيب، فإنه استأخر بعد آخرهم موتاً إلى أن هلك الأمير عبد الرحمن، فلحق عبد الملك من أيام ولده

الأمير محمد بن عبد الرحمن ستة أشهر أو نحوها، ثم تبع أصحابه - رحمة الله تعالى عليهم -، فقرضت زمرتهم، وانقلبت رياسة الفتوى إلى من تلاهم. وكان من مشاهير من رحل إلى المشرق في طلب العلم وانتقاء الرواية من أهل قرطبة فأدرك الغاية: محمد بن يوسف بن مطروح، ومحمد بن حارث، وأبو زيد عبد الرحمن ابن إبراهيم، وعبد الأعلى بن وهب، وبقي بن مخلد رضي الله تعالى عنه، ومحمد بن وضاح، ويحيى بن إبراهيم بن مزين، وأبان بن عيسى بن دينار، وعبيد الله بن يحيى بن يحيى، وكان من آخرهم رحلة في أخريات الأمير عبد الرحمن فتشور من أعيان هؤلاء اللاحقين في أيام الأمير عبد الرحمن: عبد الأعلى بن وهب، وأصبغ ابن خليل. قال: واعتلت منزلة عبد الملك بن حبيب عند الأمير عبد الرحمن، ولا سيما من بعد وفاة الشيخ يحيى بن يحيى، فإنه تفرد بأثرته، وحل منزلته، فلم يكن يقدم أحداً من أصحابه عليه، ولا يعدل بمشورته عنه. وذكر معاوية بن هشام الشبانسي قال: كانت في أيام الأمير عبد الرحمن مخارج للناس إلى الاستسقاء في زمن الجدوب، وكان البروز في أكثرها إلى مصلى الربض بعدوة نهر قرطبة الدنيا، أسفلها معهداً مصلى الأعياد. فحضرهم مخرج استسقاء آخر أيام الأمير عبد الرحمن بعد مهلك نصر الخصي خليفته الغالب على رأيه، أنذر الناس به ليوم بعينه إلى الربض على عادتهم، فأنكر ذلك الفقيه عبد الملك بن حبيب، وكتب إلى الأمير عبد الرحمن يذكر أن نصراً هو الذي عاق الناس عن مصلى المصارة، وتولع بصرف بروزهم إلى مصلى الربض لقربه من قصره هناك، وقد دفعه....... مشيه نحوه، ويذكر أن البروز إلى مصلى المصارة المتصل بالبلد

أرفق بالناس وأحوط، على ازدحامهم في القنطرة، فقد صح عنده أن جماعة منهم هلكوا يوم الاستسقاء غرقاً.......... في النهر فأثقلوا قارباً ونزلوا فيه لياذاً من ضيق القنطرة، فرسب بهم، وهلك منهم جماعة، وأن من آفات ازدحام الناس في القنطرة ما بلغه من أن أحدثاً. والمزعج للخوف فمصلى المصارة أرفق بالناس كافة، فإن من حركته منهم إراقة أو انتقضت به طهارته تقارب عليه شط النهر، فدب الناس من قرب، ونال حاجته بسرعة، ومن طلب منهم التستر لشأنه أمكنه الاستجنان بداخل الجنات الملاقية للمصارة فتبرى فيها من غير بعد عن مصلاه. فصوب الأمير رأيه، وانصرف البروز للاستسقاء إلى مصلى المصارة الذي اختاره عبد الملك. وذكر القاضي أبو الوليد ابن الفرضي قال: بلغ من ابنساط الفقيه عبد الملك بن حبيب على الأمير عبد الرحمن أن كتب إليه في يوم عاشوراء: من البسيط لا تنسى لا ينسك الرحمن عاشورا ... واذكره لا زلت في الأحياء مذكوراً قال الرسول صلاة الله تشمله ... قولاً وجدنا عليه الحق والنورا: من بات في ليل عاشوراء ذا سعة ... يكن بعيشته في الحول محبوراً

فارغب فديتك فيما فيه رغبناخير الورى كلهم حياً ومقبوراً وقرأت بخط عبادة الشاعر قال: كان يحيى بن يحيى وأصحابه الفقهاء يحسدون عبد الملك بن حبيب لتقدمه عليهم بعلومٍ لم يكونوا يعلمونها ولا يشرعون فيها، إذ كان مع تقدمه في الفقه والحديث عالماً بالإعراب واللغة، مفتناً في العلوم القديمة، متصرفاً في الآداب الناصعة، له تواليف جمة في أكثر هذه الفنون، منها كتابه في إعراب القرآن، وفي شرح الحديث، وفي الأنساب وفي النجوم، وغيرها. وله بيت شعر في التعريض ببعض قضاة الأمير عبد الرحمن ضمنه كتاباً خاطبه به في شأنه: من الخفيف: كان بالقاسطين منا رؤوفاً ... وعلى المقسطين سوط عذاب

نوادر من أخبار قضاة الأميرعبد الرحمن

نوادر من أخبار قضاة الأميرعبد الرحمن مستخرجة من كتاب الاحتفال مسرور بن محمد قال محمد بن حارث الخشني: هو مسرور بن محمد بن سعيد بن بشير بن شراحيل المعاقري، ووالده محمد قاضي الجماعة بقرطبة الشهير فضله، ولاه الأمير عبد الرحمن بن الحكم رحمهما الله قضاء الجماعة بقرطبة، وكان من الصالحين الفاضلين. حدثني من وثقت به من أهل العلم، قال: حدثني محمد بن أحمد بن عبد الملك المعروف بابن الزراد، قال: كان عندنا بقرطبة قاض يعرف بمسرور، وكان من الزهاد؛ استأذن من حضره من الخصوم يوماً في أن يقوم لحاجة يقضيها فأذنوا له، فقام عنهم نحو منزله، ولم يلبث أن خرج وفي يده خبزة نية، فذهب بها إلى الفرن، فقال له بعض من رآه: أنا أكفيك أيها القاضي! فقال له: فإذا أنا عزلت عن القضاء - قربه الله تعالى مني - تراني أجدك كل يوم تكفيني حملها؟ ما أراك تنشط لذلك! بل الذي حملها قبل القضاء يحملها بعد القضاء.

وقال ابن عبد البر: مسرور بن محمد هذا من موالي الأمير عبد الرحمن بن معاوية الداخل، يكنى أبا نجيح، استقضاه الأمير عبد الرحمن بن الحكم بعد حامد بن يحيى الذي كان آخر قضاة والده الحكم وأول قضاته، وهو وذلك سنة سبع ومائتين، فلم تطل ولايته، وتوفي سنة ثمان ومائتين في آخرها.. وقال القاضي أسلم بن عبد العزيز: سمعت أبي يذكر أنه تسمى جماعة من موالي الخلفاء بأسماء العرب، فأنكر ذلك عليهم الأمير بفضل أنفته، وأكد فيه نهيه، وكان له مولى من عتاقة أبيه يسمى بمحمد، وولد له ولد سماه مسروراً، سمى به علي حد الأمير، فحسنت نشأته، واستقامت طريقته، وتفقه وتعبد، وشهر فضله إلى أن ولاه الأمير عبد الرحمن القضاء بقرطبة، فاستقل بالعمل، وأحسن وسلك الطريقة، فاغتبط به الناس، إلا أنه عوجل، فتوفي من عامه الذي فيه استقضاه. سعيد بن سليمان قال ابن عبد البر: هو سعيد بن سليمان، يكنى أبا عثمان، أصله من فحص البلوط، وكان عم سليمان بن أسود القاضي فيما بلغنى. ذكر محمد بن مسرور عن أبيه قال: سمعت سليمان بن أسود القاضي يقول: كان سعيد بن سليمان يخطب بخطبة واحدة لصلاة الجمعة طول مدته لم يبدلها. ولقد برز الناس للاستسقاء في بعض أيامه، فلما ابتدأ خنقته العبرة، وأشكلت عليه الخطبة، فاختصرها، وكثر من الاستغفار، والضراعة، ثم صلى، وانصرف، فسقى الناس ليومهم.

قال: وتولى القضاء للأمير عبد الرحمن مرتين. وقال محمد بن حارث: هو سعيد بن سليمان بن حبيب الغافقي، يكنى أبا خالد، أصله من مدينة غافق وولاه الأمير عبد الرحمن قضاء الجماعة بقرطبة، وقد كان ولي قضاء ماردة وغيرها قبل ولايته لقضاء قرطبة، وكان من خيار من ولوا القضاء للأمير عبد الرحمن، وهو عم سليمان بن أسود الذي ولي قضاء قرطبة. وكان يروى عن الفقيه أبي عثمان سعيد بن عثمان الأعناقي عن محمد بن وضاح أنه كان يقول: ولي القضاء أربعة ما ولي القضاء في مملكة الإسلام مثلهم، فاتصل بهم العدل في آفاقها: دحيم بن الوليد بالشام، والحارث بن مسكين بمصر، وسحنون بن سعيد بالقيروان، وسعيد بن سليمان بقرطبة. فأما دحيم بن الوليد بن عبد الرحمن بن إبراهيم وهو المعروف باليتيم فكان من أهل دمشق، ولاه جعفر المتوكل على الله أيام رأى أن يفعل الخير أو يستصلح إلى الناس بعد استفساد سلفه إليهم بالمحنة في خلق القرآن، فقلده قضاء الشام في وقت لم يصح لي تاريخه، ومات غير ممتع بولايته سنة خمس وأربعين ومائتين بمدينة الرملة. وأما الحارث بن مسكين فولاه جعفر أيضاً قضاء مصر سنة سبع وثلاثين ومائتين، جاءته ولايته وهو بالإسكندرية، فحمل إلى الفسطاط، فكان قاضي مصر إلى أن عزل في ربيع الآخر سنة خمس وأربعين ومائتين. وأما سحنون بن سعيد التنوخي فإنه ولاه قضاء إفريقية محمد بن الأغلب التميمي

أميرها لجعفر المتوكل أيضاً سنة أربع وثلاثين ومائتين، فلم يزل قاضياً إلى أن توفي في صدر رجب سنة أربعين ومائتين. وأما سعيد بن سليمان الأندلسي فإنه ولاه قضاء قرطبة أمير الأندلس عبد الرحمن بن الحكم، أحسبه في سنة أربع وثلاثين ومائتين - والشك مني - فلم يزل قاضيه إلى أن مات الأمير عبد الرحمن سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وولي الأمر بعده ابن الأمير محمد ابن عبد الرحمن، فأقره على القضاء وعمل له نحو سنتين إلى أن مات بقرطبة، وهو على قضائه. ولا أعلم له عقباً. وذكر عن أحمد بن عبد الله بن أبي خالد أن الأمير عبد الرحمن اختاره لجميل الثناء عليه، وأرسل فيه يستدعيه للقضاء، فجلس للحكم في المسجد، وعليه جبة صوف بيضاء، وفوق رأسه قلنسوة بيضاء من فضل جبته، فلما أن نظر إليه الوكلاء الذين يخاصمون عن الناس عند القضاة ازدروه واستغبوه، وطلبوا الإنذار فيه، فجاءوا في مغيبه عن المسجد بقفة مملوءة من قشور البلوط، ووضعوها تحت الحصير الذي كان يجلس فوقه فلما اقترشه عند استواء جلوسه أقض عليه وتوحش من صوت احتكاكه، فتتحول عنه، ونظر إلى القشور، فأنكر مكانه، وجلس على ملل بذلك، وذكر له أن الوكلاء فعلوا ذلك وصح عنده ما قيل له فيهم. فلما أتوه من بعد ذلك قال لهم: يا معشر الخصماء، عيرتموني بأني بلوطيٌ، وذلك ما لا خفاء به! أشهد على نفسي أن بلوطي: عود الله صليب لا تفلون فيه. ثم حلف لهم بأثر كلامه هذا أن لا يخاصموا عنده سنة، فكاد أن يورثهم الفقر. وذكر محمد بن عمر بن لبابة عن محمد بن أحمد العتبي قال:

صلى بنا يوماً سعيد بن سليمان القاضي صلاة الجمعة في المسجد الجامع بقرطبة، ثم خرجنا معه نمشي نحو داره، فلما انتهى إلى باب الفرن الذي كان يطبخ فيه قال لصاحب الفرن: أطبخت خبزتي؟ فقال له: نعم. قال: فهاتها. فناوله إياها، فصيرها تحت عضده، وقوم طريقه إلى داره، ونحن نمشي معه، ونحن قد أخرنا دوابنا إجلالاً له، حتى أديناه إلى منزله، فسلم علينا ودخل وانصرفنا عنه. وفي كتاب القاضي أبي الوليد ابن الفرضي: هو سعيد بن سليمان بن حبيب بن المعلى بن إدريس بن محمد بن يوسف الغافقي البلوطي، استقضاه الأمير عبد الرحمن بن الحكم مرتين. يحيى بن معمر الألهاني قال محمد بن حارث: يحيى بن معمر بن عمران بن منير بن عبيد بن أنيف الألهاني، من العرب الشاميين وكان من أهل إشبيلية، منزله منها بمفرانه، قرية بقرب الحاضرة، وعليها ممر السابلة، وكان في وقته فقيه إشبيلية وفارضها، وكانت له رحلة لقي فيها أشهب بن عبد العزيز، وسمع منه ومن غيره من أهل العلم، وكان ورعاً زاهداً فاضلاً عفاً مقبلاً على عمارة ضيعته وترقيح معيشته، فانتهى خبره إلى الأمير عبد الرحمن، وقد احتاج إلى قاض، فاعتامه للقضاء، واستقدمه إلى قرطبة، فقلده قضاء الجماعة بها، فصدق الظن به، واغتدى من خير القضاة في قصد سيرته، وحسن هديه، وصلابة قناته، وإنفاذ الحق على من توجه عليه، لا يحفل لومة لائم فيه. وكان إذا أشكل عليه أمر من أحكامه واختلف عليه فيه فقهاء قرطبة تأنى بهم، وكتب فيه إلى مصر إلى أصبغ بن الفرج وغيره من نظرائه، فيكشفهم على وجه ما يريد

ويطلب النجاة من تخلف الفقهاء عليه، بغية أجوبتهم في ذلك بما يعمل عليه، فكان فقهاء قرطبة يحقدون ذلك عليه، فيذمونه ويتتبعون عثراته، ويبغضونه إلى الناس، وكان أشدهم عليه زعيم الجماعة يحيى بن يحيى، فهو الذي........... سعى في تجريحه إلى أن عزل عن القضاء. فذكر خالد بن سعد قال: سمعت غير واحد من مشايخ أهل العلم يقول: كان بين الشيخ يحيى بن يحيى وبين يحيى بن معمر عداوة شديدة، فسعى يحيى بن يحيى في عزل يحيى بن معمر القاضي عند الأمير عبد الرحمن رحمه الله، وأقام عليه البينات من أهل العلم والعدالة. قال ابن عبد البر: وقدم ليلة عيد، وكانت توضع للإمام عنزة في المصلى، فباكر أهل الدهاء والحركة واصطفوا إلى العنزة، ليختبروا خطبته وينتقدوا عليه، فلما نظر إليهم عرف بهيئاتهم أنهم بالصفة التي كانوا بها، ووقع في روعه السبب الذي ذهبوا إليه، فكادهم بأن قال للقومة: إني أرى الناس قد أزحموا حول العنزة، فقدموها إلى الفضاء ليستوسعوا! فبادر القوم إلى تقديم العنزة حتى وسعت، فتكنفوها واصطفوا حولها، وتثاقل ذوو الهيئات الذين نقلت من سببهم كما خف أولئك له، ومكثوا بمكانهم، فحصل الشيخ بحيلته على قرب من لم تكن عليه مؤونة من نقده، واسحنفر في خطبته، فكان ذوو التحصيل يعجبون مما فعله، ويحكونه كثيراً عنه. وذكر إبراهيم بن محمد بن باز قال: لم يزل عبد الملك بن حبيب ممالئاً للقاضي ابن معمر مخالفاً للشيخ يحيى بن يحيى فيه إلى أن عصاه ابن معمر في القضاء لرجل يعنى به ابن حبيب، توجهت عليه فتوى

توجب القضاء له برأي أشهب، وتوجهت بضدها عليه برأي ابن القاسم، وأخذ ابن معمر فيه برأي ابن القاسم، فلفته ابن حبيب عنه إلى رأي أشهب، وكلمه أن يأخذه به، فلم يفعل، وقال: ما أعدل عن رأي ابن القاسم، فهو الذي أفتيتموني به منذ قعدت هذا المقعد. وقضى على الرجل برأي ابن القاسم. فغضب عليه من يومئذ ابن حبيب، وظاهر يحيى بن يحيى ضده على مطالبته، ودس من رفع عليه إلى الأمير أنه لا يحسن القضاء، فعزله في آخر سنة تسع ومائتين، وسرحه إلى بلده. فبلغنا أنه لما أزمع الرحيل ركب بغيلته التي جاء بها، ووضع خريجه الذي ساقه تحته وقال لمن شيعه من صديقه: يا أهل قرطبة. أقلوا علنا اللوم، فكما جئناكم كذلك ننصرف عنكم! وذكر عثمان بن سعيد الزاهد قال: لما احتضر يحيى بن معمر بإشبيلية وأيقن بالموت قال لمولى له من أهل الصلاح كان ينصحه: أقسم عليك بالله أجل الأقسام إذا أنا مت إلا ما ذهبت إلى قرطبة، فقف بيحيى ابن يحيى وقل له: وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. ففعل مولاه ما أمره، وأبلغ يحيى ما به تقرعه. قال: فبكى يحيى حتى أخضل لحيته، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! ما أظننا إلا خدعنا في الرجل ووشي بيننا وبينه. ثم ترحم عليه واستغفر له. قال القاضي أبو الوليد ابن الفرضي: قال خالد بن سعد: سمعت أحمد بن خالد يقول: كانت ليحيى بن معمر رحلة لقي فيها أشهب بن عبد العزيز، وسمع منه، وولي القضاء بقرطبة سنة تسع ومائتين

بعد سعيد بن بشير في أيام عبد الرحمن بن الحكم، وعجل صرفه بالأسوار بن عقبة الوالي بعده سنة عشر ومائتين. ذكر ذلك ابن عبد البر، ولم يذكر أنه أعيد إلى القضاء مرة ثانية. وحكى ابن حارث أن الأمير عبد الرحمن أعاده إلى القضاء مرة ثانية، وذلك الصحيح والدليل عليه أن يحيى بن معمر صلى بالناس صلاة الخسوف بقرطبة، وهو قاض، في مسجد أبي عثمان من الربض الغربي سنة ثمان عشرة ومائتين. روى ذلك أحمد بن خالد عن ابن وضاح قال: صليت الخسوف مع يحيى بن معمر سنة ثمان عشرة ومائتين. الأسوار بن عقبة قال محمد بن حارث: هو أبو عقبة الأسوار بن عقبة النصري، وكان من أهل جيان، فاستقدمه الأمير عبد الرحمن إلى قرطبة، وولاه قضاء الجماعة بها، أشار به عليه يحيى بن يحيى عند عزل ابن معمر. وكان من أهل التحري والتواضع وحسن السيرة واقتفاء السلف، حتى إنه كان يتصرف - زعموا - في مهنة أهله، ويحمل خبزه إلى الفرن بنفسه، وعلى ذلك فما سلم من فقهاء قرطبة. وهو الذي ابتنى المسجد الذي يعرف بمسجد الأسوار في الزقاق الكبير بقرطبة. وقال ابن عبد البر: الأسوار بن عقبة، كان رجلاً صالحاً عاقلاً فاضلاً مسمتاً حسن الحكم مستقيم القضاء وكان الفقيه محمد بن عيسى الأعشى كثير الدعابة لا يصبر عنها، فكان يقول للأسوار قبل أن يلي القضاء: كيف حالك يا أبا عقبة؟ - مفتوحة العين مثقلة -، فلما ولي القضاء أتاه محمد بن عيسى، فشهد عنده مع آخر من أهل القبول، فأعلم برد اسم محمد دونه، وقال للمشهود له: زدني بينة! وذلك بمحضر الأعشى.

فقال له: أظنك - أكرمك الله - لم تقبل شهادتي! فقال له: أنت - أكرمك الله - جاد في شهادتك هذه أو هازل؟ فإني أعرفك كثير الهزل، فعرفني إن كنت صدعت بها عن حق، فمثلك لا ترد شهادته، وإن كانت من أهزالك فقد وقفتها. فقام عنه الأعشى منقطع الحجة. فكان يقول بعد ذلك: قاتل الله الأسوار! فلقد قطع بي عن كثير مما كنت أستريح إليه من الدعابة بعد مجلسي معه. وأنشد: من المتقارب وتحسب من خبه أنه ... تراه عن الناس في غربه وما ذاك منه فلا تأمنوه إلا لتمكنه الوثبه رأيت له ناظرى هرة ... تراءى لها الفأر في ثقبه إبراهيم بن العباس القرشي قال محمد بن حارث: هو إبراهيم بن العباس بن عيسى بن عمر بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، يكنى أبا العباس، استقضاه الأمير عبد الرحمن بن الحكم بمشورة يحيى بن يحيى، فكان محموداً في قضائه، عادلاً في حكومته، متواضعاً في أحواله، غير متصنع، ولا مترفع. حكى محمد بن عمر بن لبابه قال: كان القاضي أبو العباس المرواني ربما جلس في بيته يقضي بين الناس، وإن جاريته لتنسج في كسر البيت.

قال: وكانت ولايته سنة أربع عشرة أو خمس عشرة. وذكر محمد بن وضاح قال: هوى إبراهيم بن العباس إلى الشيخ يحيى بن يحيى جداً، وعول على رأيه، فوجد أعداؤه السبيل إلى ذمه والسعاية عليه، من باب انقطاعه إلى يحيى ورضا يحيى عنه من بين من لم يزل يسخطه من القضاة قبله، فوشوا الوقائع فيهما إلى الأمير عبد الرحمن، وانتصحوه في تآلفهما، وقالوا إن إبراهيم لا يقبل من الناس إلا من أشار عليه يحيى بقبوله ولا يفصل في حكومة إلا عن أمره، فقد استمال الناس إليه، فلهم فيه هوى شديد، وطمعه قوي في أن يصير الأمر في يده، فشغل بال الأمير جداً، ووهمه في دغل الشيخ يحيى بن يحيى على انحطاطه في شعبه وعزوه لإرادته. فأحضر ضده عبد الملك بن حبيب وخلا به، وقال له: قد تعلم يدي عندك، وأنا مكترث لأمر كبير أريد أن أسألك عنه، فاصدقني فيه. فقال: نعم، لا يسألني الأمير - أعزه الله - عن شيء إلا صدقته عنه. قال: فإنه رفع إلينا عن قاضينا إبراهيم وعن صديقه يحيى بن يحيى أنها يعملان علينا في هذا الأمر. فقال له عبد الملك: قد علم الأمير ما بيني وبين يحيى من التباعد، ولكني لا أقول إلا الحق: ليس يجيء من عند يحيى إلا ما يجيء مني، فمكانه من الدين مكانه، وكل

ما رفع عليه إليك فباطل. وأما القاضي فلا ينبغي للأمير أن يشركه في عدله من يشركه في نسبه. فعزله الأمير حينئذ عن القضاء. وقال محمد بن حارث: أخبرني بعض العلماء قال: قدم موسى بن حدير عن الحج وكان في الغاية من النبالة، ودعاه الأمير عبد الرحمن إلى الخدمة، فأبى عليه، ولزم الانقباض، فبلي بعد مديدة بامرأة من جيرانه استعدت عليه القاضي إبراهيم، وذكرت أنه ظلمها في دار لها تلاصقه. فأرسل فيه إبراهيم وأحضره إلى مجلسه، ووقفه على دعوى المرأة، واقتضى جوابه. فقال له: أوكل - أعزك الله - عندك من يخاصمها عني. فقال: لا بد لك أن تقول بما عندك من إقرار أو إنكار، ثم توكل بعد ذلك على خصومتك من تشاء. فقال موسى: لا، بل أذاكر نفسي، وأقدم من يجاوب عني بما أحققه من أمرها. فأبى إبراهيم أن يقبل منه، واضطره إلى تعجيل جوابه في مجلسه، واشتد عليه. فلما لم يجد من الجواب بداً، وقد حمى والتظى، قال: أو خير من ذلك - أصلحك الله -؟ أقول إن جميع ما تدعيه هذه المرأة حق، وهي في دعواها مصدقه لا اعتراض عندي عليها. فلا سبيل لك إلي! فقام وهو قد احتمل على إبراهيم حقداً عظيماً حمله على أن سعى عليه، وأرهف حيلته لمطالبته.

وابتدأ فكتب إلى الأمير عبد الرحمن يذكر له أنه تعقب رد أمره فيما كان أراده عليه من معاوده العمل، ورأى أنه قدح في صدق طاعته، وفريضة ولائه، وسأله تقليد الخزانة التي كانت مضمار أمانته، فأعجب الأمير ذلك من اعترافه، وولاه الخزانة، فتصرف فيها تصرفاً أدناه منه، فأنبسط إليه في غير شيء، ثم سأله في بعض الأيام الخلوة له يذكره، فأجابه إليها، فقال له: صح عندي أن القاضي إبراهيم بن العباس يخاطب في مجلس نظره بأن يقال له: يا بن الخلائف وأن له اسماً يصغي قلوب العامة إليه! فلم يتملك الأمير عبد الرحمن حين وقرت الكلمة أذنه أن عزل إبراهيم. قال محمد بن حارث: وسمعت الأمير ولي عهد المسلمين ابن الناصر لدين الله يقول إنه سمع الحاجب موسى بن محمد بن حدير يقول إن موسى بن حدير عمه دسس امرأة من مواليه فوقفت للقاضي على طريقه فنادته: يا بن الخلائف! فكان ذلك سبباً لعزل إبراهيم. قال أحمد بن عبد البر: هو جد بني أبي صفوان، وكان عاقلاً فاضلاً مسمتاً، وكان عبد الرحمن قد عزم على أن يولى القضاء بعد الأسوار رأس الفقهاء يحيى بن يحيى، فامتنع، وأشار بإبراهيم بن العباس على عبد الرحمن، فولاه القضاء، فاستقل به، وأقسط في حكمه، وأسرف في طواعيته للشيخ يحيى بن يحيى والوقوف عند حده، حتى لحقتهما معاً تهمة

التواطؤ عند الأمير عبد الرحمن، فسارع في صرفه عن القضاء، وذلك آخر سنة ثلاث عشرة ومائتين. قال: وكان يكتب للقاضي إبراهيم عبد الملك بن الحسن زونان الفقيه، أشار به عليه يحيى بن يحيى. محمد بن سعيد قاض للأمير عبد الرحمن بن الحكم، لم يذكره محمد بن حارث، وذكره أحمد بن عبد البر، فقال: القاضي محمد بن سعيد، يكنى أبا عبد الله، وكان أصله من كورة إلبيرة، وكان معرفة للشيخ يحيى بن يحيى، وكان ينزل به يحيى ببلده أيام كان يضرب بالتجارة أول أمره، بلا علمه ومعرفته، فأشار به على الأمير عبد الرحمن، فولاه قضاء الجماعة أول سنة أربع عشرة ومائتين، فاستقل به، وكان جميل المذهب في قضائه، حسن السمت والهيئة، إلا أنه كان طاعة ليحيى بن يحيى لا يعدل به أحداً، وكان إذا اختلف عليه الفقهاء لم يعدل عن يحيى معدلاً. فاتفق أن وقعت له قصة شاروهم فيها، تفرد الشيخ يحيى بن يحيى بقول خالفته فيه جماعتهم، فأرجأ القضاء فيها حياء من جماعتهم، وأردفته قصة أخرى شاورهم فيها بعد توقيفه للأول، وقد اغضب بذلك يحيى. فلما أتاه كتابه بهذه الردافة صرفة عن رسوله، وقال له: ما أفك له ختاماً، ولا أشير عليه بشيء، إذ قد توقف عن القضاء لفلان بما أشرت به عليه وعافه.

فلما انصرف إليه رسوله وعرفه بقوله قلق منه، وركب من فوره إلى يحيى بن يحيى، فقال له: لم أظن أن الأمر يبلغ بك في توقفي عن القضاء لفلان بفتواك هذا المبلغ الذي قد غيرك. وهذا مقام المعتذر إليك، فسوف أقضي له غير يومي إن شاء الله تعالى! فقال له يحيى: وتفعل ذلك صدقاً؟ قال: نعم. فقال له يحيى بن يحيى: يا هذا، هجت الآن غضبي! فإني ظننت إذ خالفني أصحابي أنك توقفت مستخيراً لله، متخيراً في الأقوال. فأما إذ صرت تتبع الهوى وتقضي برضا مخلوق ضعيف فلا خير فيما تجيء به، ولا في إن رضيته منك. فارفع مستعقياً من ذاتك، فإنه أستر لك، وإلا رقعت في عزلك! فرفع يستعفي، فعزل عن القضاء. يخامر بن عثمان الشعباني قال ابن حارث: هو يخامر بن عثمان بن حسان بن يخامر بن عثمان بن عبيد بن أفنان بن وداعة بن عمر الشعباني. وقال عبد الله بن يوسف المعروف بابن الفرضي.

بل هو معافري. قال ابن حارث: لا أعرف له كنية. وقال غيره: كنيته أبو مخارق. وهو أخو معاذ بن عثمان القاضي وعم سعد بن معاذ الفقيه، وهم من أهل جيان من قرية الأشعوب. وكان انتسابهم في العرب إلى جذام فيما أحسبه، وهم - فيما قيل - من جند قنسرين، وولي الأمير عبد الرحمن يخامر هذا قضاء الجماعة بقرطبة، ولم يك أهلاً له، ولا راجح الوزن، ولا حاضر اليقين، ولا واسع البصيرة فيه، وعامل الناس بخلق صعب، ومذهب وعر، وصلابة جاوز المقدار، فتسلطت عليه الألسن، وكثرت فيه المقالة. وانبرى له شاعر قرطبة في ذلك الزمان يحيى بن الحكم الغزال منتهك الأعراض، ومخزي الرجال، فأكثر هجوه وذمه، ووصفه بالبله والجهل، فندر بذكره. فمن قوله شعر له: من الطويل فسبحان من أعطاك بطشاً وقوة ... وسبحان من ولى القضاء يخامرا وقوله من أخرى: من الطويل فقلت له: كلفتني غير صنعتي ... كما قلدوا فضل القضاء يخامرا فأصبح قد حارت به طرق الهوى ... يكابد لجياً من البحر زاخرا فقلت: لو استعفيت منها، فقال لي ... سأفصح ما قد كان ذاك مغايرا فقلت له: رأس الفضوح إقامة ... علينا كذا من غير علم مكابرا وخطبك في دين الإله على عمى ... خباطة سكران تكلم سادرا

فلن تحمل الصخر الذباب ولن ترى الس ... لاحف يزجين السفين المواخرا وقوله فيه: من المجتث لقد سمعت عجيباً ... من آبدات يخامر قرا عليه غلام ... طه وسورة غافر فقال: من قال هذا؟ ... هذا لعمري شاعر! أردت صفع قفاه ... فخفت صولة جائر أتيت يوماً بتيس ... مستعبراً متحاسر فقلت: قوموا اذبحوه ... فقال: إني يخامر! وكان الغزال بذيئاً منتهكاً للأعراض قال ابن حارث: وحدثني الأمير ولي العهد الحكم بن الناصر لدين الله - وقد جرى ذكر يخامر وما وصف من بلهه وغفلته - قال: ألقى عبد الله بن الشمر الشاعر يوماً بين سحاءات يخامر بن عثمان التي كان ينادي بها الخصوم للتقديم إليه سحاءة مكتوباً عليها يونس بن متى والمسيح بن مريم، وخرجت السحاءة إلى يده، فأمر أن يدعى له بها، فهتف الهاتف: يونس بن متى، والمسيح ابن مريم! واتصل الهاتف بخارج المجلس، ولا مجيب، إلى أن صاح ابن الشمر: إن نزولهما من أشراط الساعة؟.. ثم تناول سحاءة فكتب فيها: يخامر ما تنفك تأتي بفضحة ... دعوت ابن متى والمسيح بن مريما فثوب فينا ثم ناداك صائح: ... فإنهما لما على الأرض يعلما

قفاك قفا جحش ووجهك مظلم ... وعقلك ما يسوى من البعر درهما فلا عشت مودوداً ولا رحت سالماً ... ولا مت مفقوداً ولا مت مسلما فلم يلبث الفقهاء أن أطبقوا على ذم يخامر وقدحه، وثارت العامة به، فتألب عليه قوم رفعوا فيه إلى الأمير عبد الرحمن يشكونه إليه، فلما كثر ذلك على الأمير أمر الوزراء بالشهادة والنظر في أمر يخامر، فذكرت عنه أشياء مدارها على قلة المدارة وترك حسن المعاملة. قال محمد بن حارث: وأخبرني محمد بن عبد الملك بن أيمن قال: فلما أتى الفتى إلى يخامر بعزله من عند الأمير رحمه الله قال له يخامر على رؤوس الناس: قل للأمير - أصلحه الله - إذ وليتني أمرتني أن أتحفظ من السلسلة السوء، واليوم تعزلني ببغيها علي! فلما بلغ الفتى قوله إلى الأمير قال: قبحه الله! ذكر أسرارنا على رؤوس الناس!. وكان الأمير عبد الرحمن قد ضاق بيحيى بن يحيى والفقهاء الضالعين معه في كل ما يشير به ولا يخالفون عن أمره، فكان الأمير عبد الرحمن يكره تألبهم ويقلق منهم ويسميهم سلسلة السوء. فلما ولي يخامر بن عثمان القضاء حفظه منهم وسماهم له هذا الاسم، فتجنبهم يخامر، وأخذ حذره منهم، فلم يلبث أن تمالأوا عليه، فأفشوا ذمه، وأبدوا عيبه، وكرهوه إلى الناس، واعملوا أقلامهم فيه إلى الأمير حتى أمر بعزله فلما أن جاءه الرسول فضح سره بالقول الذي تقدم ذكره، فزاد في كرهه له.

وقال ابن عبد البر: القاضي يخامر بن عثمان، لا أحفظ له كنية، وأصله من جيان، ولاه الأمير عبد الرحمن القضاء سنة عشرين ومائتين، وكان رجلاً فاضلاً عفاً خيراً، غير أنه كانت فيه عنجهية وجفاء. لما بلا أمر الحكومة بقرطبة ونظر إلى قدر الشيخ ابن يحيى عند أهلها وغلبته على نفوسهم وطواعيتهم له ضاق صدراً به، فكتب إلى الأمير عبد الرحمن: إني قدمت قرطبة، فوجدت لها أميرين: أمير الأخيار، وأمير الأشرار. فأما أمير الأخيار فيحيى بن يحيى، وأما أمير الأشرار فأنت. فاستجفاه عبد الرحمن وأمر بعزله. وأعاد على القضاء سعيد بن سليمان، فلم يزل سعيد قاضياً من آخر سنة عشرين ومائتين إلى آخر سنة سبع وعشرين، فإنه توفي بها، واستقضى الأمير عبد الرحمن مكانه علي بن أبي بكر الكلابي. علي بن أبي بكر الكلابي قال ابن عبد البر: هو علي بن أبي بكر القيسي، يكنى أبا الحسن، وهو جد علي بن محمد بن الباسه استقضاه الأمير عبد الرحمن سنة سبع وعشرين، أشار به الشيخ يحيى بن يحيى؛ وقلما كان الأمير عبد الرحمن يولى قاضياً إلا عن مشورة يحيى بن يحيى ورضاه، ولذلك ما كثرت القضاة في أيامه، إذ كان الشيخ يحيى بن يحيى يشير بالقاضي منهم بعد القاضي، فإذا أنكر على القاضي منهم شيئاً قال له: استعف من الأمير وإلا رفعت في عزلك. وكان علي بن أبي بكر شريف النفس، حسن السمت، على اعتدال واستقامة حال، ولم يزل قاضياً وصاحب صلاة إلى أن توفي في سنة إحدى وثلاثين ومائتين. وقد

قيل إنه صرفه سنة تسع وعشرين ومائتين قبل وفاته، وولي مكانه محمد بن زياد بن عبد الرحمن اللخمي. وقال محمد بن حارث: علي بن أبي بكر بن عبيد الكلابي يلقب بيوانش، وهو من أهل قبرة. معاذ بن عثمان الشعباني قال محمد بن حارث: ولى الأمير عبد الرحمن بن الحكم قضاء الجماعة معاذ بن عثمان الشعباني، وكان من أهل جيان، فكان قاضياً بقرطبة سبعة أشهر، ثم عزله، وكان السبب في عزله - زعموا تعجيله بالحكومة، وأنه أحصى عليه في مدته تلك سبعون قضية أنفذها، فاستكثرت منه، وخيف عليه الزلل، فعجل عزله. وقد كان - فيما سمعنا به - حسن السيرة، لين العريكة، خالق الناس بغير خلق يخامر أخيه، وطلب التخلص منهم، فما استوى له ذلك. وسمعت من يحكي عنه أنه كنت معه صحية ضمير، وسلامة قلب، وكان لا يظن بأحد شراً. وكان قد ولى الأحباس بقرطبة رجلاً أحسن الظن به، فلا بلاه أكذب ظنه، فقال فيه يحيى بن الحكم الغزال: من الطويل يقول لي القاضي معاذ مشاوراً ... وولى أمراً فيما يرى من ذوي العدل

قعيدك ماذا تحسب المرء صانعاً؟ ... فقلت: وماذا يفعل الدب في النحل؟ يدق خلاياها ويأكل شهدها ... ويترك للذبان ما كان من فضل وللغزال في عدلين من عدول معاذ: من الطويل أتاك أبو حفص ويحيى بن مالك ... فأهلاً وسهلاً بالوغى والمعامع رجال إذا صبوا عليك شهادة ... حكت فيك وقع المرهفات القواطع أقول لديك إذ رأيت وجوههم: ... تعز فقد جاءتك إحدى الفجائع! رنا واستهلت عند ذاك دموعه ... وقال: كثيراً ما أفاضوا مدامعي وقال ابن عبد البر: هو معاذ بن عثمان أخو يخامر بن عثمان، يكنى أبا عبد الله، أصله من كورة جيان، وكان عابداً ناسكاً. أخبرني من سمع سعد بن معاذ يقول: كان معاذ بن عثمان من الأبدال، وكانوا يعدونه مجاب الدعوة. يذكر أنه أتاه يوماً رجل متظلم من الحاجب ابن رستم ويقول إنه اغتصبه مالاً له، فقال له: خذ طابعاً وامض به نحوه، فتصد له وقل له: هذا طابع

القاضي. فإذا هو ركب فاجبذه بكل قوة عندك، فاضرب بيدك على عنانه ولا تفارقه حتى يصير إلينا،...............، وإياك أن تتذلل له، فإنه أهيب لك. فأخذ الرجل الطابع، ومضى به إلى الحاجب. وقد تقدم وتشهدوا عنده لا أشهدته لكم،..... الرجل بين يديه ما شاء، وهذا وكيلي نصيره إليه، وينصفه مما يدعيه. فأتوا القاضي فأعلموه، فأخذ للرجل بحقه. وكان تقلد معاذ القضاء سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، فعمل عليه ثلاث أعوام، ومات وهو يليه سنة أربع وثلاثين ومائتين بعد مهلك الشيخ يحيى، فولى مكانه محمد ابن زياد اللخمي. محمد بن زياد اللخمي قال محمد بن حارث: ثم ولى الأمير عبد الرحمن قضاء الجماعة بقرطبة بعد معاذ بن عثمان محمد بن زياد ابن عبد الرحمن بن زهير اللخمي، ومحمد هذا هو وال القاضي الحبيب بن زياد. وكان محمد حسن السيرة، محمود الولاية، رفيع البيت في العلماء بقرطبة، وسمع من معاوية بن صالح سماعاً كثيراً.

وقال لي محمد بن عبد الله بن أبي عيسى: لما احتضر يحيى بن يحيى أسند وصيته في أداء دين وبيع مال إلى محمد بن زياد، وكان القاضي يومئذ، فكانت وصيته في ذلك الوجه خاصة. قال: وهو الذي صلى على يحيى، فذكر أن ابنه إسحق بن يحيى تقدم يتقدمه للصلاة: يكبر ابن زياد، ويكبر إسحق تلوه، وجرى على ذلك في التسليم بعد تسليم ابن زياد. فلما ووري يحيى وبخ ابن زياد إسحق على ما فعله، وقال له: من أقدمك علي بهذا؟ فقال له إسحق. من قدمك أنت للصلاة على أبي؟ فقال له ابن زياد. أمر الصلاة إلي دونك، ومع هذا فإن أخاك - يعني عبيد الله - دعاني إلى ذلك، وهو - مع فتائه - أرشد منك. أما والله لولا حفظي لصاحب الحفرة لأدبتك! وكان عبيد الله بن يحيى يومئذ ابن سبع عشرة سنة، فكان ثناء محمد بن زياد يومئذ عليه أول أسباب سؤدده، وما زال ابن زياد له على تكريم ومبرة. وذكر أحمد بن زياد عن محمد بن وضاح قال: شهد شاهد عند القاضي محمد بن زياد بشهادة على المعروف بغراب - وكان جاهلاً عاتباً -، فقال غراب لمحمد بن زياد:

ومن شهد علي - أصلحك الله -؟ فما أحسبه الليث بن سعد! فقال له ابن زياد: وما ذكر الليث بن سعد هاهنا؟! فأمر به - وذلك في المسجد، وهو والي الشرطة - فقنع أسواطاً. قال: فكان ذلك من فعله صواباً. قال ابن وضاح: وابن القاسم يرى أن يعزر السلطان الرجل في المسجد بالسوط، وسحنون يأبى ذلك. قال: ولما ولي سحنون بن سعيد القضاء حمل الضرب على الذي لا يريد غرم ما عليه وهو ملئ بعد أن حبسه، فقال له: من أين أخذت الضرب، وإنما كنا نعرف الحبس حتى يغرم؟ فقال: من حديث النبي صلى الله عليه وسلم في قوله مطل الغنى ظلم، فإذا كان ظالماً كما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أدبته. وذكر بعض الرواة قال: بينما القاضي محمد بن زياد يوماً يساير الفقيه محمد بن عيسى الأعشى إذ لقيا رجلاً يتما يد سكراً، فأمر ابن زياد الأعوان بأخذه، وحمله ليقيم عليه الحد، ففعلوا. وانتهى محمد بن زياد من طريقه إلى مكان ضيق تقدم فيه، واستأخر عنه صاحبه الأعشى، فدنا إلى الغلام الذي كان يمسك السكران، فقال له: يقول لك القاضي أطلق

الرجل. ففعل. وانتهى الأعشى مع ابن زياد إلى موضعه، ثم سلم عليه. وفارقه ابن زياد، فدعا بالسكران، فقال له غلامه: أمرني عنك الفقيه أبو عبد الله بإطلاقه، ففعلت، ولم أتهمه. فقال: أو فعلها؟ فهي من فعلاته! وابتسم، وقال: لعمري لقد أحسن! قال ابن حارث: وما أعرف ما أتى عن القضاة والحكام في هذا الباب من الإغضاء عن السكارى والتغافل لهم وجهاً يتسع لهم القول فيه، وينساغ لهم العذر فيه إلا وجهاً واحداً: وهو أن حد السكران من بين الحدود كلها لم ينصه الكتاب المنزل، ولا ورد فيه حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وإنما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل قد شرب، فأمر أصحابه أن يضربوه على معصيته، فضرب بالنعال وبأطراف الأردية. وتوفي صلى الله عليه وسلم ولم يحد في ضرب السكران حداً يلحق بسائر الحدود. فلما نظر أبو بكر الصديق رضي الله عنه في ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشار أصحابه قال له علي بن أبي طالب رحمه الله إنه من شرب سكر، ومن سكر هذي، ومن هذي افترى ومن افترى وجب عليه حد الافتراء، فأرى أن تضرب الشارب ثمانين: حد المفتري. فقبل ذلك منه هو والصحابة رحمة الله عليهم. وذكر الحديث أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال عند موته: ما شيء في نفسي منه شيء غير حد الخمر، فإنه شيء لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو شيء رأيناه بعده.

وقال ابن عبد البر: محمد بن زياد بن عبد الرحمن يكنى أبا عبد الله، وهو والد الحبيب ابن زياد القاضي. كان رجلاً عاقلاً راوية عن يحيى، ولكنه لم يكن حافظاً، وأبقاه الأمير محمد على القضاء حتى توفي ابن زياد. قال محمد بن وضاح: وكان محمد بن زياد أحد العقلاء الحلماء الأدباء. لقد أتيت يوماً معه ومع رجل من قريش إلى عيادة مريض من إخوانه، فاستأذن عليه، وسألت بنا خادمه، فقال لها قولي لمولاك: هذا فلان القرشي والفقيه ابن وضاح ومحمد بن زياد بالباب. أخر نفسه وقدمنا، وكنى عنا وتسمى هو، فاستحسنا أدبه واستبرعناه. وقال محمد بن حارث: لم ينقم من محمد بن زياد في ولايته شيء فيما ذكره رواة الأخبار غير دالة كانت تظهر من زوجته تكفات تبين أثرها عليه على ما يفعله بعض الزوجات الحظيات ببعولهن، فمن قبلها وجد السبيل إلى عيبه. وقال ابن عبد البر: لم يزل محمد بن زياد على القضاء والصلاة معاً بقرطبة إلى أن هلك الأمير عبد الرحمن ابن الحكم، وقد استكمل بعدد قضائه عليها عشرة قضاة، وهم: مسرور بن محمد مولاه؛ سعيد بن سليمان؛ يحيى بن معمر الألهاني؛ الأسوار بن عقبة، إبراهيم بن العباس المرواني؛ محمد بن سعيد؛ يخامر بن عثمان؛ علي بن أبي بكر، معاذ بن عثمان؛ محمد بن زياد رحمة الله عليهم أجمعين.

الوفاة لأولى النباهة في دولة الأمير عبد الرحمن بن الحكم

الوفاة لأولى النباهة في دولة الأمير عبد الرحمن بن الحكم سنة سبع ومائتين توفي فيها - على خلاف من الرواة - فطيس بن سليمان. وقيل بل في سنة سبع وتسعين ومائة في حياة الأمير الحكم. وفطيس لقبه، واسمه عثمان، ثم صار هذا اللقب فيهم اسماً علماً تنازعوه لنباهة حامله جدهم باني بيتهم ذلك. ذكر ذلك الوزير عيسى بن فطيس. وغربيب بن عبد الله الثقفي بطليطلة. سنة ثمان ومائتين فيها هلك عبد الله المعروف بالبلنس بن الأمير عبد الرحمن بن معاوية الداخل، بعدما توفي قبلهما في هذه السنة أيضاً.

سنة تسع ومائتين

وفيها توفي حسن بن عاصم الثقفي الفقيه. وفي كتاب القاضي ابن الفرضي: حسين بن عاصم بن كعب بن محمد بن علقمة بن خباب بن مسلم بن عدي بن مرة، عرف بالثقفي، يكنى أبا الوليد، قرطبي حسيب، ابن عاصم المعروف بالعريان صاحب الأمير الداخل عبد الرحمن بن معاوية، سمي بذلك لأنه أولى من عبر نهر قرطبة إلى أصحاب يوسف الفهري بين يدي عبد الرحمن بن معاوية، وهو عريان، فلزمه اللقب. وكانت لحسين رحلة سمع فيها من ابن القاسم وابن وهب وأشهب ومطرف وابن نافع ونظرائهم. وولي السوق للأمير محمد بن عبد الرحمن، فكان شديداً على أهلها في القيم، يضرب الباعة ضرباً شديداً مبرحاً، فكأنه سقط بذلك عن أن يروى الناس عنه، وتوفي صدر أيام الأمير محمد سنة ثلاث وستين ومائتين. سنة تسع ومائتين فيها توفي الحاجب القائد الكاتب عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث. وعبد الله الأحدب النحوي المعلم، وكان له وضع في النحو. سنة عشر ومائتين فيها توفي الحاجب عبد الرحمن بن غانم في الحبس. ومالك بن القتيل في المطبق. وفتح بن الفرج الأزدي الرشاش بالمشرق. وحجاج المغيلي الكاتب كاتب الترسيل، وهو من موالي يزيد بن طلحة العبسي.

سنة إحدى عشرة ومائتين

سنة إحدى عشرة ومائتين وليد بن أمية بن يزيد. وسفيان بن عبد ربه الحاجب. وسعيد بن القاضي محمد بن بشير المعافري. وفي كتاب القاضي أبي الوليد ابن الفرضي: هو سعيد بن قاضي الجماعة بقرطبة محمد بن بشير بن شراحيل - ويقال سرافيل - أصولهم من مدينة باجة. وكان سعيد هذا رجلاً صالحاً عاقلاً، سمع من يحيى بن يحيى وغيره، واستقضاه الأمير عبد الرحمن بعد والده، وتوفي حسبما قاله الرازي سنة عشرة ومائتين. سنة اثنتي عشرة ومائتين فيها توفي عيسى بن دينار بن واقد الغافقي، يكنى أبا محمد، أصله من طليطلة، وسكن قرطبة، وكانت له فيها رياسة بعد انصرافه من المشرق، وكان ابن القاسم يعظمه ويجله ويصفه بالفقه والورع، وكان لا يعد في الأندلس أفقة منه في نظرائه. أبو زياد إبراهيم بن زرعة الأندلسي مولى قريش، روى عنه سحنون، وتوفي بإفريقية في هذه السنة. سنة ثلاث عشرة ومائتين محمد بن موسى الغافقي، مولى لهم، وقد ولي الوزارة والكتابة.

سنة ست عشرة ومائتين

إبراهيم بن محمد بن مزين. عبد الخالق بن عبد الجبار الباهلي قاضي طليطلة. سنة ست عشرة ومائتين فهيا مات عبد الرحمن بن عبد الحميد بن غانم في الحبس، على اختلاف. سنة سبع عشرة ومائتين فرج بن مسرة بن سالم. سنة تسع عشرة ومائتين العباس بن عبد الله القرشي المرواني. وجهور بن يوسف بن بخت الفارسي الوزير. وقال الرازي: هلكا معاً في سنة عشرين بعدها. سنة عشرين ومائتين الفقيه قرعوس بن العباس بن قرعوس الفقيه راوية مالك بن أنس رحمه الله. وفي كتاب القاضي ابن الفرضي: قرعوس بن العباس بن قرعوس بن عبيد بن منصور بن محمد بن يوسف الثقفي، يكنى أبا الفضل، وقيل أبا محمد، قديم نبيه فقيه، رحل فسمع من مالك بن أنس وسفيان الثوري وابن جريج وابن أبي حازم الليث وغيرهم، فلم يتحقق بالحديث، وتحقق بالمسائل على مذهب مالك وأصحابه، وكان متديناً ورعاً فاضلاً. وكان ممن أتهم في أمر الهيج، فوقاه الله، وتوفي في أيام الأمير عبد الرحمن سنة عشرين ومائتين.

سنة إحدى وعشرين ومائتين

ومحمد بن كليب بن ثعلبة بسرقسطة. وحمدون بن فطيس. على اختلاف في ابن كليب وابن فطيس، ورواته في أنهما هلكا سنة ست وعشرين بعدها. وهلك إبراهيم بن عقبة، وحرب بن بلدس، وعبد الرحمن بن صبيح وأصحابهم الطليطليون في المطبق بقرطبة. سنة إحدى وعشرين ومائتين فيها مات حبيب بن سليمان والد الفقيه عبد الملك بن حبيب، وكان في عداد فقهاء قرطبة. حارث بن أبي سعد، مولى الأمير عبد الرحمن بن معاوية، يكنى أبا عمر، رحل فسمع من ابن القاسم وابن كنانة وغيرهما من المدنيين والمصريين، وهو جد بني حارث الذين كانت فيهم الخطط. وولي الشرطة الصغرى ولم يزل عليها إلى أن توفي. ومحمد بن عيسى بن عبد الواحد بن بخيح المعافري المعروف بالأعشى، من أهل قرطبة، يكنى أبا عبد الله، رحل سنة تسع وسبعين ومائة، فسمع من سفيان، ووكيع، ويحيى القطان، وغيرهم من المدنيين والعراقيين، وكان الغالب عليه الحديث والأثر، وكان عاقلاً سرياً جواداً، وكانت فيه دعابة فاشية، وله فيها أخبار محفوظة، وكان من الأجواد المتصدقين، وممن جمع الفقه إلى رواية الحديث. وفي موته اختلاف: قيل سنة إحدى وعشرين، وقيل بل سنة اثنتين بعدها.

سنة ثلاث وعشرين بعدها

سنة ثلاث وعشرين بعدها فيها توفي أبو محمد بن خالد جد بني عمار المراديين بقرطبة. سنة أربع وعشرين ومائتين محمد بن خالد بن مرتنيل المعروف بالأشج، صاحب الصلاة بقرطبة، وكان على الصلاة والشرطة معاً، وتوفي وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. وفي كتاب ابن الفرضي: أبو عبد الله محمد بن خالد الأشج، مولى الأمير عبد الرحمن بن معاوية، يعرف بابن مرتنيل، قرطبي نبيه، رحل فسمع من ابن القاسم وأشهب وابن نافع ونظرائهم من المدنيين والمصريين، وكان الغالب عليه الفقه، ولم يكن له علم بالحديث، وولى الشرطة للأمير عبد الرحمن، وولي الصلاة أيضاً. وفي موته خلاف: قيل سنة عشرين، وقيل سنة أربع وعشرين. سنة خمس وعشرين ومائتين الوليد بن عبد الخالق بن عبد الجبار بن قيس الباهلي قاضي طليطلة. سنة ثمان وعشرين ومائتين فيها مات أبو عبد الله بن محمد بن سعيد الزجالي المعروف بالأصمعي، صنيعة الأمير عبد الرحمن، وهو حامل بعد الوزارة والكتابة والقيادة، على اختلاف، وقيل إنه توفي سنة اثنتين وثلاثين ومائتين بعدها. سنة تسع وعشرين ومائتين وكان فيها موت يحيى بن معمر الألهاني الذي كان قاضي الجماعة. ويحيى بن موسى.

سنة ثلاثين ومائتين

سنة ثلاثين ومائتين عبد الله بن الغازي بن قيس. قال ابن الفرضي في كتابه: عبد الله بن الغازي بن قيس، من أهل قرطبة، وقد كان عالماً باللغة والغريب والعربية، بصيراً بقراءة نافع بن أبي نعيم، روى عنه ثابت بن حزم السرقسطي وابنه قاسم وغيرهما. سنة اثنتين وثلاثين ومائتين فيها مات زونان الفقيه، وكان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه عبد الملك بن الحسن. قال ابن الفرضي: هو عبد الملك بن الحسن بن محمد بن زريق بن عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكنى أبا مروان، وقيل أبا الحسن، يعرف بزونان، روى عن صعصعة ابن سلام، وكان مفتياً في أيام الأمير عبد الرحمن، وكان له رحلة سمع فيها ابن القاسم وأشهب وابن وهب وغيرهم من المدنيين، وكان يذهب أولاً إلى مذهب الأوزاعي - وكان الفقه أغلب عليه - ثم تحول إلى مذهب مالك. وهلك سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.

سنة أربع وثلاثين ومائتين

سنة أربع وثلاثين ومائتين وعميد الفقهاء شيخ قرطبة يحيى بن يحيى الليثي، هلك لثمان بقين من رجب منها، وله ثنتان وثمانون سنة. وقال أحمد بن محمد الرازي: بل عيشة الأربعاء لثمان بين من ذي حجة منها. وفي كتاب ابن الفرضي: هو يحيى بن يحيى بن كثير بن وهلال بن تسمال بن منقايا، أصله من برابر مصمودة، يتولى بني ليث، يكنى أبا محمد، وكان كبير الأكابر بقرطبة، سمع فيها لأول نشأته من زياد بن عبد الرحمن الموطأ، ثم رحل إلى المشرق، فسمع الموطأ من مالك بن أنس غير أبواب من الاعتكاف شك في سماعها من مالك، فأثبت روايته فيها عن زياد عنه. ورحل إلى مالك وهو يومئذ ابن ثمان وعشرين سنة، فسمع منه، ومن نافع بن أبي نعيم، وسمع بمكة من سفيان بن عيينة، وبمصر من الليث بن سعد، وابن وهب، وابن القاسم، وغيرهم. وقدم إلى الأندلس بعلم كثير، فعادت فتيا الأندلس بعد عيسى بن دينار إلى رأيه وقوله، وكان يفتى برأي مالك صرفاً لا يعدوه إلا في القنوت في الصبح فإنه تركه لرأي الليث، وترك يحيى من رأى مالك أيضاً الأخذ باليمين مع الشاهد، وأخذ بقول الليث في ترك ذلك وإيجاب شهيدين، وكان أيضاً لا يرى بعثة الحكمين عند تشاجر الزوجين، فكان ذلك مما ينكر عليه. وكان يحيى يفضل بالعقل على علمه.

سنة خمس وثلاثين ومائتين

وقال محمد بن عمر بن لبابة: فقيه الأندلس عيسى بن دينار، وعالمها عبد الملك بن حبيب، وعاقلها يحيى ابن يحيى. وكان يحيى ممن أتهم بالإجلاب في الهيج، فهرب إلى طليطلة، ثم استأمن الأمير الحكم، فأمنه، وانصرف إلى قرطبة. سنة خمس وثلاثين ومائتين محمد بن سعيد بن رستم الوزير الحاجب، في صفر منها. وأخوه القاسم قبله. والشريف يحيى بن سليمان بن الأمير عبد الرحمن بن معاوية، وكان من الجلساء والغمر بن يحيى بن عبد الغافر بن أبي عبدة. وخاطب العاز. وأبو اليسول الشاعر سعيد بن يعمر بن علي العبدي بسرقسطة. والأخ بكر بن الأمير الحكم بتدمير، وكان قائداً بها، فورد بذلك أمية بن سليمان عامل تدمير، فخرج زيدان الفتى الكبير للنظر في إحصاء تركته والاحتياط عليها. ومروان بن عبد الله الزجالي. وعبد الله بن محمد بن جابر.

سنة سبع وثلاثين ومائتين

والشريف أمية الأعشى بن هشام بن الأمير الحكم. وسعيد بن حسان الفقيه بقرطبة في جمادى الأولى منها. وفي كتاب القاضي ابن الفرضي: سعيد بن حسان مولى الأمير الحكم بن هشام، يكنى أبا عثمان قرطبي نبيه، رحل إلى المشرق سنة سبع وسبعين ومائة، فروى عن عبد الله بن نافع، وعبد الله بن عبد الحكم، وأشهب بن عبد العزيز، ومنه استكثر، وسمع منه سماعه عن مالك، وكتب رأيه وغير ذلك من أحاديثه، وانصرف سنة أربع ومائتين، وكان فقيهاً في المسائل حافظاً لها، مشاوراً مع الشيخ يحيى بن يحيى وعبد الملك بن حبيب وقاسم بن هلال، وكان منقطعاً إلى مؤاخاة يحيى، آخذاً بهديه، معظماً له، راكباً سننه، لا يخالفه في شيء يراه، قد غلب عليه مع ذلك حفظ رأي أشهب عن مالك واختاره، وتفرد براويته عنه، وكان على فقهه زاهداً فاضلاً ورعاً، وتوفي في أيام الأمير عبد الرحمن بن الكم سنة ست وثلاثين ومائتين، بعد خليله يحيى بن يحيى بعامين. والأخ سعيد الخير بن الأمير الحكم في ربيع الآخر. ومحمد بن حيون بن أبي عبدة أخو حمدون. ونصر الفتى الخصي خليفة الأمير عبد الرحمن الغالب على دولته، في شعبان منها. وعمر بن حفص بن أبان. سنة سبع وثلاثين ومائتين الوزير عبد الواحد بن يزيد الإسكندراني، وقد نيف على الثمانين سنة والفقيه قاسم بن هلال القيسي. من كتاب ابن الفرضي:

سنة ثمان وثلاثين ومائتين

قاسم بن هلال بن فرقد بن عمران القيسي، يكنى أبا محمد، قرطبي تفقه على زياد بن عبد الرحمن، ورحل، فسمع من ابن القاسم وابن وهب وغير واحد من المصريين والمدنيين من أصحاب مالك، وكان عالماً بالمسائل، ولم يكن له علم بالحديث، وكان رجلاً معقلاً وقوراً، حدث عنه بنوه وغيرهم. سنة ثمان وثلاثين ومائتين علي بن نافع الملقب بزرياب، مولى المهدي العباسي، في ربيع الأول من سنة ثمان وثلاثين ومائتين، هلك قبل وفاة الأمير عبد الرحمن بأربعين يوماً. وفيها مات هارون بن سالم، يكنى أبا عمر، قرطبي قديم، سمع من عيسى بن دينار ويحيى بن يحيى، ورحل إلى المشرق، فلقي أشهب بن عبد العزيز وروى عنه، وسمع من أصبغ بن الفرج، وعلي بن معبد، وسحنون، وغيرهم. وكان منقطع القرين في الفضل والزهد والعلم، وكان يقال فيه إنه مجاب الدعوة. وكان يحفظ المسائل حفظاً حسناً، إلا أن العبادة كانت أغلب عليه، وقد كانت تعرف كرامته وإجابته في غير ما شيء ومات على ذلك حدثاً في الأربعين من عمره، وكانت كتبه موقفة عند أحمد بن خالد وكانت بينه وبينه قرابة من طريق أمه، وتوفي فيما ذكره أحمد سنة ثمان وثلاثين ومائتين. وفيها مات الأمير عبد الرحمن بن الحكم ليلة الخميس لثلاث بقين من ربيع الآخر منها وقد تقدم ذكر ذلك في مكانه.

ذكر خصال من مناقب الأمير عبد الرحمن

ذكر خصال من مناقب الأمير عبد الرحمن بن الحكم لم تمر في عرض أخباره قال أحمد بن محمد الرازي: كان الأمير عبد الرحمن مقدم الطبقة في البلاغة، مطبوعاً في الكتابة، مقتدراً على ما حاول من سني البيان المنشور والمنظوم، مؤثراً لمن يحسنهما، مقرباً بوسيلتهما، وكان له التوقيع الوجيز والقريض المستحسن. فمما شهر من موجز توقيعه: توقيع له إلى بعض من سأله من مواليه توليته عملاً لم يكن من أهله: من لم يعرف وجه مطلبه كان الحرمان أولى به. ووقع إلى ابنه المنذر - وكان من بين ولده بليغاً مفوهاً - فكتب إليه يسأله أن يأذن له في اعتلاء المنبر بالبلد الذي كان يليه له ليقيم الجمعة ويخطبهم، ليحيي رسوم سلفهم وينوه به في إتباعهم. فوقع على ظهر كتابه: قالت الحكماء: لو كان الكلام من فضة، لكان الصمت من ذهب، وإني لأشفق عليك مما تحسنه، فكيف مما توهم عليك بعض التقصير فيه؟ بملحم سدادهما ومقتدح زنادهما ومجاريهما في مضمار باطلهما: زرياب المغني، تالى وحي الشيطان،

وثالث أثافي السلوان، ما له من متعة نعيم تملك القلوب، وتصور إليها الآذان، لو أن حياً يسلم من الحدثان. جرت لهذا الأمير المترف معهم في مجالسه ومشاربه نوادر أخبار، تونس زهر الروض غب القطار، وهي مبثوثة في الناس، على أن رسوم الباطل إلى بلي وأندراس. قرأت في كتاب معاوية بن هشام الشبينسي قال: من أبدع مكارم الأمير عبد الرحمن بن الحكم الدالة على سروه ورفعة نفسه وفرط استحيائه ورقة وجهه التي لم يكن يعدله فيهن أحد من أهل بيته أن أحضر يوماً مالاً كثيراً أتاه من بعض النواحي جلس لإيعابه في بدره، وقد أمر خدمه الصقالبة بتولي ذلك ونضده بين يديه إلى أن يأمر برفعه إلى بيت المال، فأخذوا في ذلك على عينه. واعترته سنة غض لها من طرفه، خالها بعض شرهائهم نعاساً، فمد يده إلى بدرة من ذلك المال، أختلسها حين غفلة من أصحابه، فصيرها في حضنه، والأمير ينظر إليه، فلما أكملوا نضد البدر أمرهم بإعادة عدها، فأصابوها تنقص تلك البدرة المختلسة، فتراموا بسرقها، واشتد بينهم التنازع فيها، فلما أكثروا قال لهم الأمير: حسبتم! كفوا عن ذكرها، فقد أخذها من لا يردها، ورآه من لا يفضحه. فإياه وإياكم من العود لمثلها، فإن كبير الذنب يهجم عن استنفاد العفو! ارفعوا المال وأقلوا المقال.

فاشتد عجب من سمع به من سعة كرمه وشدة حيائه. وقرأت فيه: كان مكان الأمير عبد الرحمن من صلة الرحم والحنو على القرابة على حال لم يساوه فيها أحد من أهل بيته، وكان قد اختص فوقهم جميعاً أخاه أبا عثمان سعيد الخير بن الأمير الحكم، فحباه بصداقته من بين سائر إخوته من وقت نشأتهما أيام أبيهما، فلما أن صار الأمر إليه تضاعف اختصاصه لسعيد، وأنسه به، ومباطنته إياه، وإلطافه له، فصار ينادمه ويخلو به ويتصرف معه في مغازيه وصيوده، ولا يصبر عنه، حتى اعتلت حال سعيد في أهل بيته، وحسدوه على ما أتيح له من الزلفى إلى الأمير عبد الرحمن وكان سعيد في ذاته سيداً جواداً. تذكرة للشامتين، وعظة للمتفكرين، وذاك أن قعد فيه في بعض خلواته للأنس مع جواريه والالتذاذ بأغانيه، على استعداد كان منه ليومه ذلك واحتفال في تهيئته. فبينما هو منغمس في نعمته، لاه بحبرته، إذ انهارت تلك الستارة السامية التي كان علاها على مجلسه الذي كان قاعداً فيه من داء استبطنها لم يشعر به لما أراده الله من عرض قدرته عله، فخر المجلس على من كان فيه من نسائه وخدمه، وسحقهم سحقاً، وقضى الله بنجاته من بينهم بأدق سبب، من قبل جائزة صلبة من جيزان المجلس تعرضت فوقه، فأمسكت عنه أذى الهدم، ونجا تحتها هو وجارية له حظية كان قد أجلسها إلى جنبه كانت تسمى منتهى المنى أم ولده مروان، نجت بنجائه، وهلك جميع جواريه أشنع هلاك، وكن أربع عشرة جارية. فارتجت المدينة من شناعة قصته، واتصل خبره بأخيه الأمير عبد الرحمن، فسر بخلوصه سروراً هون عنده جميع ما أصابه، وهنأه به أصحابه، واستدعى سعيداً إلى نفسه

ذكر المجاعة

فسلاه على ما أصابه، وأخلف عليه بكل جارية هلكت ثنتين، فأرسل إليه ثمني وعشرين جارية بما لهن من نشب وكسوة، ودفع إليه مالاً واسعاً يعيد له بناءه، ويطرد به شعثه، فاعتدلت حال سعيد، وجبر كسره، واتصلت ألفته بالأمير عبد الرحمن وبابنه الأمير محمد بعده. وطالت حياته إلى أن توفي في أيام الأمير محمد صدر ربيع الآخر سنة أربعين ومائتين فأرسل الأمير محمد بكفنه وحنوطه وطيبه من عنده، وعهد إلى بنيه وإخوته وأهل بيته ووزرائه وأهل خدمته بشهوده والمشي بين يدي نعشه. ذكر المجاعة وقال ابن هشام الشبينسي: نالت أهل الأندلس مجاعة شديدة صدر أيام الأمير عبد الرحمن سنة سبع ومائتين وكان سببها انتشار الجراد بالأرض ولحسه الغلات وتردده بالجهات، فنالت الناس مجاعة عظيمة، كفى حدها الأمير بإطعام الضعفاء والمساكين من أهل قرطبة، فيهم باسم أيوب العابد المستجاب، بعد أن تصفح وجوه الناس حوله، فلم تقع عينه عليه، فنادى باسمه مستحلفاً له بالله أن يبرز إليه، فلما أكثر من الإرجاف به برز ودنا منه، فاجتهد يحيى في الدعاء، وأيوب يؤمن وينادي ربه فسقى الناس ليومهم. وغاب أيوب فلم يظهر. ومضى ذكر هذا الخبر على اختلاف الرواة في تاريخ عامه واسم الإمام المستسقى

وقرأت بخط عبادة الشاعر قال: كان الشريف دحون بن الوليد، واسمه حبيب بن الوليد بن حبيب الداخل إلى الأندلس بن عبد الملك بن عمر بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، ودحون لقب له غلب عليه، ويكنى أبا سليمان. وكان من سراة بني مروان بالأندلس وعلمائهم وأدبائهم، وولد أيام الأمير الداخل في حياة جده حبيب بن عبد الملك الداخل أيضاً، وجده الذي رباه وأدبه، إذ توفي أبوه الوليد في حياة أبيه، فكفله بعده جده حبيب الذي هو والد جماعة هذا البطن الحبيبي من بني أمية بالأندلس، فنشأ حبيب دحون هذا فيهم فقيهاً فاضلاً عالماً أديباً شاعراً محسناً. وكانت له رحلة إلى المشرق في أيام الأمير عبد الرحمن بن الحكم، حج فيها ولقي عليه أهل الحديث، فكتب عنهم، وقدم إلى الأندلس بعلم كثير، فذهب إلى نشره، فكان يتحلق في المسجد الجامع بقرطبة، وهو يلبس الوشي الهشامي وما شاكله، فتكاثر الناس عليه، فكره ذلك الأمير عبد الرحمن، وأوصى إليه بترك التحلق، وقال له: إنك جد كسر من قريش ومنا بحيث تعلمه، ولا يصلح هذا الأمر بك فدعه! فترك ذلك. قال: وجرت لدحون في سفرته مع وإلى بني العباس بدمشق - بيت سلفه - قصة طريفة

حكاها إسحاق بن سلمة عن ابنه ولده عبدة بنت بشر بن دحون عن أبيها بشر قال: دخل أبي دحون إلى مدينة دمشق - وطنهم الأقدام - في رحلته إلى المشرق، وعاملها يومئذ لأبي إسحاق المعتصم عمر بن فرج الرخجي مولى بني العباس، فاتفق أن وافق كونه بها أيام غلاء نزل بأهلها وارتفاع سعر ضجوا منه، فأخذ الرخجي بضبطهم: بأن أمر بإزعاج من عندهم من الطارئين عليهم من أهل البلاد والغرباء. وجعل على كل من أخذ من أبناء السبيل بعد انقضاء الأجل الذي ضربه لهم أن يحل به أشد العقاب. فابتدر الغرباء بالخروج عنها، وأقام دحون لم يتحرك، فجيء به إلى الرخجي بعد الأجل، فقال له: ما بالك عصيت أمري؟ أوما سمعت ندائي؟ فقال له دحون: ذاك قدر لأني ابن بجدتها! وانتمى له. قال الرخجي: صدقت والله! ما أنت فيها بغريب، وإنك لأحق بالإقامة فيها منا. فأقم ما أحببت وانصرف إذا شئت. وذكر إسحاق بن سلمة عن أحمد بن عبد الله الحبيبي عن جده قال:

لما حج حبيب دحون اجتمع بمكة مع ابن عمه محمد بن يزيد بن سلمة، وكان مطمئناً ببلده بالشام بحال حسنة، فوهب له محمد جارية تسمى عابدة، وكانت سوداء حالكة من رقيق المدينة، وكانت تروى عن مالك بن أنس وغيره من العلماء شيوخها، فتسند عشرة آلاف حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقدم بها دحون إلى الأندلس، وهو قد أعجب بعلمها وفهمها، فاتخذها لفراشه، فولدت له بشراً إبنه.

الداخلون إلى الأمير عبد الرحمن من قومه

الداخلون إلى الأمير عبد الرحمن من قومه وفي كتاب معاوية بن هشام الشبينسي: من وجوه من دخل إلى الأندلس من بني مروان أبو القاسم بكار بن عبد الواحد ين داود بن سليمان بن عبد الملك بن مروان، دخلها أيام الأمير عبد الرحمن بن الحكم، ودخل معه ابن أخيه أبو سعيد مسلمة بن عبد الملك بن عبد الواحد بن داود بن سليمان بن عبد الملك فكرمهما الأمير عبد الرحمن ورحب بهما وأنزلهما وأحسن إليهما وأقطعهما، وأجرى لكل واحد من الرزق بالمشاهرة ثلاثين ديناراً. ودخل بعدهما من أهل بيتهما إلى الأمير عبد الرحمن أيضاً سنة ست وثلاثين ومائتين سلمة بن عبد الملك بن عبد الواحد بن داود بن سليمان، فأجراه مجراهما، وقد انقرض الآن عقب سلمة هذا. قال: ودخل الأندلس من هؤلاء المروانية أيام الأمير عبد الرحمن بن الحكم أصبغ بن محمد بن هشام بن محمد بن سعيد الخير بن عبد الملك بن مروان، فأنزله الأمير عبد الرحمن، وكرمه وأقطعه، فألقى عصاه بالأندلس وأنسل، فعرف ولده ببني السعيدي، وهم بإشبيلية.

ما قيل في رثاء الأمير عبد الرحمن بن الحكم

ما قيل في رثاء الأمير عبد الرحمن بن الحكم ووجدت بخط أبي بكر عبادة الشاعر لطاهر بن حزم الشاعر من قصيدة يرثي بها الأمير عبد الرحمن ويهنئ الأمير محمداً ابنه بالخلافة: من الطويل سقى الله قبراً بالنخيل غمامة ... تكاد إذا حلت عراها تفطر رأى الله إذ ولى الأمير محمداً ... لكم عصمة يأيها الناس فاشكروا فما نطق الأقوام فيه قناعةوهم في أبي بكر لعمري كثروا تبسمت الدنيا إليه وأقبلت ... إليه قلوب الناس لا تتأخر وخرج إلى مديح فأطال. ولعبد الله بن بكر المنبز بالنذل في ذلك: من المتقارب ألا إن في الدهر للمبصرين ... عجائب تبهر أنظارها تسور المنايا فما من عزيز ... يدافع بالعز تسوارها! وكان بالأمس سراج العلا ... يسوس البلاد وأقطارها على حين أحكم ريب الدهور ... وعرف الأمور وإنكارها

ومما يستلحق في باب الوفاة

أتته منيته بغتة ... وقد كان في الأرض جبارها فوسد بعد وثير الحشايا ... خلال المقابر أحجارها وخلاه أنصاره مفرداً ... وقد كان بالأمس أنصارها فلله ما استودعت في النخيل ... أكف الرجال ومن زارها ومما يستلحق في باب الوفاة ذكر عيسى بن دينار قال محمد بن حارث: رحل عيسى فأدرك أصحاب مالك متوافرين، فسمع من ابن القاسم كبيرهم، واقتصر عليه، فاعتلت في الفقه طبقته، وكان من أهل الزهد اليابس، والدين الكامل، مع قوته في التفقه لمالك وأصحابه، فلقد كان ابن وضاح يقول: هو الذي علم أهل الأندلس الفقه. توفي سنة اثنتي عشرة ومائتين. ذكر حارث بن أبي سعد وتوفي الفقيه أبو عمر حارث بن أبي سابق مولى الأمير عبد الرحمن، رحل فسمع من ابن كنانة، وولاه الأمير الحكم بن هشام الشرطة الصغرى، فكان أول من وليها، وأقره الأمير عبد الرحمن عليها. توفي سنة إحدى وعشرين ومائتين.

ذكر الشيخ يحيى بن يحيى

ذكر الشيخ يحيى بن يحيى أنه رحل رحلتين من الأندلس: سمع في الأولى من مالك بن أنس والليث ابن سعد ومن ابن وهب وغيرهم، واقتصر في الثانية على عبد الرحمن بن القاسم، وبه تفقه، وإليه انتهت الرياسة في العلم بالأندلس على عهد الأمير عبد الرحمن ابن الحكم، وتوفي في أيامه من غير تحديد لتاريخه.

§1/1